المولد النبوي بين المشروعية والبدعية
فهد عبد الله
بسم الله الرحمن الرحيم
المولد النبوي بين المشروعية والبدعية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
فمع كل إقبال شهر ربيع الثاني يثار الجدل والنقاش حول مشروعية الاحتفال بمولد النبي( من عدم مشروعيته وتكثر الرسائل والكتب من الطرفين المجيزين والمانعين وتتنوع بين الصغيرة والكبيرة والمطولة والمختصرة، ومع هذا فقد أحببت أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع وأن أوضح بعض القضايا التي أرى من الضروري فهمها واستيعابها وتجليتها وبيانا للحق وكشفا لغيره مما قد يلبس لبوس الحقيقة وهو عنها بمعزل.
وقد قسمت البحث إلى :
المقدمة: فقبل أن أدخل في صلب الموضوع مهدت له بجملة تمهيدات هي في الحقيقة مقدمات ضرورية ومفيدة يظهر من خلالها حكم المولد وترسم الطريق لكيفية التعامل مع هذه المسألة وغيرها مما يقاربها أو يشابهها .
الفرع الأول: أدلة المانعين.
الفرع الثاني: أدلة المجيزين.
الفرع الثالث: القول الراجح.
* الخاتمة.
المقدمة
وهنا أذكر بعض القضايا التي تصور بعض جوانب هذه المسألة وتساعد على فهمها وإعطائها الحكم الصائب.
1- تاريخ المولد النبوي:
يرجع البعض الاحتفال بالمولد النبوي إلى الدول الباطنية والتي يسميها أتباعها بالفاطمية والتي حكمت مصر ردحا من الزمن وكانت هذه الدولة تعتنق الدين الإسماعيلي وينتسب قادتها إلى شخص يسمى عبيد الله بن ميمون القداح يذكر عنه بعض المؤرخين بأنه مجوسي دس نفسه في المسلمين مريدا زعزعة دينهم وخلخلته من الداخل بإحداث بعض البدع والخرافات والعقائد المناقضة للإسلام.(1/1)
ويذكرون أن الدولة الباطنية أحدثت المولد النبوي ضمن موالد واحتفالات وأعياد أخرى كثرت مع الزمن ونكتفي بذكر الموالد التي نقل احتفالهم بها وهي: مولد النبي(، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن والحسين ، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر 1
في حين يرجع آخرون وهم المؤيدون للمولد بأن أول من عمله لم يكن باطنيا أو إسماعيليا بل كان ملكا عادلا ويعرف بالمظفر أبي سعيد ملك إربل وحكي عنه أنه في بعض الموالد كان يمد في السماط خمسة آلاف راس مشوى، وعشرة آلاف دجاجة ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى وأنه كان يحضر عنده في هذه الموالد أعيان العلماء(!) والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم(!!!)2، ولكن مما أيد به أصحاب القول الأول قولهم أن تاريخ فعل هذا الملك متأخر عن فعل الباطنية مما يعني أنهم أول من أحدثه، وأن هذا الملك فلدهم جهلا.
وعلى كل فالجميع متفقون على أنه جاء متأخرا بحيث مرت القرون الثلاثة الأولى وهي القرون المفضلة دون ذكر للاحتفال بالمولد أو إقامته، وهذا هو المطلوب أي الإقرار بأن المولد حدث متأخرا، لأننا سنبني على هذا شيئا آخر، ولا يهمنا في هذا المقام كون أول من احتفل بالمولد سنيا أو شيعيا، إنسيا أو جنيا أو غيره.
وهذا ما صرح به العلماء حيث ذكروا أن الاحتفال بالمولد لم يكن في السلف قال الحافظ السخاوي في فتاويه :"عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة وإنما حدث بعد".أهـ3(1/2)
وإن مما يجدر ذكره والتنبيه عليه أن فترة ظهور المولد كانت فترة التقليد وانقضاء المجتهدين، ومن المعلوم أن استحباب فعل ما أو إيجابه اجتهاد بلا شك؛ لأن التقليد هو التزام قول الغير دون زيادة أو نقصان بخلاف الاجتهاد الذي يعني بذل الوسع في استنباط حكم شرعي وهذا بعينه هو ما قالوه بشأن استحباب المولد فكيف يتواءم هذا مع ما نظروا له من تحريم الاجتهاد وإغلاق بابه وشن الغارة على بعض الأكابر ممن هو أهل للاجتهاد بتضليله لكونه نزع ربقة التقليد، إنه حقا لأمر غريب، أقول هذا وإن كانت قناعتي بأن إقفال باب الاجتهاد لم يكن واقعيا إلى حد كبير فدعوى إغلاق باب الاجتهاد وانقراض عصر المجتهدين وإن منعت علماء أكابر من الاجتهاد في مسائل مهمة وكانت سيفا مصلتا على كثيرين إلا أنها في الواقع لم تمارس عمليا بشكل كبير فقد كان الكثير من الفقهاء يجتهدون بل ومن وصموا بأنهم مقلدين، ولسنا في مقام بسط هذا إنما أحببت أن أشير إلى هذه النكتة إذ إن بعضهم مع تحريمه الاجتهاد على جلة من العلماء الكبار إذا به يجتهد هو نفسه، وللأسف أنه حين يجتهد يكون اجتهاده غالبا مجانبا للصواب فيما يتعلق بما يشابه قضايا المولد والذكر ونحوها مما له علاقة بالتصوف والذي دخلت فيه الكثير من الدخائل.
2- السنة والبدعة:
كثر الكلام عن البدعة وتعددت تعاريف العلماء لها فمنها المتشابه ومنها المتغاير ومنها المتداخل، وقد حاول كل صاحب تعريف أن يدلل لتعريفه وينقض تعريف الآخرين، والسبب الأكبر في هذا الاختلاف هو أن كل صاحب تعريف يصوغ تعريفه بما يتلائم وأقواله الفقهية وتوجهاته الاستنباطية والمذهبية فهو يصوغ التعريف بعين وينظر بالعين الأخرى إلى الفروع، محاولا ألا يعود تعريفه بإبطال بعض أقواله وفتاويه أو فتاوى مدرسته الفقهية التي ينتمي غليها.(1/3)
ومع هذا تجد أحيانا هذه التعاريف مطاطة عامة لا تستطيع أن تمسكها، فإذا ما جئتها من طرف فرت عليك من طرف آخر، وكمثال على هذا يعرف بعضهم البدعة بأنها "إحداث ما لم يكن في عهد الرسول("4 فترى أن هذا التعريف واسع يشمل كل ما لم يكن في عهد النبي( سواء كان في إطار التعبدات أو العادات، وهكذا تجد الكثير من التعاريف، يرد عليها هذا الإشكال ولهذا تفادا أصحاب التعريف السابق ما قدر يرد على تعريفهم من إشكالات بأن قسموا البدعة إلى: بدعة حسنة وأخرى سيئة، وقسمها آخرون كالعز بن عبد السلام وتبعه كثيرون إلى الأحكام الخمسة: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة، ولكن يرد هذا التقسيم حديث: "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"5 ومن المعلوم أصوليا أن (كل) من ألفاظ العموم وأضيفت إلى نكرة فتعم كل بدعة، ولهذا فتقسيم البدعة على هذا الشكل يتناقض تماما والنص النبوي.
والصواب أن البدعة لها إطلاقان الأول لغوي والثاني شرعي ، فأما الإطلاق اللغوي فتعني البدعة إحداث ما ليس له مثال سابق وفي هذا الإطار يدخل تعريف العز ونحو قول عمر رضي الله عنه بشأن التراويح: نعمت البدعة هذه، مراده البدعة بالمعنى اللغوي للبدعة لا المعنى الاصطلاحي.
فالبدعة بالمعنى اللغوي تشمل ما كان دنيويا كاختراع الكهرباء والسيارات والطائرات، إذ كلها أحدثت على غير مثال سابق.
كما يدخل ضمنها المصالح المرسلة كجمع القرآن وتدوين العلوم وبناء المدارس والأربطة ونحوها.
أما المعنى الاصطلاحي للبدعة فالذي نرتضيه إلى حد كبير هو تعريف الإمام الشاطبي في كتابه القيم الاعتصام والذي عرف البدعة بأنها "طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الطريقة الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية"6 فيخرج بهذا التعريف ما كان دنيويا وما كان مصلحة مرسلة.(1/4)
بقيت نقطة أود توضيحها لها تعلق بموضوع البدعة ويحتج بها البعض في تجويز واستحباب بدعة ما وهو قولهم: إن له أصلا في السنة كما فعل بعضهم في مسألة المولد بأن قال إنه خرجه على أصل ثابت في الصحيحين من أن النبي( قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى"7.
ويكفي في الرد على هذا أن نذكر قصة عبدالله بن مسعود (لما جاء إلى أولئك القوم المتحلقين في المسجد، ومعهم حصى، يعدون بها التكبير والتهليل والتسبيح، فقال لهم (:"فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامنٌ أن لا يضيع من حسناتكم شيءٌ، ويحكم يا أمة محمدٍ! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم ( متوافرونَ، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملةٍ أهدى مِن ملةٍ محمدٍ أو مفتتحو باب ضلالةٍ.
قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن؛ ما أردنا إلا الخير.
قال: وكم من مريدٍ للخيرِ لن يصيبه" 8
فرغم أن الشارع قد حث على الذكر ورغب فيه ووردت فيه الكثير من الأدلة الصحيحة والصريحة بما لم يرد شيء منه في المولد ومع هذا فقد وصفهم ابن مسعود بأنهم لم يصيبوا الخير، وهذا دليل واضح في المسألة.
ارتكبت الكثير من البدع ونَفَذَت العديد من الخرافات، تحت عنوان له أصل في السنة مع أن ما زعموه أصلا لا يتفق مع ما يفعلوه، كم أنه لو لم يكن إلا تعارض حديث(كل بدعة ضلالة) والذي يدل على التحريم والأصل الذي يذكرونه لكان الأخذ بالتحريم هو الصواب وهو ما ذكره العلماء في التعارض من علم الأصول، هذا إذا تنزلنا وقلنا بوجود تعارض وإلا فالأمر ليس كذلك بتاتا.(1/5)
إن البدعة تعني الاستدراك على الشارع بتشريع ما لم يشرعه والله يقول :(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً( ]المائدة:3[ فدين الله كامل لا يحتاج إلى زيادة، ويكفينا أثر ابن مسعود (حيث قال:"اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كفيتم، وكل بدعة ضلالة"9.
3- تصوير زائف:
يحاول البعض تصوير الخلاف بين من يحرمون الاحتفال بالمولد والمجيزين له بأنه خلاف بين من يحب النبي( ومن لا يحبه بل تأخذ بعضهم فورة الغضب فيقول : إن بين القوم -أي المحرمين لهذه البدعة- والنبي( شيء وأن غرضهم إنما هو نزع محبة النبي( من القلوب!!! ولست أدري هل كان بين خير القرون ورسول الله(شيء، وهل أراد سلف الأمة بعدم احتفاله نزع محبة النبي( من القلوب.
أقول يؤخذ على هذا التصوير وتبعاته الكلامية مآخذ:
أ - ليس من أدب الخلاف أن نرمي الآخر بمثل هذا الكلام الذي لا يمت على الموضوع بصلة.
ب - يقول سبحانه (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور( 10 فالله وحده هو من يعلم ما تخفيه الصدور وما تنطوي عليه القلوب، فقوله بأن غرضهم... علم بالغيب ورد لهذه الآية، هذا وقد ثبت في مسلم أن زيد بن ثابت قتل رجلا في حرب بعد نطقه الشهادتين فعنفه رسول الله فقال زيد إنما قالها خوفا من السلاح، فقال رسول الله(: أفلا شققت عن صدره"11 ونقول لهذا القائل أفلا شققت عن صدور المخالفين حتى علمت أغراضهم.
ت - أن الخلاف ليس حول مسألة عقدية بل هي مسألة فرعية هذا في حالة كون بالمولد مجردا عن بدع أخرى لها أحكامها الأخرى، فتهويلها بالشكل السابق فيه مجانبة للحقيقة بل يزعم بعضهم بأن المحرمين يقولون بأن من يحتفل بالمولد مشرك!!! هكذا ولست أدري ما الذي يدفع إلى هذا القول الذي ليس له من الحقيقة أدنى نصيب.(1/6)
ث - في قولهم بأن بين المحرمين والنبي( شيء...الخ ولا أدري ما هذا الشيء إلا أنني استغرب هذه المقولة ممن يدعي التصوف ويدعو إلى حسن الظن بالمسلمين ومعاملتهم باللين وعدم رفع الخلافيات والفرعيات إلى القطعيات ونحو هذا الكلام الذي اكتشفت أخيرا بعده عن واقعه وانعدام أثره في تطبيقه العملي وما نحن فيه خير مثال على ذلك.
ج - إن المقولة السابقة تعني تكفير المحرمين، لأن من يكون بينه وبين النبي( شيء ويريد أن ينزع محبة النبي( من القلوب فالكفر غير بعيد عليه، في حين أنه يتهم المحرمين بأنهم هم من يكفر الناس !!!
ح - عندما يفلس القائل من كل الحجج المقنعة بحيث لا يجد ما يؤيد مقولته يضطر إلى قول مثل هذا الكلام الدعائي الذي لا تتوفر فيه المعايير الموضوعية ولا ينطلق وفق المناهج العلمية في التدليل وتنعدم عنده كل أشكال الاستدلال.
خ - يريد المجيزون أن يتفهم الآخرون موقفهم وهم لم يتفهموا موقف غيرهم، فالمحرمون قالوا بتحريم الاحتفال بالمولد بناء على أدلة صحت عندهم والتي سنذكرها لاحقا فاتهامهم بتهم غير لائقة لا يمت إلى التدين ولا إلى أدب الخلاف بصلة.
الفرع الأول
أدلة المحرمين لإقامة المولد النبوي
استدل المحرمون بجملة أدلة أذكرها فيما يلي:
1- أن هذا الفعل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر به ولا فعله صحابته ولا أحد من التابعين ولا تابعيهم ولا فعله أحد من أهل الإسلام خلال القرون المفضلة الأولى وإنما ظهر- كما تقدم- على أيدي أناس هم أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان وهم الباطنيون.
إذا تقرر هذا فالذي يفعل هذا الأمر داخل ضمن الوعيد الذي توعد الله عز وجل صاحبه وفاعله بقوله ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) والذي يفعل ما يسمى بالمولد لاشك انه متبع لغير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم .(1/7)
2- أن الذي يمارس هذا الفعل واقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وجاء في رواية أخرى ( وكل ضلالة في النار ).
فقوله (كل بدعة ضلالة ) عموم لا مخصص له يدخل فيه كل أمر مخترع محدث لا أصل له في دين الله والعلماء مجمعون على انه أمر محدث فصار الأمر إلى ما قلنا أنه بدعة ضلالة تودي بصاحبها إلى النار أعاذنا الله وإياك منها.
3- أن فاعل هذه البدعة غير مأجور على فعله بل مردود على صاحبه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) ولا يكفي حسن النية بل لابد من متابعة النبي صلى الله عليه وسلم.
4- قال الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا(12
والقول بأن المولد عبادة يتعبد لله تعالى بها فيه تكذيب بهذه الآية .
كما أن فيه استدراك على الله وعلى رسوله بأنهم لم يدلونا على هذه العبادة العظيمة التي تقرب إلى الله والرسول .
5- أن فاعل المولد معاند للشرع ومشاق له لأن الشارع قد عين لمطالب العبد طرقا خاصة على وجوه وكيفيات خاصة وقصر الخلق عليها بالأوامر والنواهي وأخبر أن الخير فيها والشر في مجاوزتها وتركها لأن الله اعلم بما يصلح عباده، وما أرسل الرسل ولا أنزل الكتب إلا ليعبدوه وفق ما يريد سبحانه والذي يبتدع هذه البدعة راد لهذا كله زاعم أن هناك طرقا أخرى للعبادة وان ما حصره الشارع أو قصره على أمور معينة ليس بلازم له فكأنه يقول بلسان حاله إن الشارع يعلم وهو أيضا يعلم بل ربما يفهم أن يعلم أمرا لم يعلمه الشارع.(1/8)
6- أن في إقامة هذه البدعة تحريف لأصل من أصول الشريعة وهي محبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه ظاهرا وباطنا واختزالها في هذا المفهوم البدعي الضيق الذي لا يتفق مع مقاصد الشرع المطهر إلى دروشة ورقص وطرب وهز للرؤوس لأن الذي يمارسون هذه البدعة يقولون إن هذا من الدلائل الظاهرة على محبته ومن لم يفعلها فهو مبغض للنبي صلى الله عليه وسلم
وهذا لاشك تحريف لمعنى محبة الله ومحبة رسول لان محبة الله والرسول تكون باتباع سنته ظاهرا وباطنا كما قال جل وعلا (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله(13
فالذي يجعل المحبة باقامة هذه الموالد محرف لشريعة الله التي تقول ان المحبة الصحيحة تكون باتباعه صلى الله عليه وسلم ، بل محو لحقيقة المحبة التي تقرب من الله وجعلها في مثل هذه الطقوس التي تشابه ما عند النصارى في أعيادهم وبهذا يعلم أنه ( ما أحييت بدعة إلا وأميتت سنة ).
7- أن هذا المولد فيه مشابهة واضحة لدين النصارى الذين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح وقد نهينا عن التشبه بهم كما قال صلى الله عليه وسلم "ومن تشبه بقوم فهو منهم"1415
8- أن الفرح بهذا اليوم والنفقه فيه وإظهار الفرح والسرور فيه قدح في محبة العبد لنبيه الكريم إذ هذا اليوم باتفاق هو اليوم الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يفرح فيه.
وأما يوم مولده فمختلف فيه ،فكيف تكون عبادة عظيمة تقرب إلى الله واليوم الذي يحتفل فيه غير مجزوم به .
ويقول ابن الحاج 16:" ثم العجب العحيب كيف يعملون المولد للمغاني والفرح والسرور لأجل مولده عليه الصلاة والسلام كما تقدم في هذا الشهر الكريم وهو عليه الصلاة والسلام فيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل وفجعت الأمة فيه وأصيبت بمصاب عظيم لايعدل ذلك غيرها من المصائب أبداً فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به ......". أهـ(1/9)
9- اشتمال هذه الموالد على كثير من كبائر وعظائم الأمور والتي يرتع فيها أصحاب الشهوات ويجدون فيها بغيتهم مثل: الطرب والغناء واختلاط الرجال بالنساء، ويصل الأمر في بعض البلدان التي يكثر فيها الجهل أن يشرب فيها الخمر وكذلك إظهار ألوان من الشعوذة والسحر ومن يحضر هذه الأماكن بغير نية القربة فهو آثم مأزور غير مأجور فكيف إذا انضم إليه فعل هذه المنكرات على أنها قربة إلى الله عز وجل فأي تحريف لشعائر الدين أعظم من هذا التحريف17.
الفرع الثاني
أدلة المجيزين ومناقشتها
استدل الميزون بجملة أدلة نذكرها فيما يلي مع مناقشة وجه الاستدلال:
1) قال تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا( [يونس 58].
فالله عَزَّ وجَّل طلب منا أن نفرح بالرحمة، والنبيُّّ صلى الله عليه وسلم رحمة، وقد قال تعالى: (وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين( [الأنبياء 107].
الجواب:
بعد الرجوع إلى كتب التفسير المشهورة كتفسير ابن جرير ومختصره لابن كثير وتفاسير القرطبي والبغوي والبيضاوي والنسفي وابن الجوزي لم أعثر على شيء من هذا القبيل ويكفي في توضيح معنى الآية أن أذكر كلام شيخ المفسرين إذ لو نقلت عن الجميع لطال المقام.
قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بك ، وبما أنزل إليك من عند ربك : بفضل الله أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو الإسلام ، فبينه لكم ودعاكم إليه ، وبرحمته التي رحمكم بها فأنزلها إليكم ، فعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه ، فبصركم بها معالم دينكم ؛ وذلك القرآن .
(فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون(يقول : فإن الإسلام الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم ، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل"18 .(1/10)
يظهر من هذا أن الآية تتحدث عن شيء آخر ولا يدخل فيها نصا أو دلالة ما ذكروه أن النبي( هو المراد بالرحمة هنا، كما أن في هذا إغفال تام لسياق الآية.
ثم حتى وإن سلمنا بأن المراد بالرحمة هو النبي( فما دخل المولد بالفرح به، إن المولد يعني الاحتفال في يوم معين من السنة أو بصورة مستمرة بأسلوب مخصوص، والآية تأمر بالفرحة دون توقيت، كما أنها فرحة كذلك بما أنزل على النبي( من تشريع والذي هو كذلك رحمة للناس ولا علاقة للمولد بهذا كله.
2) قال الله تعالى: (وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل مانثبت به فؤادك( [هود120] والمولد النبوي الشريف يشتمل على أنباء النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذكره تثبيت لأفئدة المؤمنين.
الجواب:
أولا لا علاقة لهذه الآية بالمولد كما هو ظاهر.
ثانيا: تثبيت الفؤاد يكون بما ثبت في القرآن والسنة حاشا الخزعبلات من القصص التي تهز الإيمان بدلا من تثبيته.
ثالثا: من المعلوم أن السيرة النبوية وذكر قصص الأنبياء كما هو وارد في القرآن وصحيح السنة مما هو مطلوب طوال العام وبدون طقوس ومظاهر خاصة.
3) قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليهما السلام: (ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين( [المائدة 114].
وقوله تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: (والسلام عليَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا( [مريم:33].
هذه الآية والتي قبلها وغيرهما من الآيات ، حافلة بالإشارات إلى ميلاد المسيح عليه السلام، ومدحه ومزاياه التي مَنَّ الله بها عليه، وهي بمجموعها شاهدة وداعية إلى الاحتفال بهذا الحدث العظيم.
وما كان ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم بأقل شأناً من ميلاد عيسى عليه السلام، بل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم منه، لأنه صلى الله عليه وسلم أكبر نعمة، فيكون ميلاده أيضاً أكبر وأعظم.
الجواب:
يجاب عن هذا الاستدلال من وجوه:(1/11)
أ - إننا أمة الإسلام ليس لنا سوى عيدين لا غير.
ب - الآية الأولى لا تذكر الاحتفال ولا تدل عليه لا دلالالة ولا اقتضاءا، وإنما تتحدث عن المائدة التي أنزلها الله من السماء لبني إسرائيل من أتباع عيسى.
ت - فيه مشابهة للنصارى ومن المعلوم أن من مقاصد الشرع مخالفتهم في شعائرهم.
4) قال تعالى: (لتؤمنوا بالله ورسوله، وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا( [الفتح9].
الجواب:
ليس من توقيره أن نبتدع في دينه غير ما شرعه وجاء به، بل التوقير الحق هو اتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه وقد نهانا عن الابتداع، فوجب اتباعه إيمانا وتوقيرا.
5) قال الله تعالى: (لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين( [آل عمران:164].
6) قوله سبحانه وتعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما(. والاحتفال بالمولد تطبيع النفس على كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم رجاء أن ينطبع حبه وحب آله في القلوب .
7) قوله سبحانه وتعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير(.
الجواب:
كل الآيات السابقة لا تدل على مشروعية المولد، كما أن المراجع لكتب التفسير يجد لهذه الآيات سياقات ودلالات أخرى لا تتفق وما أرادوا التدليل عليه، وإنني لأستغرب كيف حشرت هذه الآيات في غير موضعها للتدليل على ما لا تدل عليه، وتذكرني هذه الاستدلالات بمناظرة جرت لابن حزم مع بعضهم فاستدل مناظره بآية لا تدل على المراد فما كان من ابن حزم إلا أن قال: إذا كان هذا دليلك فدليلي (قل أعوذ برب الناس(
8) عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذاك يوم ولدتُ فيه، وفيه أنزل علي" 19(1/12)
وهذا في معنى الاحتفال به إلا أن الصورة مختلفة ولكن المعنى موجود سواء كان ذلك بصيام أو إطعام طعام أو اجتماع على ذكر أو صلاة على النبي ( أو سماع شمائله الشريفة
الجواب:
أ - أن المولد ليس فيه صيام بل إن القائلين به يكرهون صيامه ويجعلونه عيدا وينزلون عليه أحكام العيد ويقولون: " يكره صوم يوم المولد النبوي الشريف لإلحاقه بالأعياد"20 وقال آخر: " ويكره أيضا صوم يوم المولد النبوي لأنه شبيه بالأعياد"21
ب - أن النبي( صام يوم الإثنين، والمولد قد يكون السبت أو الأحد أو غيرهما فهل يستحب صومه، هم لا يقولون بهذا ولا غيرهم، وإذا ما قاله بعضهم فهو مخالف لما استدلوا به لأن الدليل في الإثنين المتكرر كل أسبوع لا في غيره.
ت - كما أن صومه( للإثنين لم يكن لشهر ربيع الثاني أو غيره اختصاص فكيف قصره المجيزون على هذا الشهر.
9) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا: هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه تعظيماً له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نحن أولى بموسى منكم" وأمر بصومه22.
الجواب:
أن الرسول ( قد صام يوم عاشوراء وحث على صيامه فكان صيامه سنة وهذا لم يحدث بشأن يوم ولادته الذي هو الثاني عشر من ربيع الأول كما يذهب بعضهم إلى هذا، فهو لم يشرع فيه شيئاً فوجب ألا نشرع فيه شيئا لا صيام ولا قيام فضلا عن الاحتفال23.(1/13)
10) عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عَقَّ عن نفسه بعد النبوة، مع أنه قد ورد أن جده عبدالمطلب عَقَّ عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه، لذلك فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات.
الجواب:
تكلم الإمام النووي عن هذا الحديث في المجموع فقال: "أما الحديث الذي ذكره ـ أي الشيرازي ـ في عق النبي ( عن نفسه فرواه البيهقي بإسناده عن عبدالله بن محرر بالحاء المهملة والراء المكررة عن قتادة عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عنه نفسه بعد النبوة" وهذا حديث باطل ، قال البيهقي هو حديث منكر"24 كما ضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح25 والتلخيص26.
" هل ثبت أن العقيقة كانت مشروعة لأهل الجاهلية وهم يعملون بها حتى نقول إن عبدالمطلب قد عق عن ابن ولده ؟
ثم هل أعمال أهل الجاهلية يعتد بها في الإسلام؟ حتى نقول إذا عق النبي ( عن نفسه شكراً لا قياماً بسنة العقيقة، إذا قد عق عنه ؟
سبحان الله ما أعجب هذا الاستدلال وما أغربه ، وهل إذا ثبت أن النبي ( ذبح شاة
شكراً لله تعالى على نعمة إيجاده وإمداده يلزم من ذلك اتخاذ يوم ولادته (عيداً للناس ؟
و لم لم يدعُ إلى ذلك رسول الله ( ويبين للناس ماذا يجب عليهم فيه من أقوال وأعمال ؟ كما بين ذلك في عيدي الفطر والأضحى .
أنسي ذلك أم كتمه ، وهو المأمور بالبلاغ ؟
سبحانك اللهم إن رسولك ( ما نسي ولا كتم ولكن الإنسان كان أكثر شيء جدلاً"27.(1/14)
10) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لهم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثاً مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عزَّ وجل يباهي بكم الملائكة"28.
11) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. فقال: أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً( [المائدة3].
فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذين نزلت فيه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بعرفة يوم الجمعة29.
الجواب:
في هذا اتباع لليهودي الذي ذكر طبعهم من كونهم يحتفلون بالوقائع والحوادث والذي يريد منا المستدل بهذا الدليل أن نتبعهم فيه، ولم يلق بالا إلى أن عمر رضي الله عنه رغم معرفته بزمان ومكان نزول الآية إلا أنه لم يكترث لقول اليهودي ولم يدفعه هذا لأن يحتفل بذلك اليوم ولا غيره، فيا ترى أمرنا باتباع بهدي الخلفاء الراشدين أم بمقولات اليهود، أم أن اليهودي كان أفقه من عمر وصحب رسول الله(!!!
12) إن الاحتفال بالمولد يشتمل على كثير من أعمال البر كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والذكر والصدقة، ومدح وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذكر شمائله الشريفة وأخباره المنيفة، وكلُّ هذا مطلوب شرعاً ومندوب إليه.(1/15)
وما كان يبعث ويساعد على المطلوب شرعاً فهو مطلوب، لذا قال تعالى مخبراً أنه هو وملائكته يصلون على النبي: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب 56].
الجواب:
قد يحتوي المولد على ما هو مرغب فيه كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسماع بعض الفوائد العلمية وقراءة سيرته صلى الله عليه وسلم، وهذه كلها مرغب فيها بلا شك، ولهذا ليس الإشكال هنا بل في نقطة أخرى وهي تخصيص أسلوب ووقت وهيئة مخصوصة بحيث يصبح الذكر والصلاة على النبي مع غيرها بمثابة عمل واحد له صفته المخصوصة التي يتقرب بها على جهة التعبد، وهذا هو ما أخرج المولد من المشروعية إلى البدعية.
الفرع الثالث
سبب الخلاف والترجيح
أولا: سبب الخلاف:
من خلال ذكر أدلة الفريقين يظهر أن الخلاف في مسألة المولد تنبع من سببين:
الأول: هل الاحتفال بالمولد يسلك به مسلك العبادات أو العادات.
فالعبادات الأصل فيها التوقف والاتباع، بخلاف العادات .
فالمحرمون رأوا أن المولد من باب التعبدات والتي لا يجوز الزيادة فيها وأننا متعبدون بما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم، في حين نظر المجوزون إلى أنه من باب العادات التي لا تحتاج إلى توقيف، فمثلها مثل الدروس التي تقام في المسجد هل نقول إذا كانت ثابتة في ومن معين بأنه بدعة وأنه يجب أن تكون كما كان يفعل رسول الله، فالتعليم وجد مقتضاه في عهد النبي صلى اله عليه وسلم بل هو معلم العالمين ومع هذا فلم يكن يقيم دروسا ثابتة فهل يكون من البدعة أن نفعل نحن كذلك بالطبع لا، وكذلك حال المولد.
قد يجاب عن هذا بأن النبي( كان يعلم أصحابه وأن التدريس الآن ما هو إلا ترتيب وتنظيم ولكن سيقال بأن هذا الكلام مثله مثل قولنا : له أصل، وهذا مما عبتموه علينا فكيف تقولون به الآن، كما أننا نفعل ذلك إذ المولد ليس إلا ترتيب وتنظيم.
الثاني:(1/16)
إن الموالد الآن لا تقتصر على ما هو مندوب ومرغب فيه بل اشتملت على جملة من البدع، منها ما هو أصلي ومنها ما هو إضافي، زد على ذلك ما قد يصاحبه من المعاصي .
وقبل أن يعترض أحدهم فيقول بعدم وجود معاصي وآثام مما ذكره الكثير من العلماء أسارع بالقول إن طقوس الاحتفال بالمولد لا تمضي عل شكل ونسق واحد في كافة المناطق والطرق التي تعمله بل يختلف ويتفاوت بحسب لأسباب كالجهل والبعد كما في بلاد العجم وبعيدا عن نقل كلام الفقهاء كالشيخ ابن تيمية وابن الحاج وغيرهما ممن ذكروا وقوع الكثير من المعاصي وهم مصدقون إلا أن المشاهدات الواقعية الحية ووسائل الاتصال الحديثة لا تدع مجالا لمكذب، إذ يصبح المولد عند بعضهم وخاصة بلاد العجم مرتعا للفسق وانتهاك الحرمات والإغراق في البدع الإلحادية في أحيان كثيرة، كما يصبح مباءة للفسقة والسحرة والذين يضحكون على بعض العامة وهم كثر باسم الولاية وبركة المولد فينتهكون حرماتهم وشرفهم، ويسود الاختلاط بل ترى رقص النساء كاشفات عن أجزاء من أجسامهن أمام ومع الرجال إما تحت مسمى الوجد أو التعبد وإظهار الذل والانكسار وطلبا للشفاعة، وكم من مآسي ترتكب باسم المولد الذي ليس من الدين لا في ورد ولا صدر.
هذه الأعمال وغيرها يستصحبها الفقيه عندما ينزل عليها الحكم الشرعي وهذا ما حدث للمحرمين فعندما وجدوا ما يحدث في هذه الموالد من البدع والفجور، حكموا بحرمتها.
في حين يرى بعض من لا يجيز ما سبق ويستنكره أن نفصل بين حكم المولد وما يحدث فيه من بدع فنجيز المولد ونحرم البدع، وكون المولد قد احتوى على ضلالات لا يعني هذا البتة تحريمه .(1/17)
والصحيح أن المحرمين لم يكن دليهم الوحيد هو سد الذريعة أو بسبب ما يحدث في المولد من مخالفات فقط بل لأدلة وأسباب أخرى كذلك كما سبق بيانه، ومع هذا فمن نافلة القول هنا أن نذكر أن نظرة المحرمين تتفق ونظرة الإمام مالك في سد الذريعة بخلاف نظرة المجيزين في بالفصل بين جواز المولد وحرمة ما قد يقع فيه وأننا نجيز المولد وننهى عن المخالفات والتي هي نظرة الإمام الشافعي، ولكن كما قلت هذه نظرة أو قاعدة المذهبين في مسألة سد الذريعة، لكن الجميع لم يقولوا بجواز المولد بل كانوا متفقين على نبذ البدع.
كما أن المولد قد ارتبط بالبدع لدرجة يصعب الفصل بينه وبين المخالفات الواقعة فيه إذ إن البعض لا يعتبر المولد مولدا مقبولا!! إلا بما يحدث فيه من ضلالات.
الترجيح:
أولاً: أود أن أسجل هنا جملة ملاحظات على استدلالات المجيزين وهي كما يلي:
1. أنه مع كثرة الأدلة التي ساقها المجيزون للتدليل على جواز بل واستحباب الاحتفال بالمولد النبوي إلا أن كل استدلال لا يخلو من انتقاد وجيه.
2. أن كل ما استدلوا به من الأدلة القرآنية والحديثية لا تفيد ندب الاحتفال بالمولد النبوي فكلها خارج محل النزاع.
3. أن بعض الأحاديث النبوية التي استدلوا بها ضعيفة جدا مما لا يصح أن يحتج به.
4. فيه محاولة مستميتة لإثبات الاحتفال بأي وجه ولو كان عن طريق لي معاني النصوص أو الاستدلال بما لا يصح الاستدلال به أو رفع درجة بعض الأحاديث الواهية إلى درجة الضعيفة ممن ليس لهم خبرة في الحديث وعلومه، رغم أنها كذلك لا تفيد المراد وهذا مما يحزن فبدلا من النظر في الأدلة ثم إطلاق الحكم على المولد حدث العكس إذ نظر إلى المولد أولا باعتباره مشروعا بل ومندوبا بل غالى بعضهم ممن ليس له حصيلة علمية كبيرة فجعله واجبا ثم راحوا يبحثون عن أدلة لهذا الحكم.
ثانيا: تحديد ولادة النبي(:(1/18)
يقام الاحتفال بالمولد النبوي في الثاني عشر من ربيع الثاني باعتبار أنه يوم ولادته( ونحن إذا ما بحثنا عن حقيقة هذا التاريخ نجد أنه لا يوجد نص نبوي يدل على هذا التاريخ، فلم يتكلم النبي( البتة عن تاريخ ميلاده بل الذي ورد أنه ولد في يوم إثنين أما ما وراء ذلك من التحديديات فلا تصح.
ثم إذا ما فتشنا كتب السيرة النبوية محاولين معرفة تاريخ مولده سنجد أن كتاب السيرة يختلفون حوله إلى أقول هي كما يلي:
- يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول.
- ثامن ربيع الأول.
- عاشر ربيع الأول.
- ثاني عشر ربيع الأول.
- قال الزبير بن بكار : ولد في رمضان.
و ذلك عام الفيل بعده بخمسين يوما و قيل بثمانية و خمسين يوما و قيل بعده بعشر سنين و قيل : بعد الفيل بثلاثين عاما وقيل : بأربعين عاما30 ولهذا السبب لم يذكر ابن اسحق تاريخ ولادته حاشا ما رواه عن قيس بن مخرمة قال : ولدت أنا و رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفيل كنا لدين31.
يظهر لنا مما سبق :
1- لم يثبت نص في تحديد تاريخ مولده.
2- أن النبي( بعدم تنصيصه على تاريخ وفاته أراد عمدا أن لا يعرف كي لا يحدث معه كما حدث للمسيح ويدل لهذا الأمر بمخالفة النصارى في شعائرهم.
3- أنه ليس من الشرع إذ لو كان كذلك لذكر التاريخ فما من أمر فيه خير إلا ودلنا عليه(.
4- أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يسألوا النبي( مما يدل أنه لم يكن يعني لهم شيئاكبيرا.
5- أن هذا الخلاف بين علماء السيرة يدل على عدم وجود دليل صحيح صريح في هذه المسألة بحيث يتفقون على يوم محدد.
ثالثا: يمكن أن نقسم الموالد إلى قسمين:
1- مولد صاحبته البدع والخرافات.
2- مولد لم تصاحبه أية بدعة كأن يكون مقتصرا على سماع درس أو محاضرة مثلا.
فالنوع الأول لا شك في تحريمه لما يصاحبه من الضلالات والبدع.
وأما النوع الثاني إذا جعلناه من باب العبادات فهو بلا شك لا يجوز لأن إحداث عمل تعبدي زائد لا يجوز.(1/19)
وإذا جعلناه من باب العادات والتي نجد فيه فرصة لتعليم سيرة النبي( ونحوها فيمكن أن يقال بالجواز نظرا لهذا المعنى، لكن يبقى على هذا إشكالات هي:
1- أن تاريخ مولده ليس متفقا عليه.
2- أنه قد يفتح بابا لما لا يجوز شرعا كأن تدخله بعض البدع.
3- قد يعتقد الناس مندوبيته واستحبابه الشرعي في حين أن الأمر ليس كذلك، وإذا كان الإمام مالك قد ترك بعض السنن كالقبض في الصلاة خشية أن يظن العامة وجوبها فهذا أولى.
4- سيفتح هذا بابا لأن يقال إن هناك أياما مهمة في حياة النبي( كالبعثة والتي فيها اتصلت الأرض بالسماء وبشر النبي( بالنبوة وأمر بالإنذار فهي كذلك تستحق الاحتفال، والهجرة والانتصارات في حياته وأيام نجاته من المؤامرات وغيرها مما لن ينتهي.
5- أن فيه مشابهة للنصارى، وقد علم من نصوص الشرع طلب مخالفتهم،إلا ما نص الشارع على مشروعيته فنحن نتبع الشرع سواء وافق النصارى أو غيرهم أم لا، أما ما لم يرد به الشرع وفيه المشابهة فالمطلوب فيه المخالفة.
وبناء على ما سبق فالذي يظهر رجحانه هو التحريم سواء كان بدون بدع ومخالفات أو معها، وكلما زادت البدع كلما قوي التحريم، فتحريم المولد الخالي من البدع من باب تحريم الوسائل وتحريم المولد الحافل بها من باب تحريم المقاصد وبينهما فرق كبير إلا أنهما لا يخرجان عن دائرة التحريم
وبناء عليه يحرم:
1- إقامة المولد والتعاون على ذلك.
2- الإنفاق عليه وفيه، لأنه ليس من أوجه البر التي يؤجر عليها المسلم
3- كل ما من شأنه إحياؤه واستمراره ودوامه كالوقف عليه وغيره.
والله أعلم
الخاتمة(1/20)
مر المولد بمراحل فبينما بدأ احتفالا تنفق فيه الكثير من الأموال دخلت بعد ذلك جملة من الطقوس فزاد السبكي -مثلا- القيام وقت المولد عند ذكر النبي(، واعتقد البعض أنه ( يحضر المجلس ولهذا سميت الحضرة بهذا الاسم أي لحضور النبي( وقد أخذ الفقهاء المقلدة بفعل السبكي وقالوا يكفي في جواز هذا الفعل والعمل به فعل هذا الإمام، وتناسوا أن المرجع الوحيد للتشريع هو النبع الصافي القرآن والسنة.
كما أنه رغم تصريح بعضهم بأن النبي( لا يحضر وأن القيام إنما هو احترام وإجلال له( إلا أن الكثيرين يعتقدون حضوره ( ومشاركته ومباركته.
وزادات البدع مع إقامة الموالد عند القبور، كما أن المساجد بيوت الله لم تخل من مفاسد هذه الاحتفالات، ثبت في مسلم32 أن صحابيا قام في المسجد ينشد ضالة، يريد أن يعلم الناس أن من وجدها فليردها إليه وربما كان لا يمتلك غيرها، فقال رسول الله(: " من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا" فإذا كان هذا الرد من هذا حالة فكيف بمن يجعل المسجد مزبلة للقمامات وبقايا الأطعمة والوساخات، نقول له إن المساجد لم تبن لهذا.
كيف بمن يجعل من المسجد مسرحا يصفق ويرقص فيه كما يفعل المهرجون في السيرك ثم يسمي هذا شكرا لله على دين الإسلام الذي هو بريء من البدع النكراء هذه والتي تقام في أطهر وأقدس بقاع الأرض، فحري أن يقال لهؤلاء إن المساجد لم تبن هذا.
أين احترام النبي( والفرح بمولده كما يقولون وهم يخالفونه جهارا نهارا ، بألوان شتى من المخالفات.
إن الأعياد الشرعية والتي ورد الترغيب في الفرح فيها لا يجوز فيها ما يعمل في الموالد من ضلالات وخرافات وتبذير وعبادات بدعية وبعد هذا يُرجى الأجر والثواب.(1/21)
لقد ولدت لنا عصور الانحطاط تدينا مزيفا بعيدا كل البعد عن دين الإسلام، وبدلا من أن نطيع الله ونمتثل أوامره ونجتنب نواهيه في سائر حياتنا المنزلية والمالية والسياسية وغيرها أصبح الدين كله بضعة رقصات وليلة نحيب وأناشيد لا تمت إلى الذكر بصلة.
وأصبح يوم المولد هو اليوم التي تكفر فيه الخطايا والسيئات، ثم لم يكتف بيوم في السنة حتى جعلوه احتفالا دائما ليصبح يوميا تقسم فيه الأيام على القبور، وفق جدول معين.
كما أن من أراد احتفالا دينيا أقام مولدا.
وإذا أراد الرجل أو المرأة شيئا دنيويا نذر أو نذرت مولدا.
ومن أردا طرد الجن من منزله فأفضل نصيحة له أن يقيم مولدا.
ومن أراد أن يزيل الصرع (المس) عن نفسه ويخرج منها الشياطين التي ركبته فاليَدَع الأطباء جميعا وليجتنب القرآن وإن وصفه الله بأنه شفاء إذ إن شفاءه حتما سيكون في المولد، وفيه ترى الجنون بعينه.
أهذا دين الله الذي جاء به محمد( ليخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم والهداية .
أهذا دين الإسلام الذي أمرنا بتوحيده سبحانه وعبادته بما شرع هو وحده سبحانه.
أهذا هو دين الإسلام الذي فتح الشرق والغرب ودخلت فيه الملايين من الشعوب الغارقة في ظلمات الوثنية والجهل بعد أن رأت نوره الساطع.
أهذا دين الله الذي أمرنا بالأخذ بسنن الكون والتعامل معها وفقا لما أراد وشرع.
حتما إنه ليس كذلك.
فهد عبد الله
ملحق1
الأحاديث الضعيفة والموضوعة في المولد
"إن محمدًا أول المخلوقات" وما ذاك إلا لنشر حديث جابر المكذوب "أول ما خلق الله نورُ نبيك يا جابر خلقه من نوره قبل الأشياء"، فهذا الحديث لا أصل له مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مخالف للكتاب والسنة.
أما حديث: "كنت أول النبيين في الخلق وءاخرهم في البعث" فهو ضعيف( كما نقل ذلك المحدثون وفيه بقية ابن الوليد وهو مدلس، وسعيد بن بشير وهو ضعيف.(1/22)
أما حديث: "كنت نبيًّا وءادم بين الماء والطين"، و: "كنت نبيًّا ولا ءادم ولا ماء ولا طين" فلا أصل لهم). ولا حاجة لتأويلهم فإنه لا حاجة لتأويل الآية أو الحديث الصحيح لخبر موضوع لا أصل له.
* ومن الكذب الذي انتشر في بعض كتب المولد قولهم: لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك فقد حكم عليه المحدثون بالوضع.
* وكذلك ما روي أن جبريل عليه السلام كان يتلقى الوحي من وراء حجاب، وكُشف له الحجاب مرة فوجد النبي صلى الله عليه وسلم يوحي إليه فقال جبريل: "منك وإليك"، فهذا من الكذب الشنيع المخالف لقوله تعالى ?وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان? [سورة الشورى].
* وكذلك من الكذب ما روي في بعض كتب المولد عن أبي هريرة قال: سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا جبريل كم عمرتَ من السنين؟، فقال: يا رسول الله لا أعلم، غير أن في الحجاب الرابع نجمًا يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة،رأيته اثنين وسبعين ألف مرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعزة ربي أنا ذلك الكوكب.
ملحق2
المورد في حكم المولد
للشيخ الإمام أبي حفص تاج الدين الفاكهاني رحمه الله ت 734 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لاتباع سيد المرسلين، وأيدنا بالهداية إلى دعائم الدين، ويسر لنا اقتفاء آثار السلف الصالحين، حتى امتلأت قلوبنا بأنوار علم الشرع وقواطع الحق المبين، وطهر سرائرنا من حدث الحوادث والابتداع في الدين.
أحمده على ما منَّ به من أنوار اليقين، وأشكره على ما أسداه من التمسك بالحبل المتين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، صلاة دائمة إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد تكرر سؤال جماعة من المُباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول، ويسمونه: المولد:(1/23)
هل له أصل في الشرع ؟ أو هو بدعة وحدث في الدين ؟
وقصدوا الجواب عن ذلك مٌبيَّناً، والإيضاح عنه معيناً.
فقلت وبالله التوفيق: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكالون، بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا:
إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً.
وهو ليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً؛ لأن حقيقة المندوب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون ولا العلماء المتدينون
- فيما علمت- وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت.
ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين.
فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو حراماً، وحينئذٍ يكون الكلام فيه في فصلين، والتفرقة بين حالين:
أحدهما: أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئاً من الآثام: فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام، سُرُجُ الأزمنة وزَيْن الأمكنة.
والثاني: أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، حتى يُعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه، وقلبه يؤلمه ويوجعه؛ لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف، لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل، من الدفوف والشبابات واجتماع الرجال مع الشباب المرد، والنساء الغاتنات، إما مختلطات بهم أو مشرفات، والرقص بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف.(1/24)
وكذا النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالى:(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ( ]سورة الفجر:14[.
وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان، وإنما يَحِلُّ ذلك
بنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات،
لا من الأمور المنكرات المحرمات، فإن لله وإنا إليه راجعون، بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ.
ولله در شيخنا القشيري حيث يقول فيما أجازَناه:
قد عرف المنكر واستنكر الـ ـمعروف في أيامنا الصعبة
وصار أهل العلم في وهدةٍ وصار أهل الجهل في رتبة
حادوا عن الحق فما للذي سادوا به فيما مضى نسبة
فقلت للأبرار أهل التقى والدين لما اشتدت الكربة
لا تنكروا أحوالكم قد أتت نوبتكم في زمن الغربة
ولقد أحسن أبو عمرو بن العلاء حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب، هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي ( - وهو ربيع الأول- هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه.
وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول .
1 الخطط للمقريزي 1/490
2 البداية والنهاية 13/137
3 نقلا عن سبل الهدى والرشاد للصالحي (1/439) ط. وزارة الاوقاف المصرية .
4 تهذيب الأسماء واللغات 1/22
5 مسلم 2/592
6 الاعتصام 1/51
7 البخاري 3/1434، ومسلم2/795
8 سنن الدارمي 1/68-69
9 سنن الدارمي 1/80
10 غافر 19
11 مسلم 1/96
12 المائدة 3
13 آل عمران 31
14 أبو داود 2/442
15 انظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 2/581.
16 المدخل 2/15
(17) انظر هذه الأدلة وغيرها في المولد النبوي للحنيني، وانظر القول الفصل للشيخ إسماعيل الأنصاري.
18 جامع البيان 6/568.
19 مسلم 2/818
20 فقه العبادات على مذهب الإمام مالك 1/324
21 الفقه على المذاهب الأربعة1/899(1/25)
22 البخاري 3/1434 ومسلم 2/795
23 انظر الإنصاف فيما قيل في المولد للجزائري63
24 المجموع 8/412
25 9/519
26 4/174
27 الإنصاف 61
28 مسلم برقم (2701)
29 البخاري 1/25 ومسلم 4/2312
30 انظر الفصول في السيرة 91،
31 سيرة ابن إسحاق 25
32 1/397
??
??
??
??(1/26)