W W W . I S L A M W A Y . C O M
ملاحظة / تم إخفاء الأخطاء الإملائية في هذا المستند ، ومن يريد تفعيل الخاصية ، فليضغط على زر أدوات الموجود بأعلى الصفحة ، ثم يختار تدقيق إملائي وتدقيق نحوي ، ثم يختار خيارات ، وجزاكم الله خيراً
« لا تنس إخوانك في فريق عمل طريق الإسلام من صالح دعائك »
بسم الله الرحمن الرحيم
...
النار المحرقة
في
الرد على الشبهات المقلقة
تأليف
الشيخ / إيهاب عدلي أبو المجد
ت / 0101592677
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمة الإسلام ، الحمد لله على نعمة القرآن، الحمد لله على نعمة السنة, الحمد لله على نعمة حفظ كتابه من التبديل والتحريف كما حدث في الكتب السابقة ولذلك حسدنا أهل الملل على هذه النعمة ، الحمد لله على نعمه التي لا تحصى.
{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا } (18) سورة النحل. وأشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على خير رسلك وخير خلقك، آمين.
فإنه عرض عليَّ بعض إخواني (42) سطراً كتبها مجهولٌ - وتكفي هذه الجهالة في عدم توثيقه - , كتبها ليشكك بها المسلمين في المصدر الأول والنبع الصافي الذي لا نعمة تسبقه ولا معنى لأي نعمة بدونه ، وقد ذكر الله عز وجل في سورة النحل مبيناً أنه أول نعمةٍ تَهدِي لأول حقيقة :
{يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ } (2) سورة النحل.
فنعمة الوحي (( القرآن الكريم )) دلت على حقيقة التوحيد (( لا إله إلا الله )).
وإن لم يكن في القرآن الكريم إلا الدلالة على توحيد الله لكفي بذلك مُتمسكاً لا نبغي عنه عوجاً.
أخي المسلم : اعلم جيداً أن هذا المجهول لا يخلو من ثلاثة أحوال :(1/1)
أولاً : إما كافرٌ نقلَ هذه الشبهةَ القديمةَ التي عفَّ عليها الليل والنهار وقتلها جهابذة المسلمين فأردوها أرضاً. نقلها ليُضِلَّ بها عامة المسلمين الذين ابتعدوا عن الشريعة ولم تطرُق مسامعهم مثلُ هذه الشبهات فيشدهوا أمامها ، فيكون قد حصل على بعض المكسب من هؤلاء الأقماع إتباع كل ناعق.
ثانياً: وإما مسلمٌ شاكٌّ في دينه مريضُ القلب أعرض عن المُحكَمِ واتَّبَعَ المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
ثالثاً: وإما جربوعٌ مغمورٌ لا حَدَّ له ولا رسم أراد أن يُعرف اسمه ويشتهر كما فعل سلمان رشدي وغيرُه وهى خطة ماكرة مفهومة.
نعم سبحان الله صَدَّرَ ذاك المجهول. كلامه بموعظة فرعونية ينادي فيها باسم الأخُوة ورَحابَةِ الصَّدر والرد الموضوعي المنطقي. وقد أخرج نفسه من هذه الصفات الثلاثة. فأي رَحَابة صدرٍ ينادي بها وهو قد مُلئ غِلاً وحِقداً وحَنَقاً وحَسَداً على المسلمين أن قد أنعم الله عليهم بنعمة القرآن. فأنت إذا تأملت وجدت هذا المجهول الجهول ثائراً هائجاً قد ضاق صدره بهذا الكتاب الكريم يلقي بالشبهة تلو الأخرى في تخبطٍ وعدم فهمٍ وعدمِ رجوعٍ إلى كلام أئمة الإسلام في ذلك. فقد فضح نفسه وتعرَّى وكشف سوأته. { إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } (3) سورة الزمر.
وأيضاً مما ينبغي التنبيه له أنَّ ما أورده من شُبهٍ تنقسم إلى قسمين :
الأول : صحيحُ الإسنادِ ولكن يَستدِلُّ به في غير موضوعه على غير فهم سلف الأمة ( صحيحٌ ليس صريحاً ).
الثاني : ضعيفٌ أو موضوعٌ لا يصلح أن يُستدلَّ به على مثل هذه المسألة العظيمة. ( صريحٌ ليس صحيحاً ).
فأنت أُخيَّ إذا استصحبت ذلك اطمأنَّ قلبك ورضيت بهذه النعمة (القرآن الكريم).(1/2)
وأيضاً أُخيَّ : اعلم أن مصادرك التي ينبغي أن تُعوِّلَ عليها هي الكتاب والسنة والإجماع وبعد ذلك القياس مع ما يعضِّد ذلك من أقوال سلف الأمة الصالحة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى المعتبرين. فإذا رددت هذه الشبهة إلى محكم القرآن والسنة واطلعت على إجماع المسلمين وأقوال السلف وجدت هذه الشبهة كما قال تعالى : { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } (39) سورة النور. { إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } (81) سورة الإسراء.
أما الرد على كلامه : فلو أنَّ كلَّ ناعقٍ ألقمته حجراً لكان الرمل مثقالاً بدينارٍ. ولكن ألحَّ إخواني ولم يرضوا غير ذلك فأقول وبالله التوفيق : الرد ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: مُجملٌ آتي فيه بما يشفي صدور أحبابي ولا يدع مجالاً للشكِّ في أنَّ القرآن الكريم الذي بين أيدينا هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيمٍ حميدٍ.
الثاني: مَفَصَّلٌ أرُدُّ على شُبَهِهِ بما أمكن. وما توفيقي إلا بالله.
أقول وبالله التوفيق: { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ - فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ - ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ - ثُمَّ نَظَرَ - ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ - ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ - فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ - إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ - سَأُصلىهِ سَقَرَ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ - لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ - لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ - عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } (18 /30) سورة المدثر. { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } (2) سورة البقرة.
فالقرآن الكريم أشهرُ من أن يُعرَّفَ ومع هذا فقد اعتنى الأصوليون بتعريفه وذكروا له تعاريفَ كثيرة ، حَرِص كل منهم أن يكون تعريفه جامعاً مانعاً ومن هذه التعاريف :(1/3)
القرآن : هو الكتاب المنزَّل على رسول الله محمد { صلى الله عليه وسلم } , المكتوبُ في المصاحف المنقولُ إلينا عنه نقلاً متواتراً بلا شبهة.
ولا خلاف بين المسلمين أن القرآن الكريم حُجَّةٌ على الجميع وأنه المصدر الأول للتشريع ، بل حُجَّهٌ على جميع البشر. والبرهان على حجيته أنه من عند الله، والبرهان على أنه من عند الله: ( إعجازه ) ومعنى أنه معجزٌ: عَجزُ البشر أجمعين على الإتيان بمثله. وقد ثبت إعجازه بتحدي القرآن الكريم للعرب المخالفين من أن يأتوا بمثله فعجزوا ، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من سوره فعجزوا ، وذلك بعد أن تحدَّاهم أيضاً أن يأتوا بعشر سورٍ من مثله. قال تعالى : { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } (88) سورة الإسراء. وقال : { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (23) سورة البقرة.
أُخيَّ : انظر... مع هذا التحدي الذي يستفز الهمم ، ويبعث على المعارضة وقد عجز العرب عن المعارضة بالرغم من وجود المقتضى للمعارضة ، وعدم المانع منها. أما من جهة المقتضَى: فلأن العرب كانوا حريصين كل الحرص على إبطال دعوة الرسول { صلى الله عليه وسلم } . فلو كانوا قادرين لجاؤوا بما يعارض القرآن ويبطل دعوة محمد { صلى الله عليه وسلم } .
وأما من جهة عدم المانع من المعارضة : فلأنهم أهل البلاغة والفصاحة والمعرفة التامة بالغة العربية وأصحاب الحُكمِ والسلطان فلم يهابوه.
فلما ثبت عجزهم ثبت أن القرآن الكريم النازلُ بلغة العرب هو كتاب الله وأن محمداً { صلى الله عليه وسلم } هو رسول الله حقاً.
وجوه إعجاز القرآن الكريم :(1/4)
إنها حقاًَ كثيرةٌ نشير إلى بعضها وهو يكفي إن شاء الله :
1ـ بلاغته التي بهرت العرب وجعلتهم مشدوهين على نحوٍ لم يُعهد في كلام العرب من قبل, لا في منظومٍ ولا في منثورٍ, مع بقائها في مستوى عالٍ في جميع أجزاء القرآن الكريم وذلك بالرغم من تناوله مواضيعَ شتى وأحكاماً مختلفةً وبالرغم من نزوله في فترات متباعدة. { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } (80) سورة الواقعة. { الرَّحْمنِ - عَلَّمَ القرآن } (1/ 2) سورة الرحمن. بل إن القرآن الكريم كله من فاتحته إلى خاتمته يشهد بأنه كلام الله وتنزيله. وأحكامه وقصصه وتعليمه وألفاظه ومعانيه وإيجازه وإعجازه يرشد إلى أنه كلام الله عز وجل وصفته. وأنه لا يستطيع البشر الإتيان بسورة من مثله. وقد أقر بذلك كل عاقلٍ لا جاهلٍ مجهولٍ كما قال أكفرُ قريشٍ : ( الوليد بن المغيرة ) لمَّا قرأ عليه رسول الله { صلى الله عليه وسلم } القرآن ، فرجع إلى قومه فقال أبو جهلٍ : قل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له. قال الوليد : ( وماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجلٌ أعرفَ بالأشعار مني ولا أعلمَ برجزه ولا بقصيده مني ولا بأشعار الجن. والله ما يشبه الذي يقولُ شيئاً من هذا... ووالله إنَّ لِقْوله الذي يقول لحلاوةً ، وإنَّ عليه لطُلاوة وإنه لمثمرٌ أعلاه ، مغدقٌ أسفله وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته ).
أقول : صدق الكافر. فهل قائلُ المقولةِ المجهول مسلمٌ أم كافرٌ؟ لا أدرى. { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } (12) سورة التغابن. { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ } (39) سورة يونس. { وَمَا كَانَ هَذَا القرآن أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } (37) سورة يونس.(1/5)
2ـ إخباره بوقائعَ تحدثُ في المستقبل وقد حدثت فعلاً ، ومن ذلك قوله تعالى: { ألم - غُلِبَتِ الرُّومُ - فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون َ - فِي بِضْعِ سِنِينَ } (1 / 4) سورة الروم. وقوله تعالى : { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (142) سورة البقرة. وقد قالوا ذلك بعد نزول الآية.
3ـ إخباره بوقائع الأمم السابقة المجهولةِ أخبارها عند العرب جهلاً تاماً، لعدم وجود ما يدل عليها من آثارٍ ومعالمَ مُبينةٍ لتفاصيلِ ما حدث من أحداثٍ وحوارٍ ، وإلى هذا النوع من الأخبار أشار قوله تعالى : { تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا } (49) سورة هود. ومن أغربها حادثة المائدة التي باشرها عبد الله ورسوله عيسى عليه السلام وليست موجودةً في الإنجيل, فسبحان عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم.
4ـ إشارته إلى بعض الحقائق الكونية التي أثبتها العلم الحديث والتي لم تكن معروفةً من قبل : مثل الأجنَّةِ والبحار والفضاء والحيوانات والجيولوجيا والنبات.{ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } (6) سورة سبأ. وإذا أردت الاستزادة فعليك بمحاضرات الشيخ : عبد المجيد الزنداني ففيها البيان الشافي الوافي حول هذا الموضوع. { قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } (30) سورة الرعد.
خواص القرآن الكريم:(1/6)
أولاً: أنه كلام الله المنزل على رسوله محمد { صلى الله عليه وسلم } . قال تعالى : { لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفي بِاللّهِ شَهِيدًا } (166) سورة النساء.{ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } (155) سورة الأنعام.{ المص - كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ - اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ } (3) سورة الأعراف. { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ } (127) سورة التوبة. { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } (2) سورة يوسف.{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } (89) سورة النحل.{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَاً } (1) سورة الكهف.{ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً } (106) سورة الإسراء.{ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ } (1) سورة الرعد. إلى غير ذلك من الآيات التي تملأ صفحات القرآن الكريم, وفي معظم سوَرِهِ.
أُخيَّ : هل نَتَّبِعُ هذه الآيات المحكمة أم نَتَّبِعُ المتشابه والمؤول والضعيف والظنون ؟ { أَفَلا تَذَكَّرُونَ }, { أَفَلا تَعْقِلُونَ }, { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }, { أَفَلا تُبْصِرُونَ }, { أَفَلا تَسْمَعُونَ }, { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } (24) سورة محمد.{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ - نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ - بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } (192 / 195) سورة الشعراء.(1/7)
ثانياً: القرآن الكريم هو مجموع اللفظ والمعنى وأن لفظه نزل باللسان العربي : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } (103) سورة النحل. { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } (2) سورة يوسف. { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } (3) سورة الزخرف.{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } (7) سورة الشورى.{ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } (44) سورة فصلت. وعلى هذا لا تُعتبر الأحاديث النبوية من القرآن الكريم لأن ألفاظها ليست من عند الله ، وإن كان معناها موحىً به من الله تعالى. وكذا لا يُعتبر التفسير من القرآن الكريمِ ولو كان باللغة العربية، وكذا ترجمة التفسير إلى غير العربية لا تعتبر من القرآن.
ثالثاً: أنه نُقِلَ إلينا بالتواتر، أي أن القرآن الكريم نَقَلَهُ قومٌ لا يُتوهم اجتماعهم وتواطؤهم على الكذب، لكثرة عددهم وتباين أمكنتهم عن قومٍ مثلهم وهكذا إلى أن يتصل السند ( النقل ) برسول الله { صلى الله عليه وسلم } ، فيكون أولُ النقل كآخرهِ. وأوسطه كطرفيه. وعلى هذا فما نُقلَ من القراءات من غير طريق التواتر لا يعتبر من القرآن الكريم.
وهنا مسألة هامة متعلقة بالخاصية الثالثة – وهي نقله إلينا بالتواتر- :
شروط القراءة المقبولة:(1/8)
أ- صحة الإسناد : فلم تُقبَل قراءة أحدٍ من القرَّاء إلا إذا ثبت أخذه مِمَّن فوقه بطريقِ المشافهة, أو السماع عن العدول الحفاظ حتى يتصل السند بالصحابي الذي أخذ مِن في – فم - رسول الله { صلى الله عليه وسلم } الذي تلقى القرآن عن جبريل عليه السلام عن رب العزة الذي أنزله:{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ } (102) سورة النحل. ويقول ابن الجزري في كتابه ( منجد المقربين ) : إنَّ القراءاتِ لم تثبت إلا بالإسناد المتواتر.
قلت : أي التي كانت على حسب العرضة الأخيرة التي عرضها الرسول { صلى الله عليه وسلم } على جبريل مرتين في آخر رمضان في حياته { صلى الله عليه وسلم } . فما عداها مما لم يثبت عن طريق التواتر إمَّا منسوخُ اللفظِ وإمَّا ضعيفُ الإسنادِ وإمَّا قراءةٌ مفسرة.
وأيضا ما أنكره بعض الصحابة من ثبوت بعض السور مما ثبت بين أيدينا عن طريق التواتر مثل عبد الله بن مسعود ( وقد ثبت رجوعه عن ذلك ) فإنَّ مَن حَفِظَ حُجَّةٌ على من لم يحفظ. وراجع أُخيَّ كثيراً من الأشياء غير القرآن الكريم جهلها ابن مسعود ولم تبلغه مثل تقدم الإمام على المأمومين ، ومسألة التطبيق في الركوع التي كان مُصِرَّاً عليها رغم نسخها ومسألة التسليمة الواحدة, والسلام على الإمام وغير ذلك.
إذن أخيَّ فالتعويل على العرضة الأخيرة فانتبه لذلك.
ب- موافقته وجهاً من أوجه اللغة العربية : لما أسلفنا أن القرآن الكريم نزل بلغة العرب. قال الإمام الشافعي ـ رحمة الله ـ : جميع كتاب الله نزل بلسان العرب. وقال أيضاً : ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب.
جـ- موافقة المصاحف العثمانية : وهي التي كتبت من النسخة التي جُمعت في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. تلك التي كُتِبَتْ مما كُتِبَ بين يدي رسول الله { صلى الله عليه وسلم } وثبت ذلك ثبوتاً قاطعاً.(1/9)
انظر أخيَّ هنا : هذا القرآن الثابت بين أيدينا, والذي تُقرأ عليه جميع القراءاتُ من مصحف واحد يقرأه ملايين المسلمين شرقاً وغرباً دون زيادة أو نقصان مع تنوع القراءات تشكيلاتً ومداً وإمالةً وتشديداً وهو واحد لا غير. معارضة هذا الجاهل الجهول بنصوص محتملة لبيان وجهها من الناحية الأصولية والفقهية والحديثية والتاريخية.
فالحمد لله على نعمة العقل والفهم والتوفيق. هلَّا عارض هذا الجاهل الجهول المجهول الكتب المحرفة المبدلة بعقله الوافر التافه أم هو الحقد على نعمة القرآن الكريم وحفظه.
نرجع إلى الخاصية الثالثة :
فنجد ما نقل من كلمة وهو { أب لهم } في سورة الأحزاب. و { صلاة العصر } في سورة البقرة. و { التشيخ والشيخة } في سورة الأحزاب. و { متشابهات } في سورة البقرة وسورة المائدة. وسورة { الحفد والخلع } مما لم ينقل بالتواتر ولم يوافق الرسم العثماني لا يصح لاقول بأنه من القرآن الذي ينطبق عليه قوله تعالى: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } .
رابعاً: من خواص القرآن الكريم: أنه محفوظ من الزيادة والنقصان لقوله تعالى : { وإنا له لحافظون } فلا نقص فيه ولا زيادة، ولن يستطيع مخلوق أن يزيد عليه شيئاً أن ينقص منه شيئاً لأن الله تعالى تولى حفظه، وما تولى الله حفظه فلن تصل إليه أيدي العابثين المفسدين.
وأقول لأبي كثير كاتب التشكيك والحماقة: يا أبا كثير كوِّن منظمة ، واجعل سادة الغرب وأثرياءهم ممولين لها ، واجمع لها كل قوي الفكر واللغة والمكر والدهاء ، وحاول إخراج مصحف غير هذا المصحف أو مصحفاً فيه كلمة زائدة أو ناقصة أو سوراً أخرى أو تقديم كلمة أو تأخيرها ، وابذلوا ما في وسعكم. وأراهنك على ما أملك على أن تستطيع ترويجه بين المسلمين ولا يفضح أمرك. فلم ولن ولا وتالله ووالله وبالله لا يكون ذلك أبداً بإذن الله.(1/10)
فهو الشفاء والجلاء والخير والحق والبركة والمحفوظ والحافظ بإذن الله. لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد. ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون).
وبفضل المولى عز وجل بعد أن أوردت صورة عامة نقلتها عن أهل العلم في تعريف القرآن الكريم وخصائصه وإعجازه وبيان ثبوته وذلك كله على عجالة، ولكن ما فيه من النصوص المحكمة ما يشفي الصدور ويصلح البال.
أما الآتي فهو الرد التفصيلي على ما أورده المقلد لمن سلفه من الشبه :
الرد التفصيلي :
عند أدني تأمل لأسطر هذا الملحد الرديئة تجد أنه لم يرتب كلامه بل نثره نثراً، بحيث يصعب عليك تحديد وجهة وسير هذه الشبهات.
فتجده بأتي بالدليل أو بالشبهة نفسها ويستدل بها على أمرين متناقضين مما يؤكد لك جهله وعدم إدراكه لما يكتب وعدم فهمه أو تجاهله عن حقيقة هذه المسائل.
مثال ذلك: سورة القنوت المنسوخ لفظها كما سنبين ذلك إن شاء الله يستدل بها في أول كلامه على سقوط شيء من القرآن الكريم الذي بين أيدينا بقوله : (ومما سقط يروي عن أبن أبي كعب ـ وقد أخطأ حتى في النقل !، هو أبي بن كعب ـ ولا نجده اليوم في القرآن، وهو قوله: (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك).
وفي نفس الوقت يستدل بها في آخر كلامه على الزيادة في القرآن بقوله: (ومن المشهور أن أبي زاد على نسخة قرآنه سورتين..)!!
فلا أدري أيفهم ما يكتب أم لا ؟ ثم أدخل بعد ذلك حذف عثمان لها فعلى أي شيء يستدل ؟ الزيادة أم النقصان أم الحذف؟.
أخي المسلم: أحاول جمع المتجانس من شبهه ثم الرد عليه:
أولاً: شبهة الحذف والزيادة في القرآن الكريم :
جاء بادئ ذي بدء بما يشهد كما يزعم لرأيه بنصه (فقد جاء في حديث عن محمد ـ انظر إلى عدم التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في كتاب الشفاء للقاضي عياض :(1/11)
رحم الله فلاناً لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتهن ويروي أنسيتهن) ، قلت: هذا النقل يدل على جهلة بالشريعة ومصادرها إذ هو يتخبط عشوائياً من جهة عدم رده الحديث لمصدره الأصلى، ومن جهة عدم استفادته من باقي كتاب القاضي.
أصل الحديث في صحيح البخاري حديث رقم (2512) باب شهادة الأعمى وأمره ونكاحه وإنكاحه ومبايعته وقبول التأذين وغيره وما يعرف بالأصوات وبعد سياق السند.. عن عائشة رضي الله عنه عنها قالت : سمع النبي { صلى الله عليه وسلم } رجلاً يقرأ في المسجد فقال: رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن من سورة كذا وكذا. فقال: يا عائشة أصوت عبّادٍ هذا ؟ قلت: نعم. قال : " اللهم ارحم عبّاداً " أ.هـ.
فما نقله صحيح ولكن لا يشهد لما استدل له وهنا عدة أسئلة حول هذا الحديث.
1) هل نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآيات دليل مطرد على ضياع كثير من القرآن الكريم أو شيء منه؟
2) هل الحافظ للقرآن فقط هو النبي صلى الله عليه وسلم؟
3) هل نُقل بدون مراجعة وعرض ووقوف معه أولاً؟
4) هل كان هناك كتاب للوحي؟
من خلال الإجابة على هذه الأسئلة يتبين لك بطلان استدلال الجهول المجهول.
الإجابة على السؤال الأول:
إذا علمت أن الآية التي ذكرت في الحديث هي آية : (وكأين من آية في السماوات والأرض) في سورة يوسف. كما جاء ذلك مصرحاً به في (عون المعبود) فتح لك طريق الإجابة.(1/12)
فالآية التي نسيها أو الآيات مثبتة الآن في المصحف الشريف ، ورحم الله عباداً وزيد بن ثابت وعثمان بن عفان وعلى بن أبي طالب وأبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب كانوا حول النبي صلى الله عليه وسلم آزروه ونصروه رضي الله عليه. فكون نسيانه لهذه الآية أو الآيات دليلاً على ضياع القرآن الكريم احتمال ضعيف يعارضه ما هو أقوي منه من وجود حفظة من الصحابة تعلقت قلوبهم بهذا الكتاب الكريم وقاموا به الليل وتلوا آياته آناء الليل وأطراف النهار بل على كل أحوالهم الشريفة ويعارضه أيضاً معارضة جبريل عليه السلام له القرآن الكريم كل عام، ثم بعد المعارضة يعارض هو أصحابه ما تم له مراجعته وضبطه وتفسيره.
وأنت ترى زيد بن ثابت عندما جمع القرآن الكريم لا يأخذ الآية من لسان صحابي واحد حتى يعضده على الأقل ثم مما كتب فيه ورقاع ولخاف وجريد ويقارن ويضبط وهو أول من سنّ منهج التحقيق العلمي في إخراج كتاب ما.
وأيضاً كتبة الوحي الذين جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم لكتاب القرآن الكريم فقط، ونهاهم أن يكتبوا شيئاً غير القرآن.
كل هذا النقل معارض قوي للاحتمال الضعيف المحتمل لما أراد أن يثبته هذا المجهول الجهول.
وأيضاً هذا الحديث الذي أورده لم يستدل به أحد من الأئمة على ما أراد أن يستدل هو عليه. فتجد البخاري استدل به على قبول شهادة الأعمى على ما يستدل به ويعرف من أصوات، وأورده الإمام مسلم في صحيحه في سياق فضائل القرآن الكريم. وبوّب له النووي على مسلم : (باب الأمر بتعهد القرآن وكراهة قوله نسيت كذا وجواز قوله أنيستها). وفي شرحه مسلم نقل كلام القاضي عياض صاحب الشفاء في موضعين : في موضع سجود السهو وفي الموضع هذا بقوله : قال القاضي عياض ـ رحمه الله:(1/13)
" جمهور المحققين جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم ابتداء فيما ليس طريقة البلاغ " أ.هـ. فهو صلى الله عليه وسلم نزلت عليه الآيات وبلغها كما نزلت وكتبها كتبة الوحي وحفظها الحفظة الذين كانوا قد شغفوا به صلى الله عليه وسلم وبكل ما يخرج من فيه من آيات وأحاديث. وهذا فهم السلف لمثل هذه الأحاديث ولا أعلم أحداً منهم فهم منها ما فهمه هذا المجهول لسقم عقله وكثافة طبعه وغلظ حجابه.
وفي (عون المعبود) في الكلام على ذلك الموضع. قال العلماء : ويجوز النسيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس طريقة البلاغ والتعليم. قاله عياض والنووي وابن حجر ـ رحمهم الله -.
ورأيت من المناسب أن آتي بما أورده تلو هذه الشبهة من قوله تعالى:
(سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله).
قلت: سبحان الله ... أتى بما يساند ضد رأيه ويعضد قولنا. فعندما ترجع لتفسير هذه الآية تجد في قوله : { إلا ما شاء الله } ثلاثة أقوال رجح الطبري أحدها وبه أخذ ابن كثير ومال إليه القرطبي.
قال ابن كثير: وقوله (سنقرئك) يا محمد (فلاتنسى) وهذا إخبار من الله ووعد منه له بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها. (إلا ما شاء الله) وهذا اختيار ابن جرير وقال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئاً إلا ما شاء الله. أهـ.
وقال القرطبي بعد أن أورد الأقوال وأوجه الاستثناء هنا ( وراجعه فإنه مفيد) قال : وقيل : إلا ما شاء الله أن ينسى، ثم ذكر بعد ذلك، فإذاً قد نسي، ولكنه تذكر ولا ينسي نسياناً كلياً. وقد روي أنه أسقط في قراءته في الصلاة، فحسب أبي أنها نسخت. فسأله فقال: إني نسيتها. أهـ.
إذاً لدينا ثلاث مواضع في القرآن الكريم:
الأول: قوله تعالى ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه)(1).
الثاني: قوله تعالى: ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا معه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) (2).
__________
(1) 1 ) سورة طه:
(2) سورة القيامة:(1/14)
الثالث: قوله تعالى: (سنقرئك فلاتنسى * إلا ما شاء الله) (1).
راجع تفسير الآيات الثلاث يتبين لك هذه النتيجة التي توصلك لما يليق به وبكتابه.
فالآية المذكورة في المثال الأول من سورة طه. والآية الثانية في المثال الثاني من سورة القيامة. هما من حيث الابتداء عند نزول الوحي لأول وهلة فلا ينسى. وينفصم عنه الوحي. وقد وعي ما أوحي إليه وحفظه وتبين له فيتلوه على صحابته ويكتبه كتبة الوحي وينتشر ببين الصحابة انتشاراً عظيماً لشدة حبهم للوحي من السماء بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. وانتظاره صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام بما يجئ به من الوحي وطلبه أن يأتيه دائماً ونزول قوله تعالى : (وما نتنزل إلا بأمر ربك) فهنا قد حفظ وضبط وكتب وقال لهم ضعوا آية كذا بين أية كذا وكذا في سورة كذا وتم الفرح واستنارت الأرض والقلوب والأبدان والأسماع والأبصار بما نزل من الوحي.
ثم بعد ذلك وبعد استقرار الأمر تأتي آية الأعلى فينسي ما شاء الله أن ينسيه فيذكره الصحابة ومن كتب ويعرض على جبريل القرآن الكريم فيأتي حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في ترجمة على عباد وحديث أبي ابن كعب وسقوط آية منه وحديث ارتجاج سورة (ق) عليه في صلاة الفجر لعدم إحسان بعض من خلفه الوضوء. فيسألوه أو يسمعهم ويذكر، وحين يسألوه بين لهم هل أُنسيها فعلاً أم نسخ لفظها وبقي حكمها أم نسخ لفظها وحكمها أم نسخ لفظها وحكمها. ويأتي تأكيد ذلك بعد عرضه على جبريل عليه السلام في رمضان ثم مدارسته ما راجعه مع الصحابة وهذه كلها حقائق يعرفها من دخل جنة حفظ القرآن الكريم وتدريسه ومدارسته.
(فبهت الذين كفر والله لا يهدي القوم الظالمين).
وتأتي هنا الإجابة على السؤال الثاني والثالث والرابع. فأقول:
__________
(1) 3 ) سورة الأعلى:(1/15)
أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن بمفرده الحافظ لكتاب الله وقد راجعه الصحابة ووقف معهم ووقفوا معه على مواضع كتاب الله. وقد راجعه جبريل مع ما يعضد ذلك من وجود كتاب الوحي الذين جرح عليهم أن لا يكتبوا إلا القرآن. كما سيأتي بيان ذلك كله في موضعه الله أكبر ولله الحمد.
وهذا الرد ندرج تحته نسف الشبهة السخيفة التي في إيرادها الرد عليها وهي قوله : (وكان إذا أملى محمد آية على الكتّاب يسارع إلى حفظها المتدينون من قومه ولكن ذلك لم يمنع أن بعض الآيات لم يحفظها أحد أو ما الذين حفظوها).
قلت: الحمد لله ... أثبت هو نفسه ما قررناه من وجود كتبة للوحي كما بينا وأثبت وجود من شفعت قلوبهم بحفظ ما ينزل من فضل الله وحياً. ففي كلامه تقرير الرد على الشبهة السابقة. أما هذه الشبهة فأقل من أن نرد عليها لوضوح بطلانها ووجود الجواب في ثنايا كلامه وفي تفصيلنا السابق.
وعندما نستعرض جمع زيد للقرآن وأنه لم يقبل إلا آيتين فقط من حافظ واحد(1). وهو خزيمة (2) بن ثابت. وأن زيداً نفسه قال: بقي لي آيتان في آخر سورة التوبة فهو يعرف ما يكتبه وما لا يكتبه على حسب العرضة الأخيرة كما سنبين ذلك إن شاء الله.
وأهمس في أذن أبي كثير عن بعد لأني لا أطيق ريحها:
المستشرق " بلاشير" عدّ من كتاب الوحي أربعين رجلاً. أ.هـ.
ما يدخل تحت موضوع الحذف والزيادة.
جمع القرآن الكريم
جمع القرآن الكريم مرّ على ثلاث مراحل نوجزها ثم نأتي بما يعضدها من أدلة:
1- جمع القرآن الكريم في حياة الرسول صلى الله في أجزاء متفرقة من العظام والسعف واللخاف وصدور الرجال.
2- الجمع في عهد الصديق رضي الله عنه بعد موقعة اليمامة وكان لأمرين.
__________
(1) 1 ) وقولي حافظ واحد: أي كاتب لهما. فهاتان الآيتان كان يحفظهما كثير من الصحابة ولكن لم يجدهما زيد مكتوبتين إلا عند خزيمة بن أبي خزيمة.
(2) 1 ) وفي رواية أبو خزيمة: ولعلها حالان كما يبين ذلك القرطبي وابن تيمية.(1/16)
أحدهما : جمع المتفرق من المكتوب والصدور بين لوحين رسميين بناءً على أمر خليفي وهو خليفة رسول الله وقائد الدولة الإسلامية. بعد المداولة مع أصحاب الرأي والعقل والمشورة.
الثاني: تحقيق المجموع ومقارنة النسخ ببعض مع ما في صدور الحفظة حفظاً لهذه الأمانة على مر العصور.
3- الجمع الثالث : في عهد الخليفة الثالث الراشد الرشيد :عثمان بن عفان ذي النورين الحيي رضي الله عنه وأرضاه ، وله :
أولاً : كتابة أكثر من نسخة من أجل توزيعها على الأمصار .
ثانياً :تحديث أدوات الكتابة.
ثالثاً : تأكيد التحقيق .
رابعاً : القضاء على الخلاف بكون الاعتماد على النسخة الرسمية الصديقية وقبل ذلك المحمدية ، فلا يبقى لأحد قول بعدها ولا رأي دونها وتخمد نار الفتنة والاختلاف بذلك .
نصوص ما بيناه ورتبناه :
1- روى البخاري ـ رحمه الله ـ عن فاطمة رضي الله عنها :أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليها أن جبريل يعارضه القرآن كل سنة وأنه عارضه في العام الذي توفي فيه مرتين وقال لها : ( لا أراه إلا قد حضر أجلي ) ، إذاً عرضتان أخيرتان مؤكدتان ، روى البخاري عن أبي هريرة : كان القرآن يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم كل عام فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه .
2- في رياض الصالحين ( باب النهي عن المسافرة بالمصحف إلى بلاد الكفار إذا خيف وقوعه بأيدي العدو ) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو(1) .
قلت : العاقل يعرف أن القرآن المقصود هنا هو المصحف كما بوب النووي ، وهناك رواية لمسلم زاد قوله صلى الله عليه وسلم ( مخافة أن يناله العدو ) .
3- حديث يشهد له الحديث السابق :(1/17)
روى ابن خزيمة في صحيحه وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته ، علماً علمه ونشره ، أو ولداً صالحاً تركه ، أومصحفاً ورثه ) ، قال الحارث المحاسبي في كتابه فهم السنن : كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يأمر بكتابته ولكنه كان مفرقاً في الرقاع والأكتاف والعسب ، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا .
4- وتجد الفقهاء في وجوب الوضوء لمس المصحف يأتون بالحديث التالي الذي رواه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه جده ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله وسلم ـ كتب إلى أهل اليمن كتاباً وكان فيه : ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) رواه النسائي والدار قطني والبيهقي والأثرم ، وقال ابن عبد البر في هذا الحديث ، إنه أشبه بالتواتر لتلقي الناس له بالقبول .
5- لقد بلغ من حرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على كتابة الوحي والعناية به ألا يكتب كتاب الوحي غير القرآن الكريم .
جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تكتبوا عني غير القرآن ) .
6- أخرج الحاكم بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال : كنا عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نكتب القرآن في الرقاع وكنت عندما تنزل آية وآيات يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضعوا كذا في موضع كذا على وجه التحديد الذي حدده جبريل عن ربه ـ عز وجل ـ .
قبل الدخول في النص الثامن أوضح أنه في ثنايا النص مع ما يثبت جمع على عهد الصديق ما يثبت أيضاً جمعه على عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع اختلاف شكل الجمع .(1/18)
7- روي البخاري في صحيحه بالسند المتصل أن زيد بن ثابت قال : ( أرسل إليّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر : إن عمر بن الخطاب أتاني فقال : إن القتل استحر بقراء القرآن في موقعة اليمامة وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت لعمر : كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( أي جمع القرآن بين لوحين وهو أمر شكلي ) قال عمر : هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري كذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر .
قال زيد : قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتتبع القرآن فاجمعه .
فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان علي أثقل مما أمرني به من جمع القرآن ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف ( وفي رواية الأكتاف ) والأقتاب وصدور الرجال ووجدت آخر سورة براءة مع خزيمة لم أجدها مع غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) حتى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر في حياته ثم عند حفصة أم المؤمنين بنت عمر ـ رضي الله عنهم .
الفوائد المستنبطة من هذا النص :
1- وجود الحفظة وكثرتهم في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعد وفاته .
2- كانوا من أهل الجهاد والعمل بما حفظوا .
3- إن مات بعضهم فقد بقي الكثير منهم في الأمصار.
4- جمع القرآن حصل بإجماع من الصحابة ولم يرد أنه خالف أحد ، فهو إجماع .
5- هذا الإجماع دليل على الاتفاق الوافر على النسخة المجموعة .
6- شرح أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ الأمر لزيد بن ثابت .
7- انتشار عدالة ورجاحة عقل زيد بين أئمة الصحابة .(1/19)
8- معلوم أن زيدا كان حافظا للقرآن الكريم وحضر آخر عرضه بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجبريل ـ عليه السلام ـ كما قال البغوي رحمه الله في شرح السنة ، ومع ذلك لم يكتفي بحفظه وإما سلك منهج التحقيق والمقارنة واليقين والعرض ومقارنة المعروض بالمكتوب وكان لا يقبل أقل من شاهدين على ما يجمع ويكتب حتى إن آخر سورة التوبة لم يجده إلا مع خزيمة فأخبر بذلك وبينه ، وهذا النص :
روى البخاري عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ قال : لما نسخنا الصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرؤها ، لم أجدها مع أحد(1)إلا خزيمة الأنصاري ، الذي جعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهادته بشهادة رجلين ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) , في رواية الترمذي : كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ، قال القرطبي :فسقطت الآية الأولى من آخر سورة براءة في الجمع الأول على ما قاله البخاري والترمذي ، وفي الجمع الثاني فقدت آية من سورة الأحزاب .
9- قال الإمام النووي في التبيان : وإنما لم يجعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مصحف واحد لما كان يتوقع من زيادته ونسخ بعض المتلو منه ولم يزل ذلك التوقع إلى وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فلما أمن أبو بكر وسائر أصحابه ذلك التوقع واقتضت المصلحة جمعه فعلوه ـ رضي الله عنهم ـ .
10- وفقد الآيات فقد كتابتها لا فقد حفظها كما في تحفة الأحوذي وذلك في حديث زيد بخصوص آخر سورة التوبة .
قلت هذا والله أعلم .
انتهى بعض ما رأيته مناسبا من فوائد النص رقم ( 8 ) مع بقية النصوص .(1/20)
8- روى الإمام البخاري عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال لعثمان : أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة ـ رضي الله عنها ـ أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأخذ زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ـ الحديث .
9- روى سويد بن غفلة كما في القرطبي ـ عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : أن عثمان قال : ما ترون في المصاحف ( يعني نسخ عدد منها ) ؟ فإن الناس قد اختلفوا في القراءة حتى إن الرجل ليقول قراءتي خير من قراءتك وقراءتي أفضل من قراءتك ، وهذا شبيه بالكفر ، قلنا : ما الرأي عندك يا أمير المؤمنين ؟ قال : الرأي عندي أن يجتمع الناس على قراءة ، فإنكم إن اختلفتم اليوم كان من بعدكم أشد اختلافا ، قلنا الرأي رأيك يا أمير المؤمنين ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ، وقال للرهط القرشيين ........
المستفاد من النصين السابقين :
أ اختلاف الناس قبل بعث عثمان بالمصاحف إلى الأمصار بسبب عدم وجود المصحف المجموع عليه من أئمة الصحابة في المدينة وأيضا عدم جمعه على عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لخوف نزول النسخ كما بينه النووي سالفا .
ب المصلحة اقتضت نشر المصحف المحقق المجموع .
ت مصاحف عثمان نسخ من المصحف الذي جمع عهد أبي بكر فسنده متصل به .(1/21)
فمصحف عثمان ـ رضي الله عنه ـ رسمي متصل السند في نقله عن ما جمع في عهد أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ المتصل السند بالنقل مما كتب بين يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتلقي عن جبريل عن ربه ـ عز وجل ـ .
فهذا الكتاب قدر الله له أن يتصل إسناده بالتلقي والسماع والمشافهة ، فهو القرآن المقروء والكتاب المكتوب ورثناه جميلا عن جيل كما كتبه كتبة الوحي إملاء من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكما قرآن النبي ـ صلى الله عليه وسلم .
قال ابن تيمية : القراءة سنة متبعة .
خرج ابن أبي داود بإسناد صحيح عن علي بين أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : لا تقولوا في عثمان إلا خيرا ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملئ منا .
وهذا الرواية هي بداية الرواية السابقة عن سويد بن غفلة والإسناد صحيح كما بين ذلك صاحب تحفة الأحوذي .
وفي شرح ابن ماجة أن عثمان لما جمع القرآن في المصاحف روي له أبو هريرة أنه سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( إن أشد أمتي حبا لي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني يعملون بما في الورق ) قال أبو هريرة وأي ينوي ؟ حتى رأيت المصحف ففرح بذلك عثمان وأجاز أبا هريرة . أ هـ(1/22)
أخي :النصوص كثيرة في بيان جمع القرآن الكريم في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما ، وهذا الرد المختصر لا يليق أن أجمع كل الوارد من بيانه ـ صلى الله عليه وسلم ، أنه يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله وحديث يرفع الله بهذا الكتاب أقواما وحديث يقال لقارئ القرآن اقرأ وحديث صاحب البقرة وآل عمران وصاحب سورة الملك وحفظ ( ق ) من فمه وهو على المنبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقصة إسلام عمر والصحيفة التي بها جزء من سورة طه وحديث تقديم الأكثر قرآنا في الدفن غزوة أحد وحديث زوجتك بما معك من القرآن ، وأخذ التابعين للقرآن عن الصحابة تفسيراً وحفظاً ووقوفاً مع كل آية وتفسير ابن عباس سورة البقرة في الحج وغير ذلك كثير ، وأختم هذه الفقرة بهذا الأثر العظيم :
قال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذي يقرئوننا القرآن أنهم كانوا يستقرئون القرآن من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعا .
قال ـ صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ) رواه البخاري .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ) متفق عليه .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ) رواه مسلم .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( لا حسد إلا اثنتين :رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ................ ) متفق عليه .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها ) .(1/23)
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب ) رواه الترمذي ، وقال حديث حسن صحيح .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ القرآن وعمل بما في ألبس الله والديه تاجا يوم القيامة ) رواه أبو داود .
وعن الحميدي الجمالي قال : سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزوا أحب إليك أو يقرآ القرىن ؟ فقال : يقرأ القرآن ، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) أ هـ .
وفي الحديث الحسن الذي رواه أبو داود عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط .
فيا سبحان الله بعد كل هذه النصوص تسقط الآيات وتنسى ويزعم أحمق أن الصحابة ما بلغوا القرآن وأنه ضاع وسقط وحذف منه وزيد فيه و ........... و ........ وجهل وأي جهل وحماقة واضحة مكوبة بين عينيه يقرؤها كل مسلم قارئ وغير قارئ .
الحمد لله رب العالمين
أولا : الرد على شبهة الحجاج السخيفة السقيمة :
قال الجاهل الجهول : ( لما قام الحجاج بنصرة بني أمية ، لم يُبق مصحفا إلا جمعه وأسقط منه أشياء كثيرة كانت نزلت فيهم ، وزاد فيه أشياء ليست منه ، وكتب ستة مصاحف جديدة بتأليف ما أراده ووجه بها إلى مصر والشام ومكة والمدينة والبصرة والكوفة ، وهي القرآن المتداول اليوم ، وعمد إلى المصاحف المتقدمة فلم يبقى منها نسخة إلى غلي لها الخل وسرحها فيه حتى تقطعت ، وأراد بذلك أن يتزلف إلى بني أمية فلم يبق في القرآن ما يسوؤهم . أ.هـ ) .
قلت : أظن أن هذا الكلام لا يحتاج إلى رد ، فهو يؤيد مذهب فرقة ضالة تزعم أن القرآن الحقيقي مع مهديها المنتظر وأن الأمة ظلت ضالة وما زالت حتى يلد السرداب ابنه المزعوم .(1/24)
أين حفظ الأمة للقرآن ؟ من هذا الحجاج البارع الدقيق الذي نزع القرآن من السطور والصدور ثم عمل إعادة ( فرمته – تهيئة ) للأمة وحملها على برنامج ( ويندوز ) بنى أمية ؟ . أنسى الجاهل سند القراءات المتواتر بالرسول { صلى الله عليه وسلم } .
... ثم لم نسمع أحداً يقول ( النسخ الحجّاجية ) ثم من الذين استعان بهم الحجاج ؟ وأى لجنة هذه ؟ ولماذا لم يحذف آية : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا .... } الآية .
... وأين شيعة علي { رضي الله عنه } من الحفظة ما عند أحد منهم شيئاً من مصحف عثمان ولا نسخة ؟ لقد أزرى الجاهل بمن يحب .
... أقول وبالله التوفيق :
1- هذه القصة مكذوبة ليس لها أصل كل رواتها متهمون ، وأولهم الجاهل الجهول صاحب المقولة الدنيئة .
2- ما ثبت عن الحجاج من تبنية بنقيط المصاحب يبطل ويضاد هذه القصة والفرية ، قال القرطبي ( فصل ) وأما عدد حروفه وأجزائه فروى سلام بن محمد الحماني أن الحجاج بن يوسف جمع القراء والحفاظ والكتاب ، فقال أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو ؟ قال : وكنت فيهم فحسبنا فأجمعنا على أن القرآن ثلاثمائة ألف حرف وأربعون ألف حرف وسبعمائة حرف وأربعون حرف ..... إلى آخر الرواية ، وقد سألهم عن نصفه وأسباعه ، أهـ قال القرطبي : وإما شكل المصحف ونقطه ، فروى أن عبد الملك أمر به وعمله فتجرد لذلك الحجاج بواسط وشد فيه وزاد تحزيبه وأمر وهو والى العراق الحسن ويحيى بن يعمر بذلك . أهـ(1/25)
3- ابن تيمية رحمه الله قد أورد في المجلد الخامس عشر بيان خطأ من زعم أنه حدث خطأ في المصحف في قوله تعالى : { إِنْ هَذَانِ } في التشديد وإنها { إِنْ هَذَينِ } بعد أن أورد رحمة الله روايات جمع المصحف قال : وهذا يبين أن المصاحف التي نسخت كانت مصاحف متعددة وهذا معروف مشهور وهذا يبين غلط من قال في بعض الألفاظ إنه غلط من الكاتب أو نقل ذلك عن عثمان ، وإن هذا ممتنع لوجوه ، منها : تعدد المصاحف ، واجتماع جماعة على كل مصحف ، ثم وصول كل مصحف إلى بلد كبير فيه كثير من الصحابة والتابعين يقرؤون القرآن ويعتبرون ذلك بحفظهم أصلاً والإنسان إذا نسخ مصحفاً غلط في بعضه ، عرف غلطه بمخالفة حفظه القرآن وسائر المصاحف ، فلو قد أنه كتب مصحفاً ثم نسخ سائر الناس منه من غير اعتبار في الأول والثاني أمكن وقوع الغلط في هذا وهنا كل مصحف إنما كتبه جماعة ووقف عليه خلق عظيم ممن يحصلون التواتر بأقل منه . أهـ . ( راجع هذا الموضع من ص 251 ) .
4- لو وافقت الجاهل على ما قال فليأتني بآية واحدة من الذي حذف فيها ذكر بنى أمية .
5- أين قوله { صلى الله عليه وسلم } لا تجتمع أمتي على ضلالة .
6- إذا كان الحديث النبوي سخر الله له مثل أحمد والثوري وابن معين وابن سعيد القطان وابن مهدى وابن المديني فما وصل شيء إلا بينوا سقيمة من صحيحة من معلوله من شاذه فكيف غفلوا عن القرآن ، والأحاديث التي فيها ذكر علي بن أبى طالب لم تحذف فكيف بالقرآن ؟ { سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }
7- أقول وأهمس في أذن هذا الجاهل أيضاً من بعد ( أنت لا تعرف ماذا تقول ، وعلى فكرة موضوع الخل لن يسرى مع المسلمين حاول غيرها ) .
ثانياً : شبهة الآيات المنسوخة لفظاً وبقى حكمها :
... فمن ما أورده كلام عمر بن الخطاب عن آية الرجم وكلام عائشة عن آية المتعة و الرضاع وكلام أبى موسى الأشعري ومصحف أبيّ وكلام عبد الله بن مسعود :(1/26)
... فأصدر كلامي بهذه الخطبة لعمر بن الخطاب { رضي الله عنه } :
قال عمر في خطبته : ( إن الله بعث محمد { صلى الله عليه وسلم } بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله { صلى الله عليه وسلم } ورجمنا بعده . فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنولها الله ، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل والاعتراف .
... ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأه من كتاب الله { آلا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم } . أهـ.
أخي : تأمل النص تجد عمر يتكلم عن القرآن في حالتين :
1- المجموع زمن أبي بكر حسب العرضة الأخيرة .
2- ما كان قبل العرضة وقد بين { صلى الله عليه وسلم } نسخ لفظه .
فأقر عمر القرآن المجموع بإجماع الصحابة وبين ما كان فيه قبل النسخ فهذا واضح لا لبس فيه كما بينا وكما نقلنا تعليل النووي في عدم جمعه في حياته { صلى الله عليه وسلم } بين لوحين وهو خوف النسخ وهذا دائم طيلة حياته فبعد موته أمن هذا ، وثبتوا على العرضة الأخيرة .
وأما آية المتعة الذي يزعم أن علياً أسقطها ، فالأمر ليس كذلك ، فآية المتعة هي آية { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ } إنما الكلام على عمر بن الخطاب { رضي الله عنه } في نهيه عن التمتع وإفراد الحج بسفرة والعمرة بسفرة متأولاً { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ } فراجع تفسير ذلك عند تفسير الآية المشار إليها ، وراجع صحيح مسلم ( كتاب الحج ) لتعرف الخلاف في ذلك ، وأيضاً زاد المعاد في حجته { صلى الله عليه وسلم } .
وأما رواية ابن ماجة فليست كما نقل عن عائشة رضي الله عنها قالت :
((1/27)
لقت نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله { صلى الله عليه وسلم } وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها ) أهـ . الحديث حسنة الألباني ، والكلام عليه كالكلام على المنسوخ والعرضة الأخيرة .
وأقول : لماذا لم تنبه عائشة رضي الله عنها زيداً لهذه الآية فيأخذها من في الحفاظ ومن ما كتبه الكتبة ببساطة هو نسخ لفظها كما بين ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في خطبته ، ومن المعلوم أنه لا مانع يمنع أم المؤمنين من ذلك .
فالذي أمر بجمع المصحف أبوها وهو خليفة المسلمين ، وهى زوج الرسول { صلى الله عليه وسلم } ، وأيضاً تحسين الشيخ الألباني لست أنا من يعترض عليه رحمة الله تعالى .
وأما مصحف أبى وغيره مما يخالف مصحف عثمان فأضف على عدم تواتره ما قاله القرطبي ، قال رحمه الله في المجلد ص116 : فالقائل بأن القرآن فيه زيادة ونقصان رد لكتاب الله ولما جاء به الرسول { صلى الله عليه وسلم } وكان كمن قال الصلوات المفروضات خمسون صلاة ، وتزوج تسع من النساء حلال ، وفرض أيام مع شهر رمضان إلى غير ذلك مما لم يثبت في الدين ، فإذا رد ذلك بالإجماع ، كان الإجماع على القرآن أثبت وأكد وألزم وأوجب .
قال أبو عبيد : يذهب أبو مجلذ إلى أن عثمان أسقط الذي أسقط بعلم كما أثبت الذي أثبت بعلم .
قال القرطبي أيضاً : وكان هذا من عثمان { رضي الله عنه } بعد أن جمع المهاجرين والأنصار وجلة أهل الإسلام وشاورهم في ذلك فاتفقوا على جمعه بما صح وثبت في القراءات المشهورة عن النبي { صلى الله عليه وسلم } و اطراح ما سواها واستصوبوا رأيه وكان رأياً سديداً موفقاً .
وقال أيضاً : وأما ما روي من اختلاف مصحف أبى وعلى وعبد الله فإنما كان فإنما قبل العرض الأخير . أهـ
وقد بينا شروط ثبوت القرآن والقراءة وأن ما روى من ذلك مما يعرف أسانيده العلماء وليس متواتراً فلا ينطبق عليه شرط هام وهو التواتر .(1/28)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاوى ج13 صـ394 ما نصه :
( وأما القراءة الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني مثل قراءة ابن مسعود ، وأبي الدرداء { رضي الله عنه } { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) } كما ثبت ذلك في الصحيحين ، ونحو ذلك فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة فهل يجوز أن يقرأ بها في الصلاة ؟ على قولين للعلماء : هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد ، وروايتنا عن مالك :
أحدهما : يجوز ذلك لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرؤون بهذه الحروف في الصلاة .
والثانية : لا يجوز ذلك ، وهو قول أكثر العلماء ، لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي { صلى الله عليه وسلم } وإن ثبتت فإنها منسوخة في العرضة الأخيرة ، فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس { رضي الله عنه } أن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي { صلى الله عليه وسلم } بالقرآن في كل عام مرة ، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين ، والعرضة الأخيرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره وهى التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ بكتابتها في المصاحف ، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبى بكر في صحف أمر زيد بن ثابت بكتابتها ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة على وغيره أهـ . انظر قوله باتفاق من الصحابة ( علي ) وغيره يبين لك كذب النقل عن على { رضي الله عنه } في حذف آية المتعة ، وهذه القصة المكذوبة عن أمنا رضي الله عنها .
وأما مسألة عبد الله بن مسعود { رضي الله عنه } التي يتمسك بها أصحاب هذه المقولات في حذفه المعوذتين وموافقة الكثيرة عن جمع القرآن ومصحفه وغير ذلك . فإليك هذا الكلام النفيس الذي يروى الغليل ويشفي العليل بإذن الله الجليل .(1/29)
قال أبو بكر الأنباري : ولم يكن الاختيار لزيد من جهة أبى بكر وعمر وعثمان على عبد الله بن مسعود في جمع القرآن ، وعبد الله أفضل من زيد وأقدم في الإسلام وأكثر سوابق ، وأعظم فضائل ، إلا أن زيداً كان أحفظ للقرآن من عبد الله ، إذ وعاه كله ورسول الله { صلى الله عليه وسلم } حي ، والذي حفظ منه عبد الله في حياة رسول الله { صلى الله عليه وسلم } نيف وسبعون سورة ، ثم تعلم الباقي بعد وفاة الرسول { صلى الله عليه وسلم } ، فالذي حفظ القرآن وختمه ورسول الله { صلى الله عليه وسلم } حي أولى بجمع المصحف وأحق بالإيثار والاختيار . أهـ
قال القرطبي رحمه الله : ولا يشك في أنه { رضي الله عنه } ( عبد الله بن مسعود ) قد عرف بعد زوال الغضب عنه حسن اختيار عثمان ومن معه من أصحاب رسول الله { صلى الله عليه وسلم } وبقى على موافقتهم وترك الخلاف لهم . أهـ .
وفي سبب إسقاطه للمعوذتين عدة أسباب :
1- أنه ظن أنهما دعاء تعوذ به { صلى الله عليه وسلم } ، قال القرطبي : خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت .
2- النسيان: وذلك ضعيف .
3- إسقاطهما مع الفاتحة لأمنة من نسيانها وتكرار ذلك في الصلاة والوتر قال يزيد بن هارون – رحمه الله : المعوذتان بمنزلة البقرة وآل عمران ، من زعم أنهما ليستا من القرآن الكريم فهو كافر بالله العظيم .
وهناك نقول أخرى في عدم حفظه { رضي الله عنه } لبعض سورة الأعراف وغير ذلك فما أشرنا إليه فيه الكفاية وقد رجع لإجماع الصحابة { رضي الله عنهم } ترجمان القرآن القارئ له غضاً طرياً من ساقاه أثقل في الميزان من جبل أحد صاحب الفضائل وقبل ذلك الصحبة ، اللهم أحشرنا في زمرته آمين .(1/30)
وأما موضوع النسخ فكتابتي له هنا ليس ذا فائدة كبيرة فأرجع إلى تفسير القرطبي في { ما نسخ من آية } و { إذا بدلنا آية } و { إنا كنا نستنسخ } وكذلك الأحكام لابن العربي ، ورائع البيان للصابوني في تفسير آيات الأحكام وكذلك كتب الأصول في بند الناسخ والمنسوخ وهناك إشارات لطيفة في هذه الموضوع في المجلد الثاني كتاب مفتاح دار السعادة لأبن القيم .
الآيات التي تزعم أنها متعارضة راجع كتب التفسير والعقيدة وهناك بحث مفيد في مسألة التحسين والتقبيح في المجلد الثاني مفتاح دار السعادة ، فإنه مفيد للغاية ، وإذا أردت نقل التفاسير على ما أورده من آيات يزعم أنها متعارضة فسيكون الرد في سفر ضخم .
فصل في بيان قدم هذه المقالة :
قال القرطبي : قال الإمام أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن محمد الأنباري : ولم يزل أهل الفضل والعقل يعرفون من شرف القرآن وعلو منزلته ما يوجبه الحق والإنصاف والديانة وينفون عنه قول المبطلين وتمويه الملحدين وتحريف الزائغين ، حتى نبغ في زماننا هذا زائغ زاغ عن الملة وهجم على الأمة بما يحاول ، به إبطال الشريعة و التي لا يزال الله يؤديها ويثبت أسها وينمى فرعها ، ويحرسها من معايب أولى الجنف والجور ومكايد أهل العداوة والكفر ، فزعم أن المصحف الذي جمعه عثمان { رضي الله عنه } باتفاق أصحاب رسول الله { صلى الله عليه وسلم } على تصويبه فيما فعل ما يشتمل على جمع القرآن ، إلى أن قال ومن كلامه ، وادعى أن عثمان والصحابة زادوا في القرآن .. الخ . أهـ
أخي : يتبين أن ما زعمه ونقله ليس بدعاً من الأمر بل هو أمر قديم نقله بعقله السقيم فأورده الله العذاب الأليم ، وأيضاً هناك كثير من المستشرقين أتوا بنفس هذه الشبهات منهم : ( أثر جفري وفريقه وبهل Buhl وهرشفيلد ونولذكى وتلميذه شولي الألمانيان وبرجثراثر وبرتزل ) .(1/31)
... وهؤلاء القوم نقلوا أعاجيب ووضعوا أصول ومبادئ منحرفة يمشون عليها ترتب عليها نتائج قبيحة مثل قبح صدورهم وقلوبهم ، وفي آخر المقال أنقل كلاماً نفسياً ، عن رجل محبب إلى قلبي هو الشيخ : محمد بن احمد إسماعيل المقدم المصري الإسكندري السلفي العابد الزاهد العالم النحرير الذي لا يخاف في الله لومه لائم أحسبه على ذلك والله حسيبه قال في كتابه : بل النقاب واجب ، ( فإن قيل بل يسعنا ما وسع السلف الصالح { رضي الله عنهم } فإنهم لم يناظروا أهل البدع وإنما هجروهم وقاطعوهم وقد بين منهجم بعض الآثار منها ما رواه البغوي عن سفيان الثوري أنه قال من سمع بدعة فلا يحكيها لجلسائه لا يلقيها في قلوبهم .
... ومنها ما رواه ابن بطة بن أيوب قال : لست ترد عليهم بشيء أشد من السكوت ، ومنها قول الخواص : إذا جاءكم مجادل بغير حق فتصدقوا عليه بالسكوت فإنه يخمد هيجان نفسه .
... ومنها ما روى عن عبد الله بن السري قال ليس عندنا أن يرد على أهل الأهواء ولكن السنة عندنا أن لا نكلم أحداً منهم .
... وروى عن حنبل بن اسحق أنه قال : كتب رجل إلى أبي عبد الله رحمه الله كتاباً يستأذن فيه أن يضع كتاباً يشرح فيه الرد على أهل البدع وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم فيحتج عليهم ، فكتب إليه أبو عبد الله كتاباً فيه : الذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم أنهم كانوا يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ ، وإنما الأمر في التسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله { صلى الله عليه وسلم } لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم فإنهم يلبسون عليك وهم لا يرجعون ، والسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم ) .
الجواب : نعم يسعنا ما وسعهم ولكننا ابتلينا بما عافاهم الله منه رحمهم الله فقد غاب السلطان الشرعي الذي كان يضرب على أيدي المبتدعة ويحجر عليهم .(1/32)
... وقعد كثير من أهل العلم عن التصدي للمبتدعة الذين أذاعوا بدعتهم على نطاق واسع وقد تحقق حصول الضرر من نشاط هذا الصائل على العوام والخواص ومع ذلك فلنا أسوة حسنة في أهل العلم في كل زمان ممن تصدوا لأهل البدع بالرد والتفنيد .
... قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه : وقد تلكم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول – لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحاً - لكان رأياً متيناً ومذهباً صحيحاً ، إذ الأعراض عن القول المقترح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله وأجدر ألا يكون ذلك تنبيهاً للجهال عليه ، غير أنا لما تخوفنا شرور العواقب واغترار الجهلة بمحدثات الأمور وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء ، رأينا الكشف عن فساد قوله ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد أجدى على الأنام وأحمد للعاقبة إن شاء الله . أهـ .
... وكان الإمام أحمد رحمه الله يكره التصدي بمجادلة المبتدعة ، وقد حكى عنه الغزالي في كتابه الذي سماه : ( المنقذ من الضلال ) أن أنكر على الحارث المحاسبي تصنيفه في الرد على المعتزلة ، فقال الحارث : الرد على البدعة فرض ، وقال أحمد ولكن حكيت شبهتهم أولاً ثم أجبت عنها ، فلا يؤمن أن يطالع الشبهة من تعلق بفهمه ولا يلتف إلى الجواب أو ينظر في الجواب ولا يفهم كنهه .
... قال الغزالي رحمه الله : وما ذكره أحمد حق ، ولكن في شبهة لم تنتشر ولم تشتهر أما إذا انتشرت فالجواب عنها واجب ، ولا يمكن الجواب إلا بعد الحكاية أهـ . صـ 10 – 11 – 12 .
قلت : حفظك الله يا شيخنا الجليل ولو علم خبر الإنترنت لاشتد القول على من ترك الرد لشدة انتشار هذه الشبهة ولاسيما بين أوساط الله أعلم بمدى معرفتها بدينها إذا كانت تعرف عنه شيئاً .(1/33)
... هذا ما تيسر كتابته ، وفي كلام السلف وكتب التفسير والأصول ما هو أفيد من ذلك ولكن حاولت تقريبه وتيسيره بقدر ما أسعفني الوقت والذهن ، فإن كان صواباً فهو من الولي الحميد الله العزيز المجيد ، وإن كان غير ذلك فمن الشيطان والله منه برئ ، والصلاة والسلام على خير رسله محمد { صلى الله عليه وسلم } والحمد لله رب العالمين الذي تتم بنعمته الصالحات .
حرر 3 / 4 / 1422هـ
تمت
سبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالين(1/34)