بابا الفاتيكان في الميزان
جمعه وأعده
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم ، على سيد الأولين والآخرين ، محمد بن عبد الله الصادق الوعد الأمين ، الذي بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ، وكشف الغمَّة ، حتى أتاه اليقين ، وعلى آله وصحبه الغرِّ الميامين ، الذي فتحوا مشارق الأرض ومغاربها خلال عدد من السنين ، وعلى من سار على دربهم ، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين .
أما بعد :
فمنذ أن أكرم الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة الخاتمة ، عاداه العرب والعجم ، لأنه دعاهم إلى سعادة الدارين ، وهم لا يريدون ذلك ، بل يريدون شقاء الدارين
فقد قال المشركون كما ذكر القرآن الكريم عنهم : {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (32) سورة الأنفال
وقال عن أهل الكتاب : {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} (89) سورة البقرة
وفي دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ -بَابُ مَا جَاءَ فِي دُخُولِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ برقم( 788) عَنِ السُّدِّيِّ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ نَاسٍ ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى " وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ " قَالَ : " كَانَتِ الْعَرَبُ تَمُرُّ بِالْيَهُودِ فَيُؤْذُونَهُمْ ، وَكَانُوا يَجِدُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ فَيَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَبْعَثَهُ نَبِيًّا فَيُقَاتِلُونَ مَعَهُ الْعَرَبَ ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ كَفَرُوا بِهِ حِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ( وهو حديث حسن )
ومن ثمَّ فقد أعلنوا الحرب الضروس على الإسلام والمسلمين منذ ذلك الحين ، لم ولن يخبوَ أوراها حتى قيام الساعة ، وفي مسند أحمد برقم( 18510) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْمُسْتَوْرِدَ قَالَ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقُلْتُ لَهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « أَشَدُّ النَّاسِ عَلَيْكُمُ الرُّومُ وَإِنَّمَا هَلَكَتُهُمْ مَعَ السَّاعَةِ » ( وهو حديث حسن).
ومن هنا جاءت تصريحات البابا المسيئة للإسلام والمسلمين ، فقام المسلمون بالرد عليه ، واختلفت درجة هذا الاستنكار عليه :
فمنهم من طالب بوقف الحوار مع القوم ، وهم دعاة الحوار منذ عشرات السنين ، ذلك لأن هذا الحوار المزعوم لم يكن له قيمة ولا وزن !!!
ومنهم من طالب البابا بالاعتذار عن إساءته البالغة ...
ومنهم من تظاهر وندد وأزبد وأرعد ، وقام ببعض أعمال (( الشغب ))
ومنهم من هوَّن الأمر ، ودافع عن البابا وأوَّل كلامه وحرَّف مقصده
ومنهم ومنهم .....
وهذا الكتاب الذي بين يدينا قد جمعته من مواقع كثيرة على النت، وخاصة :
شبكة نور الإسلام
صيد الفوائد
شبكة مشكاة الإسلامية
الإسلام اليوم
المسلم المعاصر
موقع المختار الإسلامي
الشبكة الإسلامية
فتاوى اللجنة الدائمة
موقع المنبر
وغيرها كثير
================
وقد قسمته لبابين :
الباب الأول -الكلام عن أبعاد وأسباب هذا الموضوع من وحي القرآن والسنة
وقد حاولت أن أجليَّ حقيقة هذا الموضوع وأبين الأسباب التي دعت البابا ليتفوه بمثل هذا الهراء ، وذلك من وحي القرآن والسنة ، فأي تحليل علمي لا ينطلق من ثوابت هذه الشريعة الغراء ، فلا قيمة له - مهما بلغ صاحبه من العلم والتحليل -
ولا يمكن للعالم أن يصيب المحزَّ في هذه القضايا المصيرية إلا من خلال النص الثابث وقدرته على فهمه ، مع الفهم الواسع بالواقع المعاش ، لكي يستطيع تنزيل هذا الحكم الشرعي عليه بشكل دقيق .
وقد قسمته على الشكل التالي :
أولا- موقف أهل الكتاب من دعوة الإسلام
ثانيا- ماذا طلب الله تعالى منا إزاء أهل الكتاب ؟
ثالثا- بم وعدنا الله ؟
رابعاً - أسباب قول البابا هذا الكلام
وقد شرحت الآيات بالتفصيل من تفاسير عديدة ليظهر المعنى جليًّا دون لبس ولا غموض
================
والباب الثاني- مجموعة البحوث والمقالات التي قيلت حول هذا الموضوع
وقد بلغت حوالي مائة وثمانين مقالا كلها تدور حول الموضوع الجلل وأبعاده
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع به كاتبه وناقله والدال عليه وناشره ليكون المسلمون على بصيرة من دينهم .
قال تعالى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف
جمعه وأعده
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 13 شعبان 1428 هـ الموافق 26 /8 /2007 م
- - - - - - - - - - - - - - - - -
الباب الأول
الكلام عن أبعاد وأسباب هذا الموضوع من وحي القرآن والسنة
حتى يكون حكمنا عن الأشياء صحيحا لا بد أن نحاكمها إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
أولا- موقف أهل الكتاب من دعوة الإسلام :
لقد كان موقف أهل الكتاب من دعوة الإسلام بشكل عام العناد والتكذيب والحرب
ويتجلى ذلك من خلال الأمور التالية :
لا يحبون أن ينزل علينا أيُّ خير من الله :
قال تعالى : {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (105) سورة البقرة
قال الرازي :
واعلم أنه تعالى لما بين حال اليهود والكفار في العداوة والمعاندة حذر المؤمنين منهم فقال : { مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ } فنفى عن قلوبهم الود والمحبة لكل ما يظهر به فضل المؤمنين وههنا مسألتان : المسألة الأولى : « من » الأولى للبيان لأن الذين كفروا جنس تحته نوعان : أهل الكتاب والمشركون ، والدليل عليه قوله تعالى : { لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين } [ البينة : 1 ] والثانية : مزيدة لاستغراق الخير ، والثالثة : لابتداء الغاية .
المسألة الثانية : الخير الوحي وكذلك الرحمة ، يدل عليه قوله تعالى : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ } [ الزخرف : 32 ] المعنى أنهم يرون أنفسهم أحق بأن يوحي إليهم فيحسدونكم وما يحبون أن ينزل عليكم شيء من الوحي .
ثم بين سبحانه أن ذلك الحسد لا يؤثر في زوال ذلك ، فإنه سبحانه يختص برحمته وإحسانه من يشاء .
وفي الظلال :(1/1)
يجمع القرآن بين أهل الكتاب والمشركين في الكفر . . وكلاهما كافر بالرسالة الأخيرة فهما على قدم سواء من هذه الناحية ; وكلاهما يضمر للمؤمنين الحقد والضغن , ولا يود لهم الخير . وأعظم ما يكرهونه للمؤمنين هو هذا الدين . هو أن يختارهم الله لهذا الخير وينزل عليهم هذا القرآن , ويحبوهم بهذه النعمة , ويعهد إليهم بأمانة العقيدة في الأرض , وهي الأمانة الكبرى في الوجود .
ولقد سبق الحديث عن حقدهم وغيظهم من أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده , حتى لقد بلغ بهم الغيظ أن يعلنوا عداءهم لجبريل - عليه السلام - إذ كان ينزل بالوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم:
(والله يختص برحمته من يشاء) . .
فالله أعلم حيث يجعل رسالته ; فإذا اختص بها محمدا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به , فقد علم - سبحانه - أنه وأنهم أهل لهذا الاختصاص .
(والله ذو الفضل العظيم) . .
وليس أعظم من نعمة النبوة والرسالة ; وليس أعظم من نعمة الإيمان والدعوة إليه . وفي هذا التلميح ما يستجيش في قلوب الذين آمنوا الشعور بضخامة العطاء وجزالة الفضل , وفي التقرير الذي سبقه عما يضمره الذين كفروا للذين آمنوا ما يستجيش الشعور بالحذر والحرص الشديد . . وهذا الشعور وذاك ضروريان للوقوف في وجه حملة البلبلة والتشكيك التي قادها - ويقودها - اليهود , لتوهين العقيدة في نفوس المؤمنين , وهي الخير الضخم الذي ينفسونه على المسلمين !
وفي التفسير الوسيط :
{ مَّا يَوَدُّ } أي : ما يحب ، إذ الود محبة الشيء مع تمنيه ، يقال : ود فلان كذا يوده وداً ومودة بمعنى أحبه وتمناه .
قال صاحب الكشاف : " ومن الأولى في الآية للبيان ، لأن الذين كفروا جنس تحته نوعان ، أهل الكتاب والمشركون ، والثانية مزيدة لاستغراق الخير والثالثة لابتداء الغاية " .
وقوله - تعالى - : { مَّا يَوَدُّ } . . إلخ الآية بيان لما يبيته الكافرون - خصوصاً اليهود - للمسلمين من حقد وكراهية وتحذير لهم من الاطمئنان إليهم ، والثقة بهم
وفي التعبير بقوله تعالى : { مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب } دون ما يود أهل الكتاب تنبيه إلى أنهم قد كفروا بكتبهم ، لأنهم لو كانوا مؤمنين بها لصدقوا محمداً صلى الله عليه وسلم الذي أمرتهم كتبهم بصديقه واتباعه .
وعطف عليهم المشركين ليدل على أن عبدة الأصنام - أيضاً - يضاهون كفرة أهل الكتاب ، في كراهة نزول أي خير على المؤمنين ، وأن الجميع يحسدونهم على ما آتاهم الله من فضله عن طريق نبيه صلى الله عليه وسلم من دون قويم ، وقرآن كريم ، وهداية عظمى ، وأخوة شاملة ، وأمن بعد خنوف ، وقوة بعد ضعف .
والخير : النعمة والفضل ، والمراد به في الآية الكريمة النبوة وما تبعها من الوحي الصادق ، والقرآن العظيم المشتمل على الحكمة الرائعة والحجة البالغة والبلاغة الباهرة والتوجيه النافع .
وأهل الكتاب قد كرهوا ذلك للمؤمنين لعنادهم وحسدهم ، وكراهتهم أن تكون النبوة في رجل عربي ليس منهم .
والمشركون كرهوا ذلك - أيضاً - لأن في انتشار الإِسلام ، وفي تنزيل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ما يخيب آمالهم في إبطال الدعوة الإِسلامية ، وإضعاف شوكتها والنصر على أتباعها .
وقوله تعالى : { والله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ والله ذُو الفضل العظيم } .
رد عليهم بما يكشف عن جهلهم وجهل جميع الحاسدين ، لأن الحاسد لغباوته يسخط على قدر الله ، ويعترض عليه لإِنعامه - سبحانه - على المحسود والله - تعالى - هو صاحب التصرف المطلق في الإِعطاء والمنع فكان من الواجب على هؤلاء الذين لا يودون أن ينزل أي خير على المؤمنين أن يريحوا أنفسهم من هذا العناء ، وأن يتحولوا عن ذلك الغباء ، لأن الله - تعالى - يهب خيره لمن يشاء .
والاختصاص بالشيء : الانفراد به ، تقول : اختص فلان بكذا أي انفرد به ، ويستعمل متعدياً إلى المفعول به ، فتقول : اخصصت فلانا بكذا أي أفردته به وجعلته مقصوراً عليه .
وعلى هذا الوجه ورد الاختصاص في الآية الكريمة .
وقد بين - سبحانه - اختصاص رحمته بمن يشاء ليعلم الناس جميعاً ، أن إفراد بعض عباده بالرحمة منوط بمشيئته وحدها ، وليس لأحد كائناً من كان أي تأثير في ذلك .
ومفعول المشيئة محذوف كما هو الشأن فيه إذا تقدم عليه كلام أو تأخر عنه . أي : يختص برحمته من يشاء اختصاصه بها ، وهي تتناول النبوة . والقرآن ، والنصر ، وكل ذلك مما لا يود الكافرون إنزاله على المؤمنين .
وقوله تعالى : { والله ذُو الفضل العظيم } تذييل لما سبق أي كل خير يناله العباد في دينهم أو دنياهم إنما هو من عنده - تعالى - يتفضل به عليهم ، وفي ذلك إشعار للحاسدين بأن يقلعوا عن حسدهم ، وتعريض باليهود وغيرهم ممن حسدوا محمداً صلى الله عليه وسلم على أن آتاه الله النبوة ، فكأنه - سبحانه - يقول لهم : إني أصطفى للنبوة من أشاء من عبادي وهي لا تدرك بالأماني ، ولكني أهبها لمن هو أهل لها .
وبذلك تكون الآية الكريمة قد حذرت المؤمنين مما يبيته لهم الكافرون من حقد وبغضاء وبشرتهم بأن ما يبيتونه لن يضرهم ما داموا معتصمين بكتاب ربهم ، وسنة نبيهم .
ثم انتقل القرآن إلى الحديث عن موضوع النسخ الذي أثار اليهود حوله الشبهات ، وجادلوا فيه النبي صلى الله عليه وسلم .
لقد استنكر اليهود أن يبدل الله آية بآية ، أو حكماً بحكم ، وقالوا : ألا ترون إلى محمد صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمر بخلافه ، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غداً ، ما هذا من شأن الأنبياء وما هذا القرآن إلا من كلام محمد ، يقوله من تلقاء نفسه ، وهو كلام يناقض بعضه بعضاً .
-------------------
2- محاولتهم رد المسلمين عن دينهم
قال تعالى : {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (109) سورة البقرة
قال الرازي :
اعلم أن هذا هو النوع الثالث من كيد اليهود مع المسلمين ، وذلك لأنه روي أن فنحاص بن عازوراء ، وزيد بن قيس ونفراً من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد : ألم تروا ما أصابكم ، ولو كنتم على الحق ما هزمتم ، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلاً ، فقال عمار : كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا : شديد ، قال : فإني قد عاهدت أني لا أكفر بمحمد ما عشت ، فقالت اليهود : أما هذا فقد صبأ ، وقال حذيفة : وأما أنا فقد رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخواناً ، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبراه فقال : أصبتما خيراً وأفلحتما ، فنزلت هذه الآية ، واعلم أنا نتكلم أولاً في الحسد ثم نرجع إلى التفسير .(1/2)
المسألة الأولى : في ذم الحسد ويدل عليه أخبار كثيرة ، الأول : قوله عليه السلام : " الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» . الثاني : قال أنس : «كنا يوماً جالسين عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة ، فطلع رجل من الأنصار ينظف لحيته من وضوئه وقد علق نعليه في شماله فسلم ، فلما كان الغد قال عليه السلام مثل ذلك فطلع ذلك الرجل ، وقال في اليوم الثالث مثل ذلك فطلع ذلك الرجل ، فلما قام النبي عليه السلام تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال : إني تأذيت من أبي فأقسمت لا أدخل عليه ثلاثاً ، فإن رأيت أن تذهب بي إلى دارك فعلت ، قال : نعم ، فبات عنده ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله ولا يقوم حتى يقوم لصلاة الفجر ، غير أني لم أسمعه يقول : إلا خيراً ، فلما مرت الثلاث وكدت أن أحتقر عمله ، قلت : يا عبد الله لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجر ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا ، فأردت أن أعرف عملك ، فلم أرك تعمل عملاً كثيراً ، فما الذي بلغ بك ذاك؟ قال : ما هو إلا ما رأيت . فلما وليت دعاني فقال : ما هو إلا ما رأيت غير أني لم أجد على أحد من المسلمين في نفسي عيباً ولا حسداً على خير أعطاه الله إياه ، فقال عبد الله : هي التي بلغت بك وهي التي لا تطاق " الثالث : قال عليه السلام : " دب إليكم داء الأمم قبلكم ، الحسد والبغضاء والبغضة هي الحالقة ، لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين " الرابع : قال : " إنه سيصيب أمتي داء الأمم ، قالوا : ما داء الأمم؟ قال : الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباعد والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج "
الخامس : أن موسى عليه السلام لما ذهب إلى ربه رأى في ظل العرش رجلاً يغبط بمكانه وقال : إن هذا لكريم على ربه فسأل ربه أن يخبره باسمه فلم يخبره باسمه وقال : أحدثك من عمله ثلاثاً : كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، وكان لا يعق والديه ولا يمشي بالنميمة . السادس : قال عليه السلام : « إن لنعم الله أعداء ، قيل : وما أولئك؟ قال : الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله » . السابع : قال عليه السلام : « ستة يدخلون النار قبل الحساب ، الأمراء بالجور ، والعرب بالعصبية والدهاقين بالتكبر ، والتجار بالخيانة ، وأهل الرستاق بالجهالة ، والعلماء بالحسد » .
أما الآثار ، فالأول : حكي أن عوف بن عبد الله دخل على الفضل بن المهلب وكان يومئذ على واسط ، فقال : إني أريد أن أعظك بشيء ، إياك والكبر فإنه أول ذنب عصى الله به إبليس ، ثم قرأ : { وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لاِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر } [ البقرة : 34 ] وإياك والحرص فإنه أخرج آدم من الجنة . أسكنه الله في جنة عرضها السموات والأرض فأكل منها ، فأخرجه الله ، ثم قرأ : { اهبطا مِنْهَا } [ طه : 123 ] وإياك والحسد فإنه قتل ابن آدم أخاه حين حسده ، ثم قرأ : { واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابنى ءادَمَ بالحق } [ المائدة : 27 ] . الثاني : قال ابن الزبير : ما حسدت أحداً على شيء من أمر الدنيا لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهي حقيرة في الجنة ، وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار . الثالث : قال رجل للحسن : هل يحسد المؤمن؟ قال : ما أنساك بني يعقوب إلا أنه لا يضرك ما لم تعد به يداً ولساناً . الرابع : قال معاوية : كل الناس أقدر على رضاه إلا الحاسد فإنه لا يرضيه إلا زوال النعمة . الخامس : قيل : الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمة وذلاً ، ولا ينال من الملائكة إلا لعنة وبغضاً ، ولا ينال من الخلق إلا جزعاً وغماً ، ولا ينال عند الفزع إلا شدة وهولاً ، وعند الموقف إلا فضيحة ونكالاً .(1/3)
المسألة الثانية : في حقيقة الحسد : إذا أنعم الله على أخيك بنعمة فإن أردت زوالها فهذا هو الحسد ، وإن اشتهيت لنفسك مثلها فهذا هو الغبطة والمنافسة ، أما الأول : فحرام بكل حال ، إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر يستعين بها على الشر والفساد فلا يضرك محبتك لزوالها فإنك ما تحب زوالها من حيث إنها نعمة ، بل من حيث إنها يتوسل بها إلى الفساد والشر والأذى . والذي يدل على أن الحسد ما ذكرنا آيات . أحدها : هذه الآية وهي قوله تعالى : { لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إيمانكم كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } فأخبر أن حبهم زوال نعمة الإيمان حسد . وثانيها : قوله تعالى : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء } [ النساء : 89 ] . وثالثها : قوله تعالى : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } [ آل عمران : 120 ] وهذا الفرح شماتة ، والحسد والشماتة متلازمان . ورابعها : ذكر الله تعالى حسد إخوة يوسف وعبر عما في قلوبهم بقوله : { قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضلال مُّبِينٍ اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } [ يوسف : 8 ، 9 ] فبين تعالى أن حسدهم له عبارة عن كراهتهم حصول تلك النعمة له . وخامسها : قوله تعالى : { وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمَّا أُوتُواْ } [ الحشر : 9 ] أي لا تضيق به صدورهم ولا يغتمون ، فأثنى الله عليهم بعدم الحسد . وسادسها : قال تعالى في معرض الإنكار : { أم يحسدون الناس على مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ } [ النساء : 54 ] . وسابعها : قال الله تعالى : { كَانَ الناس أُمَّةً واحدة فَبَعَثَ الله النبيين } [ البقرة : 213 ] إلى قوله : { إِلاَّ الذين أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات بَغْيًا بَيْنَهُمْ } [ البقرة : 213 ] قيل في التفسير : حسداً . وثامنها : قوله تعالى : { وَمَا تَفَرَّقُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم بَغْياً بَيْنَهُمْ } [ الشورى : 14 ] فأنزل الله العلم ليؤلف بينهم على طاعته فتحاسدوا واختلفوا ، إذ أراد كل واحد أن ينفرد بالرياسة وقبول القول . وتاسعها : قال ابن عباس : كانت اليهود قبل مبعث النبي عليه السلام إذا قاتلوا قوماً قالوا : نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله وبالكتاب الذي تنزله إلا تنصرنا ، فكانوا ينصرون ، فلما جاء النبي عليه السلام من ولد إسماعيل عرفوه وكفروا به بعد معرفتهم إياه فقال تعالى : { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ } [ البقرة : 89 ] إلى قوله : { أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنزَلَ الله بَغْيًا } [ البقرة : 90 ] أي حسداً . وقالت صفية بنت حيي للنبي عليه السلام : جاء أبي وعمي من عندك فقال أبي لعمي ما تقول فيه؟ قال : أقول : إنه النبي الذي بشر به موسى عليه السلام ، قال : فما ترى؟ قال : أرى معاداته أيام الحياة ، فهذا حكم الحسد . أما المنافسة فليست بحرام وهي مشتقة من النفاسة ، والذي يدل على أنها ليست بحرام وجوه . أولها : قوله تعالى : { وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون } [ المطففين : 26 ] . وثانيها : قوله تعالى : { سَابِقُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ } [ الحديد : 21 ] وإنما المسابقة عند خوف الفوت وهو كالعبدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما إذ يجزع كل واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها . وثالثها : قوله عليه السلام : « لا حسد إلا في اثنتين ، رجل آتاه الله مالاً فأنفقه في سبيل الله ، ورجل آتاه الله علماً فهو يعمل به ويعلمه الناس » . وهذا الحديث يدل على أن لفظ الحسد قد يطلق على المنافسة ، ثم نقول : المنافسة قد تكون واجبة ومندوبة ومباحة ، أما الواجبة فكما إذا كانت تلك النعمة نعمة دينية واجبة كالإيمان والصلاة والزكاة ، فههنا يجب عليه أن يحب له مثل ذلك ، لأنه إن لم يحب ذلك كان راضياً بالمعصية وذلك حرام ، وأما إن كانت تلك النعمة من الفضائل المندوبة كالإنفاق في سبيل الله والتشمير لتعليم الناس كانت المنافسة فيها مندوبة ، وأما إن كانت تلك النعمة من المباحات كانت المنافسة فيها من المباحات ، وبالجملة فالمذموم أن يحب زوالها عن الغير ، فأما أن يحب حصولها له وزوال النقصان عنه فهذا غير مذموم ، لكن ههنا دقيقة وهي أن زوال النقصان عنه بالنسبة إلى الغير له طريقان .
أحدهما : أن يحصل له مثل ما حصل للغير . والثاني : أن يزول عن الغير ما لم يحصل له فإذا حصل اليأس عن أحد الطريقين فيكاد القلب لا ينفك عن شهوة الطريق الآخر ، فههنا إن وجد قلبه بحيث لو قدر على إزالة تلك الفضيلة عن تلك الشخص لأزالها ، فهو صاحب الحسد المذموم وإن كان يجد قلبه بحيث تردعه التقوى عن إزالة تلك النعمة عن الغير فالمرجو من الله تعالى أن يعفو عن ذلك ، ولعل هذا هو المراد من قوله عليه السلام : « ثلاث لا ينفك المؤمن منهن ، الحسد والظن والطيرة ، ثم قال : وله منهم مخرج إذا حسدت فلا تبغ » ، أي إن وجدت في قلبك شيئاً فلا تعمل به ، فهذا هو الكلام في حقيقة الحسد وكله من كلام الشيخ الغزالي رحمة الله عليه .
المسألة الثالثة : في مراتب الحسد ، قال الغزالي رحمه الله هي أربعة . الأولى : أن يحب زوال تلك النعمة وإن كان ذلك لا يحصل له وهذا غاية الحسد . والثانية : أن يحب زوال تلك النعمة عنه إليه وذلك مثل رغبته في دار حسنة أو امرأة جميلة أو ولاية نافذة نالها غيره وهو يحب أن تكون له ، فالمطلوب بالذات حصوله له ، فأما زواله عن غيره فمطلوب بالعرض . الثالثة : أن لا يشتهي عنها بل يشتهي لنفسه مثلها ، فإن عجز عن مثلها أحب زوالها لكي لا يظهر التفاوت بينهما . الرابعة : أن يشتهي لنفسه مثلها ، فإن لم يحصل فلا يحب زوالها ، وهذا الأخير هو المعفو عنه إن كان في الدنيا والمندوب إليه إن كان في الدين ، والثالثة : منها مذمومة وغير مذمومة ، والثانية : أخف من الثالثة ، والأول : مذموم محض قال تعالى : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ } [ النساء : 32 ] فتمنيه لمثل ذلك غير مذموم وأما تمنيه عين ذلك فهو مذموم .
المسألة الرابعة : ذكر الشيخ الغزالي رحمة الله عليه للحسد سبعة أسباب :(1/4)
السبب الأول : العداوة والبغضاء ، فإن من آذاه إنسان أبغضه قلبه وغضب عليه ، وذلك الغضب يولد الحقد والحقد يقتضي التشفي والانتقام ، فإن عجز المبغض عن التشفي بنفسه أحب أن يتشفى منه الزمان ، فمهما أصاب عدوه آفة وبلاء فرح ، ومهما أصابته نعمة ساءته ، وذلك لأنه ضد مراده ، فالحسد من لوازم البغض والعداوة ولا يفارقهما ، وأقصى الإمكان في هذا الباب أن لا يظهر تلك العداوة من نفسه وأن يكره تلك الحالة من نفسه ، فأما أن يبغض إنساناً ثم تستوي عنده مسرته ومساءته فهذا غير ممكن ، وهذا النوع من الحسد هو الذي وصف الله الكفار به ، إذ قال : { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور ، إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } [ آل عمران : 119 ، 120 ] وكذا قال : { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم } [ آل عمران : 118 ] . واعلم أن الحسد ربما أفضى إلى التنازع والتقاتل .
السبب الثاني : التعزز ، فإن واحداً من أمثاله إذا نال منصباً عالياً ترفع عليه وهو لا يمكنه تحمل ذلك ، فيريد زوال ذلك المنصب عنه وليس من غرضه أن يتكبر ، بل غرضه أن يدفع كبره فإنه قد يرضى بمساواته ولكنه لا يرضى بترفعه عليه .
السبب الثالث : أن يكون في طبيعته أن يستخدم غيره فيريد زوال النعمة من ذلك الغير ليقدر على ذلك الغرض ، ومن هذا الباب كان حسد أكثر الكفار للرسول عليه الصلاة والسلام إذ قالوا : كيف يتقدم علينا غلام يتيم وكيف نطأطيء له رؤوسنا؟ فقالوا : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] وقال تعالى يصف قول قريش : { أَهَؤُلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا } [ الأنعام : 53 ] كالاستحقار بهم والأنفة منهم .
السبب الرابع : التعجب كما أخبر الله عن الأمم الماضية إذ قالوا : { مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرًا مّثْلَنَا } [ إبراهيم : 10 ] ، وقالوا : { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عابدون } [ المؤمنون : 47 ] ، { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لخاسرون } [ المؤمنون : 34 ] وقالوا متعجبين : { أَبَعَثَ الله بَشَرًا رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] وقالوا : { لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْنَا الملئكة } [ الفرقان : 21 ] وقال : { أوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ على رَجُلٍ مّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ } [ الأعراف : 63 69 ] .
السبب الخامس : الخوف من فوت المقاصد وذلك يختص بالمتزاحمين على مقصود واحد ، فإن كل واحد منهما يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عوناً له في الانفراد بمقصوده ، ومن هذا الباب تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصد الزوجية ، وتحاسد الأخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلوب الأبوين للتوصل إلى مقاصد المال والكرامة ، وكذلك تحاسد الواعظين المتزاحمين على أهل بلدة واحدة ، إذ كان غرضهما نيل المال والقبول عندهم .
السبب السادس : حب الرياسة وطلب الجاه نفسه من غير توسل به إلى مقصوده ، وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون ، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم ساءه ذلك وأحب موته وزوال النعمة التي بها يشاركه في المنزلة من شجاعة أو علم أو زهد أو ثروة ويفرح بسبب تفرده .
السبب السابع : شح النفس بالخير على عباد الله ، فإنك تجد من لا يشتغل برياسة ولا بكبر ولا بطلب مال إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله شق عليه ذلك ، وإذا وصف اضطراب أمور الناس وإدبارهم وتنغص عيشهم فرح به فهو أبداً يحب الإدبار لغيره ويبخل بنعمة الله على عباده ، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته ، ويقال : البخيل من بخل بمال غيره ، فهذا يبخل بنعمة الله على عباده الذين ليس بينهم وبينه لا عداوة ولا رابطة وهذا ليس له سبب ظاهر إلا خبث النفس ورذالة جبلته في الطبع ، لأن سائر أنواع الحسد يرجى زواله لإزالة سببه ، وهذا خبث في الجبلة لا عن سبب عارض فتعسر إزالته . فهذه هي أسباب الحسد ، وقد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد فيعظم فيه الحسد ويقوى قوة لا يقوى صاحبها معها على الإخفاء والمجاملة بل يهتك حجاب المجاملة ويظهر العداوة بالمكاشفة وأكثر المحاسدات تجتمع فيها جملة من هذه الأسباب وقلما يتجرد واحد منها .
المسألة الخامسة : في سبب كثرة الحسد وقلته وقوته وضعفه . اعلم أن الحسد إنما يكثر بين قوم تكثر فيهم الأسباب التي ذكرناها ، إذ الشخص الواحد يجوز أن يحسد لأنه يمتنع من قول المتكبر ولأنه يتكبر ولأنه عدو لغير ذلك من الأسباب وهذه الأسباب إنما تكثر بين قوم تجمعهم روابط يجتمعون بسببها في مجالس المخاطبات ويتواردون على الأغراض والمنازعة مظنة المنافرة ، والمنافرة مؤدية إلى الحسد فحيث لا مخالطة فليس هناك محاسدة ، ولما لم توجد الرابطة بين شخصين في بلدين لا جرم لم يكن بينهما محاسدة ، فلذلك ترى العالم يحسد العالم دون العابد والعابد يحسد العابد دون العالم ، والتاجر يحسد التاجر ، بل الاسكاف يحسد الإسكاف ولا يحسد البزاز ، ويحسد الرجل أخاه وابن عمه أكثر مما يحسد الأجانب والمرأة تحسد ضرتها وسريَّة زوجها أكثر مما تحسد أم الزوج وابنته ، لأن مقصد البزاز غير مقصد الإسكاف فلا يتزاحمون على المقاصد ، ثم مزاحمة البزاز المجاور له أكثر من مزاحمة البعيد عنه إلى طرف السوق وبالجملة فأصل الحسد العداوة وأصل العداوة التزاحم على غرض واحد والغرض الواحد لا يجمع متباعدين بل لا يجمع إلا متناسبين ، فلذلك يكثر الحسد بينهم ، نعم من اشتد حرصه على الجاه العريض والصيت في أطراف العالم فإنه يحسد كل من في العالم ممن يشاركه في الخصلة التي يتفاخر بها ، أقول : والسبب الحقيقي فيه أن الكمال محبوب بالذات وضد المحبوب مكروه ومن جملة أنواع الكمال التفرد بالكمال ، فلا جرم كان الشريك في الكمال مبغضاً لكونه منازعاً في الفردانية التي هي من أعظم أبواب الكمال ، إلا أن هذا النوع من الكمال لما امتنع حصوله إلا لله سبحانه ووقع اليأس عنه فاختص الحسد بالأمور الدنيوية ، وذلك لأن الدنيا لا تفي بالمتزاحمين ، أما الآخرة فلا ضيق فيها ، وإنما مثال الآخرة نعمة العلم ، فلا جرم من يحب معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته وملائكته فلا يحسد غيره إذا عرف ذلك ، لأن المعرفة لا تضيق على العارفين بل المعلوم الواحد يعرفه ألف ألف ويفرح بمعرفته ويلتذ به ولا تنقص لذة أحد بسبب غيره ، بل يحصل بكثرة العارفين زيادة الأنس ، فلذلك لا يكون بين علماء الدين محاسدة لأن مقصدهم معرفة الله ، وهي بحر واسع لا ضيق فيها وغرضهم المنزلة عند الله ولا ضيق فيها ، نعم إذا قصد العلماء بالعلم المال والجاه ، تحاسدوا لأن المال أعيان إذا وقعت في يد واحد خلت عنها يد الآخر ، ومعنى الجاه ملء القلوب ، ومهما امتلأ قلب شخص بتعظيم عالم انصرف عن تعظيم الآخر ، أما إذا امتلأ قلب بالفرح بمعرفة الله لم يمنع ذلك أن يمتلىء قلب غيره وأن يفرح به فلذلك وصفهم الله تعالى بعدم الحسد فقال : { وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا على سُرُرٍ متقابلين } [ الحجر : 47 ] .(1/5)
المسألة السادسة : في الدواء المزيل للحسد وهو أمران : العلم والعمل . أما العلم ففيه مقامان إجمالي وتفصيلي ، أما الإجمالي فهو أن يعلم أن كل ما دخل في الوجود فقد كان ذلك من لوازم قضاء الله وقدره ، لأن الممكن ما لم ينته إلى الواجب لم يقف ، ومتى كان كذلك فلا فائدة في النفرة عنه ، وإذا حصل الرضا بالقضاء زال الحسد . وأما التفصيلي فهو أن تعلم أن الحسد ضرر عليك في الدين والدنيا ، وأنه ليس فيه على المحسود ضرر في الدين والدنيا ، بل ينتفع به في الدين والدنيا ، أما أنه ضرر عليك في الدين فمن وجوه . أحدها : أنك بالحسد كرهت حكم الله ونازعته في قسمته التي قسمها لعباده وعدله الذي أقامه في خلقه بخفي حكمته ، وهذه جناية على حدقة التوحيد وقذى في عين الإيمان . وثانيها : أنك إن غششت رجلاً من المؤمنين فارقت أولياء الله في حبهم الخير لعباد الله وشاركت إبليس وسائر الكفار في محبتهم للمؤمنين البلايا ، وثالثها : العقاب العظيم المرتب عليه في الآخرة ، وأما كونه ضرراً عليك في الدنيا فهو أنك بسبب الحسد لا تزال تكون في الغم والكمد وأعداؤك لا يخليهم الله من أنواع النعم فلا تزال تتعذب بكل نعمة تراها وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم فتبقى أبداً مغموماً مهموماً ، فقد حصل لك ما أردت حصوله لأعدائك وأراد أعداؤك حصوله لك فقد كنت تريد المحنة لعدوك فسعيت في تحصيل المحنة لنفسك . ثم إن ذلك الغم إذا استولى عليك أمرض بدنك وأزال الصحة عنك وأوقعك في الوساوس ونغص عليك لذة المطعم والمشرب . وأما أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك ، بل ما قدره الله من إقبال ونعمة فلا بد وأن يدوم إلى أجل قدرة الله ، فإن كان كل شيء عنده بمقدار ولكل أجل كتاب ، ومهما لم تزل النعمة بالحسد لم يكن على المحسود ضرر في الدنيا ولا عليه إثم في الآخرة ، ولعلك تقول : ليت النعمة كانت لي وتزول عن المحسود بحسدي وهذا غاية الجهل فإنه بلاء تشتهيه أولاً لنفسك فإنك أيضاً لا تخلو عن عدو يحسدك ، فلو زالت النعمة بالحسد لم يبق لله عليك نعمة لا في الدين ولا في الدنيا ، وإن اشتهيت أن تزول النعمة عن الخلق بحسدك ولا تزول عنك بحسد غيرك فهذا أيضاً جهل ، فإن كل واحد من حمقى الحساد يشتهي أن يختص بهذه الخاصية ، ولست أولى بذلك من الغير ، فنعمة الله عليك في أن لم يزل النعمة بالحسد مما يجب شكرها عليك وأنت بجهلك تكرهها . وأما أن المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فواضح ، أما منفعته في الدين فهو أنه مظلوم من جهتك لا سيما إذا أخرجت الحسد إلى القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكر مساوئه ، فهي هدايا يهديها الله إليه ، أعني أنك تهدي إليه حسناتك فإنك كلما ذكرته بسوء نقل إلى ديوانه حسناتك وازدادت سيئاتك ، فكأنك اشتهيت زوال نعم الله عنه إليك فأزيلت نعم الله عنك إليه ، ولم تزل في كل حين وأوان تزداد شقاوة ، وأما منفعته في الدنيا فمن وجوه . الأول : أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء وكونهم مغمومين معذبين ولا عذاب أعظم مما أنت فيه من ألم الحسد ، بل العاقل لا يشتهي موت عدوه بل يريد طول حياته ليكون في عذاب الحسد لينظر في كل حين وأوان إلى نعم الله عليه فيتقطع قلبه بذلك ، ولذلك قيل :
لا مات أعداؤك بل خلدوا ... حتى يروا منك الذي يكمد
لا زلت محسوداً على نعمة ... فإنما الكامل من يحسد
الثاني : أن الناس يعلمون أن المحسود لا بد وأن يكون ذا نعمة فيستدلون بحسد الحاسد على كونه مخصوصاً من عند الله بأنواع الفضائل والمناقب ، وأعظم الفضائل مما لا يستطاع دفعه وهو الذي يورث الحسد فصار الحسد من أقوى الدلائل على اتصاف المحسود بأنواع الفضائل والمناقب . الثالث : أن الحاسد يصير مذموماً بين الخلق ملعوناً عند الخالق وهذا من أعظم المقاصد للمحسود . الرابع : وهو أنه سبب لازدياد مسرة إبليس وذلك لأن الحاسد لما خلا عن الفضائل التي اختص المحسود بها فإن رضي بذلك استوجب الثواب العظيم فخاف إبليس من أن يرضى بذلك فيصير مستوجباً لذلك الثواب ، فلما لم يرض به بل أظهر الحسد فاته ذلك الثواب واستوجب العقاب فيصير ذلك سبباً لفرح إبليس وغضب الله تعالى . الخامس : أنك عساك تحسد رجلاً من أهل العلم وتحب أن يخطىء في دين الله وتكشف خطأه ليفتضح وتحب أن يخرس لسانه حتى لا يتكلم أو يمرض حتى لا يعلم ولا يتعلم وأي إثم يزيد على ذلك ، وأي مرتبة أخس من هذه .
وقد ظهر من هذه الوجوه أيها الحاسد أنك بمثابة من يرمي حجراً إلى عدوه ليصيب به مقتله فلا يصيبه ، بل يرجع إلى حدقته اليمنى فيقلعها فيزداد غضبه فيعود ويرميه ثانياً أشد من الأول فيرجع الحجر على عينه الأخرى فيعميه فيزداد غيظه ويعود ثالثاً فيعود على رأسه فيشجه وعدوه سالم في كل الأحوال ، والوبال راجع إليه دائماً وأعداؤه حواليه يفرحون به ويضحكون عليه ، بل حال الحاسد أقبح من هذا لأن الحجر العائد لم يفوت إلا العين ولو بقيت لفاتت بالموت ، وأما حسده فإنه يسوق إلى غضب الله وإلى النار ، فلأن تذهب عينه في الدنيا خير له من أن يبقى له عين ويدخل بها النار فانظر كيف انتقم الله من الحاسد إذا أراد زوال النعمة عن المحسود فما أزالها عنه ثم أزال نعمة الحاسد تصديقاً لقوله تعالى : { وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] فهذه الأدوية العلمية فمهما تفكر الإنسان فيها بذهن صاف وقلب حاضر انطفأ من قلبه نار الحسد ، وأما العمل النافع فهو أن يأتي بالأفعال المضادة لمقتضيات الحسد ، فإن بعثه الحسد على القدح فيه كلف لسانه المدح له وإن حمله على التكبر عليه كلف نفسه التواضع له وإن حمله على قطع أسباب الخير عنه كلف نفسه السعي في إيصال الخيرات إليه ، فمهما عرف المحسود ذلك طاب قلبه وأحب الحاسد وذلك يفضي آخر الأمر إلى زوال الحسد من وجهين . الأول : أن المسحود إذا أحب الحاسد فعل ما يحبه الحاسد فحينئذ يصير الحاسد محباً للمحسود ويزول الحسد حينئذ . الثاني : أن الحاسد إذا أتى بضد موجبات الحسد على سبيل التكلف يصير ذلك بالآخرة طبعاً له فيزول الحسد عنه .
المسألة السابعة : اعلم أن النفرة القائمة بقلب الحاسد من المحسود أمر غير داخل في وسعه ، فكيف يعاقب عليه؟ وأما الذي في وسعه أمران ، أحدهما : كونه راضياً بتلك النفرة ، والثاني : إظهار آثار تلك النفرة من القدح فيه والقصد إلى إزالة تلك النعمة عنه وجر أسباب المحبة إليه ، فهذا هو الداخل تحت التكليف ، ولنرجع إلى التفسير :
أما قوله تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إيمانكم كُفَّارًا } فالمراد أنهم كانوا يريدون رجوع المؤمنين عن الإيمان من بعد ما تبين لهم أن الإيمان صواب وحق ، والعالم بأن غيره على حق لا يجوز أن يريد رده عنه إلا بشبهة يلقيها إليه ، لأن المحق لا يعدل عن الحق إلا بشبهة والشبهة ضربان ، أحدهما : ما يتصل بالدنيا وهو أن يقال لهم : قد علمتم ما نزل بكم من إخراجكم من دياركم وضيق الأمر عليكم واستمرار المخافة بكم ، فاتركوا الإيمان الذي ساقكم إلى هذه الأشياء ، والثاني : في باب الدين : بطرح الشبه في المعجزات أو تحريف ما في التوراة .
أما قوله تعالى : { حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } ففيه مسائل :(1/6)
المسألة الأولى : أنه تعالى بين أن حبهم لأن يرجعوا عن الإيمان إنما كان لأجل الحسد . قال الجبائي : عنى بقوله : { كَفَّاراً حَسَداً مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } أنهم لم يؤتوا ذلك من قبله تعالى وإن كفرهم هو فعلهم لا من خلق الله فيهم ، والجواب أن قوله : { مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } فيه وجهان ، أحدهما : أنه متعلق ب «ود» على معنى أنهم أحبوا أن ترتدوا عن دينكم ، وتمنيهم ذلك من قبل شهوتهم لا من قبل التدين والميل مع الحق لأنهم ودّوا ذلك من بعد ما تبين لهم أنكم على الحق فكيف يكون تمنيهم من قبل طلب الحق؟ الثاني : أنه متعلق بحسداً أي حسداً عظيماً منبعثاً من عند أنفسهم . أما قوله تعالى : { فاعفوا واصفحوا } فهذا يدل على أن اليهود بعدما أرادوا صرف المؤمنين عن الإيمان احتالوا في ذلك بإلقاء الشبه على ما بيناه ، ولا يجوز أن يأمرهم تعالى بالعفو والصفح على وجه الرضا بما فعلوا ، لأن ذلك كفر ، فوجب حمله على أحد أمرين ، الأول : أن المراد ترك المقابلة والإعراض عن الجواب ، لأن ذلك أقرب إلى تسكين الثائرة في الوقت ، فكأنه تعالى أمر الرسول بالعفو والصفح عن اليهود فكذا أمره بالعفو والصفح عن مشركي العرب بقوله تعالى : { قُل لّلَّذِينَ ءامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله } [ الجاثية : 14 ] وقوله : { واهجرهم هَجْراً جميلاً } [ المزمل : 10 ] ولذلك لم يأمر بذلك على الدوام بل علقه بغاية فقال : { حتى يَأْتِىَ الله بِأَمْرِهِ } وذكروا فيه وجوهاً ، أحدها : أنه المجازاة يوم القيامة عن الحسن ، وثانيها : أنه قوة الرسول وكثرة أمته . وثالثها : وهو قول أكثر الصحابة والتابعين ، إنه الأمر بالقتال لأن عنده يتعين أحد أمرين : إما الإسلام ، وإما الخضوع لدفع الجزية وتحمل الذل والصغار ، فلهذا قال العلماء : إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الأخر } [ التوبة : 29 ] وعن الباقر رضي الله عنه أنه لم يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال حتى نزل جبريل عليه السلام بقوله : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يقاتلون بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } [ الحج : 39 ] وقلده سيفاً فكان أول قتال قاتل أصحاب عبد الله بن جحش ببطن نخل وبعده غزوة بدر ، وههنا سؤالان : السؤال الأول : كيف يكون منسوخاً وهو معلق بغاية كقوله : { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى اليل } [ البقرة : 187 ] وإن لم يكن ورود الليل ناسخاً فكذا ههنا ، الجواب : أن الغاية التي يعلق بها الأمر إذا كانت لا تعلم إلا شرعاً لم يخرج ذلك الوارد شرعاً عن أن يكون ناسخاً ويحل محل قوله : { فاعفوا واصفحوا } إلى أن أنسخه عنكم . السؤال الثاني : كيف يعفون ويصفحون والكفار كانوا أصحاب الشوكة والقوة والصفح لا يكون إلا عن قدرة؟ والجواب : أن الرجل من المسلمين كان ينال بالأذى فيقدر في تلك الحالة قبل اجتماع الأعداء أن يدفع عدوه عن نفسه وأن يستعين بأصحابه ، فأمر الله تعالى عند ذلك بالعفو والصفح كي لا يهيجوا شراً وقتالاً .
القول الثاني : في التفسير قوله : { فاعفوا واصفحوا } حسن الاستدعاء ، واستعمل ما يلزم فيه من النصح والإشفاق والتشدد فيه ، وعلى هذا التفسير لا يجوز نسخه وإنما يجوز نسخه على التفسير الأول .
أما قوله تعالى : { إِنَّ الله على كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } فهو تحذير لهم بالوعيد سواء حمل على الأمر بالقتال أو غيره .
وقال السيد رحمه الله :
ذلك ما يفعله الحقد اللئيم بالنفوس . . الرغبة في سلب الخير الذي يهتدي إليه الآخرون . . لماذا ? لا لأن هذه النفوس الشريرة لا تعلم . ولكنها لأنها تعلم !
(حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) . .
والحسد هو ذلك الانفعال الأسود الخسيس الذي فاضت به نفوس اليهود تجاه الإسلام والمسلمين , وما زالت تفيض , وهو الذي انبعثت منه دسائسهم وتدبيراتهم كلها وما تزال . وهو الذي يكشفه القرآن للمسلمين ليعرفوه , ويعرفوا أنه السبب الكامن وراء كل جهود اليهود لزعزعة العقيدة في نفوسهم ; وردهم بعد ذلك إلى الكفر الذي كانوا فيه , والذي أنقدهم الله منه بالإيمان , وخصهم بهذا بأعظم الفضل وأجل النعمة التي تحسدهم عليها يهود !
وهنا - في اللحظة التي تتجلى فيها هذه الحقيقة , وتنكشف فيها النية السيئة والحسد اللئيم - هنا يدعو القرآن المؤمنين إلى الارتفاع عن مقابلة الحقد بالحقد , والشر بالشر , ويدعوهم إلى الصفح والعفو حتى يأتي الله بأمره , وقتما يريد:
(فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره . إن الله على كل شيء قدير) . .
وامضوا في طريقكم التي اختارها الله لكم , واعبدوا ربكم وادخروا عنده حسناتكم:
(وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة , وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله . إن الله بما تعملون بصير) . .
وهكذا . . يوقظ السياق القرآني وعي الجماعة المسلمة ويركزه على مصدر الخطر , ومكمن الدسيسة ; ويعبىء مشاعر المسليمن تجاه النوايا السيئة والكيد اللئيم والحسد الذميم . . ثم يأخذهم بهذه الطاقة المعبأة المشحونة كلها إلى جناب الله ; ينتظرون أمره , ويعلقون تصرفهم بإذنه . . وإلى أن يحين هذا الأمر يدعوهم إلى العفو والسماحة , لينقذ قلوبهم من نتن الحقد والضغينة . ويدعها طيبة في انتظار الأمر من صاحب الأمر والمشيئة . .
-----------------
وفي التفسير الوسيط :
معنى الآية الكريمة : أحب وتمنى عدد كثير من اليهود الذين هم أهل كتاب ، أن ينقلوكم أيها المؤمنون من الإِيمان إلى الكفر ، حسداً لكم وبغضاً لدينكم ، من بعد ما ظهر لهم أنكم على الحق باتباعكم محمدا صلى الله عليه وسلم فلا تهتموا بهم ، بل قابلوا أحقادهم وضرورهم بترك عقابهم ، والإِعراض عن أذاهم ، حتى يأذن لاله لكم فيهم بما فيه خيركم ونصركم ، فإنه - سبحانه - على كل شيء قدير " .
وقوله تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً } بيان للون من ألوان الشرور التي يضمرها أهل الكتاب وعلى رأسهم اليهود ، وهو تمنيهم ارتداد المسلمين عن دينهم الحق ، إلى الكفر الذي أنقذهم الله - تعالى - منه .
وإنما أسند - سبحانه - هذا التمني الذميم إلى الكثرة منهم ، انصافاً للقلة المؤمنة التي لم ترتض أن ينتقل المسلمون إلى الكفر بعد أن هداهم الله إلى الإِسلام .
وقوله تعالى : { بَعْدِ إِيمَانِكُمْ } مبالغة في ذمهم بسبب ما تمنوه وأحبوه إذ ودوا - وهم أهل كتاب - أن يحل الكفر محل الإِيمان ، وفيه إشعار بأن ما تمنوه بعيد الحصول؛ لأن الإِيمان متى خالطت بشاشته القلوب ، منع صاحبه من الانتقال إلى الكفر .
ثم بين - سبحانه - أن الذي حملهم على هذا التمني الذميم هو الحقد والحسد ، فقال تعالى : { حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحق } أي : أن هذا التمني لم يكن له من سبب أو علة سوى الحسد الذي استولى على نفوسهم ، واستحوذ على قلوبهم فجعلهم يحسدون المؤمنين على نعمة الإِيمان ويتمنون التحول عنه إلى الكفر ، فالجملة الكريمة علة لما تضمنته الجملة السابقة ، من محبتهم نقل المؤمنين إلى الكفر .(1/7)
قال فضيلة المرحوم الشيخ محمد الخضر حسين : " والحسد : قلق النفس من رؤية نعمة يصيبها إنسان ، وينشأ عن هذا القلق تمنى زوال تلك النعمة عن الغير وتمني زوال النعم مذموم بكل لسان ، إلا نعمة أصابها فاجر أو جائر يستعين بها على الشر والفساد ، فإن تمنى زوالها كراهية للجور والفساد لا يدخل في قبيل الحسد المذموم فإن لم تتمن زوال النعمة عن شخص وإنما تمنيت لنفسك مثلها فهي الغبطة والمنافسة ، وهي محمودة لأنها قد تنتهي بالشخص إلى اكتساب محامد لولا المنافسة لظل في غفلة عنها ، والحسد قد يهجم على الإِنسان ولا يكون في وسعه دفعه لشدة النفرة بينه وبين المحسود ، وإنما يؤاخذ الإِنسان على رضاه به ، وإظهار ما يستدعيه من القدح في المحسود ، والقصد إلى إزالة النعمة عنه " .
وقوله تعالى : { مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } إعلام للمؤمنين ، بأن هؤلاء اليهود لم يؤمروا بذلك في كتابهم ، بل إن كتابهم لينهاهم عن هذا الخلق الذميم ولكنهم لخبث نفوسهم وسوء طباعهم رسخ الحسد في قلوبهم لدرجة يعسر معها صرفه عنهم ، أو صرفهم عنه .
والجملة الكريمة { حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } تدل على أن أولئك اليهود يعتقدون صحة دين الإِسلام ، إذ الإِنسان لا يحسد غيره على دين إلا إذا عرف في نفسه صحته ، وأنه طريق الفوز والفلاح .
وقوله تعالى : { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحق } يدل على أن محبة اليهود لتحويل المؤمنين من الكفر إلى الإِيمان وقعت ، بعد أن ظهر لهم صدق النبي صلى الله عليه وسلم بوعد أن تبين لهم أن الصفات التي وردت في التوراة بشأن المبشر به ، لا تنطبق إلا عليه ، وإذا فكفرهم به لم يكن عن جهل وإنما كان عن عناد وجمود على الباطل ، وذلك هو شأن أحبارهم الذين كانوا على علم بالتوراة ، وبتبشيرها بالنبي صلى الله عليه وسلم .
ثم أمر الله تعالى المؤمنين في ختام الآية أن يقابلوا شرور اليهود بالعفو والصفح ، وأن يوادعوهم إلى حين فقال تعالى : { فاعفوا واصفحوا حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
والعفو : ترك العقاب على الذنب . والصفح : ترك المؤاخذة عليه ، فكل صفح عفو ولا عكس .
والمعنى : عليكم أيها المؤمنون أن تتركو معاقبة أولئك اليهود الحاسدين وأن تعرضوا عن رفع السيف في وجوههم حتى يأذن الله لكم في أن تشفو صدوركم منهم ، ويبيح قتالهم الذي يترتب عليه نصركم ، إذ أن كل شيء داخل تحت سلطان قدرته - تعالى - .
فالمراد بالأمر في قوله تعالى : { حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِه } الإِذن للمسلمين بقتالهم في الوقت الذي يختاره الله - تعالى - لهم ، عند ما تكون لهم القوة التي يتمكنون بها من جهاد أعدائهم .
قال صاحب المنار : قال الأستاذ الإِمام : " وفي أمره تعالى لهم بالعفو والصفح إشارة إلى أن المؤمنين على قلتهم هم أصحاب القدرة والشوكة لأن الصفح إنما يطلب من القادر على خلافه كأنه يقول : لا يغرنكم أيها المؤمنون كثرة أهل الكتاب مع باطلهم ، فإنكم على قلتكم أقوى منهم بما أنتم عليه من الحق ، فعاملوهم معاملة القوي العادل ، للضعيف الجاهل وفي إنزال المؤمنين على قلتهم منزلة الأقوياء ، ووضع أهل الكتاب على كثرتهم موضع الضعفاء ، إيذان بأن أهل الحق هم المؤيدون بالعناية الإِلهية ، وأن العزة لهم ما ثبتوا على حقهم ، ومهما يتصارع الحق والباطل فإن الحق هو الذي يصرع الباطل كما قلنا غيره مرة ، وإنما بقاء البالط في غفلة الحق عنه " .
وقد أكد الله - تعالى - وعده بقوله : { إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي أن كل شيء داخل تحت قدرته النافذة التي لا يعجزها شيء .
وقد أنجز الله - تعالى - وعده ، فأذن للمؤمنين في الوقت المناس بقتال اليهود وتأديبهم ، وقد ترتب على ذلك النصر للمؤمنين ، والطرد والقتل لليهود الحاقدين .
------------
3- تمنيهم إضلال المسلمين :
قال تعالى : {وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) } سورة آل عمران
يقول السيد رحمه الله :
إن الإحنة التي يكنها أهل الكتاب للجماعة المسلمة هي الإحنة المتعلقة بالعقيدة . إنهم يكرهون لهذه الأمة أن تهتدي . يكرهون لها أن تفيء إلى عقيدتها الخاصة في قوة وثقة ويقين . ومن ثم يرصدون جهودهم كلها لإضلالها عن هذا المنهج , والإلواء بها عن هذا الطريق:
(ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم) . .
فهو ود النفس ورغبة القلب والشهوة التي تهفو إليها الأهواء من وراء كل كيد , وكل دس , وكل مراء , وكل جدال , وكل تلبيس .
وهذه الرغبة القائمة على الهوى والحقد والشر , ضلال لا شك فيه . فما تنبعث مثل هذه الرغبة الشريرة الآثمة عن خير ولا عن هدى . فهم يوقعون أنفسهم في الضلالة في اللحظة التي يودون فيها إضلال المسلمين . فما يحب إضلال المهتدين إلا ضال يهيم في الضلال البهيم:
(وما يضلون إلا أنفسهم . وما يشعرون) . .
والمسلمون مكفيون أمر أعدائهم هؤلاء ما استقاموا على إسلامهم وما لهم عليهم من سبيل . والله سبحانه يتعهد لهم ألا يصيبهم كيد الكائدين , وأن يرتد عليهم كيدهم ما بقي المسلمون مسلمين .
هنا يقرع أهل الكتاب بحقيقة موقفهم المريب المعيب:
(يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون ? يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ?) . .
ولقد كان أهل الكتاب وقتها - وما يزالون حتى اليوم - يشهدون الحق واضحا في هذا الدين . سواء منهم المطلعون على حقيقة ما جاء في كتبهم عنه من بشارات وإشارات - وكان بعضهم يصرح بما يجد من هذا كله وبعضهم يسلم بناء على هذا الذي يجده في كتبه ويشهده متحققا أمامه - وسواء كذلك غير المطلعين , ولكنهم يجدون في الإسلام من الحق الواضح ما يدعو إلى الإيمان . . غير أنهم يكفرون . . لا لنقص في الدليل . ولكن للهوى والمصلحة والتضليل . . والقرآن يناديهم: يا أهل الكتاب . . لأنها الصفة التي كان من شأنها أن تقودهم إلى آيات الله وكتابه الجديد .
كذلك يناديهم مرة أخرى ليفضح ما يقومون به من لبس الحق بالباطل لإخفائه وكتمانه وتضييعه في غمار الباطل , على علم وعن عمد وفي قصد . . وهو أمر مستنكر قبيح !
وهذا الذي ندد الله به - سبحانه - من أعمال أهل الكتاب حينذاك , هو الأمر الذي درجوا عليه من وقتها حتى اللحظة الحاضرة . . فهذا طريقهم على مدار التاريخ . . اليهود بدأوا منذ اللحظة الأولى . ثم تابعهم الصليبيون !(1/8)
وفي خلال القرون المتطاولة دسوا - مع الأسف - في التراث الإسلامي ما لا سبيل إلى كشفه إلا بجهد القرون ! ولبسوا الحق بالباطل في هذا التراث كله - اللهم إلا هذا الكتاب المحفوظ الذي تكفل الله بحفظه أبد الآبدين - والحمد لله على فضله العظيم .
دسوا ولبسوا في التاريخ الإسلامي وأحداثه ورجاله . ودسوا ولبسوا في الحديث النبوي حتى قيض الله له رجاله الذين حققوه وحرروه إلا ما ند عن الجهد الإنساني المحدود . ودسوا ولبسوا في التفسير القرآني حتى تركوه تيها لا يكاد الباحث يفيء فيه إلى معالم الطريق . ودسوا ولبسوا في الرجال أيضا . فالمئات والألوف كانوا دسيسة على التراث الإسلامي - وما يزالون في صورة المستشرقين وتلاميذ المستشرقين الذين يشغلون مناصب القيادة الفكرية اليوم في البلاد التي يقول أهلها:إنهم مسلمون . والعشرات من الشخصيات المدسوسة على الأمة المسلمة في صورة أبطال مصنوعين على عين الصهيونية والصليبية , ليؤدوا لأعداء الإسلام من الخدمات ما لا يملك هؤلاء الأعداء أن يؤدوه ظاهرين !
وما يزال هذا الكيد قائما ومطردا . وما تزال مثابة الأمان والنجاة منه هي اللياذ بهذا الكتاب المحفوظ ; والعودة إليه لاستشارته في المعركة الناشبة طوال هذه القرون .
كذلك يعرض بعض المحاولات التي يبذلها فريق من أهل الكتاب لبلبلة الجماعة المسلمة في دينها , وردها عن الهدى , من ذلك الطريق الماكر اللئيم:
(وقالت طائفة من أهل الكتاب:آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون . ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم . . .) . .
وهي طريقة ماكرة لئيمة كما قلنا . فإن إظهارهم الإسلام ثم الرجوع عنه , يوقع بعض ضعاف النفوس والعقول وغير المتثبتين من حقيقة دينهم وطبيعته . . يوقعهم في بلبلة واضطراب . وبخاصة العرب الأميين , الذين كانوا يظنون أن أهل الكتاب أعرف منهم بطبيعة الديانات والكتب . فإذا رأوهم يؤمنون ثم يرتدون , حسبوا أنهم إنما ارتدوا بسبب إطلاعهم على خبيئة ونقص في هذا الدين . وتأرجحوا بين اتجاهين فلم يكن لهم ثبات على حال .
وما تزال هذه الخدعة تتخذ حتى اليوم . في شتى الصور التي تناسب تطور الملابسات والناس في كل جيل . .
ولقد يئس أعداء المسلمين أن تنطلي اليوم هذه الخدعة , فلجأت القوى المناهضة للإسلام في العالم إلى طرق شتى , كلها تقوم على تلك الخدعة القديمة .
إن لهذه القوى اليوم في أنحاء العالم الإسلامي جيشا جرارا من العملاء في صورة أساتذة وفلاسفة ودكاترة وباحثين - وأحيانا كتاب وشعراء وفنانين وصحفيين - يحملون أسماء المسلمين , لأنهم انحدروا من سلالة مسلمة ! وبعضهم من "علماء" المسلمين !
هذا الجيش من العملاء موجه لخلخلة العقيدة في النفوس بشتى الأساليب , في صورة بحث وعلم وأدب وفن وصحافة . وتوهين قواعدها من الأساس . والتهوين من شأن العقيدة والشريعة سواء . وتأويلها وتحميلها ما لا تطيق . والدق المتصل على "رجعيتها" ! والدعوة للتلفت منها . وإبعادها عن مجال الحياة إشفاقا عليها من الحياة أو إشفاقا على الحياة منها ! وابتداع تصورات ومثل وقواعد للشعور والسلوك تناقض وتحطم تصورات العقيدة ومثلها . وتزيين تلك التصورات المبتدعة بقدر تشويه التصورات والمثل الإيمانية . وإطلاق الشهوات من عقالها وسحق القاعدة الخلقية التي تستوي عليها العقيدة النظيفة لتخر في الوحل الذي ينثرونه في الأرض نثرا ! ويشوهون التاريخ كله ويحرفونه كما يحرفون النصوص !
وهم بعد مسلمون ! أليسوا يحملون أسماء المسلمين ? وهم بهذه الأسماء المسلمة يعلنون الإسلام وجه النهار . وبهذه المحاولات المجرمة يكفرون آخره . . ويؤدون بهذه وتلك دور أهل الكتاب القديم . لا يتغير إلا الشكل والإطار في ذلك الدور القديم !
وكان أهل الكتاب يقول بعضهم لبعض:تظاهروا بالإسلام أول النهار واكفروا آخره لعل المسلمين يرجعون عن دينهم . وليكن هذا سرا بينكم لا تبدونه ولا تأتمنون عليه إلا أهل دينكم:
(ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) . .
وفعل الإيمان حين يعدى باللام يعني الاطمئنان والثقة . أي ولا تطمئنوا إلا لمن تبع دينكم , ولا تفضوا بأسراركم إلا لهؤلاء دون المسلمين !
وعملاء الصهيونية والصليبية اليوم كذلك . . إنهم متفاهمون فيما بينهم على أمر . . هو الإجهاز على هذه العقيدة في الفرصة السانحة التي قد لا تعود . . وقد لا يكون هذا التفاهم في معاهدة أو مؤامرة . ولكنه تفاهم العميل مع العميل على المهمة المطلوبة للأصيل ! ويأمن بعضهم لبعض فيفضي بعضهم إلى بعض . . ثم يتظاهرون - بعضهم على الأقل - بغير ما يريدون وما يبيتون . . والجو من حولهم مهيأ , والأجهزة من حولهم معبأة . . والذين يدركون حقيقة هذا الدين في الأرض كلها مغيبون أو مشردون !
(ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) . .
وهنا يوجه الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن أن الهدى هو وحده هدى الله ; وأن من لا يفيء إليه لن يجد الهدى أبدا في أي منهج ولا في أي طريق:
(قل:إن الهدى هدى الله) . .
ويجيء هذا التقرير ردا على مقالتهم: (آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) تحذيرا للمسلمين من تحقيق الهدف اللئيم . فهو الخروج من هدى الله كله . فلا هدى إلا هداه وحده . وإنما هو الضلال والكفر ما يريده بهم هؤلاء الماكرون .
يجيء هذا التقرير قبل أن ينتهي السياق من عرض مقولة أهل الكتاب كلها . . ثم يمضي يعرض بقية تآمرهم بعد هذا التقرير المعترض:
(أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم , أو يحاجوكم عند ربكم) . .
بهذا يعللون قولهم: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) . . فهو الحقد والحسد والنقمة أن يؤتي الله أحدا من النبوة والكتاب ما آتى أهل الكتاب . وهو الخوف أن يكون في الاطمئنان للمسلمين وإطلاعهم على الحقيقة التي يعرفها أهل الكتاب , ثم ينكرونها , عن هذا الدين , ما يتخذه المسلمون حجة عليهم عند الله ! - كأن الله سبحانه لا يأخذهم بحجة إلا حجة القول المسموع ! - وهي مشاعر لا تصدر عن تصور إيماني بالله وصفاته ; ولا عن معرفة بحقيقة الرسالات والنبوات , وتكاليف الإيمان والاعتقاد !
ويوجه الله سبحانه رسوله الكريم ليعلمهم - ويعلم الجماعة المسلمة - حقيقة فضل الله حين يشاء أن يمن على أمة برسالة وبرسول:
(قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء , والله واسع عليم . يختص برحمته من يشاء , والله ذو الفضل العظيم) . .
وقد شاءت إرادته أن يجعل الرسالة والكتاب في غير أهل الكتاب ; بعد ما خاسوا بعهدهم مع الله ; ونقضوا ذمة أبيهم إبراهيم ; وعرفوا الحق ولبسوه بالباطل ; وتخلوا عن الأمانة التي ناطها الله بهم ; وتركوا أحكام كتابهم وشريعة دينهم ; وكرهوا أن يتحاكموا إلى كتاب الله بينهم . وخلت قيادة البشرية من منهج الله وكتابه ورجاله المؤمنين . . عندئذ سلم القيادة , وناط الأمانة , بالأمة المسلمة . فضلا منه ومنة . (والله واسع عليم) . . (يختص برحمته من يشاء) . . عن سعة في فضله وعلم بمواضع رحمته . . (والله ذو الفضل العظيم) . . وليس أعظم من فضله على أمة بالهدى ممثلا في كتاب . وبالخير ممثلا في رسالة . . وبالرحمة ممثلة في رسول .(1/9)
فإذا سمع المسلمون هذا احسوا مدى النعمة وقيمة المنة في اختيار الله لهم , واختصاصه إياهم بهذا الفضل . واستمسكوا به في إعزاز وحرص , وأخذوه بقوة وعزم , ودافعوا عنه في صرامة ويقين , وتيقظوا لكيدالكائدين وحقد الحاقدين . وهذا ما كان يربيهم به القرآن الكريم والذكر الحكيم . وهو ذاته مادة التربية والتوجيه للأمة المسلمة في كل جيل .
وفي التفسير الوسيط :
وقوله - تعالى - { وَدَّت } من الود وهو محبة الشىء وتمنى حصوله ووقوعه .
أى تمنت وأحبت جماعة من أهل الكتاب إضلالكم وإهلاككم عن الحق - أيها المؤمنون - وذلك بأن ترجعوا عن دين الإسلام الذى هداكم الله إليه ، إلى دين الكفر الذى يعتنقه أولئك الكافرون من أهل الكتاب .
ولم يقف بغى بعض أهل الكتاب وحسدهم عند هذا التمنى ، بل تجاوزوه إلى إلقاء الشبهات حول دين الإسلام ، وإلى محاولة صرف بعض المسلمين عن دينهم .
قال القرطبى : نزلت هذه الآية - فى معاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر ، حين دعاهم اليهود من بنى النضير وقريظة وبنى قينقاع إلى اليهودية .
والمراد بالطائفة رؤساء أهل الكتاب وأحبارهم ومن للتبعيض وهى مع مجرورها فى محل رفع نعت لطائفة .
و { لَوْ } فى قوله { لَوْ يُضِلُّونَكُمْ } مصدرية أى ودت طائفة من أهل الكتاب إضلالكم . وقوله { وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } جملة حالية .
أى : والحال أنهم ما يضلون أى ما يهلكون إلا أنفسهم بسبب غوايتهم واستيلاء الأهواء على قلوبهم ، وإبثارهم العمى على الهدى ولكنهم لا يشعرون بذلك ولا يفطنون له ، لأنهم قد زين لهم الشيطان سوء عملهم فرأوة حسنا .
وأما النداء الثالث الذى اشتملت عليه هذه الآيات فهو قوله : { ياأهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } .
أى : لماذا تكفرون بآيات الله - تعالى - التى يتلوها عليكم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والحال أنكم تعلمون صدقها وصحتها علما يقينا كعلم المشاهدة والعيان ، وتعرفون أنه نبى حقا كما تعرفون أبناءكم .
والاستفهام فى قوله { لِمَ تَكْفُرُونَ } لتوبيخهم والتعجيب من شأنهم ، وإنكار ما هم عليه من كفر بأيات الله مع علمهم بصدقها .
وفى هذا النداء إشارة إلى أن ما أعطوه من علم كان يقتضى منهم أن يسارعوا إلى الإيمان لا أن يكفروا بآيات الله الدالة على صدق نبيه صلى الله عليه وسلم والتى تتناول القرآن الكريم ، والحجج والمعجزات التى جاءهم بها صلى الله عليه وسلم .
ثم وجه إليهم - سبحانه - نداء رابعا نهاهم فيه عن الخلط بين الحق والباطل وعن كتمان الحق بعد أن نهاهم قبل ذلك عن الكفر بالآيات فقال - تعالى - : { ياأهل الكتاب لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل وَتَكْتُمُونَ الحق وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .
وقوله : { تَلْبِسُونَ } أى تخلطون من اللبس - بفتح اللام - أى الخلط وفعله ليس من باب ضرب .
تقول : ليست عليه الأمر ألبسه إذا مزجت بينه بمشكلة وحقه بباطله فى ستر وخفاء .
أى : يا أهل الكتب لماذا تخاطلون الحق الواضح الذى نطقت به الكتب السماوية ، وأيدته العقول السليمة ، بالباطل الذى تخترعونه من عند أنفسكم إرضاء لأهوائكم؟ ولماذا تكتمون الحق الذى تعرفونه كما تعرفون أبناءكم بغية انصراف الناس عنه ، لأن من جهل شيئاً عاداه .
وفى تكرير النداء والاستفهام زيادة في توبيخهم ولإنكار ما هم عليه ، والتعجيب من شأنهم ، ذلك لأنهم جمعوا أفحش أنواع الرذائل التى على رأسها كفرهم بآيات الله وخلطهم الحق بالباطل وكتمان الحق عمن يريده .
ولدعاة الضلالة طريقتان فى إغواء الناس .
إحداهما : طريقة خلط الحق بالباطل حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر وهى المشار إليها بقوله - تعالى { لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل } .
والثانية : طريقة جحد الحق وإخفائه حتى لا يظهر ، وهى المشار إليها بقوله - تعالى - : { وَتَكْتُمُونَ الحق } .
وقد استعمل أهل الكتاب الطريقتين لصرف الناس عن الإسلام فقد كان بعضهم يؤول نصوص كتبهم الدالة على صدق النبى صلى الله عليه وسلم تأويلا فاسداً يخلط فيه الحق بالباطل ليوهموا العامة أنه ليس هو النبى المنتظر ، وكان بعضهم يلقى حول الحق شبها ليوقع ضعفاء الإيمان فى حيرة وتردد ، وكان بعضهم يخفى أو يحذف النصوص الدالة على صدق النبى صلى الله عليه وسلم أو التى لا توافق أهواءهم .
وقوله : { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } جملة حالية . أى وأنتم تعلمون أن ما أخفيتموه وما لبستموه هو الحق ، أو وأنتم من ذوى العلم ولا يناسب من كان كذلك أن يكتم الحق ويخلطه بالباطل ، وإذا كان هذا الفعل يعد من كبائر الذنوب حتى ولو وقع من شخص عادى فإن وقعه يكون أقبح وفساده أكبر وعاقبه أشأم متى صدر من عالم فاهم يميز بين الحق والباطل .
قال أبو حيان : وهذه الحال وإن كان ظاهرها أنها قيد فى النهى عن اللبس والكتم ، إلا أنها لا تدل بمفهومها على جواز اللبس والكتم حالة الجهل إذا الجاهل بحال الشىء لا يدرى كونه حقا أو باطلا . وإنما فائدتها بيان أن الإقدام على الأشياء القبيحة مع العلم بها أفحش من الإقدام عليها مع الجهل .
وبعد هذه النداءات المتكررة لأهل الكتاب ، والحجج الباهرة التى ساقها لهم على صحة هذا الدين والتوبيخات المتعددة التى وبخهم بها لانصرافهم عن الحق ومحاولتهم صرف غيرهم عنه بعد كل ذلك ، أخذ القرآن فى سرد بعض المسالك الخبيثة التى سلكها اليهود لكيد الإسلام والمسلمين فبدأ ببيان مسلك لئيم من مسالكهم الكثيرة ، وهو أن بعضهم كان يظهر الإيمان لفترة من الوقت ثم يرجع عنه إلى الكفر ، ليوهم ضعاف العقول أنه ما رجع عن الإسلام إلا بعد أن دخله فوجده دينا ليس بشىء - فى زعمه - .
استمع إلى القرآن وهو يحكى ذلك لكى يطلع أتباعه على مسالك اليهود ومكرهم حتى يحذروهم ، فيقول : { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ . . . } .
أنت إذا تأملت فى هذه الآيات الكريمة تراها قد حكت عن طائفة من أهل الكتاب طريقة ماكرة لئيمة ، هى تظاهرهم بالإسلام لفترة من الوقت ليحسن الظن بهم من ليس خبيرا بمكرهم وخداعهم ، حتى إذا ما اطمأن الناس إليهم جاهروا بكفرهم ورجعوا إلى ما كانوا عليه ، ليوهموا حديثى العهد بالإسلام أو ضعاف الإيمان ، أنهم قوم يبحثون عن الحقيقة ، وأنهم ليس عندهم أى عداء للنبى صلى الله عليه وسلم بل إن الذى حصل منهم هو أنهم بعد دخولهم فى الإسلام وجدوه دينا باطلا وأنهم ما عادوا إلى دينهم القديم إلا بعد الفحص والاختبار وإمعان النظر في دين الإسلام .
ولا شك أن هذه الطريقة التى سلكها بعض اليهود لصرف بعض المسلمين عن الإسلام من أقوى ما تفتق عنه تديبرهم الشيطانى ، لأن إعلانهم الكفر بعد الإسلام ، وبعد إظهارهم الإيمان به ، من شأنه أن يدخل الشك فى القلوب ويوقع ضعاف الإيمان فى حيرة واضطراب ، خاصة وأن العرب - فى مجموعهم - قوم أميون ومنهم من كان يعتقد أن اليهود أعرف منهم بمسائل العقيدة والدين . فيظن أنهم ما ارتدوا عن الإسلام إلا بعد اطلاعهم على نقص فى تعاليمه .
والمتتبع لمراحل التاريخ قديما وحديثا يرى أن الدهاة فى السياسة والحرب يتخذ هذه الخدعة ذريعة لإشاعة الخلل والاضطراب فى صفوف أعدائه .(1/10)
قال الأستاذ الشيخ محمد عبده - رحمه الله : " هذا النوع الذى تحكيه الآيات من صد اليهود عن الإسلام مبنى على قاعدة طبيعية فى البشر ، وهى أن من علامة الحق أن لا يرجع عنه من يعرفه . وقد وفقه هذا ، هرقل ، ملك الروم ، فكان مما سأل عنه أبا سفيان من شئون النبى صلى الله عليه وسلم أ ، قال له : " هل يرتد أحد ن أتباع محمد سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فقال أبو سفيان : لا . وقد أرادت هذه الطائفة أن تغش الناس من هذه الناحية ليقولوا : لولا أن ظهر لهؤلاء بطلان الإسلام لما رجعوا عنه بعد أن دخلوا فيه ، واطلعوا على بواطنه وخوافيه ، إذ لا يعقل أن يترك الإنسان الحق بعد معرفته ، ويرغب عنه بعد الرغبة فيه بغير سبب " .
هذا ، وقد روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات الكريمة روايات متعددة كلها تدور حول المعنى الذى قررناه .
ومن هذه الروايات ما أخرجه ابن جرير عن قتادة قال فى قوله - تعالى - { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب آمِنُواْ } . . ألخ قال بعض أهل الكتاب لبعض : " أعطوهم الرضا بدينهم أول النهار ، واكفروا آخره فغنه أجدر أن يصدقوكم ويعلموا أنكم قد رأيتم ما تكرهونه فى دينهم ، وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم " .
وعن السدى : كان - هؤلاء - أحبار قرى عربية ، اثنى عشر حبرا ، فقالوا لبعضهم : ادخلوا فى دين محمد أول النهار ، وقولوا : نشهد أن محمدا حق صادق . فإذا كان آخر النهار فاكفروا وقولوا : إنا رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم ، لعلهم يشكون ، يقولون : هؤلاء كانوا معنا أول النهار فما بالهم؟ فأخبر الله - عز وجل - رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك " .
والمعنى : { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب } أى : فيما بينهم ليلبسوا على الضعفاء أمر دينهم { آمِنُواْ بالذي أُنْزِلَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَجْهَ النهار } أى قال بعضهم لبعض : نافقوا وأظهروا التصديق بالإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم - وبما أنزل عليه وعلى أصحابه من قرآن { وَجْهَ النهار } أى فى أول النهار .
وسمى أول النهار وجها ، لأنه أول ما يواجهك منه ، وأول وقت ظهوره ووضوحه . وقوله { واكفروا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } معطوف على { آمَنُواْ } .
أى : آمنوا فى أول النهار واكفروا فى آخره ، بأن تعودوا إلى اليهودية ، أملا فى أن ينخدع بحيلتكم هذه بعض المسلمين ، فيشكوا في دينهم ، ويعودوا إلى الكفر بعد دخولهم فى الإسلام .
وقوله { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } كشف عن مقصدهم الخبيث ، وهو ابتغاؤهم رجوع بعض المؤمنين عن دينهم الحق إلى ما كانوا عليه من باطل .
قال الفخر الرازي : " والفائدة فى إخبار الله - تعالى - عن تواضعهم على هذه الحيلة من وجوه :
الأول : أن هذه الحيلة كانت مخيفة فيما بينهم ، وما أطلعوا عليها أحداً من الأجانب ، فلما أخبر الرسول عنها كان ذلك إخبارا عن الغيب فيكون معجزاً .
الثانى : أنه - تعالى - لما أطلع المؤمنين على تواطئهم على هذه الحيلة لم يحصل لهذه الحيلة أثر فى قلوب المؤمنين ، ولولا هذا الإعلام لكان ربما أثرت هذه الحيلة فى قلب بعض من كان في إيمانه ضعف .
الثالث : أن القوم لما افتضحوا فى هذه الحيلة صار ذلك رادعا لهم عن الإقدام على أمثالها من الحيل والتلبيس " .
ثم حكى - سبحانه - لونا من عصبيتهم وتعاونهم على الإثم والعدوان فقال تعالى : { وَلاَ تؤمنوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله أَن يؤتى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ } .
وقوله - سبحانه - حكاية عنهم { وَلاَ تؤمنوا } معطوف على قوله - تعالى - فى الآية السابقة { آمِنُواْ بالذي أُنْزِلَ } .
وقد فسر بعضهم { وَلاَ تؤمنوا } بمعنى ولا تقروا ، أو ولا تعترفوا؛ فتكون اللام فى قوله { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } أصلية .
وعليه يكون المعنى : أن بعض اليهود قد قالوا لبعض : أظهروا إسلامكم أول النهار واكفروا آخره ، لعل هذا العمل منكم يحمل بعض المسلمين على أن يتركوا دينهم الإسلام ، ويعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر ولم يكتفوا بهذا القول بل قالوا أيضا على سبيل المكر والخديعة ، ولا تقروا ولا تعترفوا بأن أحداً من المسلمين أو من غيرهم يؤتى مثل ما أوتيتم من الكتاب والنبوة والفضائل ، أو بأن أحدا فى قدرته أن يحاججكم أى يبادلكم الحجة عند ربكم يوم القيامة ، ولا تقروا ولا تعترفوا بشىء من ذلك " إلا لن تبع دينكم " أى إلا لمن كان على ملتكم اليهودية دون غيرها .
فالمستثنى منه على هذا التفسير محذوف ، والتقدير : ولا تؤمنوا أى تقروا وتعترفوا لأحد من الناس بأن أحداً يؤتى مثل ما أوتيتم أو بأن أحداً يحاججكم عند ربكم إلا لمن تبع دينكم ، لأن إقراركم بذلك أمام المسلمين أو غيرهم ممن هو على غير ملتكم سيؤدى إلى ضعفكم وإلى قوة المسلمين .
فهم على هذا التفسير يعلمون ويعتقدون بأن المؤمنين قد أوتوا مثلهم من الدين والفضائل عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم الذى أرسله الله رحمة للعالمين ، ولكنهم لشدة حسدهم وبغضهم للنبى صلى الله عليه وسلم ولأتباعه ، قد تواصوا فيما بينهم بأن يكتموا هذا العلم وتلك المعرفة ، ولا يظهروا ذلك إلا فيما بينهم ، وصدق الله إذ يقول فى شأنهم { الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وقد صدر صاحب الكشاف تفسيره لللآية بهذا الوجه فقال : " قوله { وَلاَ تؤمنوا } بمعنى ولا تصدقوا أو ولا تعتقدوا ، فتكون اللام فى قوله { لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } زائدة للتقوية .
فيصير المعنى على هذا الوجه : أن بعض اليهود قد قالوا لبعض : أظهروا الإسلام أول النهار واكفروا آخره لعل عملكم هذا يجعل بعض المسلمين يترك دينه ويعود إلى الكفر الذى كان عليه ، ولا تصدقوا أن أحدا من البشر يؤتى مثل ما أتيتم يا بنى إسرائيل من الكتاب والنبوة ، أو أن أحدا في قدرته أن يحاججكم عند ربكم فأنتم الأعلون فى الدنيا والآخرة وأنتم الذين لا تخرج النبوة من بينكم إلى العرب ، وما دام الأمر كذلك فلا تتبعوا إلا نبياً منكم يقرر شرائع التوراة ، أما من جاء بتغيير شىء من أحكامها أو كان من غير بنى إسرائيل كمحمد صلى الله عليه وسلم فلا تصدقوه .
فالمستثنى منه على هذا الوجه هو قوله " أحد " المذكور في الآية ، والمستثنى هو قوله { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } .
والتقدير : ولا تصدقوا أن أحدا يمكن أن يؤتى مثل ما أوتيتم أو يمكنه أن يحاججكم عند ربكم { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } أى إلا من كان على ملتكم اليهودية ، أما أن يكون من غيركم كهذا النبى العربى فلا يمكن أن يؤتى مثل ما أوتيتم من الكتاب والنبوة ، لأنهما - فى زعمهم - حكر على بنى إسرائيل .
فهم على هذا الوجه من التفسير يزعمون أنهم غير مصدقين ولا معتقدين بأن المسلمين قد أوتوا كتاباً وديناً وفضائل مثل ما أوتوا هم أى اليهود ، ويرون أنفسهم - لغرورهم وانطماس بصيرتهم - أنهم أهدى سبيلا من كل من سواهم من البشر .
وعلى كل من الوجهين يكون قوله - تعالى - { أَن يؤتى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ } حكاية من الله - تعالى - لما تواصى به بعض اليهود فيما بينهم من أقوال خبيثة ، وأفكار ماكرة .(1/11)
ويكون قوله - تعالى - { قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله } كلاما معترضا بين أقوالهم ساقه الله - تعالى - للمسارعة بالرد على أقوالهم الذميمة حتى يزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ، ويزدادوا هم رجسا إلى رجسهم ، وينكشف ما أضمروه وما بيتوه للمؤمنين من سوء وحقد .
أى قل لهم يا محمد إن هداية الله - تعالى - ملك له وحده ، وهو الذى يهبها لمن يشاء من عباده ، فهى ليست حكراً على أحد ، ولا أمرا مقصورا على قوم دون قوم ، وإذا كانت النبوة قد ظلت فترة من الزمان فى بنى إسرائيل ، فالله - تعالى - قادر على أن يسلبها منهم لأنهم لم يشكروه عليها وأن يجعلها فى محمد العربى صلى الله عليه وسلم لأنه أهل لها وهو - سبحانه - أعلم حيث يجعل رسالته .
هذا ، ويرى بعض المفسرين أن أقوال اليهود التى حكاها القرآن عنهم قد انتهت بنهاية قوله - تعاىل - { وَلاَ تؤمنوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } وأما قوله - تعالى - { قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله أَن يؤتى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ } فهو من كلام الله - تعالى - وقد ساقه - سبحانه - للرد عليهم .
فيكون المعنى عليه : أن بعض اليهود قد قال لبعض : أظهروا إسلامكم أول النهار واكفروا آخره لعل بعض المسلمين يرجع عن دينه بسبب فعلكم هذا ، ولا تعترفوا بفعلكم هذا إلا لأهل دينكم من اليهود حتى يبقى عملكم هذا سرا له أثره فى بلبلة أفكار المسلمين ورجوع بعضهم عن الإسلام .
وهنا يأمر الله - تعالى - نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالرد عليهم وبالكشف عن مكرهم فيقول : قل لهم يا محمد إن الهدى هدى الله ، أى إن هداية الله ملك له وحده فهو الذى يهدى من يشاء وهو الذى يضل من يشاء ، وقد هدانا - سبحانه - إلى الإسلام وارتضيناه دينا لنا ولن نرجع عنه .
وقل لهم كذلك على سبيل التوبيخ والتهكم بعقولهم : أمخافة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب والنبوة : أو مخافة أن يحاججكم المسلمون عند ربكم يوم القيامة حيث آمنوا بالحق وأنتم كفرتم به ، أمخافة ذلك دبرتم ما دبرتم من هذه الأقوال السيئة والأفعال الخبيثة؟ لا شك أنه لم يحملكم على ذلك المنكر السىء إلا الحسد لمحمد صلى الله عليه وسلم ولقومه وزعمكم أنكم أفضل منهم لأنكم - كما تدعون - أبناء الله وأحباؤه فدفعكم ذلك كله إلى كراهية دينه والكيد لأتباعه .
قالوا : ويؤيد هذا الوجه من التفسير للآية قراءة ابن كثير " أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم . . . " بهمزتين أولاهما للاستفهما الذى قصد به التوبيخ والإنكار ، والثانية هى همزة أن المصدرية .
وقد أشار إلى هذا الوجه الفخر الرازي فقال ما ملخصه : " واعمل أن هذه الآية من المشكلات الصعبة . . ويحتمل أن يكون قوله - تعالى - { أَن يؤتى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ } من كلام الله - تعالى - فقد قرا ابن كثير { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين } . والمعنى أمن أجل أن يؤتى أحد شرائع مثل ما أوتيتم من الشرائع تنكرون اتباعه ، ثم حذف الجواب للاختصار ، وهذا الحذف كثير .
يقول الرجل بعد طول العتاب لصاحبه . وبعد كثرة إحسانه إليه : أمن قلة إحسانى إليك؟ والمعنى أمن أجل هذا فعلت ما فعلت " .
ثم أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم مرة ثانية حتى يبطل مزاعمهم ويفضحهم على رؤس الأشهاد فقال : { قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } أى قل لهم يا محمد : إن الفضل - الذى يتناول النبوة وغيرها من نعم الله على عباده - هذا الفضل وذلك العطاء بيد الله - تعالى- وحده ، وهو - سبحانه - المتفضل به على من يشاء التفضل عليه من عباده ، وإذا كان - سبحانه - قد جعل النبوة فى بنى إسرائيل لفترة من الزمان ، فذلك بفضل منه وبرحمته ، وإذا كان قد سلبها عنهم لأنهم لم يرعوها حق رعايتها وجعلها فى هذا النبى العربى فذلك - أيضا - بفضله ورحمته ، وهو - سبحانه - أعلم حيث يجعل رسالته ، وهو - سبحانه - صاحب الاختيار المطلق في أن يؤتى فضله لمن يشاء من عباده . وهو - سبحانه - { وَاسِعٌ } الرحمة والفضل { عَلِيمٌ } بمن يستحقها وبمن لا يستحقها .
ثم قال - تعالى - { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } أي يختص بالنبوة وما يترتب عليها من الهداية والنعم من يشاء من عباده .
وقوله { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } أى هو - سبحانه - صاحب الجود العميم والفضل العظيم ، فلا عظمة تساوى عظمة فضل الله - تعالى - على خلقه ، وإنما هو وحده صاحب النعم التى لا تحصى على عباده ، فعليهم أن يشكروه وأن يفردوه بالعبادة والخضوع .
وبذلك تكون الآيات الكريمة قد كشفت عن مسلك من مسالك اليهود الماكرة التى أرادوا من ورائها كيد الإسلام والمسلمين ، وفى هذا الكشف تنبيه للمسلمين إلى ما يبيته لهم هؤلاء الأعداء من شرور وآثام حتى يحذروهم .
ثم حكى القرآن لونا آخر من ألوان مزاعم اليهود الباطلة ، وأقاويلهم الكاذبة ، وهو دعواهم أنهم ليس عليهم في الأميين سبيل ، أى أن كل من كان على غير ملتهم فإنه مهدور الحقوق ، ثم رد عليهم بما يدحض مزاعمهم ويثبت أنهم ليسوا أهلا لاختصاصهم بالنبوة والرحمة فقال تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ . . . } .
وقال السعدي :
يحذر تعالى عباده المؤمنين عن مكر هذه الطائفة الخبيثة من أهل الكتاب، وأنهم يودون أن يضلوكم، كما قال تعالى { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا } ومن المعلوم أن من ود شيئا سعى بجهده على تحصيل مراده، فهذه الطائفة تسعى وتبذل جهدها في رد المؤمنين وإدخال الشبه عليهم بكل طريق يقدرون عليه، ولكن من لطف الله أنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فلهذا قال تعالى { وما يضلون إلا أنفسهم } فسعيهم في إضلال المؤمنين زيادة في ضلال أنفسهم وزيادة عذاب لهم، قال تعالى { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون } { وما يشعرون } بذلك أنهم يسعون في ضرر أنفسهم وأنهم لا يضرونكم شيئا.
{ يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون } أي: ما الذي دعاكم إلى الكفر بآيات الله مع علمكم بأن ما أنتم عليه باطل، وأن ما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا تشكون فيه، بل تشهدون به ويسر به بعضكم إلى بعض في بعض الأوقات، فهذا نهيهم عن ضلالهم.
ثم وبخهم على إضلالهم الخلق، فقال { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } فوبخهم على لبس الحق بالباطل وعلى كتمان الحق، لأنهم بهذين الأمرين يضلون من انتسب إليهم، فإن العلماء إذا لبسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما، بل أبقوا الأمر مبهما وكتموا الحق الذي يجب عليهم إظهاره، ترتب على ذلك من خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب، ولم يهتد العوام الذين يريدون الحق لمعرفته حتى يؤثروه، والمقصود من أهل العلم أن يظهروا للناس الحق ويعلنوا به، ويميزوا الحق من الباطل، ويظهروا الخبيث من الطيب، والحلال والحرام ، والعقائد الصحيحة من العقائد الفاسدة، ليهتدي المهتدون [ ص 135 ] ويرجع الضالون وتقوم الحجة على المعاندين قال تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم } .(1/12)
ثم أخبر تعالى عن ما همت به هذه الطائفة الخبيثة، وإرادة المكر بالمؤمنين، فقال { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } أي: ادخلوا في دينهم على وجه المكر والكيد أول النهار، فإذا كان آخر النهار فاخرجوا منه { لعلهم يرجعون } عن دينهم، فيقولون لو كان صحيحا لما خرج منه أهل العلم والكتاب، هذا الذي أرادوه عجبا بأنفهسم وظنا أن الناس سيحسنون ظنهم بهم ويتابعونهم على ما يقولونه ويفعلونه، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
{ و } قال بعضهم لبعض { لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } أي: لا تثقوا ولا تطمئنوا ولا تصدقوا إلا من تبع دينكم، واكتموا (1) أمركم، فإنكم إذا أخبرتم غيركم وغير من هو على دينكم حصل لهم من العلم ما حصل لكم فصاروا مثلكم، أو حاجوكم عند ربكم وشهدوا عليكم أنها قامت عليكم الحجة وتبين لكم الهدى فلم تتبعوه، فالحاصل أنهم جعلوا عدم إخبار المؤمنين بما معهم من العلم قاطعا عنهم العلم، لأن العلم بزعمهم لا يكون إلا عندهم وموجبا للحجة عليهم، فرد الله عليهم بأن { الهدى هدى الله } فمادة الهدى من الله تعالى لكل من اهتدى، فإن الهدى إما علم الحق، أو إيثارة، ولا علم إلا ما جاءت به رسل الله، ولا موفق إلا من وفقه الله، وأهل الكتاب لم يؤتوا من العلم إلا قليلا وأما التوفيق فقد انقطع حظهم منه لخبث نياتهم وسوء مقاصدهم، وأما هذه الأمة فقد حصل لهم ولله الحمد من هداية الله من العلوم والمعارف مع العمل بذلك ما فاقوا به وبرزوا على كل أحد، فكانوا هم الهداة الذين يهدون بأمر الله، وهذا من فضل الله عليها وإحسانه العظيم، فلهذا قال تعالى { قل إن الفضل بيد الله } أي: الله هو الذي يحسن على عباده بأنواع الإحسان { يؤتيه من يشاء } ممن أتى بأسبابه { والله واسع } الفضل كثير الإحسان { عليم } بمن يصلح للإحسان فيعطيه، ومن لا يستحقه فيحرمه إياه.
{ يختص برحمته من يشاء } أي: برحمته المطلقة التي تكون في الدنيا متصلة بالآخرة وهي نعمة الدين ومتمماته { والله ذو الفضل العظيم } الذي لا يصفه الواصفون ولا يخطر بقلب بشر، بل وصل فضله وإحسانه إلى ما وصل إليه علمه، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما.
================
4- الكفر بآيات الله والصد عن سبيل الله :
قال تعالى : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) سورة آل عمران
قال الرازي :
إعلم أن في كيفية النظم وجهين الأول : وهو الأوفق : أنه تعالى لما أورد الدلائل على نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام مما ورد في التوراة والإنجيل من البشارة بمقدمه ، ثم ذكر عقيب ذلك شبهات القوم .
فالشبهة الأولى : ما يتعلق بإنكار النسخ .
وأجاب عنها بقوله { كُلُّ الطعام كَانَ حِلاًّ لّبَنِى إسراءيل إِلاَّ مَا حَرَّمَ إسراءيل على نَفْسِهِ } [ آل عمران : 93 ] .
والشبهة الثانية : ما يتعلق بالكعبة ووجوب استقبالها في الصلاة ووجوب حجها .
وأجاب عنها بقوله { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 96 ] إلى آخرها ، فعند هذا تمت وظيفة الاستدلال وكمل الجواب عن شبهات أرباب الضلال ، فعند ذلك خاطبهم بالكلام اللين وقال : { لِمَ تَكْفُرُونَ بآيات الله } بعد ظهور البينات وزوال الشبهات ، وهذا هو الغاية القصوى في ترتيب الكلام وحسن نظمه .
الوجه الثاني : وهو أنه تعالى لما بين فضائل الكعبة ووجوب الحج ، والقوم كانوا عالمين بأن هذا هو الدين الحق والملة الصحيحة قال لهم : { لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله } بعد أن علمتم كونها حقة صحيحة .
واعلم أن المبطل إما أن يكون ضالاً فقط ، وإما أن يكون مع كونه ضالاً يكون مضلاً ، والقوم كانوا موصوفين بالأمرين جميعاً فبدأ تعالى بالإنكار عليهم في الصفة الأولى على سبيل الرفق واللطف .
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله { ياأهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِأَيَاتِ الله } واختلفوا فيمن المراد بأهل الكتاب ، فقال الحسن : هم علماء أهل الكتاب الذين علموا صحة نبوته ، واستدل عليه بقوله { وَأَنْتُمْ شُهَدَاء } وقال بعضهم : بل المراد كل أهل الكتاب لأنهم وإن لم يعلموا فالحجة قائمة عليهم فكأنهم بترك الاستدلال والعدول إلى التقليد بمنزلة من علم ثم أنكر .
فإن قيل : ولم خص أهل الكتاب بالذكر دون سائر الكفار؟ .
قلنا لوجهين : الأول : أنا بينا أنه تعالى أورد الدليل عليهم من التوراة والإنجيل على صحة نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام ، ثم أجاب عن شبههم في ذلك ، ثم لما تمّ ذلك خاطبهم فقال : { يا أَهْل الكتاب } فهذا الترتيب الصحيح الثاني : أن معرفتهم بآيات الله أقوى لتقدم اعترافهم بالتوحيد وأصل النبوّة ، ولمعرفتهم بما في كتبهم من الشهادة بصدق الرسول والبشارة بنبوته .
المسألة الثانية : قالت المعتزلة في قوله تعالى : { لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله } دلالة على أن الكفر من قبلهم حتى يصح هذا التوبيخ وكذلك لا يصح توبيخهم على طولهم وصحتهم ومرضهم .
والجواب عنه : المعارضة بالعلم والداعي .
المسألة الثالثة : المراد { مِنْ آيات الله } الآيات التي نصبها الله تعالى على نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام ، والمراد بكفرهم بها كفرهم بدلالتها على نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام .
ثم قال : { والله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } الواو للحال والمعنى : لم تكفرون بآيات الله التي دلتكم على صدق محمد عليه الصلاة والسلام ، والحال أن الله شهيد على أعمالكم ومجازيكم عليها وهذه الحال توجب أن لا تجترؤا على الكفر بآياته .
ثم إنه تعالى لما أنكر عليهم في ضلالهم ذكر بعد ذلك الإنكار عليهم في إضلالهم لضعفة المسلمين فقال : { قُلْ ياأهل الكتاب لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ ءَامَنَ } قال الفرّاء : يقال صددته أصده صداً وأصددته إصداداً ، وقرأ الحسن { تَصُدُّونَ } بضم التاء من أصده ، قال المفسرون : وكان صدهم عن سبيل الله بإلقاء الشبه والشكوك في قلوب الضعفة من المسلمين وكانوا ينكرون كون صفته صلى الله عليه وسلم في كتابهم .
ثم قال : { تَبْغُونَهَا عِوَجاً } العوج بكسر العين الميل عن الاستواء في كل ما لا يرى ، وهو الدين والقول ، فأما الشيء الذي يرى فيقال فيه : عوج بفتح العين كالحائط والقناة والشجرة ، قال ابن الأنباري : البغي يقتصر له على مفعول واحد إذا لم يكن معه اللام كقولك : بغيت المال والأجر والثواب وأُريد ههنا : تبغون لها عوجاً ، ثم أسقطت اللام كما قالوا : وهبتك درهماً أي وهبت لك درهماً ، ومثله صدت لك ظبياً وأنشد :
فتولى غلامهم ثم نادى ... أظليما أصيدكم أم حماراً(1/13)
أراد أصيد لكم والهاء في { تَبْغُونَهَا } عائدة إلى { السبيل } لأن السبيل يؤنث ويذكر و { العوج } يعني به الزيغ والتحريف ، أي تلتمسون لسبيله الزيغ والتحريف بالشبه التي توردونها على الضعفة نحو قولهم : النسخ يدل على البداء وقولهم : إنه ورد في التوراة أن شريعة موسى عليه السلام باقية إلى الأبد ، وفي الآية وجه آخر وهو أن يكون { عِوَجَا } في موضع الحال والمعنى : تبغونها ضالين وذلك أنهم كأنهم كانوا يدعون أنهم على دين الله وسبيله فقال الله تعالى : إنكم تبغون سبيل الله ضالين وعلى هذا القول لا يحتاج إلى إضمار اللام في تبغونها .
ثم قال : { وَأَنْتُمْ شُهَدَاء } وفيه وجوه الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني أنتم شهداء أن في التوراة أن دين الله الذي لا يقبل غيره هو الإسلام الثاني : وأنتم شهداء على ظهور المعجزات على نبوته صلى الله عليه وسلم الثالث : وأنتم شهداء أنه لا يجوز الصد عن سبيل الله الرابع : وأنتم شهداء بين أهل دينكم عدول يثقون بأقوالكم ويعولون على شهادتكم في عظام الأمور وهم الأحبار والمعنى : أن من كان كذلك فكيف يليق به الإصرار على الباطل والكذب والضلال والإضلال .
ثم قال : { وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ } والمراد التهديد ، وهو كقول الرجل لعبده ، وقد أنكر طريقة لا يخفى على ما أنت عليه ولست غافلاً عن أمرك وإنما ختم الآية الأولى بقوله { وَاللَّه شَهِيدٌ } وهذه الآية بقوله { وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ } وذلك لأنهم كانوا يظهرون الكفر بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وما كانوا يظهرون إلقاء الشبه في قلوب المسلمين ، بل كانوا يحتالون في ذلك بوجوه الحيل فلا جرم قال فيما أظهروه { والله شَهِيدٌ } وفيما أضمروه { وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ } وإنما كرر في الآيتين قوله { قُلْ ياأهل الكتاب } لأن المقصود التوبيخ على ألطف الوجوه ، وتكرير هذا الخطاب اللطيف أقرب إلى التلطف في صرفهم عن طريقتهم في الضلال والإضلال وأدل على النصح لهم في الدين والإشفاق .
----------------
وفي الظلال :
قد تكرر مثل هذا التنديد في هذه السورة , وفي سور غيرها كثيرة . وأول ما يتركه هذا التنديد من أثر هو مجابهته أهل الكتاب بحقيقة موقفهم , ووصفهم بصفتهم , التي يدارونها بمظهر الإيمان والتدين , بينما هم في حقيقتهم كفار . فهم يكفرون بآيات الله القرآنية . ومن يكفر بشيء من كتاب الله فقد كفر بالكتاب كله . ولو أنهم آمنوا بالنصيب الذي معهم لآمنوا بكل رسول جاء من عند الله بعد رسولهم . فحقيقة الدين واحدة . من عرفها عرف أن كل ما يجيء به الرسل من بعد حق , وأوجب على نفسه الإسلام لله على أيديهم . . وهي حقيقة من شأنها أن تهزهم وأن تخوفهم عاقبة ما هم فيه .
ثم إن المخدوعين من الجماعة المسلمة بكون هؤلاء الناس أهل كتاب , يسقط هذا الخداع عنهم , وهم يرون الله - سبحانه - يعلن حقيقة أهل الكتاب هؤلاء , ويدمغهم بالكفر الكامل الصريح . فلا تبقى بعد هذا ريبة لمستريب .
وهو - سبحانه - يهددهم بما يخلع القلوب:
(والله شهيد على ما تعملون) . . (وما الله بغافل عما تعملون) . .
وهو تهديد رعيب , حين يحس إنسان أن الله يشهد عمله . وأنه ليس بغافل عنه . بينما عمله هو الكفر والخداع والإفساد والتضليل !
ويسجل الله تعالى عليهم معرفتهم بالحق الذي يكفرون به , ويصدون الناس عنه:
(وأنتم شهداء) . .
مما يجزم بأنهم كانوا على يقين من صدق ما يكذبون به , ومن صلاح ما يصدون الناس عنه . وهو أمر بشع مستنكر , لا يستحق فاعله ثقة ولا صحبة , ولا يستأهل إلا الاحتقار والتنديد !
ولا بد من وقفة أمام وصفة تعالى لهؤلاء القوم بقوله:
(لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا . . . ?)
إنها لفتة ذات مغزى كبير . . إن سبيل الله هو الطريق المستقيم . وما عداه عوج غير مستقيم . وحين يصد الناس عن سبيل الله ; وحين يصد المؤمنون عن منهج الله , فإن الأمور كلها تفقد استقامتها , والموازين كلها تفقد سلامتها , ولا يكون في الأرض إلا العوج الذي لا يستقيم .
إنه الفساد . فساد الفطرة بانحرافها . وفساد الحياة باعوجاجها . . وهذا الفساد هو حصيلة صد الناس عن سبيل الله وصد المؤمنين عن منهج الله . . وهو فساد في التصور . وفساد في الضمير . وفساد في الخلق . وفساد في السلوك . وفساد في الروابط . وفساد في المعاملات . وفساد في كل ما بين الناس بعضهم وبعض من ارتباطات . وما بينهم وبين الكون الذي يعيشون فيه من أواصر . . وإما أن يستقيم الناس على منهج الله فهي الاستقامة والصلاح والخير , وإما أن ينحرفوا عنه إلى آية وجهه فهو العوج والفساد والشر . وليس هنالك إلا هاتان الحالتان , تتعاوران حياة بني الإنسان:استقامة على منهج الله فهو الخير والصلاح , وانحراف عن هذا المنهج فهو الشر والفساد !
-----------------
وفي التفسير الوسيط :
أخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم قال : مر شاس بن قيس - وكان شيخاً قد عسا فى الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم - مر على نفر من الصحابة من الأوس والخزرج فى مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام ، بعد الذى كان بينهم من العداوة فى الجاهلية . فقال : قد اجتمع ملأ بنى قيلة بهذه البلاد ، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار . فأمر شابا من اليهود كان معه فقال له : اعمد إليهم فاجلس معهم ، وذكرهم يوم بعاث ، وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار - وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج - ففعل . فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب : أوس بن قيظى من الأوس ، وجبار بن صخر من الخزرج . فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم والله ردناها الآن جذعة ، وغضب الفريقان وقالوا : قد فعلنا ، السلاح موعدكم الظاهرة - والظاهرة : الحرة - فخرجوا إليها وتحاور الناس . فانضمت الأوس بعضها إلى بعض والخزرج بعضها إلى بعض ، على دعواهم التى كانوا عليها في الجاهلية . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم . فقال يا معشر المسلمين : الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، وساتنقذكم به من الكفر وألف به بينكم ، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا ، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس ، وما صنع .
فأنزل الله فى شاس بن قيس وما صنع { قُلْ ياأهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ } الآية وأنزل فى أوس بن قيظى وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا { ياأيها الذين آمنوا إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } . . . إلى قوله { وأولئك لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } - فما كان يوم أقبح أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم - .
وقوله - تعالى - : { قُلْ ياأهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله } أمر من الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يوبخ هؤلاء اليهود ومن لف لفهم على مسالكهم الخبيثة لكيد الدعوة الإسلامية وإيذاء أتباعها ومحاولتهم صرف الناس عنها .(1/14)
أى : قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين كفروا بالحق بعد أن جاءتهم البينات : لم تعاندون الحق وتكفرون بآيات الله السمعية والعقلية الدالة على صدقى فيما أبلغه عن ربى ، والحال أن الله مطلع عليكم وعالم علم المعاين المشاهد أعمالكم الظاهرة والخفية ، وسيجازيكم عليها بما تستحقونه من عقاب أليم .
فالآية الكر يمة قد تضمنت تأنيبهم على الكفر ، وتهديدهم بالعقاب إذا استمروا فى مسالكهم الأثيمة .
ولكى يكون التأنيب أوجع ، أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يناديهم بقوله : { ياأهل الكتاب } لأن علمهم بالكتاب يستلزم منهم الإيمان ، والإذعان للحق ، ولكنهم اتخذوا علمهم وسيلة للشرور والتضليل فكان مسلكهم هذا دليلاً على فساد فطرتهم ، وخبث طويتهم ، وسوء طباعهم .
وبعد أن أنبهم القرآن الكريم فى هذه الآيى على كفرهم وضلالهم ، أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم فى آية ثانية أن يوبخهم على محاولتهم إضلال غيرهم فقال - تعالى - : { قُلْ ياأهل الكتاب لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ } وقوله : { تَصُدُّونَ } من الصد وهو صرف الغير عن الشىء ومنعه منه . يقال : صد يصد صدودا ، وصدا .
وقوله : { سَبِيلِ الله } أى طريقه الموصلة إليه وهى ملة الإسلام .
وقوله : { تَبْغُونَهَا عِوَجاً } أى تطلبون العوج والميل لسبيل الله الواضحة والميل بها عن القصد والاستقامة ، وتريدون أن تكون ملتوية غير واضحة فى أعين المهتدين ، كما التوت نفوسكم ، وانحرفت عقولكم .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت كيف قال تبغونها عوجا وهو محال؟ قلت : فيه معنيان : أحدهما : أنكم تلبسون على الناس حتى توهموهم أن فيها اعوجاجا بقولكم إن شريعة موسى لا تنسخ ، وبتغييركم صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهها وغير ذلك .
والثانى : أنكم تتعبون أنفسكم فى إخفاء الحق ابتغاء ما لا يتأتى لكم من وجود العوج فيما هو أقوم من كل مستقيم " .
وقوله : { مَنْ آمَنَ } مفعول به لتصدون . والضمير المنصوب فى قوله : { تَبْغُونَهَا } يعود إلى سبيل الله أى تبغون لها فحذفت اللام كما فى قوله - تعالى - : ( وَإِذَا كَالُوهُمْ ) أى كالوا لهم . وقوله : { عِوَجاً } مفعول به لتبغون .
وبعضهم جعل الضمير المنصوب فى { تَبْغُونَهَا } وهو الهاء هو المفعول . وجعل عوجا حال من سبيل الله . أى تبغونها أن تكون معوجة وتريدونها فى حال عوج واضطراب .
وقوله : { وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ } حال من فاعل { تَصُدُّونَ } أو { تَبْغُونَ } .
أى والحال أنكم تعلمون بأن سبيل الإسلام هى السبيل الحق علم من يعاين ويشاهد الشىء على حقيقته فجحودكم عن علم وكفركم ليس عن جهل ، ولقد كان المتوقع منكم يا من ترون الحق الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فى كتابكم ، أن تكونوا أول الساعين إلى الإيمان به ، ولكن الحسد والعناد حالا بينكم وبين الانتفاع بالنور الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله : { وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } تهديد لهم ووعيد على ضلالهم ومحاولتهم إضلال غيرهم ، لأنه - سبحانه - ليس غافلا عن أعمالهم ، بل هو سيجازيهم على هذه المسالك الخبيثة بالفشل والذلة فى الدنيا ، وبالعذاب والهوان فى الآخرة ولما كان صدهم المؤمنين بطريق الخفية ختمت الآية الكريمة بما يحسم مادة حياتهم ، ببيان أن الله - تعالى - محيط بكل ما يصدر عنهم من أقوال أو أعمال وليس غافلا عنها . بخلاف الآية الأولى فقد كان كفرهم بطريق العلانية إذ ختمت ببيان أن الله مشاهد لما يعملونه ولما يجاهرون به .
------------
5- أسئلة العناد والتعنت :
قال تعالى : {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا} (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) سورة النساء
قال الرازي :
اعلم أن هذا هو النوع الثاني من جهالات اليهود ، فإنهم قالوا : إن كنت رسولاً من عند الله فائتنا بكتاب من السماء جملة كما جاء موسى بالألواح . وقيل : طلبوا أن ينزل عليهم كتاباً من السماء إلى فلان وكتاباً إلى فلان بأنك رسول الله وقيل : كتاباً نعاينه حين ينزل ، وإنما اقترحوا ذلك على سبيل التعنت لأن معجزات الرسول كانت قد تقدمت ، وحصلت فكان طلب الزيادة من باب التعنت .
ثم قال تعالى : { فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك } وإنما أسند السؤال إليهم وإن وجد من آبائهم في أيام موسى عليه السلام وهم النقباء السبعون لأنهم كانوا على مذهبهم وراضين بسؤالهم ومشاكلين لهم في التعنت .
واعلم أن المقصود من الآية بيان ما جبلوا عليه من التعنت ، كأنه قيل : إن موسى لما نزل عليه كتاب من السماء لم يكتفوا بذلك القدر ، بل طلبوا منه الرؤية على سبيل المعاينة ، وهذا يدل على أن طلب هؤلاء لنزول الكتاب عليهم من السماء ليس لأجل الاسترشاد بل لمحض العناد .
ثم قال تعالى : { فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك فَقَالُواْ أَرِنَا الله جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة بِظُلْمِهِمْ } وهذه القصة قد فسرناها في سورة البقرة ، واستدلال المعتزلة بهذه الآية على نفي الرؤية قد أجبنا عنه هناك .
ثم قال تعالى : { ثُمَّ اتخذوا العجل مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات } والمعنى بيان كمال جهالاتهم وإصرارهم على كفرهم فإنهم ما اكتفوا بعد نزول التوراة عليهم بطلب الرؤية جهرة ، بل ضموا إليه عبادة العجل وذلك يدل على غاية بعدهم عن طلب الحق والدين ، والمراد بالبينات من قوله { مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات } أمور : أحدها : أنه تعالى جعل ما أراهم من الصاعقة بينات ، فإن الصاعقة وإن كانت شيئاً واحداً إلاّ أنها كانت دالة على قدرة الله تعالى وعلى علمه وعلى قدمه ، وعلى كونه مخالفاً للأجسام والأعراض وعلى صدق موسى عليه السلام في دعوى النبوّة . وثانيها : أن المراد بالبينات إنزال الصاعقة وإحياؤهم بعد ما أماتهم . وثالثها : أنهم إنما عبدوا العجل من بعد أن شاهدوا معجزات موسى عليه السلام التي كان يظهرها في زمان فرعون ، وهي العصا واليد البيضاء وفلق البحر وغيرها من المعجزات القاهرة ، والمقصود من ذلك الكلام أن هؤلاء يطلبون منك يا محمد أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فاعلم يا محمد أنهم لا يطلبونه منك إلاّ عناداً ولجاجاً ، فإن موسى قد أنزل الله عليه هذا الكتاب وأنزل عليه سائر المعجزات القاهرة ، ثم أنهم طلبوا الرؤية على سبيل العناد وأقبلوا على عبادة العجل ، وكل ذلك يدل على أنهم مجبولون على اللجاج والعناد والبعد عن طريق الحق .(1/15)
ثم قال : { فَعَفَوْنَا عَن ذلك } يعني لم نستأصل عبدة العجل { وآتينا موسى سلطاناً مبيناً } يعني أن قوم موسى وإن كانوا قد بالغوا في إظهار اللجاج والعناد معه لكنا نصرناه وقويناه فعظم أمره وضعف خصمه ، وفيه بشارة للرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التنبيه ، والرمز بأن هؤلاء الكفار وإن كانوا يعاندونه فإنه بالآخرة يستولي عليهم ويقهرهم ، ثم حكى تعالى عنهم سائر جهالاتهم وإصرارهم على أباطيلهم : فأحدها : أنه تعالى رفع فوقهم الطور بميثاقهم ، وفيه وجوه : الأول : أنهم أعطوا الميثاق على أن لا يرجعوا عن الدين . ثم رجعوا عنه وهموا بالرجوع ، فرفع الله فوقهم الطور حتى يخافوا فلا ينقضوا الميثاق . الثاني : أنهم امتنعوا عن قبول شريعة التوراة فرفع الله الجبل فوقهم حتى قبلوا ، وصار المعنى : ورفعنا فوقهم الطور لأجل أن يعطوا الميثاق بقبول الدين . الثالث : أنهم أعطوا الميثاق على أنهم إن هموا بالرجوع عن الدين فالله يعذبهم بأي نوع من أنواع العذاب أراد ، فلما هموا بترك الدين أظل الله الطور عليهم وهو المراد من قوله { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطور بميثاقهم } . وثانيها : قوله : { وَقُلْنَا لَهُمُ ادخلوا الباب سُجَّداً } ومضى بيانه في سورة البقرة . وثالثها : قوله { وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِى السبت وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ ميثاقا غَلِيظاً } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : { لاَ تَعْدُواْ فِى السبت } ، فيه وجهان : الأول : لا تعدوا باقتناص السمك فيه قال الواحدي : يقال عدا عليه أشد العداء والعدو والعدوان ، أي ظلمه وجاوز الحد ، ومنه قوله { فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً } [ الأنعام : 108 ] الثاني : لا تعدوا في السبت من العدو بمعنى الحضر ، والمراد النهي عن العمل والكسب يوم السبت ، كأنه قال لهم : اسكنوا عن العمل في هذا اليوم واقعدوا في منازلكم فأنا الرزاق .
المسألة الثانية : قرأ نافع { لاَ تَعْدُواْ } ساكنة العين مشددة الدال ، وأراد : لا تعتدوا ، وحجته قوله { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الذين اعتدوا مِنكُمْ فِى السبت } [ البقرة : 65 ] فجاء في هذه القصة بعينها افتعلوا ، ثم أدغم التاء في الدال لتقاربهما ولأن الدال تزيد على التاء في الجهر ، وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني منهما مدغماً ولم يكن الأول حرف لين نحو دابة وشابة ، وقيل لهم ، ويقولون : إن المد يصير عوضاً عن الحركة ، وروى ورش عن نافع { لاَ تَعْدُواْ } بفتح العين وتشديد الدال ، وذلك لأنه لما أدغم التاء في الدال نقل حركتها إلى العين ، والباقون { تَعْدُواْ } بضم الدال وسكون العين حقيقة .
المسألة الثالثة : قال القفال : الميثاق الغليظ هو العهد المؤكد غاية التوكيد ، وذلك بين فيما يدعونه من التوراة .
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في متعلق الباء في قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم } قولان الأول : أنه محذوف تقديره فيما نقضهم ميثاقهم وكذا ، لعنادهم وسخطنا عليهم ، والحذف أفخم لأن عند الحذف يذهب الوهم كل مذهب ، ودليل المحذوف أن هذه الأشياء المذكورة من صفات الذم فيدل على اللعن . الثاني : أن متعلق الباء هو قوله { فَبِظُلْمٍ مّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طيبات أُحِلَّتْ لَهُمْ } [ النساء : 160 ] وهذا قول الزجاج ورغم أن قوله { فَبِظُلْمٍ مّنَ الذين هَادُواْ } بدل من قوله { فِمَا نَقْضِهِم } .
واعلم أن القول الأول أولى ، ويدل عليه وجهان : أحدهما : أن من قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم ميثاقهم } إلى قوله { فَبِظُلْمٍ } الآيتين بعيد جداً ، فجعل أحدهما بدلاً عن الآخر بعيد . الثاني : أن تلك الجنايات المذكورة عظيمة جداً لأن كفرهم بالله وقتلهم الأنبياء وإنكارهم للتكليف بقولهم : قلوبنا غلف أعظم الذنوب ، وذكر الذنوب العظيمة إنما يليق أن يفرع عليه العقوبة العظيمة ، وتحريم بعض المأكولات عقوبة خفيفة فلا يحسن تعليقه بتلك الجنايات العظيمة .
المسألة الثانية : اتفقوا على أن ( ما ) في قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم ميثاقهم } صلة زائدة ، والتقدير : فبنقضهم ميثاقهم ، وقد استقصينا هذه المسألة في تفسير قوله { فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله لِنتَ لَهُمْ } [ آل عمران : 159 ] .
المسألة الثالثة : أنه تعالى أدخل حرف الباء على أمور : أولها : نقض الميثاق . وثانيها : كفرهم بآيات الله ، والمراد منه كفرهم بالمعجزات ، وقد بينا فيما تقدم أن من أنكر معجزة رسول واحد فقد أنكر جميع معجزات الرسل ، فلهذا السبب حكم الله عليهم بالكفر بآيات الله . وثالثها : قتلهم الأنبياء بغير حق ، وذكرنا تفسيره في سورة البقرة . ورابعها : قولهم { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } وذكر القفال فيه وجهين : أحدهما : أن غلفا جمع غلاف والأصل غلف بتحريك اللام فخفف بالتسكين ، كما قيل كتب ورسل بتسكين التاء والسين ، والمعنى على هذا أنهم قالوا قلوبنا غلف ، أي أوعية للعلم فلا حاجة بنا إلى علم سوى ما عندنا ، فكذبوا الأنبياء بهذا القول . والثاني : أن غلفا جمع أغلف وهو المتغطى بالغلاف أي بالغطاء ، والمعنى على هذا أنهم قالوا قلوبنا في أغطية فهي لا تفقه ما تقولون ، نظيره ما حكى الله في قوله { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى ءاذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } [ فصلت : 5 ] .
ثم قال تعالى : { بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } .
فإن حملنا الآية المتقدمة على التأويل الأول كان المراد من هذه الآية أنه تعالى كذبهم في ادعائهم أن قلوبهم أوعية للعلم وبيّن أنه تعالى طبع عليها وختم عليها فلا يصل أثر الدعوة والبيان إليها ، وهذا يليق بمذهبنا ، وإن حملنا الآية المتقدمة على التأويل الثاني كان المراد من هذه الآية أنه تعالى كذبهم في ادعائهم أن قلوبهم في الأكنة والأغطية ، وهذا يليق بمذهب المعتزلة ، إلاّ أن الوجه الأول أولى ، وهو المطابق لقوله { بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } .
ثم قال : { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لا يؤمنون إلاّ بموسى والتوراة ، وهذا إخبار منهم على حسب دعواهم وزعمهم ، وإلاّ فقد بيّنا أن من يكفر برسول واحد وبمعجزة واحدة فإنه لا يمكنه الإيمان بأحد من الرسل ألبتة .
وخامسها : قوله : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بهتانا عَظِيماً } .(1/16)
اعلم أنهم لما نسبوا مريم إلى الزنا لإنكارهم قدرة الله تعالى على خلق الولد من دون الأب ومنكر قدرة الله على ذلك كافر لأنه يلزمه أن يقول : كل ولد ولد فهو مسبوق بوالد لا إلى أول ، وذلك يوجب القول بقدم العالم والدهر ، والقدح في وجود الصانع المختار ، فالقوم لا شك أنهم أولاً : أنكروا قدرة الله تعالى على خلق الولد من دون الأب ، وثانياً : نسبوا مريم إلى الزنا ، فالمراد بقوله { وَبِكُفْرِهِمْ } هو إنكارهم قدرة الله تعالى ، وبقوله { وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بهتانا عَظِيماً } نسبتهم إياها إلى الزنا ، ولما حصل التغير لا جرم حسن العطف ، وإنما صار هذا الطعن بهتاناً عظيماً لأنه ظهر عند ولادة عيسى عليه السلام من الكرامات والمعجزات ما دلّ على براءتها من كل عيب ، نحو قوله { وَهُزّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة تساقط عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } [ مريم : 25 ] ونحو كلام عيسى عليه السلام حال كونه طفلاً منفصلاً عن أمه ، فإن كل ذلك دلائل قاطعة على براءة مريم عليها السلام من كل ريبة ، فلا جرم وصف الله تعالى طعن اليهود فيها بأنه بهتان عظيم ، وكذلك وصف طعن المنافقين في عائشة بأنه بهتان عظيم حيث قال : { سبحانك هذا بهتان عَظِيمٌ } [ النور : 16 ] وذلك يدل على أن الروافض الذين يطعنون في عائشة بمنزلة اليهود الذين يطعنون في مريم عليها السلام .
--------
وفي الظلال :
(يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) . . .
فلا عليك من هذا التعنت ; ولا غرابة فيه ولا عجب منه:
(فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا:أرنا الله جهرة) .
ولم تبلغ الآيات البينات التي أظهرها الله لهم على يد موسى نبيهم أن تلمس حسهم ; وتوقظ وجدانهم وتقود قلوبهم إلى الطمأنينة والاستسلام ; فإذا هم يطلبون رؤية الله - سبحانه - عيانا ! وهو مطلب طابعة التبجح الذي لا يصدر عن طبع خالطته بشاشة الإيمان ; أو فيه استعداد للإيمان .
(فأخذتهم الصاعقة بظلمهم) . .
ولكن الله - سبحانه - عفا عنهم ; وتقبل فيهم دعاء موسى عليه السلام وضراعته إلى ربه ; كما ورد في السورة الأخرى (فلما أخذتهم الرجفة , قال:رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي . أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ? إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء . أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين . واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة . إنا هدنا إليك . . .) .
(ثم اتخذوا العجل - من بعد ما جاءتهم البينات -) .
عجل الذهب , الذي صاغه لهم السامري , مما كانوا قد أخذوه - حيلة - من نساء المصريين وهم خارجون من مصر - فإذا هم يعكفون عليه ; ويتخذونه إلها في غيبة موسى عنهم في مناجاة ربه , في الموعد الذي حدده له , لينزل عليه الألواح فيها هدى ونور .
(فعفونا عن ذلك) . .
ولكن اليهود هم اليهود . لا يفلح معهم إلا القهر والخوف:
وآتينا موسى سلطانا مبينا . ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم . وقلنا لهم:ادخلوا الباب سجدا . وقلنا لهم:لا تعدوا في السبت . وأخذنا منهم ميثاقا غليظًا . .
والسلطان الذي آتاه الله موسى هو - في الغالب - الشريعة التي تضمنتها الألواح , فشريعة الله سلطان من الله ; وكل شريعة غير شريعة الله ما أنزل الله بها من سلطان ; وما جعل فيها من سطوة على القلوب . لذلك تستهين القلوب بالشرائع والقوانين التي يسنها البشر لأنفسهم , ولا تنفذها إلا تحت عين الرقيب وسيف الجلاد . فأما شريعة الله فالقلوب تخضع لها وتخنع ; ولها في النفس مهابة وخشية . .
ولكن اليهود الذين لا تستشعر قلوبهم الإيمان أبوا الاستسلام لما في الألواح . . وهنا جاءهم القهر المادي الذي يناسب طبيعتهم الغليظة . إذ نظروا فرأوا الصخرة معلقة فوق رؤوسهم ; تهددهم بالوقوع عليهم ; إذا هم لم يستسلموا ولم يتعهدوا بأخذ ما أعطاهم الله من العهد ; وما كتب عليهم من التكاليف في الألواح . . عندئذ فقط استسلموا ; وأخذوا العهد ; وأعطوا الميثاق . . ميثاقا غليظا . . مؤكدا وثيقا . . يذكره - بهذه الصفة - ليتناسق المشهد مع غلظ الصخر المرفوع فوقهم , وغلظ القلب الذي في صدورهم , ثم يعطي - إلى جانب التناسق معنى الجسامة والوثاقة والمتانة على طريقة القرآن الكريم في التعبير بالتصوير , وبالتخييل الحسي والتجسيم .
وكان في هذا الميثاق:أن يدخلوا بيت المقدس سجدا . وأن يعظموا السبت الذي طلبوا أن يكون لهم عيدا . ولكن ماذا كان ? إنهم بمجرد ذهاب الخوف عنهم ; وغياب القهر لهم , تملصوا من الميثاق الغليظ فنقضوه , وكفروا بآيات الله , وقتلوا أنبياءه بغير حق . وتبجحوا فقالوا:إن قلوبنا لا تقبل موعظة , ولا يصل إليها قول , لأنها مغلفة دون كل قول ! وفعلوا كل الأفاعيل الأخرى التي يقصها الله سبحانه على رسوله وعلى المسلمين - في مواجهة اليهود - في سياق هذه الآيات . .
فبما نقضهم ميثاقهم , وكفرهم بآيات الله , وقتلهم الأنبياء بغير حق , وقولهم قلوبنا غلف . . .
وعند قولهم: (قلوبنا غلف) . . وهي القولة التي كانوا يجيبون بها على دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إما تيئيسا له من إيمانهم واستجابتهم , وإما استهزاء بتوجيه الدعوة إليهم , وتبجحا بالتكذيب وعدم الإصغاء , وإما هذا وذلك معا . . عند قولهم هذا ينقطع السياق للرد عليهم:
(بل طبع الله عليها - بكفرهم - فلا يؤمنون إلا قليلا -)
فهي ليست مغلفة بطبعها . إنما هم كفرهم جر عليهم أن يطبع الله على قلوبهم , فإذا هي صلدة جامدة مغطاة , لا تستشعر نداوة الإيمان ولا تتذوق حلاوته , فلا يقع منه الإيمان , إلا قليلا , ممن لم يستحق بفعله , أن يطبع الله على قلبه . أي أولئك الذين فتحوا قلوبهم للحق واستشرفوه , فهداهم الله إليه ورزقهم إياه . وهم قلة قليلة من اليهود . كعبد الله بن سلام , وثعلبة بن سعية , وأسد بن سعية , وأسد بن عبيدالله . .
------------
وفي التفسير الوسيط :
ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب } . . الخ ذكروا روايات منها : ما أخرجه ابن جرير عن محمد بن كعب القرطى قال : جاء أناس من اليهود إلى رسول الله فقالوا : يا محمد ، إن موسى جاء بالألواح من عند الله ، فأتنا أنت بالألواح من عند الله حتى نصدقك . فأنزل الله - تعالى - { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب } . إلى قوله { وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } وعن السدى : قالت اليهود : يا محمد ، إن كنت صادقا فأتنا بكتاب من السماء كما جاء به موسى .
وعن قتادة : أنهم سألوه أن ينزل على رجال منهم بأعيانهم كتبا ، تأمر بتصديقه واتباعه .
والمراد بأهل الكتاب هنا اليهود خاصة ، بدليل سياق الأيات الكريمة التى ذكرت أوصافا تنطبق عليهم ، وبدليل ما ذكرناه فى سبب نزول الآيات .
والمعنى يسألك اليهود يا محمد على سبيل التعنت والعناد ، أن تنزل عليهم كتابا من السماء مكتوبا جملة كما جاء موسى لآبائهم بالتوراة مكتوبة فى الألواح جملة . أو يسألونك أن تنزل على رجال منهم بأعيانهم كتبا من السماء تأمرهم بتصديقك ، وسؤالهم هذا مقصدهم من ورائه التعنت والجحود ، ولو كانوا يريدون الإِيمان حقا لما وجهوا إليك هذه الأسئلة المتعنتة؛ لأن الأدلة القاطعة قد قامت على صدقك .
وعبر بالمضارع فى قوله { يَسْأَلُكَ } لقصد استحضار حالتهم العجيبة فى هذا السؤال ، حتى لكأن السامع يراهم ، وللدلالة على تكرار أسئلتهم وتجددها المرة تلو الأخرى بدون حياء أو خجل .(1/17)
وقوله : { فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك فقالوا أَرِنَا الله جَهْرَةً } بيان للون من رذائلهم وقبائحهم ، وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما لحقه منهم من أذى وسوء أدب .
والفاء فى قوله { فَقَدْ سَأَلُواْ } معطوفة على جملة محذوفة والتقدير : لا تبتئس يا محمد من أقوال هؤلاء اليهود ، ولا تهتهم بأسئلتهم ، فتلك سنشنة قديمة معروفة عن آبائهم ، فقد سأل آباؤهم موسى أسئلة أكبر من ذلك فقالوا له : أرنا الله جهرة أى رؤية ظاهرة بحيث نعاينه ونشاهده بأبصارنا ويطلب إلينا الإِيمان بك . ويصح أن تكون الفاء واقعة فى جواب شرط مقدر ، وإليه أشار صاحب الكشاف بقوله : { فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك } ، جواب لشرط مقدر معناه ( إن استكبرت ما سألوك فقد سألوا موسى أكبر من ذلك ) وإنما أسند السؤال إليهم وإن وجد من آبائهم فى أيام مموسى وهم النقباء السبعون لأنهم كانوا على مذهبهم ، وراضين بسؤالهم . ومضاهين لهم فى التعنت .
أى : أن حاضر هؤلاء اليهود الذين يعيشون معك يا محمد كماضى آبائهم الأقدمين ، وأخلاق الأبناء صورة من أخلاق الآباء ، وجميعهم لا يبغون من سؤالهم الاهتداء إلى الحق وإنما يبغون إعنات الرسل - عليهم الصلاة والسلام - والإِساءة إليهم .
والفاء فى قوله : { فقالوا أَرِنَا الله جَهْرَةً } تفسيرية كما فى قولهم : توضأ فغسل وجهه . إذا أظهر ماءها . وجهر الشئ : كشفه ، وجهر الرجل : رآه بلا حجاب .
أى : أرنا الله جهارا عيانا بحاسة البصر فيكون قوله { جَهْرَةً } مفعولا مطلقا ، لأن لفظ { جَهْرَةً } نوع من مطلق الرؤية فيلاقى عامله فى الفعل .
ويصح أن يكون حالا من المفعول الأول أى : أرنا الله مجاهررين معاينين وقوله : { فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة بِظُلْمِهِمْ } بيان للعقوبة التى حلت بهم نتيجة سوء أدبهم وجرأتهم على خالقهم وعلى أنبيائهم .
والصاعقة - كما يقول ابن جرير - : كل أمر هائل رآه الرائى أو عاينه أو أصابه ، حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب وذهاب عقل صوتا كان ذلك أو نارا أو زلزلة أو رجفة .
وقال الراغب : الصاعقة على ثلاثة أوجه : الموت كقوله : { فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض } والعذاب كقوله : { أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } والنار كقوله : { وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ } وما ذكره - سبحانه إنما هى أشياء حاصلة من الصاعقة؛ فإن الصاعقة هى الصوت الشديد فى الجو ، ثم يكون منه نار فقط ، أو عذاب ، أو موت ، وهى فى ذاتها شئ واحد . وهذه الأشياء تأثيرات منها .
ويبدو أن المراد بالصاعقة هنا : ذلك الصوت الشديد المجلجل المزلزل المصحوب بنار هائلة ، والذى كان من آثاره أن صعقوا : أى خروا مغشيا عليهم أو هلكوا ، بسبب ظلمهم وعنادهم وفسوقهم عن أمر الله .
وقوله : { ثُمَّ اتخذوا العجل مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينات فَعَفَوْنَا عَن ذلك وَآتَيْنَا موسى سُلْطَاناً مُّبِيناً } بيان لنوع ثالث من جرائمهم ، ولمظهر من مظاهر رحمة الله بهم .
أى : أن هؤلاء الذين سألوا موسى رؤية الله جهرة ، أخذتهم الصاعقة عقوبة لهم على ظلمهم ، لم يرتدعوا ولم ينزجروا ، بل لجوا فى طغيانهم وضلالهم فاتخذوا العجل معبودا لهم من دون الله { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينات } أى من بعد ما جاءتهم الدلائل القاطعة على وحدانية الله وصدق أنبيائه .
وقوله : { فَعَفَوْنَا عَن ذلك } أى . عفونا من اتخاذهم العجل إلها بعد أن تابوا وأقلعوا عن عبادته ، لأن التوبة تجب ما قبلها .
وقوله . { وَآتَيْنَا موسى سُلْطَاناً مُّبِيناً } أى . أعطينا موسى بفضلنا ومنتنا حججا بينات ومعجزات باهرات ، وقوة وقدرة على الانتصال على من خالفه و ( ثم ) فى قوله . { ثُمَّ اتخذوا العجل } للتراخى الرتبى؛ لأن اتخاذهم العجل إلها أعظم جرما مما حكاه الله عنهم من جرائم قبل ذلك .
وقوله { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينات } بيان لفرط ضلالهم وانطماس بصيرتهم ، لأنهم لم يبعدوا العجل عن جهالة ، وإنما عبدوه من بعد ما وصلت إلى أسماعهم وعقولهم الدلائلة الواضحة وعلى وحدانية الله ، وعلى أن عبادة العجل لا يقدم عليها إنسان فيه شئ من العقل وحسن الإِدراك .
واسم الإِشارة فى قوله { فَعَفَوْنَا عَن ذلك } يعود إلى اتخاذ العجل معبودا من دون الله .
والجملة الكريمة حض لليهود المعاصرين للعهد النبوى على الدخول فى الإِسلام فإنهم متى فعلوا ذلك غفر الله لهم ما سلف من ذنوبهم كما غفر لآبائهم بعد أن تابوا من عبادة العجل .
هذا ، وما حكته هذه الآية الكريمة من جرائم بنى إسرائيل بصورة مجملة قد جاء مفصلا فى مواطن أخرى ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بَارِئِكُمْ فاقتلوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ثم بين - سبحانه - لونا آخر من عنادهم وجحودهم فقال : { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطور بِمِيثَاقِهِمْ } .
قال ابن كثير : وذلك أنهم حين امتنعوا عن الالتزام بأحكام التوراة ، وظهر منهم إباء عما جاء به موسى - عليه السلام - رفع الله على رءوسهم جبلا . ثم ألزموا فالتزموا ، وسجدوا ، وجعلوا ينظرون إلى ما فوق رءوسهم خشية أن يسقط عليهم . كما قال - تعالى - : { وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وظنوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ } الآية .
وقوله - تعالى - : { وَقُلْنَا لَهُمُ ادخلوا الباب سُجَّداً } أى : وقلنا لهم على لسان أنبيائهم ادخلوا باب القرية التى أمرناكم بدخولها ساجدين لله ، أى : ادخلوها متواضعين خاضعين لله ، شاكرين له فضله وكرمه ، ولكنهم خالفوا ما أمرهم الله مخالفة تامة .
والمراد بالقرية التى أمرهم الله بدخول بابها ساجدين : قيل : هى بيت المقدس وقيل : إيلياء ، وقيل : أريحاء . وقد أبهمها الله - تعالى - لأنه لا يتعلق بذكرها مقصد أو غرض . ولم يرد فى السنة الصحيحة بيان لها .
وقد تحدث القرآن عن قصة أمرهم بدخول هذه القرية ساجدين بصورة أكثر تفصيلا فى سورتى البقرة والأعراف ، فقال - تعالى - فى سورة البقرة : { وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وادخلوا الباب سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ المحسنين فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السمآء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } وقوله : { وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السبت } أى : وقلنا لهم كذلك لا تتجاوزوا الحدود التى أمركم الله بالتزامها فى يوم السبت والتى منها : ألا تصطادوا فى هذا اليوم ، ولكنهم خالفوا أمر الله ، وتحايلوا على استحلال محارمه .(1/18)
وقصة اعتداء اليهود على محارم الله فى يوم السبت قد جاء ذكرها فى كثير من آيات القرآن الكريم . ومن ذلك قوله - تعالى - فى سورة البقرة : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الذين اعتدوا مِنْكُمْ فِي السبت فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }وقال - تعالى - فى سورة الأعراف : { وَسْئَلْهُمْ عَنِ القرية التي كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر إِذْ يَعْدُونَ فِي السبت إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } وقوله : { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } أى : وأخذنا منهم عهدا مؤكدا كل التأكيد ، وموثقاً كل التوثيق ، بأن يعملوا بما أمرهم الله به ، ويتركوا ما نهاهم عنه . ولكنهم نقضوا عهودهم ، وكفروا بآيات الله ، ونبذوها وراء ظهورهم .
وأضاف - سبحانه - الأخذ إلى ذاته الكريمة تقوية لأمر هذا الميثاق ، وتويها بشأنه وإشعاراً بوجوب الوفاء به؛ لأن ما أخذه الله على عباده من مواثيق من واجبهم أن يفوا بها إذ هو - سبحانه - وحده سيجازيهم على نكثهم ونقضهم لعهودهم .
ووصف - سبحانه - الميثاق الذى أخذه عليهم بالغلظ أى : بالشدة والقوة؛ لأنه كان قويا فى معناه وفى موضعه وفى كل ما اشتمل عليه من أوامر ونواه وأحكام ، ولأن نفوسهم كانت منغمسة فى الجحود والعناد فكان من المناسب لها تأكيد العهد وتوثيقه لعلها ترعوى عن ضلالها وفسوقها عن أمر الله .
ثم عدد - سبحانه - ألونا أخرى من جرائمهم التى عقابهم عليها شديدا فقال - تعالى - : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ الله وَقَتْلِهِمُ الأنبيآء بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } .
والفاء فى قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } للتفريع على ما تقدم من قوله { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } والباء للسببية ، وما هنا مزيدة لتأكيد نقضهم للميثاق . والجر والمجرور متعلق بمحذف لتذهب نفس السامع فى تقديره كل مذهب فى التهويل والتشنيع على هؤلاء الناقصين لعهودهم مع الله - تعالى - فيكون المعنى :
فسببب نقض هؤلاء لعهودهم وبسبب كفرهم بآياتنا ، وبسبب قتلهم لأنبيائنا ، وبسبب أقوالهم الكاذبة . بسبب كل ذلك فعلنا بهم ما فعلنا من أنواع العقوبات الشديدة ، وأنزلنا بهم ما أنزلنا من ظلم ومهانة وصغار ومسخ . . . الخ .
ويرى بعضهم أن الجار والمجرور متعلق بقوله - تعالى - بعد ذلك { حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } . . .
أى : فسبب نقضهم للميثاق . وكفرهم بآيات الله حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم .
قال الفخر الرازى : واعلم أن القول الأول أولى ويدل عليه وجهان :
أحدهما : أن الكلام طويل جداً من قوله : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } إلى قوله : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } .
الثانى : أن تلك الجنايات المذكورة بعد قوله - تعالى - { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } عظيمة جدا . لأن كفرهم بآيات الله ، وقتلهم الأنبياء ، وإنكارهم للتكليف بقولهم : قلوبنا غلف ، أعظم الذنوب ، وذكر الذنوب العظيمة ، إنما يليق أن يفرع عليه العقوبة العظيمة ، وتحريم بعض المأكولات عقوبة خفيفة فلا حسن تعليقه بتلك الجنايات الكبيرة .
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد لعن بنى إسرائيل كما جاء فى قوله - تعالى - { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } ومسخهم قردة وخنازير كما جاء فى قوله - تعالى { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } وكما فى قوله - تعالى - { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير وَعَبَدَ الطاغوت } وتلك العقوبات كلها إنما كانت بسبب الجنايات والمنكرات التي سجلتها عليهم الآيات القرآنية؛ والتى من أجمعها هذه الآيات التى معنا .
فالآيات التى معنا تسجل عليهم نقضهم للمواثيق ، ثم تسجل عليهم - ثانيا - كفرهم بآيات الله .
وقد عطف - سبحانه - كفرهم بآياته على نقضهم للميثاق الذى أخذه عليهم مع أن ذلك الكفر من ثمرات النقض ، للإِشعار بأن النقض فى ذاته إثم عظيم والكفر فى ذاته إثم عظيم - أيضا - من غير التفات إلى أن له سبباً أو ليس له سبب .
وسجل عليهم - ثالثا - قتلهم الأنبياء غير حق . فقد قتلوا زكريا وحيى وغيرهما من رسل الله - تعالى - .
ولا شك أن قتل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يدل على شناعة جريمة من قتلهم وعلى تولغه فى الجحود والعناد والفجور إلى درجة تعجز العبادات عن وصفها ، لأنه بقتله للدعاة إلىالحق ، لا يريد للحق أن يظهر ولا للفضيلة أن تنتشر ، ولا للخير أن يسود ، وإنما يريد أن تكون الأباطيل والرذائل والشرور هى السائدة فى الأرض .
وقوله : { بِغَيْرِ حَقٍّ } ليس قيدا؛ لأن تقل النبيين لا يكون بحق أبداً ، وإنما المراد من قوله : { بِغَيْرِ حَقٍّ } بيان أن هؤلاء القاتلين قد بلغوا النهاية فى الظلم والفجور والتعدى . لأنهم قد قتلوا أنبياء الله بدون أى مسوغ يوسغ ذلك ، وبدون أية شبهة تحملهم على ارتكاب ما ارتكبوا ، وإنما فعلوا ما فعلوا لمجرد إرضاء أحقادهم وشهواتهم وأهوائهم . .
وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى قوله : فإن قلت : وقتل الأنبياء لا يكون إلا بغير الحق فما فائدة ذكره؟ قلت . معناه أنهم قتلوهم بغير حق عندهم - ولا عند غيرهم - ، لأنهم لم يقتلوا ولا أفسدوا فى الأرض فيقتلوا . وإنما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم . فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجها يستحقون به القتل .
ثم سجل عليهم - رابعا - قولهم { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } .
وقوله : { غُلْفٌ } جمع أغلف - كحمر جمع أحمر - والشئ الأغلف هو الذى جعل عليه شى يمنع وصول شئ آخر إليه .
والمعنى : أن هؤلاء الجاحدين قد قالوا عندما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحق إن قلوبنا قد خلقها الله مغطاة بأغطية غليظة ، وهذه الأغطية جعلتنا لا نعى شيئا مما تقوله يا محمد ، ولا نفقة شيئا مما تدعونا إليه ، فهم بهذا الكلام الذى حكاه القرآن عنهم ، يريدون أن يتنصلوا من مسئوليتهم عن كفرهم ، لأنهم يزعمون أن قلوبهم قد خلقها الله بهذه الطريقة التى حالت بينهم وبين فهم ما يراد منهم . وقريب من هذا قوله - تعالى - حكاية عن المشركين : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فاعمل إِنَّنَا عَامِلُونَ } وقيل : إن قوله : وغلف : جمع غلاف - ككتب وكتاب - وعليه يكون المعنى : أنهم قالوا إن قلوبنا غلف أى أوعية للعلم شأنها فى ذلك شأن الكتب ، فلا حاجة بنا يا محمد إلى ما تدعونا إليه ، لأننا عندنا ما يكفينا .
والذى يبدو لنا أن التأويل الأول أولى ، لأن أقرب إلى سياق الآية ، فقد رد الله عليهم بقوله : { بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } . والطبع معناه . إحكام الغلق على الشئ وختمه بحيث لا ينفذ إليه شئ آخر .(1/19)
والمعنى : أن هؤلاء القائلين إن قلوبهم غلف كاذبون فيما يقولون ، وتخليهم عن مسئولية الكفر ليس صحيحا . لأن كفرهم ليس سببه أن قلوبهم قد خلقت مغطاة بأغطية تحجب عنها إدراك الحق - كما يزعمون - بل الحق أن الله - تعالى - ختم عليها ، وطمس معالم الحق فيها ، بسبب كفرهم وأعمالهم القبيحة . فهو - سبحانه - قد خلق القلوب على الفطرة ، بحيث تتمكن من اختيار الخير والشر ، إلا أن هؤلاء اليهود قد أعرشوا عن الخير إلى الشر ، واختاروا الكفر على الإِيمان نتيجة انقيادهم لأهوائهم وشهواتهم . فالله - تعالى - طبع على قلوبهم بسبب إيثارهم سبيل الغى على سبيل الرشد ، فصاروا لا يؤمنون إلا إيمانا قليلا لا قيمة له عند الله - تعالى - .
فقوله { إِلاَّ قَلِيلاً } نعت لمصدر محذوف أى إلا إيماناً قليلا . كإيمانهم بنبوة موسى - عليه السلام - وإنما كان إيمانهم هذا لا قيمة له عند الله ، لأن الإِيمان ببعض الأنبياء والكفر ببعضهم ، يعتبره الإِسلام كفرا بالكل كما سبق أن بينا فى قوله - تعالى - { إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بالله وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ الله وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً أولئك هُمُ الكافرون حَقّاً } ومنهم من جعل قوله { إِلاَّ قَلِيلاً } صفة لزمان محذوف أى : فلا يؤمنون إلا زمانا قليلا . ومنهم من جعل الاستثناء فى قوله { إِلاَّ قَلِيلاً } من جماعة اليهود المدلول عليهم بالواو فى قوله { فَلاَ يُؤْمِنُونَ } أى : فلا يؤمنون إلا عددا قليلا منهم كعبد الله بن سلام وأشناهه . والجملة الكريمة وهى قوله : { طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } معترضة بين الجمل المتعاطفة . وقد جئ بها للمسارعة إلى رد مزاعمهم الفاسدة ، وأقاربهم الباطلة .
ثم سجل عليهم - خامسا وسادسا - جريميتين شنيعتين فقال : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } .
والمراد بالكفر هنا : كفرهم بعيسى - عليه السلام - وهو غير الكفر المذكور قبل ذلك فى قوله : { طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } لأن المراد به هنا مطلق الجحود الذى لا يجعل الشخص يستقر على شئ ، فهو إنكار مطلق للحق . وقد أشار إلى هذا المعنى الآلوسى بقوله : وقوله : { بِكُفْرِهِمْ } عطف على { بِكُفْرِهِمْ } الذى قبله - وهو قوله - تعالى - { بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } - ولا يتوهم أنه من عطف الشئ على نفسه ولا فائدة فيه ، لأن المراد بالكفر المعطوف : الكفر بعيسى . والمراد بالكفر المعطوف عليه : إما الكفر المطلق . أو الكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لاقترانه بقوله - تعالى - { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } . وقد حكى الله عنهم هذه المقالة فى مواجهتهم له - عليه الصلاة والسلام - فى مواضع . ففى العطف إيذان بصلاحية كل من الكفرين للسببية ويجوز ان يكون قوله : { بِكُفْرِهِمْ } معطوف على قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم } .
والبهتان : هو الكذب الشديد الذى لا تقبله العقول ، بل يحيرها ويدهشها لغرابته وبعده عن الحقيقة . يقال : بهت فلان فلانا ، إذا قال فيه قولا يدهشه ويحيره لغرابته وشناعته فى الكذب والافتراء .
والمعنى : إن من أسباب لعن اليهود وضرب الذلة والمسكنة عليهم ، كفرهم بعيسى - عليه السلام - ، وهو الرسول المبعوث إليهم ليهديهم إلى الحق وإلى الطريق المستقيم . وفتراؤهم الكذب على مريم أم عيسى ، ورميهم لها بما هى ريئة منه ، وغافلة عنه ، فقد اتهموها بالفاحشة لولادتها لعيسى من غير أب . وقد برأها الله - تعالى - مما نسبوه إليها . فى قوله - تعالى { وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القانتين } وقوله : { بُهْتَاناً } منصوب على أنه مفعول به لقوله - تعالى - { وَقَوْلِهِمْ } ، فإنه متضمن معنى كلام نحو : قلت خطبة وشعرا . ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، أى : وبفكرهم وقولهم على مريم قولا بهتانا . أو هو مصدر فى موضع الحال أى : مباهتين . ووصفه بالعظم لشناعته وبلوغه النهاية فى الكذب والافتراء .
==============
6- كتمان الحق
قال تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) سورة المائدة
قال الرازي :
قوله تعالى : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } .
وأعلم أنه تعالى لما حكى عن اليهود وعن النصارى نقضهم العهد وتركهم ما أمروا به ، دعاهم عقيب ذلك إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال { يا أَهْلِ الكتاب } والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى ، وإنما وحد الكتاب لأنه خرج مخرج الجنس ، ثم وصف الرسول بأمرين : الأول : أنه يبين لهم كثيراً مما كانوا يخفون . قال ابن عباس : أخفوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخفوا أمر الرجم ، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن ذلك لهم ، وهذا معجز لأنه عليه الصلاة والسلام لم يقرأ كتاباً ولم يتعلم علماً من أحد ، فلما أخبرهم بأسرار ما في كتابهم كان ذلك إخباراً عن الغيب فيكون معجزاً .
والوصف الثاني للرسول : قوله { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } أي لا يظهر كثيراً مما تكتمونه أنتم ، وإنما لم يظهره لأنه لا حاجة إلى إظهاره في الدين ، والفائدة في ذكر ذلك أنهم يعلمون كون الرسول عالماً بكل ما يخفونه ، فيصير ذلك داعياً لهم إلى ترك الإخفاء لئلا يفتضحوا .
ثم قال تعالى : { قَدْ جَاءكُمْ مّنَ الله نُورٌ وكتاب مُّبِينٌ } وفيه أقوال : الأول : أن المراد بالنور محمد ، وبالكتاب القرآن ، والثاني : أن المراد بالنور الإسلام ، وبالكتاب القرآن . الثالث : النور/ والكتاب هو القرآن ، وهذا ضعيف لأن العطف يوجب المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه وتسمية محمد والإسلام والقرآن بالنور ظاهرة ، لأن النور الظاهر هو الذي يتقوى به البصر على إدراك الأشياء الظاهرة ، والنور الباطن أيضاً هو الذي تتقوى به البصيرة على إدراك الحقائق والمعقولات .
ثم قال تعالى : { يَهْدِى بِهِ الله } أي بالكتاب المبين { مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ } من كان مطلوبه من طلب الدين اتباع الدين الذي يرتضيه الله تعالى ، فأما من كان مطلوبه من دينه تقرير ما ألفه ونشأ عليه وأخذه من أسلافه مع ترك النظر والاستدلال ، فمن كان كذلك فهو غير متبع رضوان الله تعالى .
ثم قال تعالى : { سُبُلَ السلام } أي طرق السلامة ، ويجوز أن يكون على حذف المضاف ، أي سبل دار السلام ، ونظيره قوله { والذين قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أعمالهم * سَيَهْدِيهِمْ } [ محمد : 4 ، 5 ] ومعلوم أنه ليس المراد هداية الإسلام ، بل الهداية إلى طريق الجنة .(1/20)
ثم قال : { وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِهِ } أي من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، وذلك أن الكفر يتحير فيه صاحبه كما يتحير في الظلام ، ويهتدي بالإيمان إلى طرق الجنة كما يهتدي بالنور ، وقوله { بِإِذْنِهِ } أي بتوفيقه ، والباء تتعلق بالاتباع أي اتبع رضوانه بإذنه ، ولا يجوز أن تتعلق بالهداية ولا بالإخراج لأنه لا معنى له ، فدل ذلك على أنه لا يتبع رضوان الله إلاّ من أراد الله منه ذلك .
وقوله تعالى : { وَيَهْدِيهِمْ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ } وهو الدين الحق ، لأن الحق واحد لذاته ، ومتفق من جميع جهاته ، وأما الباطل ففيه كثرة ، وكلها معوجة .
-----------
وفي الظلال :
{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا ، يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير } . .
فهو رسول الله إليكم . ودوره معكم أن يبين لكم ويوضح ويكشف ، ما تواطأتم على إخفائه من حقائق كتاب الله الذي معكم . . سواء في ذلك اليهود والنصارى . . وقد أخفى النصارى الأساس الأول للدين . . التوحيد . . وأخفى اليهود كثيراً من أحكام الشريعة؛ كرجم الزاني ، وتحريم الربا كافة . كما أخفوا جميعاً خبر بعثة النبي الأمي { الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } كما أنه - صلى الله عليه وسلم - يعفو عن كثير مما أخفوه أو حرفوه؛ مما لم يرد به شرعه . فقد نسخ الله من أحكام الكتب والشرائع السابقة ما لم يعد له عمل في المجتمع الإنساني ، مما كانت له وظيفة وقتية في المجتمعات الصغيرة الخاصة ، التي بعث إليها الرسل من قبل ولفترة محدودة - في علم الله - من الزمان ، قبل أن تجيء الرسالة الشاملة الدائمة ، وتستقر - وقد أكملها الله وأتم بها نعمته ورضيها للناس ديناً - فلم يعد فيها نسخ ولا تبديل ولا تعديل .
ويبين لهم طبيعة ما جاء به هذا الرسول ، ووظيفته في الحياة البشرية ، وما قدر الله من أثره في حياة الناس .
{ قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام . ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ، ويهديهم إلى صراط مستقيم } . .
وليس أدق ولا أصدق ولا أدل على طبيعة هذا الكتاب . . القرآن . . وعلى طبيعة هذا المنهج . . الإسلام . . من أنه { نور } . .
إنها حقيقة يجدها المؤمن في قلبه وفي كيانه وفي حياته وفي رؤيته وتقديره للأشياء والأحداث والأشخاص . . يجدها بمجرد أن يجد حقيقة الإيمان في قلبه . . { نور } نور تشرق به كينونته فتشف وتخف وترف . ويشرق به كل شيء أمامه فيتضح ويتكشف ويستقيم .
ثقلة الطين في كيانه ، وظلمة التراب ، وكثافة اللحم والدم ، وعرامة الشهوة والنزوة . . كل أولئك يشرق ويضيء ويتجلى . . تخف الثقلة ، وتشرق الظلمة ، وترق الكثافة ، وترف العرامة . .
واللبس والغبش في الرؤية ، والتأرجح والتردد في الخطوة ، والحيرة والشرود في الاتجاه والطريق البهيم الذي لا معالم فيه . . كل أولئك يشرق ويضيء ويتجلى . . يتضح الهدف ويستقيم الطريق إليه وتستقيم النفس على الطريق . .
{ نور . وكتاب مبين } . . وصفان للشيء الواحد . . لهذا الذي جاء به الرسول الكريم . .
{ يهدي به الله - من اتبع رضوانه - سبل السلام . ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ، ويهديهم إلى صراط مستقيم } .
لقد رضي الله الإسلام ديناً . . وهو يهدي من يتبع رضوانه هذا ويرتضيه لنفسه كما رضيه الله له . . يهديه . . { سبل السلام } . .
وما أدق هذا التعبير وأصدقه؛ إنه { السلام } هو ما يسكبه هذا الدين في الحياة كلها . . سلام الفرد . وسلام الجماعة . وسلام العالم . . سلام الضمير ، وسلام العقل ، وسلام الجوارح . . سلام البيت والأسرة ، وسلام المجتمع والأمة ، وسلام البشر والإنسانية . . السلام مع الحياة . والسلام مع الكون . والسلام مع الله رب الكون والحياة . . السلام الذي لا تجده البشرية - ولم تجده يوماً - إلا في هذا الدين؛ وإلا في منهجه ونظامه وشريعته ، ومجتمعه الذي يقوم على عقيدته وشريعته .
حقاً إن الله يهدي بهذا الدين الذي رضيه ، من يتبع رضوان الله ، { سبل السلام } . . سبل السلام كلها في هذه الجوانب جميعها . . ولا يدرك عمق هذه الحقيقة كما يدركها من ذاق سبل الحرب في الجاهليات القديمة أو الحديثة . . ولا يدرك عمق هذه الحقيقة كما يدركها من ذاق حرب القلق الناشئ من عقائد الجاهلية في أعماق الضمير . وحرب القلق الناشئ من شرائع الجاهلية وأنظمتها وتخبطها في أوضاع الحياة .
وقد كان المخاطبون بهذه الكلمات أول مرة يعرفون من تجربتهم في الجاهلية معنى هذا السلام . إذ كانوا يذوقونه مذاقاً شخصياً؛ ويلتذون هذا المذاق المريح . .
وما أحوجنا نحن الآن أن ندرك هذه الحقيقة؛ والجاهلية من حولنا ومن بيننا تذيق البشرية الويلات . . من كل ألوان الحرب في الضمائر والمجتمعات قروناً بعد قرون!
ما أحوجنا نحن الذين عشنا في هذا السلام فترة من تاريخنا؛ ثم خرجنا من السلام إلى الحرب التي تحطم أرواحنا وقلوبنا ، وتحطم أخلاقنا وسلوكنا ، وتحطم مجتمعاتنا وشعوبنا . . بينما نملك الدخول في السلم التي منحها الله لنا؛ حين نتبع رضوانه؛ ونرضى لأنفسنا ما رضيه الله لنا!
إننا نعاني من ويلات الجاهلية؛ والإسلام منا قريب . ونعاني من حرب الجاهلية وسلام الإسلام في متناول أيدينا لو نشاء . . فأية صفقة خاسرة هذه التي نستبدل فيها الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ ونشتري فيها الضلالة بالهدى؟ ونؤثر فيها الحرب على السلام؟
إننا نملك إنقاذ البشرية من ويلات الجاهلية وحربها المشبوبة في شتى الصور والألوان . ولكننا لا نملك إنقاذ البشرية ، قبل أن ننقذ نحن أنفسنا ، وقبل أن نفيء إلى ظلال السلام ، حين نفيء إلى رضوان الله ونتبع ما ارتضاه . فنكون من هؤلاء الذين يقول الله عنهم إنه يهديهم سبل السلام .
{ ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه } . .
والجاهلية كلها ظلمات . . ظلمة الشبهات والخرافات والأساطير والتصورات . وظلمة الشهوات والنزعات والاندفاعات في التيه . وظلمة الحيرة والقلق والانقطاع عن الهدى والوحشة من الجناب الآمن المأنوس . وظلمة اضطراب القيم وتخلخل الأحكام والقيم والموازين . والنور هو النور . . هو ذلك النور الذي تحدثنا عنه آنفاً في الضمير وفي العقل وفي الكيان وفي الحياة وفي الأمور . .
{ ويهديهم إلى صراط مستقيم } . .
مستقيم مع فطرة النفس ونواميسها التي تحكمها . مستقيم مع فطرة الكون ونواميسه التي تصرفه . مستقيم إلى الله لا يلتوي ولا تلتبس فيه الحقائق والاتجاهات والغايات . .
إن الله الذي خلق الإنسان وفطرته؛ وخلق الكون ونواميسه؛ هو الذي وضع للإنسان هذا المنهج؛ وهو الذي رضي للمؤمنين هذا الدين . فطبيعي وبديهي أن يهديهم هذا المنهج إلى الصراط المستقيم . حيث لا يهديهم منهج غيره من صنع البشر العاجزين الجهال الفانين!
-----------
وفي التفسير الوسيط :(1/21)
المعنى : { يَا أَهْلَ الكتاب } من اليهود والنصارى { قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا } محمد صلى الله عليه وسلم { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب } أي : يظهركم لكم كثيراً من الأحكام والمسائل التي ذكرتها كتبكم وكتمتموها عن الناس ، كإخفائكم صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي تجدونها في التوراة والإِنجيل وكتمانكم ما جاء فيها من بشارات تبشر به . وغير ذلك من الأحكام التي أخفاها علماؤكم عن العامة ، وتولي الرسول صلى الله عليه وسلم إعلانها إظهاراً للحق ، ووضعا للأمور في نصابها .
وقوله : { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } أي : يعرض ولا يظهر كثيراً مما كنتم تخفونه ، لأنه لا ضرورة تدعو إلى بيانه ، ولا فائدة تعود على الناس من وراء إظهاره ، ففي السكوت عنه رحمة بكم ، وصيانة لكم عن الافتضاح والمؤاخذة .
يقال : عفا عن المذنب ، أي : ستر عنه ذنبه فلم يعاقبه عليه .
والمراد بالكتاب في قوله { يَا أَهْلَ الكتاب } جنس الكتب ، فيشمل التوراة والإِنجيل .
وفي ندائهم بهذا الوصف حمل لهم على الدخول في الإِسلام؛ فإن علمهم بما في كتبهم من بشارات بالرسول صلى الله عليه ولم يدعوهم إلى الإِيمان به . فإذا لم يؤمنوا به مع علمهم بأنه رسول صادق في رسالته كانت مذمتهم أشد وأقبح ، وكان عقابهم على كتمانهم الحق أعظم وأقسى . وكان التعبير بقوله - تعالى - { قَدْ جَآءَكُمْ } للإِشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم قد وصل إليهم ، ويعيش بينهم ، فهم يرونه ويراهم ويخاطبهم ويخاطبونه ، ليسمعوا منه ما يشهد بصدقه بدون حجاب أو وساطة .
وفي التعبير بقوله - تعالى - { رَسُولُنَا } تشريف للرسول صلى الله عليه وسلم حيث أضافه - سبحانه - إلى ذاته ، وفيه كذلك إيذان بوجوب اتباعه لأنه رسول مبلغ عن الله - تعالى - ما يأمره بتبليغه بدون تغيير أو تبديل .
والمراد بالكتاب في قوله : { تُخْفُونَ مِنَ الكتاب } التوراة والإِنجيل . فقد امتدت أيدي اليهود والنصارى إلى هذين الكتابين فغيروا وبدلوا فيهما على حسب ما تمليه عليهم أهواؤهم وشهواتهم .
وفي إظهار الرسول صلى الله عليه وسلم للكثير مما كتموه ، وعفوه عن الكثير مما أخفوه ، معجزة له ، لأنه لم يقرأ كتابا ، ولم يجلس أمام معلم ، فإخباره بأسرار ما في كتبهم إخبار عن أمور مغيبة ، فيكون معجزة له تحملهم على الإِيمان به فيما يدعوهم إليه .
ثم مدح الله - تعالى - رسوله ، وما جاء به من الخير والهدى فقال : { قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } .
والمراد بالنور هنا : محمد صلى الله عليه وسلم فهو نور الأنوار - كما يقول الآلوسي .
والمراد بالكتاب : القرآن الكريم الذي أنزله - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم والجملة الكريمة مستأنفة مسووقة لبيان أن فائدة مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم ليست منحصرة فيما ذكر من بيان ما كانوا يخفونه ، بل له منافع أخرى لا تحصى .قال ابن جرير ما ملخصه ، قوله : تعالى - { قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } يقول - جل ثناؤه - لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب : " قد جاءكم يا أهل التوراة والإِنجيل من الله نور هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحق ، وأظهر به الإِسلام ومحق به الشرك " قوله { وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } يعني : " كتابا فيه بيان ما اختلفوا فيه بينهم من توحيد الله ، وحلاله وحرامه وشرائع دينه وهو القرآن الذي أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
ويرى بعض المفسرين أن المراد بالنور وبالكتاب هنا : القرآن الكريم .
وقد اقتصر على هذا التفسير صاحب الكشاف فقال : قوله : { قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } يريد القرآن لكشفه ظلمات الشرك والشك ، ولإِبانته ما كان خافيا عن الناس من الحق ، أو لأنه ظاهر الإِعجاز .
ويبدو لنا أن ما ذهب إليه ابن جرير أرجح ، لأن العطف في الغالب يقتضي المغايرة في الذات إذ الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاء للناس برسالة هي نور في شخصه صلى الله عليه وسلم كما جاءهم بالقرآن الكريم الدال على صدقه في رسالته .
ثم بين - سبحانه - الغاية من رسالته صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - { يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام } .
والضمير في قوله ( به ) يعود إلى مجموع ما ذكر ، أو إلى الكتاب المبين باعتباره أقرب مذكور و ( سبل ) جمع سبيل بمعنى طريق . و ( السلام ) مصدر بمعنى السلامة .
والمعنى : قد جاءكم - يا معشر أهل الكتاب - من الله نور وكتاب مبين - يهدي الله - تعالى - بذلك أو بالكتاب { مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ } أي : من علم - سبحانه - منه أنه يريد اتباع ما يرضي بأن يخلص له العبادة ويستجيب للحق الذي أرسل به أنبياءه فإنه متى كان كذلك ، أوصله - سبحانه - إلى { سُبُلَ السلام } أي : إلى طرق السلامة والنجاة من كل خوف وشقاء ، بأن يثبته في الدنيا على طريق الحق ، ويكرمه في الآخرة بمثوبته وجنته هذه هي الثمرة الأولى من ثمار اتباع ما جاء من عندالله من نور وكتاب مبين . أما الثمرة الثانية فقد بينها - سبحانه - بقوله : { وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِهِ } .
والضمير المنصوب في قوله ( ويخرجهم ) وهو ( هم ) يعود إلى ( من ) في قوله { مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ } باعتبار المعنى .
أي : ويخرج - سبحانه - هؤلاء الأخيار الذين علم منهم اتباع ما يرضيه يخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الحق والإِيمان ( بإذنه ) أي : بإرادته وعلمه .
وقوله : { وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } بيان للثمرة الثالثة من ثمار اتباع ما جاء من عند الله من حق وخير .
أي : ويهدي - سبحانه - هؤلاء الذين علم منهم اتباع ما يرضيه إلى صراط مستقيم ، وطريق قويم لا اعوجاج فيه ولا اضطراب ، وهو طريق الإِسلام الذي يوصل إلى الفوز الفلاح في الدنيا والآخرة .
وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد دعتا أهل الكتاب إلى اتباع الحق الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله ، بأوضح أسلوب ، وأكمل بيان ، وبينتا لهم ما يترتب على اتباعه صلى الله عليه وسلم من منافع جليلة ، وفوائد عظيمة تجعلهم يسارعون إلى تصديقه إن كانوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
-------------
وقال السعدي :
لما ذكر تعالى ما أخذه الله على أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وأنهم نقضوا ذلك إلا قليلا منهم، أمرهم جميعا أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، واحتج عليهم بآية قاطعة دالة على صحة نبوته، وهي: أنه بين لهم كثيرا مما يُخْفُون عن الناس، حتى عن العوام من أهل ملتهم، فإذا كانوا هم المشار إليهم في العلم ولا علم عند أحد في ذلك الوقت إلا ما عندهم، فالحريص على العلم لا سبيل له إلى إدراكه إلا منهم، فإتيان الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن العظيم الذي بيَّن به ما كانوا يتكاتمونه بينهم، وهو أُمِّيّ لا يقرأ ولا يكتب - من أدل الدلائل على القطع برسالته، وذلك مثل صفة محمد في كتبهم، ووجود البشائر به في كتبهم، وبيان آية الرجم ونحو ذلك.
{ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } أي: يترك بيان ما لا تقتضيه الحكمة.
{ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ } وهو القرآن، يستضاء به في ظلمات الجهالة وعماية الضلالة.
{ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } لكل ما يحتاج الخلق إليه من أمور دينهم ودنياهم. من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن العلم بأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية.(1/22)
ثم ذكر مَنْ الذي يهتدي بهذا القرآن، وما هو السبب الذي من العبد لحصول ذلك، فقال: { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ } أي: يهدي به من اجتهد وحرص على بلوغ مرضاة الله، وصار قصده حسنا -سبل السلام التي تسلم صاحبها من العذاب، وتوصله إلى دار السلام، وهو العلم بالحق والعمل به، إجمالا وتفصيلا.
{ وَيُخْرِجُهُم مِّن } ظلمات الكفر والبدعة والمعصية، والجهل والغفلة، إلى نور الإيمان والسنة والطاعة والعلم، والذكر. وكل هذه الهداية بإذن الله، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. { وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } .
================
7- الحقد على المؤمنين :
قال تعالى : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) سورة المائدة
قال الرازي :
اعلم أن وجه النظم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم اتخذوا دين الإسلام هزواً ولعباً قال لهم : ما الذين تنقمون من هذا الدين ، وما الذي تجدون فيه مما يوجب اتخاذه هزواً ولعباً وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ الحسن { هَلْ تَنقِمُونَ } بفتح القاف ، والفصيح كسرها . يقال : نقمت الشيء ونقمته بكسر القاف وفتحها إذا أنكرته ، وللمفسرين عبارات : هل تنقمون منا : هل تعيبون هل تنكرون ، هل تكرهون . قال بعضهم : سمي العقاب نقمة لأنه يجب على ما ينكر من الفعل . وقال آخرون : الكراهة التي يتبعها سخط من الكاره تسمى نقمة ، لأنها تتبعها النقمة التي هي العذاب فعلى القول الأول لفظ النقمة موضوع أولاً للمكروه ، ثم سمي العذاب نقمة لكونه مكروهاً ، وعلى القول الثاني لفظ النقمة موضوع للعذاب ، ثم سمي المنكر والمكروه نقمة لأنه يتبعه العذاب .
المسألة الثانية : معنى الآية أنه يقول لأهل الكتاب : لم اتخذتم هذا الدين هزواً ولعباً ، ثم قال على سبيل التعجب : هل تجدون في هذا الدين إلا الإيمان بالله والإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بجميع الأنبياء الذين كانوا قبل محمد/ صلى الله عليه وسلم يعني أن هذا ليس مما ينقم ، أما الإيمان بالله فهو رأس جميع الطاعات ، وأما الإيمان بمحمد وبجميع الأنبياء فهو الحق والصدق؛ لأنه إذا كان الطريق إلى تصديق بعض الأنبياء في ادعاء الرسالة والنبوّة هو المعجز ، ثم رأينا أن المعجز حصل على يد محمد عليه الصلاة والسلام وجب الإقرار بكونه رسولاً ، فأما الإقرار بالبعض وإنكار البعض فذلك كلام متناقض ، ومذهب باطل ، فثبت أن الذي نحن عليه هو الدين الحق والطريق المستقيم ، فلم تنقموه علينا!قال ابن عباس : إن نفراً من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ، فقال : أؤمن بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل إلى قوله ونحن له مسلمون ، فلما ذكر عيسى جحدوا نبوّته وقالوا : والله ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً شراً من دينكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية وما بعدها .
وأما قوله { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون } فالقراءة العامة { أن } بفتح الألف ، وقرأ نعيم بن ميسرة { إن } بالكسر ، وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول : كيف ينقم اليهود على المسلمين مع كون أكثر اليهود فاسقين؟
والجواب من وجوه : الأول : قوله { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون } تخصيص لهم بالفسق ، فيدل على سبيل التعريض أنهم لم يتبعوهم على فسقهم ، فكان المعنى : وما تنقمون منا إلا أن آمنا . وما فسقنا مثلكم ، الثاني : لما ذكر تعالى ما ينقم اليهود عليهم من الإيمان بجميع الرسل وليس ذلك مما ينقم ذكر في مقابله فسقهم ، وهو مما ينقم ، ومثل هذا حسن في الازدواج . يقول القائل : هل تنقم مني إلا أني عفيف وأنك فاجر ، وأني غني وأنت فقير ، فيحسن ذلك لإتمام المعنى على سبيل المقابلة . والثالث : أن يكون الواو بمعنى ( مع ) أي وما تنقمون منا إلا الإيمان بالله مع أن أكثركم فاسقون ، فإن أحد الخصمين إذا كان موصوفاً بالصفات الذميمة واكتسب الثاني شيئاً كثيراً من الصفات الحميدة كان اكتسابه للصفات الحميدة مع كون خصمه مكتسباً للصفات الذميمة أشد تأثيراً في وقوع البغض والحسد في قلب الخصم . والرابع : أن يكون على تقدير حذف المضاف ، أي واعتقاد أنكم فاسقون . الخامس : أن يكون التقدير : وما تنقمون منا إلا بأن آمنا بالله وبأن أكثركم فاسقون ، يعني بسبب فسقكم نقمتم الإيمان علينا . السادس : يجوز أن يكون تعليلاً معطوفاً على تعليل محذوف كأنه قيل : وما تنقمون منا إلا الإيمان لقلة إنصافكم ، ولأجل أن أكثركم فاسقون . السؤال الثاني : اليهود كلهم فساق وكفار ، فلم خص الأكثر بوصف الفسق؟
والجواب من وجهين : الأول : يعني أن أكثركم إنما يقولون ما يقولون ، ويفعلون ما يفعلون طلباً للرياسة والجاه وأخذ الرشوة والتقرب إلى الملوك ، فأنتم في دينكم فساق لا عدول ، فإن الكافر والمبتدع قد يكون عدل دينه ، وقد يكون فاسق دينه ، ومعلوم أن كلهم ما كانوا كذلك فلذلك خصّ أكثرهم بهذا الحكم ، والثاني : ذكر أكثرهم لئلا يظن أن من آمن منهم داخل في ذلك .
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)
فيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله { مّن ذلك } إشارة إلى المنقم ، ولا بدّ من حذف المضاف ، وتقديره : بشر من أهل ذلك؛ لأنه قال : { مَن لَّعَنَهُ الله } ولا يقال الملعون شر من ذلك الدين ، بل يقال : إنه شر ممن له ذلك الدين .
فإن قيل : فهذا يقتضي كون الموصوفين بذلك الدين محكوماً عليهم بالشر ، ومعلوم أنه ليس كذلك .
قلنا : إنما خرج الكلام على حسب قولهم واعتقادهم ، فإنهم حكموا بأن اعتقاد ذلك الدين شر ، فقيل لهم : هب أن الأمر كذلك ولكن لعنة الله وغضبه ومسخ الصور شر من ذلك .
المسألة الثانية : { مَثُوبَةً } نصب على التمييز ، ووزنها مفعلة كقولك : مقولة ومجوزة ، وهو بمعنى المصدر ، وقد جاءت مصادر على مفعول كالمعقول والميسور .
فإن قيل : المثوبة مختصة بالإحسان ، فكيف جاءت في الإساءة؟
قلنا : هذا على طريقة قوله { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] وقول الشاعر :
تحية بينهم ضرب وجيع(1/23)
المسألة الثالثة : { مِنْ } في قوله { مَن لَّعَنَهُ الله } يحتمل وجهين : الأول : أنه في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، فإنه لما قال : { قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذلك } فكأن قائلاً قال : من ذلك؟ فقيل : هو من لعنه الله ، ونظيره قوله تعالى : { قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذلكم النار } [ الحج : 72 ] كأنه قال : هو النار . الثاني : يجوز أن يكون في موضع خفض بدلاً من ( شر ) والمعنى أنبئكم بمن لعنه الله .
المسألة الرابعة : اعلم أنه تعالى ذكر من صفاتهم أنواعاً : أولها : أنه تعالى لعنهم ، وثانيها : أنه غضب عليهم ، وثالثها : أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت . قال أهل التفسير : عنى بالقردة أصحاب السبت ، وبالخنازير كفار مائدة عيسى . وروي أيضاً أن المسخين كانا في أصحاب السبت لأن شبانهم مسخوا قردة ، ومشايخهم مسخوا خنازير .
المسألة الخامسة : ذكر صاحب «الكشاف» في قوله { وَعَبَدَ الطاغوت } أنواعاً من القرآات : أحدها : قرأ أُبي : وعبدوا الطاغوت ، وثانيها : قرأ ابن مسعود : ومن عبدوا ، وثالثها : وعابد الطاغوت عطفاً على القردة ، ورابعها : وعابدي ، وخامسها : وعباد ، وسادسها : وعبد ، وسابعها : وعبد ، بوزن حطم ، وثامنها : وعبيد ، وتاسعها : وعبد بضمتين جميع عبيد ، وعاشرها : وعبدة بوزن كفرة ، والحادي عشر : وعبد ، وأصله عبدة ، فحذفت التاء للإضافة ، أو هو كخدم في جمع خادم ، والثاني عشر : عبد ، والثالث عشر : عباد ، والرابع عشر : وأعبد ، والخامس عشر : وعبد الطاغوت على البناء للمفعول ، وحذف الراجع ، بمعنى وعبد الطاغوت فيهم أو بينهم ، والسادس عشر : وعبد الطاغوت ، بمعنى صار الطاغوت معبوداً من دون الله تعالى ، كقولك : أمر إذا صار أميراً ، والسابع عشر : قرأ حمزة : عبد الطاغوت بفتح العين وضم الباء ونصب الدال وجر الطاغوت ، وعابوا هذه القراءة على حمزة ولحنوه ونسبوه إلى ما لا يجوز ذكره ، وقال قوم : إنها ليست بلحن ولا خطأ ، وذكروا فيها وجوهاً : الأول : أن العبد هو العبد إلا أنهم ضموا الباء للمبالغة ، كقولهم : رجل حذر وفطن للبليغ في الحذر والفطنة ، فتأويل عبد الطاغوت أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان ، وهذا أحسن الوجوه . الثاني : أن العبد ، والعبد لغتان كقولهم : سبع وسبع . والثالث : أن العبد جمعه عباد ، والعباد جمعه عبد ، كثمار وثمر . ثم استثلقوا ضمتين متواليتين فأبدلت الأولى بالفتحة . الرابع : يحتمل أنه أراد أعبد الطاغوت ، فيكون مثل فلس وأفلس ، ثم حذفت الهمزة ونقلت حركتها إلى العين . الخامس : يحتمل أنه أراد : وعبدة الطاغوت كما قريء ، ثم حذف الهاء وضم الباء لئلا يشتبه بالفعل .
المسألة السادسة : قوله { وَعَبَدَ الطاغوت } قال الفرّاء : تأويله وجعل منهم القردة ومن عبد الطاغوت ، فعلى هذا : الموصول محذوف .
المسألة السابعة : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الكفر بقضاء الله . قالوا : لأن تقدير الآية وجعل الله منهم من عبد الطاغوت ، وإنما يعقل معنى هذا الجعل إذا كان هو الذي جعل فيهم تلك العبادة ، إذ لو كان جعل تلك العبادة منهم لكان الله تعالى ما جعلهم عبدة الطاغوت ، بل كانوا هم الذين جعلوا أنفسهم كذلك ، وذلك على خلاف الآية . قالت المعتزلة : معناه أنه تعالى حكم عليهم بذلك ووصفهم به كقوله { وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا } [ الزخرف : 19 ] والكلام فيه قد تقدم مراراً .
المسألة الثامنة : قيل : الطاغوت العجل ، وقيل : الطاغوت الأحبار ، وكل من أطاع أحداً في معصية الله فقد عبده .
ثم قال تعالى : { أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } أي أولئك الملعونون الممسوخون شر مكاناً من المؤمنين ، وفي لفظ المكان وجهان : الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : لأن مكانهم سقر ، ولا مكان أشد شراً منه . والثاني : أنه أضيف الشر في اللفظ إلى المكان وهو في الحقيقة لأهله ، وهو من باب الكناية كقولهم : فلان طويل النجاد كثير الرماد ، ويرجع حاصله إلى الإشارة إلى الشيء بذكر لوازمه وتوابعه .
ثم قال : { وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السبيل } أي عن قصد السبيل والدين الحق . قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية عبر المسلمون أهل الكتاب وقالوا : يا إخوان القردة والخنازير ، فافتضحوا ونكسوا رؤوسهم .
وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61)
فيه مسائل :
المسألة الأولى : قالوا : نزلت هذه الآية في ناس من اليهود كانوا يدخلون على الرسول عليه الصلاة والسلام ويظهرون له الإيمان نفاقاً ، فأخبره الله عزّ وجلّ بشأنهم وأنهم يخرجون من مجلسك كما دخلوا لم يتعلق بقلبهم شيء من دلائلك وتقريراتك ونصائحك وتذكيراتك .
المسألة الثانية : الباء في قوله { دَّخَلُواْ بالكفر وَ . . . خَرَجُواْ بِهِ } يفيد بقاء الكفر معهم حالتي الدخول والخروج من غير نقصان ولا تغيير فيه ألبتة ، كما تقول : دخل زيد بثوبه وخرج به ، أي بقي ثوبه حال الخروج كما كان حال الدخول .
المسألة الثالثة : ذكر عند الدخول كلمة { قَدْ } فقال { وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر } وذكر عند الخروج كلمة { هُمْ } فقال : { وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } قالوا : الفائدة في ذكر كلمة «قد» تقريب الماضي من الحال ، والفائدة في ذكر كلمة «هم» التأكيد في إضافة الكفر إليهم ، ونفى أن يكون من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فعل ، أي لم يسمعوا منك يا محمد عند جلوسهم معك ما يوجب كفراً ، فتكون أنت الذي ألقيتهم في الكفر ، بل هم الذين خرجوا بالكفر باختيار أنفسهم .
المسألة الرابعة : قالت المعتزلة : إنه تعالى أضاف الكفر إليهم حالتي الدخول والخروج على سبيل الذم ، وبالغ في تقرير تلك الاضافة بقوله { وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } فدل هذا على أنه من العبد لا من الله .
والجواب : المعارضة بالعلم والداعي .
ثم قال تعالى : { والله أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } والغرض منه المبالغة فيما في قلوبهم من الجد والاجتهاد في المكر بالمسلمين والكيد بهم والبغض والعداوة لهم ثم قال تعالى :وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)
المسارعة في الشيء الشروع فيه بسرعة . قيل : الإثم الكذب ، والعدوان الظلم . وقيل : الإثم ما يختص بهم ، والعدوان ما يتعداهم إلى غيرهم ، وأما أكل السحت فهو أخذ الرشوة ، وقد تقدم الاستقصاء في تفسير السحت ، وفي الآية فوائد :
الفائدة الأولى : أنه تعالى قال : { وترى كَثِيراً مّنْهُمْ } والسبب أن كلهم ما كان يفعل ذلك ، بل كان بعضهم يستحيي فيترك .
الفائدة الثانية : أن لفظ المسارعة إنما يستعمل في أكثر الأمر في الخير . قال تعالى : { يسارعون فِى الخيرات } [ آل عمران : 114 ] وقال تعالى : { نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الخيرات } [ المؤمنون : 56 ] فكان اللائق بهذا الموضع لفظ العجلة ، إلا أنه تعالى ذكر لفظ المسارعة لفائدة ، وهي أنهم كانوا يقدمون على هذه المنكرات كأنهم محقون فيه .(1/24)
الفائدة الثالثة : لفظ الاثم يتناول جميع المعاصي والمنهيات ، فلما ذكر الله تعالى بعده العدوان وأكل السحت دلّ هذا على أن هذين النوعين أعظم أنواع المعصية والإثم ثم قال تعالى :لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)
معنى { لَوْلاَ } هاهنا التحضيض والتوبيخ ، وهو بمعنى هلا ، والكلام في تفسير الربانيين والأحبار قد تقدم . قال الحسن : الربانيون علماء أهل الإنجيل ، والأحبار علماء أهل التوراة . وقال غيره : كله في اليهود لأنه متصل بذكرهم ، والمعنى أن الله تعالى استبعد من علماء أهل الكتاب أنهم ما نهوا سفلتهم وعوامهم عن المعاصي ، وذلك يدل على أن تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه ، لأنه تعالى ذم الفريقين في هذه الآية على لفظ واحد ، بل نقول : إن ذم تارك النهي عن المنكر أقوى لأنه تعالى قال في المقدمين على الإثم والعدوان وأكل السحت { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ المائدة : 62 ] وقال في العلماء التاركين للنهي عن المنكر { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } والصنع أقوى من العمل لأن العمل إنما يسمى صناعة إذا صار مستقراً راسخاً متمكناً ، فجعل جرم العاملين ذنباً غير راسخ ، وذنب التاركين للنهي عن المنكر ذنباً راسخاً ، والأمر في الحقيقة كذلك لأن المعصية مرض الروح ، وعلاجه العلم بالله وبصفاته وبأحكامه ، فإذا حصل هذا العلم وما زالت المعصية كان مثل المرض الذي شرب صاحبه الدواء فما زال ، فكما أن هناك يحصل العلم بأن المرض صعب شديد لا يكاد يزول ، فكذلك العالم إذا أقدم على المعصية دلّ على أن مرض القلب في غاية القوة والشدة ، وعن ابن عباس : هي أشد آية في القرآن ، وعن الضحاك : ما في القرآن آية أخوف عندي منها ، والله أعلم .
------------
وفي الظلال :
إن هذا السؤال الذي وجه الله رسوله إلى توجيهه لأهل الكتاب , هو من ناحية سؤال تقريري لإثبات ما هو واقع بالفعل منهم ; وكشف حقيقة البواعث التي تدفع بهم إلى موقفهم من الجماعة المسلمة ودينها وصلاتها .
وهو من ناحية سؤال استنكاري , لاستنكار هذا الواقع منهم , واستنكار البواعث الدافعة عليه . . وهو في الوقت ذاته توعية للمسلمين , وتنفير لهم من موالاة القوم , وتقرير لما سبق في النداءات الثلاثة من نهي عن هذه الموالاة وتحذير .
إن أهل الكتاب لم يكونوا ينقمون على المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهم لا ينقمون اليوم على طلائع البعث الإسلامي - إلا أن هؤلاء المسلمين يؤمنون بالله ; وما أنزله الله إليهم من قرآن ; وما صدق عليه قرآنهم مما أنزله الله من قبل من كتب أهل الكتاب . .
إنهم يعادون المسلمين لأنهم مسلمون ! لأنهم ليسوا يهودا ولا نصارى . ولأن أهل الكتاب فاسقون منحرفون عما أنزله الله إليهم ; وآية فسقهم وانحرافهم أنهم لا يؤمنون بالرسالة الأخيرة وهي مصدقة لما بين أيديهم - لا ما ابتدعوه وحرفوه - ولا يؤمنون بالرسول الأخير , وهو مصدق لما بين يديه ; معظم لرسل الله أجمعين .
إنهم يحاربون المسلمين هذه الحرب الشعواء ; التي لم تضع أوزارها قط , ولم يخب أوارها طوال ألف وأربعمائة عام ; منذ أن قام للمسلمين كيان في المدينة ; وتميزت لهم شخصية ; وأصبح لهم وجود مستقل ; ناشى ء من دينهم المستقل , وتصورهم المستقل , ونظامهم المستقل , في ظل منهج الله الفريد .
إنهم يشنون على المسلمين هذه الحرب المشبوبة لأنهم - قبل كل شيء - مسلمون ولا يمكن أن يطفئوا هذه الحرب المشبوبة إلا أن يردوا المسلمين عن دينهم ; فيصبحوا غير مسلمين . . ذلك أن أهل الكتاب أكثرهم فاسقون ; ومن ثم لا يحبون المستقيمين الملتزمين من المسلمين !
والله - سبحانه - يقرر هذه الحقيقة في صورة قاطعة , وهو يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم في السورة الأخرى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) . . ويقول له في هذه السورة أن يواجه أهل الكتاب بحقيقة بواعثهم وركيزة موقفهم:
(قل:يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله ; وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ?) . .
وهذه الحقيقة التي يقررها الله سبحانه في مواضع كثيرة من كلامه الصادق المبين , هي التي يريد تمييعها وتلبيسها وتغطيتها وإنكارها اليوم كثيرون من أهل الكتاب , وكثيرون ممن يسمون أنفسهم "مسلمين" . . باسم تعاون "المتدينين" في وجه المادية والإلحاد كما يقولون !
أهل الكتاب يريدون اليوم تمييع هذه الحقيقة بل طمسها وتغطيتها , لأنهم يريدون خداع سكان الوطن الإسلامي - أو الذي كان إسلاميا بتعبير أصح - وتخدير الوعي الذي كان قد بثه فيهم الإسلام بمنهجه الرباني القويم . ذلك أنه حين كان هذا الوعي سليما لم يستطع الاستعمار الصليبي أن يقف للمد الإسلامي , فضلا على أن يستعمر الوطن الإسلامي . . ولم يكن بد لهؤلاء - بعد فشلهم في الحروب الصليبية السافرة , وفي حرب التبشير السافرة كذلك - أن يسلكوا طريق الخداع والتخدير , فيتظاهروا ويشيعوا بين ورثة المسلمين , أن قضية الدين والحرب الدينية قد انتهت ! وأنها كانت مجرد فترة تاريخية مظلمة عاشتها الأمم جميعا ! ثم تنور العالم و"تقدم" فلم يعد من الجائز ولا اللائق ولا المستساغ أن يقوم الصراع على أساس العقيدة . . وأنما الصراع اليوم على المادة ! على الموارد والأسواق والاستغلالات فحسب ! وإذن فما يجوز للمسلمين - أو ورثة المسلمين - أن يفكروا في الدين ولا في صراع الدين !
وحين يطمئن أهل الكتاب - وهم الذين يستعمرون أوطان المسلمين - إلى استنامة هؤلاء لهذا التخدير ;وحين تتميع القضية في ضمائرهم ; فإن المستعمرين يأمنون غضبة المسلمين لله ; وللعقيدة . . الغضبة التي لم يقفوا لها يوما . . ويصبح الأمر سهلا بعد التنويم والتخدير . . ولا يكسبون معركة العقيدة وحدها . بل يكسبون معها ما وراءها من الأسلاب والمغانم والاستثمارات والخامات ; ويغلبون في معركة "المادة " بعدما يغلبون في معركة "العقيدة " . . فهما قريب من قريب . .
وعملاء أهل الكتاب في الوطن الإسلامي , ممن يقيمهم الاستعمار هنا وهناك علانية أو في خفية , يقولون القول نفسه . . لأنهم عملاء يؤدون الدور من داخل الحدود . . وهؤلاء يقولون عن "الحروب الصليبية " ذاتها:إنها لم تكن "صليبية " !!! ويقولون عن "المسلمين" الذين خاضوها تحت راية العقيدة:إنهم لم يكونوا "مسلمين" وإنما هم كانوا "قوميين" !(1/25)
وفريق ثالث مستغفل مخدوع ; يناديه أحفاد "الصليبين" في الغرب المستعمر:أن تعالوا إلينا . تعالوا نجتمع في ولاء ; لندفع عن "الدين" غائلة "الملحدين" ! فيستجيب هذا الفريق المستغفل المخدوع ; ناسيا أن أحفاد الصلييبين هؤلاء وقفوا في كل مرة مع الملحدين ; صفا واحدا , حينما كانت المواجهة للمسلمين ! على مدار القرون ! وما يزالون ! وأنهم لا يعنيهم حرب المادية الالحادية قدر ما تعنيهم حرب الإسلام , ذلك أنهم يعرفون جيدا أن الإلحادية المادية عرض طارى ء وعدو موقوت ; وأن الإسلام أصل ثابت وعدو مقيم ! وإنما هذه الدعوة المموهة لتمييع اليقظة البادئة عند طلائع البعث الإسلامي ; وللانتفاع بجهد المستغفلين المخدوعين - في الوقت ذاته - ليكونوا وقود المعركة مع الملحدين لأنهم أعداء الاستعمار السياسيون ! وهؤلاء كهؤلاء حرب على الإسلام والمسلمين . . حرب لا عدة فيها للمسلم إلا ذلك الوعي الذي يربيه عليه المنهج الرباني القويم . .
إن هؤلاء الذين تخدعهم اللعبة أو يتظاهرون بالتصديق , فيحسبون أهل الكتاب جادين إذ يدعونهم للتضامن والولاء في دفع الإلحاد عن "الدين" إنما ينسون واقع التاريخ في أربعة عشر قرنا - لا استثناء فيها - كما ينسون تعليم ربهم لهم في هذا الأمر بالذات , وهو تعليم لا مواربة فيه , ولا مجال للحيدة عنه , وفي النفس ثقة بالله ويقين بجدية ما يقول !
إن هؤلاء يجتزئون فيما يقولون ويكتبون بالآيات القرآنية , والأحاديث النبوية , التي تأمر المسلمين أن يحسنوا معاملة أهل الكتاب ; وأن يتسامحوا معهم في المعيشة والسلوك . ويغفلون التحذيرات الحاسمة عن موالاتهم ; والتقريرات الواعية عن بواعثهم , والتعليمات الصريحة عن خطة الحركة الإسلامية , وخطة التنظيم , التي تحرم التناصر والموالاة , لأن التناصر والموالاة لا يكونان عند المسلم إلا في شأن الدين وإقامة منهجه ونظامه في الحياة الواقعية , وليست هناك قاعدة مشتركة يلتقي عليها المسلم مع أهل الكتاب في شأن دينه - مهما يكن هناك من تلاق في أصول هذه الأديان مع دينه قبل تحريفها - إذ هم لا ينقمون منه إلا هذا الدين , ولا يرضون عنه إلا بترك هذا الدين . . كما يقول رب العالمين . .
إن هؤلاء ممن يجعلون القرآن عضين ; يجزئونه ويمزقونه , فيأخذون منه ما يشاءون - مما يوافق دعوتهم الغافلة الساذجة على فرض براءتها - ويدعون منه ما لا يتفق مع اتجاههم الغافل أو المريب !
ونحن نؤثر أن نسمع كلام الله , في هذه القضية , على أن نسمع كلام المخدوعين أو الخادعين ! وكلام الله - سبحانه - في هذه القضية حاسم واضح صريح مبين . .
ونقف وقفة قصيرة في هذا الموضع عند قوله تعالى - بعد تقرير أن سبب النقمة هو الإيمان بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل - أن بقية السبب:(وأن أكثركم فاسقون)
فهذا الفسق هو شطر الباعث ! فالفسق يحمل صاحبه على النقمة من المستقيم . . وهي قاعدة نفسية واقعية ; تثبتها هذه اللفتة القرآنية العجيبة . . إن الذي يفسق عن الطريق وينحرف لا يطيق أن يرى المستقيم على النهج الملتزم . . إن وجوده يشعره دائما بفسقه وانحرافه . إنه يتمثل له شاهدا قائما على فسقه هو وانحرافه . . ومن ثم يكرهه وينقم عليه . يكره استقامته وينقم منه التزامه ; ويسعى جاهدا لجره إلى طريقه ; أو للقضاء عليه إذا استعصى قياده !
إنها قاعدة مطردة , تتجاوز موقف أهل الكتاب من الجماعة المسلمة في المدينة , إلى موقف أهل الكتاب عامة من المسلمين عامة . إلى موقف كل فاسق منحرف من كل عصبة ملتزمة مستقيمة . . والحرب المشبوبة دائما على الخيرين في مجتمع الأشرار , وعلى المستقيمين في مجتمع الفاسقين , وعلى الملتزمين في مجتمع المنحرفين . . هذه الحرب أمر طبيعي يستند إلى هذه القاعدة التي يصورها النص القرآني العجيب . .
ولقد علم الله - سبحانه - أن الخير لا بد أن يلقى النقمة من الشر , وأن الحق لا بد أن يواجه العداء من الباطل , وأن الاستقامة لا بد أن تثير غيظ الفساق , وأن الالتزام لا بد أن يجر حقد المنحرفين .
وعلم الله - سبحانه - أن لا بد للخير والحق والاستقامة والالتزام أن تدفع عن نفسها وأن تخوض المعركة الحتمية مع الشر والباطل والفسق والانحراف . وأنها معركة لا خيار فيها , ولا يملك الحق ألا يخوضها في وجه الباطل . لأن الباطل سيهاجمه , ولا يملك الخير أن يتجنبها لأن الشر لا بد سيحاول سحقه . .
وغفلة - أي غفلة - أن يظن أصحاب الحق والخير والاستقامة والالتزام أنهم متروكون من الباطل والشر والفسق والانحراف ; وأنهم يملكون تجنب المعركة ; وأنه يمكن أن تقوم هناك مصالحة أو مهادنة ! وخير لهم أن يستعدوا للمعركة المحتومة بالوعي والعدة ; من أن يستسلموا للوهم والخديعة . . وهم يومئذ مأكولون مأكولون !
ثم نمضي مع السياق القرآني في توجيه الله - سبحانه - لرسوله صلى الله عليه وسلم لمواجهة أهل الكتاب , بعد تقرير بواعثهم واستنكار هذه البواعث في النقمة على المسلمين . . فإذا هو يجبههم بتاريخ لهم قديم , وشأن لهم مع ربهم , وعقاب أليم:
(قل:هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله ? من لعنه الله وغضب عليه , وجعل منهم القردة والخنازير , وعبد الطاغوت . أولئك شر مكانا , وأضل عن سواء السبيل !)
وهنا تطالعنا سحنة يهود , وتاريخ يهود !
إنهم هم الذين لعنهم الله وغضب عليهم , وجعل منهم القردة والخنازير . إنهم هم الذين عبدوا الطاغوت . . وقصة لعنة الله لهم وغضبه عليهم واردة في مواضع شتى من القرآن الكريم ; وكذلك قصة جعله منهم القردة والخنازير . . فأما قضية عبادتهم للطاغوت , فتحتاج إلى بيان هنا , لأنها لفتة ذات دلالة خاصة في سياق هذه السورة . .
إن الطاغوت هو كل سلطان لا يستمد من سلطان الله , وكل حكم لا يقوم على شريعة الله , وكل عدوان يتجاوز الحق . . والعدوان على سلطان الله وألوهيته وحاكميته هو أشنع العدوان وأشده طغيانا , وأدخله في معنى الطاغوت لفظا ومعنى . .
وأهل الكتاب لم يعبدوا الأحبار والرهبان ; ولكن اتبعوا شرعهم وتركوا شريعة الله . فسماهم الله عبادا لهم ; وسماهم مشركين . . وهذه اللفتة هنا ملحوظ فيها ذلك المعنى الدقيق . فهم عبدوا الطاغوت . . أي السلطات الطاغية المتجاوزة لحقها . . وهم لم يعبدوها بمعنى السجود لها والركوع , ولكنهم عبدوها بمعنى الاتباع والطاعة . وهي عبادة تخرج صاحبها من عبادة الله ومن دين الله .
والله - سبحانه - يوجه رسوله صلى الله عليه وسلم لمجابهة أهل الكتاب بهذا التاريخ , وبذلك الجزاء الذي استحقوه من الله على هذا التاريخ . . كأنما هم جيل واحد بما أنهم جبلة واحدة . . يوجهه ليقول لهم:إن هذا شر عاقبة:.
(قل:هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله) . .
أي شر من نقمة أهل الكتاب على المسلمين , وما يكيدون لهم وما يؤذونهم بسبب إيمانهم . وأين نقمة البشر الضعاف من نقمة الله وعذابه , وحكمه على أهل الكتاب بالشر والضلال عن سواء السبيل:
(أولئك شر مكانا , وأضل عن سواء السبيل) . .
ويمضي السياق في التنفير من موالاتهم بعرض صفاتهم وسماتهم - بعد عرض تاريخهم وجزائهم - ويجيء التحذير والتوعي7ة منهم بكشف ما يبيتون . . ويبرز اليهود كذلك في الصورة , لأن الحديث عن وقائع جارية , ومعظم الشر كان يجيء من قبل يهود:(1/26)
وإذا جاؤوكم قالوا:آمنا . وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به . والله أعلم بما كانوا يكتمون . وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان . وأكلهم السحت , لبئس ما كانوا يعملون ! لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت . لبئس ما كانوا يصنعون ! وقالت اليهود:يد الله مغلولة . . غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ; بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء - وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا , وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة , كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله . ويسعون في الأرض فسادا . والله لا يحب المفسدين . .
إنها عبارات تنشى ء صورا متحركة مشاهد حية - على طريقة التعبير القرآنية الفريدة - ومن وراء القرون يملك قارى ء هذه الآيات أن يشهد - بعين التصور - هؤلاء القوم الذين يتحدث عنهم القرآن من يهود - على الأرجح - فالسياق يتحدث عنهم , وإن كان من الجائز أنه يعني كذلك بعض المنافقين في المدينة . . يشهدهم يجيئون للمسلمين فيقولون:آمنا . . ويشهد في جعبتهم "الكفر" وهم يدخلون به ويخرجون ; بينما ألسنتهم تقول غير ما في الجعبة من كفر يحملونه داخلين خارجين !
ولعلهم من يهود أولئك الذين كانوا يبيتون البلبلة وهم يقولون بعضهم لبعض:آمنوا بهذا القرآن وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون . . أي لعل المسلمين يرجعون عن دينهم بسبب هذه البلبلة والتشكيك الخبيث اللئيم .
(والله أعلم بما كانوا يكتمون) . .
يقولها الله - سبحانه - لأنها الحقيقة ; ثم لكي يطمئن المؤمنون إلى كلاءة ربهم لهم , وحفظهم من كيد عدوهم ; وإحاطته علما بهذا الكيد المكتوم , ثم ليهدد أصحاب هذا الكيد لعلهم ينتهون !
ويمضي السياق يرسم حركاتهم كأنها منظورة تشهد وتلحظ من خلال التعبير:
(وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان , وأكلهم السحت . لبئس ما كانوا يعملون) . .
والمسارعة مفاعلة تصور القوم كأنما يتسابقون تسابقا في الإثم والعدوان , وأكل الحرام . وهي صورة ترسم للتبشيع والتشنيع , ولكنها تصور حالة من حالات النفوس والجماعات حين يستشري فيها الفساد ; وتسقط القيم ; ويسيطر الشر . . وإن الإنسان لينظر إلى المجتمعات التي انتهت إلى مثل هذه الحال , فيرى كأنما كل من فيها يتسابقون إلى الشر . . إلى الإثم والعدوان , قويهم وضعيفهم سواء . . فالإثم والعدوان - في المجتمعات الهابطة الفاسدة - لا يقتصران على الأقوياء ; بل يرتكبهما كذلك الضعفاء . . فحتى هؤلاء ينساقون في تيار الإثم . وحتى هؤلاء يملكون الاعتداء ; إنهم لا يملكون الاعتداء على الأقوياء طبعا . ولكن يعتدي بعضهم على بعض . ويعتدون على حرمات الله . لأنها هي التي تكون في المجتمعات الفاسدة الحمى المستباح الذي لا حارس له من حاكم ولا محكوم ; فالإثم والعدوان طابع المجتمع حين يفسد ; والمسارعة فيهما عمل هذه المجتمعات !
وكذلك كان مجتمع يهود في تلك الأيام . . وكذلك أكلهم للحرام . . فأكل الحرام كذلك سمة يهود في كل آن !
(لبئس ما كانوا يعملون) !
ويشير السياق إلى سمة أخرى من سمات المجتمعات الفاسدة ; وهو يستنكر سكوت الربانيين القائمين على الشريعة , والأحبار القائمين على أمر العلم الديني . . سكوتهم على مسارعة القوم في الإثم والعدوان وأكل السحت ; وعدم نهيهم عن هذا الشر الذي يتسابقون فيه:
(لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت ! لبئس ما كانوا يصنعون !) . .
فهذه السمة - سمة سكوت القائمين على أمر الشريعة والعلم الديني عما يقع في المجتمع من إثم وعدوان - هي سمة المجتمعات التي فسدت وآذنت بالانهيار . . وبنو إسرائيل (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) . . كما حكى عنهم القرآن الكريم . .
إن سمة المجتمع الخير الفاضل الحي القوي المتماسك أن يسود فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . . أن يوجد فيه من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ; وأن يوجد فيه من يستمع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; وأن يكون عرف المجتمع من القوة بحيث لا يجرؤ المنحرفون فيه على التنكر لهذا الأمر والنهي , ولا على إيذاء الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر .
وهكذا وصف الله الأمة المسلمة فقال: (كنتم خير أمة أخرجت للناس , تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) ووصف بني إسرائيل فقال: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) . . فكان ذلك فيصلا بين المجتمعين وبين الجماعتين .
أما هنا فينحي باللائمة على الربانيين والأحبار , الساكتين على المسارعة في الإثم والعدوان وأكل السحت ; الذين لا يقومون بحق ما استحفظوا عليه من كتاب الله .
وإنه لصوت النذير لكل أهل دين . فصلاح المجتمع أو فساده رهن بقيام الحفظة على الشريعة والعلم فيه بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; والأمر كما قلنا من قبل في الظلال , يقتضي "سلطة " تأمر وتنهى , والأمر والنهي أمر غير الدعوة . فالدعوة بيان , والأمر والنهي سلطان . وكذلك ينبغي أن يحصل الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر على السلطان الذي يجعل لأمرهم ونهيهم قيمته في المجتمع ; فلا يكون مطلق كلام !
--------------
وفي التفسير الوسيط :
قال القرطبي : قال ابن عباس : " جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل - عليهم السلام - فقال : نؤمن بالله وما أنزل إلينا ، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله : ونحن له مسلمون " . فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته ، وقالوا : والله ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ، ولا دينا شراً من دينكم . فنزلت هذه الآية وما بعدها .
وتنقمون معناه : تسخطون . وقيل تكرهون . وقيل تنكرون . والمعنى متقارب يقال : نقم من كذا ينقم ونقم ينقم والأول أكثر . . وفي التنزيل وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد . وانتقم منه أي : عاقبة : والاسم النقمة والجمع نقم .
والاستفهام ، للانكار والتعجب من حالهم حيث يعيبون على المؤمنين ما هو المدح والثناء والتكريم .
والمعنى : قل يا محمد على سبيل التوبيخ لأهل الكتاب ، والتعجيب من أحوالهم قل لهم : { ياأهل الكتاب } يا من كتابكم عرفكم مواطن الذم { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ } أي : ما تعيبون وتنكرون وتكرهون منا { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بالله } الذي يجب الإِيمان به ، والخضوع له ، لأنه الخالق لكل شيء ، وآمنا بما أنزل إلينا من القرآن الكريم وآمنا بما أنزل من قبل من كتب سماوية كالتوراة والإِنجيل والزبور وغير ذلك من الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه قبل إنزال القرآن الكريم .
ولا شك أن إيماننا بذلك لا يعاب ولا ينكر ، بل يمدح ويشكر ، ولكن لأن { أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } - أي : خارجون عن دائرة هذا الإِيمان الحق - كرهتم منا ذلك ، وأنكرتموه علينا ، وحسدتمونا على توفيق الله إيانا لما يحبه ويرضاه .
وقال الجمل ما ملخصه : وقوله : { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا } مفعول لقوله { تَنقِمُونَ } بمعنى تكرهون .
وهو استثناء مفرغ . وقوله : { منا } متعلق به . أي ما تكرهون من جهتنا إلا الإِيمان بالله وبما أنزل إلينا وأصل نقم أن يتعدى بعلى . تقول : نقمت عليه بكذا . وإنما عدي هنا بمن؛ لتضمنه معنى تكرهون وتنكرون .(1/27)
وقوله : { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } يحتمل أن يكون في محل رفع أو نصب أو جر فالرفع على أن يكون مبتدأ والخبر محذوف أي : وفسقكم ثابت عندكم ، لأنكم علمتم أنا على الحق وأنكم على الباطل إلا أن حب الرياسة وجمع الأموال حملكم على العناد .
والنصب على أن يكون معطوفا على قوله { أن آمنا } ولكن الكلام فيه مضاف محذوف لفهم المعنى . والتقدير : واعتقاد أن أكثرهم فاسقون وهو معنى واضح فإن الكفار ينقمون اعتقاد المؤمنين أنهم - أي الكفار - فاسقون - أي : ما تعيبون منا إلا إيماننا بالله وما أنزل إلينا . واعتقادنا أن أكثركم فاسقون .
وأما الجر فعلى أن يكون معطوفاً على علة محذوفة والتقدير : ما تنقمون منا إلا الإِيمان بالله وبما أنزل .
لقلة إنصافكم وفسقكم واتباعكم شهواتكم .
هذا ومن بلاغة القرآن الكريم ، وإنصافه في الأحكام ، واحتراسه في التعبير أنه لم يعمم الحكم بالفسق على جميعهم . بل جعل الحكم بالفسق منصباً على الأكثرين منهم ، حتى يخرج عن هذا الحكم القلة المؤمنة من أهل الكتاب .
وشبيه بهذا قوله في آية أخرى : { مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ } قال بعض العلماء : في الآية تسجيل على أهل الكتاب بكمال المكابرة والتعكيس ، حيث جعلوا الإِيمان بما ذكر ، موجبا للنقمة ، مع كونه في نفسه موجبا للقبول والرضا . وهذا مما تقصد العرب في مثله تأكيد النفي والمبالغة فيه بإثبات شيء وذلك الشيء لا يقتضي إثباته فهو منتف أبداً . ويسمى مثل ذلك عند علماء البيان تأكيد المدح بما يشبه الذم وبالعكس . فمن الأول قول القائل :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
وقول الآخر :
فتى كملت أخلاقه غير أنه ... جواد ، فما يبقى من المال باقياً
ومن الثاني هذه الآية وما يشبهها . أي : ما ينبغي لهم أن ينقموا شيئاً إلا هذا ، وهذا لا يوجب لهم أن ينقموا شيئاً إذاً فليس هناك شيء ينقمونه ، وما دام الأمر كذلك ، فينبغي لهم أن يؤمنوا ولا يكفروا . وفيه أيضاً تقريع لهم حيث قابلوا الإِحسان بسوء الصنيع .
ثم تابع - سبحانه - التهكم بهم ، وتعجب الناس من أفن رأيهم ، مع تذكيرهم بسوء مصيرهم فقال : - { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله } ؟
والمشار إليه بقوله : { ذلك } يعود إلى ما نقمه اليهود على المؤمنين من إيمانهم بالله وبالكتب السماوية وقيل يعود إلى الكثرة الفاسقة من أهل الكتاب المعبر عنها بقوله : { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } وتوحيد اسم الإِشارة لكونه يشار به إلى الواحد وغيره . أو لتأويله بالمذكور ونحوه .
والخاطب لأهل الكتاب المتقدم ذكرهم وقيل للكفار مطلقا ، وقيل للمؤمنين .
والمثوبة : مصدر ميمي بمعنى الثواب الثابت على العمل ، وأكثر استعمالها في الخير .
وقد استعملت هنا بمعنى العقوبة على طريقة التهكم بهم كما في قوله - تعالى - : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وهي منصوبة على أنها تمييز لقوله { بشر } .
وقوله : { مَن لَّعَنَهُ الله } خبر لمبتدأ محذوف أي : هو من لعنه الله : والمراد اليهود لأن الصفات التي ذكرت في الآية لا تنطبق إلا عليهم .
والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين عابوا على المؤمنين إيمانهم بالله وبما أنزله من كتب سماوية والذين قالوا لكم : ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ، ولا دينا شرا من دنيكم قل لهم على سبيل التبكيت والتنبيه على ضلالهم : هل أخبركم بشر من أهل ذلك الدين عقوبة عند الله يوم القيامة؟ هو من { لَّعَنَهُ الله } أي أبعده من رحمته { وَغَضِبَ عَلَيْهِ } بأن منع عنه رضاه { وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير } بأن مسخ بعضهم قردة وبضعهم خنازير وجعل منهم من عبد الطاغوت ، أي : من عبد كل معبود باطل من دون الله كالأصنام والأوثان وغير ذلك من المعبودات الباطلة التي ابتعوها بسبب طغيانهم وفساد نفوسهم .
فإن قيل : إن قوله - { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً } يفيد أن ما عابه اليهود على المؤمنين من إيمانهم بالله فيه شر . إلا أن ما عليه اليهود أشد شرا ، مع أن إِيمان المؤمنين لا شر فيه ألبتة بل هو عين الخير فكيف ذلك؟
فالجواب ، أن الكلام مسوق على سبيل المشاكلة ، والمجاراة لتفكير اليهود الفاسد ، وزعمهم الباطل ، فكأنه - سبحانه - يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم إن هؤلاء اليهود - يا محمد - ينكورن عليهكم إيمانكم بالله وبالكتب السماوية ويعتبرون ذلك شراً - مع أنه عين الخير - قل لهم على سبيل التبكيت وإلزامهم الحجة :
لئن كنتم تعيبون علينا إيماننا وتعتبرونه شرا لا خير فيه - في زعمكم فشر منه عاقبة ومآلا ما أنتم عليه من لعن وطرد من رحمة الله ، وما أصاب أسلافكم من مسخ بعضهم قردة ، وبعضهم خنازير ، وما عرف عنكم من عبادة لغير الله . . . وشبيه بهذه الآية في مجاراة الخصم في زعمه قوله - تعالى - { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } وقوله : { أولئك شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السبيل } بيان لسوء عاقبتهم وقبح مكانتهم . .
أي : أولئك المتصفون بما ذكر من الفسوق واللعن والطرد من رحمة الله أولئك المتصفون بذلك { شَرٌّ مَّكَاناً } من غيرهم وأكثر ضلالا عن طريق الحق المستقيم من سواهم ، فهم في الدنيا يشركون بالله ، وينتهكون محارمه وفي الآخرة مأواهم النار وبئس القرار .
وقوله { أولئك } مبتدأ وقوله { شر } خبره ، وقوله { مكانا } تمييز محول عن الفاعل .
وأثبت - سبحانه - الشرية لمكانهم ليكون أبلغ في الدلالة على كثرة شرورهم ، إذ أن إثبات الشرية لمكان الشيء كناية عن إثباتها للشيء نفسه . فكأن شرهم قد أثر في مكانهم ، أو عظم وضخم حتى صار متجسما .
وقوله : { وأضل } معطوف على { شر } مقرر له . والمقصود من صيغتي التفضيل في قوله : { أولئك شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ } الزيادة مطلقا من غير نظر إلى مشاركة غيرهم في ذلك . أو بالنسبة إلى غيرهم من الكفار الذين لم يفجروا فجورهم ، ولم يحقدوا على المؤمنين حقدهم .
ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك بعض مظاهر نفاقهم وخداعهم فقال : { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قالوا آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } .
قال الآلوسي : نزلت كما قال قتادة والسدى - في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيظهرون له الإِيمان والرضا بما جاء به نفاقا .
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .والضمير في { جاءكم } يعود على اليهود المعاصرين للنبي .
أي : وإذا جاء إليكم - أيها المؤمنون - أولئك اليهود أظهروا أمامكم الإِسلام ، وقالوا لكم آمنا بأنكم على حق ، وحالهم وحقيقتهم أنهم قد دخلوا إليكم وهم متلبسون بالكفر ، وخرجوا من عندكم وهم متلبسون به - أيضاً - فهم يدخلون عليكم ويخرجون من عندكم وقلوبهم كما هي لا تتأثر بالمواعظ التي يلقيها الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم قد قست قلوبهم ، وفسدت نفوسهم .
وقوله : { وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } جملتان في موضع الحال من ضمير الجمع في { قالوا } .
والباء في قوله : { بالكفر } وقوله : { به } للملابسة . أي : دخلوا وخرجوا وهم متلبسون بالكفر من غير نقصان منه ولا تغيير فيه ألبتة .(1/28)
قال الفخر الرازي : وذكر عند الدخول كلمة { قد } وذكر عند الخروج كلمة { هم } لأن الفائدة من ذكر كلمة { قد } تقريب الماضي من الحال . والفائدة من ذكر كلمة { هم } التأكيد في إضافة الكفر إليهم ، ونفي أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فعل ، أي : لم يسمعوا منك يا محمد عند جلوسهم معك ما يوجب كفرا ، فتكون أنت الذي ألقيتهم في الكفر ، بل هم الذين خرجوا بالكفر باختيار أنفسهم .
ويبدو لنا أنه عبر عن دخولهم بقوله { وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر } وعبر عن خروجهم بقوله : { وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } بإضافة ضميرهم مع قد ، للإِشارة إلى أنهم عند خروجهم كانوا أشد كفراً ، وأقسى قلوبا منهم عند دخولهم .
وهذا شأن الجاحديون المنافقين ، لا تؤثر فيهم العظات مهما كانت بليغة ، ولا النذر مما كانت قوية ، بخلاف قلوب المؤمنين فإن المواعظ تزيدها يقينا على يقينها ، وإيمانا على إيمانها . ألا ترى إلى قوله - تعالى - :
{ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه إِيمَاناً فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُون . وَأَمَّا الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } وقوله - تعالى - : { والله أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } وعيد شديد لهم على كفرهم ونفاقهم .
أي : والله - تعالى - أعلم بما كانوا يخفونه من نفاق وخداع عند دخولهم وعند خروجهم ، لأنه - سبحانه - لا تخفى عليه خافية من أحوالهم .
ثم حكى - سبحانه - لونا آخر من رذائلهم فقال : { وترى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإثم والعدوان وَأَكْلِهِمُ السحت } .
والرؤية في قوله : { وترى } بصرية .
والإِثم : هو كل قول أو عمل لا يرضاه الله - تعالى - .
والعدوان : مجاوزة الحد في الظلم والتعدي . والسحت : هو المال الحرام كالرشوة وغيرها .
أي : وترى - أيها الرسول الكريم أو أيها السامع - كثيرا من هؤلاء اليهود ، يسارعون في ارتكاب الآثام وفي التعدي والظلم وأكل المال الحرام بدون تردد أو تريث . والتعبير بقوله : { وترى } يفيد أن ارتكابهم لهذه المنكرات لم يكن خافيا أو مستوراً ، وإنما هم يرتكبونها مجاهرة وعلانية ، لأن فضيلة الحياء قد نضبت من جوههم . والمسارعة في الشيء : المبادرة إليه بسرعة وخفة ونشاط ، وأكثر استعمالها في الخير كما قال - تعالى - { أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات } { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات } وقد استعملت هنا في مسارعتهم في الإِثم والعدوان وأكلهم السحت ، للإِشارة إلى أنهم كانوا يقدمون على هذه المنكرات وكأنهم محقون فيها .
والتعدية بحرف { في } تؤذن بأنهم مغمورون في الآثام؛ وأنهم ينتقلون فيها في حال إلى حال أخرى شر منها ، حتى لكأن السير في طريق الحق والصدق والفضيلة صار غير مألوف عندهم .
وقوله : { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } تذييل قصد به تقبيح أعمالهم التي يأباها الدين والخلق الكريم .
أي : لبئس شيئا كانوا يعملونه هذه المنكرات التي منها مسارعتهم في الإِثم والعدوان وأكلهم السحت .
وهذه الجملة هي حكم من الله - تعالى - عليهم بذم أعمالهم . وقد جمع - سبحانه - في حكمه بين صيغة الماضي { كانوا } وصيغة المضارع { يعملون } للإِشارة إلى أن هذا العمل القبيح كان منهم في الماضي ، وأنهم قد استمروا عليه في حاضرهم ومستقبلهم بدون توبة أو ندم .
وقد أكد - سبحانه - هذا الحكم بالقسم ، وباللام الموطئة للقسم ، وبكلمة بئس الدالة على شدة الذم . أي : أقسم لبئس العمل الذي كان هؤلاء يعملونه من مسارعتهم في الإِثم والعدوان وأكلهم السحت .
ثم وبخ - سبحانه - رؤساء هؤلاء اليهود على سكوتهم على المنكر فقال :
{ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الربانيون والأحبار عَن قَوْلِهِمُ الإثم وَأَكْلِهِمُ السحت } .
و { لولا } هنا للحض على الفعل في المستقبل ، وللتوبيخ على تركه في الماضي فهي لتوبيخ علماء اليهود على تركهم فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الماضي . ولحضهم على مباشرتهم في المستقبل . وهي هنا بمعنى هلا .
والربانيون : كما يقول ابن جرير - جمع رباني . وهم العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس ، وتدبير أمورهم ، والقيام بمصالحهم .
والأحبار - جمع حبر - وهم علماء اليهود وفقهاؤهم المفسرون لما ورد في التوراة من أقوال وأحكام .
والمعنى : إن هؤلاء دأبهم المسارعة إلى اقتراف الآثام وإلى أكل المال الحرام ، فهلا ينهاهم علماؤهم عن هذه الأقوال الكاذبة الباطلة ، وعن تلك المآكل الخبيثة التي أكلوها عن طريق السحت .
والسحت - كما سبق أن بينا - هو المال الحرام كالربا والرشوة . سمي سحتا من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة أي مقطوعها . أو لأنه يذهب فضيلة الإِنسان ويستأصلها واليهود أرغب الناس في المال الحرام وأحرصهم عليه .
وقد وبخ الله - تعالى - علماء اليهود وفقهاءهم على عدم نهيهم لهم عن قولهم الإِثم وأكلهم السحت ، لأن هاتين الرذيلتين هما جماع الرذائل ، إذ القول الباطل الكاذب إذا ما تعود عليه الإِنسان هانت عليه الفضائل ، وقال في الناس ما ليس فيهم بدون تحرج أو حياء .
وأكل السحت يقتل في نفسه المروءة والشرف ، ويجعله يستهين بحقوق الناس وأموالهم .
ولقد ألف علماء اليهود أكل أموال الناس بالباطل بدعوى أن هذا الأكل سيغفره الله لهم ، ألا ترى قول الله - تعالى - : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الكتاب يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } قال بعض العلماء : واقتصر - سبحانه - في توبيخ الربانيين على ترك نهيهم عن قول الإِثم وأكل السحت ، ولم يذكر العدوان - الذي ورد في الآية السابقة إيماء إلى أن العدوان يزجرهم عنه المسلمون ولا يلتجئون في زجرهم إلى غيرهم لأن الاعتماد في النصرة على غير المجني عليه ضعف .
وقوله : { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } تذييل قصد به ذم علماء اليهود بسبب تركهم لفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وقوله : { يَصْنَعُونَ } من الصنع وهو العمل بدقة ومهارة وإحكام .
أي : والله لبئس الصنع صنعهم حيث تركوا نهى عامتهم عن قول الإِثم وأكل السحت .
وقد تكلم المفسرون عن السر في أن الله تعالى - ذم اليهود بقوله : { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وذم علماءهم وفقهاءهم بقوله : { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } .
وقد أجاد الكلام عن ذلك الإِمام الرازي فقال : والمعنى ، أن الله - تعالى - استبعد من علماء أهل الكتاب أنهم ام نهوا سفلتهم وعوامهم عن المعاصي ، وذلك يدل على أن تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه ، لأنه - تعالى - ذم الفريقين . . بل نقول : إن ذم تارك النهي عن المنكر أقوى ، لأنه - سبحانه - قال في المقدمين على الإِثم والعدوان وأكل السحت { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وقال في العلماء التاركين للنهي عن المنكر { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } والصنع أقوى من العمل ، لأن العمل إنما يسمى صناعة إذا صار راسخا متمكنا ، فجعل جرم العاملين ذنبا غير راسخ . وذنب التاركين للنهي عن المنكر ذنبا راسخا . والأمر في الحقيقة كذلك ، لأن المعصية مرض الروح ، وعلاجه العلم بالله وبصفاته وبأحكامه ، فإذا حصل هذا العلم ومازالت المعصية كان كمثل المرض الذي شرب صاحبه الدواء إلا أن المرض بقي كما هو .(1/29)
وقال ابن جرير : كان العلماء يقولون : ما في القرآن آية أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية ، ولا أخوف عليهم منها .
وقال ابن كثير : روى الإِمام أحمد عن جرير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل المعاصي ، هم أعز منه وأمنع ، ولم يغيروا ، إلا أصابهم الله منه بعذاب " .
وروى ابن أبي حاتم عن يحيى بن يعمر قال : خطب علي بن أبي طالب ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس!! إنما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار . فلما تمادوا أخذتهم العقوبات . فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم مثل الذي نزل بهم . واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقا ، ولا يقرب أجلا .
وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد وبخت اليهود على حسدهم للمؤمنين على ما آتاهم الله من فضله ، ووصفتهم بجملة من الصفات الذميمة حتى يحذرهم المؤمنون ، ويجعلوا ولاءهم لله ولرسوله ولإِخوانهم في العقيدة والدين .
-------
وقال السعدي :
أي: { قُلْ } يا أيها الرسول { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ } ملزما لهم، إن دين الإسلام هو الدين الحق، وإن قدحهم فيه قدح بأمر ينبغي المدح عليه: { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } أي: هل لنا عندكم من العيب إلا إيماننا بالله، وبكتبه السابقة واللاحقة، وبأنبيائه المتقدمين والمتأخرين، وبأننا نجزم أن من لم يؤمن كهذا الإيمان فإنه كافر فاسق؟
فهل تنقمون منا بهذا الذي هو أوجب الواجبات على جميع المكلفين؟"
ومع هذا فأكثركم فاسقون، أي: خارجون عن طاعة الله، متجرئون على معاصيه، فأولى لكم -أيها الفاسقون- السكوت، فلو كان عيبكم وأنتم سالمون من الفسق، وهيهات ذلك - لكان الشر أخف من قدحكم فينا مع فسقكم.
ولما كان قدحهم في المؤمنين يقتضي أنهم يعتقدون أنهم على شر، قال تعالى: { قُلْ } لهم مخبرا عن شناعة ما كانوا عليه: { هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ } الذي نقمتم فيه علينا، مع التنزل معكم. { مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ } أي: أبعده عن رحمته { وَغَضِبَ عَلَيْهِ } وعاقبه في الدنيا والآخرة { وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ } وهو الشيطان، وكل ما عبد من دون الله فهو طاغوت. { أُولَئِكَ } المذكورون بهذه الخصال القبيحة { شَرٌّ مَّكَانًا } من المؤمنين الذين رحمة الله قريب منهم، ورضي الله عنهم وأثابهم في الدنيا والآخرة، لأنهم أخلصوا له الدين.
وهذا النوع من باب استعمال أفعل التفضيل في غير بابه وكذلك قوله: { وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ } أي: وأبعد عن قصد السبيل.
{ وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا } نفاقا ومكرا { و } هم { قد دَّخَلُوا } مشتملين على الكفر { وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } فمدخلهم ومخرجهم بالكفر -وهم يزعمون أنهم مؤمنون، فهل أشر من هؤلاء وأقبح حالا منهم؟
{ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ } فيجازيهم بأعمالهم خيرها وشرها.
ثم استمر تعالى يعدد معايبهم، انتصارا لقدحهم في عباده المؤمنين، فقال: { وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ } أي: من اليهود { يُسَارِعُونَ فِي الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ } أي: يحرصون، ويبادرون المعاصي المتعلقة في حق الخالق والعدوان على المخلوقين.
{ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ } الذي هو الحرام. فلم يكتف بمجرد الإخبار أنهم يفعلون ذلك، حتى أخبر أنهم يسارعون فيه، وهذا يدل على خبثهم وشرهم، وأن أنفسهم مجبولة على حب المعاصي والظلم. هذا وهم يدعون لأنفسهم المقامات العالية. { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وهذا في غاية الذم لهم والقدح فيهم.{ لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ } أي: هلا ينهاهم العلماء المتصدون لنفع الناس، الذين من الله عليهم بالعلم والحكمة -عن المعاصي التي تصدر منهم، ليزول ما عندهم من الجهل، وتقوم حجة الله عليهم، فإن العلماء عليهم أمر الناس ونهيهم، وأن يبينوا لهم الطريق الشرعي، ويرغبونهم في الخير ويرهبونهم من الشر { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } .
=================
8-عدم رضاهم عن المؤمنين ما داموا مؤمنين
قال تعالى : {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} (120) سورة البقرة
وفي الظلال :
(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) . .
فتلك هي العلة الأصيلة . ليس الذي ينقصهم هو البرهان ; وليس الذي ينقصهم هو الاقتناع بأنك على الحق , وأن الذي جاءك من ربك الحق . ولو قدمت إليهم ما قدمت , ولو توددت إليهم ما توددت . . لن يرضيهم من هذا كله شيء , إلا أن تتبع ملتهم وتترك ما معك من الحق .
إنها العقدة الدائمة التي نرى مصداقها في كل زمان ومكان . . إنها هي العقيدة . هذه حقيقة المعركة التي يشنها اليهود والنصارى في كل أرض وفي كل وقت ضد الجماعة المسلمة . . إنها معركة العقيدة هي المشبوبة بين المعسكر الإسلامي وهذين المعسكرين اللذين قد يتخاصمان فيما بينهما ; وقد تتخاصم شيع الملة الواحدة فيما بينها , ولكنها تلتقي دائما في المعركة ضد الإسلام والمسلمين !
إنها معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها . ولكن المعسكرين العريقين في العداوة للإسلام والمسلمين يلونانها بألوان شتى , ويرفعان عليها اعلاما شتى , في خبث ومكر وتورية . إنهم قد جربوا حماسة المسلمين لدينهم وعقيدتهم حين واجهوهم تحت راية العقيدة . ومن ثم استدار الأعداء العريقون فغيروا اعلام المعركة . . لم يعلنوها حربا باسم العقيدة - على حقيقتها - خوفا من حماسة العقيدة وجيشانها . إنما أعلنوها باسم الأرض , والاقتصاد , والسياسة , والمراكز العسكرية . . وما إليها . وألقوا في روع المخدوعين الغافلين منا أن حكاية العقيدة قد صارت حكاية قديمة لا معنى لها ! ولا يجوز رفع رايتها , وخوض المعركة باسمها . فهذه سمة المتخلفين المتعصبين ! ذلك كي يأمنوا جيشان العقيدة وحماستها . . بينما هم في قرارة نفوسهم:الصهيونية العالمية والصليبية العالمية - بإضافة الشيوعية العالمية - جميعا يخوضون المعركة أولا وقبل كل شيء لتحطيم هذه الصخرة العاتية التي نطحوها طويلا , فأدمتهم جميعا !!!
إنها معركة العقيدة . إنها ليست معركة الأرض . ولا الغلة . ولا المراكز العسكرية . ولا هذه الرايات المزيفة كلها . إنهم يزيفونها علينا لغرض في نفوسهم دفين . ليخدعونا عن حقيقة المعركة وطبيعتها , فإذا نحن خدعنا بخديعتهم لنا فلا نلومن إلا أنفسنا . ونحن نبعد عن توجيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته , وهو - سبحانه - أصدق القائلين:
(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) . .
فذلك هو الثمن الوحيد الذي يرتضونه . وما سواه فمرفوض ومردود !
ولكن الأمر الحازم , والتوجيه الصادق:
(قل:إن هدى الله هو الهدى) . .(1/30)
على سبيل القصر والحصر . هدى الله هو الهدى . وما عداه ليس بهدى . فلا براح منه , ولا فكاك عنه , ولا محاولة فيه , ولا ترضية على حسابه , ولا مساومة في شيء منه قليل أو كثير , ومن شاء فليؤمن , ومن شاء فليكفر . وحذار أن تميل بك الرغبة في هدايتهم وإيمانهم , أو صداقتهم ومودتهم عن هذا الصراط الدقيق .
(ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) . .
بهذا التهديد المفزع , وبهذا القطع الجازم , وبهذا الوعيد الرعيب . . ولمن ? لنبي الله ورسوله وحبيبه الكريم !
إنها الأهواء . . إن أنت ملت عن الهدى . . هدى الله الذي لا هدى سواه . . وهي الأهواء التي تقفهم منك هذا الموقف ; وليس نقص الحجة ولا ضعف الدليل .
والذين يتجردون منهم من الهوى يتلون كتابهم حق تلاوته , ومن ثم يؤمنون بالحق الذي معك ; فأما الذين يكفرون به فهم الخاسرون , لا أنت ولا المؤمنون !
(الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته . أولئك يؤمنون به . ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون) . .
وأي خسارة بعد خسارة الإيمان , أعظم آلاء الله على الناس في هذا الوجود ?
-------------------
وفي التفسير الوسيط :
بين القرآن موقف أهل الكتاب من الدعوة الإِسلامية فقال : { وَلَنْ ترضى عَنكَ اليهود وَلاَ النصارى حتى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } .
الملة : الطريقة المسلوكة ، ثم جعلت اسما لما شرعه الله لعباده على لسان نبيه ليتوصلوا إلى السعادة الدائمة ، وقد تطلق على ما ليس حقاً من الأديان المنحرفة أو الباطلة ، كما حكى القرآن عن يوسف عليه السلام - أنه قال :
{ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ } وأفرد القرآن الملة فقال - تعالى - ملتهم - " مع أن لكل من اليهود والنصارى ملة خاصة ، لأن الملتين بالنظر لأى مخالفتهما لدين الإِسلام وما طرأ عليهما من التحريف بمنزلة واحدة ، فاتباع إحداهما كاتباع الأخرى في قلة الانتفاع به .
ومعنى الغاية في قوله : " حتى تتبع ملتهم الكناية عن اليأس من اتباع أهل الكتاب لشريعة الإِسلام ، لأنهم لما كانوا لا يرضون إلا باتباعه صلى الله عليه وسلم ملتهم وكان اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لملتهم مستحيلا ، فقد صار رضاهم عنه كذلك مستحيلا ، فالجملة الكريمة مبالغة في الإِقناط من إسلامهم ، وتنبيه على أنه لا يرضيهم إلا ما لا يجوز وقوعه منه .
ثم لقن الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم الجواب فقال : { قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى } .
وهدى الله : دينه والهدى ، بمعنى الهادي إلى طريق الفلاح في الدنيا والآخرة . أي : ما أنت عليه يا محمد من هدى الله الحق الذي يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي لا ما يدعيه هؤلاء من الأهواء .
وإيراد الهدى معرفاً بأل مع اقترانه بضمير الفصل " هو " يفيد قصر الهداية على دين الله ، وينفي أن يكون في دين غير دين الله هدى . وإذا كانت الهداية مقصورة على الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يطمع أهل الكتاب في أن يتبع ملتهم؟
ثم حذر القرآن من اتباع أهل الكتاب فقال . { وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ الذي جَآءَكَ مِنَ العلم مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } .
اللام في قوله : { وَلَئِنِ } تشعر بأن في الجملة قسماً مقدراً روعى في صدرها ليفيد تأكيد ما تضمنته من أن متبع أهواء أهل الكتاب لا يجد من الله ولياً ولا نصيراً .
والأهواء : جمع هوى ، والمراد بها آراؤهم المنحرفة عن الحق الصادرة من شهوات في أنفسهم . والعلم : الدين : وسمى علماً لأنه يعلم بالأدلة القاطعة .
والولي : القريب والحليف . والنضير : كل من يعين غيره على من يناوئه ويبسط إليه يده بسوء .
والمعنى : ولئن اتبعت - يا محمد - آراءهم الزائفة ، بعد الذي جاءك من العلم بأن دين الله هو الإِسلام ، أو من الدين المعلوم صحته بالبراهين الواضحة ، مالك من الله من ولى يلي أمرك ولا نصير يدفع عنك عقابه .
وإنما أوثر خطابه صلى الله عليه وسلم بذلك ليدخل دخولاً أولياً من اتبع أهواءهم بعد الإِسلام من المنافقين تمسكاً بولايتهم ، وطمعاً في نصرتهم .
===============
9- أشد الناس عداوة لنا :
قال تعالى : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} (82) سورة المائدة
قال الرازي :
قوله تعالى : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناس عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ اليهود والذين أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ الذين قَالُواْ إِنَّا نصارى } .
أعلم أنه تعالى لما ذكر من أحوال أهل الكتاب من اليهود والنصارى ما ذكره ذكر في هذه الآية أن اليهود في غاية العدواة مع المسلمين ، ولذلك جعلهم قرناء للمشركين في شدة العداوة ، بل نبه على أنهم أشد في العداوة من المشركين من جهة أنه قدم ذكرهم على ذكر المشركين . ولعمري أنهم كذلك . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ما خلا يهوديان بمسلم إلا هما بقتله » وذكر الله تعالى أن النصارى ألين عريكة من اليهود وأقرب إلى المسلمين منهم .
وههنا مسألتان :
الأولى : قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسدي : المراد به النجاشي وقومه الذين قدموا من الحبشة على الرسول صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ، ولم يرد جميع النصارى مع ظهور عداوتهم للمسلمين . وقال آخرون : مذهب اليهود أنه يجب عليهم إيصال الشر إلى من يخالفهم في الدين بأي طريق كان ، فإن قدروا على القتل فذاك ، وإلا فبغصب المال أو بالسرقة أو بنوع من المكر والكيد والحيلة ، وأما النصارى فليس مذهبهم ذاك بل الإيذاء في دينهم حرام ، فهذا هو وجه التفاوت :
المسألة الثانية : المقصود من بيان هذا التفاوت تخفيف أمر اليهود على الرسول صلى الله عليه وسلم ، واللام في قوله لام القسم ، والتقدير : قسما إنك تجد اليهود والمشركين أشد الناس عدواة مع المؤمنين ، وقد شرحت لك أن هذا التمرد والمعصية عادة قديمة لهم ، ففرغ خاطرك عنهم ولا تبال بمكرهم وكيدهم .
ثم ذكر تعالى سبب هذا التفاوت فقال : { ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } وفي الآية مسألتان :
الأولى : علة هذا التفاوت أن اليهود مخصوصون بالحرص الشديد على الدنيا والدليل عليه قوله تعالى : { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حياة وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ } [ البقرة : 96 ] فقرنهم في الحرص بالمشركين المنكرين للمعاد ، والحرص معدن الأخلاق الذميمة لأن من كان حريصاً على الدنيا طرح دينه في طلب الدنيا وأقدم على كل محظور ومنكر بطلب الدنيا ، فلا جرم تشتد عداوته مع كل من نال مالاً أو جاهاً ، وأما النصارى فإنهم في أكثر الأمر معرضون عن الدنيا مقبلون على العبادة وترك طلب الرياسة والتكبر والترفع ، وكل من كان كذلك فإنه لا يحسد الناس ولا يؤذيهم ولا يخاصمهم بل يكون لين العريكة في طلب الحق سهل الانقياد له ، فهذا هو الفرق بين هذين الفريقين في هذا الباب ، وهو المراد بقوله تعالى : { ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } .(1/31)
وههنا دقيقة نافعة في طلب الدين وهو أن كفر النصارى أغلظ من كفر اليهود لأن النصارى ينازعون في الإلهيات وفي النبوّات ، واليهود لا ينازعون إلا في النبوات ، ولا شك في أن الأول أغلظ ، ثم إن النصارى مع غلظ كفرهم لما لم يشتد حرصهم على طلب الدنيا بل كان في قلبهم شيء من الميل إلى الآخرة شرّفهم الله بقوله { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ الذين قَالُواْ إِنَّا نصارى } وأما اليهود مع أن كفرهم أخف في جنب كفر النصارى طردهم وخصهم الله بمزيد اللعن وما ذاك إلا بسبب حرصهم على الدنيا ، وذلك ينبهك على صحة قوله صلى الله عليه وسلم :
« حب الدنيا رأس كل خطيئة » . المسألة الثانية : القس والقسيس اسم لرئيس النصارى ، والجمع القسيسون . وقال عروة بن الزبير : صنعت النصارى الإنجيل وأدخلت فيه ما ليس منه وبقي واحد من علمائهم على الحق والدين ، وكان سمه قسيساً ، فمن كان على هديه ودينه فهو قسيس . قال قطرب : القس والقسيس العالم بلغة الروم ، وهذا مما وقع الوفاق فيه بين اللغتين ، وأما الرهبان فهو جمع راهب كركبان وراكب ، وفرسان وفارس ، وقال بعضهم : الرهبان واحد ، وجمعه رهابين كقربان وقرابين ، وأصله من الرهبة بمعنى المخافة .
فإن قيل : كيف مدحهم الله تعالى بذلك مع قوله { وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها } [ الحديد : 27 ] وقوله عليه الصلاة والسلام : « لا رهبانية في الإسلام » . قلنا : إن ذلك صار ممدوحاً في مقابلة طريقة اليهود في القساوة والغلظة ، ولا يلزم من هذا القدر كونه ممدوحاً على الإطلاق . ثم قال تعالى : { وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرسول تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع } الضمير في قوله { سَمِعُواْ } يرجع إلى القسيسين والرهبان الذين آمنوا منهم { وَمَا أَنَزلَ } يعني القرآن إلى الرسول يعني محمداً عليه الصلاة والسلام قال ابن عباس : يريد النجاشي وأصحابه ، وذلك لأن جعفر الطيار قرأ عليهم سورة مريم ، فأخذ النجاشي تبنة من الأرض وقال : والله ما زاد على ما قال الله في الإنجيل مثل هذا ، وما زالوا يبكون حتى فرغ جعفر من القراءة ، وأما قوله { تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع } ففيه وجهان : الأول : المراد أن أعينهم تمتلىء من الدمع حتى تفيض لأن الفيض أن يمتلىء الإناء وغيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه . الثاني : أن يكون المراد المبالغة في وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها .
وأما قوله تعالى : { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق } أي مما نزل على محمد وهو الحق .
فإن قيل : أي فرق بين ( من ) وبين ( من ) في قوله { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق } .
قلنا : الأولى : لابتداء الغاية ، والتقدير : أن فيض الدمع إنما ابتدىء من معرفة الحق ، وكان من أجله وبسببه ، والثانية : للتبعيض ، يعني أنهم عرفوا بعض الحق وهو القرآن فأبكاهم الله ، فكيف لو عرفوا كله .
وأما قوله تعالى : { يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا } أي بما سمعنا وشهدنا أنه حق { فاكتبنا مَعَ الشاهدين } وفيه وجهان : الأول : يريد أمة محمد عليه الصلاة والسلام الذين يشهدون بالحق ، وهو مأخوذ من قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس } [ البقرة : 143 ] والثاني : أي مع كل من شهد من أنبيائك ومؤمني عبادك بأنك لا إله غيرك . وأما قوله تعالى : وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)
ففيه مسألتان :
الأولى : قال صاحب «الكشاف» محل { لاَ نُؤْمِنُ } النصب على الحال بمعنى غير مؤمنين ، كقولك قائماً ، والواو في قوله { وَنَطْمَعُ } واو الحال .
فإن قيل : فما العامل في الحال الأولى والثانية .
قلنا : العامل في الأولى ما في اللام من معنى الفعل ، كأنه قيل : أي شيء حصل لنا حال كوننا غير مؤمنين ، وفي الثاني معنى هذا الفعل ولكن مقيداً بالحال الأولى ، لأنك لو أزلته وقلت : وما لنا نطمع لم يكن كلاماً ، ويجوز أن يكون { وَنَطْمَعُ } حالاً من { لاَ نُؤْمِنُ } على أنهم أنكروا على أنفسهم أنهم لا يوحدون الله ويطمعون مع ذلك أن يصحبوا الصالحين ، وأن يكون معطوفاً على قوله { لاَ نُؤْمِنُ } على معنى : وما لنا نجمع بين التثليث وبين الطمع في صحبة الصالحين .
المسألة الثانية : تقدير الآية : ويدخلنا ربنا مع القوم الصالحين جنته ودار رضوانه ، قال تعالى : { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ } [ الحج : 59 ] إلا أنه حسن الحذف لكونه معلوماً . ثم قال تعالى :فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86)
وفي مسائل :
المسألة الأولى : ظاهر الآية يدل على أنهم إنما استحقوا ذلك الثواب بمجرد القول لأنه تعالى قال : { فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ } وذلك غير ممكن لأن مجرد القول لا يفيد الثواب .
وأجابوا عنه من وجهين : الأول : أنه قد سبق من وصفهم ما يدل على إخلاصهم فيما قالوا ، وهو المعرفة ، وذلك هو قوله { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق } [ المائدة : 83 ] فلما حصلت المعرفة والإخلاص وكمال الانقياد ثم انضاف إليه القول لا جرم كمل الإيمان . الثاني : روى عطاء عن ابن عباس أنه قال قوله { بِمَا قَالُواْ } يريد بما سألوا ، يعني قولهم { فاكتبنا مَعَ الشاهدين } [ المائدة : 83 ] .
المسألة الثانية : الآية دالة على أن المؤمن الفاسق لا يبقى مخلداً في النار ، وبيانه من وجهين : الأول : أنه تعالى قال : { وذلك جَزَاء المحسنين } وهذا الإحسان لا بدّ وأن يكون هو الذي تقدم ذكره من المعرفة وهو قوله { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق } [ المائدة : 83 ] ومن الاقرار به ، وهو قوله { فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ } وإذا كان كذلك ، فهذه الآية دالة على أن هذه المعرفة ، وهذا الاقرار يوجب أن يحصل له هذا الثواب ، وصاحب الكبيرة له هذه المعرفة وهذا الاقرار ، فوجب أن يحصل له هذا الثواب ، فأما أن ينقل من الجنة إلى النار وهو باطل بالإجماع ، أو يقال : يعاقب على ذنبه ثم ينقل إلى الجنة وذلك هو المطلوب .
الثاني : هو أنه تعالى قال : { والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بئاياتنا أولئك أصحاب الجحيم } فقوله { أولئك أصحاب الجحيم } يفيد الحصر ، أي أولئك أصحاب الجحيم لا غيرهم ، والمصاحب للشيء هو الملازم له الذي لا ينفك عنه ، فهذا يقتضي تخصيص هذا الدوام بالكفار ، فصارت هذه الآية من هذين الوجهين من أقوى الدلائل على أن الخلود في النار لا يحصل للمؤمن الفاسق .
-------------
وفي الظلال :
لقد كان اليهود هم الذين يتولون المشركين ; ويؤلبونهم على المسلمين , (ويقولون للذين كفروا:هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا) . . كما حكى عنهم القرآن الكريم . وقد تجلى هذا كله على أتمه في غزوة الأحزاب , ومن قبلها ومن بعدها كذلك ; إلى اللحظة الحاضرة . . وما قامت إسرائيل في أرض فلسطين أخيرا إلا بالولاء والتعاون مع الكافرين الجدد من الماديين الملحدين !(1/32)
فأما الفريق الآخر من أهل الكتاب , فهو يتعاون مع المادية الإلحادية كلما كان الأمر أمر المسلمين ! وهم يتعاونون مع الوثنية المشركة كذلك , كلما كانت المعركة مع المسلمين ! حتى و"المسلمون" لا يمثلون الإسلام في شيء . إلا في أنهم من ذراري قوم كانوا مسلمين ! ولكنها الإحنة التي لا تهدأ على هذا الدين ; ومن ينتمون إليه , ولو كانوا في انتمائهم مدعين !
وصدق الله العظيم: (ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا) . .
(لبئس ما قدمت لهم أنفسهم:أن سخط الله عليهم , وفي العذاب هم خالدون) . .
فهذه هي الحصيلة التي قدمتها لهم أنفسهم . . إنها سخط الله عليهم . وخلودهم في العذاب . فما أبأسها من حصيلة ! وما أبأسها من تقدمة تقدمها لهم أنفسهم ; ويا لها من ثمرة مرة . ثمرة توليهم للكافرين !
فمن منا يسمع قول الله سبحانه عن القوم ? فلا يتخذ من عند نفسه مقررات لم يأذن بها الله:في الولاء والتناصر بين أهل هذا الدين ; وأعدائه الذين يتولون الكافرين !
وما الدافع ? ما دافع القوم لتولي الذين كفروا ? إنه عدم الإيمان بالله والنبي:
(ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء . ولكن كثيرا منهم فاسقون) . .
هذه هي العلة . . إنهم لم يؤمنوا بالله والنبي . . إن كثرتهم فاسقة . . إنهم يتجانسون - إذن - مع الذين كفروا في الشعور والوجهة ; فلا جرم يتولون الذين كفروا ولا يتولون المؤمنين . .
وتبرز لنا من هذا التعقيب القرآني ثلاث حقائق بارزة:
الحقيقة الأولى:أن أهل الكتاب جميعا - إلا القلة التي آمنت بمحمد صلى الله عليه وسلم غير مؤمنين بالله . لأنهم لم يؤمنوا برسوله الأخير . ولم ينف القرآن الكريم عنهم الإيمان بالنبي وحده . بل نفى عنهم الإيمان بالله كذلك . (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) وهو تقرير من الله - سبحانه - لا يقبل التأويل . مهما تكن دعواهم في الإيمان بالله . . وبخاصة إذا اعتبرنا ما هم عليه من انحراف التصور للحقيقة الإلهية كما سلف في آيات هذا الدرس وفي غيرها من آيات القرآن الكريم .
والحقيقة الثانية:أن أهل الكتاب جميعا مدعوون إلى الدخول في دين الله , على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فإن استجابوا فقد أمنوا , وأصبحوا على دين الله . وإن تولوا فهم كما وصفهم الله
والحقيقة الثالثة:أنه لا ولاء ولا تناصر بينهم وبين المسلمين , في شأن من الشئون . لأن كل شأن من شئون الحياة عند المسلم خاضع لأمر الدين .
ويبقى أن الإسلام يأمر أهله بالإحسان إلى أهل الكتاب في العشرة والسلوك ; وبحماية أرواحهم وأموالهم وأعراضهم في دار الإسلام ; وبتركهم إلى ما هم فيه من عقائدهم كائنة ما تكون ; وإلى دعوتهم بالحسنى إلى الإسلام ومجادلتهم بالحسنى كذلك . والوفاء لهم - ما وفوا - بعهدهم ومسالمتهم للمسلمين . . وهم - في أية حال - لا يكرهون على شيء في أمر الدين . .
هذا هو الإسلام . . في وضوحه ونصاعته . وفي بره وسماحته . .
والله يقول الحق . وهو يهدي السبيل .
هذه البقية من الحديث عن اليهود والنصارى والمشركين , ومواقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن الأمة المسلمة ; هي طرف من الحديث الطويل الذي تضمنته السورة من قبل خلال أكثر من [ ربعين ] فقد تخرج مخرج العموم , لأنه يتضمن أمرا ظاهرا مكشوفا يجده كل إنسان . وهي صيغة لها نظائرها في الأسلوب العربي الذي نزل به القرآن الكريم . . وهي في كلتا الحالتين تفيد معناها الظاهر الذي تؤديه . .
فإذا تقرر هذا فإن الأمر الذي يلفت النظر في صياغة العبارة هو تقديم اليهود على الذين أشركوا في صدد أنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا ; وأن شدة عداوتهم ظاهرة مكشوفة وأمر مقرر يراه كل من يرى , ويجده كل من يتأمل !
نعم إن العطف بالواو في التعبير العربي يفيد الجمع بين الأمرين ولا يفيد تعقيبا ولا ترتيبا . . ولكن تقديم اليهود هنا , حيث يقوم الظن بأنهم أقل عداوة للذين آمنوا من المشركين - بما أنهم أصلا أهل كتاب - يجعل لهذا التقديم شأنا خاصا غير المألوف من العطف بالواو في التعبير العربي ! إنه - على الأقل - يوجه النظر إلى أن كونهم أهل كتاب لم يغير من الحقيقة الواقعة , وهي أنهم كالذين أشركوا أشد عداوة للذين آمنوا ! ونقول:إن هذا "على الأقل" . ولا ينفي هذا احتمال أن يكون المقصود هو تقديمهم في شدة العداء على الذين أشركوا . .
وحين يستأنس الإنسان في تفسير هذا التقرير الرباني بالواقع التاريخي المشهود منذ مولد الإسلام حتى اللحظة الحاضرة , فإنه لا يتردد في تقرير أن عداء اليهود للذين آمنوا كان دائما أشد وأقسى وأعمق إصرارا وأطول أمدا من عداء الذين أشركوا !
لقد واجه اليهود الإسلام بالعداء منذ اللحظة الأولى التي قامت فيها دولة الإسلام بالمدينة . وكادوا للأمة المسلمة منذ اليوم الأول الذي أصبحت فيه أمة . وتضمن القرآن الكريم من التقريرات والإشارات عن هذا العداء وهذا الكيد ما يكفي وحده لتصوير تلك الحرب المريرة التي شنها اليهود على الإسلام وعلى رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة المسلمة في تاريخها الطويل , والتي لم تخب لحظة واحدة قرابة أربعة عشر قرنا , وما تزال حتى اللحظة يتسعر أوارها في أرجاء الأرض جميعا .
لقد عقد الرسول صلى الله عليه وسلم أول مقدمه إلى المدينة , معاهدة تعايش مع اليهود ; ودعاهم إلى الإسلام الذي يصدق ما بين أيديهم من التوراة . . ولكنهم لم يفوا بهذا العهد - شأنهم في هذا كشأنهم مع كل عهد قطعوه مع ربهم أو مع أنبيائهم من قبل , حتى قال الله فيهم:(ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون . أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ? بل أكثرهم لا يؤمنون . ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون)
ولقد أضمروا العداء للإسلام والمسلمين منذ اليوم الأول الذي جمع الله فيه الأوس والخزرج على الإسلام , فلم يعد لليهود في صفوفهم مدخل ولا مخرج , ومنذ اليوم الذي تحددت فيه قيادة الأمة المسلمة وأمسك بزمامها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تعد لليهود فرصة للتسلط !
ولقد استخدموا كل الأسلحة والوسائل التي تفتقت عنها عبقرية المكر اليهودية , وأفادتها من قرون السبي في بابل , والعبودية في مصر , والذل في الدولة الرومانية . ومع أن الإسلام قد وسعهم بعد ما ضاقت بهم الملل والنحل على مدار التاريخ , فإنهم ردوا للإسلام جميله عليهم أقبح الكيد وألأم المكر منذ اليوم الأول .
ولقد ألبوا على الإسلام والمسلمين كل قوى الجزيرة العربية المشركة ; وراحوا يجمعون القبائل المتفرقةلحرب الجماعة المسلمة: (ويقولون للذين كفروا:هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) .(1/33)
ولما غلبهم الاسلام بقوة الحق - يوم أن كان الناس مسلمين - استداروا يكيدون له بدس المفتريات في كتبه - لم يسلم من هذا الدس إلا كتاب الله الذي تكفل بحفظه سبحانه - ويكيدون له بالدس بين صفوف المسلمين , وإثارة الفتن عن طريق استخدام حديثي العهد بالإسلام ومن ليس لهم فيه فقه من مسلمة الأقطار . ويكيدون له بتأليب خصومه عليه في انحاء الأرض . . حتى انتهى بهم المطاف أن يكونوا في العصر الأخير هم الذين يقودون المعركة مع الإسلام في كل شبر على وجه الارض ; وهم الذين يستخدمون الصليبية والوثنية في هذه الحرب الشاملة , وهم الذين يقيمون الأوضاع ويصنعون الأبطال الذين يتسمون بأسماء المسلمين , ويشنونها حربا صليبية صهيونية على كل جذر من جذور هذا الدين !
وصدق الله العظيم: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) . .
إن الذي ألب الأحزاب على الدولة المسلمة الناشئة في المدينة ; وجمع بين اليهود من بني قريظة وغيرهم ; وبين قريش في مكة , وبين القبائل الأخرى في الجزيرة . . يهودي . .
والذي ألب العوام , وجمع الشراذم , وأطلق الشائعات , في فتنة مقتل عثمان - رضي الله عنه - وما تلاها من النكبات . . يهودي . .
والذي قاد حملة الوضع والكذب في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الروايات والسير . . يهودي . .
ثم إن الذي كان وراء إثارة النعرات القومية في دولة الخلافة الأخيرة ; ووراء الانقلابات التي ابتدأت بعزل الشريعة عن الحكم واستبدال "الدستور" بها في عهد السلطان عبدالحميد , ثم انتهت بإلغاء الخلافة جملة على يدي "البطل" أتاتورك . . يهودي . .
وسائر ما تلا ذلك من الحرب المعلنة على طلائع البعث الإسلامي في كل مكان على وجه الأرض وراءه يهود !
ثم لقد كان وراء النزعة المادية الإلحادية . . يهودي . . ووراء النزعة الحيوانية الجنسية يهودي . . ووراء معظم النظريات الهدامة لكل المقدسات والضوابط يهود !
ولقد كانت الحرب التي شنها اليهود على الإسلام أطول أمدا , وأعرض مجالا , من تلك التي شنها عليه المشركون والوثنيون - على ضراوتها - قديما وحديثا . . إن المعركة مع مشركي العرب لم تمتد إلى أكثر من عشرين عاما في جملتها . . وكذلك كانت المعركة مع فارس في العهد الأول . وأما في العصر الحديث فإن ضراوة المعركة بين الوثنية الهندية والإسلام ضراوة ظاهرة ; ولكنها لا تبلغ ضراوة الصهيونية العالمية . . [ التي تعد الماركسية مجرد فرع لها ] وليس هناك ما يماثل معركة اليهود مع الإسلام في طول الأمد وعرض المجال إلا معركة الصليبية , التي سنتعرض لها في الفقرة التالية .
فإذا سمعنا الله - سبحانه - يقول:
(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) . .
ويقدم اليهود في النص على الذين أشركوا . . ثم راجعنا هذا الواقع التاريخي , فإننا ندرك طرفا من حكمة الله في تقديم اليهود الذين أشركوا !
إنهم هذه الجبلة النكدة الشريرة , التي ينغل الحقد في صدورها على الإسلام وعلى نبي الإسلام , فيحذر الله نبيه وأهل دينه منها . . ولم يغلب هذه الجبلة النكدة الشريرة إلا الإسلام وأهله يوم أن كانوا أهله ! . . ولن يخلص العالم من هذه الجبلة النكدة إلا الإسلام يوم يفيء أهله إليه . .
(ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى . ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا , وأنهم لا يستكبرون . وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق , يقولون:ربنا آمنا , فاكتبنا مع الشاهدين . وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق , ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين . فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها , وذلك جزاء المحسنين . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) . .
إن هذة الآيات تصور حالة , وتقرر حكما في هذه الحالة . . تصور حالة فريق من أتباع عيسى - عليه السلام -: (الذين قالوا:إنا نصارى) . . وتقرر أنهم أقرب مودة للذين آمنوا . .
ومع أن متابعة مجموع الآيات لا تدع مجالا للشك في أنها تصور حالة معينة , هي التي ينطبق عليها هذا التقرير المعين , فإن الكثيرين يخطئون فهم مدلولها , ويجعلون منها مادة للتميع المؤذي في تقدير المسلمين لموقفهم من المعسكرات المختلفة , وموقف هذه المعسكرات منهم . . لذلك نجد من الضروري - في ظلال القرآن - أن نتابع بالدقة تصوير هذه الآيات لهذه الحالة الخاصة التي ينطبق عليها ذلك الحكم الخاص:
إن الحالة التي تصورها هذه الآيات هي حالة فئة من الناس , قالوا:إنا نصارى . هم أقرب مودة للذين آمنوا: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون) . . فمنهم من يعرفون حقيقة دين النصارى فلا يستكبرون على الحق حين يتبين لهم . .
ولكن السياق القرآني لا يقف عند هذا الحد , ولا يدع الأمر مجهلا ومعمما على كل من قالوا:إنا نصارى . . إنما هو يمضي فيصور موقف هذه الفئة التي يعنيها:
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق , يقولون ربنا آمنا , فاكتبنا مع الشاهدين . وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق , ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين . .
فهذا مشهد حي يرتسم من التصوير القرآني لهذه الفئة من الناس , الذين هم أقرب مودة للذين آمنوا . . إنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول من هذا القرآن اهتزت مشاعرهم , ولانت قلوبهم , وفاضت أعينهم بالدمع تعبيرا عن التأثر العميق العنيف بالحق الذي سمعوه . والذي لا يجدون له في أول الأمر كفاء من التعبير إلا الدمع الغزير - وهي حالة معروفة في النفس البشرية حين يبلغ بها التأثر درجة أعلى من أن يفي بها القول , فيفيض الدمع , ليؤدي ما لا يؤديه القول ; وليطلق الشحنة الحبيسة من التأثر العميق العنيف .
ثم هم لا يكتفون بهذا الفيض من الدمع ; ولا يقفون موقفا سلبيا من الحق الذي تأثروا به هذا التأثر عند سماع القرآن ; والشعور بالحق الذي يحمله والإحساس بما له من سلطان . . إنهم لا يقفون موقف المتأثر الذي تفيض عيناه بالدمع ثم ينتهي أمره مع هذا الحق ! إنما هم يتقدمون ليتخذوا من هذا الحق موقفا إيجابيا صريحا . . موقف القبول لهذا الحق , والإيمان به , والإذعان لسلطانه , وإعلان هذا الإيمان وهذا الإذغان في لهجة قوية عميقة صريحة:
(يقولون:ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين . وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق , ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ?) . .
إنهم اولا يعلنون لربهم إيمانهم بهذا الحق الذي عرفوه . ثم يدعونه - سبحانه - أن يضمهم إلى قائمة الشاهدين لهذا الحق ; وأن يسلكهم في سلك الامة القائمة عليه في الأرض . . الأمه المسلمه , التي تشهد لهذا الدين بأنه الحق , وتؤدي هذه الشهادة بلسانها وبعملها وبحركتها لإقرار هذا الحق في حياة البشر . . فهؤلاء الشاهدون الجدد ينضمون إلى هذه الأمة المسلمة ; ويشهدون ربهم على إيمانهم بالحق الذي تتبعة هذة الأمة ; ويدعونه - سبحانه - أن يكتبهم في سجلها . .
ثم هم بعد ذلك يستنكرون على أنفسهم أن يعوقهم معوق عن الإيمان بالله ; أو أن يسمعوا هذا الحق ثم لايؤمنوا به , ولا يأملوا - بهذا الإيمان - أن يقبلهم ربهم , ويرفع مقامهم عنده , فيدخلهم مع القوم الصالحين:(وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق , ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ?) . .(1/34)
فهو موقف صريح قاطع تجاه ما أنزل الله إلى رسوله من الحق . . موقف الاستماع والمعرفة , ثم التأثر الغامر والإيمان الجاهر , ثم الإسلام والانضمام إلى الأمة المسلمة , مع دعاء الله - سبحانه - أن يجعلهم من الشاهدين لهذا الحق ; الذين يؤدون شهادتهم سلوكا وعملا وجهادا لإقراره في الأرض , والتمكين له في حياة الناس ثم وضوح الطريق ففي تقديرهم وتوحده ; بحيث لا يعودون يرون أنه يجوز لهم أن يمضوا إلا في طريق واحد:هو طريق الإيمان بالله , وبالحق الذي أنزله على رسوله , والأمل - بعد ذلك - في القبول عنده والرضوان .
ولا يقف السياق القرآني هنا عند بيان من هم الذين يعنيهم بأنهم أقرب مودة للذين آمنوا من الذين قالوا إنا نصارى ; وعند بيان سلوكهم في مواجهة ما أنزل الله الى الرسول صلى الله عليه وسلم من الحق ; وفي اتخاذ موقف إيجابي صريح , بالإيمان المعلن , والانضمام إلى الصف المسلم ; والاستعداد لأداء الشهادة بالنفس والجهد والمال ; والدعاء إلى الله أن يقبلهم في الصف الشاهد لهذا الحق على هذا النحو ; مع الطمع في أن يختم لهم بالانضمام إلى موكب الصالحين . . لا يقف السياق القرآني عند هذا الحد في بيان أمر هؤلاء الذين يقرر أنهم أقرب مودة للذين آمنوا . بل يتابع خطاه لتكملة الصورة , ورسم المصير الذي انتهوا إليه فعلا:
(فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين) . .
لقد علم الله صدق قلوبهم وألسنتهم ; وصدق عزيمتهم على المضى في الطريق ; وصدق تصميمهم على أداء الشهادة لهذا الدين الجديد الذي دخلوا فيه ; ولهذا الصف المسلم الذي اختاروه , واعتبارهم أن أداء هذه الشهادة - بكل تكاليفها في النفس والمال - منة يمن الله بها على من يشاء من عباده ; واعتبارهم كذلك أنه لم يعد لهم طريق يسلكونة إلا هذا الطريق الذي أعلنوا المضي فيه ; ورجاءهم في ربهم أن يدخلهم مع القوم الصالحين . .
لقد علم الله منهم هذا كله ; فقبل منهم قولهم وكتب لهم الجنة جزاء لهم ; وشهد لهم - سبحانه - بأنهم محسنون , وأنه يجزيهم جزاء المحسنين:(فأثابهم الله - بما قالوا - جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها . . وذلك جزاء المحسنين . .) .
والإحسان أعلى درجات الإيمان والإسلام . . والله - جل جلاله - قد شهد لهذا الفريق من الناس أنه من المحسنين .
هو فريق خاص محدد الملامح هذا الذي يقول عنه القرآن الكريم: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى) . .
هو فريق لا يستكبر عن الحق حين يسمعه , بل يستجيب له تلك الاستجابة العميقة الجاهرة الصريحة . وهو فريق لا يتردد في إعلان استجابته للإسلام , والانضمام للصف المسلم ; والانضمام إليه بصفة خاصة في تكاليف هذه العقيدة ; وهي أداء الشهادة لها بالاستقامة عليها والجهاد لإقرارها وتمكينها وهو فريق علم الله منه صدق قوله فقبله في صفوف المحسنين . .
ولكن السياق القرآني لا يقف عند هذا الحد في تحديد ملامح هذا الفريق المقصود من الناس الذين تجدهم أقرب مودة للذين آمنوا بل إنه ليمضي فيميزه من الفريق الآخر من الذين قالوا:إنا نصارى ممن يسمعون هذا الحق فيكفرون به ويكذبون , ولايستجيبون له , ولا ينضمون إلى صفوف الشاهدين:(والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) :. .
والمقصود قطعا بالذين كفروا وكذبوا في هذا الموضع هم الذين يسمعون - من الذين قالوا إنا نصارى - ثم لا يستجيبون . . والقرآن يسميهم الكافرين كلما كانوا في مثل هذا الموقف . سواء في ذلك اليهود والنصارى ; ويضمهم إلى موكب الكفار مع المشركين سواء ; ما داموا في موقف التكذيب لما أنزل الله على رسوله من الحق ; وفي موقف الامتناع عن الدخول في الإسلام الذي لا يقبل الله من الناس دينا سواه . . نجد هذا في مثل قول الله سبحانه:
(لم يكن الذين كفروا - من أهل الكتاب والمشركين - منفكين حتى تأتيهم البينة) . .
(إن الذين كفروا - من أهل الكتاب والمشركين - في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) .
(لقد كفر الذين قالوا:إن الله ثالث ثلاثة) . .
(لقد كفر الذين قالوا:إن الله هو المسيح ابن مريم) . .
(لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) . .
فهو تعبير مألوف في القرآن , وحكم معهود . . وهو يأتي هنا للتفرقة بين فريقين من الذين قالوا:إنا نصارى ; وللتفرقة بين موقف كل فريق منهما تجاه الذين آمنوا ; وللتفرقة كذلك بين مصير هؤلاء وأولئك عند الله . . هؤلاء لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين وأولئك أصحاب الجحيم . .
وليس كل من قالوا:إنهم نصارى إذن داخلين في ذلك الحكم: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا) . . كما يحاول أن يقول من يقتطعون آيات القرآن دون تمامها إنما هذا الحكم مقصور على حالة معينة لم يدع السياق القرآني أمرها غامضا , ولا ملامحها مجهلة , ولا موقفها متلبسا بموقف سواها في كثير ولا قليل . .
ولقد وردت روايات لها قيمتها في تحديد من هم النصارى المعنيون بهذا النص:
أورد القرطبي في تفسيره:"وهذه الآية نزلت في النجاشي وأصحابه , لما قدم عليهم المسلمون في الهجرة الأولى - حسب ما هو مشهور في سيرة ابن اسحاق وغيره - خوفا من المشركين وفتنتهم ; وكانوا ذوي عدد ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد ذلك فلم يقدروا على الوصول إليه , حالت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرب فلما كانت وقعة بدر وقتل الله فيها صناديد الكفار , قال كفارقريش:إن ثأركم بأرض الحبشة فأهدوا إلى النجاشي وابعثوا له برجلين من ذوي رأيكم يعطيكم من عنده , فتقتلونهم بمن قتل منكم ببدر . فبعث كفار قريش عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة بهدايا . فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك , فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري وكتب معه إلى النجاشي ; فقدم على النجاشي , فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين , وأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم . ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن , فقرأ سورة "مريم" فقاموا تفيض أعينهم من الدمع . فهم الذين أنزل الله فيهم: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى) وقرأ إلى(الشاهدين) [ رواه أبو داود . قال:حدثنا محمد بن مسلمة المرادي , قال:حدثنا ابن وهب . قال:أخبرني يونس عن ابن شهاب , عن أبي بكر عبدالرحمن بن الحرث بن هشام . وعن سعيد بن المسيب وعن عروة بن الزبير:أن الهجرة الأولى هجرة المسلمين إلى أرض الحبشة . وساق الحديث بطوله ] .(1/35)
"وذكر البيهقي عن ابن إسحاق قال:قدم على النبي صلى الله عليه وسلم عشرون رجلا وهو بمكة , أو قريب من ذلك , من النصارى حين ظهر خبره , من الحبشة , فوجدوه في المسجد , فكلموه وسألوه , ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة . فلما فرغوا من مسألتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا , دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل , وتلا عليهم القرآن . فلما سمعوه فاضت أعينهم من الدمع , ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه , وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره . فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا:خيبكم الله من ركب ! بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم فتأتونهم بخبر الرجل , فلم تطل مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال لكم , ما نعلم ركبا أحمق منكم - أو كما قال لهم - فقالوا:سلام عليكم لا نجاهلكم , لنا أعمالنا ولكم أعمالكم , لا نألو أنفسنا خيرا . . فيقال:إن النفر النصارى من أهل نجران . ويقال:إن فيهم نزلت هؤلاء الآيات:(الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) إلى قوله: (لا نبتغي الجاهلين) .
"وقيل:إن جعفرا وأصحابه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا عليهم ثياب الصوف , فيهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام وهم بحيراء الراهب وإدريس وأشرف وأبرهة وثمامة وقثم ودريد وأيمن . فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة "يس" إلى آخرها , فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا به , وقالوا:ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى فنزلت فيهم (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا , ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى) 00 يعني وفد النجاشي 0 وكانوا أصحاب الصوامع0 وقال سعيد بن جبير:وأنزل الله فيهم أيضا(الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) إلى قوله (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) إلى آخر الآية 0 وقال مقاتل والكلبي كانوا أربعين رجلا من أهل نجران من بني الحرث بن كعب , واثنين وثلاثين من الحبشة , وثمانية وستين من أهل الشام 0 وقال قتادة:نزلت في ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى , فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم آمنوا به فأثنى الله عليهم"
وهذا الذي نقرره في معنى هذا النص ; والذي يدل عليه السياق بذاته , وتؤيده هذه الروايات التي أسلفنا , هو الذي يتفق مع بقية التقريرات في هذه السورة وفي غيرها عن موقف أهل الكتاب عامة - اليهود والنصارى - من هذا الدين وأهله 0كما أنه هو الذي يتفق مع الواقع التاريخي الذي عرفته الأمة المسلمة خلال أربعة عشر قرنا .
إن السورة وحدة في اتجاهها وظلالها وجوها وأهدافها ; وكلام الله سبحانه لا يناقض بعضه بعضا0 (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرًا) . . وقد وردت في هذه السورة نفسها نصوص وتقريرات , تحدد معنى هذا النص الذي نواجهه هنا وتجلو 00 نذكر منها:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء , بعضهم أولياء بعض , ومن يتولهم منكم فإنه منهم , إن الله لا يهدي القوم الظالمين) . .
قل:يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم 0 وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا , فلا تأس على القوم الكافرين . .
كذلك جاء في سورة البقرة: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم 0 قل:إن هدى الله هو الهدى ; ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير . .
كذلك صدق الواقع التاريخي ما حذر الله الأمة المسلمة إياه ; من اليهود ومن النصارى سواء 0 وإذا كان الواقع التاريخي قد حفظ لليهود وقفتهم النكدة للإسلام منذ اليوم الأول الذي دخل فيه الإسلام عليهم المدينة ; في صورة كيد لم ينته ولم يكف حتى اللحظة الحاضرة ; وإذا كان اليهود لا يزالون يقودون الحملة ضد الإسلام في كل أرجاء الأرض اليوم في حقد خبيث وكيد لئيم 00 فإن هذا الواقع قد حفظ كذلك للنصارى الصليبيين أنهم اتخذوا من الإسلام موقف العداء منذ واقعة اليرموك بين جيش المسلمين وجيوش الروم - فيما عدا الحالات التي وقع فيها ما تصفه الآيات التي نحن بصددها فاستجابت قلوب للإسلام ودخلت فيه 0 وفيما عدا حالات أخرى آثرت فيها طوائف من النصارى أن تحتمي بعدل الإسلام من ظلم طوائف أخرى من النصارى كذلك ; يلاقون من ظلمها الوبال ! - أما التيار العام الذي يمثل موقف النصارى جملة فهو تلك الحروب الصليبية التي لم يخب أوارها قط - إلا في الظاهر - منذ التقى الإسلام والرومان على ضفاف اليرموك ! لقد تجلت أحقاد الصليبية على الإسلام وأهله في الحروب الصليبية المشهورة طوال قرنين من الزمان , كما تجلت في حروب الابادة التي شنتها الصليبية على الاسلام والمسلمين في الاندلس ر , ثم في حملات الاستعمار والتبشير على المماليك الإسلامية في إفريقية أولا , ثم في العالم كله أخيرا . .
ولقد ظلت الصهيونية العالمية والصليبة العالمية حليفتين في حرب الإسلام - على كل ما بينهما من أحقاد - ولكنهم كانوا في حربهم للإسلام كما قال عنهم العليم الخبير: (بعضهم أولياء بعض) حتى مزقوا دولة الخلافة الأخيرة 0 ثم مضوا في طريقهم ينقضون هذا الدين عروة عروة . وبعد أن أجهزوا على عروة(الحكم) ها هم أولاء يحاولون الإجهاز على عروة "الصلاة " !
ثم ها هم أولاء يعيدون موقف اليهود القديم مع المسلمين والوثنين 0 فيؤيدون الوثنية حيثما وجدت ضد الإسلام 0 عن طريق المساعدات المباشرة تارة , وعن طريق المؤسسات الدولية التي يشرفون عليها تارة أخرى ! وليس الصراع بين الهند وباكستان على كشمير وموقف الصليبية منها ببعيد .
وذلك فوق إقامة واحتضان وكفالة الأوضاع التي تتولى سحق حركات الإحياء والبعث الإسلامية في كل مكان على وجه الأرض . وإلباس القائمين بهذه الأوضاع أثواب البطولة الزائفة ودق الطبول من حولهم , ليستطيعوا الإجهاز على الإسلام , في زحمة الضجيج العالمي حول الأقزام الذين يلبسون أردية الأبطال !
هذا موجز سريع لما سجله الواقع التاريخي طوال أربعة عشر قرنا ; من موقف اليهودية والصليبية تجاه الإسلام ; لا فرق بين هذه وتلك ; ولا افتراق بين هذا المعسكر وذاك في الكيد للإسلام , والحقد عليه ,والحرب الدائبة التي لا تفتر على امتداد الزمان .
وهذا ما ينبغي أن يعيه الواعون اليوم وغدا ; فلا ينساقوا وراء حركات التمييع الخادعة أو المخدوعة ; التي تنظر إلى أوائل مثل هذا النص القرآني - دون متابعة لبقيته ; ودون متابعة لسياق السورة كله , ودون متابعة لتقريرات القرآن عامة , ودون متابعة للواقع التاريخي الذي يصدق هذا كله - ثم تتخذ من ذلك وسيلة لتخدير مشاعر المسلمين تجاه المعسكرات التي تضمر لهم الحقد وتبيت لهم الكيد ; الأمر الذي تبذل فيه هذه المعسكرات جهدها , وهي بصدد الضربة الأخيرة الموجهة إلى جذور العقيدة .
إن هذه المعسكرات لا تخشى شيئا أكثر مما تخشى الوعي في قلوب العصبة المؤمنة - مهما قل عددها وعدتها - فالذين ينيمون هذا الوعي هم أعدى أعداء هذه العقيدة . وقد يكون بعضهم من الفرائس المخدوعة ; ولكن ضررهم لا يقل - حينئذ - عن ضرر أعدى الأعداء , بل إنه ليكون أشد أذى وضرا .
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ; وهو لا يناقض بعضه بعضا , فلنقرأه إذن على بصيرة . .
-----------
وفي التفسير الوسيط :(1/36)
أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : بعث النجاشي وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا ، قال : فأنزل الله فيهم : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناس عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ اليهود } إلى آخر الآية . قال : فرجعوا إلى النجاشي فأخبروه فأسلم النجاشي فلم يزل مسلما حتى مات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة والنجاشي بالحبشه .
ثم قال ابن جرير بعد أن ساق روايات أخرى في سبب نزول هذه الآيات : والصواب في ذلك من القول عندي ، أن الله - تعالى - وصف صفة قوم قالوا : إنا نصارى ، وأن نبي الله صلى الله عليه وسلم يجدهم أقرب الناس مودة لأهل الإِيمان بالله ورسوله ، ولم يسم لنا أسماءهم وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحاب النجاشي ويجوز أن يكون أريد به قوم كانوا على شريعة عيسى فأدركهم الإِسلام فأسلموا ، لما سمعوا القرآن ، وعرفوا أنه الحق ، ولم يستكبروا عنه .
فقوله - تعالى - { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناس عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ اليهود والذين أَشْرَكُواْ } جملة مستأنفة لتقرير ما قبلها من آيات سجلت على اليهود كثيراً من الصفات القبيحة والمسالك الخبيثة .
وقد أكد - سبحانه - هذه الجملة بلا القسم اعتناء ببيان تحقق مضمونها ، والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم ويصح أن يكون لكل من يصلح للخطاب للإِيذان بأن حالهم لا تخفى على أحد من الناس .
والمعنى : أقسم لك يا محمد بأنك عند مخالطتك للناس ودعوتهم إلى الدين الحق ، ستجد أشدهم عداوة لك ولأتباعك فريقين منهم : وهما اليهود والذين أشركوا ، لأن عداوتهم منشؤها الحقد والحسد والعناد والغرور . وهذه الرذائل متى تمكنت في النفس حالت بينها وبين الهداية والإِيمان بالحق .
وقوله { أَشَدَّ الناس } مفعول أول لقوله { لتجدن } ومفعول الثاني { اليهود } وقوله { عداوة } تمييز .
قال الآلوسي : والظاهر أن المراد من اليهود العموم ، أي من كان منهم بحضرة الرسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود المدنية وغيرهم ويؤيده ما أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما خلا يهودي بمسلم إلا هم بقتله " وقيل المراد بهم يهود المدينة وفيه بعد ، وكما اختلف في عموم اليهود اختلف في عموم الذين أشركوا . والمراد من { الناس } كما قال أبو حيان - الكفار : أي لتجدن أشد الكفار عداوة هؤلاء .
ووصفهم - سبحانه - بذلك لشدة كفرهم ، وانهماكهم في اتباع الهوى ، وقربهم إلى التقليد ، وبعدهم عن التحقيق ، وتمرنهم على التمرد والاستعصاء على الأنبياء ، وقد قيل : إن من مذهب اليهود أنه يجب عليهم إيصال الشر إلى من يخالفهم في الدين بأي طريق كان وفي تقديم اليهود على المشركين إشعار بتقدمهم عليهم في العداوة .
وقوله : { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الذين قالوا إِنَّا نصارى } معطوف على ما قبله لزيادة التوضيح والبيان .
أي : لتجدن يا محمد أشد الناس عداوة لك ولأتباعك - اليهود - والذين أشركوا . ولتجدن أقربهم مودة ومحبة لك ولأتباعك الذين قالوا إنا نصارى .
قال ابن كثير : أي الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة للإِسلام وأهله في الجملة : وما ذاك إلا لما في قلوبهم - من لين عريكة - إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة ، كما قال - تعالى - { وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الذين اتبعوه رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً } وفي كتابهم : " من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر " وليس القتال مشروعا في ملتهم .
وقال الجمل : فإن قلت : كفر النصارى أشد من كفر اليهود لأن النصارى ينازعون في الألوهية فيدعون أن لله ولدا ، واليهود ينازعون في النبوة فينكرون نبوة بعض الأنبياء فلم ذم اليهود ومدح النصارى؟
قلت : هذا مدح في مقابلة ذم وليس مدحاً على إطلاقه ، وإيضاً الكلام في عداوة المسلمين وقرب مودتهم لا في شدة الكفر وضعفه .
وقوله : { ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } تعليل لقرب مودة النصارى للمؤمنين .
والقسيسين : جمع قسيس . وأصله من قس إذا تتبع الشيء فطلبه ، وهم علماء النصارى والمرشدون لهم .
والرهبان : جمع رابه كركبان جمع راكب وتطلق كلمة رهبان على المفرد كما تطلق على الجمع ، والراهب هو الرجل العابد الزاهد المنصرف عن الدنيا ، مأخوذ من الرهبة بمعنى الخوف . يقال : رهب فلان ربه يرهبه ، أي : خافه .
والمعنى : ولتجدن يا محمد أقرب الناس مودة لك ولأتباعك الذين قالوا إنا نصارى ، وذلك لأن من القسيسين الذين يرغبون في طلب العلم ويرشدون غيرهم إليه ، ومنهم الرهبان الذين تفرغوا لعبادة الله وانصرفوا عن ملاذ الدنيا وشهواتهم وأيضاً فلأن هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى من صفاتهم أنهم لا يستكبرون عن اتباع الحق والانقياد له إذا فهموه أو أنهم متواضعون وليسوا مغرورين أو متكبررين .
وفي ذلك تعريض باليهود والمشركين لأن غرورهم واتسكبارهم جعلهم ينصرفون عن الحق فاليهود يرون أنفسهم شعب الله المختار ، وأن النبوة يجب أن تكون فيهم والمشركون يرون أن النبوة يجب أن تكون في أغنيائهم وزعمائهم ، وقد حملهم هذا الغرور على الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنهم وجدوا أكثر أتباعه من الفقراء .
قال الآلوسي : وفي الآية دليل على أن صفات التواضع والإِقبال على العلم والعمل والإِعراض عن الشهوات محمودة أينما كانت .
ثم حكى - سبحانه - ما كان منهم عند سماعهم لما أنزل الله - تعالى - على رسوله من هدايات فقال : { وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق } والمراد بالرسول : محمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل إليه : القرآن الكريم .
والجملة الكريمة معطوفة على قوله؛ { وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } والضمير في قوله { سَمِعُواْ } يعود على الذين قالوا إنا نصارى بعد أن عرفوا الحق وآمنوا به .
أي ، أن من صفات هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى زيادة على ما تقدم ، أنهم إذا سمعوا ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن تأثرت قلوبهم . وخشعت نفوسهم وسالت الدموع من أعينهم بغزرة وكثرة من أجل ما عرفوه من الحق الذي بينه لهم القرآن الكريم بعد أن كانوا غافلين عنه .
وفي التعبير عنهم بقوله : { ترى } الدالة على الرؤية البصرية والتي هي أقوى أسباب العلم الحسي ، مبالغة في مدحهم ، حيث يراهم الرائي وهم على تلك الصورة من رقة القلب وشدة التأثر عند سماع الحق .
فلقد كانوا يحسون أنهم في ظلام وضلال فلما سمعوا الحق أشرقت له نفوسهم ودخلوا في نوره وهدايته وأعينهم تتدفق بالدموع من شدة تأثرهم به وحبهم له .
وقوله { تَفِيضُ } من الفيض وهو انصباب عن امتلاء : يقال فاض الإِناء إذا امتلأ حين سال من جوانبه .
وقد أجاد صاحب الكشاف في تصوير هذا المعنى فقال : فإن قلت : ما معنى قوله : { تَفِيضُ مِنَ الدمع } قلت : معناه تمتلئ من الدمع حتى تفيض ، لأن الفيض أن يمتلئ الإِناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه . فوضع الفيض الذي هو من الامتلاء موضع الامتلاء وهو من إقامة المسببب مقام السبب ، أو قصدت المبالغة في وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها . أي : تسيل من الدمع من أجل البكاء من قولك : دمعت عينه دمعا .(1/37)
فإن قلت : أي فرق بين من ومن في قوله : { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق } ؟ قلت : الأولى لابتداء الغاية على أن فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق وكان من أجله وبسببه ، والثانية لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا وتحتمل معنى التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق ، فأبكاهم وبلغ منهم فكيف إذا عرفوه كله وقرأوا القرآن وأحاطوا بالسنة؟
ثم حكى - سبحانه - ما قالوه بعد سماعهم للحق فقال : { يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فاكتبنا مَعَ الشاهدين } .
أي : يقولون بعد أن سمعوا الحق : يا ربنا إننا آمنا بما سمعنا إيمانا صادقا فاكتبنا مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي آمنت به وشهدت بصدق رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وبصدق كل رسول أرسلته إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور .
ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك عنهم ما علمه منهم من إصرارهم على الدخول في الدين الحق ، فقال . { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بالله وَمَا جَآءَنَا مِنَ الحق وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القوم الصالحين } . فالآية الكريمة من تتمة قولهم .
والاستفهام هنا لإِنكار انتفاء الإِيمان منهم مع قيام موجباته ، وظهور أماراته ووضوح أدلته وشواهده .
والمعنى : وأي مانع يمنعنا من الإِيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد ، وبما جاءنا على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من قرآن يهدي إلى الرشد ومن توجيهات توصل إلى السعادة ونحن نطمع أن يدخلنا ربنا - بسبب إيماننا - مع القوم الذين صلحت أنفسهم بالعقيدة السليمة ، وبالعبادات الصحيحة وبالإخلاق الفاضلة وهم أتباع هذا النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم فأنت تراهم بعد أن استمعوا إلى القرآن تأثرت نفوسهم به تأثراً شديداص فاضت معه أعينهم بالدمع . ثم بعد ذلك التمسوا من الله - تعالى - أن يكتبهم مع الأمة الإِسلامية التي تشهد على غيرها يوم القيامة . ثم بعد ذلك استنكروا واستبعدوا أن يعوقهم معوق عن الإِيمان الصحيح مع قيام موجباته . وهذا كله يدل على صفاء نفوسهم وطهارة قلوبهم ومسارعتهم إلى قبول الحق عند ظهوره بدون تردد أو تقاعس :
وقولهم - كما حكى القرآن عنهم - { وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا } يدل على قوة إيمانهم ، ' وصدق يقينهم ، لأنهم مع هذا الإِقبال الشديد على الدين الحق والمسارعة إلى العمل الصالح ، لم يجزموا بحسن عاقبتهم ، بل التمسوا من الله - تعالى - الطمع في مغفرته ، وفي أن يجعلهم مع القوم الصالحين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وهكذا المؤمن الصادق يستصغر عمله بجانب فضل الله ونعمه ، ويقف من جزائه وثوابه - سبحانه - موقف الخوف والرجاء .
ولقد كان ما أعده الله - تعالى - لهؤلاء الأصفياء من ثواب شيئاً عظيماً ، عبر عنه - سبحانه - بقوله : { فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وذلك جَزَآءُ المحسنين } .
أي : فكافأهم الله - تعالى - بسبب أقوالهم الطيبة الدالة على إيمانهم وإخلاصهم ، جنات تجري من تحت بساتينها وأشجارها الأنهار { خَالِدِينَ فِيهَا } أي : باقين في تلك الجنات بقاء لا موت معه ، { جَزَآءُ المحسنين } أي : المؤمنين المخلصين في أقوالهم وأعمالهم .
والمراد بقوله : { بِمَا قَالُواْ } : ما سبق أن حكاه عنهم - سبحانه - من قولهم : { رَبَّنَآ آمَنَّا فاكتبنا مَعَ الشاهدين } ورتب الثواب المذكور على القول : لأنه قد سبق وصفهم بما يدل على إخلاصهم ، وعلى صدق يقينهم ، والقول إذا اقترن بذلك فهو الإِيمان .
قال الآلوسي : قوله { فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ } أي بسبب قولهم أو بالذي قالوه عن اعتقاد ، فإن القول إذا لم يقيد بالخلو عن الاعتقاد يكون المراد به المقارن له ، كما إذا قيل : هذا قول فلان ، لأن القول إنما يصدر عن صاحبه لإِفادة الاعتقاد .
وقيل : إن القول هنا مجاز عن الرأي والاعتقاد والمذهب كما يقال : هذا قول الإمام الأعظم أي : هذا مذهبه واعتقاده .وذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد بهذا القول قولهم : { رَبَّنَآ آمَنَّا } وقولهم { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ } .
وقد بينت هذه الآية الكريمة أنه - سبحانه - قد أجابهم إلى ما طلبوا ، بل أكبر مما طلبوا فقد كانوا يطمعون في أن يكونوا مع القوم الصالحين ، وأن يكتبهم مع الشاهدين . فأعطاهم - سبحانه - جنات تجري من تحتها الأنهار . وسماهم محسنين . والإِحسان أعلى درجات الإِيمان ، وأكرم أوصاف المتقين .
هذا جزاء الذين سمعوا ما أنزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فآمنوا به ، وقالوا ما قالوا مما يشهد بصفاء نفوسهم . أما الذين سمعوا فأعرضوا وجحدوا فقد بين - سبحانه - مصيرهم السيء بقوله : { والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أولئك أَصْحَابُ الجحيم } .
أي : والذين كفروا وجحدوا الحق الذي جاءهم ، و كذبوا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وصدق رسلنا فأولئك أصحاب الجحيم ، أي : النار الشديدة الاتقاد . يقال : جحم فلان النار إذا شدد إيقادها .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد مدحت أولئك الذين قالوا إنا نصارى ، لأنهم تأثروا بالقرآن عند سماعه فدخلوا في الدين الحق بسرعة ورغبة ، فأكرمهم الله غاية الإِكرام ، وهذا ينطبق على كل نصراني ينهج نهجهم ، ويسلك مسلكهم ، فيدخل في الدين الحق كما دخل هؤلاء المحسنون .
أما الذين كفروا وكذبوا بآيات الله وحججه فأولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير .
-----------
وقال السعدي :
يقول تعالى في بيان أقرب الطائفتين إلى المسلمين، وإلى ولايتهم ومحبتهم، وأبعدهم من ذلك: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم، وذلك لشدة بغضهم لهم، بغيا وحسدا وعنادا وكفرا.
{ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } وذكر تعالى لذلك عدة أسباب:
منها: أن { مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } أي: علماء متزهدين، وعُبَّادًا في [ ص 242 ] الصوامع متعبدين. والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه، ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة، فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود، وشدة المشركين.
ومنها: { أنهم لا يَسْتَكْبِرُونَ } أي: ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق، وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم، فإن المتواضع أقرب إلى الخير من المستكبر. ومنها: أنهم { إذا سَمِعُوا مَا أُنزلَ إِلَى الرَّسُولِ } محمد صلى الله عليه وسلم، أثر ذلك في قلوبهم وخشعوا له، وفاضت أعينهم بسبب ما سمعوا من الحق الذي تيقنوه، فلذلك آمنوا وأقروا به فقالوا: { رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يشهدون لله بالتوحيد، ولرسله بالرسالة وصحة ما جاءوا به، ويشهدون على الأمم السابقة بالتصديق والتكذيب.
وهم عدول، شهادتهم مقبولة، كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } .(1/38)
فكأنهم ليموا على إيمانهم ومسارعتهم فيه، فقالوا: { وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ } أي: وما الذي يمنعنا من الإيمان بالله، والحال أنه قد جاءنا الحق من ربنا، الذي لا يقبل الشك والريب، ونحن إذا آمنا واتبعنا الحق طمعنا أن يدخلنا الله الجنة مع القوم الصالحين، فأي مانع يمنعنا؟ أليس ذلك موجبا للمسارعة والانقياد للإيمان وعدم التخلف عنه.
قال الله تعالى: { فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا } أي: بما تفوهوا به من الإيمان ونطقوا به من التصديق بالحق { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } وهذه الآيات نزلت في النصارى الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كالنجاشي وغيره ممن آمن منهم. وكذلك لا يزال يوجد فيهم من يختار دين الإسلام، ويتبين له بطلان ما كانوا عليه، وهم أقرب من اليهود والمشركين إلى دين الإسلام.
ولما ذكر ثواب المحسنين، ذكر عقاب المسيئين قال: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } لأنهم (1) كفروا بالله، وكذبوا بآياته المبينة للحق.
================
ثانيا- ماذا طلب الله تعالى منا إزاء أهل الكتاب ؟
1- تحريم طاعة أهل الكتاب :
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) سورة آل عمران
وفي الظلال :
لقد جاءت هذه الأمة المسلمة لتنشىء في الأرض طريقها على منهج الله وحده , متميزة متفردة ظاهرة . لقد انبثق وجودها ابتداء من منهج الله ; لتؤدي في حياة البشر دورا خاصا لا ينهض به سواها . لقد وجدت لإقرار منهج الله في الأرض , وتحقيقه في صورة عملية , ذات معالم منظورة , تترجم فيها النصوص إلى حركات وأعمال , ومشاعر وأخلاق , وأوضاع وارتباطات .
وهي لا تحقق غاية وجودها , ولا تستقيم على طريقها , ولا تنشىء في الأرض هذه الصورة الوضيئة الفريدة من الحياة الواقعية الخاصة المتميزة , إلا إذا تلقت من الله وحده , وإلا إذا تولت قيادة البشرية بما تتلقاه من الله وحده . قيادة البشرية . . لا التلقي من أحد من البشر , ولا اتباع أحد من البشر , ولا طاعة أحد من البشر . . إما هذا وإما الكفر والضلال والانحراف . .
هذا ما يؤكده القرآن ويكرره في شتى المناسبات . وهذا ما يقيم عليه مشاعر الجماعة المسلمة وأفكارها وأخلاقها كلما سنحت الفرصة . . وهنا موضع من هذه المواضع , مناسبته هي المناظرة مع أهل الكتاب , ومواجهة كيدهم وتآمرهم على الجماعة المسلمة في المدينة . . ولكنه ليس محدودا بحدود هذه المناسبة , فهو التوجيه الدائم لهذه الأمة , في كل جيل من أجيالها . لأنه هو قاعدة حياتها , بل قاعدة وجودها .
لقد وجدت هذه الأمة لقيادة البشرية . فكيف تتلقى إذن من الجاهلية التي جاءت لتبدلها ولتصلها بالله , ولتقودها بمنهج الله ? وحين تتخلى عن مهمة القيادة فما وجودها إذن , وليس لوجودها - في هذه الحال - من غاية ?!
لقد وجدت للقيادة:قيادة التصور الصحيح . والاعتقاد الصحيح . والشعور الصحيح . والخلق الصحيح . والنظام الصحيح . والتنظيم الصحيح . . وفي ظل هذه الأوضاع الصحيحة يمكن أن تنمو العقول , وأن تتفتح , وأن تتعرف إلى هذا الكون , وأن تعرف أسراره , وأن تسخر قواه وطاقاته ومدخراته . . ولكن القيادة الأساسية التي تسمح بهذا كله وتسيطر على هذا كله , وتوجهه لخير البشر لا لتهديدهم بالخراب والدمار , ولا لتسخيره في المآرب والشهوات . . ينبغي أن تكون للإيمان , وأن تقوم عليها الجماعة المسلمة , مهتدية فيها بتوجيه الله . لا بتوجيه أحد من عبيد الله .
وهنا في هذا الدرس يحذر الأمة المسلمة من اتباع غيرها , ويبين لها كذلك طريقها لإنشاء الأوضاع الصحيحة وصيانتها . ويبدأ بتحذيرها من اتباع أهل الكتاب , وإلا فسيقودونها إلى الكفر لا مناص .
(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين . وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ? ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) . .
إن طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم , واقتباس مناهجهم وأوضاعهم , تحمل ابتداء معنى الهزيمة الداخلية , والتخلي عن دور القيادة الذي من أجله أنشئت الأمة المسلمة . كما تحمل معنى الشك في كفاية منهج الله لقيادة الحياة وتنظيمها والسير بها صعدا في طريق النماء والارتقاء . وهذا بذاته دبيب الكفر في النفس , وهي لا تشعر به ولا ترى خطره القريب .
هذا من جانب المسلمين . فأما من الجانب الآخر , فأهل الكتاب لا يحرصون على شيء حرصهم على إضلال هذه الأمة عن عقيدتها . فهذه العقيدة هي صخرة النجاة ; وخط الدفاع , ومصدر القوة الدافعة للأمة المسلمة . وأعداؤه يعرفون هذا جيدا . يعرفونه قديما ويعرفونه حديثا , ويبذلون في سبيل تحويل هذه الأمة عن عقيدتها كل ما في وسعهم من مكر وحيلة , ومن قوة كذلك وعدة . وحين يعجزهم أن يحاربوا هذه العقيدة ظاهرين يدسون لها ماكرين . وحين يعييهم أن يحاربوها بأنفسهم وحدهم , يجندون من المنافقين المتظاهرين بالإسلام , أو ممن ينتسبون - زورا - للإسلام , جنودا مجندة , لتنخر لهم في جسم هذه العقيدة من داخل الدار , ولتصد الناس عنها , ولتزين لهم مناهج غير منهجها , وأوضاعا غير أوضاعها , وقيادة غير قيادتها . .
فحين يجد أهل الكتاب من بعض المسلمين طواعية واستماعا واتباعا , فهم ولا شك سيستخدمون هذا كله في سبيل الغاية التي تؤرقهم , وسيقودونهم ويقودون الجماعة كلها من ورائهم إلى الكفر والضلال .
ومن ثم هذا التحذير الحاسم المخيف:
(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) . .وما كان يفزع المسلم - حينذاك - ما يفزعه أن يرى نفسه منتكسا إلى الكفر بعد الإيمان . وراجعا إلى النار بعد نجاته منها إلى الجنة . وهذا شأن المسلم الحق في كل زمان ومن ثم يكون هذا التحذير بهذه الصورة سوطا يلهب الضمير , ويوقظه بشدة لصوت النذير . . ومع هذا فإن السياق يتابع التحذير والتذكير . . فيا له من منكر أن يكفر الذين آمنوا بعد إيمانهم , وآيات الله تتلى عليهم , ورسوله فيهم . ودواعي الإيمان حاضرة , والدعوة إلى الإيمان قائمة , ومفرق الطريق بين الكفر والإيمان مسلط عليه هذا النور:
(وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ?)
أجل . إنها لكبيرة أن يكفر المؤمن في ظل هذه الظروف المعينة على الإيمان . . وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استوفى أجله , واختار الرفيق الأعلى , فإن آيات الله باقية , وهدى رسوله صلى الله عليه وسلم باق . . ونحن اليوم مخاطبون بهذا القرآن كما خوطب به الأولون , وطريق العصمة بين , ولواء العصمة مرفوع:
(ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) . .
أجل . إنه الاعتصام بالله يعصم . والله سبحانه باق . وهو - سبحانه - الحي القيوم .(1/39)
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتشدد مع أصحابه - رضوان الله عليهم - في أمر التلقي في شأن العقيدة والمنهج , بقدر ما كان يفسح لهم في الرأي والتجربة في شؤون الحياة العملية المتروكة للتجربة والمعرفة , كشؤون الزرع , وخطط القتال , وأمثالها من المسائل العملية البحتة التي لا علاقة لها بالتصور الاعتقادي , ولا بالنظام الاجتماعي , ولا بالارتباطات الخاصة بتنظيم حياة الإنسان . . وفرق بين هذا وذلك بين . فمنهج الحياة شيء , والعلوم البحتة والتجريبية والتطبيقية شيء آخر . والإسلام الذي جاء ليقود الحياة بمنهج الله , هو الإسلام الذي وجه العقل للمعرفة والانتفاع بكل إبداع مادي في نطاق منهجه للحياة . .
قال الإمام أحمد:" حدثنا عبد الرازق , أنبأنا سفيان , عن جابر , عن الشعبي , عن عبد الله بن ثابت . قال:جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله . إني أمرت بأخ يهودي من بني قريظة , فكتب لي جوامع من التوراة . ألا أعرضها عليك ? قال:فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن ثابت:قلت له:ألا ترى ما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ? فقال عمر:رضيت بالله ربا , وبالإسلام دينا , وبمحمد رسولا . قال:فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال:" والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى - عليه السلام - ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم . إنكم حظي من الأمم , وأنا حظكم من النبيين " .
وقال الحافظ أبو يعلى:حدثنا حماد عن الشعبي عن جابر . قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء . فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا . وإنكم إما أن تصدقوا بباطل , وإما أنتكذبوا بحق . وإنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني " . . وفي بعض الأحاديث:" لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي " . .
هؤلاء هم أهل الكتاب . وهذا هو هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في التلقي عنهم في أي أمر يختص بالعقيدة والتصور , أو بالشريعة والمنهج . . ولا ضير - وفق روح الإسلام وتوجيهه - من الانتفاع بجهود البشر كلهم في غير هذا من العلوم البحتة , علما وتطبيقا . . مع ربطها بالمنهج الإيماني:من ناحية الشعور بها , وكونها من تسخير الله للإنسان . ومن ناحية توجيهها والانتفاع بها في خير البشرية , وتوفير الأمن لها والرخاء . وشكر الله على نعمة المعرفة ونعمة تسخير القوى والطاقات الكونية . شكره بالعبادة , وشكره بتوجيه هذه المعرفة وهذا التسخير لخير البشرية . .
فأما التلقي عنهم في التصور الإيماني , وفي تفسير الوجود , وغاية الوجود الإنساني . وفي منهج الحياة وأنظمتها وشرائعها , وفي منهج الأخلاق والسلوك أيضا . . أما التلقي في شيء من هذا كله , فهو الذي تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأيسر شيء منه . وهو الذي حذر الله الأمة المسلمة عاقبته . وهي الكفر الصراح . .
هذا هو توجيه الله - سبحانه - وهذا هو هدى رسوله صلى الله عليه وسلم فأما نحن الذين نزعم أننا مسلمون , فأرانا نتلقى في صميم فهمنا لقرآننا وحديث نبينا صلى الله عليه وسلم عن المستشرقين وتلامذة المستشرقين ! وأرانا نتلقى فلسفتنا وتصوراتنا للوجود والحياة من هؤلاء وهؤلاء , ومن الفلاسفة والمفكرين:الإغريق والرومان والأوروبيين والأمريكان ! وأرانا نتلقى نظام حياتنا وشرائعنا وقوانيننا من تلك المصادر المدخولة ! وأرانا نتلقى قواعد سلوكنا وآدابنا وأخلاقنا من ذلك المستنقع الآسن , الذي انتهت إليه الحضارة المادية المجردة من روح الدين . . أي دين . . ثم نزعم - والله - أننا مسلمون ! وهو زعم إثمه أثقل من إثم الكفر الصريح . فنحن بهذا نشهد على الإسلام بالفشل والمسخ . حيث لا يشهد عليه هذه الشهادة الآثمة من لا يزعمون - مثلنا - أنهم مسلمون !
إن الإسلام منهج . وهو نهج ذو خصائص متميزة:من ناحية التصور الاعتقادي , ومن ناحية الشريعة المنظمة لارتباطات الحياة كلها . ومن ناحية القواعد الأخلاقية , التي تقوم عليها هذه الارتباطات , ولا تفارقها , سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية . وهو منهج جاء لقيادة البشرية كلها . فلا بد أن تكون هناك جماعة من الناس تحمل هذا المنهج لتقود به البشرية . ومما يتناقض مع طبيعة القيادة - كما أسلفنا - أن تتلقى هذه الجماعة التوجيهات من غير منهجها الذاتي . .
ولخير البشرية جاء هذا المنهج يوم جاء . ولخير البشرية يدعو الدعاة لتحكيم هذا المنهج اليوم وغدا . بل الأمر اليوم الزم , والبشرية بمجموعها تعاني من النظم والمناهج التي انتهت إليها ما تعاني . وليس هناك منقذ إلا هذا المنهج الإلهي , الذي يجب أن يحتفظ بكل خصائصه كي يؤدي دوره للبشرية وينقذها مرة أخرى .
لقد أحرزت البشرية انتصارات شتى في جهادها لتسخير القوى الكونية . وحققت في عالم الصناعة والطب ما يشبه الخوارق - بالنسبة للماضي - وما تزال في طريقها إلى انتصارات جديدة . . ولكن ما أثر هذا كله في حياتها ? ما أثره في حياتها النفسية ? هل وجدت السعادة هل وجدت الطمأنينة ? هل وجدت السلام ? كلا ! لقد وجدت الشقاء والقلق والخوف . . والأمراض العصبية والنفسية , والشذوذ والجريمة على أوسع نطاق ! . . إنها لم تتقدم كذلك في تصور غاية الوجود الإنساني وأهداف الحياة الإنسانية . . وحين تقاس غاية الوجودالإنساني وأهداف الحياة الإنسانية في ذهن الرجل المتحضر المعاصر , إلى التصور الإسلامي في هذا الجانب , تبدو هذه الحضارة في غاية القزامة ! بل تبدو لعنة تحط من تصور الإنسان لنفسه ومقامه في هذا الوجود , وتسفل به , وتصغر من اهتماماته ومن أشواقه ! . . والخواء يأكل قلب البشرية المكدود , والحيرة تهد روحها المتعبة . . إنها لا تجد الله . . لقد أبعدتها عنه ملابسات نكدة . والعلم الذي كان من شأنه , لو سار تحت منهج الله , أن يجعل من كل انتصار للبشرية في ميدانه خطوة تقربها من الله , هو ذاته الذي تبعد به البشرية أشواطا بسبب انطماس روحها ونكستها . . إنها لا تجد النور الذي يكشف لها غاية وجودها الحقيقية فتنطلق إليها مستعينة بهذا العلم الذي منحه الله لها ووهبها الاستعداد له . ولا تجد المنهج الذي ينسق بين حركتها وحركة الكون , وفطرتها وفطرة الكون , وقانونها وناموس الكون . ولا تجد النظام الذي ينسق بين طاقاتها وقواها , وآخرتها ودنياها , وأفرادها وجماعاتها , وواجباتها وحقوقها . . تنسيقا طبيعيا شاملا مريحا . .
وهذه البشرية هي التي يعمل ناس منها على حرمانها من منهج الله الهادي . وهم الذين يسمون التطلع إلى هذا المنهج "رجعية ! " ويحسبونه مجرد حنين إلى فترة ذاهبة من فترات التاريخ . . وهم بجهالتهم هذه أو بسوء نيتهم يحرمون البشرية التطلع إلى المنهج الوحيد الذي يمكن أن يقود خطاها إلى السلام والطمأنينة , كما يقود خطاها إلى النمو والرقي . . ونحن الذين نؤمن بهذا المنهج نعرف إلى ماذا ندعو . إننا نرى واقع البشرية النكد , ونشم رائحة المستنقع الآسن الذي تتمرغ فيه . ونرى . نرى هنالك على الأفق الصاعد راية النجاة تلوح للمكدودين في هجير الصحراء المحرق , والمرتقى الوضيء النظيف يلوح للغارقين في المستنقع ; ونرى أن قيادة البشرية إن لم ترد إلى هذا المنهج فهي في طريقها إلى الارتكاس الشائن لكل تاريخ الإنسان , ولكل معنى من معاني الإنسان !(1/40)
وأولى الخطوات في الطريق أن يتميز هذا المنهج يتفرد , ولا يتلقى أصحابه التوجيه من الجاهلية الطامة من حولهم . . كيما يظل المنهج نظيفا سليما . إلى أن يأذن الله بقيادته للبشرية مرة أخرى . والله أرحم بعباده أن يدعهم لأعداء البشر , الداعين إلى الجاهلية من هنا ومن هناك ! . . وهذا ما أراد الله سبحانه أن يلقنه للجماعة المسلمة الأولى في كتابه الكريم ; وما حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمها إياه في تعليمه القويم . .
---------------
وفي التفسير الوسيط :
المعنى : إنكم أيها المؤمنون إن استمعتم إلى ما يلقيه بعض أهل الكتاب بينكم من دسائس ولنتم لهم ، لا يكتفون بإيقاع العداوة بينكم كما فى الجاهلية ، بل يتجاوزون ذلك إلى محاولتهم إعادتكم إلى وثنيتكم القديمة وكفركم بالله بعد إيمانكم .
وقد خاطب الله المؤمنين بذاته فى هذه الآية بعد أن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخاطب أهل الكتاب فى الآيتين السابقتين ، إظهارا لجلالة قدرهم ، وأشعارا بأنهم الأحقاء بالمخاطبة من الله - تعالى - .
وناداهم بصفة الإيمان لتحريك حرارة العقيدة فى قلوبهم وتوجيه عقولهم إلى ما يستدعيه الإيمان من فطنة ويقظة فالمؤمن ليس خبا ولكن لاخب لا يخدعه .
وفى التعبير " بأن " فى قوله : { إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً } إشارة إلى أن طاعتهم لليهود ليست متوقعة ، لأن إيمانهم يمنعهم من ذلك .
ووصف - سبحانه - الذين يحاولون الوقيعة بين المؤمنين بأنهم فريق من الذين أوتوا الكتاب ، إنصافا لمن لم يفعل ذلك منهم .
ونعتهم بأنهم { أُوتُواْ الكتاب } للإشعار بأن تضليلهم ، متعمد وبأن تآمرهم على المؤمنين مقصود ، فهم أهل كتاب وعلم ، ولكنهم استعملوا عملهم فى الشرور والآثام .
وقوله : { يَرُدُّوكُم } أصل الرد الصرف والإرجاع ، إلا أنه هنا مستعار لتغير الحال بعد المخالطة فيفيد معنى التصيير كقول الشاعر :
فرد شعورهن السود بيضاً ... ورد وجوههن البيض سوداً
أى : يصيروكم بعد إيمانكم كافرين : والكاف مفعوله الأول وكافرين مفعوله الثاني .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - فى آية آخرى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحق } ثم بين القرآن بعد ذلك أنه ما يسوغ للمؤمنين أن يطيعوا هذا الفريق من الذين أوتوا الكتاب ، أو أ ، يكفروا بعد إيمانهم ، أو أن يتفرقوا بعد وحدتهم فقال - تعالى - : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تتلى عَلَيْكُمْ آيَاتُ الله وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } ، الاستفهام فى قوله : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ } للانكار ، ولاستبعاد كفرهم فى حال اجتمع لهم فيها كل الأسباب الداعية إلى الإيمان .أى : كيف يتصور منكم الكفر ، أو يسوغ لكم أن تسيروا فى أسبابه وآيات الله تقرا على مسامعكم غضة طرية صباح مساء ، ورسول الله صلى الله عليكم وسلم بين ظهرانيكم ، يردكم إلى الصواب إن أخطأتم ، ويزيح شبهكم إن التبس عليكم أمر .
وفى هذا ما يومىء إلى إلقاء اليأس فى قلوب هذا الفريق من اليهود من أن يصلوا إلى ما يبغونه بين المؤمنين فى وقت يذكر النبى صلى الله عليه وسلم المؤمنين بما ينفعهم؛ ويحذرهم مما يؤذيهم ويضرهم .
وفى توجيه الإنكار والاستبعاد إلى كيفية الكفر مبالغة ، لأن كل موجود لا بد أن يكون وجوده على حال من الأحوال ، فإذا أنكر ونفى فى جميع الأحوال انتفى وجوده بالكلية بالطريق البرهانى .
وقوله : { وَأَنْتُمْ تتلى عَلَيْكُمْ آيَاتُ الله وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } جملتان حاليتان من فاعل { تَكْفُرُونَ } وهو ضمير الجماعة . وهاتان الجملتان هما محط الانكار والاستبعاد .
أى أن كلا تلاوة آيات الله وإقامة الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم ، وازع لهم عن الكفر ، ودافع لهم إلى التمسك بعرى الإيمان .
ففى الآية الكريمة دلالة على عظمة قدر الصحابة ، وأن لهم وازعين عن مواقعة الضلال : سماع القرآن ، ومشاهدة أنوار الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن وجوده عصمة من ضلالهم .
قال قتادة : أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد مضى إلى رحمة الله ، وأما الكتاب فباق على وجه الدهر .
-------------
وقال السعدي :
لقد حذر عباده المؤمنين منهم لئلا يمكروا بهم من حيث لا يشعرون، فقال: { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } وذلك لحسدهم وبغيهم عليكم، وشدة حرصهم على ردكم عن دينكم، كما قال تعالى: { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } .
ثم ذكر تعالى السبب الأعظم والموجب الأكبر لثبات المؤمنين على إيمانهم، وعدم تزلزلهم عن إيقانهم، وأن ذلك من أبعد الأشياء، فقال: { وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله } أي: الرسول بين أظهركم يتلو عليكم آيات ربكم كل وقت، وهي الآيات البينات التي توجب القطع بموجبها والجزم بمقتضاها وعدم الشك فيما دلت عليه بوجه من الوجوه، خصوصا والمبين لها أفضل الخلق وأعلمهم وأفصحهم وأنصحهم وأرأفهم بالمؤمنين، الحريص على هداية الخلق وإرشادهم بكل طريق يقدر عليه، فصلوات الله وسلامه عليه، فلقد نصح وبلغ البلاغ المبين، فلم يبق في نفوس القائلين مقالا ولم يترك لجائل في طلب الخير مجالا ثم أخبر أن من اعتصم به فتوكل عليه وامتنع بقوته ورحمته عن كل شر، واستعان به على كل خير { فقد هدي إلى صراط مستقيم } موصل له إلى غاية المرغوب، لأنه جمع بين اتباع الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله وبين الاعتصام بالله.
=============
2-الصبر على الأذى إذا كنا ضعفاء :
قال تعالى : {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (186) سورة آل عمران
وفي الظلال :
إنها سنة العقائد والدعوات . لا بد من بلاء , ولا بد من أذى في الأموال والأنفس , ولا بد من صبر ومقاومة واعتزام .
إنه الطريق إلى الجنة . وقد حفت الجنة بالمكاره . بينما حفت النار بالشهوات .
ثم إنه هو الطريق الذي لا طريق غيره , لإنشاء الجماعة التي تحمل هذه الدعوة , وتنهض بتكاليفها . طريق التربية لهذه الجماعة ; وإخراج مكنوناتها من الخير والقوة والاحتمال . وهو طريق المزاولة العملية للتكاليف ; والمعرفة الواقعية لحقيقة الناس وحقيقة الحياة .
ذلك ليثبت على هذه الدعوة أصلب أصحابها عودا . فهؤلاء هم الذين يصلحون لحملها إذن والصبر عليها . فهم عليها مؤتمنون .
وذلك لكي تعز هذه الدعوة عليهم وتغلو , بقدر ما يصيبهم في سبيلها من عنت وبلاء , وبقدر ما يضحون في سبيلها من عزيز وغال . فلا يفرطوا فيها بعد ذلك , مهما تكن الأحوال .
وذلك لكي يصلب عود الدعوة والدعاة . فالمقاومة هي التي تستثير القوى الكامنة , وتنميها وتجمعها وتوجهها . والدعوة الجديدة في حاجة إلى استثارة هذه القوى لتتأصل جذورها وتتعمق ; وتتصل بالتربة الخصبة الغنية في أعماق الفطرة . .(1/41)
وذلك لكي يعرف أصحاب الدعوة حقيقتهم هم أنفسهم ; وهم يزاولون الحياة والجهاد مزاولة عملية واقعية . ويعرفوا حقيقة النفس البشرية وخباياها . وحقيقة الجماعات والمجتمعات . وهم يرون كيف تصطرع مبادىء دعوتهم , مع الشهوات في أنفسهم وفي أنفس الناس . ويعرفون مداخل الشيطان إلى هذه النفوس , ومزالق الطريق , ومسارب الضلال !
ثم . . لكي يشعر المعارضون لها في النهاية أنه لا بد فيها من خير , ولا بد فيها من سر , يجعل أصحابها يلاقون في سبيلها ما يلاقون وهم صامدون . . فعندئذ قد ينقلب المعارضون لها إليها . . أفواجا . . في نهاية المطاف !
إنها سنة الدعوات . وما يصبر على ما فيها من مشقة ; ويحافظ في ثنايا الصراع المرير على تقوى الله , فلا يشط فيعتدي وهو يرد الاعتداء ; ولا ييأس من رحمة الله ويقطع أمله في نصره وهو يعاني الشدائد . . ما يصبر على ذلك كله إلا أولو العزم الأقوياء:
(وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) . .
وهكذا علمت الجماعة المسلمة في المدينة ما ينتظرها من تضحيات وآلام . وما ينتظرها من أذى وبلاء في الأنفس والأموال . من أهل الكتاب من حولها . ومن المشركين أعدائها . . ولكنها سارت في الطريق . لم تتخاذل , ولم تتراجع , ولم تنكص على أعقابها . . لقد كانت تستيقن أن كل نفس ذائقة الموت . وأن توفية الأجور يوم القيامة . وأنه من زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز . وأن الحياة الدنيا ما هي إلا متاع الغرور . . على هذه الأرض الصلبة المكشوفة كانت تقف ; وفي هذا الطريق القاصد الواصل كانت تخطو . . والأرض الصلبة المكشوفة باقية لأصحاب هذه الدعوة في كل زمان . والطريق القاصد الواصل مفتوح يراه كل إنسان . وأعداء هذه الدعوة هم أعداؤها , تتوالى القرون والأجيال ; وهم ماضون في الكيد لها من وراء القرون والأجيال . . والقرآن هو القرآن . .
وتختلف وسائل الابتلاء والفتنة باختلاف الزمان ; وتختلف وسائل الدعاية ضد الجماعة المسلمة , ووسائل إيذائها في سمعتها وفي مقوماتها وفي أعراضها وفي أهدافها وأغراضها . . ولكن القاعدة واحدة: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) !
ولقد حفلت السورة بصور من مكايد أهل الكتاب والمشركين ; وصور من دعايتهم للبلبلة والتشكيك . أحيانا في أصول الدعوة وحقيقتها , وأحيانا في أصحابها وقيادتها . وهذه الصور تتجدد مع الزمان . وتتنوع بابتداع وسائل الدعاية الجديدة , وتوجه كلها إلى الإسلام في أصوله الاعتقادية , وإلى الجماعة المسلمة والقيادة الإسلامية . فلا تخرج على هذه القاعدة التي كشف الله عنها للجماعة المسلمة الأولى , وهو يكشف لها عن طبيعة الطريق , وطبيعة الأعداء الراصدين لها في الطريق . .
ويبقى هذا التوجيه القرآني رصيدا للجماعة المسلمة كلما همت أن تتحرك بهذه العقيدة , وأن تحاول تحقيق منهج الله في الأرض ; فتجمعت عليها وسائل الكيد والفتنة , ووسائل الدعاية الحديثة , لتشويه أهدافها , وتمزيق أوصالها . . يبقى هذا التوجيه القرآني حاضرا يجلو لأبصارها طبيعة هذه الدعوة , وطبيعة طريقها . وطبيعة أعدائها الراصدين لها في الطريق . ويبث في قلبها الطمأنينة لكل ما تلقاه من وعد الله ذاك ; فتعرف حين تتناوشها الذئاب بالأذى , وحين تعوي حولها بالدعاية , وحين يصيبها الابتلاء والفتنة . . أنها سائرة في الطريق , وأنها ترى معالم الطريق !
ومن ثم تستبشر بالابتلاء والأذى والفتنة والادعاء الباطل عليها وإسماعها ما يكره وما يؤذي . . تستبشر بهذا كله , لأنها تستيقن منه أنها ماضية في الطريق التي وصفها الله لها من قبل . وتستيقن أن الصبر والتقوى هما زاد الطريق . ويبطل عندها الكيد والبلبلة ويصغر عندها الابتلاء والأذى ; وتمضي في طريقها الموعود , إلى الأمل المنشود . . في صبر وفي تقوى . . وفي عزم أكيد . .
--------------
وفي التفسير الوسيط :
بين - سبحانه - للمؤمنين أنهم سيتعرضون فى المستقبل للمحن والآلام كما تعرضوا لذلك فى أيامهم الماضية ، وأن من الواجب عليهم أن يتقبلوا ذلك بعزيمة صادقة ، وصبر جميل فقال - تعالى - : { لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الذين أشركوا أَذًى كَثِيراً } .
وقوله { لَتُبْلَوُنَّ } جواب قسم محذوف أى : والله لتبلون أى لتختبرن . والمراد لتعاملن معاملة المختبر والممتحن ليظهر ما عندكم من الثبات على الحق ، ومن التمسك بمكارم الأخلاق ، فإن المصائب محك الرجال .
وإنما أخبرهم - سبحانه - بما سيقع لهم من بلاء ، ليوطنوا أنفسهم على احتماله عند وقوعه ، وليستعدوا لتلقيه من غير فزع أو جزع ، فإن الشدة المتوقعة يسهل احتمالها ، أما الشدة التى تقع من غير توقع فإنها يصعب احتمالها .والمعنى : لتبلون - أيها المؤمنون - ولتختبرن { في أَمْوَالِكُمْ } بما يصيبها من الآفات ، وبما تطالبون به من إنفاق فى سبيل إعلاء كلمة الله ، ولتختبرن أيضاً فى { أَنْفُسِكُمْ } بسبب ما يصيبكم من جراح وآلام من قبل أعدائكم ، وبسبب ما تتعرضون له من حروب ومتاعب وشدائد ، وفضلا عن ذلك فإنكم { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ } وهم اليهود والنصارى { وَمِنَ الذين أشركوا } وهم كفار العرب ، لتسمعن من هؤلاء جميعا { أَذًى كَثِيراً } كالطعن فى دينكم ، والاستهزاء بعقيدتكم ، والسخرية من شريعتكم والاستخفاف بالتعاليم التى أتاكم بها نبيكم ، والتفنن فيما يضركم .
وقد رتب - سبحانه - ما يصيب المؤمنين ترتيبا تدريجيا ، فابتدأ بأدتى ألوان البلاء وهو الإصابة فى المال ، فإنها مع شدتها وقسوتها على الإنسان إلا أنها أهون من الإصابة فى النفس لأنها أغلى من المال ، ثم ختم ألوان الابتلاء ببيان الدرجة العليا منه وهى التى تختص بالإصابة فى الدين ، وقد عبر عنها بقوله : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الذين أشركوا أَذًى كَثِيراً } .
وإنما كانت الإصابة فى الدين أعلى أنواع البلاء ، لأن المؤمن الصادق يهون عليه ماله ، وتهون عليه نفسه ، ولكنه لا يهون عليه دينه ، ويسهل عليه أن يتحمل الأذى فى ماله ونفسه ولكن ليس من السهل عليه أن يؤذى فى دينه . . .
ولقد كان أبو بكر الصديق مشهورا بلينه ورفقه . ولكنه مع ذلك - لقوة إيمانه - لم يحتمل من " فنحاص " اليهودى أن يصف الخالق - عز وجل - بأنه فقير ، فما كان من الصديق إلا أن شجَّ وجه فنحاص عندما قال ذلك القول الباطل .
وقد جمع - سبحانه - بين أهل الكتاب وبين المشركين فى عداوتهم وإيذائهم للمؤمنين ، للإشعار بأن الكفر ملة واحدة ، وأن العالم بالكتاب والجاهل به يستويان فى معاداتهم للحق ، لأن العناد إذا استولى على القلوب زاد الجاهلين جهلا وحمقا ، وزاد العالمين حقداً وحسداً .
ثم أرشد - سبحانه - المؤمنين إلى العلاج الذى يعين على التغلب على هذا البلاء فقال : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذلك مِنْ عَزْمِ الأمور } .
أى : وإن تصبروا على تلك الشدائد ، وتقابلوها يضبط النفس ، وقوة الاحتمال . { وَتَتَّقُواْ } الله فى كل ما أمركم به ونهاكم عنه ، تنالوا رضاه - سبحانه - وتنجوا من كيد أعدائكم .(1/42)
والإشارة فى قوله { فَإِنَّ ذلك مِنْ عَزْمِ الأمور } تعود إلى المذكور ضمنا من الصبر والتقوى ، أى فإن صبركم وتقواكم من الأمور التى يجب أن يسير عليها كل عاقل . لأنها تؤدى إلى النجاح والظفر .
وقوله { فَإِنَّ ذلك مِنْ عَزْمِ الأمور } دليل على جواب الشرط .
والتقدير : وإن تصبروا وتتقوا تنالوا ثواب أ÷ل العزم فإن ذلك من عزم الأمور .
فالآية الكريمة استئناف مسوق لإيقاظ المؤمنين ، وتنبيههم إلى سنة من سنن الحياة ، وهى أن أهل الحق لا بد من أن يتعرضوا للابتلاء والامتحان ، فعليهم أن يوطنوا أنفسهم على تحمل كل ذلك ، لأن ضعفاء العزيمة ليسوا أهلا لبلوغ النصر .
ولقد بين النبى صلى الله عليه وسلم أن قوة الإيمان وشدة البلاء متلازمان ، فقد روى الترمذى عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : قلت يا رسول الله ، أى الناس أشد بلاء؟ قال : الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل . فيبتلى الرجل على حسب دينه . فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه ، وإن كان فى دينه رقة ابتلى على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض ما عليه خطيئة " .
---------------
وقال السعدي :
يخبر تعالى ويخاطب المؤمنين أنهم سيبتلون في أموالهم من النفقات الواجبة والمستحبة، ومن التعريض لإتلافها في سبيل الله، وفي أنفسهم من التكليف بأعباء التكاليف الثقيلة على كثير من الناس، كالجهاد في سبيل الله، والتعرض فيه للتعب والقتل والأسر والجراح، وكالأمراض التي تصيبه في نفسه، أو فيمن يحب.
{ ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، ومن الذين أشركوا أذى كثيرا } من الطعن فيكم، وفي دينكم وكتابكم ورسولكم.
وفي إخباره لعباده المؤمنين بذلك، عدة فوائد:
منها: أن حكمته تعالى تقتضي ذلك، ليتميز المؤمن الصادق من غيره.
ومنها: أنه تعالى يقدر عليهم هذه الأمور، لما يريده بهم من الخير ليعلي درجاتهم، ويكفر من سيئاتهم، وليزداد بذلك إيمانهم، ويتم به إيقانهم، فإنه إذا أخبرهم بذلك ووقع كما أخبر { قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيمانا وتسليما } .
ومنها: أنه أخبرهم بذلك لتتوطن نفوسهم على وقوع ذلك، والصبر عليه إذا وقع؛ لأنهم قد استعدوا لوقوعه، فيهون عليهم حمله، وتخف عليهم مؤنته، ويلجأون إلى الصبر والتقوى، ولهذا قال: { وإن تصبروا وتتقوا } أي: إن تصبروا على ما نالكم في أموالكم وأنفسكم، من الابتلاء والامتحان وعلى أذية الظالمين، وتتقوا الله في ذلك الصبر بأن تنووا به وجه الله والتقرب إليه، ولم تتعدوا في صبركم الحد الشرعي من الصبر في موضع لا يحل لكم فيه الاحتمال، بل وظيفتكم فيه الانتقام من أعداء الله.
{ فإن ذلك من عزم الأمور } أي: من الأمور التي يعزم عليها، وينافس فيها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم والهمم العالية كما قال تعالى: { وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } .
================
3- جدال أهل الكتاب بالحسنى إلا الذين ظلموا :
قال تعالى :{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) }[العنكبوت/46، 47]
قال الرازي :(1/43)
لما بين الله طريقة إرشاد المشركين ونفع من انتفع وحصل اليأس ممن امتنع بين طريقة إرشاد أهل الكتاب فقال : { وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتى هِىَ أَحْسَنُ } قال بعض المفسرين المراد منه لا تجادلوهم بالسيف ، وإن لم يؤمنوا إلا إذا ظلموا وحاربوا ، أي إذا ظلموا زائداً على كفرهم ، وفيه معنى ألطف منه وهو أن المشرك جاء بالمنكر على ما بيناه فكان اللائق أن يجادل بالأخشن ويبالغ في تهجين مذهبه وتوهين شبهه ، ولهذا قال تعالى في حقهم { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } [ البقرة : 18 ] وقال : { لَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا ولهم آذان لا يسمعون بها } [ الأعراف : 179 ] إلى غير ذلك . وأما أهل الكتاب فجاءوا بكل حسن إلا الاعتراف بالنبي عليه السلام فوحدوا وآمنوا بإنزال الكتب وإرسال الرسل والحشر ، فلمقابلة إحسانهم يجادلون أولا بالأحسن ولا تستخف آراؤهم ولا ينسب الضلال آباؤهم ، بخلاف المشرك ، ثم على هذا فقوله : { إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ } تبيين له حسن آخر ، وهو أن يكون المراد إلا الذين أشركوا منهم بإثبات الولد لله والقول بثالث ثلاثة فإنهم ضاهوهم في القول المنكر فهم الظالمون ، لأن الشرك ظلم عظيم ، فيجادلون بالأخشن من تهجين مقالتهم وتبيين جهالتهم ، ثم إنه تعالى بين ذلك الأحسن فقدم محاسنهم بقوله : { وَقُولُواْ ءامَنَّا بالذى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } فيلزمنا اتباع ما قاله لكنه بين رسالتي في كتبكم فهو دليل مضيء ، ثم بعد ذلك ذكر دليلاً قياسياً فقال : { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب } يعني كما أنزلنا على من تقدمك أنزلنا عليك وهذا قياس ، ثم قال : { فالذين ءاتيناهم الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ } لوجود النص ومن هؤلاء كذلك ، واختلف المفسرون فقال بعضهم : المراد بالذين آتيناهم الكتاب من آمن بنبينا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وغيره وبقوله : { وَمِنْ هَؤُلاء } أي من أهل مكة وقال بعضهم : المراد بالذين آتيناهم الكتاب هم الذين سبقوا محمداً صلى الله عليه وسلم زماناً من أهل الكتاب ، ومن هؤلاء الذين هم في زمان محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب وهذا أقرب ، فإن قوله : { هَؤُلاء } صرفه إلى أهل الكتاب أولى ، لأن الكلام فيهم ولا ذكر للمشركين ههنا ، إذ كان هذا الكلام بعد الفراغ من ذكرهم والإعراض عنهم لإصرارهم على الكفر ، وههنا وجه آخر أولى وأقرب إلى العقل والنقل ، وأقرب إلى الأحسن من الجدال المأمور به ، وهو أن نقول المراد بالذين آتيناهم الكتاب هم الأنبياء وبقوله : { وَمِنْ هَؤُلاء } أي من أهل الكتاب وهو أقرب ، لأن الذين آتاهم الكتاب في الحقيقة هم الأنبياء ، فإن الله ما آتى الكتاب إلا للأنبياء ، كما قال تعالى :{ أولئك الذين ءاتيناهم الكتاب } [ الأنعام : 89 ] وقال : { وَءاتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً } [ النساء : 163 ] وقال : { وَءاتَانِي الكتاب } [ مريم : 30 ] وإذا حملنا الكلام على هذا لا يدخله التخصيص ، لأن كل الأنبياء آمنوا بكل الأنبياء ، وإذا قلنا بما قالوا به يكون المراد من الذين آتيناهم الكتاب عبد الله بن سلام واثنين أو ثلاثة معه أو عدداً قليلاً ، ويكون المراد بقوله : { وَمِنْ هَؤُلاء } غير المذكورين ، وعلى ما ذكرنا يكون مخرج الكلام كأنه قسم القوم قسمين أحدهما المشركين وتكلم فيهم وفرغ منهم والثاني أهل الكتاب وهو بعد في بيان أمرهم ، والوقت وقت جريان ذكرهم ، فإذا قال هؤلاء يكون منصرفاً إلى أهل الكتاب الذين هم في وصفهم ، وإذا قال أولئك يكون منصرفاً إلى المشركين الذين سبق ذكرهم وتحقق أمرهم ، وعلى هذا التفسير يكون الجدال على أحسن الوجوه ، وذلك لأن الخلاف في الأنبياء والأئمة قريب من الخلاف في فضيلة الرؤساء والملوك ، فإذا اختلف حزبان في فضيلة ملكين أو رئيسين ، وأدى الاختلاف إلى الاقتتال يكون أقوى كلام يصلح بينهم أن يقال لهم هذان الملكان متوافقان متصادقان ، فلا معنى لنزاعكم فكذلك ههنا قال النبي صلى الله عليه وسلم نحن آمنا بالأنبياء وهم آمنوا بي فلا معنى لتعصبكم لهم وكذلك أكابركم وعلماؤكم آمنوا ، ثم قال تعالى : { وما يجحد بآياتنا إِلاَّ الكافرون } تنفيراً لهم عما هم عليه ، يعني أنكم آمنتم بكل شيء ، وامتزتم عن المشركين بكل فضيلة ، إلا هذه المسألة الواحدة ، وبإنكارها تلتحقون بهم وتبطلون مزاياكم ، فإن الجاحد بآية يكون كافراً .
-------------
وفي الظلال :
إن دعوة الله التي حملها نوح - عليه السلام - والرسل بعده حتى وصلت إلى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم لهي دعوة واحدة من عند إله واحد , ذات هدف واحد , هو رد البشرية الضالة إلى ربها , وهدايتها إلى طريقه , وتربيتها بمنهاجه . وإن المؤمنين بكل رسالة لإخوة للمؤمنين بسائر الرسالات:كلهم أمة واحدة , تعبد إلها واحدا . وإن البشرية في جميع أجيالها لصنفان اثنان :صنف المؤمنين وهم حزب الله . وصنف المشاقين لله وهم حزب الشيطان , بغض النظر عن تطاول الزمان وتباعد المكان . وكل جيل من أجيال المؤمنين هو حلقة في تلك السلسلة الطويلة الممتدة على مدار القرون .
هذه هي الحقيقة الضخمة العظيمة الرفيعة التي يقوم عليها الإسلام ; والتي تقررها هذه الآية من القرآن ; هذه الحقيقة التي ترفع العلاقات بين البشر عن أن تكون مجرد علاقة دم أو نسب , أو جنس , أو وطن . أو تبادل أو تجارة . ترفعها عن هذا كله لتصلها بالله , ممثلة في عقيدة واحدة تذوب فيها الأجناس والألوان ; وتختفي فيها القوميات والأوطان ; ويتلاشى فيها الزمان والمكان . ولا تبقى إلا العروة الوثقى في الخالق الديان .
ومن ثم يكشف المسلمين عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالحسنى ; لبيان حكمة مجيء الرسالة الجديدة , والكشف عما بينها وبين الرسالات قبلها من صلة , والإقناع بضرورة الأخذ بالصورة الأخيرة من صور دعوة الله , الموافقة لما قبلها من الدعوات , المكملة لها وفق حكمة الله وعلمه بحاجة البشر . . (إلا الذين ظلموا منهم) فانحرفوا عن التوحيد الذي هو قاعدة العقيدة الباقية ; وأشركوا بالله وأخلوا بمنهجه في الحياة . فهؤلاء لا جدال معهم ولا محاسنة . وهؤلاء هم الذين حاربهم الإسلام عندما قامت له دولة في المدينة .
وإن بعضهم ليفتري على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حاسن أهل الكتاب وهو في مكة مطارد من المشركين . فلما أن صارت له قوة في المدينة حاربهم , مخالفا كل ما قاله فيهم وهو في مكة ! وهو افتراء ظاهر يشهد هذا النص المكي عليه . فمجادلة أهل الكتاب بالحسنى مقصورة على من لم يظلم منهم , ولم ينحرف عن دين الله . وعن التوحيد الخالص الذي جاءت به جميع الرسالات .
وقولوا:آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم , و إلهنا وإلهكم واحد , ونحن له مسلمون . .
وإذن فلا حاجة إلى الشقاق والنزاع , والجدل والنقاش . وكلهم يؤمنون بإله واحد , والمسلمون يؤمنون بما أنزل إليهم وما أنزل إلى من قبلهم , وهو في صميمه واحد , والمنهج الإلهي متصل الحلقات .
---------------
وفي التفسير الوسيط :(1/44)
والمجادلة : المخاصمة . يقال : جادل فلانٌ فلاناً : إذا خاصمه ، وحرص كل واحد منها على أن يغلب صاحبه بقوة حجته . أى : ولا تجادلوا - أيها المؤمنون - غيركم من أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى ، إلا بالطريقة التى هى أحسن ، بأن ترشدوهم إلى طريق الحق بأسلوب لين كريم ، كما قال - تعالى - فى آية أخرى : { ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ } وقوله : { إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } استثناء من الذين يجادلون بالتى هى أحسن .
أى : ناقشوهم وأرشدوهم إلى الحق بالتى هى أحسن ، إلا الذين ظلموا منهم . بأن أساءوا إليكم ، ولم يستعملوا الأدب فى جدالهم ، فقابلوهم بما يليق بحالهم من الإِغلاظ والتأديب .
وعلى هذا التفسير يكون المقصود بالآية الكريمة ، دعوة المؤمنين إلى استعمال الطريقة الحسنى فى مجادلتهم لأهل الكتاب عموماً . ما عدا الظالمين منهم فعلى المؤمنين أن يعاملوهم بالأسلوب المناسب لردعهم وزجرهم وتأديبهم .
وقيل : المرد بأهل الكتاب هنا : المؤمنون منهم ، والمرد بالذين ظلموا : من بقى على الكفر منهم .
فيكون المعنى : ولا تجادلوا - أيها المؤمنون - من آمن من أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن ، إلا لاذين بقوا على كفرهم فعاملوهم بما يليق بحالهم من التأديب والإِغلاظ عليهم .
ويبدو لنا أن التفسير الأول هو الأرجح والأظهر ، لأن الآية مسوقة لتعليم المؤمنين كيف يجادلون من بقى على دينه من أهل الكتاب ، ولأن من ترك كفره منهم ودخل فى الإِسلام أصبح مسلما وليس من أهل الكتاب ، وما دام الأمر كذلك فليس المسلمون فى حاجة إلى إرشادهم إلى كيفية مجادلته ، ولأن قوله - تعالى - بعد ذلك : { وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } يرجح أن المراد بأهل الكتاب هنا من بقى على دينه منهم .
أى : جادلوهم بالطريقة الحسنى ما داموا لم يظلموكم ، وقولوا لهم على سبيل التعليم والإِرشاد { آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا } وهو القرآن ، وآمنا بالذى أنزل إليكم من التوراة والإِنجيل .
قال الشوكانى : أى : آمنا بأنهما منزلان من عند الله ، وأنهما شريعة ثابتة إلى قيام الشريعة الإِسلامية ، والبعثة المحمدية ولا يدخل فى ذلك ما حرفوه وبدلوه .
{ وإلهكم وَاحِدٌ } لا شريك له لا فى ذاته ولا فى صفاته { وَنَحْنُ } جميعاً معاشر المؤمنين { لَهُ مُسْلِمُونَ } أى : مطيعون وعابدون له وحده ، ولا نتخذ أربابا من دونه - عز وجل - .
قال القرطبى ما ملخصه : اختلف العلماء فى قوله - تعالى - : { وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب . . . } فقال مجاهد : هى محكمة ، فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالتى هى أحسن ، على معنى الدعاء لهم إلى الله - عز وجل - ، والتنبيه على حججه وآياته . . وقوله : { إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } أى ظلموكم . .
وقيل : هذه الآية منسوخة بآية القتال وهى قوله :{ قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله . . } وقول مجاهد : حسن ، لأن أحكام الله - عز وجل - لا يقال فيها إنها منسوخة إلا بخير يقطع العذر ، أو حجة من معقول . .
ثم بين - سبحانه - موقف الناس من هذا الكتاب الذى أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم - فقال : { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب فالذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ . . } .
والكاف بمعنى مثل : واسم الإِشارة يعود إلى المصدر المفهوم من أنزلنا . أى : ومثل ذلك الإِنزال المعجز البديع ، أنزلنا إليك الكتاب - أيها الرسول الكريم - ليكون هداية للناس ، فالذين آتيناهم الكتاب الشامل للتوراة والإِنجيل وعقلوه وفتحوا قلوبهم للحق ، يؤمنون بهذا الكتاب الذى نزل عليك ، وهو القرآن .
فالمراد بالذين أوتوا الكتاب : المؤمنون منهم كعبد الله بن سلام وأمثاله . والمراد بالكتاب جنسه . والضمير فى " به " يعود إلى القرآن الكريم الذى أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وخص هؤلاء المؤمنين منهم بإيتاء الكتاب ، على سبيل المدح لهم . لأنهم انتفعوا بما أوتوه من علم وعملوا بمقتضاه ، أما غيرهم من بقى على كفره ، فلكونه لم ينتفع بما فى الكتاب من هدايات ، فكأنه لم يره أصلاً .
وقوله : { وَمِنْ هؤلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ } : ومن هؤلاء العرب الذين أرسلت إليهم - أيها الرسول الكريم - من يؤمن بهذا القرآن الذى أنزلناه إليك .
و " من " للتبعيض ، لأنه ملم يؤمنوا جميعاً ، وإنما من منهم من هداه الله - تعالى - إلى الصراط المستقيم .
{ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ } الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، وعلى صدقك فيما تبلغه عنا ، { إِلاَّ الكافرون } أى : إلا الموغلون فى الكفر ، المصرون عليه إصراراً تاماً .
والجحود : إنكار الحق مع معرفة أنه حق .
وعبر عن الكتاب بالآيات ، للإِشعار بأنها فى غاية الظهور والدلالة على كونها من عند الله - تعالى - ، وأنه ما يكذب بها إلا من غطى الحق بالباطل عن تعمد وإصرار .
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد بينت أن من الناس من قابل هذا القرآن بالتصديق والإِذعان ، ومنهم من قابله بالجحود والنكران .
----------------
وقال السعدي :
ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، إذا كانت من غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحق وتحسينه، ورد عن الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل لذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق، إلا من ظلم من أهل الكتاب، بأن ظهر من قصده وحاله، أنه لا إرادة له في الحق، وإنما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة، فهذا لا فائدة في جداله، لأن المقصود منها ضائع.
{ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزلَ إِلَيْنَا وَأُنزلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ } أي: ولتكن مجادلتكم لأهل الكتاب مبنية على الإيمان بما أنزل إليكم وأنزل إليهم، وعلى الإيمان برسولكم ورسولهم، وعلى أن الإله واحد، ولا تكن مناظرتكم إياهم [على وجه] يحصل به (1) القدح في شيء من الكتب الإلهية، أو بأحد من الرسل، كما يفعله الجاهل عند مناظرة الخصوم، يقدح بجميع ما معهم، من حق وباطل، فهذا ظلم، وخروج عن الواجب وآداب النظر، فإن الواجب، أن يرد ما مع الخصم من الباطل، ويقبل ما معه من الحق، ولا يرد الحق لأجل قوله، ولو كان كافرا. وأيضا، فإن بناء مناظرة أهل الكتاب، على هذا الطريق، فيه إلزام لهم بالإقرار بالقرآن، وبالرسول الذي جاء به، فإنه إذا تكلم في الأصول الدينية التي اتفقت عليها الأنبياء والكتب، وتقررت عند المتناظرين، وثبتت حقائقها عندهما، وكانت الكتب السابقة والمرسلون مع القرآن ومحمد صلى اللّه عليه وسلم قد بينتها ودلت عليها وأخبرت بها، فإنه يلزم التصديق بالكتب كلها، والرسل كلهم، وهذا من خصائص الإسلام.
فأما أن يقال: نؤمن بما دل عليه الكتاب الفلاني، دون الكتاب الفلاني وهو الحق الذي صدق ما قبله، فهذا ظلم وجور، وهو يرجع إلى قوله بالتكذيب، لأنه إذا كذب القرآن الدال عليها، المصدق لما بين يديه من التوراة، فإنه مكذب لما زعم أنه به مؤمن.(1/45)
وأيضا، فإن كل طريق تثبت به (2) نبوة أي: نبي كان، فإن مثلها وأعظم منها، دالة على نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وكل شبهة يقدح بها في نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم، فإن مثلها أو أعظم منها، يمكن توجيهها إلى نبوة غيره، فإذا ثبت بطلانها في غيره، فثبوت بطلانها في حقه صلى اللّه عليه وسلم أظهر وأظهر.
وقوله: { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي: منقادون مستسلمون لأمره. ومن آمن [ ص 633 ] به، واتخذه إلها، وآمن بجميع كتبه ورسله، وانقاد للّه واتبع رسله، فهو السعيد، ومن انحرف عن هذا الطريق، فهو الشقي.
===============
4- دعوتهم للتوحيد:
قال تعالى :{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) } [آل عمران/64، 65]
قال الرازي :
واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أورد على نصارى نجران أنواع الدلائل وانقطعوا ، ثم دعاهم إلى المباهلة فخافوا وما شرعوا فيها وقبلوا الصغار بأداء الجزية ، وقد كان عليه السلام حريصاً على إيمانهم ، فكأنه تعالى قال : يا محمد اترك ذلك المنهج من الكلام واعدل إلى منهج آخر يشهد كل عقل سليم وطبع مستقيم أنه كلام مبني على الإنصاف وترك الجدال ، و { قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } أي هلموا إلى كلمة فيها إنصاف من بعضنا لبعض ، ولا ميل فيه لأحد على صاحبه ، وهي { أَن لا نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } هذا هو المراد من الكلام ولنذكر الآن تفسير الألفاظ .
أما قوله تعالى : { يا أَهْلَ الكتاب } ففيه ثلاثة أقوال أحدها : المراد نصارى نجران والثاني : المراد يهود المدينة والثالث : أنها نزلت في الفريقين ، ويدل عليه وجهان الأول : أن ظاهر اللفظ يتناولهما والثاني : روي في سبب النزول ، أن اليهود قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام ، ما تريد إلا أن نتخذك رباً كما اتخذت النصارى عيسى! وقالت النصارى : يا محمد ما تريد إلا أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير! فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وعندي أن الأقرب حمله على النصارى ، لما بينا أنه لما أورد الدلائل عليهم أولاً ، ثم باهلهم ثانياً ، فعدل في هذا المقام إلى الكلام المبني على رعاية الإنصاف ، وترك المجادلة ، وطلب الإفحام والإلزام ، ومما يدل عليه ، أنه خاطبهم ههنا بقوله تعالى : { يا أهلَ الكتاب } وهذا الاسم من أحسن الأسماء وأكمل الألقاب حيث جعلهم أهلاً لكتاب الله ، ونظيره ، ما يقال لحافظ القرآن يا حامل كتاب الله ، وللمفسر يا مفسر كلام الله ، فإن هذا اللقب يدل على أن قائله أراد المبالغة في تعظيم المخاطب وفي تطييب قلبه ، وذلك إنما يقال عند عدول الإنسان مع خصمه عن طريقة اللجاج والنزاع إلى طريقة طلب الإنصاف .
أما قوله تعالى : { تَعَالَوْاْ } فالمراد تعيين ما دعوا إليه والتوجه إلى النظر فيه وإن لم يكن انتقالاً من مكان إلى مكان لأن أصل اللفظ مأخوذ من التعالي وهو الارتفاع من موضع هابط إلى مكان عال ، ثم كثر استعماله حتى صار دالاً على طلب التوجه إلى حيث يدعى إليه .
أما قوله تعالى : { إلى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا } فالمعنى هلموا إلى كلمة فيها إنصاف من بعضنا لبعض ، لا ميل فيه لأحد على صاحبه ، والسواء هو العدل والإنصاف ، وذلك لأن حقيقة الإنصاف إعطاء النصف ، فإن الواجب في العقول ترك الظلم على النفس وعلى الغير ، وذلك لا يحصل إلا بإعطاء النصف ، فإذا أنصف وترك ظلمه أعطاه النصف فقد سوى بين نفسه وبين غيره وحصل الاعتدال ، وإذا ظلم وأخذ أكثر مما أعطى زال الاعتدال فلما كان من لوازم العدل والإنصاف التسوية جعل لفظ التسوية عبارة عن العدل .
ثم قال الزجاج { سَوَآء } نعت للكملة يريد : ذات سواء ، فعلى هذا قوله { كَلِمَةٍ سَوَاء } أي كلمة عادلة مستقيمة مستوية ، فإذا آمنا بها نحن وأنتم كنا على السواء والاستقامة ، ثم قال : { أَن لا نَعْبُدَ إِلاَّ الله } وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : محل { أن } في قوله أن لا نعبد ، فيه وجهان الأول : إنه رفع بإضمار ، هي : كأن قائلاً قال : ما تلك الكلمة؟ فقيل هي أن لا نعبد إلا الله والثاني : خفض على البدل من : كلمة .
المسألة الثانية : إنه تعالى ذكر ثلاثة أشياء أولها : { أَن لا نَعْبُدَ إِلاَّ الله } وثانيها : أن { لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } وثالثها : أن { لاَّ يَتَّخِذِ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ الله } وإنما ذكر هذه الثلاثة لأن النصارى جمعوا بين هذه الثلاثة فيعبدون غير الله وهو المسيح ، ويشركون به غيره وذلك لأنهم يقولون إنه ثلاثة : أب وابن وروح القدس ، فأثبتوا ذوات ثلاثة قديمة سواء ، وإنما قلنا : إنهم أثبتوا ذوات ثلاثة قديمة ، لأنهم قالوا : إن أقنوم الكلمة تدرعت بناسوت المسيح ، وأقنوم روح القدس تدرعت بناسوت مريم ، ولولا كون هذين الأقنومين ذاتين مستقلتين وإلا لما جازت عليهما مفارقة ذات الأب والتدرع بناسوت عيسى ومريم ، ولما أثبتوا ذوات ثلاثة مستقلة فقد أشركوا ، وأما إنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله فيدل عليه وجوه :
أحدها : إنهم كانوا يطيعونهم في التحليل والتحريم والثاني : إنهم كانوا يسجدون لأحبارهم والثالث : قال أبو مسلم : من مذهبهم أن من صار كاملاً في الرياضة والمجاهدة يظهر فيه أثر حلول اللاهوت ، فيقدر على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، فهم وإن لم يطلقوا عليه لفظ الرب إلا أنهم أثبتوا في حقه معنى الربوبية والرابع : هو أنهم كانوا يطيعون أحبارهم في المعاصي ، ولا معنى للربوبية إلا ذلك ، ونظيره قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ } [ الجاثية : 23 ] فثبت أن النصارى جمعوا بين هذه الأمور الثلاثة ، وكان القول ببطلان هذه الأمور الثلاثة كالأمر المتفق عليه بين جمهور العقلاء وذلك ، لأن قبل المسيح ما كان المعبود إلا الله ، فوجب أن يبقى الأمر بعد ظهور المسيح على هذا الوجه ، وأيضاً القول بالشركة باطل باتفاق الكل ، وأيضاً إذا كان الخالق والمنعم بجميع النعم هو الله ، وجب أن لا يرجع في التحليل والتحريم والانقياد والطاعة إلا إليه ، دون الأحبار والرهبان ، فهذا هو شرح هذه الأمور الثلاثة .
ثم قال تعالى : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } والمعنى إن أبوا إلا الإصرار ، فقولوا إنا مسلمون ، يعني أظهروا أنكم على هذا الدين ، لا تكونوا في قيد أن تحملوا غيركم عليه .
------------
وفي الظلال :
إنها لدعوة منصفة من غير شك . دعوة لا يريد بها النبي صلى الله عليه وسلم أن يتفضل عليهم هو ومن معه من المسلمين . . كلمة سواء يقف أمامها الجميع على مستوى واحد . لا يعلو بعضهم على بعض , ولا يتعبد بعضهم بعضا . دعوة لا يأباها إلا متعنت مفسد , لا يريد أن يفيء إلى الحق القويم .
إنها دعوة إلى عبادة الله وحده لا يشركون به شيئا . لا بشرا ولا حجرا . ودعوة إلى ألا يتخذ بعضهم بعضا من دون الله أربابا . لا نبيا ولا رسولا . فكلهم لله عبيد . إنما اصطفاهم الله للتبليغ عنه , لا لمشاركته في الألوهية والربوبية .
(فإن تولوا فقولوا:اشهدوا بأنا مسلمون) .(1/46)
فإن أبوا عبادة الله وحده دون شريك . والعبودية لله وحده دون شريك . وهما المظهران اللذان يقرران موقف العبيد من الألوهية . . إن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون . .
وهذه المقابلة بين المسلمين ومن يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله , تقرر بوضوح حاسم من هم المسلمون .
المسلمون هم الذين يعبدون الله وحده ; ويتعبدون لله وحده ; ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله . . هذه هي خصيصتهم التي تميزهم من سائر الملل والنحل ; وتميز منهج حياتهم من مناهج حياة البشر جميعا . وإما أن تتحقق هذه الخصيصة فهم مسلمون , وإما ألا تتحقق فما هم بمسلمين مهما ادعوا أنهم مسملون !
إن الإسلام هو التحرر المطلق من العبودية للعبيد . والنظام الإسلامي هو وحده من بين سائر النظم الذي يحقق هذا التحرر . .
إن الناس في جميع النظم الأرضية يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله . . يقع هذا في أرقى الديمقراطيات كما يقع في أحط الديكتاتوريات سواء . . إن أول خصائص الربوبية هو حق تعبد الناس . حق إقامة النظم والمناهج والشرائع والقوانين والقيم والموازين . . وهذا الحق في جميع الأنظمة الأرضية يدعيه بعض الناس - في صورة من الصور - ويرجع الأمر فيه إلى مجموعة من الناس - على أي وضع من الأوضاع - وهذه المجموعة التي تخضع الآخرين لتشريعها وقيمها وموازينها وتصوراتها هي الأرباب الأرضية التي يتخذها بعض الناس أربابا من دون الله ; ويسمحون لها بادعاء خصائص الألوهية والربوبية , وهم بذلك يعبدونها من دون الله , وإن لم يسجدوا لها ويركعوا . فالعبودية عبادة لا يتوجه بها إلا لله .
وفي النظام الإسلامي وحده يتحرر الإنسان من هذه الربقة . . ويصبح حرا . حرا يتلقى التصورات والنظم والمناهج والشرائع والقوانين والقيم والموازين من الله وحده , شأنه في هذا شأن كل إنسان آخر مثله . فهو وكل إنسان آخر على سواء . كلهم يقفون في مستوى واحد , ويتطلعون إلى سيد واحد , ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله .
والإسلام - بهذا المعنى - هو الدين عند الله . وهو الذي جاء به كل رسول من عند الله . . لقد أرسل الله الرسل بهذا الدين ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله . ومن جور العباد إلى عدل الله . . فمن تولى عنه فليس مسلما بشهادة الله . مهما أول المؤولون , وضلل المضللون . . (إن الدين عند الله الإسلام) . .
-------------
وفي التفسير الوسيط :
أنت ترى أن القرآن الكريم قد وجه إلى أهل الكتاب أربع نداءات فى هذه الآيات الكريمة أما النداء الأول فقد طلب منهم فيه أن يثوبوا إلى رشدهم ، وأن يخلصوا لله العبادة فقال { قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } .
والسواء : العدل والنصفة ، أى قل يا محمد لأهل الكتاب : هلموا وأقبلوا إلى كلمة ذات عدل وإنصاف بيننا وبينكم .
أو السواء : مصدر مستوية أى هلموا إلى كلمة لا تختلف فيها الرسل والكتب المنزلة والعقول السليمة ، لأنها كلمة عادلة مستقيمة ليس فيها ميل عن الحق .
ثم بين - سبحانه - هذه الكلمة العادلة المستقيمة التى هى محل اتفاق بين الأنبياء فقال : { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله } أى نترك نحن وأنتم عبادة غير الله ، بأن نفرده وحده بالعبادة والطاعة والإذعان .
{ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } أى ولا نشرك معه أحدا فى العبادة والخضوع ، بأن نقول : فلان إله ، أو فلان ابن إله ، أو أن الله ثالث ثلاثة .
{ وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله } أى ولا يطيع بعضنا بعضا فى معصية الله . قال الآلوسى : ويؤيده ما أخرجه الترمذى وحسنه من حديث عدى بن حاتم أنه لما نزلت هذه الآية قال : ما كنا نعبدهم يا رسول الله . فقال صلى الله عليه وسلم : " أما كانوا يحلون منكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟ قال : نعم . فقال صلى الله عليه وسلم هو ذاك " قيل إلى هذا أشار - سبحانه - بقوله : { اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله والمسيح ابن مَرْيَمَ وَمَآ أمروا إِلاَّ ليعبدوا إلها وَاحِداً لاَّ إله إِلاَّ هُوَ } فالآية الكريمة قد نهت الناس جميعا عن عبادة غير الله ، وعن أن يشرك معه فى الألوهية أحد من بشر أو حجر أو غير ذلك ، وعن أن يتخذ أحد من البشر فى مقام الرب - عز وجل - بأن يتبع فى تحليل شىء أو تحريمه إلا فيما حلله الله أو حرمه .
ولقد كانت رسالة الأنبياء جميعا متفقة فى دعوة الناس إلى عبادة الله وحده ، وقد حكى القرآن فى كثير من الآيات هذا المعنى ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقوله - تعالى - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون } ثم أرشد الله - تعالى - المؤمنين إلى ما يجب عليهم أن يقولوه إذا مالج الجاحدون فى طغيانهم فقال : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } .
أى فإن أعرض هؤلاء الكفاء عن دعوة الحق ، وانصرفوا عن موافقتكم بسبب ما هم عليه من عناد وجحود فلا تجادلوهم ولا تحاجوهم ، بل قولوا لهم : اشهدوا : بأنا مسملون مذعنون لكلمة الحق ، بخلافكم أنتم فقد رضيتم بما أنتم فيه من باطل .قال صاحب الكشاف وقوله { فَقُولُواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أى لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا وتسلموا بأنا مسلمون دونكم . وذلك كما يقول الغالب للمغلوب فى جدال وصراع أو غيرهما : اعترف بأنى أنا الغالب وسلم لى بالغلبة . ويجوز أن يكون من باب التعريض ومعنا : اشهدوا واعترفوا بأنكم كافرون حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره " .
هذا وتعتبر هذه الآية الكريمة من أجمع الآيات التى تهدى الناس إلى طريق الحق بأسلوب منطقى رصين ، ولذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يكتبها في بعض رسائله التى أرسلها إلى الملكوك والرؤساء ليدعوهم إلى الإسلام - .
فقد جاء فى كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل - ملك الروم - " من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى .
أما بعد : فإنى أدعوك بدعاية الإسلام . أسلم تسليم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ، { ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } إلخ الآية " .
وأما النداء الثانى الذى اشتملت عليه هذه الايات فقد تضمن نهى أهل الكتاب عن الجدال بالباطل فى شأن إبراهيم - عليه السلام - قال - تعالى - { ياأهل الكتاب لِمَ تُحَآجُّونَ في إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ التوراة والإنجيل إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } .
قال ابن جرير : عن ابن عباس قال : اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله فتنازعوا عنده ، قالت الأحبار : ما كان إبراهم إلا يهوديا وقالت النصارى : ما كان إبراهيم إلا نصرانيا ، فأنزل الله - تعالى - فيهم : { ياأهل الكتاب لِمَ تُحَآجُّونَ في إِبْرَاهِيمَ } .
وقوله { تُحَآجُّونَ } من المحاجة ومعناها أن يبتادل المتخاصمان الحجة بأن يقدم كل واحد حجة ويطلب من الآخر أن يرد عليها .(1/47)
والمعنى : لا يسوغ لكم يا معشر اليهود والنصارى أن تجادلوا فى دين إبراهيم وشريعته فيدعى بعضكم أنه كان على الديانة اليهودية ، ويدعى البعض الآخر أنه كان على الديانة النصرانية ، فإن التوارة والإنجيل ما نزلا إلا من بعده بأزمان طويلة ، فكيف يكون يهوديا يدين بالتوراة مع أنها ما نزلت إلا من بعده ، أو كيف يكون نصرانيا يدين بالإنجيل مع أنه ما نزل إلا من بعده ، بآلاف السنين؟ إن هذه المحاجة منكم فى شأن إبراهيم ظاهرة البطلان واضحة الفساد .
وقوله { أَفَلاَ تَعْقِلُونَْ } أى أفلا تعقلون يا أهل الكتاب هذا الأمر البدهى وهو أن المتقدم على الشىء لا يمكن أن يكون تابعا للشىء المتأخر عنه؟
فالاستفهام لتوبيخهم وتجهيلهم فى دعواهم أن إبراهيم - عليه السلام - كان يهوديا أو نصرانيا .
---------
وقال السعدي :
قل لأهل الكتاب من اليهود والنصارى { تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } أي: هلموا نجتمع عليها وهي الكلمة التي اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، ولم يخالفها إلا المعاندون والضالون، ليست مختصة بأحدنا دون الآخر، بل مشتركة بيننا وبينكم، وهذا من العدل في المقال والإنصاف في الجدال، ثم فسرها بقوله { ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا } فنفرد الله بالعبادة ونخصه بالحب والخوف والرجاء ولا نشرك به نبيا ولا ملكا ولا وليا ولا صنما ولا وثنا ولا حيوانا ولا جمادا { ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله } بل تكون الطاعة كلها لله ولرسله، فلا نطيع المخلوقين في معصية الخالق، لأن ذلك جعل للمخلوقين في منزلة الربوبية، فإذا دعي أهل الكتاب أو غيرهم إلى ذلك، فإن أجابوا كانوا مثلكم، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وإن تولوا فهم معاندون متبعون أهواءهم فأشهدوهم [ ص 134 ] أنكم مسلمون، ولعل الفائدة في ذلك أنكم إذا قلتم لهم ذلك وأنتم أهل العلم على الحقيقة، كان ذلك زيادة على إقامة الحجة عليهم كما استشهد تعالى بأهل العلم حجة على المعاندين، وأيضا فإنكم إذا أسلمتم أنتم وآمنتم فلا يعبأ الله بعدم إسلام غيركم لعدم زكائهم ولخبث طويتهم، كما قال تعالى { قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا } الآية وأيضا فإن في ورود الشبهات على العقيدة الإيمانية مما يوجب للمؤمن أن يجدد إيمانه ويعلن بإسلامه، إخبارا بيقينه وشكرا لنعمة ربه.
=============
5- تحريم اتخاذهم أولياء :
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) سورة المائدة }
قال الرازي :
أعلم أنه تمّ الكلام عند قوله { أَوْلِيَاء } ثم ابتدا فقال { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } وروي أن عبادة بن الصامت جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبرأ عنده من موالاة اليهود ، فقال عبد الله بن أبي : لكني لا أتبرأ منهم لأني أخاف الدوائر ، فنزلت هذه الآية ، ومعنى لا تتخذوهم أولياء : أي لا تعتمدوا على الاستنصار بهم ، ولا تتوددوا إليهم .
ثم قال : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } قال ابن عباس : يريد كأنه مثلهم ، وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين ، ونظيره قوله { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّى } [ البقرة : 249 ] .
ثم قال : { إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين } روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن لي كاتباً نصرانياً ، فقال : مالك قاتلك الله ، ألا اتخذت حنيفاً ، أما سمعت قول الله تعالى : { ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاء } قلت : له دينه ولي كتابته ، فقال : لا أكرمهم إذ أهانهم الله ، ولا أعزهم إذ أذلهم الله ، ولا أدنيهم إذ أبعدهم الله ، قلت : لا يتم أمر البصرة إلا به ، فقال : مات النصراني والسلام ، يعني هب أنه قد مات فما تصنع بعده ، فما تعمله بعد موته فاعمله الآن واستغن عنه بغيره .
ثم قال تعالى : { فَتَرَى الذين فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يسارعون فِيهِمْ يَقُولُونَ نخشى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ }
واعلم أن المراد بقوله { الذين فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } المنافقون : مثل عبد الله بن أُبي وأصحابه ، وقوله { يسارعون فيهم أي يسارعون في مودة اليهود ونصارى نجران ، لأنهم كانوا أهل ثروة وكانوا يعينونهم على مهماتهم ويقرضونهم ، ويقول المنافقون : إنما نخالطهم لأنا نخشى أن تصيبنا دائرة . قال الواحدي رحمه الله : الدائرة من دوائر الدهر كالدولة ، وهي التي تدور من قوم إلى قوم ، والدائرة هي التي تخشى ، كالهزيمة والحوادث الخوفة ، فالدوائر تدور ، والدوائل تدول . قال الزجاج : أي نخشى أن لا يتم الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم فيدور الأمر كما كان قبل ذلك .
ثم قال تعالى : { فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين } .
قال المفسرون ( عسى ) من الله واجب ، لأن الكريم إذا أطمع في خير فعله ، فهو بمنزلة الوعد لتعلق النفس به ورجائها له ، والمعنى : فعسى الله أن يأتي بالفتح لرسول الله على أعدائه وإظهار المسلمين على أعدائهم ، أو أمر من عنده يقطع أصل اليهود أو يخرجهم عن بلادهم فيصبح المنافقون نادمين على ما حدثوا به أنفسهم ، وذلك لأنهم كانوا يشكون في أمر الرسول ويقولون : لا نظن أنه يتم له أمره ، والأظهر أن تصير الدولة والغلبة لأعدائه . وقيل : أو أمر من عنده ، يعني أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بإظهار أسرار المنافقين وقتلهم فيندموا على فعالهم .
فإن قيل : شرط صحة التقسيم أن يكون ذلك بين قسمين متنافيين ، وقوله { عَسَى الله أَن يَأْتِي بالفتح أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ } ليس كذلك ، لأن الاتيان بالفتح داخل في قوله { أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ } .
قلنا : قوله { أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ } معناه أو أمر من عنده لا يكون للناس فيه فعل ألبتة ، كبني النضير الذين طرح الله في قلوبهم الرعب فأعطوا بأيديهم من غير محاربة ولا عسكر ثم قال تعالى : وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)
فيه مسائل :(1/48)
المسألة الأولى : قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر { يِقُولُ } بغير واو ، وكذلك هي في مصاحف أهل الحجاز والشام ، والباقون بالواو ، وكذلك هي في مصاحف أهل العراق . قال الواحدي رحمه الله : وحذف الواو ههنا كإثباتها ، وذلك لأن في الجملة المعطوفة ذكراً من المعطوف عليها ، فإن الموصوف بقوله { يسارعون فِيهِمْ } [ المائدة : 52 ] هم الذين قال فيهم المؤمنون { أهؤلاء الذين أَقْسَمُواْ بالله } فلما حصل في كل واحدة من الجملتين ذكر من الأخرى حسن العطف بالواو وبغير الواو ، ونظيره قوله تعالى : { سَيَقُولُونَ ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ } لما كان في كل واحدة من الجملتين ذكر ما تقدم أغنى ذلك عن ذكر الواو ، ثم قال : { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } [ الكهف : 22 ] فأدخل الواو ، فدل ذلك على أن حذف الواو وذكرها جائز . وقال صاحب «الكشاف» حذف الواو على تقدير أنه جواب قائل يقول : فماذا يقول المؤمنون حينئذٍ؟ فقيل : يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا . واختلفوا في قراءة هذه الآية من وجه آخر ، فقرأ أبو عمرو { وَيَقُولُ الذين ءامَنُواْ } نصبا على معنى : وعسى أن يقول الذين آمنوا ، وأما من رفع فإنه جعل الواو لعطف جملة على جملة ، ويدل على قراءة الرفع قراءة من حذف الواو .
المسألة الثانية : الفائدة في أن المؤمنين يقولون هذا القول هو أنهم يتعجبون من حال المنافقين عندما أظهروا الميل إلى موالاة اليهود والنصارى ، وقالوا : إنهم يقسمون بالله جهد أيمانهم أنهم معنا ومن أنصارنا ، فالآن كيف صاروا موالين لأعدائنا محبين للاختلاط بهم والاعتضاد بهم؟
المسألة الثالثة : قوله { حَبِطَتْ أعمالهم } يحتمل أن يكون من كلام المؤمنين ، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى ، والمعنى ذهب ما أظهروه من الإيمان ، وبطل كل خير عملوه لأجل أنهم الآن أظهروا موالاة اليهود والنصارى ، فأصبحوا خاسرين في الدنيا والآخرة ، فإنه لما بطلت أعمالهم بقيت عليهم المشقة في الإتيان بتلك الأعمال ، ولم يحصل لهم شيء من ثمراتها ومنافعها ، بل استحقوا اللعن في الدنيا والعقاب في الآخرة .
------------
وفي الظلال :
بعضهم أولياء بعض . . إنها حقيقة لا علاقة لها بالزمن . . لأنها حقيقة نابعة من طبيعة الأشياء . . إنهم لن يكونوا أولياء للجماعة المسلمة في أي أرض ولا في أي تاريخ . . وقد مضت القرون تلو القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة . . لقد ولي بعضهم بعضا في حرب محمد صلى الله عليه وسلم والجماعة المسلمة في المدينة وولي بعضهم بعضا في كل فجاج الأرض , على مدار التاريخ . . ولم تختل هذه القاعدة مرة واحدة ; ولم يقع في هذه الأرض إلا ما قرره القرآن الكريم , في صيغة الوصف الدائم , لا الحادث المفرد . . واختيار الجملة الاسمية على هذا النحو . . بعضهم أولياء بعض . . ليست مجرد تعبير ! إنما هي اختيار مقصود للدلالة على الوصف الدائم الأصيل !
ثم رتب على هذه الحقيقة الأساسية نتائجها . . فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فإنه لا يتولاهم إلا من هو منهم . والفرد الذي يتولاهم من الصف المسلم , يخلع نفسه من الصف ويخلع عن نفسه صفة هذا الصف "الإسلام" وينضم إلى الصف الآخر . لأن هذه هي النتيجة الطبيعية الواقعية:
(ومن يتولهم منكم فإنه منهم) . .
وكان ظالما لنفسه ولدين الله وللجماعة المسلمة . . وبسبب من ظلمه هذا يدخله الله في زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولاءه . ولا يهديه إلى الحق ولا يرده إلى الصف المسلم:
(إن الله لا يهدي القوم الظالمين) . .
لقد كان هذا تحذيرا عنيفا للجماعة المسلمة في المدينة . ولكنه تحذير ليس مبالعا فيه . فهو عنيف . نعم ; ولكنه يمثل الحقيقة الواقعة . فما يمكن أن يمنح المسلم ولاءه لليهود والنصارى - وبعضهم أولياء بعض - ثم يبقى له إسلامه وإيمانه , وتبقى له عضويته في الصف المسلم , الذين يتولى الله ورسوله والذين آمنوا . . فهذا مفرق الطريق . .
وما يمكن أن يتميع حسم المسلم في المفاصلة الكاملة بينة وبين كل من ينهج غير منهج الإسلام ; وبينه وبين كل من يرفع راية غير راية الإسلام ; ثم يكون في وسعه بعد ذلك أن يعمل عملا ذا قيمة في الحركة الإسلاميةالضخمة التي تستهدف - أول ما تستهدف - إقامة نظام واقعي في الأرض فريد ; يختلف عن كل الأنظمة الأخرى ; ويعتمد على تصور متفرد كذلك من كل التصورات الأخرى . .
إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم , الذي لا أرجحة فيه ولا تردد , بأن دينه هو الدين الوحيد الذي يقبله الله من الناس - بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبأن منهجه الذي كلفه الله أن يقيم الحياة عليه , منهج متفرد ; لا نظير له بين سائر المناهج ; ولا يمكن الاستغناء عنه بمنهج آخر ; ولا يمكن أن يقوم مقامه منهج آخر ; ولا تصلح الحياة البشرية ولا تستقيم إلا أن تقوم على هذا المنهج وحده دون سواه ; ولا يعفيه الله ولا يغفر له ولا يقبله إلا إذا هو بذل جهد طاقته في إقامة هذا المنهج بكل جوانبه:الاعتقادية والاجتماعية ; لم يأل في ذلك جهدا , ولم يقبل من منهجه بديلا - ولا في جزء منه صغير - ولم يخلط بينه وبين أي منهج آخر في تصور اعتقادي , ولا في نظام اجتماعي , ولا في أحكام تشريعية , إلا ما استبقاه الله في هذا المنهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب . .
إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم بهذا كله هو - وحده - الذي يدفعه للاضطلاع بعبء النهوض بتحقيق منهج الله الذي رضيه للناس ; في وجه العقبات الشاقة , والتكاليف المضنية , والمقاومة العنيدة , والكيد الناصب , والألم الذي يكاد يجاوز الطاقة في كثير من الأحيان . . وإلا فما العناء في أمر يغني عنه غيره - مما هو قائم في الأرض من جاهلية . . سواء كانت هذه الجاهلية ممثلة في وثنية الشرك , أو في انحراف أهل الكتاب , أو في الإلحاد السافر . . بل ما العناء في إقامة المنهج الإسلامي , إذا كانت الفوارق بينه وبين مناهج أهل الكتاب أو غيرهم قليلة ; يمكن الالتقاء عليها بالمصالحة والمهادنة ?
إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة , باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية , يخطئون فهم معنى الأديان كما يخطئون فهم معنى التسامح . فالدين هو الدين الأخير وحده عند الله . والتسامح يكون في المعاملات الشخصية , لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي . . إنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم بأن الله لا يقبل دينا إلا الإسلام , وبأن عليه أن يحقق منهج الله الممثل في الإسلام ولا يقبل دونه بديلا ; ولا يقبل فيه تعديلا - ولو طفيفا - هذا اليقين الذي ينشئه القرآن الكريم وهو يقرر: (إن الدين عند الله الإسلام) . . (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) . . (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) . . (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) . . وفي القرآن كلمة الفصل . . ولا على المسلم من تميع المتميعين وتمييعهم لهذا اليقين !
ويصور السياق القرآني تلك الحالة التي كانت واقعة ; والتي ينزل القرآن من أجلها بهذا التحذير:
(فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم , يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) . .(1/49)
روى ابن جرير , قال:حدثنا أبو كريب , حدثنا إدريس , قال:سمعت أبي , عن عطية بن سعد . قال:جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله . إن لي موالي من يهود كثير عددهم ; وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود , وأتولى الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي [ رأس النفاق ]:إني رجل أخاف الدوائر . لا أبرأ من ولاية موالي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي:" يا أبا الحباب . ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة ابن الصامت فهو لك دونه " ! قال:قد قبلت ! فأنزل الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) . . .
وقال ابن جرير . "حدثنا هناد , حدثنا يونس بن بكير , حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري , قال:لما انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من اليهود:أسلموا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر . فقال مالك بن الصيف:أغركم أن أصبتم رهطا من قريش , لا علم لهم بالقتال ? أما لو أصررنا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يد أن تقاتلونا . فقال عبادة بن الصامت:يا رسول الله إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم , كثيرا سلاحهم , شديدة شوكتهم . وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود , ولا مولى لي إلا الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي:لكني لا أبرأ من ولاية يهود . إني رجل لا بد لي منهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا أبا الحباب أرأيت الذي نفست به من ولاية يهود على عبادة ابن الصامت ? فهو لك دونه ! " فقال:إذن أقبل . .
قال محمد بن إسحق:فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو قينقاع . فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة . قال:فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه . فقام إليه عبدالله بن أبي بن سلول - حين أمكنة الله منهم - فقال:يا محمد أحسن في موالي - وكانوا حلفاء الخزرج - قال:فأبطأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقال:يا محمد أحسن في موالي . قال:فأعرض عنه . قال:فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أرسلني " وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا . ثم قال:" ويحك ! أرسلني " . قال:لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي . أربعمائة حاسر , وثلاثمائه دارع , قد منعوني من الأحمر والأسود , تحصدهم في غداة واحدة ? إني امرؤ أخشى الدوائر . قال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هم لك " . .
قال محمد بن إسحق:فحدثني أبي إسحق بن يسار , عن عبادة , عن الوليد بن عبادة بن الصامت , قال:لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبدالله بن أبى وقام دونهم ; ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف بن الخزرج . له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم , وقال:يا رسول الله أبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم , وأتولى الله ورسوله والمؤمنين , وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم . ففيه وفي عبدالله بن أبي نزلت الآية في المائدة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء , بعضهم أولياء بعض) إلى قوله:(ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) . .
وقال الإمام أحمد:حدثنا قتيبة بن سعيد , حدثنا يحيى بن زكريا بن أبى زيادة , عن محمد بن إسحاق , عن الزهري , عن عودة , عن أسامة بن زيد , قال:"دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن أبى نعوده , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " قد كنت أنهاك عن حب يهود " فقال عبدالله:فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات . . [ وأخرجه أبو داود من حديث محمد بن إسحق ]
فهذه الأخبار في مجموعها تشير إلى تلك الحالة التي كانت واقعة في المجتمع المسلم ; والمتخلفة عن الأوضاع التي كانت قائمة في المدينة قبل الإسلام ; وكذلك عن التصورات التي لم تكن قد حسمت في قضية العلاقات التي يمكن أن تقوم بين الجماعة المسلمة واليهود والتي لا يمكن أن تقوم . . غير أن الذي يلفت النظر أنها كلها تتحدث عن اليهود , ولم يجى ء ذكر في الوقائع للنصارى . . ولكن النص يجمل اليهود والنصارى . . ذلك أنه بصدد إقامة تصور دائم وعلاقة دائمة وأوضاع دائمة بين الجماعة المسلمة وسائر الجماعات الأخرى , سواء من أهل الكتاب أو من المشركين [ كما سيجيء في سياق هذا الدرس ] . . ومع اختلاف مواقف اليهود من المسلمين عن مواقف النصارى في جملتها في العهد النبوي , ومع إشارة القرآن الكريم في موضع آخر من السورة إلى هذا الاختلاف في قوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا , ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى . . . الخ. . مع هذا الاختلاف الذي كان يومذاك , فإن النص هنا يسوي بين اليهود والنصارى - كما يسوي النص القادم بينهم جميعا وبين الكفار . . فيما يختص بقضية المحالفة والولاء . ذلك أن هذه القضية ترتكز على قاعدة أخرى ثابتة . هي:أن ليس للمسلم ولاء ولا حلف إلا مع المسلم ; وليس للمسلم ولاء إلا لله ولرسوله وللجماعة المسلمة . . ويستوي بعد ذلك كل الفرق في هذا الأمر . . مهما اختلفت مواقفهم من المسلمين في بعض الظروف . .
على أن الله - سبحانه - وهو يضع للجماعة المسلمة هذه القاعدة العامة الحازمة الصارمة , كان علمه يتناول الزمان كله , لا تلك الفترة الخاصة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وملابساتها الموقوتة . . وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء النصارى لهذا الدين وللجماعة المسلمة في معظم بقاع الأرض لم يكن أقل من عداء اليهود . . وإذا نحن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى مصر في حسن استقبال الإسلام , فإننا نجد الرقعة النصرانية في الغرب , قد حملت للإسلام في تاريخها كله منذ أن احتكت به من العداوة والضغن , وشنت عليه من الحرب والكيد , ما لا يفترق عن حرب اليهود وكيدهم في أي زمان ! حتى الحبشة التي أحسن عاهلها استقبال المهاجرين المسلمين واستقبال الإسلام , عادت فإذا هي أشد حربا على الإسلام والمسلمين من كل أحد ; لا يجاريها في هذا إلا اليهود . .
وكان الله - سبحانه - يعلم الأمر كله . فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة . بغض النظر عن واقع الفترة التي كان هذا القرآن يتنزل فيها وملابساتها الموقوتة ! وبغض النظر عما يقع مثلها في بعض الأحيان هنا وهناك إلى آخر الزمان .
وما يزال الإسلام والذين يتصفون به - ولو أنهم ليسوا من الإسلام في شيء - يلقون من عنت الحرب المشبوبة عليهم وعلى عقيدتهم من اليهود والنصارى في كل مكان على سطح الأرض , ما يصدق قول الله تعالى:
(بعضهم أولياء بعض) . . وما يحتم أن يتدرع المسلمون الواعون بنصيحة ربهم لهم . بل بأمره الجازم , ونهيه القاطع ; وقضائه الحاسم في المفاصلة الكاملة بين أولياء الله ورسوله , وكل معسكر آخر لا يرفع راية الله ورسوله . .(1/50)
إن الإسلام يكلف المسلم أن يقيم علاقاته بالناس جميعا على أساس العقيدة . فالولاء والعداء لا يكونان في تصور المسلم وفي حركته على السواء إلا في العقيدة . . ومن ثم لا يمكن أن يقوم الولاء - وهو التناصر - بين المسلم وغير المسلم ; إذ أنهما لا يمكن أن يتناصرا في مجال العقيدة . . ولا حتى أمام الإلحاد مثلا - كما يتصور بعض السذج منا وبعض من لا يقرأون القرآن ! - وكيف يتناصران وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه ?
إن بعض من لا يقرأون القرآن , ولا يعرفون حقيقة الإسلام ; وبعض المخدوعين أيضا . . يتصورون أن الدين كله دين ! كما أن الإلحاد كله إلحاد ! وأنه يمكن إذن أن يقف "التدين" بجملته في وجه الإلحاد . لأن الإلحاد ينكر الدين كله , ويحارب التدين على الإطلاق . .
ولكن الأمر ليس كذلك في التصور الإسلامي ; ولا في حس المسلم الذي يتذوق الإسلام . ولا يتذوقالإسلام إلا من يأخذه عقيدة , وحركة بهذه العقيدة , لإقامة النظام الإسلامي .
إن الأمر في التصور الإسلامي وفي حس المسلم واضح محدد . . الدين هو الإسلام . . وليس هناك دين غيره يعترف به الإسلام . . لأن الله - سبحانه - يقول هذا . يقول: (إن الدين عند الله الإسلام) . . ويقول: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) . . وبعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لم يعد هناك دين يرضاه الله ويقبله من أحد إلا هذا "الإسلام" . . في صورته التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وما كان يقبل قبل بعثة محمد من النصارى لم يعد الآن يقبل . كما أن ما كان يقبل من اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلام , لم يعد يقبل منهم بعد بعثته . .
ووجود يهود ونصارى - من أهل الكتاب - بعد بعثه محمد صلى الله عليه وسلم - ليس معناه أن الله يقبل منهم ما هم عليه ; أو يعترف لهم بأنهم على دين إلهي . . لقد كان ذلك قبل بعثة الرسول الأخير . . أما بعد بعثته فلا دين - في التصور الإسلامي وفي حس المسلم - إلا الإسلام . . وهذا ما ينص عليه القرآن نصا غير قابل للتأويل . .
إن الإسلام لا يكرههم على ترك معتقداتهم واعتناق الإسلام . . لأنه (لا إكراه في الدين) ولكن هذا ليس معناه أنه يعترف بما هم عليه "ديناً ويراهم على دين" . .
ومن ثم فليس هناك جبهه تدين يقف معها الإسلام في وجه الإلحاد ! هناك "دين" هو الإسلام . . وهناك "لا دين" هو غير الإسلام . . ثم يكون هذا اللادين . . عقيدة أصلها سماوي ولكنها محرفه , أو عقيده أصلها وثني باقيه على وثنيتها . أو إلحاداً ينكر الأديان . . تختلف فيما بينها كلها . . ولكنها تختلف كلها مع الإسلام . ولا حلف بينها وبين الإسلام ولا ولاء . .
والمسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلاء ; وهو مطالب بإحسان معاملتهم - كما سبق - ما لم يؤذوه في الدين ; ويباح له أن يتزوج المحصنات منهن - على خلاف فقهي فيمن تعتقد بألوهية المسيح أو بنوته , وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابيه تحل أم مشركة تحرم - وحتى مع الأخذ بمبدأ تحليل النكاح عامه . . فإن حسن المعامله وجواز النكاح , ليس معناها الولاء والتناصر في الدين ; وليس معناها اعتراف المسلم بأن دين أهل الكتاب - بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو دين يقبله الله ; ويستطيع الإسلام أن يقف معه في جبهه واحدة لمقاومة الإلحاد !
إن الإسلام قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب ; كما جاء ليصحح اعتقادات المشركين والوثنيين سواء .
ودعاهم إلى الإسلام جميعاً , لأن هذا هو "الدين" الذي لا يقبل الله غيره من الناس جميعاً . ولما فهم اليهود أنهم غير مدعوين إلى الإسلام , وكبر عليهم أن يدعوا إليه , جابههم القرآن الكريم بأن الله يدعوهم إلى الإسلام , فإن تولوا عنه فهم كافرون !
والمسلم مكلف أن يدعوا أهل الكتاب إلى الإسلام , كما يدعو الملحدين والوثنيين سواء . وهو غير مأذون في أن يكره أحداً من هؤلاء ولا هؤلاء على الإسلام . لأن العقائد لا تنشأ في الضمائر بالإكراه . فالإكراه في الدين فوق أنه منهي عنه , هو كذلك لا ثمره له .
ولا يستقيم أن يعترف المسلم بأن ما عليه أهل الكتاب - بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو دين يقبله الله . . ثم يدعوهم مع ذلك إلى الإسلام ! . . إنه لا يكون مكلفاً بدعوتهم إلى الإسلام إلا على أساس واحد ; هو أنه لا يعترف بأن ما هم عليه دين . وأنه يدعوهم إلى الدين .
وإذا تقررت هذه البديهيه , فإنه لا يكون منطقياً مع عقيدته إذا دخل في ولاء أو تناصر للتمكين للدين في الأرض , مع من لا يدين بالإسلام .
إن هذه القضيه في الإسلام قضيه اعتقاديه إيمانيه . كما أنها قضيه تنظيميه حركيه !
من ناحيه أنها قضيه إيمانيه اعتقاديه نحسب أن الأمر قد صار واضحاً بهذا البيان اذي أسلفناه , وبالرجوع إلى النصوص القرآنيه القاطعه بعدم قيام ولاء بين المسلمين وأهل الكتاب .
ومن ناحية أنها قضية تنظيمية حركية الأمر واضح كذلك . . فإذا كان سعي المؤمن كله ينبغي أن يتجه إلى إقامة منهج الله في الحياة - وهو المنهج الذي ينص عليه الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بكل تفصيلات وجوانب هذا المنهج , وهي تشمل كل نشاط الإنسان في الحياة . . فكيف يمكن إذن أن يتعاون المسلم في هذا السعي مع من لا يؤمن بالإسلام دينا ومنهجا ونظاما وشريعة ; ومن يتجه في سعيه إلى أهداف أخرى - إن لم تكن معادية للإسلام وأهدافه فهي على الأقل ليست أهداف الإسلام - إذ الإسلام لا يعترف بهدف ولا عمل لا يقوم على أساس العقيدة مهما بدا في ذاته صالحا - (والذين كفروا أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) . .
والإسلام يكلف المسلم أن يخلص سعيه كله للإسلام . . ولا يتصور إمكان انفصال أية جزئية في السعي اليومي في حياة المسلم عن الإسلام . . لا يتصور إمكان هذا إلا من لا يعرف طبيعة الإسلام وطبيعة المنهج الإسلامي . . ولا يتصور أن هناك جوانب في الحياة خارجة عن هذا المنهج يمكن التعاون فيها مع من يعادي الإسلام , أو لا يرضى من المسلم إلا أن يترك إسلامه , كما نص الله في كتابه على ما يطلبه اليهود والنصارى من المسلم ليرضوا عنه ! . . إن هناك استحالة اعتقادية كما أن هناك استحالة عملية على السواء . .
ولقد كان اعتذار عبدالله بن أبي بن سلول , وهو من الذين في قلوبهم مرض , عن مسارعته واجتهاده في الولاء ليهود , والاستمساك بحلفه معها , هي قوله:إنني رجل أخشى الدوائر ! إني أخشى أن تدور علينا الدوائر وأن تصيبنا الشدة , وأن تنزل بنا الضائقة . . وهذه الحجة هي علامة مرض القلب وضعف الإيمان . . فالولي هو الله ; والناصر هو الله ; والاستنصار بغيره ضلالة , كما أنه عبث لا ثمرة له . . ولكن حجة ابن سلول , هي حجة كل بن سلول على مدار الزمان ; وتصوره هو تصور كل منافق مريض القلب , لا يدرك حقيقة الإيمان . . وكذلك نفر قلب عبادة بن الصامت من ولاء يهود بعد ما بدا منهم ما بدا . لأنه قلب مؤمن فخلع ولاء اليهود وقذف به , حيث تلقاه وضم عليه صدره وعض عليه بالنواجذ عبدالله بن أبى بن سلول !
إنهما نهجان مختلفان , ناشئان عن تصورين مختلفين , وعن شعورين متباينين , ومثل هذا الاختلاف قائم على مدار الزمان بين قلب مؤمن وقلب لا يعرف الإيمان !
ويهدد القرآن المستنصرين بأعداء دينهم , المتألبين عليهم , المنافقين الذين لا يخلصون لله اعتقادهم ولا ولاءهم ولا اعتمادهم . . يهددهم برجاء الفتح أو أمر الله الذي يفصل في الموقف ; أو يكشف المستور من النفاق .(1/51)
(فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده , فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) .
وعندئذ - عند الفتح - سواء كان هو فتح مكة أو كان الفتح بمعنى الفصل أو عند مجيء أمر الله - يندم أولئك الذين في قلوبهم مرض , على المسارعة والاجتهاد في ولاء اليهود والنصارى وعلى النفاق الذي انكشف أمره , وعندئذ يعجب الذين آمنوا من حال المنافقين , ويستنكرون ما كانوا فيه من النفاق وما صاروا إليه من الخسران !
(ويقول الذين آمنوا:أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم ? حبطت أعمالهم , فأصبحوا خاسرين !) . .
ولقد جاء الله بالفتح يوما , وتكشفت نوايا , وحبطت أعمال , وخسرت فئات . ونحن على وعد من الله قائم بأن يجيء الفتح , كلما استمسكنا بعروة الله وحده ; وكلما أخلصنا الولاء لله وحده . وكلما وعينا منهج الله , وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا . وكلما تحركنا في المعركة على هدى الله وتوجيهه . فلم نتخذ لنا وليا إلا الله ورسوله والذين آمنوا . .
----------
وفي التفسير الوسيط :
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات الكريمة روايات منها :
ما رواه السدي من أنها نزلت في رجلين قال أحدهما لصاحبه بعد واقعة أحد : أما أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهودي فأواليه واتهود معه لعله ينفعني إذا وقع أمر أو حدث حادث . وقال الآخر : وأما أنا فإني ذاهب إلى فلان النصراني بالشام فأواليه وانتصر معه . فأنزل الله تعالى الآيات .
وقال عكرمة : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر ، حيث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلى بني قريظة فسألوه : ماذا هو صانع بنا؟ فأشار بيده إلى حلقه ، أي : إنه الذبح .
وقيل نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول فقد أخرج ابن جرير عن عطية بن سعد قال : جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي موالي من يهود كثير عددهم . وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولى الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية موالي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أُبي : يا أبا الحباب ، ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو إليك دونه قال : قد قبلت . فأنزل الله تعالى : { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ . . . } إلى قوله : { نَادِمِينَ } .
والخطاب في قوله عز وجل : { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ } للمؤمنين جميعا في كل زمان ومكان ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
الأولياء جمع ولي ويطلق بمعنى النصير والصديق والحبيب .
والمراد بالولاية هنا : مصافاة أعداء الإِسلام والاستنصار بهم ، والتحالف معهم دون المسلمين .
أي : يا أيها الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر . ، لا يتخذ أحد منكم أحدا من اليهود والنصارى وليا ونصيرا ، أي : لا تصافوهم مصافاة الأحباب ، ولا تستنصروا بهم ، فإنهم جميعا يد واحدة عليكم ، يبغونكم الغوائل ، ويتربصون بكم الدوائر ، فكيف يتوهم بينكم وبينهم موالاة؟
وقد نادى - سبحانه - المؤمنين بصفة الإِيمان ، لحملهم من أول الأمر على الانزجار عما نهوا عنه ، إذ أن وصفهم بما هو ضد صفات الفريقين - اليهود والنصارى - من أقوى الزواجر عن موالاتهما :
وقوله : { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } جملة مستأنفة بمثابة التعليل للنهي ، والتأكيد لوجوب اجتناب المنهي عنه .
أي لا تتخذوا أيها المؤمنون اليهود والنصارى أولياء ، لأن بعض اليهود أولياء لبعض منهم ، وبعض النصارى أولياء لبعض منهم ، والكل يضمرون لكلم البغضاء والشر ، وهم وإن اختلفوا فيما بينهم ، لكنهم متفقون على كراهية الإِسلام والمسلمين .
وقوله { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } تنفير من موالاة اليهود والنصارى بعد النهي عن ذلك . والولاية لليهود والنصارى إن كانت على سبيل الرضا بدينهم ، والطعن في دين الإِسلام ، كانت كفرا وخروجا عن دين الإِسلام .
وإلى هذا المعنى أشار ابن جرير بقوله : قوله : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } أي : ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم ، فإنه لا يتولى متول أحدا إلا وهو به وبدينه راض . وإذا رضى دينه ، فقد عادى من خالفه وسخطه . وصار حكمه حكمه " .
وإذا كانت الولاية لهم ليست على سبيل الرضا بدينهم وإنما هي على سبيل المصافاة والمصادقة كانت معصية تختلف درجتها بحسب قوة الموالاة وبحسب اختلاف أحوال المسلمين وتأثرهم بهذه الموالاة .
قال الفخر الرازي : قوله : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } قال ابن عباس : يريد كأنه مثلهم . وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين .
روىعن أبي موسى الأشعري أنه قال : قلت لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إن لي كاتبا نصرانيا فقال : مالك قاتلك الله ، ألا اتخذت حنيفيا أما سمعت قول الله تعالى { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ } قلت : له دينه ولي كتابته . فقال : لا أكرمهم إذا أهانهم الله ، ولا أعزهم إذ أذلهم الله . ولا أدنيهم إذ أبعدهم الله قلت لا يتم أمر البصرة إلا به . فقال : مات النصراني والسلام .
يعني : هب أنه مات فما تصنع بعد ، فما تعمله بعد موته فاعمله الآن واستغن عنه بغيره .
وقوله : { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } تعليل لكون من يواليهم منهم وتأكيد للنهي عن موالاتهم .
أي : إن الله لا يهدي القوم الظالمين لأنفسهم إلى الطريق المستقيم ، وإنما يخليهم وشأنهم فيقعون في الكفر والضلال ، والفسوق والعصيان ، بسبب وضعهم الولاية في غير موضعها الحق ، وسيرهم في طريق أعداء الله .
وبعد هذا النهي الشديد عن موالاة أعداء الله ، صور القرآن حالة من حالات المنافقين بين فيها كيفية توليهم لأعداء الله ، وأشعر بسببه فقال : { فَتَرَى الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } .
والدائرة : من الصفات الغالبة التي لا يذكر معها موصوفها . وأصلها داورة . لأنها من دار يدور . ومعناها لغة : ما أحاط بالشيء . والمراد بها هنا : المصيبة من مصائب الدهر التي تحيط بالناس كما تحيط الدائرة بما في داخلها .
والمعنى : فترى - يا محمد أولئك المنافقين الذين ضعف إيمانهم ، وذهب يقينهم ، يسارعون في مناصرة أعداء الإِسلام مسارعة في الداخل في الشيء ، قائلين في أنفسهم أو للناصحين لهم بالثبات على الحق : اتركونا وشأننا فإننا نخشى أن تنزل بنا مصيبة من المصائب التي تدور بها الزمان كأن تمسنا أزمة مالية ، أو ضائقة اقتصادية ، أو أن يكون النصر في النهاية لهؤلاء الذين نواليهم فنحن نصادقهم ونصافيهم لنتقي شرهم ، ولننال عونهم عند الملمات والضوائق . قال الجمل : والفاء في قوله { فَتَرَى } إما للسببية المحضة : أي : بسبب أن الله لا يهدي القوم الظالمين المتصفين بما ذكر { فَتَرَى الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } وإما للعطف على قوله : { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } من حيث المعنى .
والرؤية في قوله ( ترى ) بصرية ، فتكون جملة يسارعون حال . وقيل علمية فتكون جملة يسارعون مفعولا ثانيا . والأول أنسب بظهور نفاقهم .(1/52)
وقوله : { يَقُولُونَ نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } حال من ضمير يسارعون .
والتعبير بقوله : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } تعبير قوي رائع ، وصف القرآن به المنافقين وأشباههم في الكفر والضلال في مواطن كثيرة ، لأنه لما كانت قوة القلب تضرب مثلا للثبات والتماسك .
كان ضعف القلب الذي عبر عنه بالمرض يضرب مثلا للخور ، والتردد والتزلزل ، وانهيار النفس .
وهذه طبيعة المنافقين ومن على شاكلتهم في كل زمان ومكان . إنهم لا يمكن أن يكونوا صرحاء في انحيازهم إلى ناحية معينة . وإنما هم يترددون بين الناحيتين ، ويلتمسون الحظوة في الجانبين - فهم كما يقال : يصلون خلف على ويأكلون على مائدة معاوية - وأبلغ من كل ذلك وصف الله لهم بقوله : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء } والتعبير بقوله - سبحانه - ترى . . تصوير للحال الواقعة منهم بأنها كالمرئية المكشوفة التي لا تخفى على العقلاء البصراء .
وفي ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتحذير له ولأصحابه من مكر أولئك الذين في قلوبهم مرض .
والتعبير بقوله : { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } يشير إلى أنهم لا يدخلون ابتداء في صفوف الأعداء " وإنما هم منغمرون فيهم دائما " ولا يخرجون عن دائرتهم بل ينتقلون في صفوفهم بسرعة ونشاط من دركة إلى دركة ، ومن إثم إلى آثام .
وقوله - تعالى - حكاية عنهم : { يَقُولُونَ نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } بيان لما اعتذروا به من معاذير كاذبة تدل على سقوط همتهم ، وقلة ثقتهم بما وعد الله به المؤمنين من حسن العاقبة .
ولذا فقد رد الله عليهم بما يكتبهم ، وبما يزيدالمؤمنين إيمانا على إيمانهم فقال تعالى : { فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ على مَآ أَسَرُّواْ في أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } .
وعسى : لفظ يدل على الرجاء والطمع في الحصول على المأمول ، وإذا صدر من الله - تعالى - كان متحقق الوقوع لأنه صادر من أكرم الأكرمين الذي لا يخلف وعده ، ولا يخيب من رجاه .
والفتح يطلق بمعنى التوسعة بعد الضيق كما في قوله : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء } ويطلق بمعنى الفصل بين الحق والباطل . ومن ذلك قوله - تعالى - : { رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق } ويطلق بمعنى الظفر والنصر كما في قوله - تعالى - { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } ولفظ الفتح هنا يشمل هذه الأمور الثلاثة فهو سبعة بعد ضيق ، وفصل بين حق وباطل ، ونصر بعد جهاد طويل . والمعنى : لا تهتموا أيها المؤمنون بمسارعة هؤلاء الذين في قلوبهم مرض إلى صفوف أعدائكم وارتمائهم في أحضانهم خشية أن تصيبهم دائرة ، فلعل الله - عز وجل - بفضله وصدق وعده أن يأتي بالخير العميم والنصر المؤزر الذي يظهر دينه . ويجعل كلمته هي العليا . . أو يأتي بأمر من عنده لا أثر لكم فيه فيزلزل قلوب أعدائكم ، وينصركم عليهم ، ويجعل الهزيمة والندم للموالين لأعدائكم ، وبسبب شكهم في أن تكون العاقبة للإِسلام والمسلمين .
ولقد صدق الله وعده ، ففضح المنافقين وأذلهم ، وأنزل الهزيمة باليهود ، وأورث المؤمنين أرضهم وديارهم وأموالهم .
وقد جاء التعبير في قوله - تعالى - : { فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح } بصيغة الرجاء ، لتعليم المؤمنين عدم اليأس من رحمة الله ، ومن مجيء نصره ، ولتعويدهم على أن يتوجهوا إليه - سبحانه - في مطالبهم بالرجاء الصادق ، والأمل الخالص .
قال الفخر الرازي : فإن قيل : شرط صحة التقسيم أن يكون ذلك بين قسمين متنافيين .
وقوله : { فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } ليس كذلك ، لأن الإِتيان بالفتح داخل في قوله : { أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } .
قلنا : قوله : { أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } معناه : أو أمر من عنده لا يكون للناس فيه فعل ألبتة ، كبني النضير الذين طرح الله في قلوبهم الرعب فأعطوا بأيديهم من غير محاربة ولا عسكر .
والضمير في قوله : { فَيُصْبِحُواْ } يعود على أولئك المنافقين الذين في قلوبهم مرض والجملة معطوفة على { أَن يَأْتِيَ } داخل معه في حيز خبر عسى .
وعبر - سبحانه - عن ندمهم بالوصف { نَادِمِينَ } لا بالفعل ، للإيذان بأنه ندم دائم تصحبه الحسرات والآلام المستمرة ، بسبب ما وقعوا فيه من ظن فاسد ، وأمل خائب .
ثم حكى - سبحانه - ما قاله المؤمنون الصادقون على سبيل الإِنكار لمسالك المنافقين الخبيثة وتوبيخهم على ضعف إيمانهم ، وهوان نفوسهم فقال - تعالى : { وَيَقُولُ الذين آمَنُواْ أهؤلاء الذين أَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ } .
قال الآلوسي : قوله : { وَيَقُولُ الذين آمَنُواْ } كلام مستأنف لبيان كمال سوء حال الطائفة المذكورة : - وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي بإثبات الواو مع الرفع .
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر بغير واو على أنه استئناف بياني ، كأنه قيل : فماذا يقول المؤمنون حينئذ؟ .
وقرأ أبو عمرو ويعقوب : ويقول بالنصب عطفا على { فَيُصْبِحُواْ } .
وقوله : { جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي : أقوى أيمانهم وأغلظها . والجهد : الوسع والطاقة والمشقة .
يقال جهد نفسه يجهدها في الأمر إذا بلغ بها أقصى وسعها وطاقتها فيه . والمراد : أنهم أكدوا الإِيمان ووثقوها بكل ألفاظ التأكيد والتوثيق .
والمعنى : ويقول الذين آمنوا بعضهم لبعض مستنكرين ما صدر عن المنافقين من خداع وكذب ، ومتعجبين من ذبذبتهم والتوائهم : يقولون مشيرين إلى المنافقين : أهؤلاء الذين أقسموا بالله مؤكدين إيمانهم بأقوى المؤكدات وأوثقها ، بأن يكونوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومعنا في ولايتهم ونصرتهم ومعونتهم .
. . ؟
فالاستفهام للإِنكار والتعجيب من أحوال هؤلاء المنافقين الذين مردوا على الخداع والكذب .
وقد ذكر صاحب الكشاف وجها آخر في معنى ويقول الذين آمنوا فقال : فإن قلت : لمن يقولون هذا القول؟ قلت : إما أن يقوله بعضهم لبعض تعجبا من حالهم ، واغتباطا بما من الله عليهم من التوفيق في الإِخلاص { أهؤلاء الذين أَقْسَمُواْ } لكم بأغلظ الإِيمان أنهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار .
وإما أن يقولوه لليهود ، لأنهم - أي المنافقون - حلفوا لهم بالمعاضدة والنصرة كما حكى الله عنهم { وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } ثم خذلوهم - ، :
وعلى كلا الوجهين فالجملة الكريمة تنعى على المنافقين كذبهم وجبنهم ، وتعجب الناس من طباعهم الذميمة ، وأخلاقهم المرذولة .
وقوله : { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } أي : فسدت أعمالهم وبطلت فصابروا خاسرين في الدنيا والآخرة .
ويحتمل أن تكون هذه الجملة مما حكاه الله - تعالى - من قول المؤمنين ويحتمل أنها من كلام الله - تعالى - وقد ساقها على سبيل الحكم عليهم بفساد أعمالهم ، وسوء مصيرهم .
هذا ، وقد اشتملت هذه الآيات الكريمة على ضرورب من توكيد النهي عن موالاة أعداء الله - تعالى - بأساليب متعددة .
منها : النهي الصريح كما في قوله - تعالى - : { لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ } .
ومنها : بيان علة الني كما في قوله : { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } .
ومنها : التصريح بأن من يواليهم فهو منهم وذلك في قوله : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } .(1/53)
ومنها : تسجيل الظلم على من يواليهم كما في قوله : { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } .
ومنها : الإِخبار بأن موالاتهم من طبيعة الذين في قلوبهم مرض قال - تعالى - : { فَتَرَى الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } .
ومنها : قطع أطماع الموالين لهم وتبشير المؤمنين بالفوز قال - تعالى - : { فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } .
ومنها : الإِخبار عن حال الموالين لهم بقوله : { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } .
وهنا قد يرد سؤال وهو : إن الآيات الكريمة وما يشبهها من الآيات القرآنية تؤكد النهي عن موالاة غير المسلمين ومودتهم فهل هذا النهي على إطلاقه؟
والجواب عن ذلك أن غير المسلمين أقسام ثلاثة : القسم الأول : وهم الذين يعيشون مع المسلميلن ويسالمونهم ، ولا يعملون لحساب غيرهم؛ ولم يبدر منهم ما يفضي إلى سوء الظن بهم وهؤلاء لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم ، ولا مانع من مودتهم والإِحسان إليهم كما في قوله - تعالى - { لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتقسطوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين } والقسم الثاني : وهم الذين يقاتلون المسلمين ، ويسيئون إليهم بشتى الطرق وهؤلاء لا تصح مصافاتهم ، ولا تجوز موالاتهم ، وهم الذين عناهم الله في الآيات التي معنا وفيما يشبهها من آيات كما في قوله - تعالى { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين قَاتَلُوكُمْ فِي الدين وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ على إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فأولئك هُمُ الظالمون } والقسم الثالث : قوم لا يعلنون العداوة لنا ولكن القرائن تدل على أنهم لا يبحبوننا بل يحبون أعداءنا ، وهؤلاء يأمرنا ديننا بأن نأخذ حذرنا منهم دون أن نعتدي .
ومهما تكن أحوال غير المسلمين؛ فإنه لا يجوز لولي الأمر المسلم أن يوكل إليهم ما يتعلق بأسرار الدولة الإسلامية . أو أن يتخذهم بطانة له بحيث يطلعون على الأمور التي يؤدي إفشاؤها إلى خسارة الأمة في السلم أو الحرب .
----------
وقال السعدي :
يرشد تعالى عباده المؤمنين حين بيَّن لهم أحوال اليهود والنصارى وصفاتهم غير الحسنة، أن لا يتخذوهم أولياء. فإن بَعْضهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يتناصرون فيما بينهم ويكونون يدا على من سواهم، فأنتم لا تتخذوهم أولياء، فإنهم الأعداء على الحقيقة ولا يبالون بضركم، بل لا يدخرون من مجهودهم شيئا على إضلالكم، فلا يتولاهم إلا من هو مثلهم، ولهذا قال: { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } لأن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم. والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئا فشيئا، حتى يكون العبد منهم.
{ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } أي: الذين وصْفُهم الظلم، وإليه يَرجعون، وعليه يعولون. فلو جئتهم بكل آية ما تبعوك، ولا انقادوا لك.
ولما نهى الله المؤمنين عن توليهم، أخبر أن ممن يدعي الإيمان طائفةً تواليهم، فقال: { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي: شك ونفاق، وضعف إيمان، يقولون: إن تولينا إياهم للحاجة، فإننا { نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } أي: تكون الدائرة لليهود والنصارى، فإذا كانت الدائرة لهم، فإذا لنا معهم يد يكافؤننا عنها، وهذا سوء ظن منهم بالإسلام، قال تعالى -رادا لظنهم السيئ-: { فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ } الذي يعز الله به الإسلام على اليهود والنصارى، ويقهرهم المسلمون { أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِندِهِ } ييأس به المنافقون من ظفر الكافرين من اليهود وغيرهم { فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا } أي: أضمروا { فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ } على ما كان منهم وضرهم بلا نفع حصل لهم، فحصل الفتح الذي نصر الله به الإسلام والمسلمين، وأذل به الكفر والكافرين، فندموا وحصل لهم من الغم ما الله به عليم.
{ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا } متعجبين من حال هؤلاء الذين في قلوبهم مرض: { أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ } أي: حلفوا وأكدوا حلفهم، وغلظوه بأنواع التأكيدات: إنهم لمعكم في الإيمان، وما يلزمه من النصرة والمحبة والموالاة، ظهر ما أضمروه، وتبين ما أسروه، وصار كيدهم الذي كادوه، وظنهم الذي ظنوه بالإسلام وأهله -باطلا فبطل كيدهم وبطلت { أَعْمَالُهُمْ } في الدنيا { فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ } حيث فاتهم مقصودهم، وحضرهم الشقاء والعذاب.
------------------
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (57) سورة المائدة
قال الرازي :
أعلم أنه تعالى نهى في الآية المتقدمة عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وساق الكلام في تقريره ، ثم ذكر ههنا النهي العام عن موالاة جميع الكفار وهو هذه الآية ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ أبو عمرو والكسائي { الكفار } بالجر عطفاً على قوله { مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } ومن الكفار ، والباقون بالنصب عطفاً على قوله { الذين اتخذوا } بتقدير : ولا الكفار .
المسألة الثانية : قيل : كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث أظهرا الإيمان ثم نافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادونهما ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية .
المسألة الثالثة : هذه الآية تقتضي امتياز أهل الكتاب عن الكفار لأن العطف يقتضي المغايرة ، وقوله { لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب } [ البينة : 1 ] صريح في كونهم كفاراً ، وطريق التوفيق بينهما أن كفر المشركين أعظم وأغلظ ، فنحن لهذا السبب نخصصهم باسم الكفر ، والله أعلم .
المسألة الرابعة : معنى تلاعبهم بالدين واستهزائهم إظهارهم ذلك باللسان مع الإصرار على الكفر في القلب ، ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة { وَإِذَا لَقُواْ الذين ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شياطينهم قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤن } [ البقرة : 14 ] والمعنى أن القوم لما اتخذوا دينكم هزواً وسخرية فلا تتخذوهم أولياء وأنصاراً وأحباباً ، فإن ذلك الأمر خارج عن العقل والمروءة .
لما حكى في الآية الأولى عنهم أنهم اتخذوا دين المسلمين هزواً ولعباً ذكر ههنا بعض ما يتخذونه من هذا الدين هزواً ولعباً فقال : { وَإِذَا ناديتم إِلَى الصلاة اتخذوها هُزُواً وَلَعِباً } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الضمير في قوله { اتخذوها } للصلاة أو المناداة .
قيل : كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المؤذن بالمدينة يقول : أشهد أن محمداً رسول الله يقول : احرق الكاذب ، فدخلت خادمته بنار ذات ليلة فتطايرت منها شرارة في البيت فاحترق البيت واحترق هو وأهله .
وقيل : كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي للصلاة وقام المسلمون إليها ، فقالت اليهود : قاموا لا قاموا ، صلوا لا صلوا على طريق الاستهزاء ، فنزلت الآية .
وقيل : كان المنافقون يتضاحكون عند القيام إلى الصلاة تنفيراً للناس عنها .(1/54)
وقيل : قالوا يا محمد لقد أبدعت شيئاً لم يسمع فيما مضى ، فإن كنت نبياً فقد خالفت فيما أحدثت جميع الأنبياء ، فمن أين لك صياح كصياح العير ، فأنزل الله هذه الآية .
المسألة الثانية : قالوا : دلت الآية على ثبوت الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده .
المسألة الثالثة : قوله { هُزُواً وَلَعِباً } أمران ، وذلك لأنهم عند إقامة الصلاة يقولون : هذه الأعمال التي أتينا بها استهزاءً بالمسلمين وسخرية منهم ، فإنهم يظنون أنا على دينهم مع أنا لسنا كذلك . ولما اعتقدوا أنه ليس فيها فائدة ومنفعة في الدين والدنيا قالوا إنها لعب .
ثم قال تعالى : { ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } أي لو كان لهم عقل كامل لعلموا أن تعظيم الخالق المنعم وخدمته مقرونة بغاية التعظيم لا يكون هزواً ولعباً ، بل هو أحسن أعمال العباد وأشرف أفعالهم ، ولذلك قال بعض الحكماء : أشرف الحركات الصلاة ، وأنفع السكنات الصيام .
---------
وفي الظلال :
هي ملابسة مثيرة لكل من له حمية المؤمن ; الذي لا يرى لنفسه كرامة إذا أهين دينه , وأهينت عبادته , وأهينت صلاته , واتخذ موقفه بين يدي ربه مادة للهزء واللعب . . فكيف يقوم ولاء بين الذين آمنوا وبين أحد من هؤلاء الذين يرتكبون هذه الفعلة ; ويرتكبونها لنقص في عقولهم . فما يستهزى ء بدين الله وعبادة المؤمنين به , إنسان سوي العقل ; فالعقل - حين يصح ويستقيم - يرى في كل شيء من حوله موحيات الإيمان بالله .
وحين يختل وينحرف لا يرى هذه الموحيات , لأنه حينئذ تفسد العلاقات بينه وبين هذا الوجود كله . فالوجود كله يوحي بأن له إلها يستحق العبادة والتعظيم . والعقل حين يصح ويستقيم يستشعر جمال العبادة لإله الكون وجلالها كذلك , فلا يتخذها هزوا ولعبا وهو صحيح مستقيم .
ولقد كان هذا الاستهزاء واللعب يقع من الكفار , كما كان يقع من اليهود خاصة من أهل الكتاب , في الفترة التي كان هذا القرآن يتنزل فيها على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم للجماعة المسلمة في ذلك الحين . ولم نعرف من السيرة أن هذا كان يقع من النصارى . . ولكن الله - سبحانه - كان يضع للجماعة المسلمة قاعدة تصورها ومنهجها وحياتها الدائمة . وكان الله - سبحانه - يعلم ما سيكون على مدار الزمان مع أجيال المسلمين . وها نحن أولاء رأينا ونرى أن أعداء هذا الدين وأعداء الجماعة المسلمة على مدار التاريخ أمس واليوم من الذين قالوا:إنهم نصارى كانوا أكثر عددا من اليهود ومن الكفار مجتمعين ! فهؤلاء - كهؤلاء - قد ناصبوا الإسلام العداء , وترصدوه القرون تلو القرون , وحاربوه حربا لا هوادة فيها منذ أن اصطدم الإسلام بالدولة الرومانية على عهد أبى بكر وعمر - رضي الله عنهما - حتى كانت الحروب الصليبية ; ثم كانت "المسألة الشرقية " التي تكتلت فيها الدول الصليبية في أرجاء الأرض للإجهاز على الخلافة ; ثم كان الاستعمار الذي يخفي الصليبية بين أضلاعه فتبدو في فلتات لسانه ; ثم كان التبشير الذي مهد للاستعمار وسانده ; ثم كانت وما تزال تلك الحرب المشبوبة على كل طلائع البعث الإسلامي في أي مكان في الأرض . . وكلها حملات يشترك فيها اليهود والنصارى والكفار والوثنيون . .
وهذا القرآن جاء ليكون كتاب الأمة المسلمة في حياتها إلى يوم القيامة . الكتاب الذي يبني تصورها الاعتقادي , كما يبني نظامها الاجتماعي , كما يبني خطتها الحركية . . سواء . . وها هو ذا يعلمها ألا يكون ولاؤها إلا لله ولرسوله وللمؤمنين ; وينهاها أن يكون ولاؤها لليهود والنصارى والكافرين . ويجزم ذلك الجزم الحاسم في هذه القضية , ويعرضها هذا العرض المنوع الأساليب .
إن هذا الدين يأمر أهله بالسماحة , وبحسن معاملة أهل الكتاب ; والذين قالوا:إنهم نصارى منهم خاصة . . ولكنه ينهاهم عن الولاء لهؤلاء جميعا . . لأن السماحة وحسن المعاملة مسألة خلق وسلوك . أما الولاء فمسألة عقيدة ومسألة تنظيم . إن الولاء هو النصرة . هو التناصر بين فريق وفريق ; ولا تناصر بين المسلمين وأهل الكتاب - كما هو الشأن في الكفار - لأن التناصر في حياة المسلم هو - كما أسلفنا - تناصر في الدين ; وفي الجهاد لإقامة منهجه ونظامه في حياة الناس ; ففيم يكون التناصر في هذا بين المسلم وغير المسلم . وكيف يكون ?!
إنها قضية جازمة حاسمة لا تقبل التميع , ولا يقبل الله فيها إلا الجد الصارم ; الجد الذي يليق بالمسلم في شأن الدين . .
---------------
وفي التفسير الوسيط :
قال الآلوسي : أخرج ابن إسحاق وجماعة عن ابن عباس قال : كان رفاعة بن زيد بن التابوت ، وسويد بن الحارث قد أظهرا الإِسلام ونافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادونهما . فأنزل الله - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ } . . . الآية .
والدين : هو ما عليه المرء من عقائد وأعمال ناشئة عن العقيدة . فهو عنوان عقل المتدين ، ورائد آماله ، وباعث أعماله . والذي يتخذ دين امرئ هزوا ولعبا ، فقد اتخذ ذلك المتدين بهذا الدين هزوا ولعبا .
وقوله : { هزوا } أي سخرية يقال : فلان هزئ من فلان إذا سخر منه ، واستخف به . وأصله هزءاً ، فأبدلت الهمزة واوا لضم ما قبلها .
وقوله : { لعبا } أي ملهاة وعبثا . وأصله من لعاب الطفل . يقال عن الطفل لعب - بفتح العين - إذا سال لعابه .
والمعنى : يأيها الذين اتصفوا بالإِيمان { لاَ تَتَّخِذُواْ الذين اتخذوا دِينَكُمْ } الذي هو سر سعادتكم وعزتكم { هُزُواً وَلَعِباً } أي : اتخذوه مادة لسخريتهم وتهكمهم ، وموضعا لعبثهم ولهوهم .
و { من } في قوله : { مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ والكفار أَوْلِيَآءَ } بيانية .
أي : مبينة لأولئك الذين يستهزئون بدين الله ويجعلونه موضع عبثهم .
والمراد بالذين أوتوا الكتاب : اليهود والنصارى .
وسموا بذلك؛ لأن أصل شرعهم ينتمي إلى كتاب منزل هو التوراة والإِنجيل .
وفي وصفهم بذلك هنا ، توبيخ لهم ، حيث إنهم استهزؤوا بالدين الحق ، مع أن كتابهم ينهاهم عن ذلك .
والمراد بالكفار هنا المشركون الذين لا كتاب لهم .
وقرأ الجمهور { والكفار } بالنصب عطفا على { الذين اتخذوا دِينَكُمْ } المبين بقوله : { مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } .
وقرأ أبو عمرو والكسائي ( الكفار ) بالجر عطفا على { مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } .
وقرأ : { أَوْلِيَآءَ } أي : نصراء وأصفاء . وهو المفعول الثاني لقوله { لاَ تَتَّخِذُواْ } والآية الكريمة تنهى المؤمنين عن ولاية كل عدو لله - تعالى - ولهم سواء أكان هذا العدو من أهل الكتاب أم من المشركين؛ لأن الجميع يشتركون في الاستهزاء بتعاليم الإِسلام ، وفي العبث بشعائره .
وقوله : { واتقوا الله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } تذييل قصد به استنهاض همتهم لامتثال أمر الله - تعالى - وإلهاب نفوسهم حتى يتركوا موالاة أعدائهم بسرعة ونشاط .
أي : واتقوا الله في سائر ما أمركم به وما نهاكم عنه ، فلا تضعوا موالاتكم في غير موضعها ، ولا تخالفوا لله أمراً . إن كنتم مؤمنين حقا ، ممتثلين صدقا ، فإن وصفكم بالإِيمان يحتم عليكم الطاعة التامة لله رب العالمين .
ثم ذكر - سبحانه - بعض مظاهر استهزاء أولئك الضالين بالدين وشعائره ، فقال - تعالى - : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاة اتخذوها هُزُواً وَلَعِباً } .
والمراد بالنداء للصلاة : الإِعلام بها عن طريق الأذن .(1/55)
وقالوا في حق الأذان : لقد ابتدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم . فمن أين لك صياح مثل صياح العير؟ فما أقبحه من صوت ، وما أسمحه من أمر .
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاة اتخذوها هُزُواً وَلَعِباً } قال : كان رجل من النصارى بالمدينة ، إذا سمع المنادي ينادي : أشهد أن محمدا رسول الله . قال : حرف الكاذب . فدخل خادمه ليلا من الليالي بنار ، وهو نائم وأهله نيام ، فسقطت شرارة فأحرقت البيت . فاحترق هو وأهله .
وقيل : كان المنافقون يتضاحكون عند القيام إلى الصلاة تنفيرا للناس منها .
أي : وإذا ناديتم - أيها المؤمنون - بعضكم بعضا إلى الصلاة عن طريق الأذان ، اتخذ هؤلاء الضالون الصلاة والمناداة بها موضعا لسخريتهم وعبثهم وتهكمهم .
واسم الإِشارة في قوله : { ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } يعود إلى ما كان منهم من استهزاء وسخرية .
أي : ذلك الذي صدر عنهم من استهزاء وعبث سببه أنهم قوم سفهاء جهلاء ، لا يدركون الأمور على وجهها الصحيح ، ولا يستجيبون للحق الذي ظهر لهم بسبب عنادهم وأحقادهم .
قال ابن كثير : هذا تنفير من موالاة أعداء الإِسلام من الكتابيين والمشركين الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون وهي شرائع الإِسلام المطهرة المحكمة المشتملة على كل خير دينوي وأخروي ، يتخذونها هزوا يستهزئون بها ، ولعبا يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد ، وفكرهم البارد ، كما قال القائل .
وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السقيم
===============
6- قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
قال تعالى : {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (29) سورة التوبة
قال الرازي :
اعلم أنه تعالى لما ذكر حكم المشركين في إظهار البراءة عن عهدهم ، وفي إظهار البراءة عنهم في أنفسهم ، وفي وجوب مقاتلتهم ، وفي تبعيدهم عن المسجد الحرام ، وأورد الإشكالات التي ذكروها ، وأجاب عنها بالجوابات الصحيحة ذكر بعده حكم أهل الكتاب ، وهو أن يقاتلوا إلى أن يعطوا الجزية ، فحينئذ يقرون على ما هم عليه بشرائط ، ويكونون عند ذلك من أهل الذمة والعهد ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى ذكر أن أهل الكتاب إذا كانوا موصوفين بصفات أربعة ، وجبت مقاتلتهم إلى أن يسلموا ، أو إلى أن يعطوا الجزية .
فالصفة الأولى : أنهم لا يؤمنون بالله . واعلم أن القوم يقولون : نحن نؤمن بالله ، إلا أن التحقيق أن أكثر اليهود مشبهة ، والمشبه يزعم أن لا موجود إلا الجسم وما يحل فيه فأما الموجود الذي لا يكون جسماً ولا حالاً فيه فهو منكر له ، وما ثبت بالدلائل أن الإله موجود ليس بجسم ولا حالاً في جسم ، فحينئذ يكون المشبه منكراً لوجود الإله فثبت أن اليهود منكرون لوجود الإله .
فإن قيل : فاليهود قسمان : منهم مشبهة ، ومنهم موحدة ، كما أن المسلمين كذلك فهب أن المشبهة منهم منكرون لوجود الإله ، فما قولكم في موحدة اليهود؟
قلنا : أولئك لا يكونون داخلين تحت هذه الآية ، ولكن إيجاب الجزية عليهم بأن يقال : لما ثبت وجوب الجزية على بعضهم وجب القول به في حق الكل ضرورة أنه لا قائل بالفرق . وأما النصارى : فهم يقولون : بالأب والابن وروح القدس؛ والحلول والاتحاد ، وكل ذلك ينافي الإلهية .
فإن قيل : حاصل الكلام : أن كل من نازع في صفة من صفات الله ، كان منكراً لوجود الله تعالى ، وحينئذ يلزم أن تقولوا : إن أكثر المتكلمين منكرون لوجود الله تعالى ، لأن أكثرهم مختلفون في صفات الله تعالى ألا ترى أن أهل السنة اختلفوا اختلافاً شديداً في هذا الباب ، فالأشعري أثبت البقاء صفة ، والقاضي أنكره ، وعبد الله بن سعيد أثبت القدم صفة ، والباقون أنكروه ، والقاضي أثبت إدراك الطعوم ، وإدراك الروائح ، وإدراك الحرارة والبرودة ، وهي التي تسمى في حق البشر بإدراك الشم والذوق واللمس ، والأستاذ أبو إسحق أنكره ، وأثبت القاضي للصفات السبع أحوالاً سبعة معللة بتلك الصفات ، ونفاة الأحوال أنكروه ، وعبد الله بن سعيد زعم أن كلام الله في الأزل ما كان أمراً ولا نهياً ولا خبراً ، ثم صار ذلك في الإنزال ، والباقون أنكروه ، وقوم من قدماء الأصحاب أثبتوا لله خمس كلمات ، في الأمر ، والنهي ، والخبر ، والاستخبار ، والنداء ، والمشهور أن كلام الله تعالى واحد ، واختلفوا في أن خلاف المعلوم هل هو مقدور أم لا؟ فثبت بهذا حصول الاختلاف بين أصحابنا في صفات الله تعالى من هذه الوجوه الكثيرة ، وأما اختلافات المعتزلة وسائر الفرق في صفات الله تعالى ، فأكثر من أن يمكن ذكره في موضع واحد . إذا ثبت هذا فنقول : إما أن يكون الاختلاف في الصفات موجباً إنكار الذات أو لا يوجب ذلك؟ فإن أوجبه لزم في أكثر فرق المسلمين أن يقال : إنهم أنكروا الإله ، وإن لم يوجب ذلك لم يلزم من ذهاب بعض اليهود وذهاب النصارى إلى الحلول والاتحاد كونهم منكرين للإيمان بالله ، وأيضاً فمذهب النصارى أن أقنوم الكلمة حل في عيسى ، وحشوية المسلمين يقولون : إن من قرأ كلام الله فالذي يقرؤه هو عين كلام تعالى ، وكلام الله تعالى مع أنه صفة الله يدخل في لسان هذا القارىء وفي لسان جميع القراء ، وإذا كتب كلام الله في جسم فقد حل كلام الله تعالى في ذلك الجسم فالنصارى إنما أثبتوا الحلول والاتحاد في حق عيسى . وأما هؤلاء الحمقى فأثبتوا كلمة الله في كل إنسان قرأ القرآن ، وفي كل جسم كتب فيه القرآن ، فإن صح في حق النصارى أنهم لا يؤمنون بالله بهذا السبب ، وجب أن يصح في حق هؤلاء الحروفية والحلولية أنهم لا يؤمنون بالله ، فهذا تقرير هذا السؤال .
والجواب : أن الدليل دل على أن من قال إن الإله جسم فهو منكر للإله تعالى ، وذلك لأن إله العالم موجود ليس بجسم ولا حال في الجسم ، فإذا أنكر المجسم هذا الموجود فقد أنكر ذات الإله تعالى ، فالخلاف بين المجسم والموحد ليس في الصفة ، بل في الذات ، فصح في المجسم أنه لا يؤمن بالله أما المسائل التي حكيتموها فهي اختلافات في الصفة ، فظهر الفرق . وأما إلزام مذهب الحلولية والحروفية ، فنحن نكفرهم قطعاً ، فإنه تعالى كفر النصارى بسبب أنهم اعتقدوا حلول كلمة { الله } في عيسى وهؤلاء اعتقدوا حلول كلمة { الله } في ألسنة جميع من قرأ القرآن ، وفي جميع الأجسام التي كتب فيها القرآن ، فإذا كان القول بالحلول في حق الذات الواحدة يوجب التكفير ، فلأن يكون القول بالحلول في حق جميع الأشخاص والأجسام موجباً للقول بالتكفير كان أولى .
والصفة الثانية : من صفاتهم أنهم لا يؤمنون باليوم الآخر .
واعلم أن المنقول عن اليهود والنصارى : إنكار البعث الجسماني ، فكأنهم يميلون إلى البعث الروحاني .
واعلم أنا بينا في هذا الكتاب أنواع السعادات والشقاوات الروحانية ، ودللنا على صحة القول بها وبينا دلالة الآيات الكثيرة عليها ، إلا أنا مع ذلك نثبت السعادات والشقاوات الجسمانية ، ونعترف بأن الله يجعل أهل الجنة ، بحيث يأكلون ويشربون ، وبالجواري يتمتعون ، ولا شك أن من أنكر الحشر والبعث الجسماني ، فقد أنكر صريح القرآن ، ولما كان اليهود والنصارى منكرين لهذا المعنى ، ثبت كونهم منكرين لليوم الآخر .(1/56)
الصفة الثالثة : من صفاتهم قوله تعالى : { وَلاَ يُحَرِمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ } وفيه وجهان : الأول : أنهم لا يحرمون ما حرم في القرآن وسنة الرسول . والثاني : قال أبو روق : لا يعملون بما في التوراة والإنجيل ، بل حرفوهما وأتوا بأحكام كثيرة من قبل أنفسهم .
الصفة الرابعة : قوله : { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحق مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } يقال : فلان يدين بكذا ، إذا اتخذه ديناً فهو معتقده ، فقوله : { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحق } أي لا يعتقدون في صحة دين الإسلام الذي هو الدين الحق ، ولما ذكر تعالى هذه الصفات الأربعة قال : { مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } فبين بهذا أن المراد من الموصوفين بهذه الصفات الأربعة من كان من أهل الكتاب ، والمقصود تمييزهم من المشركين في الحكم ، لأن الواجب في المشركين القتال أو الإسلام ، والواجب في أهل الكتاب القتال أو الإسلام أو الجزية .
ثم قال تعالى : { حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صاغرون } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال الواحدي : الجزية هي ما يعطي المعاهد على عهده ، وهي فعلة من جزى يجزى إذا قضى ما عليه ، واختلفوا في قوله : { عَن يَدٍ } قال صاحب «الكشاف» قوله : { عَن يَدٍ } إما أن يراد به يد المعطي أو يد الآخذ ، فإن كان المراد به المعطي ، ففيه وجهان : أحدهما : أن يكون المراد { عَن يَدٍ } مؤاتية غير ممتنعة ، لأن من أبى وامتنع لم يعط يده بخلاف المطيع المنقاد ، ولذلك يقال : أعطى يده إذا انقاد وأطاع ، ألا ترى إلى قولهم نزع يده عن الطاعة ، كما يقال : خلع ربقة الطاعة من عنقه . وثانيهما : أن يكون المراد حتى يعطوها عن يد إلى يد نقداً غير نسيئة ولا مبعوثاً على يد أحد ، بل على يد المعطي إلى يد الآخذ . وأما إذا كان المراد يد الآخذ ففيه أيضاً وجهان : الأول : أن يكون المراد حتى يعطوا الجزية عن يد قاهرة مستولية للمسلمين عليهم كما تقول : اليد في هذا لفلان . وثانيهما : أن يكون المراد عن إنعام عليهم ، لأن قبول الجزية منهم وترك أرواحهم عليهم نعمة عظيمة .
وأما قوله : { وَهُمْ صاغرون } فالمعنى أن الجزية تؤخذ منهم على الصغار والذل والهوان بأن يأتي بها بنفسه ماشياً غير راكب ، ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس . ويؤخذ بلحيته ، فيقال له : أد الجزية وإن كان يؤديها ويزج في قفاه ، فهذا معنى الصغار . وقيل : معنى الصغار ههنا هو نفس إعطاء الجزية ، وللفقهاء أحكام كثيرة من توابع الذل والصغار مذكورة في كتب الفقه .
المسألة الثانية : في شيء من أحكام هذه الآية .
الحكم الأول
استدللت بهذه الآية على أن المسلم لا يقتل بالذمي والوجه في تقريره أن قوله : { قاتلوهم } يقتضي إيجاب مقاتلتهم ، وذلك مشتمل على إباحة قتلهم وعلى عدم وجوب القصاص بسبب قتلهم ، فلما قال : { حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صاغرون } علمنا أن مجموع هذه الأحكام قد انتهت عند إعطاء الجزية ، ويكفي في انتهاء المجموع ارتفاع أحد أجزائه ، فإذا ارتفع وجوب قتله وإباحة دمه ، فقد ارتفع ذلك المجموع ، ولا حاجة في ارتفاع المجموع إلى ارتفاع جميع أجزاء المجموع .
إذا ثبت هذا فنقول : قوله : { قاتلوا الموصوفين من أهل الكتاب } يدل على عدم وجوب القصاص بقتلهم وقوله : { حتى يُعْطُواْ الجزية } لا يوجب ارتفاع ذلك الحكم ، لأنه كفى في انتهاء ذلك المجموع انتهاء أحد أجزائه وهو وجوب قتلهم ، فوجب أن يبقى بعد أداء الجزية عدم وجوب القصاص كما كان .
الحكم الثاني
الكفار فريقان ، فريق عبدة الأوثان وعبدة ما استحسنوا ، فهؤلاء لا يقرون على دينهم بأخذ الجزية ، ويجب قتالهم حتى يقولوا لا إله إلا الله ، وفريق هم أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى والسامرة والصابئون ، وهذان الصنفان سبيلهم في أهل الكتاب سبيل أهل البدع فينا ، والمجوس أيضاً سبيلهم سبيل أهل الكتاب ، لقوله عليه السلام : « سنوا بهم سنة أهل الكتاب » وروي أنه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ، فهؤلاء يجب قتالهم حتى يعطوا الجزية ويعاهدوا المسلمين على أداء الجزية ، وإنما قلنا إنه لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، لأنه تعالى لما ذكر الصفات الأربعة ، وهي قوله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } قيدهم بكونهم من أهل الكتاب وهو قوله : { مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } وإثبات ذلك الحكم في غيرهم يقتضي إلغاء هذا القيد المنصوص عليه وأنه لا يجوز .
الحكم الثالث
في قدر الجزية . قال أنس : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل محتلم ديناراً ، وقسم عمر على الفقراء من أهل الذمة اثني عشر درهماً ، وعلى الأوساط أربعة وعشرين ، وعلى أهل الثروة ثمانية وأربعين . قال أصحابنا : وأقل الجزية دينار ، ولا يزاد على الدينار إلا بالتراضي ، فإذا رضوا والتزموا الزيادة ضربنا على المتوسط دينارين ، وعلى الغني أربعة دنانير ، والدليل على ما ذكرنا : أن الأصل تحريم أخذ مال المكلف إلا أن قوله : { حتى يُعْطُواْ الجزية } يدل على أخذ شيء ، فهذا الذي قلناه هو القدر الأقل ، فيجوز أخذه والزائد عليه لم يدل عليه لفظ الجزية والأصل فيه الحرمة ، فوجب أن يبقى عليها .
الحكم الرابع
تؤخذ الجزية عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى في أول السنة ، وعند الشافعي رحمه الله تعالى في آخرها .
الحكم الخامس
تسقط الجزية بالإسلام والموت عند أبي حنيفة رحمه الله ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « ليس على المسلم جزية » وعند الشافعي رحمه الله لا تسقط .
الحكم السادس
قال أصحابنا : هؤلاء إنما أقروا على دينهم الباطل بأخذ الجزية حرمة لآبائهم الذين انقرضوا على الحق من شريعة التوراة والإنجيل وأيضاً مكناهم من أيديهم ، فربما يتفكرون فيعرفون صدق محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، فأمهلوا لهذا المعنى ، والله أعلم . وبقي ههنا سؤالان :
السؤال الأول : كان ابن الراوندي يطعن في القرآن ويقول : إنه ذكر في تعظيم كفر النصارى . قوله : { تَكَادُ * السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً وَمَا يَنبَغِى للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [ مريم : 90 92 ] فبين أن إظهارهم لهذا القول بلغ إلى هذا الحد ، ثم إنه لما أخذ منهم ديناراً واحداً قررهم عليه وما منعهم منه .
والجواب : ليس المقصود من أخذ الجزية تقريره على الكفر ، بل المقصود منها حقن دمه وإمهاله مدة ، رجاء أنه ربما وقف في هذه المدة على محاسن الإسلام وقوة دلائله ، فينتقل من الكفر إلى الإيمان .
السؤال الثاني : هل يكفي في حقن الدم دفع الجزية أم لا؟
والجواب : أنه لابد معه من إلحاق الذل والصغار للكفر والسبب فيه أن طبع العاقل ينفر عن تحمل الذل والصغار ، فإذا أمهل الكافر مدة وهو يشاهد عز الإسلام ويسمع دلائل صحته ، ويشاهد الذل والصغار في الكفر ، فالظاهر أنه يحمله ذلك على الانتقال إلى الإسلام ، فهذا هو المقصود من شرع الجزية .
-------------
وفي الظلال :(1/57)
لقد لخص الإمام ابن القيم سياق الجهاد في الإسلام في "زاد المعاد" , في الفصل الذي عقده باسم:"فصل في ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقين من حين بعث إلى حين لقي الله عز وجل:أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى:أن يقرأ باسم ربه الذي خلق . وذلك أول نبوته . فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ . ثم أنزل عليه:(يا أيها المدثر . قم فأنذر) فنبأه بقوله:(اقرأ) وأرسله ب(يا أيها المدثر) . ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين . ثم أنذر قومه . ثم أنذر من حولهم من العرب . ثم أنذر العرب قاطبة . ثم أنذر العالمين . فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ; ويؤمر بالكف والصبر والصفح . ثم أذن له في الهجرة , وأذن له في القتال . ثم أمره أن يقاتل من قاتله , ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله . ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله . . ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام:أهل صلح وهدنة . وأهل حرب . وأهل ذمة . فأمر بأن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم , وأن يوفي لهم به ما استقاموا على العهد ; فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد . وأمر أن يقاتل من نقض عهده . . ولما نزلت سورة براءة نزلت ببيان حكم هذه الأقسام كلها:فأمر أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يدخلوا في الإسلام . وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم . فجاهد الكفار بالسيفوالسنان , والمنافقين بالحجة واللسان . وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار ونبذ عهودهم إليهم . . وجعل أهل العهد في ذلك ثلاثة أقسام:قسماً أمره بقتالهم وهم الذين نقضوا عهده , ولم يستقيموا له , فحاربهم وظهر عليهم . وقسماً لهم عهد موقت لم ينقضوه ولم يظاهروا عليه , فأمره أن يتم لهم عهدهم إلى مدتهم . وقسماً لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه ; أو كان لهم عهد مطلق , فأمر أن يؤجلهم أربعة أشهر ; فإذا انسلخت قاتلهم . . فقتل الناقض لعهده ; وأجل من لا عهد له , أو له عهد مطلق , أربعة أشهر . وأمره أن يتم للموفي بعهده عهده إلى مدته ; فأسلم هؤلاء كلهم ولم يقيموا على كفرهم إلى مدتهم . وضرب على أهل الذمة الجزية . . فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول براءة على ثلاثة أقسام:محاربين له , وأهل عهد , وأهل ذمة . . ثم آلت حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام فصاروا معه قسمين:محاربين وأهل ذمة . والمحاربون له خائفون منه . فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام:مسلم مؤمن به . ومسالم له آمن . وخائف محارب . . وأما سيرته في المنافقين فإنه أمر أن يقبل منهم علانيتهم ; ويكل سرائرهم إلى الله ; وأن يجاهدهم بالعلم والحجة ; وأمر أن يعرض عنهم , ويغلظ عليهم , وأن يبلغ بالقول البليغ إلى نفوسهم , ونهي أن يصلي عليهم , وأن يقوم على قبورهم , وأخبر أنه إن استغفر لهم فلن يغفر الله لهم . . فهذه سيرته في أعدائه من الكفار والمنافقين" . .
ومن هذا التلخيص الجيد لمراحل الجهاد في الإسلام تتجلى سمات أصيلة وعميقة في المنهج الحركي لهذا الدين , جديرة بالوقوف أمامها طويلاً . ولكننا في هذه الظلال لا نملك إلا أن نشير إليها إشارات مجملة:
السمة الأولى:هي الواقعية الجدية في منهج هذا الدين . . فهو حركة تواجه واقعاً بشرياً . . وتواجهه بوسائل مكافئة لوجوده الواقعي . . إنها تواجه جاهلية اعتقادية تصورية ; تقوم عليها أنظمة واقعية عملية ; تسندها سلطات ذات قوة مادية . . ومن ثم تواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه . . تواجهه بالدعوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات وتواجهه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها ; تلك التي تحول بين جمهرة الناس وبين التصحيح بالبيان للمعتقدات والتصورات ; وتخضعهم بالقهر والتضليل وتعبدهم لغير ربهم الجليل . . إنها حركة لا تكتفي بالبيان في وجه السلطان المادي . كما أنها لا تستخدم القهر المادي لضمائر الأفراد . . وهذه كتلك سواء في منهج هذا الدين وهو يتحرك لإخراج الناس من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده كما سيجيء . .
والسمة الثانية في منهج هذا الدين . . هي الواقعية الحركية . فهو حركة ذات مراحل . كل مرحلة لها وسائل مكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية . وكل مرحلة تسلم إلى المرحلة التي تليها . . فهو لا يقابل الواقع بنظريات مجردة . كما أنه لا يقابل مراحل هذا الواقع بوسائل متجمدة . . والذين يسوقون النصوص القرآنية للاستشهاد بها على منهج هذا الدين في الجهاد , ولا يراعون هذه السمة فيه , ولا يدركون طبيعة المراحل التي مر بها هذا المنهج , وعلاقة النصوص المختلفة بكل مرحلة منها . . الذين يصنعون هذا يخلطون خلطاً شديداً ; ويلبسون منهج هذا الدين لبساً مضللاً , ويحملون النصوص ما لا تحتمله من المبادئ والقواعد النهائية . ذلك أنهم يعتبرون كل نص منها كما لو كان نصاً نهائياً ; يمثل القواعد النهائية في هذا الدين . ويقولون - وهم مهزومون روحياً وعقلياً تحت ضغط الواقع اليائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان -:إن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع ! ويحسبون أنهم يسدون إلى هذا الدين جميلاً بتخليه عن منهجه وهو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعاً , وتعبيد الناس لله وحده , وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد ! لا بقهرهم على اعتناق عقيدته . ولكن بالتخلية بينهم وبين هذه العقيدة . . بعد تحطيمالأنظمة السياسية الحاكمة , أو قهرها حتى تدفع الجزية وتعلن استسلامها والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة تعتنقها أو لا تعتنقها بكامل حريتها . .
والسمة الثالثة:هي أن هذه الحركة الدائبة , والوسائل المتجددة , لا تخرج هذا الدين عن قواعده المحددة , ولا عن أهدافه المرسومة . فهو منذ اليوم الأول - سواء وهو يخاطب العشيرة الأقربين , أو يخاطب قريشاً , أو يخاطب العرب أجمعين , أو يخاطب العالمين , إنما يخاطبهم بقاعدة واحدة ; ويطلب منهم الانتهاء إلى هدف واحد . . هو إخلاص العبودية لله , والخروج من العبودية للعباد . . لا مساومة في هذه القاعدة ولا لين . ثم يمضي إلى تحقيق هذا الهدف الواحد , في خطة مرسومة ; ذات مراحل محددة ; لكل مرحلة وسائلها المتجددة . على نحو ما أسلفنا في الفقرة السابقة .
والسمة الرابعة:هي ذلك الضبط التشريعي للعلاقات بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات الأخرى - على النحو الملحوظ في ذلك التلخيص الجيد الذي نقلناه عن "زاد المعاد" . وقيام ذلك الضبط على أساس أن الإسلام لله هو الأصل العالمي الذي على البشرية كلها أن تفيء إليه ; أو أن تسالمه بجملتها فلا تقف لدعوته بأي حائل من نظام سياسي , أو قوة مادية . وأن تخلي بينه وبين كل فرد , يختاره أو لا يختاره بمطلق إرادته . ولكن لا يقاومه ولا يحاربه ! فإن فعل ذلك أحد كان على الإسلام أن يقاتله حتى يقتله أو حتى يعلن استسلامه !(1/58)
والمهزومون روحياً وعقلياً ممن يكتبون عن "الجهاد في الإسلام" ليدفعوا عن الإسلام هذا "الاتهام ! " . . يخلطون بين منهج هذا الدين في النص على استنكار الإكراه على العقيدة , وبين منهجه في تحطيم القوى السياسية المادية التي تحول بين الناس وبينه ; والتي تعبد الناس للناس ; وتمنعهم من العبودية لله . . وهما أمران لا علاقة بينهما ولا مجال للالتباس فيهما . . ومن أجل هذا التخليط - وقبل ذلك من أجل تلك الهزيمة !- يحاولون أن يحصروا الجهاد في الإسلام فيما يسمونه اليوم:"الحرب الدفاعية " . . والجهاد في الإسلام أمر آخر لا علاقة له بحروب الناس اليوم , ولا بواعثها , ولا تكييفها كذلك . . إن بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة "الإسلام" ذاته , ودوره في هذه الأرض , وأهدافه العليا التي قررها الله ; وذكر الله أنه أرسل من أجلها هذا الرسول بهذه الرسالة , وجعله خاتم النبيين وجعلها خاتمة الرسالات . .
إن هذا الدين إعلان عام لتحرير "الإنسان" في "الأرض" من العبودية للعباد - ومن العبودية لهواه أيضاً وهي من العبودية للعباد - وذلك بإعلان ألوهية الله وحده - سبحانه - وربوبيته للعالمين . . إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها:الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها ; والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور . . أو بتعبير آخر مرادف:الألوهية فيه للبشر في صورة من الصور . . ذلك أن الحكم الذي مرد الأمر فيه إلى البشر , ومصدر السلطات فيه هم البشر , هو تأليه للبشر , يجعل بعضهم لبعض أرباباً من دون الله . . إن هذا الإعلان معناه انتزاع سلطان الله المغتصب ورده إلى الله ; وطرد المغتصبين له ; الذين يحكمون الناس بشرائع من عند أنفسهم فيقومون منهم مقام الأرباب ; ويقوم الناس منهم مقام العبيد . . إن معناه تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض . . أو بالتعبير القرآني الكريم:
(وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) . .
(إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه . . ذلك الدين القيم . .) . .
(قل:يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم:ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً , ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله . فإن تولوا فقولوا:اشهدوا بأنا مسلمون) . .
ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم - هم رجال الدين كما كان الأمر في سلطان الكنيسة , ولا رجال ينطقون باسم الآلهة , كما كان الحال في ما يعرف باسم "الثيوقراطية " أو الحكم الإلهي المقدس !!! - ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة ; وأن يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة .
وقيام مملكة الله في الأرض , وإزالة مملكة البشر . وانتزاع السلطان من أيدي مغتصبيه من العباد ورده إلى الله وحده . وسيادة الشريعة الإلهية وحدها وإلغاء القوانين البشرية . . كل أولئك لا يتم بمجرد التبليغ والبيان . لأن المتسلطين على رقاب العباد , المغتصبين لسلطان الله في الأرض , لا يسلمون في سلطانهم بمجرد التبليغ والبيان . وإلا فما كان أيسر عمل الرسل في إقرار دين الله في الأرض ! وهذا عكس ما عرفه تاريخ الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - وتاريخ هذا الدين على ممر الأجيال !
إن هذا الإعلان العام لتحرير "الإنسان" في "الأرض" من كل سلطان غير سلطان الله , بإعلان ألوهية الله وحده وربوبيته للعالمين , لم يكن إعلاناً نظرياً فلسفياً سلبياً . . إنما كان إعلاناً حركياً واقعياً إيجابياً . . إعلاناً يراد له التحقيق العملي في صورة نظام يحكم البشر بشريعة الله ; ويخرجهم بالفعل من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده بلا شريك . . ومن ثم لم يكن بد من أن يتخذ شكل "الحركة " إلى جانب شكل "البيان" . . ذلك ليواجه "الواقع" البشري بكل جوانبه بوسائل مكافئة لكل جوانبه .
والواقع الإنساني , أمس واليوم وغداً , يواجه هذا الدين - بوصفه إعلاناً عاماً لتحرير "الإنسان" في "الأرض" من كل سلطان غير سلطان الله - بعقبات اعتقادية تصورية . وعقبات مادية واقعية . . عقبات سياسية واجتماعية واقتصادية وعنصرية وطبقية , إلى جانب عقبات العقائد المنحرفة والتصورات الباطلة . . وتختلط هذه بتلك وتتفاعل معها بصورة معقدة شديدة التعقيد . .
وإذا كان "البيان" يواجه العقائد والتصورات , فإن "الحركة " تواجه العقبات المادية الأخرى - وفي مقدمتها السلطان السياسي القائم على العوامل الاعتقادية التصورية , والعنصرية والطبقية , والاجتماعية والاقتصادية المعقدة المتشابكة . . وهما معاً - البيان والحركة - يواجهان "الواقع البشري" بجملته , بوسائل مكافئة لكل مكوناته . . وهما معاً لا بد منهما لانطلاق حركة التحرير للإنسان في الأرض . . "الإنسان" كله في "الأرض" كلها . . وهذه نقطة هامة لا بد من تقريرها مرة أخرى !
إن هذا الدين ليس إعلاناً لتحرير الإنسان العربي ! وليس رسالة خاصة بالعرب ! . . إن موضوعه هو "الإنسان" . . نوع "الإنسان" . . ومجاله هو "الأرض" . . كل الأرض . إن الله - سبحانه - ليس رباً للعرب وحدهم ولا حتى لمن يعتنقون العقيدة الإسلامية وحدهم . . إن الله هو (رب العالمين) . . وهذا الدين يريد أن يرد(العالمين) إلى ربهم ; وأن ينتزعهم من العبودية لغيره . والعبودية الكبرى - في نظر الإسلام - هي خضوع البشر لأحكام يشرعها لهم ناس من البشر . . وهذه هي "العبادة " التي يقرر أنها لا تكون إلا لله . وأن من يتوجه بها لغير الله يخرج من دين الله مهما ادعى أنه في هذا الدين . ولقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن "الاتباع" في الشريعة والحكم هو "العبادة " التي صار بها اليهود والنصارى "مشركين" مخالفين لما أمروا به من "عبادة " الله وحده . .
أخرج الترمذي - بإسناده - عن عدى بن حاتم - رضي الله عنه - أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فر إلى الشام . وكان قد تنصر في الجاهلية . فأسرت أخته وجماعة من قومه . ثم منّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخته وأعطاها . فرجعت إلى أخيها فرغبته في الإسلام , وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحدث الناس بقدومه . فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقه [ أي عدي ] صليب من فضة وهو [ أي النبي صلى الله عليه وسلم ] يقرأ هذه الآية: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) . . قال:فقلت:إنهم لم يعبدوهم . فقال:" بلى ! إنهم حرموا عليهم الحلال , وأحلوا لهم الحرام . فاتبعوهم . فذلك عبادتهم إياهم " . .
وتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول الله سبحانه , نص قاطع على أن الاتباع في الشريعة والحكم هو العبادة التي تخرج من الدين , وأنها هي اتخاذ بعض الناس أرباباً لبعض . . الأمر الذي جاء هذا الدين ليلغيه , ويعلن تحرير "الإنسان" , في "الأرض" من العبودية لغير الله . .(1/59)
ومن ثم لم يكن بد للإسلام أن ينطلق في "الأرض" لإزالة "الواقع" المخالف لذلك الإعلان العام . . بالبيان وبالحركة مجتمعين . . وأن يوجه الضربات للقوى السياسية التي تعبد الناس لغير الله - أي تحكمهم بغير شريعة الله وسلطانه - والتي تحول بينهم وبين الاستماع إلى "البيان" واعتناق "العقيدة " بحرية لا يتعرض لها السلطان . ثم لكي يقيم نظاماً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً يسمح لحركة التحرر بالانطلاق الفعلي - بعد إزالة القوة المسيطرة - سواء كانت سياسية بحتة , أو متلبسة بالعنصرية أو الطبقية داخل العنصر الواحد !
إنه لم يكن من قصد الإسلام قط أن يكره الناس على اعتناق عقيدته . . ولكن الإسلام ليس مجرد "عقيدة " . . إن الإسلام كما قلنا إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد . فهو يهدف ابتداء إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر وعبودية الإنسان للإنسان . . ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحراراً - بالفعل - في اختيار العقيدة التي يريدونها بمحض اختيارهم - بعد رفع الضغط السياسي عنهم وبعد البيان المنير لأرواحهم وعقولهم - ولكن هذه الحرية ليس معناها أن يجعلوا إلههم هواهم ; أو أن يختاروا بأنفسهم أن يكونوا عبيداً للعباد ! وأن يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله ! . . إن النظام الذي يحكم البشر في الأرض يجب أن تكون قاعدته العبودية لله وحده ; وذلك بتلقي الشرائع منه وحده . ثم ليعتنق كل فرد - في ظل هذا النظام العام - ما يعتنقه من عقيدة ! وبهذا يكون "الدين" كله لله . أي تكون الدينونة والخضوع والاتباع والعبودية كلها لله . . إن مدلول "الدين" أشمل من مدلول "العقيدة " . . إن الدين هو المنهج والنظام الذي يحكم الحياة وهو في الإسلام يعتمد على العقيدة . ولكنه في عمومه أشمل من العقيدة . . وفي الإسلام يمكن أن تخضع جماعات متنوعة لمنهجه العام الذي يقوم على أساس العبودية لله وحده ولو لم يعتنق بعض هذه الجماعات عقيدة الإسلام . .
والذي يدرك طبيعة هذا الدين - على النحو المتقدم - يدرك معها حتمية الانطلاق الحركي للإسلام في صورة الجهاد بالسيف - إلى جانب الجهاد بالبيان - ويدرك أن ذلك لم يكن حركة دفاعية - بالمعنى الضيق الذي يفهم اليوم من اصطلاح "الحرب الدفاعية " - كما يريد المهزومون أمام ضغط الواقع الحاضر وأمام هجوم المستشرقين الماكر أن يصوروا حركة الجهاد في الإسلام - إنما كان حركة اندفاع وانطلاق لتحرير "الإنسان" في "الأرض" . . بوسائل مكافئة لكل جوانب الواقع البشري ; وفي مراحل محددة لكل مرحلة منها وسائلها المتجددة .
وإذا لم يكن بد من أن نسمي حركة الإسلام الجهادية حركة دفاعية , فلا بد أن نغير مفهوم كلمة "دفاع" .
ونعتبره "دفاعاً عن الإنسان" ذاته , ضد جميع العوامل التي تقيد حريته وتعوق تحرره . . هذه العوامل التي تتمثل في المعتقدات والتصورات ; كما تتمثل في الأنظمة السياسية , القائمة على الحواجز الاقتصادية والطبقية والعنصرية , التي كانت سائدة في الأرض كلها يوم جاء الإسلام ; والتي ما تزال أشكال منها سائدة في الجاهلية الحاضرة في هذا الزمان !
وبهذا التوسع في مفهوم كلمة "الدفاع" نستطيع أن نواجه حقيقة بواعث الانطلاق الإسلامي في "الأرض" بالجهاد ; ونواجه طبيعة الإسلام ذاتها , وهي أنه إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد , وتقرير ألوهية الله وحده وربوبيته للعالمين ; وتحطيم مملكة الهوى البشري في الأرض , وإقامة مملكة الشريعة الإلهية في عالم الإنسان . .
أما محاولة إيجاد مبررات دفاعية للجهاد الإسلامي بالمعنى الضيق للمفهوم العصري للحرب الدفاعية ; ومحاولة البحث عن أسانيد لإثبات أن وقائع الجهاد الإسلامي كانت لمجرد صد العدوان من القوى المجاورة على "الوطن الإسلامي ! " _وهو في عرف بعضهم جزيرة العرب - فهي محاولة تنم عن قلة إدراك لطبيعة هذا الدين , ولطبيعة الدور الذي جاء ليقوم به في الأرض . كما أنها تشي بالهزيمة أمام ضغط الواقع الحاضر ; وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي !
ترى لو كان أبو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - قد أمنوا عدوان الروم والفرس على الجزيرة أكانوا يقعدون إذن عن دفع المد الإسلامي إلى أطراف الأرض ? وكيف كانوا يدفعون هذا المد , وأمام الدعوة تلك العقبات المادية - من أنظمة الدولة السياسية ; وأنظمة المجتمع العنصرية والطبقية , والاقتصادية الناشئة من الاعتبارات العنصرية والطبقية , والتي تحميها القوة المادية للدولة كذلك ?!
إنها سذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير "الإنسان" . . نوع الإنسان . . في "الأرض " . . كل الأرض . . ثم تقف أمام هذه العقبات تجاهدها باللسان والبيان ! . . إنها تجاهد باللسان والبيان حينما يخلى بينها وبين الأفراد , تخاطبهم بحرية , وهم مطلقو السراح من جميع تلك المؤثرات . . فهنا (لا إكراه في الدين) . . أما حين توجد تلك العقبات والمؤثرات المادية , فلا بد من إزالتها أولاً بالقوة , للتمكن من مخاطبة قلب الإنسان وعقله ; وهو طليق من هذه الأغلال !
إن الجهاد ضرورة للدعوة . إذا كانت أهدافها هي إعلان تحرير الإنسان إعلاناً جاداً يواجه الواقع الفعلي بوسائل مكافئة له في كل جوانبه ; ولا يكتفي بالبيان الفلسفي النظري السلبي ! سواء كان الوطن الإسلامي - وبالتعبير الإسلامي الصحيح:دار الإسلام - آمنا أم مهدداً من جيرانه . فالإسلام حين يسعى إلى السلم , لا يقصد تلك السلم الرخيصة ; وهي مجرد أن يأمن على الرقعة الخاصة التي يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية . إنما هو يريد السلم التي يكون الدين فيها كله لله . أي تكون عبودية الناس كلهم فيها لله ; والتي لا يتخذ فيها الناس بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله . والعبرة بنهاية المراحل التي وصلت إليها الحركة الجهادية في الإسلام - بأمر من الله - لا بأوائل أيام الدعوة ولا بأوسطها . . ولقد انتهت هذه المراحل كما يقول الإمام ابن القيم:" فاستقر أمر الكفار معه - بعد نزول براءة - على ثلاثة أقسام:محاربين له , وأهل عهد , وأهل ذمة . . ثم آلت حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام . . فصاروا معه قسمين:محاربين , وأهل ذمة . والمحاربون له خائفون منه . . فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام:مسلم مؤمن به . ومسالم له آمن [ وهم أهل الذمة كما يفهم من الجملة السابقة ] وخائف محارب " . . وهذه هي المواقف المنطقية مع طبيعة هذا الدين وأهدافه . لا كما يفهم المهزومون أمام الواقع الحاضر , وأمام هجوم المستشرقين الماكر !(1/60)
ولقد كف الله المسلمين عن القتال في مكة ; وفي أول العهد بالهجرة إلى المدينة . . وقيل للمسلمين: (كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) . . ثم أذن لهم فيه , فقيل لهم:(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا , وإن الله على نصرهم لقدير , الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق - إلا أن يقولوا:ربنا الله . ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً , ولينصرن الله من ينصره , إن الله لقوي عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر , ولله عاقبة الأمور) . . ثم فرض عليهم القتال بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم فقيل لهم: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) . . ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة فقيل لهم: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) . . وقيل لهم:(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر , ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله , ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب , حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) . . فكان القتال - كما يقول الإمام ابن القيم - " محرماً , ثم مأذوناً به , ثم مأموراً به لمن بدأهم بالقتال , ثم مأموراً به لجميع المشركين " . .
إن جدية النصوص القرآنية الواردة في الجهاد ; وجدية الأحاديث النبوية التي تحض عليه ; وجدية الوقائع الجهادية في صدر الإسلام , وعلى مدى طويل من تاريخه . . إن هذه الجدية الواضحة تمنع أن يجول في النفس ذلك التفسير الذي يحاوله المهزومون أمام ضغط الواقع الحاضر وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي !
ومن ذا الذي يسمع قول الله سبحانه في هذا الشأن وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ويتابع وقائع الجهاد الإسلامي ; ثم يظنه شأناً عارضاً مقيداً بملابسات تذهب وتجيء ; ويقف عند حدود الدفاع لتأمين الحدود ?!
لقد بين الله للمؤمنين في أول ما نزل من الآيات التي أذن لهم فيها بالقتال أن الشأن الدائم الأصيل في طبيعة هذه الحياة الدنيا أن يدفع الناس بعضهم ببعض , لدفع الفساد عن الأرض: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا , وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله . ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً) . . وإذن فهو الشأن الدائم لا الحالة العارضة . الشأن الدائم أن لا يتعايش الحق والباطل في هذه الأرض . وأنه متى قام الإسلام بإعلانه العام لإقامة ربوبية الله للعالمين , وتحرير الإنسان من العبودية للعباد , رماه المغتصبون لسلطان الله في الأرض ولم يسالموه قط ; وانطلق هو كذلك يدمر عليهم ليخرج الناس من سلطانهم ويدفع عن "الإنسان" في "الأرض" ذلك السلطان الغاصب . . حال دائمة لا يكف معها الانطلاق الجهادي التحريري حتى يكون الدين كله لله .
إن الكف عن القتال في مكة لم يكن إلا مجرد مرحلة في خطة طويلة . كذلك كان الأمر أول العهد بالهجرة . والذي بعث الجماعة المسلمة في المدينة بعد الفترة الأولى للانطلاق لم يكن مجرد تأمين المدينة . . هذا هدف أولي لا بد منه . . ولكنه ليس الهدف الأخير . . إنه هدف يضمن وسيلة الانطلاق ; ويؤمن قاعدة الانطلاق . . الانطلاق لتحرير "الإنسان" , ولإزالة العقبات التي تمنع "الإنسان" ذاته من الانطلاق !
وكف أيدي المسلمين في مكة عن الجهاد بالسيف مفهوم . لأنه كان مكفولاً للدعوة في مكة حرية البلاغ . . كان صاحبها صلى الله عليه وسلم يملك بحماية سيوف بني هاشم , أن يصدع بالدعوة ; ويخاطب بها الآذان والعقول والقلوب ; ويواجه بها الأفراد . . لم تكن هناك سلطة سياسية منظمة تمنعه من إبلاغ الدعوة , أو تمنع الأفراد من سماعه ! فلا ضرورة - في هذه المرحلة - لاستخدام القوة . وذلك إلى أسباب أخرى لعلها
كانت قائمة في هذه المرحلة . وقد لخصناها عند تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة . . .) من سورة النساء . ولا نرى بأساً في إثبات بعض هذا التلخيص هنا مرة أخرى:
"ربما كان ذلك لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد , في بيئة معينة , لقوم معينين , وسط ظروف معينة . ومن أهداف التربية والإعداد في مثل هذه البيئة بالذات , تربية نفس الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم على شخصه أو على من يلوذون به . ليخلص من شخصه , ويتجرد من ذاته , ولا تعود ذاته ولا من يلوذون به محور الحياة في نظره ودافع الحركة في حياته . وتربيته كذلك على ضبط أعصابه , فلا يندفع لأول مؤثر - كما هي طبيعته - ولا يهتاج لأول مهيج , ليتم الاعتدال في طبيعته وحركته . وتربيته على أن يتبع مجتمعاً منظماً له قيادة يرجع إليها في كل أمر من أمور حياته , ولا يتصرف إلا وفق ما تأمره به - مهما يكن مخالفاً لمألوفه وعادته - وقد كان هذا هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي , لإنشاء "المجتمع المسلم" الخاضع لقيادة موجهة , المترقي المتحضر , غير الهمجي أو القبلي !
"وربما كان ذلك أيضاً , لأن الدعوة السلمية كانت أشد أثراً و أنفذ , في مثل بيئة قريش , ذات العنجهية والشرف ; والتي قد يدفعها القتال معها - في مثل هذه المرحلة - إلى زيادة العناد , وإلى نشأة ثارات دموية جديدة كثارات العرب المعروفة التي أثارت حرب داحس والغبراء , وحرب البسوس , أعواماً طويلة , تفانت فيها قبائل برمتها . وتكون هذه الثارات الجديدة مرتبطة في أذهانهم وذكرياتهم بالإسلام . فلا تهدأ بعد ذلك أبداً . ويتحول الإسلام من دعوة إلى ثارات وذحول تنسى معها وجهته الأساسية , وهو في مبدئه , فلا تذكر أبداً !
"وربما كان ذلك أيضاً , اجتناباً لإنشاء معركة ومقتلة في داخل كل بيت . فلم تكن هناك سلطة نظامية عامة , هي التي تعذب المؤمنين وتفتنهم . إنما كان ذلك موكولاً إلى أولياء كل فرد , يعذبونه ويفتنونه "ويؤدبونه ! " ومعنى الإذن بالقتال - في مثل هذه البيئة - أن تقع معركة ومقتلة في كل بيت . . ثم يقال:هذا هو الإسلام ! ولقد قيلت حتى والإسلام يأمر بالكف عن القتال ! فقد كانت دعاية قريش في الموسم , في أوساط العرب القادمين للحج والتجارة:إن محمداً يفرق بين الوالد وولده , فوق تفريقه لقومه وعشيرته ! فكيف لو كان كذلك يأمر الولد بقتل الوالد , والمولى بقتل الولي . . في كل بيت وفي كل محلة ?
"وربما كان ذلك أيضاً لما يعلمه الله من أن كثيرين من المعاندين الذين يفتنون أوائل المسلمين عن دينهم , ويعذبونهم ويؤذونهم , هم بأنفسهم سيكونون من جند الإسلام المخلص , بل من قادته . . ألم يكن عمر بن الخطاب من بين هؤلاء ?!
"وربما كان ذلك أيضاً , لأن النخوة العربية , في بيئة قبلية , من عادتها أن تثور للمظلوم الذي يحتمل الأذى , ولا يتراجع ! وبخاصة إذا كان الأذى واقعاً على كرام الناس فيهم . . وقد وقعت ظواهر كثيرة تثبت صحة هذه النظرة - في هذه البيئة - فابن الدغنة لم يرض أن يترك أبا بكر - وهو رجل كريم - يهاجر ويخرج من مكة , ورأى في ذلك عاراً على العرب ! وعُرض عليه جواره وحمايته . . وآخر هذه الظواهر نقض صحيفة الحصار لبني هاشم في شعب أبي طالب , بعدما طال عليهم الجوع واشتدت المحنة . . بينما في بيئة أخرى من بيئات "الحضارة " القديمة التي مردت على الذل , قد يكون السكوت على الأذى مدعاة للهزء والسخرية والاحتقار من البيئة , وتعظيم المؤذي الظالم المعتدي !(1/61)
"وربما كان ذلك , أيضاً , لقلة عدد المسلمين حينذاك , وانحصارهم في مكة , حيث لم تبلغ الدعوة إلى بقية الجزيرة , أو بلغت أخبارها متناثرة , حيث كانت القبائل تقف على الحياد من معركة داخلية بين قريش وبعض أبنائها , حتى ترى ماذا يكون مصير الموقف . ففي مثل هذه الحالة قد تنتهي المعركة المحدودة , إلى قتل المجموعة المسلمة القليلة - حتى ولو قتلوا هم أضعاف من سيقتل منهم - ويبقى الشرك , وتنمحي الجماعة المسلمة , ولم يقم في الأرض للإسلام نظام , ولا وجد له كيان واقعي . . وهو دين جاء ليكون منهاج حياة , وليكون نظاماً واقعياً عملياً للحياة . " . . . الخ . . . "
فأما في المدينة - في أول العهد بالهجرة - فقد كانت المعاهدة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود من أهلها ومن بقي على الشرك من العرب فيها وفيما حولها , ملابسة تقتضيها طبيعة المرحلة كذلك . .
أولاً:لأن هناك مجالاً للتبليغ والبيان , لا تقف له سلطة سياسية تمنعه وتحول بين الناس وبينه , فقد اعترف الجميع بالدولة المسلمة الجديدة ; وبقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تصريف شؤونها السياسية . فنصت المعاهدة على ألا يعقد أحد منهم صلحاً ولا يثير حرباً , ولا ينشئ علاقة خارجية إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان واضحاً أن السلطة الحقيقية في المدينة في يد القيادة المسلمة . فالمجال أمام الدعوة مفتوح , والتخلية بين الناس وحرية الاعتقاد قائمة .
ثانياً:أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد التفرغ - في هذه المرحلة - لقريش ; التي تقوم معارضتها لهذا الدين حجر عثرة في وجه القبائل الأخرى ; الواقفة في حالة انتظار لما ينتهي إليه الأمر بين قريش وبعض بنيها ! لذلك بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإرسال "السرايا" وكان أول لواء عقده لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة .
ثم توالت هذه السرايا , على رأس تسعة أشهر . ثم على رأس ثلاثة عشر شهراً . ثم على رأس ستة عشر شهراً . ثم كانت سرية عبدالله بن جحش في رجب على رأس سبعة عشر شهراً . وهي أول غزاة وقع فيها قتل وقتال . وكان ذلك في الشهر الحرام . والتي نزلت فيها آيات البقرة: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ! قل:قتال فيه كبير , وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام , وإخراج أهله منه أكبر عند الله , والفتنة أكبر من القتل . ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا . . .) .
ثم كانت غزوة بدر الكبرى في رمضان من هذه السنة . . وهي التي نزلت فيها هذه السورة التي نحن بصددها .
ورؤية الموقف من خلال ملابسات الواقع , لا تدع مجالاً للقول بأن "الدفاع" بمفهومه الضيق كان هو قاعدة الحركة الإسلامية . كما يقول المهزومون أمام الواقع الحاضر , وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر !
إن الذين يلجأون إلى تلمس أسباب دفاعية بحتة لحركة المد الإسلامي , إنما يؤخذون بحركة الهجوم الاستشراقية , في وقت لم تعد للمسلمين شوكة بل لم يعد للمسلمين إسلام ! - إلا من عصم الله ممن يصرون على تحقيق إعلان الإسلام العام بتحرير "الإنسان" في "الأرض" من كل سلطان إلا سلطان الله , ليكون الدين كله لله - فيبحثون عن مبررات أدبية للجهاد في الإسلام !
والمد الإسلامي ليس في حاجة إلى مبررات أدبية له أكثر من المبررات التي حملتها النصوص القرآنية:
(فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة . ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً . وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون:ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها , واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً ? الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله , والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت , فقاتلوا أولياء الشيطان , إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) . . . [ النساء:74 - 76 ] .
(قل للذين كفروا:إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف , وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين . وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله , فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير . وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم , نعم المولى ونعم النصير) . . . [ الأنفال:38 - 40 ] . .
(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر , ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله , ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون . وقالت اليهود عزير ابن الله , وقالت النصارى:المسيح ابن الله . ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل , قاتلهم الله أنى يؤفكون ! اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم , وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً , لا إله إلّا هو , سبحانه عما يشركون . يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم , ويأبى الله إلا أن يتم نوره ; ولو كره الكافرون) . . [ التوبة:29 - 32 ] .
إنها مبررات تقرير ألوهية الله في الأرض ; وتحقيق منهجه في حياة الناس . ومطاردة الشياطين ومناهج الشياطين ; وتحطيم سلطان البشر الذي يتعبد الناس , والناس عبيد الله وحده يجوز أن يحكمهم أحد من عباده بسلطان من عند نفسه وبشريعة من هواه ورأيه ! وهذا يكفي . . مع تقرير مبدأ: (لا إكراه في الدين) . . أي لا إكراه على اعتناق العقيدة , بعد الخروج من سلطان العبيد ; والإقرار بمبدأ أن السلطان كله لله . أو أن الدين كله لله . بهذا الاعتبار .
إنها مبررات التحرير العام للإنسان في الأرض . بإخراج الناس من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده بلا شريك . . وهذه وحدها تكفي . . ولقد كانت هذه المبررات ماثلة في نفوس الغزاة من المسلمين فلم يسأل أحد منهم عما أخرجه للجهاد فيقول:خرجنا ندافع عن وطننا المهدد ! أو خرجنا نصد عدوان الفرس أو الروم علينا نحن المسلمين ! أو خرجنا نوسع رقعتنا ونستكثر من الغنيمة !
لقد كانوا يقولون كما قال ربعي بن عامر , وحذيفة بن محصن , والمغيرة بن شعبة , جميعاً لرستم قائد جيش الفرس في القادسية , وهو يسألهم واحداً بعد واحد في ثلاثة أيام متوالية , قبل المعركة:ما الذي جاء بكم ? فيكون الجواب:الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . ومن ضيق الدنيا إلى سعتها . ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام . . فأرسل رسوله بدينه إلى خلقه , فمن قبله منا قبلنا منه ورجعنا عنه , وتركناه وأرضه . ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى الجنة أو الظفر" .
إن هناك مبرراً ذاتياً في طبيعة هذا الدين ذاته ; وفي إعلانه العام , وفي منهجه الواقعي لمقابلة الواقع البشري بوسائل مكافئة لكل جوانبه , في مراحل محددة , بوسائل متجددة . . وهذا المبرر الذاتي قائم ابتداء - ولو لم يوجد خطر الاعتداء على الأرض الإسلامية وعلى المسلمين فيها - إنه مبرر في طبيعة المنهج وواقعيته , وطبيعة المعوقات الفعلية في المجتمعات البشرية . . لا من مجرد ملابسات دفاعية محدودة , وموقوتة !
وإنه ليكفي أن يخرج المسلم مجاهداً بنفسه وماله . . (في سبيل الله) . في سبيل هذه القيم التي لا يناله هو من ورائها مغنم ذاتي ; ولا يخرجه لها مغنم ذاتي . .(1/62)
إن المسلم قبل أن ينطلق للجهاد في المعركة يكون قد خاض معركة الجهاد الأكبر في نفسه مع الشيطان . . مع هواه وشهواته . . مع مطامعه ورغباته . . مع مصالحه ومصالح عشيرته وقومه . . مع كل شارة غير شارة الإسلام . . ومع كل دافع إلا العبودية لله , وتحقيق سلطانه في الأرض وطرد سلطان الطواغيت المغتصبين لسلطان الله . .
والذين يبحثون عن مبررات للجهاد الإسلامي في حماية "الوطن الإسلامي" يغضون من شأن "المنهج" ويعتبرونه أقل من "الموطن" ! وهذه ليست نظرة الإسلام إلى هذه الاعتبارات . . إنها نظرة مستحدثة غريبة على الحس الإسلامي , فالعقيدة والمنهج الذي تتمثل فيه والمجتمع الذي يسود فيه هذا المنهج هي الاعتبارات الوحيدة في الحس الإسلامي . أما الأرض - بذاتها - فلا اعتبار لها ولا وزن ! وكل قيمة للأرض في التصور الإسلامي إنما هي مستمدة من سيادة منهج الله وسلطانه فيها . وبهذا تكون محضن العقيدة وحقل المنهج و "دار الإسلام" ونقطة الانطلاق لتحرير "الإنسان" . .
وحقيقة أن حماية "دار الإسلام" حماية للعقيدة والمنهج والمجتمع الذي يسود فيه المنهج . ولكنها هي ليست الهدف النهائي . وليست حمايتها هي الغاية الأخيرة لحركة الجهاد الإسلامي . إنما حمايتها هي الوسيلة لقيام مملكة الله فيها . ثم لاتخاذها قاعدة انطلاق إلى الأرض كلها , وإلى النوع الإنساني بجملته . فالنوع الإنساني هو موضوع هذا الدين , والأرض هي مجاله الكبير !
وكما أسلفنا فإن الانطلاق بالمنهج الإلهي تقوم في وجهه عقبات مادية من سلطة الدولة , ونظام المجتمع , وأوضاع البيئة . . وهذه كلها هي التي ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة . كي يخلو له وجه الأفراد من الناس , يخاطب ضمائرهم وأفكارهم , بعد أن يحررها من الأغلال المادية ; ويترك لها بعد ذلك حرية الاختيار . .
يجب ألا تخدعنا أو تفزعنا حملات المستشرقين على مبدأ "الجهاد" , وألا يثقل على عاتقنا ضغط الواقع وثقله في ميزان القوى العالمية , فنروح نبحث للجهاد الإسلامي عن مبررات أدبية خارجة عن طبيعة هذا الدين , في ملابسات دفاعية وقتية , كان الجهاد سينطلق في طريقه سواء وجدت هذه الملابسات أم لم توجد !
ويجب ونحن نستعرض الواقع التاريخي ألا نغفل عن الاعتبارات الذاتية في طبيعة هذا الدين وإعلانه العام ومنهجه الواقعي . . وألا نخلط بينها وبين المقتضيات الدفاعية الوقتية . .
حقاً إنه لم يكن بد لهذا الدين أن يدافع المهاجمين له . لأن مجرد وجوده , في صورة إعلان عام لربوبية الله للعالمين , وتحرير الإنسان من العبودية لغير الله , وتمثل هذا الوجود في تجمع تنظيمي حركي تحت قيادة جديدة غير قيادات الجاهلية , وميلاد مجتمع مستقل متميز لا يعترف لأحد من البشر بالحاكمية , لأن الحاكمية فيه لله وحده . . إن مجرد وجود هذا الدين في هذه الصورة لا بد أن يدفع المجتمعات الجاهلية من حوله , القائمة على قاعدة العبودية للعباد , أن تحاول سحقه , دفاعاً عن وجودها ذاته . ولا بد أن يتحرك المجتمع الجديد للدفاع عن نفسه . .
هذه ملابسة لا بد منها . تولد مع ميلاد الإسلام ذاته . وهذه معركة مفروضة على الإسلام فرضاً , ولا خيار له في خوضها . وهذا صراع طبيعي بين وجوددين لا يمكن التعايش بينهما طويلاً . .
هذا كله حق . . ووفق هذه النظرة يكون لا بد للإسلام أن يدافع عن وجوده . ولا بد أن يخوض معركة دفاعية مفروضة عليه فرضاً . .
ولكن هناك حقيقة أخرى أشد أصالة من هذه الحقيقة . .
إن من طبيعة الوجود الإسلامي ذاته أن يتحرك إلى الأمام ابتداء ; لإنقاذ "الإنسان" في "الأرض" من العبودية لغير الله . ولا يمكن أن يقف عند حدود جغرافية ; ولا أن ينزوي داخل حدود عنصرية ; تاركاً "الإنسان" . . نوع الإنسان . . في "الأرض" . . كل الأرض . . للشر والفساد والعبودية لغير الله .
إن المعسكرات المعادية للإسلام قد يجيء عليها زمان تؤثر فيه ألا تهاجم الإسلام , إذا تركها الإسلام تزاول عبودية البشر للبشر داخل حدودها الإقليمية ; ورضي أن يدعها وشأنها ولم يمد إليها دعوته وإعلانه التحريري العام ! . . ولكن الإسلام لا يهادنها , إلا أن تعلن استسلامها لسلطانه في صورة أداء الجزية , ضماناً لفتح أبوابها لدعوته بلا عوائق مادية من السلطات القائمة فيها .
هذه طبيعة هذا الدين , وهذه وظيفته بحكم أنه إعلان عام لربوبية الله للعالمين وتحرير الإنسان من كل عبودية لغير الله في الناس أجمعين !
وفرق بين تصور الإسلام على هذه الطبيعة , وتصوره قابعا داخل حدود إقليمية أو عنصرية , لا يحركه إلا خوف الاعتداء ! إنه في هذه الصورة الأخيرة يفقد مبرراته الذاتية في الإنطلاق !
إن مبررات الانطلاق الإسلامي تبرز بوضوح وعمق عند تذكر أن هذا الدين هو منهج الله للحياة البشرية , وليس منهج إنسان , ولا مذهب شيعة من الناس , ولا نظام جنس من الأجناس ! . . ونحن لا نبحث عن مبررات خارجية إلا حين تفتر في حسنا هذه الحقيقة الهائلة . . حين ننسى أن القضية هي قضية ألوهية الله وعبودية العباد . . إنه لا يمكن أن يستحضر إنسان ما هذه الحقيقة الهائلة ثم يبحث عن مبرر آخر للجهاد الإسلامي !
والمسافة قد لا تبدو كبيرة عند مفرق الطريق , بين تصور أن الإسلام كان مضطراً لخوض معركة لا اختيار له فيها , بحكم وجوده الذاتي ووجود المجتمعات الجاهلية الأخرى التي لا بد أن تهاجمه . وتصور أنه هو بذاته لا بد أن يتحرك ابتداء , فيدخل في هذه المعركة . .
المسافة عند مفرق الطريق قد لا تبدو كبيرة . فهو في كلتا الحالتين سيدخل المعركة حتماً . ولكنها في نهاية الطريق تبدو هائلة شاسعة , تغير المشاعر والمفهومات الإسلامية تغييرا كبيرا . . خطيرا . .
إن هناك مسافة هائلة بين اعتبار الإسلام منهجاً إلهياً , جاء ليقرر ألوهية الله في الأرض , وعبودية البشر جميعاً لإله واحد , ويصب هذا التقرير في قالب واقعي , هو المجتمع الإنساني الذي يتحرر فيه الناس من العبودية للعباد , بالعبودية لرب العباد , فلا تحكمهم إلا شريعة الله , التي يتمثل فيها سلطان الله , أو بتعبير آخر تتمثل فيها ألوهيته . . فمن حقه إذن أن يزيل العقبات كلها من طريقه , ليخاطب وجدان الأفراد وعقولهم دون حواجز ولا موانع مصطنعة من نظام الدولة السياسي , أو أوضاع الناس الاجتماعية . . إن هناك مسافة هائلة بين اعتبار الإسلام على هذا النحو , واعتباره نظاماً محلياً في وطن بعينه . فمن حقه فقط أن يدفع الهجوم عليه في داخل حدوده الإقليمية !
هذا تصور . . وذاك تصور . . ولو أن الإسلام في كلتا الحالتين سيجاهد . . ولكن التصور الكلي لبواعث هذا الجهاد وأهدافه ونتائجه , يختلف اختلافاً بعيداً , يدخل في صميم الاعتقاد كما يدخل في صميم الخطة والاتجاه .إن من حق الإسلام أن يتحرك ابتداء . فالإسلام ليس نحلة قوم , ولا نظام وطن , ولكنه منهج إلهي , ونظام عالم . . ومن حقه أن يتحرك ليحطم الحواجز من الأنظمة والأوضاع التي تغل من حرية "الإنسان" في الاختيار . وحسبه أنه لا يهاجم الأفراد ليكرههم على اعتناق عقيدته . إنما يهاجم الأنظمة والأوضاع ليحرر الأفراد من التأثيرات الفاسدة , المفسدة للفطرة , المقيدة لحرية الاختيار .(1/63)
من حق الإسلام أن يخرج "الناس" من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . . ليحقق إعلانه العام بربوبية الله للعالمين , وتحرير الناس أجمعين . . وعبادة الله وحده لا تتحقق - في التصور الإسلامي وفي الواقع العملي - إلا في ظل النظام الإسلامي . فهو وحده النظام الذي يشرع الله فيه للعباد كلهم . حاكمهم ومحكومهم . أسودهم وأبيضهم . قاصيهم ودانيهم . فقيرهم وغنيهم تشريعاً واحداً يخضع له الجميع على السواء . . أما في سائر الأنظمة , فيعبد الناس العباد , لأنهم يتلقون التشريع لحياتهم من العباد . وهو من خصائص الألوهية . فأيما بشر ادعى لنفسه سلطان التشريع للناس من عند نفسه فقد ادعى الألوهية اختصاصاً وعملاً , سواء ادعاها قولاً أم لم يعلن هذا الادعاء ! وأيما بشر آخر اعترف لذلك البشر بذلك الحق فقد اعترف له بحق الألوهية سواء سماها باسمها أم لم يسمها !
والإسلام ليس مجرد عقيدة . حتى يقنع بإبلاغ عقيدته للناس بوسيلة البيان . إنما هو منهج يتمثل في تجمع تنظيمي حركي يزحف لتحرير كل الناس . والتجمعات الأخرى لا تمكنه من تنظيم حياة رعاياها وفق منهجه هو . ومن ثم يتحتم على الإسلام أن يزيل هذه الأنظمة بوصفها معوقات للتحرر العام . وهذا - كما قلنا من قبل - معنى أن يكون الدين كله لله . فلا تكون هناك دينونة ولا طاعة لعبد من العباد لذاته , كما هو الشأن في سائر الأنظمة التي تقوم على عبودية العباد للعباد !
إن الباحثين الإسلاميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع الحاضر , وتحت الهجوم الاستشراقي الماكر , يتحرجون من تقرير تلك الحقيقة . لأن المستشرقين صوروا الإسلام حركة قهر بالسيف للإكراه على العقيدة . والمستشرقون الخبثاء يعرفون جيداً أن هذه ليست هي الحقيقة . ولكنهم يشوهون بواعث الجهاد الإسلامي بهذه الطريقة . . ومن ثم يقوم المنافحون - المهزومون - عن سمعة الإسلام , بنفي هذا الاتهام ! فيلجأون إلى تلمس المبررات الدفاعية ! ويغفلون عن طبيعة الإسلام ووظيفته , وحقه في "تحرير الإنسان" ابتداء .
وقد غشى على أفكار الباحثين العصريين - المهزومين - ذلك التصور الغربي لطبيعة "الدين" . . وأنه مجرد "عقيدة " في الضمير ; لا شأن لها بالأنظمة الواقعية للحياة . . ومن ثم يكون الجهاد للدين , جهاداً لفرض العقيدة على الضمير !
ولكن الأمر ليس كذلك في الإسلام . فالإسلام منهج الله للحياة البشرية . وهو منهج يقوم على إفراد الله وحده بالألوهية - متمثلة في الحاكمية - وينظم الحياة الواقعية بكل تفصيلاتها اليومية ! فالجهاد له جهاد لتقرير المنهج وإقامة النظام . أما العقيدة فأمرها موكول إلى حرية الاقتناع , في ظل النظام العام , بعد رفع جميع المؤثرات . . ومن ثم يختلف الأمر من أساسه , وتصبح له صورة جديدة كاملة .
وحيثما وجد التجمع الإسلامي , الذي يتمثل فيه المنهج الإلهي , فإن الله يمنحه حق الحركة والانطلاق لتسلم السلطان وتقرير النظام . مع ترك مسألة العقيدة الوجدانية لحرية الوجدان . . فإذا كف الله أيدي الجماعة المسلمة فترة عن الجهاد , فهذه مسألة خطة لا مسألة مبدأ . مسألة مقتضيات حركة لا مسألة مقررات عقيدة . وعلىهذا الأساس الواضح يمكن أن نفهم النصوص القرآنية المتعددة , في المراحل التاريخية المتجددة . ولا نخلط بين دلالالتها المرحلية , والدلالة العامة لخط الحركة الإسلامية الثابت الطويل .
وبعد , فإن هناك بقية في بيان طبيعة "الجهاد في الإسلام" و "طبيعة هذا الدين" يمدنا بها المبحث المجمل القيم الذي أمدنا به المسلم العظيم السيد أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في باكستان , بعنوان "الجهاد في سبيل الله" . . وسنحتاج أن نقتبس منه فقرات طويلة ; لا غنى عنها لقارئ يريد رؤية واضحة دقيقة لهذا الموضوع الخطير العميق في بناء الحركة الإسلامية:
"لقد جرت عادة الإفرنج أن يعبروا عن كلمة "الجهاد" "بالحرب المقدسة " [ ] إذا أرادوا ترجمتها بلغاتهم . وقد فسروها تفسيراً منكراً . وتفننوا فيها , وألبسوها ثوباً فضفاضاً من المعاني المموهة الملفقة . وقد بلغ الأمر في ذلك أن أصبحت كلمة الجهاد عندهم عبارة عن شراسة الطبع والخلق والهمجية وسفك الدماء . وقد كان من لباقتهم , وسحر بيانهم , وتشويههم لوجوه الحقائق الناصعة , أنه كلما قرع سمع الناس صوت هذه الكلمة . . الجهاد . . تمثلت أمام أعينهم صورة مواكب من الهمج المحتشدة , مصلتة سيوفها , متقدة صدورها بنار التعصب والغضب , متطايراً من عيونها شرار الفتك والنهب , عالية أصواتها بهتاف:"الله أكبر" , زاحفة إلى الأمام , ما إن رأت كافراً حتى أمسكت بخناقه , وجعلته بين أمرين:إما أن يقول كلمة:"لا إله إلا الله" فينجو بنفسه , وإما أن يضرب عنقه , فتشخب أوداجه دماً !
"ولقد رسم الدهان هذه "الصورة " بلباقة فائقة , وتفننوا فيها بريشة المتفنن المبدع ; وكان من دهائهم ولباقتهم في هذا الفن أن صبغوها بصبغ من النجيع الأحمر , وكتبوا تحتها:
"هذه الصورة مرآة لما كان بسلف هذه الأمة من شره إلى سفك الدماء , وجشع إلى الفتك بالأبرياء" !
"والعجب كل العجب , أن الذين عملوا على هذه الصورة ; وقاموا بما كان لهم من حظ موفور في إبرازها وعرضها على الأنظار , هم هم الذين مضت عليهم قرون وأجيال يتقاتلون ويتناحرون فيما بينهم إرضاء لشهواتهم الدنيئة وإطفاء لأوار مطامعهم الأشعبية , وتلك هي حربهم الملعونة غير المقدسة [ ] التي أثاروها على الأمم المستضعفة في مشارق الأرض ومغاربها , وجاسوا خلال ديارهم يبحثون عن أسواق لبضائعهم وأراض لمستعمراتهم التي يريدون أن يستعمروها , ويستبدوا بمنابع ثروتها دون أصحابها الشرعيين , ويفتشون عن المناجم والمعادن , وعما تغله أرض الله الواسعة من الحاصلات التي يمكن أن تكون غذاء لبطون مصانعهم ومعاملهم . يبحثون عن كل ذلك وقلوبهم كلها جشع وشره إلى المال والجاه . وبين أيديهم الدبابات المدججة , وفوق رؤوسهم الطائرات المحلقة في جو السماء , ووراء ظهورهم مئات الألوف من العساكر المدربة يقطعون على البلاد سبل رزقها , وعلى أهاليها الوادعين طريقهم إلى الحياة الكريمة , يريدون بذلك أن يهيئوا وقوداً لنيران مطامعهم الفاحشة التي لا تزيدها الأيام إلا التهاباً واضطراباً . فلم تكن حروبهم في "سبيل الله" , وإنما كانت في سبل شهواتهم الدنيئة , وأهوائهم الذميمة . .
"هذه هي حال الذين يصموننا بالغزو والقتال , الذي سبق لنا من أعمال الفتوح والحروب قد مضت عليه أحقاب طويلة . أما أعمالهم المخزية هذه فلا يزالون يقترفونها ليل نهار بمرأى ومسمع من العالم "المتحضر المتمدن ! " . وأي بلاد الله , يا ترى , قد سلمت من عدوانهم , وما تخضبت أراضيها بدماء أبنائها الزكية ? وأية هذه القارات العظيمة من آسيا وأفريقية وأمريكا ما ذاقت وبال حروبهم الملعونة ? . . لكن هؤلاء الدهاةرسموا صورتنا بلباقة منكرة , وأبدأوا وأعادوا في عرضها بشكل هائل بشع , وقد سحب ذيل النسيان على صورتهم الدميمة , حتى لا يكاد يذكرها أحد بجنب الصورة المنكرة التي صوروا بها تاريخنا ومآثر أسلافنا . فما أعظم دهاءهم ! وما أبرعهم في التزوير والتمويه !(1/64)
"أما سذاجتنا وبله رجالنا , فحدث عن البحر ولا حرج ! وأي بله أعظم من اغترارنا بالصورة المنكرة التي صوروا بها مآثرنا حتى كدنا نؤمن بصحتها ومطابقتها للحقيقة ? وما دار بخلدنا أن ننظر إلى الأيدي الأثيمة التي عملت عملها في رسم هذه الصورة المزورة , وأن نبحث عن الأقلام الخفية التي تفننت في تمويهها وزخرفتها . وقد بلغ من اغترارنا بتزويرهم , وانخداعنا بتلك الصورة المموهة أن اعترانا الخجل والندامة , وعدنا نعتذر إلى القوم , نبدل كلام الله , ونحرف الكلم عن مواضعه , ونقول لهم:"ما لنا وللقتال , أيها السادة , إنما نحن دعاة مبشرون , ندعو إلى دين الله , دين الأمن والسلام والدعة بالحكمة والموعظة الحسنة , نبلغ كلام الله تبليغ الرهبان والدراويش والصوفية , ونجادل من يعارضنا بالتي هي أحسن , بالخطب والرسائل والمقالات حتى يؤمن من يؤمن بدعوتنا عن بينة ! هذه هي دعوتنا لا تزيد ولا تنقص ! أما السيف والقتال به فمعاذ الله أن نمت إليه بصلة . اللهم إلا أن يقال:إننا ربما دافعنا عن أنفسنا حينما اعتدى علينا أحد ! ذلك أيضاً قد مضت عليه سنون وأعوام طويلة . أما اليوم فقد أظهرنا براءتنا من ذلك أيضاً ! ومن أجل ذلك نسخنا الجهاد "رسمياً" . ! ذلك الجهاد الممقوت الذي يعمل فيه السيف عمله ! حتى لا يقلق بالكم ولا يقض عليكم المضجع ! فما الجهاد اليوم إلا مواصلة الجهود باللسان والقلم ; وليس لنا إلا أن نلعب بمرهفات الألسنة وأسنة الأقلام ! أما المدافع والدبابات والرشاشات وغيرها من آلات الحرب واستخدامها , فأنتم أحق بها وأهلها ! " .
"هذه مكايدهم السياسية التي كشفنا لك القناع عن بعضها فيما تقدم . لكنا إذا أنعمنا النظر في المسألة من الوجهة العلمية , ودققنا النظر في الأسباب التي أشكل لأجلها استجلاء حقيقة "الجهاد في سبيل الله" , واستكناه سرها على المسلمين أنفسهم فضلاً عن غير المسلمين , لاح لنا أن مرجع هذا الخطأ إلى أمرين مهمين لم يسبروا غورهما , ولم يدركوا مغزاهما على وجه الحقيقة:
"فالأول:أنهم ظنوا الإسلام نحلة [ ] بالمعنى الذي تطلق عليه كلمة " النحلة " [ ] عامة . .
"والثاني:أنهم حسبوا المسلمين أمة [ ] بالمعنى الذي تستعمل فيه هذه الكلمة في عامة الأحوال .
"فالحقيقة أن خطأ القوم في فهم هذين الأمرين المهمين , وعدم استجلائهم لوجه الحق في هاتين المسألتين الأساسيتين هو الذي شوه وجه الحقيقة الناصعة في هذا الشأن , وعاقهم عن إدراك مغزى الجهاد الإسلامي . بل الحق - والحق أحق أن يتبع - أن هذا الخطأ الأسياسي في فهم هاتين المسألتين قد أرخى سدوله على حقيقة الدين الإسلامي بأسره , وقلب الأمر ظهراً لبطن , وجعل موقف المسلمين من العالم ومسائله المتجددة ومشاكله المتشعبة حرجاً ضيقاً , لا يرضاه الإسلام وتعاليمه الخالدة:"فالنحلة [ ] على حسب الاصطلاح الشائع عندهم , لا يراد بها إلا مجموعة من العقائد والعبادات والشعائر . ولا جرم أن "النحلة " بهذا المعنى لا تعدو أن تكون مسألة شخصية . فأنت حر فيما تختاره من العقيدة ; ولك الخيار في أن تعبد بأي طريق شئت من رضيت به رباً لنفسك . وإن أبت نفسك إلا التحمسلهذه النحلة والانتصار لعقيدتها فلك أن تخترق الأرض , وتجوب بلاد الله الشاسعة , داعياً إلى عقيدتها , مدافعاً عن كيانها بالحجج والبراهين , مجادلاً من يخالفونك فيها بمرهفات الألسنة وأسنة الأقلام . أما السيف وآلات الحرب والقتال , فمالك ومالها في هذا الشأن ? أتريد أن تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين بعقيدتك ?! وإن كان الإسلام نحلة [ ] كنحل العالم , على حسب الاصطلاح الشائع عندهم كما يزعمون , فالظاهر أنه لا شأن فيها للسيف وأدوات الحرب , كما قالوا . ولو كان موقف الإسلام في نفس الأمر كما زعموا ووصفوا لما كان فيه مساغ للجهاد , ولم يكن من الإسلام في ورد ولا صدر ; لكن الأمر على خلاف ذلك , كما سوف تعرفه فيما يأتي من البيان . وكذلك كلمة "الأمة " [ ] فما هي إلا عبارة عن طائفة من الناس متوافقة فيما بينها [ ] اجتمعت وتألفت وامتازت من بين طوائف أخرى لاشتراكها في بعض الأمور الجوهرية . فالطائفة التي تكون "أمة " , بهذا المعنى , لا يبعثها على استخدام السيف إلا أمران:إما أن يعتدي عليها أحد , ويريد أن يسلبها حقوقها المعروفة ; وإما أن تحمل هي بنفسها على طائفة أخرى لتنتزع من يدها حقوقها المعروفة . ففي الصورة الأولى منهما , لها سعة في الأمر , وهي لا تخلو من وازع خلقي يلجئها إلى استخدام السيف والبطش بمن اعتدى عليها . وإن كان بعض المتشدقين بالأمن والسلام لا يبيح ذلك أيضاً ! - أما الصورة الثانية - أي الاعتداء على حقوق غيرها والإغارة على الشعوب والأمم من غير ما سبب - فلا يبيحها غير الجبابرة المسيطرين [ ] حتى إن ساسة الدول الكبرى كبريطانيا وأمريكا أيضاً لا يقدرون أن يجترئوا على القول بجوازها !
"فإن كان الإسلام "نحلة " كالنحل الأخرى , والمسلمون "أمة " كغيرهم من أمم العالم , فلا جرم أن "الجهاد" الإسلامي يفقد بذلك جميع المزايا والخصائص التي جعلته رأس العبادات ودرة تاجها . . لكن الحقيقة أن الإسلام ليس بنحلة كالنحل الرائجة , وأن المسلمين ليسو بأمة كأمم العالم . . بل الأمر أن الإسلام فكرة انقلابية [ ] ومنهاج انقلابي يريد أن يهدم نظام العالم الاجتماعي بأسره ويأتي بنيانه من القواعد , ويؤسس بنيانه من جديد حسب فكرته ومنهاجه العملي . . ومن هناك تعرف أن لفظ "المسلم" وصف للحزب الانقلابي العالمي [ ] الذي يكونه الإسلام , وينظم صفوفه , ليكون أداة في إحداث ذلك البرنامج الانقلابي الذي يرمي إليه الإسلام , ويطمح إليه ببصره . والجهاد عبارة عن الكفاح الانقلابي [ ] عن تلك الحركة الدائبة المستمرة التي يقام بها للوصول إلى هذه الغاية , وإدراك هذا المبتغى .(1/65)
"والإسلام يتجنب الكلمات الشائعة في دعوته وبيان منهجه العملي - شأن غيره من الدعوات الفكرية والمناهج الانقلابية - بل يؤثر لذلك لغة من المصطلحات [ ] خاصة , لئلا يقع الالتباس بين دعوته وما إليها من الأفكار والتصورات , وبين الأفكار والتصورات الشائعة الرائجة . " فالجهاد" أيضاً من الكلمات التي اصطلح عليها الإسلام لأداء مهمته وتبيين تفاصيل دعوته . فأنت ترى أن الإسلام قد تجنب لفظة [ الحرب ] وغيرها من الكلمات التي تؤدي معنى القتال [ ] في اللغة العربية , واستبدل بها كلمة [ ] في اللغة الإنجليزية . غير أن لفظة [ الجهاد ] أبلغ منها تأثيراً , وأكثر منها إحاطة بالمعنى المقصود . فما الذي أفضى بالإسلام إلى أن يختار هذه الكلمة الجديدة , صارفاً بوجهه عن الكلمات القديمة الرائجة ? الذي أراه وأجزم به أنه ليس لذلك إلا سبب واحد:وهو أن لفظة "الحرب" [ ] كانت ولا تزال تطلق على القتال الذي يشب لهيبه وتستعر ناره بين الرجال والأحزاب والشعوب لمآرب شخصية وأغراض ذاتية والغايات التي ترمي إليها أمثال هذه الحروب لا تعدو أن تكون مجرد أغراض شخصية أو اجتماعية , لا تكونفيها رائحة لفكرة أو انتصار لمبدأ . وبما أن القتال المشروع في الإسلام ليس من قبيل هذه الحروب , لم يكن له بد من ترك هذه اللفظة [ الحرب ] البتة . فإن الإسلام لا ينظر إلى مصلحة أمة دون أمة ; ولا يقصد إلى النهوض بشعب دون شعب ; وكذلك لا يهمه في قليل ولا كثير أن تملك الأرض وتستولي عليها هذه المملكة أو تلك ; وإنما تهمه سعادة البشر وفلاحهم . وله فكرة خاصة ومنهاج عملي مختار لسعادة المجتمع البشري والصعود به إلى معارج الفلاح . فكل حكومة مؤسسة على فكرة غير هذه الفكرة , ومنهاج غير هذا المنهاج , يقاومها الإسلام , ويريد أن يقضي عليها قضاء مبرماً ; ولا يعنيه في شيء بهذا الصدد أمر البلاد التي قامت فيها تلك الحكومة غير المرضية , أو الأمة التي ينتمي إليها القائمون بأمرها . فإن غايته استعلاء فكرته , وتعميم منهاجه , وإقامة الحكومات وتوطيد دعائمها على أساس هذه الفكرة وهذا المنهاج , بصرف النظر عمن يحمل لواء الحق والعدل بيده ومن تنتكس راية عدوانه وفساده ! والإسلام يتطلب "الأرض" , ولا يقنع بقطعة أو جزء منها ; وإنما يتطلب ويستدعي المعمورة الأرضية كلها . ولا يتطلبها لتستولي عليها وتستبد بمنابع ثروتها أمة بعينها بعد ما تنتزع من أمة أو أمم شتى , بل يتطلبها الإسلام ويستدعيها ليتمتع الجنس البشري بأجمعه بفكرة السعادة البشرية ومنهاجها العملي اللذين أكرمه الله بهما , وفضله بهما على سائر الأديان والشرائع . وتحقيقاً لهذه الغاية السامية يريد الإسلام أن يستخدم جميع القوى والوسائل التي يمكن استخدامها لإحداث انقلاب علمي شامل ; ويبذل الجهد المستطاع للوصول إلى هذه الغاية العظمى ; ويسمي هذا الكفاح المستمر , واستنفاد القوى البالغ واستخدام شتى الوسائل المستطاعة "بالجهاد" . فالجهاد كلمة جامعة تشتمل جميع أنواع السعي وبذل الجهد . وإذا عرفت هذا فلا تعجب إذا قلت:إن تغيير وجهات أنظار الناس وتبديل ميولهم ونزعاتهم , وإحداث انقلاب عقلي وفكري بواسطة مرهفات الأقلام نوع من أنواع الجهاد , كما أن القضاء على نظم الحياة العتيقة الجائرة بحد السيوف , وتأسيس نظام جديد على قواعد العدل والنصفة أيضاً من أصناف الجهاد . وكذلك بذل الأموال , وتحمل المشاق , ومكابدة الشدائد أيضاً فصول وأبواب مهمة من كتاب "الجهاد" العظيم .
"لكن الجهاد الإسلامي ليس بجهاد لا غاية له ; وإنما هو الجهاد في سبيل الله ; وقد لزمه هذا الشرط لا ينفك عنه أبداً . وذلك أيضاً من الكلمات التي اصطلح عليها الإسلام لتبيين فكرته وإيضاح تعاليمه , كما أشرت إليه آنفاً . وقد انخدع كثير من الناس بمدلوله اللغوي الظاهر , وحسبوا أن إخضاع الناس لعقيدة الإسلام وإكراههم على قبولها هو "الجهاد في سبيل الله" وذلك أن ضيق صدورهم وعدم اتساع مجال تفكيرهم يعوقهم أن يسموا بأنفسهم فوق ذلك ويحلقوا في سماء أوسع من سمائهم . لكن الحق أن "سبيل الله" في المصطلح الإسلامي أرحب وأوسع بكثير مما يتصورون , وأسمى غاية وأبعد مراماً مما يظنون ويزعمون . .
"فالذي يتطلبه الإسلام أنه إذا قام رجل , أو جماعة من المسلمين , تبذل جهودها , وتستنفد مساعيها للقضاء على النظم البالية الباطلة , وتكوين نظام جديد حسب الفكرة الإسلامية , فعليها أن تكون مجردة عن كل غرض , مبرأة من كل هوى أو نزعة شخصية , لا تقصد من وراء جهودها , وما تبذل في سبيل غايتها من النفوس والنفائس إلا تأسيس نظام عادل يقوم بالقسط والحق بين الناس , ولا تبتغي بها بدلاً في هذه الحياة الفانية , ولا يكون من هم الإنسان خلال هذا الكفاح المستمر والجهاد المتواصل لإعلاء كلمة الله أن ينال جاهاً وشرفاً أو سمعة وحسن أحدوثة , ولا يخطرن بباله أثناء هذه الجهود البالغة والمساعي الغالية أن يسمو بنفسه وعشيرته , ويستبد بزمام الأمر , ويتبوأ منصب الطواغيت الفجرة , بعدما يعزل غيره من الجبابرة المستكبرين عن مناصبهم . وها هو ذا القرآن الكريم ينادي بملء صوته:
(الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت) . . . [ النساء:76 ]
. . . " وقد تضمنت الآية الكريمة:(يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) . . . [ البقرة:21 ]
"لباب هذه الدعوة , دعوة الإسلام الانقلابية , وجوهرها . فإنه لا يخاطب سكان هذه الكرة باسم العمال , أو الفلاحين , أو الملاكين , أو المتمولين من أصحاب المعامل والمصانع , ولا يسميهم بأسماء أحزابهم وطبقاتهم . وإنما يخاطب الإسلام بني آدم كافة . ولا يناديهم كذلك إلا بصفة كونهم أفراد الجنس البشري , فهو يأمرهم أن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئاً , ولا يتخذوا إلهاً ولا رباً غيره . وكذلك يدعوهم ألا يعتوا عن أمر ربهم , ولا يستنكفوا عن عبادته , ولا يتكبروا في أرض الله بغير الحق , فإن الحكم والأمر لله وحده , وبيده مقاليد السماوات والأرض ; فلا يجوز لأحد من خلقه , كائناًمن كان , أن يعلو في الأرض ويتكبر , ويقهر الناس حتى يخضعوا له ويذعنوا لأمره وينقادوا لجبروته . ودعوته لهم جميعاً أن يخلصوا دينهم لله وحده فيكونوا سواء في هذه العبودية الشاملة , كما ورد في التنزيل: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم:ألا نعبد إلا الله , ولا نشرك به شيئاً , ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله . . . [ آل عمران:64 ] .
"فهذه دعوة إلى انقلاب عالمي شامل , لا غموض فيها ولا إبهام . فإنه قد نادى بملء صوته: (إن الحكم إلا لله , أمر ألا تعبدوا إلا إياه . ذلك الدين القيم) . . [ يوسف:40 ]
"فليس لأحد من بني آدم أن ينصب نفسه ملكا على الناس ومسيطراً عليهم , يأمرهم بما يشاء وينهاهم عما يريد . ولا جرم أن استقلال فرد من أفراد البشر بالأمر والنهي من غير أن يكون له سلطان من الملك الأعلى , هو تكبر في الأرض على الله بغير الحق , وعتو عن أمره , وطموح إلى مقام الألوهية . والذين يرضون أمثال هؤلاء الطواغيت لهم ملوكاً وأمراء إنما يشركون بالله , وذلك مبعث الفساد في الأرض , ومنه تنفجر ينابيع الشر والطغيان .(1/66)
"إن دعوة الإسلام إلى التوحيد , وعبادة الله الواحد , لم تكن قضية كلامية . أو عقيدة لاهوتية فحسب . شأن غيره من النحل والملل ; بل الأمر أنها كانت دعوة إلى انقلاب اجتماعي [ ] أرادت في أول ما أرادت أن تقطع دابر الذين تسنموا ذروة الألوهية ; واستعبدوا الناس بحيلهم ومكايدهم المختلفة . فمنهم من تبوأ مناصب السدنة والكهان ; ومنهم من استأثر بالملك والإمرة , وتحكم في رقاب الناس ; ومنهم من استبد بمنابع الثروة وخيرات الأرض ; وجعل الناس عالة عليهم يتكففون ولا يجدون ما يتبلغون به . . فأرادت دعوة الإسلام أن تقطع دابرهم جميعاً وتستأصل شأفتهم استئصالاً . . وهؤلاء تارة تسنموا قمة الألوهية جهراً وعلانية ; وأرادوا أن يقهروا من حولهم من الناس على أن يذعنوا لأمرهم ; وينقادوا لجبروتهم ; مستندين إلى حقوقهم التي ورثوها عن آبائهم ; أو استأثرت بها الطبقة التي ينتمون إليها ; فقالوا: (ما علمت لكم من إله غيري) . . و (وأنا ربكم الأعلى) . . و (أنا أحيي وأميت) . . و (من أشد منا قوة ?) . . إلى غيرها من كلمات الاستكبار ودعاوى الألوهية التي تفوهوا بها وتجاسروا عليها بغياً وعدواناً . وطورا استغلوا جهل الدهماء وسفههم , فاتخذوا من الأصنام والتماثيل والهياكل آلهة , يدعون الناس ويريدونهم علىأداء مظاهر العبودية أمام هذه التماثيل والهياكل متوارين بأنفسهم من ورائها , يلعبون بعقول الناس , ويستعبدونهم لأغراضهم وشهواتهم وهم لا يشعرون ! فيتبين من ذلك أن دعوة الإسلام إلى التوحيد , وإخلاص العبادة لله الواحد الأحد , وتنديده بالكفر والشرك بالله , واجتناب الأوثان والطواغيت . . كل ذلك يتنافى ويتعارض مع الحكومة والعاملين عليها المتصرفين في أمورها , والذين يجدون فيها سنداً لهم , وعوناً على قضاء حاجاتهم وأغراضهم . . ومن ثم ترى أنه كلما قام نبي من الأنبياء يجاهر الناس بالدعوة , وخاطبهم قائلاً: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) . . قامت في وجهه الحكومات المتمكنة في عصره , وثار عليه جميع من كانوا يستغلون خيرات البلاد ويستثمرونها ظلماً وعدواناً . . خرجت تقاومه , وتضع في سبيل الدعوة العقبات . وذلك أن هذه الدعوة لم تكن مجرد بيان لعقيدة كلامية , أو شرح لمسألة من مسائل الإلهيات وإنما كانت نداء لانقلاب اجتماعي عالمي , ما كانت بوادره لتخفى على المستأثرين بمناصب العز والجاه , المستبدين بمنابع الثراء , ممن يشمون رائحة الاضطراب السياسي قبل حدوثه بأعوام !
"إن الإسلام ليس بمجرد مجموعة من العقيدة الكلامية , وجملة من المناسك والشعائر , كما يفهم من معنى الدين في هذه الأيام . بل الحق أنه نظام شامل , يريد أن يقضي على سائر النظم الباطلة الجائرة الجارية في العالم , ويقطع دابرها , ويستبدل بها نظاماً صالحاً , ومنهاجاً معتدلاً , يرى أنه خير للإنسانية من النظم الأخرى , وأن فيه نجاة للجنس البشري من أدواء الشر والطغيان , وسعادة له وفلاحاً في العاجلة والآجلة معاً .
"ودعوته في هذه السبيل , سبيل الإصلاح والتجديد والهدم والبناء , عامة للجنس البشري كافة , لا تختص بأمة دون أمة , أو طائفة دون طائفة . فهو يدعو بني آدم جميعاً إلى كلمته ; حتى إنه يهيب بالطبقات الجائرة نفسها ممن اعتدوا حدود الله في أرضه . واستأثروا بخيرات الأرض دون سائر الناس . . يهيب بالملوك والأمراء أنفسهم ويناديهم قائلاً:لا تطغوا في الأرض , وادخلوا في كنف حدود الله التي حدها لكم , وكفوا أيديكم عما نهاكم الله عنه وحذركم إياه . فإن أسلمتم لأمر الله , ودنتم لنظام الحق والعدل الذي أقامه للناس خيرا وبركة , فلكم الأمن والدعة والسلامة فإن الحق لا يعادي أحداً ; وإنما يعادي الحق الجور , والفساد والفحشاء , وأن يتعدى الرجل حدوده الفطرية , ويبتغي ما وراء ذلك , مما لا حظ له فيه حسب سنن الكون , وفطرة الله التي فطر الناس عليها .
"فكل من آمن بهذه الدعوة وتقبلها بقبول حسن , يصير عضواً في "الجماعة الإسلامية " أو "الحزب الإسلامي" لا فرق في ذلك بين الأحمر منهم والأسود , أو بين الغني منهم والفقير . كلهم سواسية كأسنان المشط . لا فضل لأمة على أمة . أو لطبقة على أخرى . وبذلك يتكون ذلك الحزب العالمي أو الأممي , الذي سمي "حزب الله" بلسان الوحي .
"وما إن يتكون هذا الحزب حتى يبدأ بالجهاد في سبيل الغاية التي أنشئ لأجلها . فمن طبيعته , وما يستدعيه وجوده , أن لا يألو جهداً في القضاء على نظم الحكم التي أسس بنيانها على غير قواعد الإسلام , واستئصال شأفتها , وأن يستنفد مجهوده في أن يستبدل بها نظاماً للعمران والاجتماع معتدلاً , مؤسساً على قواعد ذلك القانون الوسط العدل الذي يسميه القرآن الكريم: كلمة الله . فإن لم يبذل هذا الحزب الجهد المستطاع ,ولم يسع سعيه وراء تغيير نظم الحكم وإقامة نظام الحق . . نظام الحكم المؤسس على قواعد الإسلام . . ولم يجاهد حق جهاده في هذه السبيل , فاتته غايته . وقصر عن تحقيق البغية التي أنشئ لأجلها . فإنه ما أنشئ إلا لإدراك هذه الغاية , وتحقيق هذه البغية . . بغية إقامة نظام الحق والعدل . . ولا غاية له ولا عمل إلا الجهاد في هذه السبيل . وهذه الغاية الوحيدة التي بينها الله تعالى في كتابه العزيز بقوله:
(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) . . [ آل عمران:110 ]
"ولا يظن أحد أن هذا الحزب . . (حزب الله) بلسان الوحي . . مجرد جماعة من الوعاظ المبشرين , يعظون الناس في المساجد , ويدعونهم إلى مذاهبهم ومسالكهم بالخطب والمقالات ليس إلا ! ليس الأمر كذلك ! وإنما هو حزب أنشأه الله ليحمل لواء الحق والعدل بيده , ويكون شهيداً على الناس ; ومن مهمته التي ألقيت على كاهله من أول يوم أن يقضي على منابع الشر والعدوان , ويقطع دابر الجور والفساد في الأرض والاستغلال الممقوت ; وأن يكبح جماح الآلهة الكاذبة . الذين تكبروا في أرض الله بغير الحق ; وجعلوا أنفسهم أربابا من دون الله ; ويستأصل شأفة ألوهيتهم . ويقيم نظاما للحكم والعمران صالحا يتفيأ ظلاله القاصي والداني والغني والفقير . . وإلى هذا المعنى أشار الله تعالى في غير واحدة من آي الذكر الحكيم:
(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) . . [ الأنفال:38 ] .
(إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) . . [ الأنفال:73 ] .
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) . . [ التوبة:33 ]
"فتبين من كل ذلك أن هذا الحزب لا بد له من امتلاك ناصية الأمر ; ولا مندوحة له من القبض على زمام الحكم ; لأن نظام العمران الفاسد لا يقوم إلا على أساس حكومة مؤسسة على قواعد العدوان والفساد في الأرض ; وكذلك ليس من الممكن أن يقوم نظام للحكم صالح , ويؤتي أكله , إلا بعدما ينتزع زمام الأمر من أيدي الطغاة المفسدين . ويأخذه بأيديهم رجال يؤمنون بالله واليوم الآخر ; ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً .(1/67)
"وأضف إلى ذلك أن هذا الحزب ; بصرف النظر عما يرمي إليه من إصلاح العالم ; وبث الخير والفضيلة في أنحاء الأرض كافة , لا يقدر أن يبقى ثابتاً على خطته , متمسكاً بمنهاجه , عاملاً وفق مقتضياته ما دام نظام الحكم قائماً على أساس آخر , سائراً على منهاج غير منهاجه . وذلك أن حزباً مؤمناً بمبدأ ونظام للحياة والحكم خاص , لا يمكن أن يعيش متمسكاً بمبدئه عاملاً حسب مقتضاه في ظل نظام للحكم مؤسس على مبادئ وغايات غير المبادى ء والغايات التي يؤمن بها , ويريد السير على منهاجها . فإن رجلاً يؤمن بمبادئ الشيوعية , إن أراد أن يعيش في بريطانيا أو ألمانيا , متمسكاً بمبدئه , سائراً في حياته على البرنامج الذي تقرره الشيوعية , فلن يتمكن من ذلك أبداً , لأن النظم التي تقررها الرأسمالية أو الناتسية تكون مهيمنة عليه , قاهرة بما أوتيت من سلطان , فلا يمكنه أن يتخلص من براثنها أصلا . . وكذلك إن أراد المسلم أن يقضي حياته مستظلاً بنظام للحكم مناقض لمبادئ الإسلام الخالدة وبوده أن يبقى مستمسكاً بمبادئ الإسلام , سائراً وفق مقتضاه في أعماله اليومية , فلن يتسنى له ذلك , ولا يمكنه أن ينجح في بغيته هذه أبداً . لأن القوانين التي يراها باطلة , والضرائبالتي يعتقدها غرماً ونهبا لأموال الناس , والقضايا التي يحسبها جائرة عن الحق وافتئاتاً على العدل , والنظم التي يعرف أنها مبعث الفساد في الأرض , ومناهج التعليم التي يجزم بوخامة عاقبتها وسوء نتائجها , ويرى فيها هلاكاً للأمة . . يجد كل هذه مهيمنة عليه , ومسيطرة على بيئته وأهله وأولاده , بحيث لا يمكنه أن يتخلص من قيودها وينجو بنفسه وأهله من أثرها ونفوذها . فالذي يؤمن بعقيدة ونظام - فرداً كان أو جماعة - مضطر بطبيعة عقيدته وإيمانه بها أن يسعى سعيه في القضاء على نظم الحكم القائمة على فكرة غير فكرته , ويبذل الجهد المستطاع في إقامة نظام للحكم مستند إلى الفكرة التي يؤمن بها ; ويعتقد أن فيها سعادة للبشر . لأنه لا يتسنى له العمل بموجب عقيدته والسير على منهاجه إلا بهذا الطريق . وإذا رأيت رجلا لا يسعى وراء غايته , أو يغفل عن هذا الواجب , فاعلم أنه كاذب في دعواه . ولما يدخل الإيمان في قلبه . وبهذا المعنى ورد في التنزيل:
(عفا الله عنك . لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ? لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم . والله عليم بالمتقين . . إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر . وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) . . . [ التوبة:43 - 45 ] .
"وأي شهادة أصدق ; وأي حجة أنصع ; من شهادة القرآن وحجته ; ففي هذه الآيات من سورة براءة قد نص القرآن الكريم على أن الذي لا يلبي نداء الجهاد ; ولا يجاهد بماله ونفسه في سبيل إعلاء كلمة الله , وإقامة الدين الذي ارتضاه لنفسه , وتوطيد نظام الحكم المبني على قواعده , فهو في عداد الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر , وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون . . .
"لعلك تبينت مما أسلفنا آنفاً أن غاية [ ] الجهاد في الإسلام , هي هدم بنيان النظم المناقضة لمبادئه , وإقامة حكومة مؤسسة على قواعد الإسلام في مكانها واستبدالها بها . وهذه المهمة . . مهمة إحداث انقلاب إسلامي عام . غير منحصرة في قطر دون قطر . بل مما يريده الإسلام , ويضعه نصب عينيه أن يحدث هذا الانقلاب الشامل في جميع أنحاء المعمورة . . هذه غايته العليا , ومقصده الأسمى الذي يطمح إليه ببصره . إلا أنه لا مندوحة للمسلمين , أو أعضاء "الحزب الإسلامي" عن الشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب المنشود , والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها . أما غايتهم العليا وهدفهم الأسمى فهو الانقلاب العالمي الشامل [ ] المحيط بجميع أنحاء الأرض . وذلك أن فكرة انقلابية لا تؤمن بالقومية , بل تدعو الناس جميعاً إلى سعادة البشر وفلاح الناس أجمعين , لا يمكنها أصلاً أن تضيق دائرة عملها في نطاق محدود من أمة أو قطر . بل الحق أنها مضطرة بسجيتها وجبلتها أن تجعل الانقلاب العالمي غايتها التي تضعها نصب عينها , ولا تغفل عنها طرفة عين . فإن الحق يأبى الحدود الجغرافية , ولا يرضى أن ينحصر في حدود ضيقة اخترعها علماء الجغرافية واصطلحوا عليها . فالحق يتحدى العقول البشرية النزيهة . ويقول لها مطالباً بحقه:ما بالكم تقولون:إن القضية الفلانية "حق" في هذا الجانب من ذاك الجبل أو النهر مثلاً ; ثم تعود القضية نفسها "باطلاً" - بزعمكم - إذا جاوزنا ذاك الجبل أو النهر بأذرع ?! الحق حق في كل حال وفي كل مكان ! وأي تأثير للجبال والأنهار في تغيير حقيقته المعنوية ?! الحق ظله وارف , وخيره عام شامل , لا يختص ببيئة دون بيئة , ولا قطر دون قطر . فأينما وجد "الإنسان" مقهوراً فالحق من واجبه أن يدركه ويأخذ بحقه وينتصر له . ومهما أصيبت "الإنسانية " في أبنائها المستضعفين , فعلى العدل ومبادئهوالحاملين للوائه أن يلبوا نداءها , ويأخذوا بناصرهم حتى ينتصروا لهم من أعدائهم الجائرين , ويستردوا لهم حقوقهم المغصوبة التي استبد بها الطغاة بغياً وعدواناً . وبهذا المعنى نطق لسان الوحي , حيث ورد في التنزيل:
(وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان , الذين يقولون:ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) . . . [ النساء:75 ]
"وزد على ذلك أن الأواصر البشرية والعلاقات الإنسانية - على ما أثرت فيها الفوارق القومية والوطنية . وأحدثت فيها من نزعات الشتات والاختلاف - قد تشتمل على تلاؤم شامل , وتجانس عام بين أجزائها , ربما يتعذر معه أن تسير مملكة في قطر بعينه بحسب مبادئها وخططها المرسومة المستبينة , ما دامت الأقطار المجاورة لها لا توافقها على مبادئها وخطتها , ولا ترضى بالسير وفق منهاجها وبرنامجها . من أجل ذلك وجب على الحزب المسلم , حفظاً لكيانه , وابتغاء للإصلاح المنشود , ألا يقنع بإقامة نظام الحكم الإسلامي في قطر واحد بعينه . بل من واجبه الذي لا مناص له منه بحال من الأحوال , ألا يدخر جهداً في توسيع نطاق هذا النظام وبسط نفوذه في مختلف أرجاء الأرض . ذلك بأن يسعى الحزب الإسلامي , في جانب , وراء نشر الفكرة الإسلامية , وتعميم نظرياتها الكاملة ونشرها في أقصى الأرض وأدناها ; ويدعو سكان المعمورة - على اختلاف بلادهم وأجناسهم وطبقاتهم أن يتلقوا هذه الدعوة بالقبول , ويدينوا بهذا المنهاج الذي يضمن لهم السعادتين , سعادتي الدنيا والآخرة . . وبجانب آخر , يشمر عن ساق الجد , ويقاوم النظم الجائرة المناقضة لقواعد الحق والعدل وبالقوة , إذا استطاع ذلك وأعد له عدته , ويقيم مكانها نظام العدل والنصفة , المؤسس على قواعد الإسلام ومبادئه الخالدة التي لا تبلى , ولن تبلى جدتها على مرور الأيام والليالي .(1/68)
"هذه هي الخطة التي سلكها . وهذا هو المنهاج الذي انتهجه النبي صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعده , وسار بسيرته من الخلفاء الراشدين , فإنهم بدأوا ببلاد العرب . ثم أشرقت شمس الإسلام من آفاقها . وأخضعوها أولاً لحكم الإسلام , وأدخلوها في كنف المملكة الإسلامية الجديدة . ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم الملوك والأمراء والرؤساء في مختلف بقاع الأرض إلى دين الحق والإذعان لأمر الله . فالذين آمنوا بهذه الدعوة انضموا إلى هذه المملكة الإسلامية وأصبحوا من أهلها , والذين لم يلبوا دعوتها ولم يتقبلوها بقبول حسن شرع في قتالهم وجهادهم . . ولما استخلف أبو بكر رضي الله عنه , بعد وفاته صلى الله عليه وسلم والتحاقه بالرفيق الأعلى , حمل على المملكتين المجاورتين للمملكة الإسلامية . . مملكتي الروم والفرس . اللتين بلغ من عتوهما وتماديهما في الغي والاستكبار في الأرض ما طبقت شهرته الآفاق . وبلغت هذه الحملات التي بدأ بها الصديق - رضي الله عنه - غايتها في عصر الفاروق الذي يرجع إليه الفضل العظيم في توطيد دعائم المملكة الإسلامية الأولى , حتى شمل ظلها الوارف تلك الأقطار جميعاً" . . . [ انتهت المقتطفات ] .
على ضوء هذا البيان لطبيعة هذا الدين وحقيقته , ولطبيعة الجهاد فيه وقيمته , ولمنهج هذا الدين وخطته الحركية في الجهاد ومراحله . . نستطيع أن نمضي في تقييم غزوة بدر الكبرى , التي قال الله سبحانه عن يومها إنه "يوم الفرقان" . . وأن نمضي كذلك في التعرف إلى سورة الأنفال , التي نزلت في هذه الغزوة , على وجه الإجمال .
لم تكن غزوة بدر الكبرى هي أولى حركات الجهاد الإسلامي - كما بينا من قبل - فقد سبقتها عدة سرايا , لم يقع قتال إلا في واحدة منها , هي سرية عبد الله بن جحش في رجب على رأس سبعة عشر شهراً من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . . وكانت كلها تمشياً مع القاعدة التي يقوم عليها الجهاد في الإسلام . والتي أسلفت الحديث عنها من قبل . . نعم إنها كلها كانت موجهة إلى قريش التي أخرجت رسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين الكرام ; ولم تحفظ حرمة البيت الحرام المحرمة في الجاهلية وفي الإسلام ! ولكن هذا ليس الأصل في انطلاقة الجهاد الإسلامي . إنما الأصل هو إعلان الإسلام العام بتحرير الإنسان من العبودية لغير الله ; وبتقرير ألوهية الله في الأرض ; وتحطيم الطواغيت التي تعبد الناس , وإخراج الناس من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده . . وقريش كانت هي الطاغوت المباشر الذي يحول بين الناس في الجزيرة وبين التوجه إلى عبادة الله وحده ; والدخول في سلطانه وحده . فلم يكن بد أن يناجز الإسلام هذا الطاغوت , تمشياً مع خطته العامة ; وانتصافاً في الوقت ذاته من الظلم والطغيان اللذين وقعا بالفعل على المسلمين الكرام ; ووقاية كذلك لدار الإسلام في المدينة من الغزو والعدوان . . وإن كان ينبغي دائماً ونحن نقرر هذه الأسباب المحلية القريبة أن نتذكر - ولا ننسى - طبيعة هذا الدين نفسه وخطته التي تحتمها طبيعته هذه . وهي ألا يترك في الأرض طاغوتاً يغتصب سلطان الله ; ويعبد الناس لغير ألوهيته وشرعه بحال من الأحوال !
أما أحداث هذه الغزوة الكبرى فنجملها هنا قبل استعراض سورة الأنفال التي نزلت فيها , ذلك لنتنسم الجو الذي نزلت فيه السورة ; وندرك مرامي النصوص فيها ; وواقعيتها في مواجهة الأحداث من ناحية ; وتوجيهها للأحداث من الناحية الأخرى . . ذلك أن النصوص القرآنية لا تدرك حق إدراكها بالتعامل مع مدلولاتها البيانية واللغوية فحسب !! إنما تدرك أولاً وقبل كل شيء بالحياة في جوها التاريخي الحركي ; وفي واقعيتها الإيجابية , وتعاملها مع الواقع الحي . وهي - وإن كانت أبعد مدى وأبقى أثراً من الواقع التاريخي الذي جاءت تواجهه - لا تتكشف عن هذا المدى البعيد إلا في ضوء ذلك الواقع التاريخي . . ثم يبقى لها إيحاؤها الدائم , وفاعليتها المستمرة , ولكن بالنسبة للذين يتحركون بهذا الدين وحدهم ; ويزاولون منه شبه ما كان يزاوله الذين تنزلت هذه النصوص عليهم أول مرة ; ويواجهون من الظروف والأحوال شبه ما كان هؤلاء يواجهون ! ولن تتكشف أسرار هذا القرآن قط للقاعدين , الذين يعالجون نصوصه في ضوء مدلولاتها اللغوية والبيانية فحسب . . وهم قاعدون ! . .
{ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب ، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } . .
هذه الآية - والآيات التالية لها في السياق - كانت تمهيداً لغزوة تبوك؛ ومواجهة الروم وعمالهم من الغساسنة المسيحيين العرب . . وذلك يلهم أن الأوصاف الواردة فيها هي صفات قائمة بالقوم الموجهة إليهم الغزوة؛ وأنها إثبات حالة واقعة بصفاتها القائمة . وهذا ما يلهمه السياق القرآني في مثل هذه المواضع . . فهذه الصفات القائمة لم تذكر هنا على أنها شروط لقتال أهل الكتاب؛ إنما ذكرت على أنها أمور واقعة في عقيدة هؤلاء الأقوام وواقعهم؛ وأنها مبررات ودوافع للأمر بقتالهم . ومثلهم في هذا الحكم كل من تكون عقيدته وواقعه كعقيدتهم وواقعهم . .
وقد حدد السياق من هذه الصفات القائمة :
أولاً : أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر .
ثانياً : أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله .
ثالثاً : أنهم لا يدينون دين الحق .
ثم بين في الآيات التالية كيف أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق .
وذلك بأنهم :
أولاً : قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله؛ وأن هذا القول يضاهئ قول الذين كفروا من قبلهم من الوثنيين . فهم مثلهم في هذا الاعتقاد الذي لا يعد صاحبه مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر . ( وسنبين بالضبط كيف أنه لا يؤمن باليوم الآخر ) .
ثانياً : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، والمسيح ابن مريم . وأن هذا مخالف لدين الحق . . وهو الدينونة لله وحده بلا شركاء . . فهم بهذا مشركون لا يدينون دين الحق . .
ثالثاً : يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم . فهم محاربون لدين الله . ولا يحارب دين الله مؤمن بالله واليوم الآخر يدين دين الحق أبداً .
رابعاً : يأكل كثير من أحبارهم ورهبانهم أموال الناس بالباطل . فهم إذن لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ( سواء كان المقصود برسوله رسولهم أو محمد صلى الله عليه وسلم ) :
وهذه الصفات كلها كانت واقعة بالقياس إلى نصارى الشام والروم . كما أنها واقعة بالقياس إلى غيرهم منذ أن حرفت المجامع المقدسة دين المسيح عليه السلام؛ وقالت ببنوة عيسى عليه السلام ، وبتثليث الأقانيم - على كل ما بين المذاهب والفرق من خلاف يلتقي كله على التثليث! - على مدار التاريخ حتى الآن!(1/69)
وإذن فهو أمر عام ، يقرر قاعدة مطلقة في التعامل مع أهل الكتاب ، الذين تنطبق عليهم هذه الصفات التي كانت قائمة في نصارى العرب ونصارى الروم . . ولا يمنع من هذا العموم أن الأوامر النبوية استثنت أفراداً وطوائف بأعيانها لتترك بلا قتال كالأطفال والنساء والشيوخ والعجزة والرهبان الذين حبسوا انفسهم في الأديرة . . . بوصفهم غير محاربين - فقد منع الإسلام أن يقاتل غير المحاربين من أية ملة - وهؤلاء لم تستثنهم الأوامر النبوية لأنهم لم يقع منهم اعتداء بالفعل على المسلمين . ولكن لأنه ليس من شأنهم أصلاً أن يقع منهم الاعتداء . فلا محل لتقييد هذا الأمر العام بأن المقصود به هم الذين وقع منهم اعتداء فعلاً - كما يقول المهزومون الذين يحاولون أن يدفعوا عن الإسلام الاتهام! - فالاعتداء قائم ابتداء . الاعتداء على ألوهية الله! والاعتداء على العباد بتعبيدهم لغير الله! والإسلام حين ينطلق للدفاع عن ألوهية الله - سبحانه - والدفاع عن كرامة الإنسان في الأرض ، لا بد أن تواجهه الجاهلية بالمقاومة والحرب والعداء . . ولا مفر من مواجهة طبائع الأشياء!
إن هذه الآية تأمر المسلمين بقتال أهل الكتاب { الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } . . والذي يقول ببنوة عزير لله أو بنوة المسيح لله لا يمكن أن يقال عنه : إنه يؤمن بالله . وكذلك الذي يقول : إن الله هو المسيح ابن مريم . أو إن الله ثالث ثلاثة . أن إن الله تجسد في المسيح . . . إلى آخر التصورات الكنسية التي صاغتها المجامع المقدسة على كل ما بينها من خلاف! .
. والذين يقولون : إنهم لن يدخلوا النار إلا أياماً معدودات مهما ارتكبوا من آثام بسبب أنهم أبناء الله وأحباؤه وشعب الله المختار ، والذين يقولون : إن كل معصية تغفر بالاتحاد بالمسيح وتناول العشاء المقدس؛ وأنه لا مغفرة إلا عن هذا الطريق! هؤلاء وهؤلاء لا يقال : إنهم يؤمنون باليوم الآخر . .
وهذه الآية تصف أهل الكتاب هؤلاء بأنهم { لا يحرمون ما حرم الله ورسوله } . وسواء كان المقصود بكلمة { رسوله } هو رسولهم الذي أرسل إليهم ، أو هو النبي - صلى الله عليه وسلم - فالفحوى واحدة . ذلك أن الآيات التالية فسرت هذا بأنهم يأكلون أموال الناس بالباطل . وأكل أموال الناس بالباطل محرم في كل رسالة وعلى يد كل رسول . . وأقرب النماذج لأكل أموال الناس بالباطل هو المعاملات الربوية . وهو ما يأخذه رجال الكنيسة مقابل « صك الغفران »! وهو الصد عن دين الله والوقوف في وجهه بالقوة وفتنة المؤمنين عن دينهم . وهو تعبيد العباد لغير الله وإخضاعهم لأحكام وشرائع لم ينزلها الله . . فهذا كله ينطبق عليه : { ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } . . وهذا كله قائم في أهل الكتاب ، كما كان قائماً يومذاك!
كذلك تصفهم الآية بأنهم { لا يدينون دين الحق } . . وهذا واضح مما سبق بيانه . فليس بدين الحق أي اعتقاد بربوبية أحد مع الله . كما أنه ليس بدين الحق التعامل بشريعة غير شريعة الله ، وتلقي الأحكام من غير الله ، والدينونة لسلطان غير سلطان الله . وهذا كله قائم في أهل الكتاب ، كما كان قائماً فيهم يومذاك . .
والشرط الذي يشترطه النص للكف عن قتالهم ليس أن يسلموا . . فلا إكراه في الدين . ولكن أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون . . فما حكمة هذا الشرط ، ولماذا كانت هذه هي الغاية التي ينتهي عندها القتال؟
إن أهل الكتاب بصفاتهم تلك حرب على دين الله اعتقاداً وسلوكاً؛ كما أنهم حرب على المجتمع المسلم بحكم طبيعة التعارض والتصادم الذاتيين بين منهج الله ومنهج الجاهلية الممثلة في عقيدة أهل الكتاب وواقعهم - وفق ما تصوره هذه الآيات - كما أن الواقع التاريخي قد أثبت حقيقة التعارض وطبيعة التصادم؛ وعدم إمكان التعايش بين المنهجين؛ وذلك بوقوف أهل الكتاب في وجه دين الله فعلاً ، وإعلان الحرب عليه وعلى أهله بلا هوادة خلال الفترة السابقة لنزول هذه الآية ( وخلال الفترة اللاحقة لها إلى اليوم أيضاً! ) .
والإسلام - بوصفه دين الحق الوحيد القائم في الأرض - لا بد أن ينطلق لإزالة العوائق المادية من وجهه؛ ولتحرير الإنسان من الدينونة بغير دين الحق؛ على أن يدع لكل فرد حرية الاختيار ، بلا إكراه منه ولا من تلك العوائق المادية كذلك .
وإذن فإن الوسيلة العملية لضمان إزالة العوائق المادية ، وعدم الإكراه على اعتناق الإسلام في الوقت نفسه ، هي كسر شوكة السلطات القائمة على غير دين الحق؛ حتى تستسلم؛ وتعلن استسلامها بقبول إعطاء الجزية فعلاً .
وعندئذ تتم عملية التحرير فعلاً ، بضمان الحرية لكل فرد أن يختار دين الحق عن اقتناع . فإن لم يقتنع بقي على عقيدته ، وأعطى الجزية . لتحقيق عدة أهداف :
أولها : أن يعلن بإعطائها استسلامه وعدم مقاومته بالقوة المادية للدعوة إلى دين الله الحق .
وثانيها : أن يساهم في نفقات الدفاع عن نفسه وماله وعرضه وحرماته التي يكفلها الإسلام لأهل الذمة ( الذين يؤدون الجزية فيصبحون في ذمة المسلمين وضمانتهم ) ويدفع عنها من يريد الاعتداء عليها من الداخل أو من الخارج بالمجاهدين من المسلمين .
وثالثها : المساهمة في بيت مال المسلمين الذي يضمن الكفالة والإعاشة لكل عاجز عن العمل ، بما في ذلك أهل الذمة ، بلا تفرقة بينهم وبين المسلمين دافعي الزكاة .
ولا نحب أن نستطرد هنا إلى الخلافات الفقهية حول من تؤخذ منهم الجزية ومن لا تؤخذ منهم . ولا عن مقادير هذه الجزية . ولا عن طرق ربطها ومواضع هذا الربط . . ذلك أن هذه القضية برمتها ليست معروضة علينا اليوم ، كما كانت معروضة علىعهود الفقهاء الذين أفتوا فيها واجتهدوا رأيهم في وقتها .
إنها قضية تعتبر اليوم « تاريخية » وليست « واقعية » . . إن المسلمين اليوم لا يجاهدون! . . ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون! . . إن قضية « وجود » الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلى علاج!
والمنهج الإسلامي - كما قلنا من قبل مراراً - منهج واقعي جاد؛ يأبى أن يناقش القضايا المعلقة في الفضاء؛ ويرفض أن يتحول إلى مباحث فقهية لا تطبق في عالم الواقع - لأن الواقع لا يضم مجتمعاً مسلماً تحكمه شريعة الله ، ويصرّف حياته الفقه الإسلامي - ويحتقر الذين يشغلون أنفسهم ويشغلون الناس بمثل هذه المباحث في أقضية لا وجود لها بالفعل؛ ويسميهم « الأرأيتيين » الذين يقولون : « أرأيت لو أن كذا وقع فما هو الحكم؟ » .
إن نقطة البدء الآن هي نقطة البدء في أول عهد الناس برسالة الإسلام . . أن يوجد في بقعة من الأرض ناس يدينون دين الحق؛ فيشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . . ومن ثم يدينون لله وحده بالحاكمية والسلطان والتشريع؛ ويطبقون هذا في واقع الحياة . . ثم يحاولون أن ينطلقوا في الأرض بهذا الإعلان العام لتحرير الإنسان . . ويومئذ - ويومئذ فقط - سيكون هناك مجال لتطبيق النصوص القرآنية والأحكام الإسلامية في مجال العلاقات بين المجتمع المسلم وغيره من المجتمعات . . ويومئذ - ويومئذ فقط - يجوز الدخول في تلك المباحث الفقهية ، والاشتغال بصياغة الأحكام ، والتقنين للحالات الواقعة التي يواجهها الإسلام بالفعل ، لا في عالم النظريات!
------------
وفي التفسير الوسيط :(1/70)
قال الإِمام الرازى : اعلم أنه لما ذكر - سبحانه - حكم المشركين فى إظهار البراءة من عهدهم ، وفى إظهار البراءة عنهم فى أنفسهم ، وفى وجوب مقاتلتهم ، وفى تبعيدهم عن المسجد الحرام . . ذكر بعده حكم أهل الكتاب ، وهو أن يقاتلوا إلى أن يعطوا الجزية فحينئذ يقرون على ما هم عليه بشرائط ، ويكونون عند ذلك من أهل الذمة والعهد .
وقال ابن كثير ما ملخصه : هذه الآية أول أمر نزل بقتال أهل الكتاب - اليهود والنصارى . وكان ذلك فى سنة تسع ، ولهذا " تجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقتال الروم ، ودعا الناس إلى ذلك ، وأظهره لهم ، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة ، فندبهم فأوعبوا معه ، واجتمع من المقاتلة نحو من ثلاثين ألفا ، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة . ومن حولها من المنافقين وغيرهم ، وكان ذلك فى عام جدب ، ووقت قيظ حر . وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الشام لقتال الروم ، فبلغ تبوك ، ونزل بها ، وأقام بها قريباً من عشرين يوماً ، ثم استخار الله فى الرجوع ، فرجع عامه ذلك لضيق الحال ، وضعف الناس . . . " .
وقوله : { قَاتِلُواْ الذين } أمر منه - سبحانه - للمؤمنين بقتال أهل الكتاب ، وبيان للأسباب التى اقتضت هذا الأمر ، وهى أنهم :
أولاً : { لاَ يُؤْمِنُونَ بالله } لأنهم لو كانوا مؤمنين به إيماناً صحيحاً ، لاتبعوا رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - ، ولأن منهم من قال : { عُزَيْرٌ ابن الله } ومنهم من قال : { المسيح ابن الله } وقولهم هذا كفر صريح ، لأنه - سبحانه - منزله عما يقولون .
قال - تعالى - { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } وثانياً : أنهم " لا يؤمنون باليوم الآخر " على الوجه الذى أمر الله - تعالى - به ، ومن كان كذلك كان إيمانه . على فرض وجوده . كلا إيمان .
قال الجمل ما ملخصه : فإن قلت : اليهود والنصارى يزعمون أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر فكيف نفى الله عنهم ذلك؟
قلت : إن إيمانهم بهما باطل لا يفيد ، بدليل أنهم لم يؤمنوا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - فلما لم يؤمنوا به كان إيمانهم بالله واليوم الآخر كالعدم فصح نفيه فى الآية ولأن إيمانهم بالله ليس كإيمان المؤمنين ، وذلك أن اليهود يعتقدون التجسيم والتشبيه ، والنصارى يعتقدون الحلول ، ومن اعتقد ذلك فليس بمؤمن بالله بل هو مشرك .
وأيضاً فإن إيمانهم باليوم الآخر ليس كإيمان المؤمنين ، وذلك لأنهم يعقتدون بعث الأرواح دون الأجساد ، وأن أهل الجنة لا يأكلون فيها ولا يشربون ولا ينكحون - أى أنهم يرون نعيم الجنة وعذاب النار يتعلقان بالروح فقط ولا شأن للجسد بذلك .
ومن اعتقد ذلك فليس إيمانه كإيمان المؤمنين وإن زعم أنه مؤمن .
وثالثاً : أنهم { وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ } أى : لا يحرمون ما حرمه الله ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - فى القرآن والسنة ، وفضلاً عن ذلك فهم لا يلتزمون ما حرمته شريعتهم على ألسنة رسلهم ، وإنما غيروا وبدلوا فيها على حسب ما تمليه عليهم أهواؤهم . أى أنهم لا يحرمون ما حرمه الله لا فى شريعتنا ولا فى شريعتهم .
فاليهود - بجانب كفرهم بشريعتنا - لم يطيعوا شريعتهم ، بدليل أنهم استحلوا أكل أموال الناس بالباطل مع أنها . أى شريعتهم . نهتهم عن ذلك .
قال - تعالى - { وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الناس بالباطل . . . } والنصارى - بجانب كفرهم - أيضاً - بشريعتنا - لم يطيعوا شريعتهم بدليل أنهم ابتدعوا الرهبانية مع أن شريعتهم لم تشرع لهم ذلك .
قال - تعالى - { ثُمَّ قَفَّيْنَا على آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابن مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنجيل وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الذين اتبعوه رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } ورابعاً : { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحق } وقوله : { يَدِينُونَ } بمعنى يعتقدون ويطيعون . يقال : فلان يدين بكذا إذا اتخذه دينه ومعتقده وأطاع أوامره ونواهيه .
والمراد بدين الحق : دين الإِسلام الناسخ لغيره من الأديان .
أى : أنهم لا يتخذون دين الإِسلام ديناً لهم ، مع أنه الدين الذى ارتضاه الله لعباده ، والذى لا يقبل - سبحانه - ديناً سواه . قال - تعالى - : { اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً . . . } وقال - تعالى - : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين } ويصح أن يكون المراد بدين الحق . ما يشمل دين الإِسلام وغيره من الأديان السماوية التى جاء بها الأنبياء السابقون .
أى : ولا يدينون بدين من الأديان التى أنزلها الله على أنبيائه ، وشرعها لعباده ، وإنما هم يتبعون أحبارهم ورهبانهم فيما يحلونه لهم ويحرمونه عليهم .
وعبر عنهم فى قوله : { قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ . . } بالاسم الموصول للإِيذان بعلية ما فى حيز الصلة للأمر بالقتال .
أى أن العلة فى الأمر بقتالهم ، كونهم لا يؤمنون باللهو لا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق .
وقوله : { مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } بيان للمتصفين بهذه الصفات الأربعة وهم اليهود والنصارى؛ لأن الحديث عنهم ، وعن الأسباب التى توجب قتالهم .
والمراد بالكتاب : جنسه الشامل للتوراة والإِنجيل .
أى : قاتلوا من هذه صفاتهم ، وهم اليهود والنصارى الذين أعطاهم الله التوراة والإِنجيل - عن طريق موسى وعيسى - عليهما السلام - ولكنهم لم يعملوا بتعاليمهما وإنما عملوا بما تمليه عليهم أهواؤهم وشهواتهم .
والمقصود بقوله : { مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } تميزهم عن المشركين عبدة الأوثان فى الحكم ، لأن حكم هؤلاء قتالهم حتى يسلموا ، أما حكم أهل الكتاب فهو القتال ، أو الإِسلام ، أو الجزية :
وقوله : { حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } غاية لإِنهاء القتال .
أى : قاتلوا من هذه صفاتهم من أهل الكتاب حتى يعطو الجزية عن طوع وانقياد ، فإن فعلوا ذلك فاتركوا قتالهم .
والجزية : ضرب من الخراج يدفعه أهل الكتاب للمسلمين وهى - كما يقول القرطبى : - من جزى يجزى - مجازاة - إذا كافأ من اسدى إليه . فكأنهم أعطوها للمسلمين جزاء ما منحوا من الأمن ، وهى كالقعدة والجلسة ، ومن هذا المعنى قول الشاعر :
يجزيك أو يثنى عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت فقد جزى
والمراد بإعطائها فى قوله : { حتى يُعْطُواْ الجزية } ، التزام دفعها وإن لم يذكر الوقت المحدد لذلك .
واليد هنا : يحتمل أن تكون كناية عن الاستسلام والانقياد . أى : حتى يعطوا الجزية عن خضوع وإنقياد .
ويحتمل أن تكون كناية و " عن " الدفع نقداً بدون تأجيل . أى : حتى يعطوها نقداً بدون تسويف أو تأخير .
ويحتمل أن تكون على معناها الحقيقى ، و " عن " بمعنى الباء أى : حتى يعطوها بيدهم إلى المسلمين لا أن يبعثوا بها بيد أحد سواهم .
وهذه المعانى لليد إنما تتأتى إذا أريد بها يد المعطى . أى : يد الكتابى .
أما إذا أردنا بها اليد الآخذة - وهى يد الحاكم المسلم - ففى هذه الحالة يكون معناها القوة والقهر والغلبة .
أى : حتى يعطوها عن يد غالبة قوية لا قبل لهم بالوقوف أمامها .(1/71)
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال : قوله : " عن يد " إما أن يراد يد المعطى أو الآخذ فمعناه على إرادة يد المعطى حتى يعطوها عن يده ، أى عن يد مؤاتيه غير ممتنعة ، إذ أن من أبى وامتنع لم يعط يده ، بخلاف المطيع المنقاد ، ولذلك قالوا : أعطى بيده ، إذا انقاد وأصحب - أى : سهل بعد صعوبة - ألا ترى إلى قولهم : نزع يده عن الطاعة ، كما يقال : خلع ربقة الطاعة عن عنقه .
أو المعنى : حتى يعطوها عن يد إلى يد نقداً غير نسيئة ، لا مبعوثاً بها على يد أحد ، ولكن يد المعطى إلى يد الآخذ .
ومعناه على إرادة يد الآخذ : حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية - وهى يد المسلمين - أو حتى يعطوها عن إنعام عليهم ، لأن قبول الجزية منهم ، وترك أرواحهم لهم ، نعمة عظيمة عليهم .
وقوله : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } من الصغار بمعنى الذل والهوان . يقال : صغر فلان يصغر صغراً وصغاراً إذا ذل وهان وخضع لغيره .
والمعنى : قاتلوا من هذه صفاتهم من أهل الكتاب حتى يدفعوا لكم الجزية عن طواعية وانقياد . وهم أذلاء خاضعون لولايتكم عليهم . . فإن الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرمه الله ورسوله .
ولا يتخذون الدين الحق ديناً لهم . يستحقون هذا الهوان فى الدنيا ، أما فى الآخرة فعذابهم أشد وأبقى .
هذا . ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى :
1- إن هذه الآية أصل فى مشروعية الجزية ، وأنها لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب عند كثير من الفقهاء - لأن أهل الكتاب هم الذين يخيرون بين الإِسلام أو القتال أو الجزية ، أما غيرهم من مشركى العرب فلا يخيرون إلا بين الإِسلام أو القتال .
قال القرطبى ما ملخصه : وقد اختلف العلماء فيمن تؤخذ منه الجزية فقال الشافعى : لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب خاصة ، عربا كانوا أو عجماً لهذه الآية : فإنهم هم الذين خصوا بالذكر فتوجه الحكم إليهم دون من سواهم ، لقوله - تعالى - فى شأن المشركين : { فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } ولم يقل : حتى يعطوا الجزية كما قال فى أهل الكتاب .
وقال الشافعى : وتقبل من المجوس لحديث " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " أى : فى أخذ الجزية منهم .
وبه قال وأبو ثور . وهو مذهب الثورى وأبى حنيفة وأصحابه وقال الأوزاعى : تؤخذ الجزية من كل عابد وثن أو نار أو جاحد أو مكذب .
وكلذلك مذهب مالك : فإنه يرى أن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الشرك والجحد ، عربيا أو عجمياً تغليبا أو قرشياً؛ كئنا من كان إلا المرتد . .
2- أن أخذ الجزية منهم إنما هو نظير ما ينالهم ، وكفنا عن قتالهم ، ومساهمة منهم فى رفع شأن الدولة الإِسلامية التى أمنتهم وأموالهم وأعراضهم ومعتقداتهم . ومقدساتهم . . وإقرار منهم بالخضوع لتعاليم هذه الدولة وأنهم متى التزموا بدفعها وجب علينا حمايتهم ، ورعايتهم ، ومعاملتهم بالعدل والرفق والرحمة . .
وفى تاريخ الإِسلام كثير من الأمثلة التى تؤيد هذا المعنى ، ومن ذلك ، ما جاء فى كتاب الخراج لأبى يوسف أنه قال فى خطابه لهارون الرشيد " وينبغى يا أمير المؤمنين - أيدك الله - أن تتقدم فى الرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد - صلى الله عليه وسلم - والتفقد لهم حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم ، ولا يؤخذ شئ من أموالهم إلا بحق يجب عليهم؛ فقد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من ظلم من أمتى معاهداً أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه " .
وكان فيما تكلم عمر بن الخطاب عند وفاته : أوصى الخليفة من بعدى بذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يوفى لهم بعهدهم ، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوهم فوق طاقتهم .
وجاء فى كتاب " أشهر مشاهير الإِسلام " أن جيوش التتار ، لما اكتسحت بلاد الإِسلام من حدود الصين إلى الشام ، ووقع فى أسرهم من وقع من المسلمين والنصارى ثم خضد المسلمون شوكة التتار ، ودان ملوكهم بالإِسلام ، خاطب شيخ الإِسلام ابن تيمية ، أمير التتار بإطلاق الأسرى فسمح له بالمسلمين وأُبى أن يسمح بأهل الذمة ، فقال له شيخ الإِسلام : لا بد من إطلاق وجميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا ولا ندع أسيرا لا من أهل الملة ، ولا من أهل الذمة ، فأطلقهم له .
وجاء فى كتاب " الإِسلام والنصرانية " للأستاذ الإِمام محمد عبده ما ملخصه :
" . . . الإِسلام كان يكتفى من الفتح بإدخال الأرض المفتوحة تحت سلطانه ، ثم يترك الناس وما كانوا عليه من دين . ثم يكلفهم بجزية يدفعونها لتكون عوناً على صيانتهم والمحافظة على أمنهم فى ديارهم ، وهم عقائدهم ومعابدهم وعاداتهم بعد ذلك أحرار ، لا يضايقون فى عمل ، ولا يضامون فى معاملة " .
خلفاء المسلمين كانوا يوصون قوادهم باحترام العباد الذين انقطعوا عن العامة فى الصوامع والأديرة للعبادة ، كما كانوا يوصونهم باحترام دماء النساء والأطفال وكل من لم يعن على القتال .
جاءت السنة بالنهى عن إيذاء أهل الذمة ، وبتقرير ما لهم من الحقوق على المسلمين ، " لهم ما لنا وعليهم ما علينا " و " من آذى ذميا فليس منا " .
واستمر العمل على ذلك ما استمرت قوة الإِسلام . ولست أبلى إذا انحرف بعض المسلمين عن هذه الأحكام عندما بدأ الضعف فى أبناء الإِسلام فضيق الصدر من طبع الضعيف .
ثم قال : أما المسيحية فترى لها حق القيام على كل دين يدخل تحت سلطانها تراقب أعمال أهله ، وتخصهم دون الناس بضروب من المعاملة لا يحتملها الصبر مهما عظم ، حتى إذا تمت لها القدرة على طردهم - بعد العجز عن إخراجهم من دينهم - طردتهم عن ديارهم ، وغسلت الديار عن آثارهم ، كما حصل ويحصل فى كل أرض استولت عليها أمة مسيحية استيلاء حقيقاً .
ولا يمنع غير المسيحى من تعدى المسيحى إلا كثرة العدد أو شدة العضد ، كما شهد التاريخ ، وكما يشهد كاتبوه .
ثم قال : فأنت ترى الإِسلام يكتفى من الأمم والطوائف التى يغلب على أرضها ، بشئ من المال ، أقل مما كانوا يؤدونه من قبل تغلبه عليهم ، وبأن يعيشوا فى هدوء ، لا يعكرون معه صفو الدولة ، ولا يخلون بنظام السلطة العامة ، ثم يرخى لهم بعد ذلك عنان الاختيار فى شئونهم الخاصة بهم ، لا رقيب عليهم فيها سوى ضمائرهم .
وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه : قال السيوطى : استدل بقوله - تعالى - { وَهُمْ صَاغِرُونَ وَهُمْ صَاغِرُونَ } من قال إنها تؤخذ بإهانة ، بأن يجلس الآخذ ويقوم الذمى ويطأطئ رأسه ، ويجنى ظهره ، ويقبض الآخذ لحيته . . . إلخ .
وقد رد الإِمام ابن القيم على هذا القائل بقوله : هذا كله مما لا دليل عليه ، ولا هو من مقتضى الآية ، ولا نقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه .
والصواب فى الآية ، أن الصغار : هو التزامهم بجريان أحكام الله عليهم ، وإعطاء الجزية ، فإن ذلك هو الصغار ، وبه قال الشافعى .
والذى ناره أن ما قاله الإِمام ابن القيم فى رده هو عين الصواب ، وأن ما نقله السيوطى عن بعضهم . . . يتنافى مع سماحة الإِسلام وعدله ورحمته بالناس .
هذا ، وهناك أحكام أخرى تتعلق بالجزية لا محال لذكرها هنا ، فليرجع إليها من شاء فى بعض كتب الفقه والتفسير .
-------------
وقال السعدي :(1/72)
هذه الآية أمر بقتال الكفار من اليهود والنصارى من { الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ } إيمانا صحيحا يصدقونه بأفعالهم وأعمالهم. ولا يحرمون ما حرم الله، فلا يتبعون شرعه في تحريم المحرمات، { وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ } أي: لا يدينون بالدين الصحيح، وإن زعموا أنهم على دين، فإنه دين غير الحق، لأنه إما بين دين مبدل، وهو الذي لم يشرعه اللّه أصلا وإما دين منسوخ قد شرعه اللّه، ثم غيره بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز.
فأمره بقتال هؤلاء وحث على ذلك، لأنهم يدعون إلى ما هم عليه، ويحصل الضرر الكثير منهم للناس، بسبب أنهم أهل كتاب.
وغيَّى ذلك القتال { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } أي: المال الذي يكون جزاء لترك المسلمين قتالهم، وإقامتهم آمنين على أنفسهم وأموالهم، بين أظهر المسلمين، يؤخذ منهم كل عام، كلٌّ على حسب حاله، من غني وفقير ومتوسط، كما فعل ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وغيره، من أمراء المؤمنين.
وقوله: { عَنْ يَدٍ } أي: حتى يبذلوها (1) في حال ذلهم، وعدم اقتدارهم، ويعطونها بأيديهم، فلا يرسلون بها خادما ولا غيره، بل لا تقبل إلا من أيديهم، { وَهُمْ صَاغِرُونَ }
فإذا كانوا بهذه الحال، وسألوا المسلمين أن يقروهم بالجزية، وهم تحت أحكام المسلمين وقهرهم، وحال الأمن من شرهم وفتنتهم، واستسلموا للشروط التي أجراها عليهم المسلمون مما ينفي عزهم وتكبرهم، ويوجب ذلهم وصغارهم، وجب على الإمام أو نائبه أن يعقدها لهم.
وإلا بأن لم يفوا، ولم يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، لم يجز إقرارهم بالجزية، بل يقاتلون حتى يسلموا.
واستدل بهذه الآية الجمهور الذين يقولون: لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، لأن اللّه لم يذكر أخذ الجزية إلا منهم.
وأما غيرهم فلم يذكر إلا قتالهم حتى يسلموا، وألحق بأهل الكتاب في أخذ الجزية وإقرارهم في ديار المسلمين، المجوس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، أخذ الجزية من مجوس هجر، ثم أخذها أمير المؤمنين عمر من الفرس المجوس.
وقيل: إن الجزية تؤخذ من سائر الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، لأن هذه الآية نزلت بعد الفراغ من قتال العرب المشركين، والشروع في قتال أهل الكتاب ونحوهم، فيكون هذا القيد إخبارا بالواقع، لا مفهوما له.
ويدل على هذا أن المجوس أخذت منهم الجزية وليسوا أهل كتاب، ولأنه قد تواتر عن المسلمين من الصحابة ومن بعدهم أنهم يدعون من يقاتلونهم إلى إحدى ثلاث: إما الإسلام، أو أداء الجزية، أو السيف، من غير فرق بين كِتَابِيٍّ وغيره.
=================
ثالثا- بم وعدنا الله ؟
1-بظهور الإسلام :
قال تعالى : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (33) سورة التوبة
وال تعالى : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (28) سورة الفتح
وال تعالى : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (9) سورة الصف
قال الرازي :
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الأعداء أنهم يحاولون إبطال أمر محمد صلى الله عليه وسلم وبين تعالى أنه يأبى ذلك الإبطال وأنه يتم أمره ، بين كيفية ذلك الإتمام فقال : { هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق } .
واعلم أن كمال حال الأنبياء صلوات الله عليهم لا تحصل إلا بمجموع أمور : أولها : كثرة الدلائل والمعجزات ، وهو المراد من قوله : { أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى } وثانيها : كون دينه مشتملاً على أمور يظهر لكل أحد كونها موصوفة بالصواب والصلاح ومطابقة الحكمة وموافقة المنفعة في الدنيا والآخرة ، وهو المراد من قوله : { وَدِينِ الحق } وثالثها : صيرورة دينه مستعلياً على سائر الأديان غالباً عليها غالباً لأضدادها قاهراً لمنكريها ، وهو المراد من قوله : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ } .
واعلم أن ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجة ، وقد يكون بالكثرة والوفور ، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء ، ومعلوم أنه تعالى بشر بذلك ، ولا يجوز أن يبشر إلا بأمر مستقبل غير حاصل ، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم ، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة .
فإن قيل : ظاهر قوله : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ } يقتضي كونه غالباً لكل الأديان ، وليس الأمر كذلك ، فإن الإسلام لم يصر غالباً لسائر الأديان في أرض الهند والصين والروم ، وسائر أراضي الكفرة .
قلنا أجابوا عنه من وجوه :
الوجه الأول : أنه لا دين بخلاف الإسلام إلا وقد قهرهم المسلمون وظهروا عليهم في بعض المواضع ، وإن لم يكن كذلك في جميع مواضعهم ، فقهروا اليهود وأخرجوهم من بلاد العرب ، وغلبوا النصارى على بلاد الشام وما والاها إلى ناحية الروم والغرب ، وغلبوا المجوس على ملكهم ، وغلبوا عباد الأصنام على كثير من بلادهم مما يلي الترك والهند ، وكذلك سائر الأديان . فثبت أن الذي أخبر الله عنه في هذه الآية قد وقع وحصل وكان ذلك إخباراً عن الغيب فكان معجزاً .
الوجه الثاني : في الجواب أن نقول : روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : هذا وعد من الله بأنه تعالى يجعل الإسلام عالياً على جميع الأديان . وتمام هذا إنما يحصل عند خروج عيسى ، وقال السدي : ذلك عند خروج المهدي ، لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام أو أدى الخراج .
الوجه الثالث : المراد : ليظهر الإسلام على الدين كله في جزيرة العرب ، وقد حصل ذلك فإنه تعالى ما أبقى فيها أحداً من الكفار .
الوجه الرابع : أن المراد من قوله : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ } أن يوقفه على جميع شرائع الدين ويطلعه عليها بالكلية حتى لا يخفى عليه منها شيء .
الوجه الخامس : أن المراد من قوله : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ } بالحجة والبيان إلا أن هذا ضعيف؛ لأن هذا وعد بأنه تعالى سيفعله والتقوية بالحجة والبيان كانت حاصلة من أول الأمر ، ويمكن أن يجاب عنه بأن في مبدأ الأمر كثرت الشبهات بسبب ضعف المؤمنين واستيلاء الكفار ، ومنع الكفار سائر الناس من التأمل في تلك الدلائل . أما بعد قوة دولة الإسلام عجزت الكفار فضعفت الشبهات ، فقوي ظهور دلائل الإسلام ، فكان المراد من تلك البشارة هذه الزيادة .
--------------
وفي الظلال :
إن أهل الكتاب هؤلاء لا يقفون عند حد الانحراف عن دين الحق , وعبادة أرباب من دون اللّه . وعدم الإيمان باللّه واليوم الآخر - وفق المفهوم الصحيح للإيمان باللّه واليوم الآخر - إنما هم كذلك يعلنون الحرب على دين الحق ; ويريدون إطفاء نور اللّه في الأرض المتمثل في هذا الدين , وفي الدعوة التي تنطلق به في الأرض , وفي المنهج الذي يصوغ على وفقه حياة البشر . .
(يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم) . .
فهم محاربون لنور اللّه . سواء بما يطلقونه من أكاذيب ودسائس وفتن ; أو بما يحرضون به أتباعهم وأشياعهم على حرب هذا الدين وأهله , والوقوف سداً في وجهه - كما كان هو الواقع الذي تواجهه هذه النصوص وكما هو الواقع على مدار التاريخ .
وهذا التقرير - وإن كان يراد به استجاشة قلوب المسلمين إذ ذاك - هو كذلك يصور طبيعة الموقف الدائم لأهل الكتاب من نور اللّه المتمثل في دينه الحق الذي يهدي الناس بنور اللّه .(1/73)
(ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) . .
وهو الوعد الحق من اللّه , الدال على سنته التي لا تتبدل , في إتمام نوره بإظهار دينه ولو كره الكافرون . .
وهو وعد تطمئن له قلوب الذين آمنوا ; فيدفعهم هذا إلى المضي في الطريق على المشقة واللأواء في الطريق ; وعلى الكيد والحرب من الكافرين [ والمراد بهم هنا هم أهل الكتاب السابق ذكرهم ] . . كما أنه يتضمن في ثناياه الوعيد لهؤلاء الكافرين وأمثالهم على مدار الزمان !
ويزيد السياق هذا الوعيد وذلك الوعد توكيداً:
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله , ولو كره المشركون) . .
وفي هذا النص يتبين أن المراد بدين الحق الذي سبق في قوله تعالى:(قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) . .
هو هذا الدين الذي أرسل اللّه به رسوله الأخير . وأن الذين لا يدينون بهذا الدين هم الذين يشملهم الأمر بالقتال . .
وهذا صحيح على أي وجه أوّلنا الآية . فالمقصود إجمالاً بدين الحق هو الدينونة للّه وحده في الاعتقاد والشعائر والشرائع - وهذه هي قاعدة دين اللّه كله , وهو الدين الممثل أخيراً فيما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - فأيما شخص أو قوم لم يدينوا للّه وحده في الاعتقاد والشعائر والشرائع مجتمعة ; انطبق عليهم أنهم لا يدينون دين الحق , ودخلوا في مدلول آية القتال . . مع مراعاة طبيعة المنهج الحركي للإسلام , ومراحله المتعددة , ووسائله المتجددة كما قلنا مراراً .
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله , ولو كره المشركون) . .
وهذا توكيد لوعد اللّه الأول: (ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) . . ولكن في صورة أكثر تحديداً . فنور اللّه الذي قرر سبحانه أن يتمه , هو دين الحق الذي أرسل به رسوله ليظهره على الدين كله .
ودين الحق - كما أسلفنا - هو الدينونة للّه وحده في الاعتقاد والعبادة والتشريع مجتمعة . وهو متمثل في كل دين سماوي جاء به رسول من قبل . . ولا يدخل فيه طبعاً تلك الديانات المحرفة المشوبة بالوثنيات في الاعتقاد التي عليها اليهود والنصارى اليوم . كما لا تدخل فيه الأنظمة والأوضاع التي ترفع لافتة الدين , وهي تقيم في الأرض أرباباً يعبدها الناس من دون اللّه , في صورة الاتباع للشرائع التي لم ينزلها اللّه .
واللّه سبحانه يقول:إنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله . . ويجب أن نفهم "الدين" بمدلوله الواسع الذي بيناه , لندرك أبعاد هذا الوعد الإلهي ومداه . .
إن "الدين" هو "الدينونة " . . فيدخل فيه كل منهج وكل مذهب وكل نظام يدين الناس له بالطاعة والاتباع والولاء . .
واللّه سبحانه يعلن قضاءه بظهور دين الحق الذي أرسل به رسوله على "الدين" كله بهذا المدلول الشامل العام !
إن الدينونة ستكون للّه وحده . والظهور سيكون للمنهج الذي تتمثل فيه الدينونة للّه وحده .
ولقد تحقق هذا مرة على يد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ومن جاء بعدهم فترة طويلة من الزمان . وكان دين الحق أظهر وأغلب ; وكانت الأديان التي لا تخلص فيها الدينونة للّه تخاف وترجف ! ثم تخلى أصحاب دين الحق عنه ; خطوة فخطوة بفعل عوامل داخلة في تركيب المجتمعات الإسلامية من ناحية وبفعل الحرب الطويلة المدى , المنوعة الأساليب , التي أعلنها عليه أعداؤه من الوثنيين وأهل الكتاب سواء . .
ولكن هذه ليست نهاية المطاف . . إن وعد اللّه قائم , ينتظر العصبة المسلمة , التي تحمل الراية وتمضي , مبتدئة من نقطة البدء , التي بدأت منها خطوات رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وهو يحمل دين الحق ويتحرك بنور اللّه . .
فلقد ظهر دين الحق , لا في الجزيرة وحدها , بل ظهر في المعمور من الأرض كلها قبل مضي نصف قرن من الزمان . ظهر في امبراطورية كسرى كلها , وفي قسم كبير من امبراطورية قيصر , وظهر في الهند وفي الصين , ثم في جنوب آسيا في الملايو وغيرها , وفي جزر الهند الشرقية "أندونيسيا" . . وكان هذا هو معظم المعمور من الأرض في القرن السادس ومنتصف القرن السابع الميلادي .
وما يزال دين الحق ظاهرا على الدين كله - حتى بعد انحساره السياسي عن جزء كبير من الأرض التي فتحها , وبخاصة في أوربا وجزر البحر الأبيض . وانحسار قوة أهله في الأرض كلها بالقياس إلى القوى التي ظهرت في الشرق والغرب في هذا الزمان .
أجل ما يزال دين الحق ظاهرا على الدين كله , من حيث هو دين . فهو الدين القوي بذاته , القوي بطبيعته , الزاحف بلا سيف ولا مدفع من أهله ! لما في طبيعته من استقامة مع الفطرة ومع نواميس الوجود الأصلية ; ولما فيه من تلبية بسيطة عميقة لحاجات العقل والروح , وحاجات العمران والتقدم , وحاجات البيئات المتنوعة , من ساكني الأكواخ إلى سكان ناطحات السحاب !
وما من صاحب دين غير الإسلام , ينظر في الإسلام نظرة مجردة من التعصب والهوى حتى يقر باستقامة هذا الدين وقوته الكامنة , وقدرته على قيادة البشرية قيادة رشيدة , وتلبية حاجاتها النامية المتطورة في يسر واستقامة . . (وكفى بالله شهيدا) . .
فوعد الله قد تحقق في الصورة السياسية الظاهرة قبل مضي قرن من الزمان بعد البعثة المحمدية . ووعد الله ما يزال متحققا في الصورة الموضوعية الثابتة ; وما يزال هذا الدين ظاهرا على الدين كله في حقيقته . بل إنه هو الدين الوحيد الباقي قادرا على العمل , والقيادة , في جميع الأحوال .
ولعل أهل هذا الدين هم وحدهم الذين لا يدركون هذه الحقيقة اليوم ! فغير أهله يدركونها ويخشونها , ويحسبون لها في سياساتهم كل حساب !
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله , ولو كره المشركون) . .
وشهادة الله لهذا الدين بأنه (الهدى ودين الحق) هي الشهادة . وهي كلمة الفصل التي ليس بعدها زيادة . ولقد تمت إرادة الله فظهر هذا الدين على الدين كله . ظهر في ذاته كدين , فما يثبت له دين آخر في حقيقته وفي طبيعته . فأما الديانات الوثنية فليست في شيء في هذا المجال . وأما الديانات الكتابية فهذا الدين خاتمتها , وهو الصورة الأخيرة الكاملة الشاملة منها , فهو هي , في الصورة العليا الصالحة إلى نهاية الزمان .
ولقد حرفت تلك الديانات وشوهت ومزقت وزيد عليها ما ليس منها , ونقصت من أطرافها , وانتهت لحال لا تصلح معه لشيء من قيادة الحياة . وحتى لو بقيت من غير تحريف ولا تشويه فهي نسخة سابقة لم تشمل كل مطالب الحياة المتجددة أبدا , لأنها جاءت في تقدير الله لأمد محدود .(1/74)
فهذا تحقيق وعد الله من ناحية طبيعة الدين وحقيقته . فأما من ناحية واقع الحياة , فقد صدق وعد الله مرة , فظهر هذا الدين قوة وحقيقة ونظام حكم على الدين كله فدانت له معظم الرقعة المعمورة في الأرض في مدى قرن من الزمان . ثم زحف زحفا سلميا بعد ذلك إلى قلب آسيا وأفريقية , حتى دخل فيه بالدعوة المجردة خمسة أضعاف من دخلوا في إبان الحركات الجهادية الأولى . . وما يزال يمتد بنفسه دون دولة واحدة - منذ أن قضت الصهيونية العالمية والصليبية العالمية على الخلافة الأخيرة في تركيا على يدي "البطل" الذي صنعوه ! - وعلى الرغم من كل ما يرصد له في أنحاء الأرض من حرب وكيد , ومن تحطيم للحركات الإسلامية الناهضة في كل بلد من بلاد الإسلام على أيدي "أبطال" آخرين من صنع الصهيونية العالمية والصليبية العالمية على السواء .
وما تزال لهذا الدين أدوار في تاريخ البشرية يؤديها , ظاهرا بإذن الله على الدين كله تحقيقا لوعد الله , الذي لا تقف له جهود العبيد المهازيل , مهما بلغوا من القوة والكيد والتضليل !
ولقد كانت تلك الآيات حافزا للمؤمنين المخاطبين بها على حمل الأمانة التي اختارهم الله لها بعد أن لم يرعها اليهود والنصارى . وكانت تطمينا لقلوبهم وهم ينفذون قدر الله في إظهار دينه الذي أراده ليظهر , وإن هم إلا أداة . وما تزال حافزا ومطمئنا لقلوب المؤمنين الواثقين بوعد ربهم , وستظل تبعث في الأجيال القادمة مثل هذه المشاعر حتى يتحقق وعد الله مرة أخرى في واقع الحياة . بإذن الله .
----------
وفي التفسير الوسيط :
بين - سبحانه - بعد ذلك ما يهدف إليه أهل الكتاب من وراء أقاويلهم الكاذبة ، ودعاواهم الباطلة فقال : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون } .
والمراد بنور الله : دين الإِسلام الذى ارتضاه . سبحانه - لعباده ديناً وبعث به رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، وأعطاه من المعجزات والبراهين الدالة على صدقه ، وعلى صحته ما جاء به مما يهدى القلوب ، ويشفى النفوس ، ويجعلها لا تدين بالعبادة والطاعة إلا لله الواحد القهار .
وقيل المراد بنور الله : حججه الدالة على وحدانيته - سبحانه - وقيل المراد به ، القرآن ، وقيل المراد به : نبوة النبى - صلى الله عليه وسلم - وكلها معان متقاربة .
والمراد بإطفاء نور الله : محاولة طمسه وإبطاله والقضاء عليه ، بكل وسيلة يستطيعها أعداؤه ، كثغراهم للشبهات من حول تعاليمه ، وكتحريضهم لأتباعهم وأشياعهم على الوقوف فى وجهه ، وعلى محاربته .
والمراد بأفواههم . أقوالهم الباطلة الخارجة من تلك الأفواه التى تنطق بما لا وزن له ولا قيمة .
والمعنى : يريد هؤلاء الكافريون بالحق من أهل الكتاب أن يقضوا على دين الإِسلام ، وأن يطمسوا تعاليمه السامية التى جاء بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن طريق أقاويلهم الباطلة الصادرة عن أفواههم من غير أن يكون لها مصداق من الواقع تنطبق عليه ، أو أصل تستند إليه ، وإنما هى أقوال من قبيل اللغو الساقط المهمل الذى لا وزن له ولا قيمة . .
قال الآلوسى ما ملخصه : فى الكلام استعارة تمثيلية ، حيث شبه - سبحانه - حال أهل الكتاب فى محاولة إبطار نبوة النبى ، صلى الله عليه وسلم ، عن طريق تكذيبهم له ، بحال من ريد أن ينفخ فى نور عظيم مثبت فى الآفاق ليطفئه بنفخه .
.
وروعى فى كل من المشبه به معنى الإِفراط والتفريط ، حيث شبه الإِبطال والتكذيب بالإِطفاء بالفم ، ونسب النور إلى الله - تعالى - العظيم الشأن .
ومن شأن النور المضاف إليه - سبحانه - أن يكون عظيما ، فكيف يطفأ بنفخ الفم . .
وقوله : { ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون } بشارة منه - سبحانه - للمؤمنين ، وتقرير لسنة التى لا تتغير ولا تتبدل فى جعل العاقبة للحق وأتباعه .
والفعل { يأبى } هنا بمعنى لا ريد أو لا يرضى - أى : أنه جار مجرى النفى ، ولذا صح الاستثناء منه .
قال أبو السعود : وإنما صح الاستثناء المفرغ - وهو قوله { إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } . من الموجب ، وهو قوله { ويأبى الله } - لكونه بمعنى النفى ، ولوقوعه فى مقابلة قوله : { يُرِيدُونَ } ، وفيه من المبالغة والدلالة على الامتناع ما ليس فى نفى الإِرادة ، أى : لا يريد شيئا من الأشياء إلا إتمام نوره فيندرج فى المسثنى منه بقاؤه على ما كان عليه ، فضلا عن الإِطفاء .
وفى إظهار " النور " فى مقام الإِضمار مضافا إلى ضميره - سبحانه - زيادة اعتناء بشأنه ، وتشريف له على تشريف ، وإشعار بعلة الحكم .
وجواب { وَلَوْ } فى قوله { وَلَوْ كَرِهَ الكافرون } محذوف لدلالة ما قبله عليه .
والمعنى : يريد أعداء الله أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، والحال أن الله - تعالى - لا يريد إلا إتمام هذا النور ، ولو كره الكافرون هذا الإِتمام - سبحانه - دون أن يقيم لكراهتهم وزنا .
فالآية الكريمة وعد من الله ، تعالى للمؤمنين بإظهار دينهم وإعلاء كلمتهم لكى يمضوا قدماً إلى تنفيذ ما كلهم الله به بدون إبطاء أو تثاقل ، وهى فى الوقت نفسه تتضمن فى ثناياها الوعيد لهؤلا الضالين وأمثالهم .
- ثم أكد - سبحانه - وعده بإتمام نوره ، وبين كيفية هذا الإِتمام فقال : { هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المشركون } .
والمراد بالهدى : القرآن الكريم المشتمل على الارشادات السامية ، والتوجيهات القويمة ، والأخبار الصادقة ، والتشريعات الحكيمة .
والمراد بدين الحقك دين الإِسلام الذى هو خاتم الأديان .
وقوله { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ } من الإِظهار بمعنى الإِعلاء والغلبة بالحجة والبرهان ، والسيادة والسلطان .
والجملة تعليلية لبيان سبب هذا الإِرسال والغاية منه .
والضمير فى { لِيُظْهِرَهُ } يعود على الدين الحق أو الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمعنى : هو الله - سبحانه - الذى أرسل رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم ، بالقرآن الهادى للتى هى أقوم ، وبالدين الحق الثابت الذى لا ينسخه دين آخر ، وكان هذا الإِرسال لإِظهار هذا الدين الحق على سائر الأديان بالحدة والغلبة ، ولاظهار رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، على أهل الأديان كلها ، بما أوحى إليه - سبحانه - من هدايات ، وعبادات ، وتشريعات ، وآداب . . . . فى اتباعها سعادة الدنيا والآخرة .
وختم - سبحانه - هذه الآية بقوله : { وَلَوْ كَرِهَ المشركون } وختم التى قبلها بقوله : { وَلَوْ كَرِهَ المشركون } للاشعار بأن هؤلاء الذين قالوا : { عُزَيْرٌ ابن الله وَقَالَتْ النصارى المسيح ابن الله } قد جمعوا بسبب قولهم الباطل هذا ، بين رذيلتى الكفر والشكر ، وأنه ، سبحانه ، سيظهر أهل دينه على جميع أهل الأديان الأخرى .
هذا ، وقد ساق الإِمام ابن كثير بعض الأحاديث الى تؤيد ذلك ، منها : ما ثبت فى الصحيح عن رسول الله . صلى الله عليه وسلم . أنه قال : " إن الله زوى لى الأرض من مشارقها ومغاربها ، وسبيلغ ملك أمتى ما زوى لى منها " .
وروى الإِمام أحمد عن مسعود بن قبيصة بن مسعود يقول : صلى هذا الحى من محارب الصبح ، فلما صلوا قال شاب منهم : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها ، وإن عمالها فى النار ، إلا من اتقى الله وأدى الأمانة " .(1/75)
وروى أيضا عن تميم الدارى قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا بر إلا أدخله هذا الدين ، يعز عزيزا ويذل ذليلا ، عزا يعز الله به الإِسلام ، وذلا يذل الله به الكفر " وكان تميم الدارى يقول : قد عرفت ذلك فى أهل بيتى ، لقد أصاب من أسلم مهم الشرف والخير والعز ، ولقد أصاب من كان كافرا منهم الذل والصغار والجزية .
وأخرج أيضاً " عن عدى بن حاتم قال : دخلت على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عدى أسلم تسلم " ، فقلت يا رسول الله : إنى من أهل دين . قال : " أنا أعلم بدينك منك ، فقلت : أنت أعلم بدينى منى؟ قال نعم ، ألست من الركوسية ، وأنت تأكل من مرباع قومك
" . قلت : بلى . قال : " فإن هذا لا يحل لك فى دينك " .
ثم قال : - صلى الله عليه وسلم - : " أما إنى أعلم ما الذى يمنعك من الإِسلام تقول : إنما اتبعه ضعفة الناس ، ومن لا قوة له ، ومن رمتهم العرب ، أعرف الحيرة "؟
قلت : لم أرها وقد سمعت بها .
قال : " فوالذى نفسى بيده ليتمن الله هذا الأمر ، حتى تخرج الضعينة من الحيرة ، حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد ، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز " .
قلت : كسرى بن هرمز؟ قال : " نعم . كسرى بن هرمز ، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد " . قال عدى بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة ، فتطوف بالبيت من غير جوار أحد . ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذى نفسى بيده لتكونن الثالثة ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قالها .
-------
وقال السعدي :
لما تبين أنه لا حجة لهم على ما قالوه، ولا برهان لما أصَّلوه، وإنما هو مجرد قول قالوه وافتراء افتروه أخبر أنهم { يُرِيدُونَ } بهذا { أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ }
ونور اللّه: دينه الذي أرسل به الرسل، وأنزل به الكتب، وسماه اللّه نورا، لأنه يستنار به في ظلمات الجهل والأديان الباطلة، فإنه علم بالحق، وعمل بالحق، وما عداه فإنه بضده، فهؤلاء اليهود والنصارى ومن ضاهوه من المشركين، يريدون أن يطفئوا نور اللّه بمجرد أقوالهم، التي ليس عليها دليل أصلا.
{ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ } لأنه النور الباهر، الذي لا يمكن لجميع الخلق لو اجتمعوا على إطفائه أن يطفئوه، والذي أنزله جميع نواصي العباد بيده، وقد تكفل بحفظه من كل من يريده بسوء، ولهذا قال: { وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } وسعوا ما أمكنهم في رده وإبطاله، فإن سعيهم لا يضر الحق شيئا.
ثم بين تعالى هذا النور الذي قد تكفل بإتمامه وحفظه فقال: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى } الذي هو العلم النافع { وَدِينِ الْحَقِّ } الذي هو العمل الصالح فكان ما بعث اللّه به محمدا صلى الله عليه وسلم مشتملا على بيان الحق من الباطل في أسماء اللّه وأوصافه وأفعاله، وفي أحكامه وأخباره، والأمر بكل مصلحة نافعة للقلوب، والأرواح والأبدان من إخلاص الدين للّه وحده، ومحبة اللّه وعبادته، والأمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، والأعمال الصالحة والآداب النافعة، والنهي عن كل ما يضاد ذلك ويناقضه من الأخلاق والأعمال السيئة المضرة للقلوب والأبدان والدنيا والآخرة.
فأرسله اللّه بالهدى ودين الحق { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } أي: ليعليه على سائر الأديان بالحجة والبرهان، والسيف والسنان، وإن كره المشركون ذلك، وبغوا له الغوائل، ومكروا مكرهم، فإن المكر السيئ لا يضر إلا صاحبه، فوعد اللّه لا بد أن ينجزه، وما ضمنه لا بد أن يقوم به.
ذكر سبب الظهور والانتصار للدين الإسلامي، الحسي والمعنوي، فقال: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ } أي: بالعلم النافع والعمل الصالح.
بالعلم الذي يهدي إلى الله وإلى دار كرامته، ويهدي لأحسن الأعمال والأخلاق، ويهدي إلى مصالح الدنيا والآخرة.
{ وَدِينِ الْحَقِّ } أي: الدين الذي يدان به، ويتعبد لرب العالمين الذي هو حق وصدق، لا نقص فيه، ولا خلل يعتريه، بل أوامره غذاء القلوب والأرواح، وراحة الأبدان، وترك نواهيه سلامة من الشر والفساد (7) فما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، أكبر دليل وبرهان على صدقه، وهو برهان باق ما بقي الدهر، كلما ازداد العاقل تفكرا، ازداد به فرحا وتبصرا.
{ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } أي: ليعليه على سائر الأديان، بالحجة والبرهان، ويظهر أهله القائمين به بالسيف والسنان، فأما نفس الدين، فهذا الوصف ملازم له في كل وقت، فلا يمكن أن يغالبه مغالب، أو يخاصمه مخاصم إلا فلجه وبلسه، وصار له الظهور والقهر، وأما المنتسبون إليه، فإنهم إذا قاموا به، واستناروا بنوره، واهتدوا بهديه، في مصالح دينهم ودنياهم، فكذلك لا يقوم لهم أحد، ولا بد أن يظهروا على أهل الأديان، وإذا ضيعوه واكتفوا منه بمجرد الانتساب إليه، لم ينفعهم ذلك، وصار إهمالهم له سبب تسليط الأعداء عليهم، ويعرف هذا، من استقرأ الأحوال ونظر في أول المسلمين
==================
2- الاستخلاف في الأرض :
قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (55) سورة النور
وفي الظلال :
ذلك وعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يستخلفهم في الأرض . وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم . وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا . . ذلك وعد الله . ووعد الله حق . ووعد الله واقع . ولن يخلف الله وعده . . فما حقيقة ذلك الإيمان ? وما حقيقة هذا الاستخلاف ?
إن حقيقة الإيمان التي يتحقق بها وعد الله حقيقة ضخمة تستغرق النشاط الإنساني كله ; وتوجه النشاط الإنساني كله . فما تكاد تستقر في القلب حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط وبناء وإنشاء موجه كله إلى الله ; لا يبتغي به صاحبه إلا وجه الله ; وهي طاعة لله واستسلام لأمره في الصغيرة والكبيرة , لا يبقى معها هوى في النفس , ولا شهوة في القلب , ولا ميل في الفطرة إلا وهو تبع لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله .
فهو الإيمان الذي يستغرق الإنسان كله , بخواطر نفسه , وخلجات قلبه . وأشواق روحه , وميول فطرته , وحركات جسمه , ولفتات جوارحه , وسلوكه مع ربه في أهله ومع الناس جميعا . . يتوجه بهذا كله إلى الله . . يتمثل هذا في قول الله سبحانه في الآية نفسها تعليلا للاستخلاف والتمكين والأمن: (يعبدونني لا يشركون بي شيئا) والشرك مداخل وألوان , والتوجه إلى غير الله بعمل أو شعور هو لون من ألوان الشرك بالله .
ذلك الإيمان منهج حياة كامل , يتضمن كل ما أمر الله به , ويدخل فيما أمر الله به توفير الأسباب , وإعداد العدة , والأخذ بالوسائل , والتهيؤ لحمل الأمانة الكبرى في الأرض . . أمانة الاستخلاف . .
فما حقيقة الاستخلاف في الأرض ?(1/76)
إنها ليست مجرد الملك والقهر والغلبة والحكم . . إنما هي هذا كله على شرط استخدامه في الإصلاح والتعمير والبناء ; وتحقيق المنهج الذي رسمه الله للبشرية كي تسير عليه ; وتصل عن طريقه إلى مستوى الكمال المقدر لها في الأرض , اللائق بخليقة أكرمها الله .
إن الاستخلاف في الأرض قدرة على العمارة والإصلاح , لا على الهدم والإفساد . وقدرة على تحقيق العدل والطمأنينة , لا على الظلم والقهر . وقدرة على الارتفاع بالنفس البشرية والنظام البشري , لا على الانحدار بالفرد والجماعة إلى مدارج الحيوان !
وهذا الاستخلاف هو الذي وعده الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات . . وعدهم الله أن يستخلفهم في الأرض - كما استخلف المؤمنين الصالحين قبلهم - ليحققوا النهج الذي أراده الله ; ويقرروا العدل الذي أراده الله ; ويسيروا بالبشرية خطوات في طريق الكمال المقدر لها يوم أنشأها الله . . فأما الذين يملكون فيفسدون في الأرض , وينشرون فيها البغي والجور , وينحدرون بها إلى مدارج الحيوان . . فهؤلاء ليسوا مستخلفين في الأرض . إنما هم مبتلون بما هم فيه , أو مبتلى بهم غيرهم , ممن يسلطون عليهم لحكمة يقدرها الله .
آية هذا الفهم لحقيقة الاستخلاف قوله تعالى بعده: (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) . . وتمكين الدين يتم بتمكينه في القلوب , كما يتم بتمكينه في تصريف الحياة وتدبيرها . فقد وعدهم الله إذن أن يستخلفهم في الأرض , وأن يجعل دينهم الذي ارتضى لهم هو الذي يهيمن على الأرض . ودينهم يأمر بالإصلاح , ويأمر بالعدل , ويأمر بالاستعلاء على شهوات الأرض . ويأمر بعمارة هذه الأرض , والانتفاع بكل ما أودعها الله من ثروة , ومن رصيد , ومن طاقة , مع التوجه بكل نشاط فيها إلى الله .
(وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) . . ولقد كانوا خائفين , لا يأمنون , ولا يضعون سلاحهم أبدا حتى بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قاعدة الإسلام الأولى بالمدينة .
قال الربيع بن أنس عن أبي العالية في هذه الآية:كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده , وإلى عبادته وحده بلا شريك له , سرا وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال ; حتى أمروا بعد الهجرة إلى المدينة , فقدموها , فأمرهم الله بالقتال , فكانوا بها خائفين , يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح ; فصبروا على ذلك ما شاء الله . ثم إن رجلا من الصحابة قال:يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا ? أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم - " لن تصبروا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم ليست فيه حديدة " . وأنزل الله هذه الآية , فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب , فأمنوا ووضعوا السلاح . ثم إن الله قبض نبيه صلى الله عليه وسلم فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان . حتى وقعوا فيما وقعوا فيه , فأدخل الله عليهم الخوف ; فاتخذوا الحجزة والشرط , وغيروا فغير بهم . .
(ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) . . الخارجون على شرط الله . ووعد الله . وعهد الله . .
لقد تحقق وعد الله مرة . وظل متحققا وواقعا ما قام المسلمون على شرط الله: (يعبدونني لا يشركون بي شيئا) . . لا من الآلهة ولا من الشهوات . ويؤمنون - من الإيمان - ويعملون صالحا . ووعد الله مذخور لكل من يقوم على الشرط من هذه الأمة إلى يوم القيامة . إنما يبطى ء النصر والاستخلاف والتمكين والأمن . لتخلف شرط الله في جانب من جوانبه الفسيحة ; أو في تكليف من تكاليفه الضخمة ; حتى إذا انتفعت الأمة بالبلاء , وجازت الابتلاء , وخافت فطلبت الأمن , وذلت فطلبت العزة , وتخلفت فطلبت الاستخلاف . . كل ذلك بوسائله التي أرادها الله , وبشروطه التي قررها الله . . تحقق وعد الله الذي لا يتخلف , ولا تقف في طريقه قوة من قوى الأرض جميعا .
لذلك يعقب على هذا الوعد بالأمر بالصلاة والزكاة والطاعة , وبألا يحسب الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته حسابا لقوة الكافرين الذين يحاربونهم ويحاربون دينهم الذي ارتضى لهم:
(وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة , وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون . لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض . ومأواهم النار ولبئس المصير) . .فهذه هي العدة . . الاتصال بالله , وتقويم القلب بإقامة الصلاة . والاستعلاء على الشح , وتطهير النفس والجماعة بإيتاء الزكاة . وطاعة الرسول والرضى بحكمه , وتنفيذ شريعة الله في الصغيرة والكبيرة , وتحقيق النهج الذي أراده للحياة: (لعلكم ترحمون) في الأرض من الفساد والانحدار والخوف والقلق والضلال , وفي الآخرة من الغضب والعذاب والنكال .
فإذا استقمتم على النهج , فلا عليكم من قوة الكافرين . فما هم بمعجزين في الأرض , وقوتهم الظاهرة لن تقف لكم في طريق . وأنتم أقوياء بإيمانكم , أقوياء بنظامكم , أقوياء بعدتكم التي تستطيعون . وقد لا تكونون في مثل عدتهم من الناحية المادية . ولكن القلوب المؤمنة التي تجاهد تصنع الخوارق والأعاجيب .
إن الإسلام حقيقة ضخمة لا بد أن يتملاها من يريد الوصول إلى حقيقة وعد الله في تلك الآيات . ولا بد أن يبحث عن مصداقها في تاريخ الحياة البشرية , وهو يدرك شروطها على حقيقتها , قبل أن يتشكك فيها أو يرتاب , أو يستبطى ء وقوعها في حالة من الحالات .
إنه ما من مرة سارت هذه الأمة على نهج الله , وحكمت هذا النهج في الحياة , وارتضته في كل أمورها . . إلا تحقق وعد الله بالاستخلاف والتمكين والأمن . وما من مرة خالفت عن هذا النهج إلا تخلفت في ذيل القافلة , وذلت , وطرد دينها من الهيمنة على البشرية ; واستبد بها الخوف ; وتخطفها الأعداء .
ألا وإن وعد الله قائم . ألا وإن شرط الله معروف . فمن شاء الوعد فليقم بالشرط . ومن أوفى بعهده من الله ?
----------
وفي التفسير الوسيط :
قال الإمام ابن كثير : " هذا وعد من الله - تعالى - لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أى : أئمة الناس والولاة عليهم ، وبهم تصلح البلاد ، وتخضع لهم العباد ، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك . . . فإنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح عليه مكة وخيبر والبحرين ، وسائر جزيرة العرب ، ولهذا ثبت فى الصحيح عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتى ما زوى لى منها . . " .
وفى تصدير الآية الكريمة بقوله - تعالى - : { وَعَدَ الله . . } بشارة عظيمة للمؤمنين ، بتحقيق وعده - تعالى - ، إذ وعد الله لا يتخلف . كما قال - تعالى - : { وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ } والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، ومن بيانية ، والآية الكريمة مقررة لمضمون ما قبلها ، وهو قوله - تعالى - { وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ . . . } أى : وعد الله - تعالى - بفضله وإحسانه ، الذين صدقوا فى إيمانهم من عباده ، والذين جمعوا مع الإيمان الصادق ، العمل الصالح ، وعدهم ليستخلفهم فى الأرض ، أى : ليجعلنهم فيها خلفاء يتصرفون فيها تصرف أصحاب العزة والسلطان والغلبة ، بدلا من أعدائهم الكفار .(1/77)
قال الآلوسى : واللام فى قوله " ليستخلفنهم " واقعة فى جواب القسم المحذوف . ومفعول وعد الثانى محذوف دل عليه الجواب . أى : وعد الله الذين آمنوا استخلافهم ، وأقسم ليستخلفنهم . . . و " ما " فى قوله " كما استخلف " مصدرية والجار والمجرور متعلق بمحذوف . وقع صفة لمصدر محذوف ، أى : ليستخلفنهم استخلافا كائنا كاستخلافه " الذين من قبلهم " من الأمم المؤمنة ، الذين أسكنهم الله - تعالى - فى الأرض بعد إهلاك أعدائهم من الكفرة الظالمين .
هذا هو الوعد الأول للمؤمنين : أن يجعلهم - سبحانه - خلفاءه فى الأرض . كما جعل عباده الصالحين من قبلهم خلفاءه ، وأورثهم أرض الكفار وديارهم .
وأما الوعد الثانى فيتجلى فى قوله - تعالى - { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الذي ارتضى لَهُمْ } .
والتمكين : التثبيت والتوطيد والتمليك . يقال : تمكن فلان من الشىء ، إذا حازه وقدر عليه .
أى : وعد الله المؤمنين بأن يجعلهم خلفاءه فى أرضه ، وبأن يجعل دينهم وهو دين الإسلام الذى ارتضاه لهم . ثابتا فى القلوب ، راسخا فى النفوس . باسطا سلطانه على أعدائه ، له الكلمة العليا فى هذه الحياة ، ولمخالفيه الكلمة السفلى .
وأما الوعد الثالث فهو قوله - سبحانه - : " وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا " .
أى : وعدهم الله - تعالى - بالاستخلاف فى الأرض ، وبتمكين دينهم . وبأن يجعل لهم بدلا من الخوف الذى كانوا يعيشون فيه ، أمنا واطمئنانا ، وراحة فى البال ، وهدوءا فى الحال .
قال الربيع بن أنس عن أبى العالية فى هذه الآية : " كان النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين . يدعون إلى الله وحده . . . وهم خائفون ، فلما قدموا المدينة أمرهم الله بالقتال ، فكانوا بها خائفين ، يمسون فى السلاح ويصبحون فى السلاح . فصبروا على ذلك ما شاء الله . ثم إن رجلا من الصحابة قال : يا رسول الله : " أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتى علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال صلى الله عليه وسلم لن تَغْبَرُوا - أى : لن تمكثوا - إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم فى الملأ العظيم محتبيا ليست فيهم حديدة " " .
وأنزل الله هذه الآية فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب فآمنوا ووضعوا السلاح . . .
ولكن هذا الاستخلاف والتمكين والأمان متى يتحقق منه - سبحانه - لعباده؟
لقد بين الله - تعالى - الطريق إلى تحققه فقال { يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } فهذه الجملة الكريمة يصح أن تكون مستأنفة ، أى : جوابا لسؤال تقديره متى يتحقق هذا الاستخلاف والتمكين والأمان بعد الخوف للمؤمنين؟ فكان الجواب : يعبدوننى عبادة خالصة تامة مستكملة لكل شروطها وآدابها وأركانها ، دون أن يشركوا معى فى هذه العبادة أحدا كائنا من كان .
كما يصح أن تكون حالا من الذين آمنوا ، فيكون المعنى : وعد الله - تعالى - عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، بالاستخلاف فى الأرض ، وبتمكين دينهم فيها . وبتبديل خوفهم أمنا ، فى حال عبادتهم له - سبحانه - عبادة لا يشوبها شرك أو رياء أو نقص .
وروى الإمام أحمد عن أبى بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة ، والدين والنصر والتمكين فى الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا ، لم يكن له فى الآخرة نصيب " . ذلك هو وعد الله - تعالى - لعباده الذين أخلصوا له العبادة والطاعة ، وأدوا ما أمرهم به ، واجتنبوا ما نهاهم عنه ، أما الذين انحرفوا عن طريق الحق . وجحدوا نعمه - سبحانه - عليهم ، فقد بين عاقبتهم فقال : { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك فأولئك هُمُ الفاسقون } .
أى : ومن كفر بعد كل هذه النعم التى وعدت بها عبادى الصالحين ، واستعمل هذه النعم فى غير ما خلقت له ، فأولئك الكافرون الجاحدون هم الفاسقون عن أمرى ، الخارجون عن وعدى ، الناكبون عن صراطى .
وهكذا نرى الآية الكريمة قد جمعت أطراف الحكمة من كل جوانبها ، فقد رغبت المؤمنين فى إخلاص العبادة لله - تعالى - بأسمى ألوان الترغيب ، حيث بينت لهم أن هذه العبادة سيترتب عليها الاستخلاف والتمكين والأمان . ثم رهبت من الكفر والجحود ، وبينت أن عاقبتهما الفسوق والحرمان من نعم الله - تعالى - .
-----------
وقال السعدي :
هذا من أوعاده الصادقة، التي شوهد تأويلها ومخبرها، فإنه وعد من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة، أن يستخلفهم في الأرض، يكونون هم الخلفاء فيها، المتصرفين في تدبيرها، وأنه يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وهو دين الإسلام، الذي فاق الأديان كلها، ارتضاه لهذه الأمة، لفضلها وشرفها ونعمته عليها، بأن يتمكنوا من إقامته، وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة، في أنفسهم وفي غيرهم، لكون غيرهم من أهل الأديان وسائر الكفار مغلوبين ذليلين، وأنه يبدلهم من بعد خوفهم الذي كان الواحد منهم لا يتمكن من إظهار دينه، وما هو عليه إلا بأذى كثير من الكفار، وكون جماعة المسلمين قليلين جدا بالنسبة إلى غيرهم، وقد رماهم أهل الأرض عن قوس واحدة، وبغوا لهم الغوائل.
فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، ولا يخافون أحدا إلا الله، فقام صدر هذه الأمة، من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم، فمكنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان، بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح.
{ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ } التمكين والسلطنة التامة لكم، يا معشر المسلمين، { فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } الذين خرجوا عن طاعة الله، وفسدوا، فلم يصلحوا لصالح، ولم يكن فيهم أهلية للخير، لأن الذي يترك الإيمان في حال عزه وقهره، وعدم وجود الأسباب المانعة منه، يدل على فساد نيته، وخبث طويته، لأنه لا داعي له لترك الدين إلا ذلك. ودلت هذه الآية، أن الله قد مكن من قبلنا، واستخلفهم في الأرض، كما قال موسى لقومه: { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } وقال تعالى: { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ }
-------------
3- فتح عاصمة النصرانية روما :
عن أبي قَبِيلٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى وَسُئِلَ أَىُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حِلَقٌ. قَالَ فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَاباً . قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَىُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةَُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً ». يَعْنِى قُسْطَنْطِينِيَّةَ.(1/78)
و قد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف ، و ذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح ، و سيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى و لابد ، و لتعلمن نبأه بعد حين .
و لا شك أيضا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة
المسلمة ، و هذا مما يبشرنا به صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث : " تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، ثم سكت " . وهو صحيح الصحية برقم(5)
==============
رابعاً - أسباب قول البابا هذا الكلام
لقد قال البابا هذا الكلام ، لأنه يعلم أننا لن نفعل شيئا ذا بال يذكر ، وذلك لأننا متفرقون أيدي سبأ لا قيمة لنا ولا وزن ، بل ويعلم أن الحكومات الإسلامية لن تفعل أكثر من الشجب والاستنكار ، لأنها ضعيفة لا حول لها ولا طول ، ولا سند
والسبب في ذلك بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث صحيح بليغ
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ». فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ « بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ». فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ « حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ».
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لِثَوْبَانَ « كَيْفَ أَنْتَ يَا ثَوْبَانُ إِذْ تَدَاعَتْ عَلَيْكُمُ الأُمَمُ كَتَدَاعِيكُمْ عَلَى قَصْعَةِ الطَّعَامِ يُصِيبُونَ مِنْهُ ».
قَالَ ثَوْبَانُ بِأَبِى وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا قَالَ « لاَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ يُلْقَى فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنُ ». قَالُوا وَمَا الْوَهَنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « حُبُّكُمُ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَتُكُمُ الْقِتَالَ ».
الوهن وباء خطير ومرض قاتل
بسم الله الرحمن الرحيم
يتعرض الفرد والمجتمع والأمة دائما وباستمرار إلى عوارض متعددة، وظروف طارئة، وتطورات كثيرة، وأمراض مختلفة، ويتفاوت أثر ذلك بحسب طبيعة المؤثر الجديد، وبنيان الفرد والمجتمع، والعوامل المساعدة، وقد ينتاب الفرد أو المجتمع مرض عارض، ويزول بسرعة دون أن يترك أثرا ما، وقد يصاب الفرد بمرض معين، فيقتصر عليه ولا يمتد إلى المجتمع، ولا تحس به الأمة، وقد يتحول المرض من الفرد إلى المجتمع، فيصبح مرضا قاتلا، ووباء فتاكا، ويكون أثره إزهاق الفرد، وإبادة الأمة وسحق المجتمع.
وإن أمراض الإنسان كثيرة، منها عضوية، ومنها نفسية ومنها اجتماعية، وهي في معظمها أمراض عامة لا تخص فردا أو مجتمعا أو أمة، فإذا حلت في فرد أو مجتمع أو أمة فلا بد أن تظهر أعراضها، وينتشر خطرها، ويحس بآلامها المصاب وغيره، وقد تفتك بالمريض، وتؤدي إلى العدوى، لتفتك بالمجموع.
ومن هنا تقوم الديانات السماوية، والمفكرون في كل أمة، والمصلحون في كل مجتمع، بمجابهة هذه الأمراض، ووصف الأدوية لها، بل يسارعون إلى التحذير منها لأخذ الوقاية والمناعة قبل أن تحل وتستشري بين الناس، لأن الوقاية خير من العلاج، وبذلك ينقذون أمتهم ومجتمعهم من الأخطار المحدقة، ويجنبون الأفراد ويلات تحيق بهم، وتهدد وجودهم.
ومن هذه الأمراض الفتاكة التي يشترك فيها الفرد والمجتمع، وتنذر الأمة بالويل والدمار مرض الوهن الذي بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعراضه وأسبابه، وحذر منه.
والوهن في اللغة العربية الضعف، سواء أكان ماديا أم معنويا، وسواء أكان في الفرد أم في المجتمع، من وهن يهن وهنا أي ضعف، ويقال وهن عظمه، واسم التفضيل أوهن، ويقال: وهن الرجل أي جبن عن لقاء عدوه، وهذا داخل في الضعف، وقد استعمل القرآن الكريم هذا المعنى في عدة آيات، فقال تعالى: {قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا} مريم/ 4، وقال تعالى: {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله} آل عمران / 146، وقال تعالى: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون} النساء/ 104 أي لا تجبنوا، وقال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} آل عمران / 139، وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن} لقمان / 14، وقال عز وجل: {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} العنكبوت /41.
ولكن الوهن المقصود في هذا المقال هو مرض عضال، ووباء عام بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة وثوبان قالا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، قيل: يا رسول الله: فمن قلة نحن يومئذ؟ قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير،ولكنكم غثاء كغثاء السيل،ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن" فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت".
وهكذا يكشف الرسول صلى الله عليه وسلم أعراض الوهن الذي يبدأ من الفرد، وينتهي بالمجتمع، هذا المرض الذي يصيب الأمم والشعوب فيقضي عل كيانها، ويهدم وجودها، ويسقط هيبتها، ويمحو أثرها، ويزلزل أركانها، ويحطم دعائمها، فتهوى من عليائها وكرامتها واستعلائها إلى أن تركع أمام الأمم الأخرى، وتستخذل أمام الشعوب المجاورة، وتصبح لقمة سائغة للطامعين فيها، بل يكثر الأكلة حولها، ويجتمعون على اقتسامها والقضاء عليها، كما يجتمع الجياع حول الطعام ليتناولوه، ويأخذوه، ويقتسموه، فلا يرفعون أيديهم عنه، وفي القصعة أثر لوجوده.(1/79)
هذا المرض بأعراضه وأسبابه يصيب الدول في القديم والحديث، ويؤدي إلى سقوطها وانهيارها، وهو اليوم مقيم بين المسلمين، وقد حط بكلكله عليهم، ونزل بهم الوهن منذ أمد، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر بعين الغيب (الذي يطلعه عليه الوحي) ويصور حال المسلمين، وقد تداعت عليهم الأمم الاستعمارية، والشعوب المعادية وتكالبت على أرضهم وبلادهم، وجزأت أوطانهم وديارهم، وسلبت نصيبا كبيرا وعزيزا من مقدساتهم، وتآمرت، ولا تزال تتآمر، عليهم في كل قطر وجانب، وتحيك لهم المؤامرة تلو المؤامرة للإطاحة بهم، وفرض الاستسلام عليهم، وضمان الاستذلال والاستسلام لهم، وتنوع عليهم أساليب الاستغلال والابتزاز لثرواتهم واقتصادهم، وتفرض عليهم الأفكار الخبيثة، والمبادئ البراقة، والقيم الدخيلة، والقوانين الوضعية، وتغزوهم فكريا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا في عقر دارهم، وتتقاسمهم النفوذ ومناطق السيطرة، وتتقاذفهم ذات اليمين وذات اليسار، وتحفر لهم الحفر ليسقطوا فيها، وترى القطر الواحد يوما مع الشرق ويوما مع الغرب، وتارة يستورد أفكاره وقيمه ومواده وأسلحته من هنا، وتارة من هناك، والمسلمون اليوم في ضياع وتمزق، وتردد واضطراب، لا يعرفون ذاتا لأنفسهم، ولا يعلمون هوية لشخصيتهم، ويجهلون السفينة التي تحملهم، وهم نائمون عن الرياح التي تتقاذفهم، وقد تكسرت السواري، وسقطت الراية، وهم في بحر لجي، في ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرجوا أصابعهم لا يكادون يرونها من الحجب الكثيفة، والنظارات السوداء التي أحكم العدو ربطها على أعينهم، وشدد الخناق فيها على رقابهم، لكن أعدادهم كثيرة، وثرواتهم ضخمة، ومركزهم استراتيجي، وهم ملايين وملايين، ولكنهم غثاء كغثاء السيل، لا قيمة له، ولا يثبت على حال، ويقذفه السيل إلى الحضيض، ولذلك فقدوا هيبتهم، وطمع بهم القريب والبعيد، والقوى والضعيف، وسامهم الذل والهوان على أيدي عصابات صهيون، وجنود المرتزقة، وتسلط العملاء.
حب الدنيا وكراهية الموت:
وقد شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم المرض، فبين أنه الوهن، ثم شرح أعراضه الظاهرة وأسبابه القريبة والبعيدة، وهي حب الدنيا، والتعلق بها، والافتتان بزينتها، والسعي وراءها، والطمع فيها، وقصور الآمال عليها، واعتبارها المبدأ والمنتهى، والظن بالخلود فيها، وحب الاستزادة من البقاء فيها، وبالتالي كراهية الموت، لأنه يقطع هذه ا لآمال والأماني وكأن لسان حال القوم يردد سخافات الجاهلية من الدهريين وغيرهم، حين يقولون: {إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين} المؤمنون/37، {وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين} الأنعام/ 29، {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون} الجاثية / 24 .
إن المرض واحد، ولكن له وجهان متقابلان، وصفتان متلازمتان، وعرضان متحدان، وهما حب الدنيا وكراهية الموت، وهذان العرضان نشيطان ومؤثران، ويتركان الآثار العظيمة، والنتائج الخطيرة، ويدفعان إلى أعمال جمة.
فمن آثار حب الدنيا أن تبدأ من الفرد لتصل إلى المجتمع، فتصبغه بها، وينتشر الحرص على جمع المال، والانكباب على كسبه بالطرق المشروعة وغير المشروعة، ويظهر التقاتل والتخاصم، والشح والبخل، والجشع والطمع، واللف والدوران في التعامل، والتحايل والتهرب، والسرقة والغصب، ثم يعقب ذلك التخاذل والجبن والخوف والاضطراب، والقلق الشديد من المستقبل.
ومن آثار كراهية الموت أن يعب الإنسان من طيبات الحياة ما استطاع إلى ذ لك سبيلا، وألا يعد للموت عدته، ولا يقدم شيئا أمامه، ويسرف في الملذات، ويسعى لإشباع الشهوات، وينقاد وراء الغرائز، ولو قتل نفسه بنفسه، ثم يهلك ذاته بيده.
ويشرح القرآن الكريم هذا المرض بشقيه، مبينا أثره وخطره وعاقبته، فيقول تعالى: {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} التكاثر.
حقيقة الدنيا:
وإن حب الدنيا وكراهية الموت يعني أن الإنسان يجهل حقيقة الدنيا، ويغتر بمظاهرها، ويفتتن بمغرياتها، وأن صاحبها قصير النظر، كليل البصر، ينظر بين رجليه، ولا يستعد لأبعد من ذلك، ولا يهيء نفسه لمستقبل أيامه، ولا يدخر سلاحه وقوته لوقت حاجته، لذلك حرص القرآن الكريم على أن يكشف للمسلم حقيقة الدنيا، ويميط له اللثام عن مفاتنها، ويحذره من الاغترار فيها، وذلك في آيات كثيرة، قال تعالى: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} الحديد/ 20. وقال تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} آل عمران/ 14، ويبين القرآن حقيقة الحياة، ويحذر من فتنتها، فيقول تعالى: {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} فاطر/ 5، كما يقرر القرآن الكريم أشياء كثيرة من زينة الحياة الدنيا، ثم يدعو الناس إلى عدم الوقوف عندها، ويطلب منهم تجاوزها إلى ما هو خير وأشمل، وأحسن وأدوم وأثمن وأبقى، فيقول تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} الكهف/46.(1/80)
فالدنيا جميلة، وفيها من المسليات والملاهي الشيء الكثير، ولكن ذلك إلى زوال، وأن الحياة الحقيقية، والسعادة الحقة هي في الدار الآخرة، فيقول تعالى: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} العنكبوت/ 64، ثم يحذر الرسول الكريم من مفاتن الدنيا، والانشغال بمالها وخيراتها، والتنافس فيها، والغفلة عن الله والآخرة، فيقول عليه الصلاة والسلام في حديث طويل رواه البخاري ومسلم عن عمرو بن عوف الأنصاري: "فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم"، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قيمة الدنيا، وهوانها عند الله تعالى، وأنه لا قدر لها إذ ا قصدت لذاتها، وإنما تظهر قيمتها إذا جعلت طريقا إلى الآخرة، ومزرعة للأعمال، فقال عليه الصلاة و السلام - فيما رواه الترمذي وابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدي: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء "، وحذر الرسول الكريم المؤمنين من استعباد الدنيا وزينتها لهم، فالعاقل لا يكون عبدا للدرهم والدينار، وإلا استحق السخط والغضب، يروي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعس عبد الدينار والدرهم، والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض"، وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء" وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة"، وهذه الآيات والأحاديث، وغيرها كثير، تحذير للمسلمين من الفتنة بالدنيا، والتعلق بها، والاغترار بزينتها، وليكون ذ لك وقاية لهم من الانغماس فيها، ولكن ذ لك لا يعني التخلي عن الدنيا وترك ما فيها، واعتبارها نجسا كما يحلو لأتباع بعض الديانات المحرفة، بل الدنيا مزرعة للآخرة، وأن الدنيا ميراث وتركة للمؤمن، ينفقها في سبيل الآخرة، ويشترى بها الدرجات العليا في الجنة، روى الترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا ألا تكون بما في يديك أوثق مما في يد الله، وأن تكون في ثواب المصيبة اذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها أبقيت لك".
الاستعداد للموت:
وهذه النظرة الحقيقية للدنيا، وعدم التعلق بها، وسيلة تربوية حتى يكون المال وغيره في يد المؤمن والعاقل، وليس في قلبه، فلا يستأسره ويسيطر عليه، وإنما يستخدمه لنفع العباد والبلاد، ويسخر ما في يده من خير ليكون أمامه يوم الدين والحساب، وليبقى ذكرا له، وعملا نافعا، وأجرا دائما بعد وفاته، وأن الادخار والبخل، والاكتناز والشح لا يعود عليه بشيء، ولن يخلد في الدنيا، وسوف ينقل إلى القبر، ويدفن تحت التراب، ويبقى المال لغيره، ويكشف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الحقيقة، مبينا حظ الإنسان من ماله، فيما يرويه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي عن عبد الله بن الشخير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت، أو أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت" ولذلك يستعد العاقل للموت، - ويهيئ له الأسباب المحمودة، فإن جاءه الموت كان عل خير حال، دون أن يغفل عن هذه الحقيقة التي تلازم البشرية، وأن الدنيا ليست مقرا ولا مستقرا، ولم يخلد فيها إنسان، والموت حق يقيني، ومهما جمع الإنسان في هذه الحياة، فإن متطلباته منها محدودة، وحصيلته مقررة، وانتفاعه محصور، والزائد عنه سيبقى لغيره من الأحياء، ويروح المرء إلى مصيره المحتوم شاء أم أبى، وإن أنفق ماله في الشر والإيذاء فسوف يحاسب عليه، وإن كان رشيدا أنفقه في الخير، واستعد لما بعد الموت، لما روي الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الكيس (وفي رواية العاقل) من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"، وقد خلق الله الحياة ابتلاء للإنسان واختبارا له، ليستعد إلى لقاء ربه، ويغتنم الفرصة في حياته، لما رواه الإمام أحمد والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك". وكان اليهود يدعون أنهم أبناء الله وأحباؤه، فوضعهم الله على المحك الحقيقي،وطلب منهم تمني الموت إن كانوا صادقين في لقاء الله، فقال تعالى: {قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} الجمعة/ 6.
وفي هذا التوجيه، والتربية الإسلامية يكون الإنسان سويا وقويا، ويضمن لنفسه العزة والكرامة، ويحقق لأمته النصر والحياة العزيزة، ويغرس في نفسه المناعة والوقاية من الوهن، ويطلب الموت لتوهب له الحياة، وينزع من قلبه حب الدنيا، ويضع الموت نصب عينيه ليحاسب نفسه قبل أن تحاسب، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه، وردنا إلى دينه ردا جميلا، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور/ محمد الزحيلي
-----------------
علاج الوهن
قال تعالى :{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (148) سورة آل عمران
لقد كانت الهزيمة في "أحد" , هي أول هزيمة تصدم المسلمين , الذين نصرهم الله ببدر وهم ضعاف قليل ; فكأنما وقر في نفوسهم أن النصر في كل موقعة هو السنة الكونية . فلما أن صدمتهم أحد , فوجئوا بالابتلاء كأنهم لا ينتظرونه !
ولعله لهذا طال الحديث حول هذه الواقعة في القرآن الكريم . واستطرد السياق يأخذ المسلمين بالتأسية تارة , وبالاستنكار تارة , وبالتقرير تارة , وبالمثل تارة , تربية لنفوسهم , وتصحيحا لتصورهم , وإعدادا لهم . فالطريق أمامهم طويل , والتجارب أمامهم شاقة , والتكاليف عليهم باهظة , والأمر الذي يندبون له عظيم .
والمثل الذي يضربه لهم هنا مثل عام , لا يحدد فيه نبيا , ولا يحدد فيه قوما . إنما يربطهم بموكب الإيمان ; ويعلمهم أدب المؤمنين ; ويصور لهم الابتلاء كأنه الأمر المطرد في كل دعوة وفي كل دين ; ويربطهم بأسلافهم من اتباع الأنبياء ; ليقرر في حسهم قرابة المؤمنين للمؤمنين ; ويقر في أخلادهم أن أمر العقيدة كله واحد . وإنهم كتيبة في الجيش الإيماني الكبير:
(وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير . فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا) . .
. . وكم من نبي قاتلت معه جماعات كثيرة . فما ضعفت نفوسهم لما أصابهم من البلاء والكرب والشدة والجراح . وما ضعفت قواهم عن الاستمرار في الكفاح , وما استسلموا للجزع ولا للأعداء . . فهذا هو شأن المؤمنين , المنافحين عن عقيدة ودين . .
(والله يحب الصابرين) . .(1/81)
الذين لا تضعف نفوسهم , ولا تتضعضع قواهم , ولا تلين عزائمهم , ولا يستكينون أو يستسلمون . . والتعبير بالحب من الله للصابرين . له وقعه . وله إيحاؤه . فهو الحب الذي يأسو الجراح , ويمسح على القرح , ويعوض ويربو عن الضر والقرح والكفاح المرير !
وإلى هنا كان السياق قد رسم الصورة الظاهرة لهؤلاء المؤمنين في موقفهم من الشدة والابتلاء . فهو يمضي بعدها ليرسم الصورة الباطنة لنفوسهم ومشاعرهم . صورة الأدب في حق الله , وهم يواجهون الهول الذي يذهل النفوس , ويقيدها بالخطر الراهق لا تتعداه . ولكنه لا يذهل نفوس المؤمنين عن التوجه إلى الله . .
لا لتطلب النصر أول ما تطلب - وهو ما يتبادر عادة إلى النفوس - ولكن لتطلب العفو والمغفرة , ولتعترف بالذنب والخطيئة , قبل أن تطلب الثبات والنصر على الأعداء:
(وما كان قولهم إلا أن قالوا:ربنا اغفر لنا ذنوبنا , وإسرافنا في أمرنا , وثبت أقدامنا , وانصرنا على القوم الكافرين) . .
إنهم لم يطلبوا نعمة ولا ثراء . بل لم يطلبوا ثوابا ولا جزاء . .
لم يطلبوا ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة . لقد كانوا أكثر أدبا مع الله , وهم يتوجهون إليه , بينما هم يقاتلون في سبيله . فلم يطلبوا منه - سبحانه - إلا غفران الذنوب , وتثبيت الأقدام . .
والنصر على الكفار . فحتى النصر لا يطلبونه لأنفسهم إنما يطلبونه هزيمة للكفر وعقوبة للكفار . .
إنه الأدب اللائق بالمؤمنين في حق الله الكريم .
وهؤلاء الذين لم يطلبوا لأنفسهم شيئا , أعطاهم الله من عنده كل شيء . أعطاهم من عنده كل ما يتمناه طلاب الدنيا وزيادة . وأعطاهم كذلك كل ما يتمناه طلاب الآخرة ويرجونه:
(فآتاهم الله ثواب الدنيا , وحسن ثواب الآخرة) . .
وشهد لهم - سبحانه - بالإحسان . فقد أحسنوا الأدب وأحسنوا الجهاد , وأعلن حبه لهم . وهو أكبر من النعمة وأكبر من الثواب:
(والله يحب المحسنين) . .
وهكذا تنتهي هذه الفقرة في الاستعراض ; وقد تضمنت تلك الحقائق الكبيرة في التصور الإسلامي . وقد أدت هذا الدور في تربية الجماعة المسلمة . وقد ادخرت هذا الرصيد للأمة المسلمة في كل جيل . .
وقال تعالى :{ وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (104) سورة النساء
إنهن كلمات معدودات . يضعن الخطوط الحاسمة , ويكشفن عن الشقة البعيدة , بين جبهتي الصراع . .
إن المؤمنين يحتملون الألم والقرح في المعركة . ولكنهم ليسوا وحدهم الذين يحتملونه . .
إن أعداءهم كذلك يتألمون وينالهم القرح واللأواء . .
ولكن شتان بين هؤلاء وهؤلاء . .
إن المؤمنين يتوجهون إلى الله بجهادهم , ويرتقبون عنده جزاءهم . .
فأما الكفار فهم ضائعون مضيعون , لا يتجهون لله , ولا يرتقبون عنده شيئا في الحياة ولا بعد الحياة . .
فإذا أصر الكفار على المعركة , فما أجدر المؤمنين أن يكونوا هم أشد إصرارا , وإذا احتمل الكفار آلامها , فما أجدر المؤمنين بالصبر على ما ينالهم من آلام . وما أجدرهم كذلك أن لا يكفوا عن ابتغاء القوم ومتابعتهم بالقتال , وتعقب آثارهم , حتى لا تبقى لهم قوة , وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله .
وإن هذا لهو فضل العقيدة في الله في كل كفاح . فهناك اللحظات التي تعلو فيها المشقة على الطاقة , ويربو الألم على الاحتمال . ويحتاج القلب البشري إلى مدد فائض وإلى زاد . هنالك يأتى المدد من هذا المعين , ويأتي الزاد من ذلك الكنف الرحيم .
ولقد كان هذا التوجيه في معركة مكشوفة متكافئة . معركة يألم فيها المتقاتلون من الفريقين . لأن كلا الفريقين يحمل سلاحه ويقاتل .
ولربما أتت على العصبة المؤمنة فترة لا تكون فيها في معركة مكشوفة متكافئة . . ولكن القاعدة لا تتغير . فالباطل لا يكون بعافية أبدا , حتى ولو كان غالبا !
إنه يلاقي الآلام من داخله . من تناقضه الداخلي ; ومن صراع بعضه مع بعض . ومن صراعه هو مع فطرة الأشياء وطبائع الأشياء .
وسبيل العصبة المؤمنة حينئذ أن تحتمل ولا تنهار . وأن تعلم أنها إن كانت تألم , فإن عدوها كذلك يألم . والألم أنواع . والقرح ألوان . .
(وترجون من الله ما لا يرجون) . .
وهذا هو العزاء العميق . وهذا هو مفرق الطريق . .
وكان الله عليما حكيمًا . .
يعلم كيف تعتلج المشاعر في القلوب . ويصف للنفس ما يطب لها من الألم والقرح . . ( الظلال)
=================
وهناك أسباب كثيرة قد ذكرتها في كتابي هل تخلى الله تعالى عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ ففيه ذكر الداء والدواء كاملا من وحي الكتاب والسنة
- - - - - - - - - -
- تفسير الرازي - (ج 2 / ص 262)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 13)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 179)
- تفسير الرازي - (ج 2 / ص 275)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 13)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 183)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 58)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 639)
- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 134)
- تفسير الرازي - (ج 4 / ص 320)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 60)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 683)
- تفسير الرازي - (ج 5 / ص 429)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 113)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1120)
- تفسير الرازي - (ج 6 / ص 16)
- في ظلال القرآن - (ج 2 / ص 335)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1210)
- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 226)
- تفسير الرازي - (ج 6 / ص 97)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 131)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1307)
- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 237)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 14)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 198)
- تفسير الرازي - (ج 6 / ص 133)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 135)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1342)
- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 241)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 60)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 685)
- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 141)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 76)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 819)
- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 160)
- تفسير الرازي - (ج 12 / ص 178)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 369)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 3317)
- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 632)
- تفسير الرازي - (ج 4 / ص 246)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 57)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 635)
- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 133)
- تفسير الرازي - (ج 6 / ص 77)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 129)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1294)
- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 235)
- تفسير الرازي - (ج 6 / ص 95)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 130)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1305)
- تفسير الرازي - (ج 7 / ص 494)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 203)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1922)
- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 334)
- تفسير الرازي - (ج 8 / ص 6)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 230)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1932)
- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 335)
- في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 342)
- الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 3097)
- تفسير السعدي - (ج 1 / ص 573)
- مسند أحمد برقم( 6804) والصحيحة ( 4) وهو صحيح
- سنن أبى داود برقم( 4299 ) وهو صحيح
الغثاء : ما يحمله السيل من زبد ووسخ
- مسند أحمد برقم( 8947) وهو صحيح لغيره(1/82)
#مضى البابا وبقيتم في حثالة!
إبراهيم الأزرق*
مضى البابا وبقيتم في حثالة! الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام ديناً، ونصب لنا من الأدلة على صحته برهاناً مبيناً، فرض علينا الانقياد له ولأحكامه، والتمسك بدعائمه وأركانه، فهو دينه الذي ارتضاه لنفسه، ولأنبيائه ورسله وملائكة قدسه، فبه اهتدى المهتدون، إليه دعا الأنبياء والمرسلون: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرهاً وإليه يرجعون). فلا يُقبل من أحد دينٌ سواه من الأولين والآخرين: ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
وبعد فقد عقد البخاري في كتاب الفتن من صحيحه باباً: إذا بقي في حثالة من الناس؟ وذكر فيه حديث حذيفة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، ثم ذكر الذي رأى شيئاً منه وهو ارتفاع الأمانة، وأشار إلى الذي ينتظره بقوله: وليأتين على الناس زمان يقال للرجل فيه:"ما أعقله وما أظرفه وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان"!
أخي المسلم! إذا رأيت ما قاله حذيفة رضي الله عنه، واقعاً ملموساً فاعلم أنك واقف على فتن وعند باب البخاري: "إذا بقي في حثالة من الناس"!
ولا تعجب إن وجدت عند ذلك الباب اليوم طوائف من منتسبي العلم والفقه يقولون عن كبير أهل الكفر ومعلمهم: ما أعقله.. ما أظرفه.. ما أجلده أو نحواً من ذلك إن لم يكن فوقه.
لاتعجب لا لأن صنيعهم لايدعو إلى العجب ولكن لأن "حثالة المجتمع" مصطلح ظُلم به قطاع عريض من المساكين والجماهير والشعوب التي قُدر لها أن تكون في الساقة، مع أنه ينبغي أن يخرج كثير منهم عن ذلك المفهوم، وتدخل عوضاً عنهم طوائف من النخب المختلفة الجاثمة على المقدمة، فحثالة الناس هم أرذالهم وشرارهم، والحثالة الرديء من كل شيء، وإذا كان الأمر كذلك فمثل هؤلاء قد تتوقع منهم أية فاقرة، فليس بعيداً على بعض الحثالة أن تصف عُبّاد الصليب بالظُرف، وإن قالوا قولاً إداً تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً أن دعوا للرحمن ولدا، ولا يمتنع عند الحثالة وسم من لهم قلوب لايعقلون بها بالعقل وإن قال الله فيهم: (لهم قلوب لا يعقلون بها).
وقد أبان لنا مهلك كبير الكاثوليك طوائف من هؤلاء الحثالة المسارعين في مشاركة النصارى أتراحهم وأحزانهم، مادحين كبيرهم الراحل بما أسداه للنصرانية والبشرية، مترحمين عليه، مستغفرين له، مشيعين لتابوته يقدمهم الصليب، شاهدين لشعائر أهل الكفر ومراسمهم، داعين متأسفين مشيدين به على روؤس الأشهاد وعبر وسائل الإعلام. وهم في ذلك ما بين مقل ومستكثر.
ولعله يحق لمتسائل أن يتساءل عن أسباب ذلك؟
أتراه الحرص على الأجر والمسابقة في النوافل؟ لا أظن أن يمثل هذا دافعاً لمن ينتسب إلى العلم فهؤلاء يعلمون أن غاية ما يقال في حكم تعزية الكافر بالكافر الجواز من حيث الأصل. على خلاف في المسألة فبعضهم كرهها وبعضهم منعها وبعضهم فَصّل فيها، وحري بمن كان دأبه الحدب على وحدة المسلمين أو اتفاق كلمتهم أن يخرج من هذا الخلاف بترك ما لايضيره تركه اتفاقاً. فإن زعموا مصالح متوهمة فقد زعم آخرون من المفاسد الظاهرة ضعفها. وإذا كان هذا الدافع منتفياً في حق منتسبي العلم فمن نافلة القول أن يصرح بانتفائه عن غيرهم.
فتشت فلم أجد سبباً إلاّ ما ذكره ابن عقيل في كلمته المشهورة بعد أن قرر وجوب هجران الكافر: "وإذا أردت أن تعلم مكان الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري -عليهما لعائن الله- ينظمان وينثران، هذا يقول حديث خرافة، والمعري يقول:
تلوا باطلاً وجلوا صارماً =وقالوا صدقنا فقلنا نعم!
يعني بالباطل كتاب الله عزوجل، عاشوا سنين وعُظّمت قبورهم، واشتُريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب" قال ابن مفلح بعد أن نقله: "وهذا المعنى قاله الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله" ثم قال: "وقال ابن تميم: وهجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم والمتظاهرين بالمعاصي، وترك السلام عليهم فرض كفاية، ومكروه لسائر الناس"[1].
وإذا كان هذا الدين البارد هو دين كثير من النخب العلمية والسياسية والإعلامية، فلا غرو أن يكون المسلمون في هذه الحالة.
وفيما ذُكر أنه من دعاء أنس رضي الله عنه قوله: "اللهم إني أعوذ بك أن أبقى في حُثَلٍ من الناس لاتبالي أغَلبوا أو غُلِبوا"[2]، ومن كانوا بمثل هذه الصفة فما أجدرهم بأن لايبالي الله بهم.
وكيف يكون الله نصيراً لأمة تجل وتمدح وترضى من فرض الله عليها البراءة منهم، وأي نصر للدين يرجى من تلك النخب التي لاتزال دائبة في مدارةٍ وملاطفةٍ لأعداء الله، تارة باسم المصلحة وإن خالفت النص! وأخرى تحت ستار سماحة الشريعة وكأن كل ما رأوه سماحة فينبغي أن تُلوث به الشريعة السمحة المنزلة من السماء! وثالثة لأجل بيان محاسن هذا الدين لأعدائه! ورابعة -ويا لفرط ذكائهم- أملاً في ممالأة بعض أهل الكتاب لنا على بعضهم الآخر..
مَنَّتْكَ نَفْسُك أمرا لا تُؤلفه =حتى تُؤلف بين الضبِّ والنُونِ
آلنونُ يهلك في بيداء مقفرةٍ؟ =والضبُ يهلك بين الماء والطين!
---------------------------------
أبلغ مُهَلْهَلَ عن بكرٍ مُغَلْغَلَةً =مَنَّتْكَ نَفْسُكَ منْ غَيٍّ أمَانِيها!
---------------------------------
أأنت تأمل من صخر الفلاة ندىً؟ =سبحان ربك إن الصخرأحجارُ!
أستغفرالله مالِيَ رُحتُ مُندفِعاً =يقودني نحوسوء الظنِ تيارُ
يا معشرالبؤساءِ امشوا على أملٍ =زاه تَبِنْ لكم في النَّشءِ أسرارُ
لئن يكن حظكم شالت نعامته =ففي شباب العُلا عطفٌ و إيثارُ
وإن يكن ليلكم طال الظلام به =فعندكم في سماء النَّشءِ أقمارُ
فحري بالدعاة والمربين تثبيت هذا النشء وتسديدهم وتعاهدهم وصيانتهم، فالأمل لايزال معقوداً بعد الله بهم، كما لم يزل مرتقباً في جموع العامة الذين لايزالون على الفطرة يستنكرون القبيح، ويرفضون المسارعة في الكفر إذ لايخشون دائرة متوهمة فالأمر يرونه واقعاً بهم، وكذلك الأمل معقود في كثير من العلماء العاملين، وفي شباب الصحوة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فهم قائمون باذلون لهذا الدين، لايضرهم خذلان من خذلهم بل هم على السنّة ثابتون ظاهرون منصورون، فحري بكل مسلم أن يلزم غرز هؤلاء، فإن عجز فعليه بخاصة نفسه وليدع أمر العامة وهذا هو جواب تبويب البخاري الذي رمز إليه عند ذكره حديث حذيفة رضي الله عنه. هذا والله أسأل أن يهدي ضالنا، ويصلح ساستنا وعلماءنا وإعلامنا، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
----------
[1] تنظر الآداب الشرعية لابن مفلح 1/238، وغذاء الألباب للسفاريني 1/270.
[2] غريب الحديث لابن قتيبة ص370.
===============
#موجات الهوس البابوي
حسام عبد القادر صالح*(2/1)
من الممكن أن يفهم المرء ـ من ناحية مهنية ـ الجوقة الإعلامية التي صاحبت رحيل بابا الفاتيكان يوحنا بولص الثاني؛ ومن الممكن فهم اهتمام دوائر الإعلام الغربية بالخبر ومجرياته ؛ ومن الممكن كذلك أن يتفهّم المرء- من ناحية مهنية أيضاً- أن يشغل خبر موت البابا مساحته الاعتيادية والمعقولة في إعلامنا العربي والإسلامي.لكن الأمر المحير الذي لا يمكن فهمه أو تفهمه- على الأقل- هو تلك الحالة المرضية من الهوس التي صاحبت مراسم وفاة البابا القديم وتنصيب آخر جديد.
لقد أفلحت الدوائر الكنيسة الغربية في جعل موت البابا حدثاً (درامياً) يقض مضاجع العالم, ونجحت كذلك في جرجرة الإعلام العربي - بصورة غريبة- لنقل ذلك الحدث (الحياتي) اليومي بشكل لصيق ومتابعة حثيثة.
وللأسف أخذ إعلامنا المحلي نصيبه الموفور من موجات الهوس الذي عمت العالم العربي, فامتلأت الصحف المحلية وعلى صفحاتها الأولى والأخيرة بصور البابا ومراسم التشييع والتنصيب.
وقد كان الظن أن تنتهي تلك الموجة برحيل البابا القديم لكننا نفاجأ بموجة أخرى جديدة مهووسة بالمراسم الخاصة بتنصيب البابا البديل كأنه بابا العالم لا بابا الفاتيكان. وغرق إعلامنا المحلي في نفس الموجة وهو يشهد بكل عيونه رحيل وطن ذو سيادة ووحدة وهوية اسمه السودان.
إن هذا المشهد الحزين لساحة الصحافة المحلية والعربية يعكس حالة الخواء الذي تعيشه العقليات القابعة خلف محركات الإعلام ويؤشر لتغلغل غربي وكنسي كبير في لُحمة نسيجنا القيمي والسلوكي الخاص.
إن الاجتياح( الاستعماري) لأي أمة من الأمم لا ينجح- بتفوق- إلا إذا ابتدأ بخلق حالة أُلفة مع الثقافة الوافدة بداية على مستوى المفاهيم والمصطلحات.لقد كان البعض ينزوي خجلاً ويلفه الغيظ إن ردد الإعلام وصف( المُلا) لكنه الآن يلوك بطرب لفظ( البابا).
إن الهزيمة على الأرض لا تبدأ بالانسحاب منها لكنها تبدأ بالانسحاب من الذات والارتماء في أحضان الآخر. وعندما تبدأ هذه الحالة في وطن، تغيب القضايا الداخلية الملحة ويصير الإعلام إحدى أسلحة الغزو.
================
#التنصير في غرب إفريقيا.. إتحاد السيف والصليب!!
إدريس جالو*
التنصير في غرب إفريقيا.. إتحاد السيف والصليب!! يخطئ من يظن أن الحرب بين الإسلام وأعدائه قد وضعت أوزارها، كما يكون مخطئا من يتصور أن أعداء الإسلام قد سكتوا عنه، بعد أن تحالفوا ضد أهله فغلبوهم، وقسموهم إلى أمم بعد أن كانوا أمة واحدة، فالحقيقة أن أعداء الإسلام يدبرون ليل نهار لمحاربته، ويعتقد المنصرون أن الإسلام هو العقبة القائمة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في إفريقيا، فقد قدم المنصرون في إفريقيا للتلاميذ في المدارس لاسيما في عهد الإستعمار مبادئ هدامة، وذلك لما يعلم المنصرون من خطر هذا الدين على مخططاتهم التي يرسمونها على أساس قتل معاني الإنسانية؛ حتى تموت مشاعر الناس ويضيع وجودهم، فالتنصير بدأ في غرب إفريقيا بمجيء الأوربيين اليها، وقد مرت عملية التنصير في تلك المنطقة بثلاث مراحل أساسية وهي كما يلي:-
المرحلة الأولى من (1445-1790) :
فهذه المرحلة بدأت على يد البرتغاليين، وهي أول دولة نالت إستقلالها في غرب أوربا، وبعد أن اكتملت وحدتها السياسية وضعت لها أهدافا للسيطرة على إفريقيا، ومن هنا بدأت في الكشوفات الجغرافية للاستفادة من الذهب الذي سمعت كثيرا بأنه يوجد في إفريقيا، وكذلك بجانب دافع التنصير؛ والذي كان هدفا هاما للقضاء على المسلمين في الأندلس وشمال إفريقيا، وقد اهتم (هنري الملاح) ولي عهد البرتغال بجمع المعلومات الجغرافية لبدء مرحلة الكشوف الجغرافية، كما وصف هذا الأمير بأنه كان كاثوليكيا متعصبا ومتحمسا لنشر النصرانية على المذهب الكاثوليكي.
كانت أوربا قد أحست بأن القضاء على المسلمين بعد الحروب الصليبية ليس بالأمر السهل، ولذلك فكرت بالسيطرة الإقتصادية والسياسية والعسكرية على المسلمين حتى تتمكن من هزيمتهم ونشر النصرانية بينهم، لذلك كان التنصير هدفا بارزا من أهداف الكشوفات الجغرافية.
وبناء على ذلك أصدر البابا في روما قرارا لدولة البرتغال بأن تبدأ مرحلة التنصير، وأنه على استعداد بأن يرسل مع كل سفينة مبشرين للقيام بهذه المهمة، ولذلك أخذت كل سفينة متجهة إلى غرب إفريقيا عددا من القسس لنشر المسيحية هناك، خاصة على المذهب الكاثوليكي، ومن هنا بدأ العمل التنصيري في غامبيا وغينيا بيساو وسيراليون وغيرها من مناطق غرب إفريقيا، وفي هذه المرحلة برزت عدة نتائج تميزت بخصائص أهمها:-1/ارتبطت البعثات التنصيرية بالنظام الملكي الحاكم في البرتغال، وهي تخرج بأمر الملك وتعتمد في تمويلها على الدولة.
2/ اعترض المنصرون عوائق اللغة والطقس والأمراض ومقاومة السكان لهم في كثير من الأحيان
3/ عدم استجابة القبائل الإفريقية للحملات التنصيرية بتعارضها مع ما يدينون به، كما أن الإنسان الإفريقي لم يرغب في النصرانية حيث نظر إليها على أنها ديانة الرجل الأبيض المتكبر، الذي يظن أنه أحسن منهم.
4/ كان الإسلام عائقا وسدا منيعا أمام حركة التنصير الصليبية؛ حيث أن الإسلام كان ثابت الأركان داخل القارة.
تميزت هذه الفترة باحتكار البرتغاليين للتنصير إلى أن دخل العنصر الإسباني الآخر، وبدأ دورهم التنصيري في منطقة غامبيا، ولكنهم لم ينجحوا في مهمتهم للأسباب المذكورة أعلاه، إضافة إلى مضايقات البرتغاليين لهم؛ إذ اعتبروهم جواسيس وأنهم لم يأتوا للتنصير وإنما لأسباب أخرى، وعندما شعر البابا بخطورة الخلاف بين الدولتين أصدر قرارا بابويا بأن ينحصر نشاط البرتغال التنصيري فى شرق المحيط الأطلسي، وأن ينحصر النشاط الإسباني في غرب المحيط الأطلسي.
وهذه المرحلة لازمها الفشل في غرب إفريقيا على الرغم من طول الفترة.
المر حلة الثانية1790-1840م:(2/2)
تميزت هذه المرحلة بدخول منافسين آخرين غلب عليهم المذهب البروتستانتي، وقد شهدت الفترة دخول أمريكا في هذا المجال، كما شهد القرن الثامن عشر في أوربا ازدياد النقد على تجارة الرق، وظهرت طائفة تدعو إلى إبطال هذه التجارة، كما أن الثورة الصناعية أدت إلى اختراع آلات حديثة لا تحتاج إلى أيد عاملة؛ مما أدى إلى تفشي العطالة بين ذوي الأصول الإفريقية، ورآهم الأروبيون بأنهم يشكلون خطرا على أمن المجتمع، ولذلك جاءت الدعوة لتحرير الرقيق، كما ظهرت جمعية الأصدقاء؛ ومن أبرز أعضائها قرنبل شارب، وتوماس كلاركسون؛ وقاد هؤلاء حملة من داخل البرلمان البريطاني تنادي بإلغاء تجارة الرقيق، وقد أفلحوا في حمل البرلمان البريطاني على إصدار قرار سنة 1807م بتحرير الرق في بريطانيا، إذاً؛ نتيجة لتفشي العطالة وخاصة بين ذوي الأصول الإفريقية، وحلاً لهذه المشكلة؛ ظهرت فكرة إعادتهم إلى أوطانهم في غرب إفريقيا، وقد ساندت الكنيسة هذه الفكرة التي كانت تدعو لها جمعية الأصدقاء، وفي نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر كانت أهم الإرساليات التي أرسلت إلى غرب إفريقيا تشمل الجمعيات التالية:- الجمعية اللندنية التنصيرية، الجمعية الكنسية التنصيرية، جمعية الكتاب المقدس البريطانية وغيرها من الجمعيات التي انطلقت من الجامعات في غرب إفريقيا، وقد نشاط هذه الإرساليات إلى مناطق الأرقاء، وفي سنة 1787م وصل إلى سيراليون مجموعة 350 من الأرقاء المحررين ومعهم قسس من جمعية الكتاب المقدس، وأنشئوا مدينة خاصة بهم في سيراليون تسمى مدينة قرانفيل التي استبدل فيما بعد إلى مدينة فريتاون، كما استمدت الكنيسة قوتها التبشيرية من هؤلاء المحررين الغرباء؛ حيث كانوا غريبين في طباعهم ونظام حياتهم ولغتهم عن مجتمع سيراليون المحلي، ولذلك لم يستطيعوا الإندماج في ذلك المجتمع، فكان العائد التنصيري حينئذ -بهذا السبب ول-بغيره خاصة تمكن الإسلام- في داخل سيراليون ضعيفا جدا.
المرحلة الثالثة:- 1840-1890م :
وتميزت هذه المرحلة بخاصية قيام الكنائس الإفريقية المستقلة المعتمدة على نفسها في الإدارة والتنظيم، حيث وضح أن الكنيسة الأوربية المعتمدة على القساوسة البيض لا يمكن أن تنجح في تنصير الأفا رقة لاختلاف البيئة واللغة، ولعدم تحمل البيض الطقس، ومن هذا المنطلق فكرت الإرساليات المسيحية في قيام كنائس وإرساليات إفريقية ذات منهج إفريقي يدار بالأفارقة ويرتقي بمستواهم التنصيري، ذلك أن الأفارقة هم أنسب من يقوم بهذا العمل، وقد شملت هذه التجربة كل إفريقيا، وهنا سنذكر ثلاث تجارب في مناطق غرب إفريقيا كأمثلة وليس للحصر وهي:-
سيراليون:-
بدأت الكنيسة الإنجليزية البروتستانتية هذا العمل في سيراليون؛ حيث بدأت في تدريب المنصرين الأفارقة، كما استعانت الكنيسة بطبقة الكريول؛ وهم المحررين من الرقيق المذكور آنفا لتنفيذ هذه المهمة، وتغير الأسلوب بأن أدخلت الكنيسة نظام التعليم المدني الحديث بجانب تعليم الإرساليات الأساسي، وكان الهدف من ذلك هو رفع مستوى الأفارقة المنصرين اجتماعيا وثقافيا وماديا، ورغم كل هذه الجهود فقد كان الفشل نصيبهم بفضل الإسلام، وخاصة في مجال التعليم؛ حيث حرص المسلمون على تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن منذ الصغر قبل مجيء هؤلاء المنصرين، ولكن سيراليون اليوم تعتبر مركزا لهذه الإرساليات استغلالا للحالة التي تمر بها سيراليون، ويأتي على رأس هذه المنظمات منظمة (ايه-ام-اس) البروتستانتية؛ والتي لها نشاط واسع في العا صمة فريتاون وضواحيها، وتمتلك عددا كبيرا من المدارس والمستشفيات العامة والمتخصصة في مجالات الإعا قة والطب البديل والرمد، كما يوجد نشاط واسع لمنظمات "الميوديست" التي تتركز في الإقليم الجنوبي الشرقي، وإرساليات (اس-دي- اي) فضلا عن النشاط المحموم لمنظمة شهود يهوه؛ التي تستطيع بإمكانياتها المالية الوصول إلى المناطق النائية التي لا يستطيع نظراؤها الوصول إليها، كما تستغل غياب الأزواج المسلمين عن منازلهم في وقت الدوام الرسمي مستغلة حالة الفقر والأمية لدى الزوجات لإغرائهن بمزايا التنصير عبر توزيع الهدايا والأطعمة والسلع الأساسية عليهن، مرفقة بمجلات وصلبان، وكذلك مجلات تنصيرية شهرية ويومية مثل اليقظة وبرج المراقبة.
ليبيريا:-
السياسة التي اتبعتها الكنائس الإنجليزية طبقت في ليبيريا، ولكن قامت هنا الكنائس الأمريكية حيث اضطلعت تلك الكنيسة بالدور الأعظم في هذا المجال وذلك بإنشاء إرساليات كثيرة بالعمل التنصيري في غرب إفريقيا، فقد أرسلت الكنيسة الأمريكية كوادر من ذوي الأصول الإفريقية والذين تخرجوا كقساوسة أرسلتهم الكنيسة إلى ليبيريا لينشئوا الكنائس وليقوموا بالمهام التنصيرية، وقد وجدوا أرضا صالحة لأداء مهمتهم والمتمثلة في الذين جيء بهم من أمريكا ليصبحوا جزءا من المجتمع في ليبيريا في مرحلة سابقة، فقد نجح التنصير في تلك الفترة في ليبيريا أكثر من سيراليون وذلك للأسباب التالية:
1/ لم يكن وجود الإسلام في ليبيريا كمستوى سيراليون.
2/ كان عمال المنطقة أغلبهم من الزنوج الأمريكان الوافدين من أمريكا، وهم أساسا ذوي الأصول الإفريقية، وقد استفادت الكنيسة من هؤلاء في مهمة التنصير.
نيجيريا:-
كانت نيجيريا مهدا للدعوة الإسلامية حيث قامت فيها إمارات إسلامية، ثم قامت فيما بعد امبراطورية "سكتو" الإسلامية على يد الشيخ المجاهد عثمان دانفوديو؛ في الفترة ما بين 1803-1940م، ثم بدأت الحركة التنصيرية في منتصف القرن التاسع عشر في منطقة بيافرا؛ مناطق قبيلة الإيبو؛ حيث نشطت حركة التنصير بعودة بعض المحررين من الأرقاء من منطقة سيراليون ووصولهم إلى منطقة بيافرا، حيث عاد هؤلاء إلى وطنهم الأصلي في منطقة دلتا نهر النيجر، وهناك عملوا على إحياء النشاط التنصيري، وقد تركز ذلك النشاط بصورة خاصة في مدينة "ابياكوتا" النيجيرية، وكان عدد سكانها أربعين ألف نسمة وتقع في وسط قبائل يوربا، حيث أصبحت مركزا للتنصير بذهاب معظم المحررين إليها، ومن أهم الذين وفدوا إلى "ابياكوتا" القس النيجيري صمويل كرواثر؛ ولعل قصة حياته ونشاطه في نشر المسيحية في نيجيريا تمثل أكبر نجاح حققته الحركة التنصيرية في غرب إفريقيا، أما هؤلاء المحررين فقد تم تدريبهم وتعيينهم في سيراليون؛ ثم تدرجوا في المناصب الكنسية رفيعة حتى وصل بعضهم إلى منصب أسقف، واستطاعت الكنيسة في تلك المنطقة إنشاء مدارس إرساليات لتعليم الأطفال المسيحية، كما أنشأت معاهد صناعية ليكسب أهل المنطقة المعارف الصناعية مما أدى الى دعاية واضحة للتنصير؛ والتي كان أهلها وثنيين، وهذا النشاط توقف في أوائل الستينات من القرن التاسع عشر بسبب نشوب حرب أهلية في المنطقة، ونتيجة لتلك الحروب تحرك صمويل من أبياكوتا إلى لاغوس سنة 1865م، ومن ثم أصبحت لاغوس المركز الرئيسي للكنيسة، ونتيجة للنجاح الذي حققه صمويل فقد قسمت نيجيريا إلى أغلبية مسلمة في الوسط والشمال وأقلية مسيحية ووثنية في الجنوب، وفي أواخر القرن التاسع عشر اتجه الإنجليز شمالا لمحاربة الدولة الإسلامية الكبرى التي أسسها الشيخ عثمان دانفوديو منذ أوائا القرن التاسع عشر، وفعلا استطاع الإنجليز الاستيلاء على هذه الدولة؛ وأنشئوا نيجيريا الحالية بحدود المعروفة الآن عام 1903م.(2/3)
وهذا كله جزء يسير من العمل التنصيري في منطقة غرب إفريقيا التي دخلها الإسلام منذ فجره الأول ، وهو -النشاط التنصيري- كذلك مع بقية دول المنطقة؛ حيث وضعت لبعض الدول خططا خاصة بهم، وهذا كله يتطلب من المسلمين الاستيقاظ للدفاع عن دينهم الحنيف في وجه حركة التنصير الشرسة التي تواجهها المنطقة منذ أمد طويل.
================
#مبروك .. قداسة البابا حامل
قصة البابا جون في كتاب
لم تنشغل وسائل الإعلام لانهيار النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية في أوروبا الشرقية كما انشغلت بالتعليق والتخمين حول من سيشغل منصب البابا الحساس؟ ومن سيكون البابا الجديد؟
كما نقلت تفاصيل كثيرة حول كيفية تنصيب البابا الجديد، والمراسيم المتبعة في هذا الخصوص، وهي المراسيم التي يطلق عليها اسم "مراسيم لبس الخاتم" أي مراسيم التنصيب.
لقد تم ذكر كل هذه التفاصيل، ولكنها أهملت ذكر أحد مراسيم التنصيب، فلم يرد ذكره في وسائل الإعلام المرئية أو المقروءة أو المسموعة، وربما كان لهم الحق بالنظر إلى التأثير السلبي الذي يمكن أن يتسبب به للجماهير المسيحية.
الذكورة شرط للباباوية:
والآن لنشرح الموضوع بإيجاز:
إن من الشروط التي يجب توفرها في البابا أن يكون رجلاً، فلا يجوز نصب امرأة في هذا المنصب الديني الرفيع؛ لذا يجب التأكد من هذا الأمر تماماً، ولكن الغريب في هذا الأمر هو طريقة التأكد من رجولة البابا الجديد، فهي طريقة قديمة ترجع إلى العصور الوسطى، ولكنها بقيت دون تغيير، واستمرت إلى يومنا الحالي، حيث يجلس المرشح لمنصب الباباوية على كرسي توجد في وسطه فتحة دائرية، ويتخفف من ملابسه الداخلية، ويأتي شخص آخر من خلفه، ويمد يده من خلال الفتحة ليفحص ويتأكد أن البابا الجديد رجل ويملك خصيتين ويقول: (Duo testis bene bondeta) أي: "إنه يملك خصيتين فهو ملائم".
ولكن ما الداعي لهذا الفحص؟
لأن للفاتيكان تجربة تاريخية مرة حول هذا الموضوع، أو بالأصح هناك فضيحة تاريخية عاشتها الفاتيكان، ولا تريد أن تتكرر مرة أخرى، لقد قامت امرأة بخداع الفاتيكان، وتقلدت منصب البابا مدة عامين ونصف تقريباً، وخدعت جميع المنتسبين في الفاتيكان واستغفلتهم، ولم يفتضح أمرها إلا عندما أنجبت وليداً غير شرعي!!.
فمَن هذه المرأة التي تجرأت ونجحت في الوصول إلى منصب الباباوية؟ وكيف انكشف أمرها؟
اسمها جون John، وكانت ابنة عائلة إنجليزية تعيش في ألمانيا، وكان رب العائلة يعمل في مؤسسة دينية مبشراً (أي منصرّاً)، كان القريبون منها ينادونها بـ(كلبيتا Gilbetta)، وأحياناً (جوتا Jutta).
وعندما بلغت هذه الصبية 12 عاماً بدأت تلبس ملابس الصبيان، وتتشبه بهم، وتتصرف مثلهم، أي أنها بدأت تسترجل في تصرفاتها، وعندما أصبحت شابة قامت بدراسة الفلسفة واللاهوت في مدينة "أثينا" في اليونان، ثم قررت الرحيل إلى روما.
وهناك تدرجت في السلك الكنسي، وترقت واستطاعت عقد صداقات وارتباطات قوية مع منتسبي السلك الكنسي، ومع كرادلة الفاتيكان ولكن على أساس أنها رجل، فقد كانت - كما ذكرنا من قبل - تلبس ملابس الرجال، وتتصرف مثلهم، ولا يشك أحد أنها رجل من رجال الدين، واستطاعت بلباقتها ومهارتها، واتصالاتها والصداقات التي عقدتها الترشح لمنصب البابا بعد وفاة البابا "ليو الرابع" عام 853م، وأن تفوز فعلاً بهذا المنصب الخطير، واتخذت اسم "جون الثامن" لقباً لها، واستمرت في هذا المنصب عامين وخمسة أشهر وأربعة أيام حتى انكشف أمرها، ولاقت مصيراً مرعباً.
انكشاف الأمر بطريقة دراماتيكية:
لقد كانت حاملاً، واستطاعت طوال أشهر الحمل وحتى ساعة الولادة أن تخفي حملها بلبس الملابس الواسعة الفضفاضة، ولكن جاء موعد الولادة وهي وسط الشارع في طريقها لأحد المراسيم الدينية، والكرادلة يحفون بها.
أجل! في وسط الشارع، والكرادلة يحفون من حولها، ولدت البابا وهي تطلق صراخات ألم الولادة.
كانت مفاجأة لم يكن باستطاعة أحد توقعها أو حتى التصديق بها بسهولة.
أجل .. ولدت البابا في وسط الشارع طفلة، ومرت فترة لم يفهم فيها رجال الدين والكرادلة ماذا حدث، فقد كان ما جرى خارج تصديق العقول. ولكن ما أن زال أثر المفاجأة، وتخلصوا من ذهولهم، وفهموا ما يحدث أمامهم؛ حتى هجم الكرادلة على البابا، وعلى وليدها، وقتلوهما بوحشية رجماً بالحجارة، ودفنوهما في المكان نفسه، ووضعوا شاهداً من المرمر، وتمثالاً يصور امرأة وفي حضنها طفلة على قبرها لكي يبقى هذا شاهداً على هذه الحادثة.
التخلص من آثار الفضيحة:
بقي الشاهد والتمثال عدة عصور حتى مجيء البابا "بيوس الخامس" أواخر القرن السادس عشر، حيث أمر بإزالة الشاهد والتمثال، ثم أمر بإزالة كل ما يتعلق بها في أرشيف الفاتيكان، كما أزالوا اسمها من قائمة أسماء الباباوات السابقين، أرادوا دفعها إلى زوايا النسيان، ولكن كتب التاريخ احتفظت بقصة حياتها، ونهايتها المفجعة.
أما من كان والد طفلتها فقد اختلف حوله المؤرخون، فقد ذكر بعضهم أنه كان أحد حراسها، بينما ذكر آخرون بأنه كان ابن إمبراطور روما آنذاك.
لقد أحدثت هذه الحادثة هزة في الفاتيكان آنذاك، لذا قرر الكرادلة وجوب اتخاذ كل التدابير الكفيلة بعدم تكرارها، فكان أن وضعوا فحص رجولة البابا الجديد بالشكل البدائي الذي شرحناه، والذي هو من بقايا مراسم العصور الوسطى.
هناك الآن العشرات من المواقع المسيحية - ولاسيما الكاثوليكية منها - تنكر وقوع هذه الحادثة بشدة، وتقول بأنها أسطورة ملفقة منذ 1200 سنة، ولكن قام بعض رجال الدين المسيحي بذكر هذه الحادثة، وتأكيد وقوعها.
وكان أول من سجل هذه الحادثة حسب علمنا هو الراهب "مارتينوس سكوتس Martinus Scotus" الذي عاش في القرن الحادي عشر، كما قام "سيكبرت Siegebert" بإيراد هذه الحادثة في القرن الثاني عشر، وكان من المؤرخين المختصين بتاريخ الكنيسة، وبعد قرن واحد قام المؤرخ "مارتينوس بولونوس Martinus Polonus" بتسجيل هذه الحادثة أيضاً، وبجميع تفاصيلها في كتابه "تاريخ الأباطرة والباباوات Cronikon Pontificum en Imperatum".
وبعد 17 سنة من حادثة رجم البابا اختار البابا الجديد اسم "جون التاسع"، ولكنه تراجع عن هذا الاختيار حيث سيبقى رقم ثمانية فارغاً، بعد أن مسحت الفاتيكان اسم البابا المرجوم "جون الثامن" من سجلاتها، فاختار اسم "جون الثامن" لتفادي هذه الفضيحة، وطمسها من تاريخ الفاتيكان.
______________________________________
للاستزادة حول الموضوع يرجع لمقالة المؤرخ التركي "مراد بارداكجي في جريدة" حريت" 38بتاريخ 3/4/2005م.
المصدرhttp://www.sbeelalislam.net/index.ph...2676&Itemid=38
http://www.ebnmaryam.com:المصدر
==============
#عودة رحلات البابا
د. محمد يحيى
30/4/1428هـ(2/4)
في أول رحلة إلى أمريكا الجنوبية لبابا الفاتيكان الجديد بنديكت السادس عشر وصل إلى البرازيل وسط حفاوة وتغطية إعلامية تذكرنا برحلات البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، وحشدت له هناك - كما هي العادة مع البابا الراحل - أعداد هائلة من الجماهير في كل المناسبات التي حضرها، بينما ملأت الاحتفالات كل الأمكنة، واستغلت الكنيسة الفرصة لتقوم بنشاطات واسعة النطاق، وكان من أبرز تصريحات البابا قوله: إنه سيعيد بناء الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا الجنوبية، وهو تصريح له أهميته البالغة على أكثر من صعيد، فهو يوحي بأن فورة النشاط السياسي الذي كانت تمارسه الكنيسة الكاثوليكية في عهد البابا الراحل سوف تستمر، لأن البابا بنديكت عندما يتحدث عن إعادة بناء الكنيسة فهو لا يتحدث عن إعادة بناء كنائس تهدمت، أو إعادة هياكل تنظيمية دب فيها الاضطراب، وإنما يتحدث بالأساس عن تنشيط لدور الكنيسة ليس في المجالات الطقسية الدعوية المعتادة؛ وإنما في المجال الحياتي العام بأبعاده الاجتماعية والسياسية، وهو يقصد هذا المجال بالتحديد لأنه هو الذي تعرض ويتعرض الآن إلى تحديات ومطالب عديدة.
وأبرز هذه التحديات هو التقدم الكبير الذي تحققه الكنائس البروتستانتية القادمة من أمريكا الشمالية على حساب الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا الجنوبية (كما تفعل هي في روسيا، وأوروبا الشرقية؛ على حساب الكنائس الأرثوذكسية) في مجال كسب الأتباع، والنشاط التبشيري، وسط بروز إعلامي كبير، وباستخدام الأدوات الفعالة في الدعاية.
ويشعر البابا الحالي وكنيسته بخطورة هذا التحدي في منطقة كانت تعد تقليدياً مقصورة على الكنيسة الكاثوليكية، لكن إعادة بسط سيطرة الكنيسة الكاثوليكية على أمريكا الجنوبية باعتبارها الكنيسة الوحيدة أو على الأقل الأكبر هناك هو أمر ينطوي على تعقيد آخر، فالكنائس البروتستانتية العاملة هناك تحظى بدعم سياسي كبير من جانب الولايات المتحدة، ودوائرها السياسية والمدنية؛ ليس على الأساس العقائدي والمذهبي وحده، وإنما على أساس أن هذه الكنائس سوف تعمل على رد الجميل بمساعدة السياسة الأمريكية في وجه التيارات اليسارية الجديدة الصاعدة في أنحاء القارة الأمريكية الجنوبية، والتي عبّرت عن نفسها في أمكنة مثل فنزويلا وغيرها، ومن خلال سياسات كتأميم البترول، ومخالفة سياسات أمريكا الخارجية؛ لاسيما في مجالات الاقتصاد والعولمة، والسيطرة على الموارد الطبيعية وغير ذلك.
ووسط هذا السياق يأتي تدخل البابا وهو رئيس الكنيسة الكاثوليكية لكي يحاول استعادة أوضاع كنيسته من خلال العودة إلى ما كان يحدث في الثمانينيات وما قبلها في القرن العشرين، عندما كانت الكنيسة الكاثوليكية هي التي تلعب نفس الدور المساعد للسياسة الأمريكية ليس فقط في مواجهة الحركات اليسارية والثورية المسلحة في ذلك الوقت؛ وإنما أساساً في وجه حركات ثائرة داخل الكنيسة الكاثوليكية نفسها، سعت إلى التحالف مع اليسار الثوري في ذلك الوقت تحت مسمى لاهوت التحرر، ويبدو أن البابا بنديكت يريد إعادة إحياء هذا الدور مرة أخرى، وإعادة إحياء التعاون مع السياسة الأمريكية في أمريكا الجنوبية، أو إعادة التأكيد عليه في محاولة للالتفاف حول تصاعد أوضاع ووجود وأحجام التيارات البروتستانتية الواردة إلى القارة في ظل مساعدة ضخمة من أمريكا الشمالية.
غير أن البابا في محاولته المعلنة لإعادة بناء الكنيسة لا يستهدف فقط مواجهة المنافسين من جانب الكنائس البروتستانتية، وإنما كذلك تثبيت أوضاع ووجود الكنيسة الكاثوليكية ذاتها في وجه التطورات في القارة التي تجعلها بعيدة الصلة عن الأحداث، ومعزولة عن الحياة العامة للمجتمع هناك بسبب الضعف، وعدم القدرة على المواكبة، وعدم القدرة على طرح رؤى ومشاريع وأفكار تلبي احتياجات الواقع الأمريكي اللاتيني.
إن حديث البابا بنديكت عن إعادة بناء الكنيسة يستهدف بالتحديد هذا الخطر المحدق بكيان الكنيسة ذاتها، والذي لا يأتي من الكنائس البروتستانتية؛ وإنما من جانب قوى سياسية صاعدة ليست في شكل حركات تمرد، وثورة، وعنف؛ يمكن محاصرتها، ووضعها بالهامشية، وإنما في شكل حركات سياسية واجتماعية حاشدة تدخل اللعبة السياسية من خلال الانتخابات، وتحوز ثقة المجتمع، وهذا التحدي بالذات لا تستطيع الكنيسة الكاثوليكية مواجهته بسهولة كما فعلت منذ أكثر من ربع قرن مع لاهوت التحرر، ومع الحركات الثورية اليسارية، أو مع ما يمكن أن تفعله مع تحدي التبشير البروتستانتي الذي تستطيع مواجهته بنوع من الالتفاف، واستغلال الانتهازية التي تتسم بها السياسة الخارجية الأمريكية.(2/5)
إن الخطر الجديد يستدعي بالفعل أن يزور البابا أمريكا الجنوبية بدءاً من أهم وأكبر بلدانها كما يستدعي كذلك أن يتحدث عن إعادة بناء الكنيسة هناك، إن التهديد الذي يمثله الفكر اليساري الجديد في أمريكا الجنوبية لا يهدد فقط أوضاع الكنيسة الكاثوليكية هناك من حيث احتكارها التقليدي لمعظم مساحة العمل الاجتماعي، وإنما أصبح الآن يهدد العالم الغربي بأسره، وبالذات حركة العولمة، لقد اعتاد الغرب على النظر إلى أمريكا الجنوبية باعتبارها الفناء الخلفي له وبالتحديد لأمريكا، وكلما كانت تقوم هناك حركات ثورية كان الغرب يعمل بسرعة على احتوائها، وعزلها عن بقية ما كان يعرف بالعالم الثالث، وكان مما يسهل هذه المهمة أن تلك الحركات باتخاذها الشكل الثوري العنيف وبراوبطها الفكرية والحركية مع الشيوعية الدولية والكتلة الشرقية في ذلك الوقت كانت تجعل المهمة الغربية محسومة لصالح الغرب لأنها ألقت بالشكوك حول نفسها، وأبعدت عنها الكثير من الحلفاء المحتملين في أرجاء العالم الثالث - ولاسيما في العالم العربي والإسلامي -، أما الحركات الراديكالية أو الاشتراكية الجديدة في أمريكا الجنوبية فهي تتجنب كل هذه العيوب بطبيعة الحال، فهي ليست شيوعية أو ماركسية التوجه، بل توجهها قوى وطنية تصب في مصلحة شعوبها، وهي ليست حركات أقليات تتبنى العنف والتطرف، وتعمل بعزلة عن الشعوب، وتشتبك مع الحكومات؛ بل هي ذاتها ممثلة الشعوب بالطريق الديمقراطي، وتعمل بالسياسة من خلال الحكومات، وأفكار هذه الحركات أو الأحزاب تبعد عن التطرف الفكري ومصادمة العقائد الدينية والمبادئ الأخلاقية والتقاليد الاجتماعية كما كان الحال مع الفرق الثورية في منتصف القرن الماضي وما أعقبه، كما أن محتواها الفكري ينصب على نقد حركة العولمة التي تقودها أمريكا والغرب من منطلق الحفاظ على مصالح بل حتى وجود كل شعوب الأرض، ولا تصدر في ذلك عن منطلق أيديولوجي ضيّق بل هي مستعدة للتعاون مع سائر الشعوب والتيارات الفكرية، وقد ظهر هذا جلياً في قيام الحكومات المعبرة عن هذه التيارات بالاتصال والتنسيق مع بلاد كثيرة في أوروبا الشرقية، وروسيا، والصين، والمنطقة العربية والعالم الإسلامي، وجنوب ووسط آسيا في محاولة للخروج من العزلة الإقليمية التي كان الغرب وأمريكا يضربانها دوماً على أمريكا الجنوبية، وقد أدت هذه المحاولات إلى تدعيم القوى الاستقلالية المواجهة للعولمة، وهنا يأتي رد البابا الذي ينظر إلى الكنيسة الكاثوليكية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لعقيدة الغرب الدينية ولثقافته وحضارته بقيمها وعلى رأسها العولمة التي تعني هيمنة ذلك الغرب على العالم ومعه مذهبه المسيحي، وكأن البابا يفعل هذا كله ومعه إسقاط العلمانية في الغرب بجعل الكاثوليكية هي تجسيد الغرب، والتعبير عن ثقافته وهويته؛ وذلك من خلال الدعوة إعادة بناء الكنيسة في أمريكا الجنوبية.
http://www.almoslim.net:المصدر
================
#لا أحد يريد بابا الفاتيكان في تركيا
إسماعيل ياشا
28- 11- 2006
تظاهر الأحد الماضي عشرات الآلاف من الأتراك في أحد ميادين إسطنبول احتجاجاً على زيارة بابا الفاتيكان، داعين البابا "الجاهل" - حسب تعبيرهم - إلى الاعتذار عن تصريحاته المسيئة للإسلام، ونبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم -، أو إلغاء زيارته لتركيا، ليس هؤلاء فقط الذين تجمعوا تلبية لدعوة حزب السعادة إلى المظاهرة لا يريدون أن يروا بابا الفاتيكان في تركيا بل الجميع لا يريده.
الإسلاميون لا يريدون بابا الفاتيكان في تركيا لإساءته إلى النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنه لم يقدم اعتذاراً صريحاً لهذه الإساءة؛ فقد تجمع مليون تركي في الميدان نفسه وقتذاك للتنديد بتلك التصريحات، لا يريدونه لأنهم يرونه متواطئاً مع اليمينيين الجدد الذين أعلنوا الحرب على الإسلام باسم محاربة "الإرهاب"، وأنه يسعى بهذه الزيارة إلى توحيد الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية في مواجهة الإسلام.
القوميون والوطنيون لا يريدون رؤية بابا الفاتيكان لمواقفه المعادية لتركيا، وتصريحاته ضد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، كما أنهم يعتقدون أن زيارة البابا لمقر البطريركية الأرثوذكسية في اسطنبول تستهدف سيادة البلد لأنها ستكسب البطريرك الأرثوذكسي وكنيسته صفة عالمية مثل البابا والفاتيكان، بينما تعتبره أنقرة مواطناً عادياً.
والعلمانيون واليساريون يشاركون القوميين والوطنيين في استيائهم من زيارة بنديكتوس السادس عشر لهذه الأسباب، ولكن لديهم سبب آخر أيضاً يجعلهم لا يريدون بابا الفاتيكان في تركيا وهو خوفهم من إقامة البابا صلاة في متحف آيا صوفيا الذي كان أكبر كنسية للبيزنطيين قبل أن يحولها فتح السلطان محمد الفاتح إلى جامع، ثم حولتها الجمهورية التركية إلى متحف أثري، إذ يرون أن إقامة بابا الفاتيكان شعائر دينية في آيا صوفيا ستعطي حجة للإسلاميين المطالبين منذ زمن بعيد بتحويل آيا صوفيا إلى جامع يصلي فيه المسلمون.
رئيس الجمهورية والجيش التركي لا يريدان رؤيته في تركيا لهذا السبب أو ذاك، ولكن الرجل فرض نفسه عندما أعلن بأنه سيتوجه إلى تركيا في نوفمبر 2005 تلبية لدعوة البطريرك الأرثوذكسي بارتاليميوس، الأمر الذي جعل رئيس الجمهورية التركي مضطراً لتوجيه دعوة إليه من رئيس دولة إلى رئيس دولة الفاتيكان، غير أن الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر أجل موعد الزيارة إلى نوفمبر 2006 أي بعد سنة تعبيراً عن استياء رسمي من زيارته.
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية التركي عبد الله غول وحتى رئيس بلدية إسطنبول قدير طوبباش لن يكونوا في تركيا أثناء زيارة بنديكتوس السادس عشر، مفضلين برامجهم في الخارج على لقاء البابا الألماني، ولكن أحداً ما أقنع أردوغان على ما يبدو بأنه لا بد أن يلتقي البابا، فأدرج في برنامج البابا في اللحظة الأخيرة اللقاء مع أردوغان في مطار أنقرة قبيل سفره إلى ريغا للمشاركة في قمة الناتو.
وقد كتبت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية قبل يومين أن الشرطة التركية ألقت القبض في إسطنبول على مجموعة كانوا على استعداد لاغتيال البابا أثناء زيارته، ولكنها لم تذكر ما إذا كانوا هم من الأتراك، أو جاؤوا من خارج البلاد، ولم يصدر من الشرطة التركية أي تعليق على هذا الخبر، ولكن هناك مخاوف حقيقية في تركيا من اغتيال البابا من قبل المخابرات الأجنبية لإشعال الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، أو إعاقة انضمام تركيا على الاتحاد الأوروبي، وأكدت وسائل إعلام مرافقة لزيارة بابا الفاتيكان إلى تركيا أن عناصر من جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" ستشارك في حماية وحراسة البابا خلال زيارته.
ينتظر بنديكتوس السادس عشر في تركيا استقبالاً بارداً حيث لن يستقبله لا في أنقرة ولا في إسطنبول أي حشد شعبي كما اعتاده، ولا شك أن المسئولين الأتراك سيبذلون جهوداً كبيرة لكي لا يصاب بابا الفاتيكان بأي أذى أثناء وجوده في تركيا، لأن أنظار العالم متجهة إلى تركيا بسبب هذه الزيارة غير المرغوبة.
http://www.alasr.ws:المصدر
============
#بعد سقطات بابا الفاتيكان إعلان وفاة لجان حوارات الأديان
جمال عرفة
10/9/1427هـ
- أزهريون: أكاذيب "بنديكت" كشفت نظرة الفاتيكان الاستعلائية للمسلمين، وعدم قناعته بفكرة الحوار.
- لجنة الأديان بالأزهر تجمد الحوار مع الفاتيكان حتى يعتذر "بنديكت"، وشيخ الأزهر يؤكد استمراره؟(2/6)
- معارضو الحوار: غير مفيد وخادع، واستفاد منه الفاتيكان في التبشير!
- طنطاوي: مستعدون للحوار حتى مع "الشيطان" نفسه، لأن عقيدة المسلم صلبة وسليمة لذلك لا يتأثر بالحوار مع أحد
- أعضاء لجان الحوار: جلسات الحوار السابقة غير مفيدة، ومندوب الفاتيكان فيها "متعصب".
قال علماء أزهريون: إن سقطات البابا بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان قد كشفت بوضوح عن نظرة الفاتيكان الاستعلائية للمسلمين، وعدم قناعته بفكرة الحوار معهم باعتبار أن دينهم (حسبما قال البابا) انتشر بالسيف، وأنهم لا يعرفون "الكلمة" - أي لغة الحوار -، ولا يتحاورون سوى بالقوة، بيد أنهم كشفوا عن خلاف داخل الأزهر بين أعضاء لجنة الحوار من جهة و(شيخ الأزهر) د. سيد طنطاوي بشأن إعلان وفاة هذا الحوار رسمياً رغم وأده عملياً.
وتزامن هذا مع كشف بعض هؤلاء العلماء ممن سبق لهم المشاركة في عدة جلسات لحوار الأديان هذا عن أن هناك عوائق كانت تعرقل عمل هذه اللجنة في الآونة الأخيرة من بينها تشدد الطرف الكاثوليكي، وتعصب رئيس وفد الفاتيكان في الحوارات، وعدم الاستفادة من هذه الحوارات في تحقيق إنجاز حقيقي خصوصاً في ظل عدم وجود تجانس أو هدف محدد للوفد الإسلامي بعكس الوفود المسيحية الأخرى، فضلاً عن تركيز وفد الفاتيكان على العقائد رغم الاتفاق مسبقاً على ما يجمع الأديان لا ما يفرقها.
وكشف بعضهم عن أن هذه الخلافات - وضمنها خلافات بين شيخ الأزهر وأعضاء لجنة الحوار السابقة -، وعدم وجود ميزانية لهذه اللجنة كانت وراء تصفية لجنة الحوار السابقة التابعة للأزهر، وتشكيل لجنة أخرى حيث غضب العديد من أعضاء الجنة السابقة من إدارة الحوار بشكل غير مفيد، وعدم التصدي لتعصب الوفد الفاتيكاني بسبب رغبة شيخ الأزهر في الإبقاء على جوهر الحوار، ما أدى لتقديمهم استقالاتهم في مارس 2006، ودفع اللجنة الجديدة الحالية لتجميد الحوار مع الفاتيكان عقب تصريحات البابا الأخيرة.
تجميد الحوار.. استمرار الحوار!؟
ورغم أن لجنة الحوار الجديدة بين الأديان التابعة للأزهر الشريف، والتي تضم ستة أعضاء برئاسة الشيخ عمر الديب (وكيل الأزهر)؛ قررت تجميد الحوار السنوي الذي كان يعقد في فبراير من كل عام بالتناوب بين الأزهر والفاتيكان إلى أجل غير مسمى، وقال الشيخ "الديب" أنه هذا تقرر "لحين صدور اعتذار واضح من بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر عن إهانته للإسلام ونبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم -"، فقد أكد الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر أن سقطة بابا الفاتيكان التي تنم عن جهل في حق الإسلام والرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - "لن توقف حوار الأديان"!!.
وظهر أن هناك تضارب في الرؤى والأفكار بين أعضاء في اللجنة ومفكرون وعلماء أزهريون آخرون، وبين شيخ الأزهر ومعه مجموعة أخرى من العلماء حول جدوى الحوار وأهميته.
طنطاوي: الحوار حتى مع "الشيطان":
فالشيخ طنطاوي شيخ الأزهر يؤكد أن الحوار هو الأصل، و"نحن نؤمن بالحوار" لأن هذا ما دعانا إليه ديننا، وأن "الحوار مستمر برغم سقطة البابا"، ويقول أنه لا يرفض الحوار، و"مستعدون للحوار حتى مع الشيطان نفسه لأن المسلم عقيدته صلبة، ويؤمن بعقيدة سليمة، لذلك لا يتأثر بالحوار مع أحد لأن الحوار عادة يصل بنا إلى النتائج السليمة، وهذه هي سنة الله في خلقه".
ويؤكد - في تصريحات لصحيفة "الجمهورية" 21 سبتمبر 2006 - أن من يقرأ القرآن يجد حوارات عديدة بين الله - سبحانه وتعالى - وملائكته ورسله، والآيات تحكي حوارات بين الله والملائكة ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون)) إلى آخر الآيات، كما حاور الله الرسل - عليهم السلام - ففي حوار مع سيدنا عيسى - عليه السلام -: ((وإذ قال الله يا عيسي بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد))، بل إن الله - سبحانه وتعالى - حاور إبليس كما جاء في سورة الأعراف وص والحج.
وقال شيخ الأزهر: إنه لا يؤمن بما يقال عن صدام الحضارات؛ لأن الحضارات عند العقلاء تتعاون وتتكامل ولا تتصادم، فالشرق له حضارته، وهي ليست كحضارة الغرب، والجنوب له حضارة ليست كحضارة الشمال، بل إن لكل دولة حضارتها وتميزها، وسماتها المنفردة التي تختلف فيها عن الدول الأخرى، وتلك حكمة إلهية.
ولكن هذا لم يمنع شيخ الأزهر من إعلان الغضب على الفاتيكان، ورفض فكرة طرحها عليه وفد كاثوليكي مصري تتعلق بدعوة بابا الفاتيكان لزيارة مصر والأزهر الشريف، وإلقاء خطاب فيه يوضح وجهة نظره، أو حتى سفر وفد أزهري للفاتيكان لسماع توضيح لوجهة نظر البابا، وصدور تصريحات عنيفة من شيخ الأزهر مثل أنه (البابا) "سكت دهراً ونطق كفراً"، وأنه يجب أن يعترف بالخطأ خصوصاً في أعقاب شن أعضاء اللجنة الدينية بالبرلمان المصري هجوماً على الشيخ طنطاوي اتهموه فيها بالتخاذل، وعدم الرد على البابا.
أيضاً يدافع الشيخ فوزي الزفزاف (رئيس لجنة الحوار بالأزهر سابقاً) عن فكرة الحوار ونتائجها قائلاًَ: إن مسألة الحوار لا يطلب فيها معدلات إنتاج، وإنما يتم تناولها في لجان علمية ودينية بالهدوء والاتزان والفكر الصائب، وتصدر بيانات بكل ما يُتوصل إليه حول مختلف الموضوعات التي يتم عرضها داخل هذه اللجان، وعلى سبيل المثال دعت لجنة الحوار بين الأديان بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة إلى عقد جلسة بين لجان الحوار المتعددة، وكان من ضمن الموضوعات "حقوق الطفل في الإسلام والمسيحية"، وانتهينا فيه إلى أننا نتفق في أغلب الأمور إلى أن حقوق الطفل -تقريباً - واحدة في الديانتين، وأصدرنا بياناً بهذا الشأن.
وقال: إن الحوار بين الأديان لا يهدف إلى تحول المسلمين عن دينهم، ولا المسيحيين عن عقيدتهم، وإنما الدعوة إلى الفضائل، وإلى احترام حقوق الغير، وعدم الاعتداء على الغير، ورفض الظلم وسلب الأموال بدون وجه حق، واتفقنا على أن يكون هدف الحوار هو الاتفاق حول هذه الفضائل، التي أكدوا لنا أنها موجودة في الديانة المسيحية، وأضاف أن الأزهر ليس وحده في هذا الحوار وإنما هناك من يشترك معنا من المؤسسات الدينية في الأردن والمغرب، وأنه لا يوجد حوار مع المسيحيين داخل مصر؛ فنشاط اللجنة يقتصر على الخارج فقط؛ لأننا شعب واحد تجمعنا أرض واحدة وسماء واحدة ومصالح مشتركة ومصير واحد.
المتحفظون: غير مفيد وشكلي وخادع:
مع أن غالبية من أبدوا أرائهم في مسألة تجميد الحوار مع الفاتيكان أقروا بأن الحوارات السابقة لم تكن مفيدة، وبعضها جاء خادعاً، ونتج عنه أحياناً مكاسب تبشيرية للوفود المسيحية الفاتيكانية، فقد أشاروا أيضاً إلى أن هناك خللاً ما في منهجية وطريقة الحوارات حيث كانت تجري غالباً بدون تحضير أو هدف من جهة، وكانت تدار أيضاً بواسطة غير محترفين من شيوخ الأزهر، وشملت الكثير من المجاملات البروتوكولية للوفود المسيحية.(2/7)
ويضرب الدكتور (محمد عمارة) المفكر الإسلامي وعضو مجمع البحوث الإسلامي مثالاً على هذا الخلل في عمل لجنة حوار الأديان الأزهرية بما نتج عن بعض هذه الحوارات من أخطاء مثل الكشف عما سمي "وثيقة التبشير" في أبريل الماضي 2006 بعدما كشف الدكتور يوحنا قلتة نائب بطريرك الأقباط الكاثوليك عن توقيع الأزهر الشريف وثيقة مع عدد من القساوسة ممثلين لمنظمات مسيحية عالمية العام الماضي 2005؛ تدعو لحرية التبشير لأتباع جميع الديانات السماوية بين المواطنين في مصر، وإن (شيخ الأزهر) الدكتور محمد سيد طنطاوي والشيخ فوزي الزفزاف (رئيس لجنة الحوار بين الأديان السابق) قاما بالتوقيع على الوثيقة في أبريل عام 2005 الماضي أثناء زيارة وفد منظمة سفراء السلام!
ويشير د. عمارة إلى أن جانباً ممن شاركوا في لجنة الحوار لم يكونوا أبداً من علماء الأزهر، أو حتى على دراية بمقارنة الأديان، كما قاد الحوار من ليس لديهم دراية بالآخر وعقيدته وفكره، و"لهذا لم تكن نتيجة الحوار في صالحنا"، وجاء الحوار خادعاً في بعض الأحيان لتمرير وثائق تبشيرية، والأخطر أن أعمال هذه اللجنة لا تعرض على مجمع البحوث الإسلامية بما يخالف قانون الأزهر الصادر سنة 1961 والذي يجعل من المجمع مشرفاً على كل أنشطة الأزهر لما به من علماء ذوي خبرة في مختلف المجالات.
ويشير الدكتور محمد رأفت عثمان (الأستاذ بجامعة الأزهر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية) إلى مسألة أخرى هامة تتعلق بإساءات البابا والحوار هي أن السياق الذي جاء فيه كلام البابا يوضح أنها جاءت في إطار الإساءة العامة للإسلام، والكراهية الدفينة لهذا الدين من قيادات الغرب الدينية والسياسية مثل تصريحات بوش، ما يؤكد أن ما قيل جاء في إطار التوجه السياسي العام السائد ضد المسلمين، فالفاتيكان برأ اليهود من تهمة قتل المسيح، و"السياسة" جعلتهم يبرئونهم من ذلك.
ويكشف الدكتور مصطفى الشكعة (عضو لجنة حوار الأديان السابق) أن لجنة الحوار قطعت شوطاً ليس بالقليل في مهمتها، بيد أن أعمالها تأثرت بشدة - قبل أن يجمد الأزهر مشاركته - بسبب تعصب رئيس وفد الفاتيكان الأفريقي الجنسية، وأنه لم ينقذها من الفشل سوى نائب رئيس الوفد الفاتيكاني الفرنسي الجنسية الذي كان أكثر تسامحاً.
ويقول أن اللجنة ليست منوطة بالحوار فقط مع الفاتيكان، ولكنها مخولة بالحوار الأزهري مع "الأخر" إجمالاً، ومع هذا فهي "شكلية أكثر منها فعلية"، رغم أن أعضاءها من الطرفين مشهود لهم بحسن الخلق!.
أيضاً اشتكي بعض علماء الأزهر ممن شاركوا في هذه الحوارات من سوء الإعداد، وسوء انتقاء من يمثلون الأزهر فيها، في حين يكون الطرف الآخر مستعداً لهذه اللقاءات بصورة جيدة، الأمر الذي من شأنه أن يقلل من قيمة الحوارات، ولا يؤتي الثمرة المرجوة منها وهي التقريب بين الأديان.
وفي هذا السياق طالب الدكتور (سيد الشاهد) - مستشار وزير الأوقاف المصري، وأول من شارك في اجتماعات الحوار الإسلامي المسيحي - "التدقيق من قبل الأزهر في اختيار من يمثلونه في هذه الحوارات"؛ بحيث يكونون من ذوي الثقافة العالية، والإطلاع على ثقافة الغرب وحضارته، مع عدم اختيار المعجبين بهذه الثقافة، والذين تلقوا تعليمهم في الغرب، وتبهرهم حضارته.
كما أكد الشيخ (عبد الخالق نصير) - أحد العلماء المشاركين في لجنة الحوار بين الأديان من الأزهر - أن المسلمين المشاركين في هذه الحوارات لا يعرفون مسبقاً ماذا سيناقشون فيها؛ وبالتالي لا يكونون مستعدين بما فيه الكفاية؛ إننا لا نعرف ماذا سنناقش؟!، ولا من نناقشه ونحاوره؟!، ولا الموضوعات التي سيتم مناقشتها؟! ولا نعد الأبحاث لذلك، لأنه لا يتم إخبارنا بذلك إلا قبل الموعد بيوم وأحد فقط أو يومين على الأكثر!! مما لا نستطيع معه إعداد الأبحاث المطلوبة وهو الأمر الذي يجعل موقفنا ضعيفاً أمام الطرف الآخر!.
كذلك قال الشيخ (سيد أبو الوفا عجور)(أمين عام مجمع البحوث، وأحد المشاركين في لجنة الحوار): إن الجلسات والمناقشات السابقة كانت تتم تحت رعاية الشيخ فوزي الزفزاف (وكيل الأزهر، ورئيس اللجنة السابق) وهي عبارة عن تعارف بالآخر، وبحضارته وقيمه، وليست انتصاراً لقيم معينة.
وفي هذا السياق أيضاً دعا برلمانيون مصريون لقطع العلاقات مع الفاتيكان، وطرد سفيره، وسحب سفير مصر في روما، ووقف الحوار الديني معه ما لم يقدم بابا الفاتيكان اعتذاراً واضحاً عن إهانته للإسلام ورسوله، حيث اتهم برلمانيون في لجنة الشؤون الدينية بمجلس الشعب من نواب الحزب الوطني وجماعة الإخوان المسلمين الفاتيكان بالإساءة للإسلام، ووصف بعض النواب رد فعل شيخ الأزهر بالضعيف والمتخاذل نحو تصريحات بابا الفاتيكان المسيئة للإسلام ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وأصدرت اللجنة الدينية بياناً طالبت فيه الحكومة المصرية بطرد سفير الفاتيكان من القاهرة، وسحب السفير المصري من روما؛ إذا لم يقدم البابا اعتذاراً صريحاً وواضحاً عن هذا الخطأ، وكذلك حذف الفقرات المسيئة من محاضرته.
"العقيدة" مستثناة من الحوار:
ومع أن الاتفاقية الخاصة بالحوار بين الأزهر والفاتيكان مستثناة من مسألة العقيدة؛ حيث ينص الاتفاق بينهما على ألا يقترب الحوار من مسألة العقيدة، ويتوقف فقط على الفضائل المشتركة، والعمل على نشر هذه الفضائل؛ فقد اشتكى بعض من شارك في جلسات حوار سابقة من أن طريقة حديث نواب الفاتيكان في هذه الحوارات لا تخلو من الحديث عن العقيدة بشكل مستتر ومستفز، ومستغل للحوار بهدف تحقيق أي اختراق للمسلمين تحت مزاعم الحوار.
وقد بدأ عمل لجنة الحوار بين الأديان بالأزهر الشريف فعلياً في أبريل عام 1994 في عهد الإمام الراحل الشيخ جاد الحق عندما كان يُعالج في سويسرا، حيث جرى لقاء مع الفاتيكان بجهد من الدكتور "علي السمان"، وعندما تولى الشيخ د. محمد سيد طنطاوي مشيخة الأزهر أخذ الحوار الشكل الجدي، وصدر قرار من الشيخ طنطاوي بتشكيل لجنة دائمة بالأزهر الشريف للحوار بين الأديان.
وكان أول اتفاق يدخل ضمن حوار الأديان بين الأزهر والفاتيكان هو ذلك الذي جرى توقيعه في عام 1998 مع الفاتيكان، وتلاه ثان في يناير 2001 مع الكنيسة البريطانية، وبلغ التعاون بين الأزهر والكنيسة الأوروبية لتوقيع (اللجنة الدائمة للأزهر لحوار الأديان السماوية) اتفاق تعاون مع الكنيسة الإنجليكانية 30- 1- 2002 يقضي بالعمل سوياً لتحقيق كرامة الإنسان في العالم، حيث وقع الاتفاق عن الأزهر الشيخ فوزي الزفزاف (رئيس اللجنة الدائمة لحوار الأديان السماوية سابقاً)، والدكتور علي السمان "نائب رئيس اللجنة الذي استقال منها مؤخراً، بينما وقع القس "كريستوفر لامب"، والمطران "منير حنا أنيس" أسقف مصر وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي عن الكنيسة الإنجليكانية، وجرى التوقيع في حضور الدكتور محمد سيد طنطاوي (شيخ الأزهر)، وجورج كاري (كبير الأساقفة، والرئيس العام للكنيسة الإنجليكانية) في ذلك الحين.
إصرار على رفض الاعتذار عن الحروب الصليبية:
ويلفت علماء إلى أنه رغم تراجع الفاتيكان وإصداره وثيقة يبرئ فيها اليهود (رغم قناعة المسيحيين في العالم بأنهم ليسوا أبرياء)؛ فقد رفض الفاتيكان بإصرار غريب الاعتذار عن فظاعات الحروب الصليبية سواء في عهد البابا السابق الذي وصف بالاعتدال، أو الحالي الأكثر تطرفاً، رغم مطالبة الأزهر للفاتيكان بإدانة الحروب الصليبية الغربية في العالم الإسلامي عدة مرات.(2/8)
فقد أصدرت اللجنة الدائمة للحوار بين الأديان بالأزهر الشريف بياناً في أكتوبر 2000 أدانت فيه مذابح القدس الشريف والمدن الفلسطينية على يد الجيش الإسرائيلي، ودعت الفاتيكان لإصدار بيان يدين فيه إسرائيل بوضوح بسبب المجازر التي تجري هناك.
ووجهت لجنة الحوار بالأزهر حينئذ - كما يقول الشيخ فوزي الزفزاف - رسالة إلى المجلس البابوي للحوار بالفاتيكان تطالبه بموقف صريح منه تجاه الاعتداءات الإسرائيلية، وإصدار إدانة رسمية لهذه المأساة وذلك طبقاً لاتفاقية الحوار والموقعة بين المجلس البابوي للحوار بالفاتيكان، ولجنة الحوار بالأزهر في مايو 1998م.
وجاء في نص الرسالة: "إلى الكاردينان أرينز رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان نفيد سيادتكم أن اللجنة الدائمة للأزهر الشريف للحوار بين الأديان السماوية أصدرت بياناً تدين فيه القتل والاعتداء على الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني من جانب السلطات الإسرائيلية، واللجنة تتوجه إلى مجلسكم الموقر لمطالبته بموقف صريح منكم أمام هذه الاعتداءات، كما أن اللجنة ترى أن هذا الموضوع ليس سياسياً ولكنه إنساني بحت، ويأتي من صلب تعاليم الأديان السماوية التي تطالبنا بالتصدي للظلم وقتل الأبرياء، ونوضح لسيادتكم أن مطالبتنا لكم بإعلان موقف صريح من هذا الموضوع هو من واقع البند السادس من الاتفاق بين المجلس البابوي للحوار بين الأديان الفاتيكان وبين اللجنة الدائمة للأزهر الشريف للحوار بين الأديان السماوية الذي ينص على تشجيع تبادل الرأي حول موضوعات ذات اهتمام مشترك كالدفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه، ونحن هنا أمام حالة انتهاك صريح لكرامة الإنسان وحقوقه، وقد وجهت اللجنة الدائمة للحوار بالأزهر الشريف دعوة للمؤسسات الرسمية الإسلامية المكلفة بالحوار بين الأديان إلى التشاور فيما بينها من أجل موقف موحد معلن تطالب فيه بالتنسيق مع المؤسسات الدينية المسيحية المرتبطة باتفاقيات تعاون من أجل تأكيد موقف الأديان من الاعتداء الغاشم في فلسطين وقتل الأبرياء.
وكانت هذه تعتبر أول وثيقة رسمية تقدم من جهة إسلامية للفاتيكان تطالبه فيها بالاعتذار عن الحروب الصليبية؛ لأن الحروب الصليبية وقعت بها تجاوزات من الصليبيين ضد المسلمين، ومع هذا فقد ألمحت لجنة الحوار في الفاتيكان - خلال الحوارات - أنها لا تملك القرار، وأخذت الطلب، وسُجّل في محضر رسمي، وقالت: إنها سترفع هذا الطلب إلى الجهة المختصة بالفاتيكان.
وقد عاد عدد كبير من علماء الأزهر في يناير 2001 ليطالبوا الفاتيكان بالرد على الطلب الذي تقدم به الأزهر منذ ما يقرب من عام للاعتذار عن الحرب الصليبية التي شنها الغرب على الدول الإسلامية في العصور الوسطى،. وتساءل العلماء عن جدوى الحوار طالما أن الفاتيكان لا يريد الاعتذار عن أخطاء الماضي، معربين عن أسفهم الشديد لاقتصار عمل لجنة الحوار بين الأزهر والفاتيكان على الزيارات المتبادلة بين القاهرة وروما، وعقد الاتفاقيات التي لا تخرج عن الحجرات المغلقة، بينما يظل الفاتيكان يرسل بعثاته لتنصير أبناء المسلمين في بقاع شتى!
وقالوا أنه عندما قام بابا روما بزيارة مصر رفض أن يعتذر للمسلمين عن الحروب الصليبية، بينما اعتذر قبل ذلك بسنوات طويلة لليهود، وكلمته في الأزهر كانت غامضة حيث قال: "إن الإسلام نهض بالعالم العربي وأفريقيا"، ونسي أن الإسلام نهض بأوروبا نفسها، وأن النهضة الأوروبية التي قامت على أنقاض الكنيسة إنما كانت نهضة إسلامية.
وقد حرص عدد من علماء الأزهر على إصدار بيان بمناسبة زيارة البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان للأزهر الشريف يوم الثامن عشر من شهر ذي القعدة من العام الهجري (1420) الموافق 24/2/2000م ضمن زيارته لمصر باعتبارها أول مرة في التاريخ يقوم فيها بابا الفاتيكان بزيارة الأزهر الشريف على مدى تاريخ بابوية روما لطائفة "الكوثوليك".
فهل بعد الإصرار الواضح من بابا روما على رفض الاعتذار، أو تغيير كلامه في الخطاب الذي سبق وألقاه في الجامعة الألمانية على موقع الفاتيكان على الانترنت، ورفضهم سابقاً الاعتذار عن الحروب الصليبية؛ سوف يستمر الحوار بنفس الوتيرة أم يتجمد؟ وهل التجميد مؤقت لحين نسيان الإساءات البابوية، ثم العودة مرة أخرى أم أن الأمر يتطلب - كما يقول علماء - حاجة ملحة لإعادة وضع أسس جديدة لهذا الحوار، والغرض منه، وجدواه وضمان فعاليته في منع أي إساءة للإسلام مرة أخرى؟
http://www.almoslim.net:المصدر
=============
#لا .. البابا لم يعتذر وإنما أهاننا مرة أخرى
د. باسم خفاجي
نقلت قناة البي بي سي BCC عبر موقعها الإلكتروني البيان الذي أصدره البابا بينديكيت السادس عشر، والذي يقول فيه: "إن البابا المقدس "حزين جداً" أن بعض فقرات خطابه قد بدت وكأنها تهاجم مشاعر المسلمين". وأعقب قائلاً: "أنه يحترم الإسلام ويأمل أن يتفهم المسلمون المعنى الحقيقي لكلماته". لم يعتذر البابا، وإنما اتهمنا نحن بقلة الفهم، بل ويطالبنا أن نقبل بما قال، وذكر أنه يحترم الإسلام، ولكنه بالمقابل لم يذكر نبي الإسلام، أو يعتذر عما قاله في حقه - صلى الله عليه وسلم -، بل تعمد تجاهل أهانته للنبي بكلماته الجارحة على مسمع من العالم أجمع، فأين هو الاعتذار؟
إن البابا يقول إنه "حزين جدا"ً أن عباراته بدت وكأنها هجومية، ولكنه لم يعتذر عن هذه العبارات، أو يشرح لنا كيف يمكن ألا تكون هجومية.. هو فقط حزين جداً لما حدث.. فأين الاعتذار.. ومن قال أننا في هذا المقام - نهتم لمشاعره، أو نعيرها أدنى اهتمام. إن البابا يستخدم حيل الإعلام المعروفة في التهرب من مواجهة النفس، أو مواجهة من أساء إليهم بطرق إعلامية ملتوية وعبارات فضفاضة، ولا يليق برجل دين في مكانته وقدره لمن يعتنقون دينه أن يفعل ذلك. إن كان قد اخطأ في وصف نبي الأمة الإسلامية بأنه لا يأت إلا بالشر، فلماذا لم يعتذر عن ذلك بوضوح. إننا لسنا وحدنا من يطالبه بذلك، بل حتى وسائل الإعلام الغربية تدرك خطورة ما قال.
لقد كتبت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحية عدد يوم السبت 16 سبتمبر 2006م مطالبة البابا باعتذار وصفته بأنه يجب أن يكون "عميقاً ومقنعا" وعقبت قائلة في نفس الافتتاحية: "إن العالم يستمع باهتمام لكلمات أي بابا.. وإنه من الخطير والمؤلم أن ينشر أحد ما الألم سواء عامداًَ أو غير مكترثاً.. إن البابا بحاجة إلى أن يقدم اعتذاراً عميقاً ومقنعاً ليبين أن الكلمات يمكن أيضا أن تشفي الجراح". فإن كان هذا هو رأي بعض وسائل الإعلام الغربية، فكيف برأينا نحن من جرح بهذه الإهانة، والتي أعقبتها إهانة استغفالنا.. واتهامنا بعدم تقدير فهم هذه الأمة لعباراته. إنه يعالج الإهانة الأولى التي جرحت كرامة كل مسلم.. بإهانة ثانية تفترض في كل المسلمين الغباء أيضاً.(2/9)
إن مواقف هذا البابا من الإسلام معروفة مسبقاً، ولكن الأمة الإسلامية آثرت في السابق أن تعطي لهذا البابا فرصة إعادة النظر في تلك المواقف بعد أن تولى أعلى المناصب الدينية في العالم الغربي. إن هذا البابا هو من عارض وبشدة دخول تركيا إلى الاتحاد الأوربي، ولم يتنازل عن هذا الموقف حتى الآن، وكان تفسيره لتلك المعارضة أن تركيا "تنتمي إلى دائرة ثقافية أخرى"، وأن دخول تركيا إلى الاتحاد الأوربي سيكون "خطأ جسيماً يسير عكس أمواج التاريخ" فهل كان يشير إلى التاريخ الذي وقف فيه العثمانيون على أبواب فيينا، أم تاريخ الحروب الصليبية التي تسببت في قتل مئات الآلاف من المسلمين بدعوى نشر المسيحية. إن هذا البابا يبحث عن إحياء أوربا المسيحية، ولا أتمنى أن يكون باحثاً في طياتها عن أوربا الصليبية مرة أخرى. إنه ينقب دائماً في التاريخ عن ذلك، وينوي بعد كل ما قال أن يزور تركيا أيضاً في شهر نوفمبر القادم، وإذا لم تستح فاصنع ما شئت.
إن هذا البابا قد كتب في عام 1996م أن "الإسلام لا يمكن أن يتعايش مع العالم المتمدن"، فهل هذا هو احترام الإسلام الذي يقصده هذا البابا. إنه نفس البابا الذي هاجم في العام الماضي قيادات المسلمين في ألمانيا بدعوى أنهم قد فشلوا في "إبعاد أبنائهم عن ظلام البربرية الجديدة".. حقاً إنه يحترم مشاعرنا!
وفي اجتماع سري عقد في مدينة كاستيل جوندولوفو الإيطالية بحضور البابا في سبتمبر من عام 2005م، وحضره أحد الأساقفة من فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأسقف جوزيف فيسيو، نقل هذا الأسقف أن البابا تحدث في الاجتماع المغلق عن الإسلام، وذكر أن البابا أعرب عن رأيه أن الإسلام "بخلاف كل الأديان الأخرى لا يمكن إصلاحه، ولذلك فهو لن يتوافق أبداً مع الديمقراطية، لأن حدوث ذلك يقتضي إعادة تفسير جذرية للإسلام، وهذا مستحيل بسبب طبيعة القرآن نفسه وعلاقة المسلمين به". وعندما ناقشه أحد الأساقفة أن ذلك ما يزال ممكناً، اعترض البابا بوضوح كما ينقل عنه الأسقف جوزيف فيسيو قائلاً إن البابا علق على ذلك بهدوء ووضوح قائلاً: "هناك مشكلة أساسية في هذا الرأي. أن الرؤية التاريخية الإسلامية تؤمن أن الله قد أنزل كلماته على محمد، وأنها كلمات باقية إلى نهاية الزمان، وهي ليست كلمات محمد.. وبالمقابل فإن هناك منطق داخلي للإنجيل المسيحي تسمح له وتطالبه أن يتغير ويتأقلم مع المواقف المتجددة".
وفي تعليق آخر على نفس الاجتماع، ذكر الباحث في الإسلام سمير خليل سمير، الذي حضر أيضاً الاجتماع المغلق أن البابا يرى إمكانية تغير الإسلام فقط إن أمكن "إعادة تفسير القرآن بشكل جذري وكامل، وإعادة النظر بالكامل في مبدأ عصمة الوحي" فهل الحوار مع الأديان الأخرى يمكن أن يتقدم من خلال تلك الرؤية السوداوية للإسلام. لماذا لا يكون البابا صريحاً وواضحاً في مواقفه بدلاً من محاولات الاستخفاف بالأمة بشكل مهين بعبارات من مثل "حزين جداً" التي لم تعد تنطلي على أحد.
قام أحد الصحفيين في منتصف هذا العام، بسؤال البابا بشكل مباشر ومفاجئ إن كان يعتبر "الإسلام دين سلام". رفض البابا أن يصف الإسلام بدين السلام، وإنما قال بثقة: "إنني لا أرغب في استخدام الكلمات الكبيرة لوصف أمور عامة.. إن الإسلام بالتأكيد يحتوي على عناصر يمكن أن تميل إلى السلام، ولكنه أيضاً يتكون من عناصر أخرى.. ولابد لنا أن نختار دائماً أفضل العناصر". إن البابا يريد لأمة الإسلام أن تكون انتقائية في تعاملها مع ما يأمر به هذا الدين، ولكنه في الوقت نفسه لا ينتقي من هذا الدين أفضل ما فيه لكي يتحدث عنه، ولكنه يكتفي بالهجوم غير المبرر والدائم والمتكرر على الإسلام وعلى رموز الإسلام.
وفي اليوم السابق لهذا التصريح الصحفي، قام البابا أيضاً بتوجيه النصيحة التالية للمسلمين: "ارفضوا طريق العنف الذي تسبب في معاناة ضخمة للسكان المدنيين، واعتنقوا بدلاً من ذلك سياسة السلام". لم يكلف البابا نفسه عناء توجيه نفس الرسالة إلى قادة الغرب الذين يقتلون باسم الديمقراطية عشرات أضعاف من يقتل ظلماً وزوراً باسم الإسلام، ولم يكلف البابا نفسه أيضاً عناء مخاطبة قادة الكيان الصهيوني أن يلجئوا إلى السلام بدلاً من القتل اليومي والمتكرر لأبناء الأمة الإسلامية في فلسطين ولبنان.
إننا لا نطالب البابا أن يعتذر.. فهو قد تحدث بما يجول في خاطره، ويؤكد مواقفه التي تكررت طوال الأعوام الماضية في الهجوم على الإسلام.. ولكننا نطالبه ألا يستغفل أو يستهين بهذه الأمة، فهي تنهض من جديد، وهو يلعب بالنار، ولن يشاد هذا الدين أحداً إلا غلبه، والله غالب على أمره، ولو كره البابا، ومن هم على شاكلته. إننا نطلب من قادة الغرب أيضاً سواء من مفكرين أو علماء دين أو ساسة أو مثقفين أن يكفوا شرورهم وألسنتهم عن أمتنا إن أرادوا لهذا العالم القليل الباقي من السلام والتعايش.. أما استثارة هذه الأمة بهذا الشكل المتكرر، فإن نتائجه ستكون وخيمة على الجميع، وأول من سيعاني منها هم من اختاروا الاستهزاء بنبي الأمة ورمز عزتها وطهارتها وحبها للسلام. يا قادة الغرب..أليس فيكم رجل رشيد؟!!
21/09/2006
http://www.islamweb.net المصدر:
=============
#بابا الفاتيكان ينضم إلى طابور الجهلة ويهرف بما لا يعرف عن الإسلام ورسوله
إنها حرب صليبة...هذا القول ليس مبالغة ولكن للأسف الشديد هذا ما نشهده كل يوم من تصرفات طائشة وهوجاء من جانب القيادات والرموز السياسية والدينية في الغرب المسيحي بدءا مما أعلنه بوش بعد أحداث سبتمبر عام 2001 وانتهاء بتصريحات بابا الفاتيكان التي كشفت وفضحت جهله بالإسلام ونبي الإسلام.
وعن هذه القضية كتب جمال بدوى في جريدة الوفد يقول " لا يمكن النظر إلى الإساءة التي صدرت من بابا الفاتيكان ضد الإسلام على أنها " زلة لسان "، كما قيل عن الإساءات التي صدرت عن الرئيس بوش أو غيره من الجهلة الذين يتهجمون على الإسلام في شكل طعنات مسمومة، أو رسوم منحطة، أو أحكام جائرة، فالبابا كان يلقى محاضرة، وكان أمامه فرصة للبحث الدقيق والمراجعة، وانتقاء الكلمات الموثوقة من مصادر موضوعية، وليس الاستناد إلى أقوال إمبراطور جهول من القرن الرابع عشر، كان عليه أن يدرس الإسلام بعمق قبل أن يطلق هذه السهام الطائشة التي صدرت في عصر التعصب والانغلاق (!!).
** من حق المسلمين في كل أنحاء العالم أن يغضبوا من أبو النصارى لأنه وصف الإسلام بالعنف وعدم العقلانية، وأن نبي الإسلام لم يجلب للعالم سوى المصائب، وأن الإسلام انتشر بالسيف. وكان يجب عليه أن يعود إلى مكتبة الفاتيكان، ويعكف على دراسة المؤلفات التي أصدرها علماء ومستشرقون عدول في شأن الإسلام وعقيدته ورسوله وتاريخه.
** سيجد أبوهم خرائط وأطالس للعالم القديم والحديث، وسوف يكتشف أن ثلاثة أرباع الدول الإسلامية دخلها الإسلام عن طريق القدوة الحسنة التي كان يمثلها علماء وفقهاء وتجار وصوفية، لم يحملوا سيفاً ولا صاروخاً، وإنما كانوا يحملون في صدورهم القرآن والحديث واجتهادات العلماء.. ولك أن تعرف أن الإسلام دخل شرقي آسيا وروسيا وجنوب الصحراء الأفريقية: بالكلمة الطيبة، والدعوة السلمية، وحرية الاعتقاد.(2/10)
** وهل يتفق مع حرية الاعتقاد أن يجنح أبوهم إلى تجريح العقيدة الإسلامية؟ وهل يدخل هذا التهجم تحت باب التعايش بين الأديان والعقائد.. أم هو شكل من أشكال الاستفزاز وإثارة الأحقاد، وزرع التعصب، وبث الألغام بين الكاثوليك والمسلمين(!!).
** البابا يوحنا بولس الثاني. الذي رحل عن دنيانا منذ عهد قريب، ترك في العالم روح الحب والمودة والتآزر على كبح التعصب، وطاف مساجد العالم للإعراب عن احترامه وتقديره للعقيدة الإسلامية.. ويا ليت البابا الحالي يعتذر للمسلمين قبل أن تتحول الجمرة المشتعلة في القلوب إلى ثورة عارمة.
17 سبتمبر، 2006
http://abeeralislam.jeeran.com المصدر:
==============
#بابا الفاتيكان ينتقد الإسلام ويقتبس إساءة للنبي محمد
د. محمد ناصر
منذ صبيحة الحادي عشر من سبتمبر 2001، أصاب العقل الأمريكي بشكل خاص والأوروبي بشكل عام الهوس والقلب الفزع والسياسة بالاندفاع، وأخذ الإعلام الغربي بمزيج هائل من الهوس والفزع والطيش، يعمل على التحريض للأخذ بالثأر الفوري وعلى الكراهية لكل ما هو ومن هو عربي ومسلم، العدو المستهدف الجديد، بعد سقوط العدو الشيوعي.....
لقد بدأت ماكينة ضخ الكراهية وبث التحريض تعمل بسرعة وعصبية زائدة عن الحد، ظهرت تجلياتها على صفحات الصحف وشاشات التلفاز، في بلدان يمثل الإعلام فيها بكل وسائطه، القلب النابض والعقل المفكر واللسان الفالت والسوط اللاذع.
وأصبح السؤال على ألسنة الجميع في أمريكا من الرئيس بوش الابن إلى أصغر مواطن في الشارع الأمريكي والغربي بشكل عام، هو لماذا يكرهنا هؤلاء الناس، المسلمون والعرب، لماذا يحقدون علينا إلى هذا الحد.
وكانت وسائل الإعلام سباقة في الإجابة على السؤال الحائر، اختصرت الموقف وابتسرت العلاقات، بقولها إنهم يكرهوننا لأننا متقدمون متحضرون ديمقراطيون، بينما هم متخلفون إرهابيون استبداديون، نتاج الفقر والفساد والتخلف والديكتاتورية، أتباع دين يحض على كراهية الآخرين ويحرض ضد الغرب الأوروبي الأمريكي " المسيحي اليهودي "، ويلقن أتباعه قتال كل من عداهم باسم الجهاد!!
ها هو الجهاد الإسلامي المسلح يقتحم المقدسات الأمريكية المسيحية باسم الأصولية، وجاء الرد سريعاً من جانب الأصولية المسيحية الإنجيلية الأمريكية خصوصاً، تحريضاً على الكراهية، بدعم وتحريض من الأصولية اليهودية..
ولقد تحولت وسائل الإعلام الأمريكية خصوصاً إلى ساحة مفتوحة لهجوم الأصولية المسيحية الأمريكية والأصولية الصهيونية المتشددة ليس على الأصولية الإسلامية المتطرفة، ولكن على الإسلام كدين وعلى رسوله كنبي وعلى المسلمين عموماً كبشر..
وبقدر ما امتلأت إدارة بوش بالصقور المعبرين عن التيار اليميني المتصاعد في الحزب الجمهوري، مثل ديك تشيني نائب الرئيس، ودونالد رامسيفيلد وزير الدفاع، وولفو فيتز، وكندا ليزا رايس وزيرة الخارجية، وريتشارد بيرل رئيس مجلس سياسة الدفاع السابق، الذين أطلقوا الآراء والتصريحات السياسية المتشددة والمتطرفة الداعية للحرب الشاملة ضد العالم العربي والإسلامي، بحجة محاربة الإرهاب.
وبقدر ما شن الصقور الدينيون حملات إعلامية ذات طابع وعظي ديني، مؤثر ونفاذ عبر وسائل الإعلام المختلفة، ضد الإسلام والعرب والمسلمين، استغلالاً لتأثير عظاتهم " الدينية الأخلاقية " في تشكيل الوعي العام للمؤمنين الأمريكيين على الأقل، ودفعهم إلى الإيمان بأن الحضارة المسيحية اليهودية تخوض حرب حياة أو موت ضد الإسلام والمسلمين الأشرار المتخلفين الكارهين الحاقدين، بصرف النظر عن تحالف معظم الحكومات العربية والإسلامية مع أمريكا في الحرب ضد الإرهاب.
وإذا كان القس الأمريكي جيري فالويل قد وصف نبي الإسلام " - صلى الله عليه وسلم - " بأنه دين الشر ومتبعوه أشرار بالضرورة، لكن القس الأكثر تعصباً بات روبرتسون سارع فأدلى بدلوه لوسائل الإعلام ومن خلال عظاته الأسبوعية في الكنائس الإنجيلية، فقال إن الإسلام دين قام على الحرب والعدوان وقهر الآخرين واستعباد المرأة ومعاداة المسيحيين واضطهادهم ومحاربة اليهود، ولذلك " فأنني اعترض بشدة على وصف الرئيس بوش للإسلام بأنه دين تسامح، إن الأمريكيين لم ينتخبوا بوش زعيماً للفقهاء ولا إماماً للأديان... إن هتلر كان شريراً سيئا، ولكن ما يفعله المسلمون الآن أكثر شراً وسوءاً... "
وفي مقابل استغلال القساوسة الأمريكيين المتعصبين أمثال بات روبرتسون، وفرانلكين جراهام، وجيري فالويل، وجيمي سواجرت، لإمبراطورية الإعلام خصوصا شبكات الإذاعة والتلفزيون التي يملكونها أو لهم تأثير كبير فيها، لنشر روح العداء للإسلام والكراهية للمسلمين، وصولاً لوصف الإسلام بأنه دين شرير يحرض على الشر والقتال ضد الآخرين باسم الجهاد، ووصف النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنه نبي محارب نشر دعوته بالسيف وحده وحرض أتباعه على قتل اليهود والمسيحيين....
ومن جراء هذا التحريض الإعلامي " الديني السياسي " واندفاع الآلة الإعلامية الأمريكية الجبارة في الترويج له، وفي غرسه في الوعي العام تشكيلاً وتزييفا أن ساد في الرأي العام الأمريكي والغربي، اقتناع بأن الدول الغربية وشعوبها مستهدفة بكل قيمها الأخلاقية والدينية وعليها أن تخوض حرباً دينية / حضارية أخلاقية مقدسة هي " حرب عادلة " بكل المقاييس.
وها هو رأس الهرم الديني الكاثوليكي يفصح عما يفكر به كل غربي تجاه الإسلام والمسلمين وبدون مواربة وبشكل استفزازي. ففي محاضر ه للبابا القاها في ألمانيا حول الإيمان والعقل.
اقتبس بنديكتوس الـ16 مقتطفا من كتاب إمبراطور بيزنطي يقول فيه إن محمد - عليه الصلاة والسلام - لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني كأمره بنشر الإسلام بحد السيف.
وقال البابا إنّ العقيدة المسيحية تقوم على المنطق لكن العقيدة بالإسلام تقوم على أساس أن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل أو المنطق. كما انتقد 'الجهاد واعتناق الدين مرورا بالعنف' بلغة مبطنة.
وأثارت تلك الملاحظات ردودا متباينة فقد دعا عميد الجالية الباكستانية بإيطاليا إعجاز أحمد، بابا الفاتيكان، إلى سحب كلامه عن العقيدة الإسلامية.
وقال إعجاز أحمد 'إن البابا في خطابه أغفل أن الإسلام كان مهد العلوم وإن المسلمين كانوا أول من ترجم الفلسفة الإغريقية قبل انتقالها إلى التاريخ الأوروبي'. وأضاف أن 'العالم الإسلامي يعيش حاليا أزمة عميقة وأي هجوم من الغرب قد يؤدي إلى تفاقم هذه الأزمة'.
ومن جانبه ذكر جيل كيبيل، الخبير الفرنسي الشهير في الإسلام، أن البابا 'حاول الدخول في منطق النص القرآني' لكنه رأى أن النتائج 'تنطوي على مجازفة لأن الخطاب قد يحمل قسما من المسلمين على التطرف'.
وكان عالم اللاهوت المعارض هانس كونغ أكثر تشددا، حيث رأى في تعليق أوردته وكالة الأنباء الألمانية أن 'هذه التصريحات لن تلقى بالتأكيد ترحيبا لدى المسلمين وتستوجب توضيحا عاجلا'.
وأمام الردود التي أثارتها ملاحظات البابا، اضطر الأب فيديريكو لومباردي المدير الجديد للمكتب الإعلامي التابع لبنديكتوس الـ16 إلى التحدث للصحفيين ليوضح أن 'البابا لم (يشأ) إعطاء تفسير للإسلام يذهب في اتجاه العنف'.
غير أن بعض خبراء الفاتيكان رأوا أن البابا أراد على ما يبدو وضع شروط لحوار مع المسلمين قبل زيارته المقررة إلى أنقرة بين 28 و30 نوفمبر/تشرين الثاني.
وقد عارض بنديكتوس الـ16 باستمرار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.(2/11)
أليس هذا فيه مهانة واستهتار بكل مسلم، وإلى متى سيبقى مسلسل الإهانات ونشر الكراهية للدين الإسلامي.
وأين المسلمين والغيورين على دينهم مما يتعرض له على أيادي رجال الدين الغربيين بعد ما أخذت الدعاية السياسية مفعولها وصمتت.
وأين كبار رجال الدين الإسلامي وأصحاب الفتاوى التي تصيب المسلمين ولا تتطلع إلى ما يضمره الآخرون للإسلام.
http://www.shrooq2.com المصدر:
============
#بابا الفاتيكان .. بين التعصب وغياب الموضوعية
د. جمال نصار
ما حدث من بابا الفاتيكان تجاه إسلامنا العظيم، ونبينا الكريم يدل دلالة واضحة على عدم إنصافه للإسلام الذي جاء لهداية العالمين من الإنس والجن، وأخرج البشرية من التيه والظلم والتخلف إلى الاستقرار والأمن والرقي، كما ينم عن عدم معرفته بشخص النبي الكريم الهادي - صلى الله عليه وسلم - وأخلاقه ومنهجه في الدعوة إلى الله، والغريب أنه نقل نصًا للإميراطور البيزنطي في القرن الرابع عشر الميلادي، أثناء حصار القسطنطينية قبل فتحها، وهذا الإمبراطور من المعادين والمتعصبين ضد الإسلام، وملخص هذا القول: "إن العقيدة المسيحية تقوم على المنطق، بينما الإرادة الإلهية في العقيدة الإسلامية لا تخضع لحكم العقل، ولذا انتشر الإسلام بالسيف لا بالإقناع العقلي، والنبي محمد لم يأت إلا بما هو سيء وغير إنساني"، وكان الأولى ببابا روما أن يتحرى الدقة والموضوعية فيما قال، وخصوصًا أنه يعتلي هذا المنصب الكنسي الكبير، وهو بهذا يزيد من حالة الاحتقان الشعبي في العالمين العربي والإسلامي، ويؤكد بصورة واضحة على عدم موضوعيته وتعصبه ضد الإسلام ونبيه الكريم، وهذا مصداقًا لقول الله - عز وجل -: (ياأهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون).
وأحب أن أشير في هذا السياق إلى عدة حقائق:
1.هذا التصريح لا يغفره إلا التوبة والاعتذار للمسلمين بشكل علني، لأنه أساء للمسيحية قبل أن يسيء للإسلام، ولا يُقبل بأي حال من الأحوال أن يخرج علينا البابا أو بعض القساوسة لتفسير قوله، وأنه فُهم خطأً، فهذا كلام غير منطقي، ألم يجدر بهذا الرجل وهو في هذا الموقع الكبير أن يراجع نفسه أو مستشاريه قبل هذا التصرف المقيت؟ ولكنني أؤكد أنه كان يقصد كل كلمة قالها ولم يخطيء في التعبير لأنه يحمل في طياته كل معاني التحريض والتعصب والحقد ضد الإسلام.
2. الدين الإسلامي لم ينتشر بحد السيف كما ادعى بابا الفاتيكان، فعلى مدار التاريخ الإسلامي نجد أن الإسلام كَفَل حرية الاعتقاد والتعبد، فلكل ذي دين دينه ومذهبه لا يُجبر على تركه إلى غيره، ولا يُضغط عليه، وأساس هذا الحق قوله - تعالى -: (لا إكراه في الدين)، وكذلك صان الإسلام لغير المسلمين معابدهم، ورعى حرية شعائرهم، ففى عَهْد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه في رسالته إلى أهل إيلياء (القدس) نصّ على حريتهم الدينية، وحُرمة معابدهم وشعائرهم "هذا ما أعطى أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصُلبانهم وسائر ملتها، لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم ولا يُنتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبها، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم".
3. على البابا أن يرجع إلى أقوال بعض الكتاب الغربيين وغيرهم من غير المسلمين ممن أنصفوا الإسلام ونبي الإسلام، منهم على سبيل المثال:
"جوستاف لوبون" المفكر الفرنسي يقول: "إن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سمحًا مثل دينهم".
ويقول "سيروليام موير" في كتابه "سيرة محمد" - صلى الله عليه وسلم -: "امتاز محمد بوضوح كلامه، ويُسر دينه، وأنه أتم من الأعمال ما يُدهش الألباب، فلم يشهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق، ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير، كما فعل محمد".
ويقول "توماس كارليل" الفيلسوف الإنجليزي في "كتابه الأبطال": "قوم يضربون في الصحراء عدة قرون لا يؤبه لهم، فلما جاءهم النبي العربي أصبحوا قبلة الأنظار في العلوم والعرفان، وكثروا بعد قلة، وعزوا بعد ذلة، ولم يمض قرن حتى استضاءت أطراف الأرض بعقولهم وعلومهم".
ويقول المستر "درابر" الأمريكى: "إن المسلمين الأولين في زمن الخلفاء لم يقتصروا في معاملة أهل العلم من النصارى النسطوريين ومن اليهود على مجرد الاحترام، بل فوضوا إليهم الكثير من الأعمال الجسام ورقّوهم إلى مناصب الدولة، حتى أن هارون الرشيد وضع جميع المدارس تحت مراقبة "حنا بن ماسويه" ولم ينظر إلى البلد الذى عاش فيه العالِم، ولا إلى الدين الذي ولد فيه، بل لم يكن ينظر إلا إلى مكانته من العلم والمعرفة".
وقد صرح بابا الأقباط الأرثوذكس "شنودة الثالث" فى صحيفة الأهرام القاهرية (6/3/1985): "إن الأقباط في ظل حكم الشريعة، يكونون أسعد حالا وأكثر أمنًا، ولقد كانوا كذلك في الماضي، حينما كان حُكم الشريعة هو السائد.. نحن نتوق إلى أن نعيش في ظل "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"... إن مصر تجلب القوانين من الخارج حتى الآن، وتطبقها علينا، ونحن ليس عندنا ما في الإسلام من قوانين مفصلة، فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة ولا نرضى بقوانين الإسلام".
4. لابد من تحرك الحكومات العربية والإسلامية للضغط على الفاتيكان لحماية مقدساتنا ونصرة لنبينا، ودفع البابا إلى الاعتذار الرسمي للمسلمين، وعليهم واجب المقاطعة السياسية بسحب سفرائهم لدى الفاتيكان، والاقتصادية، إن لم يعتذر البابا.
ومن واجبات الأمة حيال هذا الأمر ومؤسسات المجتمع المدني أن يقوموا بالتعبير عن الغضب بشكل سلمي، ومقاطعة بضائع كل من يتجرأ على الإسلام ونبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم -.
وإقامة المؤتمرات والندوات في أوربا وأمريكا للتعريف بالإسلام، وعرض نصاعته، وعظمة نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم -.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
28/09/2006
http://www.islamweb.net المصدر:
=============
#البابا يقدم إعتذاراً للكاثوليك الأميركان
مدينة الفاتيكان (CNN) - أشار البابا يوحنا بولس الثاني الثلاثاء إلى الأخطاء التي ارتكبت في أساليب معالجة الممارسات الجنسية مع الأطفال التي تهز الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، مقدما اعتذارا واضحا وصريحا وجهه للكاثوليك الأميركان.
وقال البابا في أول تصريح له بشأن فضائح متكررة تتعلق بممارسات جنسية مع الأطفال تواجه الكنيسة في الولايات المتحدة في اجتماع مع كبار رجال الدين الكاثوليك في الولايات المتحدة إن المجتمع ينظر إلى مثل هذه الممارسات على أنها "جريمة" مضيفا أنه لا مكان لها في الكنيسة.
وقدم البابا أيضاً بحضور عدد من المسؤولين في الفاتيكان اعتذارا لضحايا مثل هؤلاء الأعمال التي اقترفها رجال دين معربا عن أمله في أن تصبح الكنيسة الأميركية "أكثر قداسة" بعد هذه الفضيحة.
ومضى يقول "الفضيحة التي أدت إلى هذه الأزمة خطأ بكل المقاييس وينظر إليها المجتمع على أنها جريمة كما أنها من الفواحش."
وأضاف "يجب أن يعلم الناس انه ليس هناك مكان في الكنيسة والحياة الدينية لمثل هؤلاء الذين يضرون بالصغار. وأعرب أيضاً عن "حزنه البالغ لأن القساوسة ورجال الدين الذين مهمتهم مساعدة الناس على العيش حياة مقدسة يتسببون هم أنفسهم في مثل هذه المعاناة والفضيحة للصغار. "
وقال "أتضامن مع الضحايا وعائلاتهم في أي مكان كانوا وأساندهم في قلقهم."(2/12)
ولم تحدد تصريحات البابا القوية هذه ما إذا كان بإمكان الكنيسة الأميركية إصدار قرار يقضي بتسليم مثل هؤلاء القساوسة للسلطات المدنية.
12 يناير 2006
http://www.barsoomyat.com المصدر:
===========
#البابا يعتذر عن التحرشات الجنسية للكهنة بالراهبات
البابا يوحنا بولص الثاني
قدم البابا يوحنا بولص الثاني اليوم اعتذارا لضحايا التحرشات الجنسية للكهنة وغيرهم من رجال الدين المسيحي في أول رسالة مباشرة يوجهها للعالم عبر الإنترنت. وكانت تقارير صحفية ذكرت أن تحرشات جنسية للكهنة والأساقفة بالراهبات وغيرهن من النساء تجري في أنحاء مختلفة من العالم وهو أمر أقر به الفاتيكان.
وقال البابا في جزء من الوثيقة المؤلفة من 120 صفحة "التحرشات الجنسية من بعض رجال الدين سببت معاناة هائلة وضررا روحيا للضحايا". وشدد البابا على القول "آباء المجمع الكنسي يودون الاعتذار دون تحفظ للضحايا عن الألم وخيبة الأمل التي أصابتهم". وأشار إلى أن الكنيسة في الأوقيانوس تسعى لما وصفه بأنه "إجراءات صريحة وعادلة" للرد على الشكاوى في هذا الشأن.
وجاء الاعتذار الموجه لراهبات في العالم النامي في وثيقة مسهبة أصدرها البابا مستعرضا الموضوعات التي تناولها مجمع كنسي عقد في الفاتيكان عام 1998 للأساقفة من منطقة الأوقيانوس التي تتألف من أغلب الجزر الصغرى في المحيط الهادي ويضم لها أحيانا أستراليا ونيوزيلندا.
ولأول مرة منذ تولى منصبه قبل 23 عاما أرسل البابا الوثيقة إلى الكنائس في مختلف أنحاء العالم بالبريد الإلكتروني عبر الإنترنت.
وفي مارس/ آذار الماضي نشرت مجلة ناشيونال كاثوليك ريبورتر الأسبوعية ومقرها الولايات المتحدة سلسلة من الموضوعات عن تقارير داخلية في الفاتيكان بشأن التحرش الجنسي للكهنة والأساقفة بالراهبات وغيرهن من النساء في مختلف أنحاء العالم، واعترف الفاتيكان بوجود المشكلة.
وقالت التقارير الداخلية إن بعض الكهنة والمبعوثين أجبروا الراهبات على ممارسة الجنس معهم وفي بعض الحالات اغتصبوهن وأجبروهن على إجراء عمليات إجهاض. وأشارت التقارير إلى حالات في 23 دولة بينها الولايات المتحدة والفلبين وإيرلندا وبابوا غينيا الجديدة.
14 يناير 2006
http://www.barsoomyat.com المصدر:
===========
#البابا المنتظر يشن حرباً صليبية
" يجب ألا تكون هناك تأشيرات دخول للمسلمين "
إنه صراع على روح أوروبا، التي إما ستكتشف جذورها المسيحية أو تتحول إلى الإسلام ".
" إنه سيتوجب على الإيطاليين التعود على صلاة الجمعة وتعدد الزوجات واضطهاد المسلمين للمرأة، وكذلك الأصولية الإسلامية "
بهذه التصريحات النارية انطلق الكاردينال " جياكومو بيفي " رئيس أساقفة بولونيا " وأبرز المرشحين لخلافة البابا الحالي " يحذر " أوروبا المسيحية " من الخطر الداهم الذي يهددها ألا وهو " الغزو الإسلامي " على حد قوله!!!
وقد دعا البابا المنتظر " بيفي " في خطابه الذي ألقاه أمام ثلاثمائة من القساوسة المجتمعين، قرب بولونيا ـ الحكومة الإيطالية والحكومات الصليبية للحدِّ من هجرة المسلمين إليها؛ لأن في ذلك خطرًا على النصارى والنصرانية.
وقد أعادت تصريحات بيفي إلى الأذهان صورة الحروب الصليبية، وقد قال بالحرف الواحد: " يجب ألا تكون هناك تأشيرات دخول للمسلمين " وأضاف أنه ناقش ذلك مع وزير في الحكومة الإيطالية وقال له: " إذا أردت أن تفعل شيئًا جيدًا لإيطاليا فأنقذها من المعاناة، يجب أن توقف دخول كل هؤلاء المهاجرين، ولكن يجب أن تراعي المهاجرين الكاثوليك ".
وقال البابا المنتظر: " ممكن للدول أن تختار من تريد دخولهم، وليس هناك شيء يشبه حق الغزو "،
" لا يمكن أن يكون المعيار الوحيد لقبول المهاجرين هو الظروف الإقتصادية والنظرة الخيرية، يجب أن نكون مهتمين بإنقاذ هوية الأمة ".
وقال " بيفي ": " إن بعض المهاجرين قدموا من " ثقافات أجنبية " ولا يفضلون التعايش أو الاندماج في المجتمع، المسلمون لا يتكاملون في المجتمع الإيطالي ".
الحروب الصليبية:
وفي سؤال عما إذا كان يشن حربًا صليبية جديدة؟ قال مبتسمًا: " أنا شخصيًا ليس لي عندي أي مانع ضد عبارة حرب صليبية ".
وقال: " إنه صراع على روح أوروبا التي إما ستكتشف جزورها المسيحية أو تتحول إلى الإسلام " ومضى يقول: " إن الحكومة قد فشلت في إيقاف تدفق المهاجرين وإنه سيتوجب على الإيطاليين التعود على صلاة الجمعة وتعدد الزوجات واضطهاد المسلمين للمرأة، وكذلك الأصولية الإسلامية ". على حد زعمه.
ويقول رجال الفكر في إيطاليا:
إن الأوروبيين يخافون الإسلام الذي كان معاصرًا للحروب الصليبية الأولى التي آثارها البابا " يوربان الثاني " في عام 1095 لهزيمة الأتراك السلجوفيين " العثمانيين " واستعادة القدس إلى المسيحية.
ورغم أن الموجة الثانية والثالثة في القرن الثاني عشر انتهت بهزائم، وكذلك الموجة الأخيرة في القرن الخامس عشر، إلا أن البابوات كانوا يحاولون تأمين تعاون أوروبي لاحتواء توسع الإمبراطورية العثمانية.
المحرر:
هذا الكلام نسوقه للمسلمين حكامًا ومحكومين ليتعرفوا على الواقع النصراني ونظرته حيال العالم الإسلامي وماذا يخبئون له.
وينبغي أن ننبه إلى أن " الكاردينال جياكومو بيفي " صاحب هذه التصريحات " رئيس أساقفة بولونيا " هو أبرز المرشحين لخلافة كرسي البابوية، وينظر إليه النصارى على أنه حامل الحق الكاثوليكي في العالم.
ورغم هذه التصريحات النارية قالت صحيفة " لا ريبليكا ": إن بيفي أكثر محافظة من البابا الحالي جون بول الثاني "
وصدق الله: " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ".
01/01/2002
http://www.islamweb.net المصدر:
==============
#البابا وتبني خط متشدد
عماد خضر
29- 10- 2006
الجدل ما يزال محتدما حول مقاصد بابا الفاتيكان عندما تطرق في محاضرة في جامعة ريغينز بورج في ألمانيا إلى ما اعتبر مقارنة بين المسيحية والإسلام، بنيديكت السادس عشر تناول في المحاضرة جدلية العلم والإيمان، لكن استشهاده بكتاب من القرن الرابع عشر ينتقد فيه الإمبراطور إيمانويل الثاني الدين الإسلامي ورسوله الكريم والجهاد جعل الأنظار تتوجه نحو رؤية البابا للإسلام، رغم أن انتقاده كان مركزاً على العلمانية عندما قال: "العقل الذي يصم أذنيه عن وجود الله، ويضع الدين في خانة الثقافات الهامشية هو عقل غير قادر على إدارة حوار الحضارات".
هذه التصريحات كشفت للجميع عن أزمة كبيرة في الكنيسة الكاثوليكية ذاتها، وهو ما بدا واضحاً مع محاولات الكنيسة التهوين من شأن هذا التصرف في أكثر من مناسبة.
الخطورة في توقيت التصرف البابوي أنه جاء في مرحلة تعلو فيها الأصوات الداعية إلى صراع الأديان أو صدام الحضارات في ظل احتقان عقائدي وسياسي بين العالم الإسلامي والغرب، وارتفاع حالة التوتر بفعل التعسف الذي تعمد إليه الإدارة الأمريكية، وحملها لواء مجابهة الإسلام بالاحتلال والقتل البارد والهيمنة.
فقد سبق ونادى الكثير من زعماء الغرب وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بحرب صليبية، وأعرب عن اعتقاده بأن تلك التصريحات أبرزت ما وصفه بأنه "النضال من أجل الحضارة" وضد التطرف الإسلامي، وأهانت صحيفة اليولاند بوسطن الرسول الأكرم - صلى الله عليه وسلم - في رسوماتها الساخرة والمليئة حقداً وبغضاً، ولاقت الدنمارك تعاطفاً وتضامناً رسمياً وشعبياً في كافة أنحاء أوروبا، وتداولت صحف أخرى الرسوم.(2/13)
ثم التقط بوش ثانية عبارة فوكوياما عن الأصولية الإسلامية الفاشية فقدم عبارته الشهيرة ليتحدث عن "فاشية إسلامية"، وبعدها وظف تصريحات البابا لصالحه، حيث قال: إن كلمات البابا تأتي في سياق الحرب ضد الإرهاب، وها هو بينيديكت السادس عشر قدم بتصريحاته شرعية دينية ستجد صداها في تعامل المسيحيين مع الإسلام والمسلمين في العالم، خاصة في المجتمعات الغربية، وتعطي الراية لليمين المحافظ الذي يتصاعد بريقه في أوروبا، خاصة في أوساط النخب الحاكمة والقوى السياسية والاجتماعية، والذين يرون العالم بمنظار الرئيس بوش إما هم وإما نحن، وأن الغرب لم يهاجم الإسلام وإنما هم الذين هاجموا الغرب الذي عليه الدفاع عن نفسه، وهذا يجعل المواجهة مع الإسلام مفتوحة على كل الصعد.
الظاهر أن البابا يواجه تحديات عديدة في عمله البابوي على أكثر من صعيد، وهو ما انعكس بصورة أو بأخرى على تصرفه غير اللائق والبعيد عن الحكمة والعدالة، وبالضرورة تبرز هنا قضية التعاطي مع ما يراه المراقبون المحافظون في الغرب من صعود الإسلام وانتشاره في المجتمعات الغربية، وقد شكل هذا الموضوع محور العديد من المقالات والتقارير في الصحف والمنابر المسيحية المحافظة التي دعت صناع القرار والرأي العام في أوروبا إلى استعادة القيم المسيحية، والارتداد إلى تعاليم الكنسية، أمام موجة "التأسلم" في أوربا معقل الكاثوليكية الذي يتهاوى مع عزوف الغربيين عن الكنيسة، وتزايد موجات الإلحاد في العالم الغربي، وهو ما يؤشر على تقهقر الكنيسة الكاثوليكية، وتراجع أتباعها.
والبابا في ذلك يعد من أشد المدافعين عن العقيدة الكنيسة، ويؤكد على ثوابتها الأخلاقية، فقد أمضى قرابة العقدين في أروقة الفاتيكان، وشغل منصب عميد كلية الكرادلة، ورئيس التجمع من أجل ميثاق الإيمان، ولذلك فهو يعتبر من المتشددين فيما يخص بالمذهب الكاثوليكي.
وخلال خدمته في الفاتيكان عرف بلقب "الكاردينال لا" أي المعارض، حيث كان يعارض أي تطورات تحريرية داخل الفاتيكان والمذهب الكاثوليكي، رغم أنه كان يوصف بأنه ليبرالي خلال فترة الستينيات من القرن العشرين عندما عمل كمستشار لمجلس الفاتيكان الثاني، إلا أنه تحول لاحقاً ليصبح أشبه بشرطي يقوم على حماية الحدود العقائدية للمذهب الكاثوليكي.
وهذا التخوف يمكن فهمه عبر شقين: الخوف من العلمنة الغربية، بمعنى تصاعد المادية، وتزايد الإلحاد، والبعد عن الدين في الغرب، مع تزايد العداء من جانبها للمعتقدات الدينية والسخرية منها وخصوصاً الكاثوليكية، وهو ما انعكس في رفض الاتحاد الأوربي طلب البابا النص على الجذور المسيحية لأوروبا في دستورها الموحد، وجانب من هذه الأسباب متعلق بضعف الكنيسة في أمريكا وأوروبا، وانتشار فضائح القساوسة الجنسية في النمسا وأيرلندا والولايات المتحدة.
والثاني: مجابهة الانتشار الإسلامي الذي أصبح يشكل تحدياً من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية الغربية ومستقبلها، وهو ما يتطلب نوعاً من المنافسة لجذب الأتباع أمام موجة الإلحاد والمادية التي طغت على العالم، ويبدو أن البابا في محاضرته "الأكاديمية" لم يستحضر موقف ذاك الإمبراطور من الإسلام إلا من أجل استحضار الروح الأوروبية في العصر الوسيط، وإدخالها في العقل الأوروبي حاكماً ومحكوماً.
إذن هل رئيس الكنيسة البابوية يتقبل الإسلام ويتوافق معه؟
لا نبالغ إذا قلنا بأن البابا غير متوافق إلى حد ما مع الإسلام، وهذا ما يخلص له المراقب العادي للأزمة الراهنة، ونضيف بأن هناك مؤشرات تدلل على ذلك، فقد سبق له أن اعترض لأسباب دينية على انضمام تركيا للاتحاد الأوربي، ووصف ذلك بأنه "خطأ فادح"، و"قرار مخالف للتاريخ" على حد زعمه، كما أنه طالب البابا الراحل يوحنا بولس الثاني حينما زاد وطيس النقاش حول الدستور الأوروبي الموحد على أن ينص هذا الدستور إلى مسألة الجذور المسيحية للقارة الأوروبية هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان هو ذاته قد ألقى كلمة ندد فيها بكراهية اليهود أثناء منتدى عقد في نيويورك حول معاداة السامية عام 2004، لذا ليس غريباً أن يصفه كبير حاخامات تل أبيب "مائير لاو" بأنه صديق للشعب اليهودي.
ومن المقرر أن يزور البابا الألماني المولد معبداً يهودياً خلال زيارته لألمانيا، وهو ما سيكون المرة الثانية التي يدخل فيها أحد البابوات مكان عبادة يهودي خلال ألفي عام، وهناك أمر واحد واضح وهو أن يوجد خلاف عقدي أصيل بين الديانتين، وأن البابا كان يفيد الحقيقة عندما أشار إلى هذه المسألة، وهذا يجعل المسلمين أكثر قناعة بأن الغرب معاد للإسلام، ومصمم على المضي قدماً في حرب صليبية جديدة.
المرجعيات والرموز الدينية مهما كانت ديانتها يجب أن تدعو إلى التسامح والتعايش، ونبذ العنف وتجنب توجيه أي إساءات للديانات الأخرى أو أنبيائها التي تعد من المحرمات المس بها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لأن الكلمات هنا محسوبة، وقد تترجم إلى أعمال عنف لدى أتباعها كما شاهدنا، وفي هذا الإطار يمكن أن تسهم إساءته إلى الإسلام والمسلمين من المنطلق الكنسي في الحملة الجارية لترسيخ هيمنة مطلقة على المنطقة الإسلامية.
وهذا مؤشر خطير يطرح أكثر من علامة استفهام حول فكرة الحوار بين الأديان التي يقودها الفاتيكان، ويسهم فيها علماء مسلمون، أيضاً يستدعي ذلك التأمل في مسألة التستر بانتقاد الحركات المتشددة للطعن في الإسلام، فالبابا كشف عن أن الكراهية متوجهة للإسلام ذاته بغض النظر عن المتطرفين فيه أو المعتدلين، وهذا ليس بغريب عن البابا الحالي فهو غير متحمس للحوار بين الأديان والثقافات منذ البداية، بل يدعو إلى الحوار من زاوية واحدة تنطلق من مفاهيم الكنيسة الكاثوليكية مع قابلية استيعابها لسواها من الطوائف والكنائس المسيحية، وتعاملها وفق مبدأ الضرورة مع الأديان الأخرى كالإسلام.
يبدو أن بنديكت السادس عشر يحمل حساسية خاصة تجاه الإسلام تجلت في العديد من مواقفه السابقة، منها تصريحاته التي يعلن فيها عن تحالف الكنيسة الكاثوليكية مع الإدارة الأمريكية الحالية، وهي المعروف عنها ميولها الأصولية المسيحية المتطرفة، كذلك علاقاته الوثيقة مع الحركات اليهودية، وحرصه الكبير على التودد لكل ما هو يهودي ديانة أو تاريخاً، أو ثقافة أو موقفاً سياسياً، كذلك حشر نفسه مراراً في التعليق على الفكر الإسلامي بدون أي معنى.
على أن أبرز ما يحوز الاهتمام هو ما يتصل مباشرة بالعالم الإسلامي للوقوف على درجة التعاون أو الصدام بين البابا وبين الإسلام، وموقفه من حوار الأديان الذي طالما شجعه البابا السابق "يوحنا بوليس الثاني".
ويبدو أن بنيديكست السادس عشر في هذا المضمار غير قادر على التعامل مع تحدي انتشار الإسلام، والتعاون معه في إطار حوار الأديان ضد العلمانيين الجدد، وبدلاً من أن يبحث نقاط الالتقاء مع المسلمين يعمل على توسيع الهوة وهو ما سيلقي بظلاله على العلاقة بين أكبر ديانتين على وجه البسيطة على المستوى العقائدي قد تصل لصدام حضاري جديد تباركه الكنيسة بعدما بدأته الولايات المتحدة، أو على المستوى الحياتي حيث سيثير العديد من التساؤلات حول وضوح الرؤية في أوروبا نحو الأقليات المسلمة الأوروبية النشأة والمنشأ.(2/14)
ونزيد القول بأن الإساءة قد تعبر عن سياسة كنسية جديدة إذا طالعنا فحوى لقاء البابا مع رئيس وزراء بريطانيا توني بلير في يونيو الماضي، حيث تناول الجانبان التحديات التي تفرزها العولمة، وتضافر الجهود من أجل مكافحة الإرهاب والتطرف، وأهمية الحوار بين الديانات والثقافات للتصدي لما يسمى بالإرهاب.
وكان واحداً من الموضوعات التي تم بحثها هو مدى الحاجة لكي تقف الأصوات المعتدلة في الأوساط الدينية بمختلف أنحاء العالم في مواجهة التطرف الديني "الإسلامي"، من جانبه قال الفاتيكان في بيان له: إن الطرفين أمنا على الدور الذي يمكن أن تلعبه القيم المشتركة للديانات في إثراء الحوار والدعوة للسلام والتضامن، سيما مع "الإسلام المعتدل".
إذن تصريحات البابا تصب المزيد من الزيت على نار الإسلاموفوبيا التي تنتشر حالياً مثل النار في الهشيم في مختلف أنحاء العالم الغربي، وهذا لا يخفي أن هناك انهياراً واضحاً في القناعات الدينية لدى الأجيال الجديدة في الغرب، وفي أوروبا تحديداً، وهناك شكاوى من انصراف الناس عن الكنيسة وعن المسيحية إلى عقائد أخرى وخاصة إلى الإسلام، وإلى طغيان المادية وضمور الجانب الروحي في حياة المجتمعات الأوروبية، فالكنائس أصبحت عبارة عن متاحف تقريباً ولا يتردد عليها الناس بشكل منتظم.
ولكن في السنوات الأخيرة طرأ نوع من التحول على النفسية الأوروبية، فقد أخذت تعود إلى الدين، وتبحث عن الروحانيات بكل سبيل، غير أن هذه العودة لم تكن إلى الدين المسيحي بالمعنى التقليدي للكلمة، وإنما إلى التصوف، والحكمة الشرقية، وشهدنا إقبال قطاع واسع من الفرنسيين على العقيدة البوذية، والروحانيات الشرقية بشكل عام، في الوقت الذي يشير إلى الحضور المتنامي للمسلمين في المجتمعات الأوروبية، وهو ماض في طريقه لأن يصبح جزءاً من المشهد الاجتماعي والثقافي والسياسي في البلدان الأوروبية، بل ويتقدم بقوة كل يوم داخل الغرب نفسه برغم كل المؤثرات المضادة، وأيضاً يفسر السبب الحقيقي وراء الإساءة البابوية.
* انقسامات في وسط الكنيسة:
منتقدو البابا من داخل الكنيسة يشيرون إلى أهمية مراعاة حساسيات الآخرين، وضرورة الالتفات إلى انفضاض الأتباع عن الكنيسة بدلاً من الدخول في نقاشات نظرية لا تفيد، فأقوال البابا أوجدت انقسامات كبيرة بين الكاثوليك التقليديين والتقدميين المعتدلين، وحتى أولئك الذين كانوا راضين عن البابا، ويقولون إنه لن يدخل في مواجهة مع الجناح الليبرالي لكنيسته؛ غيروا نظرتهم الآن.
وبحسب بعض المقالات التي نشرت على خلفية الجدل الدائر حالياً فإن البابا بنيديكت السادس عشر كان يخطط بهدوء لعدد من التغيرات الرئيسية في الترتيب الوظيفي داخل الفاتيكان، وهو ما حدث بالفعل منذ وقت قصير، حيث قام بتعيين الكاردينال تارشيسيو بيرتوني وزير الدولة الجديد، وهو منصب بمثابة رئيس الوزراء خلفاً للكارديأنجلو سودانو (79 عاماً) الذي تقلد المنصب منذ عام 1991 ، وكانت له مواقف واضحة ومؤيدة للقضايا العربية وخاصة في فلسطين والعراق، مع ملاحظة تزامن التغيير مع الأزمة الحالية وفي نفس الوقت أعلن الفاتيكان عن تعيين كبير الأساقفة مونسينور دومينيك مامبيرتي وزيراً للخارجية خلفاً لكبير الأساقفة جيوفاني لايولو الذي تم تعيينه كرئيس لمحافظة مدينة الفاتيكان .
أما التغيير الأخطر فيتمثل في إبعاد المطران البريطاني مايكل لويس فتزجيرالد من منصبه الهام كرئيس للمجلس البابوي للحوار بين الأديان ليصبح سفيراً بابوياً لدى القاهرة وجامعة الدول العربية على الرغم من أن فتزجيرالد يعد من رواد الحوار المسيحي الإسلامي منذ ما يزيد علي أربعين عاماً، فضلاً عن عدم تعيين البابا رئيساً جديداً للمجلس الذي تم إلحاقه بالمجلس البابوي للثقافة .
وقد كان قرار البابا نقل فيتزجيرالد من منصبه إلى مصر ليكون المبعوث البابوي فيها في نظر الكثيرين ليس ترقية بل العكس، على اعتبار أن فيتزجيرالد باحث متعمق في الشؤون العربية، وخبير له باع في العالم الإسلامي , وهو ما أثار تساؤلات البعض عن مدى حكمة هذه الخطوة، وفي مقدمتهم الأب توماس ريز، وهو حجة في شئون الفاتيكان، الذي أعرب عن قلقه في حوار أجرته معه شبكة ' بي بي سي ' البريطانية في إبريل الماضي، ووصفه بأنه أسوأ قرار للبابا، وأضاف لقد كان فيتزجيرالد الأكثر فطنة في الفاتيكان فيما يتعلق بالعلاقة مع المسلمين، وبأن شخصاً مثل هذا لا ينبغي إقصاؤه بل الاستماع إليه.
* هل يسير بنيدكست السادس عشر على عكس خطى يوحنا بولس الثاني؟
لا يخفى أن "يوحنا بولس الثاني" قاد منذ اعتلائه منصب البابوية حملة ساعدت في تحويل الصراع إلى تعاون بين أكثر من مليار كاثوليكي وأكثر من مليار مسلم، وربما ساعدت مواقفه المعلنة في تجنب صدام حضارات عقب تفجيرات نيويورك وواشنطن، حيث خشي كثيرون أن يتفجر بعد تلويح الرئيس بوش بحملة صليبية، واندلاع حرب دينية حقيقية ضد المسلمين في العالم الغربي.
وقبلها جاءت زياراته لأول مرة في تاريخ البابوية لمسجد وهو المسجد الأموي الذي زاره بدمشق في مايو 2001، ومنذ ذلك الحين اكتسب البابا يوحنا بولس الثاني سمعة بين الزعماء المسلمين باعتباره زعيماً مسيحياً يدين العنف، بغض النظر عن لونه السياسي، معبراً عن معارضته للغزو الذي قادته الولايات المتحدة على أفغانستان والعراق عام 2003، ورفضه للإساءة للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - إبان أزمة الرسوم الكاريكاتيرية في الدانمارك.
في المقابل كانت مواقف راتسينجر العلنية قبل توليه كرسي البابوية تمثّل الاتجاه الذي قرّرته الكنيسة الكاثوليكية لنفسها في عهد الراحل يوحنا بولس الثاني، لكن السؤال يبقى قائماً داخل الكنيسة وخارجها عن ما دفع البابا إلى نبش الكتب القديمة بعد أن أضاع تصريحاته بلمح البصر مواقف برز فيها الفاتيكان.
التساؤلات تبقى مشروعة في كيف سيتعامل البابا منذ الآن مع العالم الإسلامي؟ هل سيتجه إلى التعاون، أم إلى التنافس، ويتبنى خطاً متشدداً يواكب الحملة الصليبية السياسية التي تقودها أمريكا وأوربا حالياً.
http://www.alasr.ws:المصدر
==============
#وجاء دور البابا.. جرائم كرسي البابوية بحق الأمة الإسلامية
شريف عبد العزيز
4 رمضان 1427هـ الموافق له 26 سبتمبر 2006م
نعم لقد عاد منصب البابوية ليمارس دوره التاريخي والريادي في قيادة الحرب الأبدية والمفتوحة ضد الأمة الإسلامية, هذا الدور الذي خفت صوته وإن بقي أثره مع قيام الثورة الصناعية في أوروبا، ودخولها في طور العلمانية والماسونية المعادية, والتي تعادي الدين ممثلاً في الكنيسة, وذلك بعد الانحرافات الهائلة التي وقعت من قادة الكنيسة ورموزها, عاد كرسي البابوية لدوره القديم في توجيه وتدشين الحملات الصليبية من جديد على العالم الإسلامي, عاد البابا ليمنح صكوك الغفران، وتذاكر دخول الجنة لمن يستجيب للنداء المقدس! ويذهب لشرب دماء المسلمين وخيراتهم, ولقد كنا أول من نبه على خطورة هذا البابا المحارب في المقال المعنون بـ'بعد اختيار بابا من ألمانيا هل ينتظر المسلمون حرباً صليبية جديدة؟!', وذلك عند إعلان اختيار بينيدكت السادس عشر رأساً جديداً للكنيسة الكاثوليكية, وأن هذا البابا يضطرم بروح صليبية خالصة وعنيفة ضد الإسلام والمسلمين ستدفعه لا محالة للتحضير لحرب صليبية على العالم الإسلامي، ربما تكون الأكبر والأعنف في تاريخ المسلمين، وربما تكون أولى الملاحم المذكورة في السنن.(2/15)
ونحن في هذا المقام لسنا بصدد تفنيد الأباطيل والأكاذيب التي حشا بها البابا محاضرته المشهورة عن الإسلام والنبي - صلى الله عليه وسلم - فهي شبهات ممجوجة، وترهات سبق لكثير من العلماء الأفذاذ أن ردوا عليها، وأفحموا عباد الصليب وغيرهم فيها, ولكننا سنرد على هذا الدعي الكذاب شبهته التي حاول أن يعتذر بها عن إساءته المتعمدة للإسلام ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وذلك عندما قال: إن كلامي فهم بالخطأ, وإنني أريد من هذه المحاضرة أن أؤكد مفهوم نبذ العنف ضد الآخرين باسم الدين, وهو بذلك يريد أن يشوّه مفهوم الجهاد عند المسلمين، ودوره البارز في نشر الإسلام وهداية البشر, ووصمه بالوحشية والتعصب, وردنا على هذه الفرية لا يكون بذكر منزلة الجهاد وقدره في الإسلام وأهدافه ودوافعه فهي أمور قد قتلت بحثاً وتصنيفاً, وإنما يكون كشف زيف هذه الدعوى من الدعي بييندكت بكشف الدور التاريخي والبارز لكرسي البابوية في شن الحملات الصليبية ضد العالم الإسلامي من ألف سنة وحتى الآن.
أصل الحروب الصليبية:
ترجع فكرة الحروب ذات الطابع الديني الخالص لكرسي البابوية التي أضفت على الصراع الخالد بين المسلمين والنصارى صفة الصليبية المتعصبة, وخلال هذا الصراع الطويل برز العديد من الباباوات الذين كان لهم دور بارز في تأجيج المشاعر العدائية ضد الإسلام والمسلمين تمثلت في حملات صليبية عالمية على الأمة المحمدية منهم ما يلي:
· البابا حنا العاشر:
يعتبر البابا حنا العاشر [914 - 928] أول من نادى بطرد المسلمين من الحوض الغربي للبحر المتوسط؛ بدءاً بجنوب إيطاليا وجزر البحر المتوسط وجنوب غربي فرنسا ثم إسبانيا, وهي الفترة التي كانت دولة الإسلام في الأندلس وقتها في أوج قوتها ومجدها تحت قيادة عبد الرحمن الناصر أول من تلقب بأمير المؤمنين في الأندلس, وكان البحارة المسلمون وقتها أيضاً مسيطرين على حوض البحر المتوسط، وفتحوا الكثير من الجزر، وهددوا روما نفسها بغارات قوية كادت واحدة منها أن تفتح روما وذلك سنة 324 هجرية, وكانت البابوية وقتها في حالة صراع مرير ضد الإمبراطور أوتو الكبير عطلت دعوات حنا العاشر وخططه نحو شن حرب صليبية ضد المسلمين.
· البابا إسكندر الثاني:
يعتبر إسكندر الثاني [1061- 1073] أول من استخدم فكرة صكوك الغفران كورقة لتحميس الأوروبيين على حرب المسلمين, وذلك عندما دعاهم سنة 1063م - 455هـ لنجدة إخوانهم الأسبان في الأندلس من نير المسلمين, مع العلم أن المسلمين كانوا وقتها في أضعف حالاتهم تحت حكم ملوك الطوائف, وقد أسفرت هذه الدعوة عن واحدة من أشد المجازر البشرية روعة عندما شن نصارى أوروبا حرباً صليبية بقيادة قائد فرسان البابوية على مدينة بربشتر في شرق الأندلس سنة 1064م - 456هـ راح ضحيتها أربعون ألف مسلم ومسلمة، غير آلاف الأسارى من البنات والصبيان.
· البابا جريجوري السابع:
يعتبر البابا جريجوري السابع هو أكبر وأهم من تولى منصب البابوية في التاريخ الكنسي كله, وهو مؤسس فكرة الحملات الصليبية الشهيرة على العالم الإسلامي بالشام ومصر, وقد تولى البابوية خلفاً لإسكندر الثاني سنة 1073م - 466هـ, وهو بالمناسبة ألماني الأصل, وكانت ولايته للبابوية نقطة تحول فاصلة في حياة البابوية, إذ أصبح البابا من عهده هو سيد العالم النصراني، وسيد أوروبا المطلق، وصاحب السلطة الأكبر والأهم على نصارى العالم القديم, وقد أثبت ذلك في صراعه ضد الإمبراطور هنري الرابع الذي اضطر للتوجه إلى قلعة كانوسا حيث مقر إقامة البابا جريجوري السابع طلباً لمغفرة البابا وصفحه بعد أن ثار عليه شعبه وقواده, وإمعاناً في إظهار السيادة والقوة تركه جريجوري ثلاثة أيام حافياً عاري الرأس على الجليد حتى يرضي عنه, هذا البابا أول من أشعل الحملات الصليبية على الأمة الإسلامية, ولكن العمر لم يطل ليشهد انطلاق هذه الحملات حيث هلك سنة 1088م، وترك ذلك لتلميذه النجيب أوربان الثاني.
· البابا أوربان الثاني:
وقد أخذ على عاتقه إدخال الحملات الصليبية موضع التنفيذ, وقد قام بجولة أوروبية واسعة لحشد الرأي العام، واستثارة الهمم الصليبية من أجل ذلك, ثم دعا لمؤتمر مصيري في كليرمونت بفرنسا في 27 نوفمبر سنة 1095م, وفيه أطلق صيحته الشهيرة [إنها إرادة الرب], وأمر كل مسيحي ومسيحية بالخروج لنجدة القبر المقدس من أيدي الكفرة [يعني المسلمين]، ثم أفاض في حديث مليء بالكذب والأباطيل عن الاضطهادات التي يتعرض لها النصارى والحجيج ببلاد المسلمين, فأدى ذلك لاشتعال روح حماسية عارمة بأوروبا نحو حرب المسلمين، والخروج إلى بلادهم, وقد أرسل أوربان أحد الرهبان المتعصبين واسمه بطرس الناسك, وكان ذا موهبة خطابية فائقة, فطاف أوروبا بأسرها يدعو النصارى لمحاربة المسلمين, ونتيجة لخطب ومواعظ بطرس الناسك الحماسية والمليئة بالمؤثرات من بكاء وعويل وأكاذيب خرج مئات الآلاف من نصارى أوروبا استجابة لنداء البابا، ورغبة في المغفرة ودخول الجنة بزعمهم, وذلك بلا نظام ولا ترتيب ولا قيادة, وهي الحملة المعروفة باسم حملة الرعاع والتي أبادها السلاجقة، ومؤرخو أوروبا يغفلون ذكر هذه الحملة ولا يعدونها من ضمن الحملات الصليبية، ثم تلت هذه الحملة الفاشلة حملة الأمراء وكان معظمهم من فرنسا، وقدرت بمليون مقاتل صليبي وذلك سنة 1099م - 490 هـ, وهي الحملة التي تنجح في إقامة أربع إمارات صليبية بالشام وذلك بطرابلس وأنطاكية وبيت المقدس والرها وذلك بعد سفك دم قرابة المليون مسلم ومسلمة، والجدير بالذكر أن أوربان الثاني قد هلك قبل أن يفرح بنجاحات الحملة بأرض الشام.
· البابا أوجينيوس الثالث:
وكان يعتلي كرسي البابوية سنة 1144م - 539 هـ عندما استطاع الأمير المجاهد عماد الدين زنكي أن يفتح الرها، فأصدر أوجينيوس الثالث مرسوماً داعياً أوروبا لحملة صليبية جديدة على بلاد الإسلام للثأر للدين الحق بزعمه! وقد أطلق على هذا المرسوم عنوان [قدر الأسلاف], وبالفعل استجاب لويس السابع وكويزاد الثالث ملكا فرنسا وألمانيا لنداء البابا، وشنا الحملة الصليبية الثانية والتي تحطمت على أبواب دمشق سنة 543 هـ - 1148م.
· البابا باسكوال الثاني:
وهو الذي أنشأ جماعة فرسان المستشفى والمعروفة في المراجع العربية بالإسبتارية وذلك سنة 1113م - 509 هـ، وكانت في البداية رعاية مرضى حجاج بيت المقدس وخدمتهم، ثم تحولت لجماعة حربية شديدة البأس والتعصب تحت قيادة الراهب الإيطالي جيرار الملقب بحامي فقراء المسيح.
· البابا كالكتس الثاني:
وهو الذي أنشأ جماعة فرسان معبد سليمان أو الداوية كما هو معروف في المراجع العربية, وكانت مهمتهما حماية طريق الحجاج، وهذه الجماعة من أشد الجماعات الصليبية تعصباً وحقداً على المسلمين وحماسة في قتالهم، وهذه الجماعة وسابقتها عملت على تنمية الروح الصليبية الخالصة، ونشر فكرة التطوع، ونذر النفس لمحاربة المسلمين، وكانت تقوم على فكرة المزج بين الرهبنة والجندية, ومعظم فرسانها من الرهبان والقساوسة, وكان المسلمون إذا ظفروا بأي أسير من هاتين الجماعتين قتلوه فوراً لكثرة جرائمهم ووحشيتهم ضد المسلمين، وكانت هاتان الجماعتان تحت الإشراف المباشر لبابا روما, ولهما من الامتيازات والإقطاعات ما يكفيهم عن العمل والتفرغ لقتال المسلمين.
· البابا جريجوري الثامن:(2/16)
بعد أن حقق المسلمون بقيادة صلاح الدين انتصارهم العالمي، وحرروا بيت المقدس سنة 583 هـ - 1187م، خرّ ميتاً من هول الصدمة البابا أوربان الثالث، وخلفه البابا جريجوري الثامن وكان شيخاً كبيراً ولكنه سعى بكل جهده لشن حملة صليبية ثالثة على العالم الإسلامي, فأرسل خطاباً عاماً لنصارى أوروبا، ووعدهم فيه بالمغفرة الكاملة لجميع خطاياهم، وفرض عليهم صياماً في كل يوم جمعة على مدى خمس سنوات قادمة، وفرض عليهم ضريبة تقدر بـ10% من دخولهم عرفت باسم ضريبة صلاح الدين, والامتناع عن أكل اللحوم في أيام السبت والأربعاء من كل أسبوع، وقد أدى هذا الخطاب لحماسة جارفة عمت أنحاء أوروبا أسفرت عن الحملة الصليبية الثالثة والمعروفة باسم حملة الملوك.
· البابا أنوسنت الثالث:
تولي البابا أنوسنت الثالث كرسي البابوية سنة 1198م - 595 هـ وكان صغيراً نوعاً ما مقارنة لمن سبقوه من الباباوات، وهذا البابا أحدث تغيرات خطيرة وجذرية بمكانة كرسي البابوية أشبه ما يكون بجريجوري السابع، حيث كان يرى أن البابا يجب أن يكون صاحب سلطة روحية وزمانية أو نوعاً من القسيس الملك، ورفض أن يكون دور البابا منحصراً في مجرد الدعوة للحملات الصليبية، ومنح صكوك الغفران، بل يجب أن يكون الأمر كله تحت سيطرة البابوية، لذلك كان أنوسنت الثالث أكثر الباباوات محاربة للمسلمين وشناً للحملات الصليبية ضدهم، وهو أول من حول دفة الهجوم من الشام إلى مصر مركز الثقل في العالم الإسلامي وقتها، وبالفعل أثمرت جهود أنوسنت الثالث لشن الحملة الصليبية الرابعة وذلك سنة 600هـ - 1204م والتي تعتبر أفشل الحملات الصليبية؛ حيث توجهت للقسطنطينية عاصمة بيزنطة بدلاً من بلاد الإسلام وذلك بسبب العداء المذهبي بين البيزنطيين الأرثوذكس والفرنجة الكاثوليك.
ورغم هذا الفشل الذريع لأنوسنت الثالث في الحملة الرابعة إلا أنه عاد وأرسل حملة أخرى سنة 1216م - 612هـ, وقد اختار هذه السنة تحديداً بناءً على تفسيره المحرف لبعض نصوص الكتاب المحرف عندهم، حيث كان يفسر ما ورد في سفر الرؤيا من أن عدد سنوات عمر الوحش هو 666، والوحش في تفسيره هو الإسلام، وإذا كان ظهور الإسلام بحسابه سنة 622 ميلادية و666 تكون السنة التي توقع فيها نهاية الإسلام سنة 1288م؛ لذلك كان أنوسنت على يقين بأن حملته ستقرب المسلمين والإسلام من هذه النهاية, ولكنه سرعان ما هلك سنة 1216م قبل أن تتم الاستعدادات لهذه الحملة, وكان هلاكه بشرى كبيرة للمسلمين فإنه من أهم وأخطر الشخصيات التي تولت كرسي البابوية, وكان النصارى في أوروبا يقولون عنه: [إنه أدنى من الله وأعلى من البشر، قاضي القضاة الذي لا يقاضيه أحد].
· هونريوس الثالث:
وهو الذي خلف البابا أنوسنت الثالث، وسار على نهجه، واستكمل الدور الذي بدأه في شن الحملة الصليبية الخامسة على المسلمين, وتأكيداً لسياسة أنوسنت الثالث أرسل هونريوس مبعوثاً من طرفه هو الكاردينال البرتغالي 'بلاجيوس' لقيادة الحملة ليس فقط روحياً وإنما أيضاً عسكرياً وميدانياً, وكان بلاجيوس هذا تلميذاً نجيباً لأنوسنت الثالث يؤمن بكل مبادئه, ويفيض كراهية وكرهاً على المسلمين, شديد الإيمان بفكرة الحروب الصليبية, ولكنه كان لا يصلح بالمرة للقيادة العسكرية, فهو ضيق الأفق, عديم الخبرة, مستبد, مغرم بنفسه, شديد العناد, وهي خصال كلها كانت متوافرة في أستاذه أنوسنت, وأيضاً هي الخصال التي ستؤدي لفشل الحملة التي قادها على دمياط سنة 1221م - 618هـ.
· جريجوري التاسع:
وهذا البابا يعتبر تجسيداً حقيقياً وواضحاً عن النفسية البابوية المليئة بالحقد والكراهية للإسلام والمسلمين, ذلك أن أكبر ملوك أوروبا وقتها وهو الإمبراطور 'فريدريك الثانى' قد تلكّأ في الخروج لقتال المسلمين بسبب عدم اقتناعه بفكرة الحروب الصليبية بالكلية, ما حدا بالبابا أن يصدر مرسوماً بالحرمان الكنسي والطرد من الرحمة بحقه وذلك سنة 1227م - 624هـ, وأجبره على الخروج في حملة صليبية على بلاد الإسلام وهي الحملة السادسة, ولقد استطاع فريدريك أن يستولي على بيت المقدس عن طريق التفاوض مع ملك مصر الذليل الجبان 'محمد الكامل الأيوبي' وذلك من غير ضربة سيف واحدة, فما كان من جريجوري التاسع إلا أن أصدر قراراً ثانياً بحرمان فريدريك من الجنة! وأطلق عليه لقب الزنديق الأكبر, وقال كلمته الشهيرة والتي تعبر بصدق عن النفسية الحاقدة على الدين وأهله: "إن الملوك الصليبيين يذهبون لسفك دماء المسلمين وليس للتفاوض معهم"، وبعدها شنت البابوية حرباً لا هوادة فيها ضد أسرة فريدريك كلها وأبادتها بالكلية, ودبرت عدة محاولات لاغتيال فريدريك ولكنها باءت بالفشل وذلك كله لأن فريدريك رفض الانصياع لأوامر البابا في قتال المسلمين.
· أنوسنت الرابع:
وهو أول بابا في تاريخ البابوية يفكر في تشكيل حلف نصراني - وثني ضد العالم الإسلامي, وذلك عندما أرسل إلى خان المغول يعرض عليه مشروعاً شريراً لمحاربة العالم الإسلامي من الجهتين الشرقية والشمالية من أجل إبادة المسلمين بالكلية, وقد أوفد البابا الشرير من أجل استمالة المغول المئات من الأوروبيات الزانيات من أجل إغواء المغول كخليلات وعشيقات, وكان لهذا السلاح مفعول السحر خاصة أيام الطاغية هولاكو, ولكن هذه المحاولات ورغم كثرتها وتأثيرها الجزئي إلا أنها فشلت في النهاية بسبب إصرار الخان على خضوع البابا والأوروبيين له، ودفع الجزية السنوية له.
ولما فشلت مساعي أنوسنت الرابع اتجه نحو إعلان حرب صليبية جديدة على العالم الإسلامي كانت الأكبر والأفضل تنظيماً وتسليحاً وقيادة؛ إذ ندب لقيادة الحملة ملك فرنسا 'لويس التاسع'، وخلع عليه لقب قديس, وكان لويس التاسع شديد الإيمان بفكرة الحروب الصليبية ووجوب محاربة المسلمين وذلك سنة 1249م - 647 هـ، ولكن هذه الحملة كان مصيرها الفشل الذريع كسابقتها.
بعد ذلك عمت روح من الفتور في أرجاء أوروبا، وفقدت البابوية حماستها المتقدة, وانشغل الباباوات خلال هذه الفترة بمشاكلهم الداخلية مع قادة الدول الأوروبية، والصراع ضد أسرة الهوهنشتاوفن الألمانية والحركات الإلحادية في جنوب فرنسا، باستثناء المحاولات التي قام بها البابا كليمنت الرابع وخليفته نيكولاس الرابع من أجل تشكيل حلف بين المغول والصليبيين للتصدي لدولة المماليك القوية الآخذة في النمو والتمدد نحو الشام وحدود العراق وذلك سنة 1267م - 1274م.
وظل الأمر هكذا حتى ظهرت الدولة العثمانية في منطقة الأناضول وذلك في أوائل القرن الثامن الهجري وأواسط القرن الرابع عشر الميلادي.
· البابا كليمانس السادس:
وهو أول الباباوات دعوة لتكوين حلف صليبي مقدس ضد الدولة العثمانية الناشئة في آسيا الصغرى أو الأناضول وذلك سنة 1344م - 744 هـ, وكانت الاستجابة في بدايتها ضعيفة ومحدودة، ولكنها مع الوقت أخذت في التوسع والازدياد خاصة مع الحماسة الدينية المتأججة في قلوب ملوك قبرص التي أصبحت من أخطر البؤر الصليبية على الإسلام والمسلمين في هذه الفترة.
· البابا أوربان الخامس:(2/17)
ويعتبر أوربان الخامس أول الباباوات الداعين لحرب صليبية ضد العثمانيين ولكن بجنود من النصارى الأرثوذكس وذلك سنة 1364هـ - 765هـ، وذلك أن إمبراطور بيزنطة وقتها قد تحول للمذهب الكاثوليكي من أجل إغراء البابا والدول الأوروبية الكاثوليكية بمساعدته ضد قوة العثمانيين المتنامية وذلك أيام السلطان مراد الأول، وقد استجاب لدعوة أوربان الخامس كل من لويس ملك المجر وبولندا، وأمراء البوسنة والصرب ورومانيا، وشكلوا حلفاً صليبياً مقدساً، ولكن هذا الحلف مني بهزيمة ساحقة عند نهر مارتيزا بالقرب من أدرنة، وهذه الهزيمة الكبيرة جعلت أوربان يجن جنونه، ويكلف ملك قبرص الصليبي واسمه [بطرس الأول] بغزو ميناء الإسكندرية، وإيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية فيها، وكان بطرس شديد الصليبية والإيمان بوجوب قتال المسلمين, فاستجاب على الفور لدعوة البابا، وقاد حملة صليبية نزلت بالإسكندرية سنة 1365م - 767 هـ, وارتكبت هذه الحملة مجزرة بشرية مروعة راح ضحيتها عشرات الآلاف من أهل الإسكندرية, ثم غادرها بطرس مسرعاً قبل أن يقوم المسلمون بنجدة المدينة, وكما قال المؤرخون [دخل الإسكندرية لصاً وخرج منها لصاً].
· البابا بونيفاس التاسع:
وهو البابا الذي كان معاصراً للفتوحات العظيمة التي قام بها السلطان مراد الأول، ثم خليفته بايزيد الصاعقة الذي حقق انتصارات باهرة على الجبهة الأوروبية جعلته يسيطر على معظم أجراء البلقان، ويحكم حصاره على القسطنطينية، ما دعا بالبابا يونيفاس التاسع إلى أن يعلن حلفاً صليبياً فيه كل الأوروبيين الكاثوليك والأرثوذكس, وكان الأكبر في القرن الرابع عشر والأضخم في تاريخ الصراع بين الصليبيين والعثمانيين وذلك سنة 800هـ - 1396م, ولأول مرة يقاتل الكاثوليك جنباً إلى جنب مع الأرثوذكس ضد المسلمين، ولقد انتصر بايزيد على هذا الحلف الصليبي الضخم في معركة نيكوبوليس انتصاراً رائعاً، وقال بايزيد مقولته الشهيرة: [سأفتح إيطاليا، وسأطعم حصاني هذا الشعير في مذبح القديس بطرس بروما], وهي المقولة التي أدخلت الرعب والفزع في قلوب نصارى أوروبا عموماً وكرسي البابوية خصوصاً.
· البابا أوجين الرابع:
وهذا البابا ترجمة عملية للغدر والخيانة ونقض العهود، وذلك أن الدولة العثمانية كانت قد وقّعت معاهدة سلام لمدة 10 سنوات مع الدول الأوروبية, وذلك سنة 1442م - 846 هـ, ولم يكن أوجين الرابع راضياً عن هذه المعاهدة, فأرسل من طرفه الكاردينال الإيطالي الشرير 'سيزاريني' فطاف على ملوك أوروبا، وحرّضهم على نقض المعاهدة مع العثمانيين، وأحلهم من وزر ذلك, واصطحب معه صكوك غفران موقعة من البابا أوجين الرابع لكل من يشترك في هذه الحملة, فاستجاب لندائه كل ملوك أوروبا وعلى رأسهم 'لاديساس' ملك المجر، وكانت أخبار اعتزال مراد الثاني الحكم لابنه محمد الثاني ثم تفرغه للعبادة قد وصلت لأوجين الرابع, فقرر استغلال الفرصة للهجوم على العالم الإسلامي وذلك سنة 1448م - 852 هـ، ولكن مؤامراته الشريرة تحطمت تحت سيوف العثمانيين الذين أنزلوا هزيمة ساحقة على التحالف الصليبي، وقتل 'لاديساس' في المعركة، ومعه الكاردنيال الشرير 'سيزارينى'.
· البابا نيقولا الخامس:
وهو البابا الذي كان من قدره أن يكون على كرسي البابوية سنة 1453م - 857 هـ وهي سنة فتح القسطنطينية على يد العثمانيين بقيادة محمد الفاتح، فحاول نيقولا الخامس توحيد الصف النصراني المتشرذم، ودعا إلى مؤتمر دولي في روما لشن حرب صليبية جديدة على المسلمين لاسترجاع القسطنطينية ولكنه فشل في ذلك, فأصيب بالهم والحزن وقتله الكمد سنة 1455م، وحاول خليفته بيوس الثاني تأجيج المشاعر الصليبية بكل ما أوتي من مقدرة خطابية، وحنكة سياسية؛ ولكنه فشل بسبب الخلافات الداخلية بين الدول الأوروبية, والعجيب والمضحك في نفس الوقت أن بيوس الثاني قد أرسل بخطاب للسلطان محمد الفاتح يدعوه فيها إلى دخول النصرانية ودعمها, ووعده بأنه سيكفر عنه خطاياه إن هو أعتنق النصرانية مخلصاً!
· البابا جويلس الثاني:
وهو الذي شكل حلفاً صليبياً ضد العثمانيين أيام السلطان بايزيد الثاني مستغلاً حالة الصراع على الحكم بين بايزيد الثاني وأخيه الأمير 'جم', فكلف البولنديين بالهجوم على مولدافيا التابعة للعثمانيين، وشجع الرومانيين على الثورة على العثمانيين في غرب البلاد, وضم لهذا الحلف فرنسا والمجر وإيطاليا.
· البابا إسكندر السادس:
وهو البابا الذي اشترى الأمير 'جم' من فرسان القديس يوحنا وكان أسيراً عندهم في جزيرة رودوس, وساوم عليه أخاه السلطان بايزيد الثاني من أجل وقف المساعدات عن مسلمي الأندلس, ووقف تهديدات العثمانيين لسواحل اليونان، ولكن بايزيد رفض هذه المساومة الرخيصة، فما كان من إسكندر السادس إلا أن قتل الأمير 'جم', ثم دعا إلى حلف صليبي جديد ضد العثمانيين اشتركت فيه فرنسا وإسبانيا, وذلك سنة 1499م - 905 هـ، فرد بايزيد بكل قوة على هذه الجريمة الصليبية بنصر بحري كبير على البنادقة في خليج لبياتو.
· البابا بيوس الخامس:
خلال فترة حكم السلطان سليم الأول وولده سليمان القانوني بلغت الدولة العثمانية أوج قوتها واتساعها وذلك من سنة 918هـ - 1512م حتى سنة 974هـ - 1566م، وكانت أوروبا وقتها تعيش حالة من الفوضى والصراع السياسي والديني وانقسامات كبيرة فـ'فرنسوا الأول' ملك فرنسا ينافس الإمبراطور شارلكان على كرسي الحكم للإمبراطورية الرومانية المقدسة!، وكان الراهب الألماني مارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي ينافس بابا الكاثوليك ليو العاشر، وهذه الصراعات المتأججة مع قوة العثمانيين المتنامية عطلت الحروب الصليبية عند كرسي البابوية.
وفي نفس السنة التي مات فيها سليمان القانوني تولى فيها كرسي البابوية رجل في غاية الخطورة وهو بيوس الخامس الذي وضع مشروعاً بابوياً لجمع شمل الدول الأوروبية المتنافسة، وتوحيد قواها براً وبحراً تحت قيادة البابوية, كما كان الحال أيام أنوسنت الثالث، واستطاع بيوس الخامس أن يقنع ملك فرنسا شارل الخامس بنقض عهوده مع العثمانيين، وازدادت وتيرة الإعداد لحرب صليبية جديدة بعد نجاح العثمانيين في فتح جزيرة قبرص سنة 979هـ - 1571م، وبالفعل نجحت الحملة الصليبية البابوية التي كان يقودها الأمير 'دون خوان' وهو أخ غير شرعي لملك إسبانيا فيليب الثاني، وهو أيضاً الذي قضى على ثورة المسلمين في غرناطة قبل ذلك بثلاث سنوات نجح في هزيمة الأساطيل العثمانية في معركة ليبانتو سنة 979هـ - 1571م، وكانت أول هزيمة بحرية ينالها العثمانيون منذ أكثر من 100 سنة، ما جعل الأوروبيون يهللون لهذا النصر الكبير, وقام بيوس الخامس بعمل قداس خاص بالمناسبة افترى فيه على الله - عز وجل - الكذب وقال: [إن الإنجيل قد عنى دون خوان نفسه حيث بشّر بمجيء رجل من الله يدعي حنا].
وبعدها حاول بيوس الخامس الاتصال بأعداء العثمانيين مثل شاه الصفويين طهماسب، وملك الحبشة، وإمام اليمن، وسرت روح صليبية خالصة في العالم الأوروبي، وفورة حماسية شديدة ضد العالم الإسلامي.
· جريجوري العاشر:(2/18)
بعد انتصار ليبانتو سنة 979هـ- 1571م لم يحقق الصليبيون انتصارات كبرى على العثمانيين زعماء العالم الإسلامي، وسرت روح من الفتور في الجانبين، وانشغل كلاهما بمشاكله الداخلية وصراعاته الإقليمية، وظل الأمر على هذا المنوال حتى تولي كرسي البابوية 'جريجوري العاشر'، وعلى ما يبدو أن أي بابا يتلقب بهذا اللقب عادة يكون ذا طموحات صليبية خطيرة ضد العالم الإسلامي، فمنذ أن تولي جريجوري العاشر المنصب أخذ في الدعوة إلى تشكيل حلف مقدس ضد العثمانيين, مستغلاً حالة الفوضى داخل الدولة العثمانية نتيجة تولي السلطان محمد الرابع السلطنة وكان ابن سبع سنوات، وقد قرر جريجوري الاستفادة من قوة روسيا القيصرية الصاعدة فضمها للحلف على الرغم من أن الروس أرثوذكس، وكذلك ضم في حلفه النمسا رغم عصيان ملوكها الدائم لأوامر البابوية, ولكن وجود أسرة كوبريلي في منصب الصدارة العظمى داخل الدولة العثمانية عطل مشروع جريجوري العاشر حتى جاء خلفه حنا الخامس عشر والذي استغل فشل الجيوش العثمانية في فتح فيينا عاصمة النمسا سنة 1094هـ - 1681م في تأجيج مشاعر العداء الصليبي ضد العالم الإسلامي, وكان هذا التاريخ هو تاريخ تحول كفة الصراع لصالح الصليبيين، وأيضاً تاريخ خفوت صوت البابوية، وبروز نجم روسيا القيصرية التي ستدخل في حرب صليبية طويلة وشرسة نيابة عن العالم الصليبي ضد الدولة العثمانية زعيمة العالم الإسلامي.
وفي هذه الفترة ظهرت الثورة الصناعية وما صاحبها من محافل ماسونية وأفكار علمانية تحارب الدين ممثلاً في الكنيسة، وحصلت حالة من الفصام النكد بين الدين والحياة في أوروبا، وأصبح دور البابا منحصراً في الجوانب الروحية، بل تعرض منصب البابوية نفسه للإلغاء أيام حكم موسوليني في إيطاليا, ولكن الحقيقة الثابتة والتي لا يستطيع أحد أن يجادل فيها أو يحاول أن يخفيها أن أثر البابا ظل باقياً في كل الحروب والصراعات التي نشبت بعد ذلك بين العالم الإسلامي وأعدائه الغربيين، فلقد كان الطابع الصليبي والحقد الديني بارزاً في كل هذه الحروب والصراعات، وعشرات السنيين التي جثم خلالها الغرب على العالم الإسلامي في صورة احتلال كانت الصليبية والعداوة الدينية طافحة في كافة أعمال وتحركات الغرب، والمجازر الوحشية والمروعة التي قام بها الاحتلال الفرنسي في الجزائر والمغرب ودول غرب إفريقيا ومثيلتها التي قام بها الاحتلال الروسي في القوقاز ووسط آسيا، وغير ذلك كثير يعتبر خير دليل على الحقد الصليبي الطافح في هذه الحروب, والذي يرجع الفضل الأول في إبرازه وتأجيجه ثم تثبيته لكرسي البابوية.
ثم في الوقت الحاضر ماذا يسمي المشئوم بينيدكت السادس عشر حرب البوسنة والمجازر المروعة التي قام بها الصرب الكفرة بحق مسلمي البوسنة, حيث ذبحوا قرابة النصف مليون مسلم, وما قام به الروس الكفرة في حروب الشيشان بحق مسلمي القوقاز، وما يسمى حروب أمريكا على أفغانستان ثم العراق، وما يسمي حرب لبنان ونيجيريا وساحل العاج وإندونيسيا الداخلية حيث وثب النصارى في هذه البلاد على مسلميها، وارتكبوا سلسلة من المجازر المروعة والتي يندى جبين البشرية لمثلها.
فهل يعقل أو يصح بعد ذلك أن يتكلم عن الحرية ونبذ العنف باسم الدين من يجلس على كرسي غارق في الدماء, ويد أسلافه ملطخة بدماء المسلمين عبر سنوات الصراع الأبدي بين الكفر والإيمان.
وعلى ما يبدو أن دور كرسي البابوية قد عاد ليطل برأسه من جديد ليتبوأ مكانه الريادي في قيادة العالم النصراني في حربه المستمرة ضد العالم الإسلامي, وما يدرينا لعل هذا البابا المحارب سيكون شرارة البدء لسلسلة الملاحم الكبرى التي ستقع في آخر الزمان بين الروم والمسلمين. الله أعلم!!
http://www.islammemo.cc:المصدر
================
#نظرية الحرب الاستباقية بين إدارة البيت الأبيض وقداسة البابا
محمد مصطفى علوش
8 رمضان 1427هـ الموافق له 30 سبتمبر 2006م
'الله مع أمريكا، الله يريد أن تقود أمريكا العالم' [الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون].
لم تكن نظرية الحرب الاستباقية نظرية حديثة كما يرى كثير من الباحثين وإن كانت هذه النظرية لاقت رواجاً كبيراً في الآونة الأخيرة مع الحملة العسكرية على العراق وأفغانستان، بل إن هذه النظرية تعود ولادتها إلى الإمبراطورية الرومانية خلال عمرها الذي وصل إلى أربعة قرون, حيث استطاعت أن تحافظ على سلامة وجودها بفضل الحروب الاستباقية التي كانت تشنها بوجه أية دولة تتوجس منها خيفة، إلا أن هذه النظرية كانت شبه غائبة بين الدول العظمى إبان القرن المنصرم, حيث وصفت العلاقة بين المعسكرين الشرقي والغربي بالحرب الباردة, فلم يتم توجيه أية ضربة عسكرية لأي معسكر من قبل المعسكر الآخر في حرب استباقية جنونية، إلا أن هذه النظرية كانت ولا تزال الخيار الاستراتيجي الدائم في فكر الساسة الإسرائيليين؛ فقد قامت إسرائيل بتطبيق هذه النظرية في حرب 67، وبضربها المفاعل النووي العراقي عام 1981م، إلا أنه مع قدوم المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض [ريتشارد بيرل وبول وولفووتيز وكوندوليزا رايس ورونالد رامسفيلد وديك تشيني] وخصوصاً بعد 11 أيلول 2001م أصبحت هذه النظرية هاجس السياسة الأمريكية في علاقاتها مع الدول المارقة, حيث من وجهة نظرهم يجب معاقبتها وإجبارها عسكرياً على الانصياع والدوران في الفلك الغربي التي تقوده الولايات المتحدة, ولعقد من الزمان نجحت الآلة الأمريكية القوية في فرض أسلوب الحياة الأمريكية في أنحاء كثيرة من العالم, مستغلة ما لديها من قوة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية.
تقوم نظرية 'الحرب الاستباقية' على فلسفة سياسية تفترض وجود خطر داهم من عدو مجهول يتهدّد الأمن القومي الأمريكي في كل لحظة، كما تقوم على افتراض ألاَّ يكون التهديد بالضرورة حاصلاً بالفعل من دولة أو من منظمة سياسية لكي تخاض ضده الحرب الوقائية، وإنما يكفي أن يتم تصوُّره من جانب مراكز التخطيط الاستراتيجي في البيت الأبيض والبنتاغون للمبادرة إلى تلك الحرب.
لقد أعلنت السياسة الأمريكية تبنيها هذه النظرية في 11- 9- 2002م, أي بعد سنة من أحداث الحادي عشر من أيلول, والتي كشف النقاب عنها في وثيقة تحت عنوان 'استراتيجية الأمن القومي الأمريكي', حيث تبرر الوثيقة استخدام القوة العسكرية ضد أي طرف يتصور أنه عدو حالي أو مستقبلي، أو يهدد مصالحها الاستراتيجية في العالم على المدى المنظور أو غير المنظور, وهذه الاستراتيجية طبقت في كل من العراق وأفغانستان.
تقول الوثيقة: 'إن على الولايات المتحدة أن تحتفظ وتظل محتفظة بقدرتها على إحباط كل مبادرة يقوم بها أو يفكر في القيام بها أي عدد من أعدائنا للنيل من قوتنا, سواء أكان هذا العدو دولة أم غيرها 'كالشبكات الإرهابية', وأن ننتزع منه القدرة على فرض إرادته علينا أو على حلفائنا أو أصدقائنا في العالم, بل ستبقى قوتنا القوة الكبرى التي تروع جميع خصومنا، وتشل قدراتهم سواء أكانوا خصوماً بالفعل أم خصوماً محتملين، أم من أولئك الذين يسعون إلى التسابق إلى التسلح ليصبحوا معادلين لنا، أو أقوى من قوة الولايات المتحدة'.
بين المحافظين الجدد وقداسة البابا:
'لقد انتصرنا على العدو الشيوعي ولم يبق لنا عدو إلا الإسلام' [الرئيس الأمريكي نيكسون في كتابه الفرصة السانحة].(2/19)
كما أن 'الإملاءات الكنسية العقدية' لا تقبل الرفض أو النقض، إذ هي بمنزلة 'حكم إلهي' يعتقد المنظرون الجدد في البيت الأبيض من المحافظين والإنجيليين أن الولايات المتحدة صاحبة رسالة ومكلفة بأدائها, وأنه يشرع للولايات المتحدة استخدام كل الوسائل للوصول إلى غايتها بلا حرمة ولا عذاب ضمير، ولا ينبغي الاعتذار مما تقوم به أو الخجل لأنه الحل والخلاص الذي لا بد منه, كما كان خلاص البشرية بصلب المسيح, فلا بد من خلاص العالم الحر المتمثل بالحضارة الغربية وقيمها الليبرالية بصلب العالم أجمع.
يقول تشارلز كروثامر الكاتب في مجلة التايم: 'ليست أمريكا مجرد مواطن عالمي، إنَّها السلطة المهيمنة في العالم، وأكثر هيمنة من أية قوة أخرى منذ عهد روما، ووفقاً لذلك فإنَّ أمريكا في وضع يؤهِّلها لإعادة تشكيل المعايير وتغيير التوقعات، وخلق حقائق جديدة, أمّا كيف يكون ذلك؟! فيكون - برأيه - عن طريق إظهار إرادة غير اعتذاريه لا سبيل إلى تغييرها'، ولذلك يجب على أمريكا أن تفعل أي شيء لتحقيق مآربها دون أن تعتذر، فالاعتذار بحسب هذا الاعتقاد يشكِّل منقصة لصاحبه، وإخلالاً في شبكة المعايير والمفاهيم التي عليها تتأسَّس استراتيجيات التحكُّم بالأوضاع.
هذه العقيدة للمحافظين الجدد ليست غريبة أو بعيدة عن عقيدة البابا، بل يرى البابا أن عقيدة المحافظين الجدد في البيت الأبيض ليست إلا صدى لتوجهات وأفكار الكنيسة, ويعتقد أنه ينبغي على الأوروبيين تبني هذا التوجه، وإبعاد العلمانيين عن صناعة القرار في السياسة الأوروبية، فلقد ورد في جريدة الأسبوع المصرية بتاريخ 28- 6- 2004 نقلاً عن التليفزيون الألماني: إن أمريكا تقوم بحرب نصرانية تنصيرية، وجعل العراق قاعدة لتنصير العالم الإسلامي, وفي هذا يقول مارك راسيكوت رئيس الحملة الجمهورية بتاريخ 19- 4- 2004: إن بوش يقود حملة صليبية عالمية ضد الإسلام.
لقد روي عن قداسة البابا منذ وصول المحافظين الجدد بخلفيّتهم 'الصهيونية المسيحية' أو ما يوصف بالمسيحية التوراتية إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية أنه يرى في ذلك نموذجاً صالحاً لأوروبا، أي أن تعود الكنيسة إلى صلب توجيه صناعة القرار السياسي، ومن هنا يمكن أن تسهم إساءته إلى الإسلام والمسلمين من المنطلق الكنسي في الحملة الجارية لترسيخ هيمنة مطلقة على المنطقة الإسلامية.
هذه الإساءة البابوية جاءت متناغمة مع إساءات الكثيرين من زعماء الغرب الذين أعلنوا الحرب على الإسلام, فالرئيس الأمريكي جورج بوش اتهم الإسلام بالفاشية, وكان قبل غزو أفغانستان قد نوّه إلى حرب صليبية جديدة، بل إن الحملة التي وجهت لضرب القاعدة في أفغانستان كان جورج بوش قد أطلق عليها اسم 'النسر النبيل' تلك التسمية التي تحمل دلالات ورموز يعرفها الدارسون للعهد القديم.
وسار على منوال بوش رئيس الوزراء الإيطالي برليسكوني حين قال بتفوق الحضارة الغربية على الإسلام, وواكبت بل سبقت هذه الحملة للساسة الغربيين أفكار لكبار المفكرين في الغرب، والمنظرين للسياسة الأمريكية في التعامل مع العالم الإسلامي أمثال برنارد لويس الذي لا يخفي في الكثير من كتاباته الحقد الشديد للإسلام, وهنتنجتون صاحب نظرية صراع الحضارات، وإن كان قد أشيع أنه تراجع عنها؛ إلا أن مقالته تلك ما زالت تمثل المورد الحيوي لكل الكتاب المنحازين إلى فكرة صراع الحضارات.
وتتمة لهذا السيناريو فقد أتت انتقادات البابا للعقيدة الإسلامية بعد خمس سنوات من ورود كلمة 'الحرب الصليبية' للمرة الأولى على لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج بوش لتوصيف حربه التي شنها على المسلمين في أكثر من دولة من مجموع 60 دولة 'إرهابية', وقبل مرور نحو شهر على إعلان الرئيس الأمريكي الحرب على ما أسماه الفاشية الإسلامية، وقبل أقل من عام مرور على أزمة الرسوم الدنمركية المسيئة للنبي - صلى الله عليه وسلم -, والتي أشعل أوارها اليهود الذين اتخذوا من نجمة داود شعاراً للصحيفة المسيئة.
لم تقتصر الحرب الاستباقية للبابا على الإسلام بل تتعداه إلى كل ما ليس غربياً حتى ولو كان مسيحياً من مذهب آخر, فقد أساء إلى الأقباط الأرثوذكس قبل عدة أشهر كما يقول فهمي هويدي حين قال في تصريح له: إن الإيمان الكاثوليكي وحده هو الإيمان الصحيح، الأمر الذي أغضب الكنيسة الأرثوذكسية في مصر, حتى اعتبر بعضهم كلامه إخراجاً لأتباع الكنيسة من الملة المسيحية وتكفيراً لهم.
الأسباب الحقيقية وراء الحرب الاستباقية للبابا في وجه العالم الإسلامي:
'دخول تركيا الاتحاد الأوروبي يطمس هوية أوروبا المسيحية' [بابا الفتيكان الحالي].
لقد كان الإسلام عند المنظرين والساسة الغربيين المرشح الأفضل ليحتل مرتبة العدو الذي تبرر معه كل نظريات الإقصاء والتخريب من 'الحرب الاستباقية' إلى 'الفوضى الخلاقة' إلى نظرية 'التنظيف الأيديولوجي'.
في صحيفة الديلي تلجراف كتبت كارين آرمسترونغ مؤلفة كتاب 'نبذة عن تاريخ الإسلام' مقالاً تقول فيه: "إن ثمة عداءً قوياً للإسلام في الثقافة المسيحية الغربية، ويتعين التخلص منه"، واعتبرت الكاتبة أن 'هذه العقلية التابعة للقرون الوسطى لا تزال حية ترزق... معاداة الإسلام لدينا تعود إلى زمن الحروب الصليبية'، كما رأت آرمسترونغ أن كلام البابا سيجعل المسلمين أكثر قناعة بأن الغرب معادٍ للإسلام، ومصمم على المضي قدماً في حرب صليبية جديدة.
لقد تعددت الأسباب التي دفعت بابا روما إلى فتح المعركة بوجه الإسلام, حيث إن المهام التي كانت تنتظره عند توليه كرسي البابوية عام 2005م كثيرة وأهمّها كما يقول أحد الباحثين:
1- إنعاش القيم الكنسية في السياسات الرسمية على حساب العلمانية بعد انتشار ظاهرة 'التديّن' الشعبي عالمياً.
2- التعامل مع تبعات حملة الهيمنة الأمريكية وعسكرتها عالمياً، والمقترنة بتصوّرات 'الصهيونية المسيحية'.
3- مركزية موقع الكنيسة الكاثوليكية في روما [وكان من أوائل قراراته إلغاء كلمة 'الرومي' من لقب البابا الكاثوليكي الرومي]، وبالتالي مركزية دورها على خارطة الطوائف والمذاهب المسيحية، وخارطة الحوار مع 'الآخر'.
4- كيفية التعامل مع الإسلام وخصوصاً بعد انتشاره السريع في أوروبا وأمريكا, حيث يصل عدد المسلمين في أوروبا الغربية وحدها كما تشير الدراسات إلى 70 مليوناً يتوزعون في أكثر الدول الأوروبية أهمية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
أما فيما يتعلق بالإسلام فهناك دراسة نشرت بمجلة 'فورين بوليسي' الدورية العلمية الأمريكية قام بها 'سكوت أبليبي' مدير 'معهد كروك للدراسات حول السلام العالمي' التابع لجامعة نوتردام الأمريكية عام 2004 أي قبل اعتلاء البابا الجديد لمنصبه خلفاً ليوحنا بولس الثاني, أشارت إلى أنه ينبغي عند اختيار البابا الجديد أن يكون على اطلاع عميق حول الإسلام، وقادراً على التعامل مع تحدي انتشار الإسلام في الغرب.
وتورد صحيفة 'الاندبندنت' البريطانية مقالاً مفاده أن هناك ديانتين كبيرتين فقط تحاولان تحويل العالم إليهما وهما المسيحية والإسلام، ورأى الكاتب أن الإسلام فقط هو الذي يملك في هذه المرحلة الطاقة الحيوية لتكريس نفسه لهذه المهمة، بينما نجد المسيحية منشغلة تماماً بمجرد الدفاع عن وجودها الروحي القائم.(2/20)
وتشير الصحيفة إلى أن البابا بنديكتوس السادس عشر كان شديد الاقتناع بأن الديانتين على خلاف تام، وهما في صراع قائم، وأشار المقال إلى أن البابا الحالي لم يكن راضياً عن مدى دخول البابا السابق يوحنا بولس الثاني في 'حوار مع الإسلام'.
ورأى الكاتب أن البابا الألماني بنديكتوس قد توصل إلى قناعة مفادها أن 'مطلقية الإسلام' جعلت من المستحيل إجراء أي نقاش لاهوتي حقيقي معه، وفي هذا الاتجاه كانت إزاحة كبير الأساقفة مايكل فيتزجيرالد من رئاسة مجلس حوار الأديان التابع للفاتيكان، ومن ثم قيامه بتقليص دور المجلس.. بحسب الكاتب.
ويقول 'صموئيل هنتغتون' أن: 'أربعة عشر قرناً من التاريخ تخبرنا أن العلاقات بين الإسلام والمسيحية سواء الأرثوذكسية الشرقية أو الغربية كانت عاصفة غالباً، كلاهما كان الآخر بالنسبة للآخر، صراع القرن العشرين بين الديمقراطية الليبرالية والماركسية اللينينية ليس سوى ظاهرة سطحية زائلة إذا ما قورن بعلاقة الصراع المستمر والعميق بين الإسلام والمسيحية، الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي جعلت بقاء الغرب موضع شك، وقد فعل ذلك مرتين على الأقل'.
إلا أنه مما عجل من المواجهة التي لا مفر منها عند الكنيسة كما سيظهر لنا من خلال تحليل محاضرة البابا الشريط الذي أرسلته 'القاعدة' مؤخراً تحت عنوان 'دعوة للإسلام' في 2 أيلول 2006, حيث كان له الوقع الشديد على الكنيسة الغربية بشكل عام والكنيسة الكاثوليكية بشكل خاص, فقد ظهر في الشريط شاب يحمل السمات الأمريكية متحدثاً باللغة الإنجليزية بلباس أفغاني, داعياً الغرب للدخول في الإسلام, ولم تخلُ دعوته من الانتقاد للديانة المسيحية بتعمدها التزييف الحقائق.
لقد اعتبرت الكنيسة الكاثوليكية بشخص حبرها المقدس أن ذلك الشريط تهديد لوجودها ودورها في الغرب, وخصوصاً أنها تسعى لتوحيد المسيحيين جميعاً تحت لوائها, ونستطيع أن نستشف هذا الامتعاض لدى البابا في محاضرته سيئة الذكر حيث وجه انتقاده لنشر الإسلام بالعنف - كما يقال عن القاعدة - حتى أنه كرر هذا الكلام في أكثر من موضع في محاضرته كقوله: 'إن نشر الدين عن طريق العنف غير منطقي، وإن العمل بشكل غير عقلاني يعتبر ضد طبيعة الخالق'، ثم يتحدث عن الجهاد واللاعقلانية في الإسلام، وعن رسول شرير لم يأتِ بجديد للإنسانية إلا الشر، وإذا كنا بمقارنة بسيطة بين ما ينظر للقاعدة في الغرب وبين تصريحات البابا بعد أيام قليلة على هذا الشريط تبين لنا مدى امتعاض الكنيسة من التبشير بالإسلام، والدعوة إليه في عقر دارها.
وبما أن البابا السابق ارتبط اسمه بانهيار الشيوعية بعد أن كانت العدو اللدود للكنيسة الغربية فإن البابا الحالي يريد أن يرتبط اسمه بانهيار الإسلام السياسي لاسيما بعد أن تم توصيفه بأنه العدو الأول للعالم الحر المتمدن, وخصوصاً بعدما نشر تقرير لمؤسسة بحثية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قد حذر من تأثير حركة عقائدية عالمية قوية تستمد وقودها من 'الهوية الإسلامية المتشددة'، تحاول 'استنهاض خلافة إسلامية'، وتشكل 'تحدياً صارخاً للعادات والمبادئ الغربية' خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة، وجاء هذا الطرح ضمن 4 سيناريوهات وردت في تقرير 'المجلس القومي للاستخبارات' بالتشاور مع أكثر من 1000 خبير خلال 30 مؤتمراً عقدت في مختلف قارات العالم، ونشر في 13- 1 - 2005.
واعتبر التقرير الأمريكي الواقع في 119 صفحة أن تنظيم 'القاعدة' في مرحلة الزوال، متوقعاً أن تحل محله 'مجموعات لا مركزية إسلامية تستوحي العنف والإرهاب الدولي، وتكون أكثر انتشاراً من الناحية الجغرافية' خصوصاً في بقع 'تتفرع من العراق والشرق الأوسط عموماً وتمتد إلى دول إسلامية أخرى'.
وسواء كانت هذه الولادة - الخلافة القادمة - هي حقيقية أم تبرير لتطبيق نظرية 'الحرب الاستباقية' من قبل العالم الغربي بما فيه من سياسيين ورجال دين ومراكز أبحاث على الانتشار الإسلامي القادم كما يقول الخبير في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ضياء رشوان: أن الحديث عن خلافة إسلامية هو جزء من الترويج لما يسمى الحملة ضد الإرهاب, وجزء من وسائل الحرب الإعلامية لتخويف الغرب عموماً مما يسمى الخطر الإسلامي, فإن المحافظين الجدد والكنيسة الغربية يحاولون أن يتعاملوا مع هذا السيناريو كحقيقة واقعة, وأن أفضل طريق للوقوف في وجه هذا الاتحاد الإسلامي القادم هي حرب استباقية ثقافية واجتماعية، وعقائدية وعسكرية.
http://www.islammemo.cc:المصدر
=============
#مفكرون مسيحيون يؤكدون تطرف بابا الفاتيكان
24 شعبان 1427هـ الموافق له 17سبتمبر 2006م
أكد المفكر المصري المسيحي 'جمال أسعد' أن بابا الفاتيكان الحالي قبل أن يكون بابا كان رئيساً للجنة العقيدة، ومعروف عنه تشدده المتطرف للعقيدة الكاثوليكية، فهو لا يرفض الأديان الأخرى فقط بل يرفض جميع الكنائس غير الكاثوليكية، فهذه طبيعته.
وأضاف 'أسعد' في حديثه لجريدة المصري اليوم' إن البابا بتصريحاته قد أعاد وجهات نظر من القرن الرابع عشر كانت تتسق مع الظروف السياسية في ذلك الوقت، ولا نعلم ما الحكمة في إعادة مقولات من العصور الوسطي التي لا تتماشى مع الظروف السياسية الراهنة'، في إشارة واضحة لوجود الحرب الصليبية في ذلك الوقت.
وفي تصريح له قال المفكر المسيحي الدكتور 'إكرام لمعي' مدير كلية اللاهوت بالكنيسة الإنجيلية: 'أرفض هذه التصريحات من رجل مسئول مثل بابا الفاتيكان، لأن هذا الكلام في منتهي الخطورة، وما كان يجب أن يقوله البابا حتى ولو كان يعبر عن كلامه عن أفكاره التي يؤمن بها، لأنه لا يمثل نفسه، ولكنه يمثل الكاثوليك في العالم، بل وهناك من يعتبر أنه يمثل جموع المسيحيين في العالم كلهم، وأكمل قائلاً: 'أرى أن هذا الكلام غير مسئول، ولا يصح لرجل في مركز بابا الفاتيكان، أي علي قمة الكنيسة الكاثوليكية أن يقول ذلك عن الإسلام، وحتى لا يحق له أن يقول عن الهندوسية أو البوذية رغم أنها ديانات غير سماوية فما بالنا بالإسلام، كما أنها جاءت في توقيت نسعى خلاله لإزالة روح التعصب بين الجانبين.
وأشار إلى أن بابا الفاتيكان يتبع مدرسة موجودة في الغرب تنظر للإسلام هذه النظرة الخاطئة، موضحاً أن المنتمين إلى هذه المدرسة يعتبرون أن المجيء الثاني للمسيح لا بد أن يسبقه عودة اليهود للقدس، وطرد العرب منها، مما يعني ضرورة نشوب حرب للتمهيد للمجيء الثاني.
وكان بابا الفاتيكان عند توليه منح 'البركة' لليهود في أول ظهور رسمي له بعد اختياره, وامتدح اليهود قائلاً: 'لنا مع اليهود علاقات روحانية مشتركة, وأبارك الإخوة الأحباء الشعب اليهودي'.
http://www.islammemo.cc:المصدر
===================
#عندما يكشف بابا الفاتيكان عن عقليته الصليبية!
طريف السيد عيسى
14- 9- 2006م
طالعتنا وسائل الإعلام مؤخراً حول ما نطق به بابا الفاتكان بينيديكت السادس عشر خلال محاضرة له في ألمانيا، حيث نقل كلاماً لأحد الكتاب النصارى والذي جاء فيه: محمد لم يأت إلا بما هو سيء وغير إنساني.
ونحن نعلم أهداف البابا لنقله هذا الكلام، ولكن نطرح على البابا أسئلة ملحة طرحت في الماضي، ونطرحها اليوم: لماذا يزكي روح الفتنة بابا الفاتكان؟ ما هي أهداف البابا من نقله لهذا الكلام؟ أين مصداقية البابا في دعوته للحوار بين الأديان؟ هل البابا يؤكد من جديد حنينه للعقلية الصليبية؟(2/21)
أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب صريح وواضح، لأنه لم يعد مقبولاً دعوة علماء ومفكري المسلمين إلى حوار الأديان، بينما نجد علية القوم من النصارى كل يوم يردون علينا بالاستفزاز والنيل من عقيدتنا، واستباحة أراضينا، وتدميرها والاعتداء على أعراضنا، ثم يذهب كبيرهم الذي علمهم السحر إلى أحد مساجد المسلمين ظناً منه أن ذلك كاف لتبرير سلوكه وتصريحاته الخطيرة.
لسنا ضد الحوار، ولكن لا يعني الحوار أن يتمادى بعض النصارى في غيهم وغطرستهم واستفزازهم لنا, وهم يعلمون أن هذا الاستفزاز ليس في مصلحتهم ولا في مصلحة المسلمين، مطلوب اليوم من علماء الأمة وقفة واضحة وشجاعة لتوضيح الأمور، وفضح السياسات الصليبية القديمة والحديثة ودونما مواربة, وإلا فإن صمت العلماء يعتبر مريباً وغير مبرر وغير مفهوم.
إن هذه التصريحات وغيرها تؤكد أن كل مؤتمرات الحوار ذهبت أدراج الرياح, وعلى دعاة الحوار أن يعيدوا حساباتهم مرة أخرى، ويمعنوا النظر في تلك التصريحات التي تصدر عن بابا الفاتكان, مطلوب من علماء الأمة البيان والتوضيح وأن يؤدوا الأمانة والرسالة المنوطة بهم فيحذروا الأمة من العقلية الصليبية الجديدة.
لا يعني كلامنا هذا أننا ندعو لقتال النصارى، وشن الحرب عليهم, ولا يعني أيضاً أننا نضع النصارى كلهم في سلة واحدة أبداً فنحن نفرق بين المسالم الذي يحترم عقائد الآخرين، وبين الاستفزازي الذي يعمل على إذكاء نار الحرب والفتنة، فهؤلاء لا بد من الوقوف بوجههم، ونرد عليهم بنفس الأسلوب الذي يستخدمونه، فإن كان استفزازهم بالقلم فنرد عليهم بالقلم, وإن كان استفزازهم باللسان فنرد عليهم باللسان, وإذا كان استفزازهم بالسلاح والقتل فنرد عليهم بنفس الأسلوب أيضاً، لأننا عندها نستخدم حقنا الطبيعي في الرد على هؤلاء.
ونحن المسلمين لدينا دستور واضح للتعامل مع الآخر النصراني، وهذا الدستور ذكره الله - تعالى- في القرآن الكريم, حيث قال الله - تعالى-: ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)) سورة الممتحنة آية 8 - 9.
فالتعامل معهم قائم على البر والقسط والإحسان، إلا إذا أعلنوا الحرب والعداء فهنا أصبح لنا الحق الكامل بالمبادرة لقتال كل من أعلن الحرب علينا.
إنني في هذا الموضوع لن أتطرق إلى ما أمرتنا به الشريعة الإسلامية من حسن التعامل مع أهل الكتاب فهذا متروك لمقام آخر, ولكنني بصدد الرد على كل هذه التصريحات الاستفزازية لنبين التاريخ الأسود والمخزي للصليبية التي استباحت بلادنا وعقيدتنا، لنفقأ عيون أولئك الذين يتهجمون على عقيدتنا، ونكشف للبشرية ماذا فعلوا بنا في الماضي، وماذا يفعلون بنا في الحاضر.
وسوف أستشهد بمؤرخيهم وكتابهم ودساتيرهم التي لا يستطيعون نكرانها، وكي تكون شاهداً على إجرامهم وعقليتهم السوداوية عبر التاريخ.
1- منذ فترة صدرت دراسة لباحث نصراني مصري وهو الدكتور نبيل لوقا بباوي تحت عنوان "انتشار الإسلام بحد السيف بين الحقيقة والافتراء" ومما جاء في الدراسة:
- يعتبر الإسلام دين سماوي, وأخطاء بعض أفراده لا تمت إلى تعاليم الإسلام بصلة.
- في المسيحية تناقض رهيب بين تعاليمها الداعية إلى المحبة والتسامح والسلام وبين ما فعله بعض المسيحيين من قتل وسفك للدماء، والاضطهاد والتعذيب بحق مسيحيين آخرين.
- هل ينسى المسيحيون ما قام به الكاثوليك في عهد الإمبراطور دقلديانوس الذي تولى الحكم عام 248م, ففي عهده تم تعذيب الأرثوذكس في مصر، حيث ألقوا في النار وهم أحياء، كما تم رمي جثثهم للغربان لتأكلها, وإن عدد الذين قتلوا في عهده يقدر بحوالي مليون مسيحي, كما تم فرض الضرائب الباهظة عليهم, مما جعل الكنيسة القبطية في مصر تعتبر ذلك العهد عهد الشهداء، وبه أرخوا التقويم القبطي تذكيراً بالتطرف المسيحي، في حين وجدنا من المسلمين التسامح وحرية العقيدة، وحرية التحاكم لدستورنا المسيحي, مما يؤكد أن الإسلام لم ينتشر بالسيف كما يزعم البعض.
- ويتساءل لماذا يقوم بعض المسيحيين بتضخيم بعض الأخطاء التي ارتكبت بحق بعض المسيحيين من قبل بعض الأفراد المسلمين, بينما هؤلاء المسيحيون يغمضون أعينهم عن المذابح والجرائم والمجازر التي حدثت من جانب المسيحية.
- إنني أؤكد وبناء على دراستي للتاريخ أننا لم نجد أرحم من المسلمين وهذه هي الحقيقة.
2- يقول المؤرخ المسيحي فيدهام: أين المسيحيون من مذبحة باريس بتاريخ 24- 8- 1572م والتي قام بها الكاثوليك ضد البروتستانت، وذهب ضحيتها عشرات الألوف، حتى امتلأت شوارع باريس بالدماء، هل ينسى المسيحيون أن محكمة الكنيسة عام 1052م هددت بطرد المسلمين من أشبيلية إذا لم يقبلوا بالديانة المسيحية، ومن خالف ذلك يقتل.
إن الحروب بين المسيحيين ملئت بالفظائع لأن رجال اللاهوت كانوا يصبون الزيت على النار.
ارتكبت خلال القرن الثاني عشر والثالث عشر أفظع المجازر ضد الكثاريين والوالدنس، وهذه المجازر حصدت مئات الألوف من الرجال والنساء والأطفال.
وينقل عن المؤرخ وليم جايس أن العالم لم يعرف الاضطهاد الديني قبل ظهور الأديان الموحدة, لقد كانت المسيحية في الواقع أول مذهب ديني في العالم يدعو للتعصب، وإفناء الخصوم.
هل ننسى محاكم التفتيش التي أنشأت عام 1481م، وخلال أعوام قتل أكثر من 340 ألف، وهناك ألوف تم حرقهم وهم أحياء.
وينقل عن بريفولت أن المؤرخين يقدرون عدد الذين قتلهم المسيحيون في أوروبا خلال فترة قصيرة أكثر من 15 مليون إنسان.
3- يذكر حنا النقيوس في كتابه تاريخ مصر:
- في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين للفترة من 274م - 337م تم تدمير المعابد النصرانية، وأحرق المكتبات، وسحل الفلاسفة، وقتلهم وأحرقهم.
- قاد بطريرك الكنيسة المصرية تيو فيلوس 385م - 412م حملة اضطهاد ضد الوثنيين فقضى على مدرسة الإسكندرية، ودمر مكتبتها ومكتبات المعابد، كما تم قتل وسحل وحرق الفيلسوف وعالم الفلك والرياضيات اناتية, كما تم تحطيم كل محتويات المعابد.
4- وإلى الذين يتبجحون بأن الإسلام أنتشر بالسيف فننقل لهم ما ذكره المؤرخ النصراني فيليب فارج والمؤرخ يوسف كرباج في كتاب "المسيحيون في التاريخ الإسلامي العربي والتركي" صفحة 25،46،47: كان عدد سكان النصارى واليهود في مصر إبان خلافة معاوية حوالي 2500000 نسمة, وبعد نصف قرن أسلم نصف هذا العدد في عهد هارون الرشيد بسبب عدالة وسماحة الإسلام.
5- أقوال المؤرخين والمستشرقين ومنهم من رافق الحملات الصليبية:
- يقول المستشرق والمؤرخ السير توماس أرنولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام: إنه من الحق أن نقول إن غير المسلمين قد نعموا بوجه الإجمال في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح لا نجد لها معادلاً في أوروبا.
- يقول العالم النصراني كيتانين: إن انتشار الإسلام بين نصارى الشرق كان نتيجة الاستياء من السفسطة المذهبية الهيلينية, فتم تحويل تعاليم المسيح - عليه السلام - إلى عقيدة محفوفة بالشكوك والشبهات، مما أثار الشعور باليأس، وزعزع أصول العقيدة حتى أصبحت خليطاً من الغش والزيف، وسادها الانقسام, فجاء الإسلام ببساطة ثقافته وعقيدته فأزال كل الشكوك، وقدم مبادئه بكل بساطة، فترك قسم كبير النصرانية، واعتنقوا الإسلام.(2/22)
- يقول المؤرخ اللبناني الدكتور جورج قرم في كتابه تعدد الأديان ونظم الحكم: إن فترات التوتر والاضطهاد لغير المسلمين في الحضارة الإسلامية كانت قصيرة جداً وسببها عدة عوامل, وبالدقة كان الاضطهاد في عهد المتوكل الذي كان ميالاً للتعصب، وعلى عهد الحاكم بأمر الله, ولكن للإنصاف نقول إن الاضطهاد لم يخص النصارى بل شمل حتى المسلمين, وهناك عامل آخر وهو الظلم الذي مارسه بعض النصارى الذين وصلوا إلى مناصب مهمة في الدولة الإسلامية, وعامل ثالث يرتبط بفترة التدخل الأجنبي في البلدان الإسلامية؛ حيث قام الأجنبي بإغراء الأقليات غير المسلمة، واستدراجها للتعاون معه ضد الأغلبية المسلمة، وتجلى ذلك من قبل القبط في مصر ونصارى سورية, ويؤكد كلام الدكتور جورج ما قاله كل من جب وبولياك.
- يذكر الجبرتي في عجائب الآثار في التراجم والأخبار: لقد استقوى نصارى الشام بالقائد التتري كتبغا، وانحازوا للغزاة ضد المسلمين، وتحولوا إلى أداة إذلال واضطهاد للمسلمين, وأحضروا فرماناً من هولاكو، ورشوا الخمر على المسلمين، وصبوه في المساجد، وخربوا المساجد والمآذن, ولم يتوقف الأمر أيام التتر، بل تجدد أيضاً أيام حملة نابليون بونابرت، حيث أغوى النصارى فوقع في حبل الخيانة بعض أقباط مصر، فقام المعلم يعقوب حنا بتشكيل فيلق قبطي بزي الجيش الفرنسي من أجل محاربة مسلمي مصر، وحصلوا على موافقة من نابليون لإبادة المسلمين في مصر.
- وجاء في القوانين المجرية والتي ذكرها لستيغا نودي فريس في كتاب القانون الدستوري الصفحات 135،148،157: مادة 46 كل من رأى مسلماً يصوم أو يأكل على غير الطريقة المسيحية، أو تمنع عن أكل لحم الخنزير، أو يغتسل قبل الصلاة، أو يؤدي شعائر دينية؛ وأبلغ السلطات بذلك، يعطى له جزء من أملاك هذا المسلم مكافأة له.
مادة 47 على كل قرية مسلمة أن تشيد كنيسة، وأن تؤدي لها الضرائب المقررة، وبعد الانتهاء من تشييد الكنيسة يجب أن يرحل نصف مسلمي القرية، وبذلك يعيش النصف الآخر معنا كشركاء في العقيدة, على أن يؤدوا الصلاة في كنيسة يسوع المسيح الرب بطريقة لا تترك شبهة في اعتقادهم.
مادة 48 لا يسمح للمسلم أن يزوج ابنته رجلاً من عشيرته، وإنما يتحتم أن يزوجها رجلاً من الجماعة المسيحية.
مادة 49 إذا زار شخص ما مسلماً، أو إذا دعا مسلم شخصاً لزيارته فيجب أن يأكل الضيف والمضيف معاً لحم خنزير، يذكر كل من ستيفن رنسيمان, غوستاف لوبون, الراهب روبرت, والكاهن أبوس في كتبهم ما يلي:
في أحد الأيام اقتحم قومنا بيت المقدس الذي لجأ إليه المسلمون، فقاموا بقتلهم جميعاً حتى كنا نخوض بالجثث والدماء إلى الركب, وإن ريتشارد قلب الأسد ذبح 27000 من أسرى المسلمين في عكا، ولم يكتف وجنوده بذلك بل قاموا بقتل زوجات وأطفال الأسرى, إن قومنا كانوا يجوبون الشوارع والبيوت ليرووا غليلهم بقتل المسلمين، فكانوا يذبحون الرجال والشباب والأطفال والنساء، بل إنهم كانوا يبقرون البطون, إننا كنا لا نرى في الشوارع سوى أكداساً من جثث المسلمين, إن هذا لم يحصل في القدس فقط بل في كل بلد وصلناها, ففي معرة النعمان قتل جنودنا حوالي مئة ألف مسلم.
6- نقلت صحيفة الأهرام المصرية بتاريخ 6- 3- 1985 كلاماً للبابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية جاء فيه: إن الأقباط في ظل حكم الشريعة الإسلامية يكونون أسعد حالاً وأكثر أمناً, ولقد كانوا في الماضي كذلك حينما كان حكم الشريعة هو السائد, فنحن نتوق إلى أن نعيش في ظل "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، فمصر تجلب القوانين من الخارج وتطبقها علينا فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة ولا نرضى بقوانين الإسلام.
7- عندما تهيأ جيش الغزو الإيطالي الصليبي لغزو ليبيا كان شعاره الصليب، وكان بابا الفاتكان بلباسه الكهنوتي يقف بإجلال أمام الجيش، ثم يقبل الصليب ويبدأ الجنود بالإنشاد قائلين: أماه لا تحزني.... أماه لا تقلقي.... أنا ذاهب إلى طرابلس.... فرحاً مسروراً.... لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة....ولأحارب الديانة الإسلامية.... سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن.
- هل ينسى بابا الفاتكان تصريح بوش في أحد مؤتمراته الصحفية عندما قال: إنها حملة صليبية.
- هل ينسى بابا الفاتكان تصريحات رئيس وزراء ايطاليا عندما قال: إن الإسلام يدعو للعنصرية، وهو دين الإرهاب.
- وكتب الصحفي ديفيد سيلبورن مقالاً تحت عنوان: "هذه الحرب ليست ضد الإرهاب، إنها ضد الإسلام".
- كتبت مجلة ناشونال ريفيو مقالاً تحت عنوان: "إنها الحرب فلنغزهم في بلادهم, ومما جاء في المقالة: علينا غزوهم في بلادهم، وقتل قادتهم، وإجبارهم على التحول إلى المسيحية.
- وجاء في المقالة الأسبوعية لنيويورك تايمز بتاريخ 7- 1- 2001: إنها حرب دينية.
- ذكرت منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية حرب الإبادة التي تعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك وكوسوفو، حيث ذكرت تلك التقارير: اغتصاب أكثر من 50 ألف مسلمة، تم زرع نطف الكلاب في أرحام المسلمات، تدمير 614 مسجداً بالكامل، تدمير 534 مسجد تدميراً جزئياً، تدمير مئات المدارس الإسلامية، ولا يمكن نسيان المجازر الجماعية مثل سربنيتشا وغيرها والتي تمت تحت مرأى ومسمع هيئة الأمم المتحدة وقواتها ومنظمات حقوق الإنسان.
- هل يريد بابا الفاتكان أن ينسينا حضارة أوروبا وأمريكا في العراق، حيث عبروا عن رقيهم وإنسانيتهم عندما اعتدوا على النساء والرجال في سجن أبوغريب.
- عرضت القناة الأولى الألمانية تقريراً في برنامجها الأسبوعي بانوراما بتاريخ 24- 6- 2004، والذي أعده جون جوتس وفولكر شتاينيهوف عن دور بعض الطوائف التنصيرية في العراق، جاء فيه: سيكون العراق مركز الانطلاق للحرب المقدسة.
- جاء في نيويورك تايمز بتاريخ 14- 4- 2004: إن عزم بوش للبقاء في العراق هو حماس المبشر الديني.
- نقلت وكالة الأسو شيتد برس يوم 12- 4- 2004 من خطبة لقسيس في الجيش الأمريكي ألقاها في يوم الفصح في مدينة الفلوجة العراقية: نحن لسنا في مهمة سهلة، لقد أخبرنا الرب بأنه معنا على طول الطريق, ولسنا خائفين من الموت لأن السيد المسيح سيعطينا حياة أبدية.
- يقول الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه الفرصة السانحة وفي كتابه نصر بلا حدود: لقد انتصرنا على العدو الشيوعي، ولم يبق لنا عدو إلا الإسلام.
- نقلت صحيفة الحياة بتاريخ 8- 2- 2004 تصريحاً لنائب بريطانيين من حزب العمال قال فيه: إن الحرب على العراق كانت حملة صليبية.
- نقل شهود عيان من مدينة البصرة العراقية أنه أثناء زيارة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أقام قداساً مع الجنود وأنشدوا جميعاً: جند النصارى الزاحفين إلى الحرب، يتقدمكم صليب المسيح، وبظهور آية النصر هربت كتائب الشيطان، إخوة نمشي على خطى سار عليها القديسون، وحدة الأمل والعقيدة.
- قال مارك راسيكوت رئيس الحملة الجمهورية بتاريخ 19-4- 2004: إن بوش يقود حملة صليبية عالمية ضد الإسلام.
وبعد كل ذلك يخرج علينا بابا الفاتكان ليتهجم على خاتم الأنبياء والرسل - صلى الله عليه وسلم -, متجاهلاً تاريخ قومه الأسود الذي تفوح منه رائحة الدم والقتل والمجازر، فإذا كان وصفه لنبينا بهذه الأوصاف فليعلم أن المهج والأرواح تفتدي هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ونسترخص النفس للدفاع عن نبينا, وإذا كان بيت بابا الفاتكان من زجاج فلا يرمي بيوت الآخرين بالحجر لأن الأمر سيرتد عليه وعلى قومه، فهم من بدأ وعليهم تحمل النتائج.(2/23)
إن الذي ينال من الأديان ورموزها هو شخص معتوه فاقد للقيم الأخلاقية، إن حملاتكم الاستفزازية لن تزيد المسلمين إلا استمساكاً بالحق واعتصاماً به.
إن هؤلاء لا يقدرون أمانة العقل الذي وهبهم إياه الخالق - عز وجل -، ولم يقدروا أمانة الكلمة ولا يقدرون عاقبة كلامهم, فليتعظوا من التصرفات الحمقاء التي سبقهم إليها أجدادهم، ثم ماذا كانت النتيجة، فلقد عادوا من حيث أتوا يجرون أذيال الهزيمة والخيبة.
http://www.alasr.ws:المصدر
================
#تصريحات البابا والتمييز الإعلامي الغربي ضد العرب والمسلمين
د.ضياء رشوان *
27/8/1427هـ الموافق له 20/09/2006م
أثارت التصريحات والأحكام الخطيرة التي أصدرها بابا الكنيسة الكاثوليكية بنديكت السادس عشر بشأن عقيدة الإسلام وشريعته، وسيرة نبيه؛ موجات واسعة من الغضب والاستنكار في العالمين العربي والإسلامي لا تزال متواصلة حتى الآن في انتظار اعتذار البابا وتراجعه عن إساءاته العميقة للإسلام، ومئات الملايين من المسلمين.
ولم يكن فقط الغضب والاستنكار هو ما أثارته تصريحات وأحكام البابا الخارجة عن كل سياق للحقيقة والعلم، وأصول اللياقة في العلاقات بين أكبر دينين سماويين، بل أثارت معها أيضاً قدراً كبيراً من القضايا المرتبطة بهذا الحدث الخطير المؤسف مثل حقيقة توجّهات الكنيسة الكاثوليكية في عهد البابا الجديد تجاه الإسلام، وكذلك تجاه الكنائس المسيحية الأخرى، ومدى إمكانية الاعتماد على مسارات "الحوار الإٍسلامي - المسيحي" الجاري منذ سنوات مع تلك الكنيسة بصورة خاصة، وحقيقة العلاقة بين أحكام البابا وتصريحاته بخصوص الإسلام والتصريحات السياسية والتحركات التي يصدرها ويقودها زعماء الدول الغربية الكبرى تجاه العالم الإسلامي ودوله، وبخاصة تلك التي يقوم بها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وإدارته المتطرفة.
وإلى جانب تلك القضايا الكبرى المهمة التي أثارتها تلك التصريحات والأحكام والتي استفاضت كتابات عديدة في مناقشة وتحليل مختلف أبعادها، تظهر قضية أخرى ذات علاقة وثيقة بها وإن كانت أكثر اتساعاً وعمقاً منها، وأخطر تأثيراً على كافة الموضوعات التي تتعلق بالعرب والمسلمين على المستوى العالمي، وهذه القضية يمكن وضعها تحت عنوان عريض يلخص كافة أبعادها الرئيسة وهو "التمييز الإعلامي الغربي ضد العرب والمسلمين".
فقد اعتاد المختصون والمتابعون والمهتمون بقضايا حقوق الإنسان عموماً - وتلك المتعلقة بالتمييز والعنصرية بصفة خاصة - أن يركزوا في متابعاتهم على ما تقوم به مختلف الجهات من اعتداءات واختراقات تأخذ شكل الأفعال والأقوال لتلك الحقوق الأساسية للإنسان، ومن بينها حقه في المساواة مع أقرانه من البشر الآخرين في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وليس هناك من شك في أن ممارسات ومقولات التمييز بصوره المتنوعة الصادرة عن المجتمعات الغربية قد تركزت خلال نصف القرن الأخير ضد الكثير من الثقافات والأجناس تراوحت ما بين الإفريقية "السوداء"، والآسيوية "الصفراء"، واللاتينية "الخلاسية"، والإسلامية العربية "الإرهابية"، وكلها صفات أضفتها عليها الأوساط الغربية العنصرية، إلاّ أن الأعوام الأخيرة قد شهدت تحولات مهمة في هذه الممارسة العملية والنصية العنصرية الغربية ضد "الآخر الثقافي والعرقي"، بحيث تركزت بصورة مكثفة على العربي المسلم الذي راح الخطاب الغربي العنصري يضفي عليه كل الصفات التي تجعل منه في النهاية "شيطاناً" حقيقياً، وتحيل ثقافته وحضارته بل وحتى عرقه إلى مصدر لكل الشرور التي ترى أنه يتسم بها، ولعلها بذلك ليست مصادفة أن تأتي تصريحات وأحكام بابا الفاتيكان بشأن الإسلام ضمن هذا الخطاب الغربي العنصري المتصاعد الحدة والارتفاع؛ فهو في النهاية ليس سوى ابن بار للحضارة الغربية الحالية التي أنتجت هذا الخطاب.
وفي ظل هذا التركيز على التمييز ضد العرب والمسلمين في الخطاب والممارسة الغربيين تعددت الوقائع بل والظواهر التي أضحت أيضاً مجالاً لإدانات واسعة لها من جانب كافة الهيئات والأفراد المدافعين عن حقوق الإنسان، وفي مقدمتها حقه في المساواة، ومن بينهم بالطبع عدد كبير من الهيئات والأفراد الغربيين أنفسهم ممن اتسقوا مع رؤيتهم وخطابهم المعلن، ورفضوا أي ممارسة متناقضة معهما، إلاّ أن هذا التركيز على العرب والمسلمين في خطاب التميز الغربي، وهذا التركيز أيضاً في رفضه عالمياً وغربياً لم يمتدا ليشملا صورة مهمة من هذا التمييز لا تبدو واضحة على السطح، وقد لا تكون خاضعة للمعايير التقليدية التي يُقاس بها التمييز العنصري عادة، وهذه الصورة الجديدة والخطرة للتمييز والتي تركّزت خلال السنوات الأخيرة على العرب والمسلمين تتمثل في التجاهل الذي تتعمّده وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الغربية الكبرى التي تتحكم بأكثر من 90% من سوق الإعلام الدولي لأخبار وأحوال هؤلاء السيئة، وبخاصة حين يكون السبب فيها هو سياسات واعتداءات غربية أو إسرائيلية تجاههم وضدهم، فهكذا كان الحال - ولا يزال - فيما يخص الأحوال البشعة التي يمر بها الناس العاديون في أفغانستان والعراق وفلسطين من جراء وجود قوى الاحتلال العسكرية الغربية في بلادهم، وهكذا هو الحال مؤخراً عندما احترق لبنان كله تحت قصف الطائرات والبوارج والمدافع الإسرائيلية؛ ففي كل تلك الحالات لم يكن الإعلام الغربي أميناً في نقله لما يحدث في تلك البلدان من كوارث إنسانية، وتدمير لكل حقوق الإنسان، وفي مقدمتها حقه في الحياة، فنقل منها فقط مشاهد قليلة تكفي لتبرئة ساحته من الانحياز والتمييز دون أن يعطي العالم صورة حقيقية لما حدث فيها.
إن تلك الصورة الجديدة للتمييز "الإعلامي" تحتاج إلى بلورة آليات، ومقاييس دقيقة وعلمية لمعرفتها ومواجهتها، وهو جهد ليس هناك أولى من العرب والمسلمين لأن يبدأ به؛ فهم الضحية، وعليهم أن يبادروا للخروج من هذا الموقع الذي طال بقاؤهم فيه.
________________
* خبير استراتيجي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية - مصر.
http://www.islamtoday.net:المصدر
================
#بين القيصر (بوش) والبابا (بندكتوس)
أوري أفنيري*
8/9/1427هـ الموافق له 30/09/2006م
منذ أن كان قياصرة روما يقذفون بالمسيحيين إلى الحلبة فريسة للأسود مرت العلاقة بين القياصرة ورؤساء الكنيسة بتقلبات كثيرة.
لقد حوّل القيصر قسطنطين الأكبر الذي ارتقى السلطة عام 306 - قبل 1700 سنة بالضبط - الدين المسيحي إلى دين الإمبراطورية التي كانت تضم أرض إسرائيل أيضاً، مع مرور الزمن انقسمت الكنيسة على ذاتها بين فرعيها الشرقي (الأرثوذكسي) والغربي (الكاثوليكي)، وقد طالب البطريرك الغربي الذي أصبح البابا فيما بعد من القيصر الاعتراف بسلطته العليا.
لقد تصدرت النزاعات بين القيصر والبابا مركز تاريخ أوروبا، وجزأت الشعوب، لقد عرفت هذه النزاعات مداً وجزراً، كان هناك قياصرة أقالوا البابا أو نفوه، وكان هناك باباوات أقالوا أو نفوا القيصر أيضاً، أحد القياصرة وهو هاينريخ الرابع "ذهب إلى كانوسا"، حيث وقف هناك حافي القدمين على الثلج لمدة ثلاثة أيام متواصلة أمام مقر البابا حتى وافق الأخير على إلغاء النفي الذي فرضه عليه.
غير أن هناك فترات طويلة عاش فيه القياصرة والباباوات بسلام أحدهم مع الآخر.(2/24)
ونحن نشهد الآن انسجاماً يثير الدهشة بين البابا الحالي بندكتوس السادس عشر، والقيصر الحالي بوش الثاني، علينا أن ننظر في هذه الخلفية إلى خطاب البابا الذي أثار ضجة عالمية على أنه يندمج في الحملة الصليبية التي يقودها بوش ضد "الفاشية الإسلامية" في إطار "صراع الحضارات".
في خطابه الذي ألقاه في جامعة ألمانية أراد البابا أن يثبت أن هناك فرق جوهري بين المسيحية والإسلام، فبينما ترتكز المسيحية على المنطق، فإن الإسلام ينكره، وبينما يرى المسيحيون منطقاً في أعمال الله، ينكر المسلمون أية منطق في أعمال الله.
بصفتي ملحد يهودي - أنا لا أنوي أن أقحم نفسي في هذا النقاش -، من أنا لأتتبع منطق البابا، غير أني غير قادر على التزام الصمت حيال مقطع واحد من خطابه متعلق بي كإسرائيلي يعيش إلى جانب خط الجبهة في "حرب الحضارات".
لكي يثبت انعدام وجود المنطق في الإسلام يدعي البابا أن النبي محمد قد أمر أتباعه بنشر دينه بقوة السيف، وهذا أمر غير منطقي لأن الروح هي مصدر الإيمان وليس الجسد، وكيف يمكن للسيف أن يؤثر على الروح؟
لتدعيم أقواله اقتبس البابا أقوالاً أدلى بها قيصر بيزنطي بالذات وهو من أتباع الكنيسة الشرقية المنافسة، في أواخر القرن الرابع عشر روى القيصر عيمانوئيل الثاني عن نقاش أجراه على حد زعمه (هذا الأمر مشكوك فيه) مع مثقف فارسي مسلم مجهول، وفي خضم النقاش قال القيصر بخشونة (على حد قوله) أمام شريكه في الحديث: "أرني شيئاً جديداً أتى به النبي محمد، وسترى أشياء سيئة وغير إنسانية فقط مثل نشر دينه بقوة السيف."
تثير هذه الأقوال ثلاثة أسئلة: لماذا قالها القيصر؟ وهل هي صحيحة؟ و لماذا كررها البابا الحالي؟
عندما سجل عيمانوئيل الثاني هذه الأقوال كان مليكاً على إمبراطورية آفلة، لقد استلم السلطة عام 1391 على ما تبقى من محافظات قليلة من الإمبراطورية العظيمة، ولقد هدده الأتراك باحتلال هذه المناطق أيضاً في أي لحظة.
في تلك الفترة كان الأتراك قد وصلوا إلى ضفاف الدانوب، لقد احتلوا بلغاريا وشمال اليونان، وهزموا الجيوش التي أرسلتها أوروبا مرتين بهدف إنقاذ القيصرية الشرقية، وفي عام 1452 بعد بضع سنوات فقط من موت عيمانوئيل احتل الأتراك عاصمته القسطنطينية (اسطنبول)، وأسقطوا الإمبراطورية التي دامت أكثر من ألف سنة.
في أيام حكمه تجول القيصر عيمانوئيل في عواصم أوروبا طلباً للمساعدة، لقد وعد بتوحيد الكنيسة من جديد، لا شك أنه كتب القصص عن نزاعاته الدينية ليثير حفيظة أوروبا ضد الأتراك، وليقنعها بالخروج إلى حملات صليبية جديدة، كانت نيته سياسية وما كانت اللاهوتية إلا لخدمة السياسة.
إن الأمور من هذه الناحية تتوازى مع احتياجات القيصر الحالي جورج بوش، فهو أيضاً يحاول توحيد العالم المسيحي ضد "محور الشر" الإسلامي، إضافة إلى ذلك فإن الأتراك أيضاً يطرقون باب أوروبا هذه المرة بوسائل سلمية، ومن المعروف أن البابا يعارض القوى التي تطالب بانضمامهم إلى الاتحاد الأوروبي.
لكن هل هناك حقيقة في ادعاء القيصر عيمانوئيل؟
لقد شكك البابا ذاته بأقواله، كلاهوتي جدي له سمعته لا يمكنه أن يسمح لنفسه بتزييف ما هو مكتوب، لذلك ذكر أن النبي محمد قد منع في القرآن بشكل واضح نشر الدين بقوة السيف، اقتبس عن سورة البقرة، الآية 256 (صحيح أن البابا لا يخطئ ولكنه أخطأ هنا: لقد قصد الآية 257. جاء فيها: "لا إكراه في الدين!").
كيف يتجاهلون قولاً بسيطاً وقاطعاً إلى هذا الحد؟ يدعي البابا أن هذه الآية قد كتبت في بداية طريق محمد، بينما كان يفتقر إلى القوة، ولكن مع مرور الوقت أمر باستخدام السيف من أجل الدين، لا يوجد لمثل هذه الوصية أي ذكر في القرآن، صحيح أن النبي محمد قد دعا إلى استخدام السيف في معاركه ضد خصومه من القبائل - المسيحيين واليهود - في شبه الجزيرة العربية عندما أسس دولته، غير أن هذا كان عملاً سياسياً وليس دينياً، معركة على الأرض وليس على بسط الدين.
يسوع المسيح قال: "تعرفونهم من ثمارهم"، علينا أن ننظر إلى تعامل الإسلام مع الديانات الأخرى حسب اختبار بسيط: كيف تصرفوا خلال أكثر من ألف سنة بينما كانت القوة بين يديهم، وكان بمستطاعهم "نشر دينهم بقوة السيف"، هم لم يفعلوا ذلك.
لقد سيطر المسلمون على اليونان طيلة مئات السنين، هل اعتنق اليونانيون الإسلام؟ هل حاول أي شخص إدخالهم في الإسلام؟ على العكس لقد شغل اليونانيون وظائف كبيرة في الحكم العثماني، كما أن الشعوب في أوروبا المختلفة مثل البلغاريين، الصرب، الرومانيين، الهنغاريين؛ الذين عاشوا فترات طويلة تحت حكم الأتراك قد تشبثوا بدينهم المسيحي، إن أحداً لم يجبرهم على اعتناق الدين الإسلامي، وظلوا مسيحيين متدينين.
لقد أسلم الألبان وكذلك البوسنيون، ولكن أحداً منهم لا يدعي بأنهم قد أكرهوا في ذلك، لقد اعتنقوا الدين الإسلامي ليكونوا محببين إلى السلطة، وليتمتعوا بخيراتها، في عام 1099 احتل الصليبيون القدس وذبحوا سكانها المسلمين واليهود من دون تمييز، وكانت هذه الأمور تنفذ باسم يسوع طاهر النفس، في تلك الفترة وبعد 400 سنة من احتلال المسلمين للبلاد ما زال معظم سكان البلاد من المسيحيين، طيلة كل تلك الفترة لم تجر أية محاولة لفرض دين محمد على السكان، بعد أن طُرد الصليبيون من البلاد فقط بدأ معظمهم بتبني اللغة العربية، واعتناق الدين الإسلامي، - وكان معظم هؤلاء هم أجداد الفلسطينيين في أيامنا هذه -.
لم تُعرف أية محاولة لفرض دين محمد على اليهود، لقد تمتع يهود أسبانيا تحت حكم المسلمين بازدهار لم يسبق له مثيل في حياة اليهود حتى أيامنا هذه، شعراء مثل يهودا هليفي كانوا يكتبون باللغة العربية، كذلك الحاخام موشيه بن ميمون (الرمبام)، كان اليهود في الأندلس المسلمة وزراء، شعراء، علماء، لقد عمل في طليطلة المسلمة يهود ومسيحيون ومسلمون معاً على ترجمة كتب الفلسفة والعلوم اليونانية القديمة، لقد كان ذلك "عصراً ذهبياً" بالفعل.
كيف كان لهذا أن يحدث كله لو كان النبي محمد قد أمر أتباعه "بنشر الإيمان بقوة السيف"؟
ولكن المهم هو ما حدث لاحقاً، حين انتزع الكاثوليكيون أسبانيا من أيدي المسلمين، فقد بسطوا فيها حكماً من الإرهاب الديني، لقد وقف اليهود والمسلمون أمام خيار قاس: اعتناق المسيحية أو الموت أو الهرب، وإلى أين هرب مئات آلاف اليهود الذين رفضوا تغيير دينهم؟ لقد استقبل معظمهم على الرحب والسعة في الدول الإسلامية، لقد استوطن "يهود الأندلس" في المغرب والعراق وبلغاريا (تحت حكم الأتراك آنذاك)، وفي الشمال وحتى السودان في الجنوب، لم تتم ملاحقتهم في أي مكان، لم يواجهوا هناك أي شيء يضاهي تعذيب محاكم التفتيش، لهيب المحارق، المجازر والطرد الذي ساد في معظم الدول المسيحية حتى حدوث الكارثة.
لماذا؟ لأن محمد قد منع بشكل واضح ملاحقة "أهل الكتاب"، لقد تم تخصيص مكانة خاصة في المجتمع الإسلامي لليهود وللمسيحيين، لم تكن هذه المكانة مساوية تماماً، ولكنها كادت تكون كذلك، كان يتوجب عليهم دفع جزية خاصة، ولكنهم قد أعفوا من الجيش مقابلها - وهذه الصفقة كانت مجدية جداً لليهود -، يقولون أن الحكام المسلمين قد عارضوا محاولات إدخال اليهود في الإسلام حتى بالوسائل اللطيفة لأن هذا الأمر كان منوطاً بخسارة عائداتهم من الضرائب.(2/25)
كل يهودي مستقيم يعرف تاريخ شعبه لا يمكنه إلا أن يشعر بالعرفان تجاه الإسلام الذي حمى اليهود طيلة خمسين جيلاً، في الوقت الذي كان العالم المسيحي فيه يلاحقهم، وحاول في العديد من المرات إجبارهم على تغيير دينهم "بالسيف".
قصة "نشر دين محمد بالسيف" هي أسطورة موجهة، جزء من الأساطير التي نشأت في أوروبا أيام الحروب الكبيرة ضد المسلمين، إعادة احتلال أسبانيا من قبل المسيحيين، الحروب الصليبية، وملاحقة الأتراك الذين كادوا يحتلون فينا، أعتقد أن البابا الألماني يؤمن هو أيضاً بهذه الأساطير إيماناً تاماً، هذا يعني أن زعيم العالم المسيحي وهو لاهوتي مسيحي هام بحد ذاته لم يبذل جهداً في التعمق في تاريخ أديان أخرى.
لماذا صرح بهذه التصريحات علنياً؟ ولماذا الآن بالذات؟
لا مناص من النظر إلى الأمور على خلفية الحملة الصليبية الجديدة التي يخوضها بوش ومؤيدوه الإنجيليون، وحديثه عن "الفاشية الإسلامية"، و"الحرب العالمية ضد الإرهاب"، بينما يتم توجيه كلمة "الإرهاب" إلى المسلمين، إن هذا الأمر بالنسبة لمن يوجه بوش هو محاولة ساخرة لتبرير الاستيلاء على مصادر النفط، هذه ليس المرة الأولى التي تلبس فيها المصالح الاقتصادية الجرداء قناعاً دينياً، وهذه ليست المرة الأولى التي تتحول فيها حملة نهب إلى حملة صليبية.
يندمج خطاب البابا بشكل جيد في هذه المساعي، ولا أحد يعرف ما هي النتائج المرعبة القادمة؟
__________________
* خدمة "إسلام ديلي".
http://www.islamtoday.net:المصدر
================
#إسبانيا والبابا والإسلام
مروة عامر
3 رمضان 1427هـ الموافق له 25سبتمبر 2006م
أثارت تصريحات بابا الفاتيكان 'بينيديكت السادس عشر'، أو ما كان يعرف بالكاردينال الألماني 'راتزنجر' ضد الإسلام خلال حديثه عن 'العلاقة بين الإيمان والعقل والعنف في المسيحية والإسلام' جدلاً كبيراً، ذلك الجدل الذي يلعب فيه التاريخ الإسباني دوراً رئيساً - بدءاً من فتح المسلمين للأندلس، حيث لم يتم فرض اعتناق الدين الإسلامي، وبقي أتباع الديانات الأخرى على دياناتهم، في ظل أجواء من التسامح والحرية الدينية لم يعرف لها العصر الوسيط مثيلاً، فضلاً عن الازدهار والثقافة الذين شهدتهم الدولة آنذاك، وحتى سقوط غرناطة، وسيطرة الملوك الكاثوليك والكنسية عليها، والذين أمروا بإحراق كميات ضخمة من كتب المسلمين الغنية بالمعارف، فضلاً عن طرد المسلمين واليهود من الدولة، والقمع الذي تعرض إليه المواطنون الإسبان في تلك الحقبة، إلى جانب محاكم التفتيش التي لا يختلف المؤرخون على أعمال التعذيب والإعدام التي كانت تمارسها سواء في إسبانيا أو أمريكا اللاتينية بمباركة الكنيسة للقضاء على أية ديانة دون 'المسيحية' - الأمر الذي أبرزته بالفعل الكثير من الصحف والمثقفين الإسبانيين في انتقاد لعدم مصداقية تصريحات بابا الفاتيكان، بينما انطلقت الصحف اليمينية تدافع وتبرر وتواصل سياستها المعهودة في قلب الحقائق، في حين حاولت صحف أخرى اتخاذ موقف محايد مكتفية باعتبار التصريحات سوء فهم، أو خطأ غير مقصود، وتحت عنوان 'سوء فهم خطير' كتبت صحيفة 'الباييس':
'لقد كان البابا بينيديكت السادس عشر أقل حنكة سياسية بكثير عن المنتظر منه في خطابه الذي أعلنه في جامعة ريكسيون خلال زيارته لألمانيا، حيث اقتبس انتقادً للإسلام والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - على لسان الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني باليولوجوس في القرن الرابع عشر، الذي كتب في حوار مع مثقف فارسي أن كل ما جلبه محمد كان شراً وغير إنساني مثل 'أمره بنشر الدين الذي يدعو إليه بحد السيف'.
لازال الوقت مبكراً على وصول النزاع إلى أقصاه، إلا أنه من الواضح أن الأمر سوف يسفر عن عواقب في علاقات الفاتيكان بالدول الإسلامية، فمن جهتها تهدد أنقرة بإلغاء زيارة بينيديكت السادس عشر لتركيا، وتطالب باعتذار رسمي من قِبل الفاتيكان 'لإساءته للإسلام'.
إن بينيديكت السادس عشر يتمتع بنفس الثقافة الكبيرة التي كان يتسم بها سابقه 'خوان بابلو الثاني' الذي كان سياسياً بارعاً، إلا أن المثقف قد تخذله أحياناً الحنكة السياسية لدى الاندماج في عرض أفكاره، خاصةً وإن كانت في مجال معقد ومثير لسوء الفهم والتلاعب مثل النظرة اللاهوتية في المقارنة بين ديانتين، الأمر الذي يولد نزاعاً حيث لا ينبغي أن يكون وقد لا يرغب هو شخصياً في إثارته، ذلك النزاع الموجود بالفعل والذي قد يشكل منذ 11 سبتمبر 2001 مصدراً للكثير من التوترات في بعض مفاهيم الحياة بين الغرب والعالم الإسلامي، وفي ظل ذلك الوضع فمن الواضح أنه إذا تجاهلنا الأثر الذي تركته كلمات بابا الفاتيكان في مجتمع إسلامي 'كثير الارتياب'، و'مبالغ في ردود الأفعال'؛ فإنها قد خلقت نزاعاً قد لم يكن يرغب في إثارته... لم تكن الطريقة التي تحدث بها بينيديكت السادس عشر في خطابه هي المُثلى من أجل تشجيع 'الحوار بين الأديان' '.
وتوالت الانتقادات الأكثر حدة، حيث كتب الصحافي الإسباني 'إنريك سوبينا' في مقال نشرته صحيفة 'البلورال' تحت عنوان 'الحبل في بيت المشنوق':
لقد أخطأ راتزنجر الذي يعد رجل دين ومثقف ذو شأن، بشكل مؤسف، فقد ارتكب البابا الخطأ الجسيم: 'ذكر كلمة حبل في بيت المشنوق' - مثل قديم -، فهل يمكن لبينيديكت السادس عشر أن ينكر أن الديانة 'المسيحية' قد انتشرت كذلك بشكل جزئي على مدار التاريخ من خلال السيف، في دمج مفتعل بين العرش والمذبح، أو الصليب والسيف؟ هل نسي أنه في مقابل 'الجهاد' كان عدد ليس بقليل من سابقيه على كرسي سان بيدرو قد شجعوا ودعموا وباركوا الحملات الصليبية؟
وعقب أعوام قليلة من وفاة الإمبراطور البيزنطي الذي اقتبس بينيديكت السادس عشر انتقاده للإسلام قام الملوك الكاثوليك بطرد المسلمين واليهود من إسبانيا، وفي عام 1492 تم اكتشاف أمريكا فكيف يمكن أن يبرر راتزنجر فرض الديانة الكاثوليكية على سكان البلاد الأصليين؟ وكيف دافعت محاكم التفتيش عن العقيدة الكاثوليكية؟
ودون أن نتخطى إطار التاريخ الإسباني قد يكون من الملائم أن نستمع من بينيديكت السادس عشر الأسباب الإنجيلية التي سمحت للأساقفة بتلقيب الحرب الأهلية 'بالصليبية'، والاستماع كذلك لروايته على سبيل المثال بشأن النزعة الوطنية الكاثوليكية الإسبانية [التي كانت تمثل إحدى سمات نظام فرانكو الديكتاتوري الذي حكم إسبانيا من 1936 إلى 1975، والتي تمثلت في أوضح صورها في هيمنة الكنيسة الكاثوليكية على كل مظاهر الحياة العامة والخاصة]، تلك النزعة التي حظت على مدار عقود بالدعم القوي والمتحمس من قِبل مختلف الباباوات الذين تعاقبوا على الفاتيكان.'
وفي مواصلة للانتقادات تجدر الإشارة إلى تعليق للأستاذ المساعد بجامعة بلنسية الإسبانية 'أوسكار سانتشو خوان' نشرته صحيفة 'الباييس' تحت عنوان 'تصريحات البابا':
'تماماً كما حدث خلال أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - يتم عرض تعليقات البابا حول الإسلام، وردود أفعال بعض المسلمين كفصل جديد في قصة تصادم الحضارات، وأرفض أن يتم عرض الأمر على هذا النحو.(2/26)
فإنني كمتحدث للعربية، وكشخص عاش في دول عربية؛ يمكنني أن أؤكد أنني لم أُعامَل مطلقاً من قِبل أي مسلم بناءً على جنسيتي، أو السياسات التي تنتهجها دولتي، بل عوملت دوماً باحترام ومودة، بينما أرى كل يوم في أوروبا كيف يُعامل المسلمون بسبب الصورة التي يظنها البعض الذين لا يعلمون شيئاً عن الإسلام، ولم يتعرفوا على أي مسلم من قَبل، عن المسلمين.
وبصدد هذا الجدل أعتقد أن الجميع يُخطأ لدى انتقادهم الآخرين قبل أن ينظروا إلى أنفسهم، فإذا كان البابا يود الإشارة إلى التناقض بين الدين والعنف فالتاريخ 'المسيحي' يقدم ما يكفي من الأمثلة، إلا أن الكثير من المسلمين يسايرون في الوقت ذاته التيار الذي لا يولي اهتماماً لدور الجانب الاجتماعي والسياسي في تاريخ الإسلام، مكتفين بإبراز الجانب الديني الأمر الذي ينقل رؤية منحرفة للتاريخ، ويزيد من صعوبة انتقاد الذات.
ودون هذا الانتقاد للذات سواء من قِبل البابا أو من قِبل بعض المسلمين فسوف يظل الحوار مستحيلاً ليقتصر الأمر على الوضع المؤسف المتمثل في التراشق بالاتهامات والإهانات.'
وانتقالاً إلى جبهة الدفاع والتبرير لتصريحات بابا الفاتيكان المسيئة نذكر مقالاً لصحيفة 'ليبرتاد ديخيتال' اليمينية بعنوان 'بينيديكت السادس عشر والجهاد' جاء فيه:
'لقد طرح بينيديكت السادس عشر رؤية متعمقة حول الرسالة الدينية، تلك الرؤية التي كان ينبغي أن تحظى بالتهليل من قِبل أي محب للحرية، فانطلاقاً من كلمات مقتبسة من إمبراطور بيزنطي أوضح بينيديكت السادس عشر على نحو سامِ فكرة تحررية بشكل رئيس 'حول العلاقات بين الدين والعنف بوجه عام'، والتي تتمثل ببساطة في التعارض بين الحرب المقدسة، استخدام العنف من أجل نشر الدين، والعقل و'الذات الإلهية'.
وتشكل هذه الآراء التي صرح بها البابا جزءً من جهد ثقافي وأخلاقي جديد من قِبله من أجل دفع 'الحوار بين الأديان'، حيث كان يحاول من خلالها، ومن خلال تصريحات أخرى لم يتم أخذها في الاعتبار؛ تقديم دعوة للقطاعات الإسلامية الأكثر اعتدالاً من أجل التوصل معهم إلى جبهة مشتركة للدين والعقل ضد ما يصفه بشرور العلمانية، فلم يكن رأيه ضد العنف موجه ضد الإسلام، بل كان يهدف إلى إرساء أسس قوية مع أفضل القطاعات الإسلامية، أسس يمكن أن تتلائم مع المجتمعات الحرة والمفتوحة، إلا أن الكثير من أبرز ممثلي الإسلام لم يرحبوا باليد الممتدة من رأس الكنيسة، بل اتخذوا ردود أفعال تشحن ملايين الأشخاص ضده، فقد اعتبروا التعبير عن رأي بمثابة هجوم، كما خلطوا بين الثقافة الغربية وثقافتهم الخاصة في إثارة 'للإرهاب'.
وليس من الصعب أن نتذكر ردود الأفعال التي أثارتها الرسوم الكاريكاتورية لمحمد - صلى الله عليه وسلم - في العالم الإسلامي، والتي اتسمت بالعنف الذي يأخذ في التكرار الآن، أراد الكثير من الزعماء الإسلاميين حينها تحذير أوروبا من قوتهم، وتشكل هذه فرصة جديدة لتذكيرنا بذلك.
وينضم إلى رد الفعل المنافق والعنيف من قِبل قطاع كبير من الإسلام جزء كبير من أوروبا، الذين لم يدعموا بفخر كلمات بينيديكت السادس عشر'.
وتبنت صحيفة 'آ بي ثي' اليمينية آراءً وتبريرات مماثلة مستخدمة نفس سياسة قلب الحقائق في مقال نشرته بعنوان 'بينيديكت السادس عشر والإسلام'، نذكر منه:
'على ممثلي العالم الإسلامي سواءً كانوا علماء دين أو سياسيين، سواءً كانوا يعيشون في دول أوروبية أم لا؛ أن يقبلوا حرية التعبير والفكر السائدة في المجتمعات الغربية، والتي تحمي كذلك في هذه الحالة بابا الفاتيكان الممثل لكنيسة تفتقر للسلطة السياسية، والذي ينشر مبدأً عالمياً كان على المسلمين اعتباره فرصة للاحترام المتبادل، وليس ذريعة جديدة لإثارة المشاعر العدائية'.
ولم تقتصر ردود الأفعال في إسبانيا على التعليقات الصحافية فحسب بل امتدت إلى المجتمع السياسي والمدني، فللمرة الأولى منذ وقت طويل يتفق الحزب الشعبي اليميني مع الحزب الاشتراكي اليساري - حزب الحكومة -، فقد أعلن رئيس الحكومة الإسباني 'خوسيه لويس ثاباتيرو' الذي يشارك تركيا في تبني اقتراح ما يُدعى 'بتحالف الحضارات' عقب فترة من الصمت في رد فعل غير متوقع عن 'دعمه وتفهمه التام' لموقف بينيديكت السادس عشر، حيث اعتبر أن بابا الفاتيكان لم يكن يقصد إثارة أي جدل أو مواجهة أو انتقاد للدين الإسلامي أو لمعتنقيه، في الوقت الذي دعا فيه العالم الإسلامي لمنح الأولوية 'للتفاهم'.
ورحب الحزب الشعبي بدفاع ثاباتيرو عن بابا الفاتيكان، معتبراً أن رئيس الحكومة قد اتخذ بذلك 'السبيل الصحيح'، إلا أنه انتقد التصريحات التي أدلى بها مسئولون اشتراكيون آخرون مثل وزير الخارجية الإسباني 'ميجيل أنخيل موراتينوس'، وسكرتير الحزب الاشتراكي 'خوسيه بلانكو' اللذان كانا قد أشارا في بداية الأزمة إلى ضرورة استدراك بابا الفاتيكان لتصريحاته.
في حين أدان مسئول بائتلاف اليسار الموحد الإسباني خطاب بينيديكت السادس عشر، منتقداً ما أثاره من 'تصادم ومواجهة أكثر منه تفاهم'.
ومن جهة أخرى لم يكتفِ رئيس الوزراء الإسباني السابق اليميني المتشدد 'خوسيه ماريا أثنار' بدعم تصريحات بابا الفاتيكان، وانتقاد موجة الغضب التي أثارتها في العالم الإسلامي فحسب؛ بل اعتبر أنه إذا كان علي البابا أن يقدم اعتذاراً؛ فعلى العالم الإسلامي أيضاً أن يقدم اعتذاراً عن الثمانية قرون التي 'احتل' فيها الأندلس على حد وصفه، في خلط للأوراق، وتشويه للتاريخ، كما دعا نفسه بـ'مؤيد إيزابيل وفرناندو' الملكين الكاثوليكيين اللذين غزوا آخر مملكة إسلامية في إسبانيا عام 1492، مؤكداً أن الرأي العام الإسباني يعي تماماً ما وصفه 'بالخطر الإسلامي'.
وعلى الصعيد الاجتماعي أعلن رئيس المجلس الإسلامي بإسبانيا 'منصور إسكوديرو' أن هذا النوع من التصريحات يعد بمثابة تكرار وتأكيد لأسوأ الروايات التي تربط الإسلام بالسيف والعنف، مؤكداً عدم صحة كل ذلك، حيث أوضح أن الإسلام دين سلام، كما ندد بأن الإدلاء بهذه التصريحات لا يثير سوى 'تصادم الديانات'، مطالباً الفاتيكان باستدراك علني للخطاب الذي أعلنه بينيديكت السادس عشر.
ومن جهة أخرى اعتبر عالم اللاهوت الإسباني 'خوان خوسيه تامايو' أن تصريحات بابا الفاتيكان 'قد دمرت كل الجسور' الممتدة فيما يُدعى 'بالحوار بين الأديان'.
ولعل إدلاء بابا الفاتيكان بتلك التصريحات في إطار 'الحوار بين الأديان' يعد أكبر دليل على عدم مصداقية تلك المبادرات، وكذب أهدافها المزعومة.
http://www.islammemo.cc:المصدر
==============
#أثنار على خطى البابا.. عندما تنقلب الحقائق!
6 رمضان 1427هـ الموافق له 28 سبتمبر 2006م
الخبر:
رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أثنار يطالب المسلمين اليوم بالاعتذار الرسمي عن فترة حكمهم لإسبانيا، ويقول: إنهم أرادوا كسر الصليب، والقضاء على المسيحية!
التعليق:
من المضحكات المبكيات التي نشهدها، والتي لم تندرج بعد ضمن عجائب الدنيا؛ أن تقلب الحقائق فيصير الجاني مجنياً عليه والمجني عليه جانياً، أن يصير من سفك الدماء صاحب اليد البيضاء، ويصبح مسفوك الدم موصوفاً بكل رذيلة وبلية!(2/27)
لم يكتف الصليبيون بالتطاول على المسلمين، وسفك دمائهم، وإثارة النزاعات بينهم، وتنشيط أجواء الفساد في كل حدب وصوب من العالم؛ حتى تطاولوا على الدين الإسلامي وعلى القرآن الكريم المنزل من عند الله لتدوسه أقدامهم, وليبول عليه جنودهم، وليضعوه مكان القذر والنتن، بل طفح الكيل، وبلغت القلوب الحناجر حين أسيء لشخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فمنذ شهور شهدنا هجمة دانماركية بمباركة نرويجية، ومساندة أوروبية على شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتفض لها أهل الإسلام، ولوحوا بما استطاعوا أن يلوحوا به من الدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى الجانب الآخر تمنع الجاني من تقديم الاعتذار عما بدر منه لأنها الحرية التي يزعمونها! نعم حرية الرأي وحرية التعبير التي لا يفهمها أمثالنا من المجني عليهم؛ معذرة: بل من الجناة المتصلبين!!
وبالأمس القريب خرج كبيرهم - البابا - على العالم بخطبة سبق إعدادها والبحث في مصادرها ليست مرتجلة بل مكتوبة, ليصف فيها الإسلام بأقبح الأوصاف، ويرجم فيها التهم لأشرف شخصية وطئت الثرى - صلى الله عليه وسلم -، فلما اهتاج المسلمون أبت نفس البابا الخبيثة أن يعتذر، وكيف يعتذر وهو 'المجني عليه' ولمن يعتذر 'للجاني'؟!! ثم كان رده الأكثر غرابة: 'إنكم لم تفهموا ما سمعتم من سباب وإهانة'.
ثم هاهو رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أثنار يطالب المسلمين اليوم بالاعتذار الرسمي عن فترة حكمهم لإسبانيا، ويقول: إنهم أرادوا كسر الصليب، والقضاء على المسيحية!
ولأنه قد كثرت الإهانات والمسبات من هنا وهناك، وكثر من 'الجناة' - المسلمين - طلب الاعتذار نتيجة فهمهم الخاطئ لحقيقة ما يقال؛ كان لابد من أن يتحرك المجني عليه، ويطلب هو الآخر اعتذاراً!.
ليس هذا فحسب بل إن ما يطلق عليه 'الحوار' أو 'التفاوض' أو ما في معناهما من نغمات لم تعد تنطلي على أحد، إذ كيف تحاور أو تفاوض من لا فهم له، وكيف يتفاوض المجني عليه مع من جنى عليه قبل أن يحصل ولو على ضمانات معقولة، بل كيف تتفاوض مع من لم يستطع تحرير غالب أرضه من يد 'المجني عليه'، وهو لا يزال يحاول، ومحاولاته ولا شك إرهابية متطرفة يلجأ فيها إلى اللامنطق القائل 'ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة'.
هكذا بدت كلمات رئيس وزراء إسبانيا السابق خوسيه ماريا أثنار، فقد أعرب عن رفضه التام لفكرة 'تحالف الحضارات' بين الغرب والعالم الإسلامي واصفاً إياها بأنها فكرة 'غبية'، وقال: إن المشكلة ليست في حوار الغرب مع العالم الإسلامي ولكنها تكمن في أن المبادرة أصبحت في أيدي من وصفهم بـ'المتطرفين'.
إنه العدل في أسمى معانيه ولا شك!!، ومن يقل بخلاف ذلك فهو 'غبي' لا يفهم!!، بل إن قلبه قد امتلأ بالحقد، فأصبح لسانه يفوح بالأغاليط.
إن هذه التصريحات ومن قبلها تصريحات كبير الفاتيكان إنما تدل على أنهم صاروا يأخذون من التاريخ، ولكن أي تاريخ، وبأي منظور، أتراهم يقولون في أنفسهم هؤلاء هم الذين سادوا العالم في يوم من الأيام، ورأى البشر كلهم منهم العدل في أسمى معانيه، والإسلام في سماحته وصفحه وعدله، حتى ركب رومي الصعاب، ومشاق الطريق من مصر حتى بلغ دار الخلافة بالمدينة المنورة يشكو ضرب العصا من ابن أمير مصر، أم تراهم يقولون هؤلاء من سادونا بأخلاقهم وحضارتهم ونفعهم للبشرية، أم تراهم قد ملأهم الغل والحقد والحسد.
ثم شيء آخر يحتاج إلى نظرة تأمل أن أثنار كان مرشحاً لتولي منصب الأمين العام للأمم المتحدة، فهل يعد ما قاله هذا وسام شرف يقدمه بين يدي مسوغاته وصلاحياته لهذا الترشح وذاك المنصب، وليكون صاحب الدرجات الأوفر في الفوز به خاصة وقد فهم العدل من أوسع أبوابه، وأصبح الميزان معتدلاً بين يديه وفي عقله.
كما نريد أن لا ننسى أو نغفل كون أثنار هو الحبيب المقرب من راعي الشرعية الدولية والعدل العالمي 'بوش الابن' طوال فترة حكمه لإسبانيا، لذا فقد يقول قائل من أهل التطرف أو يتسائل أحد الخبثاء هل تعبر تصريحات أثنار عما يدور بخلد بوش؟ أم ترى أن أثنار قد يكون هو اللسان المطلوب حركته هناك في أروقة الأمم المتحدة ليعبر عما يجول في خاطر البيت الأبيض.
ونتسائل سؤالاً آخر: لماذا في هذه الفترة بالذات اجتمعت تصريحات بوش عن الفاشية الإسلامية، وبابا روما عن شر الإسلام، وبأسقف أستراليا حين هاجم الإسلام، ثم أثنار أسبانيا؟! هل كان توالي هذه التصريحات محض عشواء؟! أم أننا ما زلنا لا نحسن فهم هؤلاء؟!
لقد عبر جوزيه مانويل دوراو باروزو رئيس اللجنة الأوروبية يوم السبت الماضي عن المراد حينما قال: إنه كان يتعين أن يعلن عدد أكبر من الزعماء الأوروبيين دعمهم لبابا الفاتيكان بعد تصريحاته المثيرة للجدل, ودافع رئيس الحزب المسيحي الاشتراكي عن تصريحات البابا بقوله: 'عن أي شيء يجب أن يعتذر البابا؟ أنا الذي أطالب هؤلاء بالاعتذار عن هذه الحملة الاستفزازية التي قادوها ضد البابا'.
لقد أنبأنا القرآن عنهم، وهاهي نبوءة القرآن تتحقق في كل زمان ومكان, قال الله - سبحانه -: ((ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم)).
إننا نذكر أثنار بأن أسلافه في أسبانيا ما كانوا يحلمون بعهد عدل وإحسان، ورقي وتقدم، وازدهار ومجد مثل ذلك العهد الذي حكم الإسلام فيه الأندلس في وقت كانت أوروبا تتخبط في ظلمات الجهل، ويبيع رهبانها أجزاءاً من الجنة بصكوك الغفران، ولما حكموا الأندلس - بالخيانة والفتنة والوقيعة - كانوا يطلبون من المسلم: إمّا الإيمان بالمسيحية وترك الإسلام، أو الموت حرقاً، وقد أحرق [700] مسلم دفعة واحدة في أشبيلية، و[113] مسلم في أبله، أما في مدينة طليطلة فقد مثل أمام المحكمة [1200] مسلم حكم عليهم بالإعدام في جلسة واحدة، كذلك أمر 'الكردينال خمنيس' بجمع الكتب العربية الموجودة في غرناطة والتي بلغت آلاف المجلدات شملت الوثائق التاريخية، والمصاحف المزخرفة، وكتب الأحاديث، والآداب، والعلوم، وغيرها فأضرمت النيران فيها جميعاً؛ فمن يعتذر لمن يا أثنار؟!
http://www.islammemo.cc:المصدر
===============
#تصريحات البابا: إعلان إفلاس وعجز المسيحية أمام حيوية الإسلام
19 - 9 - 2006
في صفحة الرأي والافتتاحيات بصحيفة "الاندبندنت" البريطانية كتب دومينيك لوسن مقالاً بدأه بالقول: "إن هناك ديانتين كبيرتين فقط تحاولان تحويل العالم إليهما وهما المسيحية والإسلام"، ورأى أن الإسلام فقط هو الذي يملك في هذه المرحلة الطاقة الحيوية لتكريس نفسه لهذه المهمة، بينما نجد المسيحية منشغلة تماماً بمجرد الدفاع عن وجودها الروحي القائم، وأن هناك أمراً واحداً واضحاً: وهو أن هناك خلافاً عقدياً أصيلاً بين الديانتين، وأن البابا بنديكتوس السادس عشر كان يفيد الحقيقة عندما أشار إلى هذه المسألة، وأشار المقال إلى أنه رغم الدور السابق للبابا الحالي كمنظر للفاتيكان فإنه لم يكن راضياً عن مدى دخول البابا السابق يوحنا بولص الثاني في "حوار مع الإسلام".
ورأى الكاتب أن البابا الألماني بنديكتوس قد توصل إلى قناعة مفادها أن "مطلقية الإسلام" جعلت من المستحيل إجراء أي نقاش لاهوتي حقيقي معه.
ولم يكن مصادفة أن تكون إحدى أولى خطوات البابا بنديكتوس إزاحة كبير الأساقفة مايكل فيتزجيرالد من رئاسة مجلس حوار الأديان التابع للفاتيكان، ومن ثم قيامه بتقليص دور المجلس بحسب الكاتب لوسن.(2/28)
ومن جانب آخر نشرت صحيفة الديلي تلجراف تقريراً موسعاً تناولت فيه جانباً مختلفاً من أزمة تصريحات بابا الفاتيكان، وقالت الصحيفة: إن البعض حمل "الطبيعة الشمولية" للنظام البابوي في الفاتيكان مسؤولية تصريحات البابا التي أثارت غضباً في العالم الإسلامي، وتابعت قائلة: إنه بخلاف سلفه يوحنا بولص الثاني الذي كان يعمل عن كثب مع مجموعة مختارة من مستشاريه عند كتابة خطاباته؛ يصر البابا بنديكتوس السادس عشر على كتابة خطاباته بنفسه.
وأضافت: أنه رغم أن المسودات النهائية لكلمات البابا توزع على مساعديه؛ فإن كبار مستشاري الفاتيكان يعتقدون أنه لا يوجد أحد يملك الشجاعة الكافية ليقول للبابا: إنه ربما ارتكب خطأ.
وفي صفحة الرأي في الصحيفة نفسها كتبت كارين آرمسترونغ مؤلفة كتاب "نبذة عن تاريخ الإسلام" مقالاً تقول فيه: "إن ثمة عداء قوياً للإسلام في الثقافة المسيحية الغربية، ويتعين التخلص منه"، واعتبرت الكاتبة أن "هذه العقلية التابعة للقرون الوسطى لا تزال حية ترزق....معاداة الإسلام لدينا تعود إلى زمن الحروب الصليبية"، كما رأت آرمسترونغ أن كلام البابا سيجعل المسلمين أكثر قناعة بأن الغرب معاد للإسلام، ومصمم على المضي قدماً في حرب صليبية جديدة.
بينما خلصت صحيفة الصنداي تايمز في عددها الأخير إلى أن: "أقوال البابا أوجدت انقسامات كبيرة وسط الكنيسة أيضاً بين الكاثوليك التقليديين والتقدميين المعتدلين، وحتى أولئك الذين كانوا راضين عن البابا، ويقولون: إنه لن يدخل في مواجهة مع الجناح اللبرالي لكنيسته؛ غيروا نظرتهم الآن مستغربين للطريقة التي كشر فيها راتسنغر عن أسنانه العجوزة".
http://www.alasr.ws:المصدر
================
#المسلمون بين بابا الفاتيكان وبابا البيت الأبيض
جمال عرفة
4/9/1427هـ
هل كانت مصادفة أن يلقي بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر محاضرته المسيئة في ذكرى مرور خمس سنوات على تفجيرات 11 سبتمبر، والتي اتهم فيها الإسلام علناً بأنه دين العنف والتطرف، وانتشر بالسيف، ولا يصلح للحوار(!)، ثم يعود ليقول: أن المسلمين لم يفهموا كلامه رغم أنه كلام واضح لا يحتاج إلى تأويل؟
وهل كانت مصادفة أن يأتي حديث البابا عن صعوبة الحوار مع المسلمين لأنهم - لأسباب عقيدية شوهها البابا - يرفضون "الكلمة" أو الحوار أصلاً، ويتحدثون بلغة السيف، في نفس اليوم الذي كان يعقد فيه - في جمهورية كازاخستان - المؤتمر الدولي الثاني لزعماء الأديان العالمية والتقليدية "من أجل تعميق الحوار والتفاهم والتعاون بين الأديان جميعاً"!.
هل أراد البابا أن يستغل مناسبة ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر للهجوم على الإسلام، وربطه بالتالي بالإرهاب دعماً للفكرة السائدة في الإعلام الغربي من الربط بين الإسلام والإرهاب , وتواصلاً مع مسلسل الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية؟ خصوصاً أن محور حديثه كان عن تشدد الإسلام وارتباطه بالعنف والقوة؟ أم أراد أن يبرهن على تفوق المسيحية على الإسلام من الناحية العقائدية، فيما قاله عن اعتزاز المسيحية بالكلمة (الحوار)، واتباع الإسلام طريقة السيف؟.
لو قيل أن البابا قال كلمته ارتجالياً لأصبحت فكرة أنه أخطأ، وأنه قال ما قال بحماسة دينية دون قصد تشويه الإسلام؛ واردة، ولكن لأن كلمته كانت مكتوبة سلفاً، ومعدة سابقاً، ويقرأها من خطاب محدد، فضلاً عما هو معروف عنه في الفاتيكان من عدم الخطأ خصوصاً في المسائل الدينية - باعتباره رأس الكنيسة - هنا يصبح الهدف الأول المتعلق بتوفير البابا الغطاء الديني لحرب أمريكا على الإسلام تحت زعم "الإرهاب" هو الاحتمال الأرجح.
فالبابا بنديكت معروف عنه سابقاً أن مسئول مجمع الإيمان الذي يعتبر بمثابة المجمع الفقهي للكنيسة، ومعروف عنه تشدده وتطرفه الديني، واعتباره أن الإسلام هو التحدي الأخطر للكنيسة الغربية الكاثوليكية مستقبلاً خصوصاً في ظل الواقع الذي يقول: أن الإسلام لا يجد مشاكل في انتشاره في الغرب، في حين تعاني الكنيسة من انفضاض أتباعها عنها، ولا تزال تسعى لترميم جسور المسيحية في الغرب لوقف العزوف عنها.
وبعد إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي جورج بوش انتعش دور متشددي الكنائس الغربية الساعين لأن يلعب "الكتاب المقدس" دوراً محورياً في الحياة العامة والسياسة الخارجية بصورة كبيرة، وظهر هذا بوضوح أكبر في كل من أمريكا وبريطانيا وألمانيا - بلد بابا روما -، بل أن أحد أسباب اختيار بابا روما الحالي من دولة أوروبية وكمسئول عن المجمع الفقهي الديني المسيحي استهدف بشكل أساسي ترميم أسس المسيحية المتدهورة في الغرب، وإعادة تأثيرها على الحياة السياسية والعامة.
بابا الحرب على الإسلام:
والحقيقة أن الخطورة ليست فيما قاله بابا روما عن الإسلام في تصريحاته الأخيرة فقط، ولكن في أن ما قاله لم يكن سوى الجانب المكشوف من المخططات التي تعد في الغرب - دينياً وسياسياً وعسكرياً - ضد الإسلام، أو قمة جبل الجليد الذي سعوا لاخفاءها باستمرار، ولكنها ظهرت على لسان البابا.
فمنذ 11 سبتمبر وهناك حرب أمريكية وغربية مكشوفة على الإسلام وصلت للضغط على الدول العربية والإسلامية لطلب تغيير مناهج تدريس الدين، وتغيير الخطاب الديني الإسلامي، وحذف كل ما ينتقد اليهود من كتب التدريس، ووقف ما سمي "التحريض" على الغرب وأمريكا في مناهج التعليم، فضلاً عن فرض خطة لنشر الديمقراطية الغربية أملاً في أن يصل للحكم قوى علمانية عربية تدين بالولاء للغرب، وتنفذ مهمة هدم الإسلام من الداخل.
وإذا كانت إدارة الرئيس بوش المتطرفة دينياً، والتي يقودها اليمين المسيحي؛ قد كشفت بوضوح عن أهدافها، وهاجمت الإسلام عشرات المرات، ووضعت الخطط الفعلية لضرب هذا الدين في معاقله، والسيطرة على مقدرات الدول الإسلامية، وظهرت مخططاتها في عشرات المصطلحات التي تتهم الإسلام بالفاشية أو التطرف؛ فقد جاءت تصريحات البابا لتكشف عن خطة مزدوجة بين القيادة الروحية المسيحية للغرب والقيادة السياسية لتبرير الحملة على الدول الإسلامية.
والأكثر خطورة أنه كان يتم دوماً تبرير الهجوم على الإسلام من قبل سياسيين غربيين على أنه جهل بالإسلام والعقيدة الإسلامية، أو أنه هجوم على المتطرفين لا المسلمين أنفسهم والإسلام، بدليل قول الرئيس بوش مؤخراً أنه يحارب "الفاشيين الإسلاميين"، ولكن الهجوم على الإسلام هذه المرة جاء من رأس الكنيسة الكاثوليكية، وجاء منصباً على العقيدة وأسس الدين الإسلامي بشكل يقدم المبرر أو الغطاء الديني الكافي لحملات الغرب العسكرية والسياسية على العالم العربي والإسلامي، ويؤجج حرب أو صراع الحضارات (كما تنبأ صموئيل هنتنغتون)، ويعمق الهوة بين العالمين الإسلامي والغربي.
فإذا كان الرئيس الأميركي جورج بوش قد تحدث من قبل عن "الحملات الصليبية"، ثم تحدث عن "الإرهاب الإسلامي"، ثم "الإسلام الفاشي"؛ فقد تحدث البابا عن الإسلام بمنطق ديني أبشع يفرغه من روحه الإيمانية، ويجعله قهراً وقسراً ودين عنف وسيف، بل أن البابا كشف نفسه وكشف قناعاته المعادية للإسلام - وهو يعتذر ضمناً ثلاث مرات - حينما دعا المسلمين (خلال لقائه الاستثنائي مع مبعوثي الدول الإسلامية المعتمدين لدى الفاتيكان) إلى "نبذ العنف" ودعاهم للحوار، ما يؤكد قناعته أن الإسلام دين عنف ولا يصلح للحوار معه!!.(2/29)
وهذه الرؤية الدينية التي قدمها بابا الفاتيكان تعطي الساسة الغربيين "كلمة السر" أو "الضوء الأخضر" للعدوان على العالم الإسلامي، باعتبار أن المسلمين خطر على الدين المسيحي، وعلى الوجود والحضارة الغربية، خصوصاً أنها تتكامل مع الشعار الجديد الذي اتخذه الرئيس بوش بمحاربة الإسلاميين "الفاشيين"، وهو شعار خطير جداً يصور المسلمين على أنهم تماماً مثل الفاشيين الأوروبيين (هتلر وموسوليني)، وبالتالي لا بد من اجتثاث خطرهم كي لا يدمروا الحضارة الغربية؟.
واذا ما أدركنا أن احتلال العراق وغزوه جاء لأسباب إنجيلية - حسبما اعترف بذلك قادة دينيون أمريكان منهم بات روبرتسون -، كما أن غزو لبنان، والتحريض على إبادة الفلسطينيين من قبل حاخامات يهود ورجال دين مسيحيين، وحتى التحريض على السودان من قبل منظمات تبشيرية مسيحية لاتضحت معالم أكثر خطورة لهذا التحالف الديني - السياسي الجديد بين بابا روما وبابا البيت الأبيض والذي يستهدف المسلمين بشكل أساسي.
وقد فضح هذا المخطط أيضاً ضمنا رئيس الوزراء البريطاني حينما قال في المحاضرة التي ألقاها أثناء زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة وأكد أنه "لا يمكن الانتصار في هذه المعركة ضد التطرف إلا إذا انتصرنا على مستويي القيم والقوة على حد سواء"، ودافع عن النهج الأميركي بعد 11 سبتمبر لأنه نهج لا يرمي إلى "تغيير الأنظمة، بل تغيير القيم التي تتحكم بالأمم المعنية"!!.
وتزيد مخاطر هذا الثنائي الديني السياسي (بنديكت - بوش) حينما يظهر أن أهدافهما مشتركة، أو يكمل بعضها البعض الآخر، فـ(الأول) يبغي إحياء المسيحية المنهارة هناك بافتعال معارك ضد الإسلام، وإظهار أنه دين العنف والإرهاب الذي يعاني منه الغربيون، ما يتطلب أن يهرعوا إلى الكنيسة ويعودوا لها، و(الثاني) يبغي إحياء مجد سياسي، والسيطرة على العالم بقناع ديني زائف لم يجد من يثبته على وجهه سوى بابا روما الجديد الأشد تطرفاً - أو صراحة في التطرف - من سابقيه.
واللافت في هذا الثنائي الخطير أنه يتشابه كثيراً مع ذات الثنائي الذي تشكل ابان الحرب الباردة الأمريكية السوفيتية، حيث تحالفت الكنيسة البابوية مع الحكومات الغربية لإسقاط الشيوعية والمعسكر الاشتراكي، وكان الرئيس الأمريكي حينئذ هو رونالد ريجان الذي كان أول من دشن فكرة استخدام الدين - بقوة - في السياسة الأمريكية، والتحرك وفق خطوات دينية إتباعاً لقناعته الدينية كأحد أعمدة التيار المسيحي المحافظ في أمريكا.
ولهذا يجري إعادة ذات التجربة في التحالف بين البيت الأبيض والفاتيكان في حربهما على العالم الإسلامي بدعاوى التطرف بين البابا بنديكت والرئيس الأمريكي بوش، ويشارك فيها باقي زعماء أوروبا، رغم أن كثير منهم بروتستانت ويختلفون مع الكاثوليك في العقيدة!، ولكنهم يستخدمون هذه المرة لعبة "الفاشية الإسلامية" أو ما سماه السيناتور الجمهوري (ريك سانتورم) "من ولاية بنسلفانيا الأمريكية بـ"الحلم الفاشي الإسلامي المتطلع لإنشاء خلافة إسلامية عالمية، تكون فيها السيادة على العالم بأسره بيد المتطرفين والفاشيين الإسلاميين".
واللافت هنا أن استخدام مصطلح "الفاشية الإسلامية" ظل متداولاً ومستخدماً منذ ما يزيد على الخمسة عشر عاماً في أمريكا والغرب ضمن حالة العداء للإسلام، خصوصاً منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، واتخاذ مؤتمر حلف شمال الأطلنطي حينئذ في ميونخ الإسلام كعدو جديد للغرب، فضلاً عن صعود أسهم اليمين المسيحي المتطرف الإنجيلي في أمريكا.
فهل بعد هذا لا يزال البعض يتشكك في نوايا بابا روما وبابا البيت الأبيض؟ وهل يؤشر هذا لحرب علنية دينية غربية ضد الإسلام، وتصاعد لصراع الحضارات يقترب بالعالم إلى هاوية الحروب العالمية؟.
http://www.almoslim.net:المصدر
===============
#الثالوث المسيحي النكد: البابا وبوش وبلير وحاجتهم للحرب مع الإسلام
د. محمد الأحمري
17- 9- 2006م
الغربيون الذين كتبوا وتابعوا مواقف الأصوليين المتطرفين الثلاثة: "بوش والبابا وبلير" يرون أنهم يمثلون موقفاً موحداً مليئاً بالحقد والكراهية للإسلام وللمسلمين، وكانت بداية أفكارهم ظاهرة في ميولهم الديني المتعصب للمسيحية، - وقد ناقشته مجلتان شهيرتان "نيوز ويك" الأمريكية و"نيوستاسمان" البريطانية، فيما يتعلق ببلير قبل تسلمه الرئاسة - وكراهيتهم لمن يخرج عنها، وكراهيتهم للعلمانيين عندهم، وهي أزمات دينية داخلية عميقة في بلدانهم أهم هذه المشكلات أن بلدانهم قطعت شوطاً في التسامح العام مع الشعوب والديانات الأخرى، ونالت شيئاً من التسامح - الجالية المسلمة القاطنة في الغرب -، وكان حقدهم في البدء موجهاً للعلمانية الغربية، ولظواهر التسامح مع غير المسيحيين، وكراهيتهم للموجة العلمانية التي أعطت بعضاً من الحريات، وتعدداً في الأديان، وأنتجت مجتمعاً خرج عن تزمتهم الديني، وأنجب شباباً من الجنسين منهم من لم يعد مبالياً بأي دين أو أسلم، وأنتجت موظفين كباراً في مواقع مهمة لا يعطون الأولوية في حياتهم لمعاداة غير المسيحيين، وزاد من أزمتهم تطرف بعض العلمانيين ولا مبالاتهم تجاه المشكلات الجنسية والشذوذ والإجهاض، وكثير من محظورات الكنيسة.
وقد حُشي هؤلاء الثلاثة بكراهية للمسلمين، كراهية تفوق الوصف، فاستدعى هؤلاء المواقف المسيحية المتطرفة والمعادية للإسلام عبر العصور، وأحيوا القيم المتعصبة التي يسميها بلير "قيمنا" ويطالب بعودتها، وهي التعصب للمسيحية، والحروب الدينية، وعودة الاحتلال للشعوب الأخرى، وسرقة ما يمكن سرقته من ثرواتها، اثنان من هذا الثالوث لم يفكرا فقط في استعادة الحروب الصليبية على المسلمين بل مارسوها، ودعوا لها، وحثوا شعوبهم ومثقفيهم وإعلامهم عليها، وكذبوا ونصبوا ليحيوا الحروب الصليبية والمواجهات الدامية بين الإسلام والمسيحية.
ونحن لم نخترع هذا الثلاثي المتعصب، بل هو يعلن عن نفسه في كل مناسبة وبلا مناسبة، كما تصرف البابا أخيراً.
ثم يزعم هؤلاء بأن المسلمين متعصبون ومسلحون وإرهابيون، وهم هم الذين يحتفلون كل يوم بمذبحة للمسلمين ويفاخرون بها، وبارتفاع عدد المذبوحين من المسلمين، وكل ذبيح لهم "إرهابي" ولو كان عجوزاً منهكاً، أو طفلاً في أيامه الأولى.
ومن يتابع الإعلام الأمريكي يرى ويسمع الحفلات اليومية بقتل أعداد كبيرة من المسلمين «الإرهابيين"، فكل مسلم يقتل فهو إرهابي!!
والشبكة الليبرالية الغربية من مفكرين وكتاب وصحف، وجماعات حقوق إنسان، ومؤسسات تراجعت منهزمة مقهورة أمام التعصب والتطرف المسيحي الذي يمثله هذا الثلاثي النكد، وقد كانت أحداث سبتمبر خير هدية وقعت بأيديهم ليستنهضوا شعوبهم على المواجهة الصليبية، وكما يشنون حرباً على المسلمين مسلحة مبيدة فهم يقاتلون على جبهتين؛ الأولى داخل بلادهم يتخلصون من خلالها من الإنسانيين والعقلاء والمعتدلين، والعلمانيين بين شعوبهم، ويحاربون ويحاولون قهر الإسلام على أراضيهم، فقد أضعفوا المؤسسات، ونشروا الرعب والخوف واليأس في قلوب المسلمين المقيمين في الغرب، والثانية خارج بلادهم، حيث شرّعوا للمذابح والإبادة، وحددوا الإسلام بأنه عدوهم الذي جعلوه التحدي الأكبر بعد الشيوعية قبل أحداث سبتمبر.(2/30)
البابا الهالك - قبل هذا المتعصب الأعمى - كان أهم شخصية بابوية منذ قرون، فقد عمل مع الولايات المتحدة عملاً جباراً لتجنيد المسيحية ضد الشيوعية، واستخدمت أمريكا وبريطانيا وبقية الدول الغربية البابوية لحرب الشيوعيين في العالم، ويعتبر نجاح حركة التضامن البولندية من أبرز نماذج الحرب الدينية ضد الشيوعية، وقد اتجه البابا الجديد ليمارس إرهابه الديني ضد المسلمين، يستنهض النصارى في العالم على خصومهم المسلمين، ويستعين بمخلفات الحروب الصليبية من كتب وباباوات وحروب وسياسات، وستمثل الواجهة الدينية والثقافية والعنصرية السياسية لحملات الصليبية التي ينوون تطويرها في بلدان أخرى.
قالوا مرة لستالين: "إن البابا مستاء من الشيوعيين"، فرد بقوله: كم عند البابا من فيالق؟ أي أنه لا جيش لديه، إن الحقيقة غابت عن ستالين، فإن البابا قد أضرّ فيما بعد بالشيوعية أكثر من جميع الجيوش، وكان من أقوى الذين ساهموا في هدمها، - وحسناً فعل - فلا تستهينوا بهذا البابا، ولا بحربه الجديدة على الإسلام، فهو يحرك الكثير من القلوب والأيدي للكاثوليك في العالم، بل ربما حرك كثير من البروتستانت كما فعلت المستشارة الألمانية "ميركل" في ألمانيا التي خرجت لنصرة البابا وهي تمثل الخط الألماني المناصر للثلاني المتعصب، وقد تعين المتطرفين في بلادها لتنضج الأحقاد ضد المسلمين.
الغرب المسيحي اليوم بأشد الحاجة لأن يعلن الحرب، ويعلي من صوت الهجاء والشتم، والقول بأن المسلمين فاشيون وإرهابيون، ويحملون السلاح لنصرة دينهم، وسوف يستمر هؤلاء ومن على شاكلتهم في الحرب الدينية ضد المسلمين، لأسباب داخلية؛ ليستعيدوا بها التحدي ضد المؤمنين، وليحيوا الأرواح العلمانية الميتة، وليوقفوا المد الإسلامي، وليكسبوا أرضاً وثروات، وليستعبدوا شعوباً، وليقتلوا المزيد - بحجة الإرهاب -، وليعيدوهم للقرون الوسطى، للأسف لم يرو ضمأ هؤلاء للدماء قرابة ثلاثمائة ألف من المسلمين قتلوهم بعد أحداث سبتمبر من أفغانستان إلى العراق ولبنان، وحملة الإبادة المنظمة في فلسطين يباركها الثلاثي النكد الذي يؤيدها ويسلحها، ويهجو ويشوه ويبرر قتل المسلمين فهم إرهابيون دائماً.
والنازيون الصهاينة والنصارى دائماً يصورون أنفسهم بأنهم رسل حضارة وتقدم، فهذا البابا وصاحباه لا يتحدثون عن تاريخ المذابح والحروب الدينية المخزية عبر مئات السنين التي شنوها قديماً في قارتهم "كحرب المئة عام، وحرب الأربعين عاماً، بل يديرون حرباً الآن، ويأملون في المزيد منها غداً، ولم يزالوا يقتلون، ثم يسمون جميع ضحاياهم إرهابيين، أو دعاة للإسلام بالسلاح، ويسمون إبادتهم: دعوة للسلام والحرية والديمقراطية!!
إنهم هم فقط لهم حق القتل والإبادة، ويجب أن يقبل المسلمون بالموت، وأن يعتبروه حرية وتقدماً وتطوراً وسلاماً مسيحياً!!
إنهم يريدون التغطية على جرائمهم بنشر التشويه لسمعة وصورة المسلمين في العالم، وهم بأشد الحاجة لنشر الكراهية والحقد على المسلمين حتى يبرروا إبادتهم، ويبعدوا شعوبهم من جاذبية الإسلام!
هذا البابا نفسه اشتكى من الليبراليين الذين يسيئون للمسيحية بنشر فيلم "شفرة دافنشي"، وأشار إلى أنه لو كانت الإساءة للمسلمين لكان الموقف غير ذلك! إنها أيضاً عقدة نقص أمام حمية المسلمين لدينهم، فأراد أن يكسر هذه الحمية، ويشارك في القهر والتشويه، ويحيي ويثير الذين لا يتعصبون للنصرانية!! إنه يريد إعادة الحقد بقوة للمسيحية وللمسيحيين، ويريد أن يبعث الحمية لدينه وذاته بالتعرض للآخرين.
إنها النازية الدينية المتجددة التي لا نتوقع سواها من هؤلاء المتعصبين، ويبقى على قوى الخير والتسامح في العالم أن تقف في وجه هذا الكذب وهذا الإرهاب الديني المتجدد فكراً وممارسة، والنازية التي لا تروى من دماء المسلمين، ولا توفر أرضاً ولا عرضاً، ولا براً ولا بحراً إلا لوّثته، هذه النازية المسيحية من المهم لعقلاء العالم أن يوقفوها، فهي سفه وحقد ينتج مذابح وشرور لا تنتهي، وتغلف شرورها بكل اسم كاذب وملطف بعيد عن الحقيقة!!
http://www.alasr.ws:المصدر
==============
#خطيب المسجد الأقصى يستهجن تفوهات بابا الفاتيكان المسيئة للإسلام ونبيه محمد عليه السلام
ندّد خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ محمد حسين، بشدّة بتصريحات بابا الفاتيكان التي تناقلتها وسائل الإعلام يوم أمس الخميس (14/9). وقال: "إننا من على منبر المسجد الأقصى المبارك ندين هذه التفوّهات بشدّة ونطالب بالاعتذار عنها. كما ندين كلّ إساءةٍ أو تعرّضٍ للإسلام ونبيّه الكريم وأهله من الذين يزعمون رعاية حوار الأديان وحرية الإنسان".
وأضاف الشيخ محمد حسين، مفتي القدس والديار الفلسطينية: "أنّ العقيدة الإسلامية السمْحة هي التي عاش في ظلّها الآخر ومنحته الحقوق المدنية والدينية انطلاقاً من قوله - تعالى - (لا إكراه في الدين)، وهي العقيدة التي رحّبت بجيوشها رعايا الدولة الرومانية زمن الفتوحات الإسلامية هرَباً من ظلم أخوتهم في الدين".
وأكّد الشيخ محمد حسين أنّ الذي جاء به رسول الرحمة والإنسانية محمد - صلى الله عليه وسلم - هو الخير والرحمة للبشرية جمعاء، وقال: "لكنها البغضاء قد بدَت من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر".
ولفت إلى ما تتعرّض له القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، وقال: "لقد تعرّض أحد العاملين في لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك لاعتداء الشرطة الصهيونية لمنعه من الاستمرار في أعمال الترميم والصيانة الجارية في المصلّى المرواني يوم الإثنين الماضي.
إنّ هذا الاعتداء على أحد الموظفين والعاملين في المسجد الأقصى المبارك ليس الأول من نوعه، بل قامت الشرطة الصهيونية بالاعتداء على حراس المسجد الأقصى المبارك ومنعت عدداً منهم من دخول المسجد لمدَدٍ متفاوتة".
وأكّد أنّ المسجد الأقصى المبارك هو مسجدٌ إسلاميّ تقوم إدارة الأوقاف الإسلامية بالإشراف عليه ورعايته وإعماره وترميمه نيابةً عن كلّ المسلمين في هذا العالم، الذي يشكّل المسجد الأقصى المبارك جزءاً من عقيدتهم. وشدد على أنّ دائرة الأوقاف الإسلامية هي الجهة الوحيدة التي تدير المسجد الأقصى المبارك وترعى شؤونه ولا يحقّ لأيّ جهةٍ أخرى شُرَطية أو غيرها من قِبَل قوات الاحتلال أنْ تتدخل في شؤون المسجد الأقصى المبارك.
وأشار إلى أنّ محاولات التدخّل في شؤون المسجد من قِبَل السلطات الصهيونية لفرض أمرٍ واقعٍ جديد في المسجد ومحاولات سحب الصلاحيات من إدارة الأوقاف الإسلامية هي محاولات مكشوفة ومدانة. كما رفض في الوقت نفسه الاستهتار بكرامة العاملين في المسجد والذين أفشلوا كلّ المحاولات الرامية للتسلّل إلى المسجد سابقاً أو في الحاضر والمستقبل، حيث لا زالت عيون المرابطين في المسجد الأقصى وأكناف المسجد الأقصى ساهرة على رعايته وحمايته حيث ما زالت الصدور عامرة بالإيمان.
وأكّد أنّ وحدة المؤمنين والتفافهم حول مقدّساتهم والعمل على إنجاز أهدافهم بالحرية وصون حقوقهم فوق هذه الأرض المباركة لهو الكفيل لإفشال كل المخططات الصهيونية والاستيطانية للنيل من صمودهم.(2/31)
ودعا إلى الوحدة والتضامن والتكافل على قلب رجلٍ واحد بعيداً عن الفرقة والنزاعات. وكان خطيب المسجد الأقصى المبارك تناول في الخطبة الأولى موضوع حلول شهر رمضان المبارك الأسبوع القادم، مشيراً إلى فضْل الصيام والقيام في هذا الشهر الفضيل، داعياً إلى التأسّي بأخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي كان جواداً وأجود ما يكون في شهر رمضان.
وقال: "إذا جاء رمضان فُتِحَت أبواب الجنّة وغُلِّقَت أبواب النار وصُفِّدَت الشياطين"، داعياً المسلمين إلى ترك كلّ ما يخدش الصيام مذكّراً بأنّ الصيام لا يكون بترك الطعام والشراب فقط، وإنما بالصيام عن الرياء والكذب والمعاصي والآثام وعن الغيبة والنميمة.
ودعا مفتي القدس والديار الفلسطينية المحتلة وغيرها من ديار المسلمين إلى التماس هلال شهر رمضان يوم الجمعة القادم بعد غروب الشمس، وهو اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان الجاري.
وقال: إنْ ثبتت رؤية هلال شهر رمضان المبارك بشهادة عدْلٍ واحدٍ دخل الناس في عبادة الصيام، وإذا لم تثبتْ أكمل المسلمون عدة شهر شعبان ثلاثين يوماً، ولذلك على كلّ مسلمٍ يرى هلال شهر رمضان في هذه الديار عليه أنْ يتوجّه إلى إحدى دور الفتوى أو أقرب محكمة شرعية في منطقته لأداء الشهادة على الوجه الشرعيّ.
http://www.palestine-info.info المصدر:
==============
#هل يقود بابا الفاتيكان الحرب الصليبية الجديدة ؟
عصام زيدان
التصريحات التي أدلى بها بابا الفاتيكان جوزف راتسينجر المسمى 'بينيدكت السادس عشر' في محاضرته التي ألقاها بجامعة رتيسبون الألمانية التي كان يعمل بها منذ عام 1969، وأساء فيها إلى الديانة الإسلامية والنبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -، في حقيقتها ليست مفاجئة أو مدهشة لا من حيث الشخصية التي صدرت عنها، ولا توقيتها، ولا حتى في السياق التاريخي الذي جاءت فيه.
فمن الناحية الأولى نجد أن بابا الفاتيكان له تاريخ معهود مشهود من التشدد والتعصب ضد الإسلام والمسلمين، فقد سخر قبل توليه منصب البابوية من فكرة انضمام تركيا لأوروبا المسيحية، وقال'عبر التاريخ كانت تركيا دائما تمثل قارة مختلفة دائمة التباين مع أوروبا المسيحية، ومن الخطأ محاولة جعلهما متطابقتين'.
وفي نوفمبر 2004 انتقد بينيدكت المسلمين لتسييسهم الإسلام، وشدد على أن على المسلمين تعلم الكثير من المسيحية بقوله 'يجب على المسلمين أن يتعلموا من الثقافة المسيحية أهمية الحرية الدنية والفصل بين الكنيسة والدولة'.
وعلى جانب آخر، نجده شديد القرب من اليهود حتى أنه لم يتم تنصيب خامات يهود في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية حتى تولى هو منصب البابوية، كما حرص بعد توليه منصبه البابوي على زيارة معسكر النازي لأداء الصلاة على 'الضحايا'.
وتوقيتها أيضا لم يكن مفاجئا بالمرة، فهي جاءت في أوج الحملة التي تشنها الولايات المتحدة والغرب عامة على تنظيم القاعدة في الذكرى الخامسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهي المناسبة التي وجد فيها زعماء الغرب فرصة مواتية لوصم المسلمين بالإرهاب والعنف، ليأتي بابا الفاتيكان ليكمل الحلقة المرسومة بوصم الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلك بتلك البذاءات التي خرجت من فيه.
أما عن السياق التاريخي فهو مشاهد ومعروف لمن كان له قلب يعي به مجريات الأمور، حتى من غير كبير جهد وإمعان نظر وتفكير، فقد تحالفت قوى الغرب المسيحي على العالم الإسلامي، بل وعلى مسلميها أيضا وراحت تدمغ الجميع بالإرهاب والعنف وعدم الحداثة وما إلى غير ذلك من الأوصاف التي يحويها قاموس الظلامية الذي صكه الغرب مرادفا بما بين دفتيه للإسلام والمسلمين..
نمو النزعة المسيحية التصادمية
تصريحات بينيدكت إذن ليست بدعة من الغرب محدثة تحتاج إلي فغر الفاه دهشة وزيغ البصر تعجبا، فالغرب نضحت ألسنتهم بما تضمره قلوبهم تجاه الإسلام والمسلمين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، وراحوا يبحثون مجددا عن هويتهم المسيحية المتعصبة التي ما وجدوا من سبيل للرجوع إليها والوصول لها إلا التعرض للإسلام وأتباعه.
ونمو النزعة المسيحية المتعصبة، هذه ليست وليدة اليوم في حقيقة الحال، ولم تقتصر على رجال الكنيسة بل تعدت إلى رجال السياسية والحكم في الغرض عامة.
فعلى مستوى رجالات الكنيسة، سبق وطرحه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عندما صرح في إحدى مواعظه بأن 'أوروبا بدأت تعي وحدتها الروحية وتستند إلى القيم المسيحية'. وظهر ذاك الطرح مرة أخرى مع تولى بينيدكت منصب البابوية، حيث يولي موضوع 'الجذور المسيحية لأوروبا' اهتماما خاصا في أجندته.
ففي محاضرة ألقاها في 27 فبراير 2006، أثناء لقائه في الفاتيكان بمجموعة من الكهنة الأرثوذكس اليونان صرح بقوله: 'علينا أن نواجه التحديات التي تهدد الإيمان، وننشر السماد الروحاني الذي غذى لقرون أوروبا، بإعادة التأكيد على القيم المسيحية، ودعم السلام والتلاقي حتى في الظروف الأكثر صعوبة، وتعميق العناصر المستمدة من الإيمان والحياة الكنسية التي من شأنها أن تؤدي إلى غاية الاتحاد الكامل في الحقيقة والمحبة'.
وشدد على 'الجذور المسيحية' لأوروبا خلال 'صلاة التبشير' التي أقيمت في فالي دوستا شمال ايطاليا، وقال 'يبدو من الطبيعي التوقف عند ما قدمته المسيحية وما زالت تقدمه من مساهمات لبناء أوروبا'.
وصدر ذلك الطرح سياسيا أيضا من قبل قيادة حزب الإتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ في ألمانيا حيث أكدت، قبيل تولي أنجيلا ميركيل منصب المستشارية، على أن أولوية سياسته الخارجية ستركز على 'العلاقة الخاصة' مع الولايات المتحدة الأمريكية وتنشيط آليات التعاون مع الحليف الأطلسي الأكبر، بالإضافة إلى تحديد هوية وماهية الإتحاد الأوروبي التي تقوم على الجذور والإرث المسيحي لأوروبا.
كما كرر برنامج الحزب المسيحي المحافظ رفضه القاطع لانضمام تركيا للإتحاد الأوروبي وتقديمه عرضاً بديلا للحكومة التركية أطلق عليه اسم 'الشراكة المميزة'، حيث ترفض ميركيل عضويتها الكاملة رفضا قاطعا، مشيرة إلا أن انضمامها إلى الإتحاد الأوروبي سيغير من 'هوية أوروبا القائمة على الإرث المسيحي'.
ومنذ وقت قريب انتهز الرئيس الأمريكي جورج بوش فرصة التعليق على ما أعلنته السلطات البريطانية، بشأن إحباط 'مؤامرة إرهابية' تستهدف تفجير طائرات ركاب في الجو، فذكر سامعيه بأن الولايات المتحدة في حالة حرب مستمرة مع 'فاشيين إسلاميين'.
ومن قبل كانت بالطبع 'زلاته' المعتادة عن 'الحرب الصليبية الجديدة' التي بشر بها من قبل الرئيس الأمريكي أيضا رونالد ريجان، وجورج بوش الأب.
وفي إيطاليا، حيث معقل الكاثوليكية ومقر البابوية، أطلق رئيس مجلس الشيوخ 'مارتشيللو بيرا' منذ أشهر قطارا أطلق عليه 'قطار الغرب السريع' تحت ذريعة الحفاظ على الهوية الغربية المسيحية التي يعتبرها مهددة من طرف الإسلام.
وحمل القطار الذي انطلق من العاصمة روما قافلة ضمت أكثر من 500 سياسي، فيما كُتب على بعض عربات القطار عبارة 'أصول مسيحية'.
وقال مارتشيللو عقب وصول القطار إلى بولونيا 'إن الإسلام يصبح خطرا على ثقافتنا في حال افتقادنا لهويتنا، [...]، لمواجهة هذا الخطر على الغرب وأوروبا عدم الخضوع لفكرة مجتمع متعدد الجنسيات'.
واختتم حديثه أمام أكثر من 3 آلاف متظاهر، قائلاً: 'سننطلق بقطارنا إلى باريس، مدريد، إسطنبول، وسنتعدى بقافلتنا حتى نصل إلى المحيط الأطلسي.
الحرب الصليبية الجديدة(2/32)
تلك التصريحات التي أدلى بها البابا أدلجت بصورة تكاد تكون نهائية الصراع ما بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي.. ونصبت من بابا الفاتيكان قائدا منظرا ومشرعا للحروب الصليبية التي تشنها الولايات المتحدة و' وتحالف الراغبين الدائمين'.
فصدورها من أعلى سلطة كنسية كاثوليكية واستشهاده بمقولات وحوارات تاريخية لا يدع مجالا لتأويلات خادعة من طبيعة تلك المخادعات التي روجت لتبرير تصريحات بوش، من كونها زلة لسان سياسي.. أو تلك المتعلقة بالإساءة التي صدرت من عدة صحف أوروبية قبل أشهر وانتهكت حرمة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم، وهو ما عرف في حينه بقضية الرسوم المسيئة، بدعوي حرية الرأي والتعبير.
الأخطر في تلك التصريحات إذن ليس مضمونها الفارغ، وكشفها لحقد دفين وجهل فاضح عند القيادات الكنسية، ولكن في كونها أعطت مبررا كنسيا لتلك الحروب التي يشنها الغرب ضد العالم الإسلامي، إذ أن القضاء على 'الشر' الذي جاء به نبي الإسلام ـ كما تفوه بينيدكت ـ سيكون حتميا كي يعيش الغرب المسيحي في أمن وسلام من هذا الدين الذي امتطى سطوة السيف ليروض به الناس ويرغمهم على اعتناقه!!
الحادث إذن أننا أمام راع بقر أمريكي مصاب بلوثة الصهيومسيحية، دفعته دفعا لشن حروبه تحت مزاعم ومبررات شتى ضد العالم الإسلامي، ويقف من أمامه متعصب لا يرى في الإسلام إلا عنفا وشرا يقدم له المبررات الكنسية التي تسعر من لهيب الحرب وتشعل اتونها دوما وبلا انقطاع.
ماذا بعد تصريحات بابا الفاتيكان؟
في رأينا أن تلك التصريحات المقيتة الصادرة من بابا الفاتيكان يمكن أن تخلف ثلاثة آثار، ستلقى بظلال أكثر ضبابية على العلاقة بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي:
أولا: انتهاء ما يسمى بالحوار بين الأديان والحضارات
فحتى وقت قريب كان لأصحاب نظرية الحوار بين الحضارات وإمكانية التلاقي ما بين الأديان راية مرفوعة وحديث مسموع في بعض المجالس والمنتديات، لكن غالب الظن أن تصريحات بينيدكت ستقطع على هؤلاء الطريق وستقضى على تلك الدعاوى بالضربة القاضية لكونها صادرة من أعلى سلطة كنسية، وهي غير مبررة ولا يمكن ليّ مضمونها وما جاء فيها أو الاعتذار عنها بشيء من قبيل ما يعتذر به للسياسيين من قلة وعي واطلاع، أو الحرص على إرضاء شريحة يستميل أصواتها لعملية انتخابية، أو ما إلي ذلك.
وقد بدأت بالفعل إرهاصات هذه القطيعة، حيث طالب د. نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، 'أن تكون معاملتهم [الغرب] لنا بالمثل من حيث الحوار والتفاهم السلمي، فإن لم يفعلوا وأخذوا في إصدار التصريحات المستفزة ضد ديننا ورسولنا فيجب أن نتخذ مواقف حازمة، خاصة أن التصريحات هنا صادرة عن رأس الديانة المسيحية الكاثوليكية في العالم ما يعد تمهيدا لحرب صليبية جديدة يشارك فيه رجال الدين وليس القادة السياسيون فقط مثل الرئيس بوش الذي أعلن أكثر من مرة بأنه يقود حربا صليبية ضدنا ونحن لا نصدق أنها زلة لسان وإنما هي تعبير عما في قلبه'.
كما دعا د. محمد المسير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إلى إلغاء لجان حوار الأديان بين الأزهر والفاتيكان، مؤكدا أن هذا لا يعني مقاطعة البشرية وإنما 'علينا أن نحترم ونتحاور مع من يحترمنا ويريد الحوار الجاد المتكافئ معنا وليس المتاجرة بحوار الأديان وطعننا في ديننا وإهانة مقدساتنا ورسولنا'.
ثانيا: تزايد الهوة والقطيعة مع الجاليات المسلمة
فالجاليات المسلمة في الغرب لا يمكن أن تنبت عن دينها، وتقف مكتوفة الأيدي وهي ترى ذلك التعصب وهذا الحقد على دينها ومعتقداتها الراسخة، ومن ثم فإن قطيعة بل صراعات عنيفة قد تأخذ مداها في الدول الغربية على نحو ما رأينا في فرنسا منذ أشهر عدة إذا لم تجد تلك الجاليات من يحفظ لها هيبة دينها واحترام مقدساتها.
وما يمكن أن يغذي هذا المنحى من القطيعة والنفور أن الدول الغربية على اختلافها تشكل لها الجالية المسلمة هاجسا ديموغرافيا مقلقا القي بظلاله على عمليات عنف عنصرية طالت الجالية المسلمة في أكثر من دولة.
فقد ظلت أوروبا تعول طيلة عقود من الزمن على قوة جاذبيتها وقدرتها على صهر الوافدين الجدد في بوتقتها البراقة الخادعة، ولكن تجلت خيبة آمالها، حينما اكتشفت أن جهودها وتصوراتها ذهبت هباء منثورا، بعد ما اتضح لها أن المحرك الأساس لهؤلاء الوافدين هو هويتهم الدينية وثقافتهم المرجعية وليست الثقافة الوافدة التي حاولت أن تصبغهم وتطليهم بها.
وقد أشار 'أوليفيي روي' في كتابه 'الإسلام المعولم' إلي تلك الظاهرة بقوله: 'من بين 379 مليون نسمة يعيشون في أوروبا، هناك اثني عشر مليونا قادمون من دول ذات ثقافة إسلامية[... ]، ولقد ظنت الدول الأوروبية طيلة عقود أن نماذج كل واحدة منها سوف تسمح لهذه الجاليات الجديدة أن تجد داخلها مكانا مراهِنة في ذلك على القوة الإدماجية لبعض الأقطار التي تنعم بالرفاهية وبنظام حياة جاذب؛ وذلك عن طريق السوق والمبادرة الفردية، أما اليوم فإن أغلب الدول الأوروبية أصبحت تعيد النظر في هذه النظرة التفاؤلية'.
وفي معرض تفسيره لتلك الظاهرة قال: 'إن الفجوة بين المجتمعات المعلمنة والجاليات التي يبقى الديني بالنسبة لها دليل سلطة وقوة أصبحت مصدر إشكال، فالمتدينون الملتزمون يعتبرون القرآن مصدر تشريع يتجاوز الهويات الوطنية'.
ثالثا: إعطاء المبرر والغطاء لعمليات عنف في الغرب
كثيرا ما يعول تنظيم القاعدة الذي يقوده أسامة بن لادن على البعد الديني الذي يدفع الغرب إلى احتلال ديار الإسلام وهتك عرض المسلمين ونهب ثرواتهم، وهم ما جعله مبررا لشن عمليات مماثلة حتى يرعوي الغرب ويقف عن طغيانه وجبروته المسلط على رقاب المسلمين.
والذي لاشك فيه أن تلك التصريحات المشينة الصادرة من رأس النصارى الكاثوليك سيعزز من مصداقية التنظيم، ويسهل له عملية تجنيد خلايا ملئها الغضب من إهانة دينها ومعتقداتها في الغرب لتتمكن فيما بعد من تنفيذ عمليتها.
ففي تسجيله الأخير خاطب الرجل الثاني في التنظيم د. أيمن الظواهري الغربيين بقوله: 'إن قادتكم يخفون عنكم حقيقة الكارثة، وإن الأيام حبلى وستلد أحداثًا جديدة بمشيئة الله وهدايته، [... ]، وإن أية هجمات تشن على غربيين ويهود في أي مكان هي هجمات عادلة، لأن 'السياسة الدولية تقوم على قمع المسلمين'.
إن المتأمل لمجريات الأحداث، يخرج بانطباع ملزم بأن الإسلام أصبح عدوا مشتركا، وصداعا مزمنا في قلب العالم الغربي الذي اختار الصراع طريقا، والحرب نهجا في تعامله مع الإسلام، مدفوعا بروح التعصب المسيحي..والمسيح منه براء.
EssamZedan30@islammemo.cc
http://www.islammemo.cc المصدر:
=============
#العوني هل هي دعوة لحرب صليبية يا بابا الفاتيكان!
حمّل الدكتور الشريف حاتم العوني ـ المشرف العام على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - ـ بابا الفاتيكان السادس عشر مسئولية أي تطرف أو إرهاب سوف يحدث ضده؛ "لأن التطرّف الذي أخرج هذا التصريح لا يردّ عليه إلا تطرّفٌ من الطرف الآخر، وليس الإسلامُ ولا المسلمون من أهل التطرّف، إلا ما يصنعه الجهلةُ من جميع الديانات ومن جميع أمم الأرض من إشعالهم بجهلهم ناره، ليأتي تصريحُ البابا الآن مُذكِياً لها، فسيكون عليه جزءٌ كبيرٌ من وِزْر هذا التطرّف، وعليه أن يتحمَّل مسؤولية الإرهاب الذي سينتج عنه!! "(2/33)
وأضاف العوني: "لو لم يكن في الإسلام إلا قول الله - تعالى -{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}[سورة النحل: 90]، لكفى في الردّ على النقل الذي يحتجّ البابا به، والذي يُوْصَف فيه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأنه لم يأت إلا بما هو سيء وغير إنساني. "
وقال العوني: إن تطرّفًا يصل إلى هذا الحدّ عند البابا، يجعلنا منتظرين منه أن يعلنها- ولو بعد زمن- صريحةً، كما أعلنها من قَبْل أسلافه من بابوات الفاتيكان في العصور الوسطى: الدعوةّ إلى الحرب الصليبيّة! فهل نحن على وشك أن نسمع البابا في تصريح تالٍ له يدعو إلى الحرب الصليبيّة؟! فلماذا إذن ينادي بالسلام؟! أم هو ينادي إلى الاستسلام والاستعباد لكل من ليس على دينه؟!
وأكد العوني أن تطرف تصريح البابا هو الغطاء الذي تقوم عليه أي حرب دينيّة موجهاً سؤاله لبابا الفاتيكان: لماذا لا تكون جريئاً بما فيه الكفاية، لتصرّح بأنك تدعو إلى حرب صليبيّة ضدّ المسلمين؟! فإنك إن لم تعتذر في تصريحك، فإننا سنبقى منتظرين منك هذه الدعوة الصريحة إلى سفك دماء المسلمين وإبادتهم واستباحة أعراضهم وثرواتهم وأراضيهم؛ لأن تطرّف تصريحك الذي أعلنته لا يُنبيُْ إلا بهذا، ولن يستطيع عقلاء المسلمين وعلماؤهم إقناع بقية المسلمين بغير هذا المعنى الذي دلّ تصريحُك المتطرّف عليه.
فإمّا أن يتدارك العقلاء الموقف، وإلا سيقود العالم دعاةُ الحرب والدمار!
22-8-1427
15-9-2006
http://www.islamtoday.net المصدر:
===============
#هل سيدعو البابا إلى حرب صليبية ؟
د/ الشريف حاتم العوني
هل ينوي بابا الفاتيكان أن يتراجع عن تصريحاته المشينة؟ هل ينوي مستشاروه أن ينصحوه بذلك؟
سؤالان لن ينتظر المسلمون الإجابة عليهما؛ لأنه لا يهمهم الإجابة عليهما؛ إلا أنّ هذا أدْعَى إلى إحلال السِّلمْ العالمي وإلى إشاعة روح الحوار بين أصحاب الديانات المختلفة، ولذلك فقط طرحتُ هذين السؤالين.
أمّا تصريح البابا فلا يحتاج إلى ردّ؛لأن التطرّف الذي أخرج هذا التصريح لا يردّ عليه إلا تطرّفٌ من الطرف الآخر، وليس الإسلامُ ولا المسلمون من أهل التطرّف، إلا ما يصنعه الجهلةُ من جميع الديانات ومن جميع أمم الأرض من إشعالهم بجهلهم ناره، ليأتي تصريحُ البابا الآن مُذكِياً لها، فسيكون عليه جزءٌ كبيرٌ من وِزْر هذا التطرّف، وعليه أن يتحمَّل مسؤولية الإرهاب الذي سينتج عنه!!
لو لم يكن في الإسلام إلا قول الله - تعالى -: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}[سورة النحل: 90]، لكفى في الردّ على النقل الذي يحتجّ البابا به، والذي يُوْصَف فيه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأنه لم يأت إلا بما هو سيء وغير إنساني.
ألا يعلم البابا أن أحد أركان الإيمان عند المسلمين: الإيمانُ بجميع الأنبياء والرسل - عليهم السلام -: كعيسى وموسى وإبراهيم - عليهم السلام - ؟! هل هذا من السيّء الذي جاء به النبيّ محمد - صلى الله عليه وسلم-؟!! لن يكون هذا من السيء إلا عند من أعماه حقده عن هذه العالميّة التي لا تتحقّق إلا في الإسلام، من خلال الدعوة إلى الإيمان بالرسل جميعهم - عليهم السلام - وتعظيمهم وتوقيرهم.
ألا يعلم البابا أن الإسلام هو عقيدة التوحيد الحقّة على وجه الأرض؟!
وأن ثالوث النصرانيّة التي يدين بها البابا (المسيحيّة) لم ولن تستطيع أن تقنع الناس بأنها عقيدةٌ توحيديّة؟! فإذا كان من السيء الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - قول الله - تعالى -: {قل هو الله أحد- الله الصمد- لم يلد ولم يولد- ولم يكن له كفوًا أحد}[سورة الإخلاص]؛ فما هو الحسن الذي يريده البابا؟!! وما هو الإقناع الذي استطاعته المسيحيّة، وعجز عنه الإسلام؟!!!
لو لم يكن في الإسلام إلا هذا، لكفى ليدلّ البابا أن ذلك النقل الذي احتجّ به نقلٌ لا يتفوّه به إلا من بلغ ظُلْمُهُ للحقيقة إلى درجة أنه ظن نفسه قادراً على أن يَحْجُبَ ضوءّ الشمسِ عن الناس بأن يضع كفّيه على عينه، فظنها حُجبت عن الناس بذلك!!!
إن تطرّفًا يصل إلى هذا الحدّ عند البابا، يجعلنا منتظرين منه أن يعلنها- ولو بعد زمن- صريحةً، كما أعلنها من قَبْل أسلافه من بابوات الفاتيكان في العصور الوسطى: الدعوةّ إلى الحرب الصليبيّة!!!
فهل نحن على وشك أن نسمع البابا في تصريح تالٍ له يدعو إلى الحرب الصليبيّة؟!!!
فلماذا إذن ينادي بالسلام؟!! أم هو ينادي إلى الاستسلام والاستعباد لكل من ليس على دينه؟!!!
(السلام) يا بابا الفاتيكان لا يقوم على تطرّف تصريحك، ولا يقوم على تصريحك إلا الحرب الدينيّة التي أجّجها من قبلُ أسلافٌ لك، فما عادوا في النهاية إلا بخيبة الأمل! والتاريخ يعيد نفسه، وسيعيد نفسه!
أعود وأسأل البابا بندكت السادس عشر: لماذا لا تكون جريئاً بما فيه الكفاية، لتصرّح بأنك تدعو إلى حرب صليبيّة ضدّ المسلمين؟!! فإنك إن لم تعتذر عن تصريحك، فإننا سنبقى منتظرين منك هذه الدعوة الصريحة إلى سفك دماء المسلمين وإبادتهم واستباحة أعراضهم وثرواتهم وأراضيهم؛ لأن تطرّف تصريحك الذي أعلنته لا يُنبيُْ إلا بهذا، ولن يستطيع عقلاء المسلمين وعلماؤهم إقناع بقية المسلمين بغير هذا المعنى الذي دلّ تصريحُك المتطرّف عليه.
فإمّا أن يتدارك العقلاء الموقف، وإلا سيقود العالم دعاةُ الحرب والدمار!!!
23/8/1427
16/09/2006
http://www.islamtoday.net المصدر:
=================
#نص محاضرة بابا الفاتيكان المثيرة للجدل
أحمد المتبولي
بابا الفاتيكان
ألقى بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر محاضرة في جامعة ريجينسبورج بولاية بافاريا الألمانية الثلاثاء 12-9-2006 كان عنوانها: "الإيمان والعقل والجامعة ذكريات وانعكاسات"، ودار مضمونها حول الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية في العلاقة التي يقيمها كل منهما بين الإيمان والعقل.
بدأ البابا المحاضرة باجترار للذكريات التي عايشها أثناء مرحلة الدراسة والعمل بالجامعات الألمانية ومن بينها جامعة ريجنزبورج، مشيرا إلى أن هذه الجامعة كانت وما زالت فخورة بكليتي اللاهوت التابعتين لها، لما لهما من دور في تعميق مفهوم الإيمان، وكيف أن جميع من في الجامعة من أساتذة وطلاب كانوا يلتقون للحوار على اختلاف التوجهات والآراء.
وقال: "هذا التماسك الداخلي للإيمان داخل هذا الكون لم يتأثر عندما قال أحد الزملاء بجامعتنا: إنه من المثير للدهشة أن هناك كليتين تنشغلان بأمر غير موجود في الواقع، ألا وهو الرب".
ثم انتقل للحديث عن العلاقة بين العقل والعنف في الديانة الإسلامية والخلاف في هذا الصدد بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، واستشهد بهذه المناسبة بكتاب يفترض أنه للإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني (1350-1425(وفي هذا الكتاب الذي يحمل عنوان "حوارات مع مسلم المناظرة السابعة"، وقدمه ونشره في الستينيات عالم اللاهوت الألماني اللبناني الأصل تيودور خوري من جامعة مونستر، يعرض الإمبراطور الحوار الذي أجراه بين 1394 و1402 على الأرجح مع علامة فارسي مسلم مفترض.
وفي ما يلي ترجمة عربية من إسلام أون لاين. نت للنص الكامل لحديث البابا خلال المحاضرة عن هذا المحور (العلاقة بين العقل والعنف في الإسلام والمسيحية) نقلا عن موقع الفاتيكان الإلكتروني باللغة الألمانية:(2/34)
"تداعت هذه الذكريات إلى ذهني عندما قرأت منذ فترة وجيزة جزءا من حوار نشره البروفيسير تيودور خوري، من جامعة مونستر، جرى بين الإمبراطور البيزنطي العالم مانويل الثاني ومثقف فارسي حول المسيحية والإسلام وحقيقة كل منهما خلال إقامته بالمعسكر الشتوي بالقرب من أنقره عام 1391".
- "يبدو أن هذا الإمبراطور قد سجل هذا الحوار إبان حصار القسطنطينية بين عامي 1394 و1402، ويدل على ذلك أن مناظرته كانت أكثر توسعا من مناظرة محاوره الفارسي".
- "الحوار تناول كل ما يتعلق بشرح بنيان العقيدة حسبما ورد بالكتاب المقدس والقرآن، وركز الحوار بصفة خاصة على صورة الرب وصورة الإنسان، أو على العلاقة بين ما نسميه الشرائع الثلاثة أو نظم الحياة الثلاثة، ألا وهي العهد القديم والعهد الجديد والقرآن".
- "في هذه المحاضرة لا أريد أن أناقش هذه القضية، ولكن أريد التطرق لنقطة واحدة فقط هامشية نسبيا وشغلتني في كل هذا الحوار وتتعلق بموضوع الإيمان والعقل، وهذه النقطة تمثل نقطة الانطلاق لتأملاتي حول هذا الموضوع".
- "ففي جولة الحوار السابعة كما أوردها البروفيسير خوري تناول الإمبراطور موضوع الجهاد، أي الحرب المقدسة. من المؤكد أن الإمبراطور كان على علم بأن الآية 256 من السورة الثانية بالقرآن (سورة البقرة) تقول: لا إكراه في الدين.. إنها من أوائل السور، كما يقول لنا العارفون، وتعود للحقبة التي لم يكن لمحمد فيها سلطة ويخضع لتهديدات. ولكن الإمبراطور من المؤكد أيضا أنه كان على دراية بما ورد، في مرحلة لاحقة، في القرآن حول الحرب المقدسة".
- "وبدون أن يتوقف عن التفاصيل، مثل الفرق في معاملة (الإسلام) للمؤمنين وأهل الكتاب والكفار، طرح الإمبراطور على نحو مفاجئ على محاروه(... ) السؤال المركزي بالنسبة لنا عن العلاقة بين الدين والعنف بصورة عامة. فقال: أرني شيئا جديدا أتى به محمد، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف".
"الإمبراطور يفسر بعد ذلك بالتفصيل لماذا يعتبر نشر الدين عن طريق العنف أمرا منافيا للعقل. فعنف كهذا يتعارض مع طبيعة الله وطبيعة الروح. فالرب لا يحب الدم والعمل بشكل غير عقلاني مخالف لطبيعة الله، والإيمان هو ثمرة الروح وليس الجسد؛ لذا من يريد حمل أحد على الإيمان يجب أن يكون قادرا على التحدث بشكل جيد والتفكير بشكل سليم وليس على العنف والتهديد.. لإقناع روح عاقلة لا نحتاج إلى ذراع أو سلاح ولا أي وسيلة يمكن أن تهدد أحدا بالقتل".
- "الجملة الفاصلة في هذه المحاججة ضد نشر الدين بالعنف هي: العمل بشكل مناف للعقل مناف لطبيعة الرب، وقد علق المحرر تيودور خوري على هذه الجملة بالقول: بالنسبة للإمبراطور وهو بيزنطي تعلم من الفلسفة الإغريقية، هذه المقولة واضحة. في المقابل، بالنسبة للعقيدة الإسلامية، الرب ليست مشيئته مطلقة وإرادته ليست مرتبطة بأي من مقولاتنا ولا حتى بالعقل".
"ويستشهد (تيودور) خوري في هذا الشأن بكتاب للعالم الفرنسي المتخصص في الدراسات الإسلامية (روجيه) ارنالديز (توفي في إبريل الماضي) الذي قال إن ابن حزم (الفقيه الذي عاش في القرنين العاشر والحادي عشر) ذهب في تفسيره إلى حد القول إن الله ليس لزاما عليه أن يتمسك حتى بكلمته، ولا شيء يلزمه على أن يطلعنا على الحقيقة. ويمكن للإنسان إذا رغب أن يعبد الأوثان".
- "من هذه النقطة يكون الطريق الفاصل بين فهم طبيعة الله وبين التحقيق المتعمق للدين الذي يتحدانا اليوم. فهل من الفكر اليوناني فقط أن نعتقد أنه أمر مناف للعقل مخالفة طبيعة الله أم أن هذا أمر مفهوم من تلقائه وبصورة دائمة؟ أعتقد أنه، من هذه الوجهة، هناك تناغم عميق ملحوظ بين ما هو إغريقي وبين ما ورد في الكتاب المقدس من تأسيس للإيمان بالرب. أول آية في سفر التكوين، وهي أول آية في الكتاب المقدس ككل استخدمها يوحنا في بداية إنجيله قائلا: في البدء كانت الكلمة. هذه هي الكلمة التي كان الإمبراطور يحتاجها: الرب يتحاور بالكلمة، والكلمة هي عقل وكلمة في نفس الوقت. العقل القابل للخلق ويمكن تناقله، شريطة أن يظل رشدا. يوحنا أهدانا بذلك الكلمة الخاتمة لمفهوم الرب في الكتاب المقدس. ففي البدء كانت الكلمة والكلمة هي الرب. الالتقاء بين الرسالة التي نقلها الكتاب المقدس وبين الفكر الإغريقي لم يكن وليد صدفة. فرؤيا بولس المقدس (... ) الذي نظر في وجه مقدونياً وسمعه يدعوه: تعال وساعدنا هذه الرؤية يجب أن تفسر على أنها تكثيف للتلاقي بين العقيدة التي يشتمل عليها الكتاب المقدس وبين السؤال اليوناني".
- "اليوم نعرف أن الترجمة اليونانية للعهد القديم بالإسكندرية (المعروفة باسم السبتواجنتا) أي الترجمة السبعينية، لم تكن مجرد ترجمة للنص العبري فقط بل إنها خطوة هامة في تاريخ الوحي الإلهي، التي أدت إلى انتشار المسيحية".
- "كان هناك تلاق بين الإيمان والعقل، بين التنوير الحقيقي والدين. مانويل الثاني كان يمكنه القول، من خلال الإحساس بطبيعة الإيمان المسيحي، وفي الوقت نفسه بطبيعة الفكر اليوناني الذي اختلط بالعقيدة وامتزج بها، من لا يتحاور بالكلمة فإنه يعارض طبيعة الرب".
- "هنا يمكن ملاحظة أنه في نهايات العصر الوسيط ظهرت اتجاهات في التفسير الديني تجاوزت التركيبة اليونانية والمسيحية. فتميزت مواقف تقترب مما قاله ابن حزم وتتأسس على صورة تعسف الرب الذي لا يرتبط بحقيقة أو بخير.
- "الاستعلاء، الذي هو الطبيعة المخالفة للرب، تجاوزت المدى لدرجة أن رشدنا وفهمنا للحقيقة والخير لم يعد المرآة الحقيقية للرب، وتظل إمكانياتها غير المحدودة مخفية وغير متاحة لنا إلى الأبد. في مقابل ذلك تمسك الاعتقاد الكنسي بحقيقة أنه يوجد بيننا وبين الرب وبين روح الخلق الأبدية وبين عقلنا تطابق.
- "وختاماً فرغم كل السرور الذي نرى به الإمكانيات الجديدة التي أدخلها الإنسان، نرى أيضاً التهديدات التي تتنامى من هذه الإمكانيات. ويجب أن نسأل أنفسنا كيف يمكن أن نسيطر عليها. ولن يمكننا ذلك إلا إذا تلاقى العقل والإيمان بصورة جديدة. ومن خلال ذلك فقط يمكننا أن نكون مؤهلين لحوار حقيقي بين الحضارات والأديان الذي نحن في أمس الحاجة إليه".
"العقل الذي يكون فيه الجانب الرباني أصم والدين ينتمي إلى الثقافات الثانوية هو عقل غير صالح لحوار الحضارات. وقد قال مانويل الثاني إنه ليس من العقل أن ألا يكون التحاور بالكلمة؛ لأن ذلك سيكون معارضا لطبيعة الرب، قال ذلك من خلال منظوره لصورة الرب المسيحية، لمحاوره الفارسي..بهذه الكلمات وبهذا البعد من العقل ندعو لحوار الحضارات مع شركائنا".
http://www.islamonline.net المصدر:
=================
#ميركل تدافع عن تصريحات البابا والفاتيكان يفشل في تهدئة المسلمين وتواصل مطالب بالاعتذار
تواصلت السبت ردود الفعل المنددة بتصريحات البابا في العالمين العربي والإسلامي مجمعة على أن تلك الانتقادات بلغت حد الفضيحة، يجب على الفاتيكان محوها، وفى سابقة أخرى دافعت المستشارة الألمانية عن البابا مؤكدة أن تصريحاته أسيء فهما.
وفى سياق ردود الفعل الإسلامية طالب رئيس الوزراء الماليزي عبد الله احمد بدوى البابا بنديكتوس السادس عشر تقديم اعتذارات بعد تصريحاته حول الإسلام التي أثارت استياء واسعا في العالم الإسلامي".(2/35)
وقال رئيس وزراء ماليزيا التي تتولى رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي أنه على البابا عدم الاستخفاف في الفضيحة التي أثارها"، وأضاف أن الفاتيكان يجب أن يتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه القضية ويتخذ الإجراءات اللازمة لتصحيح الخطأ".
ولم تنجح التصريحات التي أدلى بها مسؤولون في الفاتيكان في تهدئة خواطر المسلمين الذين أجمعوا على مطالبة البابا بالاعتذار عن تصريحات أدلى بها في ألمانيا واعتبرت مسيئة للإسلام.
ودافعت الكنيسة الكاثوليكية البريطانية عن التصريحات التي أدلى بها البابا في ألمانيا وتناول فيها الديانة الإسلامية وأثارت ردود فعل غاضبة في العالم الإسلامي، وقالت إن البابا كان يهدف من ورائها أن يبرز الرابط بين "الإيمان والعقل".
وأوضحت متحدثة باسم الكنيسة أن خطاب البابا لم يكن يهدف إلى وضع دراسة كاملة حول "الجهاد" وإنما بكل بساطة إبراز وجه العلاقة بين "الإيمان والعقل".
وقالت إن البابا "يعرف تماما" الفارق بين مختلف أشكال الجهاد و"الشروط التي يجيز فيها الإسلام استخدام العنف - الدفاع عن حياة الفرد والملكية والإيمان -".
وقالت أيضا إن البابا بنديكتوس السادس عشر "كان واضحا جدا" في حديثه حول أن "المسيحية كما يراها تستند إلى المحبة لكل الإنسانية أيا كانت الديانة".
وكان البابا بنديكتوس السادس عشر أدلى خلال محاضرة ألقاها الثلاثاء في ألمانيا، بتصريحات حول الإسلام والجهاد تشير إلى علاقة بين الإسلام والعنف.
وأعلن وزير خارجية الفاتيكان الجديد المونسنيور دومينيك مامبرتى اليوم لوكالة الأنباء الفرنسية أن الحوار بين الديانات "مسألة أساسية"، وقال في اتصال هاتفي اجري معه في الخرطوم حيث يشغل منصب القنصل البابوى "إن البابا بنديكتوس السادس عشر قال ذلك وردده مرارا: إن مسالة الحوار بين الثقافات والديانات هي من المسائل الأساسية في هذا الزمن".
وكان الناطق باسم الفاتيكان قال الخميس إن البابا لم يقصد إهانة المسلمين وأنه يحترم الإسلام لكنه "حريص على رفض استخدام الدافع الديني مبررا للعنف" في رد على موجة الاستياء التي خلفتها في العالم الإسلامي تصريحات البابا خلال زيارته لألمانيا.
وقال الأب فيديريكو لومباردى في تصريح رسمي أن البابا "يريد أن ينمي شعور الاحترام والحوار حيال الديانات والثقافات الأخرى وبطبيعة الحال الإسلام".
إلا أن كل هذه التوضيحات لم تفلح في تهدئة خواطر المسلمين الذين توالت ردود أفعالهم الغاضبة في كل الدول الإسلامية.
ويوم الجمعة استنكر أئمة المساجد "تطاول" بنديكتوس السادس عشر على الإسلام والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وطالب احدهم الدول الإسلامية ب"طرد" سفراء الفاتيكان في حين دعا آخر الله إلى "إذلال" البابا.
تنديد ليبي
ونددت ليبيا بشدة بما جاء في محاضرة البابا من إساءة للإسلام وللرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقالت الهيئة العامة للأوقاف وشؤون الزكاة بليبيا في بيان أصدرته مساء الجمعة وبثته وكالة الأنباء الليبية " إن إساءة البابا للإسلام ونبيه، تمثل أفكاراً متعصبة كنا نظن أن العالم الغربي قد تسامى فوقها وتجاوزها بفعل ما قدمته العولمة من أدوات ووسائل كنا نعتقد أنها تساهم في لقاء الحضارات وحوار الديانات وتقاربها من أجل سعادة البشرية في كل مكان".
وأضافت الهيئة في بيانها "إننا لم نفاجأ بما صدر عن البابا لأننا نعتقد أن العالم الغربي بفعل التأثيرات السياسية قد اعتمد سياسة العداء للإسلام وإثارة الروح العدوانية الصليبية من جديد في عالم كان من الممكن أن تسود فيه قيم المحبة والتسامح والعيش المشترك بسلام وليس أدل على ذلك من صورة الإساءة المتكررة للإسلام ونبيه التي نراها بين الفينة والأخرى".
الجزائر تطلب استدعاء السفراء
وفى الجزائر دانت جمعية العلماء المسلمين في بيان تصريحات البابا وقالت إنها "تتعارض مع نهج سلفه "البابا يوحنا بولس الثاني" الذي دأب على الدعوة إلى التقارب والحوار بين الأديان والحضارات".
ودعت الجمعية الدول المسلمة إلى استدعاء سفرائها لدى الفاتيكان إن لم تصدر اعتذارات رسمية عن تلك التصريحات، ودعا مسلمون في أوروبا رأس الكنيسة الكاثوليكية إلى تقديم توضيحات واعتذارات لتصريحاته التي أشار فيها ضمنا إلى وجود رابط بين الإسلام والعنف.
ميركل تدافع
وفى تطور آخر دافعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل عن البابا بنيديكت السادس عشر واعتبرت تصريحاته عن الإسلام "دعوة للحوار بين الأديان أسيء فهمها".
وقالت ميركيل إن البابا أكد على ضرورة إدانة جميع أشكال العنف المرتكب باسم الدين، وأضافت إنها تتفق معه حول ضرورة الحوار بين الأديان.
2006\09\16
http://www.alarab.co.uk المصدر:
==============
#مجلس التعاون يطلب من البابا اعتذاراً واضحاً والفاتيكان يعتبر الحوار بين الأديان «مسألة أساسية»
تواصلت أمس الردود المنددة بتصريحات للبابا بنديكتوس السادس عشر أجرى فيها مقارنة بين المسيحية والإسلام وعلاقة الدين الإسلامي بالدعوة إلى العنف. وطالب مسؤولون ومنظمات أهلية وخطباء المساجد من البابا الاعتذار عن هذه التصريحات. في حين اعتبر وزير خارجية الفاتيكان الجديد المونسنيور دومينيك مامبرتي أن الحوار بين الديانات «مسألة أساسية». وقال في اتصال هاتفي أجرته معه وكالة «فرانس برس» في الخرطوم حيث يشغل منصب القنصل البابوي «إن البابا بنديكتوس السادس عشر قال ذلك وردده مرارا: إن مسألة الحوار بين الثقافات والديانات هي من المسائل الأساسية في هذا الزمن».
وسئل مامبرتي الذي عين أمس سكرتيرا للعلاقات مع الدول (وزير الخارجية) عن الجدل الذي أثارته تصريحات البابا الأخيرة عن الإسلام والجهاد التي طرح فيها إشكالية العلاقة بين الديانة والعنف، فرفض الإدلاء بتعليق. وفي إطار الردود على تصريحات الحبر الأعظم، أعربت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي عن «أسفها الشديد لما ورد على لسان البابا بنديكتوس السادس عشر من إساءة للإسلام ورسوله (- صلى الله عليه وسلم -) وتجاهله بشكل متعمد مبادئ الإسلام السمحة وتعاليمه الإنسانية التي تحث على المحبة والسلام لا العنف والبغضاء».
وقالت الأمانة العامة، في بيان، إن «خطورة مثل هذه الأقاويل أنها تأتي من شخص في مكانة بابا الفاتيكان، وفي وقت كثرت فيه الحملات التي تمس مشاعر المسلمين والتي لا تثير إلا نعرات التطرف الديني والعداء والتنافر بين الأديان، وذلك في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الحوار والتعايش والسلام».
وأشار البيان إلى انه «من الأجدر بالبابا أن ينأى بنفسه عن مثل هذا الجدل العقيم والمغلوط، فهو المطالب أكثر من غيره بالحث والتشجيع على ما يدعو إلى التآلف بين البشر والأديان، بوصف ذلك المكون الأساسي للتفاهم بين الأديان والحضارات، خصوصاً بعد عقود من الحوار جمعت رجال الفاتيكان ورجال الدين والفكر في العالم الإسلامي منذ عهد البابا الأسبق يوحنا بولس الثاني».
واختتمت الأمانة العامة لمجلس التعاون بيانها بالقول ان «عملية الاقتباس الانتقائي الأحادي الجانب التي وردت في تصريحات البابا تعبر عن عدم وعي واقتناع، ولذا فان مجرد التوضيح الصادر عن الفاتيكان لا يكفي بل لا بد من صدور اعتذار واضح وصريح من البابا مباشرة على ما صدر منه من مغالطات مسيئة وتطاول على الإسلام والنبي الكريم».
واشنطن: تصريحات غير موفقة:(2/36)
وفي واشنطن، وصف ناطق باسم البيت الأبيض تصريحات البابا بأنها «مؤسفة» و «غير موفقة» لجهة انتقادها التطرف الإسلامي في اقتباس لإمبراطور بيزنطي من القرن الرابع عشر. وقال الناطق في اتصال مع «الحياة» إن الاقتباس جاء في سياق عرض للعلاقة بين الديانات والعنف عبر التاريخ و «كان يستهدف إدانة التطرف الإسلامي، لكن اختياره لهذا الاقتباس بالذات كان مؤسفا ولم يكن موفقا، إذ انه يبدو وكأنه انتقاد للإسلام كدين عظيم على وجه الخصوص».
واعتبر الناطق أن «هناك متطرفين من كل الديانات السماوية، الا ان ذلك لا يمثل الديانات نفسها التي تدعو إلى التعايش بين الشعوب». وأشار إلى أن الفاتيكان اصدر توضيحا يؤكد أن البابا لم يقصد الإساءة للإسلام، مشدداً على «ضرورة تهدئة الخواطر وعدم الوقوع في الفخ الذي ينصبه المتطرفون للإيقاع بين اتباع الديانات السماوية».
ورداً على سؤال عن إشارة الرئيس جورج بوش في أحد خطاباته إلى «الإسلاميين الفاشيين»، قال الناطق إن الرئيس «كان يشير بوضوح إلى فئة صغيرة ضالة تستخدم صيغة ملتوية للإسلام لتبرير جرائم قتل ضد المدنيين سواء كان الضحايا من المسلمين أو من أية ديانة أخرى». وأشار إلى أن غالبية ضحايا التفجيرات الإرهابية التي تقوم بها جماعات تدعي الإسلام في العراق وخارجه «هم من المسلمين الآمنين».
http://www.daralhayat.com المصدر:
================
#كير يطالب بابا الفاتيكان بالاعتذار ويدعو لزيادة الحوار المسلم الكاثوليكي ويحث المسلمين على ضبط النفس
طالب مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) - وهو أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر بالاعتذار ردا على تصريحات أدلى بها مؤخرا رأى فيها البعض إهانة للإسلام، كما طالب (كير) بعقد لقاء مع ممثل الفاتيكان بالعاصمة الأمريكية واشنطن لمناقشة تصريحات البابا.
وذكر (كير) في بيان له أن "الرد المناسب على تصريحات الباب غير الصحيحة والداعية للفرقة والخلاف هي أن يقوم المسلمون والكاثوليك عبر العالم بزيادة الحوار وجهود التواصل فيما بينهم سعيا لبناء علاقات أفضل بين المسيحية والإسلام، هذه الحادثة المؤسفة تعطي المسيحيين فرصة لزيادة معرفتهم بالإسلام وبالرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وبتعريف الإسلام لمفهوم الجهاد".
وأكد (كير) في بيانه على ضرورة "الحفاظ على جهود الحوار والتواصل التي ساندها بابا الفاتيكان الراحل البابا يوحنا بولس الثاني، والذي قام بالكثير لتقريب المسلمين والكاثوليكيين معا في الكفاح من أجل الصالح المشترك"، وحذر كير من انزلاق الفاتيكان تحت قيادته الجديدة في دوامة الحروب الثقافية التي تغذيها أقليات غربية علمانية وأخرى دينية نشطة بالغرب وبأمريكا والتي تصور الإسلام على أنه عدو ديني وسياسي جديد للغرب يجب أن يتوحد الغربيين ضده.
وأكد (كير) على التعاون الوثيق الذي يربط المسلمين والكاثوليك بالولايات المتحدة، وعلى مواقف الكنائس الكاثوليكية الأمريكية الإيجابية تجاه قضايا المسلمين والعرب في أمريكا كقضايا الحقوق المدنية والصراع العربي الإسرائيلي، هذا إضافة للعلاقات التعايش التاريخي الإيجابي القوية التي تربط المسلمين والكاثوليك عبر العالم الإسلامي.
كما حث (كير) المسلمين عبر العالم بضبط النفس وتجنب اللجوء إلى ردود الأفعال الغاضبة أو العنيفة والتي لا تعود على صورة الإسلام عبر العالم بأي مردود إيجابي.
وكان البابا بنديكت السادس عشر قد أشار في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء الماضي إلى قول إمبراطور بيزنطي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي أن: "اخبرني ما الجديد الذي قدمه محمد، وستجد أشياء شريرة وغير إنسانية فقط، مثل الأمر بنشر الرسالة التي بشر بها بالسيف".
كما أشار (كير) في بيانه إلى أن:
"القرآن يرفض فرض العقيدة بالإكراه، حيث ينص القرآن على أنه "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة: 256)، كما يطالب الإسلام بالسلام فور وقف العدوان، حيث ينص القرآن الكريم على: "وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ...فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ" (البقرة: 190-193)".
"كما يحض الإسلام المسلمين على الحفاظ على علاقات إيجابية مع أبناء الديانات الأخرى، والدخول معهم في حول إيجابي، حيث يقول القرآن الكريم: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (العنكبوت: 46)".
"كما لا يوجد في الإسلام تناقض بين العقيدة والمنطق، فأول الآيات القرآنية التي بعثت للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - حثت المسلمين على القراءة، وثبت عبر التاريخ آن المعرفة والاختراعات يزدهران في أي مكان يزدهر فيه الإسلام".
هذا وقد أرسل كير رسالة إلى ممثل الفاتيكان بأمريكا يطالب لقاءه، وحث كير الأمريكيين من جميع الأديان على زيادة معرفتهم بالإسلام وبحياة وتراث الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، حيث يوفر كير ضمن حملات ينظمها - نسخ مجانية من الترجمة الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم www.explorethequran.org، ونسخ مجانية من مواد تعريفية بحياة وتعاليم الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - www.cair.com/Muhammad
جدير بالذكر أن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) هو أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة الأمريكية، ولكير 32 مكتبا وفرعا إقليميا، ويهدف المجلس إلى زيادة فهم المجتمع الأمريكي للإسلام، وتشجيع الحوار، وحماية الحريات المدنية، وتقوية المسلمين الأمريكيين، وبناء التحالفات المعنية بنشر العدالة والفهم المتبادل.
http://www.alhaqaeq.net المصدر:
==============
#قاضي القضاة يستنكر بشدة تصريحات بابا الفاتيكان المسيئة للإسلام ونبيه محمد - عليه الصلاة والسلام -
رام الله-فلسطين برس-: أستنكر الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين اليوم تصريحات بابا الفاتيكان بنديك السادس عشر والتي نقلتها وسائل الإعلام والتي يطعن فيها بالعقيدة الإسلامية وبشخص الرسول محمد صلي الله عليه وسلم مطالب البابا بسحب تصريحاته المسيئة والتراجع عنها والاعتذار الرسمي لجميع المسلمين في العالم".
وأضاف التميمي في تصريح صحفي وصل فلسطين برس نسخة عنه " أن ادعاء بابا الفاتيكان بأن الإسلام يعتمد القوة والعنف في انتشار دعوته مخالف للحقيقة والواقع والتاريخ لأن الإسلامي لم يلجأ بتاتا إلى القوة والعنف لإرغام الناس على اعتناقه بل حرم القرءان ذلك بنص آياته".
وأكد التميمي أن البابا خالف أصول اللياقة والدبلوماسية بخطابه الاستفزازي والذي يعد خروجا عن منهج سلفه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني وعلى منهج الكنيسة الكاثوليكية في الحوار بين الأديان".
14-9-2006م
http://www.palpress.ps المصدر:
================
#فند مزاعم (البابا) عن الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم
مفتي السعودية: دعوى التوافق بين الأديان يكذبها الواقع(2/37)
كذب سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، ما ذكره بابا الفاتيكان من مزاعم باطلة في محاضرته التي ألقاها بجامعة ريكسيون الألمانية أن الدين الإسلامي لا يدين العنف والإرهاب، وأن ما جاء به محمد - عليه الصلاة والسلام - إنما هي أمور شريرة وغير إنسانية، وأن الدين الإسلامي أمر بنشره بحد السيف.
وقال سماحته في حواره مع صحيفة «الرياض» السعودية: ديننا الإسلامي دين سماحة لا يرضى العنف والإرهاب، وجاء به الرسول محمد - عليه الصلاة والسلام - للعالمين ديناً يرفض العنف على المسلم وغير المسلم، فالظلم محرَّم في شريعتنا، فالإسلام يحرِّم الظلم. يقول الله في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته محرَّماً فلا تظالموا». ويقول النبي - عليه السلام -: «اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب». ولهذا جعل الله - تعالى -عقوبة المفسدين في الأرض أعظم عقوبة، قال الله - تعالى -: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم}.
ورداً على مزاعم أن ما جاء به المصطفى من دين هي أمور شريرة أمر بها أن تُقام بحدِّ السيف، قال سماحته: هذا كله كذب والرسول - عليه الصلاة والسلام - جاء رحمة للعالمين، فالله - تعالى -يقول: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} والمتأمل لصراعات الملل والأديان قبل الإسلام وكيف أن بعضهم إذا ظفر بملّة دمّر وقتل وسبى وأهلك، فجاء الإسلام فرحم الخلق كله من خلال هذه الشريعة الإسلامية السمحة والتي جاءت بكل ما يحقق العدل والإنصاف ويرسي دعائم الأمن والاستقرار في المجتمعات.
وأضاف سماحته: فالإسلام بعيدٌ عن الإرهاب ولم ينتشر إلا بقناعة من الشعوب الذين تبصّروا ورأوا خير الإسلام وعدالته وحُسن نظمه، فدخل الناس في دين الله أفواجاً.
ورداً على ما ذكره الفاتيكان بأن «المشيئة في الإسلام منقطعة عن العقل» أكد سماحته أن ذلك غير صحيح وكذب، فالله - عز وجل - خاطبنا عن هذا الدين الإسلامي وقال - سبحانه -: {إن في ذلك ذكرى لمن كان له قلبٌ وألقى السمع وهو شهيد}، فالإسلام جاء بالفطرة والعقل السليم هو الذي يوافق الفطرة السليمة، ولا يتنافى مع النقل الصحيح، فالشريعة الإسلامية جاءت بما تؤكده الفطر والعقول لا بما تنافيه العقول.
وأكد سماحته أن موقف الدين الإسلامي من الأديان الأخرى التي جاءت بها الرسل السابقة هو إيمان بجميع الرسل وتصديق لهم وأنهم رسل الله حقاً نصحوا أممهم وبلغوا رسالات الله وأقاموا حجّة الله على أممهم، والأمة المحمدية هي كما قال الله - تعالى -: {وكذلك جعلناكم أمّة وسط لتكونوا شهداء على الناس}. فيوم القيامة يستشهد بهم الأنبياء على أممهم أنهم بلغوا أممهم رسالة ربهم.
وأضاف سماحته: فنحن موقفنا إيمانٌ بجميع الرسل، إلاّ أننا نعتقد حقاً أن هذه الشريعة الإسلامية نسخ الله بها جميع الشرائع وافترض الله على الخلق طاعة محمد - عليه السلام - وأتباعه؛ فنحن نؤمن بموسى وعيسى وغيرهما من أنبياء الله؛ لكن الاتباع والعمل إنما هو لهذه الشريعة.
وقال سماحته: ليعلم الجميع أن ما ينادي به إلى توافق بين الأديان ونحوه هي دعوى يكذبها الواقع؛ فإذا كان أولئك يهاجمون الإسلام ويكذبونه ورسول الإسلام محمد - عليه السلام -؛ فكيف يظنون أن هناك توافقاً وتقارباً وهم على الباطل من سب واستهزاء بالدين الإسلامي ومحمد - عليه السلام -.
وعن موقف الإسلام من الأنبياء والملل قال سماحته: الإسلام رسالته إنه لا يجوز، ولا يمكن سب أحد من الأنبياء فمن سبّ عيسى أو موسى فإنه كافر ولا يليق بمسلم أن يسبّ نبيّاً من الأنبياء.
22-8-1427 هـ
16-9-2006
http://www.lahaonline.com:المصدر
===============
#غضب وغليان شعبي إسلامي ضد إساءة البابا للإسلام
توالت في أنحاء العالم الإسلامي الاحتجاجات الشعبية المنتقدة لتصريحات بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر المسيئة إلى الإسلام والرسول - عليه الصلاة والسلام -.
ففي القاهرة قال شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي: "إن تصريحات البابا تنم عن جهل واضح بالإسلام"، مطالبا بالرد على تلك التصريحات.
كما طالب متظاهرون عقب صلاة الجمعة بالأزهر بطرد سفراء الفاتيكان من كافة الدول العربية والإسلامية، ومنع البابا من زيارة أي بلد عربي، ما لم يقدم اعتذارا صريحا عن إساءته إلى الإسلام والرسول الكريم.
وانتقد المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة ما صدر عن البابا من إساءة للذات الإلهية، مؤكدا أن القرآن الكريم تضمن الكثير من الآيات التي تدعو إلى إمعان العقل والتفكر.
جهل أو تشويه
من جانبه انتقد المرجع الشيعي في لبنان العلامة محمد حسين فضل الله ما جاء على لسان البابا. وقال فضل الله في خطبة الجمعة إن اتهام الإسلام بعدم إعمال العقل في شؤون الدين والحياة صادر إما عن جهل بالإسلام أو عن قصد لتشويهه.
كما قال رئيس مجلس شورى جبهة العمل الإسلامي بالأردن الشيخ حمزة منصور: إن اعتذار البابا شخصيا هو الذي يمكن أن يمحو الإساءة البالغة التي تسببت فيها التصريحات "المستفزة" لأكثر من مليار مسلم.
وفي ألمانيا أكد رئيس المجلس الأعلى للمسلمين أيمن مازيك إنه يجد من الصعب للغاية تصديق أن بابا الفاتيكان يرى فارقا بين الإسلام والمسيحية بشأن موقفهما من العنف.
كما طلب الأمين العام لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا فؤاد علاوي من البابا تقديم اعتذار، قائلا إنه تم ارتكاب خطأ ولابد من تصحيحه، موضحا أن الوقت غير مناسب لإطلاق السجالات والخلافات.
سلة واحدة
كما قال متحدث باسم مجلس العمل المتحد وهو تحالف يضم ستة أحزاب دينية في باكستان إن البابا وضع نفسه في سلة واحدة مع التصريحات المناهضة للمسلمين التي تصدر عن الرئيس الأميركي جورج بوش.
وفي الهند طالب متظاهرون في إقليم جامو وكشمير التابع للسيطرة الهندية باعتذار البابا، وأحرقوا دمية تمثل البابا وهددوا بإثارة اضطرابات إذا تكررت مثل تلك التصريحات المسيئة.
من جهته وصف رجل الدين الإيراني البارز أحمد خاتمي تصريحات البابا بـ"السخيفة"، وقال إنها أظهرت أن بابا الفاتيكان لا يعلم كثيرا عن الإسلام، موضحا أن المسلمين سيواصلون الرد بشكل مناسب.
تطاول
أما في العراق فقد طلب الشيخ محمود العيساوي إمام مسجد عبد القادر الكيلاني من الدول الإسلامية طرد سفير الفاتيكان وعدم التهاون مع أمر كهذا، معتبرا أن تلك التصريحات تطاول على المسلمين.
كما رأت هيئة علماء المسلمين بالعراق في خطاب البابا "إساءة كبيرة لمشاعر المسلمين ويتضمن من حيث شعر البابا أو لم يشعر تحريضا على الإرهاب بحقهم من قبل مؤسسة دينية عالمية تعلن دائما أنها تدعم السلام".
وفي الكوفة استنكر الشيخ حازم الأعرجي من التيار الصدري التصريحات ووصفها بأنها تجاوز على شخصية الرسول الكريم.
وكان البابا قد أعلن الثلاثاء خلال محاضرة في ألمانيا أن العقيدة المسيحية تقوم على المنطق لكن العقيدة في الإسلام تقوم على أساس أن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل أو المنطق.
وقد أصدر الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانا رد فيه على تصريحات بابا الفاتيكان.(2/38)
وأكثر ما أثار الغضب في خطابه اقتباسه حوارا دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي و"مثقف فارسي" حول دور نبي الإسلام. وقال فيه الإمبراطور للمثقف "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد.لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف".
16/09/2006
http://www.islamweb.net المصدر:
===============
#غضب إسلامي واسع من تصريحات بابا الفاتيكان
فكري عابدين وأحمد عطا
يوسف القرضاوي
أثارت تصريحات بنديكت السادس عشر، بابا الفاتيكان، عن الإسلام والرسول - صلى الله عليه وسلم - انتقادات واسعة ومطالب للبابا بالاعتذار عن هذه التصريحات المسيئة لنحو مليار ونصف المليار مسلم في أنحاء العالم.
وقال العلامة يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في بيان وصلت "إسلام أون لاين. نت" الخميس 14-9-2006 نسخة منه: "كنا ننتظر من أكبر رجل دين في العالم المسيحي: أن يتأنى ويتريث ويراجع ويشاور، إذا تحدث عن دين عظيم كالإسلام، استمر أكثر من أربعة عشر قرنًا، ويتبعه نحو مليار ونصف من البشر، ويمتلك الوثيقة الإلهية التي تتضمن كلمات الله الأخيرة للبشرية (القرآن الكريم)".
وتابع: "ولكن البابا الذي قالوا: إنه كان يشغل مقعدًا لتدريس اللاهوت وتاريخ العقيدة في جامعة راتيسبون منذ 1969، سارع بنقد الإسلام، بل بمهاجمته في عقيدته وشريعته، وبطريقة لا يليق أن تصدر من مثله" خلال محاضرة بجامعة ريجينسبورج في ولاية بافاريا الألمانية الثلاثاء 13-9-2006.
وأضاف: "تحدث البابا عن الإسلام دون أن يرجع إلى كتابه المقدس (القرآن)، وبيانه من سنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، واكتفى بذكر حوار دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي ومسلم فارسيّ مثقف. وكان مما قاله الإمبراطور للرجل: "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد؟ لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين -الذي كان يبشر به- بحد السيف! ".
ومضى القرضاوي قائلاً: إن البابا نسى "أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - جاء بالكثير الكثير الذي لم تأتِ به المسيحية ولا اليهودية قبلها، جاء بالمزج بين الروحية والمادية، وبين الدنيا والآخرة، وبين نور العقل ونور الوحي، ووازن بين الفرد والمجتمع، وبين الحقوق والواجبات، وقرر بوضوح الإخاء بين الطبقات داخل المجتمع، وبين المجتمعات والشعوب بعضها وبعض، وقال كتابه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].
جهل أو كذب بابا الفاتيكان
ورد القرضاوي على ما استشهد به بابا الفاتيكان بقوله: "أما ما قاله الإمبراطور البيزنطي من أن محمدًا لم يجئ إلا بالأشياء الشريرة، وغير الإنسانية، مثل الأمر بنشر دينه بحد السيف! فهو قول مبني على الجهل المحض، أو الكذب المحض. فلم يوجد من حارب الشر، ودعا إلى الخير، وفرض كرامة الإنسان، واحترم فطرة الإنسان، مثل محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله الله {رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
وتابع: "ودعوى أنه أمر بنشر دينه بحد السيف أكذوبة كبرى، فهذا ما أمر به قرآنه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
وشدد على أن "الحقيقة أن الإسلام لم ينتصر بالسيف، بل انتصر على السيف الذي شهر في وجهه من أول يوم. وظل ثلاثة عشر عامًا يتحمل الأذى والفتنة في سبيل الله، حتى نزل قوله - تعالى -: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 39، 40].
وأكد القرضاوي أنه "إنما فرض الإسلام الجهاد دفاعًا عن النفس، ومقاومة للفتنة، والفتنة أشد من القتل، وأكبر من القتل. ولذا قال - تعالى -: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} [النساء: 90].
وشدّد على أن "الإسلام لا يقبل إيمان مَن يدخل عن طريق الإكراه، كما قال - تعالى -: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256].
وتساءل رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: "كنا نودّ من البابا أن يدعو إلى حوار إيجابي بين الأديان، وحوار حقيقي بين الحضارات، بدل الصدام والصراع، وقد استجبنا من قبل للدعوة الموجهة من جمعية سانت جديو في روما إلى الحوار الإسلامي المسيحي. وشهدنا دورة للحوار مع أحبار الكنيسة في روما، وفي برشلونة، فيما سُمّي (قمة إسلامية مسيحية)، وشاركنا في مؤتمرات للحوار الإسلامي المسيحي في الدوحة. فهل يريد الحبر الأعظم أن نغلق أبواب الحوار، ونستعد للصراع في حرب أو حروب صليبية جديدة؟ ".
قطع العلاقات
مهدي عاكف
وفي مصر، أعرب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مهدي عاكف، عن استنكاره واستهجانه لتصريحات البابا بشأن الإسلام والرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وقال عاكف: "إنها لا تعبر عن فهم صحيح للإسلام، بل هي اجترار للأفكار المغلوطة والمشوهة التي تتردد في الغرب".
ودعا المرشد العام البابا إلى الاعتذار ودراسة الإسلام دراسة منصفة بعيدة عن التعصب، كما دعا حكومات الدول الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني إلى إعلان احتجاجها على تلك التصريحات والتهديد بقطع العلاقات مع الفاتيكان إذا لم يعتذر البابا عن أقواله.
كما حثّ الأمين العام لحزب الأمة الكويتي، حاكم المطيري، بابا الفاتيكان على تقديم اعتذار فوري صريح للعالم الإسلامي عما صدر عنه من طعن بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وبالدين الإسلامي.
حقد وضغينة
دليل بوبكر
وفي فرنسا، أعرب دليل بوبكر، رئيس المجلس الفرنسي للدين الإسلامي، عن أمله في أن توضح الكنيسة موقفها بسرعة حتى لا تخلط بين الإسلام الدين المنزل بالوحي و"الأسلمة" وهي فكر سياسي وليست دينًا.
وفي باكستان وصفت المتحدثة باسم الخارجية الباكستانية، تسنيم أسلم، تصريحات البابا بأنها تنمّ عن جهل بالمبادئ الأساسية للإسلام. وقالت: إن ما صدر عن بابا الفاتيكان يؤسف له وينمّ عن التحيز.
وفي تركيا أيضًا طالب مدير دائرة الشئون الدينية، الشيخ علي بردا كوغلو، البابا بالاعتذار فورًا عن كلامه "المليء بالحقد والضغينة". كما نادى بإلغاء زيارة البابا المرتقبة لتركيا بين 28 و30 نوفمبر المقبل.
وفي ألمانيا، رفض رئيس المجلس المركزي للمسلمين، أيمن مازيك، تصريحات البابا. ونقلت صحيفة "زودويتشه تسايتونج" الألمانية الخميس 14-9-2006 عن مازيك قوله: "بعد الحملات الملطخة بالدماء للتحول للمسيحية في أمريكا الجنوبية، والحملات الصليبية على العالم الإسلامي، وتطويع نظام هتلر للكنيسة، وحتى استحداث البابا أربان الثاني لمصطلح الحرب المقدسة، لا أعتقد أنه يحق للكنيسة أن تشير بإصبع الاتهام للأنشطة المتطرفة في الديانات الأخرى".
http://www.islamonline.net المصدر:
=============
# شن الغارة بالكردوس على البابا بنديكتوس
حامد بن عبد الله العلي(2/39)
رداً على بنديكتوس البابا، القسّ الأكبر للنصارى المشرِكة، في افتراءاته وطعنه بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتطاوله على الإسلام...
ونشير هنا إلى مقال سابق فيه تفنيد أكثر لخطط التنصير وخطرها وأهدافها.
قال الحق - سبحانه -: (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاََّ كَذِبًا).
أيْ والله،، كبرت كلمة الكذب تخرج من أفواههم،
تلك الكلمة التي هي جوهر العقيدة النصرانية التي حُرفت عن تعاليم المسيح عيسى بن مريم البتول - عليه السلام -: (نؤمن بإله واحد، وأب ضابط الكل، خالق السماوات والأرض، كلّ ما يرى ولا يرى، وبرب واحد! يسوع المسيح ابن الله الوحيد! المولود من الأب قبل كلّ الدهور، نور من نور إله، حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للأب في الجوهر الذي به كان كلّ شيء، الذي من أصلنا نحن البشر، ومن أجل خلاص نفوسنا نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس، ومن مريم العذراء، وتأنّّس (صار إنساناً) وصلب في عهد (بيلاطس) النبطي، وتألّم، وقبر، وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الأب، وأيضاً أتى في مجده ليدين الأحياء والأموات، الذي ليس لملكه انقضاء).
هذا هو جوهر الديانة الباطلة، التي أوّل من يتبرأ منها النبيّ الذي بشّر بخاتم النبيين محمّد - صلى الله عليه وسلم -، عيسى بن مريم - عليه السلام -..
http://www.h-alali.net المصدر:
-===============
#دعوات لبابا الفاتيكان لسحب انتقاده للعقيدة الإسلامية
بنديكت الـ 16 يرى أن الإسلام يقوم على كون إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل والمنطق
دعت شخصيات إسلامية بابا الفاتيكان إلى التراجع عن الملاحظات التي أوردها عن العقيدة الإسلامية والجهاد في محاضرة ألقاها بألمانيا حول العلاقة بين العقل والإيمان.
وقال بنديكت الـ16، في تلك المحاضرة، إن العقيدة المسيحية تقوم على المنطق لكن العقيدة بالإسلام تقوم على أساس أن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل أو المنطق.
واستشهد في كلمته بمقتطف من كتاب إمبراطور بيزنطي يقول فيه إن محمد - عليه الصلاة والسلام - لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني كأمره بنشر الإسلام بحد السيف. كما انتقد البابا ما سماه "الجهاد واعتناق الدين عن طريق العنف".
وأثارت تلك الملاحظات انتقادات كثيرة، وتعالت على إثرها أصوات إسلامية تطالب بنديكت الـ16 بسحب ملاحظاته حول الإسلام.
ووصفت المتحدثة باسم الخارجية الباكستانية تسنيم أسلم تلك التصريحات بأنها تنم عن جهل بالمبادئ الأساسية للإسلام. وقالت إن ما صدر عن بابا الفاتيكان يؤسف له وينم عن التحيز.
وذكرت المتحدثة أن المسلمين هم من أسسوا للعلوم كافة وأناروا الشموع حينما كان الظلام والجهل يلفان العالم. وأضافت أن الإسلام هو دين الفطرة والعقل والإنسانية وأنه يحث أتباعه على ذلك "لذا فمن المستهجن أن يقول قائل اليوم إن الإسلام لا يعترف بالمنطق وإنه اعتمد السيف في نشر الدعوة".
ومن جهته دعا عميد الجالية الباكستانية بإيطاليا إعجاز أحمد، بابا الفاتيكان، إلى سحب كلامه عن العقيدة الإسلامية. وقال "إن البابا في خطابه أغفل أن الإسلام كان مهد العلوم، وإن المسلمين كانوا أول من ترجم الفلسفة الإغريقية قبل انتقالها إلى التاريخ الأوروبي".
وأضاف إعجاز أحمد أن "العالم الإسلامي يعيش حاليا أزمة عميقة، وأي هجوم من الغرب قد يؤدي إلى تفاقم هذه الأزمة".
من جهة أخرى اعتبر رئيس المحاكم الشرعية السنّية العليا بلبنان ما قاله البابا في حق العقيدة الإسلامية، كلاما خطيرا، ودعاه للاعتذار عن ذلك.
واعتبر الشيخ محمد كنعان أن تلك التصريحات تنم عن انحياز البابا الكامل للصهيونية، محذرا من أن من شأن تلك التصريحات أن تغذي مشاعر الكراهية.
أما المفكر الإسلامي محمد عمارة فقد حاول أن يضع كلام البابا عن الإسلام في سياق تاريخي عام، مشيرا إلى أن الكنيسة شنت على العالم الإسلامي حربا دامت قرنين من الزمن.
ودعا عمارة، بنديكت الـ 16، إلى النظر في خريطة العالم الإسلامي للتحقق من الطرف الذي يغزو الطرف الآخر.
كما طالب مدير دائرة الشؤون الدينية بتركيا الشيخ علي بردا كوغلو البابا بالاعتذار فورا عن كلامه "المليء بالحقد والضغينة". كما نادى بإلغاء زيارة البابا المرتقبة لتركيا بين 28 و30 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي رد فعل ذي طبيعة خاصة، قال أستاذ العقيدة الإسلامية جامعة قطر الشيخ محمد عياش الكبيسي إنه بعث برسالة صريحة إلى البابا يدعوه فيها إلى مناظرة مفتوحة حول الموضوع.
وأشار الكبيسي إلى أن كلام البابا إما ينمّ عن جهل فظيع بالإسلام أو جاء متأثرا بالحرب على ما يسمى الإرهاب.
ولم تثر ملاحظات البابا ردود أفعال بالعالم الإسلامي فحسب، بل حتى بأوساط غربية.
فقد ذكر جيل كيبيل، الخبير الفرنسي الشهير في الإسلام، أن البابا "حاول الدخول في منطق النص القرآني" لكنه رأى أن النتائج "تنطوي على مجازفة لأن الخطاب قد يحمل قسما من المسلمين على التطرف".
وكان عالم اللاهوت المعارض هانس كونغ أكثر تشددا، حيث رأى بتعليق أوردته وكالة الأنباء الألمانية أن "هذه التصريحات لن تلقى بالتأكيد ترحيبا لدى المسلمين وتستوجب توضيحا عاجلا".
وأمام الردود التي أثارتها ملاحظات البابا، اضطر الأب فيديريكو لومباردي المدير الجديد للمكتب الإعلامي التابع لبنديكت الـ16 إلى التحدث للصحفيين ليوضح أن "البابا لم (يشأ) إعطاء تفسير للإسلام يذهب في اتجاه العنف".
غير أن بعض خبراء الفاتيكان رأوا أن البابا أراد "على ما يبدو" وضع شروط لحوار مع المسلمين قبل زيارته المقررة إلى أنقرة. وقد عارض بنديكت الـ16 باستمرار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
http://www.alhaqaeq.net المصدر:
===============
#توالي ردود الفعل الإسلامية الغاضبة المنددة بتصريحات البابا
توالت ردود الفعل الإسلامية المنددة بتصريحات بابا الفاتيكان "بنيديكت السادس عشر" والتي اثارت عاصفة سياسية في أوساط العالم الإسلامي، حيث اعتبرت هذه التصريحات مسيئة للدين الإسلامي وللنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقد أدان البرلمان الباكستاني بالإجماع تصريحات البابا بنيديكت السادس عشر الأخيرة حول الإسلام...
أدان البرلمان الباكستاني بالإجماع تصريحات البابا بنيديكت السادس عشر الأخيرة حول الإسلام، وطالب باعتذار رسمي من البابا وذلك في أول رد فعل رسمي على تلك التصريحات. ووصفت المتحدثة باسم الخارجية الباكستانية تسنيم أسلم تلك التصريحات بأنها تنم عن جهل بالمبادئ الأساسية للإسلام. وقالت إن ما صدر عن بابا الفاتيكان يؤسف له وينم عن التحيز. وأضافت أن الإسلام هو دين الفطرة والعقل والإنسانية وأنه يحث أتباعه على ذلك "لذا فمن المستهجن أن يقول قائل اليوم إن الإسلام لا يعترف بالمنطق وإنه اعتمد السيف في نشر الدعوة".(2/40)
كذلك انتقد تصريحات البابا إعجاز احمد عميد الجالية الباكستانية في ايطاليا والعضو في اللجنة الحكومية الاستشارية حول الإسلام في تصريحات لوكالة الأنباء الايطالية، داعيا البابا إلى "سحب كلامه". وقال "إن العالم الإسلامي يعيش حاليا أزمة عميقة وأي هجوم من الغرب قد يؤدي إلى تفاقم هذه الأزمة". وبدورهم انتقد الباحثون والقادة الدينيون في باكستان بشدة تصريحات بابا الفاتيكان، وحثوه على لعب دور ايجابي في التقريب بين الإسلام والمسيحية.
وقال خورشيد احمد من معهد الدراسات السياسية في إسلام أباد انه "من المؤسف أن زعيما دينيا بمقامه يصدر تصريحات يمكن أن تثير تنافرا دينيا". وأضاف إن "موقف البابا مختلف عن سلفه. بدلا من التقريب بين الإسلام والمسيحية، بدأ توتير العلاقة بين الديانتين". ومن جانبه، حث حافظ حسين احمد، وهو زعيم بارز في حزب جمعية علماء المسلمين وعضو في البرلمان الباكستاني، البابا على عدم الاستلهام من الرئيس الأمريكي جورج بوش.
وقال إن "البابا شخصية محترمة ليس فقط بالنسبة للمسيحيين بل وبالنسبة للمسلمين أيضاً. ينبغي أن لا ينخفض بمقامه بإعطاء تصريحات مشابهة لتصريحات بوش". وأضاف إن "الجهاد وسيلة للدفاع ونحن نقبل أن يتحدث البابا ضد العدوان". وفي كشمير، دعت رابطة المسلمين، وهي جماعة انفصالية كشميرية، إلى تنظيم مظاهرات بعد صلاة الجمعة للاحتجاج على تصريحات البابا. ووصف جواد أحمد جامدي، وهو من علماء الشريعة في باكستان، تصريحات البابا بأنها: غير مسؤولة".
ومن جهتها، عبّرت منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تضمّ في عضويتها 57 دولة مسلمة وتتخذ من جدة بالمملكة العربية السعودية مقرا لها، عن أسفها لتصريحات البابا "والأراجيف الأخرى التي تسيء للإسلام. " كما عبّرت عن أملها في أن لا تعكس هذه الحملة المفاجئة نية جديدة من قبل سياسة الفاتيكان تجاه الديانة الإسلامية. " وفي الكويت، حث الأمين العام لحزب الأمة الكويتي حاكم المطيري البابا على تقديم "اعتذار فوري صريح للعالم الإسلامي عما صدر عنه من طعن بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وبالدين الإسلامي".
وحذر المطيري من "خطورة مثل هذا الخطاب البابوي غير المعهود وغير المسبوق" وربط بينه وبين ما اسماه "الحروب الغربية الجديدة على العالم الإسلامي كما في العراق وأفغانستان ولبنان" معتبرا أنها "حروب صليبية تغذيها أحقاد تاريخية ودينية". من جهته، رفض وكيل المراجع الشيعية في الكويت السيد محمد باقر الموسوي المهري كلام البابا معتبرا انه "مخالف للحقيقة والواقع"، داعيا بنيديكت السادس عشر إلى الاعتذار.
وقال إن "هجوم (البابا) غير المبرر على الإسلام وعلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - تناقض واضح وصريح مع الدعوة لحوار الحضارات بل تصريح يفتح باب العداء بين أصحاب الديانات السماوية". وأضاف "نطلب من البابا الاعتذار رسميا أمام العالم حتى نستطيع أن نغلق باب العداء ويسود الأمن والأمان والمحبة في جميع أرجاء العالم". وفي مصر، طالب مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف الدول الإسلامية بالتهديد بقطع علاقاتها مع الفاتيكان وقال عاكف إن البابا بنيديكت السادس عشر قد صب الزيت على النار بتصريحاته وأثار غضب العالم الإسلامي، وأن تصريحاته لا تعكس فهما صحيحا للإسلام.
ومن جانبه أعرب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي عن أسفه لتلك "المغالطات والإساءات التي لم يكن لها مبرر والتي أساءت لمليار مسلم"، مطالبا البابا بالاعتذار الصريح عن كل ما صدر عنه. وأوضح القرضاوي في لقاء مع قناة "الجزير"ة أن "الإسلام فرض الجهاد دفاعا عن النفس وأن الإسلام لم ينتصر بالسيف بل انتصر على السيف الذي سلط عليه منذ البداية". وفي تعليقه على اتهامات البابا بأن العقيدة بالإسلام تقوم على أساس إن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل أو المنطق، وقال القرضاوي إن الإسلام دين يمجد العقل والتفكير ودين جاء بالمزج بين الدنيا والآخرة وبين الروح والمادة.
من جهة أخرى اعتبر رئيس المحاكم الشرعية السنّية العليا بلبنان ما قاله البابا في حق العقيدة الإسلامية، كلاما خطيرا، ودعاه للاعتذار عن ذلك. واعتبر الشيخ محمد كنعان باتصال مع الجزيرة أن تلك التصريحات تنم عن انحياز البابا الكامل للصهيونية، محذرا من أن من شأن تلك التصريحات أن تغذي مشاعر الكراهية. كما استدعى رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، السفير البابوي في بيروت من اجل تقديم احتجاج وطلب توضيح الموقف الصادر عن البابا بنيديكت السادس عشر بشان الإسلام. وجرت اتصالات للغاية نفسها بين بيروت وروما. وترددت معلومات، عن توجه لدى أئمة المساجد من المسلمين السنة والشيعة للتطرق إلى الأمر في خطب الجمعة، اليوم، فضلا عن احتمال حصول تحركات عفوية بعد صلاة الجمعة، حيث تقرر أن يشدد الجيش وقوى الأمن اجراءاتهما الأمنية اليوم في العاصمة ومعظم المناطق.
وفي المغرب، اعتبر النائب عبد الإله بن كيران احد مؤسسي حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل، أن تصريحات البابا تشكل إهانة لمليار مسلم. وأضاف بن كيران ان "ما أخشاه أن تكون تصريحات البابا سعيا للانحياز إلى العقيدة الصهيونية (للرئيس الأمريكي) جورج بوش". واعتبر بن كيران أن "الجهاد مفهوم إسلامي، أما الإرهاب فشيء آخر"، وأضاف أن "الإيمان أساس الدين الإسلامي"، داعيا ملوك ورؤساء الدول الإسلامية إلى إعلان موقفهم من تصريحات البابا. وقالت صحيفة "اوجوردوي" (اليوم) المغربية بدورها ان البابا اثار غضب مليار مسلم "بلا طائل".
من جانبه، طالب رئيس المجلس الفرنسي للديانة المسلمة، أعلى هيئة للمسلمين في فرنسا، دليل بوبكر الخميس الفاتيكان بتوضيح تصريحات البابا. وفي ألمانيا، قال الأمين العام للمجلس المركزي لمسلمي ألمانيا أيمن مزيك أن الكنيسة الكاثوليكية غير مؤهلة لانتقاد الإسلام بسبب تاريخها. وأشار أيمن مازيك في رده إلى "الحملات الملطخة بالدماء" في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. ونقلت صحيفة زودويتشه تسايتونج الالمانية الخميس عن مازيك قوله "بعد الحملات الملطخة بالدماء للتحول للمسيحية في أمريكا الجنوبية، والحملات الصليبية على العالم الإسلامي، وتطويع نظام هتلر للكنيسة، وحتى استحداث البابا اربان الثاني لمصطلح الحرب المقدسة، لا أعتقد أنه يحق للكنيسة أن تشير بإصبع الاتهام للأنشطة المتطرفة في الديانات الأخرى".
لكن مازيك قال إنه لا يعتقد أن تصريحات البابا قصد بها تصوير الإسلام باعتباره دينا يحض على العنف ولكنها تذكرة بأن هناك جماعات تستخدم الإسلام كغطاء يخفي النوايا الحقيقة للتطرف. وأثارت كلمات البابا غضبا أيضا في تركيا التي من المقرر أن يقوم بزيارته الخارجية المقبلة لها في نونبر بدعوة من الرئيس احمد نجدت سيزر. ونقلت وكالة الأناضول عن علي بارداكوجلو رئيس الادارة العامة للشؤون الدينية بانقرة قوله: "إنه ينبغي للبابا بنديكت أن يعتذر عن تعليقاته بشأن الإسلام ويعيد النظر في خططه لزيارة تركيا في وقت لاحق من العام الجاري".(2/41)
ونقلت الوكالة عن بارداكوجلو قوله: إن كلمات البابا "مؤسفة بشدة ومثيرة للقلق...للعالم المسيحي وسلام البشرية بأسره.وكان البابا قد انتقد بشكل مبطن خلال زيارته لبلده الام ألمانيا مفهوم "الجهاد" في الإسلام. وقال البابا "إن العنف لا يتوافق مع طبيعة الرب وطبيعة الروح"، وذلك خلال محاضرة ألقاها الثلاثاء أمام الأكاديميين في جامعة ريجينزبورج. وكان محور كلمة البابا هي قضية العقل والدين وكيف أنه لا يمكن فصلهما وضرورتهما "للحوار الحقيقي بين الثقافات والديانات الذي نحن بحاجة ماسة إليه اليوم".
واستشهد البابا بمقطع من كتاب يحوي محادثة بين الإمبراطور البيزنطي المسيحي مانويل باليولوجوس الثاني وأحد المثقفين الفارسيين حول حقائق المسيحية والإسلام في القرن الرابع عشر. وقال البابا "وتحدث الامبراطور عن موضوع الجهاد، الحرب المقدسة. وقال الإمبراطور - وأنا هنا أقتبس مما قاله - أرني شيئا جديدا جاء به محمد، وهنا لن تجد إلا كل ما هو شر ولا إنساني، مثل أوامره بنشر الإسلام بحد السيف".
ولإدراكه لحساسية القضية كرر بنيديكت مقولة "أنا اقتبس" مرتين قبل أن ينقل ما جاء من عبارات عن الإسلام والتي وصفها بأنها "فظة"، بينما لم يتفق معها أو يرفضها بشكل صريح. وأضاف البابا: "وواصل الإمبراطور كلامه ليشرح بالتفصيل لماذا كان نشر العقيدة باستخدام العنف يمثل أمرا منافيا للعقل". لكن بنيديكت لم يتناول رد عالم الدين الفارسي على اتهامات الإمبراطور. هذا وقد أصدر الفاتيكان بيانا قال فيه إن البابا لم يقصد مطلقا الإساءة إلى الإسلام.
وقال المكتب الصحفي للفاتيكان في بيان بأنه لم يكن في نية البابا بالتأكيد إجراء دراسة متعمقة للجهاد والفكر الإسلامي بشأنه. وأضاف بيان لكبير المتحدثين باسم الفاتيكان فدريكو لومباردي إنه من الواضح أن نية البابا هي تشجيع موقف الاحترام والحوار تجاه الأديان والثقافات الأخرى ومن الواضح أن ذلك يشمل الإسلام. وقال لومباردي إن قراءة متأنية لمحاضرة البابا ستظهر إن ما يعني البابا فعلا هو رفض واضح وجذري للدوافع الدينية للعنف.
ورأى بعض خبراء الفاتيكان أن البابا أراد، على ما يبدو، وضع شروط لحوار مع المسلمين قبل زيارته المقررة إلى أنقرة بين 28 و30 نونبر. وقد عارض بنديكتوس الـ16 باستمرار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وكان بنيديكت السادس عشر قام منذ بداية ولايته البابوية بخطوة لافتة بإرساله رئيس مجلس الحوار بين الديانات رئيس الأساقفة، البريطاني مايكل فيتزجيرالد إلى منصب ممثل الكرسي البابوي في مصر ولدى الجامعة العربية. وفسر هذا القرار على انه إبعاد لفيتزجيرالد الذي كان يقود حوار الكنيسة الكاثوليكية مع الإسلام.
(15/9/2006)
http://arabe.menara.ma المصدر:
===============
#تصريحات البابا
جمال سلطان
التصريحات المثيرة التي أدلى بها بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر قبل أيام في محاضرته التي ألقاها بجامعة رتيسبون الألمانية، والتي تعرض فيها بالإهانة للعقيدة الإسلامية وللنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، بصورة غير مسبوقة من رمز ديني كبير، بقدر ما تكشف عن غياب للحكمة واللياقة، بقدر ما تكشف عن أزمة كبيرة في الكنيسة الكاثوليكية، هناك انهيار في القناعات الدينية لدى الأجيال الجديدة في الغرب، وفي أوربا تحديدا، وهناك شكاوى من انصراف الناس عن الكنيسة وعن المسيحية إلى عقائد أخرى وخاصة إلى الإسلام.
كما أن التقارير المنشورة تفيد بأن عدد الداخلين في الإسلام في الغرب في تزايد مستمر، بل إنه زاد بعد أحداث سبتمبر الأمريكية رغم أن المظنون كان العكس، وذلك أن الأحداث حركت الفضول الغربي نحو معرفة الإسلام الذي أثار كل هذا الضجيج والجدل، والقاعدة المضطردة على مدار التاريخ أن كل اقتراب من دراسة الإسلام بروح منفتحة ينتهي بصاحبه إلى شهادة التوحيد، وأعتقد أن هذه الحقائق كلها كانت حاضرة أمام بابا الفاتيكان وهو ينحرف بكلامه فجأة بدون أي داع أو معنى نحو هجاء الإسلام ونبي الإسلام.
أيضا هناك بعد شخصي في المسألة يتعلق بشخصية بنديكت نفسه، لأنه يحمل حساسية خاصة ـ ولا أريد أن أقول كراهية ـ تجاه الإسلام والمسلمين تجلت في العديد من مواقفه السابقة حتى قبل توليه منصب البابوية، فهو صاحب الموقف المتطرف الشهير الرافض لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوربي، حيث اعتبرها لا تتجانس مع "أوربا المسيحية" في إشارة إلى الديانة الإسلامية في تركيا، كذلك حشر نفسه مرارا في التعليق على الفكر الإسلامي وتسييس الإسلام بدون أي معنى، إضافة إلى تصريحاته الأخرى التي يعلن فيها عن تحالف الكنيسة الكاثوليكية مع الإدارة الأمريكية الحالية، وهي المعروف عنها ميولها الأصولية المسيحية المتطرفة، كذلك علاقاته الوثيقة مع الحركات اليهودية وحرصه الكبير على التودد لكل ما هو يهودي، ديانة أو تاريخا أو ثقافة أو موقفا سياسيا.
واللافت للنظر أن البابا عندما أراد تجريح دين الإسلام لجأ إلى قراءة سطور من كتاب قديم، بما يعني أن "أجواء التاريخ" بكل ثقله وصراعاته وسوداويته حاضرة في مشاعر البابا، وهذا مؤشر خطير يطرح أكثر من علامة استفهام حول فكرة الحوار بين الأديان التي يقودها الفاتيكان ويسهم فيها علماء مسلمون، أيضا يستدعي ذلك التأمل في مسألة التستر بانتقاد الحركات المتشددة للطعن في الإسلام، فالبابا كشف عن أن الكراهية متوجهة للإسلام ذاته، بغض النظر عن المتطرفين فيه أو المعتدلين.
بالمقابل أعتقد أن ردود الفعل الإسلامية ينبغي أن لا تستدرج إلى مساحات العنف والخطاب غير العقلاني، لأن الاعتدال والعقلانية في الموقف الإسلامي تكون أكثر بلاغا وإفحاما لرعونة رأس الكنيسة الكاثوليكية، خاصة وأن موقف البابا مثل إساءة، بل فضيحة للكنيسة الكاثوليكية أكثر منه إساءة للإسلام، كذلك أتمنى أن تمتنع الحركات الإسلامية عن رد الفعل العنيف أو لغة التهديدات، لأن هذا لا يليق في مثل هذه المواقف، كما أنه سوف يسيء حتما إلى الموقف الإسلامي لو حدث.
لقد ارتكب بابا الفاتيكان حماقة حقيقية، ولكن دعوا أصحاب القلم والعلم والرأي يجيبونه، وإن كان هذا بطبيعة الحال لا يحجر على الموقف الشعبي الإسلامي من أن يعبر عن غضبه بالتظاهر السلمي، فهذا حق مشروع، وفي المحصلة فإن القرآن الكريم يوجهنا بتوجيهه النبيل الكريم "خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين".
16-9-2006
http://www.alasr.ws المصدر:
============
#تصاعد الغضب الرسمي عربيا وإسلاميا ضد تصريحات البابا
زادت حدة ردة الفعل الرسمية العربية والإسلامية ومن القيادات الحزبية على تعليقات بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر المقتبسة، والتي تزعم "تجاهل الإسلام لدور العقل ونشر الدين الإسلامي بالسيف".
وأدلى البابا خلال محاضرة ألقاها في ريجنسبورغ الثلاثاء في ألمانيا، بتصريحات بشأن الإسلام والجهاد تشير إلى علاقات بين الإسلام والعنف وأثارت موجة استنكار وغضب شديدين في العالم الإسلامي.
وأتى أقوى هذه الردود من رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، فقد قال: إنه يندد ويستنكر باسم الشعب الفلسطيني تصريحات البابا بشأن الدين الإسلامي، مطالبا البابا بـ"التوقف عن المس" بالديانة الإسلامية.
وطالب هنية رأس الكنيسة الكاثوليكية بإعادة النظر في تصريحاته بشأن الإسلام كعقيدة وشريعة، معتبرا أنها جافت الحقيقة ومست جوهر العقيدة وأساءت إلى التاريخ الإسلامي.(2/42)
من جهته طلب رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة من سفير لبنان لدى الفاتيكان ناجي أبو عاصي زيارة المقر البابوي للحصول على توضيحات لتلك التصريحات.
وفي سوريا طلب مفتيها الرسمي أحمد حسون في رسالة للبابا توضيحا لحديثه في ألمانيا.
وطالبت دول الخليج العربية البابا باعتذارات شخصية بشأن تصريحاته "التي أساءت للإسلام والرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -".
وجاء في بيان صدر عن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي أن "عملية الاقتباس الانتقائي الأحادي الجانب التي وردت في حديث بابا الفاتيكان تعبر عن عدم وعي واقتناع، ولذا فإن مجرد التوضيح الصادر عن الفاتيكان لا يكفي".
ودعت الأمانة إلى صدور "اعتذار واضح وصريح من قداسته مباشرة على ما صدر منه في محاضرته من مغالطات مسيئة وتطاول على الإسلام والنبي الكريم محمد".
وطالبت منظمة المؤتمر الإسلامي البابا بتوضيح موقفه فيما اعتبر العديد من الشخصيات المسلمة كلامه مسيئا للإسلام وطالبته بالاعتذار عنها.
وفي باكستان أقر البرلمان الباكستاني بمجلسيه اليوم الجمعة قرارا يندد بتصريحات البابا بنديكت السادس عشر وطالب بسحبها.
وتبنى مجلس الشيوخ الباكستاني قرارا يطالب بالاعتذار وقال المجلس إن تصريحات البابا أثارت "مشاعر المسلمين" وإن من شأنها "أن تسيء للوفاق بين الأديان".
ودعا البابا إلى الاعتذار عن قراءته الخاطئة للإسلام معربا عن رفضه للعذر الذي أبداه الفاتيكان حول أن البابا لم يكن يقصد الإسلام والجهاد.
واستدعت الخارجية الباكستانية السفير البابوي في إسلام آباد لإبلاغه أن "التصريحات المؤسفة المنسوبة إلى الباب تمثل إساءة كبيرة للمسلمين".
وانتقد العلامة محمد حسين فضل الله المرجع الشيعي الأعلى في لبنان اليوم الجمعة تصريحات البابا التي ربطت بين الإسلام والعنف.
كما طالب مدير دائرة الشؤون الدينية في تركيا الشيخ علي بردا كوغلو البابا بالاعتذار فورا عن كلامه "المليء بالحقد والضغينة". كما نادى بإلغاء زيارة البابا المرتقبة لتركيا بين 28 و30 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي الأردن اعتبر وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد الفتاح صلاح تصريحات البابا "مسيئة للغاية ومرفوضة"، مطالبا الفاتيكان "بتحديد موقفه من هذه التصريحات وبشكل فوري".
وأضاف "نستغرب كل الاستغراب أنها تأتي بعد مرحلة تم فيها الكثير من الإنجاز في مجال تعزيز حوار الأديان إبان حياة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الذي يؤمن مثلنا بضرورة التعايش السلمي بين الديانات والحوار فيما بيننا".
وقال رئيس مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني إن اعتذارا شخصيا من البابا هو فقط السبيل لإصلاح الإهانة العميقة التي لحقت بأكثر من مليار مسلم.
نائب عربي إسرائيلي
وندد العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي طلب الصانع بتصريحات البابا مشيرا إلى أن "المحرقة اليهودية حصلت في العالم المسيحي".
وصرح الصانع بأن "على البابا أن يتذكر أن الحربين العالميتين اللتين قتل خلالهما عشرات ملايين الأبرياء، وقعتا في العالم المسيحي".
وفي فلسطين أعرب الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي اليوم الجمعة عن استيائه البالغ لتصريحات بابا الفاتيكان التي تنطوي على الإساءة للإسلام ورسوله الكريم محمد وطالبه بسحبها والاعتذار عنها.
واستنكر التميمي في بيان "صدور هذه التصريحات عن أعلى مرجعية للكاثوليك في العالم خالف فيها أصول اللياقة والدبلوماسية، وخرج على منهج الكنيسة الكاثوليكية وسلفه الراحل البابا يوحنا بولس الثاني الذي يحث على التعايش السلمي بين الأديان".
ومن جانبه، أعلن رئيس أساقفة سبسطية للروم لأرثوذكس في القدس المطران عطا الله حنا "رفضه وشجبه واستنكاره" لأي تطاول أو مساس بالرموز الدينية الإسلامية.
وقال في بيان صحفي "إننا نرفض أي مواقف أو تصريحات من شأنها أن تذكي التطرف الديني ونرفض التطاول على أي ديانة ونعبر عن تعاطفنا وتضامننا مع إخوتنا المسلمين".
وفي القاهرة أعرب وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط عن مخاوف من أن تعرقل تصريحات بابا الفاتيكان الجهود الرامية إلى تحقيق التقارب بين الشرق والغرب.
وقال شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي إن هذه التصريحات تنم عن جهل واضح بالإسلام.
وفي إندونيسيا قال رئيس قسم الفتوى في مجلس علماء إندونيسيا معروف أمين، إن تصريحات البابا غير لائقة وتعبر عن موقف غير تسامحي.
وفي الهند قال رئيس اللجنة الوطنية الهندية للأقليات إن اللغة التي استخدمها البابا تشبه تلك التي استخدمها نظيره في الدعوة إلى الحروب الصليبية في القرن الثاني عشر.
وأكثر ما أثار الغضب في خطابه اقتباسه حوارا دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي و"مثقف فارسي" حول دور نبي الإسلام. وقال فيه الإمبراطور للمثقف "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد. لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف"
23- 8- 1427هـ
http://www.almokhtsar.com المصدر:
============
#بابا الفاتيكان يوجه انتقادات للإسلام قبل أيام من زيارته المرتقبة لتركيا
فيما أثارت التصريحات التي أطلقها البابا بنديكتوس السادس عشر حول الدين الإسلامي، شدد الناطق باسم الفاتيكان الخميس الاب فيديريكو لومباردي 14-9-2006 أن البابا يحترم الإسلام لكنه "حريص على رفض استخدام الدافع الديني مبررا للعنف" في رد على موجة الاستياء التي خلفتها في العالم الإسلامي تصريحات البابا خلال زيارته لألمانيا.
وكان البابا بنديكتوس السادس عشر خلال زيارته إلى ألمانيا تطرق إلى موضوع حساس جدا هو العلاقات مع الإسلام وعرض تأملات مشوبة بالحذر حيال ديانة أخذ عليها أنها لا تدين بالشدة المطلوبة العنف الذي يمارس باسم الإيمان وأن "المشيئة الإلهية" فيها منقطعة عن العقل.
ولم يسبق للبابا الذي جعل من الحوار بين الأديان إحدى أولويات بابويته، إن تطرق علنا وبهذا الوضوح إلى الإسلام. غير أنه لم يتردد غداة الذكرى الخامسة لاعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في إدانة "الجهاد" و"اعتناق الدين مرورا بالعنف" بلغة مبطنة، خلال حديث إلى أساتذة جامعيين وطلاب في راتيسبون جنوب ألمانيا.
واستند البابا الذي كان يشغل مقعدا لتدريس اللاهوت وتاريخ العقيدة في جامعة راتيسبون منذ 1969 إلى فكر أستاذ جامعي ليقيم تمييزا واضحا ما بين المسيحية والإسلام على صعيد العلاقة بين الإيمان والعقل، وقال "إن الله في العقيدة الإسلامية مطلق السمو ومشيئته ليست مرتبطة بأي من مقولاتنا ولا حتى بالعقل". وأقام مقارنة مع الفكر المسيحي المشبع بالفلسفة الإغريقية، موضحا أن هذا الفكر يرفض "عدم العمل بما ينسجم مع العقل" وكل ما هو "مخالف للطبيعة الإلهية".
وذكر مقطعا من حوار دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي و"فارسي مثقف". ويقول الإمبراطور للمثقف "ارني ما الجديد الذي جاء به محمد. لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف".
وكان البابا شدد صباحا في راتيسبون أمام حشد من المصلين ضم أكثر من مئتي ألف شخص وبدون أن يذكر ديانة معينة، على أهمية "أن نقول بوضوح بأي له نؤمن" في مواجهة "الأمراض القاتلة التي تنخر الديانة والعقل".(2/43)
وقد حرص بنديكتوس السادس عشر في كلمته على توضيح أنه يستعير تعابير وحجج آخرين، إلا أن كلمته أثارت العديد من التعليقات الأربعاء. وكتبت صحيفة "فرانكفورتر الغيماينه تسايتونغ" أن "البابا تطرق إلى مفهوم الجهاد ليظهر الفارق بين المسيحية والإسلام".
غضب في العالم الإسلامي:
وأثارت تصريحات البابا أوساطا شعبية وثقافية ورسمية في العالم الإسلامي، حيث ندد مدير قسم الشؤون الدينية في الحكومة التركية علي برداك اوغلو بتصريحات البابا بنديكتوس، وقال انه لا يرى أي مصلحة للعالم الإسلامي في قيام شخص لديه مثل هذه القناعات حول الإسلام بزيارة إلى تركيا.
ومن جهته، أعرب محمد مهدى عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر عن استنكاره واستهجانه لتلك التصريحات، وقال إنها لا تعبر عن فهم صحيح للإسلام بل هي اجترار للأفكار المغلوطة والمشوهة التي تتردد في الغرب.
وقال عاكف إنه "بينما تتعالى دعوات العقلاء لفتح قنوات الحوار بين الغرب والعالم الإسلامي بما يخدم القضايا الإنسانية العامة تأتى تصريحات بابا الفاتيكان لتصب النار على الزيت وتشعل غضب العالم الإسلامي كله..وتؤكد حجة القائلين بعداء الغرب سياسيين، ورجال دين، لكل ما هو إسلامي".
واستغرب المرشد العام أن تصدر مثل تلك الأقوال من شخصية تجلس على قمة الكنيسة الكاثوليكية ولها تأثيرها على الرأي العام في الغرب، ودعا المرشد العام بابا الفاتيكان إلى الاعتذار عن هذه التصريحات التي من شأنها أن تؤجج العداوات بين أتباع الأديان السماوية وتهدد السلام العالمي ودعاه إلى دراسة الإسلام دراسة منصفة بعيدة عن التعصب.
كذلك انتقد إعجاز احمد عميد الجالية الباكستانية في إيطاليا والعضو في اللجنة الاستشارية حول الإسلام التي أنشأتها الحكومة، في تصريحات لوكالة الأنباء الإيطالية "آمل الا يستخدم الإسلاميون الأصوليون هذا الكلام"، داعيا البابا إلى "سحب كلامه".
وقال إعجاز احمد إن "البابا في خطابه أغفل أن الإسلام كان مهد العلوم وان المسلمين كانوا أول من ترجم الفلاسفة الإغريقيين قبل انتقالهم إلى التاريخ الأوروبي"، وأضاف "أن العالم الإسلامي يعيش حاليا أزمة عميقة وأي هجوم من الغرب قد يؤدي إلى تفاقم هذه الأزمة".
وقال جيل كيبيل الخبير الشهير في الإسلام في مقابلة أجرتها معه صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية إن البابا "حاول الدخول في منطق النص القرآني" لكنه رأى أن النتائج "تنطوي على مجازفة لأن الخطاب قد يحمل قسما من المسلمين على التطرف".
وكان عالم اللاهوت المعارض هانس كونغ أكثر تشددا حيث رأى في تعليق أوردته وكالة الأنباء الألمانية أن "هذه التصريحات لن تلقى بالتأكيد ترحيبا لدى المسلمين وتستوجب توضيحا عاجلا".
http://www.alarabiya.net المصدر:
==============
#بابا الفاتيكان ينتقد الإسلام وتحذيرات من أزمة بين المسلمين والغرب
وجه البابا بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان انتقادات إلى العقيدة الإسلامية خلال زيارته إلى ألمانيا، عندما تطرق إلى موضوع حساس جدا هو العلاقات مع الإسلام وعرض تأملات مشوبة بالحذر حيال ديانة اخذ عليها أنها لا تدين بالشدة المطلوبة العنف الذي يمارس باسم الإيمان وان المشيئة الإلهية فيها غير مرتبطة بالعقل.
وقال بنديكت في محاضرة رئيسية في جامعة ريجينسبورج التي كان يدرس فيها علم اللاهوت بين عامي 1969 و1977 إن المسيحية ترتبط بصورة وثيقة بالعقل وهو الرأي الذي يتباين مع أولئك الذين يعتقدون في نشر دينهم عن طريق السيف. واستند البابا في تأملاته إلى فكر أستاذ جامعي ليقيم تمييزا واضحا ما بين المسيحية والإسلام على صعيد العلاقة بين الإيمان والعقل. وقال إن الله في العقيدة الإسلامية مطلق السمو ومشيئته ليست مرتبطة بأي من مقولاتنا ولا حتى بالعقل، وأقام مقارنة مع الفكر المسيحي المشبع بالفلسفة الإغريقية، موضحا أن هذا الفكر يرفض عدم العمل بما ينسجم مع العقل وكل ما هو "مخالف للطبيعة الإلهية".
وذكر بابا الفاتيكان مهاجما دين محمد - صلى الله عليه وسلم - مقطعا من حوار دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطى و"فارسي مثقف، إذ يقول الإمبراطور للمثقف أرني ما الجديد الذي جاء به محمد، لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف". وأضاف البابا الذي استخدم مصطلحات "الجهاد" و"الحرب المقدسة" في محاضرته "العنف لا يتفق مع الطبيعة الإلهية وطبيعة الروح". واقتبس البابا عدة مرات مجادلة الإمبراطور مانويل الثاني باليولوجوس بان نشر الدين عن طريق العنف غير منطقي وان العمل دون عقلانية يعتبر ضد طبيعة الخالق.
وكان البابا شدد صباحا في راتيسبون أمام حشد من المصلين ضم أكثر من مئتي ألف شخص وبدون أن يذكر ديانة معينة، على أهمية أن نقول بوضوح بأي اله نؤمن في مواجهة الأمراض القاتلة التي تنخر الديانة والعقل". ورغم الحديث عن حرص البابا بنديكتس السادس عشر في تأملاته على توضيح انه يستعير تعابير وحجج آخرين، إلا أن كلمته أثارت ردود فعل كثيرة الأربعاء والخميس. وكتبت صحيفة فرانكفورتر الغيماينه تسايتونغ الألمانية أن البابا تطرق إلى مفهوم "الجهاد" ليظهر الفارق بين المسيحية والإسلام".
وقال جيل كيبيل الخبير الشهير في الإسلام في مقابلة أجرتها معه صحيفة لا ريبوبليكا الايطالية أن البابا حاول الدخول في منطق النص القرآني لكنه رأى أن النتائج تنطوي على مجازفة لان الخطاب قد يحمل قسما من المسلمين على التطرف". وكان عالم اللاهوت المعارض هانس كونغ أكثر تشددا حيث رأى في تعليق أوردته وكالة الأنباء الألمانية أن هذه التصريحات لن تلقى بالتأكيد ترحيبا لدى المسلمين وتستوجب توضيحا عاجلا".
وفى إيطاليا انتقد إعجاز احمد عميد الجالية الباكستانية في ايطاليا والعضو في اللجنة الاستشارية حول الإسلام التي أنشأتها الحكومة، في تصريحات لوكالة الأنباء الايطالية آمل ألا يستخدم الإسلاميون الأصوليون هذا الكلام"، داعيا البابا إلى "سحب كلامه". وقال إعجاز احمد أن البابا في خطابه اغفل أن الإسلام كان مهد العلوم وان المسلمين كانوا أول من ترجم الفلاسفة الإغريقيين قبل انتقالهم إلى التاريخ الأوروبي، وأضاف إن العالم الإسلامي يعيش حاليا أزمة عميقة وأي هجوم من الغرب قد يؤدى إلى تفاقم هذه الأزمة".
واضطر الأب فيديريكو لومباردى المدير الجديد للمكتب الإعلامي التابع للحبر الأعظم إلى التحدث إلى الصحافيين ليوضح أن البابا لم "يشأ" إعطاء تفسير للإسلام يذهب في اتجاه العنف". غير أن بعض خبراء الفاتيكان رأوا أن البابا أراد على ما يبدو وضع شروط لحوار مع المسلمين قبل أسابيع قليلة من زيارته المقررة إلى تركيا بين 28 و30 نونبر. إلى ذلك قالت انغريد ماتسون رئيسة الجمعية الإسلامية لشمال أمريكا الأربعاء أن انتقادات البابا للإسلام "غير دقيقة وانتهازية".
وأوضحت انغريد في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية ان "الربط الواضح بين الإسلام وديانة تقوم على العنف أمر غير دقيق وانتهازي". وأضافت انغريد أن البابا "يستفيد من الظرف السياسي الحالي في مسعى لتسجيل نقاط دينية" مشددة على أن "الوقت غير ملائم للدخول في مثل هذه المسابقات، أن هدف القيادات الدينية يجب أن يكون قيادة رعاياهم إلى قيم أفضل وأسمى". وقالت انغريد ماتسون وهى أول امرأة تتولى رئاسة الجمعية الإسلامية لشمال أمريكا منذ بداية شتنبر "اشعر بخيبة أمل" إزاء تصريحات البابا.(2/44)
وتضم الجمعية في عضويتها حوالي 20 ألف عضو في الولايات المتحدة وكندا كما يتبعها 350 مسجدا ومركزا إسلاميا. وأضافت انغريد وهى أستاذة للدراسات الإسلامية في هارتفورد بولاية كونكتيكت "إذا بدأنا القيام بمقارنة بين العنف الذي ارتكب باسم الكنيسة الكاثوليكية وذلك الذي ارتكب باسم الإسلام فان هذه المقارنة ستأخذ الكثير من الوقت"، في إشارة إلى محاكم التفتيش التابعة للكنيسة ومعارضة الإصلاح والحروب الصليبية.
(14/9/2006)
http://arabe.menara.ma المصدر:
===============
#بابا الفاتيكان و" عدوى سب الإسلام "!
عبد الحق بوقلقول : الجزائر
من الواضح جداً أن الهجوم على الإسلام لم يعد "مهمة" ترسمها عقول الإستراتيجيين البروتستانت من المسيحيين المتصهينين، إذ أن الرحلة البابوية الأخيرة في الأسبوع الماضي والتي قادت حبر المسيحيين الأعظم إلى بلده الأصلي في ألمانيا، أظهرت أنه لا وجود لفرق كبير في وجهات النظر عند المسيحيين بوجه عام، فلا خلاف عند هؤلاء، سواء كانوا متدينين أو علمانيين، بأن الإسلام الذي كان دوماً غصة في حلوقهم، هو مشكلة كونية لا يمكن التعايش وفق عرفهم، معها بعد أن ثبت -ولقرون طويلة- عدم القدرة على هزيمتها و اجتثاثها بدءاً من أولى معارك الفتوح الإسلامية على تخوم الشام و بيزنطة مروراً بالحروب الصليبية التي حشدت لأجلها أوروبا كل مقدراتها وصولاً إلى هذه الحملة البوشية الشرسة التي لم يتورع رئيس أكبر دولة في العالم أن يسميها صراحة باسمها، قبل أن ينتبه من سكرة عنفوانه الديني المهووس بمنطق الانتقام فيصحح له مستشاروه كلامه و يحاولون عبثاً سحب ما قاله بدعوى الخطأ التعبيري و إن كانت الأحداث التي تلت ذلك خذلتهم و أثبتت دقة كلام كبيرهم.
ما يقع في الأعوام الأخيرة إذن لم يعد مجرد مشاعر "إسلاموفوبية" عابرة بمعنى أن الأمر أكبر من ذلك بكثير، فليس من الممكن أن نفسر كلام البابا بمفهوم آخر غير هذا الذي قاله؛ لأن الهجوم على الإسلام لم يعد يجري بطرق ملتوية وأساليب ماكرة تبطن من الشر و الحقد أكثر مما تُظهر، فهي اليوم أضحت تتم بكيفيات سافرة جلية، و لم يعد مُطلقوها يعيرون كبير اهتمام لمواقفنا بمعنى أنهم لم يصيروا مجبرين حتى على مراعاة ضوابط الخطاب الدبلوماسي وها هي انطباعاتهم عنا، تذاع عبر الأثير وتتخطفها كبريات الجرائد فتبرزها بأوسع المانشيتات بدعوى السبق والإثارة الإعلامية واحترام حرية الصحافة والرأي الآخر و الحق في الإعلام و ما إلى ذلك من مسوغات تبريرية، فالإسلام بات أخيراً مرادفاً للفاشية ثم أضحى قبل يومين، معاكساً للعقل و سبباً للعنف.
و بما أن الحال كذلك، فإن رواد هذا الوباء الجديد الذي يمكننا إجمالاً وصفه: "عدوى سبّ الإسلام"، تتمايز ثقافاتهم وأجناسهم ووظائفهم، وتتفق غاياتهم وعواقب أفعالهم وهم مع ذلك أيضاً، مُمْعِنون في التمادي على هذا والحق أنه من غير الممكن لأي كان أن يكتب مقالاً عن القضية من دون أن يجد نفسه مضطراً إلى السخرية بما أن المنطق المقلوب، على طريقة: "رمتني بدائها.."، بات يمنح الآخرين الحق في الانتقاص من الإسلام على الرغم من أنهم أنفسهم، يدركون أن ما يؤمنون به مليء بالهرطقة وحتى البلادة التي لا يقبلها الصغار فضلاً عن الكبار إلا أنهم - على الرغم من ذلك - يفضلون الهجوم على علمهم أنهم لا يحسنون الدفاع.هل يمكننا أن نركب نفس المنطق ونثبت لهذا القس الأعظم أن كلامه اعتمد على بناء غير مؤسس لا يليق بمكانته العلمية بغض النظر عن مكانته الروحية؟ أليس من حقنا أن ننساق وراء فعلته و نستعير منه التسطيح التنظيري فنجعله يستنتج وحده- أن عقيدته لا تقف على رِجل؟ كل هذا ممكن وميسور وفي وسع كل شخص أن يقوم به و لكن عائقاً وحيداً يقف في وجهنا: إن أخلاقنا والتعاليم التي أورثنا إياها آباؤنا على مر القرون و كابراً عن كابر، تمنعنا من أن ننجر عبر ذات المنطق فديننا أصلاً يعلمنا أنه يتوجب علينا ألا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن.
سوف نسلم أن الإسلام دين عنيف وأن إلهنا -الذي يشهد العقل قبل باقي الحواس أنه واحد أحد- لا علاقة له بالعقل "على رأي البابا" فهل في وسع حبر روما أن يطلعنا عن السبب الذي لأجله خرجت ملايين الناس من بين المسيحيين أنفسهم، على سلطان الكنيسة فأسسوا مذهباً جديداً ثائراً هو المذهب أو قل الدين، لأنه يخالف الكنيسة في أكثر مسلماتها- البروتستانتي؟ أم أن في وسعه أن ينكر أن الحروب الاستعمارية في العصور الحديثة، هي مجرد نسخ مطورة من تلك الحروب الصليبية التي باركها أسلافه في الكنيسة إلى حد أن أشهرهم وقتها، وهو بطرس الناسك، كان يجوب مدن أوروبا التي كانت ترزح تحت طبقات من الجهل والظلمات والأوبئة، حافي القدمين شاحذا النفوس لكي تهب وتفك الأرض 'المقدسة' من أيادي العرب المسلمين و كانت الألوف تسير وراءه حيثما حل و تنساق خلفه بعد أن كان القساوسة يعدونهم بكل صنوف الثواب الأخروي وحتى الديني بما أن الإقطاعيين أيضاً تعهدوا بالتغاضي عن ضرائب كل سائر في الحملة المقدسة؟
الأمثلة كثيرة و هي على تنوعها أغنى من أن يتم تناسيها؛ ففرنسا الاستعمارية مثلاً حينما قررت غزو الجزائر في العام 1830، رأى ملكها شارل العاشر أن الواجب الديني يلزمه بأن يأخذ الإذن ثم التباريك من قداسة البابا في روما قبل أن تكون أول مهمة يقوم بها رجاله حينما دخلوا العاصمة الجزائرية على جثث عشرات الألوف من أبنائها، أن يدمروا المساجد و يحولوا أكبر مسجد فيها -جامع كتشاوة- إلى كاتدرائية فضلاً على أن مستلزمات هذه الحرب المقدسة دوماً تطلبت من هؤلاء الجند أن يحولوا عدداً غير معلوم على وجه الدقة من المساجد إلى إسطبلات وأوكار للفساد! هل نسي البابا هذا أم تراه تناساه؟! إذ من غير المعقول أن نقبل التفسير التبليدي البسيط الذي يقول أن 'قداسته' أخطأ التعبير، بما أن هذا غير ممكن فالرجل كان يلقي محاضرة أكاديمية على مدرج الجامعة وبالتالي فإن النص المكتوب أمامه، خضع للمراجعة والتنقيح والضبط مثلما هي عادة كل بحث أكاديمي علمي يقدمه أستاذ و الرجل -أولاً وأخيراً- كان أستاذاً جامعياً للاهوت قبل أن يصير كبيراً للكاثوليك في العالم.
الواقع أن المنطق يقتضي منا أن نتساءل هنا عن السبب الذي وفقه، بات هذا الرجل الذي يفترض أنه أعلم الكاثوليك بالإسلام بحكم تكوينه كما قلنا أولا ثم بحكم منصبه، لا يتردد في أن يمعن في الخطأ، فليس مسموحا لدينا - نحن المسلمين - مثلا أن يتبوأ درجة الإمامة ويبلغ منصب العلم والفضل، من لا يعرف أبسط قواعد الأديان 'الكتابية' الأخرى وفق طريقة علمية تمنحه الحق فيما بعد، أن يكون مجادلاً بالحسنى وهنا يتعين علينا من جهة أخرى أيضاً، أن ننتبه إلى أننا - نحن المسلمين- اعتدنا التحرك بردود الأفعال، و منحنا الآخرين الحق في القول إننا استحلينا الخمول والقعود وهي حالة الكثيرين منا إلى درجة بات الآخرون لا يتعبون أنفسهم في سبيل لوم ديننا من الاستشهاد بواقعنا الذي لا يمت بكبير صلة إلى التعاليم التي يفترض أنها تحكم كل حركاتنا و سكناتنا.(2/45)
لقد حاول الكثيرون منا على مر السنوات الأخيرة أن يبينوا لغير المسلمين أن الفرق بين الإسلام وبين التخلف والعصبية والعنف شاسع ولكن الأمر ليس سهلاً؛ فاضطر أكثرهم في سبيل الذود عن الدين، إلى التبرؤ من بعض الأجزاء اللامعة المشرقة من تاريخه بدعوى نفي كل تهمة تلصق به، على الرغم من أن التاريخ يثبت أن طرائق التفكير والفعل تختلف وتتطور هي الأخرى، بمعنى أن ما كان أمراً عادياً فيما مضى، أضحى غير ممكن حالياً، وهذا كله في سبيل الربط بين الإسلام و المدنية الحديثة و إن كان الأََوْلى لنا أن نخضع المدنية للقيم الإسلامية لا العكس و بالتالي -وبما أن العكس هو الواقع- صرنا نلحظ مثلاً أنه حينما يقول غيرنا إن الإسلام هو دين العنف؛ فإننا نسارع إلى نفي ذلك إلى درجة أن بعضنا ربما ود أن كلمة 'الجهاد' ما وردت في الدين وهكذا فكلما قالوا لنا أن الإسلام هو مرادف الجهل، سارعنا إلى الاستشهاد بأسماء من وزن ابن رشد، ابن سينا، الفارابي، الرازي و غيرهم من الأعلام لكأننا نسعى إلى تذكيرهم بما تناسوه من التاريخ.
من حق الأمة أن تكون الأمور واضحة أمامها في هذا الوقت تحديداً فالمستهدف هنا هو الدين وكل الموروث الثقافي و الفكري و ليس من حقنا أن نتغافل عن حقيقة أننا و هؤلاء، نقف على طرفي نقيض من مرحلة الصراع من غير أن نكون نحن من أسس لهذا الواقع العالمي غير العادل بمعنى أننا لا نخشى الحوار و الجدال العقلي الصريح إلا أننا و في ذات الوقت، لا نرغب في أن نخلط بين ما هو واقع و ما هو مفترض. لقد استشهد بابا الفاتيكان بإمبراطور بيزنطة لكأن الرجل هو أحد أدوات الاستدلال العقلي و تناسى و لست أفهم كيف لم ينتبه أولئك الأكاديميون الذين كانوا يجلسون في مقابله إلى أن هذا الإمبراطور 'العظيم' كان يحارب و يقتل كل الشرقيين بلا استثناء و الدليل على ذلك أن الجيش الذي كان يقف على تخوم عاصمته المحاصرة، لم يكن يتشكل من المسلمين فقط، لقد كان من بين المحاصِرين أيضاً عدد كبير من المسيحيين الشرقيين الذين نالهم من صنوف 'عدالة' الكنيسة الغربية ما نالهم و ما تحفل به كتبهم إلى أيام الناس هذه.
لقد تحاشى 'قداسته' أن يعرج على ذكر اليهود مثلاً على الرغم من أن كل أجداده أجمعوا على أن دم يسوع في أعناقهم قبل أن يقدم سلفه على تبرئتهم منه في خطوة لها ما لها من المعاني على الرغم من أن كتبهم تقول أن يسوع إنما قتل ليفدي الناس بدمه من غير أن ينتبهوا، و لن نستدعي العقل هنا لأن له رأياً آخر، إلا أنه من المنطقي أن يقتص له من يدعي الإيمان به من قتلته أم أن الظروف العالمية لا تسمح بذلك بمعنى أن الدين يصطدم بالعقل في هذا العصر؟ أليست هذه مشكلة عقلية عويصة أيضاً؟
كنا نود أن ينتبه البابا إلى أن الإسلام لم يكن السبب الذي لأجله اندلعت حربان كونيتان قتل فيما ما لا يقل عن الثمانين مليون إنسان. كنا نود أن ينتبه البابا إلى أن الإسلام لم يكن عقيدة أولئك الذين قرروا قصف مدينة هيروشيما و ناغازاكي في الوقت الذي كانت اليابان تستعد للاستسلام. كنا نود أن ينتبه 'قداسته' إلى أن الذين يرمون آلاف الأطنان من الحبوب و كل صنوف المأكولات في البحار في الوقت الذي تموت فيه الملايين جوعاً، ليسوا من المسلمين. ما كنا نود أن نصير مضطرين والعالم تسوده هذه النبرة المتعجرفة التي تميز صناع الحروب و تجار النفط الملوث بدماء أطفال المسلمين عبر العالم، إلى أن نطلب من 'قداسته' أن يحاول استقراء التاريخ من موقع منصف و متوازن لأننا كنا سذاجة، نعتقد أن الحبر الأعظم هو أبعد الناس في الغرب، عن الوقوع في مرمى سهام عرابي المآزق و الكوارث الإنسانية. الحقيقة أننا كنا نتمنى هذا و لكن خطاب جوزيف راتزينغر سابقاً، بينيدكت السادس عشر حالياً، أثبت لنا أن كل شيء ممكن في منطق الحرب و المصالح العالمية التي لا تلتقي بالضرورة مع المصالح البشرية. فهل في وسعنا أخيراً أن نضرب أخماساً بأسداس و نقول إن الرجل هو فعلاً كما توقعته تقارير كثيرة نشرت حينما آلت البابوية إليه، رجل التقارب المسيحي اليهودي في أوروبا و أمريكا أو بعبارة أخرى:مُنَظر هرمجدون المنتظرة؟!
23/8/1427
16/09/2006
http://www.islamtoday.net المصدر:
=============
#القرضاوي والقطان في مواجهة بابا الفاتيكان
شيرين نصر**
الشيخ يوسف القرضاوي
لم يكد يمر عام على الإساءة التي وجهت إلى رسولنا الكريم محمد - صلوات الله وسلامه عليه- حتى أتت مأساة أفظع؛ وهي الإساءة مرة أخرى، وهذه المرة لم تكن من صحفي ولا جريدة بل صدرت من أكبر رجل دين في المسيحية، له مكانته العظيمة عند المسيحيين وكلمته التي لا ترد.
هذه الإهانات والإساءات التي يتعرض لها الدين الإسلامي ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - تتطلب وقفة من كل مسلم غيور على دينه، ويقع العبء الأكبر على الدعاة؛ حيث تقع على عاتقهم مهمة تحريك المسلمين في الاتجاه الصحيح والأمثل للرد على هذه الإساءات.
ومن هذا المنطلق جاءت خطب الجمعة اليوم 15-9-2006، منددة بما قاله بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان؛ فجاءت مطالبة باعتذار علني على ما صدر منه ضد ديننا وشريعتنا، ومحذرة من رد الفعل الذي سيقع من المسلمين في جميع أنحاء العالم.
عزتنا من عزة الله ورسوله:
حول هذا الأمر جاءت خطبة الدكتور يوسف القرضاوي اليوم من الدوحة؛ حيث استهل خطبته قائلا: "يبدو أننا المسلمون الذي بلغ عددنا مليارا ونصف المليار من البشر أصبحنا أمة من ورق ومن زجاج، نُرمى بالسهام والنبال من كل مشرق ومغرب ومن شمال وجنوب، فلم نفق من تلك الإساءة المتعمدة إلى نبينا محمد نبي الرحمة صلوات الله عليه، التي تمثلت في الرسوم الكاريكاتيرية التي قامت بها صحيفة دانماركية في العام الماضي وغضب لها العالم الإسلامي أجمع في كل مكان، ودافع عن نبيه محمد - صلوات الله وسلامه عليه- وعن الإسلام، وهذا من حقها؛ فالذليل هو من يقبل الذل، والأمة الإسلامية أعزها الله بالإسلام".
وأضاف فضيلته: "تشهد الأمة اليوم مأساة أخرى جديدة، لم يقم بها صحفي في جريدة..ولكن قام بها أعظم رجل دين في المسيحية، حبر المسيحية الأعظم، كما يسمونه بابا الفاتيكان، يهاجم الإسلام ودين الإسلام وعقيدته وشريعته، ونبيه- صلوات الله وسلامه عليه- بدون مبرر أو ضرورة تدعو إلى ذلك، فلن نقبل هذا".
وتساءل فضيلته: "هل أصبح دمنا مباحا؟! هل حمانا مستباح؟! هل استُحلت حرماتنا؟! وما الذي يحدث لأمة بهذا العدد؟ هل أصبحت غثاء كغثاء السيل، لا يحترمها أحد ولا يخافها أحد، فهذا الشيء لا يسكت عليه ولا يصبر عليه، فهذا الذل لا يقبله الإسلام، فنحن أمة عزيزة أعزها الله بالإسلام، وعزتنا من عزة الله وعزة الإسلام، فنحن نفخر برسالة محمد ونشرف بها، وعبادتنا لله وحده، ونركع ونسجد له؛ فلم يراع بابا الفاتيكان لهذه الأمة حرمة، وقال ما قال في محاضرة في إحدى جامعات ألمانيا".
رسالتنا عالمية خالدة
بابا الفاتيكان(2/46)
وأكد القرضاوي أنه لن يرد على البابا في هذه الخطبة، ولكنه سيرد عليه في برنامج "الشريعة والحياة"، وكشف فضيلته عن ملابسات الأمر قائلا: أثار البابا نقطة على لسان إمبراطور بيزنطي في القرن الرابع عشر الميلادي مع مثقف مسلم فرنسي؛ فردد ما قاله الإمبراطور البيزنطي للمثقف المسلم وهو "ما الجديد الذي جاء به محمد نبيكم غير ما أتى في المسيحية واليهودية، أرني ما الجديد الذي جاء به محمد؟ لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف".
واستنكر فضيلته ترديد البابا ما جاء على لسان الإمبراطور، ثم توقف ولم يعقب عليه، ولم يأت برد المثقف المسلم، فهذا يعني أنه موافق عليه، وكان من الأمانة أن يأتي بكلام المثقف المسلم، وإلا لم يكن هذا حوارا.
ويرد القرضاوي على هذه الافتراءات قائلا: "فنحن نقول لبابا الفاتيكان: إن محمدا جاء برسالة عظيمة امتازت بالشمول، وامتازت بالعالمية والخلود؛ لأنها جاءت بالدنيا والآخرة {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.
مطلوب اعتذار علني:
ومن المنامة جاءت خطبة الشيخ عدنان عبد الله القطان مطالبا بالاعتذار العلني عن هذه الهجمات؛ لأنها صدرت من رموز مؤثرة؛ بل إن لهم أو لبعضهم ارتباطا بالسياسيين وصناع القرار؛ بل إن هذه الإساءة والاتهامات والإهانات تم نشرها على أوسع نطاق عبر قنوات عالمية واسعة الانتشار.. وحذر فضيلته من عواقب هذه الحملات التي لا يعلم مدى تأثيرها إلا الله - عز وجل -.
وأكد أن الإساءات أصبحت متتابعة ومتكررة، تثير مشاعر المسلمين في العالم، ومن المؤسف أنها تصدر من رجال ينتسبون إلى دينهم وكنائسهم؛ بل إلى رجالات الإعلام والسياسة، ويقف وراءه بعض من كبار المشاهير من رجال الدين والفكر، واتهموا نبينا بالكذب والجنون والسرقة وقطع الطريق وسيئ الأفعال، ووصفوا ديننا بأنه خدعة كبرى.. فلِمَ كل هذا؟.
وأضاف الشيخ عدنان: "إن هذه المحاولات من التشويه والدس والأكاذيب والإثم إنما تسيء إلى العلاقات بين الشعوب، وتبث بذور الكراهية، وتنشر أبشع صور الكراهية بين الشعوب. إن أمة الإسلام التي فاقت أعدادها ربع سكان العالم وتعيش في 54 دولة تقيم في 120 مجتمعا بشريا.. هذه الأمة بثقلها تستنكر هذه الهجمات، وهذه الافتراءات الآثمة، وتؤكد أن السماح بانتشار مثل هذه الهجمات يساعد على إفشاء الصراع، ونشر البغضاء، ويؤدي إلى عواقب وخيمة".
ودعا فضيلته كل طالب للحقيقة إلى قراءة ديننا جيدا من سيرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وليعلم طالب الحقيقة أن المسلمين يكفيهم شرفا أنه يحرم عليهم الانتقاص من أنبياء الله.
------------------------------------------
** صحفية مصرية.
http://www.islam-online.net المصدر:
=============
#العودة يدعو إلى "غضبة إسلامية" ضد بابا الفاتيكان
عبد الله الرشيد
دعا فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم ـ إلى "غضبة إسلامية" قوية ضد بابا الفاتيكان الذي أساء للإسلام في محاضرته التي ألقاها بجامعة رتيسبون الألمانية.
وكان من بين تصريحات البابا، قوله بأن "الإسلام لا يدين العنف بالشدة المطلوبة، وأن المشيئة فيه منقطعة عن العقل، واستشهد بحوار بين إمبراطور بيزنطي مع مثقف فارسي حيث قال الإمبراطور للمثقف: أرني ما الجديد الذي جاء به محمد، لن تجد فيه إلا أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين الذي يبشر به بحد السيف".
ولم يستغرب الشيخ سلمان تصريحات البابا بنيديكت السادس عشر المسيئة للإسلام، مشيراً إلى أن الدراسات كثرت حول ماضي البابا المتشدد والمتطرف الذي بدأ حياته البابويه بتصريح يقول فيه: "إن اليهود أخوة أعزاء. بينما لم يشر للمسلمين لا من قريب ولا من بعيد".
وأكد الشيخ سلمان على أن ما قاله البابا كان مرتباً ومدروساً ومخططاً له، ولم يكن زلة لسان أبداً، "فهو يلقي خطابه في جامعة أكاديمية حول العقل والمنطق، وكأنه لم يجد الجرأة في مهاجمة الإسلام ونبيه بشكل مباشر، فاستعار هجوماً لإمبراطور بيزنطي في القرن الرابع العاشر في حوار مع أحد المثقفين الفارسيين وكان هذا الحوار يتم في مقربة من القسطنطينية حيث يفترض أن البابا سيزور تركيا قريباً، وكأنه يمهد لمثل هذه الزيارة".
وقال الشيخ سلمان إن البابا أراد أن يعبر عما في نفسه من حقد على الإسلام باستشهاده بمثل هذه الأقوال القديمة التي لا معنى لها في السياق، "فهو لم يستطع أن يسب الإسلام بنفسه صراحة فاستعار مسبة إمبراطور بيزنطي في القرن الرابع عشر وأعلنها وكررها أكثر من مرة".
وانتقد الشيخ سلمان ما طرحه البابا من أن النبي - عليه الصلاة والسلام - يُكره الناس على الإسلام بالسيف، مؤكداً أن هذا الكلام بعيد عن العلمية والموضوعية وهو عار حين يصدر من أكبر شخصية دينية مسيحية، بينما جميع المسلمين متفقين على أنه لا يقبل دين من دخل الإسلام مكرهاً مرغماً.
وقال الشيخ سلمان: "لماذا نواجه بسوء الظن حين ننتقد هؤلاء، إن لم يكن كلامهم متعمداً في الهجوم على الإسلام فعلى ماذا نفهمه".
وأضاف: "كيف يلمح بابا الفاتيكان إلى أن المسلمين هم صانعوا الإرهاب في العالم، بينما أتباع المسيحية هم الذين اعتدوا على كل بلدان العالم الإسلامي، فمن الذي غزا أفغانستان، ومن الذي احتل العراق، ومن الذي قال إنها حرب صليبية ؟!
إن تصريحات البابا هي محاولة لوضع غطاء ديني للبغي والعدوان السياسي الذي تمارسه الإدارة الأمريكية على المسلمين".
وأكد الشيخ العودة أن تصريحات البابا لا يمكن أن تمر مرور الكرام، "فالمسلمين انتصروا لنبيهم محمد - عليه السلام - لما اعتدى عليه الرسامون الدانمارك، فلابد من غضبة إسلامية سلمية عامة على مستوى الأصعدة من الحكومات والجماعات والأفراد ضد لغة البابا العنصرية البغيضة".
23/8/1427 2: 8
16/09/2006
http://www.islamtoday.net المصدر:
===============
#فتك باباواتنا .. وفتك ( بابا الفاتيكان ) !!
حين يتهجم رأس الكنيسة العالمية على الإسلام والمسلمين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا شأن أراه طبيعيا؛ لأنه يقف مع الإسلام في حالة خصام، وهو تلوح بين عينيه الحروب الصليبية التي قادتها الكنائس العالمية، وكان طابعها ديني محض، وإشراف قليل على ما فعلوا في العالم الإسلامي يقنعهم هم قبل إن يقتنع غيرهم بمن هو " الإرهابي " الذي غاصت قوائم خيوله في دماء الأبرياء من المؤمنين في القدس والشام ومصر وما حولها..
إن من البلايا الكبيرة أن يتحدث نصراني عن " العقل والمنطق "، فأي عقل وأي منطق في الدين النصراني المحرف، فكيف يكون الثلاثة واحد، والواحد ثلاثة إلا في عقول المخرفين الذين لم يستنيروا بنور الوحي والعقل، وأي منطق يسعف من يرى أن إلهه قتل ابنه حتى يخلص الآثمين من آثامهم، فهو كالذي غضب على زوجته فقطع ذكره.. !(2/47)
لا أستغرب إن يصدر من بابا الفاتيكان ما هو أشر من هذا وأشنع، فقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، ولكني أعجب حين يكون هدي " القران " ومنهج محمد - صلى الله عليه وسلم - ما هو إلا تعاليم شريرة قليلة، فأصبح الإسلام الشامل لتفاصيل الحياة دقيقها وجليلها تعاليم شريرة، بينما صارت النصرانية المحرفة هي الدين الذي يخالف العقل والمنطق... مع أن الدين النصراني " الروحاني " هو الذي أسس للعلمانية التي تجعل الدين منزويا في الكنائس، لا يعرفون منه إلا قرع الأجراس، وتعميد الصبية، وأكل الخبز وشرب الخمر، فوجدت " العلمانية " التي أشقت الناس المجتمع النصراني خاويا من كل تشريع مدني، لأن دينهم ليس دينا شموليا يأتي على تفاصيل الحياة.. بل هو دين هلامي لا يرى الروح ولا النفس، ولا يحل مشكلات الواقع، بل هو إلى الخرافة أقرب منه إلى العقل والمنطق!
لا أستغرب هذا أبدا من رجل يسب الله حين يعتقد بأنه ثالث ثلاثة، أو إن له ولد، " تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا "، فمن يقول هذا يقول ما هو أقل منه من سب الإسلام وتعاليمه، ولكن العجب كل العجب من " باباواتنا " الذين بصموا على كلام البابا، وأيدوه، وجعلوا كلامه فرصة لتبيين حقيقة الموقف من الإسلام، وهم قد رضعوا مناهجه في تعليمهم، وخالطوا أهله، ولكنهم يقومون بالإنابة لهدم قيم الإسلام وشرائعة حين يتهمونه بأنه " انتشر بالسيف "، ولا يقصدون انتشار الإسلام بالسيف بمعنى " الجهاد " الذي يزيل الطواغيت التي تحول دون المسلمين ودون أن يسمعوا الناس هداية الله، ولكنهم يقصدون بانتشار الإسلام " بالسيف " إكراه الناس على دين لا يوافق العقل، والتاريخ يشهد على طوله، وكثرة معارك المسلمين أنهم لم يكرهوا أحدا على الدخول في الإسلام، بل الإسلام ينساب إلى نفوسهم كالماء الرقراق العذب، فيجدوا فيه لذة لا يجدونها في أي دين غيره، بل أمن " النصارى " في بلاد المسلمين وتعايشوا مع أهل الإسلام مالم يأمنوا في بلادهم الأصلية بلاد بني الأًصفر؟ فأي سيف يتحدثون عنه؟؟
إن بليتنا الكبرى في مثل " عبده خال " ومن حذا حذوه من الكتّاب الذين لم يدركوا أنهم يصادمون صخرة الإسلام، الذي أعيا المناطقة والفلاسفة، ووجدوا فيه توافقا بين العقل والنقل، وتمازجا بين الروح والمادة في تعاليمه، وشمولية من غير تناقض، فلم يجدوا إلا المخاتلة بالألفاظ، والتعميم في الأحكام، بمثل قولهم: إن الإسلام انتشر بالسيف، وأنه لا يقبل تطبيق العقل في النص، ولا أدري أين هو تراث المسلمين الذين جعلوا للعقل مكانته الحقيقية من غير إفراط ولا تفريط، وأين هي قراءة منهج المحدثين في نقد متون السنة، وأين هي القواعد العقلية التي قعدها علماء المسلمين على مدار التاريخ، وأين هي حركة الفقه الكبيرة، والاجتهاد في أبواب العلم والمعاملات، في تراث لم تعرف البشرية مثله؟ وأين هو عن مدونات الفقه التي لم تترك شاردة ولا واردة إلا وذكرت لها حكما، وأين هو عن " منهج القرآن " الذي دلل على قضايا الاعتقاد والغيب والنبوة والألوهية بأدلة عقلية، واثنى على أهل العقول وأشاد بهم في مواضع كثيرة.. وكثيرة جدا!
إن خذلان الإسلام يأتي من دعاة على أبواب جهنم، وهم أشد فتكا به من " بابا الفاتيكان " الذي أخرج خبيئة نفسه، ثم جعلها أسئلة مشروعة تحتاج لإجابات..، فإن كان بابا الفاتيكان قد عاش في كنيسته وصومعته بين كتب لا تساوي خروج الحمير، فكيف بمن تربى حول البيت العتيق، ورضع من منهج الإسلام، ثم ينقلب عليه ويلمزه، ولا أخاله إلا خال من كل شيمة وعلم وعقل...والله المستعان!
16-9-2006
http://alsaha.fares.net المصدر:
=============
#عندما يكشف بابا الفاتكان عن عقليته الصليبية
طريف السيد عيسى
وبعد كل ذلك يخرج علينا بابا الفاتكان ليتهجم على خاتم الأنبياء والرسل - صلى الله عليه وسلم -، متجاهلا تاريخ قومه الأسود الذي تفوح منه رائحة الدم والقتل والمجازر.. وإن الذي ينال من الأديان ورموزها هو شخص معتوه فاقد للقيم الأخلاقية.إن حملاتكم الاستفزازية لن تزيد المسلمين إلا استمساكا بالحق واعتصاما به.
طالعتنا وسائل الإعلام مؤخرا حول ما نطق به بابا الفاتكان بينيد يكت السادس عشر خلال محاضرة له في ألمانيا، حيث نقل كلاما لأحد الكتاب النصارى، والذي جاء فيه: محمد لم يأت إلا بما هو سيء وغير إنساني.
ونحن نعلم أهداف البابا لنقله هذا الكلام، ولكن نطرح على البابا أسئلة ملحة، طرحت في الماضي ونطرحها اليوم: لماذا يزكي روح الفتنة بابا الفاتكان؟ ما هي أهداف البابا من نقله لهذا الكلام؟ أين مصداقية البابا في دعوته للحوار بين الأديان؟ هل البابا يؤكد من جديد حنينه للعقلية الصليبية؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب صريح وواضح، لأنه لم يعد مقبولا دعوة علماء ومفكري المسلمين إلى حوار الأديان، بينما نجد علية القوم من النصارى كل يوم يردون علينا بالاستفزاز والنيل من عقيدتنا واستباحة أراضينا وتدميرها والاعتداء على أعراضنا، ثم يذهب كبيرهم الذي علمهم السحر إلى أحد مساجد المسلمين، ظنا منه أن ذلك كاف لتبرير سلوكه وتصريحاته الخطيرة.
لسنا ضد الحوار، ولكن لا يعني الحوار أن يتمادى بعض النصارى في غيهم وغطرستهم واستفزازهم لنا، وهم يعلمون أن هذا الاستفزاز ليس في مصلحتهم ولا في مصلحة المسلمين. مطلوب اليوم من علماء الأمة وقفة واضحة وشجاعة لتوضيح الأمور وفضح السياسات الصليبية القديمة والحديثة ودونما مواربة، وإلا فإن صمت العلماء يعتبر مريبا وغير مبرر وغير مفهوم.
إن هذه التصريحات وغيرها تؤكد أن كل مؤتمرات الحوار ذهبت أدراج الرياح، وعلى دعاة الحوار أن يعيدوا حساباتهم مرة أخرى، ويمعنوا النظر في تلك التصريحات التي تصدر عن بابا الفاتكان، مطلوب من علماء الأمة البيان والتوضيح وأن يؤدوا الأمانة والرسالة المنوطة بهم، فيحذروا الأمة من العقلية الصليبية الجديدة.
لا يعني كلامنا هذا أننا ندعو لقتال النصارى وشن الحرب عليهم، ولا يعني أيضا أننا نضع النصارى كلهم في سلة واحدة أبدا، فنحن نفرق بين المسالم الذي يحترم عقائد الآخرين وبين الاستفزازي الذي يعمل على إذكاء نار الحرب والفتنة، فهؤلاء لابد من الوقوف بوجههم، ونرد عليهم بنفس الأسلوب الذي يستخدمونه، فإن كان استفزازهم بالقلم فنرد عليهم بالقلم، وإن كان استفزازهم باللسان فنرد عليهم باللسان، وإذا كان استفزازهم بالسلاح والقتل فنرد عليهم بنفس الأسلوب أيضا، لأننا عندها نستخدم حقنا الطبيعي في الرد على هؤلاء.
ونحن المسلمين لدينا دستور واضح للتعامل مع الآخر النصراني وهذا الدستور ذكره الله - تعالى - في القرآن الكريم، حيث قال الله - تعالى -: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم. ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"، سورة الممتحنة آية 8-9.
فالتعامل معهم، قائم على البر والقسط والإحسان، إلا إذا أعلنوا الحرب والعداء، فهنا أصبح لنا الحق الكامل بالمبادرة لقتال كل من أعلن الحرب علينا.(2/48)
إنني في هذا الموضوع لن أتطرق إلى ما أمرتنا به الشريعة الإسلامية من حسن التعامل مع أهل الكتاب، فهذا متروك لمقام آخر، ولكنني بصدد الرد على كل هذه التصريحات الاستفزازية لنبين التاريخ الأسود والمخزي للصليبية التي استباحت بلادنا وعقيدتنا، لنفقأ عيون أولئك الذين يتهجمون على عقيدتنا، ونكشف للبشرية ماذا فعلوا بنا في الماضي، وماذا يفعلون بنا في الحاضر.
وسوف أستشهد بمؤرخيهم وكتابهم ودساتيرهم، التي لا يستطيعون نكرانها، وكي تكون شاهدا على إجرامهم وعقليتهم السوداوية عبر التاريخ.
1ـ منذ فترة صدرت دراسة لباحث نصراني مصري، وهو الدكتور نبيل لوقا بباوي تحت عنوان "انتشار الإسلام بحد السيف بين الحقيقة والافتراء"، ومما جاء في الدراسة:
ـ يعتبر الإسلام دين سماوي، وخطأ بعض أفراده لا تمت إلى تعاليم الإسلام بصلة.
ـ في المسيحية تناقض رهيب بين تعاليمها الداعية إلى المحبة والتسامح والسلام وبين ما فعله بعض المسيحيين من قتل وسفك للدماء والاضطهاد والتعذيب بحق مسيحيين آخرين.
ـ هل ينسى المسيحيون ما قام به الكاثوليك في عهد الإمبراطور دقلديانوس، الذي تولى الحكم عام 248م، ففي عهده تم تعذيب الأرثوذكس في مصر، حيث ألقوا في النار وهم أحياء، كما تم رمي جثثهم للغربان لتأكلها، وإن عدد الذين قتلوا في عهده يقدر بحوالي مليون مسيحي، كما تم فرض الضرائب الباهظة عليهم، مما جعل الكنيسة القبطية في مصر تعتبر ذلك العهد عهد الشهداء وبه أرخوا التقويم القبطي تذكيرا بالتطرف المسيحي.
ـ في حين وجدنا من المسلمين التسامح وحرية العقيدة وحرية التحاكم لدستورنا المسيحي، مما يؤكد أن الإسلام لم ينتشر بالسيف كما يزعم البعض.
ـ ويتساءل لماذا يقوم بعض المسيحيين بتضخيم بعض الأخطاء التي ارتكبت بحق بعض المسيحيين من قبل بعض الأفراد المسلمين، بينما هؤلاء المسيحيون يغمضون أعينهم عن المذابح والجرائم والمجازر التي حدثت من جانب المسيحية.
ـ إنني أؤكد وبناء على دراستي للتاريخ، أننا لم نجد أرحم من المسلمين وهذه هي الحقيقة.
2ـ يقول المؤرخ المسيحي فيدهام: أين المسيحيون من مذبحة باريس بتاريخ 24-8-1572م، والتي قام بها الكاثوليك ضد البروتستانت، وذهب ضحيتها عشرات الألوف حتى امتلأت شوارع باريس بالدماء. هل ينسى المسيحيون أن محكمة الكنيسة عام 1052م هددت بطرد المسلمين من أشبيلية إذا لم يقبلوا بالديانة المسيحية، ومن خالف ذلك يقتل.
إن الحروب بين المسيحيين ملئت بالفظائع، لأن رجال اللاهوت كانوا يصبون الزيت على النار.
ارتكبت خلال القرن الثاني عشر والثالث عشر أفظع المجازر ضد الكثاريين والوالدنس، وهذه المجازر حصدت مئات الألوف من الرجال والنساء والأطفال.
وينقل عن المؤرخ وليم جايس أن العالم لم يعرف الاضطهاد الديني قبل ظهور الأديان الموحدة، لقد كانت المسيحية في الواقع أول مذهب ديني في العالم يدعو للتعصب وإفناء الخصوم.
هل ننسى محاكم التفتيش التي أنشأت عام 1481م، وخلال أعوام قتل أكثر من 340 ألف، وهناك ألوف تم حرقهم وهم أحياء.
وينقل عن بريفولت أن المؤرخين يقدرون عدد الذين قتلهم المسيحيون في أوربا خلال فترة قصيرة أكثر من 15 مليون إنسان.
3ـ يذكر حنا النقيوس في كتابه تاريخ مصر:
ـ في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين للفترة من 274م- 337م، تم تدمير المعابد النصرانية وأحرق المكتبات وسحل الفلاسفة وقتلهم وأحرقهم.
ـ قاد بطريرك الكنيسة المصرية تيو فيلوس 385م- 412م حملة اضطهاد ضد الوثنيين، فقضى على مدرسة الإسكندرية ودمر مكتبتها ومكتبات المعابد، كما تم قتل وسحل وحرق الفيلسوف وعالم الفلك والرياضيات اناتية، كما تم تحطيم كل محتويات المعابد.
4- وإلى الذين يتبجحون بأن الإسلام انتشر بالسيف، فننقل لهم ما ذكره المؤرخ النصراني فيليب فارج والمؤرخ يوسف كرباج في كتاب "المسيحيون في التاريخ الإسلامي العربي والتركي" صفحة 25، 46، 47: كان عدد سكان النصارى واليهود في مصر إبان خلافة معاوية حوالي 2500000 نسمة، وبعد نصف قرن أسلم نصف هذا العدد في عهد هارون الرشيد بسبب عدالة وسماحة الإسلام.
5- أقوال المؤرخين والمستشرقين، ومنهم من رافق الحملات الصليبية:
- يقول المستشرق والمؤرخ السير توماس أرنولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام: إنه من الحق أن نقول إن غير المسلمين قد نعموا بوجه الإجمال في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح لا نجد لها معادلا في أوربا.
- يقول العالم النصراني كيتانين:إن انتشار الإسلام بين نصارى الشرق كان نتيجة الاستياء من السفسطة المذهبية الهيلينية، فتم تحويل تعاليم المسيح - عليه السلام - إلى عقيدة محفوفة بالشكوك والشبهات، مما أثار الشعور باليأس وزعزع أصول العقيدة حتى أصبحت خليطا من الغش والزيف وسادها الانقسام، فجاء الإسلام ببساطة ثقافته وعقيدته، فأزال كل الشكوك، وقدم مبادئه بكل بساطة، فترك قسم كبير النصرانية واعتنقوا الإسلام.
- يقول المؤرخ اللبناني الدكتور جورج قرم في كتابه تعدد الأديان ونظم الحكم: إن فترات التوتر والاضطهاد لغير المسلمين في الحضارة الإسلامية كانت قصيرة جدا وسببها عدة عوامل، وبالدقة كان الاضطهاد في عهد المتوكل الذي كان ميالا للتعصب وعلى عهد الحاكم بأمر الله، ولكن للإنصاف نقول: إن الاضطهاد لم يخص النصارى بل شمل حتى المسلمين، وهناك عامل آخر، وهو الظلم الذي مارسه بعض النصارى الذين وصلوا إلى مناصب مهمة في الدولة الإسلامية، وعامل ثالث يرتبط بفترة التدخل الأجنبي في البلدان الإسلامية ـ حيث قام الأجنبي بإغراء الأقليات غير المسلمة، واستدراجها للتعاون معه ضد الأغلبية المسلمة، وتجلى ذلك من قبل القبط في مصر ونصارى سورية، ويؤكد كلام الدكتور جورج ما قاله كل من جب و بولياك.
- يذكر الجبرتي في عجائب الآثار في التراجم والأخبار: لقد استقوى نصارى الشام بالقائد التتري كتبغا، وانحازوا للغزاة ضد المسلمين وتحولوا إلى أداة إذلال واضطهاد للمسلمين، وأحضروا فرمانا من هولاكو ورشوا الخمر على المسلمين وصبوه في المساجد وخربوا المساجد والمآذن، ولم يتوقف الأمر أيام التتر، بل تجدد أيضا أيام حملة نابليون بونابرت، حيث أغوى النصارى فوقع في حبل الخيانة بعض أقباط مصر، فقام المعلم يعقوب حنا بتشكيل فيلق قبطي بزي الجيش الفرنسي من أجل محاربة مسلمي مصر، وحصلوا على موافقة من نابليون لإبادة المسلمين في مصر.
ـ وجاء في القوانين المجرية، والتي ذكرها لستيغا نودي فريس في كتاب القانون الدستوري الصفحات 135، 148، 157:
مادة 46، كل من رأى مسلما يصوم أو يأكل على غير الطريقة المسيحية أو تمنع عن أكل لحم الخنزير أو يغتسل قبل الصلاة أو يؤدي شعائر دينية، وأبلغ السلطات بذلك، يعطى له جزء من أملاك هذا المسلم مكافأة له.
مادة 47، على كل قرية مسلمة أن تشيد كنيسة وأن تؤدي لها الضرائب المقررة، وبعد الانتهاء من تشييد الكنيسة يجب أن يرحل نصف مسلمي القرية، وبذلك يعيش النصف الآخر معنا كشركاء في العقيدة، على أن يؤدوا الصلاة في كنيسة يسوع المسيح الرب بطريقة لا تترك شبهة في اعتقادهم.
مادة 48، لا يسمح للمسلم أن يزوج ابنته رجلا من عشيرته، وإنما يتحتم أن يزوجها رجلا من الجماعة المسيحية.
مادة 49، إذا زار شخص ما مسلما، أو إذا دعا مسلم شخصا لزيارته فيجب أن يأكل الضيف والمضيف معا لحم خنزير.
يذكر كل من ستيفن رنسيمان، غوستاف لوبون، الراهب روبرت، والكاهن أبوس في كتبهم ما يلي:(2/49)
في أحد الأيام، اقتحم قومنا بيت المقدس الذي لجأ إليه المسلمون، فقاموا بقتلهم جميعا حتى كنا نخوض بالجثث والدماء إلى الركب، وإن ريتشارد قلب الأسد ذبح 2700 من أسرى المسلمين في عكا، ولم يكتف وجنوده بذلك، بل قاموا بقتل زوجات وأطفال الأسرى، إن قومنا كانوا يجوبون الشوارع والبيوت ليرووا غليلهم بقتل المسلمين، فكانوا يذبحون الرجال والشباب والأطفال والنساء، بل إنهم كانوا يبقرون البطون، إننا كنا لا نرى في الشوارع سوى أكداسا من جثث المسلمين، إن هذا لم يحصل في القدس فقط بل في كل بلد وصلناها، ففي معرة النعمان قتل جنودنا حوالي مائة ألف مسلم.
6ـ نقلت صحيفة الأهرام المصرية بتاريخ 6-3-1985 كلاما للبابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، جاء فيه: إن الأقباط في ظل حكم الشريعة الإسلامية يكونون أسعد حالا وأكثر أمنا، ولقد كانوا في الماضي كذلك حينما كان حكم الشريعة هو السائد، فنحن نتوق إلى أن نعيش في ظل "لهم مالنا وعليهم ما علينا"، فمصر تجلب القوانين من الخارج وتطبقها علينا، فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة ولا نرضى بقوانين الإسلام.
7- عندما تهيأ جيش الغزو الإيطالي الصليبي لغزو ليبيا، كان شعاره الصليب، وكان بابا الفاتكان بلباسه الكهنوتي يقف بإجلال أمام الجيش، ثم يقبل الصليب ويبدأ الجنود بالإنشاد، قائلين: أماه لا تحزني.... أماه لا تقلقي.... أنا ذاهب إلى طرابلس.... فرحا مسرورا.... لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة.... ولأحارب الديانة الإسلامية.... سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن.
- هل ينسى بابا الفاتكان تصريح بوش في أحد مؤتمراته الصحفية عندما قال: إنها حملة صليبية.
- هل ينسى بابا الفاتكان تصريحات رئيس وزراء إيطاليا عندما قال: إن الإسلام يدعو للعنصرية، وهو دين الإرهاب.
- وكتب الصحفي ديفيد سيلبورن مقالا تحت عنوان: "هذه الحرب ليست ضد الإرهاب، إنها ضد الإسلام".
- كتبت مجلة ناشونال ريفيو مقالا تحت عنوان: "إنها الحرب، فلنغزهم في بلادهم، ومما جاء في المقالة، علينا غزوهم في بلادهم وقتل قادتهم وإجبارهم على التحول إلى المسيحية.
- وجاء في المقالة الأسبوعية لنيويورك تايمز بتاريخ 7-1-2001: إنها حرب دينية.
- ذكرت منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية حرب الإبادة التي تعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك وكوسوفو، حيث ذكرت تلك التقارير: اغتصاب أكثر من 50 ألف مسلمة، تم زرع نطف الكلاب في أرحام المسلمات. تدمير 614 مسجدا بالكامل. تدمير 534 مسجد تدميرا جزئيا. تدمير مئات المدارس الإسلامية. ولا يمكن نسيان المجازر الجماعية مثل سربنيتشا وغيرها، والتي تمت تحت مرأى ومسمع هيئة الأمم المتحدة وقواتها ومنظمات حقوق الإنسان.
- هل يريد بابا الفاتكان أن ينسينا حضارة أوربا وأمريكا في العراق، حيث عبروا عن رقيهم وإنسانيتهم، عندما اعتدوا على النساء والرجال في سجن أبو غريب.
- عرضت القناة الأولى الألمانية تقريرا في برنامجها الأسبوعي بانوراما بتاريخ 24-6-2004، والذي أعده جون جوتس وفولكر شتاينيهوف، عن دور بعض الطوائف التنصيرية في العراق، جاء فيه: سيكون العراق مركز الانطلاق للحرب المقدسة.
- جاء في نيويورك تايمز بتاريخ 14-4-2004: إن عزم بوش للبقاء في العراق هو حماس المبشر الديني.
- نقلت وكالة الأسو شيتد برس يوم 12-4-2004 من خطبة لقسيس في الجيش الأمريكي، ألقاها في يوم الفصح في مدينة الفلوجة العراقية: نحن لسنا في مهمة سهلة، لقد أخبرنا الرب بأنه معنا على طول الطريق، ولسنا خائفين من الموت، لأن السيد المسيح سيعطينا حياة أبدية.
- يقول الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه الفرصة السانحة، وفي كتابه نصر بلا حدود: لقد انتصرنا على العدو الشيوعي، ولم يبق لنا عدو إلا الإسلام.
- نقلت صحيفة الحياة بتاريخ 8-2-2004 تصريحا لنواب بريطانيين من حزب العمال، قال فيه: إن الحرب على العراق كانت حملة صليبية.
- نقل شهود عيان من مدينة البصرة العراقية، أنه أثناء زيارة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، أقام قداسا مع الجنود وأنشدوا جميعا: جند النصارى الزاحفين إلى الحرب، يتقدمكم صليب المسيح، وبظهور آية النصر هربت كتائب الشيطان، إخوة نمشي على خطى سار عليها القديسون، وحدة الأمل والعقيدة.
- قال مارك راسيكوت رئيس الحملة الجمهورية بتاريخ 19-4-2004: إن بوش يقود حملة صليبية عالمية ضد الإسلام.
وبعد كل ذلك يخرج علينا بابا الفاتكان ليتهجم على خاتم الأنبياء والرسل - صلى الله عليه وسلم -، متجاهلا تاريخ قومه الأسود الذي تفوح منه رائحة الدم والقتل والمجازر، فإذا كان وصفه لنبينا بهذه الأوصاف، فليعلم أن المهج والأرواح تفتدي هذا النبي، ونسترخص النفس للدفاع عن نبينا، وإذا كان بيت بابا الفاتكان من زجاج فلا يرمي بيوت الآخرين بالحجر، لأن الأمر سيرتد عليه وعلى قومه، فهم من بدأ وعليهم تحمل النتائج.
إن الذي ينال من الأديان ورموزها هو شخص معتوه فاقد للقيم الأخلاقية. إن حملاتكم الاستفزازية لن تزيد المسلمين إلا استمساكا بالحق واعتصاما به.
إن هؤلاء لا يقدرون أمانة العقل الذي وهبهم إياه الخالق - عز وجل -، ولم يقدروا أمانة الكلمة ولا يقدرون عاقبة كلامهم، فليتعظوا من التصرفات الحمقاء التي سبقهم إليها أجدادهم، ثم ماذا كانت النتيجة، فلقد عادوا من حيث أتوا يجرون أذيال الهزيمة والخيبة.
14-9-2006
http://www.alasr.ws:المصدر
===============
#بابا الفاتيكان : جرحتَ عقيدة المسيح . . بجُرحك عقيدة محمد
زين العابدين الركابي
«العقيدة المسيحية تقوم على المنطق، بينما الإرادة الإلهية في العقيدة الإسلامية لا تخضع لحكم العقل.ولذا انتشر الإسلام بالسيف لا بالاقتناع العقلي، والنبي محمد لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني».. هذه هي خلاصة ما قاله بابا الفاتيكان عن عقيدة الإسلام ومنهجه ونبيه.
والطعنة (البابوية) غائرة الجرح، شديدة الإيلام، فادحة الإساءة لـ25 % من سكان الكوكب الأرضي من بني آدم.
وعلى الرغم من ذلك، سنلتزم الهدوء والصبر وتحمل الأذى، ونجادله ـ ومن معه ـ «بالتي هي أحسن» ـ كما أمرنا إسلامنا ـ: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن».. وبالمناسبة فإن منهج المجادلة بالتي هي أحسن ـ الذي شرّعه دين محمد ـ إنما هو موقف عقلاني من حيث أن الحجاج العقلي، والحوار المنطقي، لا يصحان ولا يثمران إلا في مناخ هادئ رصين سمح متفتح عليم يتجرد فيه الأمر للبراهين والأدلة وحدها بدون انفعال متعصب.. ومجادلة عظيم الكاثوليك في العالم تتركز في ثلاث:
أ ـ العلاقة بين العقيدة والعقل.
ب ـ دعوى انتشار الإسلام بالسيف.
ج ـ دعوى أن النبي محمد لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني.
أولا: قارن البابا بين العقيدة المسيحية وبين العقيدة الإسلامية، فادعى أن الأولى تقوم على المنطق، وأن الثانية منافية لأحكام العقل. وقد قال ـ فيما يتعلق بعقيدة الإسلام ـ: «إن الإرادة الإلهية في العقيدة الإسلامية لا تخضع لمحاكمة العقل».. وهذا تصور خاطئ لـ(الالوهية ذاتها)، وليس لعقيدة الإسلام فحسب، ولو صدر عن ملحد لهان الأمر لأن للإلحاد مقولاته المعروفة.. أما أن يصدر هذا التصور عن (رجل دين) يؤمن بالله وقدرته ومشيئته وإرادته فهذا هو مبعث العجب، بل مبعث الفجيعة.
إننا نحسب أن البابا يؤمن بأن الله جل ثناؤه (أراد) أن يخلق إنسانا من أم فقط، أي بلا أب، وانه - سبحانه - تجلى بإرادته المطلقة فخلق عيسى ابن مريم من أم دون أب:(2/50)
أ ـ «إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون».
ب ـ «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين. قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يفعل ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون».
بهذا الـ(كُنْ).. بهذه الكلمة: (وفي البدء كانت الكلمة كما يقول الإنجيل).. بهذه الكلمة كان السيد المسيح عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم -: كان معجزة في حمله، معجزة في ميلاده، معجزة في نطقه وهو في المهد، وكان نبيا رسولا.
بهذا الـ(كُنْ) خرق الله جل شأنه سنن الإنجاب العادي وقوانينه، فكيف تكون إرادة الله خاضعة للعقل في هذا الفعل الإلهي؟.. وهل من العقلانية: إخضاع إرادة الله لأحكام ومقاييس عقل خلقه الله؟!
إن من مقاييس العقلانية السليمة الرصينة ـ ها هنا ـ: ألا تقاس إرادة الله وقدرته على إرادة البشر وقدرتهم، لأن القياس إنما يكون بين المتماثلات. وهذا أمر منتف بالنسبة لله - عز وجل -.. ثم إن من المقولات التي تجعل حجة الإلحاد متهافتة: مقولة: قياس قدرة الله بغيرها من قدرات خلقه.. ولذا نتعجب جدا من مقولة البابا «إن الإرادة الإلهية في العقيدة الإسلامية لا تخضع لمحاكمة العقل».
إن العقيدة الدينية في الله وإرادته وقدرته ومشيئته المطلقة هي (عقيدة واحدة) تنزلت بها الكتب جميعا، وهتف بها ودعا إليها الأنبياء والمرسلون كافة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وسائر إخوانهم «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه».. وجوهر الدين الذي شرعه الله لهؤلاء الأنبياء جميعا هو: «العقيدة في الله»: وجودا وذاتا وقدرة وإرادة ومشيئة مطلقة.. ومن صميم هذه العقيدة الواحدة الجامعة: أن نؤمن بأن الله (عرّفنا بنفسه) على لسان رسله، وإننا لا نستطيع أن نعرف أسماءه وصفاته بغير هذا المصدر، وأن من العقل: الإقرار بعدم الاستطاعة.
ثانيا.. إن دعوى البابا في نفي العقلانية عن الإيمان في الإسلام إنما هي مجرد دعوى بلا دليل، بل الدليل حاسم على ما يضادها. فالعقل في الإسلام هو مناط التكليف أو مناط الخطاب الديني للمكلفين: «إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك الذي في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون».. وبقدر حظ الإنسان من العقل يكون حظه من الإسلام: فهما وعملا. بل نستطيع أن نقول: إن الإسلام جاء للعقلاء فقط: «كذلك نفصّل الآيات لقوم يعقلون»، فلا دين لمن لا عقل له.
2 ـ بنى البابا دعواه في انتشار الإسلام بالسيف على دعواه بعدم العقلانية في الإسلام، ذلك أن الدين الذي لا يحترم العقل، يتوسل إلى مقاصده بالسيف، لا بالاقتناع.. فهل هذه دعوى صحيحة.. لا.. لا.. بدليل أن المسلمين ما حملوا السيف إلا للدفاع عن وجودهم المعنوي والمادي (وهذا حق مشروع لأمم الأرض جميعا).. وبدليل: ان العلاقة بين الإنسان والله ـ في الإسلام ـ تقوم على الحب، والحب لا يأتي بالسيف قط.. وبدليل ان كل فعل أو أمر يتم بالإكراه إنما هو فعل باطل بيقين في منهج الإسلام.
ولذلك نفى الإسلام نفيا حاسما مؤبدا: الإكراه في الدين، بموجب نص قرآني مدني قطعي ثابت غير منسوخ: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي».
3 ـ لندع تلك البراهين كلها التي تدحض دعوى انتشار الإسلام بالسيف، ولنركز على برهان (واقع ماثل) ملموس، يعرفه البابا نفسه تمام المعرفة من خلال التقارير السنوية بل اليومية التي ترصد حركة انتشار الإسلام في العالم. أن البابا يعلم أن ألوف الناس ـ مسيحيين وغير مسيحيين ـ يدخلون في الإسلام، وبطريقة مستمرة، بل انه في الولايات المتحدة نفسها، وبعد أحداث 11 سبتمبر بالذات: يدخل في الإسلام عشرون ألف أمريكي كل عام، معظمهم من الذين ظفروا بحظوظ عالية من التعليم.. فمن ذا الذي أكره هؤلاء بـ«السيف» لكي يعتنقوا الإسلام؟.. لا سيف تم ولا سياف، وإنما هو (الاقتناع الحر): اقتناع العقل الحر واقتناع الضمير الحر، واقتناع اختيار المصير الحر.
إن هذه (الحجة الواقعية) كافية ـ وحدها ـ لنقض دعوى: أن الإسلام قد انتشر بالسيف.
ثالثا: استشهد البابا بمقولة شانئ غابر مقولة: إن النبي محمد لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني.. وليس صحيحا أن يقال: إن البابا كان (ناقلا)، (لا مقرا) لهذه المقولة المجردة من كل تهذيب، ذلك أن السياق كله يفيد بأن البابا أوردها مورد (المتبني) لها.. والضمائم الأخرى الآنفة تؤيد ذلك. ومرة أخرى نرتفق منطق المجادلة بالحسنى ونستصحب أقصى درجات الصبر والعقلانية ونسأل: هل (السيئ وغير الإنساني) الذي جاء به محمد هو: الصدق والنبل والحق والجمال والإعجاب وسائر الصور والأساليب البهية التي قدم بها محمد أخاه المسيح عيسى ابن مريم؟
1 ـ هل من السيئ الذي جاء به محمد: التعريف الحق الجميل بمعجزة ميلاد المسيح العظيم ومعجزة ميلاده: «فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا. يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا. فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا. قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا»؟.
2 ـ هل من السوء الذي جاء به محمد: التعريف الكريم الودود بالشخصية الجميلة (الوجيهة) بالسيد المسيح: «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين»؟.
3 ـ هل من السوء الذي جاء به محمد: التعريف بإعجاز نبوة المسيح ورسالته: «إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيه فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمة والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني»؟
4 ـ هل من السوء الذي جاء به محمد: التعريف بالإنجيل الذي انزله الله على سيدنا المسيح: «وقفّينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين».
5 ـ وهل من السوء الذي جاء به محمد: تمجيد أم المسيح: الصدّيقة مريم والدفاع عنها، ورفع ذكرها في الكتاب وترسيخ اليقين بطهرها:
أ ـ «واذكر في الكتاب مريم اذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا»
ب ـ «وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين».
ج ـ «وأمه صدّيقة»؟
6 ـ وهل من السوء الذي جاء به محمد: أن جعل رسول الإسلام: الإيمان بالمسيح عيسى ابن مريم من أركان الإيمان، ومدخلا إلى الجنة فقال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق ادخله الله الجنة على ما كان من العمل»؟(2/51)
أي سوء في هذا الجمال والعدل والإنصاف والكمال الذي جاء به محمد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ؟.. وأي عقل صحيح هذا الذي يحول الحسن إلى قبح، والكمال إلى نقص، وخدمة المسيح ودينه وأمه إلى (إساءات غير إنسانية)؟!
«يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون»؟
http://www.alarabiya.net المصدر:
===============
#الجذور الفكرية العقدية لموقف البابا من الإسلام
نبيل شبيب**
بابا الفاتيكان:
تقول الكنيسة الكاثوليكية في روما منذ بضعة قرون بعصمة البابا على رأسها، ولهذا لا تصدر عنه وثيقة مكتوبة، أو كلمة مرتجلة، أو تصريح بموقف، دون جمع معلومات ودراسة ومناقشة وصياغة ومراجعة، فلا يُعلن شيء إلاّ بعد ضمان - بحدود قدرة البشر وإن قيل ما قيل عن عصمتهم- ألاّ تضطر الكنيسة لاحقا إلى الرجوع عنه، ناهيك عن الاعتذار بسببه، وليس مجهولا أنّ بعض أخطاء الكنيسة التاريخية الكبرى لم تجد طريقها إلى اعتذار رسمي، إلاّ بعد مرور مئات السنين عليه. ولهذا لا ينبغي أن يتّجه الحديث عن الإساءة البابوية إلى الإسلام نحو محاولة تفسيرها وتأويلها بأنّها غير مقصودة، كلمة كلمة، وفي هذا التوقيت بالذات، كما لا تصحّ المبالغة في تحميلها أكثر ممّا تقول به في نطاق سياق المحاضرة التي تضمّنتها، وفي الحالتين لا يفيد الجدل حول اعتذار شكلي، فعلى افتراض صدوره لن يعني تبدّل أسس موقف بابا الفاتيكان.
من هو بنديكت السادس عشر؟
اسمه الأصلي يوزيف آلويس راتسينجر، ولد يوم 16-4-1927م في عائلة كاثوليكية متديّنة، في منطقة بافاريا، الأشهر من سواها في ألمانيا من حيث انتشار الكاثوليكية والتمسّك بها قديما وحديثا، ولا يزال يفخر بأنّ تعميده جرى سريعا في يوم ميلاده ليكون من "ماء عيد الفصح".
كان في السادسة عشرة من عمره عندما أعرب عن رغبته في أن يصبح قسيسا، ومَن يذكر أنّ له "ماضيا نازيا" يستشهدْ على ذلك بعمله في خدمة الجيش النازي لإنشاء حواجز ضدّ الدبابات في النمسا المجاورة لبافاريا، وذلك حتى الأيّام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وكان منذ عام 1941م من "شبيبة هتلر"، والواقع أنّ الانتماء إلى هذه المنظمة كان واجبا قسريّا على الناشئة من التلاميذ في معاهد معيّنة، مثل "سانت ميشائيل" الذي درس فيه.
والتحق راتسينجر فيما بعد بالجامعة لدراسة "علم الأديان" الكاثوليكي والفلسفة، وأظهر مبكّرا اهتمامه بالكتابات الفلسفية-الدينية، لا سيّما ما خلّفه الفيلسوف الديني "آوجوستينوس"، الذي كان في القرن الرابع الميلادي الركنَ الأساسي لتنظير تعاليم التثليث الكنسية وتثبيتها لدى الكاثوليك والأرثوذوكس، قبل انفصال الفريقين نتيجة خلافات على تفاصيل تلك التعاليم لاحقا.
حصل راتسينجر على الدكتوراة عام 1953م في العلوم الدينية، وعلى درجة الأستاذية عام 1957م في فرع "أسس علم الأديان"، وبدأ بالتدريس في العام التالي، لما يُسمّى الإملاءات العقدية الكنسية/ الدوجما وتاريخها، وفي عام 1959م بدأ التدريس في جامعة بون بمحاضرة عنوانها "إله الإيمان وإله الفلسفة"، ثم عام 1969م في جامعة ريجينسبورج (وهي الجامعة التي ألقى فيها محاضرته يوم 12/9/2006م، التي تضمّنت الإساءة إلى الإسلام) وفي عام 1977م أصبح كبيرَ الأساقفة في المدينة نفسها، وبعد شهر واحد تمّ تعيينه برتبة "كاردينال"، وفي تلك الفترة كان لقاؤه الأول مع سلفه يوحنا بولس الثاني، قبل أن يصل الأخير إلى كرسي البابوية في روما بفترة وجيزة.
في الفترة التي جمعت بين دراسته الجامعية ومناصبه الكنسية، بدأت اتجاهاته الكنسية بالظهور، ومن بينها التأكيد أنّ على البابا الكاثوليكي أن يأخذ في قراراته الحاسمة مجموع الكنيسة في الاعتبار، منتقدا الانفراد والمركزية في اتخاذ القرار الكنسي. ولكنّ "إصلاح الكنيسة" باتجاهٍ "ديمقراطي" لم يستمرّ طويلا، بل اضمحلّ نسبيا في مواقفه وكتاباته لاحقا، ويعلّل هو ذلك بتأثره بمصادماته سابقا مع أنصار ما يسمّى "ثورة الطلبة"، وأصبح في هذه الأثناء يُصنّف بين "المحافظين" في نطاق الكنيسة، والمقصود بهذا التصنيف في الدرجة الأولى مواقفه على الصعيد الاجتماعي، أي رفضه المطلق لتمييع موقف الكنيسة في قضايا العلاقات الجنسية، لا سيّما ما انتشر من تقنين الشذوذ في كثير من البلدان الغربية في هذه الأثناء، بالإضافة إلى رفضه انخراط النساء في المراتب الكنسية الكاثوليكية العليا.
في فترة وجود "الكاردينال راتسينجر" في الفاتيكان بات يوصف باليد اليمنى للبابا يوحنا بولس الثاني، ومن أسباب ذلك مسئوليته عمّا يسمّى "مجمع شئون الإيمان"، وهو الاسم الذي اختير لمجمّع كان يحمل سابقا المسئولية عن تثبيت تهمة الهرطقة على مَن تقرّر الكنيسة محاكمتهم. وعزّزت تلك الفترة الجانب "العقلاني" في قناعات راتسينجر الذاتية، وارتبط باسمه إصدار الكنيسة عام 1998م قرارا بفتح الملفّات الوثائقية القديمة عن تاريخ المحاكمات التي أودت في القرون الوسطى بحياة العديد من العلماء والمعارضين.
اعتلى كرسي البابوية يوم 19-4-2005م، ليواجه عددا من المهامّ المقترنة بالتساؤلات عمّا ستكون عليه سياسة الكنيسة في عهده، بعد أن اكتسبت صبغةً جديدة وحركةً دائبة في عهد سلفه يوحنا بولس الثاني، الذي بقي في كرسي البابوية أكثر من ربع قرن. وأهمّها ثلاثة:
1- إنعاش القيم الكنسية في السياسات الرسمية على حساب العلمانية بعد انتشار ظاهرة "التديّن" الشعبي عالميا.
2- التعامل مع تبعات حملة الهيمنة الأمريكية وعسكرتها عالميا، والمقترنة بتصوّرات "الصهيونية المسيحية"، والعداء للإسلام تخصيصا.
3- مركزية موقع الكنيسة الكاثوليكية في روما (وكان من أوائل قراراته إلغاء كلمة "الرومي" من لقب البابا الكاثوليكي الرومي)، وبالتالي مركزية دورها على خارطة الطوائف والمذاهب المسيحية وخارطة الحوار مع "الآخر" عقديا وثقافيا.
بنديكت السادس عشر والإسلام
صدرت عن البابا الكاثوليكي كلمةُ مجاملةٍ عابرة في أثناء لقاء مع قيادات دينية عالمية، عقب تنصيبه على رأس الفاتيكان بأيام، فأعرب فيها عن امتنانه لوجود مَن يمثّل الإسلام بينهم، وتقديره للحوار بين المسلمين والمسيحيين.
باستثناء ذلك مرّت الشهور التسعة الأولى على وجود يوزيف كاتسينجر في منصب البابا الكاثوليكي باسم بنديكت السادس عشر دون أن يصدر عنه ما يوضّح مواقفه من القضايا الأساسية التي يواجهها مع كنيسته ودولة الفاتيكان، بما في ذلك مسألة الحوار عموما، ومع الإسلام تخصيصا.
ومعظم ما يُنشر عن توجّهاته يأتي نتيجة دراسات قامت بها جهات أخرى، تستقرئ سياساته البابوية في الفاتيكان من أفكاره ومواقفه قبل حمل هذه المسئولية، وهنا ينبغي التمييز بين:
1- موقف رسمي يصدر عن مسئول في الكنيسة الكاثوليكية، فلا يخرج به عادة عن الموقف المقرّر من جانبها، بغضّ النظر عن موقفه الشخصي واحتمال تناقضه مع الموقف الرسمي أو تمايزه عنه قليلا أو كثيرا.
2- موقف ذاتي شخصي، يظهر عادة في أثناء المناقشات أو في مناسبات معينة، فيعبّر عن توجّه قائم بذاته عند صاحبه، يمكن أن يؤثّر على صناعة القرار الكنسي على حسب موقع المسئولية لصاحبه، وهو ما يعني ازدياد تأثيره على صناعة القرار عبر الوصول إلى كرسي البابوية.(2/52)
من أبرز الأمثلة على الموقف الرسمي على صعيد التعامل مع الإسلام، صدر عن راتسينجر وهو يشغل المرتبة الثانية في الفاتيكان؛ إذ صرّح بأنّ الإسلام كان لفترة زمنية طويلة متفوّقا على المسيحية في الميادين العلمية والفنية، وقد أعرب بذلك عن ردّ دولة الفاتيكان وكنيستها على مقولة رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلوسكوني، بشأن تفوّق الحضارة الغربية، والتي أثارت ضجّة في حينه، وصدرت في حمئة الحملة التي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش ضدّ الإسلام والمسلمين، عقب تفجيرات نيويورك وواشنطون، إلى درجة قوله في وصفها إنّها "حرب صليبية".
ومن الأمثلة الأخرى قول راتسينجر في مقابلة صحفية: "إنّ الإسلام كثير التنوّع، ولا يمكن حصره فيما بين الإرهاب أو الاعتدال".
بغضّ النظر عن الاقتناع الذاتي كانت مواقف راتسينجر العلنية آنذاك تمثّل الاتجاه الذي قرّرته الكنيسة الكاثوليكية لنفسها في عهد يوحنا بولس الثاني، وهو ما تضمّن معارضة الحملات العسكرية الأمريكية ونشر الهيمنة الأمريكية من خلالها عالميا، بحجّة "الحرب ضدّ الإرهاب"، وفي تلك الفترة بالذات، أي في السنوات الثلاث الأولى عقب تفجيرات نيويورك وواشنطون، تبنّت الكنيسة في روما الدعوة إلى حوار الأديان، الإبراهيمية على وجه التخصيص، بعد أن بقي التعامل مع "الإسلام" ضمن إطار حوار الأديان عموما.
أمّا الموقف الشخصي الذاتي، المعبّر بالتالي عن رؤية ذاتية واقتناع، فليس سهلا العثور عليه في متابعة حياة مسئول كنسي، وقد نجد الكثير لراتسينجر/ بنديكت السادس عشر بصدد قضايا كنسية كانت مطروحة للبحث، ولكن ما يتعلّق بالإسلام وكيفية التعامل معه، أو استيعاب الإسلام والموقف منه، لا نجد إلا القليل النادر، ومن أهمّه ما يتحدّث عنه دانييل بايبس في "نيويورك صن" يوم 17-1-2006م، نقلا عن القسيس يوزيف ديسيو، الذي شارك مع البابا -الجديد آنذاك نسبيا- في ندوة كنسية حول الإسلام في أيلول/ سبتمبر 2005م ويقول إنّه لم يشهده في ندوات مشابهة (تعقد بإدارته منذ 1977م)، يدخل في النقاش ولكن بصورة هادئة وبعد الاستماع إلى الآخرين، أمّا في تلك الندوة فقد اعترض اعتراضا سريعا ومباشرا على فكرة "قابلية الإسلام للتطوّر" التي طُرحت في الندوة نقلا عن وجهة نظر أحد علماء باكستان المسلمين؛ إذ قال بنديكت السادس عشر معترضا من بداية النقاش، ما مؤدّاه "إنّ كلمة الله عند المسلمين كلمة أبدية كما هي، غير قابلة للتلاؤم مع المستجدّات أو التأويل، وهذا فارق أساسي مع المسيحية واليهودية، فكلمة الله عندهما أوكلت إلى البشر، وأوكل إليهم أن تتعدّل لتتلاءم مع المستجدّات".
الإساءة إلى الإسلام:
أتراك يتظاهرون احتجاجا على حديث البابا عن الإسلام
أما الموقف الشخصي الذاتي المنسوب إلى البابا الكاثوليكي في روما بنديكت السادس عشر، فقد صدر قبل أشهر في إطار "ندوة كنسية داخلية"، أي محرّرا من وضع ردود الفعل الإعلامية والشعبية والسياسية في الحسبان، هو الموقف الأقرب إلى معرفة نظرته إلى الإسلام، فعندما يقول فيه إنّه "غير قابل للتطوّر"، يمكن أن نجد ذلك الفهم المبتسر والخاطئ للإسلام منسجما تماما مع الخطّ العام لمحور ما قال به "أستاذا محاضرا" في جامعة ريجنسبورج، التي عرفته متخصّصا بدرجة الأستاذية؛ أي إنّ المفترض به أنّه لا يلقي الكلام على عواهنه أو جزافا.
من هنا لا يصحّ التساؤل: ماذا تقصد الكلمات من حيث معناها، فهي واضحة، تعبّر عن رؤية مرفوضة إسلاميا.
ولا يعني ذلك أن تقترن بالرفض المطلق لما حاول المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية أن يعتذر به اعتذارا غير مباشر..عندما قال مثلا: إنّ البابا الكاثوليكي لم يقصد الإساءة، فالواقع أنّ المشكلة في البداية لا تتمثّل في "قصده" بل في مضمون كلماته.
- أو قال أيضا إنّ فهم الكلمات يجب أن يكون باعتبارها وردت في"محاضرة" على مستوى علمي، وهذا صحيح، ولهذا لا يمكن اعتبارها غير "مدروسة".
إنّ موضوع المحاضرة هو الموضوع المفضّل قديما وحديثا لدى بنديكت السادس عشر، أي التوفيق بين "العلم والدين" أو "العقل والعقيدة"، وتلك "مشكلة كنسية" قديمة جديدة، ومن هنا كان حديثه عن الإسلام في المحاضرة - على أفضل التفسيرات - من باب "المثال"، الذي أراد ذكره للقول إنّ التناقض (في زعم القائل) بين الدين والعقل يمنع الحوار مع الآخرين.
واستشهاده بمقولة قيصر بيزنطي من حقبة القرون الوسطى ومقدّمات فتح القسطنطينية آنذاك له مغزاه، ولا يعني عدمَ تبنّيه هو لمضمون الاستشهاد، فلا يفيد الجدال الذي يثيره الناقدون لردود الفعل الإسلامية بهذا الصدد، بدعوى أنّ بنديكت السادس عشر لم يستخدم كلماته الذاتية عن الإسلام، فاختيار الاستشهاد هو المهم، وكان باستطاعة البابا الكاثوليكي ذي الأصل الألماني، المتحدّث بالألمانية، لجمهور ألماني، على الأرض الألمانية.. كان باستطاعته لو أراد شيئا آخر سوى "مضمون" الاستشهاد، أن يأتي مثلا ببعض ما قال عن الإسلام القيصر الألماني غليوم الثاني قبل أقلّ من قرن واحد، بدلا من القيصر البيزنطي إيمانويل الثاني قبل ستة قرون، أو مثل آخر ما قال به جوتة، أشهر شاعر وأديب ألماني، أو سواهما - وسواهما كثير- من مشاهير الفلاسفة الألمان وغير الألمان في حقبة "التنوير" الأوروبية.
لا ينبغي أن يأخذ الحديث عن الإساءة البابوية إلى الإسلام منحى التساؤل: هل وقعت أم لم تقع"؟. وهل كانت مقصودة أم غير مقصودة؟.. بل ينبغي:
1- الاستيعاب الهادئ والموضوعي لما قال به البابا الكاثوليكي الرومي بنديكت السادس عشر، كما هو، بنصه ومعناه الظاهر للعيان، وبموازين مجمل خلفيّاته الفكرية والعقدية والسياسية.
2- تثبيت الموقف الإسلامي المطلوب على المدى البعيد، وفق موازين المصلحة الإسلامية، والتعبير عنه وفق ما تقتضيه المصلحة الإسلامية، بما يتجاوز حدود الردود الآنية المتفاعلة مباشرة مع الحدث، هذا ما يحتاج إلى حديث آخر.
----------------------------------------
**كاتب ومحلل سياسي.
http://www.islam-online.net المصدر:
==============
#هرطقة البابا
لا أحد يظن أن ما قاله بابا الفاتيكان وسعر نار الحرب مع المسلمين كان سبق حديث أو سقطة لسان، لم تفلح كذبة الناطق باسم الفاتيكان بشأن إساءة فهم ما قاله البابا وهرطقاته في التقليل من أثر هذه الاتهامات الجزافية للدين الحق؛ فمحال أن يتهم ربع سكان العالم بإساءة الفهم وأن يجهل علماء المسلمين ومسؤوليهم دفعة واحدة..فالجميع يدرك أن البابا الجديد بدأ يؤسس لمرحلة جديدة تكاد تطابق تلك التي أسسها بطرس الناسك قبل الحرب الصليبية منذ أكثر من ألف عام.
الروح الصليبية حلت في جسد البابا وأنسته في ظل أجواء التعصب أن يختار لحظة أفضل من تلك ليطلق فيها ترهاته ما أوقعه في خلل قيمي فادح هز صورته كثيراً وصليبيته الخرقاء، فجعل كلماته مادة للسخرية أن يتحدث عن إسلام انتشر بسيف في وقت تنطلق الجيوش الصليبية زاحفة في ديار الإسلام تقتل وتشرد الملايين بلا جريرة أو مبرر، ويبث فيها الفاتيكان بعثاته التنصيرية في بلاد الإسلام مرافقة وإثر أي حرب تشن ضد المسلمين تسقط فيها بلدانهم في قبضة من لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة..(2/53)
فهل خانت البابا الذاكرة فلم يذكر جموع من التنصيريين تجوب كردستان العراق إثر حرب قال عنها الرئيس الأمريكي جورج بوش: إنها "حرب صليبية"، وهل نسي أن قوات الاحتلال الإسبانية التي توجهت إلى العراق في يوليو 2003 حملت على متن طائرات "هرقل" بعدما وافقت حكومة إسبانيا حينها على ارتداء أفراد قواتها شارة مرسوم عليها صليب "القديس جيمس" الملقب بـ"قاتل المسلمين" الذي قاد حملات الاستيلاء على الأندلس وسفك دماء أهلها في مجزرة الصليب المروعة المعروفة..
وهل تخطئه جموع المنصرين المصاحبين لجيش العدوان الأمريكي والأوروبي (الصليبي المسمى تخفيفاً بقوات التحالف) على أفغانستان؟!!
ما الذي حدا بالبابا لأن يخوض في مسارب التاريخ ويجتهد في التواصل مع الامبراطور البيزنطي الذي استشهد بعباراته الغشومة إلا ليصل الماضي الصليبي غير المشرف بحاضر صليبي آخر لا يخالفه إجراماً..
أما كان الأجدى بالبابا أن يعاين المشهد الأوروبي ليحكم على انتشار الإسلام في القارة العجوز، ففي مقابل فشل تنصيري هائل للفاتيكان وصحفه وإذاعاته وجمعياته وأمواله الضخمة في العالم تحميه آلات العدوان وجحافل جيوش الاحتلال، يتبدى النور في قلب أوروبا وإلى جوار جمهورية الفاتيكان الثيوقراطية من دعاة هبوا يمشون بهدي من الله، فيدخل الناس في دين الله أفواجاً، ليحقق الإسلام أكبر معدل انتشار "دين" في أوروبا ـ بل والعالم برمته ـ من دون أن تنطلق رصاصة واحدة "مسلمة" في أوروبا أو يستل الدعاة سيوفاً في بلدان العالم الغربي..
أما يخجل البابا يتحدث عن السيوف، والإسلام يعلو في أوروبا بأعلى معدل انتشار فيها لدين؟!
22-8-1427هـ
http://www.almoslim.net المصدر:
================
#الإسلام وانهيار الكنيسة تحدي البابا الجديد
محمد جمال عرفة
البابا الجديد جوزيف راتسينجر
يبدو أن اختيار كرادلة الكنيسة لبابا أوربي جديد وليس إفريقياً أو لاتينياً- هو الألماني "جوزيف راتسينجر" (بنيدكت السادس عشر) يعكس ما أشار إليه بعض الكرادلة ومراكز دراسات دولية قبل انتخاب البابا رقم 265 من أن البابا الجديد سيواجه ثلاثة تحديات كبيرة، أولها: صعود الإسلام وانتشاره في العالم وفي الغرب خصوصا في مقابل التعاون معه في ذات الوقت ضد موجات الإلحاد العالمي وتفشي انهيار القيم الأخلاقية على المستوى العالمي، والتحدي الثاني هو مواجهة انهيار الكنيسة الكاثوليكية وتقلص أتباعها خصوصا في الغرب. ويتصل بالنقطة الثانية التحدي الثالث، وهو مواكبة الكنيسة للتطور التكنولوجي العالمي الهائل وقدرتها على التوفيق بين آرائها الكهنوتية وهذا التقدم العلمي كي لا تتحول العلاقة مع العلماء إلى سابق عهدها في العصور الوسطى وعهود الهرطقة الدينية، بحيث لو نجحت الكنيسة في هذا فستكون أكثر تقارباً مع الغربيين والعكس صحيح.
وهناك العديد من الإشارات التي ربما تثبت صحة ذلك، ففيما يتعلق بالتحدي الأول، يبدو أن البابا الجديد غير متوافق إلى حد ما مع الإسلام، إذ سبق له أن اعترض لأسباب دينية على انضمام تركيا للاتحاد الأوربي ووصف ذلك بأنه "خطأ فادح" و"قرار مخالف للتاريخ"، كما أنه طالب البابا السابق يوحنا بولس الثاني بأن ينص الدستور الأوربي الموحد على مسألة الجذور المسيحية لأوربا، يضاف إلى ذلك أن البابا الجديد الذي نشر عنه انضمامه في صباه للشبيبة النازية قد أظهر في السابق تقارباً مع اليهود، حيث كان أول من ألقى كلمة ندد فيها بكراهية اليهود في العام الماضي أثناء منتدى عقد في نيويورك حول معاداة السامية، لذا ليس غريباً أن يصفه كبير حاخامات تل أبيب "مائير لاو" بأنه صديق للشعب اليهودي، غير أنه بالنظر إلى خلفيته النازية يتوقع أن يتعرض البابا الجديد لابتزاز سياسي إسرائيلي.
وفيما يختص بالتحدي الثاني، فإن البابا يعد من أشد المدافعين عن العقيدة المناهضة لانحراف الكنيسة عن ثوابتها الأخلاقية، حيث كان يرأس "مجمع العقيدة والإيمان" الذي يحظى بنفوذ واسع، وهو وريث مجمع "المحاكم الدينية" التي اشتهرت بأحكام الإعدام عبر الحرق في نهاية القرون الوسطى، ومن جانب آخر، فإن هذا الاختيار يعني التركيز على أوربا معقل الكاثوليكية الذي يتهاوى مع عزوف الغربيين عن الكنيسة أكثر من التركيز على المناطق الجديدة المكتسبة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، ولو كان الكرادلة قد اختاروا بابا لاتينيا أو إفريقيا مثل الكاردينال النيجيري "فرنسيس أرينزي" لكان التصور هو أن الكنيسة ستسعى للتركيز على رعاياها المكتسبين الجدد في هذه المناطق.
أما شواهد التحدي الثالث، تتضح من حقيقة أن البابا الجديد أكثر دفاعاً عن جماعات المسيحيين المحافظين والإنجيليين المتشددين، وسبق له القول قبل اختياره رئيسا للفاتيكان: "إن الحركات المسيحية الجديدة مثل الإنجيليين أو الكنائس الحرة في ألمانيا تزدهر؛ لأنها تدافع بضراوة عن القيم الأخلاقية الكبرى ضد تطور الذهنيات"، وأضاف "هذه المجموعات كانت تعتبرها الكنيسة قبل فترة خلت بأنها أصولية، وكانت منافسة كبرى للكنيسة الكاثوليكية، لكنها بدأت في التقارب لأنها أدركت أن الكنيسة وحدها تدافع عن القيم الأخلاقية وأننا نتقبل بفرح هذا التقارب"، وفي مقابل ذلك، فهو من أشد معارضي الخروج على تعاليم الكنيسة والرافضين للتوجهات العلمية الحديثة المخالفة للعقيدة المسيحية، وقد انتهز فرصة صلاة قداس قبل الاجتماع السري لمجمع الكرادلة ليصدر تحذيراً قاسياً من "أن الاتجاهات الحديثة غير الإلهية يجب أن ترفض"، ما اعتبر دليلا على تشدده وعلى صدامه المتوقع مع العلم الحديث ودعاة تطوير الكنيسة الكاثوليكية لتجذب أتباعها الشاردين أو الخارجين منها ودعاة العلمانية.
على أن أبرز ما يحوز الاهتمام هو ما يتصل مباشرة بالعالم الإسلامي للوقوف على درجة التعاون أو الصدام بين البابا وبين الإسلام وموقفه من حوار الأديان الذي طالما شجعه البابا "يوحنا بوليس الثاني".
مع حوار الأديان أم ضده؟
يلاحظ أن أغلب الدراسات والأبحاث الغربية والأمريكية ركزت على قضية حوار الأديان وتحدي انتشار الإسلام في العالم خصوصاً في ظل العزوف عن الكنيسة وتزايد موجات الإلحاد في العالم الغربي، وكان السؤال الأكثر إلحاحاً هو كيف سيتعامل البابا الجديد مع ملف تحدي الإسلام؟ بالحوار..أم بدونه..ومن ثم الصدام.
وتعد دراسة "سكوت أبليبي " Scott Appleby أستاذ التاريخ ومدير "معهد كروك للدراسات حول السلام العالمي" التابع لجامعة نوتردام الأمريكية والمنشورة بمجلة "فورين بوليسي" الدورية العلمية الأمريكية، رغم أن تاريخها يرجع إلى فبراير عام 2004 إحدى أهم الدراسات التي أشارت مبكراً إلى التحديات التي على البابا الجديد مواجهتها، ويبدو أنها قد أخذت في الاعتبار عند اختيار البابا الجديد، فهي تتناول ثلاث تحديات رئيسية هي:
1 - تحدي العلمنة الغربية: بمعنى تصاعد المادية وتزايد الإلحاد والبعد عن الدين في الغرب، مع تزايد العداء من جانب هؤلاء العلمانيين (اللادينيين) للمعتقدات الدينية والسخرية منها وخصوصا الكاثوليكية، وهو ما انعكس في رفض الاتحاد الأوربي طلب البابا النص على الجذور المسيحية لأوربا في دستورها الموحد، وجانب من هذه الأسباب متعلق بانهيار الكنيسة في أمريكا وأوربا وانتشار فضائح القساوسة الجنسية في النمسا وأيرلندا وأمريكا.(2/54)
2 - تحدي الإسلام، فالانتشار المستمر للإسلام كديانة كبرى أصبح يشكل تحدياً للكنيسة الكاثوليكية الغربية ومستقبلها، ما يتطلب نوعاً من المنافسة لجذب الأتباع، ومع ذلك، تنصح الدراسة بالبحث عن نقاط الالتقاء بين الكنيسة والبابا الجديد من جهة، والإسلام من جهة ثانية لتشكيل تحالف لمواجهة موجة الإلحاد والمادية التي طغت على العالم.
3 - الأمر الأخير هو التطور العلمي التكنولوجي الهائل خصوصا في مجالات علمية دقيقة تحتاج رأي الدين فيها، مثل الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية، وهنا الأمر يحتاج تطوراً مماثلاً في نظرة الكنيسة لهذا التطور العلمي ومواكبته كي لا يحدث ما حدث أيام العصور الوسطى من انفصال بين العلم والكنيسة وازدياد الهوة بين الطرفين (قضية جاليليو)، ولهذا يقول بعض القساوسة أن التحدي الرئيسي الذي يواجه الكنيسة هو عرض رسالة الدين بطريقة يمكن أن تكون مؤثرة على الناس ومقنعة لهم".
وبناء على ذلك، تحدد الدراسات المقدمة للفاتيكان عدة نصائح يجب اتباعها عند اختيار البابا الجديد أبرزها أن يكون ملماً بحقائق العلاقة بين الإسلام والمسيحية، وقادرا على التعامل مع تحدي انتشار الإسلام والتعاون معه (في إطار حوار الأديان) ضد العلمانيين الجدد اللادينيين، وأن يبحث نقاط الالتقاء مع المسلمين، كما حدث من تعاون في مؤتمر القاهرة للسكان عام 1994 عندما جرى التنسيق بين الطرفين لوأد مقررات مؤتمر المرأة بشأن تحديد النسل والإجهاض. ويجب أيضاً أن يكون على دراية كافية بالمعارف والعلوم الحديثة النظري منها والتطبيقي، إذ توجه دراسة "أبليبي" نداءً إلى مجمع الكرادلة يقول: "يجب عليكم أن تختاروا بابا بإمكانه أن يعلن الإنجيل للقادة السياسيين العلمانيين، لعلماء الاقتصاد، لمسئولي البنك الدولي، لمهندسي الوراثة ولعلماء الأخلاق الذين يوصون بقرارات تهم الحياة والموت.. عليكم أن تختاروا بابا بمقدوره الحفاظ على الاستقلالية السياسية للكنيسة الكاثوليكية، ومقاومة إغراء إقامة تحالفات مع القوى العلمانية.. عليكم أن تختاروا بابا يعترف بالصلات بين الكاثوليكية والإسلام من أجل مقاومة المتطرفين، وفي نفس الوقت بناء تحالف عملي مع المعتدلين الذين يريدون -مثل الكنيسة الكاثوليكية- التأثير على الثقافة والتعليم على المدى البعيد".
مع الإسلام أم ضده؟
الخوف من انتشار الإسلام والتعاون معه في آنٍ معاً يضع جملة من التساؤلات حول معتقدات وأفكار البابا الجديد، فهو سيقبل بالتعاون معه لصالح هزيمة العلمانية والإلحاد من جانب، كما قد يكون متشدداً تجاهه إلى درجة قد تصل لصدام حضاري ديني جديد تباركه الكنيسة من جانب آخر بعدما بدأته قوى غربية بالفعل في الولايات المتحدة عقب تفجيرات 11 سبتمبر 2001، حين أعلن بوش عن "حملة صليبية سياسية".
ولا يخفى أن البابا "يوحنا بولس الثاني" قاد في العقدين الماضيين حملة ساعدت في تحويل الصراع إلى تعاون بين 1. 1 مليار كاثوليكي و1. 2 مليار مسلم، وربما ساعدت مواقفه المعلنة في إدانة حرب العراق وأفغانستان في تجنب "صدام حضارات" خشي كثيرون أن يتفجر بعد تلويح الرئيس "بوش" بحملة صليبية، واندلاع حرب دينية حقيقية ضد المسلمين في العالم الغربي.
أيضا كانت خطوة البابا "بولس الثاني" عام 1986 بدعوة المسلمين وأتباع الديانات الأخرى للصلاة معاً كي يحل السلام في العالم تحركاً لافتاً في سعيه لخلق مناطق للتفاهم مع العالم الإسلامي، ثم جاءت زياراته لأول مرة في تاريخ البابوية لمسجد وهو المسجد الأموي الذي زاره بدمشق في مايو 2001، وقال وهو على بعد خطوات من قبر القائد صلاح الدين الأيوبي الذي هزم وطرد الصليبيين من الشرق: "نحن بحاجة إلى أن نسعى لعفو من العلي القدير، وأن نقدم الصفح المتبادل عن كل العصور التي آذى فيها المسلمون والمسيحيون بعضهم البعض".
ويبقى السؤال: كيف سيتعامل البابا الجديد مع العالم الإسلامي؟ هل يتعاون أم يتحارب معه؟ هل يتبنى خطا متشددا يواكب الحملة الصليبية السياسية التي تقودها أمريكا وأوربا حاليا؟.. وهل ينعكس تصاعد العداء من جانب الأحزاب اليمينية الإيطالية المناهضة للإسلام على مواقفه؟.
وهل يعتذر نيابةً عن الفاتيكان والعالم المسيحي للعالم العربي والإسلامي عن فترة الحروب الصليبية، خاصةً في ظل ما جرى من اعتذار مماثل لليهود بحيث يضمن توافر أرضية لحوار ديني قوي بين المسيحية والإسلام يواجهان به موجة الإلحاد الجديدة في العالم، أم تتغلب روح التنافس مع الإسلام على روح التعاون؟.
وكيف سيكون تعامل الكنيسة الكاثوليكية مع الوضع في القدس المحتلة، خاصة أن الفاتيكان عقد في فبراير 2000 اتفاقا مع السلطة الفلسطينية يعترف لها بحقها في المدينة كسلطة تنفيذية، وبحقها في الحفاظ على التراث الروحي في المدينة؟ هل سيواصل البابا الجديد قيادة الفاتيكان نحو رفض ضم المدينة للدولة العبرية، أم أن صك البراءة الذي أعطاه الفاتيكان لليهود عام 1964 من "دم المسيح" سيؤثر على موقفه من هذه القضية؟.
21/04/2005
http://www.islam-online.net المصدر:
==============
#آل الشيخ يطالب: بابا الفاتيكان باعتذار رسمي عن إساءته للإسلام والرسول
لطفي عبد اللطيف
طالب معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ بابا الفاتيكان بتقديم اعتذار رسمي صريح وواضح عن أقواله التي أساء فيها للإسلام ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: إنه لا يمكن قبول هذا الكلام، الذي أدلى به بابا الفاتيكان في محاضرة علمية بجامعة ألمانية، ووصف وزير الشؤون الإسلامية كلام بابا الفاتيكان ضد المسلمين بأنه يذكي حملات الضغينة والبغضاء والكراهية ضد المسلمين، واستغرب وزير الشؤون الإسلامية أن تصدر هذه الأقوال من بابا الفاتيكان ضد الإسلام والمسلمين بعد عقود من الزمن كان فيها حوار بين الإسلام والمسيحية عبر الأزهر ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
وقال معالي وزير الشؤون الإسلامية: لقد استمع المسلمون وعلماء ودعاة المسلمين إلى ما ذكره بابا الكنيسة الكاثوليكية، وما نقله نسبه للإسلام ولرسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم -، وإن رسول الله - معاذ الله - كان له دعوات شريرة أساءت إلى العالم ورسخت العنف في العالم، فهذه الأقوال الصادرة عن البابا تنبئ عن عدم فهم لحقيقة الإسلام، وعن تأثره بما قاله عن جهل بالإسلام، وان الكتب التي نقل عنها مسيئة لديننا ولرسولنا.
وأضاف معالي وزير الشؤون الإسلامية قائلا: المستغرب أن يأتي حديث البابا في لقاء بالجامعة الألمانية يفترض أن يتسم بالمنهجية والدقة والعلمية، ولذلك فنحن نعبر عن استيائنا البالغ لهذه الإساءة للإسلام والمسلمين ولحقائق الدين الإسلامي، ونرى أن فيها إثارة للضغائن وإذكاء لموجات الكراهية والبغضاء بين الناس في العالم، وكلام البابا يناقض قول رسولنا الكريم بان نقول للناس بالحسنى بين بعضهم البعض، وما جاء في كتاب الله العزيز (وقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) ودعوة الرسول بالعدل بين الناس القريب والبعيد.(2/55)
وأكد معالي وزير الشؤون الإسلامية أن الإسلام كدين بعيد كل البعد عن الدعوات الشريرة التي نسبها بابا الفاتيكان لرسول الإسلام وللإسلام كدين وعقيدة، ولا شك أن الدعوة من مرجع ديني مثل البابا في ديانته وقوله بهذا الكلام المسيء للإسلام يثير الكراهية بل يمثل دعوة مجددة لا ذكاء روح العداوات في العالم وهو عكس ما يسعى إليه العقلاء في المسيحية ويسعى إليه الساسة الذي تهمهم الإنسانية، وألا يوقعوا الضغائن والكراهية بين الناس بسبب اختلاف الدين.
وطالب معاليه بأن يكون هناك فهم أكثر للسلام ومبادئه واستغرب أن يصدر هذا الكلام من بابا الفاتيكان ويوجد حوارات عبر عقود من الزمن كانت هناك لجان للحوار بين الإسلام والمسيحية عبر الأزهر وعبر رابطة العالم الاسلامي وعبر مؤتمر العالم الإسلامي وبين الفاتيكان وكانت هذه اللقاءات تهدف إلى إيضاح الصورة بين الطرفين. ودعا معالي وزير الشؤون الإسلامية جميع علماء الإسلام ودعاة الإسلام إلى مزيد من التعريف والدعوة إلى الإسلام والأمة مع ثورة المعلومات ومع ظهور حقائق الإسلام والفتاوى الصادرة من العلماء الربانيين والمجامع العلمية الرئيسة في العالم الاسلامي فما زال العالم الغربي يجهل بحقيقة ديننا ورسالة الإسلام ورسول الإسلام في الغرب.
إننا مطالبون بوقفة قوية ضد من يسيء لديننا وان نحمي حمى الإسلام وحمى القرآن وحمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ودعا الشيخ صالح آل شيخ المؤسسات العلمية في الغرب التي تحدث في إحدى جامعاتها بابا الفاتيكان وأساء للإسلام والرسول أن تقوم بدورها العلمي والمنهجي والموضوعي في التعرف على حقيقة الإسلام كما عرفتها هذه الجامعات من منهج البحث العلمي ومن واقع البحوث التحليلية التي يكون فيها الباحث بعيداً عن التأثيرات السياسية أو التأثيرات الاستعمارية أو التأثيرات العنصرية والمذهبية.
وقال معاليه: إننا نأسف أن في هذا القول إذكاء روح التعصب المسيحي ضد الإسلام والمسلمين ومعلوم أن الكاثوليكية يدين بها مئات الملايين في العالم.
مضيفاً انه في المقابل إذا جاء من المسلمين من يذكي العداوة مثل هذه الأعداد الكبيرة فسوف تكون هناك أمور لا تحمد عقباها.
ودعا معالي وزير الشؤون الإسلامية بابا الفاتيكان أن يقدم اعتذاره الصريح عن هذه الإساءة البالغة للإسلام وللرسول لان كلام البابا كان واضحاً ولا يمكن أن يساء فهمه أو تفسيره ولذلك لابد أن يعتذر وان يعلن بان الإسلام لا يقر أي نوع من أنواع الأفكار الشريرة أو الدعوات الشريرة التي جاءت في كلمة البابا.
وناشد آل الشيخ المؤسسات والمراكز والهيئات الإسلامية مضاعفة جهدها والقيام بدورها خير قيام بتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين وإبراز سماحة الدين الاسلامي ويسره والذب عن الإسلام وعن رسولنا عليه أفضل الصلاة والتسليم مشيراً إلى أن من الأهداف الرئيسة للمؤسسات الإسلامية وخاصة الموجودة في الغرب نشر الدين الاسلامي والدفاع عنه وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام والمسلمين من خلال العلماء والدعاة وعقد المؤتمرات والندوات العلمية وتوثيق الصلات مع المؤسسات العلمية في الدول الغربية وإقامة برامج علمية مشتركة لتوضح الصورة الحقيقية لدين السماحة والإنسانية وتدشين الحملات الإعلامية باللغات الأوروبية للتعريف بدين الإسلام ورسوله وعقيدة التوحيد.
http://www.almadinapress.com المصدر:
===============
#أكاذيب بابا الفاتيكان .. تجسيد الحقد الغربي ضد الإسلام
أسامة الهتيمي
ثمة شواهد كثيرة ويومية تؤكد لدعاة الحوار مع الغرب ومؤيدو ما يطلق عليه بحوار الأديان أن شروطا كثيرة يجب أن تتوفر قبل الانجرار وراء هذه الدعوة الزائفة التي هي في الأصل ووفق منهج خاص دعوة قرآنية..يقول الله- تبارك وتعالى -[ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون] العنكبوت [46].
ونسي هؤلاء أن القرآن الكريم أكد أن هذا الآخر والذي حدد لنا الإسلام معايير ثابتة لطبيعة التعاطي معه سلما وحربا.. يسعى جاهدا إلى أن تظل الأمة الإسلامية في حالة من التخلف والضعف [يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون]... آل عمران [118].. كما أكد أن هذا الآخر لن ينظر إلينا أبدا بعين الرضا [لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير].. سورة البقر [120].
ولعل ما جاء مؤخرا من تصريحات على لسان بابا الفاتيكان أعلى منصب كنسي في الغرب وما تضمنته هذه التصريحات من إساءات بالغة للإسلام ورسوله فيها أبلغ رد يكمم أفواه المخدوعين من أبناء الإسلام بدعوات الحوار, فالتصريحات جاءت هذه المرة على لسان كبير القوم ومرشدهم والذي أعاد بكلماته مقولات عفا عليها الزمن وتم دحضها وإثبات تهافتها مئات المرات من قبل العلماء والمخلصين من أبناء الأمة.
ويعكس بندكت باستمرار ترديد هذه المزاعم حالة الحقد والكره التي لم تخفت أبدا والكامنة في نفوس هؤلاء ضد الإسلام وأهله خوفا من ذلك النجاح والمد الذي يحققه الإسلام يوما بعد يوم في عقر دارهم على الرغم من كل مؤامراتهم وأفعالهم لتشويه صورته ومحاربة دعاته ووصمهم له بـ ' الإرهاب'.
أكاذيب بنديكت:
لم يكن هناك ما يدعو بنديكت خلال محاضرته التي ألقاها في جامعة ريجينسبورج الألمانية والتي درس فيها علم اللاهوت بين عامي 1969 و1977 إلى الحديث عن الإسلام والمسلمين سوى أنها فرصة جيدة يمكن أن يعبر خلالها وأمامه أصدقاؤه وزملاؤه وتلامذته عن حقيقة موقفه من الإسلام. فوجه بنديكت النقد الشديد لمفهوم 'الجهاد' الإسلامي داعيا المسلمين إلى الدخول في حوار للحضارات يكون أساسه اعتبار أن ما يسمى بالحرب المقدسة أو 'الجهاد' مفهوما غير مقبول ويخالف الطبيعة الإلهية وطبيعة الروح.
وزعم بنديكت أن المسيحية ترتبط بصورة وثيقة بالعقل وهو ما يتباين مع أولئك الذين يعتقدون في نشر دينهم عن طريق السيف في إشارة إلى ما ردده بعض المستشرقين عن الإسلام ودعوته وفي محاولة منه للتأكيد على أن هناك تعارض بين الإسلام والعقل.
وحتى يمكنه التنصل من مزاعمه اقتبس بنديكت في كلماته قولا على لسان إمبراطور بيزنطي في القرن الرابع عشر هو مانويل الثاني باليولوجوس الذي كتب في حوار مع رجل فارسي أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - جلب أشياء شريرة لا إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي يدعو إليه بالسيف وأن ذلك عمل غير منطقي وعمل غير عقلاني يعتبر ضد طبيعة الخالق.
ويستطيع بنديكت بذلك أن يقول إذا ما اشتد الهجوم عليه لتصريحاته هذه: إنه مجرد ناقل لكلام الغير وأن ذلك ليس كلامه ولا موقفه.
ونسي بنديكت أو تناسى أن صراعا مريرا نشب بين الكنيسة والأوروبيين في العصور الوسطى نظرا للتعارض بين الكنيسة والعلم أسفر عن مقتل عشرات ألآلاف من المتعلمين والباحثين الغربيين فضلا عن تكفير آخرين.
دحض الشبهات:(2/56)
وكشفت مزاعم بنديكت عن مأزق شديد تعيشه الكنيسة الغربية إزاء هذه الأعداد الكبيرة من أبناء الغرب الذين يدخلون الإسلام سنويا مع كل ما يفعله من أجل وضع حد لهذه القضية, وهو ما دفع ببنديكت وغيره من ترديد المقولات السابقة للمستشرقين الغربيين الذين تعاملوا مع الإسلام بغير موضوعية, ففند علماء الإسلام مزاعمهم فضلا عن قيام مستشرقين آخرين أكثر موضوعية بدحض تلك الشبهات أيضا.
وفي تفنيد من قبل الدكتور محمد عمارة الكاتب والمفكر الإسلامي لدعوى بنديكت قال عمارة: إن تصريحات زعيم الفاتيكان تضمنت أربعة نقاط هي ' العنف والجهاد والعقل وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يأت إلا بما هو سيء ' وهي تحتاج إلى الكثير من الكلام.
ورد الدكتور عمارة على زعم بنديكت للربط بين العنف والإسلام وانتشاره بالسيف بأن كل الغزوات التي خاضها الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت دفاعية ضد الذين فتنوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم ,وكان ضحايا كل هذه الغزوات 386 فقط من الجانبين المسلمين وأعداءهم.
وتساءل الدكتور عمارة: ألا يعلم البابا أن الحروب الدينية المسيحية بين البروتستانت والكاثوليك أبيد فيها ما يقرب من 40% من شعوب أوروبا حتى أن فولتير يحصيها بـ 10 مليون شخص؟.. ألا يعلم البابا أن الكنيسة شنت وعبر قرنين من الزمن ما يسمى بالحملات الصليبية على المسلمين. ألا يعلم أن الفتوحات الإسلامية لم تحدث إلا لإخراج أهله الرومان من الشرق وهذه الفتوحات هي التي حررت الكنائس الشرقية من الاحتلال والاضطهاد؟ ألم يقرأ شهادات القساوسة من يوحنا النيقوسي عن الحملات لإنقاذ النصرانية؟.
وتطرف عمارة إلى ما آثاره بنديكت حول الجهاد الإسلامي مشيرا إلى أن هناك خطأ في المساواة بين الجهاد والقتال والعنف, فالرفق بالحيوان والإنسان والنبات والطبيعة وطلب العلم والإحسان والعبادات ومجاهدة النفس والشيطان كل هذه الأعمال تعد جهادا. في حين أن القتال لا يجوز في الإسلام إلا ضد من يفتنون المؤمنين ويخرجونهم من ديارهم.
ومرة أخرى يلوم الدكتور عمارة كبير الفاتيكان متسائلا.. أليست لدى البابا خريطة ليرى من خلالها القوات العسكرية للدول المسيحية تغطي العالم الإسلامي أو يرى تلك الأساطيل البحرية في البحار والمحيطات.. فمن يغزو ومن يمارس العنف والإبادة؟
واستنكر عمارة أن يجد هذا الجهل الذي ليس له نظير في التاريخ بالإسلام وهو الجهل الذي لا يليق بإنسان عادي فما الحال بمن يحتل مثل هذه المكانة الدينية عند المسيحيين.
من جانبه دعا الدكتور محمد العياشي الكبيسي أستاذ الشريعة في قطر وعبر رسالة بعث بها إلى زعيم الفاتيكان إلى مناظرة علنية ومفتوحة حول علاقة الإسلام بالعلم والعقل على أن يحدد بنديكت الزمان والمكان الملائمان له.
وأكد الكبيسي أن له دراسات في مقارنة الأديان وأنه قرأ التوراة والإنجيل والقرآن فما وجد من كتاب يحض على إعمال العقل ويربط بين الوحي والعقل بقدر ما يفعل ذلك القرآن الكريم فكيف يتم اتهام الإسلام بأنه دين غير منطقي وغير عقلاني معللا أن هذه التصريحات جاءت ربما لأحد سببين: أولهما الجهل الكبير بالإسلام أو التأثر بالأجواء السياسية المشحونة بين الغرب والمسلمين.
محاولات للتبرير:
وفي محاولة للتخفيف من حدة تصريحات بنديكت قال أبوت فولف رئيس المذهب البنديكتيني في أنحاء العالم: إن البابا استخدم حوار مانويل مع الرجل الفارسي ليشير بطريقة غير مباشرة إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لتحويل القضية إلى مجرد انتقاد لسياسة إيران الساعية لامتلاك أسلحة نووية, فضلا عن رسائل نجاد التي اعتبرت أنها متعجرفة إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل.. وبهذا فإن الأمر لا علاقة له بالإسلام ذاته.
فيما قال المتحدث باسم البابا فيدريكو لومباردي: إن بنديكت استخدم آراء الإمبراطور مانويل عن الإسلام لمجرد شرح الموضوع وليس لوصم الدين الإسلامي بالعنف مشيرا إلى أن هذا مجرد مثل, فالجميع يعلم أنه في داخل الإسلام هناك مواقف عديدة مختلفة عنيفة وغير عنيفة والبابا لا يريد إعطاء تفسير للإسلام بأنه عنيف.
وبكل تأكيد فإن مثل هذه التبريرات لن يكون صدى إذ أن هناك مؤشرات كثيرة تدلل على حقيقة الموقف البابوي من الإسلام يأت على رأسها اعتذار الفاتيكان لليهود عن تلك المذابح التي تعرضوا لها بيد مسيحيين بينما رفض قادة الفاتيكان الاعتذار للمسلمين عن قرنيين من الاعتداء على المسلمين خلال الحروب الصليبية فضلا عن قرون أخرى من الاستعمار خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
http://www.islammemo.cc المصدر:
============
#اتحاد العلماء يطالب باعتذار بابا الفاتيكان
د. يوسف القرضاوي
أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانًا فنّد فيه التصريحات المسيئة التي أدلى بها بابا الفاتيكان، بنديكت السادس عشر، حول الإسلام والرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وطالب العلامة يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد، بابا الفاتيكان اليوم الخميس 14-9-2006 بالاعتذار عن هذه التصريحات.
وفيما يلي نص البيان:
فوجئت وفوجئ المسلمون في أقطار الأرض بتصريحات البابا بنديكتوس السادس عشر خلال زيارته إلى ألمانيا، حول الإسلام وعلاقته بالعقل من ناحية، وعلاقته بالعنف من ناحية أخرى.
وكنا ننتظر من أكبر رجل دين في العالم المسيحي: أن يتأنى ويتريث ويراجع ويشاور، إذا تحدث عن دين عظيم كالإسلام، استمر أكثر من أربعة عشر قرنًا، ويتبعه نحو مليار ونصف من البشر، ويمتلك الوثيقة الإلهية التي تتضمن كلمات الله الأخيرة للبشرية (القرآن الكريم) الذي لم يزل يقرأ كما كتب في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، ولم يزل يُتلى كما كان يتلى في عهد النبوة، ويحفظه عشرات الألوف في أنحاء العالم.
ولكن البابا الذي قالوا: إنه كان يشغل مقعدًا لتدريس اللاهوت وتاريخ العقيدة في جامعة راتيسبون منذ 1969م سارع بنقد الإسلام، بل بمهاجمته في عقيدته وشريعته، وبطريقة لا يليق أن تصدر من مثله.
ففي وسط الجموع الحاشدة التي تزيد على مائتي ألف شخص، تحدث البابا عن الإسلام دون أن يرجع إلى كتابه المقدس (القرآن)، وبيانه من سنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، واكتفى بذكر حوار دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي ومسلم فارسيّ مثقف. وكان مما قاله الإمبراطور للرجل: "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد؟ لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين -الذي كان يبشر به- بحد السيف! ".
ولم يذكر البابا ما رد به الفارسي المثقف على الإمبراطور.
ونسي البابا: أن محمدًا جاء بالكثير الكثير الذي لم تأتِ به المسيحية ولا اليهودية قبلها، جاء بالمزج بين الروحية والمادية، وبين الدنيا والآخرة، وبين نور العقل ونور الوحي، ووازن بين الفرد والمجتمع، وبين الحقوق والواجبات، وقرّر بوضوح الإخاء بين الطبقات داخل المجتمع، وبين المجتمعات والشعوب بعضها وبعض، وقال كتابه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...} [الحجرات: 13].
وشرع مقابلة السيئة بمثلها، وندب إلى العفو، ودعا إلى السلام، ولكن أمر بالإعداد للحرب: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
وأنصف المرأة وكرمها إنسانًا وأنثى وابنة وزوجة وأمًّا وعضوة في المجتمع.(2/57)
ونسخ كثيرًا من الأحكام التي كانت أغلالاً في اليهودية، كما قال - تعالى -: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ... } [الأعراف: 157].
وأما ما قاله الإمبراطور البيزنطي من أن محمدًا لم يجئ إلا بالأشياء الشريرة، وغير الإنسانية، مثل الأمر بنشر دينه بحد السيف! فهو قول مبني على الجهل المحض، أو الكذب المحض. فلم يوجد من حارب الشر، ودعا إلى الخير، وفرض كرامة الإنسان، واحترم فطرة الإنسان، مثل محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله الله {رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
ودعوى أنه أمر بنشر دينه بحد السيف أكذوبة كبرى، فهذا ما أمر به قرآنه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
والحقيقة أن الإسلام لم ينتصر بالسيف، بل انتصر على السيف الذي شهر في وجهه من أول يوم. وظل ثلاثة عشر عامًا يتحمل الأذى والفتنة في سبيل الله، حتى نزل قوله - تعالى -: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 39، 40].
إنما فرض الإسلام الجهاد دفاعًا عن النفس، ومقاومة للفتنة، والفتنة أشد من القتل، وأكبر من القتل. ولذا قال - تعالى -: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} [النساء: 90].
والإسلام لا يقبل إيمان مَن يدخل عن طريق الإكراه، كما قال - تعالى -: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ... } [البقرة: 256].
وما قول البابا فيما جاء في الكتاب المقدس في سفر التثنية من التوراة: إن البلد التي يدخلها موسى ومن معه عليهم أن يقتلوا جميع ذكورها بحد السيف... أما بلاد أرض الميعاد، فالمطلوب دينًا ألا يستبقوا فيها نسمة حية! يعني: الإبادة والاستئصال الذي نفذه الأوربيون النصارى حينما دخلوا أمريكا مع الهنود الحمر، وحينما دخلوا أستراليا مع أهلها الأصليين!.
كنا نربأ بالبابا أن يستدل بهذا الكلام المبتور في سياق حديثه عن الإسلام ونبي الإسلام.
وما يمارسه بعض المسلمين من العنف، فبعضه مشروع، بإقرار الأديان والشرائع والقوانين والأخلاق، مثل دفاع المقاومة الوطنية ضد الاحتلال في فلسطين أو في لبنان أو في العراق أو في غيرها، وتسمية هذا عنفًا وإرهابًا: ظُلم بيِّن، وتحريف للحقائق.
وبعض ذلك أنكرته جماهير المسلمين في كل مكان، مثل أحداث 11 سبتمبر، ومعظم العنف غير المشروع سببه الأكبر: المظالم التي تقع على المسلمين في كل مكان، ويسكت عنها رجال الدين في الغرب، وربما باركها بعضهم.
ويقرر البابا في لقائه الجماهيري: "أن الله في العقيدة الإسلامية مطلق السمو، ومشيئته ليست مرتبطة بأي شيء من مقولاتنا، ولا حتى بالعقل! ". وأقام مقارنة مع الفكر المسيحي المتشبع بالفلسفة الإغريقية، موضحًا أن (هذا الفكر يرفض عدم العمل بما ينسجم مع العقل). وكل ما هو مخالف للطبيعة الإلهية.
ولو كلّف الحبر الأعظم نفسه أو كلّف أحدا من أتباعه بالرجوع -ولو قليلاً- إلى مصدر الإسلام الأول (القرآن) لوجد فيه من عشرات الآيات، بل مئاتها، ما يمجد العقل، ويأمر بالنظر، ويحض على التفكير، ويرفض الظن في مجال العقائد، كما يرفض اتباع الأهواء، وتقليد الآباء والكبراء، حتى كتب بعض كبار الكتاب بحق: التفكير فريضة إسلامية.
وحسبنا قول الله - تعالى -: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ: 46]، وقوله - سبحانه -: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [الأعراف: 185].
ولو رجع إلى قول أئمة الإسلام، مثل الأشعري والماتريدي والباقلاني والجويني والغزالي والرازي والآمدي وغيرهم، لوجدهم يقولون: إن العقل أساس النقل، ولولا العقل ما قام النقل، ولا ثبت الوحي؛ لأن ثبوت النبوة لا يتم إلا بالعقل، وثبوت النبوة لشخص معين لا يتم أيضًا إلا بالعقل.
ولا يقبل المحققون من علماء الإسلام من آمن بالإسلام تقليدًا لآبائه، دون إعمال للعقل، ونظر في الأدلة، ولو بالإجمال. كما قال صاحب الجوهرة: إذ كل من قلد في التوحيد إيمانه لم يخلُ من ترديد
ولو أحببنا أن نقارن بين الديانتين: الإسلام والنصرانية، لوجدنا النصرانية هي التي لا تعير العقل التفاتًا في عقائدها، وتقول تعليماتها: آمن ثم اعلم. اعتقد وأنت أعمى. أغمض عينيك ثم اتبعني. في حين أن العلم في الإسلام يسبق الإيمان، والإيمان ثمرة له، كما في قوله - تعالى -: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 54] وهكذا: ليعلموا، فيؤمنوا فتخبت قلوبهم.
لقد ألَّف الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده كتابه: (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية) ليرد به على أحد نصارى الشرق الذي زعم أن النصرانية تتسع للعلم والمدنية بما لا يتسع له الإسلام. فكان رد الشيخ العلمي الموثق بالمنطق والتاريخ وحقائق الدين والعلم: أن الأصول التي يقوم عليها الإسلام هي التي تثمر الحضارة والمدنية، من الإيمان بالعقل، ورفض السلطة الدينية، والجمع بين الدنيا والآخرة... إلخ. بخلاف المسيحية التي تقوم في أساسها على الخوارق، ولا تؤمن برعاية السنن التي أكَّدها القرآن والتي يقول أحد فلاسفتها الدينيين (أوغستين): أومن بهذا؛ لأنه محال، أو غير معقول!.
ولو كان الإسلام ينكر العقل أو يهمله، فكيف أقام المسلمون تلك الحضارة الشامخة التي جمعت بين العلم والإيمان، وبين الإبداع المادي والسمو الروحي؟ والتي ظل العالم يستمد منها أكثر من ثمانية قرون، ومنها أوروبا التي اقتبست منها المنهج التجريبي الاستقرائي، بدل المنهج القياسي الأرسطي، كما شهد بذلك مؤرخو العلم من أمثال غوستاف لوبون، وبير بغولف، وجورج سارطون وغيرهم.
وعن طريق الحضارة الإسلامية، عرفت أوروبا فلسفة أرسطو مشروحة على يد فيلسوف وفقيه مسلم هو العلامة ابن رشد. ولولاه ما عرف الأوربيون أرسطو!.
وقول البابا: إن مشيئة الله في الإسلام مطلقة لا يحدها شيء: صحيح في الجملة، ولكن أجمع علماء الإسلام على أن مشيئة الله - تعالى -مرتبطة بحكمته لا تنفصل عنها، فلا يشاء أمرًا مخالفًا للحكمة، فإن من أسمائه الحسنى التي تكررت في القرآن: الحكيم. فهو حكيم فيما خلق، وحكيم فيما شرع، لا يخلق شيئًا باطلاً، ولا يشرع شيئًا اعتباطًا.
والله - تعالى -لا يفعل إلا ما فيه الخير والصلاح لخلقه، كما قال نبي الإسلام في مناجاته لربه: "الخير بين يديك، والشر ليس إليك".
بل إن طائفة المعتزلة من متكلمي المسلمين يرون أن فعل الصلاح والأصلح للخلق: واجب على الله - تعالى -.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يقف البابا الحالي من الإسلام والمسلمين موقفًا سلبيًّا، يظهر فيه الإهمال أو التوجس، أو ما هو أكثر.(2/58)
ففي أول قداس أشرف عليه بعد انتخابه أواخر إبريل 2005م لم يذكر المسلمين بكلمة على حين خص (الإخوة الأعزاء -على حد قوله- من الشعب اليهودي بكلمات تفيض مودة وإعزازًا.
وفي مدينة (كولونيا) الألمانية آخر شهر أغسطس أثناء الأيام العالمية للشباب: التقى بممثلين عن الجالية المسلمة في أسقفية المدينة، فأعرب عن بالغ انشغاله بتفشي الإرهاب، وأكد في هذا اللقاء ضرورة (نزع المسلمين ما في قلوبهم من حقد، ومواجهة كل مظاهر التعصب، وما يمكن أن يصدر منهم من عنف)!.
وهذه النبرة التوبيخية كان لها وقع سيئ في نفوس المسلمين، لما فيها من رؤية ضيقة ومن تصور تبسيطي لمنابع الإرهاب وأسبابه.
كما أن استقباله للكاتبة الإيطالية المقيمة في الولايات المتحدة (أوريانا فالاتشي) والتي تكتب كتبًا ومقالات نارية تؤلب على الإسلام والمسلمين. والتي لا ترى فرقًا بين إسلام متطرف وإسلام معتدل، فالإسلام كله متطرف، والتناقض بين المسيحية والإسلام: جوهري.
كانت هذه مواقف تُعَدّ سلبية بالنسبة للمسلمين، أما اليوم فقد أصبح الأمر يتعلق بالإسلام ذاته، ونحن المسلمين نعتبر النصارى أقرب مودة للمسلمين، والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم".
ولمريم - عليها السلام - سورة في القرآن، ولأسرة المسيح سورة في القرآن (سورة آل عمران)، وللمسيح وكتابه في القرآن مكان معروف. ونحن لا نريد أن نصعد الموقف، ولكن نريد تفسيرًا لما يحدث، وما المقصود من هذا كله. كما نطلب من حبر المسيحية أن يعتذر لأمة الإسلام عن الإساءة إلى دينها.
لقد كنا نود من البابا أن يدعو إلى حوار إيجابي بين الأديان، وحوار حقيقي بين الحضارات، بدل الصدام والصراع، وقد استجبنا من قبل للدعوة الموجهة من جمعية سانت جديو في روما إلى الحوار الإسلامي المسيحي. وشهدنا دورة للحوار مع أحبار الكنيسة في روما، وفي برشلونة، فيما سُمّي (قمة إسلامية مسيحية)، وشاركنا في مؤتمرات للحوار الإسلامي المسيحي في الدوحة. فهل يريد الحبر الأعظم أن نغلق أبواب الحوار، ونستعد للصراع في حرب أو حروب صليبية جديدة؟
وقد بدأها بوش، وأعلنها صريحة باسم اليمين المسيحي. ونحن ندعو إلى السلم؛ لأن ديننا يأمرنا بذلك، ولكننا إذا فرضت علينا الحرب خضناها كارهين، نتربص فيها إحدى الحسنين، كما قال قرآننا: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216].
وكما قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، ولكن إذا لقيتموه فاثبتوا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف". متفق عليه.
فنحن ندعو إلى التسامح لا إلى التعصب، وإلى الرفق لا إلى العنف، وإلى الحوار لا إلى الصدام، وإلى السلام لا إلى الحرب. ولكنا لا نقبل أن يهاجم أحد عقيدتنا ولا شريعتنا ولا قيمنا، ولا أن يمس نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بكلمة سوء. وإلا فقد أذن الله لنا أن ندافع عن أنفسنا. فإن الله لا يحب الظالمين.
21 شعبان 1427هـ
14-9-2006م
http://www.islam-online.net المصدر:
===============
#بين البابا والمودودي نموذج للحوارمحاكمة للكبار ودرس للصغار
د يحيى هاشم حسن فرغل
في شهر ديسمبر 1967 تلقى السيد أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في باكستان آنذاك رسالة من بابا الفاتيكان بولس السادس يدعوه فيها إلى الاحتفال بأول يناير 1968 كعيد للسلام!! فرد عليه برسالة لم تكن مجرد تعبير عن الأماني الطيبة وإنما تضمنت تقييما موجزا للموقف، وتحليلا صريحا للمشكلة ومقترحات عملية لتحويل العداوة إلى تعاون صادق.
وأبو الأعلى المودودي أحد عظماء المفكرين في العالم الإسلامي في القرن العشرين ولد في باكستان عام 1903 وبدأ حياته كعالم وصحفي، وأصدر مجلته العلمية الخاصة باللغة الأردية واشترك مع الدكتور محمد إقبال الذي دعاه في عام 1937 للتعاون معه في مهمة تجديد الفقه الإسلامي وتقنينه، واشتغل عميد لكلية اللاهوت بالكلية الإسلامية بلاهور قرابة عامين، وفي عام 1941 نظم حركة البعث الإسلامي وانتخب رئيسا لها، وألف المودودي أكثر من ستين كتابا عن الإسلام ترجم كثير منها إلى اللغة العربية والإنجليزية، والتركية والفرنسية، والبنغالية وغيرها من اللغات المحلية، في الهند وباكستان، وكان من أكثر كتاب شبه القارة الهندوباكستانية قراء
ذهب البابا في رسالته إلى (أن الأساس الموضوعي للسلام يتمثل في إيجاد روح جديدة تبعث التعايش بين الشعوب وتغرس نظرة حديدة لفنسان لأداء واجباته وتحقيق مصيره،..كما لابد من إعداد تربية الأجيال الجديدة وتعليمها الاحترام المتبادل بين الأمم والأخوة والتعاون بين الشعوب والأجناس) و (دعا الجميع إلى مساندة المنظمات الدولية وتدعيمها والتعريف بها بصورة أفضل وتكريمها وإحاطتها بالعناية والثقة وتزويدها بالسلطات والوسائل الملائمة لمهمتها،.. )
وأطلق البابا تحذيره من أن (السلام لا يمكن أن يقوم على أساس من الكلمات البليغة التي تلقى ترحيبا لأنها تلبي الآمال الحقيقية للإنسانية ولكنها يمكن أن تساهم بكل أسف في طمس الروح الحقيقية والنوايا الصادقة للسلام)
ثم أكد أنه (لا يمكن للمرء أن يتحدث عن السلام بحق في الوقت الذي لا يوجد فيه اعتراف أو احترام لأركانه: من الإخلاص والعدل والحب والحرية.. ) على مستوى الأفراد والعلاقة بين الحاكم والمحكوم والعلاقة بين المواطنين، والشعوب في كفة المجالات (.. المدنية والثقافية والخلقية والدينية).. (وإلا فلن يكون هناك سلام.. وإنما مزيد من العصيان والحرب التي لا يمكن قهرها بصورة نهائية.. )
ثم ختم الباب رسالته بأن (السلام ليس استسلاما ولا يتضمن في طياته تصورا وضيعا كسولا للحياة ولكنه يعلن عن أسمى قيم الحياة وأوسعها انتشارا في العالم وأعني بها: الحق والعدل والحرية والمحبة)
وقد رد السيد أبو الأعلى المودودي بالشكر الصادق على دعوته للسلام معتبرا إياه حجر الزاوية لتحقيق الرخاء والتقدم البشري مبديا أسفه لكون (الإنسانية لا تزال محرومة منه حتى اللحظة الراهنة،، والسبب في ذلك ناجم عن العوامل التي ذكرت بعضها في رسالتك.. وإنني على يقين من أنه ما لم يتم اتخاذ إجراء ما بصورة صارمة، وبأسلوب ملموس لتصفية هذه العوامل فلن تستطيع الأماني الطيبة ومحض التعبير عن النوايا الحسنة والتعاون أن تقود الجنس البشري إلى غايات بعيدة.
إني أحس إحساسا عميقا أن أشد ما نحتاج إليه هو تفتيش قلوبنا بكل إخلاص وأمانة وصدق. إننا بحاجة إلى تحليل نفسي صريح من جانب الأفراد والجماعات ومجموعة الأمم وأعضاء الطوائف الدينية المختلفة، تحليل يهدف إلى أن يفهم هؤلاء عيوبهم ونقائصهم، ويكتشف كل منهم نصيبه المقصود أو العفوي ودوره في العوامل التي تشفي الإنسان، وكذلك نصيب كل منا، كل بمفرده في المثل الأعلى الذي نسعى لتحقيقه ونتطلع إليه لإقامة السلام الحقيقي، وليس ذلك فحسب، وإنما المطلوب أيضا هو أن يسعى كل واحد منا جاهدا في ضوء ما تقدم لإزالة تلك العوامل التي تعترض الطريق إلى السلام بكافة السبل الممكنة.(2/59)
كذلك من واجب كل منا أن يعمل بقلب مفتوح وصراحة صادقة واتجاه للسلام لا لزيادة الأحقاد والنوايا الشريرة فيحاول مصارحة الرجال الخيرين المنتمين إلى الفئات والديانات الأخرى بالنواحي التي لا تعجبه بصورة مباشرة أو غير مباشرة من سلوكهم ومواقفهم، وذلك لكي يعمدوا إلى إصلاحها وإزالة أسباب الشقاق.
وبهذه الروح ذاتها أود أن ألفت انتباهكم إلى أمور معينة أنشأت الضغينة في صفوف المسلمين، وهي أمور تعتبر أساسا لشكواهم من إخوانهم النصارى، وسوف أبينها هنا لأنكم لكونكم أرفع منزلة في الكنيسة النصرانية تتمتعون به من التبجيل الكبير والاحترام والنفوذ العظيمين أن تصلحوا الموقف وأن تعملوا على إحداث تغيير إلى الأفضل في موقف النصارى وسلوكهم.
كما أود أن أضيف أنني أرحب وأدعو إخواننا النصارى أن يخبرونا بصراحة مماثلة بما يأخذون علينا من شكاوى ذات أسباب معقولة وتؤكد لهم أننا سنبذل قصارى جهدنا للقضاء عليها، ولن يتسنى لنا لعمر الحق أن نعمل على إقامة جو من السلام والمحبة والخير في العالم ما لم ينصف كل منا الطرف الآخر، وبهذه الطريقة يمكننا أن نتعاون معا على خدمة فضية السلام.
وأود أن أقول: إننا حتى ولو فشلنا في إظهار التسامح والكرم تجاه بعضنا البعض فإنه يمكننا على الأقل أن نكف عن التظالم وجرح مشاعر بعضنا البعض.
وأقترح أن أبسط أمامكم بأسلوب صريح لا لبس فيه تلك الجوانب من موقف إخواننا النصارى وتصرفاتهم التي تعتبر معادية ومسيئة إلى المقدسات في نظر المسلمين لا في نظر قلة أو فئات منهم فحسب، بل أستطيع أن أقول في نظر جميع المسلمين في العالم، وهذا هو سبب شكايتهم من العالم النصراني:
1- إن التهجمات الموجهة ضد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وضد القرآن والإسلام بصفة عامة من قبل المفكرين النصارى في كتاباتهم واعتداءاتهم التي تستمر حتى الآن هذه التهجمات هي مصدر إساءة كبيرة للمسلمين، وقد تعمدت استخدام عبارة: " تهجم " و" اعتداء " حتى لا ينشأ سوء فهم بأننا نشكو من النقد المنصف والمجابهة المعقولة، فالمناقشات الأكاديمية التي تتخذ نهجا عقليا وتكون في حدود اللياقة لا يمكن بحال أن تسبب الاحتقار أو الضيق، فمثل هذه المناقشة لا تسيء إلينا حتى ولو تضمنت أقسى الاعتراضات، وليس ذلك فحسب بل إن المسلمين يرحبون بذلك، وإنهم على استعداد تام للمشاركة والإسهام في مثل هذه المناقشات
إنه لمن دواعي سرورهم العظيم أن يواجهوا الحجج القائمة على أساس منطقي، ولكننا نشعر أننا على حق حين نستنكر تيار المهاجمة المقذعة الموجهة ضدنا بصورة لا ترتفع عن الأكاذيب والشتائم المبطنة بأسلوب عظيم الإثارة والإساءة، ولا تزال هذه الحملة الكلامية على أشدها،ومن الجدير بالذكر أننا نحن المسلمين نحترم كلا من مريم وعيسى - عليهما السلام - ونقدرهما أعظم تقدير، وهذا يشكل جزءا من عقيدتنا وكل كلمة تشم منها أدنى إساءة لهما تعتبر كفرا في ديننا، أي تجعلنا خارجين عن الإسلام وربما لا تستطيع أن تذكر مثالا واحدا يزعم أن أحد المسلمين قد وجه أدنى إساءة يمكن تصورها للنبي الكريم عيسى - عليه السلام - وأمه الصديقة - عليهما السلام -، ونحن بطبيعة الحال لا نؤمن بألوهية عيسى إلا أن إيماننا بنبوته لا يتزعزع كإيماننا بنبوة محمد عليهما الصلاة والسلام ولا يمكن لأي فرد أن يصبح مسلما بحق ما لم يؤمن بعيسى وبقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى جانب إيمانه بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
كذلك فإننا نعتقد أن كلا من القرآن والتوراة والإنجيل كتب سماوية، نزلت من عند الله - تعالى -، ولا يمكن لأي مسلم أن يكن عدم الاحترام لهذه الكتب المقدسة، وإذا كانت هناك أية مناقشة لإنجيل في أوساطنا فقد كان ذلك من زاوية التأكد فيما إذا كان الإنجيل المتوفر في أيامنا هذه والمطبوع في كتب صحيحا ومعتمدا أم لا؟ وهل يحتفظ بالوحي كاملا كما نزل على الأنبياء؟ وهذه مشكلة تعرضت لنقاش عظيم حتى من قبل علماء النصارى أنفسهم، ولكن لم يحدث قط أن أنكر أحد من المسلمين أن كلمة الله قد نزلت على أنبياء من أمثال موسى وعيسى وبقية الرسل الوارد ذكرهم في الإنجيل، إلا أن المسلمين لا يسلمون أن الإنجيل الحالي يتضمن كلمة الله كاملة في صورتها الخالصة، ومع ذلك فإنهم يؤمنون أنه يشتمل على كلمة الله، والواقع أن إخواننا النصارى لم تسنح لهم أية فرصة للشكوى بأننا نتعرض لأنبيائهم أو لكتبهم المقدسة، على العكس من ذلك فقد دلت تجاربنا على أننا نتعرض باستمرار لصنوف التعذيب العقلي من قبلهم، ولا يزال هذا الوضع مستمرا منذ قرون، فالمستشرقون وغيرهم من الكتاب والمتحدثين النصارى لا يدعون فرصة تلوح لهم إلا وينفثون فيها سمومهم ضد نبينا وكتابنا المقدس وديننا، وهذا عامل مهم جدا من العوامل المسببة للتوتر في العلاقات بين الطائفتين العالميتين النصارى والمسلمين، فهذا يولد المرارة والبغضاء، كما أن هذه الدعاية الخبيثة تؤدي حتما إلى بث الاحتقار والضغينة ضد المسلمين في قلوب الجماهير النصرانية، فإذا أقنعتم أتباع الديانة المسيحية بتغيير موقفهم وتصرفاتهم بهذا الشأن بصورة لا تجعل النقد والمعارضة وسيلة للبغضاء والإثارة، وإذا نجحتم في ذلك فإنكم تقدمون خدمة جليلة لقضية السلام في العالم.
دور جمعيات التبشير النصرانية:
هناك أمر آخر يستدعي الاهتمام الفوري، ويتعلق بالأساليب التي تستخدمها جمعيات التبشير النصرانية والمبشرون النصارى لنشر ديانتهم في البلاد الإسلامية، فأسلوب العمل الذي يتبعه مبشرو الإنجيل هؤلاء شنيع للغاية، ويعتبر مصدرا من مصادر الشقاق والخلاف، وتتمثل شكوانا في أنهم لا يقصرون نشاطاتهم على نشر الدين فحسب، ولكنهم بدلا من ذلك يلجأون إلى أساليب وسبل لا مناص من اعتبارها وسائل للضغط السياسي والاستغلال الاقتصادي، والتخريب للأخلاق والدين، ويشهد على ذلك ما رأيناه بأم أعيننا وما يشاهد في بقية أنحاء العالم الإسلامي، فلا يمكن لأي عقل مهما كان محدودا، ولا يليق بأي إنسان كريم أن يعتبر تلك الأساليب وسائل مباحة لنشر أي دين من الأديان.
فقد قام هؤلاء المبشرون في مناطق شاسعة من أفريقيا بحرمان المسلمين من كافة الخدمات التعليمية وذلك بالتواطؤ مع الدول الاستعمارية الغربية وتغافلها عن جرائمهم في الوقت الذي كانوا يسيطرون فيه على تلك المناطق.
فقد أوصدوا أبواب المعاهد التعليمية أمام كل شخص لا يدين بالنصرانية، أو على الأقل ليس لديه الاستعداد لتغيير اسمه الإسلامي واستبداله باسم نصراني، وبهذه الكيفية قويت شوكة الأقلية النصرانية وأصبحت الطبقة الحاكمة، وهذه الفئة المنبثقة القوية النفوذ هي التي تولت السلطات السياسية والعسكرية والاقتصادية بعد الاستقلال في كثير من الدول الأفريقية التي تعيش فيها أغلبية ساحقة من المسلمين، وهذا ظلم صارخ نزل بالمناطق الأفريقية التي تقطنها أغلبية من المسلمين.
وفي السودان استأثر المبشرون النصارى بجنوب السودان بمساعدة الاستعمار البريطاني، وأصبحت كافة حقوق نشر العلم الحديث امتيازا خاصا بالنصارى دون غيرهم، وفرضت على المسلمين قيود حتى في زيارة هذا الإقليم، لا لأغراض الدعوة ونشر دينهم فيه فحسب، بل لأي غرض كائنا ما كان.
لست أدري كيف يمكن اعتبار مثل هذه الإجراءات وسائل عادلة ومعقولة لنشر الدين؟!(2/60)
وهنا في باكستان فإن التصرف المشترك بين كافة المستشفيات والمعاهد التربوية التبشيرية هو أنها تفرض رسوما باهظة على المرضى والطلاب المسلمين،، وإذا اعتنق أحد من الفقراء النصرانية فإنه يزود بالتسهيلات الطبية والتربوية بلا مقابل أو برسوم رمزية ن بلا مقابل أو برسوم رمزية ن وواضح أن هذا ليس تبشيرا دينيا، وإنما هو محاولة للعبث والعبث بالضمير الإنساني والعقيدة مقابل فتات تافهة.
وهناك جانب آخر من المشكلة عظيم الأهمية فالمؤسسات التعليمية للمبشرين تخرج طبقة جديد من الناس من الناس، طبق لا تتمسك بالنصرانية ولا تظل على دين الإسلام، وإنما تفصل نفسها عن تراثها ولا تطبق أي تراث أخلاقي آخر.
والنتيجة هي أن تصبح نموذجا غريبا، من الجنس البشري في مواقفها الأخلاقية ومعاييرها الثقافية وكذلك في أخلاقها وتصرفاتها وفي لغتها وعاداتها الاجتماعية وفي منهج حياتها كله، فمن وجهة النظر الدينية الصرفية لا تظل هذه الفئة متمسكة بالإسلام كما لا تنجذب نحو المسيحية، وإنما تنساق بدلا من ذلك في أحضان العلمانية والإلحاد وانحلال الدين والخلق. فهل بوسع أي رجل عاقل أن يعتبر هذه النشاطات من قبل بعثات التبشير النصرانية خدمة للدين بأي وجه من الوجوه؟
وهذه هي الأسباب الحقيقية التي جعل المسلمين ينظرون بريبة شديدة تجاه هذه البعثات، ويشعرون أنها لا تعمل في خدمة الدين وإنما تحيك مؤامرة ضد الإسلام والمجتمع المسلم، رجاء أن تولوا هذه الجوانب قدرا مناسبا من التفكير، وأن تبذلوا نفوذكم لإقناع الإرساليات التبشيرية بالكف عن هذه الأعمال التخريبية المكشوفة والمستورة.
إسرائيل خطر على السلام.
هناك شعور مشترك بين المسلمين تجاه العالم النصراني وهو أنه يكن عداوة شديدة ضد المسلمين، ومما يقوي هذا الشعور ما نلاحظه ونجربه في كل مكان تقريبا، وآخر تعبير له: ما حدث بمناسبة الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 م، فقد فرح الناس في معظم أقطار أوربا وأميركا بانتصار إسرائيل مما ترك جرحا عميقا في قلوب المسلمين في العالم بأسره، وربما لا تجد مسلما واحدا إلا ويعتبر موجة الفرح والسرور الطافح التي غمرت أوربا وأميركا على إثر هزيمة المسلمين العرب مظهرا من مظاهر العداوة والبغضاء المتأصلين في أوساط العالم النصراني ضد المسلمين، فقد زاد ذلك إساءة على إساءة خاصة إذا نظرنا إليه من زاوية تاريخية فقصة وجود إسرائيل بل إقحامها وفرضها علينا، لم تعد هذه القصة سرا، فقد ظلت فلسطين طوال الألفي عام الماضية موطنا للعرب، وفي السنوات الأولى من القرن الحالي {العشرين} كانت نسبة اليهود لا تزيد على ثمانية بالمائة من مجموع السكان وعلى الرغم من هذا قررت الحكومة البريطانية فرض الانتداب في فلسطين مما أكد هذه السياسة، ولم تكتف بذلك بل أصدرت إليها تعليمات بجعل الوكالة اليهودية شريكا في الحكم، وذلك لترجمة هذا الاقتراح إلى حقيقة واقعة. وسرعان ما بدأت حملة لحشد اليهود من كافة ـرجاء المعمورة، واستقر هؤلاء المهاجرين في فلسطين بكل الوسائل الممكنة مما رفع نسبته إلى 33 في المائة من كمجموع السكان خلال ثلاثين عاما، وكان هذا ظلما صارخا، كانت نتيجته طرد سكان البلاط الحقيقيين، من أوطانهم وفرض أناس غرباء على البلاد وجعلها وطنا مفتعلا لهم.
ولم تنته الجريمة النكراء عند هذا الحد، بل ارتكب اعتداء آخر أشد ظلما وأكثر تعسفا، فأخذت أميركا تمارس ضغطا علنيا على الأمم المتحدة حتى تقرر تحويل هذا الوطن اليهودي المصطنع إلى دولة يهودية، وبناء عليه أعطي السكان اليهود وهم 33 % من مجمع السكان 55% من مساحة فلسطين بينما أجبر 67% من السكان على الانكماش في حدود 45% من مساحة وطنهم إلا أن اليهود بما لديهم من العتاد الذي زودتهم به نفس الدول التي كانت تفرضهم على العرب فرضا لم قنعوا بما قدم لهم، فلجأوا إلى القوة والإرهاب والضم التعسفي واستولوا على 77% من مساحة البلاد، وافتعلوا جوا من السلب والنهب والقتل والإرهاب جعلوا الحياة فيه مستحيلة بالنسبة للعرب، واخذوا يشردون السكان حتى أجبروا أكثر من مليون عربي على ترك بيوتهم وأوطانهم.
هذه لعمرو الحق هي إسرائيل على حقيقتها وعلى ضوء هذه الحقائق التي لا محل للخلاف عليها هل يستطيع أي رجل منصف أمين أن يقول بأن إسرائيل دولة شرعية قامت بوسائل عادلة طبيعية؟ فالحق أن وجودها ذاته كان عملا عدوانيا شنيعا وعلى الرغم من هذا فلم يرض اليهود بالحدود التي فرضوها بالقوة، بل على العكس من ذلك فهم يعلنون على رءوس الأشهاد أن وطنهم القومي المزعوم يمتد من النيل إلى الفرات.
وبعبارة أخرى فإن هذا إعلان دائم عن مخططاتهم العدوانية لاحتلال المنطقة بأسرها بالقوة وطرد سكانها الأصليين من بيوتهم وجلب يهود من كافة أنحاء العالمي للاستيطان فيها، ولقد كان عدوان يونيو 1967 المفاجئ في الحقيقة جزءا من هذا المخطط العدواني ذاته ضمت إسرائيل على إثره منطقة مساحتها 26000 ميلا مربعا.
وليكن معلوما بعبارات واضحة أن المسلمين يعتقدون أن العالم النصراني هو المسئول عن إيقاع هذا الظلم، وهو السبب الحقيقي في هذا الجور والبغي، فالشعوب النصرانية هي التي أوجدت وطنا مصطنعا لشعب داخل وطن شعب آخر؟ والنصارى هم الذين حولوا هذا الوطن الزائف إلى دولة، ولم يكتفوا بذلك بل جعلوا المعتدي على درجة من القوة وزودوه بالمال والسلاح حتى ينفذ مخططاته التوسعية عن طريق القوة المجردة.
وهذا العالم النصراني نفسه هو الذي يعرب عن سعادته وفرحه العظيم بانتصار اليهود على المسلمين. فهل تعتقد بعد هذه التجربة المريرة أن أي عربي أو أي مسلم في أي مكان من العالم يمكن أن يصدق التصريحات الكلامية المخلصة للعالم النصراني؟ وهل يمكن بحال أن يفكر في اعتبار النصارى أنصارا للعدل والإنصاف وتجسيدا للحب والإخلاص؟ ومن يا ترى يستطيع أن يعتبر النصارى شعوبا بعيدة عن مشاعر الحقد والتعصب الديني؟ وكيف يمكن للمسلمين أن يثقوا بهم بصورة من الصور؟ وهل لي أن أسأل: هل تعتقد أن السلام يمكن أن يقوم في العالم رغم هذا كله؟
حقا إن هذا ليس من واجبنا بل هو من واجبكم أن تجعلوا إخوانكم النصارى يحسون بوخز الضمير وتأنيبه على هذه السابقة الشنيعة، ويحاولون تصفية نفوسهم وتطهيرها من الشوائب والدنس؟
السيطرة الدولية على القدس؟(2/61)
وبصدد الحديث عن إسرائيل لا أملك إلا أن أبين أن جنابكم قد ارتكبتم غلوا وتجاوزا للحد رغم أني أعتقد أن ذلك قد تم بحسن نية، فنيتكم الطيبة فوق مستوى الشك، ولكن يبدو أن قد فاتتكم جوانب معينة من القضية: إنني أشير هنا إلى اقتراحكم بوضع القدس القديمة تحت إشراف دولي، فربما جاء اقتراحكم هذا بقصد حماية المدينة المقدسة وحفظها من ويلات الحرب والنواع والدمار ولكن الذي سيحدث يغاير ذلك مغايرة تامة: فإن ذلك سيفتح الباب لارتكاب مظلمة أخرى وبدء مأساة جديدة، فمن الجلي الواضح أن الرقابة الدولية ستتم عن طريق المنظمة الدولية ذاتها التي جاءت بهذه الدويلة المصطنعة إلى حيز الوجود أعني إسرائيل والتي تعجز عن ردع أي عدوان ترتكبه إسرائيل أو إصلاح أي خطا تقترفه حتى هذه اللحظة، وبمجرد أن تنتقل هذه المدينة إلى أيدي الأمم المتحدة فإنها ستفتح أبوابها على مصراعيها لتوطين اليهود تماما كما حدث في ظل الانتداب الذي منحته عصبة الأمم للحكومة البريطانية، وسوف تبدأ موجة جديدة من الهجرة اليهودية إلى المدينة، وستتوفر للمستوطنين اليهود كافة التسهيلات للحصول على الأراضي والممتلكات وشرائها في القدس بالوسائل المشروعة وغير المشروعة، وهكذا سيحتل اليهود المدينة بأسرها ويتحكمون في مصيرها وهم لا يعرفون معنى الاحترام للأماكن المقدسة عند النصارى والمسلمين على السواء، وهذا ما سيفضي إليه الاقتراح في الحقيقة {هذا ما تم فعلا}
أرجو المعذرة على هذا الرد المطول جوابا على رسالتكم، كما أرجو عدم المؤاخذة للأسلوب الصريح المباشر الذي حاولت به مشاطرتكم أفكاري، فالواقع أنني اعتقدت أن من واجبي أن أبين لكم العقبات الحقيقية التي تعترض سبيل إقامة السلام، والتي يجدر إزالتها ومعالجتها بصورة ملموسة، وقد كنت صريحا في رسالتي وأتوقع ذلك من عطوفتكم
مرة ثانية: أكرر أنه إذا كان هناك أي شيء من جانب العالم الإسلامي يمكن أن يكون عائقا في سبيل السلام فأرجو عدم التردد في بيانه لنا، وأعدكم أنني سأبذل ما لدي من تأثير في العالم الإسلامي لخدمة هذه القضية
كما أنني على استعداد لأن ألفت أنظار يقية الزعماء في المجتمع الإسلامي تجاه هذه المشكلة، وان أدعوهم لبذل قصارى ما يستطيعون، لإزالة العوائق من الطريق المؤدي إلى السلام والمحبة).
لاهور
17 يناير 1968 المخلص أبو الأعلى المودودي
نقلا عن مجلة الأزهر عدد شعبان 1397 \ يوليو 1977
yehiahashem@ hotmail.com
http://al-shaab.org المصدر:
===============
#جنازة الإمام وجنازة البابا
شريف عبد العزيز
لقد حرص النصارى في جميع أنحاء العالم، على انتهاز مناسبة هلاك كبيرهم بابا الفاتيكان، لاستعراض قوتهم، وبيان مدى نفوذهم واتساع قاعدة أتباعهم، وبالقطع ساعدهم في ذلك قطعان المغفلين بإرادتهم الذين ملئوا الدنيا حزناً ورثاءً على رحيل رجل السلام العالمي! واشترك في هذه الجوقة السخيفة كل رؤساء العالم تقريبا، وحرص النصارى على إظهار سيادتهم على سائر مذاهب النصرانية، وكذا سائر الأديان{الإسلام بالقطع} بزعمهم، من خلال الزخم الإعلامي الكاسح والتغطية الشاملة لمرض البابا الأخير ثم موته، ثم جنازته والتي توجت فيها كل المجهودات آلة الدعاية الإعلامية الجبارة لهذا الحدث العادي جداً، وتبجح النصارى بهذه الجنازة قائلين أنها أضخم جنازة عرفتها البشرية، وللأسف صدق المسلمون ذلك، وتسرب إليهم مفهوم سيادة النصرانية وانتشارها على مستوى البشرية، من خلال الأعداد الكبيرة التي حضرت الجنازة أو تابعتها خلال وسائل الإعلام، ونحن في هذا المقام نذكر المسلمين والبشرية، بجنازة واحد من أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونرى الفرق بينها وبين جنازة البابا التي وصفت بأنها الجنازة المليونية.
والجنازة التي سوف نتكلم عنها، هي جنازة إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الذي رحل عن دنيانا في ربيع ثان سنة 241 هجرية، في صبيحة يوم جمعة، بعد الشروق بساعتين، وقد حضر غسله مائه من بيت الخلافة من بنى هاشم، وعندما أخرج نعشه من بيته ببغداد كان والى بغداد حاضراً وهو الأمير 'محمد بن طاهر' لأن الخليفة المتوكل العباسي كان في مدينة 'سامرا' وقتها واجتمع الناس لحضور الجنازة، ومن ضخامة أعداد المشيعين، أمر الأمير 'محمد بن طاهر' بإحصاء الحاضرين، فوجدوا ألف ألف وسبعمائة ألف، أي مليون وسبعمائة ألف مشيع وقال الحافظ أبو زرعة {بلغني أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف الناس فيه حيث صلوا على الإمام أحمد بن حنبل، فبلغ مقامه ألفي ألف وخمسمائة ألف، إي مليونين ونصف المليون}.
وقال الحافظ عبد الوهاب الوراق {ما بلغنا أن جمعاً في الجاهلية ولا في الإسلام اجتمعوا في جنازة أكثر من الجمع الذي اجتمع على جنازة أحمد بن حنبل}.
وقال ابن حاتم {سمعت أنه قد أسلم يوم أن مات أحمد بن حنبل عشرون ألفا من اليهود والنصارى والمجوس} ومن شدة حرص الناس على حضور الجنازة قال حجاج الشاعر {ما كنت أحب أن أقتل في سبيل ولم أصل على الإمام أحمد}.
وهكذا نرى جنازة أحد أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإمام من أئمة المسلمين، جنازته تفوق في العدد جنازة البابا الهالك ولكن لابد من توضيح عدة نقاط لبيان حقيقة الفارق بين الرجلين وشتان ما بين السماء والأرض.
أولاً: مات الإمام ودفن في نفس اليوم الذي مات فيه، في حين أن البابا مات السبت ودفن الجمعة أي بعد ستة أيام من موته، بعدما دعي الناس للحضور من كل مكان.
ثانيا: مات الإمام سنة 241 هجرية حتى لم تكن هناك هذه الآلة الإعلامية المهولة التي تراقب الأحداث وتنقل الأخبار من أقصى الأرض لأدناها في دقائق معدودة، ولم يكن معظم الناس يعرفون قرب موت الإمام، في حين أن الحالة الصحية للبابا محل متابعة إعلامية مركزة وكاملة منذ شهور قبل موته، وتهيأ الجميع لذلك الحدث، وسافر بعضهم إلى الفاتيكان قبل الوفاة ترقباً لها.
ثالثاً: كم يبلغ تعداد سكان الأرض يوم أن مات الإمام سنة 241 هجرية، بالتأكيد لا يبلغ تعداد أقصى المتفائلين لسكان المعمورة حاجز المائتي مليون عرباً وعجماً ومن كل الأجناس، وكم يبلغ تعداد سكان الأرض الآن 'حوالي سبعة مليارات' وعند النسبة والتناسب يتضح الفرق.
رابعاً: أسلم يوم أن مات الإمام عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس، فكم يا ترى 'تكثلك' يوم أن مات البابا!
وهكذا يتضح لنا الفارق الكبير بين جنازة الإمام، وهل يصح بعدها أن نصدق قولهم عن جنازة البابا أنها الأكبر في تاريخ البشرية؟ وهل حان الوقت للبلهاء أن يغلقوا أفواههم المفتوحة إعجاباً وإكباراً لجنازة البابا؟ ويتعرفوا على تاريخ أئمتهم ورجالهم ومصدر فخرهم وعزهم بين الأمم، أم أنه لا فائدة.
16 ربيع الأول 1426هـ
- 25 أبريل 2005م
http://www.islammemo.cc المصدر:
===============
#هذا هو بابا النصارى .. فأين بابا المسلمين ؟
محمد علام
مات بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني، وهذه بعض النقاط التي في سجل حياته:
في لقائه مع أساقفة إفريقيا بمناسبة عيد ميلاد المسيح 1993م، في روما قال: "ستكون لكم كنيسة إفريقيا منكم وإليكم، وآن لإفريقيا أن تنهض وتقوم بمهمتها.وعليكم أيها الأساقفة تقع مسؤولية عظيمة ألا وهي تنصير إفريقيا عام 2000م".(2/62)
هذا، وقد بذل كل طاقات الفاتيكان وأرسل حملات التنصير الطبية والتعليمية ناهيك عن استغلال الكوارث والأزمات وإثارة الحروب الأهلية بين طوائف النصارى والمسلمين ودعمها بالمال والسلاح للسيطرة على البلاد سياسياً وعسكرياً، رغم وجود الأغلبية المسلمة حتى سقطت قرى ومدن ودول أمام حملات التنصير.
وتقول إحصائيات عام 1985م إن عدد المنصرين في إفريقيا بلغ 113 ألف منصر، ومجموع الكنائس حسب إحصائيات عام 1976م مليون ونصف مليون كنيسة، وعدد الإرساليات (111000) إرسالية، أنشأت هذه الإرساليات (1600) مستشفى ومستوصف، كما بلغ قيمة دعم المنصرين (3. 5 مليار) دولار سنوياً.. وقد زار البابا إفريقيا ثلاث مرات في خمس سنوات وكان وراء إسقاط بعض الزعماء المسلمين ودعم إحلال حكومات نصرانية رغم الأغلبية المسلمة للشعب.. بالإضافة إلى دعمه للانفصاليين في جنوب السودان.
ثم إنه قاد أكبر تحالف بين الفاتيكان واليهود، وعمل على تبرئة اليهود من دم المسيح،، وقام بتقبيل حائط البراق.
كما رفض الاعتذار عن الحملات الصليبية على العالم الإسلامي.
ودعم انفصال تيمور الشرقية عن إندونيسيا.
وقاد أكبر حملات التنصير في العصر الحديث.
هذه جهود رجل واحد لخدمة ما يعتقد وهو باطل. فأين نحن من العمل للإسلام الدين الحق؟.
http://www.almujtamaamag.com المصدر:
================
#أيها المسلمون .. صلوا من أجل البابا !!
أمير سعيد
شخصياً، لن تعتريني الدهشة إذا ما طلب إلينا شيخ الأزهر أن نجأر إلى الله في صلواتنا راجين منه - سبحانه - أن يعافي لنا بابا الفاتيكان، ولن أتعجّب لو نشبت المنيّة أظفارها في 'الحبر الأعظم' أن يحثنا -رأس المؤسسة الدينية المصرية- على أن تتراص صفوفنا بعد صلاة الجمعة لإقامة صلاة الغائب على الزعيم الروحي الكاثوليكي.
لن يرتفع حاجباي ولن تتسع حدقتاي -ذاهلاً- إن سمعت ذلك، فتلك -للأسف- هي إحدى الأعراض الجانبية للحالة 'التسامحية' التي تمر بنا، والتي تحدونا أن نتدخل على أعلى المستويات الدينية الرسمية لنطلب من مسلمة لجأت إلى الأزهر بكل تاريخه البارق العريق -ممثلاً في شيخ الأزهر- أن تعود لدينها السابق درءاً للفتنة، {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ}، وتدعونا إلى السكوت عن اختطاف الطبيبتين المسلمتين ماريان وتيريزا -ثبتهما الله- في جوانتنامو الأديرة، وتحدونا أن نغض الطرف عن منظمات التنصير تصول في بلداننا وتجول -كما في الجزائر بصفة خاصة والمغرب العربي عموماً التي تنجح منظماتها كل يوم في حذف اسم مسلم من قائمة المسلمين أو عبر شبكات غرف البال توك التي تستهدف مصريين وخليجيين-، وتحدونا أن نطلب من محجبات فرنسا على -لسان شيخ الأزهر- أن يخلعن الحجاب تساوقاً مع الإسلام الفرنسي، وتحدونا أن نمتنع عن الإفتاء بشأن الاحتلال الأمريكي للعراق لأن ' علماء كل بلد يفتون أهلها' بحسب شيخ الأزهر.
ونعمد إلى نسف هذه القاعدة بالدعوة لعدم مقاطعة الانتخابات العراقية -برغم قرار هيئة علماء العراق بالمقاطعة- كما جاء في تصريح شيخ الأزهر أيضاً!!
لن أندهش إذا ما اختطفت وفاء وماري وماريان وتيريزا واختفت زينب وأخواتها، ما دام شيخ أزهرنا يرى الفتنة في إسلام امرأة أو مقاومة محتل..
لن، ولم أندهش حين منع الرجل من الحديث لزوار معرض الكتاب قبل أسابيع لكيلا يتعرض للإحراج ساعة يسأله الشباب عن وفاء بأي ذنب خطفت؟؟ وكيف استباح لنفسه التطوع لإرضاء الباباوات بتسليمها، وحثها على كتمان إيمانها -مثلما ورد على لسانه-؟؟
ولن أندهش إذا ما نقلت إذاعة الفاتيكان عن شيخ الأزهر قوله: 'إن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني رجل سلام ومحبة، وأنا أكنّ له كل حب وتقدير، وأدعو الله العلي القدير أن يتم له الشفاء ويزيده عافية'، واصفاً إياه بأنه 'علامة مضيئة في تاريخ الحضارات التي تتلاقى وتتعاون على الخير والمنافع' لا يتعامل مع مرضه إلا بـ 'مشاعر صاحب عقل سليم وخلق كريم يؤدي واجبه رغم المرض، ولا يتمسك بها إلا من أعطاهم الله صدق العزيمة والإخلاص وصدق النية في العمل'. (مفكرة الإسلام نقلاً عن إذاعة الفاتيكان: 5/3/2005].
لن أندهش أبداً، وأنا أستمع لمعظم وسائلنا الإعلامية -بما فيها تلك الحيادية نوعاً ما وكذا 'العربية'- وهي تطلعنا أولاً بأول على آخر أخبار صحة البابا وكأنه من بقية السلف!!
وحياة هذا البابا أو مماته لا تعنيني كثيراً؛ إذ استتب الأمر لرجالات اليهود في الفاتيكان بمقدمه، ونفد السهم من قوس الصهيونية، ولم يعد الأمر قاصراً على رجل واحد فقط أرسى قواعد هيمنة اليهود على دين الكاثوليك..
نعم فبرغم جهوده الجبارة في هذا الصدد، فإن حياته أو مماته لن تعني تغيراً يذكر حيث أدى الرجل دوره تماماً ولم يعد في جعبته ما يمنحه لليهود آجلاً..
ولنعد للقصة من بدايتها..
كارلو فوتييلا (أو يوحنا بولس الثاني)، تولّى منصب بابا الكنيسة الكاثوليكية في روما بعد أيام من تسميم البابا السابق يوحنا بولس الأول، والذي لم ينصّب سوى ثلاثين يوماً، وفقاً لمصادر مسيحية أردنية.
والبابا في حقيقة الأمر هو منتج متميز لصناعة كاثوليكية/يهودية مشتركة، مرَّ إنتاجه بعدة مراحل إنتاجية ومحطات دينية واستخبارية فائقة الدقة، بعض هذه المحطات تغلفّه السرية القاسية، وبعضها بات اليوم مكشوفاً للباحثين.
ولن ندّعي العلم ببواطن الأمور ولا التنجيم، إذ كثير من الحقائق بات متاحاً نستطيع من خلاله رسم صورة دقيقة عن هذا الرجل الذي يتمنى له شيخ الأزهر الشفاء العاجل ليعود إلى عمله المضني والشاق، وقليل منها جاثم في باطن الغيب لكنه لا يحول دون رؤية الصورة بخطوطها العريضة على الأقل..
أولى هذه المحطات هي النقطة الفاصلة في حياته، والتي ندعوكم إلى اصطحابه منها، تحديداً وهو في الثامنة عشرة من عمره، في رحلته من التشيك إلى بولندة، حيث كان الرجل يهودياً على الأشهر من الترجمات المنشورة عنه (لا يعترف الفاتيكان بذلك) ثم بدّل دينه لمّا عَبَر الحدود التشيكية (موطنه الأصلي) إلى بولندة مع بدايات الحرب العالمية الثانية عام 1939 (حين اعتبر اليهود وقتها أنفسهم مضطهدين)، ثم تنصّر إثر ذلك فترهبن فصار كاهناً في أعقاب الحرب العالمية 1945.
وقبل أن نغادر لمحطة أخرى، ثمّة ما يمكن الوقوف عنده مليّاً إذا ما استصحبنا رحلة مارتن لوثر من اليهودية إلى المسيحية وتأسيسه للبروتستانتية، ورحلة كارل ماركس من اليهودية إلى الإلحاد الشيوعي ووضع نظريته 'الماركسية'، ورحلة عبد الله بن سبأ من اليهودية إلى الإسلام ظاهرياً وإنشائه لملّة الإثني عشرية، ورحلة مصطفى كمال (ابن زبيدة اليهودية، حيث الأب لا يعلمه إلا الله) من اليهودية إلى الإسلام ظاهرياً وتبنّيه للقومية الطورانية التركية.
وإذا ما توقفنا عند هؤلاء، اقتربنا قليلاً من فهم هذه المحطة الهامة من تاريخ الكاهن الأكبر.
المحطة الثانية تنعطف بنا إلى حياة مهندس الوثيقة البابوية التي صدرت عام 1965 واختصاراً للجهد هو ذاك كارلو فوتييلا (أو يوحنا بولس الثاني فيما بعد) الذي كان له 'شرف' وضع هذه 'وثيقة تبرئة اليهود من دم يسوع المسيح'، واليهود عند واضعي الوثيقة المخزية هم أهل المنحة التي أعطاها لهم الرب -بزعمهم-، وهي أرض كنعان (فلسطين)، وبحسبها فاليهود بريئون من دم المسيح (اعتقاد المسلمين أن المسيح - عليه السلام - حقيقة لم يصلب بل رفعه الله إليه، وإن كان ذلك لا يعفي اليهود من إرادة التآمر ذاته)..(2/63)
ثم ثالثة الأثافي أتت في طيّات الوثيقة أن 'المسيح كان يهودياً، وسيبقى يهودياً'..
وهكذا تمضي عشرون عاماً على البابا في أحضان الفاتيكان، لا تردّه عن أصل يؤمن به لا يفارقه وإن غادر التشيك إلى جمهورية الكرادلة..
المحطة الثالثة من حياة كارلو فوتييلا، تلك التي تنقلنا لمشهده وهو يتوّج 'حبراً أعظماً'- كأحد أصغر من يتولون المنصب (58 عاماً حينذاك)- على رأس الكنيسة الكاثوليكية في العام 1979، بعد أن مات البابا السابق يوحنا بولس الأول -ميتة ياسر عرفات- بعد شهر واحد من اعتلائه منصبه الخطير وبدون مرض خطير!! حينها وجد كارلو الطريق إلى رأس الفاتيكان معبّداً، وتولّى الرجل منصبه، وكانت إحدى فاتحات شهية الباحثين في وضعه المثير للجدل بشكل واسع، هو تفرد كارلو من حيث كونه الأول منذ خمسة قرون الذي يعتلي سدّة الكهانة في الفاتيكان من خارج إيطاليا. وقد بدأ الرجل من فوره العمل على ثلاثة محاور هي الأبرز من محاور تحركاته:
الأول: ترسيخ الاختراق اليهودي للفاتيكان:
وتدجين الكنيسة الكاثوليكية مثلما دُجِّنَت الكنيسة الإنجيلية، ومد أواصر الصداقة الدينية والسياسية مع 'إسرائيل'.
'لو كان المسيح - عليه السلام - يهوديا؛ فإنه لشرف عظيم لبابا روما أن يكون يهوديا هو أيضا'، قال البابا، وزاد: 'إن اليهود أعزاؤنا وأشقاؤنا المحببون، وهم بحق الشقيق الأكبر'..
إن البابا الذي لم يكن قد مضى على مكوثه في منصبه أكثر من ثلاث سنوات حتى أفاض من 'كرمه' على اليهود، فاعترف بـ'دولة إسرائيل' في العام 1982 (عام الاجتياح والمذابح الصهيونية الرهيبة في لبنان)، لم تخل نصائحه في كتاب تعليماته لـ'المسيحيين' أن يحبوا اليهود لأنهم شعب المسيح (اليهودي بالطبع وفقاً للبابا البولندي الجنسية)، أولئك الذين أحاطهم البابا بـ'مكرمة' زيارته لكنيسهم في روما وصلاته فيه وسط ذهول 'مسيحي' الكنيسة الشرقية بعد ذلك بأربع سنوات، ثم توجيهه اللوم أخيراً قبل عامين من الألفية الثالثة لأتباعه المتسببين في ما يقال عن الهولوكوست اليهودي الذي ينسب للنازي إقامته لليهود.
الثاني: العمل على تفكيك الاتحاد السوفيتي:
آخر كتب البابا 'الذاكرة والهوية' الذي يلقى الآن رواجاً كبيراً بسبب الحالة الصحية للبابا، أماط فيه اللثام عن قناعته الشخصية بأن التركي محمد على أغا الذي حاول اغتياله أوائل الثمانينات لم يتصرف من تلقاء نفسه، معبّراً عن اعتقاده بأن الكتلة الشيوعية السابقة ربما كانت وراء مؤامرة محاولة اغتياله.
لماذا تقدم تلك الكتلة على محاولة اغتياله؟ الجواب ليس عند البابا، وإنما لدى العديد من خبراء السياسة الأوروبية الذين يكادون يجمعون على علاقة سرية باتت معلومة لدى قطاع عريض من الخبراء، تجمع ما بين يوحنا بولس وجهاز الاستخبارات الأمريكي، جرى تفعيلها مبكراً، وبدت أول نتائجها في الزيارة التي قام بها كارلو في العام 1978 لبلده الثاني بولندة، داقّاً هناك أولى مسامير الكنيسة الكاثوليكية في نعش الشيوعية.
والخطة كانت محكمة؛ بولندة ذات الثمانية والثلاثين مليون نسمة -هم الأكثر كثافة سكانية بين دول أوربا الشرقية، مقر حلف وارسو، قاعدة اليهود الخلفية في أوربا ومفرزة الزعماء الصهاينة-، من هناك تحرك البابا، ومن هناك أطلق عباراته النارية: 'إن المسيح لا يقبل أن يكون الإنسان أداة إنتاج فقط، فعلى العامل ورب العمل والدولة والكنيسة نفسها أن يتذكروا أنه لا يمكن فصل المسيح عن عمل الإنسان'، فلتعوا الدرس أتباع منظمة تضامن 'ليخ فاونسا' الزعيم العمالي المثير للجدل، والذي أضحى بعدُ زعيماً لبلاده كلها:
إن المسيح يحارب الشيوعية، لا تكونوا اشتراكيين، نفهم من الكاهن الأكبر..
الجموع المحتشدة لم تأكل من عزيمتها و'إيمانها' السنون: 'نريد الله في مدارسنا، نريد الله في منازلنا، الله هو ربنا'..
البابا السابق المسموم كان نصيراً للعمال والفلاحين، لم يكن مناسباً للمرحلة فلفظته المرحلة والحياة على حد سواء، ذاك كارلو أنضج فكراً وأنسب للمرحلة بجذوره الشرقية العريقة وتطلعاته نحو الديمقراطية. وعلى ذكر الديمقراطية؛ فتلك ليست تدخلاً من الكهنوت في الدنيا ولا تنطبق عليها 'دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله'، وإنما: 'إن على الكنيسة مشاركة الشعب في كفاحه من أجل الديموقراطية'، قال البابا..
فالديمقراطية إذن ليست نظرية سياسية تجعل للكنيسة سلطاناً سياسياً، هكذا أريد للكاثوليكية في تلك اللحظة أن تنطق، ليأتي بعدها الرئيس الأمريكي لـ'يبشر' العالم بالديمقراطية، ويعطف على كلام البابا الكاثوليكي كلام رهبان البيت الأبيض البروتستانتيين، حين بدا الحيز الفكري بينهما ضيقاً بـ'فضل' البابا الذي جمع الشمل كلٌ في 'حب إسرائيل'. (للتذكرة فقط، فالبابا جاء متزامناً مع انتخاب رونالد ريجان اليميني رئيساً للولايات المتحدة).
البابا ليس كشيخ الأزهر -الذي يتمنى على الله أن يمن على الأول بالشفاء-، له دور سياسي عملاق، ألم تر إلى المذيع بالتليفزيون الأمريكي حين قال متحدثاً عن 'معجزات' البابا: 'في سنة واحدة أسقط عيدي أمين، وأحل حاكماً مسيحياً محله وأسقط بوكاسا الحاكم الإفريقي المسيحي الذي تجرأ واعتنق الإسلام، أسقطته قوات أكبر دولة كاثوليكية في العالم'..
ودور الرجل في تقويض أركان الشيوعية لا ينكر، تحدث -كما ذكرنا آنفاً- عنه كثير من المحللين والكتاب، منهم صاحبا كتاب ' صاحب القداسة' الإيطاليان اللذان أثبتا فيه العلاقة المريبة التي تربط هذا الرجل بجهاز C.I.A.
بيد أننا نعطف بتلك الحادثة المريبة التي تدل على حماسة الرجل ضد الشيوعية والاشتراكية، وهي بعيدة لكنها قريبة المعنى، في نيكاراجوا حيث تورط كاردينال كاثوليكي في الانخراط في حكومة شيوعية كوزير للثقافة، عندها لما زاره البابا لم يكترث بتوسلات الكاردينال آرنست التي أبدى فيها ولاءه للكنيسة، لكن 'الحبر الأعظم' بكل 'سماحة' وبّخه وأهانه أمام عدسات التلفزة، معنّفاً له على تورطه في حكومة شيوعية (لعل المشهد هذا في 'تسامحه الديني' يشابه ما أثبتته الصحافة المصرية شبه الرسمية لشيخ الأزهر وهو يصفع أحد الحضور لخطبة الجمعة التي كان يلقيها بالجامع لما اعترض عليه!!)..
وإذا بعدنا عن الشيوعية ودور البابا، لمسنا تدخّلاً استخبارياً لافتاً للبابا في الشرق الأوسط، وثّقه تقرير هام للمركز الإعلامي الفلسطيني من بيت لحم، جاء فيه: 'من المثير أنّ البابا يوحنا بولس السادس، يملك أحد أكبر أجهزة جمع المعلومات في الأراضي الفلسطينية، حيث تزوّد الكنائس الكاثوليكية بشكلٍ يوميّ الفاتيكان بأحداث الأراضي الفلسطينية و بشكلٍ تفصيليّ، و إن كان لا يعرف من يستفيد من هذه المعلومات و تحليلها في النهاية'. وإن كان التقرير لا يدّعي علمه بالجهة المستفيدة، فإنه على أفضل الأحوال حين يكون الفاتيكان مستقلاً، فإنه حينئذ يعد من الجهات الاستخبارية، وإلا عُدَّ -على أسوأ الفروض- من توابعها 'الاستعمارية'..
الثالث: تحريك قوافل التنصير بأسرع وتيرة شهدتها الكنيسة من أيام الاحتلال المباشر في القرنين المنصرمين:(2/64)
ليس لدينا إحصاءات دقيقة، لكن بالإمكان أن نزعم أن هذا البابا هو أكثر بابوات روما من حيث عدد جولاته التنصيرية، وغير التنصيرية، فنادراً ما تعثر على بقعة مهمة في المعمورة لم 'تحظ' بزيارة البابا، لا سيما تلك المسلمة التي لم يكن بسهولة متاحاً من قبل أن يتطلع لزيارتها البابا، كأرض الشام المباركة -التي كانت مطمع الحملات الصليبية دوماً وقد زارها إبان احتفالات انصرام الألفية الثانية-، وأرض الكنانة التي استقبله فيها سيد طنطاوي وقت أن كان مفتياً للديار المصرية، وإفريقيا بطولها وعرضها، لا سيما زيارته للسودان (أو أرض السود) أوائل التسعينات، التي نُصِبَ فيها لأجله صليباً في الساحة الخضراء بطول 12 متراً.
وجولته لـ نيجيريا وبنين والجابون وغينيا الإفريقية.
والرجل لما أقعده المرض، لم يتوانَ عن حثّ أنصاره أن يسيحوا في الأرض متلمّسين خطاه، في تسونامي دعا المنظمات التنصيرية إلى الإسراع إلى هناك بعد حدوث الزلزال مباشرة، فكانوا هناك بعد قليل من ذلك لم يؤخرهم روتين ولا إجراءات معقدة، فلاقاهم المنكوبون قبل أن ينحسر المد.
وفي دارفور لما اعتراها ما اعتراها، خاطب البابا جمعاً من المنصّرين قائلاً: 'إنني أحدثكم عن دار فور، تلك المنطقة التي تشهد كارثة إنسانية وهي بحاجة إلى صلواتكم، هلمّوا إليها إنها بحاجة إلى كلمة المسيح'، وفي كل مكان تعرّض لمشكلة من ديار الإسلام كان البابا هناك أو العديد من أتباعه..
وليس من عجب أن تقفز عدد المنظمات التنصيرية من 15 ألف منظمة إلى 27 ألفاً في عهده، وهو صاحب التصريح 'لابد أن يتنصر العالم'، وإذا كان المسلمون في ازدياد والكاثوليك في تناقص؛ فإن ذلك يصبح آكد.
وإذ الأمر كذلك، فإن الرجل يصبح يسير في اتجاه لا يلتقي أبداً مع طموحات وتطلعات لجان الحوار بين الأديان المنبثقة عن الأزهر، وتصبح تمنيات شيخ الأزهر له بالشفاء العاجل محل تأمل..
أما نحن، فلن نصلي أبداً من أجل البابا!!
10 - 04 - 2005
http://www.islamway.com المصدر:
================
#مات البابا وبقي الإسلام
عبد السلام محمد زود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: فقد خلق الله الناس، واختار لهم الإسلام دينا، وأرسل لهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ودعاهم للإيمان به، ليسعدوا في الدنيا والآخرة، فقال - تعالى -: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وهذا في الدنيا {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} النحل 97 وهذا في الآخرة، وخطبة اليوم بمشيئة الله - تعالى - بعنوان: (مات البابا وبقي الإسلام) ونبدأ بالإسلام لحيويته، ونختم بالبابا لانتهائه، فنقول وبالله التوفيق: لقد بين وحي الله - تعالى -للناس كافة، أن حاجتهم إلى الإسلام أشد من حاجتهم إلى للطعام والشراب والهواء، لأنه لا نجاة للناس ولا سلامة إلا بالإسلام، فما هو الإسلام يا تُرى؟
- الإسلام هو الدين الوحيد عند الله - تعالى -كما قال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} آل عمران 19، وسمى من دخلوا فيه قديما وحديثا بالمسلمين، فقال - تعالى -: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} آخر الحج.
- وكان الإسلام ولا زال هو دين الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فالإسلام هو دين نوح - عليه السلام -، حيث قال لقومه: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} يونس 72، أول رسول يقول لأهل الأرض جميعا: وأمرت أن أكون من المسلمين.
- والإسلام هو دين خليل الرحمن إبراهيم - عليه السلام -، كما قال - تعالى -: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} آل عمران 67
- والإسلام هو دين ذرية إبراهيم - عليه السلام -: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} البقرة 131-132
- والإسلام هو دين يعقوب - عليه السلام - وبنيه، كما قال - تعالى -: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} البقرة 133
- والإسلام هو دين لوط - عليه السلام -، كما قال - تعالى -: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} الذاريات 35-36 وهو بيت لوط - عليه السلام -.
- والإسلام هو دين موسى ومن آمن معه، كما قال - تعالى -: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ}يونس 84
- والإسلام هو دين عيسى - عليه السلام - ومن آمن معه، كما قال - تعالى -: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} المائدة 111
- والإسلام هو الدين الذي دخل فيه سحرة فرعون يوم أن شرح الله صدرهم له، حيث قالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} الأعراف 126
- والإسلام هو دين سليمان - عليه السلام - حيث قال: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}النمل 42
- والإسلام هو الدين الذي لم تجد بلقيس ملكة سبأ دينا يصلح للدخول فيه غيره حيث قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} النمل44
- بل والإسلام هو دين المؤمنين من الجن، قال - تعالى -حكاية عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَد} الجن 14
- والإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، كما قال - تعالى -: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران85
- وما جاء خاتم الأنبياء والمرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا بالإسلام، كما أمره - تعالى -بقوله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}الأنعام 162- 163
- والإسلام هو الدين الذي رضيه الله لعباده حيث قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} المائدة 3
- والإسلام هو الدين الذي من أراد الله به خيرا شرح صدره له، كما قال - تعالى -: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ..} الأنعام 125(2/65)
- والإسلام هو الدين الذي دعا يوسف - عليه السلام - ربه أن يتوفاه عليه، فقال: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} يوسف 101
- والإسلام هو الأمنية التي يتمنى العباد جميعا -حتى الكفار- أن يموتوا عليه، كما قال - تعالى -عن فرعون: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}يونس 90
- والإسلام هو الدين الذي يتمنى الكفار يوم القيامة أن لو كانوا من أتباعه كما قال - تعالى -: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} الحجر 2
- وأبى الله - تعالى - أن يجعل المسلمين كالمجرمين فقال: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} القلم 35-36
- ولا أمن من فزع يوم القيامة بل ولا دخول للجنة إلا للمسلمين فقط، كما قال - تعالى -: {يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} الزخرف 68-70
- وأمر الله - تعالى - نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يعلن للناس قائلا: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} الأنبياء 108
- وأمر رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يقول للعرب وأهل الكتاب: {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} آل عمران20
- وليس هناك أديانا سماوية كما يقول الناس، بل هناك دين واحد هو الإسلام، كما قال - تعالى -: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} آل عمران 19، وإنما هناك شرائعُ ومناهج، قال - تعالى -: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً..} المائدة 48
- والإسلام هو الدين الذي أمرنا الله - تعالى -أن نموت عليه، فقال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} آل عمران 102 ومن مات على غير الإسلام فقد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
- إذاً فالإسلام هو دين الله - تعالى -الذي جاء به الأنبياء والمرسلون لشعوبهم وأقوامهم، جاء به نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وجعل الله لكل نبي شريعة ومنهاجا تختلف عن شريعة النبي الآخر، فهنيئا لمن كان مسلما، وعاش مسلما، ومات مسلما، هنيئا له الجنة، وويل لمن كان كافرا، وعاش كافرا، ومات على الكفر، ويل له من النار، ومن غضب الجبار جل جلاله.
وقد حاول الكفار بجميع طوائفهم إطفاء دين الإسلام على مر العصور، وما استطاعوا ذلك، ولو نظرنا في حاضر الإسلام، وكيف يتقدم ويكسب في كل يوم بل في كل لحظة مواقع جديدة، وناساً يدخلون فيه، وناساً من أهله يعودون إلى صفائه ونقائه، وإنجازات لرجاله ودعاته في مشاريع ومؤسسات وكتب، وجماهير تحتشد لهم، وجموعاً تؤم المساجد والمناسك، وصلاحاً هنا وهناك، وتقدماً في المواقع، رغم ضعف المسلمين، لو نظرنا في ذلك كله لأيقنا أن الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل من أحد دينا سواه.
ولما لم يستطيعوا إطفاء نور الإسلام حاربوا أهل الإسلام، وأبادوا منهم جماعات ومجتمعات، وأسقطوا دولا وأذهبوا أسماءً وشعارات، وبقي الإسلام شامخا، لأنه دين الله، والذي يريد أن يطفأ نور الإسلام مثله كمثل الفراشة التي تحاول إطفاء نور الكهرباء يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُاْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} التوبة 32-33 ولن يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا وسيدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلا يذل الله به الكفر وأهله، كما النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وما خُلقت هذه الأمة إلا للإسلام، وما وجدت إلا للإسلام، فالإسلام هو سر بقائها، والذي يريد أن يقضي على الإسلام فليقض على هذه الأمة، وهل يستطيع أحد أن يقضي على هذه الأمة أو على دينها، هيهات ثم هيهات!! فهذه الأمة موعودة بالبقاء، وليس بالبقاء فقط بل بالنصر والتمكين، ولا يزال الله - عز وجل - يخرج لهذه الأمة في كل مرحلة من تاريخها علماء ودعاة وقادة ومجاهدين يستعملهم في خدمة هذا الدين.
انظروا كم دفن الناس من طاغية؟ وكم دفن الناس من كافر محارب لله ورسوله؟ كم دَفنوا من زنديق؟ وكم دفنوا من كافر؟ وكم دفنوا من منافق وملحد؟ فرعون مضى، النمرود مضى، أبرهة مضى، أبو جهل مضى، هولاكو مضى، جنكيز خان مضى، وقرونا بين ذلك كثيرا، حتى رؤساء الكفر والضلال في هذا الزمان سيدفنهم أصحابهم، حتى بابا الفاتيكان الذي حارب الإسلام طيلة حياته أخيرا مات وبقي الإسلام شامخا، فقط صبر جميل واستعانة بالله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إخواني في الله:
إن هذا الدين هو كلمة الله - عز وجل -، ولا إله إلا الله هي كلمة الإسلام، ومن ذا الذي يستطيع أن يُطفأ نور هذه الكلمة؟!!
أتُطفِأُ نورَ الله نفخةُ كافر *** تعال الذي في الكبرياء تفردَّا
إذا جلجلت الله أكبر في الوغى *** تخاذلت الأصوات عن ذلك الندا
ومن خاصم الرحمن خابت جهوده *** وضاعت مساعيه وأتعابه سدى
ونقول اليوم لأمريكا: لستِ أول من حارب الإسلام، بل حاربه قبلك الكثير، لكن ماذا كانت النتيجة؟ أهلك الله كل من وقف في طريق الإسلام، وأبقى الله الإسلام شامخا، وسيبقى بموعود الله ورسوله، وهاهو الإسلام الآن يتململ في أوربا وأمريكا…
إخواني في الله: رغم الظروف الصعبة التي يمر بها المسلمون في كل مكان، إلا أن المستقبل للإسلام، لا بد أن يعتقد المسلمون وأبناء المسلمين بأن المستقبل للإسلام قطعاً، كيف وقد أفلس الغرب والشرق من القيم والمفاهيم والأخلاق؟ كيف وقد صاروا في أمر مريج؟ وما هو الدين المرشَّح للإنتشار والظهور، واقتناعِ البشرية به وإتيانهم إليه؟ أليس هو الإسلام؟ أليس الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في العالم رغم ضعف المسلمين اليوم، فكيف في غيره من الأوقات؟!!(2/66)
أجل لقد أفلس الغرب في الأصول الاجتماعية التي قامت عليها حضارته، فحياة الغرب التي قامت على العلم المادي، والمعرفة الأولية، والكشف والاختراع، وإغراق أسواق العالم بمنتجات العقول والآلات، لم تستطع أن تقدم للنفس الإنسانية خيطا من النور، أو بصيصا من الأمل، أو شعاعا من الإيمان، ولم ترسم للأرواح القلقة أي سبيل للراحة والاطمئنان، رغم كثرة الكنائس والرهبان والكرادلة، ولهذا كان طبيعيا أن يتبرم الإنسان الغربي بهذه الأوضاع المادية البحتة، وأن يحاول الترفيه عن نفسه، ولم تجد الحياة الغربية المادية ما ترفِّهُ به عنه إلا الماديات أيضا، من الآثام والشهوات والخمور والنساء والاحتفالات الصاخبة والمظاهر المغرية التي تلهيه بها، ثم ازداد بها بعد ذلك جوعا على جوع، وأحس بصرخات روحه تنطلق عالية، تحاول تحطيم هذا السجن المادي، والانطلاق في الفضاء، واسترواح نسمات الإيمان، فاهتدت في آخر الطريق إلى الإسلام فدخلت فيه، فوجدت الراحة والأمن والأمان، وسلوا كل من أسلم يخبركم عن هذه الحقيقة، ومن هنا ندرك سر إقبال الغرب على الإسلام.
بل تدبروا معي ما تخطه الأقلام الغربية، لأن كثيرا من الناس -وللأسف- لا يصدقون الوحي إلا إذا كان من أوربا وأمريكا، أوردت مجلة التايم الأمريكية الخبر التالي: (وستشرق شمس الإسلام من جديد، ولكنها في هذه المرة تعكس كل حقائق الجغرافيا، فهي لا تشرق من المشرق كالعادة، وإنما ستشرق في هذه المرة من الغرب) من قلب أوروبا تلك القارة التي بدأت المآذن فيها تناطح أبراج الكنائس في باريس ولندن ومدريد وروما ونيويورك، وصوتُ الأذان الذي يرتفع كل يوم في تلك البلاد خمس مرات، خيرُ شاهد على أن الإسلام يكسب كل يوم أرضا جديدة وأتباعا.
أصبح للأذان من يلبيه في كل أنحاء الأرض، من طوكيو حتى نيويورك، وعند نيويورك ومساجدها نتوقف، ففي أوقات الأذان الخمس ينطلق الأذان في نيويورك من مائة مئذنة، يلبي نداءَ المؤذن فيها نحو مليون مسلم، ويكفي أن تعلم أخي أنه قد بلغ عدد المساجد في أمريكا -قلب قلعة الكفر- ما يقرب من (2000) ألفي مسجد والحمد لله، وترتفع في بريطانيا مئذنة حوالي (1000) مسجد، وتعلو سماء فرنسا وحدها مئذنة (1554) مسجدا ولا تتسع للمصلين، وأما ألمانيا فتقدر المساجد وأماكن الصلاة فيها بـ(2200) مسجد ومصلى، وأما بلجيكا فيُوجد فيها نحو (300) مسجد ومصلى، ووصل عدد المساجد والمصليات في هولندا إلى ما يزيد عن (400) مسجد، كما ترتفع في إيطاليا وحدها مئذنة (130) مسجدًا أبرزها مسجد روما الكبير، وأما النمسا فيبلغ عدد المساجد فيها حوالي 76 مسجدا، هذه فقط بعض الدول في أوربا الغربية، عدا عن أوربا الشرقية، والإقبال على الإسلام يزداد يوما بعد يوم، ومن هذه المساجد يتحرك الإسلام، وينطلق في أوربا، لذلك ليس غريبا أن تشدد أوربا وأمريكا في أمر المساجد ومراقبة أهلها، والتضييق في إعطاء الرخص لبنائها، ولو علمتَ أخي أن معظم هذه المساجد كانت كنائس فاشتراها المسلمون وحولوها إلى مساجد لعجبت.
أما جريدة السانداي تلغراف البريطانية فقالت في نهاية القرن الماضي: (إن انتشار الإسلام مع نهاية هذا القرن يعني الذي مضى- ومطلع القرن الجديد يعني الذي نحن فيه- ليس له من سبب مباشر إلا أن سكان العالم من غير المسلمين بدءوا يتطلعون إلى الإسلام، وبدءوا يقرءون عن الإسلام فعرفوا من خلال اطلاعهم أن الإسلام هو الدين الوحيد الأسمى الذي يمكن أن يُتبع، وهو الدين الوحيد القادر على حل كل مشاكل البشرية).
مجلة لودينا الفرنسية قالت بعد دراسة قام بها متخصصون: (إن مستقبل نظام العالم سيكون دينيا، وسيسود النظام الإسلامي على الرغم من ضعفه الحالي، لأنه الدين الوحيد الذي يمتلك قوة شمولية هائلة) لِمَ لا وهو دين الله الذي أنزله للعالمين؟!!.
وقال رئيس شرطة المسلمين وهو ضابط أمريكي أكرمه الله بالإسلام قال: (الإسلام قوى جداً جداً في أمريكا، وينتشر بقوة في الشرطة الأمريكية).
إخواني في الله: وبعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، ازداد في العالم الغربي الإقبال على فهم الإسلام بصورة غير متوقعة، وأصبحت نسخ القرآن الكريم المترجمة من أكثر الكتب مبيعا في الأسواق الأمريكية والأوربية حتى نفدت من المكتبات، لكثرة الإقبال على اقتنائها، وتسبب ذلك في دخول الكثير منهم في الإسلام، ويكفي أن تعلم أن في ألمانيا وحدها بيعت خلال سنة واحدة (40) ألف نسخة من كتاب ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الألمانية.
كما أعادت دار نشر (لاروس) الفرنسية الشهيرة طباعة ترجمة معاني القران الكريم بعد نفادها من الأسواق.
وفي عام 2001 نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأميركيين يقدرون عدد الأميركيين الذين يعتنقون الإسلام سنويا بـ 25 ألف شخص، وأن عدد الذين يدخلون دين الله يوميا تضاعف أربع مرات بعد أحداث 11 سبتمبر حسب تقديرات أوساط دينية.
والمدهش أن أحد التقارير الأمريكية الذي نُشر قبل أربع سنوات ذكر أن عدد الداخلين في الإسلام بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر قد بلغ أكثر من ثلاثين ألف مسلم ومسلمة، وهذا ما أكده رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي حيث قال: (إن أكثر من 24 ألف أمريكي قد اعتنقوا الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، "وهو أعلى مستوى تَحقق في الولايات المتحدة منذ أن دخلها الإسلام".
إخواني في الله: ونظرا لإقبال الغرب على الإسلام فقد حذر أسقف إيطالي بارز من (أسلمة أوروبا).
وفي مدينة بولونيا الإيطالية حذر أسقف آخر من أن الإسلام سينتصر على أوروبا إذا لم تغدو أوروبا مسيحية مجددًا..
ولم يقتصر الأمر على هؤلاء بل وصل الخوف إلى من كان يسمى بالأمس القريب بابا الفاتيكان الذي صرخ بذعر في وثيقة التنصير الكنسي لكل المنصرين على وجه الأرض قائلاً: "هيا تحركوا بسرعة لوقف الزحف الإسلامي الهائل في أنحاء أوربا" وقد قضى البابا عمره لاهثًا وراء حلم توحيد جميع كنائس العالم تحت الكنيسة [الأم] بالفاتيكان، لمواجهة الزحف الإسلامي فما استطاع.
ونحن نقول للمسلمين ولأبنائنا المسلمين: إن المستقبل للإسلام، وبوادر الفتح الإسلامي لأوربا بات وشيكا إن شاء الله - تعالى -...
وتدبروا معي هذا الحديث الذي يسكب الأمل في قلوب الأمة سكبا، فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً، يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.
وفي هذه الأيام التي تُغرقنا فيها وسائل الإعلام بالحديث عن بابا الفاتيكان وموته، نرى في الجانب الآخر أعدادا لا يعلمها إلا الله يدخلون في دين الله أفواجا، وهذا التوجه الهائل نحو الدين الإسلامي هو ما يخيف الحكومات الغربية، ويجعلها تزداد خوفا وحقدا على الإسلام وأهله، ومحاولة وقف هذا الزحف الإسلامي بشتى الوسائل، بالحروب العسكرية تارة، وبالغزو الفكري تارة أخرى.(2/67)
أجل إن الإعلام لا يريكم إلا ما يرى، بينما عندما يلقي داعية مسلما محاضرة عن الإسلام في قلب أمريكا كما فعل ذلك الداعية الإسلامي الأمريكي الذي كان قسيسا سابقا والمعروف بـ(يوسف استس) ألقي محاضرة عن الإسلام وفي نهاية المحاضرة أعلن جميع من في القاعة وعددهم 135 شخصا أمريكيا أعلنوا الشهادة بصوت واحد، فسبحان الله، أين وسائل الإعلام عن هذه المشاهد التي تهتز لها القلوب.... ؟.
فهيا أيها المسلمون في كل مكان، تحركوا بكل ما تملكون من وسائل وإمكانيات، وبينوا صورة الإسلام المشرقة، فالإسلام الآن متهم في الغرب بالإرهاب والتطرف شئنا أم أبينا، فإن كنت أخي تعرف زميلا لك في أي مكان، فأرسل إليه رسالة، أو أهدئه كتابا أو شريطا عن الإسلام، وافعل ذلك مع جيرانك وزملائك في العمل، المهم أن تبذل شيئا للإسلام، وأنت سفيرُ الإسلام في هذه البلاد شئت أم أبيت، فهيا تحرك لخدمة دين الله - تعالى -، واعلم أن الكون لا يتحكم فيه الأمريكان ولا الفاتيكان، ولا يدير دفته الأوروبيون، بل إن الذي يدبر أمر الكون هو ملك الملوك - سبحانه وتعالى -، وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
تعلمون إخواني أن للإعلام تأثيرا كبيرا في صياغة الأحداث، والتأثير في عقلية القارئ والمستمع والمشاهد، وتوجيه الرأي العام حول ما يريد، بل وإقناعه بما يريد، إلا أن الأمر ليس بالضرورة كما تصوره وسائل الإعلام، فهي في غالب الأحيان تَذْكُرُ الجزء الذي يناسبها ويخدم مصالحها من القضية الكلية، وتتغاضي عمدا عن جوانب أخرى مهمة من الحدث نفسه.
ولا أشك أنكم قرأتم وسمعتم وشاهدتم شيئا مما تناقلته وسائل الإعلام في حدث وفاة يوحنا بولس الثاني زعيم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بالفاتيكان، حيث صوره الإعلام أنه الزعيم الروحي للبشرية جمعاء، ويحظى بإجماع دولي على زعامة العالم، في حين أنه لا يتعدى كونه زعيم واحدة من الكنائس النصرانية التي لا تحظى بالقبول من طرف كنائس أخرى تنتمي إلى نفس الديانة.
وإن المتابع لوسائل الإعلام في هذه الأيام يرى أنها عظَّمت الرجل كثيرا، وأكثرت من ذكر أعماله الإنسانية والتنصيرية، حتى صورته أنه رسول السلام الوحيد في هذا العصر، الحريص على أمن الشعوب في العالم، ناسين أو متجاهلين الحروب الصليبية الدموية قديما وحديثا ضد المسلمين وغير المسلمين من الديانات الأخرى.
أقول إن وراء هذه الحملة الإعلامية القوية، حملة تنصيرية عالمية، ودعوة خاصة للنصارى بكافة طوائفهم أن يعودوا إلى الكنيسة، ويحيوا دورها من جديد، بعد أن هجروها، وباعوا بعضها بالمزاد، وما كان مسجدُنا هذا، أعني مسجد الأزهر هنا إلا كنيسة باعوها بعد أن أصبحت خاوية على عروشها من المصلين، وهكذا حال معظم مساجد المسلمين في الغرب كانت كنائس فحولها المسلمون إلى مساجد.
أقول: إن الاهتمام العالمي الزائد بالرجل، وحضورَ رؤساء العالم اليوم للمشاركة في تشييعه، إنما هو ثمرة تقطفها النصرانية، التي باتت مهددة بالانحسار خاصة في أوربا، وذلك من جراء الزحف الإسلامي إلى قلبها كما سمعتم، حيث يتخذ الإسلام فيها مواقع جديدة كل يوم، من خلال دخول أهلها في الإسلام، كما صرَّح بذلك البابا نفسه عندما صرح بالمنصرين أن يهبوا للوقوف في وجه الزحف الإسلامي داخل أوربا.
وهذا إن دل فإنما يدل على قوة الإسلام وتقدمه، وقد استولى على الأخبار العالمية اليوم، فما من نشرة أخبار عالمية إلا وأخبار المسلمين تتصدرها أو تكون ضمنها، ولم يعد للنصرانية في السنوات الأخيرة ذكر في الأخبار العالمية، سوى فضائح الرهبان من اللواط والاغتصاب، فجاءهم حدث وفاة البابا فرصة ذهبية ليبشروا بالنصرانية التي قضى حياته في الدعوة إليها، كم من مسلم فقير في أدغال إفريقيا نصَّره! وكم من مسلم فقير عديم في آسيا نصَّره! ومن دين الإسلام أخرجه! ثم بعد ذلك يحزن البعض من المسلمين على وفاته، بل ويترحمون عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله!
اعلموا إخواني: أن أبناءنا هم رأس مالنا في هذه الحياة الدنيا، وهم أكبادنا تمشي على الأرض، ودينهم أغلى علينا من كل شيء، فإن خسرنا دينهم فقد خسرنا كل شيء، وإن ربحنا دينهم فقد ربحنا كل شيء.
نقول لإخواننا وأبنائنا: من مات على الإسلام فمصيره إلى الجنة بإذن الله - تعالى -خالدا فيها أبدا، ومن مات على الكفر بالله فمصيره إلى النار والعياذ بالله - تعالى -كائنا من كان، قال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} البقرة 161- 162 وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار).
نقول هذا لننظف أذهان إخواننا وأبنائنا مما سمعوه طيلة هذه الأيام من أخبار عن الرجل وديانته النصرانية وكنيسته الكاثوليكية وما سمعوه على الفضائيات من جواز الترحم عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اعلموا إخواني: أنه تحرم الصلاة والاستغفار والترحم على الكفار والمنافقين لقول الله- تبارك وتعالى -: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} التوبة 84 ولقوله - تعالى -: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} التوبة 113، قال النووي في المجموع(5/144، 258):: (الصلاة على الكافر، والدعاء له بالمغفرة حرام بنص القرآن والإجماع).
سبحان الله كيف يجوز الترحم على رجل ظل طيلة حياته وهو يدعو الناس إلى الكفر بالله والشرك بالله - تعالى -، وإقناعهم بأن عيسى هو ابن الله - تعالى -الله عن ذلك علوا كبيرا، وأنه قتل وصلب فداء للبشرية، والله - تعالى -يقول: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ}ويقول: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ} كيف نترحم أو نحزن على رجل كان سببا في تنصير كثير من فقراء المسلمين في أدغال آسيا وإفريقيا.
لم الحزن على رجل اعتذار لليهود عن الهوليكوست (محارق اليهود) ولم يعتذر للمسلمين عما لحق بهم من جرائم قديما وحديثا بدءا من محاكم التفتيش النصرانية، ومرورا بالحروب الصليبية، ووصولا إلى الإبادة الجماعية لمسلمي البوسنة والهرسك وكل ذلك باسم الصليب.
إن حروب العصر سواء كانت في البوسنة والهرسك أو في أفغانستان أو في العراق قد أوقد نارها شرذمة من المتطرفين النصارى الذين يكنون العداء للمسلمين، وما تصريحات بوش عند غزو العراق إلا دليل على ذلك، حيث أكد أن الحرب حرب صليبية، ويومها لم نسمع أي تعليق من البابا يستنكر فيه هذا الأمر الخطير، أو يردُّ عليه، وصدق الله العظيم: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} آل عمران اللهم قد بلغت اللهم فاشهد...(2/68)
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، واحشرنا مسلمين مع سيد الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
28/صفر/1426هـ
8/4/2005م
http://www.saaid.net المصدر:
================
#بابا الفاتيكان يوصي النصارى بالتقارب مع اليهود
كشف حاخام إيطاليا السابق 'إلياهو طواف' عن بعض ما جاء في وصايا "يوحنا بولس الثاني" بابا الفاتيكان الهالك.
فقد أكّد الحاخام اليهودي أن يوحنا بولس طلب في وصيته الأخيرة الكاثوليك في العالم ضرورة استمرار التقارب مع اليهود.
ونقلت الإذاعة العبرية السبت عن الحاخام المقرب من يوحنا بولس، أن يوحنا أكد في وصيته أهمية تحسين العلاقات مع كافة اليهود في العالم.
واعتبر كبير حاخامات إيطاليا سابقاً أن ورود ذكر اليهود في وصية يوحنا بولس الثاني إنما هو إشارة منه إلى خليفته بضرورة الاستمرار في التقرب من الشعب اليهودي وتحسين العلاقات معه!
وأكد الحاخام 'طواف' -في مقابلات صحفية أمس- أنه تفاجأ عندما عرف أن بابا الفاتيكان ذكره بالاسم في وصيته.
ومما يُذكر أن 'طواف' كان الحاخام الأكبر ليهود إيطاليا حين قام بابا الفاتيكان بزيارته غير المسبوقة للمعبد اليهودي في روما عام 1986.
ومن المعروف أن بابا الفاتيكان يقوم بكتابة وصاياه خلال حياته لمن سيخلفه، حيث تعتبر هذه الوصايا بمثابة مخططات واجبة التنفيذ للبابا الجديد.
وكان قد اشتهر بابا الفاتيكان بعلاقاته مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ومساهمته معها في إسقاط الاتحاد السوفييتي وتفكيك حلف وارسو، والتمهيد لقبول اليهود بين النصارى بعد تبرئته لهم من دم المسيح المزعوم.
17 - 04 - 2005
http://www.islamway.com المصدر:
==============
#البابا والتركة الموجعة : لقد أتعبت الكنيسة من بعدك !
فمئات ملايين الكاثوليك الذين ملأوا الميادين للاستماع إلى مواعظه لم يُقنعهم، ولم يُغيروا نهج حياتهم ولم يعودوا إلى أحضان الكاثوليكية التقليدية. لقد أحبوه من غير أن يحبوا مبادئ "بشارته". وبهذا خلّف أكبر بابوات جيلنا وراءه "أتباعا" في أزمة عميقة، وهي أزمة هوية، وإيمان واستمرار. حيث إن قوة جذب الكنيسة الكاثوليكية ضعفت ضعفا مثيرا
بقلم خدمة العصر
صحيح أن البابا كواعظ لا يكل، اخترق الأبواب المغلقة للفاتيكان ليسيح في أرجاء العالم، للقاء الناس، والاحتكاك بهم، والحديث معهم، هو أكثر الأشخاص المعروفين في العالم. لكن الحضور الإعلامي، في الدين كما في كل جزء آخر من الحياة، هو وهم كاذب من النجاح الحقيقي. فمئات ملايين الكاثوليك الذين ملأوا الميادين للاستماع إلى مواعظه لم يُقنعهم، ولم يُغيروا نهج حياتهم ولم يعودوا إلى أحضان الكاثوليكية التقليدية. لقد أحبوه من غير أن يحبوا مبادئ "بشارته". وبهذا خلّف أكبر بابوات جيلنا وراءه "أتباعا" في أزمة عميقة، وهي أزمة هوية، وإيمان واستمرار. حيث إن قوة جذب الكنيسة الكاثوليكية ضعفت ضعفا مثيرا.
أجوبتها على آلام وحيرة المدنية الحديثة -وهي الأجوبة التي صاغها البابا صياغة حريصة- ليست كافية ولا يقبلها "المؤمنون" حتى في دول غرب أوروبا الكاثوليكية مثل إسبانيا، وإيطاليا، وإيرلندا. إسبانيا اليوم بلد سكانه متحررون من فرائض الدين الكاثوليكي، وفي إيطاليا تظل الكنائس فارغة ولا يأتي أحد إلى غرف الاعتراف، وفي ايرلندا تحول الدين الكاثوليكي إلى ظاهرة ثقافية جانبية. في أوروبا كلها يوجد نقص مريع في الكهانة، والتجند لصفوف الكنيسة الكاثوليكية يؤول إلى الصفر. في الولايات المتحدة تعاني الكنيسة أزمة ثقة لا سابقة لها، وهذا في أعقاب قضايا التحرش الجنسي التي كُشفت في صفوفها. على خلاف الانطباع الخارجي، فليست منزلة الكنيسة في شرق أوروبا بأفضل. فالكنيسة الكاثوليكية في بولندا مُقسمة، ومتنازعة، تطاردها الفضائح المالية والوطنية، ولا تخاطب قلوب الشبان، ودرجة تأثيرها منخفضة بما لا يقبل المقارنة بحالها في زمن الحكم الشيوعي، عندما عملت الكنيسة كملجأ للمجتمع المدني وملاذا للمعارضة الديمقراطية.
دعا البابا إلى "المحافظة الغالية" في الحياة الشخصية، وبهذا زاد اتساع الخرق بينه وبين الكاثوليكية الحديثة الإصلاحية. وبالرغم من أنه أكثر من التحذير من أخطار الرأسمالية الهوجاء وطلب توزيعا أكثر عدلا للموارد الاقتصادية، لصالح الفقراء والمستَغَلين، بقي يوحنا بولص الثاني مُخلصا للتصور الديني الذي يُقدس الملكية والمبادرة الشخصيتين، واقتصاد السوق. وبهذا زاد من اتساع الفرق أيضا مع الجماعات الكاثوليكية الراديكالية في أمريكا اللاتينية، حيث يُخلي الدين هناك مكانه تدريجيا للعقائد العلمانية. يوحنا بولص الثاني، الذي يثير موته أمواجا من المشاركة العامة، لم يعالج الخلاف داخل الكنيسة الكاثوليكية ولم ينجح في نشر بشارتها، على الرغم من الحضور الإعلامي الواسع والحضور الشخصي له.
06-4-2005
http://www.alasr.ws المصدر:
===============
#البكاء على البابا الكاثوليك !!
محمد يحيى
انشغلت العديد من الهيئات والشخصيات الإسلامية بإصدار بيانات النعي لبابا الفاتيكان السابق (جون بول الثاني)، ووصل بعضها في ذلك إلى حد المبالغة الممقوتة والإسراف في إظهار مشاعر الأسى الألم، وربما يفتقر ذلك إذا عرفنا أن مبعثه تهافت تلك الهيئات الناعية على إظهار مدى تسامحها، في أعين الغرب الذي أصبح الآن يرفع عصا الاتهامات بالتطرف والتشدد على كل المسلمين..
ويفرض على كل من يتحدث باسم الإسلام، أو يرفع لواءه بالحق أو بالباطل، أن يدافع عن نفسه طيلة الوقت، ويتفنن في إظهار أنه غير متشدد أو متطرف، حتى ولو وصل في ذلك إلى حد السخف والمبالغة، ومما يلاحظ أن هؤلاء الناعين للبابا على الجانب الإسلامي سارعوا في طي نعيهم، وبيانات الأسف إلى نقل وتكرار ما قيل في الغرب عن هذا البابا أنه رجل السلام والمحبة، وداعية التآلف بين الشعوب، وحامل همّ الإنسانية، والمبشر بالحوار بين الأديان، ناسين أو متناسين أن البابا كان هو الداعي الأكبر للتنصير بين المسلمين، وحتى بين أبناء الطوائف المسيحية نفسها؛ حيث اشتركت بعض الكنائس الأرثوذكسية في شرق أوروبا في أن الكنيسة الكاثوليكية تسعى لتحويل أتباعها من مذهبهم إلى المذهب الكاثوليكي، كما استغل أجواء الفوضى والدمار التي تسببها الحروب والكوارث الإنسانية؛ لكي يعمل على إخراج المسلمين من دينهم وهم وسط أمواج من المحن والبلاء والفقر، بل ويعمل على استغلال ضرب الحكومات العلمانية في الدول الإسلامية للدعوة الإسلامية، ويزكي هذه النشاطات لكي ينتزع المسلمين من عقيدتهم، وليس في هذا التنصير المفروض بقوة السلاح وقوة القمع والاستعمار، واستغلال المحن وأي شيء يلمح إلى محبة الإنسانية والحوار مع الآخر وهو ما لا يدعو إلى الافتخار من جانب المسلمين.(2/69)
وهكذا فإن الذين دبَّجوا بيانات النعي المذكورة كشفوا عن طابع الزيف والاصطناع والمجاملة فيها عندما لم يكلفوا أنفسهم عناء محاولة وضع أي تقييم موضوعي لهذا البابا وأفكاره وأعماله، بل سارعوا إلى نقل وتكرار الدعاية عنه من تمجيد مسرف بين أبناء جلدته في الغرب، وهم محقون في تفاخرهم به، حتى إلى حد الغلو والمبالغة؛ لأنه خدم مصالحهم وأهدافهم بجانب مصالح كنيسته وديانته، لكن لا يحق للمسلمين الذين وقعت عليهم عواقب أفكار وسياسات البابا أن يصدروا أو تصدر باسمهم بيانات النعي تحمل تمجيد هذا البابا، وتصفه بأوصاف؛ بينما كانت أعماله ضد الإسلام هي على النقيض منها تماماً. خذ من تلك الأوصاف مثلاً: الحديث عن البابا بوصفة رجلاً للسلام العالمي، والمحبة بين الشعوب؛ بينما كان البابا وكنيسته الفاعل الأساس والوحيد في فصل تيمور الشرقية في أكبر بلد إسلامي في العالم وهو إندونيسيا! ومن المحزن والمضحك في الوقت نفسه وفي آن واحد أن إندونيسيا وفي إطار حملة التزلف والتودد إلى الغرب، سارعت إلى الإعلان عن رغبتها في طرح اسم أحد الكرادلة في الكنيسة الكاثوليكية بإندونيسيا ليكون هو خليفة البابا، ونسي المسؤولون هناك أن هذه الكنيسة هي التي قسمت بلادهم، وشجعت على الانفصال لأحد أغنى أقاليمها، وجيشت العالم ضدها، كما نسي المسؤولون هناك إن إندونيسيا ليست بلداً نصرانياً، وأن الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية كذلك، لم تنشأ هناك إلا في ركاب الاستعمار الهولندي، ومعه النفوذ الغربي؛ فهي ليست ظاهرة أصيلة في ذلك البلد، بل وافدة تحت ظروف أقل ما يقال فيها إنها ظروف القهر، واستغلال معاناة الشعوب. هذا هو نصيب البابا الراحل وكنيسته من ناحية العمل على السلام والمحبة، وبخاصة في العالم الإسلامي وهو رصيد يضاف إلى أعماله الأخرى المشهورة في زعزعة الأنظمة والحكومات الشيوعية في أوروبا الشرقية وصولاً إلى إسقاط الكتلة الشرقية أو السوفييتية، بما فتح الباب لضمها إلى الكتلة الغربية، ووضعها تحت السيطرة الاستعمارية الأمريكية، وأوجد معاناة إنسانية هائلة، وفتح الباب كذلك لقوى التعصب والإرهاب الصليبي لتعربد هناك، وتدمر الوجود الإسلامي في آسيا الوسطى وحتى البلقان، ويمتد نصيب وإسهام البابا في «دنيا السلام والمحبة» إلى قارة أمريكا الجنوبية والوسطى؛ حيث تمادى تيار الفكر المناصر لقضايا الشعوب في وجه النهب والسلب الاستعماري، وهو التيار الذي يعرف باسم (لاهوت التحرير)، مما أدى إلى قيام أنظمة متسلطة قمعية عملت على ضرب الحركات الشعبية، وأفسحت المجال أمام النفوذ الأمريكي المباشر للدخول إلى تلك البلدان، وإخضاعها لصالح وغايات الولايات المتحدة.
ومن المفارقة أن هذا الضرب من جانب البابا لتيار لاهوت التحرير أدى إلى تدفق البعثات التنصيرية الأمريكية إلى بلدان أمريكا الجنوبية والوسطى؛ حيث أخذت تتعدى على أتباع الكنائس الأخرى لجذبهم إلى الطائفة الكاثوليكية، وذكرت أنباء في الإعلام الغربي في معرض تحليل وفاة البابا إلى أنه في السنوات العشر الأخيرة تمكنت تلك الجماعات، والكنائس التنصيرية الأمريكية والبروتستانتية في اجتذاب حوالي أربعة وعشرين مليون كاثوليكي إلى صفوفها.
أما عن الحوار النصراني الإسلامي الذي ذكرت بيانات النص في الجانب الإسلامي على أنه من مآثر البابا الراحل، وإنجازاته فهو كما أثبتت الأحداث لم يكن أكثر من مجرد تحرك دعائي هدفه وضع المسلمين موضع الدفاع والتراجع، وإلهاؤهم عن أي محاولة تصدٍّ لهذه الهجمة أو نشر عقيدتهم ودعوتهم. بل تجاوز الأمر هذا الحد حينما تحول هذا الحوار المزعوم إلى وسيلة لإدخال وفرض مفاهيم نصرانية كنسية على العقيدة الإسلامية، وتجنيد عدد من الداخلين إلى هذا الحوار من الطرف الإسلامي، ليصبحوا دعاة للصليبية في الوسط الإسلامي. وكان ملحوظاً أن هذه المجموعة بالذات من المنحازين إلى الطروحات الصليبية من أعلى الأصوات تباكياً على البابا الراحل، وتذكيراً بأمجاده المزعومة، ودعوة إلى مواصلة ذلك الحوار الذي استفادوا هم بالذات منه مادياً ومعنوياً، ومما يؤسف له أن الفترة الماضية شهدت وفاة العديد من أعلام الفقه والفكر الإسلامي، ومنهم أئمة أعلام، ولكن لم يتحرك كثير من وسائل الإعلام المحلي ولا كثير من الحكومات ولا النخب إلى مجرد ذكر أخبار وفاتهم ولا نقل نعيهم أو التذكير بأمجادهم ومآثرهم العلمية، لكن هذه الأعمال كانت تصب في صالح الإسلام، وهو ما لا يحب أحد أن يذكره ولا تصب في صالح الصليبية الغربية التي يبدو أن الجميع الآن يعمل في خدمتها إلى حد المشاركة بأعلى أصوات النواح والعويل والبكاء في مآتمها.
-------------------
(*) أستاذ الأدب الإنجليزي، كلية الآداب جامعة القاهرة.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===============
#بدأها البابا عندما زار العراق
قائلا : من أور ( الناصريّة ) إلى ( أور شليم ) وفي تكريت مسقط رأس صلاح الدين أُعلن انتصار حرب بوش الصليبية ..
حامد بن عبد الله العلي
خاطرة:
كان البابا عندما زار العراق قد أطلق على رحلته عبارة لم تكن عابرة لمن يفهم مغزاها .. قال: «مشياً على الأقدام من أور إلى أورشليم»، و (أور) هي الناصرية، التي عقد فيها اجتماع (الكرزايات) التي سيحكم الصهاينة العراق عبرهم.
وتعمدت أمريكا أن يكون إعلان النصر في تكريت، وتكريت تحتضن القلعة التي فيها مسقط رأس صلاح الدين الأيوبي، قاهر الصليبيين، والصهاينة يعتقدون أن إبراهيم - عليه السلام -، سار من أور (الناصريّة) جنوب العراق، إلى الأرض المقدسة، ثم إلى مصر، وأن أرضه التي وطأتها قدمه، ستكون لهم بوعد إلهي، من الفرات إلى النيل، ويعتقد الصليبيون المتصهينون عصابة بوش أن السماء هي التي تقودهم ليحققوا حلم اسرائيل، لأن بذلك فحسب يحصل نزول المسيح، هل عرفنا الآن الدلالات التوراتية لهذه الحرب الصليبية؟
خاطرة:
ثلاثة طواغيت في العالم، يريد سدنة البيت الأبيض وكهّانه، وحاخامات تل أبيت أن يُعبِّدوا لها الخلق.
الأول: الحضارة الغربية المادية الصليبية المتحالفة مع الصهيونية.
الثاني: الشرعة الطاغوتية الدولية المتمثلة في مواثيق الأمم المتحدة.
الثالث: الحدود السياسية الزائفة التي هي تركة الاحتلال الصليبي السابق للدول الإسلامية، فقد تحولت إلى طواغيت معبودة، تقدم على شريعة الله الآمرة بموالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين، فصار المؤمنون بهذا الطاغوت العصري (الحدود السياسية) يوالون ويعادون، ويصلون ويقطعون، ويحبون ويبغضون، على أساس العلاقة بهذا الطاغوت والموقف منه، وبعضهم مع ذلك يشهدون الشهادتين، لكنهم لتلك الطواغيت، راكعون ساجدون، ملكت عليهم قلوبهم، فاتخذوها أربابا من دون الله - تعالى -، وهم بصنيعهم هذا عابدون لغير الله - تعالى -، كفار مرتدون.
وهذه الطواغيت الثلاثة هي: (اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) لهذا العصر، وهي الأصنام العصرية التي تعبد من دون الله - تعالى -، وما هي إلا أسماء سمَّوها زورا، ما نزّل الله بها من سلطان، وهي زيف كبير باطل من صنع الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله - تعالى -، وهي الجاهلية الأخرى بعينها واسمها، ورسمها، لاتعدوها طرفة عين.
ومن آمن بها فقد كفر الله - تعالى -، ومن آمن بالله - تعالى -وشريعته فلا يصح إيمانه حتى يكفر بهذه الطواغيت جميعا، ولا يكفي أن يكفر بها حتى يتبرأ من المؤمنين بها أيضا.(2/70)
ويجب على كل مسلم أن يقول لمن يدعوه إلى الإيمان بها، ما قاله نبي الله هود - عليه السلام -: (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ).
خاطرة:
وقد وضع سدنة وكهان البيت الأبيض، وحاخامات اليهود في تل أبيب، لطواغيتهم هذه، وضعوا سدنة صغارا، هم أولياؤهم الذين يُعبِّدون الخلق لهذه الطواغيت في آفاق الأرض، ويأخذون الولاء لها، ويخوفوّن الناس منها، ويرغّبونهم بما عندها من متاع الدنيا.
والله - تعالى -أمر المؤمنين أن لا يخافوا إلاّ الله - تعالى -، كما قال - تعالى -(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِاللَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ).
كما أمرهم أنْ لا يفتنهم متاع الحياة الدنيا عمّا عند الله - تعالى -، وقال (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى).
قال ابن كثير - رحمه الله -: (يقول - تعالى -لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعيم فإنما هو زهرة زائلة ونعمة حائلة لنختبرهم بذلك وقليل من عبادي الشكور وقال مجاهد أزواجا منهم يعني الأغنياء فقد آتاك خيرا مما آتاهم كما قال في الآية الأخرى " ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك " وكذا ما ادخره الله - تعالى -لرسوله في الآخرة أمر عظيم لا يحد ولا يوصف كما قال - تعالى -" ولسوف يعطيك ربك فترضى " ولهذا قال " ورزق ربك خير وأبقى " وفي الصحيح أن عمر بن الخطاب لما دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك المشربة التي كان قد اعتزل فيها نساءه حين آلى منهم فرآه متوسدا مضطجعا على رمال حصير وليس في البيت إلا صبرة من قرظ واهية معلقة فابتدرت عينا عمر بالبكاء فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما يبكيك يا عمر؟ " فقال يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه فقال " أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ").
وكما كان نبينا - صلى الله عليه وسلم -، يجب أن نكون، مؤثرين الآخرة على الدنيا، حذرين أن نجعل الدنيا ربا ومعبودا مع الله - تعالى -.
خاطرة:
والله - تعالى -امتحن الخلق بهذه الطواغيت، وهي تجتذب الخلق بحب الدنيا، كما يفعل المسيح الدجال في آخر الزمان، وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الفتنة عن التوحيد بحب ملذات الدنيا، هي أكثر ما يصيب الناس آخر الزمان، كماقال (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل) رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفي حديث حذيفة قال (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) رواه البخاري، فهؤلاء الدعاة للافتتان بحضارة الغرب الكافر، هم الدعاة على أبواب جهنم.
وترى أكثر الخلق اليوم، يتعادون ويتدافعون لإلقاء أنفسهم تحت أقدام هذا الطاغوت، يعلنون له الولاء والطاعة، وينبذون كتاب الله وراء ظهورهم، من أجله، ليأكلوا من فتات ما يلقيه عليهم أولياء هذا الطاغوت، الدعاة على أبواب جهنم، حرس الحدود السياسيّة الطاغوت الثالث.
خاطرة:
يجب أن نتذكر دائما أن المشروع الإسلامي، ليس بالضرورة هو الحركة الإسلامية، فالمشروع الإسلامي هو رسالة الإسلام، التي يدير المعركة ضدها مشروع الغرب الصليبي في هذا العصر، وهذا المشروع الغربي هو الجاهلية بعينها، فهما مشروعان متناقضات يتصارعان، الإسلام والجاهلية، والإسلام هو الإسلام، والجاهلية المعاصرة أخت الجاهلية الأولى، لكنها تلبس اليوم لباسا عصريا جديدا فحسب، وصانعها وداعيها الأكبر واحد، هو الشيطان.
وأما الحركة الإسلامية فهي مجموعة من الرجال الذين يقومون، فيزعمون تجديد الإسلام، ونصر المشروع الإسلامي، غير أنهم بعد ذلك:
** إما أن يصبروا في تحمل أمانة نصر هذا المشروع كما أنزل الله - تعالى -، غير مبدلين، ولا مداهنين، وغير عابئين بأن يصيروا غرباء، كما وصفهم الله - تعالى- في القرون السالفة: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم، واتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين)، أو يمكنهم الله - تعالى- في الأرض إن شاء.
** وإما أن يستوعبهم مشروع الجاهلية، بعد تقديم سلسلة التنازلات، حتى يتحولوا ـ من حيث يشعرون أو لا يشعرون ـ إلى أبواق له، يسيرون في ردفه، ويطبلون لانتصاراته.
وهذا الصنف الأخير حدث في الكويت، بصورة مأساوية كارثية في صفوف الحركة الإسلامية، وذلك في امتحان التوحيد والولاء والبراء الذي امتحنوا به، عندما نزلت الجيوش الصليبية في ساحة أرض العراق، منطلقة من الكويت، فزلت حينئذ أقدام، وضلت أفهام، وخاضت بالضلال المبين ألسنة كانت قبل ذلك تنطق بالحق، فغدت تضل الخلق، وإنما نقول هذا تحذيرا وتنفيرا، لا شماتة وتعييرا.
وهل أفسد الدين إلا الملوك *** وأحبار سوء ورهبانها
http://www.h-alali.net المصدر:
===============
#بابا روما وصهينة النصرانية
عبد الرحمن بن عبد الخالق
الزيارة التي يقوم الآن بها بابا روما إلى القدس وفلسطين ليقدم فيها اعتذاره التاريخي عن أعمال النازية مع اليهود. تأتي هذه الزيارة تتويجاً لخمس وثلاثين عاماً أمضاها هذا البابا في خدمة الصهيونية، واستطاع فيها أن يصهين النصرانية، وأن يزرع فيها عقائد جديدة تختلف جذرياً عن النصرانية الأولى، وخاصة في موقفها من اليهود.
فقد بدأ هذا البابا أول مشروعه الصهيوني منذ تولي البابوية في تبرئة اليهود المعاصرين من دم المسيح، وجاء قراره هذا ليخالف العقيدة الأساسية التي تقوم عليها النصرانية، بل هي أم عقائدهم.
وهي أن اليهود هم الذين سعوا لقتل المسيح - عليه السلام -، واتهموه صغيراً بأنه مولود من الزنا، واتهموه كبيراً بأنه مبتدع مهرطق، كافر، وأنه يستحل القتل، وبهذا حكموا عليه به، وسلموه إلى الحاكم الروماني ليقتله ويصلبه، وأنه لما حاول ببلاطس الروماني أن يتهرب من قتله هددوه بالقيصر وأنه لما قال لهم: (أنا برئ من دم هذا البار فانظروا أنتم في الأمر!!) أجابوه جميعاً قائلين: (ليكن دمه علينا وعلى أولادنا) (انجيل متى27).
وهذا نص الإنجيل بلفظه العربي:
"يسوع أمام ببلاطس: ووقف يسوع أمام الحاكم، فسأله الحاكم: (أأنت ملك اليهود؟) أجابه أنت قلت!) وكان رؤساء الكهنة والشيوخ يوجهون ضده الاتهامات وهو صامت لا يرد فقال له ببلاطس: (أما تسمع ما يشهدون به عليك؟) لكن يسوع لم يجب الحاكم ولو بكلمة، حتى تعجب الحاكم كثيراً.(2/71)
وكان من عادة الحاكم في كل عيد أن يطلق لجمهور الشعب أي سجين يريدونه. وكان عندهم وقتئذ سجين مشهور اسمه باراباس، ففيما هم مجتمعون، سألهم ببلاطس: (من تريدون أن أطلق لكم باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح؟) إذ كان يعلم أنهم سلموه عن حسد، وفيما هو جالس على منصة القضاء أرسلت إليه زوجته تقول (إياك وذلك البار! فقد تضايقت اليوم كثيراً في حلم بسببه) ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموع أن يطالبوا بإطلاق باراباس وقتل يسوع، فسألهم ببلاطس: (أي الاثنين تريدون أن أطلق لكم) أجابوا: (باراباس) فعاد يسأل: (فماذا فعل يسوع الذي يدعى المسيح) أجابوا جميعاً: (ليصلب!) فسأل الحاكم: (وأي شر فعل؟) فازدادوا صراخاً (ليصلب) فلما رأى ببلاطس أنه لا فائدة، وأن فتنة تكاد أن تنشب بالأحرى، أخذ ماء وغسل يديه أمام الجمع وقال: (أنا برئ من دم هذا البار فانظروا أنتم في الأمر) فأجاب الشعب (ليكن دمه علينا وعلى أولادنا) فأطلق لهم باراباس وأما يسوع فجلده، ثم سلمه إلى الصلب". (انجيل متى 27).
ومنذ اليوم الذي كتب فيه الانجيل ولم تتغير هذه القضية عند النصارى وهي أن اليهود كفار قد سعوا في قتل المسيح بل قتلوه وصلبوه حسب اعتقاد النصارى وادعاء اليهود أنفسهم منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا. قال - تعالى -عنهم في القرآن الكريم: {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم أنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله} فهذه دعواهم وتبجحهم وافتخارهم بهذا الأمر.
ولم يطرأ قط على عقائد اليهود في المسيح منذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا أي تغيير بل مازال المسيح عندهم ابن زنا، مهرطق كاذب مدع للنبوة وليس بنبي..
فأتى البابا وهو رأس الكنيسة الغربية كنيسة روما التي تمثل نحو نصف نصارى العالم ليعلن أن يهود اليوم غير يهود الأمس وأنهم برءاء من دم المسيح، هذا تبديل كامل للدين، وهرطقة عظيمة تنسف العقيدة النصرانية من أساسها..ثم إن هذه التبرئة لا تقوم على أي أساس أخلاقي إذ رفع التهمة عن المجرم دون سبب ليس له من تفسير إلا مناصرة الإجرام، فاليهود الذين سعوا في قتل المسيح مجرمون، وأبناؤهم الذين جاءوا على إثرهم واعتقدوا عقائدهم وسبوا المسيح بما سبه آباؤهم، ومازالوا يفتخرون بقتله وصلبه -حسب زعمهم- هم مجرمون مثل آبائهم.
ومع هذا فقد جاء هذا البابا وافتتح مشروعه الصهيوني بهذا التبديل في عقائد النصرانية خدمة لليهود فإن تبرئة اليهود المعاصرين من جريمة آبائهم السابقين لا تنبني على أي أساس أخلاقي أو ديني، وإنما كانت من أجل التمهيد لإزالة ما في نفوس النصارى بل ما في عقائدهم نحو اليهود، لتبدأ حقبة جديدة تصبح النصرانية فيها ديناً في خدمة اليهودية.. وهذه هي المهمة التي قام بها هذا البابا منذ توليته.
وقد استغل اليهود هذه الحقبة أيما استغلال فكانت الدعوة اليهودية في أوساط الشعوب النصرانية أنهم أمة مظلومة مهضومة تحتاج إلى وطن تسكنه، وأن هذا الوطن هو الأرض التي بشرت بها التوراة التي يؤمن بها اليهود والنصارى، وأنهم يجب أن يتعاونوا في قتل أعداء النصارى واليهود الذين اغتصبوا هذا الوطن هذه المدة الطويلة من الزمان.
ثم كانت الفرية العظمى التي نشرها اليهود وأقرها البابا وتبنتها الكنيسة الغربية، وهي أن عودة المسيح إلى الأرض مرهونة بأن تكون القدس بيد اليهود، وأن بناء الهيكل الذي بشر به المسيح بعد عودته لن يكون إلا إذا أصبحت القدس بأيدي اليهود.
وهذه الفرية تكذب ما جاء به الانجيل، وما لعن به المسيح عيسى بن مريم اليهود إلى يوم القيامة.. فقد قال لهم: (الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! فإنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الأبرار، وتقولون: لو عشنا في زمن آبائنا لما شاركناهم في سفك دم الأنبياء فبهذا تشهدون على أنفسكم بأنكم أبناء قاتلي الأنبياء! فأكملوا ما بدأه آباؤكم ليطفح الكيل!
أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تفلتون من عقاب جهنم لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء ومعلمين، فبعضهم تقتلون وتصلبون، وبعضهم تجلدون في مجامعكم، وتطاردونهم من مدينة إلى أخرى، وبهذا يقع عليكم كل دم زكي سفك على الأرض: من دم هابيل البار إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح الحق أقول لكم: إن عقاب ذلك كله سينزل بهذا الجيل.
يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، فلم تريدوا! ها إن بيتكم يترك لكم خراباً! فإني أقول لكم إنكم لن تروني من الآن، حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب.
علامات نهاية الزمان:
ثم خرج يسوع من الهيكل، ولما غادره تقدم إليه تلاميذه، ولفتوا نظره إلى مباني الهيكل فقال لهم: أما ترون هذه المباني كلها؟ الحق أقول لكم: لن يترك هنا حجر فوق حجر إلا ويهدم). (انجيل متى 24).
إن أعظم جريمة يتوج بها كاهن روما الأعظم (بولس الثاني) ويختم بها حياته في خدمة الصهيونية هو هذا البيان الذي صدر باسم الفاتيكان في 16/3/1998، والذي تم إعداده في عشر سنوات والذي يجعل ما تعرض له اليهود خلال الحرب العالمية الثانية هو أعظم أحداث القرن الماضي، وأن على كل نصارى العالم الاعتذار لليهود والتكفير عن ذنبهم تجاههم.
ويدعو البابا الذي صدر البيان باسم الكنيسة الكاثوليكية قائلاً: (في التطلع إلى مستقبل العلاقات بين المسيحيين واليهود ندعو في بادئ الأمر إخواننا وأخواتنا الكاثوليك إلى تجديد اطلاعهم وإدراكهم للجذور العبرية لإيمانهم، ونسألهم أن يتذكروا دوماً أن يسوع كان من سلالة داود وأن مريم العذراء والرسل ينتمون إلى الشعب اليهودي وأن الكنيسة تستمد عونها من جذور شجرة الزيتون الطيبة التي طعمت بجذوع الزيتون البري لغير اليهود.
وأن اليهود هو أخوتنا العزيزون كثيراً بل في الواقع هم بمعنى ما "اخوتنا الأكبر سناً".
في نهاية هذه الألفية ترغب الكنيسة الكاثوليكية في التعبير عن أسفها إزاء الأخطاء والهفوات التي قام بها أبناء وبنات الكنيسة في جميع العصور، إنه فعل توبة (Teshuva) ما دمنا كأبناء كنيسة مرتبطين بالخطايا كما نحن مرتبطون بأفضال كل أبنائنا، إن الكنيسة تنظر باحترام عميق ورحمة صادقة إلى تجربة الإبادة -المحرقة- التي عانى منها الشعب اليهودي خلال الحرب العالمية الثانية، وليست المسألة مجرد كلمات بل إنها بالفعل تعبير عن التزام وثيق، أننا قد نخاطر بتسبب موت ضحايا أبشع عمليات القتل وأفظعها، مرة أخرى لم نملك الرغبة الأكيدة والمتقدة بالعدالة، وإن لم نلزم أنفسنا لأن نضمن عدم غلبة الشر على الخير أبداً كما حدث بالنسبة إلى ملايين الأطفال من الشعب اليهودي.. فالإنسانية لن تسمح بحدوث كل هذا مرة جديدة.
إننا نصلي لأن يؤدي أسفنا للمأساة التي عانى منها الشعب اليهودي في هذا القرن إلى قيام علاقة جديدة مع الشعب اليهودي، ونتمنى أن يتحول إدراك خطايا الماضي إلى إرادة راسخة أكيدة لبناء مستقبل جديد لا يكون فيه بعد الآن عداء لليهودية بين المسيحيين، أو عداء للمسيحية بين اليهود.. وإنما احترام متبادل مشترك بما يناسب أولئك الذين يعبدون خالقاً واحداً ورباً واحداً ولديهم أب واحد في الإيمان هو إبراهيم.(2/72)
أخيراً ندعو كل الرجال والنساء ذوي الإرادة الطيبة التأمل عميقاً في معنى المحرقة، وأن الضحايا من قبورهم والناجين من خلال الشهادة الحية لما عانوه أصبحوا اليوم صوتاً عالياً يجذب انتباه البشرية جمعاء، ونتذكر هذه التجربة الرهيبة بأن نصبح مدركين تماماً للعبرة التي تتضمنها: أن البذور الفاسدة للعداء لليهودية والعداء للسامية يجب ألا نسمح لها بعد الآن أن تتجذر في قلب أي بشري). (الكاردينال ادوارد ادريس كاسيدي، والأب بيار دوبريه، والأب ريمي هوكمان 16/3/1988).
وهذا الاعتذار الذي يفعله البابا ليس دينياً ولا أخلاقياً، فإن اليهود ليسوا وحدهم من عانى من بطش النازية، وإنما عادى هتلر والنازيون جميع الأعراق وخاضوا حرباً مع الجميع وعداء هتلر لليهود كان عداءاً سياسياً، ولم يكن دينياً، فإن هتلر لم يعاد اليهود بسبب نصرانيته لأنه كان لا دينياً علمانياً ونظريته في تفوق الجنس الآري على كافة الأجناس ليست مستقاة من الدين، ثم إنه عادى اليهود لدورهم الكبير في هزيمة ألمانيا في الحرب الأولي وعملهم على تفتيتها وتدميرها، وليس لأنهم يهود، فما دخل البابا أن يعتذر عن خطأ إن كان هذا خطأ لم ترتكب باسم المسيح ولا باسم النصرانية!! ولقد كان الاعتذار عن الحروب الصليبية، والإجرام النصراني، وحروب الإبادة للمسلمين، ومحاكم التفتيش التي صنعت باسم المسيح أولى بالاعتذار من ذنب لم ترتكبه النصرانية.
ثم إن قوله (إن يسوع كان من سلالة داود وإن مريم العذراء والرسل ينتمون إلى الشعب اليهودي) كلمة حق أريد بها باطل، فيسوع هو من سلالة داود نعم، ولكن اليهود جعلوه ابن زنا، واتهموا أمه العذراء البتول!! وما زالوا على هذا المعتقد الخبيث. فهل يظلون مع ذلك إخوة للنصارى في الدين؟!! ما هذا الكذب والإفك وتبديل الدين الذي يمارسه هذا الكاهن الأعظم!! خدمة لليهود وصهينة للنصرانية!! وعداءاً للإسلام.
ونقول للبابا: فسر لنا كيف يعبد النصارى واليهود إلهاً واحداً، والحال أن المسيح ابن مريم الذي جعلتموه ابن الله مع ما اسميتموه بالأب وروح القدس إلهاً واحداً، هذا المسيح هو عند اليهود في كل عصورهم وإلى اليوم ابن زنا، ومقالتهم هذه في مريم وابنها - عليهما السلام - هي هي لم تتغير. أما أن النصارى جميعاً واليهود أبوهم إبراهيم فكذب، فلا إبراهيم - عليه السلام - أباً لكل النصارى في النسب ولا هو لليهود أب في الملة والدين، بل قد قال المسيح لليهود الذين قالوا أبونا هو إبراهيم: (لو كنتم أولاد إبراهيم لعملتم أعمال إبراهيم ولكنكم تسعون إلى قتلي وأنا إنسان كلمتكم بالحق الذي سمعته من الله وهذا لم يفعله إبراهيم). (انجيل يوحنا 8).
لقد ارتكب البابا جناية عظمى على النصرانية، وجعل الكنيسة الكاثوليكية في خدمة الصهيونية الذين كانوا وما زالوا أشد الناس عداوة للكنيسة.
واعتذار البابا لليهود عن الذنب الذي لم ترتكبه الكنيسة اعتذار في غير موقعه. واستنكافه أن يعتذر للمسلمين عن الجرائم الكبرى التي ارتكبتها الكنيسة مع المسلمين في حروبها الصليبية على مدى ثلاثمائة سنة.
وفي إبادتهم جميع المسلمين في الأندلس في ظل ما عرف بمحاكم التفتيش. استنكاف البابا أن يعترف بذلك جرم آخر في حق الكنيسة.
لقد أسقط البابا (بولس الثاني) الكنيسة الغربية إلى الأبد.
http://www.salafi.net المصدر:
===============
#حثالة الناس و موت البابا
إبراهيم الأزرق
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام ديناً، ونصب لنا من الأدلة على صحته برهاناً مبيناً، فرض علينا الانقياد له ولأحكامه، والتمسك بدعائمه وأركانه، فهو دينه الذي ارتضاه لنفسه، ولأنبيائه ورسله وملائكة قدسه، فبه اهتدى المهتدون، إليه دعا الأنبياء والمرسلون: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرهاً وإليه يرجعون). فلا يُقبل من أحد دينا سواه من الأولين والآخرين: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
وبعد فقد عقد البخاري في كتاب الفتن من صحيحه باباً: إذا بقي في حثالة من الناس؟ وذكر فيه حديث حذيفة قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، ثم ذكر الذي رأى شيئاً منه وهو ارتفاع الأمانة، وأشار إلى الذي ينتظره بقوله: وليأتين على الناس زمان يقال للرجل فيه: "ما أعقله وما أظرفه وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان"!
وقد أبان لنا مهلك كبير الكاثوليك طوائف من هؤلاء الحثالة المسارعين في مشاركة النصارى أتراحهم وأحزانهم، شاهدين لشعائر أهل الكفر ومراسمهم، داعين متأسفين مشيدين به على روؤس الأشهاد وعبر وسائل الإعلام
أخي المسلم! إذا رأيت ما قاله حذيفة - رضي الله عنه -، واقعاً ملموساً فاعلم أنك واقف على فتن وعند باب البخاري: "إذا بقي في حثالة من الناس"!
ولا تعجب إن وجدت عند ذلك الباب اليوم طوائف من منتسبي العلم والفقه يقولون عن كبير أهل الكفر ومعلمهم: ما أعقله..ما أظرفه..ما أجلده أو نحواً من ذلك إن لم يكن فوقه.
لا تعجب لا لأن صنيعهم لا يدعو إلى العجب ولكن لأن "حثالة المجتمع" مصطلح ظُلم به قطاع عريض من المساكين والجماهير والشعوب التي قُدر لها أن تكون في الساقة، مع أنه ينبغي أن يخرج كثير منهم عن ذلك المفهوم، وتدخل عوضاً عنهم طوائف من النخب المختلفة الجاثمة على المقدمة، فحثالة الناس هم أرذالهم وشرارهم، والحثالة الرديء من كل شيء، وإذا كان الأمر كذلك فمثل هؤلاء قد تتوقع منهم أية فاقرة، فليس بعيداً على بعض الحثالة أن تصف عُبّاد الصليب بالظُرف، وإن قالوا قولاً إداً تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً أن دعوا للرحمن ولدا، ولا يمتنع عند الحثالة وسم من لهم قلوب لا يعقلون بها بالعقل وإن قال الله فيهم: (لهم قلوب لا يفقهون بها).
وقد أبان لنا مهلك كبير الكاثوليك طوائف من هؤلاء الحثالة المسارعين في مشاركة النصارى أتراحهم وأحزانهم، مادحين كبيرهم الراحل بما أسداه للنصرانية والبشرية، مترحمين عليه، مستغفرين له، مشيعين لتابوته يقدمهم الصليب، شاهدين لشعائر أهل الكفر ومراسمهم، داعين متأسفين مشيدين به على روؤس الأشهاد وعبر وسائل الإعلام. وهم في ذلك ما بين مقل ومستكثر.
ولعله يحق لمتسائل أن يتساءل عن أسباب ذلك؟
أتراه الحرص على الأجر والمسابقة في النوافل؟ لا أظن أن يمثل هذا دافعاً لمن ينتسب إلى العلم فهؤلاء يعلمون أن غاية ما يقال في حكم تعزية الكافر بالكافر الجواز من حيث الأصل. على خلاف في المسألة فبعضهم كرهها وبعضهم منعها وبعضهم فَصّل فيها، وحري بمن كان دأبه الحدب على وحدة المسلمين أو اتفاق كلمتهم أن يخرج من هذا الخلاف بترك ما لايضيره تركه اتفاقاً. فإن زعموا مصالح متوهمة فقد زعم آخرون من المفاسد الظاهرة ضعفها. وإذا كان هذا الدافع منتفياً في حق منتسبي العلم فمن نافلة القول أن يصرح بانتفائه عن غيرهم.
"حثالة المجتمع" مصطلح ظُلم به قطاع عريض من المساكين والجماهير والشعوب التي قُدر لها أن تكون في الساقة، مع أنه ينبغي أن يخرج كثير منهم عن ذلك المفهوم وتدخل عوضاعنهم..(2/73)
فتشت فلم أجد سبباً إلاّ ما ذكره ابن عقيل في كلمته المشهورة بعد أن قرر وجوب هجران الكافر: "وإذا أردت أن تعلم مكان الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله- ينظمان وينثران، هذا يقول حديث خرافة، والمعري يقول:
تلوا باطلاً وجلوا صارماً
وقالوا صدقنا فقلنا نعم!
يعني بالباطل كتاب الله - عز وجل -، عاشوا سنين وعُظّمت قبورهم، واشتُريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب"
قال ابن مفلح بعد أن نقله: "وهذا المعنى قاله الشيخ تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله -" ثم قال: "وقال ابن تميم: وهجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم والمتظاهرين بالمعاصي، وترك السلام عليهم فرض كفاية، ومكروه لسائر الناس"(1).
وإذا كان هذا الدين البارد هو دين كثير من النخب العلمية والسياسية والإعلامية، فلا غرو أن يكون المسلمون في هذه الحالة.
وقد كان من دعاء أنس - رضي الله عنه -: "اللهم إني أعوذ بك أن أبقى في حُثَلٍ من الناس لا تبالي أغلبوا أو غلبوا"(2)، فهم إذا كانوا بمثل هذه الصفة لم يبال الله بهم.
وكيف يكون الله نصيراً لأمة تجل وتمدح وترضى من فرض الله عليها البراءة منهم، وأي نصر للدين يرجى من تلك النخب التي لا تزال دائبة في مدارةٍ وملاطفةٍ لأعداء الله، تارة باسم المصلحة وإن خالفت النص! وأخرى تحت ستار سماحة الشريعة وكأن كل ما رأوه سماحة فينبغي أن تُلوث به الشريعة السمحة المنزلة من السماء! وثالثة لأجل بيان محاسن هذا الدين لأعدائه! ورابعة ويا لفرط ذكائهم- أملاً في ممالأة بعض أهل الكتاب لنا على بعضهم الآخر..
مَنَّتْكَ نَفْسُك أمراً لا تُؤلفه *** حتى تُؤلف بين الضبِّ والنُونِ
آلنونُ يهلك في بيداء مقفرةٍ؟ *** والضب يهلك بين الماء والطين!
***
أبلغ مُهَلْهَلَ عن بكرٍ مُغَلْغَلَةً *** مَنَّتْكَ نَفْسُكَ منْ غَيٍّ أمَانِيها!
***
أأنت تأمل من صخر الفلاة ندىً؟ *** سبحان ربك إن الصخر أحجارُ!
أستغفر الله مالي رحت مندفعاً *** يقودني نحو سوء الظَّنِ تيارُ
يا معشر البؤساءِ امشوا على أملٍ *** زاه ٍ تَبِنْ لكم في النَّشءِ أسرارُ
لئن يكن حظكم شالت نعامته *** ففي شباب العُلا عطفٌ وإيثارُ
وإن يكن ليلكم طال الظلام به *** فعندكم في سماء النشء أقمارُ
فحري بالدعاة والمربين تثبيت هذا النشء وتسديدهم وتعاهدهم وصيانتهم، فالأمل لا يزال معقوداً بعد الله بهم، كما لم يزل مرتقباً في جموع العامة الذين لا يزالون على الفطرة يستنكرون القبيح، ويرفضون المسارعة في الكفر إذ لا يخشون دائرة متوهمة فالأمر يرونه واقعاً بهم، وكذلك الأمل معقود في كثير من العلماء العاملين، وفي شباب الصحوة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فهم قائمون باذلون لهذا الدين، لا يضرهم خذلان من خذلهم بل هم على السنّة ثابتون ظاهرون منصورون، فحري بكل مسلم أن يلزم غرز هؤلاء، فإن عجز فعليه بخاصة نفسه وليدع أمر العامة وهذا هو جواب تبويب البخاري الذي رمز إليه عند ذكره حديث حذيفة - رضي الله عنه -. هذا والله أسأل أن يهدي ضالنا، ويصلح ساستنا وعلماءنا وإعلامنا، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تنظر الآداب الشرعية لابن مفلح 1/238، وغذاء الألباب للسفاريني 1/270.
(2) غريب الحديث لابن قتيبة ص370.
17/3/1426
http://www.almoslim.net المصدر:
===============
#أحكام متعلقة بموت البابا
أ. د. ناصر بن سليمان العمر
السؤال:
وصلنا أخيراً نبأ وفاة بابا الفاتيكان، فرأينا الكثير من المسلمين يتباكون ويعزون في وفاته، وسؤالي فضيلة الشيخ، وأرجو ألا تتأخروا في الإجابة لأهمية الأمر:
أولاً: هل هذا البابا كافر أم مسلم؟
ثانياً: هل يجوز الدعاء له بالرحمة؟
ثالثاً: هل يجوز لعنه والدعاء عليه؟
رابعاً: هل الترحم عليه والحزن لأجله من الموالاة الناقضة للإسلام أم لا؟
أرجو الإجابة بأسرع ما يمكن لأهمية الأمر، وجزاكم الله خيراً.
الإجابة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن مما ابتليت به الأمة في عصورها المتأخرة كثرة الجهل وضعف العلم، مع كثرة قرائها وكتابها، ومن أثر ذلك ضعف معالم الولاء والبراء، والجهل بالبدهيات من أمور العقيدة، والرقة بالدين، ومداهنة أعداء الله.
وبعض ما ذكره السائلون يندرج في هذا الباب مثل السؤال هل البابا كافر أو مسلم، فإذا لم يكن البابا كافراً فمن الكافر، وهل عن مثل ذلك يسأل لولا ما ذكرت، وقريب منه الدعاء له بالرحمة، والله المستعان.
وأشك في صحة النقل بأن أحد المشايخ يوجب الترحم عليه، ولا يقول بذلك من له أدنى علم بالشرع فضلاً عن أن يكون من المشايخ، ولكن لعل السائل نُقِل له ذلك، أو التبس عليه ما قال، فإن ثبت ذلك فلا نقول: إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، قال - سبحانه -: "ومن يرد أن يضله فلن تملك له من الله شيئاً".
وخلاصة الأمر:
1- البابا كافر، لا شك في كفره، ووصيته وشهادة قومه تؤكد أنه مات على ذلك، وما شهدنا إلا بما علمنا.
2- لا يجوز الترحم عليه، وهذا من الدعاء المنهي عنه، قال - سبحانه -: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" (التوبة: 113)، وقال - سبحانه -: "ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون" (التوبة: 84) والبابا مشرك؛ لأنه يعتقد أن عيسى ابن الله تعالى الله عما يقولون "وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ" (التوبة: من الآية30)، ويقول بعقيدة التثليث، وهذا من بدهيات عقيدة النصارى.
3- أما لعنه، فالصحيح أنه يجوز لعن من مات كافراً، أما إعلان اللعن والدعاء عليه فتراعى فيه قاعدة المصالح والمفاسد كما قرر أهل العلم -.
4- أما التعزية، ففيها تفصيل:
إن كان المراد تعزية أهله وقرابته لا أهل ملته، فقد كرهه بعض السلف، لكن الراجح جواز ذلك؛ لأن من السلف من عزى أهل الذمة في أمواتهم، ذكر ذلك ابن القيم - رحمه الله - في كتابه الرائع (أحكام أهل الذمة) ج1/ص438 فصل في تعزيتهم.
لكن يجدر التنبيه إلى أنه لا يجوز في التعزية الدعاء للميت بالرحمة ولا لأهله الكفار بحصول الأجر والثواب، كما يقال ذلك للمسلمين؛لأن الله لا يقبل من الكافر عملاً و لا طاعة حتى يسلم، وإنما يقال: أخلف الله لكم خيراً منه، ونحو ذلك من الكلمات، كما ذكر ذلك ابن القيم - رحمه الله - قال في (أحكام أهل الذمة): " قال الحسن إذا عزيت الذمي فقل لا يصيبك إلا خير، وقال عباس بن محمد الدوري: سألت أحمد بن حنبل قلت له: اليهودي والنصراني يعزيني أي شيء أرد إليه، فأطرق ساعة ثم قال: ما أحفظ فيه شيئاً، وقال حرب: قلت لإسحاق: فكيف يعزي المشرك قال: يقول أكثر الله مالك وولدك"ا. هـ
أما تعزية أهل ملته إذا مات منهم قسيس ونحوه فلا يجوز؛ لأن مفسدتها تربو على مصلحتها، وحيث يوهم الجهال بأن ما هم عليه حق، وبذلك فيغتر أهل الكتاب والمسلمون على السواء، بل إن تعزيته وبخاصة إذا كان معظماً فيهم كالبابا، أشد أثراً وخطراً من مجرد تهنئتهم على عيدٍ أو شعيرةٍ دينية، وهذا أمرٌ لا يخفى(2/74)
قال الشيخ محمد بن عثيمين في حكم تعزية الكافر: " والراجح أنه إذا كان يفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حراماً، وإلا فينظر في المصلحة" (مجموع فتاواة 2/303).
والذي يطالع كثيراً مما كتبته بعض وسائل الإعلام حول وفاة البابا يحزن لما وصلت إليه حال كثير من المسلمين، حتى إن بعضهم يمدحه بأنه خدم أهل ملته ونشر دينه، وصاحب هذا القول يخشى عليه؛ لأن خدمته لدينه هو نشر الكفر والشرك وحرب الإسلام كما هو مشاهد وواقع نسأل الله أن يلطف بنا ولا يؤاخذنا بما فعل السفهاء والجهّال منا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://saaid.net المصدر:
============
#البابا في قبضة الملك
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
ظلّ بابا الفاتيكان المدعو - يوحنا بولس الثاني - حديث الإذاعات والقنوات العالمية، طيلة الأسابيع الماضية، حين تدهورت صحته، وأدخل على إثرها مستشفى الفاتيكان، في محاولةٍ لإنقاذِ حياة أكبر مُنصرٍ في العالم، وهرع الأطباء من كلِّ الأصقاع النصرانية لإسعافه دون جدوى، وكانت بياناتُ الفاتيكان تتوالى في توصيفِ حالةِ البابا الصحية، لتتلقفها وسائلُ الإعلامِ العالميةِ بما فيها العربية والإسلامية، التي قامت (بالواجب!) تجاهَ شخصيةٍ نذرت نفسها لبثِّ المفاهيم الوثنية، وتكريسِ النصرانية في أرجاءِ المعمورة!
وأخيراً أُعلن نبأُ وفاة البابا، وخرجت الروح الخبيثة من الجسد الخبيث، ولنا إزاء هذا المأتم البابواي هذه الوقفات:
الوقفة الأولى: ملك الموت يقتحمُ حصن الفاتيكان:
إنَّ الحراسات المشددةِ للمقر البابوي، وأجهزةِ المراقبة المنصوبة على مدار الساعة، لم تكن لتحول دون وصول ملائكة الجبّار جلّ في عُلاه -، وتنزع روح البابا دون أدنى مقاومة، أو حتى علمٌ بساعة الموت الرهيبة.
وهي حقيقةٌ لا يُماري فيها أحد، أو يجرؤ بشر على تجاوز هذا المصير، الذي أذل اللهُ من خلاله كلّ جبَّار، وقصم في رحابه كل طاغوت! ((أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)) (النساء: من الآية78).
فهل يعي ذلك طواغيتُ العالم وجبّاروه، ويعلمون أنَّهم صائرون إلى هذه النهايةِ الأكيدة، طال الزمن أم قصر؟!
الوقفة الثانية: جموعُ الأوباش:
يَبْلُغُ النصارى قرابة الألفي مليون من سكان الكرة الأرضية، حيثُ يتربعون في المرتبةِ الأولى من حيث الأكثرية، على مستوى الديانات في العالم، وقد ذرفَ نزرٌ يسيرٌ منهم الدموع على رحيلِ البابا، لعبَ الإخراج التلفزيوني دوراً ماكراً في تصويرها بشكلٍ مخالفٍ لما عليه حقيقةُ الأمر، فالمعروف عند النصارى عدمُ قدرتهم على مصاحبةِ الأحزان، أكثرَ من لحظاتٍ عابرة يعودون بعدها إلى ممارسةِ كل خُلقٍ قبيح، والإستمتاع بكل لذةٍ مُحرمة! ومع ذلك فلو درى هؤلاء الرعاع أي مصيرٍ يقودهم إليه البابا يوحنا وأسلافه وأخلافه، لاستكثروا عليه قطرةً واحدةً من الدموع، ولركلوهُ بأقدامهم، ومزّقوهُ بعصيهم بدلاً من ذرفِ دموع التماسيح تلك!!
وحين كان المتحدثُ الرسمي باسم الفاتيكان، يوالي إصدار البياناتِ عن حالة البابا الصحية، حتى توَّجها بالبيانِ الأخير الذي يفيدُ كذباً وزوراً، بأنَّ روحَ البابا تعانقُ روح المسيح، وأنَّ البابا بدأ ينظرُ إلى الله!
تعالى الله عن كفر النصارى علواً كبيراً، تقبَّلَ النصارى كعادتهم ذلك البيان بكلِّ تسليمٍ وقبول، رغم حجم الفريةِ التي لا يصدقها أصغرُ صبيٍ من صبيان التوحيد!
ولا عجب!! فالشعوبُ النصرانية كانت ولا تزالُ تعتنقُ عشرات العقائد الوثنيةِ الضالة، التي لم يُنزل فيها شرعٌ، ولا يقبلها عقلٌ سويُّ، أو خُلق كريم، بدءً من أكذوبة الفداءِ والصلب، ومروراً بفريةِ الحلول والاتحاد، وانتهاءِ بعقيدةِ التثليث الخائبة الكافرة!!
مناقب البابا:
1 / نذرَ البابا حياته كلّها في تسويقِ الإلحاد
المتدثر بثيابِ النصرانية في أرجاء المعمورة، وحتى قبل انتخابه لمنصب بابا الفاتيكان بزمنٍ طويل!
حيث تنّصر عام 1945، وأصبحَ كاهناً بعد عامٍ واحد، أي سنة 1946 وانتقل من بلادِ التشيك إلى بولندا، التي أمضاها سنوات شبابه، قبل أن ينتقلَ إلى روما، ليُنتخبَ بابا الفاتيكان، بعد وفاةِ سلفهِ الذي لم يتمتع بمنصبهِ سوى ثلاثٍ وثلاثين يوماً فقط، ليموت في ظروفٍ غامضة!
ولتحقيق أهداف الكنيسة الكاثوليكية، في نشرِ النصرانية في العالم، زارَ البابا 120 بلداً في العالم، وهذا الذي رُبما لم يتحقق لأكثرِ هواةِ الترحال في العالم، ولا أظنُ أحداً ينافسهُ في هذا الانجاز غير المسبوق، وما كانت تلك الزيارات إلاَّ تسويقاً للمبادئ الكنسية، وتكريساً للوثنيةِ النصرانية.
وفي عهدهِ قفزت الإرساليات من 15000 إرسالية إلى 27000إرسالية، مزودة بكلّ الإمكانات البشرية، والتقنية والمادية، ومستغلاً للتفوق النصراني سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، في تذليلِ كلِّ عقباتِ نشر النصرانية، ولو بقوة السلاح إن لزم الأمر!!
كما أنشأ الفاتيكان مئات المحطات التلفزيونية، والإذاعية، لنشر العقيدةِ النصرانية، حتى غدت الفلبين على سبيلِ المثال ذات الجذور الإسلامية، أكبر بلدٍ كاثوليكي في آسيا، بفعلِ الجهودِ البابوية الجبارة!!
2 / مناصرة اليهود:
رُبَّما لا يُدركُ الكثيرون أنّ البابا يوحنا الثاني كان يهودياً في أصل ديانتهِ حتى النخاع، ولكنّ تنصَّرَ لأمرٍ ما، يعرفُهُ الذين قرأوا سيرة ابن سبأ، وكيف ترك اليهودية وأعلن الإسلام؟ ليكون أولَّ ضحاياهُ مقتلُ الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه، وما أعقبهُ من الفتنِ المتلاطمة، التي لا يزالُ العالم الإسلامي يعاني ويلاتها وآثارها إلى اليوم!
فما تنصّرُ اليهودي يوحنا الثاني إلاَّ امتدادٌ للعبةِ السبئِيةِ نفسها، وإن تغيرت الأدوارُ أو تنوعت خشبات المسرح، ولا أدلُ على ما نقولُ من سردِ الحقائق التالية:
أصدرَ الفاتيكان في عام 1960م وثيقةَ تبرئةِ اليهود من دمِ المسيح، وكان لهُ أكبرَ الدور في صدورِ الوثيقة، وإن كُنَّا كمسلمين نعتقدُ حياة المسيح- عليه السلام - ولا نؤمنُ بصلبه.
في عام 1994م أقامَ علاقاتٍ دبلوماسيةٍ بين الفاتيكان وإسرائيل، بعد أن سبقَ ذلك اعترافٌ بدولة اليهود عام 1982م.
كان أولُّ بابا يزورُ معبداً يهودياً في روما عام 1986 م.
زار إسرائيل عام 2000م وكان من ضمنِ زيارتهِ التوجه إلى نصبِ ضحايا " الهولوكست "، وهي مذبحة اليهودِ على أيدي النازية إبّان الحرب العالمية، ليوبخَ نصارى العالمِ كلهم على جرائمهم ضدَّ اليهود، ويطلب منهم الاعتذار، ومن اليهود الصفح والغفران!!
كما زار جبل سينا، وأقام " قداسا " في دير سانت كاترين، حيث دعا إلى وحدةِ الأديان وحوارها!
دعا إلى اعتبار القدس عاصمةً أبديةً لليهود، وهو ما يُفنِّدُ دعواته الخادعةِ إلى السلام، والإخاء، والحوار والتسامح، وإلاَّ فهو يعلمُ كم في اعتبار القدس عاصمةً يهوديةً خالصة، من إثارةٍ لمشاعر المسلمين، وتهميشٍ لحقوقهم!
ولا عجب من هذه الخدمات الجليلة المقدمة لليهود، ما دام الرجل يهودياً، تمكن من القفز بعد تنصرهِ إلى رأس الهرمِ البابوي.
بل لأول مرةٍ منذ 500 سنة، يرتقى شخصٌ من خارجِ إيطاليا إلى منصب بابا الفاتيكان، وهو ما يؤكدُ نظريةَ المؤامرةِ في هذه اللعبة الصبيانية!
3 / دعوته إلى حوار الأديان:(2/75)
كانت دعوات البابا إلى حوار الأديان، تتوالي تباعاً سيما إبّان زيارته لإسرائيل عام 2000م، أو زيارتهِ لسوريا عام 2001م، حيثُ دخلَ المسجد الأموي في محاولةِ إظهار حسن النوايا، وبعد أن حققَ لليهودِ كلّ ما يُريدون في مقابلِ عباراتٍ معسولةٍ للمسلمين، تنتهي حلاوتها بتلفظِ آخر حرفٍ منها!!
وقد لعب البابا بورقةِ التسامحِ ونسيان الماضي، لتحقيق أمنيتهِ في حوارِ الديانات، لدرجةِ أنّه زار (محمد أغا) في سجنه، عقب محاولتهِ قتلَ البابا عام 1981م وسامحهُ ودعاهُ إلى أن يصلي من أجله!!
وكل ذلك لتحسين صورته أمام الجماهير، في وقتٍ كان يأكلهُ الحقد والحسد لكلِّ ما يُمت للإسلام بصلة، وصدق الله إذا يقول: ((وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ)) (آل عمران: من الآية119).
وصدق حيث يقول: ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)) (المائدة: 82).
وللأسف الشديد، رددّ " الببغاوات " من (شيوخِ) الأمةِ قبل عوامها تلك الدعوات الهدَّامة، وترجموها بالفعلِ إلى ندواتٍ ومؤتمراتٍ ولقاءات، نبرأُ إلى الله من مشروعيتها، وسفه القائمين عليها!
ولم العجبُ إذا كان سيد طنطاوي يقول: (أدعو الله أن يشفيه ويعافيه، فهو صاحبُ عقلٍ سليم، وخلقٍ كريم يُؤدي واجبهُ رغم المرض، ولا يتمسكُ بها إلاَّ من أعطاهم الله صدر العزيمة والإخلاص، وصدق النية في العمل!!
وختاماً
نحذِّرُ كلّ مسلمٍ من التعاطفِ مع هذا الطاغوت الأكبر، أو إحسان الظنِّ به، فضلاً عن الدعاءِ له، أو اعتقاد مغفرة الله له، وقد مات نصرانياً كافراً!!
وأمَّا أولئك الشيوخ المتاجرون بثوابتِ الأمة، ومن آ كدها أصلُ الولاءِ والبراء، فنقول: اتقوا الله في عوام أمتكم، فقد صلّى بعضهم للبابا، وأجهش آخرون بكاءً عليه، والله المستعان.
http://www.saaid.net المصدر:
===============
#البابا يوحنا بولس الثاني: أدوار ومهمات!
علي حسين باكير
24/2/1426هـ الموافق له 3/4/2005 م
نحاول في هذا التقرير إلقاء الضوء على هويّة بابا الفاتيكان الأكثر جدلاً، وعلى الدور الظاهر والخفي الذي لعبه في العلاقات الدولية والكنسية خلال توليه لمنصبه، وكذا الإجابة على عدد من الأسئلة من ضمنها من هو؟ وما هي حقيقته؟ وما كان دوره في سقوط الاتحاد السوفيتي؟ وما هو موقفه من اليهود وإسرائيل؟ ومن هم المرشحون لخلافته بعد موته؟
* من هو يوحنا بولس الثاني؟
البابا يوحنا بولس الثاني، بولندي الجنسية، واسمه الحقيقي "كارول جوزيف فوتيلا"، ولد في 18 أيار عام 1920 في بولندا لأب كان يعمل موظفاً في الجيش البولندي، وقد تدرج في السلم الكنسي من راعي إلى أسقف إلى كاردينال إلى أن اختير عام 1978 للمنصب البابوي، وقد كان يبلغ من العمر آنذاك 58 عاماً، وهو البابا رقم 265 في تاريخ باباوات الكنيسة الكاثوليكية، كما يعتبر أول بابا غير إيطالي يتقلد هذا المنصب منذ 465 عاماً، وقد وصل يوحنا بولس الثاني إلى الكرسي الرسولي بطريقة دراماتيكية أثارت العديد من الشبهات حوله وحول القوى الداعمة له، فقد خلف يوحنا بولس الأوّل الذي لم يبق في منصبه سوى 33 يوماً، حيث قيل: إنه تمّ تسميمه لأنّه لم يكن مناسباً للمرحلة الخطيرة في ذلك الوقت على الصعيد العالمي، وتمهيداً لقدوم بولس الثاني الذي قيل أيضاً إنه في حقيقة الأمر من أصول يهودية، وإنه بدّل دينه عند انتقاله من تشيكيا وهي بلده الأصلي إلى بولندا كما فعل بعض اليهود آنذاك خوفاً من بطش النازيين كما يدّعون، وقد ذهب البعض إلى الافتراض بأن هناك مخططات أمريكية أوروبية دعمت وصوله آنذاك، وتجددت الشبهات حول اختياره مرة أخرى عندما أصبح البطل الأهم في إسقاط الشيوعية في بلده بولندا، ومرة أخرى عندما قدم الفاتيكان اعترافاً دبلوماسياً رسمياً بدولة إسرائيل، وثالثاً عندما ذهب لحائط المبكى واعتذر لليهود عن ما قام به أسلافه في حقهم، وبغض النظر عن صدقية القول إنه من أصل يهودي فالحكم يجب أن يتم على الأفعال لا على الأقوال، وهذا ما ننوي تشريحه.
تدهورت صحة البابا الحالي نتيجة لأمراض الشيخوخة، ولمعاناته الدائمة من آثار الجروح التي أصيب بها في شهر أيار 1981 إثر محاولة اغتياله (فشلت) على يد محمد علي أغا التركي الجنسية، غير أن مرضه المزمن وهو مرض الشلل الرعاش الذي أصيب به قبل عدة سنوات هو الذي كان يعيقه كثيراً عن الحركة، رغم كونه أكثر باباوات الكنيسة الكاثوليكية الذين قاموا بزيارات خارجية، كان أشهرها رحلاته إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، والبرازيل وكوبا؛ في الأعوام من 1995 - 1998، ثم إلى المنطقة العربية والتي بدأها بزيارة مصر والأردن، وفلسطين ثم سورية واليونان، ومالطا متتبعاً آثار رحلة السيد المسيح - عليه السلام - كما يزعم في نشر المسيحية في العالم.
* موقفه من اليهود وإسرائيل وتعديلاته الكنسية:
في شهر تشرين الثاني من سنة 1965م، أصدر عن الفاتيكان وثيقة "تبرئة اليهود من دم المسيح" بعد صراع كبير مع اليهود والصهيونية العالمية التي ضغطت بشكل كبير على الكنيسة بمساعدة الولايات المتّحدة وأوروبا خاصّة فيما يتعلّق باتّهام الكنيسة بالتواطؤ مع النازية التي افتعلت "الهولوكوست" كما يدّعون، وقد كان يوحنا بولس الثاني أحد أهم الذين صاغوا تلك الوثيقة، ويعتبر من مهندسيها، وبعد أربع سنوات من ذلك أذاع رئيس أساقفة نيويورك الكاردينال لورانس شيهان حول ضرورة اعتراف الكنيسة الكاثوليكية بالمعنى الديني لدولة إسرائيل بالنسبة لليهود، وأن يحترموا صلة اليهود بأرض الميعاد، وبالفعل فما كاد أن يقضي البابا يوحنا بولس الثاني قرابة الثلاث سنوات في منصبه حتى أعلن في عام 1982 - وبينما كانت إسرائيل تجتاح لبنان - الاعتراف بدولة إسرائيل من باب الحق الديني وليس من باب الاعتراف بالأمر الواقع.(2/76)
ثمّ قام البابا بتغيير جذري في مفاهيم الكنيسة يتناسب مع التطورات والتغييرات التي قام بها منذ اعتلائه الكرسي الرسولي، فأصدر الفاتيكان عام 1985 وثيقة حول "العلاقات الكاثوليكية اليهودية"، وحثّت الوثيقة جميع الكاثوليك في العالم على استئصال رواسب العداء للسامية، وذكّرتهم أن المسيح عبراني أيضاً، ولذلك يجب تفهّم تمسّك اليهود بأرض أجدادهم، واستمر هذا التغيير الدراماتيكي في موقف الكنيسة من اليهود إلى أن حصل زلزال كبير جعل هذه العلاقة متميزة جداً، إذ إن البابا يوحنا بولس الثاني لم يكتف بما قام به من تغييرات في أسس الكنيسة ما كانت لتحصل لولا وجوده في منصبه (وهو الأمر الذي أعاد مسألة الشبهات في تنصيبه، والهدف من وجوده، والقوى الداعمة له إلى الواجهة من جديد) فأراد تأكيد حقيقة نواياه ونوايا الفاتيكان وليس فقط قراراته تجاه اليهود، فقام في عام 1986 بزيارة كنيس يهودي في روما ليكون بذلك أوّل بابا في تاريخ الباباوية يزور كنيساً يهودياً، ثمّ قدم اعتذاراً خطّياً وشفهياً عما يسمى "بالهولوكست اليهودي" عبر الوثيقة الصادرة عن الفاتيكان في 16/3/1998، وجاء فيها: "عندما طردت النازية من أراضيها جموع اليهود ووحشية الحركات العنيفة التي أصابت أناساً عُزَّلا من السلاح، كل هذا كان يجب أن يحرك الشك بما هو أسوأ، هل قدم النصارى كل مساعدة ممكنة للمطاردين وبخاصة اليهود؟ لا نستطيع أن نعرف كم عدد النصارى في الدول التي احتلتها أو حكمتها القوى النازية أو حلفاؤها، احتجوا بغضب على فقدان جيرانهم اليهود ولم يكونوا شجعاناً بما فيه الكفاية لسماع أصواتهم المعارضة، وللنصارى أقول: إن هذا الحمل الثقيل الجاثم على ضمائرهم بخصوص إخوانهم وأخواتهم خلال الحرب العالمية الأخيرة يجب أن يكون مدعاة للندم".
في شهر تشرين ثاني من عام 1991 صرح بأنه يصلي من أجل أن يحيا "إخوتنا اليهود" بسلام في أرضهم، ثم في كانون أول من عام 1993 وقع الفاتيكان وثيقة تبادل دبلوماسي مع دولة إسرائيل، وفي نهاية عام 1997 قدم البابا يوحنا بولس الثاني وثيقة بعنوان (نحن نتذكر) لمناقشة وتعديل النصوص في العهد الجديد التي تحمل اليهود مسؤولية صلب المسيح وقصة تلاميذ المسيح بصفة خاصة، وكان يشير إلى مثل النص الإنجيلي القائل لليهود على لسان المسيح - عليه السلام -: "أيها الشعب الغليظ الرقبة، يا أولاد الأفاعي، يا أبناء الشيطان، أنتم لستم من أبناء إبراهيم، أنتم أبناء الشيطان" إلى أنه معاداة للسامية، فعمد إلى طمسه.
وقد أثار سخط معظم المسيحيين الشرقيين حين وقف متفرجاً إبان قصف اليهود لكنسية المهد في الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ومحاصرة قواتها لها، وهو الأمر الذي يثير العجب مقارنة من موقفه من اليهود وموقفه من أبناء كنيسته!!
* دور البابا يوحنا بولس الثاني في انهيار الاتّحاد السوفيتي:
تمكن الفاتيكان عبر البابا من لعب دور أساسي ومحوري في القضاء على الشيوعية، وانهيار الكتلة الشيوعية في أوروبا الشرقية، ويعد البابا يوحنا من أهم وأخطر اللاعبين الذين عجلوا بسقوط الاتحاد السوفيتي عندما بدأ حملة ناجحة لإسقاط النظام الشيوعي في موطن رأسه بولندا.
وربما كان هذا النجاح الذي حققه الفاتيكان في لعب دور أساسي في الحرب الباردة يطرح سؤالاً هاماً حول طبيعة الدور السياسي الذي لعبه الفاتيكان خلال القرن العشرين، وما إذا كان الفاتيكان يلعب دوراً سياسياً أم لا؟ وما مدى هذا الدور وحجمه وقدرته على التأثير.
على العموم افترض البعض ونتيجة للطريقة التي اعتلا فيها يوحنا بولس الثاني الكرسي الرسولي، ونظراً لخرقه عرفاً قارب الخمسة قرون من اعتلاء بابا غير إيطالي المنصب، ولقدومه من بلد عرف بأنّه منطلق لزعماء اليهود في أوروبا سابقاً، ونظراً لظروف موت سلفه السابق الغامضة، والذي قيل إنه كان لا يتلاءم مع المشاريع المناهضة للشيوعية لكونه مناصراً للفقراء والمزارعين والفلاحين، ومتمسكاً بموقف الكنيسة الصلب من اليهود، أنّ هناك ترتيباً أمريكياً أوروبياً في اختياره خاصّة أن هذا البابا يرجع إليه الفضل في إعادة العلاقات الدبلوماسية للفاتيكان مع الولايات المتحدة عام 1984م في عهد الرئيس اليميني المسيحي الأمريكي رونالد ريغان.
وبدأ دور البابا في خلخلة الاتحاد السوفيتي منذ استلامه منصبه، ففي 2 يونيو 1979 بعد ثمانية أشهر فقط من انتخابه كبابا؛ عاد يوحنا بولس الثاني إلى موطنه الأصلي بولندا (مقر حلف وارسو) لمدة تسعة أيام لزيارة كانت بداية انهيار الاتحاد السوفيتي من خلال دعمه لاتحاد نقابات العمال المستقلة (تضامن) في بولندا، حيث ساعدها على الوصول للسلطة لتصبح أول حكومة حرة في الكتلة الشرقية، ومن خلال مطالبته القوية بحرية العقيدة والممارسة الدينية في دول العالم الشيوعي وبخاصة في وطنه، وكان ممّا قاله في الجوع المحتشدة هناك خطبة نارية جاء فيها: "إن المسيح يحارب الشيوعية، لا تكونوا اشتراكيين، نفهم من الكاهن الأكبر، نريد الله في مدارسنا، نريد الله في منازلنا.."، وكان البابا قد أصدر قبل عام ونيف كتاب بعنوان (الذاكرة والهوية) قال فيه: إن الشيوعية كانت «شراً لابد منه"، وإن هذا الشر المستطير كان يبتلعنا.
حاول النازيون أثناء الحرب وبعد ذلك الشيوعيون في أوروبا الشرقية إخفاء حقيقة ما كانوا يفعلونه عن أعين الرأي العام، ولم يرغب الغرب لفترة طويلة في تصديق إبادة اليهود"، وتكلّم في الكتاب عن محاولة الشيوعيين اغتياله عبر التركي محمد علي آغا، ممّا يدل على أن البابا كان يخلق المتاعب للشيوعيين، وهو ما حصل بالفعل، وأدّى إلى انهيارهم بمساعدته، وقد أشار العديد من المحللين والكتاب والمتابعين إلى هذا الدور وعلاقة البابا بالمخابرات العالمية، ودوره في العلاقات الدولية، ومنهم كتاب "صاحب القداسة" الذي يشير إلى هذا الأمر.
ويبدو أن البابا تغلّب في النهاية على زعماء الكرملين، فعندما كان يتم الحديث أمام الزعيم جوزيف ستالين عن خطر البابا، كان يجيب ساخراً: "ترى كم فرقة عسكرية يمتلكها هذا البابا؟".
* المرشحون لمنصب البابا وطريقة اختيارهم:
في شهر مايو من عام 2001 أقام الفاتيكان مؤتمر لكبار الكرادلة تحت عنوان (مستقبل الكنيسة في الألفية الثالثة)، وخلاله تمت مناقشة اختيار خليفة للبابا الحالي الذي أصيب بعدد كبير من الأمراض منها: الشلل الرعاش، وبدا واضحاً أن التنافس على منصب البابا الجديد ينحصر في كرادلة من أميركا اللاتينية وإيطاليا التي ظل منصب البابا محصوراً في كرادلة منها لقرون طويلة قبل أن يأتي البابا الحالي من أصل بولندي، وطبقاً لتقاليد الفاتيكان في اختيار البابا الجديد يتم دعوة عشرة من كبار الكرادلة الذين لم يتجاوزوا الثمانين عاماً, والبالغ عددهم 134 كردينالاً إلى اجتماع سري لاختيار من سيقود الكنيسة الكاثوليكية بعد البابا الحالي، وبعد سلسلة من الاجتماعات يتوصل المجتمعون إلى تحديد بعض الأسماء التي ينطبق عليها شروط الترشيح للمنصب البابوي، والتي في أغلبها تتعلق بتاريخه في سلك الرهبنة، وجهوده في خدمة المسيحية على المستوى العالمي، إضافة إلى عمره وجنسيته.(2/77)
وكما يرد في الموسوعة البريطانية في سردها لتاريخ انتخاب الباباوات على مدى الألفي عام الماضية يجرى اقتراع سري من قبل هؤلاء الكرادلة العشرة في إحدى قاعات الفاتيكان العلوية، بينما تتركز أعين بقية الكرادلة المجتمعين على نافذة تلك القاعة ليروا لون الدخان المتصاعد من حرق أوراق الاقتراع: فإن كان لون الدخان أسودَ كثيفاً (نتيجة احتراق القش المبلل) فإن ذلك معناه أن المرشح للمنصب البابوي لم يحصل على أغلبية الأصوات، وسوف يعاد التصويت في اليوم التالي، وإن كان لون الدخان أبيضَ (نتيجة لاحتراق القش الجاف) فإن الفرحة تعلو الوجوه، والكل يتحرق شوقاً لمعرفة اسم البابا الجديد, والذي يطل عليهم من شرفة المقر البابوي ليمنحهم أول «بركة" علنية له، ويعرفهم باسمه الكنسي الجديد الذي اختاره لنفسه.
أما بخصوص المرشحين لمنصب الكرسي الرسولي ولخلافة البابا يوحنا بولس الثاني فقد كانت شبكة ديترويت نيوز قد أعدت منذ حوالي السنة ونيف تقريراً جاء فيه: "أن هناك اتجاهاً قوي نحو 'علمنة' أكثر للكنيسة، وكانت نتيجة استطلاع الرأي أن يكون 'البابا' القادم 'كاثوليكي علماني'، وأورد التقرير بعض الشخصيات الكاثوليكية المرشحة لكرسي البابوية بعد يوحنَّا بولس الثاني، فكان أول تلك الشخصيات النيجيري 'فرانسيز آرينز' - 71 عاماً -، وله مقر في الفاتيكان، كما أن له إسهامات فيما يسمى 'الحوار الديني المشترك'.
والشخصية الثانية هو الإيطالي 'جيوفاني باتيستا' - 70 عاماً - الخبير الدبلوماسي للفاتيكان، ويترأّس تجمع الأساقفة العالمي.
أما الثالث فهو 'جورج ماريو بيرجوجليو' - 67 عاماً - ووصفه التقرير بـ (المثقّف اللطيف الكلام) وهو أرجنتيني الجنسية.
وكان الرابع 'نوربيرتو ريفيرا كاريرا' - 61 عاماً - ويعمل رئيس أساقفة المكسيك، ويوصف بكونه من المحافظين على المذهب الكاثوليكي.
وخامسهم 'جودفريد دانيلس' - 70 عاماً -، رئيس أساقفة بلجيكا، وصفوه بأنه معتدل يدعم الديمقراطية الأعظم، و'يدردش' مع الناخبين من خلال موقعه على الإنترنت.
وكان سادسهم 'داريو كاستريلون هويوس' - 74 عاماً - كاثوليكي 'كولمبي، يترأّس' تجمع رجال الدين، ومعروف بدفاعه عن (حقوق الشواذ).
والسابع هو 'كلوديو هوميس' - 69 عاماً - 'فرانسيسكاني'، ورئيس أساقفة ساو باولو بالبرازيل، محافظ ولا يرى (مركزية إدارة الكنيسة).
أما ثامن الثمانية فهو الأمريكي 'أوسكار أندريس رودريجو مارادياجا' البالغ - 62 عاماً - من الكنيسة الأمريكية، ومن المتطلعين لمنصب البابوية.
في حين يعتقد البعض الآخر أن هناك اتّجاهاً ليكون المرشّح لمنصب البابا الجديد متشدّداً تجاه المسلمين ليتناسب مع مرحلة الحرب على الإرهاب، وفي هذا الإطار يبرز اسم كاردينال مدينة بولونيا الإيطالية "جاكومو بيففي"، الذي سبق أن أدلى منذ أكثر من عام بتصريح بخصوص الهجرة إلى إيطاليا جاء فيه: "إن الميزات المطلوب أن يتحلى بها المهاجر من خارج الاتحاد الأوربي ليقبل في إيطاليا يجب ألا تقتصر على ميزات اقتصادية، وضمانات اجتماعية؛ إذ يجب استقبال المهاجرين إذا كانوا كاثوليكيين فقط"، وأضاف: "يجب الحيلولة دون قبول المسلمين للحفاظ على الهوية الوطنية الإيطالية، فليس كافة الثقافات للقادمين الجدد تساعد على التعايش... ،وإما أن تغدو أوربا مسيحية أو تتحول إلى الإسلام"، إلا أن هناك مرشحين آخرين أكثر انفتاحاً، وفي مقدّمتهم الكاردينال ماركو ماريا مارتيني، والكاردينال كريستوف شونبورن.
يبقى أن نشير في النهاية إلى أنه مهما كانت جنسية البابا القادم فعليه مواجهة ملفات ساخنة ومعقّدة وشائكة منها: الحفاظ على هوية أوروبا المسيحية، وتضمينها الدستور الأوروبي كما حاول البابا يوحنا بولس الثاني أن يفعل، وهناك قضايا تتعلق بالمسلمين والموقف منهم في داخل أوروبا وخارجها، وقضايا أخرى تتعلق بمن يسمّون بالمسيحيين الصهاينة وكيفية التعامل معهم.
المصدر : http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentid=6516
===============
#هل يقدم البابا الجديد اعتذاراً للمسلمين؟
محمد جمال عرفة
27/2/1426هـ
بوفاة بابا روما يوحنا بولس الثاني بعدما قضى قرابة ربع قرن يحكم دولة الفاتيكان سيكون على 164 كاردينالاً كاثوليكياً اختيار بابا جديد في غضون شهر، سيواجه بدوره مشاكل ومعضلات لا حصر لها فيما يتعلق بالعلاقة مع أتباع الكنيسة الكاثوليكية في الداخل (الغرب) الذين بدأت أعداد كبيرة منهم الانصراف عن الكنيسة والدين لحد رفض الاتحاد الأوروبي النص في دستوره علي جذور أوروبا المسيحية، وأخرى فيما يتعلق بالعالم الخارجي وتحديداً الإسلامي، حيث يتفوق عدد المسلمين على الكاثوليك بنسبة 1.2: 1.1 مليار نسمة.
وقد بدأت دراسات لاهوتية غربية تحذر بالفعل في أواخر حياة البابا الراحل من تحديات كثيرة تتعلق بانتشار الإلحاد والهجوم على الكنيسة في الغرب من جهة، خصوصاً مع اتساع الهوة بين العلم الحديث والكنيسة على نحو يشبه العصور الوسطى، ما يتطلب تطويراً في نظرة الكنيسة للعلم، إضافة إلى تحدي تصاعد انتشار الإسلام في العالم من جهة ثانية، فضلاً عن تفشي الفساد داخل الكنيسة نفسها والشذوذ ( 11 ألف شخص اتهموا قساوسة باستغلال الأطفال جنسياً في المدة من 1950م إلى 2002م حسب دراسة للكنيسة)!
وإذا كان البابا الراحل قد سعى للتعامل مع التحديات السابقة بقدر من عدم الحسم، فسيكون على البابا المقبل أن يحدد موقفه وموقف الكنيسة الكاثوليكية من هذه القضايا الشائكة، فالبابا الراحل سعى لفتح شبكة اتصال مع العالم الإسلامي، وتنشيط ما سمي حوار الأديان بهدف التوصل لتفاهم مشترك في القضايا التي تهدد الأخلاقيات عموماً مثل: قضايا السكان، والمرأة، وانتشار الإلحاد والملحدين، ولكن بالمقابل رفض تقديم اعتذار للمسلمين عن جرائم الحروب الصليبية ضد العالم الإسلامي مثلما فعل مع اليهود.
وسعى أيضاً لجذب دول أوروبية لجانبه فيما يتعلق بقضايا النص على الجذور المسيحية لأوروبا في دستور أوروبا الموحد، وتحاشى الدخول في قضايا الهندسة الوراثية والاستنساخ، ولكنه عارض الإجهاض، وسعى لتحالف مع كل أتباع الأديان لمواجهة هذه الممارسات الضارة بالإنسان.
من يعتذر للمسلمين؟
عقب زيارة بابا روما لمصر في فبراير 2000م قررت اللجنة الدائمة لحوار الأديان التي يرأسها الشيخ فوزي الزفزاف بالأزهر رفع طلب إلى المجلس البابوي بالفاتيكان للمطالبة بأن يعتذر عن الحروب الصليبية ضد المسلمين، وفي 28 مارس 2000 م رد المجلس البابوي بالعلم أنه تلقي الرسالة دون رد على فحواها.
وتطالب هذه المذكرة المقدمة من اللجنة الدائمة للأزهر لحوار الأديان إلي المجلس الأعلى البابوي للفاتيكان بـ " امتداد طلب الغفران من البابا، والذي سبق أن أعلنه البابا بمناسبة احتفالات الألفية الثالثة ( والذي استفاد منه اليهود فقط) ليشمل مرحلة الحروب الصليبية ( المسماة بالمقدسة )، وأن يشمل الاعتذار ما أصاب المسلمين تحديداً من أضرار أثناء هذه الحروب الصليبية.
وكانت هذه هي المرة الأولي التي يطلب فيها الأزهر رسمياً اعتذار الفاتيكان عن الحروب الصليبية، كما أنها المرة الأولى التي يعلن فيها الفاتيكان أنه يدرس تقديم اعتذار رسمي للمسلمين عن الأضرار التي أصابتهم من الحروب الصليبية التي شنها الغرب في العصور الوسطى على دور العالم الإسلامي.(2/78)
وكانت الكنيسة الكاثوليكية قد طلبت في رسالة طلب الغفران والندم التي تلاها البابا بولس الثاني الغفران بشكل عام عن أخطاء الكنيسة وأتباعها دون أن تشير بالنص إلى الحروب الصليبية وعواقبها السلبية على المسلمين، الأمر الذي شجع الأزهر عبر جلسات حوار الأديان التي تجري بشكل دوري مع الفاتيكان على طلب أن يمتد الغفران للمسلمين عما أصابهم أثناء الحروب الصليبية.
ولما مضت خمسة أعوام دون أن يقدم الفاتيكان أي اعتذار؛ عاد الأزهر للتقدم بطلب ثان إلى الفاتيكان بتقديم اعتذار رسمي في 24 فبراير 2005م الماضي عن الحروب الصليبية، أسوة باعتذارات الفاتيكان لليهود، وباقي الطوائف المسيحية عن ممارسات العصور الوسطي.
ولا شك أن تعامل الفاتيكان مع هذه القضية المتعلقة باستمرار الحوار مع العالم الإسلامي يتعلق الآن بشخصية البابا الجديد، وهل سيكون من المعتدلين الراغبين في وضع يدهم مع العالم الإسلامي لمحاربة الإباحية والانحلال والإلحاد، أم من الجناح المحسوب على ما يسمى (المسيحية الصهيونية) القريب في فكره من التيار المسيحي الأصولي المحافظ في أمريكا، ما يعني دخوله في عداء وتنافس مع الإسلام؟!
فليس سراً أن أحد التحديات الخطيرة التي ستواجه البابا الجديد - وفق دراسة لمجلة فورين بولسي فبراير 2004م عبارة عن رسالة وجهها سكوت أبليبي" Scott Appleby (أستاذ التاريخ بجامعة نوتردام الأمريكية) إلى مجمع كرادلة الفاتيكان، الذي تقع عليه مسؤولية انتخاب رئيس الكنيسة الكاثوليكية - هو ما يسمونه (تحدي الإسلام).
والمقصود هنا على ما يبدو أن الانتشار المستمر للإسلام كديانة كبرى أصبح يشكل تحدٍ للكنيسة الكاثوليكية الغربية ومستقبلها، ما يتطلب نوعاً من المنافسة لجذب الأتباع، إلا أن الدراسة تنصح مع ذلك بالبحث عن نقاط الالتقاء بين الكنيسة والبابا الجديد من جهة، والإسلام من جهة ثانية، وتشكيل تحالف لمواجهة موجة الإلحاد والمادية التي طغت على العالم.
ولكن المشكلة أن أسماء الكرادلة المرشحون لتولي منصب البابا الجديد حتى الآن هم من الأجنحة المتطرفة في الغرب التي تعادي الإسلام، أو من الكرادلة غير الأوروبيين ممن يسعون لمنافسة مع الإسلام في قاراتهم (خصوصاً أفريقيا).
فأحد أبرز المرشحين للمنصب هو أسقف وكاردينال بولونيا في إيطاليا (جياكومو بيففي) المعروف بخلافه مع الكنيسة بسبب إقرارها بمسئوليتها عن أخطائها التاريخية، وبانتقاده الحوار بين الأديان، وفي حال ترشحه فسوف يدعم هذا الأصوليين والمتطرفين داخل الكنيسة والحركات التابعة لها مثل تلك المعروفة باسم "خلائق الله"، وهي إحدى المؤسسات شبه السرية في حاضرة الفاتيكان.
وهناك أيضاً الكاردينال الأفريقي ( النيجيري فرنسيس ارينزي) الذي قد يؤدي فوزه للسعي للتركيز مستقبلاً على التبشير في أوساط المسلمين في أفريقيا التي تقول إحصاءات الكنيسة: إن عدد مسيحييها زادوا من 50 مليون إلى 90 مليون في عدة سنوات!!
وفي حالة فضل كرادلة الكنيسة اختيار بابا جديد يجمع بين العلم الديني والعلم الدنيوي، ولا يصطدم بالعلم الحديث؛ فسوف يختارون أسقف تيجوسيجاليا في هندوراس فهو حائز على دكتوراه في اللاهوت الأخلاقي ودكتوراه في الفلسفة، وأستاذ في الفيزياء والرياضيات والعلوم الطبيعية والكيمياء.
والخلاصة أن البابا المقبل على رأس الكنيسة الكاثوليكية يواجه جملة تحديات مع الإسلام قد تختلف أو تتفق معه بحسب معتقدات وأفكار البابا الجديد، بمعنى أنه لو كان البابا الجديد أكثر تسامحاً وقبولاً للإسلام فسوف يتعاون معه لصالح هزيمة العلمانية والإلحاد، ويقدم الاعتذار الذي سبق أن طالب به المسلمون عن الحروب الصليبية مثلما اعتذر البابا الراحل لليهود، وعلى العكس لو كان معاديا - مثل: كاردينال مدينة بولونيا الإيطالية "جاكومو بيففي - فسوف ينقلب الأمر إلى صراع بين الإسلام والمسيحية، والى حرب صليبية جديدة تباركها الكنيسة بعدما بدأتها قوي غربية بالفعل في واشنطن وأوروبا عقب تفجيرات 11 سبتمبر 2001 م، وأعلن بوش عن حملة صليبية!
ويثور سؤال آخر عن احتمال فوز كردينال كاثوليكي عربي بمنصب البابا - رغم أنه شبه مستبعد - وهل هذا ممكن أم لا؟ خصوصاً أن هناك ثلاثة كرادلة عرب في مجمع الكرادلة، وهم: مار نصر الله صفير بطريرك الموارنة في لبنان، والكاردينال أسطفانوس الثاني غطاس بطريرك الأقباط الكاثوليك في مصر، والكاردينال أغناطيوس موسى داود بطريرك السريان الكاثوليك سابقاً، ورئيس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان؟
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_report_main.cfm?id=585
===============
#في وفاة بابا الفاتيكان.. مؤشرات ودلالات!
طارق ديلواني
25/2/1426هـ الموافق له 4/4/2005م
لم ينشغل العالم بأحد من باباوات روما في العصور الحديثة قدر انشغالهم بالبابا الحالي يوحنا بولس الثاني، فالبابا البولندي الأصل، الأول من غير الإيطاليين الذي يتولى رئاسة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية منذ قرابة أربع عقود، والأصغر سناً يوم تنصيبه (كان في الثامنة والخمسين).
إلا أن وفاة هذا الرمز المسيحي تطرح تساؤلات حول المستقبل والماضي الكنسي الذي يمثله الفاتيكان وشخصية البابا.
في الموقف تجاه المسلمين ينبغي الإشارة بداية إلى جملة من المفاتيح والمؤشرات، من بينها أن بعض المرشحين لخلافة البابا لديهم مواقف يمكن وصفها بالسلبية تجاه العالم الإسلامي، والمؤكد أن عدداً من القضايا العربية والإسلامية ستوضع كملفات ساخنة أمام البابا القادم، ولعل أهمها مدى تأثر حاضرة الفاتيكان بالنزعة المسيحية العنصرية التي تجلت في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات العشرة الأخيرة، فيما عرف باسم اليمين المسيحي المتصهين.
ومن بين تلك الملفات أيضاً قضية الاعتذار المباشر من حاضرة الفاتيكان ومن البابا الجديد للعالم العربي والإسلامي عن فترة الحروب الصليبية، خاصة في ظل ما جرى من اعتذار مماثل لليهود عن إساءة معاملتهم عبر التاريخ، فهل سيعتذر لهؤلاء كما اعتذر لأولئك؟.
والحقيقة أن البابا يوحنا بولس الثاني كان له توجه ومواقف تقدمية بخصوص القضايا العربية عموماً من قبيل تصريحه الأخير "الحاجة إلى جسور لا جدران"، الذي انتقد فيه بناء إسرائيل الجدار العازل في الأراضي الفلسطينية.
ربع قرن من تاريخ سيادة البابا الراحل على الفاتيكان قام خلالها بحوالي مئة رحلة دولية، وأصدر حوالي اثنتي عشرة رسالة بابوية، وألقى العديد من الخطب، والتقى بالكثير من الشخصيات، كل ذلك في حقبة من التاريخ شهدت هيمنة أمريكية سياسية، وتوجه الاقتصاد العالمي نحو "النيو - ليبرالية".
والقول بأن البابا رفض قبضة النظام العالمي المهيمن والجموح والشطط الأمريكيين صحيح تماماً، لكن لـ"البابا" مواقف سياسية عديدة اتصفت معظمها بالاعتدال والتناقض أحياناً.
فقد سبق أن التقى في الفاتيكان مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، حيث واجه انتقادات شديدة اللهجة من إسرائيل، وفي يناير/كانون الثاني 1984 أعاد الفاتيكان علاقاته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، والتي كانت قد قطعت في العام 1867م، وقام بأول زيارة من نوعها لبابا إلى كنيس يهودي في روما، كما كان أول بابا يلتقي زعيماً سوفيتياً عندما التقى الرئيس ميخائيل غورباتشوف في الفاتيكان في ديسمبر/ كانون الأول 1989م.(2/79)
وفي المقابل أقام الفاتيكان في عهده علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وهو صاحب الاعتراف التاريخي بعدم مسؤولية اليهود عن صلب المسيح.
للبابا الراحل حراك سياسي واضح كان يعتمد باعتقادي على سياسة التوازنات، فقد التقى الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، ثم زار كوبا والأردن، وإسرائيل وأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، وعارض الحرب على العراق، وطالب بأن تكون الخيار الأخير، واعتبر الحرب "هزيمة للبشرية"، كما اعتذر عن محاكم التفتيش حيث كان الناس يعذبون لدفعهم إلى اعتناق المذهب الكاثوليكي.
هي إذا طبيعة السلطوية الدينية التي تفرض عليه سياسات محددة حتى على صعيد القضايا الاجتماعية مثل: معارضته للشذوذ، وزواج المثليين، والإجهاض.
وقد أثار الكتاب الأخير للبابا يوحنا بولس الثاني جدلاً حاداً في أوساط اليهود والشواذ، وذلك بمقارنته بين الإجهاض والهولوكوست، وبوصفه زواج الشاذين بأنه جزء من أيديولوجية جديدة للشر.
ووصف البابا في كتابه الخامس الذي صدر أمس بعنوان "الذاكرة والهوية" الإجهاض بأنه "إبادة بشكل قانوني"، يمكن مقارنتها بمحاولات القضاء على اليهود وجماعات أخرى في القرن العشرين.
في هذا السياق لم يكن البابا بعيداً عن سياسة التنصير التي تجري على قدم وساق في الدول الإسلامية والعربية، وليس سراً أن بابا الفاتيكان ألقى خطاباً قبل أشهر بسبعين لغة منها العربية، والتقط هذا الخطاب في أنحاء العالم، ونقل بعض البرامج التنصيرية.
ومن المهم التقاط بعد أفكار هذا "الحبر" لمعرفة توجهاته نحو الإسلام، حيث يرى بابا الفاتيكان بعد سقوط الشيوعية أن من مصلحة الكنيسة ومصلحة رجال السياسة توجيه عموم الشعب المسيحي نحو خصم جديد يخيفه به وتجنده ضده، والإسلام هو الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور في المقام الأول، وكان البابا يغادر مقره بمعدل أربع رحلات دولية لكسب الصراع مع الأيديولوجيات العالمية وعلى رأسها الإسلام.
ولعل أكبر إنجاز للبابا على صعيد التنصير ونشر المسيحية هو تغلغل هذه الديانة إلى المجتمعات العربية خاصة في الخليج العربي.
فثمة كنائس عديدة في دول الخليج نجح البابا عبر جهده الشخصي ببنائها بعد أن كانت أمراً محظوراً إلى وقت قريب، فهنالك عشرات الكنائس في الإمارات على سبيل المثال، وثمة 14 كنيسة لحوالى مائتي ألف مسيحي معظمهم من الأجانب في الكويت أيضاً.
ومن الحقائق غير المعروفة أن البابا انفق بلايين الدولارات على إرسال المنصرين، وإجراء البحوث، وعقد المؤتمرات، والتخطيط لتنصير أبناء العالم الثالث، وتنظيم وتنفيذ ومتابعة النشاط التنصيري في كل أنحاء العالم، وتقويم نتائجه أولاً بأول.
إن تصنيف علاقة البابا الكاثوليكي باليهود وبالمسلمين كانت تحددها نصوص الوثائق الكنسية الصادرة في عهده، العنصر الرئيسي الأول هو غياب ذكر أي كلمة عن التبشير والتنصير في أي وثيقة ذات علاقة باليهود، مقابل التأكيد أن التنصير جزء لا يتجزأ من سائر النشاطات الكنسية بين أصحاب الديانات الأخرى ولا سيما الإسلام، ويتضح ذلك مثلاً في وثيقة البعثات التبشيرية التي أصدرها البابا يوحنا بولس الثاني في 7/12/199م، أكد فيها أن "عنصر التبشير جزء لا ينفصل عن طبيعة الحياة المسيحية، وهو الذي يحدّد وجهة الحركة الكنسية"، والعنصر الرئيسي الآخر الذي يميز ما بين العلاقتين أنه رغم المواقف اليهودية المتطرفة المعروفة تجاه البابا يوحنا بولس الثاني إلى درجة إعلان اللعنة الأبدية عليه عشية زيارته لفلسطين المحتلة، لا تذكر الوثائق الكنسية كلمة واحدة عن الموقف الذي ينبغي اتخاذه من التطرّف اليهودي تجاه المسيحيين وتجاه سواهم على السواء، أما عند الحديث عن الحوار مع المسلمين فيختلف الأمر تماماً.
يمكن القول إن الفاتيكان هو الوجه الديني للعولمة، والتي تهدف في النهاية إلى فرض النموذج الحضاري الغربي على بقية دول العالم، ويتكامل دور الفاتيكان هذا مع دوره القديم في الحروب الصليبية، ثم التنصير الذي تعانق مع الاستعمار الغربي للعالم العربي والإسلامي ولإفريقية ولآسيا، ثم الدور الاستشراقي الذي لا يزال مستمراً، ولكن الفاتيكان يغير أساليبه لتتواءم مع طبيعة العالم المعاصر، ويعتمد مبدأً خطيراً اسمه "الحوار مع الأديان غير النصرانية"، ويأتي على رأسها الإسلام، وليس الحوار سوى جزء من ممارسة التنصير والدعوة إلى النصرانية، لذا تطلق بعض المراجع على الكنيسة عبارة "الشريك الكامل للإمبريالية الغربية".
ويمكن القول أيضاً في هذا السياق إن علاقة البابا وبوش عكرتها حرب العراق رغم قناعات دينية مشتركة بين الاثنين.
وقد التقى البابا وبوش ثلاث مرات منذ تولي الرئيس الأمريكي منصبه عام 2001م، والرجلان حقيقة يتقاسمان المفهوم ذاته لـ"ثقافة الحياة"، فبوش جمهوري محافظ متدين نشأ نشأة بروتستانتينية، ولا يخفي أهمية الدين في حياته الشخصية، ومناهضته الإجهاض بشدة، وكذلك الزواج بين مثليي الجنس، وكذلك الحال بالنسبة للبابا الذي يعد أول بابا يجتاز عتبة كنيس يهودي، ويدخل مسجداً، وهو بحق البابا الذي غير معالم البابوية وطبعها بشخصيته القوية، إذ اتسم عهده بالتسييس، وبالمواقف المحافظة على مستوى النظريات الأخلاقية ما أبعد عنه قسماً من المؤمنين الذين وجدوا هوة بين تعاليمه والحياة المعاصرة وتحدياتها.
وبعد 24 عاماً دخل البابا مجدداً في صلب السياسة العالمية عبر موقفه الرافض تماماً للتدخل الأحادي في العراق، وقد أثارت مواقف البابا المناهضة لغزو العراق سخط السلطات الأمريكية، لكن هذه المواقف تبدو منسجمة مع روحية حبرية يوحنا بولس الثاني التي وضعت السلام والحوار بين الشعوب والديانات في صلب نهجها.
التساؤل المطروح الآن إذاً هو: شكل البابوية الجديد بعد رحيل يوحنا بولس الثاني، ومدى خضوع مؤسسة الفاتيكان للمتغيرات في هذا العالم؟
بتصرف يسير : http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentid=6519
=============
#وفاة البابا ... صانع مجد الكاثوليكية في العصر الحديث
د.بدران بن الحسن
لقد توفي البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان بعد رحلة طويلة مع المرض. أما الهالة الإعلامية التي أُقيمت على وفاته فهي جد مثيرة، وغير مسبوقة في تاريخ الرموز الدينية المسيحية. وفي الحقيقة لقد هالني هذا الاهتمام المنقطع النظير بوفاة هذا الرجل، وخاصة بكاء المسلمين عليه، وبالأخص معظم القنوات العربية التي اهتمت بموته بطريقة لا تصدق.
فمن هو البابا يوحنا بولس الثاني؟ وما هي أهم إنجازاته؟ ولماذا هذا الاهتمام العالمي به؟
من هو يوحنا بولس الثاني؟(2/80)
البابا يوحنا بولس الثاني، بولندي الجنسية واسمه الحقيقي "كارول جوزيف فوتيلا" ولد في 18 أيار عام 1920 في بولندا لأب كان يعمل موظفاً في الجيش البولندي. وقد تدرج في السلم الكنسي من راعي إلى أسقف إلى كاردينال إلى أن اختير للمنصب البابوي، ورئيساً للكنيسة الكاثوليكية في عام 1978 ليكون أصغر من تولّوْا هذا المنصب في القرن العشرين. ومضى البابا ليصبح أحد أكثر الوجوه المألوفة في العالم. وقد كان يبلغ من العمر آنذاك (58) عاماً، وهو البابا رقم (265) في تاريخ باباوات الكنيسة الكاثوليكية، كما يُعتبر أول بابا غير إيطالي يتقلد هذا المنصب منذ (465) عاماً. وقد وصل يوحنا بولس الثاني إلى "الكرسي البابوي" بطريقة دراماتيكيّة أثارت العديد من الشبهات حوله، وحول القوى الداعمة له، فقد خلف يوحنا بولس الأوّل الذي لم يبق في منصبه سوى (33) يوماً؛ إذ قيل: إنه سُمّم لأنّه لم يكن مناسباً للمرحلة الخطيرة في ذلك الوقت على الصعيد العالمي، وتمهيداً لقدوم بولس الثاني الذي قيل أيضاً: إنه في حقيقة الأمر من أصول يهودية، وإنه بدّل دينه عند انتقاله من تشيكيا وهي بلده الأصلي إلى بولندا كما فعل بعض اليهود آنذاك خوفاً من بطش النازيين كما يدّعون، وخاصة من شاهد الحصة التي أنجزتها القناة التلفزيونية الأمريكية (CNN) يوم وفاته، وذلك الحوار مع أصدقاء طفولته اليهود الذين شهدوا بقربه منهم ومحبتهم له ومعرفتهم بحقيقة شخصيته. بل إن المتأمل في مسيرته يرى من وراء ذلك مختلف المخططات الأمريكيّة الأوروبيّة التي دعمت وصوله آنذاك، ومختلف مخابر صناعة الزعماء كيف سهرت على تلميع صورته وإبرازه زعيماً دينياً متسامحاً مع الجميع، وممثلاً ليسوع المسيح (بزعمهم)، وتجدّدت الشبهات حول اختياره مرة أخرى عندما أصبح البطل الأهم في إسقاط الشيوعية في بلده بولندا، ومرة أخرى عندما قدّم الفاتيكان اعترافاً دبلوماسياً رسمياً بدولة إسرائيل، وثالثاً عندما ذهب لحائط المبكى واعتذر لليهود عمّا قام به أسلافه في حقهم. وبغض النظر عن صدقية القول: إنه من أصل يهودي، فإن ما يهمنا هنا هو هذه الشخصية المثيرة في التاريخ المسيحي المعاصر، وتاريخ العالم المعاصر ككل، وأهم ما قام به.
لقد كان من أذكى الباباوات في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الممتد 2000 سنة، ومن أكثرهم جرأة على ممارسة نفوذه بقوة شخصية فريدة من نوعها، كما أنه من أكثر الباباوات ممارسة للعمل السياسي والاجتماعي، وأكثرهم حضوراً في عالم ما بعد الثورة الفرنسية التي غيّرت وجه أوروبا إلى ما يسمى بالعلمانية وانحصار الكنيسة في أداء دورها التعبدي الشعائري. فقد أخرج الكنيسة من جمودها، ودفع بها إلى ممارسة دورها الاجتماعي في توفير الإيمان والدعم الأخلاقي في وجه الماديّة المهيمنة على العالم اليوم، مما استعاد للكنيسة الكاثوليكية خصوصاً، والنصرانية عموماً حيويّتها، وخاصة في أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وأفريقيا. وشملت جولاته البابوية الطويلة أكثر من (120) بلداً، وأحرز لنفسه سمعة دولية كداعية للسلام. وفي عام 2000 قام البابا بخطوة ذكية لها دلالاتها الدينية والحضارية والسياسية بزيارة للمشرق العربي (الشرق الأوسط كما يُقال في الإعلام الغربي والعربي التابع) للاحتفال بذكرى الألفية الثانية، واقتفاء لخُطا القديس بولس، شملت الناصرة في فلسطين ونُصب ضحايا المحرقة النازية في إسرائيل، ودير القديسة (سانت كاترين) في سيناء بمصر. واشتهر البابا بدعوته المستمرة للحوار بين الأديان، وتعزيز التفاهم بينها. ولذلك فيمكن القول: إنه قام بدور لا يعادله دور أي شخصية دينية خلال القرن العشرين الماضي في العالم الغربي.
دوره في هدم المعسكر الشيوعي:
قام البابا بأداء دور محوريّ تاريخيّ في هزيمة الشيوعية بشكل سلمي عام 1989، وذلك في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، ونهاية الحرب الباردة التي أدت إلى إعادة التوحيد التاريخي لأوروبا في أيار (مايو) 2004 الماضي عندما انضمت بولندا وثماني دول شيوعية سابقة إلى الاتحاد الأوروبي.
فقد تمكن الفاتيكان عبر البابا من لعب دور أساسي في القضاء على الشيوعية وانهيار الكتلة الشيوعية في أوروبا الشرقية، وقد قاد بنفسه الحملة لإسقاط النظام الشيوعي، ليس في موطنه بولندا فحسب، بل وفي معظم دول ما كان يعرف بالكتلة الشرقية. وهذا مما كثف من النشاط السياسي المباشر للفاتيكان مما يخالف الأعراف العلمانية الغربية كما يدّعون، وهذا أيضاً ما يؤكد أن العلمانية التي في الغرب ليست ضد الدين وإنما علمانية ضد الكهنوت والتسلّط الكنسي، لكنا إذا وجدت في الكنيسة سنداً لتحقيق مقولاتها فإنها سرعان ما تفتح البابا للدين لقيادة بل وصياغة مفردات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وهذا ما نلاحظه من نشاط للفاتيكان خصوصاً في حماية القيم الأخلاقية في مواجهة ثقافة الشذوذ والإباحيّة، وفي مشاركة الفاتيكان في إسقاط النظام الشيوعي المخالف لسنن الفطرة.
أما العلمانية التي صدّرها لنا الغرب فهي علمانية تسلّطية جاهلة متخلّفة ومتحكمة في مصائر الشعوب، ولا تعي دورها سواء في إطار نسختها الغربية التي جاءتنا بها، أو في إطاراتها المختلفة بعد إدخال كثير من المسميّات عليها مثل: الديمقراطية المحليّة، والإصلاح السياسي، أو الحكم الرشيد، أو حرية العقيدة وغيرها.
وفي سياق الدور الذي قام به يوحنا بولس الثاني في هدم الكيان الشيوعي، فإن كثيراً من الدراسات تشير إلى الخلفية التي أتى منها وهي خلفية بولندية ذات بيئة يهودية، ولذلك فإما أن أصوله يهودية، أو ذات صلة وصداقة باليهود، وهذا ما عجل بوفاة سلفه بطريقة غامضة؛ لأن يوحنا بولس الأول -كما يُقال- كان لا يتلاءم مع المشاريع المناهضة للشيوعية لكونه مناصراً للفقراء والمزارعين والفلاحين ومتمسكاً في موقف الكنيسة الصلب من اليهود.
ولذلك فإن المصالح العليا للغرب اقتضت خرق عُرف دام قرابة خمسة قرون وتنصيب بابا غير إيطالي، خاصّة وأن هذا البابا يرجع إليه الفضل في إعادة العلاقات الدبلوماسية للفاتيكان مع الولايات المتحدة عام 1984 في عهد الرئيس اليميني المسيحي الأمريكي رونالد ريغان.
وبدأ دور البابا في خلخلة الاتحاد السوفيتي منذ استلامه منصبه ففي 2 يونيو 1979 بعد ثمانية أشهر فقط من انتخابه واعتلائه الكرسي البابوي. عاد يوحنا بولس الثاني إلى موطنه الأصلي بولندا (مقر حلف وارسو) لمدة تسعة أيام لزيارة كانت بداية انهيار الاتحاد السوفيتي من خلال دعمه لاتحاد نقابات العمال المستقلة (تضامن) في بولندا حيث ساعدها على الوصول للسلطة لتصبح أول حكومة حرة في الكتلة الشرقية، ومن خلال مطالبته القوية بحرية العقيدة والممارسة الدينية في دول العالم الشيوعي وبخاصة في وطنه.
وكان ممّا قاله في الجموع المحتشدة هناك: "إن المسيح يحارب الشيوعية، لا تكونوا اشتراكيين، نفهم من الكاهن الأكبر، نريد الله في مدارسنا، نريد الله في منازلنا.. "، وكان البابا قد أصدر قبل عام ونيّف كتاباً بعنوان (الذاكرة والهوية) قال فيه: إن الشيوعية كانت "شراً لابد منه، وإن هذا الشر المستطير كان يبتلعنا".(2/81)
والكل يتذكر كيف توالت الانهيارات التي شهدها المعسكر الشرقي ابتداء من بولندا وانتهاء بيوغسلافيا، وكيف استعادت المسيحية دورها من جديد، وكيف انضم نصارى أوروبا الشرقية إلى إخوانهم نصارى أوربا الغربية تحت لواء أوروبا الموحدة، وكيف يتم التأكيد مرة بعد أخرى على أن المسيحية هي الدين المهيمن في أوربا الموحدة، وكيف يعارض كثير من ساسة أوروبا انضمام تركيا؛ لأنها ليست مسيحية، وهو ما يشكل إدخال عنصر غريب في الجسم المسيحي الأوروبي، كما يؤكد ذلك رجالات الكنيسة وكثير من ساسة أوروبا من أصحاب القرار.
تبرئة يهود من دم المسح، وتعاطف مع إسرائيل:
أما فيما يتعلق باليهود فإن يوحنا بولس الثاني ما كاد يقضي الثلاث سنوات في منصبه حتى أعلن في عام 1982 الاعتراف بدولة إسرائيل من باب الحق الديني. ثمّ قام البابا بتغيير جذري في مفاهيم الكنيسة يتناسب مع التطورات والتغييرات التي قام بها منذ اعتلائه كرسي الفاتيكان، فأصدر الفاتيكان عام 1985 وثيقة حول "العلاقات الكاثوليكية اليهودية"، وحثّت الوثيقة جميع الكاثوليك في العالم على استئصال رواسب العداء للسامية وذكّرتهم أن المسيح عبراني أيضاً، ولذلك يجب تفهّم تمسّك اليهود بأرض أجدادهم.
واستمر هذا التغيير الدراماتيكي في موقف الكنيسة من اليهود إلى أن حصلت خطوة أخرى تؤكد الصلة الوثيقة بين ماضيه المتصل باليهود وقراراته المناصرة لهم وللصهيونية، وبين التساؤلات المثارة حول من دفع به إلى زعامة الفاتيكان، فقام في عام 1986 بزيارة كنيس يهودي في روما ليكون بذلك أوّل بابا في تاريخ الباباوية يزور كنيسا يهوديا، ثمّ قدم اعتذاراً خطّياً وشفهياً عما يسمى "بالهولوكست اليهودي" عبر الوثيقة الصادرة عن الفاتيكان في 16/3/1998، وجاء فيها: "عندما طردت النازية من أراضيها جموع اليهود ووحشية الحركات العنيفة التي أصابت أناساً عُزَّلا من السلاح، كل هذا كان يجب أن يحرك الشك بما هو أسوأ، هل قدم النصارى كل مساعدة ممكنة للمطاردين وبخاصة اليهود؟ لا نستطيع أن نعرف كم عدد النصارى في الدول التي احتلتها أو حكمتها القوى النازية أو حلفاؤها، احتجوا بغضب على فقدان جيرانهم اليهود، ولم يكونوا شجعاناً بما فيه الكفاية لسماع أصواتهم المعارضة، وللنصارى أقول: إن هذا الحمل الثقيل الجاثم على ضمائرهم بخصوص إخوانهم وأخواتهم خلال الحرب العالمية الأخيرة يجب أن يكون مدعاة للندم".
وفي الحقيقة فإن هذا يعتبر تواصلاً مع ما أصدره الفاتيكان سنة 1965، من وثيقة "تبرئة اليهود من دم المسيح" بعد ضغوط كبيرة من اليهود والصهيونية العالمية التي ضغطت بشكل كبير على الكنيسة بمساعدة الولايات المتّحدة وأوروبا، خاصّة فيما يتعلّق باتّهام الكنيسة بالتواطؤ مع النازية التي افتعلت "الهولوكوست" كما يدّعون. وقد كان يوحنا بولس الثاني أحد أهم الذين صاغوا تلك الوثيقة ويعتبر من مهندسيها.
وفي سنة 1991 صرح يوحنا بولس الثاني بأنه يصلّي من أجل أن يحيا "إخوتنا اليهود" بسلام في أرضهم. ثم في كانون أول من عام 1993 وقّع الفاتيكان وثيقة تبادل دبلوماسي مع دولة إسرائيل، وفي نهاية عام 1997 قدم البابا يوحنا بولس الثاني وثيقة بعنوان (نحن نتذكر) لمناقشة وتعديل النصوص في العهد الجديد التي تحمّل اليهود مسؤولية صلب المسيح وقصة تلاميذ المسيح بصفة خاصة، وكان يشير إلى مثل النص الإنجيلي القائل لليهود على لسان المسيح - عليه السلام -: "أيها الشعب الغليظ الرقبة، يا أولاد الأفاعي، يا أبناء الشيطان، أنتم لستم من أبناء إبراهيم، أنتم أبناء الشيطان" إلى أنه معاداة للسامية، فعمد إلى طمسه.
خاتمة: من بابا جدار برلين إلى بابا ما بعد 9/11
هذان أهم إنجازين حققهما البابا يوحنا بولس الثاني طيلة تربّعه على الكرسي البابوي للكنيسة الكاثوليكيّة، غير أن هذا لا ينسينا ما قام بإنجازه على مستوى توحيد الكاثوليك في العالم بطريقة لم يسبق لها مثيل، واسترجع دور الكنيسة ومكانتها، كما أنه عمل على الاعتراف بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ووصفه بأنه نبي، وأن القرآن موحى إليه وليس من تأليفه، بعدما كان النصارى يرون النبي - صلى الله عليه وسلم - مهرطقاً في كتبهم الكنسيّة على مدار التاريخ، ابتداء من يوحنا الدمشقي إلى جيري فالويل الأمريكي الذي يقود التيار المسيحي المتصهين اليوم.
كما أنه ساهم في نشر المسيحية في العالم الاسلامي والعالم أجمع بطريقة رهيبة من خلال شعار المحبة والتسامح، وهذه أخطر الإستراتيجيات التي رسمها الفاتيكان ويوحنا بولس الثاني على رأسه.
بقي أن نقول في الأخير: إن الغرب يعرف كيف يصنع زعاماته وينيط بها أدواراً تاريخية من أجل تحقيق أهدافه الحضارية دينية كانت أم سياسية أم اجتماعية أم ثقافية. ولذلك فإنهم الآن يحضّرون لبابا جديد يتلاءم مع ما بعد 11سبتمبر والملفات الشائكة التي أفرزتها التغيرات الكبرى التي حدثت بعد سقوط المعسكر الشرقي، وتوحّد أوروبا، والحرب على الإرهاب، والصراع على القدس، والحفاظ على هوية أوروبا المسيحيّة وتضمينها الدستور الأوروبي، والحوار بين الأديان، وخاصة مع الإسلام والمسلمين، واليمين المسيحي المتصهين (البروتستانتي الإنجيلي خاصة).
1/3/1426
10/04/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
==============
#بابا الفاتيكان الرحيل والأثر
23 صفر 1426هـ الموافق له 3 أبريل 2005 م
أعلن الفاتيكان مساء يوم السبت 2/4/2005 موت زعيم النصارى الكاثوليك في العالم, البولندي الأصل 'كارول فويتيلا' والمعروف باسم [البابا يوحنا بولس الثاني].
ويوحنا المولود عام 1920 بالقرب من مدينة كراكو البولندية، هو البابا الأول غير الإيطالي منذ البابا أدريانوس السادس [1522- 1523م]، كما يعتبر أصغر بابا في القرن العشرين، حيث تولى البابوية عام 1978، وكان عمره آنذاك 58 عاماً.
وقال الفاتيكان في بيان: إن البابا الذي بلغ من العمر 84 عاماً، ورأس الكنيسة الكاثوليكية على مدى 26 عاماً توفي في الساعة 9.37 مساء بالتوقيت المحلي في مقر سكنه الخاص.
وأعلن نبأ وفاة البابا على الفور على حشود ضخمة تجمعت في ميدان 'القديس بطرس' في الفاتيكان، حيث أقيمت صلوات على أضواء الشموع.
وبحسب دستور الفاتيكان الصادر في 1996 فإن القداس الديني الجنائزي عند وفاة البابا يجب أن يتم على مدى 9 أيام، على أن يتم الدفن ما بين اليوم الرابع واليوم السادس الذي يلي الوفاة، كما يقضي بدفن جثمانه في سرداب أسفل كنيسة 'القديس بطرس'، إلا إذا حددت وصية الدفن مكاناً آخر أو طريقة مغايرة.
تدهور صحته [البابا الأبكم]:
وكان يوحنا قد نقل مؤخراً مرتين إلى المستشفى بعد أن أصيب بمشاكل في التنفس ازدادت سوءاً بسبب إصابته بمرض الشلل الرعاش، ثم خضع لجراحة في الحنجرة 'فبراير الماضي' للتخفيف من مشكلات التنفس التي كان يعاني منها، مما سبب له صعوبات في النطق والكلام بعد العملية، خاصة بعد تركيب جهاز في الرقبة لتسهيل التنفس.
وفور الإعلان عن العملية أكدت الصحافة الإيطالية الصادرة السبت 26/2/2005 أن الفاتيكان والكنسية الكاثوليكية تستعدان لاستقبال بابا أبكم، وذكرت صحيفة 'كوريا ديلا سوريا' أن الفاتيكان يستعد لبابا لا يتكلم، مشيرة إلى أنه دون نقاش لن يتخل البابا عن مهامه حتى وإن أصبح أبكم نهائياً، كما ذكرت صحيفة 'الميساجيرو' إلى أن البابا يستطيع الإدارة من خلال القيام بالإشارة، فيما نوهت صحيفة 'لا ريبوليك' إلى قيام 'البابا بنظام صامت'.(2/82)
وأشارت الصحف الإيطالية الثلاث إلى أن الكاردينال الإيطالي 'ماريو فرانسيسكو بومبيدا' البالغ 75 عاماً - والذي كان يتقلد منصب وزير العدل الأسبق - أكد على أن البابا يستطيع حكم الكنسية من المستشفى من خلال التعبير عن رغبته، أو كتابة الأمور والإجراءات، أو الإدلاء ببعض الإشارات.
وفي الأيام الأخيرة قبيل الوفاة تدهورت صحة يوحنا بشدة، وحسب ما نشرته مجلة 'دير شبيجل' الألمانية فقد تخلف بابا الفاتيكان وللمرة الأولى منذ توليه البابوية عن حضور مراسم احتفال النصارى بيوم الفصح يوم الأحد 27/3/2005، حيث لم يستطع مجرد الوصول إلى الشباك من أجل إلقاء نظرة على أتباعه, وذكرت المجلة أن الأطباء المعالجين له حذروه من خطورة أن يحاول الوصول إلى نافذة الغرفة من أجل الظهور أمام الناس, وتحدثت صحيفة 'التليجراف' البريطانية في موقعها على الإنترنت عن اللحظات الأخيرة في حياة 'يوحنا بولس الثاني' بابا الفاتيكان الذي أُعْلِنت وفاته مساء أمس السبت.
وأوضحت الصحيفة أنه في يوم الأربعاء الماضي قام الأطباء بإدخال أنبوب تغذية إلى معدة البابا في محاولة منهم لزيادة حيويته، وذلك بعد يوم واحد من تطور المرض، وارتفاع الحمى؛ مما أدى إلى عجز القلب، ومن ثم إصابة الكلية واضطرابها ثم الوفاة.
جدير بالذكر أن يوحنا قد تعرض لمحاولة اغتيال حيث أصيب برصاص مواطن تركي 'محمد علي آغا' في 13 مايو 1981 في ساحة 'القديس بطرس' بالفاتيكان.
متى مات البابا؟
وكان وزير الصحة في الفاتيكان قد أعلن صباح الجمعة 1/4/2005 أن بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني يحتضر، وفي حينه أيضاً ذكر كبار رجال الدين في الفاتيكان أن البابا يحتضر، وهو على مشارف الموت، وكان الفاتيكان قد وصف حالة البابا بأنها 'خطيرة للغاية' بعد أن تعرض لنوبة قلبية، وأشار مسؤول في الفاتيكان إلى أنه يكاد لا يعتقد أن الوضع سيتحسن، في حين قال كاردينال كبير: إن البابا يشارف على النهاية، غير أن وسائل الإعلام في إيطاليا حيث يتواجد الفاتيكان أكدت وفاة البابا، مشيرة إلى توقف أجهزة تخطيط القلب، كما أكدت مصادر بالفاتيكان أن بولس الثاني قد توفي، ومن المقرر أن يعلن المقر البابوي ذلك لاحقاً.
وفي وقت سابق من اليوم ذاته أعلن الفاتيكان أن البابا 'يوحنا بولس الثاني' لا يزال في حالة خطرة، وأن ضغط دمه غير مستقر بالإضافة إلى مشاكل في التنفس، وأكد 'غواكين نافارو فولز' كبير المتحدثين باسم الفاتيكان للصحفيين أن المراسم الدينية الكاثوليكية الأخيرة التي تجرى عادة للمرضى وهم على فراش الموت قد أجريت للبابا.
من يخلف يوحنا
وكانت الوعكات الصحية المتتالية ليوحنا في الآونة الأخيرة قد فتحت باب الخلافة على رأس الكنيسة الكاثوليكية على مصراعيه، وأصبح كبار مسؤولي الفاتيكان يناقشون الموضوع في وسائل الإعلام بعد أن كان ذلك في حكم المحظور قبل سنوات، خاصة وأن النصارى يعتبرونه 'وريث كرسي القديس بطرس'، كما يزعمون أنه 'يستمد شرعيته من المسيح مباشرة'، وليس له الحق في العدول عن 'رسالته الإلهية' ما دامت الروح تسري في عروقه.
ويقرر 'الدستور الرسولي' الذي تمت المصادقة عليه عام 1996م أنه في حال وفاة البابا ينعقد مجمع الكرادلة في جلسة مغلقة لانتخاب خلف له بغالبية ثلثي الأصوات، ومن المقرر أن يبدأ المجمع الانتخابي المكون من 120 كاردينالاً بعد حوالي أسبوعين بالاجتماع لانتخاب رئيس جديد للكنيسة الكاثوليكية، ليصبح البابا رقم 265 في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.
ويتم انتخاب البابا ضمن طقوس خاصة تحيطها أسرار الغرف السوداء، إذ أن الكرادلة المؤهلين لاختيار بابا جديد يدخلون اجتماعاً مغلقاً، وينقطعون عن العالم حتى ينتخبوا من بينهم البابا الجديد، في غضون ذلك تكون ساحة 'القديس بطرس' مكتظة بجماهير غفيرة تنتظر من سيكون 'نائب المسيح' على حد وصفهم.
وبعد كل جولة من المناقشات السرية يتصاعد دخان من مدخنة الشرفة التي تطل على الساحة، فإذا لم يتم الاختيار يصعد دخان أسود، وإذا تم الاختيار يصعد دخان أبيض، ويخرج بعد قليل عميد الكرادلة إلى شرفة كنسية القديس بطرس ويعلن اسم البابا الجديد.
وتشكيلة مجمع الكرادلة الحالي الذي عينه بولس الثاني تغلب عليها ما سماه المحلل الإيطالي المتخصص في شوؤن الفاتيكان 'جان كارلو زيزولا' بالنزعة العالمية، إذ أن كرادلة دول العالم الثالث يمثلون نحو 40 % من المجمع أي ما مجموعه 54 كاردينالاً، وذلك أمام تراجع الكتلة الإيطالية [24 كاردينالاً] التي فقدت كرسي البابوية منذ أكثر من 4 قرون، وفي هذا الصدد يرى البعض أن البابا القادم قد يكون من خارج أوروبا، وربما من أميركا اللاتينية.
كما أن كاثوليك أفريقيا - وخاصة النيجيريين - بدؤوا يحلمون بأول بابا أسود على رأس الكنيسة، وتوقعت بعض الأوساط الكاثوليكية أن يكون البابا أحد أقرب المستشارين ليوحنا، وهو بحسب صحيفة 'جولف دايلي نيوز' الكاردينال النيجيري 'فرانسيس آرينز' البالغ من العمر 72 عاماً.
ويأتي هذا التوقع مع وجود إحدى نبوءات [الكتاب المقدس] لدى الكاثوليك، وهي نبوءة تكرس سياسة التمييز العنصري، وظهرت في القرن السادس عشر، وتزعم أن القيامة ستقوم عندما يأتي بابا أسود على رأس الكنيسة الكاثوليكية بالفاتيكان, ويدخل الإيطاليون على خط الصراع، حيث يرغبون في استعادة مكانهم الذي استمروا فيه 4 قرون.
ومن جانبه كشف موقع [نيوز فرست كلاس] الأخباري الصهيوني السبت 2/4/2005 أن أحد ورثة بابا الفاتيكان وهو الكاردينال 'كريستوفر شونبرن' بطريرك فينا قد زار الكيان الصهيونى مؤخراً، وتحدث خلال تلك الزيارة عن 'حق اليهود في الأرض المقدسة'، وقال الموقع: إن الكاردينال كريستوفر أوضح ذات مرة أنه يرفض ما يقال حول أن التأييد الأوروبي لـ 'إسرائيل' ينبع من الإحساس بالذنب تجاههم.
وكان يوحنا قد زار الكيان الصهيونى عام 2000 م، والتقى بكبار المسؤولين والحاخامات، وقام بزيارة حائط البراق، وأعلن خلال تلك الزيارة عن 'أسفه' على ما لحق باليهود من معاناة على مدار التاريخ، وطلب منهم الصفح والعفو، وقال: إنه يريد عقد حلف صداقة بين المسيحيين واليهود.
آخر أعماله اهتمامه بالتنصير في الدول العربية!
وقد كان البابا يوحنا واضحاً حين أعلن عن رغبته في توسيع دائرة التنصير في الشرق الأوسط، واتخذ في سبيل ذلك خطوات على المستويات المختلفة، وصارت تحمل لقب 'تاريخية'، بمعنى أنها حدثت للمرة الأولى في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الذي يمتد إلى قرابة ألفي سنة.(2/83)
فالبابا يوحنا كان أول بابا على الإطلاق يدخل مسجداً حين زار المسجد الأموي في دمشق في مايو من عام 2001 م، وهو أول رئيس للكنيسة الكاثوليكية في التاريخ يزور مصر، التي تضم أكبر مجتمع مسيحي في الشرق الأوسط من حيث العدد، وإن كانت أقلية ضئيلة للغاية فيه تدين بالولاء لكنيسة روما، وفي عهده أقيمت علاقات دبلوماسية قوية جداً بين إسرائيل والفاتيكان عام 1994م، بعد أن كان أيضاً أول بابا يلتقي مباشرة بالحاخام الأكبر في إسرائيل قبل ذلك بسنة على ملأ من الصحافة والإعلام العالميين، وأول بابا يزور معبداً يهودياً عام 1986 م, كما يعلم اهتمام البابا بالعملية الإرسالية التنصيرية في العراق، وبكلمته المشهورة بعد سقوط بغداد أن الأجواء في العراق مهيأة للتنصير كأفضل ما يكون، كما قام البابا يوحنا قبيل تدهور حالته الصحية بتعيين نائب جديد له على شبه الجزيرة العربية كرئيس لما يسمى بـ'إدارة شؤون النيابة الرسولية'، والتي تشمل البحرين والسعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان واليمن.
وكان بولس قد قبل صباح يوم الاثنين 21/3/2005 استقالة المطران 'جوفاني بيرناردو جريمولي' الذي كان يشغل هذا المنصب، وعين مكانه المطران 'بول هيندر' الذي كان أسقفاً لمنطقة شبه الجزيرة العربية، وقالت الإذاعة السويسرية: إن بول هيندر حاصل على دكتوراة في القانون الكنسي.
وتم إنشاء ما يسمى بـ'إدارة شؤون النيابة الرسولية' في شبه الجزيرة العربية - التي تتخذ من العاصمة الإماراتية أبو ظبي مقراً لها - في 28 من يونيو من عام 1889م، ويعتبرها الفاتيكان إحدى المقاطعات الكنسية الأكثر أهمية وامتداداً في العالم، ويعمل فيها نحو 40 كاهناً و70 راهبة.
المصدر : http://www.islammemo.cc/taqrer/one_news.asp?IDnews=366
=============
#موت بابا الفاتيكان يكشفُ انحرافاتٍ في عقيدةِ الأمةِ
عبد الله زقيل
الحمدُ للهِ وبعدُ؛
قرأتُ بعضَ التعليقاتِ لبعضِ الكُتابِ في الساحةِ السياسيةِ على موتِ كبيرِ النصرانيةِ في هذا الزمانِ، ولن أذكر الأسماءَ، وحسبي أنني أمتثلُ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما بال أقوام )، فإنهُ من المؤسفِ أن ترى الانحرافَ الخطيرِ في ثوابتِ الدينِ من أجلِ إرضاءِ غيرِ اللهِ - جل وعلا -، فهذا يترحمُ على موتِ الطاغوتِ البابا! وذلك يجعل الإنسانيةَ هي الجامع بينهُ وبين البابا!، والبعضُ يختارُ الفتاوى أو الآياتِ التي تناسبُ هواهُ لينصر فكرتهُ بالهوى المتبعِ - نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ -، وكأن القرآن والسنة النبوية لم يبينا الموقفَ من موتِ الكفارِ، ورابعٌ يستدلُ بالمتشابهِ ويتركُ المحكمَ ليلوي أعناقَ النصوصِ لتوافق هواهُ - نسألُ اللهَ السلامة والعافيةَ -، فأرجو أن تتسعَ صدورهم، وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه، ويريهم الباطلَ باطلاً ويرزقهم اجتنابهُ.
مدخل:
ولا شك أن الإنسانَ إذا مات فإن كان من أهلِ التوحيدِ بكت عليه السماءُ، وأما إن كان من أي ملةٍ أخرى يهودية أو نصرانية أو غيرها فقد استراحت الأرضُ والسماءُ منه ولا شك قال - تعالى-: (( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ))[ الدخان: 29 ]، أَيْ لِكُفْرِهِمْ، فالسماءُ والأرضُ لا تبكيان على الكافرين، بل تبكيان على فراقِ المؤمن الصالحِ من هذه الدنيا، قال المباركفوري في " تحفةِ الأحوذي ": " فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ " أَيْ: لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ تَصْعَدُ فِي أَبْوَابِ السَّمَاءِ فَتَبْكِي عَلَى فَقْدِهِمْ، وَلَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ بِقَاعٌ عَبَدُوا اللَّهَ - تعالى- فِيهَا فَقَدَتْهُمْ فَلِهَذَا اِسْتَحَقُّوا أَنْ لَا يُنْظَرُوا وَلَا يُؤَخَّرُوا لِكُفْرِهِمْ وَإِجْرَامِهِمْ، وَعُتُوِّهِمْ وَعِنَادِهِمْ ".ا.هـ.
وليس بالضرورةِ أن يكونَ هذا البكاءَ المذكور في الآيةِ بدموعٍ وأنينٍ حتى يشبه بكاء الإنسِ، ولكنهُ بكاءٌ خاصٌ بهما، لا يعلمهُ إلا خالقهما، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية كما في " جامع الرسائل " ( ص 37 ): " بكاءُ كلِ شيءٍ بحسبهِ، قد يكونُ خشيةً للهِ، وقد يكونُ حزناً على فراقِ المؤمنِ ".ا.هـ.
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - - صلى الله عليه وسلم - مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ: ( مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ )، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: ( الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ، وَالدَّوَابُّ ) رواه البخاري (6512)، ومسلم (950)، وبوب عليه النسائي في سننهِ: " الاستراحةُ من الكفارِ ".
الأدلةُ من القرآنِ:
وهذا الانحرافُ في ثوابتِ الدينِ والعقيدةِ لا بد أن يقابلَ بالردِ عليه من نصوصِ الكتابِ والسنةِ والإجماعِ، وبيانِ الموقفِ الشرعي من أعداءِ الملةِ من اليهودِ والنصارى وغيرهم من الأديانِ الوثنيةِ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة - نسألُ اللهَ الثبات -.
* قال - تعالى-: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ))[ البقرة: 161 ].
أَخْبَرَ - تعالى- عَمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْحَال إِلَى مَمَاته بِأَنَّ " عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا " أَيْ فِي اللَّعْنَة التَّابِعَة لَهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، ثُمَّ الْمُصَاحَبَة لَهُمْ فِي نَار جَهَنَّم الَّتِي " لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَاب" فِيهَا أَيْ لَا يُنْقَص عَمَّا هُمْ فِيهِ، " وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ" أَيْ لَا يُغَيَّر عَنْهُمْ سَاعَة وَاحِدَة وَلَا يَفْتُر بَلْ هُوَ مُتَوَاصِل دَائِم - فَنَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ -.
قال الجصاصُ في " تفسيره ": " بَابُ لَعْنِ الْكُفَّارِ: قَالَ اللَّهُ - تعالى-: (( إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَعْنَ مَنْ مَاتَ كَافِراً، وَأَنَّ زَوَالَ التَّكْلِيفِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ لَعْنَهُ، وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: " وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " قَدْ اقْتَضَى أَمْرَنَا بِلَعْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ".ا.هـ.
* وقال - تعالى-: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ))[ آل عمران: 91 ]، أَيْ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ خَيْر أَبَداً وَلَوْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَ مِلْء الْأَرْض ذَهَباً فِيمَا يَرَاهُ قُرْبَة كَمَا سُئِلَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَبْد اللَّه بْن جُدْعَان - وَكَانَ يُقْرِي الضَّيْف، وَيَفُكّ الْعَانِيَ، وَيُطْعِم الطَّعَام - هَلْ يَنْفَعهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ( لَا إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً مِنْ الدَّهْر رَبّ اِغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين ).(2/84)
* وقال - تعالى-: (( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ))[ المائدة: 17، 72 ].
* وقال - تعالى-: (( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ))[ المائدة: 73 ].
* وقال - تعالى-: (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ))[ التوبة: 30 ].
الأدلةُ من السنةِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ؛ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ) رواهُ مسلم (153).
قال الإمامُ النووي في " شرحِ مسلم ": " وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَفِيهِ نَسْخُ الْمِلَلِ كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم -، وَفِي مَفْهُومِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: ( لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ) أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهاً عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَاباً فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ ".ا.هـ
وَقَالَ أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ: كُنْت لَا أَسْمَع بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى وَجْهه إِلَّا وَجَدْت مِصْدَاقه أَوْ قَالَ تَصْدِيقه فِي الْقُرْآن، فَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ( لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ فَلَا يُؤْمِن بِي إِلَّا دَخَلَ النَّار )، فَجَعَلْت أَقُول: " أَيْنَ مِصْدَاقه فِي كِتَاب اللَّه؟ "، قَالَ: وَقَلَّمَا سَمِعْت عَنْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا وَجَدْت لَهُ تَصْدِيقاً فِي الْقُرْآن حَتَّى وَجَدْت هَذِهِ الْآيَة " وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده " قَالَ: " مِنْ الْمِلَل كُلّهَا ".
قال ابنُ كثيرٍ عند تفسيرِ الآية: (( وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده ))[ هود: 17 ]: " ثُمَّ قَالَ - تعالى- مُتَوَعِّداً لِمَنْ كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ " وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده " أَيْ وَمَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ سَائِر أَهْل الْأَرْض مُشْرِكهمْ وَكَافِرهمْ وَأَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ وَمِنْ سَائِر طَوَائِف بَنِي آدَم عَلَى اِخْتِلَاف أَلْوَانهمْ وَأَشْكَالهمْ وَأَجْنَاسهمْ مِمَّنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن كَمَا قَالَ - تعالى-: (( لِأُنْذَركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )) وَقَالَ - تعالى-: (( قُلْ يَا أَيّهَا النَّاس إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ))، وَقَالَ - تعالى-: (( وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده )) ا.هـ.
هل أعمالُ البرِ التي فعلها البابا تنفعه؟
ومن الطوامِ التي قرأتها لبعضِ الكتابِ أنهُ يعددُ أعمالَ الهالك البابا، ومواقفهُ من قضايا المسلمين - زعم -، ويجعلُها مسوغاً لذكرِ مآثرهِ وأعمالهِ، بل ربما يترحمُ عليه، فلننظر ماذا قال اللهُ ورسولهُ عن مثل هذه الأعمالِ؟
قَالَ - تعالى-: (( وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئاً ))[ النور: 39 ].
قال ابنُ كثيرٍ في " تفسيره ": فَأَمَّا الْأَوَّل مِنْ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ فَهُوَ لِلْكُفَّارِ الدُّعَاة إِلَى كُفْرهمْ، الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء مِنْ الْأَعْمَال وَالِاعْتِقَادَات، وَلَيْسُوا فِي نَفْس الْأَمْر عَلَى شَيْء، فَمَثَلهمْ فِي ذَلِكَ كَالسَّرَابِ الَّذِي يُرَى فِي الْقِيعَان مِنْ الْأَرْض عَنْ بُعْد كَأَنَّهُ بَحْر طَامّ، فَكَذَلِكَ الْكَافِر يَحْسَب أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ عَمَلاً، وَأَنَّهُ قَدْ حَصَّلَ شَيْئاً، فَإِذَا وَافَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَحَاسَبَهُ عَلَيْهَا، وَنُوقِشَ عَلَى أَفْعَاله؛ لَمْ يَجِد لَهُ شَيْئاً بِالْكُلِّيَّةِ قَدْ قُبِلَ: إِمَّا لِعَدَمِ الْإِخْلَاص، أَوْ لِعَدَمِ سُلُوك الشَّرْع كَمَا قَالَ - تعالى-: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُوراً ))ا.هـ.
وقال القرطبي: " وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه - تعالى- لِلْكُفَّارِ يُعَوِّلُونَ عَلَى ثَوَاب أَعْمَالهمْ؛ فَإِذَا قَدِمُوا عَلَى اللَّه - تعالى- وَجَدُوا ثَوَاب أَعْمَالهمْ مُحْبَطَة بِالْكُفْرِ؛ أَيْ لَمْ يَجِدُوا شَيْئاً كَمَا لَمْ يَجِد صَاحِب السَّرَاب إِلَّا أَرْضاً لَا مَاء فِيهَا؛ فَهُوَ يَهْلِك أَوْ يَمُوت "ا.هـ.(2/85)
ومصداقاً للآية ما جاء في سنةِ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من حوارٍ بين الله - جل وعلا - وبين من كان يعبدُ غيرَ اللهِ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ نَاساً فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: " يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ؛ قَالَ : " هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْواً لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْواً لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: " لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ "، قَالَ: " مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتعالى - يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُدْعَ الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: " مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ " قَالُوا: " كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ بْنَ اللَّهِ "، فَيُقَالُ: " كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: " عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ، فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ: " مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ "، قَالُوا: " كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ بْنَ اللَّهِ "، فَيُقَالُ لَهُمْ: " كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ "، فَيُقَالُ لَهُمْ: " مَاذَا تَبْغُونَ؟، فَيَقُولُونَ: " عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا "، قَالَ: " فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ، فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ... " الحديث أخرجه البخاري (4581)، ومسلم (182).
* وَقَالَ - تعالى-: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ))[ الفرقان: 23 [.
* وَقَالَ - تعالى-: (( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ))[ إبراهيم: 18 [.
قال ابنُ كثيرٍ عند تفسيرِ الآية: " هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّه - تعالى- لِأَعْمَالِ الْكُفَّار الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْره، وَكَذَّبُوا رُسُله، وَبَنَوْا أَعْمَالهمْ عَلَى غَيْر أَسَاس صَحِيح؛ فَانْهَارَتْ وَعَدِمُوهَا أَحْوَج مَا كَانُوا إِلَيْهَا فَقَالَ - تعالى-: (( مَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ )) أَيْ: مَثَل أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا طَلَبُوا ثَوَابَهَا مِنْ اللَّه - تعالى- لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى شَيْء فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئاً، وَلَا أَلْفَوْا حَاصِلاً إِلَّا كَمَا يَتَحَصَّل مِنْ الرَّمَادِ إِذَا اِشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ " فِي يَوْم عَاصِف " أَيْ ذِي رِيح شَدِيدَة عَاصِفَة قَوِيَّة فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى شَيْء مِنْ أَعْمَالِهِمْ الَّتِي كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَمَا يَقْدِرُونَ عَلَى جَمْع هَذَا الرَّمَاد فِي هَذَا الْيَوْم كَقَوْلِهِ - تعالى-: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ))، وَقَوْله - تعالى-: (( مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْم ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّه وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )) وَقَوْله - تعالى-: (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَاَلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَمَثَله كَمَثَلِ صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل فَتَرَكَهُ صَلْداً لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ))، وَقَوْله فِي هَذِهِ الْآيَة (( ذَلِكَ هُوَ الضَّلَال الْبَعِيد )) أَيْ سَعْيهمْ وَعَمَلهمْ عَلَى غَيْر أَسَاس وَلَا اِسْتِقَامَة حَتَّى فَقَدُوا ثَوَابَهُمْ أَحْوَج مَا كَانُوا إِلَيْهِ (( ذَلِكَ هُوَ الضَّلَال الْبَعِيد )).ا.هـ.
* وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قُلْتُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ؟ "، قَالَ: ( لَا يَنْفَعُهُ؛ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ).أخرجهُ مسلم (214)، وبوب عليه النوويُّ: " الدليلُ على أن من مات على الكفرِ لا ينفعهُ عملٌ ".
وقال النوويُّ في " شرحِ مسلم ": " مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث: أَنَّ مَا كَانَ يَفْعَلهُ مِنْ الصِّلَة وَالْإِطْعَام وَوُجُوه الْمَكَارِم لَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة ; لِكَوْنِهِ كَافِراً، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله - صلى الله عليه وسلم -: ( لَمْ يَقُلْ رَبّ اِغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين ) أَيْ لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقاً بِالْبَعْثِ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّق بِهِ كَافِر وَلَا يَنْفَعهُ عَمَل، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رَحِمَهُ اللَّه تعالى-: وَقَدْ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ الْكُفَّار لَا تَنْفَعهُمْ أَعْمَالهمْ، وَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهَا بِنَعِيمٍ وَلَا تَخْفِيف عَذَاب، لَكِنَّ بَعْضهمْ أَشَدّ عَذَاباً مِنْ بَعْض بِحَسَبِ جَرَائِمهمْ ".ا.هـ.
فالخلاصةُ أن أعمالَ البرِ التي قام بها البابا - كما يزعمُ البعضُ - أو أي كافرٍ لا تنفعهُ يومَ القيامةِ، بل تكونُ هباءً منثوراً كما قررت الآياتُ وسنةُ المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
الاستغفارُ للكافرِ والترحمُ عليه محرمٌ:
من العجبِ أن ترى البعضَ يترحم على البابا، ويستدلُ بقولهِ - تعالى-: (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ))[ الزلزلة: 7 ]، وهذا - والذي نفسي بيده - لمن أعجبِ العجبِ، وقال هذا الكلامُ ممن يفتون في الفضائيات - نسألُ اللهُ السلامة والعافية -، وأقولُ: سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ، ألهذا الحدُ بلغ بك أن تأخذ بالمتشابهِ وتتركُ المحكم الذي جاءت نصوصٌ كثيرةٌ بمنعِ الاستغفارِ والترحمِ على الكافر؟!
وإليكم النصوصُ المحكمةُ الدالةُ على المنعِ من الاستغفارِ للكافرِ أو الترحمِ عليه، وقبل ذلك نردُ على الاستدلالِ بالآية التي جوز فيها مفتي الفضائيات الترحم للبابا، والردُ يكونُ من لسانِ النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي بين ما المقصود بالآية؟(2/86)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ( الْخَيْل لِثَلَاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْر فَرَجُل رَبَطَهَا فِي سَبِيل اللَّه فَأَطَالَ طِيَلهَا فِي مَرْج أَوْ رَوْضَة فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلهَا ذَلِكَ فِي الْمَرْج وَالرَّوْضَة كَانَ لَهُ حَسَنَات، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفاً أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَ آثَارهَا وَأَرْوَاثهَا حَسَنَات لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ تُسْقَى بِهِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَات لَهُ، وَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُل أَجْر، وَرَجُل رَبَطَهَا تَغَنِّياً وَتَعَفُّفاً، وَلَمْ يَنْسَ حَقّ اللَّه فِي رِقَابهَا وَلَا ظُهُورهَا فَهِيَ لَهُ سِتْر، وَرَجُل رَبَطَهَا فَخْراً وَرِيَاء وَنِوَاء فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْر )، فَسُئِلَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْحُمُر فَقَالَ: ( مَا أَنْزَلَ اللَّه شَيْئاً إِلَّا هَذِهِ الْآيَة الْفَاذَّة الْجَامِعَة (( فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرّاً يَرَهُ )) أخرجهُ البخاري (4962)، ومسلم (987).
وَالطِّوَل وَالطِّيل: الْحَبْل الَّذِي تَرْبِط فِيهِ، مَعْنَى الْفَاذَّة: الْقَلِيلَة النَّظِير، وَالْجَامِعَة: أَيْ الْعَامَّة الْمُتَنَاوِلَة لِكُلِّ خَيْر وَمَعْرُوف.
وَمَعْنَى الْحَدِيث: لَمْ يَنْزِل عَلَيَّ فِيهَا نَصٌّ بِعَيْنِهَا, لَكِنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة الْعَامَّة، فهذهِ الأعمالُ لا يؤجرُ عليها إلا مؤمنٌ وليس الكافر، ويجدُ ثوابها في الآخرة بنيتهِ التي نوى بها.
ونأتي الآن على مسألتنا وهي الاستغفار والترحم على الكافر.
إبراهيمُ عليه السلام تبرأ من أبيه الكافر:
قَالَ - تعالى-: (( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ))[ التوبة: 114 [.
قال القرطبي: " وَالْمَعْنَى: لَا حُجَّة لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم الْخَلِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - لِأَبِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا عَنْ عِدَة "ا.هـ، والمقصود بـ " عِدَة " قولهُ - تعالى-: (( سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي ))[ مَرْيَم: 47 ]، ولكن عندما تبين أن أباهُ مات على الكفرِ تبرأ منه - عليه السلام -، ولذلك بين النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف يكونُ مآلُ والد إبراهيم؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَعَلَى وَجْه آزَرَ قَتَرَة وَغَبَرَة، فَيَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم: أَلَمْ أَقُلْ لَك لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُول أَبُوهُ: فَالْيَوْم لَا أَعْصِيك، فَيَقُول إِبْرَاهِيم: يَا رَبِّ إِنَّك وَعَدْتنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيّ خِزْي أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَد، فَيَقُول اللَّه: إِنِّي حَرَّمْت الْجَنَّة عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَال: يَا إِبْرَاهِيم مَا تَحْتَ رِجْلَيْك؟ اُنْظُرْ، فَيَنْظُر فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُتَلَطِّخ، فَيُؤْخَذ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّار " أخرجهُ البخاري (3350) وَالذِّيخ بِكَسْرِ الذَّال الْمُعْجَمَة بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة ثُمَّ خَاء مُعْجَمَة ذَكَر الضِّبَاع، وَقِيلَ لَا يُقَال لَهُ ذِيخ إِلَّا إِذَا كَانَ كَثِير الشَّعْر.
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " (8/359) عن الحكمةِ من مسخِ آزر على صفةِ الذيخِ: " قِيلَ: الْحِكْمَة فِي مَسْخه لِتَنْفِرَ نَفْس إِبْرَاهِيم مِنْهُ، وَلِئَلَّا يَبْقَى فِي النَّار عَلَى صُورَته فَيَكُون فِيهِ غَضَاضَة عَلَى إِبْرَاهِيم، وَقِيلَ: الْحِكْمَة فِي مَسْخه ضَبْعاً أَنَّ الضَّبْع مِنْ أَحْمَق الْحَيَوَان، وَآزَرَ كَانَ مِنْ أَحْمَق الْبَشَر، لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ وَلَده مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات أَصَرَّ عَلَى الْكُفْر حَتَّى مَاتَ، وَاقْتَصَرَ فِي مَسْخه عَلَى هَذَا الْحَيَوَان لِأَنَّهُ وَسَط فِي التَّشْوِيه بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دُونَهُ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِير، وَإِلَى مَا فَوْقَهُ كَالْأَسَدِ مَثَلاً، وَلِأَنَّ إِبْرَاهِيم بَالَغَ فِي الْخُضُوع لَهُ، وَخَفْض الْجَنَاح، فَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ، وَأَصَرَّ عَلَى الْكُفْر، فَعُومِلَ بِصِفَةِ الذُّلّ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَلِأَنَّ لِلضَّبْعِ عِوَجاً فَأُشِيرَ إِلَى أَنَّ آزَرَ لَمْ يَسْتَقِمْ فَيُؤْمِن بَلْ اِسْتَمَرَّ عَلَى عِوَجه فِي الدِّين "ا.هـ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ: تَعَلَّقَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الِاسْتِغْفَار لِأَبِي طَالِب بِقَوْلِهِ - تعالى-: (( سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي ))[ مَرْيَم: 47 ] فَأَخْبَرَهُ اللَّه - تعالى- أَنَّ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ كَانَ وَعْداً قَبْل أَنْ يَتَبَيَّن الْكُفْر مِنْهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْكُفْر مِنْهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَسْتَغْفِر أَنْتَ لِعَمِّك يَا مُحَمَّد وَقَدْ شَاهَدْت مَوْته كَافِراً.
النبي - صلى الله عليه وسلم - يُنهى عن الاستغفارِ للمشركين:
قال - تعالى-: (( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم ))[ التوبة: 113 [.(2/87)
قال القرطبي في " تفسيره ": " هَذِهِ الْآيَة تَضَمَّنَتْ قَطْع مُوَالَاة الْكُفَّار حَيّهمْ وَمَيِّتهمْ فَإِنَّ اللَّه لَمْ يَجْعَل لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، فَطَلَبُ الْغُفْرَان لِلْمُشْرِكِ مِمَّا لَا يَجُوز، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْم أُحُد حِين كَسَرُوا رَبَاعِيَته، وَشَجُّوا وَجْهه: " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " فَكَيْفَ يَجْتَمِع هَذَا مَعَ مَنْع اللَّه - تعالى- رَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ طَلَب الْمَغْفِرَة لِلْمُشْرِكِينَ، قِيلَ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْل مِنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيل الْحِكَايَة عَمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاء، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِي نَبِيّاً مِنْ الْأَنْبِيَاء ضَرَبَهُ قَوْمه وَهُوَ يَمْسَح الدَّم عَنْ وَجْهه وَيَقُول: " رَبّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ". وَفِي الْبُخَارِيّ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ نَبِيّاً قَبْله شَجَّهُ قَوْمه فَجَعَلَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يُخْبِر عَنْهُ بِأَنَّهُ قَالَ: " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ "، قُلْت: وَهَذَا صَرِيح فِي الْحِكَايَة عَمَّنْ قَبْله، لَا أَنَّهُ قَالَهُ اِبْتِدَاء عَنْ نَفْسه كَمَا ظَنَّهُ بَعْضهمْ ".ا.هـ.
وقد جاء في سببِ نزولِ هذه الآيةِ:
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَبِي طَالِبٍ: ( يَا عَمِّ؛ قُلْ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ )، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: " يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ "؛ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: " هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ "، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ "، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تعالى- فِيهِ: (( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ))، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ))[ الْقَصَص: 56 [ أخرجهُ البخاري (4675)، ومسلم (24(.
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح ": " أَيْ مَا يَنْبَغِي لَهُمْ ذَلِكَ، وَهُوَ خَبَر بِمَعْنَى النَّهْي هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ".ا.هـ.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهاه ربهُ عن الاستغفار لأمه:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: " زَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: ( اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ ) أخرجه مسلم (976).
قال الإمامُ النووي في " شرح مسلم ": " وَفِيهِ: النَّهْي عَنْ الِاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ ".ا.هـ.
وجاء في " الموسوعةِ الفقهيةِ " عند مادةِ " استغفار ": " اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ مَحْظُورٌ، بَلْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ يَقْتَضِي كُفْرَ مَنْ فَعَلَهُ، لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيباً لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - تعالى- لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ".ا.هـ.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - حكم على أبيه أنهُ في النارِ لأنه مات على الكفرِ:
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيْنَ أَبِي؟"، قَالَ: ( فِي النَّارِ )، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ: ( إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ ) ( أخرجهُ مسلم )، قال النووي في " شرح مسلم ": " فِيهِ: أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَهُوَ فِي النَّار، وَلَا تَنْفَعهُ قَرَابَة الْمُقَرَّبِينَ ".ا.هـ، وقال في " المجموعِ " (5/144): " وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْكَافِرِ وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ فَحَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ ".ا.هـ.
قال العلامةُ الألباني - رحمه الله - في " أحكامِ الجنائزِ " ( ص 124 ): " ومن ذلك تعلمُ خطأَ بعضِ المسلمين اليوم من الترحمِ والترضي على بعضِ الكفارِ، ويكثُرُ ذلك من بعضِ أصحابِ الجرائدِ والمجلاتِ، ولقد سمعتُ أحدَ رؤساءِ العربِ المعروفين بالتدينِ يترحمُ على " ستالين " الشيوعي الذي هو ومذهبهُ من أشدِ وألدِ الأعداءِ على الدينِ! وذلك في كلمةٍ ألقاها الرئيسُ المشارُ إليه بمناسبةِ وفاةِ المذكورِ، أذيعت بالراديو! ولا عَجَبَ من هذا فقد يخفى عليه مثلُ هذا الحكمِ، ولكن العجب من بعضِ الدعاةِ الإسلاميين أن يقعَ في مثلِ ذلك حيثُ قال في رسالةٍ له: " رحم اللهُ برناردشو... "، وأخبرني بعض الثقاتِ عن أحدِ المشايخِ أنه كان يصلي على من مات من الفرقةِ الإسماعليةِ الباطنيةِ مع اعتقاده أنهم غيرُ مسلمين؛ لأنهم لا يرون الصلاةَ ولا الحجَّ ويعبدون البشرَ! ومع ذلك كان يصلي عليهم نفاقاً ومداهنةً لهم، فإلى اللهِ المشتكى وهو المستعان ".ا.هـ.
لا يجوز تشميتُ العاطس الكافرِ بالرحمةِ:
أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: " كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ " يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ "، فَيَقُولُ : ( يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ) أخرجهُ الترمذي (2739) وقال: " حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " تعليقاً على حديث أبي موسى - رضي الله عنه -: " وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الشَّرْع فَحَدِيث أَبِي مُوسَى دَالّ عَلَى أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَق الْأَمْر بِالتَّشْمِيتِ، لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيت مَخْصُوص وَهُوَ الدُّعَاء لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلَاح الْبَال وَهُوَ الشَّأْن وَلَا مَانِع مِنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ تَشْمِيت الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْل الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ بِخِلَافِ الْكُفَّار ".ا.هـ.
الإجماعُ على كفرٍ من لم يكفرِ الكافرَ أو شك في كفرهِ:(2/88)
وبعد هذه النصوصِ نأتي على مسألةٍ مهمةٍ لها علاقةٌ وثيقةٌ بما نحن بصددهِ ألا وهي من لا يريدُ أن يكفرَ أو يشككَ في كفرِ الكافرِ من أمثالِ الطاغوتِ البابا، وهذا مزلقُ خطيرٌ جداً قد يوقعُ الإنسانَ في الكفر شعر أم لم يشعر، وقد حكى الإجماعَ عددٌ من العلماءِ على تكفيرِ من لم يكفر أو شك أو توقف في كفرِ الكافرِ.
فهذا القاضي عياض - رحمهُ اللهُ - في " الشفا " (2/281) ينقلُ الإجماعَ على كفرِ من لم يكفر الكافر أو شك في كفره، وذلك عند كلامهِ عن تكفيرِ من صوب أقوال المجتهدين في أصولِ الدين حيثُ قال: " وقائلُ هذا كلهِ كافرٌ بالإجماعِ على كفرِ من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود، وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك ".ا.هـ.
وقال أيضاً: " ولهذا نكفرُ من دان بغيرِ ملةِ الإسلامِ من المللِ، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم وإن أظهرَ مع ذلك الإسلامَ، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافرٌ بإظهارهِ ما أظهر من خلافِ ذلك ".ا.هـ.
وقال صاحبُ " مغني المحتاج إلى معرفةِ ألفاظ المنهاج " في معرضِ سرده لصورِ الردة: " أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى، أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ... أَوْ قَالَ مُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ مَثَلاً: الْيَهُودُ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يُنْصِفُونَ مُعَلِّمِي صِبْيَانِهِمْ ".ا.هـ.
وقال صاحبُ " كشاف القناع " في كتابِ الردةِ: " ( أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ ) أَيْ تَدَيَّنَ ( بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى ) وَالْيَهُودِ ( أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ ) فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِقَوْلِهِ - تعالى-: (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ))ا.هـ.
وقال أيضاً: " ( وَقَالَ الشَّيْخُ: مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكَنَائِسَ بُيُوتُ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ يُعْبَدُ فِيهَا، وَأَنَّ مَا يَفْعَلُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عِبَادَةً لِلَّهِ، وَطَاعَةً لَهُ وَلِرَسُولِهِ، أَوْ أَنَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ أَوْ يَرْضَاهُ ) فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ اعْتِقَادَ صِحَّةِ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ كُفْرٌ كَمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ أَعَانَهُمْ عَلَى فَتْحِهَا ) أَيْ الْكَنَائِسِ ( وَإِقَامَةِ دِينِهِمْ وَ ) اعْتَقَدَ ( أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ أَوْ طَاعَةٌ فَهُوَ كَافِرٌ ) لِتَضَمُّنِهِ اعْتِقَادَ صِحَّةِ دِينِهِمْ، وَقَالَ ( الشَّيْخُ ) فِي مَوْضِعِ آخَرَ: مَنْ اعْتَقَدَ أَنْ زِيَارَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي كَنَائِسِهِمْ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَإِنْ جَهِلَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عُرِّفَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَصَرَّ صَارَ مُرْتَدّاً ) لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيبَ قَوْله - تعالى-: (( إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ )).ا.هـ.
وقال صاحبُ " مطالبِ أولي النهى ": " ( أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ )؛ أَيْ: تَدَيَّنَ ( بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ ) كَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ ( أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ ) أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُ؛ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِقَوْلِهِ - تعالى-: (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ))الْآيَةَ ".ا.هـ.
وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الفتاوى " (2/368) في بيانِ حقيقةِ عقيدةِ وحدةِ الوجودِ، وأنها أشرُ من قولِ النصارى: " فهذا كلهُ كفرٌ باطناً وظاهراً بإجماعِ كلِ مسلمٍ، ومن شك في كفرِ هؤلاءِ بعد معرفةِ دينِ الإسلامِ فهو كافرٌ كمن يشكُ في كفرِ اليهودِ والنصارى والمشركين ".ا.هـ.
وهذا الشيخُ محمدُ بنُ عبد الوهابِ يعدُه من نواقضِ التوحيدِ فيقول في الناقضِ الثالثِ: " من لم يكفرِ المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم ".
فليحذر المميعين للدينِ من أجل إرضاءِ الناسِ بسخطِ اللهِ.
http://www.islamselect.com
==============
#زعيم الفاتيكان: تركيا نموذج للدولة العلمانية المواجهة للأصولية
الأربعاء 16 من ذو القعدة1427هـ 6-12-2006م الساعة 07:13 م مكة المكرمة 04:05 م جرينتش
الصفحة الرئيسة > الأخبار > العالم العربي والإسلامي
... زعيم الفاتيكان ...
زعيم الفاتيكان
مفكرة الإسلام: بعدما أنهى زيارته المثيرة للجدل لتركيا، أعلن زعيم الفاتيكان البابا "بنيديكت السادس عشر"، أنه يعتبر تركيا مثالاً لما وصفه بـ"الدولة المسلمة العلمانية، القادرة على مواجهة المد الأصولي"
وفي تعليقاته الأسبوعية للجمهور العام، قال زعيم الفاتيكان وفقًا لوكالة "رويترز": "إنني أشعر بالأمل في إمكانية أن تتحول تركيا إلى جسر صداقة، وتعاون، وأخوة بين الغرب والشرق، في المستقبل".
وبعد الاحتجاجات العنيفة التي شارك فيها مئات الآلاف من الأتراك، تنديدًا بقدوم زعيم الفاتيكان لبلادهم، في أعقاب تصريحاته، التي سعى من خلالها لإهانة الدين الإسلامي، قال بنيديكت السادس عشر: "تركيا دولة تسكنها أغلبية مسلمة، ولها دستور علماني، ويمكن أن تكون مثالاً للدول الأخرى، في مسألة التوازن بين الخلفية الدينية، وإقامة المجتمع المدني".
وفي إشارة إلى الدور الفعال، الذي تمارسه الحكومة التركية، لدعم حرب الولايات المتحدة على الحركات الإسلامية باسم "مكافحة الإرهاب" قال زعيم الفاتيكان: "إننا نقدر جهود تركيا في مواجهة الأصولية، وإدانة كل أشكال العنف"
===============
# البابا لم يعتذر ولم يقم سوى 'ببضع مناورات'
الخميس 6 رمضان 1427هـ - 28 سبتمبر 2006م آخر تحديث 10:20ص بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: جدد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان أمس، انتقاد التصريحات التي أدلى بها البابا بينيديكت السادس عشر المسيئة للإسلام, مؤكدًا أنه لم يعتذر ولم يقم سوى 'ببضع مناورات'.
ونقلت وكالة رويترز عن أردوجان قوله: 'إن ما من أحد ليتحدث بهذا الأسلوب حتى ولو كان سياسيًا'.
وأردف قائلا: 'إن الجميع خاصة الشخصيات العامة مثل البابا يجب أن يظهروا الاحترام للديانات والثقافات الأخرى'.
وأضاف أردوجان في مؤتمر اقتصادي في إسطنبول: 'البابا شخصية سياسية ودينية. لكن هذا الشخص تحدث بطريقة غير ملائمة حتى بالنسبة لنا كساسة'.
وتابع 'حين ظهر عدم الاحترام لنبينا [محمد] لم نستطيع احتمال هذا'، موضحًا 'نحب عيسى وموسى بقدر ما نحب نبينا. يجب ألا يتدخل أحد في ديننا. البابا اقترف هذا الخطأ'.
واعتبر أن البابا لم يعتذر ولم يقم سوى 'ببضع مناورات' يمكن أن تفسر بأنها خطوة للوراء.
وكانت مزاعم 'بينيديكت' التي ألقاها في محاضرة في ألمانيا حول نشر الإسلام باستخدام 'العنف' وإساءته للنبي الأكرم سيدنا محمد, صلى الله عليه وسلم, قد أثارت غضبًا عارمًا في أنحاء العالم الإسلامي مصحوبًا بمطالب بتقديم اعتذار علني وصريح, وهو ما لم يفعله بابا الفاتيكان.
===============
#البابا يتجاهل مجددًا الاعتذار عن تصريحاته المسيئة للإسلام
الاثنين 3 رمضان 1427هـ - 25سبتمبر 2006م آخر تحديث 1:26م بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...(2/89)
مفكرة الإسلام: تجاهل البابا بينيديكت السادس عشر الاعتذار بشكل صريح عن عباراته المسيئة للإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك خلال لقائه اليوم مع سفراء دول إسلامية معتمدين لدى الفاتيكان، والذي دعا إليه في محاولة لتطويق الأزمة التي فجرت موجات غضب عارمة في العالم الإسلامي.
وأكد البابا خلال اللقاء الاستثنائي الذي عقده بمقره الصيفي أنه يكن احترامًا للأديان وخاصة الإسلام، مشددًا على ضرورة وأهمية الاحترام بين الأديان، وقال: إن ذلك لا بد أن يكون جزءًا من المستقبل.
وأشار إلى أنه دائمًا ما عمل على تعزيز جسور الصداقة مع كل الأديان خاصة الإسلام، لكنه لم يقدم اعتذارًا صريحًا عما قال: إنه لا يعكس وجهة نظره في نص اقتبسه في محاضرته في جامعة ألمانية يوم 12 سبتمبر الماضي.
ورغم اشتعال الغضب في أنحاء العالم الإسلامي إزاء التصريحات، التي ادعى فيها بينيديكت أن الإسلام دين عنف ولا يتفق مع العقل، إلا أنه لم يقدم الاعتذار الصريح الذي طالب به كثير من المسلمين.
وكان البابا قد أعرب في وقت سابق عن الأسف لأن تصريحاته التي ألقاها يوم 12 سبتمبر الماضي 'أسيء فهمها'، وهو ما عكس إصراره على عدم التراجع عن تصريحاته المثيرة للجدل، رغم ما أثارته من مشاعر غضب واسعة تجلت في التظاهرات الغاضبة التي شهدتها العديد من الدول العربية والإسلامية يوم الجمعة الماضي
=============
#تصريحات البابا تنهي مستقبل الحوار الإسلامي المسيحي
الأحد 2رمضان 1427هـ - 24سبتمبر 2006م آخر تحديث 11:40م بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: وضع الدكتور التونسي أحميدة النيفر - وهو الرئيس المسلم لفريق البحث الإسلامي المسيحي - تصريحات البابا الأخيرة في سياقها الأوسع.
لكن الدكتور النيفر لم يُخفِ تشاؤمه حول مستقبل الحوار الإسلامي المسيحي لأنه لا يمكن للحوار أن يغير كثيرًا من أجواء أزمة الثقة القائمة 'في غياب توفر شروط ضرورية'.
ويعمل الدكتور أحميدة النيفر أستاذ وباحث جامعي من أصل تونسي، انخرط مند فترة طويلة في تنشيط الحوار الإسلامي المسيحي.
وقال النيفر: أخطاء البابا في جانبين: الأول، عندما لم يُدرك مقتضيات وظيفته الجديدة كبابا، مقارنة بمسئوليته السابقة عندما كان يُشرف على 'مجمع عقيدة الإيمان'، التي تُعتبر أعلى هيئات الفاتيكان الساهرة على العقيدة.
وحسب وكالة الأنباء السويسرية 'سويس إنفو' أضاف: 'لكنه بعد انتقاله إلى وظيفته الجديدة، احتفظ على نفس الخطاب، في حين أن منصب البابا يقتضي مُراعاة عوامل أخرى، ولا تقف عند شرح العقيدة، وإنما تراعي أيضًا الأوضاع السياسية والاجتماعية لأوروبا والعالم.
فحينما يستشهد البابا بحوار جرى مند قرون في ظروف خاصة ليرمي من وراء ذلك إلى ربط الإسلام بالعنف ربطًا جوهريًا، فإن مثل هذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن شخص مسئول عن مؤسسة في أهمية أو مكانة، خاصة عندما يُقال الآن في هذا الظرف الصعب الذي يواجهه العالم العربي والإسلامي، فيقال للمسلمين بأنهم أصحاب دين انتشر عن طريق القوة.
ثانيًا: أثبت البابا في محاضرته أنه على معرفة بجوانب عديدة من تاريخ الفكر الإسلامي، حيث استشهد بابن حزم، ولاشك أنه يعرف ابن رشد.
وبالتالي، يتوقع أنه على إطلاع بتنوّع المدارس الفكرية في التاريخ الإسلامي، وبأن الإسلام أتاح للعقل الإنساني فُرصة للنمو والازدهار، وأن ذلك يتعارض مع القول بأن هذا الدين قائم على التعارض بين الإيمان والعقل
===============
#تصريحات البابا تدفع نحو صدام الحضارات
السبت غرة رمضان 1427هـ - 23سبتمبر 2006م آخر تحديث 11:40م بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: نظم نشطاء الحركة الإسلامية في مناطق عرب 1948 بفلسطين المحتلة، مظاهرة حاشدة للإعراب عن استنكارهم البالغ لتصريحات بابا الفاتيكان المسيئة للإسلام وللنبي محمد صلى الله عليه وقام المتظاهرون وعلى رأسهم عضو الكنيست 'إبراهيم صرصور' بالتوجه لمقر سفارة الفاتيكان في 'إسرائيل' ورددوا شعارات منددة بالبابا.
وذكرت صحيفة 'يديعوت أحرونوت' أن عشرات المتظاهرين تجمعوا حول سفارة الفاتيكان في يافا للرد على تصريحات بنيديكيت السادس عشر وحملوا لافتات كتب عليها 'حرية التعبير لا تعني حرية سب الإسلام' و'لا تسبوا نبي الإسلام' و'لا للصليبية والعودة للحروب الصليبية 'و'لا للعنصرية'.
وقال 'صرصور' رئيس الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية في تصريحات خاصة لصحيفة 'يديعوت أحرونوت': إن البابا لم يعتذر ونحن نطالبه أن يقول بشكل واضح وصريح أنه يعتذر ورجع عن ما قاله في حق النبي.
وتابع حديثه بالقول: نحن المسلمين أول من طالبوا بالحوار وكان البابا أول من أغلق باب الحوار على عكس من سبقه البابا يوحنا بولس الثاني الذي بذل 25 عاماً من عمره من أجل الحوار بين الأديان وأضاف أني أعتقد أن تصريحات بنيديكيت تضر بالحوار وتصب في مصلحة صدام الحضارات.
================
#مسئول ألماني يهاجم منتقدي 'البابا'
السبت غرة رمضان 1427هـ - 23سبتمبر 2006م آخر تحديث 1:20بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: طالب أحد المسئولين الألمان منتقدي بابا الفاتيكان بالتراجع عن تلك الانتقادات، مدافعاً عما أسماه بحق انتقاد جميع الديانات بما في ذلك الدين الإسلامي.
وحسبما نقلته صحيفة 'نت تسايتونج' دافع وزير الاندماج بولاية نورد راين فيستفالن 'أرمين لاشيت' عن تصريحات 'البابا' المسيئة للإسلام، زاعماً: 'البابا له كامل الحق في أن يقول أن الأديان يجب أن تكون مرتبطة بالعقل لا بالعنف'.
واتهم الوزير الألماني كل من هاجم تصريحات بنيديكت بأنه لم يقرأ جيداً المحاضرة التي اشتملت على هذه التصريحات، كما انتقد رد فعل بعض المسلمي في الشارع الإسلامي واصفاً إياه بأنه لم يكن 'رد فعل مناسب'.
وواصل 'لاشيت' دفاعه عن بنيديكت بأن أي دين يجب أن يكون عرضة للنقد بما في ذلك الدين الإسلامي.
وكانت تصريحات بنديكت قد أثارت غضب العالم الإسلامي، وهي التصريحات التي ذكر فيها مقطعًا من حوار دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي و'فارسي مثقف'. ويقول الإمبراطور للمثقف: 'أرني ما الجديد الذي جاء به محمد. لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف' إلا أنه لم يتناول رد عالم الدين الفارسي على اتهامات الامبراطور
================
#أثنار يدافع عن البابا ويطالب المسلمين بالاعتذار عن حكمهم الأندلس!
السبت غرة رمضان 1427هـ - 23سبتمبر 2006م آخر تحديث 12:50بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: انتقد رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أثنار موجة الغضب التي اجتاحت العالم الإسلامي، على خلفية تصريحات بابا الفاتيكان بينيديكت السادس عشر التي نالت من الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم, والدعوات الموجهة إليه بتقديم اعتذار رسمي للمسلمين.
وقال أثنار إذا كان على البابا أن يقدم اعتذارًا؛ فالعالم الإسلامي مطالب أيضًا بتقديم اعتذار لنا عن الفترة التي قضوها في الأندلس والتي تقترب من ثمانية قرون.(2/90)
وقبل عامين، زعم أثنار في محاضرة بجامعة جورج تاون الأمريكية أن مشكلة بلاده مع 'القاعدة' وما سماه بـ'الإرهاب الإسلامي' لم تبدأ مع أزمة العراق، وقال: 'يجب أن نعود إلى الوراء لنبدأ من القرن الثامن الميلادي، عندما تعرضت إسبانيا للغزو من المغاربة، ورفضها أن تكون جزءًا آخر من العالم الإسلامي، فخاضت معركة طويلة لاستعادة هويتها'.
وأشار رئيس الوزراء الإسباني السابق أنه لا خيار لدينا سوى مواجهة الحركات الإسلامية, مشيرًا أنها باتت تمثل خطرًا كبيرًا على الغرب, على ما أفادت صحيفة 'الباييس' الإسبانية نقلاً عنه.
وتتعارض تعليقات أثنار تمامًا مع مواقف رئيس الوزراء الحالي خوسيه لويس ثاباتيرو الذي اقترح 'تحالف الحضارات' بين الغرب والعالم الإسلامي.
فقد أعرب أثنار عن رفضه لتلك الفكرة واصفًا إياها بأنها فكرة 'غبية'، وقال: إن المشكلة ليس في حوار الغرب مع العالم الإسلامي, ولكنها تكمن في أن المبادرة أصبحت في أيدي من وصفهم بـ'المتطرفين'.
وقال رئيس الوزراء الإسباني السابق: إن الأسبان يعرفون الخطر الإسلامي الذي بات يداهم البلاد والممثل في المهاجرين غير الشرعيين من المغاربة والأفارقة المسلمين
==============
#المركز الثقافي الإسلامي في روما يعتبر الأزمة مع البابا 'انتهت'!!
الأربعاء 27 شعبان 1427هـ - 20سبتمبر 2006م آخر تحديث 4:15 ص بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: اعتبر سكرتير المركز الثقافي الإسلامي في روما عبد الله رضوان، أن القضية المثارة بشأن تصريحات البابا بينديكت السادس عشر 'قد انتهت، بالنسبة إلينا، وعلينا الآن النظر إلى الأمام'.
وقال رضوان في تصريحات عقب لقاء جمع ممثلين للديانات الثلاث [اليهودية والنصرانية والإسلامية] بدعوة من بلدية روما اليوم: 'لقد تقبلنا، برضا، دعوة البابا بشأن الحوار بين الأديان' في عظة الأحد المنصرم و'لن ندخر جهدًا في نقل ذلك الحوار إلى مرحلة متقدمة' بحسب وكالة 'آكي' الإيطالية للأنباء.
وبدوره، أشار كبير حاخامات اليهود بروما ريكاردو دي سيني إلى أنه 'بالإمكان اعتبار ما حدث كمحاولة للحوار بين العالمين [المسيحي والإسلامي]' وعزا، مبتسمًا، العقبة الحالية التي أمامهما إلى كون 'الأمور لا تسير عادة على ما يرام في المرحلة الأولى للتجارب التقنية لبث الاتصالات' على حد قوله.
من جانبه، أعرب إمام مسجد روما الشيخ سامي سالم عن 'الأمل في مستقبل يفتخر فيه ممثلو المعتقدات الدينية بدياناتهم وتتلقى هذه الديانات الاحترام الذي تستحقه'.
وكان بابا الفاتيكان قد أعرب خلال عظة الأحد عن 'الشعور بمرارة شديدة لردود الأفعال التي سببها مقتطف قصير من خطابي في جامعة ريغنسبورغ، حيث اعتبر مسيئًا لمشاعر المؤمنين المسلمين'. وادعى أن 'الاستشهاد بنص من القرون الوسطى لا يعبر بأي شكل من الأشكال عن فكري الشخصي'.
وقد قوبل هذا 'الأسف' الذي أبداه بابا الفاتيكان بالرفض من جماهير المسلمين، حيث لم يقدم البابا اعتذارًا رسميًا عما تفوه به من إساءة للإسلام وللنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بل اعتبره بعض الدعاة وعلماء المسلمين إهانة للمسلمين واتهامًا لهم بسوء الفهم، وطالبوه باعتذار واضح عن تصريحاته.
ويأتي موقف المركز الثقافي الإسلامي في روما الذي عبر عنه سكرتيره عبد الله رضوان، موقفًا شاذًا بين الموقف الذي أطبقت عليه جماهير المسلمين في شتى بلدان العالم من اعتبار أسف البابا 'غير كافٍ' ومطالبته باعتذار رسمي وواضح.
================
#لا ضرورة لإلقاء اللوم على البابا
الثلاثاء 26 شعبان 1427هـ - 19سبتمبر 2006م آخر تحديث 6:30م بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: كتبت صحيفة 'التلجراف' في افتتاحيتها أنها لا ترى في تصريحات البابا ضرورة لإلقاء اللوم عليه، متسائلة متى آخر مرة اعتذر فيها زعيم إسلامي عن انتقادات وجهها مسلمون للمسيحيين في الدول الإسلامية.
وقالت في نبرة تحريضية: 'إن الوقت قد حان لرجال الكنائس كي يبلغوا نظراءهم من المسلمين بضرورة تعلم كيف يتلقون الانتقادات كما يفعلون ذلك بحق الآخرين' على حد زعمها.
كما حذرت صحيفة 'الجارديان' البريطانية من أن العداء المستديم بين المسيحيين والمسلمين، من شأنه أن يتسبب في كارثة، غير أنه ما زال هناك قواعد قوية تدفع إلى التفاؤل بتجنب مثل تلك الكارثة.
وبحسب 'الجزيرة نت' في النهاية أكدت 'الجارديان' أنه من مصلحة البابا أن يظهر وعيًا أكثر لحساسية السياق السياسي للملاحظات التي أدلى بها حول المعتقدات الأخرى .
هذا وقد جاء في صحيفة 'التلجراف' مسبقًا في مقال بها 'لداميان تومسون' يقول إنه من سخرية الأمور أن يُتهم البابا بمعاداة الإسلام في خطابه، لأنه لم يوجد في تاريخ الفاتيكان حبر أعظم درس الإسلام بعمق كما درسه هو' .
وأضاف وفي نظر 'بنيديكيت'،أن في قلب الإسلام غموض كبير بشأن العنف، مصدره أن رسول الإسلام كان يدافع عن نشر الدين بحد السيف', على حد زعمه.
وينهي الكاتب مقالته المؤيدة لتصريحات البابا قائلاً في تعصب واضح وكراهية زائدة 'وفي النهاية، فمحمد كان جنرالاً قطع جنوده رؤوس مئات الأسرى'
===============
#المفوضية الأوروبية تعتبر ردود الفعل على تصريحات البابا 'غير مقبولة'
الاثنين 25 شعبان 1427هـ - 18سبتمبر 2006م آخر تحديث 10:30م بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: في تعليقه على موجة الجدل التي أثارتها تصريحات البابا الأخيرة، المسيئة للإسلام وللنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أكد يوهانز ليتنبرغر ـ المتحدث باسم المفوضية الأوروبية ـ أن 'أي رد فعل على هذا الأمر يجب أن يرتكز على ما تم قوله فعلاً، لا على ما تم تفسيره'.
وأشار إلى أنه 'يجب أن يكون الرد على أقوال موضوعة في سياقها العام، لا على جمل منفصلة مجردة من أي سياق أو تسلسل أراده قداسة الحبر الأعظم في كلامه'، على حد قوله.
واعتبر المتحدث في تصريحاته اليوم أن المفوضية ترى ردود الأفعال 'المتسرعة' أنها 'غير مقبولة' و'مبالغ فيها'، و'لا تتوافق مع حرية التعبير والفكر، التي دعت إليها كافة الأديان والشرائع' بحسب وكالة [آكي] الإيطالية للأنباء.
وشدد المتحدث على ما وصفه بموقف المفوضية 'الراعي دائماً والداعم للحوار بين الأديان والثقافات' فـ'حرية التعبير تعتبر حجر الزاوية في دعوات كافة الأديان والمعتقدات، اليهودية، المسيحية، الإسلام والبوذية التي نكن لها الاحترام'.
ويكرر المتحدث باسم المفوضية الأوروبية في تصريحاته السابقة ما يحاول الفاتيكان أن يروج له من أن تصريحات البابا أسيء فهمها، وأنها لم تُحمل على محملها الصحيح بانتزاعها من سياقها، وهو الأمر نفسه الذي اعتمد عليه بابا الفاتيكان يوم الأحد عندما عبَّر عن أسفه للمؤمنين المسلمين مدعيًا أن المقطع القصير الذي أثار مشاعرهم لا يعبّر 'بأية صورة' عن أفكاره الشخصية.
===============
#لماذا تشككون في سماحة بابا الفاتيكان ؟
الاثنين 25 شعبان 1427هـ - 18سبتمبر 2006م آخر تحديث 5:40م بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام:محمد عبد العزيز الهواري
Ana_o7eb_almostafa@yahoo.com
غريب أمر المسلمين ما إن صرح البابا ببعض مما يكنه صدره من سماحة وقبول للآخر , حتى انبرى العالم الإسلامي بأكمله من شرقه لغربه يستنكر كلمات البابا الرقيقة في حق الإسلام والمسلمين .
فلماذا هذه الضجة ؟ ولماذا هذه الاستنكارات ؟ ولماذا تشككون في سماحة الحبر الكبير ؟(2/91)
هل ترون في قوله ' ' أرني ما أتى به محمد ، عندها ستجد فقط ما هو شرير ولا إنساني، كأمره نشر الدين الذي نادى به بالسيف'. , إنه لم يقصد الإساءة للرسول الكريم ولا للإسلام والمسلمين , إنه فقط أتى بهذا النص للتسلية , فقد أحس بأن الجو العام بمحاضرته يحتاج إلى الإتيان بقصة مسلية , فلم يجد في عقله المصاب بالشيخوخة لكبر سنه إلا هذه القصة .
أما عن مدحه للعقيدة المسيحية ورؤيته لها أنها تتفق مع العقل والمنطق ثم قوله' بالنسبة للتعاليم الإسلامية، فإن الله فعال لما يريد منزه عن أي من قوالبنا، بما في ذلك العقل والمنطق', فهو لا يعني أن الإسلام بعيد عن المنطق والعقل , ولا يعقد مقارنة بين الإسلام والمسيحية بل إنه كان يسعى لدعم روح الإخاء والمحبة الممتلئ بها قلبه المتسامح, ولكن خانته تعبيراته , فأرجو ألا نتناسى كبر سنه .
لا أجد تبريرات البابا لأقواله المسيئة للإسلام تذهب بعيدًا عن هذه التبريرات الأضحوكة التي بدأت بها المقال, وإما أن البابا ساذج بدرجه كبيرة حتى يظن أن هذه الحجج الواهية التي ذكرها ستنطلي علينا , وإما أنه يظن أننا نحن أصحاب هذه السذاجة ومن السهل أن يقنعنا باعتذاره الواهي .
فليس من الطبيعي أن يستشهد البابا عن السماحة المزعومة بالمسيحية بقصة ساقطة يدعي فيها أن الإسلام دين عنف , وانتشر بالسيف ثم يدعي أنه لا يؤمن بها ويقول 'إن الكلمة التي ألقاها كانت بمثابة دعوة إلى حوار محترم' , فلماذا استشهدت بها إذا يا حبر النصارى ؟ وأين الاحترام فيما تقول ؟ .
ولي سؤال لبابا الفاتيكان أين سماحتك المزعومة؟ , بل أين حوار الأديان الذي تدعو له لتتخذ منه وسيلة للوصول لأبناء الإسلام البسطاء من أجل تنصيرهم تحت إغراء المال وسطوة الشهوات .
وأي دين هذا يا' بنيديكت ' يدعو للعنف ولا تجد فيه إلا ما هو شرير ولا إنساني ؟ أسوق لك بعضًا من نصوص كتابك 'الكتاب المقدس' الذي تؤمن به لتعرف من هذا الدين الذي قصدته بالعنف والإرهاب .
ففي كتابك يقول في سفر إشعيا [ 13 : 16 ] [[ وتحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم وتفضح نساؤهم ]]
وفي سفر هوشع [ 13 : 16 ] [[ تجازى السامرة لأنها تمردت على إلهها . بالسيف يسقطون . تحطم أطفالهم ، والحوامل تشق ]]
وفي سفر [حزقيال 9: 5] اعبروا في المدينة وراءه [أي يهوذا] واضربوا. لا تشفق أعينكم ولا تعفوا: الشّيخ والشّابّ والعذراء والطّفل والنّساء: اقتلوا للهلاك... نجّسوا البيت واملئوا الدّور قتلى ... '
أي دين هذا يا بابا الفاتيكان الذي يأمر بقتل الأطفال , ويأمر بشق بطون الحوامل ؟ هل هناك إرهاب وعنف وشر أكثر من ذلك .
وفي كتابك بالعهد الجديد يقول على لسان المسيح وهو مما نسب إليه براء جاء في كتاب متى [ 10 : 34 ] : [[ لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لألقي سَلامًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لألقي سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً.فَإِنِّي جِئْتُ لأَجْعَلَ الإِنْسَانَ عَلَى خِلاَفٍ مَعَ أَبِيهِ، وَالْبِنْتَ مَعَ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ مَعَ حَمَاتِهَا ]] .
وورد في لوقا [ 19 : 27 ]: [[ أما أعدائي الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي !
عرفت الآن ما هو الدين الذي يدعو للشر , وأين هذه النصوص من رحمة الإسلام التي ظهرت واضحة في وصية أبي بكر الصديق لأسامة ابن زيد والتي استقاها من تعاليم النبي _صلى الله عليه وسلم_ حين قال مخاطباً أسامة وجنده : ' أيها الناس قفوا أوصكم بعشر فاحفظوها عني' لا تخونوا, وتغلوا, ولا تغدروا, ولا تمثلوا, ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأةً, ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه, ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً, ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيرًا إلا لمأكل, وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له, وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان من الطعام, فإذا أكلتم منها فاذكروا اسم الله عليه'.
وتأمل يا بابا الفاتيكان كلام المنصفين من غير المسلمين لتتعرف على عظمة الإسلام وسماحته .
قال الكاتب[جوستاف لوبون]
'ما عرف التاريخ فاتحًا أرحم من العرب , وإن العرب هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين , والسهولة العجيبة التي ينتشر بها القرآن في العالم شاملة للنظر تمامًا فالمسلم أينما مر ترك خلفه دينه وبلغ عدد أشياع النبي ملايين كثيرة في البلاد التي دخلها العرب بقصد التجارة [لا فاتحين ] كبعض أجزاء الصين وأفريقيا الوسطى وروسية وتم اعتناق هذه الملايين للإسلام طوعًا , لا كرهًا ولم يسمع أن الضرورة قضت بإرسال جيوش مع هؤلاء التجار العرب المسلمين لمساعدتهم ويتسع نطاق الإسلام بعد أن يقيمه هؤلاء في أي مكان كان'.
ويقول الفيلسوف [رينان]
' إن راهبًا دينيًا أوربيًا هو الكاردينال ' أكزيمنيس' شارك في أكبر جريمة ضد المعرفة بإصداره أمرًا بإحراق كتب المسلمين في غرناطة في أعقاب سقوط الفردوس الإسلامي هناك وكان المرسوم الذي أصدره يقضي بإحراق ثمانين ألف مخطوطة عربية في الأماكن العامة بغرناطة '.
ويقول الفيلسوف الإنكليزي [ توماس كارليل ]
' الحق أقول لقد كان أولئك العرب قومًا أقوياء النفوس كأن أخلاقهم سيول دفاقة لها شدة حزمهم وقوة إرادتهم أحصن سور وأمنع حاجز وهذه وأبيكم أم الفضائل وذروة الشرف الباذخ وقد كان أحدهم يضيفه ألد أعدائه فيكرم مثواه , ونحن نعلم أن صلاح الدين الأيوبي أرسل طبيبه الخاص لمداواة ريتشارد قلب الأسد قائد الحملات الصليبية على المسلمين وبيت المقدس عندما علم أنه مريض , وينحر له فإذا أزمع الرحيل خلع عليه وحمّله وشيعه , ثم هو بعد كل ذلك لا يحجم عن أن يقاتله متى عادت به إليه الفرص , وكان العربي أغلب وقته صامتًا فإذا قال أفصح إني لأعرف عنه أنه كان كثير الصمت , يسكت حيث لا موجب للكلام' .
هذا هو الإسلام يا 'بنيديكت' وهذه هي سماحته , ونحمد الله أنه أظهر وجهك الحقيقي , وأبان لنا مافي قلبك وأجراه على لسانك .
وأقول لك عفوًا لقد أخطأت الرمي هذه المرة , واعتقدت أن تصريحات المشينة عن الإسلام ستمر مرور الكرام , لكن اعلم أن تصريحاتك أشعلت في القلوب نار الغيرة على الدين , وأيقظت الكثير من النائمين في مستنقع حوار الأديان .
أما من لم تؤثر فيه هذه الإساءات , واعتقد في جدوى حوار الأديان فسنكبر عليه أربعًا, ونصلي عليه , فقد أصبح من الأموات
=================
#على خطى بيندكيت.. كبير أساقفة استراليا يهاجم الإسلام ويدافع عن البابا
الاثنين 25 شعبان 1427هـ - 18سبتمبر 2006م آخر تحديث 3:20م بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: انضم كبير الأساقفة الكاثوليك بأستراليا إلى الحملة على الإسلام والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، رافضًا تعبير المسلمين عن غضبهم تجاه تصريحات بينيديكت السادس عشر المسيئة للإسلام.
وزعم الكاردينال 'جورج بيل' أن غضب المسلمين من تصريحات بينيديكت السادس عشر المسيئة للإسلام دليل على صلة الإسلام بالعنف.
واعتبر الكاردينال 'جورج بيل' رد فعل زعماء المسلمين الأستراليين على هذه التصريحات غير جيد وغير مساعد.
وأعرب بيل عن تأييده لبينيديكت السادس عشر, زاعمًا أن رد فعل المسلمين على تصريحاته تؤكد صحة تلك التصريحات.
وبحسب وكالة أستراليان أسوشيتد برس، قال بيل في بيان له: ردود الفعل العنيفة في العديد من أجزاء العالم الإسلامي تبرر مخاوف البابا بينيديكت التي أبداها في تصريحاته.(2/92)
وأضاف بيل: أظهرت ردود الأفعال الصلة بين الإسلام والعنف، ورفضهم للرد على النقد بطريقة عقلانية، على حد زعمه.
وعلى الرغم أن أستراليا لم تشهد أية تظاهرات احتجاجًا على تصريحات بينيديكت السادس عشر، إلا أن بيل انتقد موقف 'تاج الدين الهلالي' مفتي أستراليا و'أمير علي' رئيس المجموعة الإسلامية الاستشارية, وذلك بسبب رفضهما لتصريحات بينيديكت السادس عشر.
وزعم بيل أن تاريخ الإسلام يتسم بالحروب أكثر مما اتسم به تاريخ المسيحية، زاعمًا أن الدين عند الغربيين يعني السلام، بينما الدين عند المسلمين يعني الاستسلام لأوامر القرآن وهو ما اعتبره أمرًا مشينًا وعيبًا.
==============
#موقف البابا ليس اعتذرًا بل إهانة للمسلمين
الاثنين 25 شعبان 1427هـ - 18سبتمبر 2006م آخر تحديث 3:30ص بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: قال الدكتور يوسف القرضاوي رئيس المجلس العالمي لاتحاد علماء المسلمين: إن ما قاله 'بينيديكت السادس' بشأن تصحيح ما ذكره ضد 'الإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام' ليس اعتذارًا بل إهانة للمسلمين, حيث يتهمهم بعدم فهم كلامه, وهذه تعد إهانة أخرى.
وأضاف أننا نأسف أن يقع رجل مثل 'بابا الفاتيكان' الذي يمثل طائفة مسيحية كبيرة في مثل هذا ويسيء للدين الإسلامي والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم, حيث إن هذا الكلام يستفز المشاعر, إضافة إلى ذلك يأتي ويحاول أن يدّعي أن كلامه أسيء فهمه.. موضحًا حسبما جاء في 'برنامج الشريعة والحياة' على فضائية الجزيرة أن كلام البابا كان صريحًا؛ لذا الأمر لا يحتاج للتوضيح.
وقال الشيخ القرضاوي: إن على 'البابا' أن يحذف ما قاله من المحاضرة ويسحبه تمامًا، لا كما ادعى أن كلامه أخذ على غير ما قصد. وتابع: 'إنني أخشى أن تأتي هذه التصريحات في إطار الحملة الغربية بقيادة أمريكا على الإسلام والمسلمين'.
واختتم القرضاوي لقاءه بدعوة كل المسلمين في يوم الجمعة القادم أن يجعلوا هذا اليوم يومًا للغضب ضد هذه الإساءة الشنيعة, فعلى كل من يملكك القدرة أن لا يتخاذل
=============
#البابا تجاهل الاعتذار عن إساءته للإسلام والنبي الكريم
الأحد 24 شعبان 1427هـ - 17سبتمبر 2006م آخر تحديث 2:11 م بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: تجاهل بابا الفاتيكان بنيديكيت السادس عشر، تقديم اعتذار عما أورده في محاضرة ألقاها يوم الثلاثاء الماضي، بشان الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك في خطاب ألقاه بمقره الصيفي بالقرب من روما قبل إقامته قدس الأحد.
وسعى البابا في خطابه أمام آلاف المسيحيين إلى تهدئة ثورة الغضب التي اشتعلت في العالم الإسلامي، بقوله: إن ما أورده في خطابه 'كان اقتباسًا من نص من العصور الوسطى لا يعبر بأي طريقة عن أفكاري الخاصة'، لكنه لم يقدم اعتذارًا عن تصريحاته التي فجرت مشاعر الغضب في العالم الإسلامي، وأدت إلى اندلاع مظاهرات غضب في العديد من العواصم.
ورغم مطالب العديد من الحكومات العربية والإسلامية من البابا الاعتذار عن تصريحاته المثيرة للجدل، إلا أنه لم يستجب لتلك النداءات، بدعوى الالتباس في 'فهم المعنى الحقيقي' لما جاء في المحاضرة التي ألقاها في جامعة جنوبي ألمانيا.
واقتبس البابا حوارًا دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي و'مثقف فارسي' حول دور نبي الإسلام. وقال فيه الإمبراطور للمثقف: 'أرني ما الجديد الذي جاء به محمد، لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف'.
وفي خطابه اليوم، قال البابا إنه يشعر بـ'صدمة عنيفة' إزاء الغضب الذي اجتاح العالم الإسلامي احتجاجًا على محاضرته، موضحًا أنه كان دعوة لحوار صريح وليس انتقاصًا من أي دين، معربًا عن الأمل في أن يهدئ التوضيح الموقف، وبعد بيان وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال تارسيسيو بيرتوني أمس.
ويتوقع ألا يهدئ تصريح البابا هذا من حدة الغضب المتصاعدة في الشارع الإسلامي، في موقف يعيد إلى الأذهان تلك الأزمة التي أثارتها الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في صحف دانماركية.
=============
#رئيس مسجد مرسيليا: لا يجب انتظار مدح البابا للمسلمين
الأحد 24 شعبان 1427هـ - 17سبتمبر 2006م آخر تحديث 11:10 ص بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: رأى رئيس مساجد مرسيليا الفرنسية 'مهند عليلي' أنه لا ينبغي إعطاء اهتمام غير متناسب لتصريحات زعيم الفاتيكان حول الإسلام والعنف.
ومن جانبه، صرح مهند عليلي لإذاعة 'فرنس إنفو' قائلاً : 'لا يجب أن ينتظر المسلم من البابا أنه سيمتدحه، فإن البابا لا يؤدي إلا واجبه البابوي'.
وأضاف عميد مسجد مرسيليا : 'الكثير من قبله قالوا مثل تلك التصريحات' إن 'تصريح البابا صدم المسلمين، لأنهم واهمون في بحثهم عن الاعتراف... إن هؤلاء المسلمين تفكيرهم مختل' اعتقادًا منهم أن بابا الفاتيكان سيعترف بهم ويشيد بهم.
واستطرد المسئول الفرنسي: إن البابا 'لم يكن نهائيًا مسلمًا، إذا فكيف تريدون منه أن يمتدح الإسلام على حساب المسيحية، إنه سيكون أمرًا متناقضًا أن يفكر الأشخاص في ذلك'.
وأشار عليلي إلى أن بينيديكت السادس عشر يدافع عما هو عليه، وكذلك على المسلمين أن يقولوا 'ها هو ما نحن عليه' إني لا أرى لماذا نشاء الجدال، لا أعرف لماذا هاجم المسلمون البابا بدلاً من الدفاع عن أنفسهم'
============
#تصريحات البابا تعبر عن جهل واضح بالإسلام
السبت 23 شعبان 1427هـ - 16سبتمبر 2006م آخر تحديث 4:10 م بتوقيت مكة
الصفحة الرئيسة
... ...
مفكرة الإسلام: أعربت مصر عن مخاوفها من أن تؤدي تصريحات البابا بينديكت السادس عشر بابا الفاتيكان حول الإسلام إلي تأجيج الصراع بين المسلمين والغرب.
وأعلن الأزهر الشريف رفضه التام لهذه الافتراءات ضد الإسلام ورسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وبدأ في إعداد بيان للرد عليها .
وحسب صحيفة الأهرام قال شيخ الأزهر : إنه دعا أعضاء مجمع البحوث الإسلامية إلي عقد جلسة طارئة صباح أمس بمشيخة الأزهر , لبحث هذه الأكاذيب وإصدار بيان يفندها ويرد عليها .
ووصف محمد سيد طنطاوي ما قاله البابا بأنه أثار مشاعر الغضب لدي أكثر من مليار وثلاثمائة مليون مسلم حول العالم .
وطالبت تسعون منظمة إسلامية عالمية ـ أعضاء في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة الذي يرأسه شيخ الأزهر ـ بالاعتذار وضرورة التراجع عن هذه التصريحات فورا .
وقد تعالت أصوات الرفض والاستنكار في مختلف الدول العربية والإسلامية علي الأصعدة الرسمية والحزبية والشعبية والدينية لهذه التصريحات .
===============
# البابا يزور تركيا وسط احتجاجات شعبية وإجراءات أمنية مشددة
الثلاثاء:28/11/2006
(الشبكة الإسلامية) الجزيرة نت
بنديكت السادس عشر يعتزم زيارة مسجد بإسطنبول يصل اليوم أنقرة بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر, وسط إجراءات أمنية مشددة واحتجاجات شعبية على هذه الزيارة بعد رفضه الاعتذار عن تصريحاته المسيئة للإسلام.
ومن المتوقع أن يلتقي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان البابا في المطار قبل أن يتوجه إلى قمة حلف شمال الأطلسي في ريغا بلاتفيا.
وقد تعرض أردوغان لحملة انتقادات واسعة، من المثقفين الأتراك، لعدم ترتيبه لقاء مع البابا خلال زيارته للبلاد والتي تستمر أربعة أيام مما جعله ينفي مرارا أن يكون سعى لتجنب لقاء البابا.(2/93)
ويأتي هذا الإعلان لينهي موجة من الجدل أثيرت منذ أسابيع، حول لقاء رئيس الوزراء التركي مع بنديكت الـ16، خصوصا أن العديد من أعضاء حزب أردوغان أبدوا معارضتهم لهذه الزيارة.
إجراءات أمنية
ووضعت قوات الأمن على أهبة الاستعداد استعدادا لوصول بابا الفاتيكان، وانتشرت العشرات من سيارات مكافحة الشغب, كما ألغيت جميع إجازات رجال الشرطة واتخذت إجراءات مشددة لحمايته.
وتشمل رحلة بنديكت الـ16 زيارة المسجد الأزرق بإسطنبول, وهي أول زيارة له لمسجد منذ انتخابه لتولي البابوية, وثاني زيارة من نوعها يقوم بها بابا الفاتيكان بعد زيارة سلفه يوحنا بولص مسجدا عندما زار دمشق عام 2001.
ومن المقرر أن يلتقي البابا مسؤولين بالحكومة التركية ورجال دين في أنقرة قبل أن يتوجه إلى أبسوس وإسطنبول حيث يلتقي بارثولوميو الأول بطريرك الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية.
وكان قرابة مائة ألف شخص تجمعوا في حشد جماهيري بإسطنبول أمس محتجين على الزيارة, وقد تصدى للحشد الذي نظمه حزب السعادة نحو أربعة آلاف شرطي.
وأعرب المحتجون عن غضبهم بشكل خاص على تصريحات بنديكت الـ16 في سبتمبر/أيلول الماضي, حيث استدل في محاضرة له بمقولة لإمبراطور بيزنطي بالقرن الـ14 وصف الإسلام بأنه انتشر بحد السيف.
================
# إساءات البابا.. حلقة في مسلسل الإهانة
الخميس :19/10/2006
(الشبكة الإسلامية)
لم يكن في العالم حديث في الأيام السابقة إلا حول كلمة بابا الفاتيكان التي أساء فيها إلى دين الإسلام وتطاول فيها على نبي الإسلام، وأهان فيها المنتسبين لدين الإسلام من خلال محاضرة ألقاها في إحدى جامعات ألمانيا، ولما كان الحدث خطيرًا بخطورة الإساءات التي أساء بها لديننا ونبينا صلى الله عليه وسلم، وبقدر المكان الذي يمثله هذا الرجل في العالم؛ كان لابد وأن نقف وقفة من خلال بعض نقاط أرجو أن تكون محددة وواضحة.. وهذه النقاط هي:
أولا: هل هو خطأ غير المقصود
يحاول البعض أن يوهم الناس والمسلمين خاصة أن ما قاله بابا الفاتيكان لم يكن سوى خطأ غير مقصود، وقد كان يمكن أن نظن ذلك لو كانت مجرد كلمة عابرة خلال المحاضرة، فيقال إنها سقطة أو زلة لسان أو كلمة خانه فيها التعبير، لكن الحقيقة أن الحديث عن الإسلام أخذ ما يقارب ثلث المحاضرة أو ربعها على أقل تقدير، فالأمر ملاحظ ومدروس خصوصًا وهو رجل أكاديمي يعلم تمامًا معنى كلمة محاضرة، ومما يؤكد أن الرجل يعي تمامًا ما يقول ويقصده تمام القصد أنه لم يتهم الإسلام اتهاما واحدًا بل أربعة اتهامات كلها ثقيلة وكبيرة رغم كونها قديمة:
الأول: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يأت بجديد ولم يأت إلا بما هو شر أو غير إنساني.
الثاني: أن الإسلام انتشر بالسيف، وأنه دين عنف ودم.. وهي فرية قديمة جدًّا.
الثالث: أن صورة الإله في العقيدة الإسلامية لا تتماشى مع العقل.
الرابع: اتهام الإسلام بالجمود وعدم القابلية للتطور واستيعاب مستجدات الأمور.
فهل يمكن أن يقال بعد كل هذا إنه خطأ غير مقصود أو سوء فهم منا؟!! كما يقول بعض بني جلدتنا في سبيل التماس الأعذار والبحث عن مخرج.
لماذا ندافع عنهم؟
لا أدري لماذا ندافع عنهم؟ لماذا نبحث لهم عن مخارج لإساءاتهم واستهزائهم، عندما قال بوش إنها حرب صليبية قالوا لم يقصد، وإن الكلمة صرفت عن معناها، واستخدمت في غير مغزاها، وأخرجت عن سياقها.
ولما وصف برلسكوني (رئيس وزراء إيطاليا السابق) الإسلام بأنه "دين رجعي، ولا يواكب الحضارة، وأن الإسلام يدعو إلى العنصرية وهو دين الإرهاب"..، وجدنا من يدافع عنه، حتى الرسوم المسيئة في الدانمارك خرج علينا من يقول إن المسألة حرية صحافة وأن المسلمين كبروا الموضوع وأنه لم يكن ليستحق كل هذا.
وهكذا كلام ممثل الأرثوذكس في العالم يجد من يدافع عن تطاوله واستهزائه وسخريته.. فلماذا ندافع عنهم؟
لماذا نحاول أن نوهم عوام المسلمين أنهم يحبوننا ولا يبغضوننا؟! لماذا نحاول أن نخفي الحقيقة عن الناس أنهم أصحاب دين يطلبون نصره ويسعون لنشره، ولو على حساب سحق الإسلام وأهله.. لماذا يصر البعض على أنه ليست هناك حرب باسم النصرانية ضد الإسلام مع أنهم هم يقولون ذلك؟!
نعم يقولون ذلك ويكتبون ذلك، ويعلنون ذلك وينشرون ذلك:
فقد كتبت مجلة (ناشيونال ريفيو) مقالاً بعنوان: "إنها الحرب فلنغزهم في بلادهم".. جاء فيه: علينا غزوهم في بلادهم، وقتل قادتهم، وإجبارهم على التحول إلى المسيحية.
وجاء في المقال الأسبوعي للنيويورك تايمز بتاريخ 7/10/2001م: "إنها حرب صليبية"، وفي نفس المجلة بعد سنوات بتاريخ 14/4/2004م: "إن عزم بوش للبقاء في العراق هو عزم وحماس المنصر الديني".
وفي تقرير بالقناة الأولى الألمانية 24/6/2004 عن دور الطوائف التنصيرية في العراق جاء فيه: "سيكون العراق مركزًا لانطلاق للحرب المقدسة".
وفي نفس القناة بتاريخ28/6/2004: "إن أمريكا تقوم بحرب نصرانية تبشيرية وجعل العراق قاعدة لتنصير العالم الإسلامي".
ونقلت صحيفة الحياة اللندنية عن نواب في حزب العمال البريطاني 8/2/2004 قولهم: "إن الحرب على العراق كانت حملة صليبية".
ولما ذهب رئيس الوزراء البريطاني لزيارة البصرة أقام قداسا مع الجنود وأنشدوا جميعا:
جند النصارى الزاحفون إلى الحرب
يتقدمكم صليب المسيح
وبظهور آية النصر
هربت كتائب الشيطان
إخوة نمشي على خطى سار عليها القديسون
وحدة الأمل والعقيدة.
وقديمًا قال الرئيس نيكسون: لقد انتصرنا على العدو الشيوعي ولم يبق لنا عدو إلا الإسلام.
وأخيرًا قال: مارك رايسكوت رئيس حملة الحزب الجمهوري 19/4/2004م: إن بوش يقود حملة صليبية عالمية ضد الإسلام.
فهذه أقوالهم وهذه حقيقتهم التي نحاول نحن إخفاءها، وصدق ربنا تعالى إذ يقول: {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر}، ويقول: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}(البقرة:109)، وقال: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة:217)، و{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة:120)
لماذا تطاولوا علينا؟(2/94)
إن الذي ينظر في السنوات الأخيرة إلى إساءات النصارى للإسلام يجد أنها قد ارتفعت وتيرتها، وزادت حدتها، وتنوعت مصادرها، فقد أسيء إلى الإسلام من قبل الساسة والقادة، وأسيء إلى الإسلام من قبل الكتاب والمثقفين، وأسيء إلى الإسلام من قبل الممثلين والفنانين، وأسيء إلى الإسلام من قبل الصحفيين والإعلاميين، ومن فترة ويساء إلى الإسلام من قبل قساوسة ومبشرين وأخيرًا من قبل أكبر رأس في رجال الدين النصراني.. حتى الكاريكاتير لم يجد رساموه في المسلمين ما يخوفهم، وأرادوا أن يشاركوا في الحملة وأن يضربوا بسهم فيها.. وكأنهم يجرعوننا المذلة على جميع مستوياتهم، وبكل طوائفهم وبكل الأساليب وما تركوا بابا من أبواب الإهانة إلا وفعلوه جهارًا نهارًا.. طعنوا في ديننا، وبالوا على قرآننا، واستهزؤوا برسولنا، وسخروا من كل ما هو إسلامي.. فما الذي جرأهم على ذلك؟
إنه حالنا وهواننا فإنهم لم يجدوا في المسلمين ما يردعهم أو يمنعهم، لم يجدوا رشيدًا يكتب لملوكهم "يابن الكافرة الجواب ما ترى لا ما تسمع"، لم يجدوا معتصمًا يجرد جيشا لا من أجل امرأة نادت واامعتصماه، بل من أجل دين يهان ونبي يستهزأ به، فمن أي شيء يخافون ولماذا لا يتطاولون، وقديمًا قيل:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له .. .. وتتقي مربض المستأسد الضاري
وكل حق لا يحميه سيف فهو ضائع.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها ....".
ماهو المطلوب منا:
مطلوب اليوم من علماء الأمة وقفة واضحة شجاعة لتوضيح الأمور وفضح السياسات الصليبية القديمة والحديثة، دون مواربة، وإلا فإن صمت العلماء يعتبر مريبًا وغير مبرر ولا مفهوم.
مطلوب من كل صاحب قلم أن يكتب ويدافع عن دينه وعن رسوله في الصحف السيارة، وفي المجلات ومواقع النت.
مطلوب من كل صاحب لسان وبيان أن ينافح عن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
مطلوب من كل مسلم أن يعلم حقيقة أهل الكفر وأنهم جميعا تمتلئ قلوبهم قيحا وصديدا على المسلمين ودينهم.
مطلوب عودة إلى دين الله تشجي حلوقهم وتدمي قلوبهم حين يرون تمسك المسلمين بهذا الدين العظيم.
مطلوب هبة على مستوى القادة تدلل على أنهم مازالوا يعتزون بدينهم ويحبون نبيهم فإذا لم يكن للفاتيكان بضاعة يقاطعها الشعوب فإن لنا فيها تمثيلا سياسيا يمكن الضغط بسحبه أو أي صورة تبين أننا مازلنا مسلمين.
مطلوب زرع حب رسول الله في قلوب الناشئة وتعليمهم سيرته حتى تتعلق بهم قلوبهم وتشتاق للدفاع عنه نفوسهم ويكونوا مستعدين لبذل كل غال ورخيص من أجل ألا يمس جنابه الكريم من قبل أي كافر أو جاحد لئيم.
مطلوب الكثير حتى تعود لأمة الإسلام هيبتها وتسترد لها كرامتها ولكن إلى ذلك الحين تحملوا فما يأتي سيكون أضعاف ما مضى وصدق ربي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (آل عمران:118).
================
# الجذور الفكرية العقدية لموقف البابا من الإسلام
الاربعاء:04/10/2006
(الشبكة الإسلامية)
تقول الكنيسة الكاثوليكية في روما منذ بضعة قرون بعصمة البابا على رأسها، ولهذا لا تصدر عنه وثيقة مكتوبة، أو كلمة مرتجلة، أو تصريح بموقف، دون جمع معلومات ودراسة ومناقشة وصياغة ومراجعة، فلا يُعلن شيء إلاّ بعد ضمان - بحدود قدرة البشر وإن قيل ما قيل عن عصمتهم- ألاّ تضطر الكنيسة لاحقا إلى الرجوع عنه، ناهيك عن الاعتذار بسببه، وليس مجهولا أنّ بعض أخطاء الكنيسة التاريخية الكبرى لم تجد طريقها إلى اعتذار رسمي، إلاّ بعد مرور مئات السنين عليه. ولهذا لا ينبغي أن يتّجه الحديث عن الإساءة البابوية إلى الإسلام نحو محاولة تفسيرها وتأويلها بأنّها غير مقصودة، كلمة كلمة، وفي هذا التوقيت بالذات، كما لا تصحّ المبالغة في تحميلها أكثر ممّا تقول به في نطاق سياق المحاضرة التي تضمّنتها، وفي الحالتين لا يفيد الجدل حول اعتذار شكلي، فعلى افتراض صدوره لن يعني تبدّل أسس موقف بابا الفاتيكان.
بنديكت السادس عشر والإسلام
صدرت عن البابا الكاثوليكي كلمةُ مجاملةٍ عابرة في أثناء لقاء مع قيادات دينية عالمية، عقب تنصيبه على رأس الفاتيكان بأيام، فأعرب فيها عن امتنانه لوجود مَن يمثّل الإسلام بينهم، وتقديره للحوار بين المسلمين والمسيحيين.
باستثناء ذلك مرّت الشهور التسعة الأولى على وجود يوزيف كاتسينجر في منصب البابا الكاثوليكي باسم بنديكت السادس عشر دون أن يصدر عنه ما يوضّح مواقفه من القضايا الأساسية التي يواجهها مع كنيسته ودولة الفاتيكان، بما في ذلك مسألة الحوار عموما، ومع الإسلام تخصيصا.
ومعظم ما يُنشر عن توجّهاته يأتي نتيجة دراسات قامت بها جهات أخرى، تستقرئ سياساته البابوية في الفاتيكان من أفكاره ومواقفه قبل حمل هذه المسئولية، وهنا ينبغي التمييز بين:
1- موقف رسمي يصدر عن مسؤول في الكنيسة الكاثوليكية، فلا يخرج به عادة عن الموقف المقرّر من جانبها، بغضّ النظر عن موقفه الشخصي واحتمال تناقضه مع الموقف الرسمي أو تمايزه عنه قليلا أو كثيرا.
2- موقف ذاتي شخصي، يظهر عادة في أثناء المناقشات أو في مناسبات معينة، فيعبّر عن توجّه قائم بذاته عند صاحبه، يمكن أن يؤثّر على صناعة القرار الكنسي على حسب موقع المسئولية لصاحبه، وهو ما يعني ازدياد تأثيره على صناعة القرار عبر الوصول إلى كرسي البابوية.
من أبرز الأمثلة على الموقف الرسمي على صعيد التعامل مع الإسلام، صدر عن راتسينجر وهو يشغل المرتبة الثانية في الفاتيكان؛ إذ صرّح بأنّ الإسلام كان لفترة زمنية طويلة متفوّقا على المسيحية في الميادين العلمية والفنية، وقد أعرب بذلك عن ردّ دولة الفاتيكان وكنيستها على مقولة رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلوسكوني، بشأن تفوّق الحضارة الغربية، والتي أثارت ضجّة في حينه، وصدرت في حمئة الحملة التي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش ضدّ الإسلام والمسلمين، عقب تفجيرات نيويورك وواشنطون، إلى درجة قوله في وصفها إنّها "حرب صليبية".
ومن الأمثلة الأخرى قول راتسينجر في مقابلة صحفية: "إنّ الإسلام كثير التنوّع، ولا يمكن حصره فيما بين الإرهاب أو الاعتدال".
بغضّ النظر عن الاقتناع الذاتي كانت مواقف راتسينجر العلنية آنذاك تمثّل الاتجاه الذي قرّرته الكنيسة الكاثوليكية لنفسها في عهد يوحنا بولس الثاني، وهو ما تضمّن معارضة الحملات العسكرية الأمريكية ونشر الهيمنة الأمريكية من خلالها عالميا، بحجّة "الحرب ضدّ الإرهاب"، وفي تلك الفترة بالذات، أي في السنوات الثلاث الأولى عقب تفجيرات نيويورك وواشنطون، تبنّت الكنيسة في روما الدعوة إلى حوار الأديان، الإبراهيمية على وجه التخصيص، بعد أن بقي التعامل مع "الإسلام" ضمن إطار حوار الأديان عموما.(2/95)