المختار في أصول السنة
تأليف
الإمام أبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الله
ابن البنا الحنبلي البغدادي
المتوفى سنة 471 هـ
تحقيق
عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
مكتبة العلوم والحكم
الطبعة الثانية
1425 هـ(/)
بسم الله الرحمن الرحيم. رب يسر ولا تعسر
والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على سيد المرسلين محمد النبي، وآله الطاهرين.
وبعد: فجعلنا الله وإياك من الموفقين، وألحقنا بدرجات الصادقين، فإنك سألتني أن أختصر لك من كتاب الشريعة لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله أصولاً في السنة، وأحكي كلامه فيها، فأجبتك إلى ذلك إذ كان إماماً ناصحاً، وورعاً صالحاً، وكلامه نيراً واضحاً، نفعنا الله وإياك به وجميع المسلمين إن شاء الله.
باب في وجوب النصحية ولزوم السنة والجماعة
1- أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري رحمه الله قال: حدثنا إسماعيل الصفار قال: حدثنا عباس الترقفي قال: حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان عن عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري(1/41)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إنما الدين النصيحة، إنما الدين النصيحة ثلاثاً، قال: لمن؟ قال: لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولأئمة المؤمنين وعامتهم)).
ورواه الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في المسند عن سفيان عن سهيل بن صالح عن عطاء.
ورواه عن عبد الرحمن بن مهدي ووكيع عن سفيان عن سهيل.
2- وأخبرنا أبو الحسن أحمد بن علي البادي رحمه الله قال: أخبرنا عبد الباقي بن مانع قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا أحمد ابن الحسن بن خراش قال: حدثنا عمرو بن عاصم قال: حدثنا معتمر قال: سمعت أبي يحدث عن سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد الليثي وذكره.
3- وأخبرنا أبو الحسن أحمد قال: أخبرنا عبد الباقي قال: حدثنا إسماعيل بن الفضل قال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة قال: حدثنا خالد بن عمرو بن سعيد عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين(1/42)
وهذا أول حديث في الشريعة، رواه الآجري عن الفريابي عن قتيبة بن سعيد عن سعيد بن عبد الجبار الحمصي عن معان بن رفاعة السلامي عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري عن النبي -عليه السلام- وذكره.(1/43)
قال مهنا: ((سألت أحمد بن حنبل رضي الله عنه عن حديث معان بن رفاعة وقلت: كأنه كلام موضوع. قال: لا، هو صحيح، ومعان لا بأس به)).
4- أخبرنا ابن عبد الجبار قال: أخبرنا الصفار قال: حدثنا الرمادي قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله ابن الزبير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام بالجابية خطيباً فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا مقامي فيكم فقال: ((أكرموا أصحابي فإنهم خياركم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب حتى يحلف الإنسان على اليمين لا يسألها ويشهد على الشهادة لا يسألها، فمن سره بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة، فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد، ولا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن)).(1/44)
5- وبالإسناد عن معمر عن أيوب عن غيلان بن جرير عن زياد بن رياح عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من فارق الجماعة وخرج من الطاعة فمات فميتته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يخشى مؤمناً لإيمانه، ولا يفي لذي عهد بعهده فليس من أمتي، ومن قتل تحت راية عمية يغضب للعصبية أو يقاتل للعصبية فقتلته جاهلية)).
6- وأخبرنا به أبو الحسين بن بشران عن الصفار، وذكره.
وذكره الآجري عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني عن محمد بن بشار أن محمد بن جعفر حدثه عن شعبة عن غيلان.
وأخرجه مسلم في الصحيح عن شيبان بن فروخ عن جرير بن حازم عن غيلان بن جرير عن أبي قيس بن رياح عن أبي هريرة وذكره.(1/45)
7- أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا النجاد قال: حدثنا أحمد بن ملاعب قال: حدثنا ثابت بن محمد الزاهد قال: حدثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة -يعني: الأهواء- وكلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)).
ورواه الآجري عن الصندلي عن ابن زنجويه عن الفريابي عن سفيان الثوري، وذكره. وقال فيه: ((ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).
8- وأخبرنا أبو الفتح قال: أخبرنا النجاد قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني قال: حدثنا المسيب بن واضح قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: ((أصول البدع أربعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، ثم تتشعب كل فرقة ثماني(1/46)
عشرة طائفة، فذلك اثنتان وسبعون فرقة والثالث والسبعون الجماعة، التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الناجية)). وروه الآجري عن أبي بكر بن أبي داود.
9- وروى الآجري الحديث تفترق من طرق وذكر عن يعقوب بن زيد بن طلحة قال: ((كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا فيه قرآناً {ومن قوم موسى أمةٌ يهدون بالحق وبه يعدلون}، ثم ذكر أمة عيسى فقرأ {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا.. .. } الآيتين قال: ثم ذكر أمتنا فقرأ: {وممن خلقنا أمةٌ يهدون بالحق وبه يعدلون})).
قال الآجري: رحم الله عبداً حذر هذه الفرق، وجانب البدع، واتبع ولم يبتدع، ولزم الأثر، وطلب الطريق المستقيم، واستعان بمولاه الكريم.(1/47)
باب الحث على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله وترك البدع وترك النظر والجدل فيما يخالف الكتاب والسنة وقول الصحابة
10- أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عمر الفقيه المصري رحمه الله قال: حدثنا النجاد قال: حدثنا عبد الملك بن محمد قال: حدثنا أبو عاصم -يعني الضحاك بن مخلد- عن ثور -يعني ابن يزيد- عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها الأعين ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: ((أوصيكم بتقوى الله والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً؛ فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء بعدي، الراشدين المهديين، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)).(1/48)
ورواه الآجري عن ابن عبد الحميد الواسطي عن زهير المروزي عن أبي عاصم.
ورواه عن الصندلي عن الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل عن الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد.
11- وأخبرنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد الزاهد قال: أخبرنا ابن الصواف قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا مصعب بن سلام قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ابن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: ((أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)).
ورواه الآجري عن الفريابي عن حبان بن موسى عن ابن المبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد وذكره، وقال فيه: ((وكل ضلالة في النار)).
12- وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ((إن ناساً يجادلونكم بمشتبه القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله عز وجل)).(1/49)
فصل
قال أبو بكر الآجري رحمه الله ينبغي لأهل العلم والعقل إذا سمعوا قائلاً يقول: قال رسول الله في شيء قد ثبت عند العلماء فعارض إنسان جاهل فقال: لا أقبل إلا ما قال الله في كتابه. قيل له: أنت رجل سوء، وأنت ممن حذرنا رسول الله وحذر منك العلماء. وقيل له يا جاهل إن الله أنزل فرائضه جملة وأمر نبيه أن يبين للناس ما نزل إليه قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} فأقام الله عز وجل نبيه عليه السلام مقام البيان عنه، وأمر الخلق بطاعته ونهاهم عن معصيته، وأمرهم بالانتهاء عما نهاهم عنه، فقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، كما حذرهم أن يخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره.. .. } الآية، وقال: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم.. .. } الآية، ثم فرض على الخلق طاعته في نيف وثلاثين موضعاً من كتابه.
وقيل لهذا المعارض لسنن الرسول صلى الله عليه وسلم : يا جاهل قال الله تعالى:(1/50)
{[و] أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} أين تجد في كتاب الله أن الفجر ركعتان، والظهر أربع، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، وعشاء الآخرة أربع؟ أين تجد أحكام الصلاة ومواقيتها وما يصلحها وما يبطلها إلا من تبيين النبي عليه السلام؟
ومثله الزكاة أين تجد في كتاب الله من كل مائتي درهم خمسة دراهم، ومن عشرين ديناراً نصف دينار، ومن أربعين شاة شاة، ومن خمس من الإبل شاة، ومن جميع أحكام الزكاة أين تجدها في كتاب الله، وكذلك جميع فرائض الله التي فرضها في كتابه لا نعلم الحكم فيه إلا بسنن الرسول عليه السلام؟
هذا قول العلماء علماء المسلمين، من قال غير هذا خرج من ملة الإسلام ودخل في ملة الملحدين نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى. وقد روي عن نبينا عليه السلام وعن صحابته مثل ذلك.
14- وروى حديث عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا ألفين أحدكم متكئاً في أريكته يبلغه الأمر عني فيقول: لم أجد هذا في كتاب الله عز وجل)).(1/51)
15- وحدثنا محمد بن أحمد الحافظ قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول قال: حدثنا أبي قال: حدثنا موسى بن داود عن ابن المبارك عن معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن عمران بن حصين أنهم كانوا يتذاكرون الحديث فقال رجل: دعونا من هذا وجيئونا بكتاب الله، فقال له عمران: ((إنك أحمق، أتجد في كتاب الله الصلاة مفسرة؟ أتجد في كتاب الله الصيام مفسراً؟ القرآن أحكم ذلك والسنة تفسره)).
ورواه الآجري عن الأشناني عن الحسين بن علي عن يحيى بن آدم عن ابن المبارك وذكره وقرر به نظائره في ذلك.(1/52)
16- أخبرنا هلال بن محمد الحفار قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري قال: حدثنا أحمد بن ملاعب بن حيان المخرمي قال: حدثنا أبو الوليد خلف بن الوليد قال: حدثنا شهاب بن خراش عن الحجاج بن دينار عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا {ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قومٌ خصمون})).
ورواه الآجري عن ابن عبد الحميد الواسطي عن زهير بن محمد المروزي عن يعلى بن عبيد عن الحجاج بن دينار.
ثم قال: لما سمع هذا أهل العلم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين لم يماروا في الدين ولم يجادلوا، وحذروا المسلمين المراء والجدل، وأمروهم بالأخذ بالسنن وبما كان عليه الصحابة، وهذا طريق أهل الحق ممن وفقه الله عز وجل، وسنذكر عنهم ما دل على ما قلنا إن شاء الله.
17- حدثنا علي بن محمد المعدل قال: أخبرنا حمزة بن محمد الدهقان قال: حدثنا العباس بن محمد قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد بن زيد(1/53)
قال: حدثنا أيوب قال: كان أبو قلابة يقول: ((لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون)).
ورواه الآجري عن الفريابي عن قتيبة بن سعيد عن حماد بن زيد وذكره.
18- قال أبو بكر الآجري وبلغني عن المهتدي أنه قال: ((ما قطع أبي -يعني الواثق- إلا شيخ جيء به من المصيصة فمكث في السجن مدة ثم إن أبي ذكره يوماً فقال: علي بالشيخ، فأتي به مقيداً فلما أوقف بين يديه سلم فلم يرد عليه السلام، فقال له الشيخ: يا أمير المؤمنين ما استعملت معي أدب الله عز وجل ولا أدب رسوله قال الله تعالى: {وإذا حييتم بتحيةٍ فحيوا بأحسن منها أو ردوها}، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برد السلام. فقال له: وعليكم السلام، ثم قال لابن أبي دؤاد: سله، فقال يا أمير المؤمنين إني محبوس مقيد أصلي في الحبس بتيمم منعت الماء فمر بقيودي تحل، ومر لي بماء أتطهر وأصلي ثم سلني، قال: فأمر بحل قيده، وأمر له بماء فتوضأ وصلى، ثم قال: يا ابن أبي دؤاد سله، فقال الشيخ: المسألة لي فمره أن يجيبني، فقال: سل، فأقبل الشيخ على ابن(1/54)
أبي دؤاد فقال: أخبرني عن هذا الذي تدعو الناس إليه، شيء دعا إليه رسول الله ؟ قال: لا، قال: فشيء دعا إليه أبو بكر الصديق بعده؟ قال: لا، قال: فشيء دعا إليه عمر بن الخطاب بعدهما؟ قال: لا، قال: فشيء دعا إليه عثمان بن عفان بعدهم؟ قال: لا، قال فشيء دعا إليه علي بن أبي طالب بعدهم؟ قال: لا، قال الشيخ: فشيء لم يدع إليه رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي تدعو أنت الناس إليه ليس يخلو أن تقول علموه أو جهلوه، فإن قلت: علموه وسكتوا عنه وسعنا وإياك من السكوت ما وسع القوم، وإن قلت: جهلوه وعلمته أنا، فيا لكع ابن لكع يجهل النبي عليه السلام والخلفاء الراشدون شيئاً تعلمه أنت وأصحابك. فرأيت أبي وثب قائماً ودخل الجدي وجعل ثوبه في فيه فضحك، ثم جعل يقول: صدق ليس يخلو من أن يقول: علموه أو جهلوه، فإن قلنا: علموه وسكتوا عنه وسعنا من السكوت ما وسع القوم، وإن قلنا جهلوه وعلمته أنت فيا لكع ابن لكع يجهل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه شيئاً وتعلمه أنت وأصحابك، ثم قال: يا محمد، قلت: لبيك فقال: لست أعنيك، إنما أعني ابن أبي دؤاد. فوثب إليه، فقال: أعط هذا الشيخ نفقة وأخرجه عن بلدنا)).(1/55)
فصل
19- قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله وبعد هذا فنأمر بحفظ السنن عن رسول الله وسنن أصحابه والتابعين لهم بإحسان وقوله أئمة المسلمين مثل مالك بن أنس والأوزاعي وسفيان الثوري وابن المبارك وأمثالهم والشافعي وأحمد بن حنبل والقاسم بن سلام ومن كان على طريقتهم من العلماء، وننبذ ما سواهم ولا نناظر ولا نجادل ولا نخاصم، وإذا لقي صاحب بدعة في طريق أخذ في غيره، وإن حضر مجلساً هو فيه قام عنه، هكذا أدبنا من مضى من سلفنا.
قال يحيى بن أبي كثير: ((إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره)).
وقال أبو قلابة: ((ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف)).(1/56)
فصل
20- قال: فإن كانت مسألة من الفقه وأحكام الشريعة فمباح له النظر فيها طلب السلامة لا يريد المغالبة، فيحمر لذلك وجهه وتنتفخ أوداجه ويعلو صوته ويحب أن يخطئ صاحبه، فهذا لا تحمد عاقبته، فإن أردت السلامة في النظر فإذا كنت أنت حجازي والذي يناظرك عراقي وبينكما مسألة تقول أنت: حلال، ويقول هو: حرام، ناظرته على إن كان الحق معه تبعته، وإن كان معك تبعك فهذا حسن وما أعزه في الناس. وإلا فقل قد عرفت قولك وعرفت قولي فلا أنت تتبعني إذا ظهر الحق على لساني ولا أنا أتبعك، فسكوتنا عن النظر أسلم.
ولا تأمن أن يقول لك في مناظرته قال رسول الله فتقول له: هذا حديث ضعيف، وهو بخلافه لترد قوله، وكذلك يقول لك، فما أعظم هذا في الدين، وعليه أكثر أهل زماننا إلا من عصم الله عز وجل.
فصل
21- وروى أبو هريرة عن النبي عليه السلام أنه قال: ((المراء في القرآن كفر)).(1/57)
قال الآجري: وبيان هذا أن القرآن نزل على سبعة أحرف، ومعناها على سبع لغات، فكان يلقن كل قبيلة من العرب القرآن على حسب ما يحتمل من لغتهم، تخفيفاً من الله تعالى، وكانوا ربما إذا التقوا يقول بعضهم لبعض: ليس هكذا القرآن، ولا هكذا علمته، ويعيب بعضهم قراءة بعض فنهوا عن ذلك، وقيل لهم: اقرؤوا كما علمتم ولا يجحد بعضكم قراءة بعض واحذروا الجدل والمراء فيما قد تعلمتم.(1/58)
باب ذكر الإيمان بأن القرآن كلام الله، وأن كلام الله ليس بمخلوق، ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر
22- قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله اعلموا -رحمنا الله وإياكم- أن قول المسلمين الذين لم تزغ قلوبهم عن الحق، ووفقوا للرشاد قديماً وحديثاً أن القرآن كلام الله جل ثناؤه ليس مخلوقاً لأن القرآن من علم الله، وعلم الله لا يكون مخلوقاً تعالى الله عن ذلك، دل على ذلك القرآن والسنة وقول الصحابة وقول أئمة المسلمين، لا ينكر هذا إلا جهمي خبيث، والجهمي فعند العلماء كافر.
قال الله عز جل: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، وقال: {وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام الله}، وقال الله لنبيه عليه السلام: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} إلى قوله: {الذي يؤمن بالله وكلماته} وهو القرآن، وقال لموسى: {إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي}، وقال: {ألا له الخلق والأمر} فقد فصل بينهما، وقال: {إنما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} فلو كانت {كن} مخلوقة لافتقرت إلى {كن} أخرى غير مخلوقة إلى ما لا نهاية له، وقال: {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي}، ولو كان مخلوقاً لنفد، ومثل هذا كثير، وقال: {فمن حاجك فيه من بعد ما(1/59)
جاءك من العلم}، وقال: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم} وعلم الله القرآن.
قال الآجري: لم يزل الله تعالى عالماً متكلماً سميعاً بصيراً بصفاته قبل خلق الأشياء، من قال غير هذا كفر، وسنذكر من السنن والآثار وقول العلماء الذين لا يستوحش من ذكرهم ما إذا سمعه من له علم وعقل زاده علماً وفهماً وإذا سمعها من في قلبه زيع فإن أراد الله هدايته إلى طريق الحق رجع عن مذهبه وإن لم يرجع فالبلاء عليه أعظم.
23- أخبرنا هلال بن محمد بن جعفر الحفار قال: أخبرنا ابن الصواف قال حدثني أبو بكر محمد بن جعفر بن حبيش الأنماطي قال: حدثني إسحاق بن علي بن معاوية الأنماطي قال: حدثنا عيسى بن موسى الأنصاري قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثني سفيان الثوري قال: نفعني به معمر وكنت صغيراً عن هلال الوزان عن يزيد بن حسان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((العرش والكرسي وحملتهما وما دونهما من السموات السبع إلى تخوم الأرضين السابعة السفلى والماء الأسود والريح الهفافة بحيث ما انتهت من الحدود المتناهية مخلوق، إلا القرآن فإنه كلام الله عز وجل)).(1/60)
وعن ابن عباس في قول الله تعالى: {قرآناً عربياً غير ذي عوجٍ} قال: غير مخلوق. وسر أحمد بن حنبل بهذا الحديث.
وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((القرآن كلام الله تعالى فلا تصرفوه على آرائكم)).
24- وأخبرنا هلال بن محمد قال أخبرنا ابن الصواف قال: وقال لي أبو بكر محمد بن جعفر الأنماطي بعد أن حدثني به فيما كتبته بيدي عنه: أخرجه من كتاب الواقدي عن أبي مخنف وغيره من حملة السير أن الهمداني شاعر علي عليه السلام قام إليه وهو يناظر الخوارج فقال: يا أمير(1/61)
المؤمنين إن هؤلاء يزعمون أنك حكمت في دين الله الرجال، فقال: لا والله، ما حكمت مخلوقاً إنما حكمت القرآن وأنا له متبع، فأنشأ الهمداني يقول:
أيها الساعون إن علياً ... لم يحكم في دينه مخلوقاً
إنما حكم القرآن وقد كان ... بتحكيمه القرآن حقيقاً
أعلم الناس بالكتاب وبالسنة ... والله يلهم التوفيقا
25- أخبرنا محمد بن أحمد الحافظ قال: حدثنا عمر بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن معمر البلخي قال: حدثنا إسماعيل بن بشر قال: حدثنا يحيى بن خالد المهلبي عن علي بن محمد عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبيد بن عبد الغفاري -وكان مولى للنبي عتاقة- عن النبي عليه السلام قال: ((إذا ذكر القرآن فقولوا كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر)).(1/62)
وعن معاوية بن عمار قال: سئل جعفر بن محمد عن القرآن: خالق هو أو مخلوق؟ فقال: ((ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله عز وجل)).
26- أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد الأزهري قال: حدثنا أبو القاسم عبيد الله قال: حدثنا علي بن محمد البصري قال: حدثنا محمد ابن الحسين الأنماطي قال: حدثنا يحيى بن يوسف الزمي قال: وكتب عنه يحيى بن معين قال: ((كنا عند عبد الله بن إدريس بالكوفة فأتاه رجل فقال: إن عندنا قوماً ببغداد يزعمون أن القرآن مخلوق؟ قال: فقال عبد الله بن إدريس: من اليهود هؤلاء؟ قال: لا، قال: فمن النصارى؟ قال: لا، قال: فمن المجوس؟ قال: لا، قال: فمن الصابئين؟ قال: لا، قال: فممن هؤلاء؟ قال: من أهل التوحيد، فقال ابن إدريس: ما هؤلاء من أهل التوحيد، من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن الله مخلوق وهذا كلام الزنادقة)).
27- وقال أبو بكر بن عياش: ((من زعم أن القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق عدوٌ لله لا نجالسه ولا نكلمه)).
وقال عبد الله بن المبارك وقرأ شيئاً من القرآن: ((من زعم أن هذا مخلوق فقد كفر بالله العظيم)).(1/63)
وقال مالك بن أنس: ((القرآن كلام الله، وكلام الله من الله، وليس من الله شيء مخلوق)).
وقال عبد الرحمن بن مهدي: ((لو أني سلطان لقمت على الجسر فكان لا يمر بي رجل إلا سألته، فإذا قال بأن القرآن، مخلوق ضربت عنقه وألقيته في الماء)).
وقال يزيد بن هارون وذكر الجهمية فقال: ((هم والله الذي لا إله إلا هو زنادقة عليهم لعنة الله)).
وقال حنبل بن إسحاق سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وسأله يعقوب الدورقي عمن قال القرآن مخلوق، فقال: ((من زعم أن علم الله وأسماءه مخلوقة فقد كفر، يقول الله تعالى: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم} أفليس هو القرآن، فمن زعم أن علم الله وأسماءه وصفاته مخلوقة فهو كافر، لا أشك في ذلك إذا اعتقد ذلك وكان رأيه ومذهبه وكان ديناً يتدين به كان عندنا كافراً)).
وقال ابن عيينة: ((هذا الدويبة -يعني بشر المريسي- قالوا: يا أبا(1/64)
محمد يزعم أن القرآن مخلوق، فقال: كذب، قال الله تعالى: {ألا له الخلق والأمر} فالخلق خلق الله، والأمر القرآن)).
وقال وكيع: ((من قال القرآن مخلوق فقد كفر)).
وقال يوسف بن الطباع: ((سمعت رجلاً سأل أحمد بن حنبل فقال: يا أبا عبد الله أصلي خلف من يشرب المسكر؟ قال: لا، قال: فأصلي خلف من يقول القرآن مخلوق؟ قال: فقال: سبحان الله أنهاك عن مسلم وتسألني عن كافر)).
وقال الشافعي وناظره حفص الفرد بحضرة والي كان بمصر، وكان يسميه حفص المنفرد؛ لأنه يقول بخلق القرآن، فقال له الشافعي: كفرت والله الذي لا إله إلا هو، ثم قاموا فانصرفوا، فسمعت حفصاً يقول: أشاط والله بدمي.
قال الشافعي: ((القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر)).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ((من قال القرآن مخلوق فقد افترى على الله وقال على الله ما لم يقله اليهود ولا النصارى)).
28- قال الآجري: وقد احتج أحمد بن حنبل بحديث ابن(1/65)
عباس: ((إن أول ما خلق الله من شيء القلم)) وذكر أنه حجة قوية على من يقول القرآن مخلوق، كأنه يقول: قد كان الكلام قبل خلق القلم، فإذا كان أول ما خلق الله من شيء القلم دل على أن كلامه ليس بمخلوق لأنه قبل خلق الأشياء.
وقال أحمد: وقد رواه خمسة عشر نفساً عن ابن عباس.
وقال ابن أبي عوف: سمعت هارون القزويني يقول: ((من وقف على القرآن بالشك فلم يقل غير مخلوق فهو كمن قال مخلوق)).
29- وحدثنا محمد بن أحمد الحافظ قال: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي قال: حدثنا سلام بن سالم قال: حدثنا موسى بن إبراهيم الوراق قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: ((سمعت الناس منذ سبع وأربعين عاماً وهم يقولون: من قال القرآن(1/66)
مخلوق فامرأته طالق ثلاثة بتة، قلنا: ولم ذاك؟ قال: لأن امرأته مسلمة، ومسلمة لا تكون تحت كافر)).
30- أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد الأزهري قال: حدثنا علي بن عبد الرحمن بالكوفة قال: حدثنا عبد الله بن زيدان البجلي قال: حدثنا الحسن بن علي المعروف بـ (لؤلؤ النهدي) قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة وعبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله عليه السلام: ((كيف أنتم إذا كفر بالقرآن، وقالوا: إنه مخلوق أما إنكما لن تدركا ذلك، ولكن إذا كان ذلك برئ الله منهم وجبريل وصالح المؤمنين، وكفروا بما أنزل علي)).
31-وأخبرنا عبيد الله قال: حدثنا أحمد بن منصور الوراق قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل قال: حدثنا سلام بن سالم قال: حدثنا موسى بن إبراهيم قال: سمعت سفيان بن عيينة -سنة أخذ بشر المريسي بمكة سنة خمس وتسعين- وهو يقول: شاهدان يشهدان عليه حتى أقدمه إلى القاضي فأضرب عنقه أنا بيدي، وبسط سفيان كفه اليمنى وردها، وقال سفيان: سمعت عمرو بن دينار يقول: ((أدركت الناس وهم(1/67)
يقولون الله خالق كل شيء وما دونه مخلوق إلا كلامه عز وجل)).
32- وأخبرنا عبيد الله قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل قال: سمعت داود بن علي الأصفهاني يقول: ((كان بشر المريسي يخرج إلى ناحية الزابين يغتسل ويتطهر، وكان به المذهب، قال فمضى وليد الكرابيسي إليه وهو في الماء فقال له مسألة، قال: وأنا على هذه الحال، فقال: نعم، فقال: أليس يروى عن النبي عليه السلام أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، فما هذا الذي أنت فيه؟ قال: إبليس يوسوس لي فيوهمني أني لم أتطهر، قال: فهو الذي وسوسك حتى قلت: ((إن القرآن مخلوق)).
33- وأخبرنا عبيد الله قال: أخبرنا أبو الفتح القواس إجازة قال: حدثنا صدقة بن هبيرة الموصلي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي قال: قال عبد الله بن المبارك الزمن: ((رأيت زبيدة في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قالت: غفر لي في أول معول ضرب في طريق مكة، قلت:(1/68)
فما هذه الصفرة في وجهك؟ قالت: دفن بين ظهرانينا رجل يقال له بشر المريسي زفرت جهنم عليه زفرة فاقشعر لها جسدي، فهذه الصفرة من تلك الزفرة، قلت: فما فعل أحمد بن حنبل؟ قالت: الساعة فارقني أحمد في طيار من درة بيضاء في لجة حمراء، يريد زيارة الجبار عز وجل، قلت: بما نال ذلك؟ قالت: بقوله القرآن كلام الله غير مخلوق)).
34- حدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد الحافظ قال: حدثنا ابن الصواف قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عمرو الوراق قال: حدثنا أبو بكر بن أبي العوام قال: حدثني أبي قال: ((مررت في بعض الأزقة بمجنون قد وقع، فقيل لي تقدم فاقرأ عليه، فتقدمت لأقرأ عليه فقال لي شيطان في جوفه: دعه فإنه يقول القرآن مخلوق، فقلت: في شأنك وإياه)).(1/69)
باب ذكر النهي عن مذاهب الواقفة، وذكر اللفظية، ومن زعم أن هذا القرآن حكاية للقرآن الذي في اللوح المحفوظ
35- قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله: وأما الذين قالوا القرآن كلام الله ووقفوا وقالوا: لا نقول غير مخلوق، فهؤلاء عند العلماء مثل من قال القرآن مخلوق وأشر، لأنهم شكوا في دينهم، نعوذ بالله ممن شك في كلام الرب أنه غير مخلوق.
36- قال الآجري: حدثنا ابن مخلد قال: حدثنا أبو داود السجستاني قال: سمعت أحمد بن حنبل سئل هل لهم رخصة أن يقول الرجل القرآن كلام الله ثم يسكت، فقال: ((ولم يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا لأي شيء لا يتكلم)).
وقال أبو داود: سمعت أحمد وذكر رجلين كانا وقفا في القرآن ودعيا إليه فجعل يدعو عليهما، وقال: هؤلاء فتنة عظيمة، وجعل يذكرهما بالمكروه.
قال أبو داود: ورأيت أحمد سلم عليه رجل من أهل بغداد ممن وقف فيما بلغني، فقال له: اغرب لا أراك تجيء إلى بابي في كلام غليظ، ولم يرد عليه السلام، وقال: ما أحوجك أن يصنع بك ما صنع عمر بصبيغ(1/70)
ودخل بيته ورد الباب.
وقال أبو داود: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: ((من قال لا أقول القرآن غير مخلوق فهو جهمي)).
وسمعت قتيبة بن سعيد يقول: ((هؤلاء الواقفة شر ممن قال القرآن مخلوق)).
وقال أحمد بن صالح: ((الواقف شاك والشاك كافر)).
وقال أبو طالب: ((سألت أبا عبد الله عمن أمسك فقال: لا أقول ليس بمخلوق إذا لقيني في طريق وسلم علي أسلم عليه؟ قال: لا تسلم عليه ولا تكلمه، كيف يعرفه الناس إذا سلمت عليه)).
37- قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله: ((احذروا -رحمكم الله- الذين يقولون: إن لفظهم بالقرآن مخلوق هذا عند أحمد بن حنبل منكر عظيم، وقائله مبتدع يجتنب ولا يكلم ولا يجالس، ويحذر منه الناس، لا(1/71)
يعرف العلماء غير ما تقدم ذكرنا له: وهو أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق فقد كفر، ومن وقف فهو جهمي ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: إن هذا القرآن الذي يقرأه الناس وهو في المصاحف حكاية لما في اللوح المحفوظ فهو قول منكر ينكره العلماء، يقال لقائل هذه المقالة: القرآن يكذبك ويرد قولك والسنة تكذبك وترد قولك قال الله عز وجل: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}، فأخبرنا -عز وجل- أنه سمع الناس كلام الله، ولم يقل حكاية كلام الله. وقال تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} فأخبر أن السامع إنما يسمع القرآن، ولم يقل حكاية القرآن، وقال {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}، وقال: {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن}، وهذا في القرآن كثير)).
وقال النبي عليه السلام: ((إن الرجل الذي ليس في جوفه من القرآن شيء كالبيت الخرب)).
وقال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).(1/72)
وقال: ((مثل القرآن مثل الإبل المعقلة إن تعاهدها صاحبها أمسكها، وإن تركها ذهبت)).
وقال عليه السلام: ((لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو)).
وفي حديث آخر: ((لا تسافروا بالمصاحف إلى العدو، فإني أخاف أن ينالوها)).
وقال: ((لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار)).
وقال: ((إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا: طوبى لأمة ينزل هذا عليهم، وطوبى لألسن تكلم بهذا وطوبى لأجواف تحمل هذا)).(1/73)
وقال ابن مسعود: ((تعلموا القرآن واتلوه، فإن لكم بكل حرف عشر حسنات)). وفي السنن من هذا كثير.
38- قال محمد بن الحسين: فينبغي للمسلمين أن يتقوا الله ويتعلموا القرآن ويتعلموا أحكامه فيحلوا حلاله ويحرموا حرامه ويعملوا بمحكمه ويؤمنوا بمتشابهه، ولا يماروا فيه، ويعلموا أن كلام الله غير مخلوق، فإن عارضكم إنسان جهمي فقال: مخلوق، أو قال: كلام الله ووقف، أو قال: لفظي بالقرآن مخلوق، أو قال: هذا القرآن حكاية لما في اللوح المحفوظ، فحكمه أن يهجر ولا يكلم ولا يصلى خلفه، ويحذر منه، فمن كان كذلك رجوت له من الله عز وجل كل خير.
39- أخبرنا علي بن محمد المعدل قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد اللغوي قال: أخبرني أبو عمر الفياضي قال: سمعت علي ابن الموفق يقول: ((كان لي جار مجوسي اسمه شهرنار فكنت أعرض(1/74)
عليه الإسلام فيقول: نحن على الحق، فمات على المجوسية فرأيته في النوم، فقلت له: ما الخبر؟ قال: نحن في قعر جهنم، قلت: تحتكم قوم؟ قال: نعم قوم منكم، قال: قلت: من أي الطوائف منا؟ قال: الذين يقولون القرآن مخلوق)).
40- وأخبرنا أبو الحسن الحمامي قال: أخبرنا ابن الصواف قال: حدثنا أحمد بن عمرو الوراق قال: حدثنا أبو بكر بن أبي العوام قال: حدثنا أبي قال: ((كان لنا جار فافتقر، فباع منزله فنزل في سرداب الدار يسلم على العمار ويقول: أنا متحول فقالوا له: ونحن أيضاً هو ذا نتحول، قال: فقلت لهم: أنا افتقرت، أنتم ما لكم؟ قالوا: قد اشترى دارك من يقول القرآن مخلوق ونحن لا نساكن من يقول: القرآن مخلوق)).
41- أخبرنا القاضي أبو علي محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي الحنبلي رضي الله عنه قال: أملى علينا الشيخ أبو حفص عمر بن أحمد بن إبراهيم الآجري المقرئ من حفظه يوم الخميس السادس من المحرم سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن عمران بن موسى الشاهد قال: حدثنا أبو بكر حفص بن أحمد السراويلي قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى الزمن على منبره بسر من رأى قال: ((كان لي صديق من أهل القرآن فناظره رجل في خلق القرآن فقال له صديقي: إن لم يكن القرآن مخلوقاً فمحاه الله من صدري، قال: فمحاه الله من(1/75)
صدره، فبلغني فلم أصدق حتى مضيت إليه فسألته عن ذلك فقال لي: هو كما بلغك، فقلت له: أما تقرأ من القرآن شيئاً فقال لي: لا، إلا فاتحة الكتاب إذا تليت بحضرتي عرفتها)).
42- أخبرنا هلال بن محمد الحفار قال: أخبرنا عبد الله بن إبراهيم القاضي قال: حدثنا الحسن بن رشيق قال: حدثنا محمد بن زبان قال: حدثني بعض إخواننا قال: كنت في مسجد الأقدام وإلى جانبي إنسان فأنست به وأنس بي فتحدثنا فقال لي: ألا أحدثك بعجب، قلت: نعم، قال: ((كنت بالموصل وإذا أنا برجل شاب قاعد ليس في فمه سن ولا ضرس فعجبت من ذلك، فجلست إليه فقلت له: لم يأت عليك من السن ما يذهب أسنانك وأضراسك، فحدثني بشأنك، فقال: كانت لي قصة عجيبة، كنت أنا وأبي ممن يقول بخلق القرآن فناظرت أبي ليلة من الليالي فلم نزل نتناظر ونتجادل حتى اتفقنا جميعاً على أنه مخلوق، ثم قام كل واحد منا إلى فراشه فبينا أنا نائم إذ رأيت كأنه يوم الجمعة وأنا رائح إلى الجمعة حتى أتيت باب المسجد الجامع فإذا عليه رجل فطردني(1/76)
عن الدخول وطرد غيري، ولم يتركنا ندخل، فقلت لرجل: من هذا؟ فقال: هذا علي بن أبي طالب، فلم أزل أتحين غفلته حتى وجدتها فظفرت فدخلت المسجد فقام إلي رجلان، فأخذا بضبعي ثم ساقاني إلى المقصورة فأدخلاني على رجل قاعد فيها كأنه البدر حسناً وجمالاً وعن يمينه شيخ وعن يساره شيخ فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم والشيخان أبو بكر وعمر، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ((أنت - ويلك الذي تقول: القرآن مخلوق))، فجزعت فلم أجد جواباً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((قم يا عمر فجأ فكه)) فقام إلي عمر فضرب فمي بيده فما بقي في فمي سن ولا ضرس إلا سقط في فراشي، فانتبهت وأنا غريق بالدماء، فصحت صيحة هائلة فقام أبي وأهل بيتي فزعين من صيحتي مبادرين إلي فقلت لأبي: بقي شيء؟ هذا ما أمر به النبي عليه السلام عمر بن الخطاب ففعله بي، فأنا تائب إلى الله وإلى رسوله مما كنت قلته، فقال أبي مثل ذلك، ولم يتب من أهل الموصل من هذه المقالة أحد غيري وغير أبي، فهذا ما كان من خبر سقوط أسناني وأضراسي)).
43- وقال أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد بن أبي مسلم: نقلت هذا من كتاب عبيد الله بن أحمد النحوي يقول: حدثني أبو بكر بن علوان المقرئ قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا أبو حمدون المقرئ قال: ((لما هاج الناس في اللفظ بالقرآن مخلوق، وأمر الحسين الكرابيسي في ذلك، كنت أقرئ بالكرخ فأتاني رجل فجعل يناظرني ويقول إنما أريد أن(1/77)
لفظي مخلوق والقرآن غير مخلوق، قال: فشككني، فدعوت الله عز وجل بالفرج، فلما كان بالليل نمت فرأيت كأني في صحراء واسعة فيها سرير عليه نضد فوقه شيخ ما رأيت أحسن وجهاً منه ولا أنقى ثوباً ولا أطيب رائحة وإذا الناس قيام عن يمينه وعن يساره، إذ جيء بالرجل الذي كان يناظرني فأوقف بين يديه وجيء بصورة في سوسنجرد فقال: هذه صورة ماني الذي أضل الناس، فوضعت على قفا الرجل، فقال الشيخ: اضربوا وجه ماني، فجعلوا يضربون الصورة والرجل يستغيث، فقال له الشيخ: إنما نريد الصورة ليس نريدك، قال: فنحها عن قفاي واضرب كيف شئت، قال: وأنت أيضاً فنح لفظك عن القرآن وقل في لفظك ما شئت، قال: فانتبهت وقد سري عني)).
44- أخبرنا أبو القاسم عبيد الله الأزهري قال: أخبرنا عمر بن أحمد الواعظ، قال: حدثنا زيد بن خلف القرشي بمصر قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: حدثنا عمي قال: حدثنا الماضي بن محمد عن(1/78)
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الله عز وجل ناجى موسى عليه السلام بمائة ألف كلمة وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام وصايا كلها، فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم مما وقع في مسامعه من كلام الرب تعالى)).
45- أخبرنا أبو الفتح الحافظ قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم قال: حدثنا أبو حفص الجوهري قال: حدثنا صالح بن أحمد قال: سمعت أبي يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي وذكر عنده المريسي فقال: ((من زعم أن الله تعالى لم يكلم موسى فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه)).
فصل
46- قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه في رواية عبد الله: ((من قال التلاوة مخلوقة وألفاظنا بالقرآن مخلوقة، والقرآن كلام الله ليس بمخلوق فهو(1/79)
كافر، وهو فوق المبتدع وهذا كلام الجهمية)).
وقال في رواية أبي داود: ((يجانب، وهو فوق المبتدع، وما أراه إلا جهمياً)).
وقال في رواية يعقوب بن إبراهيم الدورقي فيمن زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق فهو عندي أشر من الجهمية، من زعم هذا فقد زعم أن جبريل جاء بمخلوق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بمخلوق. القرآن كلام الله غير مخلوق على كل جهة وكل وجه تصرف، قال الله تعالى: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} ولم يقل حتى يسمع كلامك يا محمد، وقال النبي عليه السلام: ((صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس))، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((حتى أبلغ كلام ربي)) هذا قول جهم على من جاء بهذا غضب الله)).(1/80)
47- فقد نص أحمد في هذه الروايات وغيرها على أن التلاوة هي القرآن وأنها غير مخلوقة خلافاً للأشعرية في قولهم: التلاوة غير المتلو، والقراءة غير المقروء، وأن التلاوة والقراءة مخلوقة، والمقروء والمتلو غير مخلوق.
ودليلنا قول الله عز وجل إخباراً عن قريش: {إن هذا إلا قول البشر. سأصليه سقر}، فوعدهم بالنار، ومعلوم أنها أشارت(1/81)
بهذا القول إلى التلاوات التي سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فدل على أنها ليست بقول البشر.
وروى جابر بن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: ((هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي))، وعند مخالفنا إن كان يبلغ قراءة كلام الله وتلاوته، فأما أن يبلغ كلامه فلا.
وروى علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن أفواهكم طرق للقرآن، فطهروها بالسواك)) وعند مخالفنا هي طرق للقراءات والتلاوات وليست بطرق للقرآن.
وأيضاً لما أنزل الله تعالى: {الم. غلبت الروم} إلى آخر الآيتين خرج أبو بكر الصديق رضوان الله عليه فقرأها رافعاً بها صوته، فقال له مشركو مكة: ما هذا يا ابن أبي قحافة، لعله مما يأتي به صاحبك، فقال: ((لا، ولكنه كلام الله وقوله)).(1/82)
وهذا إجماع منهم ومنا في هذه المسألة، فيجب أن لا يلتفت إلى خلاف حدث بعده، ولا خلاف بين المسلمين أن كل من سمع قراءة القارئ قال: هذا كلام الله.
وأيضاً فإن سامع القراءة هو سامع القرآن، قال الله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}، وقال: {حتى يسمع كلام الله}، ولأن العرب تسمي القراءة قرآناً، قال الشاعر في عثمان بن عفان:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً
أي تسبيحاً وقراءة.(1/83)
وقال أبو عبيدة: يقال: قرأت قراءة وقرآناً، بمعنى واحد، فجعلهما مصدرين لقرأت.
وقال الله عز وجل: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً}. أي: قراءة الفجر، وإلا فليس له قرآن معين، وإذا كانت القراءة هي القرآن، فمن قال: القراءة مخلوقة فقد قال القرآن مخلوق.
وأيضاً فإن معنى القديم ثابت في التلاوة بدليل قيام المعجز وثبوت الحرمة والعجز عن الإتيان بمثله.
ولو حلف لا تكلمت فقرأ لم يحنث، ولو كانت تلاوته وقراءته كلامه لحنث كما يحنث بغيره من الكلام.
فصل
48- وهذه المسألة غامضة المعنى دقيقة الشبه، قد كدرت مذاهب جماعة، روي عن أبي أحمد الأسدي قال: ((دخلت على أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه وسألته فقلت: يا أبا عبد الله لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ فما أجابني بشيء، ثم أعدت عليه المسألة، فما أجابني فيها بشيء، قال: ثم خرجت في سفري إلى مكة، فصارت البادية في طريقي على شبه الحبس من شدة الفكر في أمره، قال: فدخلت إلى(1/84)
مكة فقطع بي الطواف، فخرجت إلى بئر زمزم وقبة الشراب، فصليت بهما ركعتين، ثم نعست فرأيت رب العزة جلت عظمته في منامي فكان آخر ما قلت له: إلهي قراءتي بكلامك غير مخلوق، قال: نعم، وقوى عزمي)).
وهذه نحو حكاية أبي حمدون المقرئ المتقدمة.
49- وأصابني في هذه المسألة شيء يشبه نحو هذا، رأيت لبعض من أسكن إلى علمه قولاً شغل قلبي وأحوجني إلى التفكر فيما أستدل به، وكنت قد بلغت إليها فنهضت ونمت وتركتها فرأيت في منامي كأني في جامع المهدي، وفي الصحن الذي فيه المنارة خلق عظيم، ورأيت ثلاث حلق مستديرة، وفيها خلق قيام وقعود في كل حلقة شبه الدقل الطويل بحبلين متصلين كأنهما قد جعلا لمن يعتصم بهما ويرقا فيه، فدخلت إلى أحد الحلق وأخذت بالحبلين أحدهما بيميني والآخر بشمالي، ولم أزل أرتقي إلى أن صرت على سطح الجامع، ولا أدري هل صعد غيري أم لا، واستيقظت، فقلت: الحبل القرآن قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} الواجب في هذه المسألة الأخذ بالإجماع ثم كتبت في الليل هذا الفصل الذي أجمع على صحته المتقدمون والمتأخرون، إلا الطائفة التي ذكرتها، وكان ذلك في ليلة الأربعاء الخامس والعشرين من جمادى الأولى من سنة خمس وستين وأربعمائة.(1/85)
باب التحذير من مذاهب الحلولية والمشبهة والمجسمة
50- قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله: إني أحذر إخواني المؤمنين مذاهب الحلولية الذين لعب بهم الشيطان فخرجوا بسوء مذهبهم عن طريق أهل العلم، مذاهبهم قبيحة لا تكون إلا في كل مفتون هالك.
زعموا أن الله -عز وجل- حالٌ في كل شيء حتى أخرجهم سوء مذهبهم إلى أن تكلموا في الله تعالى بما ينكره العلماء العقلاء، لا يوافق قولهم كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول الصحابة ولا قول أئمة المسلمين.
وإني لأستحيي وأستوحش أن أذكر قبيح أقوالهم تنزيهاً لجلال الله الكريم وعظمته، كما قال ابن المبارك: ((إن لنستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية)).
ثم إنهم إذا أنكر عليهم سوء مذاهبهم قالوا: لنا حجة من كتاب الله تعالى {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم ولا خمسةٍ إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا(1/86)
أكثر إلا هو معهم}، ويقول: {وهو معكم أين ما كنتم}، فلبسوا على السامع منهم بما تأولوه، وفسروا القرآن على أهواء أنفسهم فضلوا وأضلوا، فمن سمعهم ممن جهل العلم ظن أن القول كما قالوا: وليس هو كما تأولوه عند أهل العلم.
والذي يذهب إليه أهل العلم أن الله -عز وجل- على عرشه فوق سمواته، وعلمه محيط بكل شيء، فلما أحاط علمه بجميع ما خلق في السموات العلا وبجميع ما في سبع أرضين وما بينهما وما تحت الثرى، يعلم السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يعلم الخطرة والهمة، يعلم ما توسوس به النفوس، يسمع ويرى، ولا يعزب عن الله مثقال ذرة في السموات والأرضين وما بينهن إلا وقد علم به، وهو على عرشه سبحانه العلي الأعلى، ترفع إليه أعمال العباد وهو أعلم بها من الملائكة الذين يرفعونها بالليل والنهار.
51- قال أبو بكر الآجري رحمه الله: فإن قال قائل: فإيش معنى ما ذكروه؟ قيل له: الله تعالى على عرشه وعلمه محيط بهم وبكل شيء من(1/87)
خلقه، كذا فسره أهل العلم، والآية يدل أولها وآخرها على أنه العلم.
قال الله تعالى: {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم} إلى آخر الآية قوله: {ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيءٍ عليمٌ}.
فابتدأ الله الآية بالعلم وختمها بالعلم، فعلمه -عز وجل- محيط بجميع خلقه، وهو على عرشه، وهذا قول المسلمين.
52- أخبرنا أبو الحسن الحمامي رضي الله عنه قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سريح بن النعمان قال: حدثنا عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس: ((الله في السماء وعلمه في كل مكان)).
ورواه الآجري وزاد فيه: ((لا يخلو من علمه مكان)).
وعن سفيان الثوري: {وهو معكم أين ما كنتم} قال: علمه.
وعن الضحاك: {ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم} قال: هو على العرش وعلمه معهم.
وقال الفضل بن زياد وغيره عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه في الآية: المراد به العلم؛ لأنه بدأها بالعلم وختمها به.(1/88)
53- قال أبو بكر الآجري: في كتاب الله تعالى آيات تدل على أن الله تعالى في السماء على عرشه وعلمه محيط بجميع خلقه.
قال الله-عز وجل-: {ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور. أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير}، وقال: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}، وقال: {سبح اسم ربك الأعلى}، وقال لعيسى: {إني متوفيك ورافعك إلي}، وقال: {بل رفعه الله إليه}، وقال: {لتعلموا أن الله على كل شيءٍ قديرٌ وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علما}.
فصل
54- قال: والسنن والآثار قد وردت بذلك متواترة من الطرق الصحاح.
أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد البزاز قال: حدثنا أبو الفضل عيسى بن موسى بن أبي المتوكل على الله قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد الجصاص قال: حدثنا محمد بن شعيب التستري قال: حدثنا صفوان بن عيسى قال: حدثنا محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لما خلق الله الخلق كتب بيده على نفسه إن رحمتي تغلب غضبي)).(1/89)
ورواه الآجري: ((فهو عنده فوق العرش)).
55- وحدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن سعيد قال: حدثنا عمي محمد بن أحمد بن معدان قال: حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا يزيد بن داود قال: حدثنا علي بن جعفر عن أبي قرة عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وما كنت بجانب الطور إذ نادينا} قال: ((كتب الله كتاباً في ورقة أسر، ووضعه معه على العرش قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، وأمر منادياً ينادي يا أمة محمد قد غفرت لكم قبل أن تستغفروني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني فمن لقيني يوم القيامة يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ولم يشرك بي أوجبت له الجنة)).(1/90)
56- وقد حدثنا بكتاب العرش لابن أبي شيبة عن ابن الصواف، وهو يشتمل على عدة أحاديث في العرش رداً على الجهمية، وذكر الآجري في كتاب الشريعة من ذلك شيئاً كثيراً.
فصل
57- وأما المشبهة والمجسمة فهم الذين يجعلون صفات الله -عز وجل- مثل صفات المخلوقين وهم كفار.
قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه: ((المشبهة تقول بصر كبصري، ويد كيدي، ومن قال هذا فقد شبه الله تعالى بخلقه {ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير})).(1/91)
وبهم وجد المبتدع الملحد طريقاً على أهل السنة وأصحاب الحديث فأضاف إليهم التشبيه والتجسيم، وهذا كذب وبهتان، وإفك وطغيان، ما أنزل الله به من سلطان، قد نزه الله سبحانه حملة القرآن وآثار الرسول عليه السلام، الذين هم سرج العباد، ونور البلاد عن مثل هذه المقالة العوراء، والجهالة العمياء، بل يضح عند العقلاء، ويصح عند العلماء أنها من أباطيل الملحدة حين ضاق بهم المخرج، ولم يضح لهم المنهج، ورأوا ما أبدى الله على ألسنتهم من عوراتهم الشنيعة وجهالاتهم الفظيعة ما خالفوا فيه الكتاب والسنة وإجماع الأمة، أرادوا أن يموهوا على العوام، ويوهموا بزخرف الكلام ما نزه الله عنه كل إمام يقتدى به في الإسلام، ويهتدى بقوله في الحلال والحرام، أترى يظن مسلم أن ما تخرصوه يدنس مثل مالك بن أنس وسفيان الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من السادات أولي العبادات والمجاهدات، هيهات. خاب والله ما رجوه وبطل ما أملوه، بل ما ذكره الأئمة في غلاتهم وغواتهم أليق وإليهم أسبق مثل جهم بن صفوان الذي قال فيه ابن شوذب: ((ترك الصلاة أربعين يوماً على وجه الشك)) وقيل له بالشام: أين تريد فقال: ((أطلب رباً أعبده)) ومثل معبد الجهني الذي(1/92)
قال فيه الحسن: ((لا تجالسوه فإنه ضال مضل)) ومثل عمرو بن عبيد الذي قال أبو النضر: ((سمعته يطعن على الصحابة ويقول: كان ابن عمر حشوياً)).
وقال قيس العباسي: ((سألته عن مسألة فلم يجبني، فقلت: لا بد لي، فقال: قد كان من بعثة محمد بدٌ فكيف من مسألتك؟!)) وكان يظهر الزهادة على وجه التلبيس، وهو في اعتقاده شر من إبليس، وقد أنشدت للطولقي رحمه الله:
دع عنك هزل الهزلة ... واعتزل المعتزلة
فإنها شرذمة عن ... الهدى منخذلة
أخس كلب في الورى ... أجل منهم منزلة(1/93)
وأنشد آخر:
خذها أتت منطبعه ... مقالة مرتفعه
ثمامة ومعبد ... وجهمهم مبتدعه
ثلاثة شر الورى ... إبليس خير الأربعه
ومنهم غيلان القدري الذي ضربت عنقه بعد قطع يديه ورجليه وسمل عينيه، وأبو الهذيل العلاف وإبراهيم النظام والجبائي وابن أبي دؤاد الذي أبان الله فضائحه وأظهر قبائحه على لسان الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ومنهم ثمامة بن أشرس وبرغوث وربالويه وأبو شعيب الحجام وسهل الجزار وأبو لقمان الكافر وحفص الفرد الذي كفره الشافعي رحمه الله وسماه حفص(1/94)
المنفرد.
ولقد روي عن المأمون أنه قال يوماً لحاجبه: ((انظر من بالباب من أصحاب الكلام)) فخرج وعاد إليه فقال: ((بالباب أبو الهذيل العلاف وهو معتزلي وعبد الله بن إباض الإباضي وهشام بن الكلبي الرافضي))، فقال المأمون: ((ما بقي من أعلام جهنم أحد إلا وقد حضر)).
وقال أبو عبد الله محمد بن العباس المصري: سمعت هارون الرشيد يقول: ((طلبت أربعة فوجدتها في أربعة، طلبت الكفر فوجدته في الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته مع المعتزلة، وطلبت الكذب فوجدته مع الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث)).
فصل
58- أما الجهمية فقال عبد الرحمن بن مهدي: ((ما كنت لأعرض أهل الأهواء على السيف إلا الجهمية فإنهم يقولون قولاً منكراً)).(1/95)
وقال يزيد بن هارون: ((الجهمية هم والله زنادقة عليهم لعنة الله)).
وقال أحمد بن حنبل: ((من صلى خلف جهمي سنة يعيد وسنتين)).
وقال في رواية صالح: ((افترقت الجهمية على ثلاث فرق، فرقة قالوا: القرآن مخلوق، وفرقة قالوا: كلام الله وسكتوا، وفرقة قالوا: لفظنا بالقرآن مخلوق)).
وعندهم أن العبادات كلها ليست من الإيمان، وهو عندهم التصديق فقط، لا يزيد ولا ينقص.
وعندهم أن إيمان الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين والأولياء المتقين مساوي لإيمان العصاة الفاسقين.
وعندهم أن الله تعالى كان في القدم بلا اسم ولا صفة، وأن تسمية العباد الله بأنه واحد أحد مخلوق محدث، كما قالوا: إن تلاوة العباد بالقرآن مخلوقة محدثة.
وعندهم أن نبوة نبينا عليه السلام قد انقطعت بموته، وأن قولنا في الآذان أشهد أن محمداً رسول الله، أو في التشهد، قول لا حقيقة له الآن، وقالوا: لا يجوز أن يقال يا قديم الإحسان.(1/96)
وعندهم أن كلام الله قائم بذاته ليس بحرف ولا بصوت.
وعندهم التلاوة غير المتلو، والقراءة غير المقروء، وهما مخلوقتان عندهم؛ لأنهم يقولون: القرآن، عبارة عن هذه الحروف والأصوات والسور والآيات وليس هذا هو القديم عندهم.
وبهذه المقالة كفرهم أحمد حين قالها ابن كلاب، وقال الله تعالى إخباراً عن قريش: {إن هذا إلا قول البشر. سأصليه سقر}، ومعلوم أنهم أشاروا إلى التلاوات التي سمعوها.
وعندهم الكتابة غير المكتوب، وأن الكتابة مخلوقة، كالتلاوة، فعلى قولهم الذي في المصحف مخلوق، وليس بقديم، وكذاك يقولون في الصدر حفظ التلاوات المحدثة، وكذا يقولون كلام الله غير منزل على النبي عليه السلام، ولا على غيره من الأنبياء، وإنما منزل تلاوته وعبارته، إلى أشياء كثيرة فظيعة قد أجاب شيوخنا وأئمتنا عن جميعها بحمد الله ومنه.
وخالفوا الأخبار المدونة الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة خلف كل بر وفاجر، وقالوا: قد سقطت إمامة من فسق في أفعاله وخرج من الإمامة، وخالفوا إجماع الصحابة وأئمة الدين في تفضيل(1/97)
الخلفاء الأئمة الراشدين الأربعة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضوان الله عليهم- وقال أكثرهم: نقف في ذلك ولا نفضل، وكذاك قالوا في عائشة، وهي عندنا أفضل نساء العالمين.
فصل
59- وأما القدرية والمعتزلة وأنواعهم فينكرون الصراط والميزان والكرسي وفزع يوم القيامة، ونعيم القبر وعذابه، وسؤال منكر ونكير، وضغطة القبر، وخلق الجنة والنار، والحور العين، وقالوا: ليس للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة شفاعة، ولا له حوض، وكذبوا بالأخبار الواردة في ذلك، وقالوا: لا يجوز أن يرى الله -عز وجل- أحد لا في الدنيا ولا في الآخرة لا مؤمن ولا كافر، وقالوا: كلام الله محدث مخلوق، وقالوا: أسماء الله مخلوقة، وما كان له اسم حتى خلق له الخلق اسماً، ويبقى عند عدم الخلق بلا اسم ولا صفة، وقالوا: يجوز أن يقال: بأن الله قادر على الظلم والكذب وغيرهما من القبائح، وقال الجبائي: يجوز أن يقال: بأن الله محبل نساء العالمين، وقالوا: يجب على الله أن يعوض الثواب والجزاء، وأهل السنة يقولون ذلك تفضل منه غير واجب عليه.
وعندنا جميع أفعال العباد خلق لله تعالى كسب لهم خيرها وشرها، وعن القدرية هي خلق لهم لا رب لها ولا إله، وعندنا صانع العالم واحد، وعندهم عدد كثير يشركونه في الصنعة والخلق.
وقالوا: المقتول يموت بغير أجله، والله يقول: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون}.(1/98)
وأنكروا كرامات الأولياء، وأنكروا الجن والسحر، وقد أكذبهم الله بقوله: {يعلمون الناس السحر} وبسورة الجن وغير ذلك، وأنكروا المنامات، وقد أكذبهم الله بقصة يوسف، وبقوله: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} قيل في تفسيره: هي الرؤيا الصادقة، وبقول النبي عليه السلام: ((هي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة))، وغير ذلك من الأقوال القبيحة.
فصل
60- وأما الروافض فأقوالهم في فرقهم مختلفة، وأشرهم الغلاة، ولهم مسائل فظيعة منها: أنهم يقولون علي بن أبي طالب أفضل من جميع الأنبياء، وقد أجمعت الأمة على تفضيل الأنبياء عليه وعلى سائر الصحابة قبل خلق المخالف، ومنها أن علياً عندهم في السحاب يقاتل أعداءه، وأجمع المسلمون أن جسده في القبر مدفون، ومنها أن عندهم يرجع في آخر الزمان، ويقولون إن جبريل غلط بالوحي على محمد، ومنهم من يدعي فيه الإلهية، وعندهم القرآن غير وبدل، وغير ذلك من القبائح.(1/99)
فصل
61- وأما المرجئة فقال أحمد: هم الذين يقولون: من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وفعل سائر المعاصي لم يدخل النار أصلاً.
فصل في السالمية
62- وهي إلى أهل السنة أقرب إلا أنهم يعتقدون أن الله تعالى كان رائياً للخلق وهم في العدم، كما هو رائي لهم بعد الوجود، وعندنا كان عالماً بهم، وأما الرؤية فبعد الخلق لهم، كما قال تعالى: {الذي يراك حين تقوم} وقالوا: سجد إبليس لآدم في الفاني، وقالوا: لله سر لو أظهره لبطل التدبير، وكذلك للأنبياء والعلماء وهذا كفر، وقالوا: إبليس ما دخل الجنة، وقالوا: الكفار يرون الله في الآخرة ويحاسبهم، وغير ذلك مما قد أفردت معهم.(1/100)
فصل
63- والكرامية قريبة أيضاً إلى أهل السنة ولهم التشبيه، وقد أفردت المسائل معهم في كتاب.
فصل
64- والإسماعيلية يعتقدون القول بقدم العالم وتعطيل الصانع وإبطال النبوة وإنكار البعث والنشور وإبطال العبادات وغير ذلك.(1/101)
فصل في الاجتهاد
65- المصيب واحد من المجتهدين في أصول الديانات، وقد نص عليه أحمد على تكفير جماعة من المتأولين كالقائلين بخلق القرآن ونفي الرؤية وخلق الأفعال وهم القدرية والمعتزلة والجهمية، وقطع أيضاً على كفر اللفظية، وأما المرجئة فعلى تفصيل، وأما الخوارج فمن فسق منهم عثمان وعلياً وقالوا غيرا وبدلا فهم كفار، وقال النبي عليه السلام فيهم: ((الخوارج كلاب أهل النار)) والروافض مثلهم لما قالوه واعتقدوه.
وقد أفردت كتاباً بالاثنتين وسبعين فرقة ومذاهبهم وبعض أدلتهم،(1/102)
وأجبت عن جميع ذلك بحمد الله ومنه إن شاء الله.
فصل
66- والحمد لله الذي أعاذ أهل السنة وأئمتهم من هذه المقالات الفاسدة والاعتقادات الواهية، ووهب لهم الاعتصام بحبله المتين وكتابه المبين، وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم النيرة الواضحة وجنبهم الأقوال الفظيعة الفاضحة، فأقوالهم في أهل البدع مسموعة، وأقوال غيرهم فيهم فبالحق مدفوعة.
هم المجمعون على أن ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون، وعلى أنه خالق الخير والشر وعلى أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وعلى أنه يرى يوم القيامة، يراه المؤمنون، وعلى تقديم الشيخين أبي بكر وعمر، وعلى الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، لا يختلفون في شيء من هذه الأصول ومن فارقهم في شيء منها نابذوه وباغضوه وبدعوه وهجروه.
67- أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد المعدل رحمه الله قال: أخبرنا عثمان بن أحمد السماك قال: حدثنا الحسن بن عبد الوهاب قال: حدثنا أبو جعفر المنقري قال: قدم علينا محمد بن عكاشة الكرماني سنة خمس وعشرين ومائتين فسمعته يقول: هذا ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة(1/103)
ممن رأيت وسمعت من أهل العلم منهم سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح ومحمد بن يوسف الفريابي وسعيد بن حرب وعلي بن عاصم وعبد الوهاب بن عطاء وعبد الرزاق بن همام ويزيد بن هارون وكثير ابن هشام ومحمد بن عمر الواقدي وداود بن المحبر وشبابة بن سوار وعبد العزيز بن أبان وأبو نعيم الفضل بن دكين ويعلى ومحمد ابنا عبيد الطنافسي وعبد الله بن داود وقبيصة وسعيد بن عمار وزهير بن نعيم وأزهر بن سعد السمان وأبو عبد الرحمن المقرئ والنضر بن شميل وأمية ابن عثمان الدمشقي وأحمد بن خالد الدمشقي والوليد بن مسلم ومحمد ابن عبد الله بن الحارث الدمشقي وعامة أصحاب ابن المبارك وإسحاق ابن راهويه وغيرهم من أهل السنة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن ابن مهدي وأبو عمر الضرير: الرضا بقضاء الله، والتسليم لأمره، والصبر على حكمه، والأخذ بما أمر الله، والنهي عما نهى الله، وإخلاص العمل لله، والإيمان بالقدر خيره وشره، وترك المراء والخصومات والجدال في الدين، والمسح على الخفين، والجهاد مع الخليفة وإن عمل أي عمل، وصلاة الجمعة خلف كل بر وفاجر، والصلاة على من مات من أهل القبلة سنة، والإيمان قول وعمل، والإيمان يزيد وينقص، والقرآن كلام الله، والصبر تحت لواء السلطان على ما كان منه من عدل أو جور، وأن لا يخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا، ولا ينزل أحداً من أهل القبلة جنة ولا ناراً، وأن لا نكفر أحداً وإن عملوا بالكبائر، والكف عن مساوي أصحاب رسول الله، وأفضل الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم.(1/104)
قال محمد بن عكاشة: وقد كان محمد بن معاوية بن حماد الكرماني حدثنا عن الزهري قال: ((من اغتسل ليلة الجمعة وصلى ركعتين يقرأ فيهما {قل هو الله أحدٌ} ألف مرة رأى النبي عليه السلام في منامه)).
قال محمد بن عكاشة: فدمت عليه نحواً من سنتين أغتسل كل ليلة جمعة وأصلي ركعتين أقرأ فيهما: {قل هو الله أحدٌ} ألف مرة طمعاً أن أرى رسول الله فأعرض عليه هذه الأصول، قال: فأتت علي ليلة باردة اغتسلت طمعاً أن أرى رسول الله وصليت ركعتين وقرأت فيهما {قل هو الله أحدٌ} ألف مرة، فلما أخذت مضجعي أصابني حلم، فقمت في الثانية فاغتسلت ثم صليت ركعتين وقرأت فيهما {قل هو الله أحدٌ} ألف مرة، فلما فرغت منها كان قريباً من السحر فاستندت إلى الحائط ووجهي إلى القبلة فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم على النعت والصفة، وعليه بردتان من هذه البرود اليمانية، قد تأزر بإزار وارتدى بأخرى، فجثا مستوفزاً على رجله ضم اليسرى وأقام اليمنى.
قال محمد بن عكاشة: فأردت أن أقول حياك الله يا رسول الله، فبدأني فقال: حياك الله، قال: وكنت أحب أن أرى رباعيته المكسورة، قال: فتبسم فرأيت رباعيته المكسورة، فقلت: يا رسول الله الفقهاء قد خلطوا علي في الاختلاف وعندي أصيلات من السنة أحب أن أعرضها عليك، قال: نعم، قلت: الرضا بقضاء الله وساق ما تقدم.(1/105)
قال محمد بن عكاشة: فوقفت عند علي وعثمان كأني هبت النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل عثمان على علي وقلت في نفسي: علي ابن عمه وختنه، قال: فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قد علم، فقال: عثمان ثم علي، ثم قال: هذه السنة فتمسك بها وضم أصابعه وعقد على ثلاثة وتسعين وحول الإبهام وعطفها على أصابعه.
قال محمد بن عكاشة: فعرضت هذه الأصول عليه ثلاث ليال في كل ليلة جمعة أقف على عثمان وعلي فيتبسم عند قولي كأنه قد علم، ثم يقول: ((عثمان ثم علي))، وكنت أعرض عليه هذه الأصول وعيناه تهطلان، فلما قلت: والكف عن مساوي أصحابك انتحب حتى علا صوته، ووجدت حلاوة في فمي وقلبي، فمكثت ثلاثة أيام لا آكل طعاماً حتى ضعفت عن صلاة الفريضة فلما أكلت ذهبت عني تلك الحلاوة.(1/106)
فصل
68- ثم أضاف المبتدعة إلى أهل السنة وأصحاب الحديث المحالات في أخبار الصفات، ووضعوا أشياء مختلقة من الضلالات قد أعاذ الله مسلماً منها، ومن تلك الاعتقادات مثل قولهم: أنهم رووا أن الله خلق نفسه من عرق الخيل والملائكة من ذعب الذراعين ومن عيادة الملائكة،(1/107)
وأشياء أجل عظمة الله من ذكرها وضعوها، والويل لهم حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).
ثم أتوا إلى الأحاديث الصحاح من ذلك فردوها وتأولوها، وأئمة أهل العلم أوجبوا الأخذ بها والقبول لها، وأن لا ترد ولا تتأول.
قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في رواية عبد الله وقد سأله عمن يقول لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت قال أحمد: ((تكلم بصوت وهذه أحاديث نرويها كما جاءت، وحديث ابن مسعود: إذا تكلم الله يسمع له صوت كمر السلسلة على الصفوان، قال أحمد: وهذا الجهمية تنكره وهؤلاء كفار، يريدون أن يموهوا على الناس(1/108)
من زعم أن الله لم يتكلم فهو كافر، إلا أنا نروي هذه الأحاديث كما جاءت)).
69- أخبرنا بذلك هلال بن محمد قال: أخبرنا النجاد قال: أخبرنا عبد الله قال: حدثني أبي.
70- وأخبرنا عبيد الله بن أحمد الأزهري قال: أخبرنا الدارقطني قال: حدثنا محمد بن مخلد قال: حدثنا عباس بن محمد الدوري قال: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر الباب الذي يروى في الرؤيا والكرسي وموضع القدمين وضحك ربنا من قنوط عباده وقربه من عبده، وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء وأن جهنم لا تمتلي حتى يضع ربك عز وجل قدمه فيها فتقول قط قط، وأشباه هذه الأحاديث، فقال: ((هذه الأحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه وكيف ضحك قلنا لا نفسر هذا ولا سمعنا أحداً يفسره)).(1/109)
باب ما ترجمه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في كتاب الصحيح، فقال: التوحيد وعظمة الرب وصفاته والرد على الجهمية الذين أنكروا صفات الرب تعالى وجعلوها مخلوقة
هذا ترجمة الجزء الذي فيه ذلك، ثم قال فيه:
71- باب قول الله عز وجل {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} ولم يقل ما ذا خلق ربكم.
وقال مسروق عن ابن مسعود: ((إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئاً، فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق، ونادوا ما ذا قال ربكم؟ قالوا: الحق)).(1/110)
وقال الله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}.
وعن جابر عن عبد الله بن أنيس سمعت النبي عليه السلام يقول: ((يحشر الله -عز وجل- العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان)).(1/111)
وروى عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام قال: ((إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ما ذا قال ربكم؟ قالوا: الذي قال الحق وهو العلي الكبير)).
وروى عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يقول الله: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار)).
72- وقال: باب كلام الرب تعالى مع جبريل عليه السلام.
وروى حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: ((إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل إن الله قد أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل(1/113)
السماء، ويوضع له القبول في الأرض)).
73- وقال: باب كلام الرب يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم.
روى حديث حميد عن أنس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا كان يوم القيامة شفعت فقلت: يا رب أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة فيدخلون، ثم أقول: أدخل الجنة من كان في قلبه أدنى شيء))، فقال أنس: كأني أنظر إلى أصابع رسول الله.
وفي لفظ آخر: ((فأخر ساجداً فيقول: يا محمد، ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي))، وساق الحديث الطويل.
وحديث عدي بن حاتم: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان.. .. )) الخبر.
وحديث ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى: قال: ((يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول: أعملت بكذا وكذا، فيقول: نعم، ويقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم، فيقرره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم)).(1/114)
74- وقال: باب {وكلم الله موسى تكليماً}.
روى حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((احتج آدم وموسى فقال موسى: أنت الذي أخرجت ذريتك من الجنة قال: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق، فحج آدم موسى)).
وساق في هذا الباب حديث المعراج الذي رواه أنس بطوله، وذكر فيه أنه رأى موسى في السماء السابعة بتفضيل كلام الله تعالى، فقال موسى: رب لم أظن أن ترفع علي أحداً، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى فيما أوحى إليه خمسين صلاة، على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال: ((يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم، فعلا به إلى الجبار، فقال وهو مكانه: يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم قال الجبار: يا محمد [قال]: لبيك وسعديك، قال: إنه لا يبدل(1/115)
75- وقال: باب كلام الرب مع أهل الجنة.
وذكر حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً)).
76- وقال باب ذكر الله بالأمر وذكر العباد بالدعاء والبلاغ.
لقوله تعالى: {فاذكروني أذكركم}، {واتل عليهم نبأ نوحٍ إذ قال لقومه.. .. } الآية.
وقال مجاهد في قوله: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك.. .. } إنسان يأتيه فيستمع ما يقول وما أنزل عليه فهو آمن حتى يأتيه فيسمع كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه حيث جاء، والنبأ العظيم القرآن فعمل به.(1/116)
وقال عكرمة: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} قال: تسألهم من خلقهم ومن خلق السموات والأرض، فيقولون: الله فذلك إيمانهم، وهم يعبدون غيره، وما ذكر في خلق أفعال العباد واكتسابهم لقوله: {وخلق كل شيءٍ فقدره تقديراً}.
وقال مجاهد: (({ما ننزل الملائكة إلا بالحق} بالرسالة والعذاب، {ليسئل الصادقين عن صدقهم} المبلغين المؤدين من الرسل، {وإنا له لحافظون} عندنا.. .. )).
77- وقال: باب قوله {وما كنتم تستترون.. .. } الآية.
وروى عن عبد الله قال: اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي، أو قرشيان وثقفي، كثيرة شحم بطونهم، قليلة فقه قلوبهم، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ وقال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله تعالى {وما كنتم تستترون.. .. } الآية.
78- وقال: باب قول الله: {كل يومٍ هو في شأنٍ}، {وما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدثٍ}، وقوله: {لعل الله يحدث(1/117)
بعد ذلك أمراً} وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين، لقوله: {ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير}.
وقال ابن مسعود عن النبي عليه السلام: ((إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة)).
وعن ابن عباس: ((كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم، وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهداً بالله تقرؤونه محضاً لم يشب)).
79- وقال: باب قول الله: {لا تحرك به لسانك} وفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث ينزل عليه الوحي.
وقال أبو هريرة عن النبي عليه السلام: ((قال الله: أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت بي شفتاه)).
قال: حدثنا قتيبة نا أبو عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن(1/118)
جبير عن ابن عباس في قوله: {لا تحرك به لسانك} قال: ((كان النبي عليه السلام يعالج من التنزيل شدة [و] كان يحرك شفتيه، فقال لي ابن عباس: أنا أحركهما لك كما كان رسول الله يحركهما، فقال سعيد: أنا أحركهما كما كان ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه. فأنزل الله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه} قال: جمعه في صدرك، ثم تقرؤه {فإذا قرآناه فاتبع قرآنه} قال: فاستمع له وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه)).
80- وقال: باب قوله: {وأسروا قولكم أو اجهروا به} إلى قوله: {الخبير}.
وعن ابن عباس في قوله: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} قال: ((نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختفٍ بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله لنبيه: {ولا تجهر بصلاتك} أي بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن {ولا تخافت بها} عن أصحابك فلا تسمعهم، {وابتغ بين ذلك سبيلاً}.
وعن عائشة قالت: نزلت هذه الآية: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} في الدعاء.(1/119)
وروى عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)) قال: وزاد غيره)) يجهر به)).
81- وقال: باب قول النبي عليه السلام: ((رجل آتاه الله القرآن)).
روى عن أبي هريرة قال رسول الله عليه السلام: ((لا تحاسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه من آناء الليل وآناء النهار، فهو يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه في حقه فيقول: لو أوتيت مثل ما أوتي عملت فيه مثل ما يعمل)).
قال: حدثنا قتيبة نا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وذكره وقال في هذا الباب البخاري: فبين النبي عليه السلام أن قيامه بالكتاب هو فعله.
وقال: {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم}، وقال: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.
وروى أيضاً قال: حدثنا علي بن عبد الله نا سفيان قال الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي عليه السلام قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله(1/120)
القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) سمعت سفيان مراراً لم أسمعه يذكر الخبر، وهو من صحيح حديثه.
فصل
82- وهذا القول راجع إلى المسألة الكدرة وهي مسألة اللفظ ويقرره القائل بها بأنها إذا كانت فعلاً لنا وكسباً فلا بد أن تكون موجودة بعد موجدها؛ لأن كسب الإنسان لا يتقدمه.
ونحن نجيب عن هذا بأن كسبنا في ذلك قصدنا إلى تلاوته، وذلك لا يتقدمنا كما أن الإنسان يثاب بقصده صلاة النافلة بالطهارة، ويأثم باعتقاده أداها بالحدث من غير طهارة، وإن لم يفعل ذلك، فذلك المراد بالحديث: ((لا حسد إلا في اثنتين)) فيمن نوى وقصد أن يفعل ما فعل غيره في القرآن من القيام به في آناء الليل والنهار.(1/121)
وأما الآية فيقررها القائل بمسألة اللفظ المراد بقوله: {واختلاف ألسنتكم} أي: أصواتكم فهي مختلفة.
ونجيب عن ذلك أن المراد به اللغات، والقرآن ليس بلغات، بل يقرؤه الناس كلهم بلغة واحدة، يدل عليه قوله تعالى: {وألوانكم} فدل على أن المراد به اللغات.
ولشيخنا الإمام أبي يعلى رضي الله عنه جواب آخر، قال: لو حملناه على الأصوات لم يضر لأننا نحمل الاختلاف على المعنى الذي يوجد منا مع القراءة وهو المعنى الذي يقع به التمييز بين قراءة القراء بعضهم من بعض من صفاء الحنجرة ودقة الصوت وغلظه وهذا معنى زائد على المفهوم من الحروف والأصوات، وليس يمتنع وجود ذلك عند قراءتنا، وإن كان لا يقوم بنفسه كالكسب يوجد عند خلق الله تعالى لأفعالنا، وإن كان الكسب لا يقوم بنفسه.
ولا يمتنع أيضاً وجود ذلك وإن كان لا يتميز من القديم كما أن المتلو لا يتميز من التلاوة، وإن كان المتلو قديماً والتلاوة عندهم محدثة، وكذلك يحصل سماع القديم عند وجود التلاوة وإن كان ذلك لا يتميز.
قال: وقد روي عن أحمد ما يدل على صحة هذا فقال في رواية الجماعة منهم عبد الله ويوسف بن موسى: ((أكره قراءة الألحان، ولا يعجبني قراءة الألحان)).(1/122)
ومعلوم أنه لم يكره نفس القراءة وإنما كره ما يحصل من القارئ من الأصوات التي هي الألحان، وكذلك كره قراءة حمزة ومعلوم أنه لم يكره القرآن، وإنما كره ما يحصل منه من الإمالات وغيرها.
وقال في رواية أبي الحارث: أكره منها الإدغام والإضجاع، مثل: خاب وطاب وحاق.
ثم قال شيخنا رضي الله عنه وجماعة من أصحابنا تأبى هذه الطريقة وتقول جميع الأصوات مع اختلافها قديمة، وتجيب عن السؤال بأنه لا تمتنع أو تختلف الأصوات واللغات، ويكون قديماً كما أن المعنى القائم بذات القديم هو أمر ونهي وخبر، ومعاني ذلك مختلفة ولم يمنع ذلك من كونه قديماً.
83- ثم قال البخاري: باب قول الله تعالى: {يأيها الرسول بلغ ما(1/123)
أنزل إليك من ربك.. .. } الآية قال الزهري: ((من الله الرسالة وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم)).
وقال: {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم} {لقد أبلغتكم رسالات ربي}.
وقال كعب بن مالك حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم : {وسيرى الله عملكم ورسوله} وقالت عائشة: ((إذا أعجبك حسن عمل امرئ فقل: اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ولا يستخفنك أحد)).
قال معمر: {ذلك الكتاب} هذا القرآن {هدىً للمتقين} بيان ودلالة، كقوله: {ذلكم حكم الله} هذا حكم الله {لا ريب فيه} لا شك فيه {تلك آيات} يعني هذه أعلام القرآن، ومثله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} يعني بكم.(1/124)
وروى عن جبير بن حية قال المغيرة: ((أخبرنا نبينا عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة)).
وروى عن عائشة قالت: ((من حدثك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من الوحي فلا تصدقه إن الله يقول: {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك.. .. } الآية)).
84- وقال: باب {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}، وقول النبي عليه السلام: ((أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها، وأعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا بها، وأعطيتم القرآن فعملتم به)).
وقال أبو رزين: {يتلونه} يتبعونه ويعملون به حق عمله، يقال: يتلى: يقرأ، حسن التلاوة: حسن القراءة للقرآن، لا يمسه: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن، ولا يحمله بحقه إلا المؤمن؛ لقوله: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً.. .. } الآية.
وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان عملاً، قال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: ((أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام))، قال: ((ما(1/125)
عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر إلا صليت)).
وسئل أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله ورسوله ثم الجهاد ثم حج مبرور)).
وروى حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما بقاؤكم فيمن سلف من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل الكتاب التوراة فعملوا بها.. .. )) إلى آخره.
85- وقال: باب وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عملاً وقال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).
وروى حديث ابن مسعود أن رجلاً سأل النبي عليه السلام أي الأعمال أفضل؟ قال: ((الصلاة لوقتها وبر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله)).
86- وقال: باب {إن الإنسان خلق هلوعاً.. .. } الآية.(1/126)
وروى عن عمرو بن تغلب قال: ((أتى النبي عليه السلام مالٌ فأعطى قوماً ومنع آخرين، فبلغني أنهم عتبوا فقال: إني أعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، أعطي أقواماً لما في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب، فقال عمرو: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله حمر النعم)).
87- وقال: باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه.
روى عن قتادة عن أنس عن النبي عليه السلام يرويه عن ربه، قال: ((إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)).
88- وقال: باب ما يجوز من تفسير التوراة وكتب الله بالعربية وغيرها لقول الله: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}، وقال ابن عباس: أخبرني أبو سفيان أن هرقلاً دعا ترجمانه ثم دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل {قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم}.(1/127)
وعن أبي هريرة قال: ((كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم {وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم.. .. } الآية)).
89- وقال: باب قول النبي عليه السلام: ((الماهر بالقرآن مع الكرام البررة، وزينوا القرآن بأصواتكم)).
وروى عن أبي هريرة أنه سمع النبي عليه السلام يقول: ((ما أذن الله بشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به)).
وروى حديث عبد الله بن مغفل المزني قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على ناقة له يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح، قال: فرجع فيها، قال: ثم قرأ معاوية بن قرة يحكى قراءة ابن مغفل، وقال: لو لا أن يجتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع ابن مغفل يحكى النبي، فقلت لمعاوية: كيف كان ترجيعه قال ثلاث مرآت آآآ)).(1/128)
90- وقال باب قوله: {فاقرءوا ما تيسر منه}.
وروى حديث عمر بن الخطاب سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان الخبر.
91- وقال باب قول الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر}، وقال النبي عليه السلام: ((كل ميسر لما خلق له))، قال ميسر: مهيأ.
وروى حديث عمران قال: قلت: يا رسول الله ففيم يعمل العاملون؟ قال: ((كلٌ ميسر لما خلق له)).
وحديث علي في بقيع الغرقد في جنازة.. .. الخبر.
92- وقال: باب قول الله عز وجل: {بل هو قرآنٌ مجيدٌ. في لوحٍ محفوظٍ}، {والطور. وكتابٍ مسطورٍ}، قال قتادة: مكتوب، {يسطرون}: يخطون، {في أم الكتاب}: جملة الكتاب وأصله، {ما يلفظ}: ما يتكلم من شيء إلا كتب عليه.
وقال ابن عباس: يكتب الخير والشر، {يحرفون}: يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله، ولكنهم يحرفونه يتأولونه على غير(1/129)
تأويله، {دراستهم}: تلاوتهم، {واعيةٌ}: حافظة، {وتعيها}: تحفظها، {وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به}: يعني أهل مكة، {ومن بلغ} هذا القرآن فهو له نذير.
وروى عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام قال: ((لما قضى الله الخلق كتب كتاباً عنده غلبت أو قال: سبقت رحمتي غضبي فهو عنده فوق العرش)).
93- وقال: باب قول الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} {إنا كل شيءٍ خلقناه بقدرٍ} ويقال للمصورين: ((أحيوا ما خلقتم)) وجعله غفلاً.
94- وقال بعده: باب {إن ربكم الله} إلى قوله: {ألا له الخلق والأمر} قال ابن عيينة: بين الله الخلق من الأمر بقوله ذلك.
وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عملاً فقال لوفد عبد القيس حين قالوا: يا رسول الله مرنا بجمل من الأمر إن عملناها دخلنا الجنة، فأمرهم بالإيمان والشهادة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فجعل ذلك كله عملاً.(1/130)
ثم ذكر حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم)).
وحديث ابن عمر أيضاً في ذلك.
95- وقال: باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم.
وروى حديث أبي موسى عن النبي عليه السلام: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة.. .. )) الحديث.
وحديث أبي سعيد عن النبي عليه السلام: ((يخرج ناس من قبل المشرق يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم.. .. )) الخبر.
96- وقال: باب قول الله: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} وأن أعمال بني آدم وقولهم يوزن. وقال مجاهد: القسطاس: العدل بالرومية، ويقال: القسط مصدر المقسط وهو العادل وأما القاسط فهو: الجائر.
وروى حديث أبي هريرة عن النبي عليه السلام: ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده(1/131)
سبحان الله العظيم)).
وهذا آخر الصحيح.
97- وقال: باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله -عز وجل-.
وقال خبيب: وذلك في ذات الإله، فذكر الذات باسمه.
وروى حديث أبي هريرة قال: ((بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة منهم خبيب الأنصاري، وأنشد حين أرادوا قتله:
ما أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي شق كنا لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
فقتله ابن الحارث، وأخبر النبي عليه السلام أصحابه خبرهم يوم أصيبوا)).
98- وقال: باب قول الله: {ويحذركم الله نفسه}، وقوله: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}.
وروى حديث أبي هريرة عن النبي عليه السلام قال: ((لما خلق الله الخلق كتب في كتابه هو يكتب على نفسه، وهو وضعه عنده على العرش، إن(1/132)
رحمتي تغلب غضبي)).
قال الله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة}.
وروى حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((.. .. فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم.. .. )) الخبر.
99- وقال: باب قول الله: {كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهه}.
وروى عن جابر قال: ((لما نزلت هذه الآية {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم} قال النبي عليه السلام: أعوذ بوجهك، فقال: {أو من تحت أرجلكم} فقال النبي: أعوذ بوجهك، قال: {أو يلبسكم شيعاً} فقال النبي: أيسر)).
100- وقال: باب قول الله: {ولتصنع على عيني} تغذى، وقوله: {تجري بأعيننا}.
وروى حديث نافع عن عبد الله قال: ذكر الدجال عند النبي عليه السلام فقال: ((إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور، وأشار بيده إلى عينه، وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية)).(1/133)
وحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما بعث الله من نبي إلا أنذر قومه الأعور الكذاب، إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر)).
101- وقال: باب {هو الله الخلاق البارئ}.
وروى حديث أبي سعيد الخدري في غزوة بني المصطلق أنهم أصابوا سبايا فأرادوا أن تستمعوا بهن ولا يحملن، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: ((ما عليكم أن لا تفعلوا، فإن الله قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة)).
وقال مجاهد عن قزعة: سألت أبا سعيد فقال: قال النبي عليه السلام : ((ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها)).
102- وقال: باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيدي}.
قال: حدثني معاذ بن فضالة: قال: نا هشام عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يجمع المؤمنون يوم القيامة كذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أما ترى(1/134)
الناس؟ خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء اشفع لنا إلى ربنا.. .. )) وذكر الخبر بطوله إلى قوله: ((يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم ما يزن من الخير ذرة)).
قال: وحدثنا أبو اليمان أنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع)).
قال: وحدثنا مقدم بن يحيى حدثني عمي القاسم بن يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يقبض يوم القيامة الأرض، وتكون السموات بيمينه ثم يقول: ((أنا الملك))
قال: ونا مسدد سمع يحيى بن سعيد عن سفيان حدثني منصور وسليمان عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله: ((إن يهودياً جاء إلى النبي عليه السلام فقال: يا رسول الله إن الله يمسك السموات على أصبع والأرضين على أصبع والجبال على أصبع والشجر على أصبع والخلائق على أصبع(1/135)
ثم يقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قرأ: {وما قدروا الله حق قدره})).
وفي لفظ آخر: ((فضحك تعجباً وتصديقاً له)).
103- وقال: باب قول النبي عليه السلام: ((لا شخص أغير من الله تعالى)).
قال عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك: ((لا شخص أغير من الله)). الحديث.
104- وقال: باب {[قل] أي شيءٍ أكبر شهادةً قل الله}، وسمى النبي القرآن شيئاً، وهو صفة من صفات الله عز وجل وقال:(1/136)
{كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهه}.
قال: نا عبد الله بن يوسف نا مالك عن أبي حازم: ((عن سهل بن سعد قال النبي عليه السلام لرجل: أمعك من القرآن شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا، لسور سماها)).
105- وقال: باب {وكان عرشه على الماء} {وهو رب العرش العظيم}.
وقال أبو العالية: {استوى إلى السماء}: ارتفع، {فسواهن}: خلقهن.
وقال مجاهد: {استوى}: علا على العرش.
وقال ابن عباس: {المجيد}: الكريم، و{الودود}: الحبيب، يقال: حميد مجيد، كأنه فعيل من ماجد، محمود من حميد.
وروى حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء.. .. )) الخبر.
قال: ونا عياش بن الوليد حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: ((سألت النبي عليه السلام عن قوله تعالى:(1/137)
{والشمس تجري لمستقرٍ لها} قال: مستقرها تحت العرش)).
106- وقال: باب قول الله: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرةً. إلى ربها ناظرةٌ}.
قال: حدثنا عمرو بن عون نا خالد وهشيم عن إسماعيل عن قيس عن جرير قال: ((كنا جلوساً عند النبي عليه السلام إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، قال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإذا استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا)) وساق له ثلاث طرق.
وروى حديث أبي هريرة: ((أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا؟)) وساق الحديث بطوله وفيه: ((فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم.. .. )، ثم ذكر الحديث إلى قوله: ((فيضحك الله منه، فإذا ضحك منه قال له: ادخل الجنة.. .. )).
قال: نا عبد العزيز بن عبد الله نا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة: إن الناس قالوا.. ..(1/138)
قال: ونا يحيى بن بكير نا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: ((قلنا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس إذا كانت صحواً؟ قلنا: لا، قال: فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذٍ.. .. )).
وساق الحديث: ((فيأتيهم الجبار فيقول: أنا ربكم [فيقولون]: أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن.. .. )) وذكره بطوله.
وقال: حجاج بن منهال نا همام بن يحيى نا قتادة عن أنس أن النبي عليه السلام قال: ((يحبس المؤمنون يوم القيامة.. .. وذكر الحديث قال: فيأتوني فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً.. .. إلى أن قال: فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجداً، وذكر كالأول، قال: ثم أعود الثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي، فإذا رأيته وقعت ساجداً.. .. الحديث، ثم تلا هذه الآية {عسى أن(1/139)
يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم عليه السلام)).
قال ونا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم قال: حدثني عمي نا أبي عن صالح عن ابن شهاب حدثني أنس بن مالك ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة، وقال لهم: اصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض)).
وروى حديث ابن عباس ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تهجد من الليل قال: اللهم ربنا لك الحمد.. .. الحديث إلى قوله: أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق.. .. )).
قال: ونا يوسف بن موسى نا أبو أسامة حدثني الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه)).
قال: نا علي بن عبد الله نا عبد العزيز بن عبد الصمد عن أبي عمران عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي عليه السلام قال: ((جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن)).(1/140)
وروى حديث عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة لقي الله وهو عليه غضبان.. .. )) الحديث.
وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((ثلاثة لا يكلمهم الله.. .. رجل حلف على سلعته لقد أعطي بها أكثر مما أعطي.. .. )) الحديث.
وروى حديث أبي بكرة عن النبي عليه السلام قال: ((الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض.. .. )) الحديث.
107- وقال: باب ما جاء في قول الله: {إن رحمت الله قريبٌ من المحسنين} وروى حديث أسامة قال: ((كان ابن لبعض بنات النبي عليه السلام يقضي، فأرسلت إليه.. .. الحديث إلى قوله: إنما يرحم الله من عباده الرحماء)).
وروى حديث أبي هريرة: ((اختصمت الجنة والنار إلى ربهما.. .. )) الحديث إلى قوله: ((فقال للجنة: أنت رحمتي، وقال للنار: أنت عذابي.. .. )) إلى قوله: ((وتقول: هل من مزيد ثلاثاً، حتى يضع قدمه فيها فتمتلي، ويزوى بعضها إلى بعض تقول قط قط قط)).
108- قال: باب قول الله: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا}.(1/141)
وذكر حديث عبد الله قال: ((جاء حبر إلى النبي فقال: يا محمد: إن الله يضع السماء على أصبع.. .. )) الحديث.
109- وقال: باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرهما من الخلائق وهو فعل الرب وأمره، فالرب بصفاته وفعله وأمره، وهو الخالق المكون غير مخلوق، وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون.
وذكر حديث ابن عباس: ((بت في بيت ميمونة ليلة والنبي عندها.. .. )) إلى قوله: فقرأ: {إن في خلق السموات والأرض.. .. } الآية والحديث.
110- وقال: باب {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين}.
قال: نا آدم نا شعبة عن الأعمش سمعت زيد بن وهب قال: سمعت عبد الله بن مسعود حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق.. .. وساق الحديث.
111- وقال: باب قول الله: {إنما قولنا لشيءٍ إذا أردناه}.
قال: حدثنا شهاب بن عباد نا إبراهيم بن حميد عن إسماعيل عن(1/142)
قيس عن المغيرة بن شعبة، قال: سمعت النبي عليه السلام يقول: ((لا يزال من أمتي قوم ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله)).
وروى حديث معاوية في ذلك أيضاً.
112- وقال: باب قول الله تعالى: {قل لو كان البحر مداداً} الآية، وقوله: {ولو أنما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ.. .. } الآية.
وروى حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((تكفل الله لمن جاهد في سبيله.. .. )) الحديث.
113- وقال: باب قوله: {تؤتي الملك من تشاء}.
[قال]: نا مسدد نا عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا دعوتم الله فاعزموا في الدعاء، ولا يقولن أحدكم إن شئت فأعطني فإن الله لا مستكره له)).
وروى حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع.. .. )) الحديث.
وروى حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنما بقاؤكم فيما سلف(1/143)
قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس.. .. )) وساق الحديث بطوله.
وروى حديث أبي هريرة ((أن نبي الله سليمان كان له ستون امرأة .. .. )) الحديث.
وروى حديث أبي هريرة: ((استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود.. .. إلى قوله: فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قلبي أو كان ممن استثنى الله تعالى)).
وساق فيه أحاديث في المشيئة والاستثناء.
114- وقال: باب {أنزله بعلمه}.
وقال مجاهد: {يتنزل الأمر بينهن} بين السماء السابعة والأرض السابعة.
وروى حديث ابن أبي أوفى: ((قال رسول الله يوم الأحزاب: اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب وزلزلهم)).
115- وقال: باب قوله: {يريدون أن يبدلوا كلام الله}.(1/144)
قال: نا الحميدي نا سفيان ثنا الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)).
قال: ونا إسماعيل حدثني مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال: ((ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: ((من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له)).
وساق فيه حديث الإفك، وحديث أبي هريرة في الرجل لم يعمل خيراً قط فقال: حرقوني.. .. بطوله.
116- وقال: باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله.
وذكر حديث معاذ وغيره.
117- وقال: باب قول الله: {قل ادعوا الله.. .. }.
وروى حديث جرير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)).(1/145)
118- وقال: باب قول الله: {إن الله هو الرزاق ذو القوة.. .. }.
قال: نا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي عليه السلام: ((ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم)).
119- وقال: باب قول الله: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً} و{إن الله عنده علم الساعة} الآيات.
وروى حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله.. .. )).
وقال: نا محمد بن يوسف نا سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: ((من حدثكم أن محمداً رأى ربه فقد كذب، وهو يقول: {لا تدركه الأبصار.. .. } ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: {لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله})).(1/146)
120- وقال: باب قول الله: {السلام المؤمن}.
وروى حديث عبد الله في التشهد.
121- وقال: باب [قول الله تعالى: {ملك الناس}].
قال: نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام قال: ((يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟)).
122- وقال: باب [قول الله تعالى: {وهو العزيز الحكيم.. .. }].
قال: حدثنا ابن أبي الأسود نا حرمي نا شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي عليه السلام قال: ((لا يزال يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العالمين قدمه فينزوي بعضها إلى بعض، ثم تقول قد قد، بعزتك وكرمك، ولا تزال الجنة تفضل حتى ينشئ الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة)).
123- وقال: باب [قول الله: {وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق}.(1/147)
وذكر حديث ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو من الليل.
124- وقال: باب {وكان الله سميعاً بصيراً}.
وقال الأعمش عن تميم عن عروة عن عائشة قالت: ((الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، فأنزل الله على النبي {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها})).
وذكر حديث أبي موسى كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنا إذا علونا كبرنا، فقال: ((اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، تدعون سميعاً بصيراً قريباً.. .. )) الحديث.
وحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن جبريل ناداني وقال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك)).
125- وقال: باب {قل هو القادر}.
وذكر فيه حديث جابر بن عبد الله السلمي عن النبي عليه السلام في الاستخارة.
126- وقال: باب [((مقلب القلوب))].(1/148)
وذكر حديث عبد الله: ((أكثر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف: لا ومقلب القلوب)).
127- وقال: باب [إن لله مائة اسم إلا واحدة].
وذكر حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة)).
128- وقال: باب السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها.
وذكر الحديث ((اللهم باسمك أحيا وأموت))، وذكر أحاديث الصيد والتسمية.
فصل
اعلم -رحمنا الله وإياك- أن هذه الأحاديث التي قد ذكرنا في صفات الله تعالى قد ذكرها الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل وأشباهها، ورواها شيوخنا، وجمعها شيخنا الإمام أبو يعلى نضر الله وجهه على ما ساقها الإمام أبو عبد الله بن بطة، وأوجبوا كلهم الإيمان بها والتسليم، ولا ترد ولا تتأول، وكذلك ساقها مسلم في صحيحه، وأبو عبد الرحمن(1/149)
النسائي، وجميع أصحاب الحديث.
وإنما زاد عليهم شيخنا رحمه الله أنه ذكر أسولة اعترض بها المتكلمون عليها إما ليبطلوها أو يتأولوها، فرد عليهم ذلك على ما قاله السلف المهديون والخلف المرضيون، وكان موفقاً بحمد الله في ذلك وغيره؛ لأن الملحدة قد اعترضت على آي الكتاب بما أوقعت به الشبه والشكوك، فلو لا ما تفضل الله به من العلماء الذين أزالوه وميزوه وإلا كان الناس في حيرة، وكذلك اعترضوا على الأخبار، ورد عليهم السلف الأخيار، وكذلك فعلوا في أحاديث الصفات.
ومن كان قبل فكان لهم من قوة الإيمان وصحة الإتقان والمعرفة والبيان ما لا يحتاجون معه إلى من يتجرد لذلك، فأما في زماننا هذا فالناس بهم حاجة إلى ذلك، فلو لم يفعل لكانوا في حيرة، والله يحسن على ذلك جزاءه ويجمع له خير آخرته ودنياه، فلقد كان من أحبار المؤمنين وخيار المسلمين ومن الأئمة الصالحين، نفعنا الله بمحبته، وتغمدنا وإياه برحمته، إنه بما يسأل جدير، وعلى ما يشاء قدير إن شاء الله.
فصل
130- أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المقري الحمامي رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن كامل قال: حدثنا أبو قلابة قال: حدثنا حسين بن حفص(1/150)
قال: حدثنا سفيان الثوري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تقوم الساعة حتى تكون خصومتهم في ربهم)).
قال الإمام أبو الفتح الحافظ رحمه الله: ((هذا حديث غريب من حديث سفيان عن سهيل بن أبي صالح تفرد به حسين بن حفص عنه، وتفرد به أبو قلابة عن حسين)).
وهذه الخصومة هي اعتراضات الملحدة على الآثار التي صحت رواتها، وشهر نقلها، وأخذت الأئمة بها، فاحتاج العلماء الرد لتلك الشبه ونصيحة الأمة في ذلك.(1/151)
باب ما اعترضوا به على أخبار الصفات
131- قالوا: رويتم أن الله ينزل إلى سماء الدنيا، وهذا خلاف لقول الله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم.. .. } الآية وقوله: {وهو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ} وقد أجمع الناس على أنه بكل مكان لا يشغله شأن عن شأن.
أجاب أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة عن ذلك، قال: ((قوله: {إلا هو معهم} بالعلم بما هم عليه، وكذا نقول: علمه بكل مكان، وإلا كان مذهب الحلولية، قال الله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} أي: استقر، كما قال: {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك} أي: استقررت.
وساق الآيات والشواهد على ذلك.
وقال في الآية الأخرى: أراد إله السماء ومن فيها وكذلك الأرض، كما تقول هو بخراسان أمير وبمصر أمير، فالإمارة تجمع له بهما، وإن كان خالداً في أحدهما أو في غيرهما.(1/152)
ثم قال: ولا نحتم على النزول منه بشيء نؤمن به ونسلمه، ثم ساق حد النزول بيننا في اللغة، والله يجل عن ذلك ويعظم.
132- حديث آخر: قالوا: رويتم أن كلتا يديه يمين، وهذا مستحيل إن كنتم أردتم باليدين العضوين، وكيف يعقل يدان كلتاهما يمين.
فأجاب ابن قتيبة: أن هذا الحديث صحيح، ومعناه التمام والكمال لأن كل شيء مياسره تنقص عن ميامنه في القوة والبطش، وكانت العرب تحب التيامن وتكره التياسر، لما في اليمين من التمام وفي اليسار من النقصان، أي: صفة الله بخلاف ذلك وفي الحديث نصاً: ((يمين الله سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار))، أي: تصب العطاء ولا ينقصها.
133- حديث آخر قالوا: رويتم ((عجب ربكم من إلكم وقنوطكم، وضحك من كذا))، إنما يعجب ويضحك من لا يعلم فيعلم.(1/153)
قال ابن قتيبة: ونحن نقول: إن العجب والضحك ليس كما ظنوا، وإنما هو حل كذا عنده محل ما يعجب منه ومحل ما يضحك منه؛ لأن الضاحك إنما يضحك من معجب له، وقال الله لنبيه: {وإن تعجب فعجبٌ قولهم} لم يرد أنه عندي عجب، وإنما أراد أنه عجب عند من سمعه، وهذا منزع وإلا فعلينا الإيمان به والتسليم.
134- حديث آخر: قالوا: رويتم عن النبي عليه السلام قال: ((لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن)).(1/154)
وينبغي أن تكون عندكم غير مخلوقة؛ لأنه لا يكون من الرحمن شيء مخلوق.
قال ابن قتيبة: نحن نقول لم يرد بالنفس ما ذهبوا إليه، وإنما أراد أن الريح من فرج الله وروحه، وقد فرج الله عن نبيه بالريح يوم الأحزاب وقال: {فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها} وكذلك قوله: ((إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن)) يعني أنه يجد الفرج من قبل الأنصار وهم من اليمن.(1/155)
135- حديث آخر: قالوا: رويتم: ((أن قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن)) فإن كنم أردتم بالأصابع هاهنا النعم [وكان الحديث صحيحاً] فهو مذهب، وإن كنتم أردتم الأصابع بعينها فإن ذلك يستحيل؛ لأن الله لا يوصف بالأعضاء ولا يشبه بالمخلوقين.
قال ابن قتيبة: ونحن نقول: إن هذا الحديث صحيح، وإن الذي ذهبوا إليه لا يشبه الحديث؛ لأنه قال في دعائه: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) فقالت له إحدى أزواجه: أو تخاف يا رسول الله على نفسك، فقال: ((إن قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الله تعالى)).
فإن كان القلب عندهم بين نعمتين من نعم الله فهو محفوظ، فما كان يحتاج إلى الدعاء، وإنما هو عندنا مثل الحديث الآخر: ((يحمل الأرض على أصبع وكذا على أصبع.. .. ))، ولا يجوز أن يكون الأصبع ها هنا نعمة، ولا نقول أصبع كأصابعنا ولا يد كأيدينا ولا قبضة كقبضاتنا؛ لأن كل شيء منه لا يشبه شيئاً منا.
136- حديث آخر: قالوا: رويتم أن النبي عليه السلام قال: ((رأيت ربي في(1/156)
أحسن صورة ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثندوتي)).
قال ابن قتيبة: ونحن نقول: إن الله تعالى لا تدركه الأبصار في الدنيا، وإذا كان يوم القيامة رآه المؤمنون كما يرون القمر ليلة البدر، وكذلك قوله لموسى: {لن تراني} يعني في الدنيا، ثم قال: وكذلك نقول: إن نبينا لم يره إلا في المنام وعند تغشي الوحي له.
ثم روى بإسناده حديث أم الطفيل وأنه رأى ربه في المنام في صورة كذا.(1/157)
ونحن لا نطلق على الصورة تشبيهاً، بل مخالفة لغيرها كما خالفت ذاته غيرها من الذوات.
137- حديث آخر: قالوا: رويتم أن الله خلق آدم على صورته والله يجل أن يكون له صورة أو مثال.
قال ابن قتيبة: ونحن نقول: إن الله يجل أن يكون له صورة أو مثال غير أن الناس ربما ألفوا الشيء وأنسوا به فسكنوا عنده، وأنكروا مثله، ألا ترى أن الله تعالى يقول في وصف نفسه: {ليس كمثله شيءٌ} وهذا يدل على أن مثله لا يشبهه بشيءٍ، ومثل الشيء غير الشيء، فقد صار على هذا الظاهر لله مثل. ومعنى ذلك في اللغة أنه يقام المثل مقام الشيء نفسه، يقول القائل مثلي لا يقال له هذا ويريد نفسه فيكون قوله: {ليس كمثله شيءٌ} يريد هو كشيء.(1/158)
ويجوز أن تكون الكاف زائدة، كما يقول: كلمني بلسان كمثل السنان، ثم قال: وقد اضطرب الناس في تأويل هذا الحديث:
فقال قوم من أصحاب الكلام: أراد خلق آدم على صورة آدم، وهذا غلط؛ لأنه لا فائدة في ذلك، ومن يشك أن الله خلق الإنسان على صورته، والسباع على صورها، والأنعام على صورها.
وقال قوم: خلق آدم على صورة عنده، وهذا لا يجوز؛ لأن الله لا يخلق شيئاً من خلقه على مثال.
وقال قوم: في الحديث: ((لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورته)) يريد على صورة الوجه، وهذا أيضاً بمنزلة التأويل الأول لا فائدة فيه، والناس يعلمون أن الله خلق آدم على خلق ولده، ووجهه على وجوههم.
وزاد قوم في الحديث: أنه مر برجل يضرب وجه رجل فقال: لا تضربه فإن الله خلق آدم على صورته أي المضروب، وفي هذا من الخلل ما في الأول.
وقال قوم: خلق آدم في الجنة على صورته في الأرض لم تختلف.
قال ابن قتيبة: والذي عندي والله أعلم أن الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين والوجه، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن ووقعت الوحشة من هذه؛ لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد.(1/159)
138- حديث آخر: قالوا: رويتم في حديث أبي رزين العقيلي برواية حماد بن سلمة أنه قال: أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ فقال: ((كان في عماء فوقه هواء)) قالوا: وهذا تحديد وتشبيه.
قال ابن قتيبة: وقد تكلم في تفسير هذا الحديث أبو عبيد القاسم بن سلام فقال: العماء: السحاب، وهو كما قال في كلام العرب إن كان الحرف ممدوداً، وإن كان مقصوراً كأنه كان في عمى عن معرفة الناس كان كما شاء.
139- حديث آخر: قالوا: رويتم عن النبي عليه السلام: ((لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر)) فوافقتم في ذلك الدهرية.
قال ابن قتيبة: ونحن نقول: إن العرب في الجاهلية كانت تقول: أصابني الدهر في مالي بكذا أو نالتني قوارع الدهر ومصائبه، قال الله تعالى حكاية عما قالوا: {وما يهلكنا إلا الدهر} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تسبوا الدهر إذا أصابتكم المصائب؛ فإن الله هو الفعال لما يشاء)).
140- حديث آخر: قالوا: رويتم عن النبي عليه السلام قال: ((يقول الله(1/160)
تعالى: من تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)).
قال ابن قتيبة: ومعناه عندنا من تقرب بالطاعة وأتاني بها أتيته بالثواب أسرع من إتيانه، فكنى عن ذلك بالمشي وبالهرولة كما قال تعالى: {والذين يسعون في آياتنا معاجزين} والسعي الإسراع في المشي، وليس يريد أنهم مشوا، وإنما أسرعوا بنياتهم وأعمالهم.
141- حديث آخر: قالوا: رويتم: ((آخر وطأة وطئها الله بوجٌ)).
قال ابن قتيبة: ولهذا الحديث مخرج حسن يذهب إليه أهل النظر وبعض أصحاب الحديث، قالوا: إن آخر ما أوقع الله تعالى بالمشركين(1/161)
بالطائف، وكانت آخر غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحنين واد قبل الطائف، وكان سفيان بن عيينة يذهب إلى هذا.
قال: وهو مثل قوله في دعائه: ((اللهم اشدد وطأتك على مضر)).
142- حديث آخر: قالوا: رويتم أن ابن عباس قال: ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح به من شاء من خلقه)).
قال ابن قتيبة: وأصل هذا أن الملك إذا صافح رجلاً قبل الرجل يده، فهذا مثل، أي: أن الحجر بمنزلة يمين الملك تستلم وتلثم.
143- حديث آخر: قالوا: رويتم أن النبي عليه السلام قال: ((ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته)) والله يقول: {لا تدركه الأبصار} ويقول: {ليس كمثله شيءٌ} وقال لموسى: {لن تراني} قالوا: وإن صح حملناه على العلم كما قال: {ألم تر كيف فعل ربك} يعني ألم تعلم.(1/162)
قال ابن قتيبة: هذا الحديث صحيح تتابعت على نقله الروايات عن الثقات الذين رووا لنا الحلال والحرام، ومعناه: يرونه مثل القمر لا يختلفون فيه، ولم يقع التشبيه به على جميع حالات القمر في التدوير والمسير والحدود وغيره.
وقوله: {لن تراني} يعني في دار الدنيا؛ لأن الرؤية لو استحالت لم يسألها نبي، وكذلك {لا تدركه} يعني في الدنيا، أو لا تحيط به.
144- حديث آخر: قالوا: رويتم: ((إن الصدقة تدفع القضاء المبرم)) والله يقول: {إنما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} وأجمع الناس أنه لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.
قال ابن قتيبة: ومعناه: أن من أذنب استحق العقوبة، فإذا هو تصدق دفع ذلك عن نفسه كما روي: ((صدقة السر تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء)).(1/163)
فصل
145- وهذا وأشباهه إنما تكلم فيه العلماء دفعاً لما ذكره المتكلمون واعترض عليه المخالفون، وعلى نحو هذا سلك شيخنا الإمام أبو يعلى رضي الله عنه في كتابه الذي وسمه بـ ((إبطال التأويلات لأخبار الصفات)). فمن اعتقد أنه تفرد بالجمع لأخبار الصفات أو بالجواب عما اعترض به عليها فإنما يقول ذلك بغير علم، سلمنا الله وإياكم من الشبهات، وأعاذنا من التشبيهات، وغفر لنا الذنوب والتبعات بجوده وكرمه إن شاء الله.(1/164)
فصل
146- وأما كتاب الشريعة الذي جمعه الآجري رحمه الله ونصح فيه، فجميع أخبار الصفات ساقها فيه وأمرها على ظاهرها ومنع من الكلام، وحديث الرؤية ذكره وساق طرق ابن عباس فيه، وقد أفردت بذلك كتاباً، وبقية الأبواب المتعلقة بالسنة فقد ذكرها أيضاً، وسقتها في كتابي في السنة وهو جزآن يشتمل على نحو خمسين باباً، وقد أتى في هذا الكتاب جملة كافية منها نفعنا الله بها وجميع المسلمين.(1/165)
باب في ذكر الصحابة رضي الله عنهم
147- أخبرنا أبو الحسن الحمامي قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: ((السنة في التفضيل الذي نذهب إليه، إلى ما روي عن ابن عمر نقول: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فأما الخلافة فنذهب إلى حديث سفينة يعني عن النبي عليه السلام: ((الخلافة في أمتي ثلاثون سنة)) فنقول: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي في الخلفاء نستعمل الحديثين جميعاً)).
قال سفينة: ((فخذ سنتين أبو بكر، وعشر عمر، وثنتي عشرة عثمان، وست علي رضي الله عنهم)).
148- وأخبرنا أبو الحسن قال: أخبرنا إسماعيل قال: حدثنا(1/166)
عبد الله قال: سألت أبي عن الشهادة لأبي بكر وعمر هما في الجنة؟ قال: نعم، وأذهب إلى حديث سعيد بن زيد أنه قال: ((أشهد أن النبي في الجنة وكذلك أصحاب النبي التسعة والنبي عاشرهم))، وقول سعيد بن المسيب: ((لو كنت شاهداً لأحد حي أنه في الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر، قال الله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسانٍ رضي الله عنهم ورضوا عنه.. .. } الآية، وقال: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة.. .. } الآية قلت لأبي: فإن قال: أنا أقول: إن أبا بكر وعمر في الجنة ولا أشهد، قال: يقال له: هذا الذي تقول حق؟ فإن قال: نعم، يقال له: ألا تشهد على الحق؟ والشهادة هي القول ولا تشهد حتى تقول: فإذا قال شهد. وقال النبي عليه السلام: ((الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من أمتي)) إذا لم يكن أصحاب رسول الله منهم فمن يكون؟!)).
149- وأخبرنا أبو الحسن قال: أخبرنا إسماعيل قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي قال: حدثنا ابن عيينة عن عمر وابن المنكدر سمعا جابراً أن النبي عليه السلام قال: ((دخلت الجنة فرأيت قصراً فقلت: لمن هذا قالوا لعمر)).
وروى حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.(1/167)
والزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه صالح بن كيسان أو غيره.
وما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر استأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة، لأبي بكر وعمر وعثمان فتكون بشراه إلا حقاً.
وروى أنس وسهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحد: ((اسكن فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان)).
150- أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد البزاز قال: أخبرنا دعلج بن أحمد العدل قال: حدثنا محمد بن محمد بن حبان التمار قال: حدثنا حرمي بن حفص قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال:(1/168)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة)).
151- وحدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد الحافظ رحمه الله قال: أخبرنا أحمد بن يوسف بن خلاد العدل قال: حدثنا الحارث بن محمد قال: حدثنا عبد الرحيم بن واقد قال: حدثنا بشير بن زاذان القرشي قال: حدثنا عمر بن صبح عن بعض أصحابه قال عبد الرحيم: قال لي رجل من أهل العلم سمعته من بشير بن زاذان عن بكير عن مكحول عن شداد أن النبي عليه السلام قال: ((أبو بكر أروف أمتي وأرحمها، وعمر بن الخطاب خير أمتي وأعدلها وعثمان ابن عفان أحيا أمتي وأكرمها وعلي بن أبي طالب ألب أمتي وأسمحها، وعبد الله بن مسعود أبر أمتي وآمنها، وأبو ذر أزهد أمتي وأصدقها، وأبو الدرداء أعبد أمتي وأبقاها، ومعاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي(1/169)
وأجودها)) رضي الله عنهم.
152- أخبرنا الحسن بن أحمد البزاز قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثنا إسحاق بن حاتم العلاف قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن ثور بن يزيد عن مكحول عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: قال النبي عليه السلام للعباس: ((إذا كان غداة الاثنين فأتني أنت وولدك، قال: فغدا وغدونا فألبسنا كساءً، ثم قال: اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة باطنة لا تغادر ذنباً، اللهم اخلفه في ولده)).
153-حدثنا محمد بن أحمد الحافظ قال: حدثنا عبيد الله بن عثمان قال: حدثنا أحمد بن خلف قال: حدثنا أبو عبد الله البصري قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن مالك بن أنس قال: ((لو أن رجلاً عمل بكل كبيرة ثم مات وسلم منه أصحاب رسول الله ومات على السنة حشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)).(1/170)
تم الكتاب بحمد الله ومنه في مستهل جمادى الآخرة من سنة خمس وستين وأربعمائة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين، ونفعنا به وجميع المسلمين إن شاء الله.(1/171)