القاعدة : [249]
إذا تعارض القصد واللفظ أيهما يقدم ؟
التوضيح
إذا كان اللفظ له مدلول عرفي ناقل للفظ عن مدلوله اللغوي ؛ بحيث صار لا يتبادر عند الإطلاق غيره ، دون حاجة إلى ترينة ، فتقديم المدلول العرفي على المدلول اللغوي محل اتفاق بين أشهب وابن القاسم.
وإنما يختلفان في فروع هذه القاعدة ، فيما يعدُّ ناقلاً للفظ عن مدلوله اللغوي وما لا يعدُّ ناقلاً ، فقد يستعمل أهل العرف اللفظ استعمالاً عرفياً غالباً ، لكن إن لم يصل إلى الغاية الموجبة للنقل ، فابن القاسم حينئذ يقدم المدلول اللغوي ، وأشهب يقدم المدلول العرفي ، فهذا هو محل النزاع في تحقيق المناط.
وهذا يدخل في تعارض العرف مع اللغة الذي سبق في قاعدة
"العادة محكَّمة".
التطبيقات
1 - من حلف لا يأكل لحماً أو رؤوساً أو بيضاً ، لا يحنث بأكل لحوم أو رؤوس أو بيض الحيتان ؛ لأنها لا تراد من اللفظ عرفاً ، ولو أن اليمين تدل عليها لفظاً ، وهو قول أشهب وابن حبيب ، ويحنث عند ابن القاسم تقديماً لظاهر اللفظ على القصد.
(الغرياني ص 174).
2 - من حلف لا يجلس على بساط ، لا يحنث بجلوسه على الأرض ، لأنها لا تسمى(2/903)
بساطاً عرفاً ، ولو أنها تسمى كذلك لغة ، كما قال تعالى : (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19).
وذلك نقديماً للقصد على اللفظ.
(الغرياني ص 174).
3 - من حلف بلفظ دلالته العرفية على الطلاق ، ودلالته اللفظية على غير
الطلاق ، لزمه الطلاق ، تقديماً للقصد على اللفظ ، وذلك كما لو جرى عرف بعض البلاد من أن الحلف بصيغة "عليَّ اليمين" أو "عليَّ الحرام "
هي عندهم يقصد بها الطلاق ، فمن حلف بها لزمه الطلاق ، تقديماً للقصد العرفي على اللفظ ، فإن تنوسي القصد العرفي مع طول الزمن.
ولم ينوِ المتكلم من اليمين شيئاً ، بل أجراه على لسانه
من غير قصد ، فعلى الخلاف في اليمين المجردة عن النية.
قيل : تلزم ، وقيل : لا تلزم.
(الغرياني ص 174).
4 - من قال لزوجته : أنت عليَّ كظهر أمي قاصداً بذلك الطلاق ، والمشهور عند المالكية أن صريح لفظ الظهار يقدم فيه اللفظ على القصد ، فينصرف إلى الظهار ، ولا تقبل فيه النية المخالفة ، أما ما كان من كنايات الظهار ، كانت على كيد أمي ، أو ظهر فلانة الأجنبية ، فإن القصد يقدم فيه على الطلاق ، فإن نوى به الطلاق لزمه.
وإن نوى به الظهار لزمه.
(الغرياني ص 175).
5 - من نذر صوم يوم يقدم فلان ، فقدم نهاراً ، والناذر مفطر ، فمن قدَّم اللفظ على القصد ، قال : لا يلزمه قضاء ذلك اليوم ؛ لأن دلالة اللفظ هو صيام يوم قدوم فلان ، وقد تعذر صيامه ، ومن قدَّم القصد أوجب عليه القضاء ؛ لأن قصد الناذر الشكر للّه تعالى بصوم يوم ، فلما تعذر بقدوم فلان وجب قضاؤه.
(الغرياني ص 175).
6 - من نذر صوم شهر ، فمن قدم اللفظ ، يكفيه صيام تسحة وعشرين يوما ؛ لأن الشهر يكون تسعة وعشرين ، ويكون ثلاثين ، ومن قدَّم القصد أوجب عليه صوم ثلاثين يوماً ؛ لأن الناذر قاصد للتشديد على نفسه ، والتشديد يتحقق بالثلاثين.
(الغرياني ص 175).
7 - من حلف ألا يأكل عسلاً ، فأكل عسل الرطب ، أو حلف لا أدخل عليه بيتاً ، هل يحنث بدخوله عليه في المسجد أو لا ؛ أو حلف لا أكلم فلاناً ، فسلم عليه في(2/904)
الصلاة ، ففي ذلك خلاف في الحنث على القاعدة ، فيحنث إن قدمنا المدلول اللفظي ، وهو قول ابن القاسم ، ولا يحنث إن قدمنا القصد ، وهو قول أشهب.
(الغرياني ص 176).
8 - من وكَّل أحداً ليشتري له ثوباً ، فاشترى الوكيل ما لا يليق بالموكل ، فقال ابن القاسم غير لازم للموكل ، فقدَّم المدلول العرفي ، وقال أشهب : يلزمه قبوله ، فقدَّم اللفظ ، فراعى ابن القاسم العرف في الوكالة دون الأيمان ، وعكس أشهب.
(الغرياني ص 176).
9 - من حلف ليتزوجنَّ ، فتزوج امرأة ليست كفئاً له ، فعلى مراعاة اللفظ يكون قد برَّ بيمينه ، وعلى مراعاة القصد لا يحصل له برٌّ.
(الغرياني ص 176) .(2/905)
القاعدة : [250]
الأتباع هل يعطى لها حكم متبوعاتها ، أو حكم نفسها ؟
الألفاظ الأخرى
- اختلفوا في كون الأتباع مقصودة ، أم لا ؟
- المشهور من مذهب مالك أن الأقل يتبع الأكثر.
التوضيح
سبقت القاعدة العامة " التابع تابع " (م/47)
وأن التابع ينسحب عليه حكم المتبوع.
ولكن اختلف الحكم عند المالكية في بعض الفروع.
وأن فيها قولين ، لكن "المشهور من مذهب مالك أن الأقل يتبع الأكثر ، ولذلك تشترك هذه القاعدة في بعض فروعها مع القاعدة المتقدمة المختلف فيها عند المالكية "ما قرب من الشيء هل له حكمه ، أم لا ؟ "
وذلك إذا كان للأمر جانبان ، جانب يشمل معظمه وأكثره.
وله حكم يخصه ، وجانب آخر لا يشمل إلا جزءاً قليلاً منه.
وله حكم آخر يخصه لو استقل بنفسه.
فهل بانضمام القليل إلى الأكثر يفقد الأقل اعتباره ، ويسري عليه
حكم الأغلب ؟ وهو المشهور ، أو يبقى للأقل حكمه الخاص به ، ولا ينظر إليه إلا في نفسه ، دون اعتبارِ لغيره ؟(2/906)
التطبيقات
1 - من كان له مالان ، أحدهما يتاجر به تجارة (مدير) وهو الذي يعرض سلعته للبيع والشراء طوال العام ، والآخر يتاجر به تجارة محتكر ، لا يعرض السلعة بليتربص بها غلاء الأسعار ، وأحد المالين أكثر من الآخر ، فعلى أن الأقل يعطى حكم الأكثر ، يزكيان معاً عند وجوب زكاة الأكثر ، وهو قول ابن الماجشون ، وهو الأعدل ، وعلى أن الأتباع لا تعطى حكم متبوعاتها يزكى كل مال على سنته ، وهو القياس.
(الغرياني ص 188).
2 - المصحف المحلى بأحد النقدين إذا كانت حليته قليلة تبعاً لغيرها ، فإنه يجوز بيعه بنقد من صنف الحلية ، يداً بيد على المشهور.
ومنع ابن عبد الحكم بيعه كذلك ، إعطاء للأتباع حكم أنفسها.
ومثل المصحف المحلى بيع السيف المحلى ، والخاتم المحلى.
والثوب المحلى بأحد النقدين الذي لو سبك لخرج منه عين.
(الغرياني ص 188).
3 - استعمال الذهب في خاتم الرجال ممنوع ؛ فإن كان المذهب قليلاً تبعاً لغيره ، فإنه يجري على القاعدة.
(الغرياني ص 189).
4 - بيع حلي متبوع بصنف التابع ، كسوار ثلثه ذهب وثلثاه فضة ، يباع بذهب.
منعه مالك في المدونة ، والجواز أقيس ، إذ لا فرق بين الحلي والسيف.
(الغرياني ص 189).
5 - الخنثى الذي له فرج رجل وفرج امرأة إذا بال من المحلين ، ينظر إلى الأكثر منهما فيحكم له به بناء على هذه القاعدة.
(الغرياني ص 189).
6 - تكره الأجرة على الإمامة وحدها ، لأن الإمامة صلاة ، والصلاة متعينة على المكلف ، ولا يجوز أخذ الأجرة على ما تعين عمله ديانة ، وتجوز الأجرة على الأذان وحده ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى أبا محذورة صرة من فضة بعد أن علمه الأذان وأمره به.
وتجوز على الإمامة مع الأذان ؛ لأنها تبع للأذان.
(الغرياني ص 190).
7 - يجوز في المسالَاة أن يترك للعامل البياض من الأرض الذي لا غرس فسِه
يغرسه لنفسه ، ولا يأخذ المالك منه عليه شيئاً ، وذلك إذا كان البياض قليلاً(2/907)
لا يتجاوز الثلث ؛ لأنه قليل وتبع ، ويجوز كذلك إدخاله في عقد المساقاة تبعاً للسواد إذا لم يتجاوز الثلث على القاعدة.
(الغرياني ص 190).
8 - الدية على العاقلة من أهل البادية مئة من الإبل ، وعلى أهل المدن ألف دينار ذهباً ، فإن كان بعض العاقلة بالبادية ، وبعضها بالحاضرة ، أعطي للأقل حكم الأكثر ، ولا تلفق الدية ، على قول ، وفي قول ينظر في الدية إلى محل الجناية.
وقيل : تجب في نوع من كان الجاني مقيماً بينهم.
(الغرياني ص 190).(2/908)
القاعدة : [251]
الإقالة هل هي حَلٌّ للبيع الأول ، أو ابتداء بيع ثانٍ ؟
التوضيح
هذه القاعدة تشبه قاعدة الشافعية "الإقالة هل هي فسخ أو بيع ؟!
واختلف المالكية في فروعهم في الإقالة ، فقيل : تعذُ الإقالة حَلاُّ للبيع الأول ونقضاً له ، وكان شيئاً لم يكن ، فالبائع يسترد سلعته ، والمشتري يسترد الثمن الذي بذله ، والمشهور أن الإقالة تعدُّ بيعاً جديداً ، بمعنى أن البيع الأول ترتبت عليه آثاره ، وملك به المشتري المبيع.
والبائع الثمن ، وبالإقالة ينشئ العاقدان بيعاً جديدأيملك به كل ما عند صاحبه ، ولا يستثنى من ذلك إلا ثلاثة أشياء ، تكون الإقالة فيها حَلاَّ للبيع بالاتفاق.
التطبيقات
1 - من باع ثمراً بعد زهوه وطيبه ، فجذه المشتري ، وبعد يبسه أقال منه ، فالإقالة تجوز بناء على أنها حل للبيع ؛ لأن كل واحد رجع إليه عوضه الذي بذله من غير زيادة ولا نقص ، وعلى أن الإقالة ابتداء بيع لا تجوز ، لأنها بيع طعام واقتضاء غيره من جنسه لم تتحقق مماثلته ، لأن البائع أعطى بسراً ، وأخذ عنه تمراً يابساً ، والثمن لغو.
لكن لو بعدت التهمة جاز ، كان أفلس المشتري قبل أن يدفع الثمن ، فإنه يجوز للبائع أخذ التمر اليابس بدل النقد اتفاقاً.
(الغرياني ص 381).
2 - الأرض المطبلة هي التي وضع عليها قدر معلوم من الخراج بعد إحيائها ،(2/909)
وتسمى بأرض الطبل والوظيف ، قال ابن القاسم : لا يجوز بيعها ، للجهل بالثمن ، وعليه فلا تجوز الإقالة فيها بناء على أن الإقالة بيع ، وتجوز بناء على أنها حل للبيع.
(الغرياني ص 381).
3 - العهدة واجبة في بيع الرقيق ، وهي وضع البيع عند أمين حتى تتبين سلامته ، فهي تعلق المبيع بضمان البائع على وجه مخصوص مدة معلومة ، واختلف هل تجب العهدة في الإقالة أم لا ؟
فعلى أن الإقالة ابتداء بيع تجب فيها العهدة ، واعترض على
ذلك بأن الإقالة مقصود بها المعروف ، فلا نكون فيها عهدة ، كما تجب في العقود المقصود بها المكايسة والمعاوضة ، وعلى أن الإقالة حَلّ للبيع فلا تجب فيها عهدة اتفاقاً.
(الغرياني ص 381).
المستثنى
1 - الإقالة في بيع المرابحة ليست ابتداء بيع ، وإنما هي حَلّ للبيع الأول بالاتفاق ، خلافاً للقاعدة ، ولذا قالوا فيمن أراد أن يبيع السلعة مرابحة ، وكان باعها قبل ذلك ، ثم رجعت إليه بالإقالة : إنه يجب عليه أن يبين ذلك ، بخلاف ما لو باعها ثم ملكها بشراء جديد.
(الغرياني ص 381).
2 - الإقالة في بيع الطعام تعذُ نقضاً للبيع الأول بالاتفاق ؛ لأنها لو عدت ابتداء بيع لمنعت ، لما يترتب عليها من بيع الطعام قبل قبضه.
(الغرياني ص 302).
3 - الإقالة في الأخذ بالشفعة ليست ابتداء بيع ، ولا حَلّ بيع ، بل تعد ملغاة ، فمن باع شقصاً ثم أقال من مشتريه فلا يعتد بإقالته ، والشفعة ثابتة للشريك بالثمن الذي أخذ به المشتري الأول ، والعهدة عليه ، ولو كانت الإقالة حَلّ بيع لما ثبتت للشريك الشفعة ، لأن البيع لم يتم.
وليست الشفعة ابتداء بيع ؛ لأنها لو كانت كذلك لخيِّر الشفيع في الأخذ بأي
البيعتين ، وتكون العهدة على من أخذ ببيعه ، فيكون مخيراً فيها أيضاً ، كما لو تعدد البيع من غير البائع ، فالإقالة في الأخذ بالشفعة ملغاة ، ولا يحكم لها بأنها ابتداء بيع ، ولا حَلّ بيع ، بل لها حكم مستقل.
(الغرياني ص 302) .(2/910)
القاعدة : [252]
القسمة هل هي تمييز حق ، أو بيع ؟
التوضيح
القسمة عند المالكية تمييز للحصص المشتركة بين الشركاء على الصحيح ؛ لأنه يجبر عليها من أباها ، ولو كانت بيعاً ومعاوضة لما صح فيها الجبر ، والقول بأنها تمييز للحصص مبني على أن الجزء المشاع في الشركة يتميز ويتعين قبل القسمة والفرز.
وعلى أنها تمييز حق فإن كل شريك يكون قد أخذ بالقسمة ما تقرر له بالشركة بالأصالة ، دون معاوضة لحصته بحصة شريكه.
وقيل : إن القسمة بيع من البيوع ؛ لأن تمييز الحصص المشتركة بين الشركاء لا يتم للشريك إلا بعد أن يعاوض حصة شريكه بحصته ؛ لأن الأصل أن حصة كل شريك موزعة في المال كله ، فلا يتم اختصاصه بشيء إلا بعد أن يبيع منابه في غير الجزء الذي آل إليه ، بمناب شريكه في الحصة التي حازها ، وهذا الخلاف إنما يجري في القسمة الجبرية ، وهي قسمة القرعة ، وفي قسمة المراضاة التي تتم بعد التقويم والتعديل ، لأنها تشبه القرعة.
أما قسمة المراضاة بغير تعديل وتقويم فلا خلاف في أنها بيع من
البيوع ، وليست تمييز حق .(2/911)
التطبيقات
1 - إذا كان في التركة ذهب وفضة وحلي ، وأراد أحد الورثة أن يشتري الحلي بحصته في الميراث ، ويكتبه لنفسه قبل القسمة ، بأن يقول لباقي الورثة مثلاً : أبيع لكم منابي في التركة كلها ، وآخذ عن ذلك الحلي ، فإن ذلك جائز على أن القسمة تمييز حق على الصحيح.
وقيل : لا يجوز بناء على أنها بيع ، لأن المحاسبة تتأخر إلى وقت القسمة.
وفي ذلك بيع للحلي بالنقد مع التأخير ، ولأنه لو تلف باقي التركة لرجع عليه الورثة فيما أخذ من الحلي ، وهم قد بذلوا نقداً مقابل الحلي ، فيكون الرجوع بالحلي من الصرف المؤخر.
(الغرياني ص 342 ، والونشريسي ص 381).
2 - من مات بعد ذبح أضحيته ، فإنه يجوز للورثة قسمة أضحيته بناء على أن القسمة تمييز حق ، وقيل : لا تجوز قسمتها ، وإنما ينتفعون بها شركة ، وهو مبني على أن القسمة بيع ، وبيع لحم الأضحية لا يجوز.
(الغرياني ص 342 ، الونشريسي ص 381).
3 - معدن الذهب والفضة المشترك ، يجوز قسمة ترابه كيلاً ، بناء على أن القسمة تمييز حق ، لأنه لا بيع يخاف التفاضل فيه في النقد ، ولا يجوز قسمته كيلاً بناء على أن القسمة بيع ؛ لأنه قد يصفو لأحدهما من الذهب بعد تخليصه من التراب أكثر مما يصفو للآخر ، فيكون من بيع الذهب بالذهب متفاضلاً.
(الغرياني ص 342).
4 - إذا اقتسم الشركاء ثماراً على رؤوس الأشجار ، فأصابت حصةَ أحدهم
جائحةٌ ، فإنها لا توضع ، ولا يعوض عنها من وقعت في حصته ، وذلك بناء على أن القسمة تمييز حق ، وعلى أن القسمة بيع توضع الجائحة عمن وقعت في حصته ، ويعوضه شريكه عنها ، وهو ظاهر قول ابن القاسم.
(الغرياني ص 343).
5 - إذا قُسمت أصول الثمار بين الشركاء ، ثم قسمت الثمار ، فوقعت ثمرة بعضهم في أصل غيره ، فعلى أن القسمة تمييز حق ، يكون سقي الأصول على صاحب الثمرة.
وهو قول سحنون ، وعلى أنها بيع يكون السقي عليه ، وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة.
(الغرياني ص 343) .(2/912)
6 - إذا اقتسم الشريكان ما ملكاه من معدن الذهب أو الفضة كيلاً ، فإن قلنا : هي بجع من البيوع فيحاذر فيه الوقوع في الربا ؛ لأنه قد يصفو لأحدهما من الذهب أكثر مما يصفو للآخر ، أو أقل.
وإن قلنا : بأنها تمييز حق فيتساهل في ذلك.
(الونشريسي ص 382) .(2/913)
القاعدة : [253]
العادة هل هي كالشاهد ، أو كالشاهدين ؟
التوضيح
هذه القاعدة فرع للقاعدة الكلية الأساسية الكبرى "العادة محكَّمة" (م/ 36) ؛ لأن الرجوع إلى الأعراف والعادات أحد قواعد الفقه ، وأحد الأسس التي يعتمد عليها الفقهاء والقضاة في تفسير مدلولات الألفاظ في العقود ، والأيمان ، والوقف ، والوصية ، والمقادير ، والمكاييل ، والموازين ، والنقود ، ويرجع إليها الناس في القلة والكثرة في الحيض والطهر ، والأفعال غير المنضبطة التي تبنى عليها الأحكام وتتحدد بها حقوق الأطراف ، ويرجعون إليها أيضاً في مهر المثل ، والكفاءة ، وعند التداعي والخصام مع فقد البينات أو تعادلها كوضع الخشب على الجدران ، ووجوه الجدران في
البناء ، وربط الحبال ، والنزاع في أثاث البيت بين الزوجين ، إلى غير ذلك.
لكن اختلف فقهاء المالكية في العادة إذا شهدت لأحد المتنازعين ، فهل تكون
دلالتها كالشاهد الواحد ، فلا يحكم بها من غير يمين ، أو تكون في حكم الشاهدين ، ويحكم بها من غير يمين ؛ وبنيت المسائل على كلا القولين.
التطبيقات
1 - مسألة الابن الساكت ، وهو أن يعقد الأب النكاح لابنه البالغ ، وهو جالس ساكت لا ينكر ولا يعترض ، حتى إذا فرغ الأب قام الابن يعترض في الحين ، فإن(2/914)
الابن يصدق في عدم رضاه بيمينه ، فإن لم يحلف ، فإن كانت العادة كشاهدين ، وهو المشهور في هذه المسألة ، لزمه النكاح ، وعليه نصف الصداق ، كان كانت العادة كشاهد واحد لم يلزمه النكاح ، فإن العادة تدل على أن من فعل لى أمره ، وهو ساكت حاضر ، يكون راضياً به.
(الغرياني ص 357 ، الونشريسي ص 392).
2 - إذا تنازع الزوجان عند الطلاق في أثاث البيت ، ولا بينة لأحدهما ، فإنه يقضى للزوجة بما تشهد العادة أنه لها ، فإن جعلنا العادة كالشاهدين حكم لها من غير يمين.
وإن جعلناها كالشاهد الواحد لزمها اليمين ، وهو المشهور ، أما ما يعرف أنه للرجال فإنه يقضى به لهم بإيمانهم ؛ لأنه حكم بالأصل ، لا بالعادة ، والقياس أنه بين الرجل والمرأة بأيمانهما.
(الغرياني ص 358).
3 - عند النزاع في الجدار ، بقضى به لمن وجه الجدار ومغارز الخشب إلى جهته ؛ لأن العادة في الجدار أن يكون لمن وجه إليه ، فعلى أن العادة كالشاهد تلزمه اليمين ، وهو المشهور ، وعلى أنها كالشاهدين ، يقضى له به من غير يمين.
(الغرياني ص 358 ، الونشريسي ص 392).
4 - معرفة العفاص والوكاء (1) في اللقطة يقوم مقام الشاهدين ، فيقضى لمن عرفهما باللقطة بلا يمين على المشهور ، وإن قلنا : إحهما كالشاهد الواحد لزمه اليمين ، ويرجح الأول أن المدعي للقطة لا مكذب له ، فلم يحتج في دعواه إلى يمين.
(الغرياني ص 358).
5 - عند النزاع بين الزوجين في المسيس ، فالقول للزوجة مع اليمين على المشهور ، فيجب لها الصداق في خلوة الاهتداء ، وكذلك إذا كانت هي الزائرة ؛ لأن الرجل إذا خلا بامرأته أول خلوة مع تشوقه إليها ، قل ما يفارقها قبل أن ينال منها ، ولو جعلت العادة هنا كشاهدين لحكم لها بالصداق من غير يمين.
(الغرياني ص 359 ، الونشريسي ص 392).
__________.
(1) العفاص : هو الوعاء من الجلد أو الخرقة أو غير ذلك يكون فيه زاد الراعي ، والوكاء : الخيط الذي يشد به رأس القربة أو المرة أو الكيس ، المعجم الوسيط 2/ 611 . 1055.(2/915)
6 - عند اختلاف الراهن والمرتهن في قدر الدَّين يُحكم لمن شهد له الرهن بيمينه ، وتعتبر العادة كالشاهد في الراجح ، فإن كانت قيمته يوم الحكم والتداعي مثل دعوى المرتهن فأكثر صدق المرتهن بيمينه ؛ لأن العادة أن صاحب الدَّين لا يقبل في الرهن أنقص من دينه ، ولو جعلت العادة كالثاهدين لصُدِّق من غير يمين ، وإن كان الرهن
يساوي ما قاله الراهن فأقل صُدِّق الراهن بيمينه في الراجح ، وتكون العادة كشاهد واحد.
(الغرياني ص 359 ، الونشريسي ص 393).
7 - البكر إذا وجدت تبكي متعلقة برجل ، وهي تُدمي ، فإنه يتقرر لها الصداق ، قيل بيمين ، بناء على أن العادة كالشاهد ، وقيل : بغير يمين ، واستحسنه اللخمي ، بناء على أن العادة تحكم بأن المرأة لا تفضح نفسها بتعلقها برجل تدَّعي أنه نال منها لو لم تكن صادقة ، وثبت الصداق ، ولم يثبت الحدّ ؛ لأن الشرع جعل إثبات الحقوق المالية
أخفّ من إثبات الزنا.
(الغرياني ص 9 35 ، الونشريسي ص 393).
8 - وضع اليد بالحيازة حيازة شرعية ، مع مجرد الدعوى من غير بيِّنة لأحد
المتداعيين ، قرينة على الملك عادة ، فلا ينزع من حائز ، فإن كانت العادة كالشاهد ، فيحلف واضع اليد ، وهو المشهور ، وإن كانت كالشاهدين فلا يطالب باليمين.
وكذلك إذا تكافأت بينتاهما ، وتساقطتا ، فالعادة تشهد لواضع اليد ، فيبقى الشيء بيده ، ويحلف ؛ لأن العادة كالشاهد فيحلف معها ، ولأنه لما سقطت البينتان وبقيت الدعوى ، وجبت اليمين على المنكر.
(الغرياني ص 360 ، الونشريسي ص 393) .(2/916)
القاعدة : [254]
الرخصة هل تتعدى محلها إلى مثل معناها ، أو لا ؟
التوضيح
إذا رخص الشارع في أمر ، فهل يقاس عليه كل ما كان في معناه ، أم أن الرخصة قاصرة ولا تتعدى محل ورودها ؛ لأن الرخصة استثناء من القاعدة ، ولا يقاس على الاستثناء ، وهذا الخلاف إنما يجري فيما كان في معنى الرخصة المنصوص عليها ، أما ما كان أحرى بثبوت الحكم نيثبت له الترخيص ، وما كان أدون فلا يثبت له تعدي الرخصة اتفاقاً.
التطبيقات
1 - ثوب الظئر (وهي المرضعة لولد غيرها) إذا أصابه بول الرضيع ، فهل يعفى عنه في الصلاة للمشقة ، قياساً على ثوب الأم ؛ الصحيح العفو إن اضطرت إلى الإرضاع ، أو لم يقبل الولد غيرها ، بشرط أن تجتهد في التوقي ، كالأم.
(الغرياني ص 432).
2 - الجزار والكناف ، وكل من يزاول الدواب ، وتصيبه النجاسات في مهنته ، فإنه يعفى عما أصاب ثوبه للمشقة ، قياساً على المرضع.
(الغرياني ص 432).
3 - صاحب السلس يعفى عنه في نفسه للمشقة ، فهل له أن يؤم غيره ، أم أن الرخصة خاصة به ؛ الصحيح أنه يجوز له أن يؤم غيره مع الكراهة ، إلا إذا كان من أهل الصلاح والفضل فلا كراهة.
(الغرياني ص 433) .(2/917)
القاعدة : [255]
نوادر الصور هل يعطى لها حكم نفسها ، أو حكم غالبها ؟
الألفاظ الأخرى
- اختلف المالكية في حكم النادر في نفسه ، أو إجراء حكم الغالب عليه.
- النادر هل يلحق بالغالب ؟
التوضيح
إن الصور المتشابهة التي ترجع إلى أصل واحد ، تعطى حكماً واحداً ، لمراعاة
الأوصاف والعلل الغالبة في أكثر مسائلها ، ولذلك قال القرافي :
"إذا دار الشيء بين النادر والغالب فإنه يلحق بالغالب ".
ولكن بعض الصور التي ترجع إلى الأصل الواحد لا تتحقق فيها كامل الأوصاف والعلل التي بني عليها الحكم في عامة المسائل ، فتكون نادرة.
واختلف المالكية في حكم هذه الصور النادرة ، فقالوا - أحياناً - تعطى حكم
غالب المسائل ، وإن اختلفت عنها ، لأن النادر لا حكم له ، وقالوا - أحياناً - تعطى حكماً خاصاً بهها ، مخالفاً لحكم الغالب ، وتكون مستثناة من الغالب .(2/918)
التطبيقات
1 - النفقة على الابن تنتهي بالبلوغ ، لأن الغالب في البالغين أن يكونوا قادرين على الكسب ، فلو بلغ الابن وهو معاق غير قادر على الكسب فإن نفقته لا تلزم أباه ، بناء على أن نوادر الصور تعطى حكم غالبها ، فإن أعطيت حكم نفسها فتستمر النفقة على الأب ، لأن سببها عدم القدرة ، وهو غير قادر ، وهو الصحيح.
أما إن بلغ صحيحاً ، ثم أعيق فلا تعاد إليه النفقة على الصحيح.
(الغرياني ص 196).
2 - العنب الذي لا يخرج منه زبيب ، أو الرطب الذي يؤكل أخضر ، ولا ييبس ، ولا يخرج منه تمر ، هل يجري فيه الربا ، وتجب فيه الزكاة ، ويعطى حكم الغالب ؛ أم يكون مستثنى ، ويعطى حكم نفسه فلا يكون ربوياً ، لعدم وجود العلة فيه ، وهي الادخار ؛ فيه قولان.
(الغرياني ص 196).
3 - علة الربا في النقدين : الذهب والفضة كوخهما ثمناً للأشياء ، أما الفلوس فإنها مصنوعة من معدن آخر ، استعماله في الثمنية قليل ، لأنها تكسد وتفسد ، فمن راعى الصورة الغالبة أجرى الربا في الفلوس لوجود الثمنية فيها في الجملة ، ولو في بعض الأوقات ، وهو الصحيح ، ومن أجرى عليها حكم نفسها لم يجر فيها الربا لعدم التثمين بها غالباً.
وقيل : يكره الربا في الفلوس ولا يحرم لموضع الشبهة.
(الغرياني ص 197).
4 - حيوان البحر الذي تطول حياته بالبر ، كالسلحفاة والضفاع ، لا تجب ذكاته ، بناء على أن الصور النادرة تعطى حكم الغالب ، وتجب ذكاته بناء على أنها تعطى حكم أنفسها.
(الغرياني ص 197 ، المقري 1/ 244).
5 - المرأة التي تلد يجب عليها غسل النفساء لنزول الدم بعد الولادة ، فإن ولدت بغير دم ، فهذا نادر ، ولكنها تلحق بالغالب ويجب عليها غسل النفساء ؛ لأن الصورة النادرة لها حكم الغالب.
وقيل : لا يجب عليها الغسل ، لأن لها حكم نفسها لعدم الدم.
(الونشريسي ص 257) .(2/919)
المستثنى
1 - لو صاد المحرِم فعليه الجزاء ، لأن الصيد هو الغالب ، ولكن لو عمَّ الجراد المسالك أمام المحرم فصاده ، فلا جزاء عليه ، مع أنه نادر ، ويعطى حكم نفسه ، ولا يجري فيه الخلاف.
(الونشريسي ص 257).
2 - إذا مات الزوج ، أو طلق زوجته ثم جاءت زوجته بولد بعد ذلك لأقصى مدة الحمل ، وهو خمس سنين عند مالك ، (وقيل : أربع ، وهو قول الشافعي رحمه الله ، وقيل : إلى سبع ، وكلها روايات عن الإمام مالك رحمه الله ، وقال أبو حنيفة رحمه الله : إلى سنتين).
"فإن هذا الحمل الآتي بعد خمس سنين دائر بين أن يكون من الوطء
السابق . من الزوج".
وبين أن يكون من الزنا ، ووقوع الزنا في الوجود أكثر وأغلب من
تأخر الحمل . - هذه المدة ، فقدم الشارع هنا النادر على الغالب قولاً واحداً ، وكان المقتضى أن يجعل زناً ولا يلحق بالزوج عملاً بالغالب ، لكن الله تعالى يشرع لحوقه بالزوج لطفاً بعباده ، وستراً عليهم ، وحفظاً للأنساب ، وسدًّا لباب ثبوت الزنا.
(القرافي : 3/ 203 ، 4/ 104) .(2/920)
القاعدة : [256]
السكوت على الشيء هل هو إقرار به ، أم لا ؟
وهل هو إذن فيه ، أم لا ؟
التوضيح
إن السكوت لا يعتبر رضاً ، إذ قد يسكت الإنسان عن إنكار ما يرى ، وهو غير راض ، ولكن الخلاف : هل يعتبر السكوت إذناً ؟
لكن إذا صدر أمام الشخص فحل بحضرته ، أو قيل قول ، وسكت ، ولم يجب بنفي ولا إثبات ، فهل يعدُّ سكوته إذناً وإقراراً به ، أو لا يدل سكوته على الإذن ، فلا يؤخذ منه حكم.
اختلف المالكية في ذلك ، والصحيح عندهم أنه لا يعدُّ إذناً ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في البكر : "إذنها صماتها".
فدل بصريحه أن ذلك خاص بها ، ودل بمفهومه أن الثيب
بخلاف ذلك ، فلا يكون صماتها إذناً ، وهذا إجماع في النكاح ، فيقاس غيره عليه ، إلا فيما يعلم بالعرف والعادة أن الساكت عنه لا يكون إلا راضياً به ، كالذي يرى حمل امرأته ، وهو ساكت فلا ينفيه ، فإن أنكره بعد ذلك فلا يقبل منه ؛ لأن سكوته السابق يعتبر رضا به .(2/921)
التطبيقات
1 - إذا أخذ شخص سلعة ليقلبها بدون إذن البائع ، ولكنه ساكت ، ولم يمنعه من التقليب ، فوقعت منه وانكسرت ، وكسرت ما تحتها ، فالصحيح أنه ضامن ؛ لأن سكوت البائع لا يعدُّ إذناً.
وكذلك سقوط المكيال من يد المشتري إذا أخذه بغير إذن البائع ، لكنه حاضر ساكت ، فالمشتري ضامن حيث لم يؤذن له ، ولأن الكيل على البائع ، فإن أذن له فلا ضمان.
(الونشريسي ص 373 ، الغرياني ص 331).
2 - من بنى في أرض غيره أو غرس ، وهو ساكت ، ثم أراد المالك المنع ، فله ذلك على الصحيح ، وللمالك الخيار في دفع قيمة الغرس والبناء مقلوعاً ومنقوضا ، أو يأمره بهدم البناء وقلع الغرس ، وهذا بناء على أن السكوت ليس إقراراً ، فإن اعتبر إقراراً فليس للمالك الأمر بهدم البناء وقلع الغرس ، وإنما يعطيه قيمته قائماً لوجود الشبهة ، كالمرتفق بالعارية المبهمة في الجدار أو الساحة التي لم يبيق للمستعير أمد استعمالها ، فيبني عليها أو يغرس ، فإنه يعطي قيمة البناء منقوضأ ، والغراس مقلوعاً
عند الأجل.
(الغرياني ص 331، الونشريسي ص 374).
المستثنى
1 - اتفق المالكية على أن السكوت كالإقرار فيمن قال لزوجته في العدة : قد راجعتك فتسكت ، ثم تدعي من الغد أن عدتها كانت قد انقضت ، فلا يسمع قولها ، ويعدُّ سكوتها إقراراً منها بأنها لا تزال في العدة.
(الغرياني ص 332 ، الونشريسي ص 374).
2 - من حاز شيئاً يعرف لغيره ، فباعه ، وهو يذعيه لنفسه ، والآخر عالم ساكت لا ينكر بيعه ، فذلك يقطع دعواه ، ويعدُّ سكوته إقراراً.
(الغرياني ص 332 ، الونشريسي ص 374).
3 - من يأتي ببينة على رجل ، فيقول : اشهدوا أن لي عنده كذا وكذا ، وهو حاضر(2/922)
ساكت ولم يعترض ، فيعد سكوته إقراراً.
(الغرياني ص 332 ، الونشريسي ص 374).
4 - مسألة الأيمان والنذور ، فمن حلف لزوجته ألا يأذن لها إلا في عيادة مريض ، فخرجت إلى عيادة مريض بإذنه ، ثم مضت بعدها إلى حاجة أخرى ، لا يحنث ، وكذلك لا يحنث إذا خرجت بغير إذنه إلى مكان آخر ، إلا أن يراها ويتركها فيحنث ؛ لأن سكوته إذن بخروجها إلى المكان الآخر.
(الغرياني ص 332 ، الونشريسي ص 374).
5 - من رأى حمل زوجته ، فلم ينكره ، ثم نفاه بعد ذلك ، فإنه يحد ولا يلاعن ؛ لأن سكوته إقرار بأن الولد منه.
(الغرياني ص 332 ، الونشريسي ص 374).
6 - مسألة كراء الدور والأرضين ، فيمن زرع أرض رجل بغير إذنه ، وهو عالم ، ولم ينكر ذلك عليه ، فالسكوت إقرار (الونشريسي ص 374).
7 - إذا اتَّجر العبد بمعرفة مولاه وعلمه ، ولا يغير ذلك ولا ينكره ، فالسكوت إقرار منه (الونشريسي ص 357).
8 - إذا علم الأب والوصي بنكاح من في نظرهم ، وسكتوا ، فإن سكوتهم إقرار بالنكاح.
(الغرياني ص 333 ، الونشريسي ص 357).
9 - إذا رأى غرماء الميت الورثة يقتسمون تركته ، وسكتوا ، ولا مانع يمنعهم من المطالبة ، فإن سكوتهم إقرار بترك حقهم.
(الغرياني ص 333 ، الونشريسي ص 357) .(2/923)
القاعدة : [257]
اختلاف الأصل والحال
التوضيح
الأصل في الأشياء هو ما تكون عليه طبيعتها وتكوينها وخلقتها ، ويكون الحكم عليها ، فإذا تغير الأصل ، وصارت حاله مختلفة عما سبق ، فقد اختلف المالكية بما يُعتبر منهما ، لأنه يختلف حكم الشيء بالنظر إلى أصله ، أو بالنظر إلى حاله ، ففيها قولان.
التطبيقات
1 - السلحفاة والضفادع الأصل أنهما حيوانان بحريان وتطول حياة كل منهما في البر ، وميتة البحر طاهرة ، واختلف المالكية في حكم ميتة السلحفاة والضفدع.
فالمروي عن مالك أن ميتتهما حلال ، ولا تحتاجان إلى تذكية ، وقال ابن نافع : حرام نجس إن ماتتا حتف أنفسهما.
(المقري 1/ 257).
2 - الملح غير مطهر في الأصل ، فإذا ذاب في الماء ، فللمالكية ثلاثة أقوال.
الأول : التطهير بناء على الأصل للماء.
والثاني : حكمه حكم الطعام فلا يتطهر به.
والثالث : التفريق بين كون ذوبأنه بصنعة فلا يتطهر به ، وكونه بلا صنعة فيتطهر به ،.
(المقري 1/ 257) .(2/924)
3 - أطراف القرون والأظلاف للحيوان فيها قولان ، والمشهور أنها نجسة إذا كان البدن نجساً كالميتة.
(المقري 1/ 257).
4 - مسح باطن الأذنين في الوضوء ، فيه قولان ، المشهور أنه سنة ، وفي قول : إنه فرض ، ومنشأ الخلاف النظر إلى الحال أو إلى الأصل ، فإن أصل الأذن في الخلقة
كالوردة سم تنفتح.
(المقري 1/ 257).
5 - النجس في أصله ، إذا زال تغيره بنفسه فيه قولان ، والمعتمد عدم الطهورية.
(المقري 1/ 258).
المستثنى
1 - البيض واللبن أصلهما دم وفرث نجسان ، وانتقل حالهما وأعراضهما من
النجاسة إلى"صلاحْ وما هو طاهر ، فهما طاهران قولاً واحداً.
(المقري 1/ 257).
2 - العينان ، حالهما من الوجه ، ولكن حفظ أصلهما لعدم ارتفاعه بالكلية ، فلم يعارض بحال لازمة ، فلا يجب غسلهما في الوضوء ، مع توقع الضرر بغسل باطنهما.
(المقري 1/ 257).
3 - النجس إذا زالت نجاسته بالماء ، فيقدم الحال قولاً واحداً ، ويصبح طاهراً.
(المقري 1/ 258) .(2/925)
الباب الثامن
القواعد المختلف فيها عند الشافعية
وهي قواعد مختلف فيها في المذهب الشافعي غالباً ، ولا يطلق الترجيح فيها
لاختلافه في الفروع التي تدخل تحتها ، كما قاله السيوطي.
ولكن المتأخرين رجحوا أحد الشقين في كثير من هذه القواعد ، فيكون الراجح تطبيقاً للقاعدة ، والمرجوح مما خرج عن هذه القاعدة يعتبر مستثنيات لها ، كما سيأتي بيان ذلك مفصلاً عند ذكر كل قاعدة .(2/927)
القاعدة : [258]
هل الجمعة ظهر مقصورة ؛ أو صلاة على حيالها ؟
التوضيح
صلاة الجمعة ركعتان بعد خطبة الجمعة ، ولكن هل تعتبر ظهراً مقصورة ، أم
صلاة مستقلة بذاتها ، قولان ، ويقال : وجهان.
قال النووي رحمه الله في (شرح المهذب) :
"ولعلهما مستنبطان من كلام الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ، فيصح تسميتهما قولين ، ووجهين ، والترجيح فيهما مختلف
في الفروع المبنية عليهما ، كما قاله السيوطي.
أي لأن قولهم : إن الخطبتين تنزلان منزلة الركعتين.
وقولهم : لو خرج الوقت ، وهم فيها ، وجب الظهر بناء ، كلاهما يؤيد كونها ظهراً مقصورة.
وقولهم : لو اقتدى مسافر بمصل صلاة الجمعة لزمه الإتمام ، وقولهم : ليست
الخطبتان منزلتين منزلة ركعتين على المعتمد ، كلاهما يوبد كونها صلاة على حيالها.
والأصح ، كما قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي في (التحفة) :
"إنها صلاة على حيالها ، أي وغالب الفروع تنبني على هذا القول "
وقال الخطيب الشربيني :
"والجديد أن الجمعة ليست ظهراً مقصورة . . بل صلاة مستقلة".
وأما الفروع التي لا تدخل في القاعدة فمستثنيات .(2/929)
التطبيقات
من فروع القاعدة :
1 - لو خرج الوقت ، وهم فيها ، فإنهم يتمونها ظهراً بناءً ، وإن قلنا : إنها صلاة على حيالها.
2 - هل له جمع العصر إلى الجمعة لو صلاها وهو مسافر ؛ الأصح الجواز ، وإن قلنا : إنها صلاة مستقلة .(2/930)
القاعدة : [259]
الصلاة خلف المحدث المجهول الحال.
هل هي صلاة جماعة أو انفراد ؟
التوضيح
الصلاة خلف المحدث المجهول الحال صحيحة على القول الأصح ، ولكن هل تعتبر صلاة جماعة بحسب الظاهر ، أو انفراد ؟
في المسألة وجهان ، ويختلف الترجيح في الصور والحالات.
والمرجوح في هذه القاعدة أنها تكون جماعة ، والحكم لغالب
الفروع ، ولا يرد خروج بعضها ، بل تكون من المستثنيات.
التطبيقات
يرجح أنها صلاة جماعة في فروع :
1 - لو كان إماماً في الجمعة ، وتم العدد بغيره ، إن قلنا صلاتهم جماعة صحت ، وإلا فلا ، والأصح الصحة.
2 - حصول فضيلة الجماعة ، والأصح تحصل.
3 - لو سها الإمام أو سَهَوْا ، ثم علموا حدثه قبل الفراغ ، وفارقوه.
إن قلنا : صلاتهم جماعة سجدوا لسهو الإمام ، لا لسهوهم.
وإلا فبالعكس ، والأصح الأول.
المستثنى :
يرجح أنها انفراد في فروع ، منها : إذا أدركه المسبوق في الركوع.
إن قلنا : صلاة(2/931)
جماعة حسبت له الركعة ، وإلا فلا ، والصحيح عدم الحسبان لعدم القراءة من
المسبوق ، وعدم صحة قراءة الإمام المحدث..
(اللحجي : ص 96) .(2/932)
القاعدة : [260]
من أتى بما ينافي الفرض دون النفل بطل فرضه.
وهل تبقى صلاته نفلاً أم تبطل ؟
التوضيح
إذا أتى المكلف بفعل ينافي الفرض ، ولا ينافي النفل ، في أول الفرض أو أثنائه ، بطل فرضه ، وهل تبقى صلاته نفلاً أو تبطل ؟
فيه قولان ، والترجيح مختلف في الفروع.
ورجح العلماء في هذه القاعدة أنها تنقلب نفلاً مطلقاً إذا كانت غير كسوف
بالكيفية الكاملة.
التطبيقات
يرجح الأول وتكون نفلاً ، في فروع :
1 - إذا أحرم بفرض ، فأقيمت جماعة ، فسلم من ركعتين ليدركها ، فالأصح
صحتها نفلاً.
2 - إذا أحرم بالفرض قبل وقته جاهلاً ، فالأصح الانعقاد نفلاً.
(اللحجي : ص 96).
3 - إذا أتى بتكبيرة الإحرام ، أو بعضها في الركوع جاهلاً ، فالأصح الانعقاد نفلاً .(2/933)
القاعدة : [261]
النذر ، هل يسلك به مسلك الواجب أو الجائز ؟
التوضيح
إذا نذر إنسان نذراً فهل يطبقه ويسلك في تطبيقه مسلك الواجب في الشرع ، أم مسلك الجائز له ؟
فيه قولان ، والترجيح مختلف في الفروع ، كذا قاله السيوطي.
والمرجح في هذه القاعدة أن النذر يسلك به مسلك واجب الشرع غالباً ، كما صححه النووي في (باب النذر) ، لكنه في باب (الرجعة) اختار أنه لا يطلق ترجيح أحد من القولين ، بل يختلف الراجح منهما بحسب المسائل.
التطبيقات
يرجح أن النذر يسلك فيه مسلك واجب الشرع ، وذلك في فروع :
1 - نذر الصلاة ، والأصح فيه الأول ، أي إنه يسلك به مسلك واجب الشرع فيلزمه ركعتان ، ولا يجوز القعود مع القدرة على القيام ، ولا فعلهما على الراحلة ، ولا يجمع بينها وبين فرض أو نذر آخر بتيمم.
2 - نذر الصوم والأصح فيه الأول ، وهو الصوم الشرعي الواجب ، فيجب فيه التبييت.
3 - نذر الخطبة في الاستسقاء ونحوه ، والأصح فيها الأول ، وتصبح الخطبة
واجبة ، حتى يجب فيها القيام عند القدرة .(2/934)
4 - نذر أن يكسو يتيماً ، والأصح فيه الأول ، وتصبح الكسوة واجبة ، فلا يخرج عن نذره بيتيم ذمي.
5 - نذر الحج ، والأصح فيه الأول ، ويصبح الحج واجباً ، فلو نذره معضوب لم يجز أن يستنيب صبياً أو عبداً.
6 - نذر إتيان المسجد الحرام ، والأصح فيه الأول ، فيصبح الإتيان واجباً ، فلزم إتيانه بحج أو عمرة.
المستثنى
يرجح الثاني ، وهو أن النذر يصبح جائزاً ، وليس واجباً ، وذلك في فروع :
1 - العتق إن نذره ، والأصح فيه الثاني ، ويكون النذر جائزاً ، فيجزئ عتق كافر ومعيب.
2 - لو نذر أن يصلي ركعتين ، فصلى أربعاً بتشهد أو بتشهدين ، والأصح فيه الثاني ، وهو الجواز فيجزئه.
3 - نذر التشهد الأول ، وتركه ، والأصح فيه الثاني ، وهو عدم الوجوب ، فلا يعود إلى القعود ، لأن الواجب بالشرع مقدم على الواجب بالشرط.
4 - لو نذر صوم يوم معين ، والأصح فيه الثاني ، وهو عدم الوجوب ، فلا يثبت له خواص رمضان من الكفارة بالجماع فيه ، ووجوب الإمساك لو أفطر فيه ، وعدم قبول صوم آخر من قضاء أو كفارة ، بل لو صامه عن قضاء أو كفارة ، صح ، والفرق عن الصلاة أن رمضان له قدسية خاصة وأحكام مميزة ، فلا يقاس عليه غيره ، ولو كان الصيام واجباً ، وأن الصلاة بالواجبة تكون ركعتين كالفجر ، وتكون أربعاً كالظهر.
5 - الطواف المنذور ، والأصح فيه الثاني ، وهو الجواز ، فتجب فيه النية ، كما تجب في النفل ، ولا تجب النية في الفرض لشمول نية الحج والعمرة له ، وهذا المعنى منتفٍ في النفل والنذر .(2/935)
6 - وخرج النذر عن النفل والفرض معاً في صورة ، وهي ما إذا نذر القراءة ، فإنه تجب نيتها ، كما نقله القمولي في (الجواهر) مع أن قراءة النفل لا نية لها ، وكذا القراءة المفروضة في الصلاة.
قال الشارح : "قلت : ويلحق بها الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم.(2/936)
القاعدة : [262]
العين المستعارة للرهن.
هل المغلب فيها جانب الضمان أو جانب العارية ؟
الألفاظ الأخرى
- العين المستعارة للرهن هل المغلب فيها ضمان أو عارية ؟
التوضيح
يجوز إعارة العين لرهنها مقابل دين ، فلو قال له : أعرني هذا لأرهنه ، هل المغلب فيها جانب الضمان في الرهن ، أو جانب العارية وضمان العارية ؟ قولان.
قال في (شرح المهذب) : "والترجيح مختلف في الفروع"
قاله السيوطي ثم قال :
"وعبر كثير بقولهم : هل هو ضمان أو عاربة ؟ "
وقال الإمام : "العقد فيه شائبة من هذا ، وشائبة من هذا ، وليس القولان في تمحض كل منهما ، بل هما في أن المغلب منهما ما هو ؛ فلذلك عبرت به في القواعد الآتيات " انتهى كلام السيوطي.
قال الشارح تبعاً للنووي وغيره : "والأظهر أنه ضمان دين في رقبة ذلك الشيء بشرط ذكر جنس الدين وقدره وصفته ، أي يكون الاشتراك مبنياً على قول تغليب جانب الضمان ، وأما على قول جانب العاربة فلا يشترط ، لأن ضمان العارية يختلف عن ضمان الرهن .(2/937)
التطبيقات
1 - هل للمعير الرجوع بعد قبض المرتهن ؟
إن قلنا : عارية ، نعم ، وأن قلنا : ضمان ، فلا ، وهو الأصح.
2 - هل للمعير إجبار المستعير على فكّ الرهن ؟
إن قلنا : له الرجوع ، فلا ، وإن قلنا : لا ، فله ذلك على القول بالعارية ، وكذا على القول بالضمان إن كان حالًّا بخلاف المؤجل ، كمن ضمن ديناً مؤجلاً لا يطلب الأصيل بتعجيله لتبرأ ذمته.
3 - إذا حل الدين ، وبيعت العين فيه ، فإن قلنا : عارية ، رجع المالك بقيمتها.
وإن قلنا : ضمان ، رجع بما بيعت به سواء كان أقل أو أكثر ، وهو الأصح.
4 - لو جنى المرهون ، فبيع في الجناية ، فعلى قول الضمان : لا شيء على الراهن ، وعلى قول العارية ، يضمن.
المستثنى
لو تلف المعار تحت يد المرتهن ، ضمنه الراهن على قول العارية ، ولا شيء على قول الضمان ، لا على الراهن ولا على المرتهن ، والأصح في هذا الفرع أن الراهن يضمنه ، كذا قال النووي : إنه المذهب ، فقد صحح هنا قول العارية ، قاله السيوطي .(2/938)
القاعدة : [263]
الحوالة : هل هي بيع أو استيفاء ؟
التوضيح
الحوالة من شخص لشخص على آخر لاشلام الدين ، هل هي بيع للدين ، أم أنها استيفاء للدين ؛ فيه خلاف ، قال النووي في (شرح الهذب) :
"والترجيح مختلف في الفروع ".
وقال ابن حجر في (التحفة) :
"والأصح أنها بيع دين بدين جُوّز للحاجة ، لأن كُلاً ملك بها ما لم يملكه قبل ، فكأن المحيل باع المحتال ما له في ذمة المحال عليه بما للمحتال في ذمته ، أي الغالب عليها ذلك ، ومن خلاف الغالب قد
تكون من باب الاستيفاء ، فتكون من المستثنيات ".
التطبيقات
1 - لو أحال على من لا دين عليه برضاه ، فالأصح بطلانها.
بناء على أنها بيع.
والثاني : يصح بناء على أنها استيفاء.
2 - في اشتراط رضا المحال عليه إن كان عليه دين ، وجهان ، إن قلنا : بيع ، لم يشترط ، لأنه حق المحيل ، فلا يحتاج فيه إلى رضا الغير.
وإن قلنا : استيفاء ، اشترط لتعذر إقراضه من غير رضاه ، والأصح عدم الاشتراط.
3 - لو أحال أحد المتعاقدين الآخر في عقد الربا ، وقبض في المجلس ، فإن قلنا :(2/939)
استيفاء جاز ، وإن قلنا : بيع ، فلا يجوز ، والأصح البيع ، كما نقله السبكي في (تكملة شرح المهذب) عن النص والأصحاب.
المستثنى
1 - ثبوت الخيار في الحوالة ، والأصح لا يثبت بناء على أنها استيفاء.
وقيل : نعم ، بناء على أنها بيع.
2 - الثمن في مدة الخيار في جواز الحوالة به وعليه وجهان.
إن قلنا : استيفاء ، جاز ، وإن قلنا : بيع ، فلا كالتصرف في المبيع في زمن الخيار ، والأصح الجواز.
3 - لو خرج المحال عليه مفلساً ، وقد شرط يساره ، فالأصح لا رجوع له بناء على أنها استيفاء ، والثاني : نعم ، بناء على أنها بيع .(2/940)
القاعدة : [264]
الإبراء هل هو إسقاط أو تمليك ؟
التوضيح
إبراء الدائن للمدين هل يُعَدُّ إسقاطاً للدين ، أم أنه تمليك ، ويشترط فيه شروط التمليك ؛ قولان ، ومثل الإبراء : الترك والتحليل كما في (التحفة) واعتمد في (التحفة) أن الإبراء تمليك للمدين ، أي الغالب جانب التمليك ، فما غلب فيه جانب الإسقاط من المسائل يعد من المستثنيات.
التطبيقات
1 - الإبراء مما يجهله المبرئ ، والأصح فيه التمليك ، فلا يصح.
2 - إبراء المبهم ، كقوله لمدينَيْه : أبرأت أحدهما ، والأصح فيه التمليك ، فلا يصح ، كما لو كان له في يد كل واحد عين ، ققال : ملكت أحدكما العين التي في يده ، لا يصح.
3 - تعليق الإبراء ، والأصح فيه التمليك ، فلا يصح.
المستثنى
1 - اشتراط القبول في الإبراء ، والأصح فيه الإسقاط ، فلا يشترط.
2 - ارتداد الإبراء بالرد ، والأصح فيه الإسقاط ، فلا يصح .(2/941)
3 - لو عرف المبرئ قدر الدين ، ولم يعرفه المبرأ ، والأصح فيه الإسقاط ، كما في (أصل الروضة) في الوكالة ، فيصح .(2/942)
القاعدة : [265]
الإقالة هل هي فسخ أو بيع ؟
التوضيح
تتم الإقالة من العقد السابق الصحيح لإنهائه.
وهل تعتبر الإقالة فسخاً أو بيعاً ؟
قولان ، والترجيح مختلف في الفروع ، ففي بعضها كعدم ثبوت الخيار فيها ما يقتضي أنها فسخ ، وفي بعضها اعتبار المقوم التالف بأقل قيمة من العقد إلى القبض ، كما قاله الشيخان الرافعي والنووي ما يقتضي أنها بيع.
لكن قال في (شرح العباب) :
"إنه ليس مبنياً على الضعيف ، إنها بيع ، بل هي فسخ ، لكنها تشبه البيع من بعض الوجوه ، فغلبوا شبه الفسخ تارة ، وهو الأكثر ، وشبه البيع أخرى ، وهو الأقل ، كما هنا ، وما ذكره من أن الأكثر كونها فسخاً هو المعتمد ، كما في (الإرشاد) وغيره ، كما قاله الشارح.
التطبيقات
أ - إن الإقالة تجوز قبل القبض ، إن قلنا : فسخ ، وهو الأصح ، وإن قلنا : بيع فلا.
(اللحجي : ص 151).
2 - إذا تقايلا في عقود الربا يجب التقابض في المجلس ، بناء على أنها بيع ، ولا يجب التقابض على أنها فسخ ، وهو الأصح.
3 - لو تقايلا بعد تلف المبيع جاز ، إن قلنا : فسخ وهو الأصح ، ويرد مثل المبيع أو قيمته ، وإن قلنا : بيع فلا يجوز.(2/943)
4 - لا يتجدد حق الشفعة في الأصح ، بناء على أنها فسخ.
والثاني : نعم ، يتجدد بناء على أنها بيع.
5 - لو اشتري عبدين ، فتلف أحدهما ، جازت الإقالة في الباقي ، ويستتبع التالف على قول الفسخ ، وهو الأصح ، وعلى مقابله لا.
6 - إذا تقايلا ، واستمر المبيع في يد المشتري نفذ تصرف البائع فيه على قول الفسخ ، وهو الأصح ، ولا ينفذ على قول البيع.
7 - لو استعمله بعد الإقالة ، فإن قلنا : فسخ ، فعليه الأجرة ، وهو الأصح ، وإن قلنا : بيع ، فلا.
المستثنى
هو القول الثاني المرجوح في الفروع السابقة ، وتكون الإقالة بيعاً
فرع : حكم الإقالة والوعد
يسن إقالة النادم على العقد ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
"من أقال مسلماً (نادماً) أقال الله عثرته يوم القيامة ".
وخاصة إذا وعده بذلك ، فلا يخلف وعده ، حذراً من قوله - صلى الله عليه وسلم - :
"آية المنافق ثلاث : إذا حَدَّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ".
ولا يجب الوفاء بالوعد ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
" إذا وعد الرجل أخاه ، ومن نيته أن يفي له ، فلم يفِ فلا إثم عليه " .(2/944)
والحاصل : أنا ، وإن اطلعنا على أنه عازم على عدم الوفاء ، كان أقر مثلاً.
وحكمنا بإثمه ، ونزلناه منزلة المنافقين ، لا يجبر على الإقالة ، ولم يروَ عن أحد من السلف وجوب الوفاء بالوعد ، إلا ما نقل عن عمر بن عبد العزيز ، وأصبغ المالكي ، قال البخاري : "وقضى ابن الأشوع بالوعد ، وفعله الحسن البصري ، ونقل عن مالك أنه يجب منه ما كان بسبب ، أي : فمن قال لآخر : تزوج ، ولك كذا ، فتزوج لذلك ، وجب الوفاء به ".
قال الحافظ ابن حجر :
" قرأت بخط والدي رحمه الله تعالى في (إشكالات على الأذكار للنووي) :
لم يذكر جواباً عن الآية والحديث ، يعني بالآية قوله تعالى :.
(كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3).
والحديث : "آية المنافق ثلاث "
والدلالة للوجوب منهما قوية ، فكيف حملوه على كراهة التنزيه مع
الوعيد الشديد ؛ وينظر هل يمكن أن يقال : يحرم الإخلاف ، ولا يجب الوفاء ، أي يأثم بالإخلاف ، وإن كان لا يلزمه وفاء ذلك ؟ ".
فالحاصل : أن الله تعالى أمر بإنجاز الوعد ، وحمله الجمهور على الندب.
قال المهلب : "إنجاز الوعد مأمور به ، مندوب إليه عند الجميع ، وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .(2/945)
القاعدة : [266]
هل الصداق المعين في يد الزوج قبل القبض
مضمون ضمان عقد أو ضمان يد ؟
التوضيح
إذا عين الزوج صداقاً معيناً للزوجة ، وبقي في يده ، فهل يكون مضموناً ضمان عقد أو ضمان يد ؟
قولان ، والترجيح مختلف في الفروع ، والأصح كما في (المنهاج)
وغيره : أنه مضمون ضمان عقد ، وضمان العقد : هو ما يضمن بالمقابل ، وهو هنا مهر المثل ، وضمان اليد : هو ما يضمن ببدله ، وهو مثله إن كان مثلياً ، وقيمته إن كان متقوماً.
التطبيقات
1 - الأصح لا يصح بيعه قبل قبضه ، بناء على ضمان العقد ، والثاني : يصح بناء على ضمان اليد.
2 - الأصح انفساخ الصداق إذا تلف أو أتلفه الزوج قبل قبضه والرجوع إلى مهر المثل ، بناء على ضمان العقد ، والثاني : لا ، ويلزمه مثله أو قيمته بناء على ضمان اليد.
3 - المنافع الفائتة في يده لا يضمنها على الأصح ، بناء على ضمان العقد.
ويضمنها بناء على ضمان اليد .(2/946)
المستثنى
1 - لو أصدقها نصاب سائمة ، وقصدت السوم ، ولها حول من الإصداق ، ولم تقبضه ، وجبت عليها الزكاة في الأصح ، بناء على ضمان اليد كالمغصوب ونحوه ، وفي وجه لا تجب بناء على ضمان العقد كالمبيع قبل القبض ، فقد صحح هنا قول ضمان اليد.
(اللحجي : ص 105).
2 - لو كان ديناً جاز الاعتياض عنه على الأصح ، بناء على ضمان اليد ، وعلى ضمان العقد لا يجوز ، كالمسلم فيه ، فهذه صورة أخرى صحح فيها قول ضمان اليد .(2/947)
القاعدة : [267]
الطلاق الرجعي هل يقطع النكاح أو لا ؟
الألفاظ الأخرى
- الرجعة : هل هي ابتداء نكاح أو استدامته ؟
التوضيح
الطلاق الرجعي هل يقطع النكاح أو لا ؟
قولان ، قال الرافعي : التحقيق أنه لا يطلق ترجيح واحد منهما لاختلاف الزجيح في الفروع.
قال الشارح : "لكن المعتمد أن المغلب فيه جانب القطع ".
وفي القاعدة قول ثالث ، وهو الوقف.
فإن لم يراجعها حتى انقضت العدة تبينا انقطاع النكاح بالطلاق.
وإن رجع تبينا أنه لم ينقطع.
التطبيقات
1 - لو وطئها في العدة وراجع ، فالأصح وجوب المهر بناء على أنه ينقطع.
2 - لو مات عن رجعية فالأصح أنها لا تغسله ، والثاني تغسله كالزوجة.
3 - يجزم بالأول في تحريم الوطء والاستمتاعات كلها والنظر والخلوة ووجوب استبرائها لو كانت رقيقة واشتراها .(2/948)
المستثنى
1 - لو خالعها ، فالأصح الصحة بناء على أنها زوجته.
2 - لو قال : نسائي طوالق ، أو زوجاتي طوالق ، فالأصح دخول الرجعية فيهن ، لأن الرجعية كالزوجة في خمسة أحكام ، وهي : التوارث ، وصحة الطلاق ، والظهار ، والإيلاء ، واللعان.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
"الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى أي الآيات التي تشملها وغيرها ، وهي قوله تعالى :.
(إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ).
وقوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ).
وقوله تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ).
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ).
وقوله تعالى : (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ).
فالنساء والزوجات يشمل الرجعيات ، لا البوائن.
وليس المراد أنها نص فيها ، بل ظاهر".
3 - جزم بالثاني في ثبوت الإرث إذا مات الزوج في العدة ، وفي لحوق الطلاق ، وصحة الظهار ، والإيلاء ، واللعان ، ووجوب النفقة.
يعبر عن القاعدة بعبارة أخرى ، فيقال : الرجعة : هل هي ابتداء نكاح أو
استدامته ؛ قال في (التحفة) : "الأصح أنها استدامة".
وصحح ابتداء النكاح فيما إذا طلق المولي في المدة ثم راجع ، فإنها تستأنف ولا تبني.
وصحح الاستدامة في أن العبد يراجع بغير إذن سيده ، وأنه لا يشترط فيها
الاشهاد ، وأنها تصح في الإحرام .(2/949)
القاعدة : [268]
الظهار : هل المغلب فيه مشابهة الطلاق
أو مشابهة اليمين ؟
التوضيح
الظهار : هو أن يقول الرجل لزوجته : أنت عليَّ كظهر أمي ، فتحرم عليه كالطلاق أحياناً ، وتجب عليه الكفارة للعودة عن قوله أحياناً ، فهل المغلب فيه مشابهة الطلاق أو مشابهة اليمين ؟
فيه خلاف في الفروع ، والأصح الأول ، كما في (التحفة) أي إن
المغلب فيه مشابهة الطلاق.
التطبيقات
1 - إذا ظاهر من أربع نساء بكلمة واحدة ، فقال : أنتن عليَّ كظهر أمي ، فإذا أمسكهن لزمه أربع كفارات على الجديد ، تغليباً لشبه الطلاق ، فإنه لا يفرق فيه بين أن يطلقهن بكلمة أو كلمات.
والقديم : تجب كفارة واحدة تشبيهاً باليمين ، كما لو
حلف لا يكلم جماعة ، لا يلزمه إلا كفارة واحدة.
2 - هل يصح الظهار بالخط ؛ الأصح نعم كما يصح به الطلاق ، صرح به
الماوردي ، وأفهمه كلام الأصحاب ، حيث قالوا :
"كل ما استقل به الشخص فالخلاف فيه كوقوع الطلاق بالخط ، وجزم القاضي حسين بعدم الصحة في الظهار كاليمين فإنها لا تصح إلا باللفظ" .(2/950)
3 - إذا كرر لفظ الظهار في امرأة واحدة على الاتصال ، ونوى الاستئناف فالجديد يلزمه بكل كفارة ، كالطلاق ، والثاني : يلزمه كفارة واحدة كاليمين.
4 - لو كرر لفظ الظهار في امرأة واحدة ، وتفاصلت ، وقال : أردت التأكيد ، هل يقبل منه ؛ الأصح أنه لا يقبل تشبيهاً بالطلاق ، والثاني : نعم كاليمين.
المستثنى
ومن خلاف الغالب يعتبر فيه شبه اليمنِ في مسائل ، منها :
1 - لو ظاهر مؤقتاً ، فالأصح الصحة مؤقتاً كاليمين.
والثاني : لا ، كالطلاق.
2 - التوكيل في الظهار ، والأصح المنع كاليمين ، والثاني : الجواز كالطلاق.
3 - لو ظاهر من إحدى زوجتيه ، ثم قال للأخرى : أشركتك معها ، ونوى
الظهار ، فقولان أحدهما : يعتبر مظاهراً من الثانية أيضاً ، كما لو طلقها ، ثم قال للأخرى : أشركتك معها ، ونوى الطلاق.
والثاني لا يعتبر مظاهراً من الثانية كاليمين ، وهو الراجح .(2/951)
القاعدة : [269]
فرض الكفاية هل يتعين بالشروع ؟
الألفاظ الأخرى
- فرض الكفاية هل يلزم بالشروع ؟
التوضيح
فرض الكفاية هو ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً من مجموع المكلفين ، وإذا
فعله البعض سقط الإثم عن الباقين ، وإذا تركه الجميع أثموا جميعاً ، فإذا شرع فيه إنسان فهل يتعين عليه بالشروع ؛ أي يصير فرض عين ، أي مثله في حرمة القطع ، ووجوب الإتمام أو لا يتعين.
فيه خلاف ، رجح في (المطلب) الأول ، ورجح العلامة هبة الله بن عبد الرحيم البارزي في (التمييز) الثاني ، قال في (الخادم) :
"ولم يرجح الرافعي والنووي شيئاً ، لأنها عندهما من القواعد التي لا يطلق فيها الترجيح ، لاختلاف الترجيح في فروعها ".
التطبيقات
1 - صلاة الجنازة : الأصح تعيينها بالشروع ، لما في الإعراض عنها من هتك حرمة الميت.
(اللحجي : ص 107).
2 - الجهاد ، لا خلاف أنه يتعين بالشروع ، نعم ، جرى خلاف في صورة منه ،(2/952)
وهي ما إذا بلغه رجوع من يتوقف غزوه على إذنه ، والأصح أنه تجب المصابرة ، ولا يجوز الرجوع.
(الزركشي 2/ 243).
3 - إذا شرع في إنقاذ غريق ، ثم حضر آخر لإنقاذه ، جاز قطعه قطعاً (الزركشي 2/244).
المستثنى
العلم : فمن اشتغل به ، وحصل منه طرفاً ، وأنس منه الأهلية ، هل يجوز له تركه ، أو يجب عليه الاستمرار ؟
وجهان ، الأصح الأول ، ويجوز تركه ، ووجهه بأن كل
مسألة مستقلة برأسها ، منقطعة عن غيرها .(2/953)
القاعدة : [270]
فرض الكفاية هل يعطى حكم فرض العين
أو حكم النفل ؟
التوضيح
هذه القاعدة أعم من قاعدة "فرض الكفاية هل يتعين بالشروع "
وفي إعطائه حكم فرض العين أو حكم النفل خلاف ، والترجيح مختلف.
قال الشارح كغيره : "المعتمد ما في (التحفة) من أنه يحرم قطع فرض الكفاية الذي هو جهاد ، أو نسك ، أو صلاة جنازة ، كفرض العين ، وجزم جمع بتحريمه مطلقاً إلا الاشتغال بالعلم ، لأن كل مسألة مستقلة بنفسها ، وصلاة الجماعة لأنها وقعت صفة تابعة ، وهذا رأي ضعيف ، وإن أطال التاج السبكي في الانتصار له ، وإلا لزم حرمة قطع الحِرَف والصنائع ، ولا قائل به".
واختلف العلماء في تفضيل فرض الكفاية على فرض العين ، أو عكسه.
وفيه تفصيل في ذلك.
التطبيقات
1 - الجمع بينه وبين فرض آخر بتيمم ، فيه وجهان ، والأصح الجواز.
2 - صلاة الجنازة قاعداً مع القدرة على القيام ، وعلى الراحلة ، فيه خلاف ،(2/954)
والأصح المنع ، وفرق بين المسألتين ، بأن القيام معظم أركانها فلم يجز تركه مع القدرة ، بخلاف الجمع بينها وبين غيرها بالتيمم.
3 - هل يجبر عليه تاركه حيث لم يتعين ؛ فيه صور مختلفة ، فالأصح إجباره في
صورة الولي والشاهد إذا دعي للأداء مع وجود غيره ، والأصح عدم الإجبار فيما إذا دعي للتحمل ، وفيما إذا امتغ عن الخروج معها للتغريب ، وفيما إذا طلب للقضاء فامتنع .(2/955)
القاعدة : [271]
الزائل العائد ، هل هو كالذي لم يزل.
أو كالذي لم يعد ؟
التوضيح
إذا زال الشيء - بطل حكمه ، فإن عاد الزائل ، فهل يعتبر كالذي لم يزل ويستمر حكمه السابق ، أو يعتبر كالذي لم يعد ، لأن الساقط لا يعود ؟
فيه خلاف ، والترجيح مختلف في الفروع.
التطبيقات
أولاً : رجح الأول في فروع منها :
1 - إذا طلق قبل الدخول ، وقد زال ملكها عن الصداق وعاد ، تعلق حقه بالعين في الأصح.
2 - إذا طلقت رجعياً ، عاد حقها في الحضانة.
3 - إذا تخمر المرهون بعد القبض ثم عاد خلاً ، يعود رهناً في الأصح.
4 - إذا باع ما اشتراه ، ثم علم به عيباً ، ثم عاد إليه بغير رد ، فله رده في الأصح.
5 - إذا خرج المعجل له الزكاة في أثناء الحول عن الاستحقاق ، ثم عاد ، تجزي في الأصح.
6 - إذا فاتته صلاة السفر ، ثم أقام ، ثم سافر ، يقصرها في الأصح .(2/956)
7 - إذا زال ضوء الإنسان أو كلامه أو سمعه أو ذوقه أو شمه ، أو أفضاها ، ثم عاد ، يسقط القصاص والضمان في الأصح.
ثانياً : رجح الثاني ، وكان الزائل العائد ، لم يعد ، في فروع ، منها :
1 - لو زال الموهوب عن ملك الفرع ، ثم عاد ، فلا رجوع للأصل في الأصح.
2 - لو زال ملك المشتري ، ثم عاد وهو مفلس ، فلا رجوع للبائع في الأصح.
3 - لو أعرض عن جلد ميتة أو خمر ، فتحول بيد غيره ، فلا يعود الملك في
الأصح.
4 - لو رهن شاة فماتت ، فدبغ الجلد ، لم يعد رهناً في الأصح.
5 - لو جُن قاض ، أو خرج عن الأهلية ، ثم عاد ، لم تعد ولايته في الأصح.
6 - لو قلع سن مثغور ، أو قطع لسانه ، أو إليته ، فنبت ، أو أوضحه أو أجافه فالتأمت لم يسقط القصاص والضمان في الأصح.
7 - لو عادت الصفة المحلوف عليها ، لم تعد اليمين في الأصح.
8 - لو هزلت المغصوبة عند الغاصب ، ثم سمنت ، لم يجبر ، ولم يسقط الضمان في الأصح.
9 - إذا قلنا : للمقرض الرجوع في عين القرض ما دام باقياً بحاله ، فلو زال وعاد ، فهل يرجع في عينه ؛ وجهان في (الحاوي)
قال السيوطي : "قلت : ينبغي أن يكون الأصح لا يرجع".
ثالثاً : جزم بالأول بأن الزائل العائد كالذي لم يزل قولاً واحداً في صور ، منها :
1 - إذا اشترى معيباً وباعه ، ثم علم العيب ، ورد عليه به ، فله رده قطعاً .(2/957)
2 - إذا فسق الناظر ، ثم صار عدلاً ، وولايته بشرط الواقف منصوص عليها ، عادت ولايته بغير إعادة ، أفتى به النووي ، ووافقه ابن الرفعة ، والنظر في مدة فسقه.
قال ابن الرفعة : "لمن بعده " وقال بعضهم : "للحاكم ".
رابعاً : جزم بالثاني بأن الزائل العائد كالذي لم يعد قولاً واحداً ، في صور ، منها :
1 - إذا تغير الماء الكثير بنجاسة ، ثم زال التغير عاد طهوراً ، فلو عاد التغير بعد زواله ، والنجاسة غير جامدة لم يعد التنجيس قطعاً ، قاله النووي في (شرح المهذب).
(اللحجي : ص 109).
2 - لو زال الملك عن العبد قبل هلال شوال ، ثم ملكه بعد الغروب لا تجب عليه فطرته قطعاً.
3 - لو سمع بينته ، ثم عزل قبل الحكم ، ثم عادت ولايته ، فلا بد من إعادتها قطعاً.
4 - لو قال : إن دخلت دار فلان ، ما دام فيها ، فأنت طالق ، فتحول ، ثم عاد إليها ، لا يقع الطلاق قطعاً ، لأن إدامة المقام التي انعقدت عليها اليمين قد انقطعت ، وهذا عود جديد وإدامته إقامة مستأنفة ، نقله الرافعي.
5 - لو وقف على امرأة ما دامت عزباً ، فتزوجت ، ثم عادت عزباً ، فاختلف فيها.
والأكثرون على أنه لا يعود لها الاستحقاق لانقطاع الديمومة.
قال الزركشي : "والضابط : ما كان المعلَّق فيه شرعياً ، إذا عاد ، فهو كالذي لم يزل ، كالمفلس إذا حجر عليه قبل إقباض الثمن ، وكان قد خرج عن ملكه ثم عاد ، وإن كان وضعياً فكالذي لم يعد ، كما لو علق طلاقها على الدخول ، ثم أبانها ، ثم تزوجها ، فعادت ، لا يقع في الأصح " .(2/958)
فائدة : التقارب بين الشافعية والحنابلة
قال الحنابلة قريباً من قول الشافعية ، فقال.
(ابن رجب رحمه الله تعالى :
"القاعدة الأربعون : الأحكام المتعلقة بالأعيان بالنسبة إلى تبدل الأملاك واختلافها عليها.
نوعان ، أحدهما : ما يتعلق الحكم فيه بملك واحد ، فإذا زال الملك سقط الحكم.
النوع الثاني : ما يتعلق الحكم فيه بالعين نفسها من حيث هي تعلقاً لازماً فلا يختص تعلقه بملك دون ملك ".
تطبيقات النوع الأول
1 - الإجارة : فمن استأجر شيئاً مدة ، فزال ملك صاحبه عنه بتملك قهري يشمل العين والمنفعة ، ثم عاد إلى ملك المؤجر والمدة باقية ، لم تعد الإجارة.
(ابن رجب 1/ 279).
2 - الإعارة : فلو أعاره شيئاً ، ثم زال ملكه عنه ، ثم عاد ، لم تعد الإعارة.
(ابن رجب 1/ 279).
3 - الوصية تبطل بإزالة الملك ، ولا تعود بعوده.
(ابن رجب 1/ 279).
4 - الهبة قبل القبض وسائر العقود الجائزة ، كالوكالة وغيرها ، إذا زال الملك ، ثم عاد ، فلا تعود.
(ابن رجب 1/ 279).
تطبيقات النوع الثانى
1 - الرهن : إذا رهن عيناً رهناً لازماً ، ثم زال ملكه عنها بغير اختياره ، ثم عاد ، فالرهن باق بحاله ؛ لأنه وثيقة لازمة للعين ، فلا تنفك بتبدل الأملاك.
(ابن رجب 1/ 280).
2 - لو تخمر العصير المرتهن ، ثم تخلل ، فإنه يعود رهناً كما كان ، وكذلك يعود(2/959)
الرهن بعد زواله ، وإن كان ملك الراهن باقياً عليه في الصور الآتية.
(ابن رجب 1/285).
3 - لو صالحه من دين الرهن على ما يشترط قبضه في المجلس ، صح الصلح ، وبرئت ذمته من الدَّين ، وزال الرهن ، فإن تفرقا قبل القبض بطل الصلح وعاد الدَّين والرهن بحاله.
(ابن رجب 1/ 285).
4 - إن أعاد الرهن إلى الراهن بطل الرهن ، فإن عاد إليه عاد رهناً كما كان.
(ابن رجب 1/281).
5 - الأضحية المعينة ، فإن الحق ثابت في رقبتها لا يزول بدون اختيار المالك ، فإذا تعيبت خرجت عن كونها أضحية ، فإذا زال العيب عادت أضحية كما كانت.
(ابن رجب 1/281).
6 - رجوع الزوج في نصف الصداق بعد الفرقة فإنه يستحقه ، سواء كان قد زال ملك الزوجة عنه ، بم عاد ، أو لم يَزُل ؛ لأن حقه متعلق بعينه.
(ابن رجب 1/ 282).
7 - عروض التجارة إذا خرجت عن ملكه بغير اختياره ، ثم عادت ، فإنه لا ينقطع الحول بذلك ، كما إذا تخمر العصير ثم تخلل.
(ابن رجب 1/ 282).
8 - صفة الطلاق تعود بعود النكاح ، وسواء وجدت في زمن البينونة ، أو لم توجد على المذهب الصحيح.
(ابن رجب 1/ 282).
9 - الرَّد بالعيب لا يمتنع بزوال الملك إذا لم يدل على الرضا.
(ابن رجب 1/ 283).
10 - رجوع الأب فيما وهبه لولده إذا أخرجه الابن عن ملكه ، ثم عاد إليه ، ورجوع غريم المفلس في السلعة التي وجدها بعينها ، وكان المفلس قد أخرجها عن ملكه ثم عادت إليه ، في المسألتين ثلاثة أوجه :
أحدها : لا حق لأحدهما فيها ، لأن حقهما متعلق بالعقد الأول المتلقى عنهما ، والثاني : لهما الرجوع نظراً إلى أن حقهما ثابت في العين ، وهي موجودة فاشبه الرد بالعيب.
والثالث : إن عاد بملك جديد سقط حقهما ، وإن عاد بفسخ العقد فلهما الرجوع ؛ لأن الملك العائد بالفسخ تابع للملك الأول.
فإن الفسخ رفع للعقد الحادث من أصله على قول.
فيعود الملك كما كان.
(ابن رجب 1/ 283).(2/960)
القاعدة : [272]
هل العبرة بالحال أو بالمآل ؟
الألفاظ الأخرى
- الطارئ هل ينزل منزلة المقارن ؟
- المشرف على الزوال هل يعطى حكم الزائل ؟
- المتوقع هل يجعل كالواقع.
التوضيح
إذا علق شخص تصرفه على زمن ، فهل يسري حكمه من الحال ، أو من المآل ، أي المستقبل ؛ فيه خلاف ، والترجيح مختلف في الفروع.
ويعبر عن هذه القاعدة بالألفاظ السابقة الأخرى.
التطبيقات
1 - إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف غداً ، فأتلفه قبل الغد ، فهل يحنث في الحال ، أو حتى يجيء الغد ؛ وجهان ، أصحهما الثاني.
2 - لو كان القميص بحيث تظهر منه العورة عند الركوع ، ولا تظهر عند القيام ، فهل تنعقد صلاته ؛ ثم إذا ركع تبطل ، أو لا تنعقد ، أصلاً ؟
وجهان ، أصحهما الأول .(2/961)
3 - لو لم يبق من مدة الخفّ ما يسع الصلاة ، فأحرم بها ، فهل تنعقد ؟
فيها وجهان ، الأصح نعم ، نظير الأول.
وفائدة الصحة في المسألتين صحة الاقتداء به ، ثم مفارقته ، وفي المسألة الأولى
صحتها إذا ألقى على عاتقه ثوباً قبل الركوع ، قال صاحب (المعين) : "وينبغي القطع بالصحة فيما إذا صلى على جنازة ، إذ لا ركوع فيها".
4 - من عليه عشرة أيام من رمضان ، فلم يقضها حتى بقي من شعبان خمسة أيام ، فهل يجب فدية ما لا يسعه الوقت في الحال ، أو لا يجب حتى يدخل رمضان ؟
فيه وجهان ، أصحهما لا يلزم إلا بعد مجيء رمضان.
5 - لو أسلم فيما يعم وجوده عند المحل ، فانقطع قبل الحلول ، فهل يتنجز حكم الانقطاع ، وهو ثبوت الخيار في الحال ، أو يتأخر إلى المحل ؟
وجهان ، أصحهما : الثاني.
6 - لو نوى في الركعة الأولى الخروج من الصلاة في الركعة الثانية ، أوعلق
الخروج بشيء يحتمل حصوله في الصلاة ، فهل تبطل في الحال ، أو حتى توجد الصفة ؟
وجهان ، أصحهما : الأول.
7 - هل العبرة في مكافأة القصاص بحال الجرح أو الزهوق ؛ الأصح : الأول.
8 - هل العبرة في الإقرار للوارث بكونه وارثاً حال الإقرار أو الموت ؟ وجهان.
أصحهما : الثاني.
9 - هل العبرة في الكفارة المترتبة بحال الوجوب أو الأداء ؟
قولان ، أصحهما : الثاني.
10 - لو حدث في المغصوب نقص يسري إلى التلف ، بأن جعل الحنطة هريسة ، فهل هي كالتالف ؛ أو لا ، بل يرده مع أرش النقص ؟
قولان ، أصحهما : الأول .(2/962)
المستثنى
1 - جزم باعتبار الحال في مسائل ، منها :
إذا وهب للطفل من يعتق عليه ، وهو معسر ، وجب على الولي قبوله ، لأنه لا يلزمه نفقته في الحال ، فكان قبول هذه الهبة تحصيل خير ، وهو العتق بلا ضرر ، ولا ينظر ما لعله يتوقع من حصول يسار للصبي ، أو إعسار لهذا القريب ، لأنه غير متحقق أنه آيل ، وجزموا بعدم جواز بيع جلد الميتة القابل للدباغ قبل دباغه ، نظراً إلى الحال.
(ابن خطيب الدهشة : 1/ 112).
2 - جزم باعتبار المآل في مسائل ، منها : بيع الجحش الصغير جائز ، وإن لم ينتفع به حالاً لتوقع النفع به مآلاً ، ومنها : جواز التيمم لمن معه ماء يحتاج إلى شربه في المآل ، لا في الحال.
3 - بيع الزيت المتنجس ، والدهن المتنجس بعارض ، ففي رأي يجوز ؛ لأنه يمكن تطهيره ، باعتبار المآل ، ومثله الثوب المتنجس ، نظراً إلى المآل ، والأصح : المنع.
وفصل إمام الحرمين فقال : إن يمكن تطهيره جاز بيعه ، وإلا ففي بيعه قولان مبنيان على جواز الاستصباح به.
(ابن خطيب الدهشة : 1/ 111 ، 258).
4 - بيع الماء المتنجس ، إذا فرعنا على بيع الماء في الجملة ، وفيه وجهان ، الأول : الجواز ؛ لأن تطهيره بالمكاثرة يمكن ، باعتبار المآل ، والثاني : الجزم بالمنع ، لأنه ليس بتطهير ، ولكنه ببلوغه قلتين يستحيل من صفة النجاسة إلى صفة الطهارة ، كالخمر يصير خلاً.
(ابن خطيب الدهشة : 1/ 258).
5 - بيع ما لا ينتفع به حئاً أو شرعاً كبيع السباع التي لا تصلح للاصطياد بها
نظراً إلى توقع الانتفاع بجلدها في المآل ، وكذلك الحمار الزمن ، قولان ، والصحيح : أنه لا يصح ، وكذلك بيع آلات الملاهي مما له رضاض فيه مالية ، وكذلك بيع الأصنام والصور المتخذة من الذهب ونحوه ، الأصح المنع ، نظراً للحال في سلب المنفعة بها شرعاً في الحال.
(ابن خطيب الدهشة : 1/ 259).
6 - بيع السمك إذا كان في بركة كبيرة مسدودة المنافذ ، لكن لا يمكن أخذه إلا(2/963)
بمعاناة وتعب شديد ، الأصح : المنع ، لتعذر التسليم في الحالي ، ومشقته في المآل.
والحمام في البرج الكبير كالسمك.
(ابن خطيب الدهشة : 1/ 260).
7 - البيع بثمن مجهول القدر في الحال ، ويمكن معرفته في المآل ، كقوله : بعتك بما باع به فلان فرسه.
والأصح : البطلان ، لما فيه من الغرر الحالي.
(ابن خطيب الدهشة : 1/ 261).(2/964)
القاعدة : [273]
تنزيل الاكتساب منزلة المال الحاضر
التوضيح
إن ما بكتسبه الشخص أمر متجدد في الحاضر والمستقبل ، ومع ذلك ينزل
الاكتساب منزلة المال الحاضر ، وهذه القاعدة ملحقة بقاعدة : هل العبرة بالحال أو بالمآل ؛ وفيها تفصيل.
التطبيقات
1 - في الفقر والمسكنة : قطعوا بأن القادر على الكسب كواجد المال.
(اللحجي : ص 111).
2 - سهم الغارمين ، هل ينزل الاكتساب فيه منزلة المال ؛ فيه وجهان ، الأشبه لا.
3 - المكاتب إذا كان كسوباً ، هل يعطى من الزكاة ؛ فيه وجهان ، الأصح : نعم كالغارم.
4 - إذا حجر عليه بالفلس ، أنفق على من تلزمه نفقته من ماله إلى أن يقسم ، إلا أن يكون كسوباً.
5 - من له أصل وفرع ، ولا مال له ، هل يلزمه الاكتساب للإنفاق عليهما ؛ وجهان ، أحدهما : لا ، كما لا يجب الاكتساب لوفاء الدين ، والأصح : نعم ، لأنه يلزمه إحياء نفسه بالكسب ، فكذلك إحياء بعضه .(2/965)
6 - المنفق عليه من أصل وفرع ، لو كان قادراً على الاكتساب.
فهل يكلف به ، أو لا تجب نفقته ؟
أقوال : أصحها لا يكلف الأصل لعظم حرمة الأبوة ، فتجب بخلاف
الفرع.(2/966)
القاعدة : [274]
ما قارب الشيء هل يعطى حكمه ؟
الألفاظ الأخرى
- ما قارب الشيء أعطي حكمه.
التوضيح
كل أمر في الوجود له حكم شرعي ، وقد يختلف الحكم حسب الأزمان
والأماكن ، فهل يعطى الشيء المقارب حكم ما قاربه.
وجمهور الفقهاء يقولون بالإيجاب ، وأن ما قارب الشيء أعطي حكمه ، وذلك في المذاهب الأربعة ، ولذلك
ذكرها الأكثر بصيغة : (ما قارب الشيء أعطي حكمه أو فهو في حكمه ".
هذه القاعدة أعم من قاعدة "هل العبرة بالحال أو بالمآل ؟ ".
التطبيقات
1 - الديون المساوية لمال المفلس ، هل توجب الحجر عليه ؛ وجهان ، الأصح لا.
وفي المقاربة للمساواة الوجهان ، وأولى بالمنع.
2 - الدم الذي تراه الحامل حال الطلق ليس بنفاس على الصحيح.
3 - لا يملك المكاتب ما في يده على الأصح ، ووجه مقابله أنه قارب العتق.
4 - قال الشارح : "ومن فروعها تحريم مباشرة الحائض قريباً من الفرج ، ومسائل الحريم فيما يظهر ، لأنها من هذا القبيل.(2/967)
القاعدة : [275]
إذا بطل الخصوص فهل يبقى العموم ؟
التوضيح
إذاكان الفعل مقصوداً به أمر خاص ، ففقد ركناً من أركانه ، أو شرطاً من
شروطه ، فهل يبقى صحيحاً في أمر عام ، أم يبطل ؟
فيه خلاف ، والترجيح مختلف في الفروع.
التطبيقات
1 - إذا تحرم بالظهر مثلاً ، فبان عدم دخول وقته ، بطل خصوص كونه ظهراً ، ويبقى نفلاً في الأصح.
2 - لو نوى بوضوئه الطواف ، وهو بغير مكة ، فالأصح الصحة إلغاء للصفة.
3 - لو أحرم بالحج في غير أشهره ، بطل ، وبقي أصل الإحرام فينعقد عمرة في الأصح.
4 - لو علق الوكالة بشرط فسدت ، وجاز للوكيل التصرف لعموم الإذن في الأصح.
5 - لو تيمم لفرض قبل وقته ، فالأصح البطلان وعدم استباحة النفل به.
6 - لو وجد القاعد خفة في أثناء الصلاة فلم يقم ، بطلت ، ولا يتم نفلاً في
الأظهر .(2/968)
المستثنى
1 - جزم ببقائه في صور :
أ - إذا أعتق معيباً عن كفارة بطل كونه كفارة ، وعتق جزماً.
ب - لو أخرج زكاة ماله الغائب ، فبان تالفاً وقعت تطوعاً قطعاً.
2 - جزم بعدمه في صور :
أ - لو وكله ببيع فاسد ، فليس له البيع قطعاً ، لا صحيحاً ، لأنه لم يأذن فيه ، ولا فاسداً لعدم إذن الشرع فيه.
ب - لو أحرم بصلاة الكسوف ، ثم تبين الانجلاء قبل تحرمه بها ، لم تنعقد نفلاً
قطعاً ، لعدم نفل على هيئتها حتى يندرج في نيته .(2/969)
القاعدة : [276]
الحمل هل يعطى حكم المعلوم أو المجهول ؟
التوضيح
الحمل في بطن أمه له أحكام خاصة ، ويعتبر معلوماً من جهة وجزءاً مستقلاً.
ويعتبر مجهولاً وجزءاً من أمه من جهة ، ولذلك اختلف في إعطائه حكم المعلوم أو المجهول على قولين ، ففيه خلاف ، والترجيح مختلف في الفروع.
التطبيقات
1 - بيع الحامل إلا حملها ، فيه قولان ، أظهرهما لا يصح ، بناء على أنه مجهول ، واستثناء المجهول من المعلوم يصير الكل مجهولاً.
2 - بيع الحامل بحُرٍّ ، وفيه وجهان ، أصحهما البطلان ، لأنه مستثنى شرعاً ، وهو مجهول.
3 - لو قال : بعتك الجارية ، أو الدابة ، وحملها ، أو بحملها ، أو مع حملها ، وفيه وجهان ، الأصح أيضاً البطلان لما تقدم.
4 - لو باع الدابة بشرط أنها حامل ، ففيه قولان ، أحدهما : البطلان ، لأنه شرط معها شيئاً مجهولاً ، وأصحهما الصحة بناء على أنه معلوم ، لأن الشارع أوجب الحوامل في الدية.
5 - الإجارة للحمل ، والأظهر ، كما قال العراقي ، الجواز ، بناء على أنه معلوم .(2/970)
المستثنى
1 - جزم بإعطاء الحمل حكم المجهول فيما إذا بيع وحده ، فلا يصح قطعاً.
2 - جزم بإعطائه حكم المعلوم في الوصية له ، أو الوقف عليه ، فيصحان قطعاً.(2/971)
القاعدة : [277]
النادر هل يلحق بجنسه او بنفسه ؟
الألفاظ الأخرى
- النادر هل يلحق بالغالب ؟
- النادر هل يعتبر بنفسه أم يلحق بحنسه ؟
التوضيح
إذا كان الشيء نادراً ، فهل يلحق في الحكم بأحكام جنسه ، أو يكون له حكم مستقل ؛ فيه خلاف ، والترجيح مختلف في الفروع.
التطبيقات
1 - مس الذكر المبان ، فيه وجهان ، أصحهما أنه ينقض ، لأنه يسمى ذكراً.
2 - لمس العضو المبان من المرأة ، فيه وجهان ، أصحهما عدم النقض ، لأنه لا يسمى امرأة ، والنقض منوط بلمس المرأة.
3 - النظر إلى العضو المبان من الأجنبية ، وفيه وجهان ، أصحهما التحريم ، ووجه مقابله ندور كونه محل الفتنة ، والخلاف جار في قلامة الظفر.
4 - لو حلف لا يأكل اللحم ، فأكل الميتة ، ففيه وجهان ، أصحهما عند النووي عدم الحنث ، ويجريان فبما لو أكل ما لا يؤكل كذئب وحمار.
5 - الأكساب النادرة كالوصية واللقطة والهبة ، هل تدخل في المهايأة في العبد المشترك ؟
وجهان ، الأصح نعم .(2/972)
6 - جماع الميتة يوجب عليه الغسل والكفارة عن إفساد الصوم والحج ، ولا يوجب الحد ولا إعادة غسلها على الأصح فيهما ، ولا المهر.
7 - يجزئ الحجر في المذي والودي على الأصح.
8 - يبقى الخيار للمتبايعين إذا داما أياماً على الأصح.
9 - جريان الربا في الفلوس إذا راجت رواج النقود ، وجهان ، أصحهما : لا.
10 - ما يتسارع إليه الفساد في شرط الخيار ، فيه وجهان ، أصحهما : لا يجوز.
المستثنى
1 - جزم بالأول ، ويعطى النادر حكم جنسه في صور :
أ - من خُلق له وجهان لم يتميز الزائد منهما ، يجب غسلهما قطعاً.
ب - من خُلقت بلا بكارة لها حكم الأبكار قطعاً.
جـ - من أتت بولد لستة أشهر ولحظتين من الوطء ، يلحق به قطعاً ، وإن كان نا دراً.
2 - جزم بالثاني ، ويعطى النادر حكماً مستقلاً في صور :
أ - الأصبع الزائدة لا تلحق بالأصلية في الدية قطعاً.
ب - كذا سائر الأعضاء ، لا تلحق بالأصلية في الدية قطعاً .(2/973)
القاعدة : [278]
القادر على اليقين ، هل له الاجتهاد والأخد بالظن ؟
التوضيح
الأصل أن يعمل الإنسان باليقين ، ويلجأ إلى الاجتهاد عند الظن ، والاجتهاد
ظني ، فإذا قدر على اليقين ، فهل له الاجتهاد والأخذ بالظن ؟
فيه خلاف ، والترجيح
مختلف في الفروع.
التطبيقات
1 - من معه إناءان ، أحدهما نجس ، وهو قادر على يقين الطهارة بكونه على البحر ، أو عنده ثالث طاهر ، أو يقدر على خلطهما ، وهما قلتان ، والأصح أن له الاجتهاد.
2 - لو كان معه ثوبان ، أحدهما نجس ، وهو قادر على طاهر بيقين ، والأصح أن له الاجتهاد.
3 - من شك في دخول الوقت ، وهو قادر على تمكين الوقت ، أو الخروج من البيت المظلم لرؤية الشمس ، والأصح أن له الاجتهاد.
4 - الصلاة إلى الحجر ، الأصح عدم صحتها إلى القدر الذي ورد فيه أنه من
البيت ، وسببه اختلاف الروايات ، ففي لفظ "الحِجر من البيت "
وفي لفظ "سبعة أذرع " وفي آخر "ستة" وفي آخر "سبعة".
والكل في (صحيح مسلم) فعدلنا عنه إلى
اليقين ، وهو الكعبة ، قاله السيوطي .(2/974)
5 - الاجتهاد بحضرته - صلى الله عليه وسلم - ، وفي زمانه ، والأصح جوازه.
المستثنى
1 - جزم بالمنع فيما إذا وجد المجتهد نصاً فلا يعدل عنه إلى الاجتهاد جزماً ، وفي المكي لا يجتهد في القبلة جزماً ، وفرق بين القبلة والأواني بأن في الإعراض عن الاجتهاد في الآنية إضاعة مال ، وبأن القبلة في جهة واحدة ، فطلبها في غيرها مع القدرة عليها عبث ، والماء جهاته متعددة.
2 - وجزم بالجواز في الاجتهاد والأخذ بالظن فيمن اشتبه عليه لبن طاهر
ومتنجس ، ومعه ثالث طاهر بيقين ، ولا اضطرار ، فإنه يجتهد بلا خلاف ، نقله في (شرح المهذب).(2/975)
القاعدة : [279]
المانع الطارئ هل هو كالمقارن ؟
التوضيح
إذا طرأ شيء على تصرف أو على شيء ، فهل يأخذ المانع الطارئ حكم المقارن للأصل ؟
فيه خلاف ، والترجيح مختلف فيه ، ويعبر عن أحد شقي هذه القاعدة
بقاعدة " يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء" (م/ 55).
التطبيقات
1 - طريان الكثرة على الاستعمال ، والشفاء على المستحاضة في أثناء الصلاة ، والردة على الإحرام ، وقصد المعصية على سفر الطاعة ، وعكسه ، والإحرام على ملك الصيد ، وأحد العيوب على الزوجة ، والحلول على دَين المفلس الذي كان مؤجلاً ، وملك المكاتب زوجة سيده ، والوقف على الزوجة أي إذا وقفت زوجته عليه.
والأصح في الكل أن الطارئ كالمقارن ، ويؤثر مثله ، ويعطى حكم المقارن.
فيحكم للماء بالطهورية ، وللصلاة والإحرام بالإبطال ، وللمسافر بعدم الترخص في الأولى ، وبالترخص في الثانية ، وبإزالة الملك عن الصيد ، وبإثبات الخيار للزوج ، وبرجوع البائع في عين ماله ، وبانفساخ النكاح في شراء المكاتب والموقوفة ، كما لا يجوز نكاح من وقفت عليه ابتداء.
2 - طَرَيَانُ القدرة على الماء في أثناء الصلاة ، ونية التجارة بعد الشراء ، وملك الابن على زوجة الأب ، والعتق على من نكح جارية ولده ، واليسار ونكاح الحرة على حرٍّ نكح أمة ، وملك الزوجة لزوجها بعد الدخول قبل قبض المهر ، وملك الإنسان(2/976)
عبداً له في ذمته دين ، والإحرام على الوكيل في النكاح ، والاسترقاق على حربي استأجره مسلم ، والعتق على عبد آجره سيده مدة.
والأصح في الكل أن الطارئ ليس كالمقارن ، ولا يؤثر نهائياً ، فلا تبطل الصلاة ولا تجب الزكاة ، ولا ينفسخ النكاح في الصور الأربع ، ولا يسقط المهر والدين عن ذمة العبد ، ولا تبطل الوكالة ، ولا تنفسخ الإجارة في الصورتين.
المستثنى
1 - جُزِم بأن الطارئ كالمقارن في صور ، ويعطى حكمه قولاً واحداً ، منها :
طَرَيانُ الكثرة على الماء النجس ، والرضاع المحرم ، والردة على النكاح ، ووطء الأب ، أو الابن ، أو الأم ، أو البنت بشبهة ، وملك الزوج الزوجة وعكسه ، والحدث العمد على الصلاة ، ونية القنية على عروض التجارة ، وأحد العيوب على الزوج.
2 - وجزم بخلافه ، وأن الطارئ ليس كالمقارن قولاً واحداً في صور ، منها :
طريان الإحرام ، وعدة الشبهة ، وأمن العنت على النكاح ، والإسلام على السبي فلا يزيل الملك ، ووجدان الرقبة في أثناء الصوم ، والإباق ، وموجب الفساد على الرهن ، والإغماء على الاعتكاف ، والإسلام على عبد الكافر ، فلا يزيل الملك ، بل يؤمر بإزالته .(2/977)
فوائد :
الفائدة الأولى : المسائل المفتى فيها على القول القديم
ذكر المسائل التي يفتى فيها على القول القديم ، وهي أربع عشرة مسألة على ما ذكرها النووي ، رحمه الله تعالى ، في (شرح المهذب) ، وهي :
1 - مسألة التثويب في أذان الصبح ، القديم استحبابه.
2 - التباعد عن النجاسة في المال الكثير ، القديم أنه لا يشترط.
3 - قراءة السورة في الركعتين الأخيرتين ، القديم : لا يستحب.
4 - لمس المحارم ، القديم لا ينقض الوضوء.
5 - تعجيل الحشاء ، القديم أنه أفضل.
6 - الاستنجاء بالحجر فيما جاوز المخرج ، القديم جوازه.
7 - وقت المغرب ، القديم امتداده إلى غروب الشفق الأحمر.
8 - المنفرد إذا نوى الاقتداء في أثناء الصلاة ، القديم جوازه.
9 - أكل الجلد المدبوغ ، القديم تحريمه.
10 - تقليم أظافر الميت ، القديم كراهته.
11 - شرط التحلل من التحرم بمرض ونحوه ، القديم جوازه.
12 - الجهر بالتأمين للمأموم في صلاة جهرية ، القديم استحبابه .(2/978)
13 - من مات وعليه صوم ، القديم يصوم عنه وليه.
14 - الخط بين يدي المصلي إذا لم تكن معه عصا ، القديم استحبابه(2/979)
الفائدة الثانية : المذهب القديم
قال الشيخ عبد الهادي نجا الأبياري رحمه الله تعالى بعد ذكر مسائل القديم ما
نصه : "المراد بالقديم ما صنفه الشافعي رضي الله عنه ببغداد ، واسمه (كتاب الحُجة) الذي رواه عنه الحسن بن محمد الزعفراني ، وقد رجع عنه الشافعي بمصر ، وغسل كتبه فيه ، وقال :
"لا أجعل في حل من روى عني القول القديم"
قال الإمام في باب الآنية من (النهاية) : "معتقدي أن الأقوال القديمة ليست من مذهب الشافعي حيث كانت ، لأنه جزم في الجديد - بخلافها ، والمرجوع عنه لا يكون مذهباً للراجع ، وهذا يقتضي أن المرجوع عنه في القديم ما جزم بخلافه في الجديد".
وبذلك صرح النووي ، وقال :
"أما قديم لم يخالفه في الجديد ، أو لم يتعرض لتلك المسألة فيه ، فإنه مذهب
الشافعي ، واعتقاده ، ويعمل به ، ويفتى عليه ، فإنه قاله ، ولم يرجع عنه ، وإطلاقهم أن القديم مرجوع عنه ، ولا عمل به إنما هو بالنظر إلى الغالب" ذكره العلائي في (قواعده).
وقال أيضاً : "لا ينبغي لمقلد مذهب الشافعي أن ينسب المذهب القديم إليه ، ولا لمن يسأل عن مذهبه أن يفتي به لصحة رجوعه عنه ، ومخالفته إياه في الجديد ، بل ينظر في ذلك القول ، فإن كان موافقاً لقواعد الجديد عمل به ، لا لذاته ، بل لاقتضاء قواعد الجديد إياه ، أو دل عليه حديث صحيح ، مع قول الشافعي :
"إذا صح الحديث فهو مذهي "
وقوله أيضاً :
"كل مسألة تكلمت فيها صح الخبر فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
عند أهل النقل بخلاف ما قلت ، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي"
وبذا عمل كثير من أصحابنا ، فكان من ظفر منهم بحديث ، ومذهب الشافعي بخلافه ، عمل بالحديث ، ولم يتفق ذلك إلا نادراً.
وليس كل فقيه يسوغ له أن يستقل بالعمل بما رآه من الحديث ، لأنه قد يكون الشافعي اطلع على هذا الحديث وتركه عمداً على علم منه بصحته ، لمانع اطلع عليه ، وخفي على غيره ، كما قال أبو الوليد موسى بن أبي الجارود ، روى عن الشافعي أنه قال :
"إذا صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث ، وقلت قولاً بخلافه ، فإني راجع عنه ، قائل بذلك"(2/980)
قال أبو الوليد : وقد صح حديث : (أفطر الحاجم والمحجوم) . فرُد على أبي الوليد بأن الشافعي تركه مع صحته ، لكونه منسوخاً عنده ، وقد بيَّنه ، والله أعلم".(2/981)
الفائدة الثالثة : مضي الزمان
هناك صور يقوم فيها مضي الزمان مقام الفعل ، جمعها المحب الطبري في.
(شرح التنبيه) وهي بضع عشرة مسألة ، أكثرها على ضعف ، وهي :
1 - مضي مدة المسح ، يوجب النزع ، وإن لم يمسح.
2 - مضي زمن المنفعة في الإجارة ، يقرر الأجرة ، وإن لم ينتفع.
3 - إقامة زمن عرضها على الزوج الغائب ، مقام الوطء ، حتى تجب النفقة.
4 - مضي زمن يمكن فيه القبض ، ويكفي في الهبة والرهن ، وإن لم يقبض.
5 - إقامة وقت الجداد مقامه عند من يرى أن لا ضم.
6 - دخل وقت الصلاة في الحضر ، ثم سافر ، يمسح مسح مقيم في وجه.
7 - الصبي والعبد إذا وقفا بعرفة ، ثم دفعا بعد الغروب ، ثم كملا قبل الفجر ، سقط فرضهما عند ابن سريج.
8 - إذا انتصف الليل ، دخل وقت الرمي ، وحصل التحلل عند الإصطخري.
9 - 10 - إقامة وقت التأبير ، وبُدُوِّ الصلاح ، مقامهما في وجه.
11 - إقامة وقت الخَرْص مقامه ، إن لم يشترط التصريح بالتضمين ، وهو وجه.
12 - خروج الوقت يمنع فعل الصلاة على قول.
13 - إذا سافر بعد الوقت ، لا يقصر على وجه .(2/982)
الباب التاسع
القواعد المختلف فيها في المذهب الحنبلي
هذه القواعد مستنبطة من تتبع آراء الإمام أحمد وعلماء المذهب الحنبلي في الفروع الفقهية والمسائل المتعددة ، وأن الحكم مختلف فيه لرأين أو أكثر ، ولذلك جاءت بصيغة الاستفهام ، وقد يكون أحد الأقوال راجحاً في المذهب ، أو مشهوراً ، فيشار إليه باعتباره القول المعتمد في المذهب ، وقد يكون القول راجحاً في باب فقهي ، وغيره راجحاً في باب آخر.
كما يظهر أن معظم هذه القواعد هي مجرد ضوابط ، أي قاعدة كلية في باب واحد من أبواب الفقه ، كما يظهر من صيغتها .(2/983)
القاعدة : [280]
ما يدركه المسبوق في الصلاة ، هل هو آخر صلاته أو أولها ؟
التوضيح
المسبوق في الصلاة هو الذي اقتدى بالإمام بعد الركوع في الركعة الأولى ، وما يليه ، ويجب عليه متابعة الإمام حتى يسلم ، ثم يقوم ليأتي بما فاته من ركعة أو أكثر ، فالإمام مثلاً يكون في الركعة الثانية ، والمسبوق بدأ بالركعة الأولى ، فهل الركعة الأولى له تعتبر ثانية كالإمام ، وما يأتيه بعد تسليم إمامه ركعة أولى ، أم تعتبر الركعة الأرلى له ركعة أولى ، وما يأتيه فيما بعد مرتباً عليها ؟
في المسألة روايتان عن الإمام أحمد ، الأولى : أن ما يدركه آخر صلاته ، وما يقضيه أولها ، والثانية : عكسها.
التطبيقات
يترتب على هذا الاختلات فوائد :
1 - محل الاستفتاح : فعلى الأولى يستفتح في أول ركعة يقضيها ، إذ هي أول صلاته ، وعلى الثانية : يستفتح في أول ركعة أدركها ، لأنها الأولى له.
2 - التَّعوذ : فعلى الأولى يتعوذ إذا قام للقضاء خاصة ، وعلى الثانية يتعوذ في أول ركعة يدركها ، وهذا بناء على القول : إن التعوذ يختص بأول ركعة ، فان قلنا : إنه مشروع في كل ركعة فتلغى هذه الفائدة .(2/985)
3 - هيئة القراءة في الجهر والإخفات : فإذا فاتته الركعتان الأوليان من المغرب أو العشاء ، جهر في قضائهما من غير كراهة ، نص عليه الإمام أحمد في رواية الأثرم.
وإن أمَّ فيهما ، وقلنا بجوازه ، سنَّ له الجهر ، وهذا على الرواية الأولى ، وعلى الرواية الثانية لا جهر ها هنا.
4 - مقدار القراءة : وللأصحاب طريقان : أحدهما : أنه يقرأ في المقتضيتين بالحمد وسورة معها بلا خلاف ، وهو قول الأئمة الأربعة ، والطريق الثاني حسب الروايتين.
فإن قلنا : ما يقضيه أول صلاته فكذلك يقرأ الحمد وسورة ، وعلى الرواية الثانية يقتصر على الفاتحة.
5 - قنوت الوتر : إذا أدركه المسبوق مع الإمام ، فإن قلنا : ما يدركه آخر صلاته فلا يقنت ثانية ، لأن القنوت مع الإمام وقع في محله ولا يعيده.
وإن قلنا : أولها : أعاده في آخر ركعة يقضيها.
6 - تكبيرات العيد الزوائد : إذا أدرك المسبوق الركعة الثانية من العيد ، فإن قلنا : هي أول صلاته ، كبر خمساً في المقضية ، وإلا كبر سبعاً.
7 - إذا سبق في بعض تكبيرات صلاة الجنازة : فإن قلنا : ما يدركه آخر صلاته تابع الإمام في الذكر الذي هو فيه ، ثم قرأ الفاتحة في أول تكبيرة يقضيها.
وإن قلنا : ما يدركه أول صلاته قرأ فيها بالفاتحة.
8 - محل التشهد الأول في حق من أدرك من المغرب أو الرباعية ركعة ، ففي المسألة روايتان ، إحداهما : أن ما يقضيه آخر صلاته ، فيتشهد عقب ركعة ، لأنها ثانيته ، وهي الأرجح.
والثانية : أن ما يقضيه أول صلاته ، ويتشهد عقب ركعتين.
ويتفرع على الاختلاف في القاعدة أمران لم يرد فيهما نقل ، وهما تطويل الركعة الأولى على الثانية ، وترتيب السورتين في الركعتين .(2/986)
القاعدة : [281]
الزكاة هل تجب في عين النصاب أو ذمة مالكه ؟
التوضيح
اختلف علماء المذهب الحنبلي في ذلك على طرق :
إحداها : إن الزكاة تجب في العين ، الثانية : إن الزكاة تجب في الذمة ، الثالثة : إنها تجب في الذمة ، وتتعلق بالنصاب ، والرابعة : إن في المسألة روايتين : تجب في العين ، وتجب في الذمة ، والرواية الأولى هي الأرجح.
قال البهوتي : "وتجب الزكاة في عين المال ، ولها تعلق بالذمة".
- التطبيقات
يزتب على الاختلاف في محل تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة فوإئد كثيرة ، منها :
1 - إذا ملك نصاباً واحداً ، ولم يودِّ زكاته أحوالاً ، فإن كانت الزكاة في العين وجبت زكاة الحول الأول دون ما بعده ، نص عليه أحمد واختاره أكثر الأصحاب ؛ لأن قدر الزكاة زال الملك فيه على قول أو ضعف الملك فيه لاستحقاق تملكه ، والمستحق في حكم المؤدى ، فنقص النصاب في الحول الثاني ولا زكاة فيه ، وإن كانت الزكاة في الذمة وجبت لكل حول ، إلا إذا قلنا : إن دين الله عز وجل يمنع الزكاة.
وهذا الاختلاف إذا كانت زكاته من جنسه ، فإن كانت من غير جنسه كالإبل(2/987)
المزكاة بالغنم فتتكرر زكاته لكل حول قولاً واحداً ، لأن الملك لا يزال تاماً في النصاب.
2 - إذا تلف النصاب أو بعضه بعد تمام الحول ، وقبل التمكن من أداه الزكاة ، فالمذهب المشهور أن الزكاة لا تسقط بذلك ، إلا زكاة الزروع والثمار إذا تلفت بجائحة قبل القطع فتسقط زكاتها اتفاقاً لانتفاء التمكن من الانتفاع بها.
وعن أحمد رواية ثانية بالسقوط.
3 - إذا مات من عليه زكاة دين ، وضاقت الزكاة عنهما ، فالمنصوص عن أحمد أنهما يتحاصان ، إما لتعلق التركة في الذمة أو العين سواه ، وإما لتعلق الزكاة بالذمة ، فقط لاستوائهما في محل التعلق ، وفي قول تتعلق بالنصاب فقط وتقدم الزكاة لتعلقها بالعين ، كدين الرهن.
4 - إذا كان النصاب مرهوناً ووجبت فيه الزكاة ، فهل تؤدى زكاته منه ؟ فيه حالتان ، إحداهما : ألا يكون له مال غيره يؤدي منه الزكاة ، فيؤدي من عين النصاب المرهون ؛ لأن الزكاة ينحصر تعلقها بالعين ، أما دين الرهن فيتعلق بالذمة والعين ، فيقدم عند التزاحم ما اختص تعلقه بالعين ، أو لأن تعلق الزكاة قهري ، وتعلق الرهن اختياري ، والقهري أقوى ، أو لأن تعلق الزكاة بسبب المال وتعلق الرهن بسبب خارجي ، والتعلق بسبب المال يقدم ، إلا على القول بتعلق الزكاة بالذمة خاصة
فلا تقدم على حق المرضهن لتعلقه بالعين ، كما تقدم الزكاة على الرهن لأن النصاب سبب دين الزكاة فيقدم دينها عند مزاحمة غيره من الديون في النصاب ، كما يقدم من وجد عين ماله عند رجل أفلس ، وتقدم الزكاة على هذا التعليل سواء تعلقت الزكاة بالذمة أو بالعين.
الحالة الثانية : أن يكون له مال يؤدي منه زكاته غير الرهن ، فليس له أداء الزكاة منه بدون إذن المرتهن على المذهب ؛ لأن تعلق حق المرتهن مانع من تصرف الراهن في(2/988)
الرهن بدون إذنه ، والزكاة لا يتعين إخراجها منه ، وإن كانت الزكاة تتعلق بالعين ، فله إخراجها من الرهن ؛ لأنه تعلق قهري وينحصر بالعين.
5 - التصرف في النصاب أو بعضه بعد الحول ييع أو غيره ، والمذهب صحنه ، سواء قلنا : إن الزكاة في العين أو في الذمة ، وقيل : إن تعلقت الزكاة بالعين لم يصح التصرف في مقدار الزكاة ، وعلى المذهب إن باع النصاب كله ، تعلقت الزكاة بذمته حينئذ بغير خلاف ، كما لو تلف ، فإن عجز عن أدائها ففي طريق تتعين في ذمته كسائر الديون بكل حال ، وفي طريق لم يفسخ البيع إن تعلقت الزكاة بالذمة ، كما لو وجب عليه دين لآدمي وهو موسر ، فباع متاعه ثم أعسر ، ويفسخ البيع في قدرها إن
تعلقت الزكاة بالعين ، تقديماً لحق المساكين لسبقه.
6 - لو كان النصاب غائباً عن مالكه ، ولا يقدر على إخراج الزكاة منه ، لم يلزمه إخراج زكاته حتى يتمكن من الأداء منه ؛ لأن الزكاة مواساة ، فلا يلزم أداؤها قبل التمكن من الانتفاع بالمال المواسى منه ، ومثله من وجبت عليه زكاة ماله فأقرضه ، فلا يلزمه أداء زكاته حتى يقبضه ؛ لأن عوده مرجو ، بخلاف التالف بعد الحول.
وهذا يرجع إلى القول بوجوب الأداء على الفور ، وفي قول : يلزمه أداء زكاته قبل قبضه ؛ لأنه في يده حكماً ، رلهذا يتلف من ضمانه ، وهذا بناء على محل الزكاة ، فإن كان في الذمة ، لزمه الإخراج عنه من غيره ، لأن زكاته لا تسقط بتلفه بخلاف الدين.
وإن كان في العين ، لم يلزمه الإخراج حتى يتمكن من قبضه ، والصحيح الأول ، ولا تجب الزكاة عن الغائب إذا تلف قبل قبضه.
7 - إذا أخرج رث المال زكاة حقه من مال المضاربة منه ، فهل يحسب ما أخرجه من رأس المال ونصيبه من الربح ، أم من نصيبه من الربح خاصة.
والجواب على وجهين بناء عل الخلاف في محل التعلق ، فإن كان بالذمة فهي
محسوبة من الأصل والربح ، لقضاء الديون ، وإن كان محل التعلق بالعين ، حسبت من الربح كالمؤونة ؛ لأن الزكاة إنما تجب في المال النامي ، فيحسب من نمائه .(2/989)
وينبني على هذا الأصل الوجهان في جواز إخراج المضارب زكاة حصته من مال المضاربة ، فإن تعلقت الزكاة بالعين فله الإخراج منه ، والا فلا.
وأما حق ربِّ المال فليس للمضارب تزكيته بدون إذنه ، إلا أن يصير المضارب شريكاً ، فيكون حكمه حكم سائر الخلطاء .(2/990)
القاعدة : [282]
المستفاد بعد النصاب في أثناء الحول ، هل يضم إلى النصاب أو
يفرد عنه ؟
التوضيح
إذا استفاد المسلم مالاً زكوياً من جنس النصاب في أثناء حوله ، فإنه يفرد بحول عند الحنابلة كالشافعية ، ولكن هل يضمه إلى النصاب في العدد ، أو يخلطه به ، ويزكيه زكاة خلطة ، أو يفرده بالزكاة كما أفرده بالحول ؟
فيه ثلاثة وجوه :
أحدها : إنه يفرده بالزكاة ، كما يفرده بالحول ، وهذا الوجه مختص بما إذا كان المستفاد نصاباً أو دون النصاب ، ولا يغير فرض النصاب ، أما إن كان دون نصاب وتغير فرض النصاب ، لم يتأتَّ فيه هذا الوجه ؛ لأنه مضموم إلى النصاب في العدد ، فيلزم حينئذ جعل ما ليس بوقص في المال وقصاً ، وهو ممتنع ، ويختص هذا الوجه أيضاً بالحول الأول دون ما بعده ؛ لأن ما بعد الحول الأول يجتمع فيه مع النصاب في الحول كله ، بخلاف الحول الأول.
الوجه الثاني : إنه يزكي زكاة خلطة ، كما لو اختلط نفسان في أثناء حول ، وقد ثبت لأحدهما حكم الانفراد فيه دون صاحبه.
الوجه الثالث : إنه يضم إلى النصاب ، فيزكى زكاة ضم ، وتكون الزيادة كنصاب منفرد في وجه ، أو تعتبر مع الكل نصاباً واحداً في وجه .(2/991)
التطبيقات
تظهر فائدة اختلاف هذين الوجهين في ثلاثة أنواع :
1 - النوع الأول : أن يكون تتمة فرض زكاة الجميع أكر من فرض المستفاد
بخصوصه ، مثل أن يملك خمسين بقرة ، ثم ثلاثين بعدها ، فإذا تم حول الأولى فعليه مُسِنة ، فإذا تم حول الثانية ، فعليه مُسِنة أخرى على الوجه الثاني ، وهو الأظهر ، وعلى الأول يمتنع الضم هنا ، لئلا يؤدي إلى إيجاب مسنة عن ثلاثين ، ويجب إما تبيع على وجه الانفراد ، أو ثلاثة أرباع مسنة على وجه الخلطة.
2 - النوع الثاني : أن تكون تتمة الواجب دون فرض المستفاد بانفراده ، مثل أن يملك ستاً وسبعين من الإبل ، ثم ستاً وأربعين بعدها ، فإذا تم حول الأولى فعليه ابنتا لبون ، فإذا تم حول الثانية ، فعلى الوجه الثاني يلزمه تمام فرض المجموع ، وهو بنت لبون ، وعلى الأول يمتنع ذلك.
3 - النوع الثالث : أن يكون فرض النصاب الأول الخرج عند تمام حوله من غير جنس فرض المجموع أو نوعه ، مثل أن يملك عشرين من الإبل ، ثم خمساً بعدها ، فعلى الوجه الأول يمتنع الضم ها هنا ، لتعذر طرح الخرج عن الأول من واجب الكل.
وعلى الثاني ، وهو الأظهر ، يجب إخراج تتمة الزكاة ، وإن كان من غير الجنس ، لضرورة اختلاف الحولين ، وعلى هذا الوجه فقد تفق وجه الخلطة ووجه الضم على هذا التقدير ، حيث لم تكن زكاة الخلطة مفضية إلى زكاة الفرض أو نقصه ، وقد يختلفان ، حيث أدى الاتفاق إلى أحد الأمرين.
والمال المستفاد لا يخلو من أربعة أقسام :
1 - القسم الأول : أن يكون نصاباً مغيراً للفرض ، مثل أن يملك أربعين شاة ، ثم إحدى وثمانين بعدها ، ففي الأربعين شاة عند حولها ، فإذا تم حول الثانية فوجهان :
أحدهما : فيها شاة أيضاً ، وهو متخرج على وجهي الضم والانفراد.
والثاني : فيها شاة واحدة ، وأربعين جزءاً من أصل مئة وواحد وعثرين جزءاً من(2/992)
شاة ، وهو وجه الخلطة ؛ لأنه حصة المشفاد من الثاتين الواجبتين في الجميع.
2 - القسم الثاني : أن تكون الزيادة نصاباً لا يغير الفرض ، كمن ملك أربعين شاة ، ثم أربعين بعدها ، ففي الأولى إذا تم حولها شاة ، وإذا تم حول الثانية فثلاثة أوجه :
أحدها : لا شيء فيها ، وهو وجه الضم ، لأن الزيادة بالضم تصير وقصاً.
والثاني : فيها شاة ، وهو وجه الانفراد.
والثالث : فيها نصف شاة ، وهو وجه الخلطة.
3 - القسم الثالث : أن تكون الزيادة لا تبلغ نصاباً ، ولا تغير الفرض ، كمن ملك أربعين من الغنم ، ثم ملك بعدها عشرين ، ففي الأولى إذا تم حولها شاة ، فإذا تم حول الثانية فوجهان :
أحدهما : لا شيء فيها ، وهو متوجه على وجهي الضم والانفراد.
والثاني : فيها ثلث شاة ، وهو وجه الخلطة.
4 - القسم الرابع : ألا تبلغ الزيادة نصاباً وتغير الفرض ، كمن ملك ثلاثين من البقر ، ثم عشراً بعدها ، فإذا تم حول الأولى ففيها تبيع ، وإذا تم حول الزيادة فيجب فيها ربع مسنة بلا خلاف ؛ لأن وجه الانفراد متعذر ، وكذا وجه الضم ، لأنه يفضي على أصله إلى استثناء شيء وطرحه من غير جنسه ، وهو طرح التبيع من المسنة ، وهو متعذر ، فتعين وجه الخلطة .(2/993)
القاعدة : [283]
الملك في مدة الخيار ، هل ينتقل إلى المشتري أم لا ؟
التوضيح
يتم العقد مع شرط الخيار للعاقدين أو لأحدهما ، ويكون العقد غير لازم أي قابل للفسخ بإرادة صاحب الخيار ، فكيف يكون مصير ملك العقود عليه ، هل للبائع أم للمشتري ؟
في هذه المسألة روايتان عن الإمام أحمد :
أشهرهما : انتقال الملك إلى المشتري بمجرد العقد ، وهي المذهب.
والثانية : لا ينتقل حتى ينقضي الخيار ، فعلى هذه يكون الملك للبائع ، وفي قول : يخرج الملك عن البائع ، ولا يدخل إلى المشتري ، وهو قول ضعيف.
التطبيقات
يترتب على هذا الخلاف فوائد عديدة :
1 - وجوب الزكاة ، فإذا باع نصاباً من الماشية بشرط الخيار حولاً ، فزكاته على المشتري على المذهب ، سواء فسخ العقد أو أمضى ، وعلى الرواية الثانية : الزكاة على البائع إذا قيل : الملك باق له ، وهو الراجح .(2/994)
2 - لو كسب المبيع في مدة الخيار كسباً ، أو نما نماء منفصلاً ، فهو للمشتري ، فسخ العقد أو أمضي ، وعلى الثانية : هو للبائع.
3 - مؤنة الحيوان المشترى بشرط الخيار تجب على المشتري على المذهب ، وعلى البائع على الثانية.
4 - إذا تلف المبيع في مدة الخيار ، فإن كان بعد القبض ، فهو من مال المشتري على المذهب ، وعلى الثانية من مال البائع.
5 - لو تعيب المبيع في مدة الخيار ، فعلى المذهب : لا يرد بذلك إلا أن يكون غير مضمون على المشتري لانتفاء القبض ، وعلى الثانية : له الرد بكل حال.
6 - تصرف المشتري في مدة الخيار ، فلا يجوز إلا بما يحصل به تجربته إلا أن يكون له الخيار وحده ، والمنصوص أن له التصرف فيه بالاستقلال ، وعلى الرواية الثانية : يجوز التصرف للبائع وحده ، لأنه مالك ومملك الفسخ ، فإن الخيار وضع لغرض الفسخ دون الإمضاء.
فأما حكم نفوذ التصرف وعدمه فالمشهور في المذهب أنه لا ينفذ بحال ، ونقل عن أحمد أنه موقوف على انقضاء مدة الخيار.
هذا إذا كان الخيار لهما ، فإن كان للبائع وحده ، فكذلك في تصرف المشتري
الروايتان ، وإن كان الخيار للمشتري وحده صح تصرفه ، لانقطاع حق البائع هاهنا ، فلو تصرف المشتري مع البائع والخيار لهما صح.
وهذا كله تفريع على المذهب ، وهو انتقال اللك إلى المشتري ، فأما على الرواية الأخرى ، فإن كان الخيار لهما ، أو للبائع وحده ، صح تصرف البائع مطلقاً ؛ لأن(2/995)
الملك له ، وهو بتمرفه مختار للفسخ ، بخلاف تصرف المشتري ، فإنه يختار به
الإمضاء ، وحق الفسخ تقدم عليه.
7 - الأخذ بالشفعة ، فلا يثبت في مدة الخيار على الروايتين عند كثر الأصحاب.
لأن الملك لم يستقر بعد ، أو لأن الأخذ بالشفعة يسقط حق البائع من الخيار ، فلذلك
لم تجز المطالبة بها في مدته ، فعلى هذا التعليل الثاني لو كان الخيار للمشتري وحده
لثبتت الشفعة.
8 - إذا باع أحد الثريكين شقصاً بشرط الخيار ، فباع الشفيع حصته في مدة
الخيار ، فعلى المذهب : يستحق المشتري الأول انتزاع شقص الشفيع من يد مشتريه.
لأنه هو شربك الشفيع حالة بيعه ، وعلى الثانية : يستحقه البانع الأول ، لأن الملك
باقٍ له.
9 - لو باع الملتقط اللقطة بعد الحول بشرط الخبار ، ثم جاء ربها في مدة الخيار.
فإن قلنا : لم ينتقل الملك فالرد واجب ، وإن قلنا : بانتقاله ، فوجهان ، والمجزوم به
الوجوب.
10 - لو باع صيداً في مدة الخيار ، ثم أحرم في مدته ، فإن قلنا : انتقل الملك عنه.
فليس له القسخ ؛ لأنه ابتداء ملك على الصيد ، وهو ممنوع منه ، وإن قلنا : لم ينتقل الملك عنه ، فله ذلك ، ثم إن كان في يده المشاهدة ، أرسله ، وإلا فلا.
11 - لو باعت الزوجة قبل الدخول الصداق بشرط الخبار ، ثم طلقها الزوج في المدة ، فإن قلنا : الملك انتقل عنها ، ففي لزوم استردادها وجهان ، وإن قلنا : لم يزل ، لزمها استرداده وجهاً واحداً .(2/996)
القاعدة : [284]
الإقالة : هل هي فسخ أو بيع ؟
التوضيح
الإقالة : إنهاء للعقد السابق الصحيح ، وهل تعتبر فسخاً أو بيعاً ؛ فيه روايتان
منصوصتان ، واختار الأكثرون أنها فسخ كالشافعية ، وفي قول : إنها بيع.
التطبيقات
1 - إذا تقايلا قبل القبض فيما لا يجوز بيعه قبل قبضه ، فيجوز على القول : هي فسخ ، ولا يجوز على الثانية إلا على رواية : إنه يصح بيعه من بائعه خاصة قبل القبض.
(ابن رجب 3/ 310).
2 - هل تجوز الإقالة في المكيل والموزون بغير وزن ؛ إن قلنا : هي فسخ ، جازت كذلك ، وإن قلنا ؛ هي بيع فلا ، وهذه طريقة الأكثرين ، وحكي أنه لا بد فيها من كيل ثان على الروايتين ، كما أن الفسخ في النكاح يقوم مقام الطلاق في إيجاب العدة.
(ابن رجب 3/ 310).
3 - إذا نقايلا بزيادة على الثمن أو نقص منه أو بغير جنس الثمن.
فإن قلنا : هي فسخ ، لم يصح ؛ لأن الفسخ رفع للعقد ، فيترادان العوضين على وجههما ، كالرد بالعيب وغيره.
وإن قلنا : هي بيع ، فوجهان ، أحدهما يصح ، والثاني : لا يصح ،(2/997)
وهو المذهب ، لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه ، ورجوع كل واحد إلى ماله ، فلم يجز بأكثر من الثمن ، كان كانت بيعاً كبيع التولية ، وكره أحمد الإقالة في البيع الأول بزيادة في كل حال ، ولم يجوِّز الزيادة ، إلا في بيع مستأنف ، أو إذا تغيرت السوق فتجوز الإقالة بنقص في مقابلة نقص السعر ، أو إذا تغيرت صفة السلعة.
وفي رواية الكراهة مطلقاً معللاً بشبهة مسائل العينة.
وهذا الخلاف شبيه بالخلاف في جواز الخلع بزيادة على المهر.
(ابن رجب 3/ 315).
4 - تصح الإقالة بلفظ الإتالة والمصالحة إن قلنا : هي فسخ ، وإن قلنا : هي بيع لم ينعقد البيع (وهو الإقالة هنا) بذلك ، لأن ما يصلح للحل لا يصلح للعقد ، وما يصلح للعقد لا يصلح للحل ، فلا ينعقد البيع بلفظ الإقالة ، ولا الإقالة بلفظ البيع.
وظاهر كلام كثير من الأصحاب انعقادها بذلك ، وتكون معاطاة.
(ابن رجب 3/314).
5 - توفر شروط البيع ، إذا قلنا : الإقالة هي فسخ ، لم يشترط لها شروط البيع من معرفة المُقال فيه ، والقدرة على تسليمه ، وتميزه عن غيره ، ويشترط ذلك على القول بأنها بيع.
ولو تقايلا مع غيبة أحدهما ، بأن طلبت منه الإقالة ، فدخل الدار وقال على
الفور : أقلته ، فإن قلنا : هي فسخ صح ، وإن قلنا : هي بيع لم يصح ، لأن البيع يشترط له حضور المتعاقدين في المجلس.
وقيل : لا تصح الإقالة في غيبة الآخر على الروايتين ، لأنها في حكم العقود لتوقفها على رضا المتبايعين ، بخلاف الرد بالعيب والفسخ للخيار.
(ابن رجب 3/ 314).
6 - الإقالة مع تلف السلعة : فيها طريقان ، أحدهما : لا يصح على الروايتين ، والثاني : إن قلنا : هي فسخ صحت ، وإلا لم تصح ، والطريق الثاني قياس المذهب.
(ابن رجب 3/ 315).
7 - هل تصح الإقالة بعد النداء للجمعة ؟
فمن قلنا : هي بيع ، لم تصح ، وإلا صحت.
(ابن رجب 3/ 316) .(2/998)
8 - إذا نما المبيع نماءً منفصلاً ثم تقايلا ، فإن قلنا : الإقالة بيع ، لم يتبع النماء بغير خلاف.
وإن قلنا : فسخ ، فالنماء للمشتري ، وينبغي تخريجه على وجهين ، كالرد
بالعيب ، والرجوع للمفلس.
(ابن رجب 3/ 316).
9 - باعه نخلاً حائلاً ثم تقايلا وقد أطلع ، فإن قلنا : الإقالة بيع ، فالثمرة إن كانت مؤبرة فهي للمشتري الأول ، وإن لم تكن مؤبرة ، فهي للبائع الأول ، وإن قلنا : هي فسخ ، تبعت الأصل بكل حال ، سواء كانت مؤبرة أو لا ؛ لأنها نماء متصل.
(ابن رجب 3/ 316).
10 - هل يثبت في الإقالة خيار المجلس ؟
إن قلنا : إنها فسخ ، لم يثبت الخيار.
وإن قلنا : هي بيع ، فيثبت الخيار ، ويحتمل ألا يثبت أيضاً ، لأن الخيار وضع للنظر في الحظ ، والمقيل قد دخل على أنه لا حظ له ، وإنَّما هو متبرع ، والمستقيل لم يطلب الإقالة بعد لزوم العقد إلا بعد تروٍّ ونظر ، وعلم بأن الحظ له في ذلك ، وندم على العقد الأول ، فلا يحتاج بعد ذلك إلى مهلة لإعادة النظر.
(ابن رجب 3/ 317).
11 - هل ترد الإقالة بالعيب ؛ إن قلنا : هي بيع ، ردت به.
وإن قلنا : هي فسخ ، فيحتمل ألا ترد به ، لأن الفسخ لا يفسخ.
ويحتمل أن يرد به ، كفسخ الإقالة ، والرد بالعيب يأخذ الشفيع ، وأفتى الشيخ تقي الدين ابن تيمية بفسخ الخلع بالعيب في
عوضه ، وبفوات صفة فيه ، وبإفلاس الزوجة به.
(ابن رجب 3/ 317).
12 - الإقالة في المسلم فيه قبل قبضه : فيها طريقان.
أحدهما : بناؤها على الخلاف ، فإن قلنا : هي فسخ ، جازت.
وإن قلنا : بيع لم تجز.
والثانية : جواز الإقالة على الروايتين ، وهي طريقة الأكثرين.
ونقل فيها الإجماع على ذلك.
(ابن رجب 3/ 318).
13 - باعه جزءاً مشاعاً من أرضه ثم تقايلا ، فإن قلنا : الإقالة فسخ ، لم يستحق المشتري ولا من حدث له شركة في الأرض قبل المقايلة شيئاً من الشقص بالشفعة ،(2/999)
وإن قلنا : هي بيع ، ثبتت لهم الشفعة ، وكذلك لو باع أحد الشريكين حصته ، ثم عفا الآخر عن شفعته ، ثم تقايلا ، وأراد العاني أن يعود إلى الطلب ، فإن قلنا : الإقالة فسخ ، لم يكن له ذلك ، وإلا فله الشفعة.
(ابن رجب 3/ 318).
14 - اشترى شقصاً مشفوعاً ، ثم تقايلاه قبل الطلب ، فإن قلنا : هي بيع ، لم تسقط ، كلما لو باعه لغير بائعه ، وإن قلنا : فسخ ، فقيل : لا تسقط أيضا ؛ لأن الشفعة استحقت بنفس البيع ، فلا تسقط بعده ، وقيل : تسقط ، وهو المنصوص عن أحمد.
(ابن رجب 3/ 319).
15 - هل يملك المضارب أو الشريك الإقالة فيما اشئراه ؛ فيها طريقان ، أحدهما : إن قلنا : الإقالة بيع ، ملكه ، وإلا فلا ؛ لأن الفسخ ليس من التجارة المأذون فيها.
والثانية : أنه يملكها على القولين مع الصحة ، وهو رأي الأكثرين ، كما يملك الفسخ بالخيار.
(ابن رجب 3/ 319).
16 - هل يملك المفلس بعد الحجر المقايلة لظهور المصلحة ؟
إن قلنا : هي بيع ، لم يملكه ، وإن قلنا : هي فسخ ، فالأظهر أنه يملكه ، كما يملك الفسخ بخيار قائم أو عيب ، ولا يتقيد بالأحظ على الأصح ؛ لأن ذلك لشى بتصرف مستأنف ، بل من تمام
العقد الأول ولواحقه.
(ابن رجب 3/ 319).
17 - لو وهب الوالد لابنه شيئاً ، فباعه ، ثم رجع إليه لإقالة ، فإن قلنا : هي بيع ، امتنع رجوع الأب فيه ، وإن قلنا : هي فسخ ، فوجهان ، وكذلك حكم المفلس إذا باع السلعة ثم عادت إليه بإقالة ووجدها بائعها عنده.
(ابن رجب 3/ 320).
18 - لو حلف ألا يبيع ، أو ليبيعن ، أو علق على البيع طلاقاً ، ثم أقال ، فإن قلنا : هي بيع ، ترتبت عليه أحكامه من البر والحنث ، وإلا فلا ، وقد يقال : الأيمان تنبني على العرف ، وليس في العرف أن الإقالة بيع.
(ابن رجب 3/ 320) .(2/1000)
19 - تقايلا في بيع فاسد ، ثم حكم الحاكم بصحة العقد ونفوذه ، فهل يؤثر
حكمه ؟
إن قلنا : هي بيع ، فحكمه بصحة العقد الأول صحيح ؛ لأن العقد باقٍ.
وقد تأكد بترتب عقد عليه ، وإن قلنا : هي فسخ ، لم ينفذ حكم القاضي ، لأن العقد ارتفع بالإقالة ، فصار كأن لم يوجد ، ويحتمل أن ينفذ وتلغى الإقالة ؛ لأنها تصرف في بيع فاسد قبل الحكم بصحته ، فلم ينفذ ، ولم يؤثر فيه شيئاً.
(ابن رجب 3/ 321).
20 - لو باع ذمِّي ذمِّيًّا آخر خمراً ، وقبضت دون ثمنها ، ثم أسلم البائع وقلنا : يجب له الثمن ، فأقال المشتري فيها ، فإن قلنا : الإقالة بيع ، لم يصح ، لأن شراء المسلم الخمر لا يصح ، وإن قلنا ؛ هي فسخ ، احتمل أن يصح ، فيرتفع بها العقد ولا يدخل في ملك المسلم ، فهي في معنى إسقاط الثمن عن المشتري ، واحتمل ألا يصح ، لأنه استرداد لملك الخمر ، كما في المحرم : إنه لا يسترد الصيد بخيار ولا غيره ، فإن رد عليه
بذلك صح الرد ولم يدخل في ملكه ، فيلزمه إرساله.
(ابن رجب 2/ 321).
21 - الإقالة هل تصح بعد موت المتعاقدين ؛ ذكر القاضي أن خيار الإقالة يبطل بالموت ، ولا يصح بعده ، وذكر في موضع آخر : إن قلنا : هي بيع صحت من الورثة ، وإن قلنا : فسخ ، فوجهان.
(ابن رجب 3/ 322) .(2/1001)
القاعدة : [285]
النقود : هل تتعين بالتعيين في العقد أم لا ؟
التوضيح
في المسألة روايتان عن أحمد ، أشهرهما أنها تتعين بالتعيين في عقود المعاوضات.
وفي رواية : لا تتعين.
التطبيقات
يترتب على هذا الخلاف فوائد كثيرة ، أهمها :
1 - يحكم بملك النقود للمشتري بمجرد التعيين ، فيه لك التصرف فيها ، وإذا تلفت تلفت من ضمانه على المذهب.
وعلى الرواية الأخرى : لا يملكها بدون القبض.
فهي قبله ملك البائع ، وتتلف من ضمانه.
(ابن رجب 3/ 323).
2 - لو بأن الثمن مستحَقاً ، فعلى المذهب الصحيح يبطل العقد ؛ لأنه وقع على ملك الغير ، فهو كما لو اشترى سلعة فبانت مستحَقة ، وعلى الثانية : لا يبطل ، وله البدل.
(ابن رجب 3/ 323).
3 - إذا باع النقد المعين معيباً ، فله حالتان : إحداهما : أن يكون عيبه من غير جنسه ، فيبطل العقد من أصله ؛ لأنه زال عنه اسم الدينار والدرهم بذلك ، فلم يصح العقد عليه ، كما لو عقد على شاة فبانت حماراً ، ويحتمل أن يبطل العقد ها هنا لمعنى آخر ، وهو أن البائع لا يمكن إجباره على قبول هذا ، وإنما باع بدينار كامل ،(2/1002)
والمشتري لا يجبر على دفع بقية الدينار ، لأنه إنما اشترى بهذا الدينار المتعين ، فبطل العقد ، ويحتمل أن يصح البيع بما في الدينار من الذهب بقسطه من المبيع ، ويبطل في الباقي ، وللمشتري الخيار لتبعض المبيع عليه.
والحالة الثانية : أن يكون عيبها من جنسها ، ولم ينقص وزنها ، كالسواد في
الفضة ، فالبائع بالخيار بين الإمساك والفسخ ، وليس له البدل ، لتعيين النقد في العقد ، ومتى أمسك فله الأرش إلا في صرفها يحنسها.
وهذا كله على رواية تعيين النقود ، فأما على الأخرى فلا يبطل العقد بحال إلا أن يتفرقا والعيب من غير الجنس ، لفوات قبض المعقود عليه في المجلس ، ولا فسخ بذلك ، وإنما يثبت به البدل دون الأرش ؛ لأن الواجب في الذمة دون المعين.
(ابن رجب 3/ 324).
4 - إذا باعه سلعة بنقد معين ، فعلى المشهور أن النقد يتعين بالتعيين ، لا يجبر واحد منهما على البداءة بالتسليم ، بل ينصب عدل يقبض منهما ، ثم يقبضهما ، لتعلق حق كل منهما بعين معينة ، فهما سواء ، وعلى الروإية الأخرى أن النقد لا يتعين بالتعيين.
فهو كما لو باعه بنقد في الذمة ، فيجبر البائع على التسليم لتعلق حق المشتري بالعين دونه.
(ابن رجب 3/ 327).
5 - لو باعه سلعة بنقد معين ، وقبضه البائع من المشتري ، ثم أتاه به ، فقال : هذا الثمن ، وقد خرج معيباً ، وأنكر المشتري ، ففيه طريقان :
إحداهما : إن قلنا : النقود تتعين بالتعيين ، فالقول قول المشتري ، لأن البائع يدعي على المشتري استحقاىَ الرد ، والأصل عدمه.
وإن قلنا : لا تتعين ، فوجهان : الأول ؛ القول قول المشتري أيضاً.
لأنه أقبض لا الظاهر ما عليه.
والثاني : قول القابض ؛ لأن الثمن في ذمته.
والأصل اشتغالها به ، إلا أن يثبت براءتها منه.
والطريقة الثانية : إن قلنا : إن النقود لا تتعيين.
فالقول قول البائع وجهاً واحداً ؛ لأنه قد ثبت اشتغال ذمة المشتري بالثمن ، ولم يثبت براءتها منه ، وإن قلنا : تتعين
فوجهان مخرجان من الروايتين ، أحدهما : القول قول البائع ؛ لأنه يدعي سلامة(2/1003)
العقد ، والأصل عدمه ، ويدعي عليه ثبوت الفسخ ، والأصل عدمه.
والثاني : قول القابض ؛ لأنه منكر التسليم المستحق ، والأصل عدمه ، وجزم ابن قدامة والمجد بأن القول قول البائع إذا أنكر أن يكون المردود بالعيب هو المبيع.
(ابن رجب 3/ 328) .(2/1004)
القاعدة : [286]
المضارب ، هل يملك الربح بالظهور أو لا ؟
التوضيح
المضارب هو الشريك العامل في المضاربة الذي يقدم العمل ، فإن حصل ربح من التجارة والمضاربة ، فهل يملك المضارب حصته من الربح بمجرد ظهور الربح ، أم بعدالقسمة ؟
قال بعضهم : يملكه بالظهور رواية واحدة.
وقال الأكثرون : في المسألة روايتان.
إحداهما : يملكه بالظهور ، وهو المذهب المشهور.
والرواية الثانية : : لا يملكه بدون القسمة ، ويستقر الملك بربح المضاربة بالمقاسمة ، أو بالمحاسبة التامة.
التطبيقات
نتج عن هذا الاختلاف فوائد ، منها :
1 - انعقاد الحول على حصة المضارب من الربح قبل القسمة.
فإن قيل : لا يملكها بدون القسمة ، فلا ينعقد الحول قبلها.
وإن قيل : يملكها بمجرد الظهور ، ففي انعقاد
الحول عليها قبل استقرار الملك فيها أو بدون استقراره طرق :
إحداها : لا ينعقد الحول عليها قبل الاستقرار بحال من غير خلاف ، وتستقر بالقسمة أو بالمحاسبة التامة ، فينعقد الحول عندهما وهو المنصوص عن أحمد ، والطريقة الثانية : إن قلنا : يملكه بالظهور ، انعقد عليه الحول من حينه ، وإلا فلا.
والطريقة الثالثة : إن قلنا : لا يثبت الملك قبل الاستقرار(2/1005)
لم ينعقد الحول ، وإن قلنا : يثبت بدونه ففي وجه ينعقد
قبله ، والراجح عدم الانعقاد.
وأما ربّ المال فعليه زكاة رأس ماله مع حصته من الربح ، وينعقد الحول عليها بالظهور ، وأما بقية الربح (الخاص بالمضارب) فلا يلزم ربّ المال زكاته.
(ابن رجب 3/ 353).
2 - لو اشترى العامل لنفسه من مال المضاربة ، فإن لم يظهر ربح صح ، نص عليه أحمد ، لأنه ملك لغيره ، وكذلك إن ظهر ربح وقلنا : لا يملكه بالظهور ، وإن قلنا : يملكه فهو كشراء أحد الشريكين من مال الشركة ، والمذهب أنه يبطل في قدر حقه ، لأنه مِلكه ، فلا يصح شراؤه له ، وفي الباقي روايتا تفريق الصفقة ، وفي رواية يصح في الحل تخريجاً على الرواية التي يخير فيها لرب المال أن يشتري من مال المضاربة ؛ لأن علاقة حق المضارب به صيَّرته كالمنفرد عن ملكه ، فكذا المضارب مع رب المال ، وأولى.
(ابن رجب 3/ 356).
3 - لو اشترى العامل شقصاً للمضاربة ، وله فيه شركة ، فهل له الأخذ بالشفعة ؟
فيه طريقان ، إحداهما : فيه وجهان : ففي وجه لا يملك الأخذ ؛ لأنه متصرف لرب المال ، فامتنع أخذه كما يمتنع شراء الوصي والوكيل مما يتوليان بيعه ، وفي وجه له الأخذ تخريجاً على وجوب الزكاة عليه في حصته ، فإنه يصير حينئذ شريكاً يتصرف لنفسه ولشريكه ، ومع تصرفه لنفسه تزول التهمة ، ولأنه يأخذ بمثل المأخوذ به ، فلا تهمة ، بخلاف شراء الوصي والوكيل ، وكل ذلك مقيد بحالة ظهور الربح.
والطريقة الثانية : إذا لم يملك العامل الربح بالظهور ، سواء كان للمال ربح أم لا ، فله الأخذ بالشفعة ؛ لأن الملك لغيره ، فله الأخذ منه.
وإذا قلنا : يملك العامل الربح بالظهور ، وكان فيه ربح ، ففيه وجهان بناء على ثراء العامل من مال المضاربة بعد ملكه من الربح على ما سبق.
(ابن رجب 3/ 357).
4 - لو أسقط العامل حقه من الربح بعد ظهوره ، فإن قلنا : لا يملكه بالظهور ، لم يسقط ، وإن قلنا : يملكه بدون قسمة فوجهان.
(ابن رجب 3/ 358).(2/1006)
5 - لو قارض المريض مرض الموت غيره ، وسمى للعامل فوق تسمية المثل.
فالراجح : يجوز ، ولا يحسب من الثلث ، لأن ذلك لا يؤخذ من ماله ، وإنما يستحقه بعمله من الربح الحادث ، ويحدث على ملك العامل دون المالك ، وهذا يتجه على القول بأنه يملكه بالظهور ، وإن كان لا يملكه بدون القسمة احتمل أن يحتسب من الثلث ، لأته خارج من ملكه ، واحتمل ألا يحتسب منه ، وهو الظاهر ؛ لأن المال الحاصل لم يفوت عليهم منه شيئاً ، وإنما زادهم فيه ربحاً.
(ابن رجب 3/ 358).(2/1007)
القاعدة : [287]
الموقوف عليه ؛ هل يملك رقبة الوقف أم لا ؟
التوضيح
الوقف مشروع بقوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر رضي الله عنه :
"حبّس الأصل ، وسبّل الثمرة".
والوقف تبرع من الواقف لوجه اللاً تعالى ، واختلفت الروايات في مالك الوقف ، وأشهرها : أنه ملك الموقوف عليه ، والثانية : أنه ملك للوا قف ، والثالثة : أنه ملك لله تعالى.
التطبيقات
يترتب على هذا الاختلاف مسائل كثيرة ، أهمها :
أ - زكاة الوقف ، إذا كان ماشية موقوفة على معين ، فهل يجب عليه زكاتها ؟
فيه طريقتان :
إحداهما : بناؤه على هذا الخلاف ، فإن كان الملك للموقوف عليه ، فعليه زكاتها ، وإن كان لله تعالى ، فلا زكاة ، وإن كان الملك للواقف فعليه زكاته ، ونص أحمد على أن من وقف على أقاربه ، فإن الزكاة عليه ، بخلاف من وقف على المساكين .(2/1008)
الطريقة الثانية : لا زكاة فيه على الروايات ، لقصور الملك فيه.
أما الشجر الموقوف فتجب زكاته في ثمره على الموقوف عليه وجهاً واحداً ، لأن ثمره ملك للموقوف عليه ، وفي رواية لا زكاة فيه.
(ابن رجب 3/ 359).
2 - إذا جنى الوقف ، كما لو جنى العبد على غيره ، فضمان الجناية على الموقوف عليه إذا قيل : إنه مالكه ؛ لأنه امتنع من تسليمه ، فيلزمه فداؤه ، وإن قيل : هو ملك لله تعالى ، فالأرش من كسب الدابة ، وقيل : من بيت المال ، وفيه وجه : لا يلزم
الموقوف عليه الأرش على القولين ؛ لأن امتناعه من التسليم بغير اختياره ، إذ لا قدرة له عليه على التسليم بحال.
(ابن رجب 360/3).
3 - نظر الواقف ، إذا لم يشرط له ناظر ، فعلى القول بملك الموقوف عليه ، له النظر فيه ، وعلى القول بأن ملكه لله تعالى فنظره للحاكم ، وظاهر كلام أحمد أن نظره للحاكم ، وفي قول : ينظر فيه الحاكم ، ولو كان الملك للموقوف عليه ، لعلاقة حق من يأتي بعده.
(ابن رجب 3/ 361).
4 - هل يستحق الشفعة بإثركة الوقف ؟
الجواب فيه طريقان ، أحدهما : البناء على أنه هل يملكه الموقوف عليه.
فإن قيل : يملكه ، استحق به الشفعة ، وإلا فلا.
والطريق الثاني : فيه وجهان بناء على قولنا : يملكه ؛ لأن الملك قاصر.
(ابن رجب 3/ 361).
5 - لو زرع الغاصب في أرض الوقف ، فهل للموقوف عليه تملكه بالنفقة ؛ إن قيل : هو المالك ، فله ذلك ، وإلا فهو كالمستأجر ومالك المنفعة ، ففيه تردد.
(ابن رجب 3/ 362).
6 - نفقة الوقف ، وهي في كلته ، ما لم يشرط غيرها ، فإن لم يكن له غلة.
فوجهان ، أحدهما : نفقته على الموقوف عليه.
والثاني : من بيت المال ، وقيل : هما(2/1009)
مبنيان على انتقال الملك إليه وعدمه ، وقد يقال : بالوجوب عليه ، وإن كان الملك لغيره كما نقول بوجوبها على الموصى له بالمنفعة على وجه.
(ابن رجب 3/ 362).
7 - لو فضَّل بعض ولده على بعض في الوقف ، فالمنصوص الجواز ، بخلاف الهبة ، فقيل : هو بناء على أن الملك لا ينتقل إلى الموقوف عليهم.
فإن قلنا : بانتقاله ، لم يجز كالهبة.
وقيل : يجوز على القولين ، لأنه لم يخصه بالملك ، بل جعله ملكاً لجهة متصلة
على وجه القربة ، وجعل الولد في بعض تلك الجهة.
(ابن رجب 3/ 363).
فائدة : وشبيه بهذا وقف المريض على وارثه ، هل يقف على الإجازة كهبته ؛ أم ينفذ من الثلث ، لأنه ليس تخصيصاً للوارث ، بل تمليك لجهة متصلة ، الوارث بعض أفرادها ؛ وفيه روايتان.
8 - الوقف على نفسه ، وفي صحته روايتان مبنيتان على هذا الأصل.
فإن قلنا : الوقف ملك للموقوف عليه ، لم يصح وقفه على نفسه ، لأنه لا يصح أن يزيل الإنسان ملك نفسه إلى نفسه ، وإن قلنا : دته تعالى ، صح.
(ابن رجب 3/ 363).
9 - الوقف المنقطع ، هل يعود إلى ورثة الموقوف عليه ، أو إلى ورثة الواقف ؛ فيه روايتان ، والمنصوص عن أحمد وغيره أنه يعود إلى ورثة الموقوف عليه ، وظاهر كلامه أنه يعود إليهم إرثاً ، لا وقفاً ، وهذا متنزل على القول بأنه ملك للموقوف عليه.
ولذلك شبه الإمام أحمد الوقف المنقطع بالعمرى والرقبى ، وجعلها لورثة الموقوف عليه ، كما ترجع العمرى والرقيى إلى ورثة المعطى ، وقال الشيخ مجد الدين : إنما يرجع وقفاً على الورثة ، فلا يستلزم ملك الموقوف عليه.
(ابن رجب 3/ 363).(2/1010)
القاعدة : [288]
إجازة الورثة ، هل هي تنفيذ للوصية ، أو ابتداء عطية ؟
التوضيح
الوصية مشروعة بالثلث ، لكسب الثواب والأجر للموصي ، ورعاية لحق الورثة في الثلثين ، فإن زاد الموصي على الثلث كانت الوصية بالزائد موقوفة على إجازة الورثة ، فإن منعوها بطلت ، وإن أجازها نفذت.
واختلفت الرواية عن أحمد في حقيقة ذلك.
ففي رواية : الإجازة تنفيذ للوصية ، وفي رواية : الإجازة ابتداء عطية
من الورثة للموصى له ، والأشهر أنها تنفيذ.
التطبيقات
1 - لا يشترط في الإجازة شروط الهبة من الإيجاب والقبول والقبض ، فتصح
بقوله : أجزت وأنفذت ، ونحو ذلك ، وإن لم يقبل الموصى له في المجلس.
وإن قلنا : هي هبة ، افتقرت إلى إيجاب وقبول.
وقيل : على وجهين :
الأول تقبل الهبة بلفظ الإجازة هنا ، وهو ظاهر المذهب.
والثاني : لا تقبل.
(ابن رجب 3/ 366) .(2/1011)
2 - هل يشترط أن يكون المجاز في الوصية معلوماً للمجيز ؟
والجواب : لا يشترط ذلك ، فلو قال : ظننت المال قليلاً فإنه يقبل قوله ، ولا تنافي بين قوله والإجازة لوجهين :
الأول : أن صحة إجازة المجهول لا تنافي ثبوت الرجوع فيه إذا تبين فيه ضرر
على المجيز ، لم يعلمه استدراكاً لظلامته ، كمن أسقط شفعته لمعنى ، ثم بأن بخلافه ، فإن له العود إليها ، وكذلك إذا أجاز الجزء الموصى به يظنه قليلاً ، فبان كثيراً فله الرجوع بما زاد على ما في ظنه.
والوجه الثاني : إنه إذا اعتقد أن النصف الموصى به مئة وخمسون
درهماً ، فبان ألفاً ، فهو إنما أجاز مئة وخمسين درهماً ، لم يجز أكثر منها ، فلا تنفذ إجازته في غيرها ، وهذا بخلاف إذا أجاز النصف كائناً ما كان ، فإنه يصح ، ويكون إسقاطاً لحقه من المجهول ، فينفذ كالإبراء ، لكن ابن قدامة قال : إن الإجازة لا تصح بالمجهول.
وهل يصدق في دعوى الجهالة ؛ على وجهين.
فإن قلنا : الإجازة تنفيذ صحت بالمجهول ، ولا رجوع.
وإن قلنا : هبة ، فوجهان.
(ابن رجب 3/ 366).
3 - لو وقف على وارئه ، فأجازه.
فإن قلنا : الإجازة تنفيذ ، صح الوقف ولزم.
وإن قلنا : هبة ، فهو كوقف الإنسان على نفسه.
(ابن رجب 3/ 368).
4 - لو كان المجيز أباً للمجاز له ، كمن وصى لولد ولده الصغير ، فأجازه والده ، فليس للمجيز الرجوع فيه إن قلنا : هو تنفيذ.
وإن قلنا : عطية : فله ذلك ، لأنه وهب لولده مالاً.
(ابن رجب 3/ 368).
5 - لو حلف : لا يهب فأجاز ، فإن قلنا : هي عطية ، حنث ، وإلا فلا.
(ابن رجب 3/ 369).
6 - لو قبل الموصى له الوصية المفتقرة إلى الإجازة قبل الأجازة ، ثم أجيزت ، فإن قلنا : الإجازة تنفيذ فالملك ثابت له من حين قبوله أولاً (1).
وإن قلنا : عطية ، لم يثبت الملك إلا بعد الإجازة.
(ابن رجب 3/ 369).
__________.
(1) هذا على قول الحنابلة أن الوصية من تاريخ القبول فقط ، بينما قال الجمهور : تنتقل من وقت الموت مستندة بأثر رجعي ، انظر : كشاف القناع 4/ 384 ، المغنى 8/ 419 ، وكتابنا : الفرائض والمواريث
والوصايا ص 514 مع المصادر الواردة في الهامش 1 ، ص 515 لسائر المذاهب ، وسيرد ذلك في القاعدة التالية .(2/1012)
7 - إن ما جاوز الثلث من الوصايا إذا أجيز ، هل يزاحم بالزائد ما لم يجاوزه.
ومثاله : إذا كانت معنا وصيتان ، إحداهما مجاوزة للثلث ، والأخرى لا تجاوزه ، كنصف وثلث ، وأجاز الورثة الوصية المجاوزة للثلث خاصة.
(وهي الوصية بالنصف).
فإن قلنا : الإجازة تنفيذ ، زاحم صاحب النصف صاحب الثلث بنصف
كامل ، فيقسم الثلث بينهما على خمسة ، لصاحب النصف ثلاثة أخماسه ، وللآخر خمساه ، ثم يكمل لصاحب النصف نصفه بالإجازة.
وإن قلنا : عطية ، فإنما يزاحمه بثلث خاصة ، إذ الزيادة عليه عطية محضة من الورثة لم تتلق من الميت ، فلا يزاحم بها الوصايا ، فيقسم الثلث بينهما نصفين ، ثم يكمل لصاحب النصف ثلث بالإجازة.
(ابن رجب 3/ 369).
8 - لو أجاز المريض في مرض موته وصية مورثه ، فإن قلنا : عطية ، فهي معتبرة من ثلثه.
وإن قلنا : تنفيذ ، فطريقان ، أحدهما : القطع بأنها من الثلث أيضاً تشبيهاً بالصحيح إذا حابى في بيع له فيه خيار ، ثم مرض في مدة الخيار ، فإن محاباته تصير من الثلث ؛ لأنه تمكن من استرداد ماله إليه ، فلم يفعل ، فقام ذلك مقام ابتداء إخراجه من المرض.
ونظيره لو وهب الأب لولده شيئاً ثم مرض وهو بحاله ولم يرجع فيه.
والطريق الثاني : إن المسألة على وجهين منزلين على أصل الخلاف في حكم الإجازة ، وقد يتنزلان على أن الملك هل ينتقل إلى الورثة في الموصى به ، أم تمنع الوصية الانتقال ؛ وفيه وجهان.
فإن قلنا : ينتقل إليهم ، فالإجازة من الثلث ؛ لأنه إخراج
مال مملوك ، وإلا فهي من رأس المال ، لأنه امتناع من تحصيل مال لم يدخل بعد في ملكه ، وإنما تعلق به حق ملكه ، بخلاف محاباة الصحيح إذا مرض ، فإن المال كان على ملكه ، وهو قادر على استرجاعه.
(ابن رجب 3/ 371).
9 - إجازة المفلس للوصية الزائدة ، وهي نافذة ، وهو منزل على القول بالتنفيذ.
وقاله صاحب (المغني) في السفيه ، معللاً بأنه ليس من أهل التبرع.
(ابن رجب 3/ 372).(2/1013)
القاعدة : [289]
الموصى له ، هل يملك الوصية حين الموت ، أو من حين قبولها ؟
التوضيح
الوصية تبرع بإيجاب من الموصي ، وقبول من الموصى له المعين ، ويشترط في القبول أن يكون بعد الموت ، فإن كان عقب الموت مباشرة فلا إشكال ، وينتقل الموصى به للموصى له عند الموت ، فإن تأخر القبول شهراً مثلاً ، فيحصل خلاف في وقت ملك الوصية حين الموت أو حين القبول ، على وجهين ، وعلى القول الراجح : بأن الموصى له يملكها حين قبوله.
فهل هي قبله على ملك الميت أو على ملك الورثة ؟
فيه وجهان ، والاكثر على أنها ملك للموصى له وهو منصوص أحمد.
التطبيقات
1 - حكم نماء الموصى به بين الموت والقبول.
فإن قلنا : هو على ملك الموصى له ، فلا يحتسب عليه من الثلث.
وإن قلنا : هو على ملك الميت ، فتوفر به التركة ، فيزداد الثلث.
وإن قلنا : على ملك الورثة فنماؤه لهم خاصة.
وأكد القاضي أبو يعلى أن ملك الموصى له لا يتقدم القبول.
وأن النماء قبله للورثة ، مع أن العين باقية على حكم ملك الميت ، فلا يتوفر به الثلث ، لأنه لم يكن ملكاً له حين الوفاة.
(ابن رجب 3/ 373) .(2/1014)
2 - لو نقص الموصى به في سعر أو صفة ، فإن قلنا يملكه بالموت ، اعتبرت قيمته من التركة بسعره يوم الموت على أدق صفاته من يوم الموت إلى القبول ؛ لأن الزيادة حصلت في ملكه ، فلا يحتسب عليه ، والنقص لم يدخل في ضمانه ، بل هو من ضمان التركة ، وأما نقص الأسعار فلا يضمن عندنا ، وإن قلنا : يملكه من حين القبول ، اعتبرت قيمته يوم القبول سعراً وصفهَ ، لأنه لم يملكه قبل ذلك.
والمنصوص عن أحمد أنه يعتبر قيمته يوم الوصية ، فظاهره أنه يعتبر بيوم الموت على الوجوه كلها ؛ لأن حقه تعلق بالموصى به تعلقاً قطع تصرف الورثة فيه ، فيكون ضمانه عليه.
(ابن رجب 3/ 374).
3 - لو وصى لرجل بأرض ، فبنى الوارث فيها ، وغرس قبل القبول.
ثم قبل ، فإن كان الوارث عالماً بالوصية قلع بناؤه وكرسه مجاناً ، وإن كان جاهلاً فعلى وجهين.
وهو متوجه على القول بالملك بالموت أو بعد القبول.
فإن قيل : هي قبل القبول على ملك الوارث فهو كبناء مشتري الشقص المشفوع وكرسه فيكون محزماً يتملك بقيمته.
(ابن رجب 3/ 376).
4 - لو بيع شقص في شركة الورثة والموصى له قبل قبوله.
فإن قلنا : الملك له من حين الموت فهو شريك للورثة في الشفعة ، وإلا فلا حق له فيها.
(ابن رجب 3/ 376).
5 - جريان الملك من حيث الموت في حول الزكاة ، فإن قلنا : ملكه للموصى له ، جرى في حوله.
وإن قلنا : للورثة ، فهل يجري في حولهم ، حتى لو تأخر القبول سنة
كانت زكاته عليهم ، أم لا ، لضعف ملكهم فيه
وتزلزله وتعلق حق الموصى له ؛ فيه قولان.
(ابن رجب 3/ 377) .(2/1015)
القاعدة : [290]
الدَّين ، هل يمنع انتقال التركة إلى الورثة أم لا ؟
التوضيح
إذا مات الإنسان انتقلت أمواله إلى الورثة ، ولكن يتعلق بها أولاً أداء الدَّين ، فإن كان على الميت دين ، وتعلق بالتركة ، فهل تنتقل التركة إلى الورثة ، أم لا ؟
في المسألة روايتان : أشهرهما : الانتقال ، وهي المذهب.
ونص أحمد أن المفلس إذا مات ، سقط حق البائع من عين ماله ، لأن اللك انتقل إلى ورثته.
والرواية الثانية : لا ينتقل ، ولا فرق بين ديون الله عز وجل وديون الآدميين ، ولا بين الديون الثابتة في الحياة والمتجددة بعد الموت بسبب منه يقتضي الضمان ، كحفر بئر ونحوه.
وهل يعتبر كون الدَّين محيطاً بالتركة أم لا ؟
وهو الدين المستغرق ، فيه قولان ، وعلى القول
بالانتقال فيتعلق حق الغرماء بها جميعاً ، وإن لم يستغرقها الدين ، وهل تعلق حقهم بها تعلق رهن أو جناية ؛ فيه قولان.
التطبيقات
1 - هل يتعلق جميع الذين بالتركة ، وبكل جزء من أجزائها ، أم يتقسط ؛ إن كان الوارث واحداً تعلق الدين بالتركة وبكل جزء من أجزائها ، وإن كان الوارث متعدداً انقسم الدَّين على قدر حقوقهم ، وتعلق بحصة كل وارث منهم قسطها من الدين ، وبكل جزء منها.
(ابن رجب 378/3) .(2/1016)
2 - هل يتعلق الدَّين بعين التركة مع الذمة ؟
فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ينتقل إلى ذمم الورثة.
والثاني : هو باقٍ في ذمة الميت ، وهو ظاهر كلام الأصحاب في ضمان
دين الميت.
والثالث : يتعلق باعيان الزكة فقط ، وردّ بلزوم براءة ذمة الميت منها
بالتلف ، وينزتب على هذا الاختلاف الفوائد التالية.
(ابن رجب 3/ 379).
3 - هل يمنع تعلق الدين بالتركة من نفوذ التصرف ببيع أو غيره من العقود ؛ إن قلنا بعدم انتقال الذين إلى ذمة الورثة فلا إشكال في عدم النفوذ ، وإن قلنا بانتقال الدَّين إلى ذمة الورثة فوجهان :
أحدهما : لا ينفذ.
والثاني : ينفذ ، وهو المذهب.
وإنما يجوز التصرف بشرط الضمان.
(ابن رجب 3/ 378).
4 - نماء الزكة : فإن قلنا : لا ينتقل الدين إلى الورثة ، تعلق حق الغرماء بالنماء كالأصل.
وإن قلنا : ينتقل إليهم ، فهل يتعلق حق الغرماء بالنماء ؛ على وجهين.
حسب قاعدة النماء.
(ابن رجب 3/ 383).
5 - لو مات رجل وعليه دين وله مال زكوي ، فهل يبتدئ الوارث حول زكاته من حين موت مورثه أم لا ؟
إن قلنا : لا تنتقل التركة إلى الوارث مع الدَّين ، فلا إشكال
في أنه لا يجري حوله حتى تنتقل إليه.
وإن قلنا : ينتقل ، انبنى على أن الدَّين هل هو مضمون في ذمة الوارث أو هو في ذمة الميت خاصهَ ؟
فإن قلنا : الدَّين في ذمة الوارث ، وكان مما يمنع الزكاة ، انبنى على أن الدَّين المانع هل يمنع انعقاد الحول من ابتدائه ، أو يمنع الوجوب في انتهائه خاصة ؛ فيه روايتان ، والمذهب أنه يمنع الانعقاد ، فيمتنع انعقاد الحول على مقدار الذين من المال.
وإن قلنا : إنما يمنع وجوب الزكاة في آخر الحول ، منع الوجوب ها هنا إلى آخر الحول في قدره أيضاً ، وإن قلنا : ليس في ذمة
الوارث شيء ، فالظاهر أن تعلق الدَّين بالمال مانع أيضاً.
(ابن رجب 3/ 382).
6 - لو كان له شجر ، رعليه دين ، همات ، فها هنا صورتان.
إحداهما : أن يموت قبل أن يثمر ، ثم أثمر قبل الوفاء ، فينبني على أن الدين هل يتعلق بالنماء أم لا ؟
فإن قلنا : يتعلق به ، خرج على الخلاف في منع الدَّين الزكاة في
الأموال الظاهرة ، وإن قلنا : لا يتعلق به ، فالزكاة على الوارث بناء على انتقال الملك(2/1017)
إليه ، أما إن قلنا : لا ينتقل ، فلا زكاة عليه فيه إلا أن ينفك التعلق قبل بدو الصلاح.
الصورة الثانية : أن يموت بعدما أثمرت ، فيتعلق الدين بالثمرة ، ثم إن كان موته بعد وقت الوجوب ، فقد وجبت عليه الزكاة ، إلا أن نقول : إن الدين يمنع الزكاة في المال الظاهر ، وإن كان موته قبل وقت الوجوب.
فإن قلنا : تنتقل التركة إلى الورثة مع الدين ، فالحكم كذلك ، لأنه مال لهم تعلق به دين ، ولا سيما إن قلنا : إنه في ذممهم.
وإن قلنا : لا تنتقل التركة إليهم فلا زكاة عليهم.
وهذا يدل على أن النماء المنفصل يتعلق به حق الغرماء بلا خلاف.
(ابن رجب 3/ 383).
7 - لو كانت التركة حيواناً ، فإن قلنا بالانتقال إلى الورثة ، فالنفقة عليهم ، وإلا فمن التركة ، وكذلك مؤنة المال كأجرة المخزن ونحوه.
(ابن رجب 3/ 384).
8 - لو مات المدين وله شقص ، فباع شريكه نصيبه قبل الوفاء ، فهل للورثة الأخذ بالشفعة ؛ إن قلنا بالانتقال إليهم فلهم ذلك ، وإلا فلا.
ولو كان الوارث شريك الموزث ، وبيع نصيب المورث في دينه.
فإن قلنا بالانتقال ، فلا شفعة للوارث ، لأن البيع وقع في ملكه ؛ فلا يملك استرجاعه ، وإن قيل بعدمه ، فله الشفعة ، لأن المبيع لم يكن في ملكه ، بل في شركته.
(ابن رجب 3/ 384).
9 - لو أقرَّ لشخص ، فقال : له في ميراثي ألف ، فالمشهور أنه متناقض في إقراره.
وفي قول : يحتمل أن يلزمه ، إذ المشهور أن الدَّين لا يمنع الميراث ، فهو كما لو قال : له في هذه التركة ألف ، فإنه إقرار صحيح ، لكن إذا قلنا : يمنع الدَّين الميراث ، كان تناقضاً بغير خلاف.
(ابن رجب 3/ 385).
10 - لو مات وترك ابنين وألف درهم ، وعليه ألف درهم دين ، ثم مات أحد الابنين وترك ابناً ، ثم أبرأ الغريم الورثة ، فعلى القول بانتقال الدَّين إلى ذمم الورثة ، فإن ابن الابن يستحق نصف التركة بميراثه عن أبيه ، وهو الراجح ؛ لأن التركة تنتقل مع الدَّين للورثة ، فأنتقل ميراث الابن إلى ابنه ، وعلى القول بمنع الانتقال يختص به ولد الصلب ، لأنه هو الباقي من الورثة ، وابن الابن ليس بوارث معه ،(2/1018)
والتركة لم تنتقل إلى أبيه ، وإنما انتقلت بحد موته ، كالوصية إذا مات الموصى له ، وقبل وارثه ، فإنه يملكه هو دون مورثه على القول الراجح بملك الوصية من حين القبول.
(ابن رجب 3/ 386).
11 - رجوع بائع المفلس في عين ماله بعد موت المفلس ، ينبني على هذا الخلاف.
فإن قلنا : ينتقل إلى الورثة ، امتنع رجوعه ، وبه علله الإمام أحمد.
وإن قلنا : لا ينتقل : رجع به ، لا سيما والحق هنا متعلق في الحياة تعلقاً أكيداٌ.
(ابن رجب 3/ 386).
12 - ولاية المطالبة بالتركة إذا كانت ديناً ونحوه.
هل هو للورثة خاصة ، أم للغرماء والورثة ؟
يفهم من كلام أحمد أن للغرماء ولاية المطالبة والرجوع على المودعَ إذا سلَّم الوديعة إلى الورثة ، لكن القاضي حمله على الاحتياط ؛ لأن التركة ملك للورثة ، ولهم الوفاء من غيرها ، والظاهر إن قلنا : التركة ملك لهم ، فلهم ولاية الطلب والقبض.
وإن قلنا : ليست ملكاً لهم ، فليس لهم الاستقلال بذلك.
(ابن رجب 3/ 389).(2/1019)
القاعدة : [291]
نفقة الحامل ، هل هي واجبة لها أو لحملها ؟
التوضيح
تجب النفقة شرعاً بسببين ؛ النكاح والقرابة.
والمرأة الحامل قد تكون زوجة ، وتجب نفقتها على زوجها بالشرع بسبب النكاح ، ونفقة القرابة لا تثبت إلا بحكم القاضي.
فإن كانت المرأة حاملاً تجب لها النفقة إما بسبب النكاح وهذه لا خلاف فيها ، وإما بسبب الحمل.
ولكن هل تستحق المرأة الحامل النفقة لنفسها ، أو لحملها ؟
في المسألة روايتان مشهورتان ، وأصحهما أنها للحمل ، وينبني على هذا الاختلاف فوائد.
التطبيقات
1 - إذا كان الزوج معسراً ، فإن قلنا : النفقة للزوجة وجبت عليه ، وثبتت في ذمته ، وإن قلنا : للحمل ، لم تجب ؛ لأن نفقة الأقارب مشروطة باليسار دون نفقة الزوجة.
(ابن رجب 3/ 398).
2 - لو مات الزوج ، فهل يلزم أقاربه النفقة ؛ إن قلنا : هي للحمل ، لزمت
الورثة ، وإن قلنا : هي للزوجة ، لم يلزمهم بحال.
(ابن رجب 3/ 399).
3 - لو غاب الزوج ، فهل تثبت النفقة في ذمته ؟
فيه طريقان ، أحدهما : إن قلنا :(2/1020)
هي للزوجة ، ثبتت في ذمته ولم تسقط بمضي الزمان على المشهور من المذهب ، وإن قلنا : هي للحمل ، سقطت ، لأن نفقة الأقارب لا تثبت في الذمة ، والثاني : لا تسقط بمضي الزمان على الروايتين ؛ لأنها مصروفة إلى الزوجة ، ويتعلق حقها بها ، فهي كنفقتها ، ويشهد لذلك قول الأصحاب : لو لم ينفق عليها يظنها حائلاً ، فبانت حاملاً لزمه نفقة الماضي.
(ابن رجب 3/ 399).
4 - إذا اختلعت الحامل بنفقتها ، فهل يصح جعل النفقة عوضاً للخلع ؟
ففي قول : إن قلنا : النفقة لها ، صح ، وإن قلنا : للحمل ، لم يصح ، لأنها لا تملكها.
وقال الأكثرون : يصح على الروايتين ، لأنها مصروفة إليها ، وهي المنتفعة بها (ابن رجب 3/ 400).
5 - لو نشزت الزوجة حاملاً ، فإن قلنا : نفقة الحامل لها ، سقطت بالنشوز ، وإن قلنا ؛ للحمل ، لم تسقط به.
(ابن رجب 3/ 400).
6 - الحامل من وطء الشبهة أو نكاح فاسد ، هل تجب نفقتها على الواطئ ؛ إن قلنا : النفقة لها ، لم تجب ؛ لأن النفقة لا تجب للموطوءة بشبهة ولا نكاح فاسد ؛ لأنه لا يتمكن من الاستمتاع بها ، إلا أن يسكنها في منزل يليق بها تحصيناً لمائه ، فيلزمها ذلك ، وتجب لها النفقة حينئذ.
وإن قلنا : النفقة للحمل ، وجبت ؛ لأن النسب لاحق
بهذا الواطئ ، ونص عليه أحمد في وجوب النفقة لها.
(ابن رجب 3/ 400).(2/1021)
7 - لو كان الحمل مومراً ، بأن يوصى له بشيء ، فيقبله الأب.
فإن قلنا : النفقة له ، سقطت نفقته عن أبيه ، وإن قلنا : لأمه ، لم تسقط.
(ابن رجب 3/ 402).
8 - لو دفع إليها النفقة ، فتلفت بغير تفريط ، فإن قلنا : النفقة لها ، لم يلزم بدلها ، وإن قلنا : للحمل ، وجب إبدالها ؛ لأن ذلك حكم نفقة الأقارب.
(ابن رجب 3/ 402).
9 - فطرة المطلفة الحامل ، إن قلنا : النفقة لها ، وجبت لها الفطرة.
وإن قلنا : للحمل ، ففطرة الحمل على أبيه غير واجبة على الصحيح إلا بعد الولادة إن كانت قبل غروب الشمس من ليلة العيد.
(ابن رجب 3/ 402).
10 - هل تجب السكنى للمطلقة الحامل ؛ إن قلنا : النفقة لها ، فلها السكنى أيضاً ، وإن قلنا : للحمل ، فلا سكنى لها.
(ابن رجب 3/ 402).
11 - نفقة المتوفى عنها إذا كانت حاملاً ، في وجوبها روايتان بناهما بعضهم على هذا الأصل ، فإن قلنا : النفقة للحمل ، وجبت من التركة ، كما لو كان الأب حياً.
وان قلنا : للمرأة ، لم تجب ، وهذا البناء لا يصح ؛ لأن نفقة الأقارب لا تجب بعد الموت ، والأظهر أن الأمر بالعكس ، وهو إن قلنا : للحمل ، لم يجب للمتوفى عنها لهذا المعنى.
وإن قلنا : للمرأة ، وجبت لها النفقة ؛ لأنها محبوسة على الميت لحقه.
فتجب نفقتها من ماله.
(ابن رجب 3/ 402).
12 - البائن في الحياة بفسخ أو طلاق إذا كانت حاملاً ، فلها النفقة ، وحكي في رواية : أنه لا نفقة لها ، كالمتوفى عنها ، وخصها بعضهم بالمبتوتة بالثلاث ، بناء على أن النفقة للمرأة ، والمبتوتة لا نفقة لها ، وإنما تستحق النفقة إذا قلنا : هي للحمل ، وهذا متوجه في القياس ، إلا أنه ضعيف مخالف للنص في قوله تعالى : (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).
وللإجماع ، ووجوب النفقة للمبتوتة الحامل يرجح القول بأن النفقة للحمل.
(ابن رجب 3/ 403).(2/1022)
13 - لو وطئت الرجعية بشبهة أو نكاح فاسد ، ثم بأن بها حمل ، يمكن أن يكون من الزوج والواطئ ، فيلزمها أن تعتد بعد وضعه عدة الواطئ.
فأما نفقتها في مدة العدة ، فإن قلنا : النفقة للحمل ، فعليهما النفقة عليها حتى تضع ؛ لأن الحمل لأحدهما يقيناً ، ولا نعلم عينه ، ولا ترجع المرأة على الزوج بشيء من الماضي.
وإن قلنا : النفقة للحامل ، فلا نفقة لها على واحد منهما مدة الحمل ؛ لأنه يحتمل أنه من الزوج ، فيلزمه النفقة ، ويحتمل أنه من الآخر ، فلا نفقة لها ، فلا تجب بالشك ، فإذا وضعته ، فقد علمنا أن النفقة على أحدهما ، وهو غير معين ، فيلزمهما جميعاً النفقة للولد ، حتى ينكشف الأب منهما ، وترجع المرأة على الزوج بعد الوضع بنفقة أقصر المدتين من مدة الحمل ، أو قدر ما بقي من العدة بعد الوطء الفاسد ، لأنها تعتد عنه
بأحدهما قطعاً ، ثم إذا زال الإشكال وألحقته القافة بأحدهما بعينه عمل بمقتضى
ذلك ، فإن كان معها وفق حقها من النفقة ، وإلا رجعت على الزوج بالفضل.
ولو كان الطلاق بائناً ، فالحكم كما تقدم في جميع ما ذكرنا ، إلا في مسألة واحدة ، وهي أنه لا ترجع المرأة بعد الوضع بشيء على الزوج.
سواء قلنا : النفقة للحمل ، أو للحامل ؛ لأن النفقة لا تستحق مع البينونة إلا بالحمل ، وهو غير متحقق هنا أنه منه ، بخلاف الرجعية فلها النفقة.
(ابن رجب 3/ 404) .(2/1023)
القاعدة : [292]
القتل العمد ، هل موجبه القود عينًا ، أو أحد الأمرين ؟
التوضيح
إن القتل العمد يوجب القصاص عن القاتل ، لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) ثم قال تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) ، ثم قال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).
وقال تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33).
فإذا قتل شخص عمداً ، استحق وليه المطالبة بالقصاص ، أو بطلب الدية ، ولكن هل الواجب الأصلي القود عيناً ، أو التخيير بين القود أو الدية ؟
فيه روايتان معروفتان عن الإمام أحمد ، ويتفرع عليهما ثلاث قواعد في استيفاء القود ، والعفو عنه ، والصلح عنه ، مع الأحكام الفرعية لكل قاعدة.
القاعدة الأولى : في استيفاء القود : يتعين حق المستوفى فيه بغير إشكال ، ثم إن
قلنا : الواجب القود عيناً ، فلا يكون الاستيفاء تفويتاً للمال ، وإن قلنا : أحد(2/1024)
الأمرين ، فهل هو تفويت للمال أم لا ؟
على وجهين ، ويتفرع عليهما مسائل تتعلق
بالقاتل العبد ، مما لا حاجة لسردها بعد إلغاء الزنى وزواله من التطبيق.
القاعدة الثانية : في العفو عن القصاص ، وله ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يقع العفو عنه إلى الدية ، وفيه طريقتان :
إحداهما ثبوت الدية على الروايتين.
والثانية : بناؤه على الروايتين.
فإن قلنا : موجبه أحد الشيئين ، ثبتت الدية.
وإلا لم يثبت شيء بدون تراضِ منهما.
ويكون القود باقياً بحاله ؛ لأنه لم يرضَ بإسقاطه إلا بعوض ، ولم يحصل له.
الحالة الثانية : أن يعفو عن القصاص ، ولا يذكر مالاً ، فإن قلنا : موجبه
القصاص عيناً ، فلا شيء له ، وإن قلنا : أحد الشيئين ، ثبت المال.
الحالة الثالثة : أن يعفو عن القود إلى غير مال مصرحاً بذلك.
فإن قلنا : الواجب القصاص عيناً ، فلا مال له في نفس الأمر.
وقوله هذا لغو ، وإن قلنا : الواجب أحد
شيئين ، سقط القصاص والمال جميعاً.
فإن كان ممن لا تبرع له ، كالمفلس والمحجور عليه والمريض فيما زاد عن الثلث والورثة ، مع استغراق الديون للتركة ، فوجهان ، أحدهما : لا يسقط المال بإسقاطهم ، وهو المشهور ، لأن المال وجب بالعفو عن القصاص ، فلا يمكنهم إسقاطه بعد ذلك ، كالعفو عن دية الخطأ.
والثاني : يسقط ، وهو المنصوص عليه ؛ لأن المال لا يتعين بدون اختياره له أو إسقاط القصاص وحده ، أما إن أسقطهما في كلام واحد متصل ، سقطا جميعاً من غير دخول المال في ملكه ، ويكون ذلك اختياراً
منه لترك التملك ، فلا يدخل المال في ملكه.
إذا تقرر هذا ، فهل يكون العفو تفويتاً للمال ؟
إن قلنا : الواجب القود عيناً ، لم يكن العفو تفويتاً للمال ، فلا يوجب ضماناً ، وفي قول : يجب الضمان ، وفي قول : على وجهين .(2/1025)
التطبيقات
يتخرج على هذا الأصل مسائل ، منها :
1 - عفو المفلس عن الجناية الموجبة للقود مجاناً ، فالمشهور أنا إن قلنا : الواجب القود عيناً ، صح ، دران قلنا : الواجب أحد الأمرين ، لم يصح العفو عن المال ، وعلى الوجه الآخر الذي قيل : إنه المنصوص ، يصح.
(ابن رجب 3/ 41).
2 - عفو الورثة عن القصاص مع استغراق الديون ، وحكمه حكم المفلس السابق.
(ابن رجب 3/ 41).
3 - عفو المريض عن القصاص ، وحكمه فيما زاد عن الثلث كذلك.
(ابن رجب 3/ 41).
4 - العفو عن الوارث الجاني في مرض الموت عن دم العمد ، إن قلنا : الواجب القود عياً ، فهو صحيح ، دران قلنا : الواجب أحد شيئين ؛ فكذلك ، ويتوجه فيه وجه آخر بوقوفه على إجازة الورثة.
(ابن رجب 3/ 42).
تنبيه أول
لو أطلق العفو عن الجاني عمداً ، فهل يتنزل على القود والدية ، أو على القود وحده ؛ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها ، وهو المنصوص ، أنه ينصرف إليهما جميعاً.
والثاني : ينصرف إلى القود وحده ، إلا أن يقر العافي بإرادة الدية مع القود.
والثالث : يكون عفواً عنهما ، إلا أن يقول : لم أرد الدية ، فيحلف ويقبل منه ، وفي قول : إن قلنا : الواجب القود وحده ، سقط ، ولا دية ، وإن قلنا : أحد شيئين ، انصرف العفو إلى القصاص في أصح الروايتين.
والأخرى : يسقطان جميعاً .(2/1026)
تنبيه ثانٍ.
لو اختار القصاص ، فله ذلك ، وهل له العفو عنه إلى الدية ؟
إن قلنا : القصاص هو الواجب عيناً ، فله تركه إلى الدية.
وإن قلنا : الواجب أحد شثين ، فعلى وجهين :
أحدهما : نعم ، لأن أكثر ما فيه أنه تعين له القصاص.
فيجوز له تركه إلى مال ، كما إذا قلنا : هو الواجب عيناً.
والثاني : لا ، لأنه أسقط حقه من الدية باختياره.
فلم يكن له الرجوع إليها ، كما لو عفا عنها وعن القصاص.
وفارق ما إذا قلنا : هو الواجب عيناً ؛ لأن المال لم يسقط بإسقاطه ، ويجاب عن هذا بأن الذي أسقطه هو الدية الواجبة بالجناية ، والمأخوذ هنا غيره ، وهو مأخوذ بطريق المصالحة عن القصاص.
القاعدة الثالثة : الصلح عن موجب الجناية ، فإن قلنا : هو القود وحده ، فله
الصلح عنه بمقدار الدية ، وبأقل ، وأكثر منها ، إذ الدية غير وإجبة بالجناية ، وكذلك إذا اختار القود أولاً ، ثم رجع إلى المال ، وقلنا له ذلك ، فان الدية سقط وجوبها.
وإن قلنا أحد شئين ، فهل يكون الصلح عنها صلحاً عن القول أو المال ؛ على وجهين.
التطبيقات
1 - هل يصح الصلح على كثر من الدية من جنسها ، أم لا ؟
في قول : لا يصح ؛ لأن الدية تجب بالعفو والمصالحة ، فلا يجوز أخذ أكثر من الواجب من الجنس ، ويصح على غير جنس الدية ، ولا يصح على جنسها إلا بعد تعيين الجنس ، من إبل ، أو بقر ، أو غنم ، حذاراً من ربا النسيئة وربا الفضل ، وقال الأكثرون : بجواز الصلح(2/1027)
بأكثر من الدية من غير تفصيل ، وإن قلنا : الواجب أحد شيئين ، لأن القود ثابت ، فالمأخوذ عوض عنه ، وليس من جنسه ، فجاز من غير تقدير كسائر المعاوضات الجائزة ، وأما القود ، فقد يقال : إنما يسقط بعد صحة الصلح وثبوته ، وأما مجرد المعاوضة في عقد الصلح ، فلا توجب سقوطه ، فإنه إنما يسقطه بعوض ، فلا يسقط بدون ثبوت العوض.
(ابن رجب 3/ 45).
2 - لو صالح عن دم العمد بشقص ، هل يوخذ بالشفعة أم لا ؟
إن قلنا : الواجب القود عيناً ، فالشقص مأخوذ بعوض غير مالي ، فلا شفعة فيه على أشهر الوجهين.
وإن قلنا : الواجب أحد شيئين ، فهو مأخوذ بعوض مالي ، إذ هو عوض عن الدية لتعينها باختيار الصلح.
(ابن رجب 3/ 46) .(2/1028)
القاعدة : [293]
المرتد : هل يزول ملكه بالرِّدة أم لا ؟
التوضيح
المرتد : هو الخارج عن الإسلام باعتقاد أو قول أو عمل ، ويترتب على الردة
إحباط العمل ، واستتابة المرتد ، فإن أصرَّ أقيم عليه حدُّ الردة ، وتبطل تصرفاته في قول.
وفي زوال ملكه روايتان ، إحداهما : لا يزول ملكه ، بل هو باقٍ عليه ، كالمستمر على عصمته ، والثانية ؛ يزول ملكه ، وفي وقت زواله ثلاث روايات ، إحداها : من حين موته مرتداً.
والثانية : من حين ردته ، فإن أسلم أعيد إليه ماله ملكاً جديداً.
والثالثة : أنا نتبين بموته مرتداً زوال ملكه من حين الردة ، أي لا يزول بمجرد الردة إلا إذا مات عليها ، ويترتب على هذا الاختلاف فوائد كثيرة ، وتطبيقات.
التطبيقات
1 - لو ارتد في أثناء حول الزكاة ، فإن قلنا : زال ملكه بالرِّدة ، انقطع الحول بغير تردد ، ونص عليه أحمد ، وإن قلنا : لا يزول ، فالمشهور أن الزكاة لا تجب عليه ، وإن عاد إلى الإسلام ، فينقطع الحول أيضاً ؛ لأن الإسلام من شرائط وجوب الزكاة ، فيعتبر وجوده في جميع الحول.
وفي رواية : تجب الزكاة إذا عاد إلى الإسلام لما مضى من الأحوال .(2/1029)
وإن ارتد بعد الحول لم تسقط عنه إلا إذا عاد إلى الإسلام ، وقلنا : إن المرتد لا يلزمه قضاء ما تركه قبل الرِّدة من الواجبات ، والصحيح من المذهب خلافه ، ويلزم القضاء.
(ابن رجب 3/ 408).
2 - لو ارتد المعسر ، ثم أيسر في زمن الرِّدة ، ثم عاد إلى الإسلام وقد أعسر ، فإن قلنا : إن ملكه يزول بالرِّدة ، لم يلزمه الحج باليسار السابق.
وإن قلنا : لا يزول ملكه ، فهل يلزمه الحج بذلك اليسار ؛ ينبني الجواب على حكم وجوب العبادات عليه في حال الرِّدة وإلزامه قضاءها بعد عوده إلى الإسلام ، والصحيح : عدم الوجوب ، فلا يكون بذلك مستطيعاً.
(ابن رجب 3/ 408).
3 - حكم تصرفات المرتد بالمعاوضات والتبرعات وغيرها.
فإن قلنا : لا يزول ملكه بحال ، فهي صحيحة نافذة.
وإن قلنا : يزول بموته ، أقز المال بيده في حياته.
ونفذت معاوضاته ، ووقفت تبرعاته المنجزة والمعلقة بالموت.
فإذا مات ردَّت كلها ، وإن لم تبلغ الثلث ؛ لأن حكم الرِّدة حكم المرض الخوت ، وإنما لم تنفذ من ثلثه ؛ لأن ماله يصير فيئاً بموته لبيت المال.
وإن قلنا : يزول ملكه في الحال ، جعل في بيت
المال ، ولم يصح تصرفه فيه بحال ، لكن إن أسلم ردَّ إليه ملكاً جديداً.
وإن قلنا : موقوف مراعى ، حفظ الحاكم ماله ، ووقفت تصرفاته كلها ، فإن أسلم ، أمضيت ، وإلا تبينا فسادها.
ولو تصرف لنفسه بنكاح ، لم يصح ، لأن الرِّدة تمنع الإقرار على النكاح ، وإن زوج موليته لم يصح لزوال ولايته بالرِّدة.
(ابن رجب 3/ 409).
4 - لو باع شقصاً مشفوعاً في الرِّدة ، فإن حكمنا بصحة بيعه ، أخذ منه الشفعة ، وإلا فلا ، ولو بيع في زمن رذته شقص في شركته.
فإن قلنا : ملكه باقي ، أخذ بالشفعة وإلا فلا.
(ابن رجب 3/ 410) .(2/1030)
5 - لو حاز مباحاً أو عمل عملاً بأجرة ، فإن قلنا : ملكه باق ، ملك ذلك ، وإن قلنا : زال ملكه ، لم يملكه ، فإن عاد إلى الإسلام بعد ذلك فهل يعود ملكه إليها ، فيه احتمالان.
(ابن رجب 3/ 410).
6 - الوصية له ، في صحتها وجهان ، بناء على زوال ملكه وبقائه ، فإن قلنا : زال ملكه ، لم تصح الوصية له ، وإلا صحت.
(ابن رجب 3/ 410).
7 - ميراثه ، فإن قلنا : لا يزول ملكه بحال ، فهو لورثته من المسلمين ، أو من أهل دينه الذي اختاره على روايتين ، وإن قلنا : يزول ملكه من حين الرِّدة أو بالموت ، فماله فيء ليس لورثته منه شيء.
(ابن رجب 3/ 410).
8 - نفقة من تلزمه نفقته ، فإن قلنا : ملكه باقٍ ولو في حياته أو مراعى ، أنفق عليهم من ماله مدة الرِّدة ، وإن قلنا : زال بالرِّدة ، فلا نفقة لهم منه في مدة الرِّدة ، لأنه لا يملكه.
(ابن رجب 3/ 411).
9 - قضاء ديونه ، وهو كالنفقة ، فيقضي ديونه على الروايات كلها ، إلا على رواية زوال ملكه من حين الرِّدة ، فلا تقضى منه الديون المتجددة في الرِّدة ، وتقضى منه الديون الماضية ، فإنه إنما يكون فيئاً ما فضل عن أداء ديونه ونفقات من يلزمه نفقته ؛ لأن هذه الحقوق لا يجوز تعطيلها ، فتؤخذ من ماله ، ويصير الباقي فيئاً.
(ابن رجب 3/ 411).(2/1031)
القاعدة : [294]
الكفار هل يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء عليها ؟
التوضيح
إذا استولى الكفار على أموال للمسلمين ، سواء كان ذلك بالحرب والقتال ، أم بالاغتصاب والاستيلاء ، والقهر ، فهل تعتبر يدهم يد ملك عليها ؛ وتزول ملكية صاحبها المسلم عنها ؟
اختلفت الآراء في المذهب الحنبلي.
فقال القاضي : إنهم يملكونها من غير خلاف.
وقال أبو الخطاب : إنهم لا يملكونها ، وإنها ترد إلى من أخذت منه من المسلمين على كل حال ، ولو قسمت في المغنم وتعرف عليها صاحبها ، أو أسلم الكافر وهي في يده ، فترد إلى صاحبها ، وأيد ذلك ابن القيم بقوة ، وقال بعضهم : فيها روايتان ، وصححوا عدم الملك.
وقال ابن تيمية : يملكونها ملكاً مقيداً لا يساوي أملاك
المسلمين من كل وجه ، وترتب على هذا الحلاف فوائد وأحكام.
التطبيقات
1 - إن من وجد من المسلمين عين ماله قَبْل القسمة ، أخذه مجاناً بغير عوض ، وإن وجده بعد القسمة ، فالمنصوص عن أحمد أنه لا يأخذه بغير عوض ، وهل يسقط حقه منه بالكلية ، أو يكون أحق به بالثمن ؛ على روايتين ، واختار أبو الخطاب أنه أحق به مجاناً بكل حال ، وأن أحمد قال : هذا هو القياس ، لأن اللك لا يزول إلا بهبة أو صدقة ، وقال غيره : لا حق له.
(ابن رجب 3/ 412).(2/1032)
2 - إذا غُنِمت أموال المسلمين ، ولم يعلم أربابها ، وقلنا : يملكها الكفار ، فإنه بِحوز قسمتها والتصرف فيها.
وإن قلنا : لا يملكونها ، فالقياس : أنه لا يجوز قسمتها.
ولا التصرف فيها ، بل توقف كاللقطة ، وأما ما عرف مالكه من المسلمين ، فإنه لا تجوز قسمته ، بل يرد إليه على القولين ، ونص عليه أحمد في رواية الكثيرين.
(ابن رجب 3/ 413).
3 - إذا أسلموا وفي أيديهم أموال المسلمين ، فهي لهم نص عليه أحمد.
وفي رواية : ليس بين الناس اختلاف في ذلك ، وهذا متنزل على القول بالملك ، فإن قيل : لا يملكونها ، فهي لربها متى وجدها ، وأكد ابن قدامة القول الأول ، لأن الشارع ملّك الكافر بإسلامه ما في يده من أموال المسلمين بقوله : من أسلم على شيء فهو له ، فهذا تمليك جديد يملكونها به ، لا بالاستيلاء الأول ، وهذا يرجع أيضاً إلى أن كل ما قبضه
الكفار من الأموال وغير ها قبضاً فاسداً ، يعتقدون جوازه ، فإنه يستقر لهم بالإسلام ، كالعقود الفاسدة والأنكحة والمواريث وغيرها ، ولهذا لا يضمنون ما أتلفوه على المسلمين من النفوس والأموال بالإجماع.
(ابن رجب 3/ 414).
4 - لو استولى العدو على مال مسلم ، ثم عاد إليه بعد حول أو أحوال ، فإن قلنا : ملكوه ، فلا زكاة عليه لما مضى من المدة بغير خلاف.
وإن قلنا : لم يملكوه ، ففي زكاته روايتان بناء على زكاة المال المغصوب والضائع من ربه.
(ابن رجب 3/ 415).
5 - لو استولى الكفار على أرض مؤجرة ، فالقياس أنه تنفسخ الإجارة ، لأنهم أخذوا الرقبة والمنفعة.
أما لو استولوا على زوجة حرة فلا ينفسخ النكاح بسَبْيها ، لأنهم لا يملكون الحرة بالسبي ، وفي رواية : ينفسخ بالسبي ، لأن منافع الحر في حكم الأموال ، ولهذا تضمن بالغصب على رأي ، فجاز أن تملك بالاستيلاء ، بخلاف عينه ، لا سيما والاستيلاء سبب قوي يملك به ما لا يملك بالعقود الاختيارية ، ولهذا يملكون به المصاحف ، فجاز أن يملكوا به منفعة بضع الحرة ، ولا يلزم من ذلك إباحة وطئها لهم ؛ لأن تصرفهم في أموال المسلمين لا يباح لهم وإن قيل : إنهم يملكونها.
(ابن رجب 3/ 416).(2/1033)
القاعدة : [295]
الغنيمة : هل تملك بالاستيلاء المجرد.
أم لا بد معه من نية التملك ؟
التوضيح
الغنيمة هي ما يأخذه المسلمون من أموال الكفار أثناء الحرب والقتال ، والغنيمة من حق المقاتلين المسلمين الغانمين ، ولكن هل تدخل في ملك المسلمين بمجرد الاستيلاء ووضع اليد عليها ؛ أم لا بدَّ من نية التملك لها ؟
المنصوص عن أحمد وعليه كثر الأصحاب أنها تمللث بمجرد الاستيلاء بإزالة
أيدي الكفار عنها ، وهل يشترط مع ذلك فعل الحيازة كالمباحات أم لا ؟
على وجهين ، وفي قول ؛ لا تملك بدون احتياز التملك ، مع التردد في الملك قبل القسمة ، هل هو باقٍ للكفار ، أو أن ملكهم انقطع عنها ؛ وينبني على هذا الاختلاف فوائد وأحكام.
التطبيقات
1 - جريان حول الزكاة ، فإن كانت الغنيمة أجناساً ، لم ينعقد عليها حول بدون القسمة وجهاً واحداً ؛ لأن حقَّ الواحد منهم لم يستقر في جنسٍ معين ، وإن كانت جنساً واحداً فوجهان ، أحدهما : ينعقد الحول عليها بالاستيلاء ، بناء على حصول(2/1034)
الملك به ، والثاني : لا ينعقد ، بناء على أن الملك لا يثبت فيها بدون اختيار التملك لفظاً ، وهذا بعيد ، أو لأن استحقاق الغانمين ليس على وجه الشركة المحضة ، ولذلك لا يتعين حق أحدهم في لشيء مثها بدون حصوله له بالقسمة ، فلا ينعقد الحول قبلها ، كما لو كانت أصنافاً.
(ابن رجب 3/ 421).
2 - لو أتلف أحد الغانمين شيئاً من الغنيمة قبل القسمة ، فإن قلنا ؛ الملك ثابت فيها ، فعليه ضمان نصيب شركائه خاصة ، ونص عليه أحمد ، وإن قلنا : لم يثبت الملك فيها ، فعليه ضمان جميعها.
(ابن رجب 3/ 423).
3 - لو أسقط الغانم حقه قبل القسمة ، ففيه طريقان :
أحدهما : أنه مبني على الخلاف.
فإن قلنا : ملكوها ، لم يسقط الحق بذلك ، وإلا سقط.
والثاني : يسقط على القولين ، لضعف الملك وعدم استقراره.
(ابن رجب 3/ 424).
4 - لو مات أحد الغانمين قبل القسمة والاحتياز ، فالمنصوص أن حقه ينتقل إلى ورثته.
وفي قول : إن قلنا : لا يملك بدون الاحتياز ، فمن مات قبله ، فلا شيء له ولا يورث عنه ، كحق الشفعة ، ويحتمل أن يقال على هذا : يكتفي بالمطالبة في ميراث الحق ، كالشفعة.
(ابن رجب 3/ 424).
5 - لو شهد أحد الغائمين بشيء من المغنم قبل القسمة.
فإن قلنا : قد ملكوا ، لم يقبل ، كشهادة أحد الشريكين للآخر.
وإن قلنا : لم يملكوا ، قبلت ، ولكن في قبولها نظر ، لأنها شهادة تجر نفعاً ، والأظهر : لا تقبل شهادة أحد الغانمين بمال الغنيمة مطلقاً.
(ابن رجب 3/ 424) .(2/1035)
القاعدة : [296]
القسمة : هل هي إفراز أم بيع ؟
التوضيح
إذا اقتسم الشريكان الال المشترك بينهما ، وأخذ كل منهما حصته من الشركة ، فهل يعدُّ ذلك عزلاً وفرزاً وتمييزاً لحصة كل منهما ، أم يعدُّ ذلك مبادلة وبيعاً ، لأن كل جزء من المال المشترك يملكه الشريكان ، فيبيع أحدهما حصته في الجزء ، ليأخذ مقابله حصة شريكه في جزء آخر ، ويترتب على تكييف العملية بأنها إفراز أو بيع نتائج.
والمذهب عند الحنابلة : أن قسمة الإجبار ، وهي ما لا يحصل فيها رد عوض من أحد الشريكين ، ولا ضرر عليه ، إفراز لا بيع.
وفي قول : إنها كالبيع في أحكامه.
وقيل : فيها روايتان ، أما ما كان فيه رد عوض ، فهي بيع.
وقيل : إنها بيع فيما يقابل الرد ، وإفراز في الباقي ، قياساً على قسممة الطلق عن الوقف : إذا كان فيها رد من جهة صاحب الوقف ، جاز ، لأنه يشتري به الطلق ، وإن كان من جهة صاحب الطلق ، لم يجز .(2/1036)
التطبيقات
يتفرع على الاختلاف في كونها فرزاً أو بيعاً فوائد كثيرة ، منها :
1 - لو كان بينهما ماشية مشتركة ، فقسماها في أثناء الحول ، واستداما خلطة الأوصاف ، فإن قلنا : القسمة إفراز ، لم ينقطع الحول بغير خلاف ، وإن قلنا : بيع ، خرج على بيع الماشية بجنسها في أثناء الحول ، هل يقطعه أم لا ؟.
(ابن رجب 3/ 426).
2 - إذا تقاسما وصرحا بالتراضى واقتصرا على ذلك ، فهل يصح ؟
إن قلنا : هي إفراز ، صحت ، وإن قلنا : هي بيع فوجهان ، وكان مأخذهما الخلاف في اشتراط الإيجاب والقبول ، والظاهر أنها تصح بلفظ القسمة على الوجهين ، ويتخرج ألا تصح بناء على الرواية باشتراط لفظ البيع والشراء في البيع.
(ابن رجب 3/ 426).
3 - لو تقاسموا ثمر النخل والعنب على الشجر ، أو الزرع المشتد في سنبله.
خرصاً ، أو الربويات على ما يختارونه من كيل أو وزن.
فإن قلنا : هي إفراز جاز.
ونص عليه أحمد في جواز القسمة بالخرص ، وإن قلنا : هي بيع ، لم يصح ، وكذلك لو تقاسموا الثمر على الشجر قبل صلاحه بشرط التبقية ، فيجوز على القول بالإفراز دون البيع.
(ابن رجب 3/ 427).
4 - لو تقاسموا أموالاً ربوية ، جاز أن يتفرقوا قبل القبض على القول بالإفراز ، ولم يجز على القول بالبيع.
(ابن رجب 3/ 427).
5 - لو كان بعض العقار وقفاً ، وبعضه طلقاً ، وطلب أحدهما القسمة ، جازت إن قلنا : هي إفراز ، وإن قلنا : بيع ، لم يجز ، لأنه بيع للوقف ، وهو ممنوع إلا للضرورة والمصلحة ، فأما إن كان الكل وقفاً ، فهل تجوز قسمته ؛ فيه طريقان ، أحدهما : أنه كإفراز الطلق من الوقف سواء ، وجزم به المجد ، والثاني : أنه لا تصح القسمة على الوجهين جميعاً على الأصح ، وعلى القول بالجواز ، فهو مختص بما إذا كان وقفاً على جهتين ، لا جهة واحدة.
(ابن رجب 3/ 427).(2/1037)
6 - قسمة المرهون كله أو بعضه مشاعاً ، إن قلنا ؛ هي إفراز ، صحت ، وإن قلنا : بيع ، لم تصح ، ولو استضر بها المرتهن ، بأن رهنه أحد الشريكين حصته من بيت معين من دار ، ثم اقتسما ، فحصل البيت في حصة شريكه ، فقيل : لا يمنع منه على القول بالإفراز ، وقيل : يمنع منه.
(ابن رجب 3/ 428).
7 - إذا اقتسم الشريكان أرضاً ، فبنى أحدهما في نصيبه وغرس ، ثم استحقت الأرض فقُلع كرسُه وبناؤه ، فإن قلنا : هي إفراز ، لم يرجع على شريكه.
وإن قلنا : هي بيع ، رجع عليه بقيمة النقص إذا كان عالماً بالحال.
وجزم القاضي بالرجوع عليه مع قوله : إن القسمة إفراز.
(ابن رجب 3/ 429).
8 - ثبوت الخيار فيها ، وفيه طريقان ، أحدهما : ينبني على الخلاف.
فإن قلنا : إفراز ، لم يثبت فيها خيار ، وإن قلنا : بيع ، ثبت ، وقيل : يختص الخلاف بخيار المجلس ، فأما خيار الشرط فلا يثبت على الوجهين ، والثاني : يثبت فيها خيار المجلس وخيار الشرط على الوجهين جميعاً ؛ لأن ذلك جعل للارتياء فيما فيه الحظ ، وهذا المعنى موجود في القسمة.
(ابن رجب 3/ 429).
9 - ثبوت الشفعة جمها ، وفيه طريقان ، أحدهما : بناؤه على الخلاف ، فإن قلنا : إفراز ، لم تثبت ، وإدط قلنا : بيع ، ثبتت.
والثاني : لا يوجب الشفعة على الوجهين ؛ لأنه لو ثبتت لأحدهما على الآخر ، لثبتت للآخر عليه فيتنافيان ، ومنها قسمة المتشاركين في الهدي والأضاحي اللحم ، فإن قلنا إفراز ، جازت.
وإن قلنا : بيع لم تجز ، وهذا الظاهر.
(ابن رجب 3/ 433) .(2/1038)
10 - لو حلف ألا يبيع فقاسم ، فإن قلنا : القسمة بيع ، حنث ، وإلا فلا ، وقد يقال : الأيمان محمولة على العرف ، ولا تسمى القسمة بيعاً في العرف ، فلا يحنث بها ، ولا بالحوالة ، ولا بالإقالة.
وإن قيل : إنها بيوع وسبق مثل ذلك في الإقالة.
(ابن رجب 3/ 433).
11 - لو اقتسم الورثة التركة ، ثم ظهر على الميت دين أو وصية ، فإن قلنا : هي إفراز ، فالقسمة باقية على الصحة ، وإن قلنا : بيع ، فوجهان بناء على الخلاف في بيع التركة المستغرقة بالدين ، وقد سبق.
(ابن رجب 3/ 434).
12 - لو ظهر في القسمة كبن فاحش ، فإن قلنا : هي إفراز ، لم يصح لتبين فساد الإفراز ، وإن قلنا : بيع ، صحت وثبت فيها خيار الغبن في البيع.
(ابن رجب 3/ 434).
13 - لو اقتسما داراً نصفين ، ثم ظهر بعضها مستحقاً ، فإن قلنا : القسمة إفراز ، انتقضت القسمة لفساد الإفراز.
وإن قلنا : بيع ، لم تنتقض ، ورجع على شريكه بقدر
حقه في المستحق إذا قلنا بذلك في تفريق الصفقة ، كما لو اشترى داراً فبان بعضها مستحقاً.
وقال المجد : إن كان المستحق معيناً وهو في الحصتين فالقسمة بحالها ، ولم
يحكِ خلافاً.
(ابن رجب 3/ 434).
14 - إذا مات رجل وزوجته حامل ، وقلنا : لها السكنى ، فأراد الورثة قسمة المسكن قبل انقضاء العدة من غير إضرار بها بأن يعلموا الحدود بخط أو نحوه من غير نقص ولا بناء ، فيجوز ذلك ، مع أنه لا يجوز بيع المسكن في هذه الحال ، لجهالة مدة الحمل المستثناة فيه حكماً ، وهذا يدل على أن مثل هذا يغتفر في القسمة على الوجهين ، ويحتمل أن يقال : متى قلنا :
القسمة بيع ، وإن بيع هذا المسكن لا يصح ، لم تصح القسمة.
(ابن رجب 3/ 436) .(2/1039)
15 - قسمة الدين في ذمم الغرماء ، فإن قلنا : إن القسمة إفراز ، صحت ، وإن قلنا : بيع ، لم تصح.
(ابن رجب 3/ 437).
16 - قبض أحد الشريكين نصيبه من المال المشترك المثلي مع غيبة الآخر ، أو امتناعه من الإذن وبدون إذن الحاكم.
فإن قلنا : القسمة إفراز ، فوجهان.
وإن قلنا : هي بيع ، لم يجز وجهاً واحداً.
فأما غير المثلي فلا يقسم إلا مع الشريك ، أو مع من
يقوم مقامه ، كالوصي والولي والحاكم.
(ابن رجب 3/ 441).
17 - لو اقتسما داراً ، فحصل الطريق في نصيب أحدهما ، ولم يكن للآخر منفذ يتطرق منه ، فتبطل القسمة ، وفي وجه آخر : تصح ، ويشتركان في الطريق ، من نص أحمد على اشتراكهما في مسيل الماء.
ويتوجه أن يقال : إن قلنا : القسمة إفراز ، بطلت.
وإن قلنا : بيع ، صحت ولزم الشريك تمكينه من الاستطراق ، بناء على
القول : إذا باعه بيتاً من وسط داره ولم يذكر طريقاً صح البيع ، واستتبع طريقه ، ولو اشترط عليه الاستطراق في القسمة ، صح.
(ابن رجب 3/ 441).
18 - لو حلف لا يكل مما اشتراه زيد ، فاشترى زيد وعمرو طعاماً مشاعاً.
وقلنا : يحنث بالأكل منه ، فتقاعاه ، ثم أكل الحالف من نصيب عمرو ، فلا يحنث ؛ لأن القسمة إفراز لا بيع.
وإن قلنا : بيع : يحنث ، وقال القاضي : قياس المذهب أنه
يحنث مطلقاً ، لأن القسمة لا تخرجه عن أن يكون زيدٌ اشتراه ، ويحنث قطعاً بأكل ما اشتراه زيد ، ولو انتقل الملك عنه إلى غيره ، ويحتمل ألا يحنث ها هنا ، وعليه يتخرج أنه لا يحنث إذا قلنا : القسمة بيع.
(ابن رجب 3/ 442).(2/1040)
القاعدة : [297]
التصرفات للغير بدون إذنه ، هل تقف على إجازته أم لا ؟
التوضيح
يعبر عنها بتصرف الفضولي ، وهو أن يبيع شخص مثلاً مال آخر بدون إذنه ، وهو ستة أقسام ، وفي كل قسم أحكام واختلاف ، وهي :
القسم الأول : أن تدعو الحاجة إلى التصرف في مال الغير أو حقه ، ويتعذر
استئذانه ، إما للجهل بعينه ، أو لغيبته ومشقة انتظاره ، فهذا التصرف مباح جائز موقوف على الإجازة ، وهو في الأموال غير مختلف فيه في المذهب ، وغير محتاج إلى إذن حاكم على الصحيح ، وفي الأبضاع مختلف فيه ، غير أن الصحيح من المذهب جوازه أيضاً ، وفي افتقاره إلى الحاكم خلاف ، فأما الأموال ، فكالتصدق باللقطة التي لا تملك ، وكالتصدق بالودائع والغصوب التي لا يُعرف ربها ، أو انقطع خبره.
ويكون ذلك موقوفاً ، فإن أجازه المالك وقع له أجره ، وإلا ضمنه التصرف، وكأنه أجره له ، صرح بذلك الصحابة رضي اللّه عنهم.
وأما الأبضاع ، فتزويج امرأة المفقود إذا كانت غيبته ظاهرها الهلاك ، فإن امرأته تتربص أربع سنين ، ثم تعتد وتباح للأزواج ، وفي توقف ذلك على الحاكم روايتان.
واختلف في مأخذهما ، فقيل : لأن أمارات موته ظاهرة ، فهو كالميت حكماً ، وقيل : بل لأن انتظاره يعظم به الضرر على زوجته ، فيباح لها فسخ نكاحه ، كما لو ضارها بالغيبة وامتنع من القدوم مع المراسلة .(2/1041)
وعلى هذين المأخذين ينبني أن الفرقة هل تنفذ ظاهراً وباطناً ، أو ظاهراً فقط ؛ وينبني الاختلاف في طلاق الولي لها ، وله مأخذ ثالث ، وهو الأظهر ، وهو أن الحاجة دعت هنا إلى التصرف في حقه من بضع الزوجة بالفسخ عليه ، فيصح الفسخ وتزوجها بغيره ابتداءَ للحاجة ، فإن لم يظهر ، فالأمر على ما هو عليه ، وإن ظهر كان ذلك موقوفاً على إجازته ، فإذا قدم ، فإن شاء أمضاه وإن شاء رده.
القسم الثاني : ألا تدعو الحاجة إلى هذا التصرف ابتداء ، بل إلى صحته وتنفيذه ، بأن تطول مدة التصرف ، وتكثر ، ويتعذر استرداد أعيان أمواله ، فللأصحاب فيه طريقان ، أشهرهما : إنه على الخلاف الآتي ذكره.
والثاني : إنه ينفذ ها هنا بدون إجازة ، دفعاً للضرر بتفويت الربح ، وضرر المشترين بتحريم ما قبضوه بهذه العقود.
القسم الثالث : ألا تدعو الحاجة إلى ذلك ابتداء ولا دواماً ، فهذا القسم في بطلان التصرف فيه من أصله ، ووقوفه على إجازة المالك وتنفيذه ، روايتان معروفتان.
واعلم أن لتصرف الشخص في مال غيره حالتين :
إحداهما : أن يتصرف فيه لمالكه ، فهذا محل الخلاف الذي ذكرناه ، وهو ثابت في التصرف في ماله بالبيع والإجارة ونحوهما.
وأما في النكاح فللأصحاب فيه طريقان ، أحدهما : إجراؤه على
الخلاف ، وهو ما قاله الأكثرون.
والثاني : الجزم ببطلانه قولاً واحداً.
ونص أحمد على التفريق بينهما ، فعلى هذا لو زوِّج المرأة أجنبي ، ثم أجازه الولي ، لم ينفذ بغير خلاف ، كما لو زوجت نفسها ، نعم لو زوِّج غير الأب من الأولياء الصغيرة بدون إذنها ، أو زوج الولي الكبيرة بغير إذنها ، فهل يبطل من أصله ، أو يقف على إجازتها ؛ على روايتين.
الحالة الثانية : أن يتصرف فيه لنفسه ، وهو الغاصب ، ومن يتملك مال غيره
لنفسه ، فيجيزه له المالك ، فأما الغاصب ففي قول أن جميع تصرفاته الحكمية فيها روايتان ، إحداهما : البطلان ، والثانية : الصحة ، وسواء في ذلك العبادات كالطهارة والصلاة والزكاة والحج والعقود كالبيع والإجارة والنكاح.
وفي قول : إطلاق الخلاف غير مقيد بالوقف على الإجازة.
وفي قول : مقيد بها ، فإن أريد بالصحة من غير وقف على الإجازة وقوع التصرف عن المالك وإفادة ذلك للملك له ، فهو الطريق(2/1042)
الثانية في القسم الثاني الذي سبق ذكره ، وإن أريد الوقوع للغاصب من غير إجازة ، ففاسد قطعاً إلا في صورة شرائه في الذمة إذا فقد الماء من المغصوب ، فإن الملك يثبت له فيها ، ولا ينافي ذلك قولنا : إن الربح للمالك ؛ لأنه فائدة ماله وثمرته ، فيختص به ، وإن كان أصل الملك لغيره.
تطبيقات
1 - من فروع ذلك في العبادات المالية : لو أخرج الزكاة عن ماله من مال حرام ، فالمشهور أنه يقع باطلاً ، وحكي عن أحمد أنه إن أجازه المالك ، أجزأته ، وإلا فلا.
(ابن رجب 3/ 447).
2 - لو تصدق الغاصب بالمال ، فإنه لا تقع الصدقة له ولا يثاب عليه.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"لا يقبل الله صلاة بغير طهور ، ولا صدقة من غلول ".
ولا يثاب المالك على ذلك أيضاً لعدم تسببه إليه.
ومن الناس من قال : يثاب المالك عليه ، ورجحه بعض المشايخ ، لأن هذا البر تولد من مال اكتسبه ، فيؤجر عليه وإن لم يقصده ، كما
يؤجر على المصائب التي تولد له خيراً ، وعلى عمل ولده الصالح ، وعلى ما ينتفع به الناس والدواب من زروعه وثماره.
(ابن رجب 3/ 449).
3 - لو غصب شاة فذبحها لمتعته أو قرانه بالحج مثلاً ، فإنه لا يجزئه ، صرح به الأصحاب ، ونص عليه أحمد ، لأن أصل الذبح لم يقع قربة من الابتداء ، فلا ينقلب قربة بعده ، كما لو ذبحها للحمها ثم نوى بها المتعة.
وفي رواية بوقفه على إجازة المالك ، ونص أحمد على الفرق بين أن يعلم أنها لغيره فلا تجزئه ، وبين أن يظنها لنفسه(2/1043)
فتجزئه في رواية ، وسوى كثير من الأصحاب بينهما ، ولا يصح.
(ابن رجب 3/450)
القسم الرابع : التصرف للفير في الذمة دون المال بغير ولاية عليه ، فإن كان بعقد نكاح ففيه الخلاف السابق ، وإن كان ببيع ونحوه مثل أن يشتري له في ذمته ، فطريقان ، أحدهما : إنه على الخلاف أيضاً ، والثاني : الجزم بالصحة ها هنا قولاً واحداً ، ثم إن أجازه المشترى له ملكه ، وإلا لزم من اشتراه ، وهو قول الأكثرين.
وفي قول : يصح بغير خلاف ، لكن هل يلزم المشتري ابتداء أو بعد رد المشترى له ؛ على روايتين.
واختلف الأصحاب : هل يفترق بين أن يسمى المشترى له في العقد أم لا ؟
فمنهم من قال : لا فرق بينهما ، ومن قال : إن سماه في العقد فهو كما لو اشترى له بعين ماله.
(ابن رجب 3/ 451).
القسم الخاص : التصرف في مال الفير بإذنه على وجه تحصل فيه مخالفة الإذن ، وهو نوعان :
النوع الأول : أن تحصل مخالفة الإذن على وجه يرضى به عادة ، بأن يكون
التصرف الواقع أولى بالرضا به من المأذون به من المأذون فيه ، فالصحيح أن يصح اعتباراً فيه بالإذن العرفي.
التطبيقات
1 - ما لو قال له : بعه بمئة ، فباعه بمئتين ، فإنه يصح ، وكذا لو قال له ؛ اشتره بمئة ، فاشتراه بثمانين.
(ابن رجب 3/ 451).
2 - لو قال له : بعه بمئة درهم نسيئة ، فباعه بها نقداً ، فإنه يصح.
(ابن رجب 3/ 453).
3 - لو قال له : بعه بمئة درهم ، فباعه بمئة دينار ، فإنه يصح على الصحيح ، وفيه وجه : لا يصح للمخالفة في جنس النقد.
(ابن رجب 3/ 453).
4 - لو قال : بع هذه الثاة بدينار ، فباعها بدينار وثوب ، أو ابتاع شاة وثوباً(2/1044)
بدينار ، فإنه يصح ، وهو المذهب ، مع احتمال أنه يبطل في الثوب بحصته من الشاة ، لأنه من غير الجنس.
(ابن رجب 3/ 453).
5 - لو أمره أن يشتري له شاة بدينار ، فاشترى شاتين بالدينار ، تساوي إحداهما أو كل واحدة منهما ديناراً ، فإنه يصح لذلك ، فإن باع إحداهما بدون إذنه ، ففيه طريقان ، أحدهما : إنه يخرج على تصرف الفضولي.
والثاني : إنه صحيح وجهاً واحداً ، وهو المنصوص عن أحمد ، لخبر عروة بن الجعد ، ولأن ما فوق الشاة المأمور بها لم يتعين فصار موكولاً إلى نظره وما يراه.
(ابن رجب 3/ 454).
النوع الثاني : أن يقع التصرف مخالفاً للإذن على وجه لا يرتضي به الآذن عادة ، مثل مخالفة المضارب والوكيل في صفة العقد دون أصله ، كان يبيع المضارب نسأَ على القول بمنعه منه ، أو يبيع الوكيل بدون ثمن المثل ، أو يشتري بأكثر منه ، أو يبيع نسأ أو بغير نقد البلد ، وكل ذلك سواء في الحكم ، وللأصحاب ها هنا طرق :
أحدها : إنه يصح ، ويكون المتصرف ضامناً ؛ لأن التصرف مستند أصله إلى إذن صحيح ، وإنما وقعت المخالفة في بعض أوصافه ، فيصح العقد بأصل الإذن ، ويضمن المخالف بمخالفته في صفته ، مع تفصيل في بعض الحالات ، وفي قول : إنه يبطل العقد مع مخالفة التسمية ، لمخالفة صريح الأمر ، بخلاف ما إذا لم يسمَّ ، فإنه إنما خالف دلالة العرف ، وفي قول فيه تفصيل.
الطريقة الثانية : إن في الجميع روايتين ، إحداهما : الصحة والضمان.
والثانية : البطلان ، ويكون تصرفه كتصرف الفضولي سواء.
الطريقة الثالثة : إن في البيع بدون ثمن المثل وغير نقد البلد إذا لم يقدر له الثمن ، ولا عين النقد ، روايتين ، البطلان كتصرف الفضولي ، والصحة ، ولا يضمن الوكيل شيئاً ، وهذه الطريقة بعيدة جداً لمخالفتها التطبيقات التالية ، والتي تعتبر استثناءات لها .(2/1045)
الاستثئاءات من الطريقة الثالثة
1 - المخالفة في المهر : لو أذنت المرأة لوليها أن يزوجها بمهر سمته ، فزوجها بدونه ، فإنه يصح ويضمن الزيادة ، نص عليه أحمد ، وفي رواية أخرى : إنه يسقط المسمى ويلزم الزوج مهر المثل ، وكذا لو لم يُسم المهر ، فإن الإطلاق ينصرف إلى مهر المثل.
ويستثنى من ذلك الأب خاصة ، فإنه لا يلزم في عقده سوى المسمى ، ولو لم تأذن فيه ، أو طلبت تمام المهر ، نص عليه أحمد.
(ابن رجب 3/ 460).
2 - المخالفة في عوض الخلع : إذا خالف وكيل الزوجة بأكثر من مهر المثل ، أو وكيل الزوج بدونه ، ففيه ثلاثة أوجه ، البطلان ، والصحة ، والبطلان بمخالفة وكيله ، والصحة بمخالفة وكيلها ، ومع الصحة يضمن الوكيل الزيادة والنقص.
وهذا الخلاف : من الأصحاب من أطلقه مع تقرير المهر وتركه ، ومنهم من خصه بما إذا وقع التقدير ، فأما مع الإطلاق فيصح الخلع وجهاً واحداً.
وفيه وجهان آخران :
أحدهما : يبطل المسمى ويرجع إلى مهر المثل ، والثاني : يخير الزوج بين قبول العوض ناقصاً ولا شيء له غيره ويسقط حقه من الرجعة ، وبين رده على المرأة ويثبت له الرجعة ، وفي مخالفة وكيل الزوجة وجه آخر : إنه يلزمها أكثر الأمرين من المسمى ومهر المثل.
(ابن رجب 3/ 461).
القسم السادس : التصرف للغير بمال المصرف ، مثل أن يشتري بعين ماله لزيد سلعة ، ففي قول يقع باطلاً رواية واحدة ، ومن الأصحاب من خرجه على الخلاف في تصرف الفضولي ، وهو أصح ؛ لأن العقد يقف على الإجازة ، وتعيين الثمن من ماله يكون إقراضاً للمشترى له ، أو هبة له ، فهو كمن أوجب لغيره عقداً في ماله ، فقبله
الآخر بعد المجلس ، ونص أحمد على صحة مثل ذلك في النكاح ، والصحيح في توجيهها أنها من باب وقف العقود على الإجازة ، فعلى هذا لا فرق بين عقد وعقد ، فكل من أوجب عقداً لغائب عن المجلس ، فبلغه ، فقبله ، فقد أجازه وأمضاه ، ويصح على هذه الرواية.
وفي رواية أخرى : أنه لا يصح إلا في مجلس واحد .(2/1046)
القاعدة : [298]
الصفقة الواحدة : هل تتفرق فيصح بعضها دون بعض أم لا.
فإذا بطل بعضها بطل الكل ؟
التوضيح
الصفقة : هي العقد الذي يتضمن أمرين ، أحدهما جائز وصحيح.
والثاني باطل وممنوع ، وهنا يأتي تفريق حكم الصفقة حسب الأمرين ، أم تبطل بكاملها.
وفيها روايتان ، أشهرهما : أنها تتفرق ، ويترتب على ذلك فروع.
التطبيقات
1 - أن يجمع العقد بين ما يجوز العقد عليه ، وما لا يجوز بالكلية ، إما مطلقاً ، أو في تلك الحال ، فيبطل العقد فيما لا يجوز عليه العقد بانفراده.
وهل يبطل في الباقي ؟
على الروايتين ، ولا فرق في ذلك بين عقود المعاوضات وغيرها ، كالرهن والهبة والوقف ، ولا بين ما يبطل بجهالة عوضه ، كالبيع ، وما لا يبطل كالنكاح.
وقيل : فيه تفصيلات واختلافات أخرى.
(ابن رجب 3/ 463).
2 - أن يكون التحريم في بعض أفراد الصفقة ناشئاً من الجمع بينه وبين الآخر ، فهنا حالتان :
إحداهما : أن يمتاز بعض الأفراد بمزية ، فهل يصح العقد فيه بخصوصه ، أم يبطل في الكل ؛ فيه خلاف ، والأظهر : صحة ذي المزية.
تقرير القواعد.
(ابن رجب 3/ 463).(2/1047)
التطبيقات لهذه الحالة
أ - إذا جمع في عقد بين نكاح أم وبنت ، فهل يبطل فيهما ، أم يصح في البنت لصحة ورود عقدها على عقد الأم من غير عكس ، على وجهين.
(ابن رجب 3/ 463).
ب - أن يتزوج حرّ خائف للعنت غير واجد للطّوَل حرّة تعفه بانفرادها وأمة في عقد واحد ، وفيه وجهان ، أحدهما : يصح نكاح الحرة وحدها ؛ لأن الحرة تمتاز على الأمة بصحة ورود نكاحها عليها فاختصت به.
والثاني : يصح فيهما معأ ؛ لأن له في هذه الحال قبول نكاح كل واحدة منهما على الانفراد ، فيصح الجمع بينهما ، كما لو
تزوج أمة ثم حرّة ، والأول : أصح ؛ لأن قدرته على نكاح الحرة تمنعه من نكاح الأمة ، فمقارنة نكاح الحرة أولى بالمنع.
(ابن رجب 3/ 467).
الحالة الثانية : ألا يمتاز بعض الأفراد عن بعض بمزية ، فالمشهور البطلان في
الكل ، إذ ليس بعضها بأولى من بعض بالصحة ، مثل أن يتزوج أختين في عقد ، أو خمساً في عقد ، فالمذهب البطلان في الكل.
وفي رواية عن أحمد : إذا تزوج أختين في عقد يختار إحداهما.
وتأولها القاضي على أنه يختار بعقد مستأنف ، وهو بعيد ، وخرج
القاضي على الرواية الثانية فيما إذا زوج الوليان من رجلين ووقعا معاً ، إنه يقرع بينهما ، فمن قرع فهي زوجته.
(ابن رجب 3/ 469).
3 - أن تجمع الصفقة شيئين يصح العقد فيهما ، ثم يبطل العقد في أحدهما قبل
استقراره ، فإنه يختص بالبطلان دون الآخر ، رواية واحدة ؛ لأن التفريق وقع هنا دواماً لا ابتداء ، والدوام أسهل من الابتداء ، لكن حكي فيما إذا تفرق المتصارفان عن قبض الصرف ، أنه يبطل العقد فيما لم يقبض ، وفي الباقي روايتا تفريق الصفقة.
وهذا تفريق في الدوام ، إلا أن يقال : القبض في الصرف شرط لانعقاد العقد ، لا لدوامه ، وأن العقد مراعى بوجوده ، فيكون التفريق في الابتداء ، غير أن القاضي حكى الخلاف في تفريق الصفقة في السلم والصرف مع تصريحه في المسألة بأن القبض شرط للدوام دون الانعقاد ، وهذا يقتضي - ولا بد - تخريج الخلاف في تفريق الصفقة دواماً قبل استقرار العقد .(2/1048)
وذكر بعضهم أن مال الزكاة إذا بيع ثم أعسر البائع بالزكاة ، فللساعي الفسخ في قدرها ، فإذا فسخ في قدرها ، فهل ينفسخ في الباقي ؛ يخرج على روايتي تفريق الصفقة.
وهذا تصريح بإجراء الخلاف في التفريق في الدوام ، فإن الفسخ ها هنا بسبب سابق على العقد ، فلا يستقر العقد معه.
وهذا في البيع ونحوه ، وأما في الكاح ، فإن طرأ ما يقتضي تحريم إحدى المرأتين
بعينها ، برذة أو رضاع ، اختصت بانفساخ النكاح وحدها بغير خلاف ، وإن طرأ ما يقتضي تحريم الجمع بينهما ، فإن لم يكن لإحداهما مزية على الأخرى ، بأن صارتا أختين بإرضاع امرأة واحدة لهما انفسخ نكاحهما ، وإن كان لإحداهما مزية بأن صارتا أماً وبنتاً بالارتضاع ، فروايتان ، أصحهما يختص الانفساخ بالأم وحدها إذا لم يدخل بها ، لأن الاستدامة أقوى من الابتداء ، فهو كمن أسلم على أم وبنت لم يدخل بهما.
فإنه يثبت نكاح البنت دون الأم.
(ابن رجب 3/ 470) .(2/1049)
القاعدة : [299]
الماء الجاري ، هل هو كالراكد.
أو كل جرية منه لها حكم الماء المنفرد ؟
التوضيح
الماء الذي يجري كالنهر والساقية إذا وقعت فيه نجاسة ، فما حكمه ؛ هل يتنجس كله كالماء الراكد ؛ أم يعتبر كل جرية أي كل دفعة منه بمثابة ماء جديد مستقل ومنفرد ، فتتنجس الجرية التي وقعت فيها النجاسة ، ويعدُّ ما قبلها ، وما بعدها طاهراً ؟
وهذا فيه خلاف في المذهب ، فإن كانت كل جرية بحكم المنفرد ، فإنه ينجس
بمجرد الملاقاة ما يحيط بالنجاسة فقط ، وينجس بالتغير بلونه أو طعمه أو ريحه ، وإذا كان الماء الجاري كالماء الراكد ، فإن كان قليلاً أي أقل من قلتين ، حوالي 254 كيلو غرامات أو ليترات) فإنه ينجس كله ، وإن كان كثيراً ، أي أكثر مت قلتين ، فلا ينجس إلا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه ، وينبني على الخلاف مسائل وفروع.
التطبيقات
1 - لو وقعت في الماء الجاري نجاسة ، فهل يعتبر مجموعه ؟
فإن كان كثيراً لم ينجس بدون تغيير ، وإلا نجس ، أو تعتبر كل جرية بانفرادها ، فإن بلغت قلتين لم تنجس ،(2/1050)
وإلا نجست ؛ فيه روايتان ، والراجح : أن الماء يعتبر شيئاً واحداً ، والصحيح : أن الماء لا ينجس إلا بالتغير.
(ابن رجب 1/5).
2 - لو غمس الإناء النجس في ماء جار ، ومرت عليه سبع جريات ، فهل ذلك غسلة واحدة أو سبع غسلات ؛ على وجهين ، وظاهر كلام الأصحاب أن ذلك غسلة واحدة ، وكلام أحمد يدل عليه ، وكذلك لو كان ثوباً ونحوه ، وعصره عقب كل جرية.
وصورته : لو كان مع رجل إناء نجس ، وأراد أن يطهره بماء جار.
فإن قلنا : كل جرية غسلة منفردة ، فمتى مرَّ عليه سبع جريات صار طاهراً ؛ لأن كل جرية غسلة.
والجرية تباشر الشيء فإذا مرَّ عليه الماء سبع مرات طهر ، وإذا قلنا : إن الجاري كالراكد ، فلا بدَّ أن يخرج الإناء من الماء ثم يعيدها ، ثم يخرجها ثم يعيدها ، حتى تتم سبع مرات ، كان كان ثوباً نجساً فلا بد على القول الثاني من إخراجه ثم عصره خارج الماء ، وهذا كله مبني على أنه لا بد من سبع غسلات ، والصحيح أنه لا يجب سبع غسلات إلا في سؤر الكلب.
(ابن رجب 1/6).
3 - لو انغمس المحدث حدثاً أصغر في ماء جارٍ للوضوء ، ومرت عليه أربع
جريات متوالية ، فهل يرتفع بذلك حدثه أم لا ؟
عل وجهين ، أشهرهما عند
الأصحاب : أنه يرتفع حدثه ، وقال أبو الخطاب : ظاهر كلام أحمد أنه لا يرتفع حدثه ؛ لأنه لم يفرق بين الجاري والراكد ، بل نص أحمد على التسوية بينهما ، وأنه إذا انغمس في دجلة ، فإنه لا يرتفع حدثه حتى يخرج حدثه مرتباً لكل عضو من أعضاء الوضوء.
(ابن رجب 3/ 8) .(2/1051)
4 - لو حلف لا يقف في هذا الماء ، وكان جارياً ، لم يحنث عند أبي الخطاب
وغيره ؛ لأن الجاري يتبدل ويستخلف شيئاً فشيئاً ، فلا يتصور الوقوف فيه ، وقياس المنصوص أنه يحنث ، لا سيما والعرف يشهد له ، والأيمان مرجعها إلى العرف.
(ابن رجب 3/9) .(2/1052)
القاعدة : [300]
من قدر على بعض العبادة ، وعجز عن باقيها.
هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها ، أم لا ؟
التوضيح
هذه القاعدة المختلف فسها عند الحنابلة تشبه القاعدة السابقة عند الشافعية "الميسور لا يسقط بالمعسور" وسبق بيانها ، مع بعض الأمثلة ، ونبين هذا الخلاف والتفصيل عند الحنابلة ، وأن العبادة على أربعة أقسام ، وهي :
القسم الأول : أن يكون المقدور عليه ليس مقصوداً في العادة ، بل هو وسيلة
محضة إليها ، كتحريك اللسان في القراءة ، وإمرار الموسى على الرأس في الحلق ، والختان لمن ولد مختوناً ، فهذا ليس بواجب ، فيسقط ، لأنه إنما وجب ضرورة للقراءة ، وللحلق وللقطع ، وقد سقط الأصل ، فسقط ما هو من ضرورته.
القسم الثاني : ما وجب تبعاً لغيره ، وهو نوعان :
أحدهما : ما كان وجوبه احتياطاً للعبادة ليتحقق حصولها ، كغسل المرفقين في
الوضوء ، فإذا قطعت اليد من المرفق ، فيجب غسل رأس المرفق على الأشهر ، وفي قول : يستحب .(2/1053)
الثاني : ما وجب تبعاً لغيره على وجه التكميل واللواحق ، مثل رمي الجمار.
والمبيت بمنى لمن لم يدرك الحج ، فالمشهور أنه لا يلزمه ، لأن ذلك كله من توابع الوقوف بعرفة ، فلا يلزم من لم يقف بها.
(ابن رجب 1/ 44).
ومن أمثلة ذلك المريض إذا عجز في الصلاة عن وضع وجهه على الأرض ، وقدر على وضع بقية أعضاء السجود ، فإنه لا يلزمه ذلك على الصحيح ، لأن السجود على
بقية الأعضاء إنما وجب تبعاً للسجود على الوجه وتكميلاً له.
(ابن رجب 1/ 45).
القسم الثالث : ما هو جزء من العبادة وليس بعبادة في نفسه بانفرإده ، أو هو غير مأمور به لضرورة ، فا لأول : كصوم بعض اليوم لمن قدر عليه ، وعجز عن إتمامه ، فلا يلزمه بغير خلاف.
والثاني كعتق بعض رقبة في الكفارة.
فلا يلزم القادر عليه إذا عجز عن التكميل.
(ابن رجب 1/ 45).
القسم الرابع : ما هو جزء من العبادة ، وهو عبادة مشروعة في نفسه ، فيجب فعله عند تعذر فعل الجميع بلا خلاف ، وفيه مسائل :
1 - العاجز عن القراءة يلزمه القيام في الصلاة ؛ لأنه وإن كان مقصوده الأعظم القراءة ، لكنه أيضاً مقصود في نفسه ، وهو عبادة منفردة ، فالقدور لا يسقط بالمحسور.
(ابن رجب 1/ 48).
2 - من عجز عن بعض الفاتحة ، لزمه الإتيان بالباقي.
(ابن رجب 1/ 48).
3 - من عجز عن بعض غسل الجنابة لزمه الإتيان بما قدر منه ؛ لأن تخفيف الجنابة مشروع ، ولو بغسل بعض أعضاء الوضوء ، كما يشرع الوضوء للجنب إذا أراد النوم أو الوطء أو الأكل ، ويستباح بالوضوء اللبث للجنب في المسجد عندنا.
(ابن رجب 1/ 48).
4 - الحدث إذا وجد بعض ما يكفي بعض أعضائه ، ففي وجوب استعماله
وجهان ، ففي وجه لا يجب استثناء من القاعدة ، لأن الحدث الأصغر لا يتبعض رفعه ، فلا يحصل به مقصود ، أو أنه يتبعض لكنه يبطل بالإخلال بالموالاة فلا يبقى له(2/1054)
فائدة ، أو أن غسل بعض أعضاء المحدث غير مشروع بخلاف غسل بعض أعضاء الجنب ، وفي وجه يجب وهو المذهب ، كالجبيرة ، تطبيقاً للقاعدة.
(ابن رجب 1/ 49).
5 - إذا قدر على بعض صاع في صدقة الفطر ، ففي رواية لا يجب ، لأنه كفارة بالمال فلا يتبعض ، كما لو قدر على التكفير بإطعام بعض المساكين ، والصحيح الوجوب ، ويفرق عن الكفارة أن الكفارة بالمال تسقط إلى بدل وهو الصوم بخلاف الفطرة ، وأن الكفارة لا بد من تكميلها لأن المقصود بالتكفير بالمال حصول إحدى المصالح : وهي العتق أو الإطعام أو الكسوة ، وبالتلفيق يفوت ذلك ، وفي الفطرة لا تبرأ الذمة منها بدون إخراج الموجود.
(ابن رجب 1/ 50).(2/1055)
القاعدة : [301]
العين المنغمرة في غيرها ، إذا لم يظهر أثرها.
فهل هي كالعدومة حكمًا ، أو لا ؟
التوضيح
إذا وقعت عين في سائل آخر ، ولم يظهر أش ها في تغيير اللون أو الطعم أو
الرائحة ، فاختلف العلماء في حكمها ، هل هي كالمعدومة فلا تؤثر فيه ، أم تغير حكمه ؟
التطبيقات
1 - الماء إذا استهلكت فيه النجاسة ، فإن كان كثيراً ، سقط حكمها بغير خلاف ، وإن كان يسيراً نفيه رواية بسقوط حكمها ؛ لأن الماء أحالها ؛ لأن له قوة الإحالة فلا يبقى لها وجود ، بل الموجود غيرها ، فهو عين طاهرة ، وفي رواية أن النجاسة موجودة وينجس الماء.
(ابن رجب 1/ 172).
2 - اللبن المشوب بالماء المنغمر فيه ، ففي وجه يثبت به حكم تحريم الرضاع ، وإنما يحرَّم إذا شرب الماء كله ، ولو في دفعات ، ويكون رضعة واحدة ، وفي وجه لا يثبت به تحريم الرضاع ، واختاره صاحب (المغني) وقال : إن هذا ليس برضاع ، ولا في معناه.
(ابن رجب 1/ 173).(2/1056)
3 - لو خلط خمراً بماء ، واستهلك فيه ، ثم شربه ، لم يحد ، هذا هو المشهور ، وسواء قيل بنجاسة الماء أو لا ، وفي وجه عليه الحذ سراء استهلك أو لم يستهلك.
(ابن رجب 1/ 173).
4 - لو خلط زيته بزيت غيره على وجه لا يتميز ، ففي وجه أنه استهلاك ويجب لصاحبه عوضه ، وفي وجه أنه اشتراك بينهما ، وهو المنصوص.
(ابن رجب 1/ 175).
5 - لو وصى له برطل من زيت معين ، ثم خلطه بزيت آخر ، ففيه الوجهان
السابقان ، فإن كان استهلاكاً بطلت الوصية ، وإن كان اشتراكاً لم تبطل الوصية.
(ابن رجب 1/ 177).
6 - لو حلف : لا يأكل شيئاً ، فاستهلك في غيره ، ثم أكله ، فلا يحنث بلا خلاف ؛ لأن مبنى الأيمان على العرف ، ولم يقصد الامتناع عن مثل ذلك ، وقد يخرج فيه وجه بالحنث.
(ابن رجب 1/ 177).
7 - لو اشترى ثمرة ، فلم يقبضها حتى اختلطت بغيرها ، ولم تتميز ، فهل ينفسخ البيع ؛ فيه وجهان.
(ابن رجب 1/ 178).
8 - لو حلف : ألا يأكل حنطة ، فأكل شعيراً فيه حبات حنطة ، ففي حنثه
وجهان ، والراجح يحنث بلا خلاف ، لأن الحب متميز لم يستهلك ، بخلاف ما لو طحنت بما فيها فاستهلكت فإنه لا يحنث.
(ابن رجب 1/ 178).
9 - لو اختلطت دراهمه بدراهم مغصوبة ، فالمنصوص عن أحمد إن كانت الدراهم قليلة ، كثلاثة فيها درهم حرام ، وجب التوقف عنها حتى يعلم ، وإن كانت كثيرة ، كثلاثين فيها درهم حرام ، فإنه يخرج منها درهماً ويتصرف في الباقي ، وفي وجه يحرم الجميع.
(ابن رجب 1/ 178).
10 - لو خلط الوديعة ، وهي دراهم ، بماله ، ولم تتميز ، فالمشهرر الضمان ، لعدوانه حيث فوت تحصيلها ، وفي رواية لا ضمان عليه ؛ لأن النقود لا يتعلق الغرض باعيانها ، بل بمقدارها.
(ابن رجب 1/ 180) .(2/1057)
القاعدة : [302]
عقود الأمانات ، هل تنفسخ بمجرد التعدي فيها ، أم لا ؟
التوضيح
إن عقود الأمانات المحضة ، أو العقود التي تتضمن الأمانة ، كالوديعة والوكالة
والشركة والمضاربة والرهن والإجارة والوصاية ، تعتمد على الثقة بواضع اليد ، وأن يده على مال غيره ستكون بمثابة يد المالك ، ولذلك إذا تلفت العين تحت يده بدون تعدٍّ فإنه لا يضمن باتفاق ، كأنها تلفت في يد مالكها ، والمالك لا يضمن.
لكن إذا تجاوز الأمين ما هو مطلوب منه ومفروض عليه ، وتعدى على مال الغير ، فيصبح ضامناً بسبب التعدي ، ولكن هل ينفسخ العقد بين الطرفين ؟
في المسألة خلاف وتفصيل فإن كانت الأمانة محضة ، فإنها تبطل بالتعدي لمنافاتها لمقصودها الأساسي ، وإن كانت الأمانة متضمنة لأمر آخر فلا تبطل على الصحيح ، وفي قول تبطل.
التطبيقات
الوديعة : إذا تعدى في الوديعة بطلت ، ولم يجز له الإمساك ، ووجب الرد على الفور ؛ لأنها أمانة محضة ، وقد زالت بالتعدي ، فلا تعود بدون عقد متجدد ، هذا هو المشهور وفي قول إذا زال التحدي وعاد إلى الحفظ لم تبطل.
(ابن رجب 1/ 323).
2 - الوكالة : إذا تعدى الوكيل ، فالمشهور أن وكالته لا تنفسخ ، بل تزول أمانته(2/1058)
ويصير ضامناً ، فلو باع بدون ثمن المثل صح ، وضمن النقص ؛ لأن الوكالة إذن في التصرف مع ائتمان ، فإذا زال أحدهما لم يزل الآخر ، هذا هو المشهور.
وفي قول : إن المخالفة من الوكيل تقتضي فساد الوكالة ، لا بطلانها ، فيفسد العقد ، ويصير متصرفاً بمجرد الإذن ، وفي وجه تبطل كالوديعة.
(ابن رجب 1/ 324).
3 - الشركة والمضاربة : إذا تعدى فيهما ، فالمعروف من المذهب أنه يصير ضامناً ، ويصح تصرفه لبقاء الإذن فيه ، وفي وجه تصرفه كالوكالة.
(ابن رجب 1/ 325).
4 - الإجارة : إذا استأجره لحفظ شيء مدة ، فحفظه في بعضها ثم ترك ، ففيها وجهان ، الأصح : لا تبطل الإجارة ، بل يزول الاستئمان ، ويصير ضامناً ، وفي وجه ؛ يبطل العقد ، فلا يستحق شيئاً من الأجرة.
(ابن رجب 1/ 325).
5 - الوصاية : إذا تعدى الوصي في التصرف ، ففي بطلان الوصاية احتمالان.
أحدهما : لا تبطل ، بل تزول أمانته ، ويصير ضامناً كالوكيل.
والثاني : تبطل ؛ لأنه خرج من حيز الأمانة بالتفريط ، فزالت ولايته بانتفاء شرطها ، كالحاكم إذا فسق.
(ابن رجب 1/ 326).(2/1059)
القاعدة : [303]
الواجب بالنذر ، هل يلحق بالواجب بالشرع ، أو بالمندوب ؟
التوضيح
الواجب إما أن يجب بالشرع ، وله أحكامه وآثاره ، وإما أن يوجبه المكلف على نفسه بالنذر.
فإذا أوجب المكلف نفسه بشيء ، فيختلف الحكم في آثار المنذور ، هل يكون
كالواجب بالشرع ، أم يعامل كالمندوب ؛ فيه خلاف عند الحنابلة.
التطبيقات
1 - الأكل من أضحية النذر ، فيه وجهان ، والصحيح الجواز كالأضحية المندوبة التي يجوز له الأكل منها.
(ابن رجب 2/ 394).
2 - فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي ، فيه وجهان ، أشهرهما الجواز.
(ابن رجب 2/ 394).
3 - نذر الصيام أيام التشريق ، فيه وجهان ، والراجح المنع كنذر المعصية ؛ لأن الالتزام بالنذر هو التطوع المطلق ، وليس المعصية.
(ابن رجب 2/ 395).
4 - لو نذر صلاة ، فهل يجزئه ركعة كالوتر ، أو لا بدَّ من ركعتين ؛ على روايتين ، والظاهر أنه يلزمه ركعتان ، لأنه المتبادر للذهن.
(ابن رجب 3/ 395) .(2/1060)
5 - لو نذر صوم شهر ، فجنَ فيه ، لم يلزمه قضاؤه على الأصح ، وليس كذلك إذا جن جميع رمضان.
(ابن رجب 2/ 396).
6 - لو نذر أن يصوم يوم يقدم فلان ، فقدم في أثناء النهار ، وهو ممسك.
فصامه ، أجزأه على الأصح كالمندوب ، وفي رواية يلزمه قضاؤه.
(ابن رجب 2/ 396).(2/1061)
القاعدة : [304]
من خُيِّر بين شيئين ، وأمكنه الإتيان بنصفيهما معًا.
فهل يجزئه ، أم لا ؟
التوضيح
خير الشرع في القرآن والسنة بين حكمين فأكثر ، والمكلف يختار الفعل الأول ، أو الثاني ، كالخيار في كفارة اليمين بين إطعام عثرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة ، فإن فعل نصف الأول ونصف الثاني ، فهل يجزئه ذلك ؟
فيه خلاف عند الحنابلة.
التطبيقات
1 - أعتق في الكفارة نصفي رقبتين ، فيها وجهان ، وقيل : إن كان باقيها حرًّا أجزأ وجهاً واحداً لتكميل الحرية به.
(ابن رجب 2/ 398).
2 - لو أخرج في الزكاة نصفي شاتين ، أو أهدى للحرم نصفي شاتين ، فالراجح الجواز ، لأن المقصود من الهدي اللحم ، ولهذا أجزأ فيه شقص من بدنة.
(ابن رجب 2/ 398).
3 - لو أخرج الجبران في زكاة الإبل شاة وعشرة دراهم ، ففيه وجهان.
(ابن رجب 2/ 398) .(2/1062)
4 - لو كفر بيمينه بإطعام خمسة مساكين ، وكسوة خمسة مساكين ، فإنه يجزئ على المشهور ، وفيه وجه في زكاة الفطر.
(ابن رجب 2/ 398).
5 - لو أخرج في الفطرة صاعاً من جنسين ، فالمذهب الإجزاء.
(ابن رجب 2/ 398).
6 - لو كفر في محظورات الحج بصيام يوم وإطعام أربعة مساكين ، وذلك في فدية الأذى (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) ، فالصيام ثلاثة أيام ، والإطعام لستة مساكين ، فالأظهر منعه.
(ابن رجب 2/ 399).
المستثنى
لو أخرج عن أربع مئة من الإبل أربع حقاق ، وخمس بنات لبون ، جاز بغير
خلاف ، لأنه عمل بمقتضى
"في كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة"
ففي مئتين أخرج الحقاق ، وفي مئتين أخرج بنات لبون.
(ابن رجب 2/ 400) .(2/1063)
القاعدة : [305]
الرضا بالمجهول قدرًا ، أو جنسًا ، أو وصفًا.
هل هو رضًا معتبر لازم ؟
التوضيح
إذا رضي شخص ، أو عزم على أمر مجهول ، من ناحية القدر ، أو الجنس ، أو الوصف ، وكان الالتزام بعقد أو فسخ ، صح الإبهام بالنسبة إلى الأنواع ، أو الأعيان التي ترد عليه ، وصح الرضا به ولزم بغير خلاف ، وإن كان غير ذلك ففيه خلاف.
التطبيقات
1 - أن يحرم بمثل ما أحرم به فلان ، أو بأحد الأنساك ، صح.
(ابن رجب 2/ 413).
2 - إذا طلق إحدى زوجاته ، صح ، وتعين بالقرعة على المذهب.
(ابن رجب 2/ 413).
3 - إذا أعتق أحد عيده ، صح ، ريعين بالقرعة على الصحيح.
(ابن رجب 2/ 413).
4 - إذا طلق بلفظ أعجمي من لا يفهم معناه ، والتزم موجبه عند أهله ، ففي لزوم الطلاق وجهان ، والمنصوص أنه لا يلزمه.
(ابن رجب 2/ 414).(2/1064)
5 - إذا قال لامرأته : أنت طالق مثل ما طلق فلان زوجته ، ولم يعلم عدده ، فهل يلزمه مثل طلاق فلان بكل حال ، أو لا يلزمه أكثر من واحدة ؟
فيه وجهان.
(ابن رجب 2/ 414).
6 - البراءة من المجهول تصح مطلقاً في أشهر الروايات ، سواء جهل المبرئ قدره أو وصفه ، أو جهلهما معاً ، وسواء عرفه المبرئ أو لم يعرفه.
(ابن رجب 2/ 416).
7 - إجازة الوصية المجهولة ، في صحتها وجهان.
(ابن رجب 2/ 417).
8 - البراءة من عيوب المبيع إذا لم يعين منها شيء.
فيها وجهان ، الأشهر لا يبرأ.
(ابن رجب 2/ 417) .(2/1065)
الباب العاشر
القواعد المختلف فيها في فروع المذهب الحنفي
لم يذكر علماء الحنفية هذا العنوان للقواعد المختلف فيها بين علماء المذهب
الحنفي ، ولم يتنبه لها العلامة ابن نجيم رحمه الله تعالى ، ولكن ورد مضمونها في كتاب (تأسيس النظر) للإمام عبيد الله بن عمر الدَّبُّوسي الحنفي ، وهو يتكلم على أصول مسائل الخلاف ، وسر منشأ الخلاف ، ومعرفة مأخذ أدلة الأئمة لاستنباط الأحكام ، وعرضها بعنوان (الأصل) ولذلك أخرناها إلى الباب العاشر ، وقسَّمها إلى ثمانية أقسام ، خمسة منها لبيان الخلاف بين أئمة الحنفية ، وثلاثة لبيان الخلاف بين الحنفية وسائر المذاهب .(2/1067)
ونقتبس بعض هذه القواعد ، بعنوان (الأصل) ، ونذكر بعض التطبيقات
الفقهية والفروع لها ، وغالبها ضوابط كل منها في باب واحد من أبواب الفقه ، كالصلاة ، والحج ، والطهارة وغيرها .(2/1068)
القاعدة : [306]
الأصل أن ما غيَّر الفرض في أوله غيَّره في آخره
التوضيح
إن الفرض له أعمال كثيرة ، وفي مقدمتها النية ، ويكون العمل حسب النية ، فإن تغيرت النية تغير العمل ، فإن حصل تغيير النية في آخر العمل ، فإنه يتغير عند أبي حنيفة خلافاً لصاحبيه أبىِ يوسف ومحمد ، مثل نية الإقامة للمسافر ، واقتداء المسافر بالمقيم ، وينبني على ذلك مسائل كثيرة.
التطبيقات
1 - المتيمم : إذا أبصر الماء في آخر صلاته بعدما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم فاته تفسد صلاته عنده ؛ لأنه لو حصلت الرؤية في أول الفرض غيره ، فكذلك إذا حصلت فِى آخره ، وعندهما لا تفسد.
(الدَّبُّوسي ص 6).
2 - العريان : إذا أصاب ثوباً ، أو مقدار ما يستر عورته بعدما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم ، فسدت صلاته عند أبي حنيفة ، كالمتيمم ، وعندهما لا تفسد صلاته ، لأنه يكون بحكم المنتهي.
(الدَّبُّوسي ص 6).
3 - المرأة : إذا قامت بجنب الرجل في آخر صلاته أفسدت صلاته عند أبي حنيفة ، وعندهما لا تفسد.
(الدَّبُّوسي ص 7) .(2/1069)
4 - الخف : إذا انقضت مدة المسح على الخفين ، أو سقط الخف من رجله ولو بغير فعله ، بعدما قعد قدر التشهد ، وقبل أن يسلم ، فسدت صلاته عند أبي حنيفة ، وعندهما لا تفسد.
(الدَّبُّوسي ص 7).
5 - العاجز : إذا قدر على الركوع والسجود بعدما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم ، فتفسد صلاته عند أبي حنيفة ، وعندهما لا تفسد.
(الدَّبُّوسي ص 7).
6 - المرأة : إذا حاضت بعدما قعدت قدر التشهد فسدت صلاتها عند أبي حنيفة ، وعندهما لا تفسد.
(الدَّبُّوسي ص 7).
7 - من كان في صلاة الفجر ، وطلعت عليه الشمس بعدما قعد قدر التشهد وقبل أن يسلم فسدت صلاته عند أبي حنيفة ، وعندهما لا تفسد.
(الدَّبُّوسي ص 7) .(2/1070)
القاعدة : [307]
الأصل أن المحرم إذا أخر النسك عن الوفت المؤقت له
أو قدَّمه لزمه دم
التوضيح
إن كثيراً من مناسك الحج مؤقتة بوقت محدد ، فإذا أخرها المحرم عن وقتها المحدد ، أو قدَّمها لزمه دم عند أبي حنيفة ، كمن جاوز الميقات بغير إحرام ، ثم أحرم ، وعند الصاحبين لا يلزمه دم ، وفيه مسائل.
1 - إذا أخر طواف الزيارة حتى مضت أيام النحر لزمه الدم عند أبي حنيفة ؛ لأنه أخر النسك عن الوقت المؤقت له ، وعندهما لا دم عليه.
(الدَّبُّوسي ص 8).
2 - من ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر حتى يطلع الفجر من اليوم الثاني من أيام النحر ، لزمه دم عند أبي حنيفة ، وعندهما لا دم عليه.
(الدَّبُّوسي ص 8).
3 - إذا أخر المحرم الحلق عن أيام النحر ، لزم عليه دم عند أبي حنيفة ، وعندهما لا دم عليه.
(الدَّبُّوسي ص 8) .(2/1071)
4 - من أخر إراقة دم المتعة أو القران حتى مضت أيام النحر ، لزمه دم لتأخيره عن وقت التقديم ، لا التأخير ، عند أبي حنيفة ، وعندهما لا دم.
(الدَّبُّوسي ص 8) .(2/1072)
القاعدة : [308]
الأصل أن الشيء إذا غلب عليه وجوده فيجعله كالموجود حقيقة
التوضيح
إن الأخذ بالغالب معهود بالشرع ، فإذا كان الشيء يغلب وجوده في حالات
فيجعل كالموجود حقيقة عند أبي حنيفة ، وإن لم يوجد ، كالحدث من النائم المضجع ؛ لأنه كلب وجوده ، فجعل كالموجود وإن لم يوجد ، وعندهما لا يعتبر موجوداً حتى يوجد حقيقة ، ولذلك مسائل.
التطبيقات
1 - من صلى في السفينة ، وهو يخاف على نفسه دوران رأسه جازت صلاته جالساً عند أي حنيفة لهذا المعنى ؛ لأن الغالب من السفينة دوران الرأس ، فجعل كالموجود حقيقة وإن لم يوجد ، وعندهما لا تجوز صلاته جالساً إلا إذا وجد فى وران الرأس.
(الدَّبُّوسي ص 9).
2 - إن الغلام إذا بلغ خمساً وعشرين سنة ، ولم يؤنس منه الرشد ، فإنه يدفع إليه ماله حتى يتصرف فيه عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يدفع إليه ماله حتى يؤنس منه الرشد ، لقوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)..
(الدَّبُّوسي ص 9) .(2/1073)
3 - إن الغلام إذا لم يحتلم يحكم ببلوغه ، في ظاهر الرواية ، إذا بلغ تسع عشرة سنة ، وفي الجارية سبع عشرة سنة ، لأن الغالب أن من كان من أهل الاحتلام احتلم إذا بلغ هذه المدة ، فإذا لم يبلغ يجعل كالموجود حقيقة وإن لم يوجد عند أبي حنيفة.
وفي رواية إذا بلغ ثماني عشرة سنة لهذه العلة والجارية سبع عشرة سنة ، وعندهما ببلوغهما خمس عشرة سنة.
(الدَّبُّوسي ص 9).
4 - إن الزوجين إذا ماتا ، واختلف ورثتهما في بقاء المهر ، فلا يقضى بشيء على ورثة الزوج عند أبي حنيفة ، لأن الغالب أن المهر لا يبقى في ذمة الزوج إلى ما بعد موتهما ، ولكن تحصل البراءة منه بوجه من الوجوه ، فيجعل كالموجود حقيقة وإن لم يوجد ، وعندهما يقضى بمهر المثل.
(الدَّبُّوسي ص 9).
5 - إذا باشر المتوضئ زوجته مباشرة فاحشة بانتشار ، ولم يحصل منه شيء من البلل انتقض وضوءه ؛ لأن الظاهر أن المرء إذا بلغ هذا المبلغ ، ولم يكن بينهما حاجز ، يخرج منه شيء ، ويوجد منه وديّ ، فيجعل كالموجود حقيقة وإن لم يوجد عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد لا ينقض حتى يوجد منه شيء.
(الدَّبُّوسي ص 9).
6 - قدروا مدة للمفقود بمئة وعشرين سنة من وقت مولده عند أبي حنيفة ؛ لأن الغالب أن الإنسان لا يعيش أكثر من هذا ، فيجعل كالموجود حقيقة وإن لم يوجد ، وقدره أبو يوسف ومشايخ بلخ بمئة سنة.
(الدَّبُّوسي سنة 9).
7 - قدروا مدة الآيسة بستين سنة ، لأن الغالب أن المرأة إذا بلغت ستين سنة فإن العادة الشهرية تنتهي ، فيجعل كالموجود حقيقة ، وإن لم يوجد.
(الدَّبُّوسي سنة 10).(2/1074)
القاعدة : [309]
الأصل متى عرف ثبوت الشيء فهو على ذلك ما لم يتيقن خلافه
التوضيح
هذا الأصل عند أبي حنيفة كالقاعدة السابقة " اليقين لا يزول إلا بيقين "
فمتى عرف ثبوت الشيء عن طريق الإحالة والتيقن لأي معنى كان فهو على ذلك ما لم يتيقن خلافه ، كمن تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو على طهارته ، وكمن تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على الحدث ما لم يتيقن الطهارة وفيه مسائل كثيرة.
التطبيقات
1 - إن القول في بيان خروج وقت الظهر عند أبي حنيفة أنه لا يحكم بخروجه
ودخول وقت العصر ما لم يصر ظل كل شيء مثليه ، لأنا عرفنا يقيناً كون الوقت مستحقاً للظهر ، وشككنا في خروج وقته ودخول وقت العصر ، فلا يحكم إلا بيقين ، ولا يقين إلا بعد صيرورة ظل كل شيء مثليه ، وعندهما إذا صار ظل كل شيء مثله يحكم بخروج وقت الظهر ودخول وقت العصر ، وهو قول الشافعي للحديث الصحيح.
(الدَّبُّوسي سنة 10)(2/1075)
2 - من طلق امرأته ، وله منها أبن ، وانقضت عدتها ، ثم تزوجت بآخر ، فحبلت من الثاني ، ثم أرضعت صبياً ، فالرضاع يحصل من الزوج الأول عند أبي حنيفة ، لأنه عرف كون الابن من الزوج الأول من طريق الإحاطة واليقين ، فلا نحكم بانقطاعه إلا بيقين مثله ، ولا يقين هها إلا بعد ولادتها من الثاني ، وعند أبي يوسف إذا ازداد اللبن من الحبل فهو من الثاني ، ويحكم بانقطاعه من الأول ، وإذا لم يزد اللبن فهو من الأول ، وعند محمد يكون منهما جميعاً.
(الدَّبُّوسي سنة 10)
3 - من تزوج امرأة على ألف درهم أو ألفين ، ومهر مثلها ألف وخمس مئة فلها مهر مثلها عند أبي حنيفة ؛ لأن العقد يوجب مهر المثل من طريق الإحاطة واليقين ، فلا يحط عنه إلا بيقين مثله ، ولا يقين هنا ؛ لأن كلمة (أو) للشك أو للتخيير ممن له الخيار وهو مجهول ، وعند أبي يوسف : الخيار إلى الزوج يعطيها أي المالين شاء.
4 - إذا قال لامرأته : أنت طالق إذا لم أطلقك ، أو إذا لم أطلقك فأنت طالق ، ولم يكن له نية ، فيقع الطلاق عند أبي حنيفة في آخر جزء من أجزاء الحياة بلا فصل ؛ لأن كلامه يحتمل أن يكون عبارة عن الوقت احتمالاً على السواء ، وقد تيقنا بقاء ملكه عليها من طريق الإحاطة واليقين ، ووقع الشك في زوال اللك في الحال ، فلا يحكم بزواله إلا بيقين مثله ، ولا يقين في زوال اللك ، فيقع الطلاق في آخر جزء من أجزاء
حياته يقيناً ، وعندهما "إذا" للوقت فيقع الطلاق للحال ، كما إذا قال : أنت طالق متى لم أطلقك ، ومتى ما لم أطلقك.
(الدَّبُّوسي سنة 11)
5 - إذا قال : لفلان عينَ من درهم إلى عشرة دراهم ، فلا يلزمه إلا تسعة عند أبي حنيفة ؛ لأنا تيقنا كون العاشر مملوكاً له ، وشككنا في الزوال ، وعندهما يلزمه عشرة دراهم ، وتدخل الغايتان جميعاً عندهما.
(الدَّبُّوسي ص 12).
6 - إن العصير إذا غلى أدق غليان ، ولم يقذف بالزبد ، فإنه يحل شربه عند أبي حنيفة ؛(2/1076)
لأنا تيقنا كونه حلالاً ، ولا يترك اليقين بالشك ، وعندهما لا يحل شربه.
(الدَّبُّوسي ص 13).
7 - إن الخمر إذا دخلها حموضة لا يحل شربها عند أبي حنيفة ، لأنا تيقنا كونها حراماً ، وشككنا في ثبوت الحل ، فلا يترك اليقين بالشك ، وعندهما يحل شربها ، لأن الحموضة دليل أنها صارت خلاً.
(الدَّبُّوسي ص 13) .(2/1077)
القاعدة : [310]
الأصل أن العقد إذا دخله فساد قوي مجمع عليه
أوجب فسادَه شاع في الكل
التوضيح
يتضمن العقد الصحيح أركاناً وشروطاً ، وقد يطرأ فساد على أحد شروطه ، فإن كان قوياً متفقاً عليه وأنه يوجب فساد العقد ، فإن الفساد يشيع في الكل عند أبي حنيفة ، كما لو باع سيارتين في صفقة واحدة بألف درهم ، ثم ظهر أن إحدى السيارتين تالفة ، فسد العقد كله لهذا المعنى ، وعند صاحبيه يجوز في حصة السيارة ، وفيه مسائل ، وهذا يشبه تفريق الصفقة التي سبق بيانها عند الشافعية ، وأن الأصح فيها التفريق كالصاحبين.
التطبيقات
1 - إذا أسلم الرجل حنطة في شعير وزيت لم يجز عند أبي حنيفة هذا السلم في الكل ؛ لأن فساد سلم الحنطة في الشعير قوي مجمع عليه ، فثاع في الكل ، وعندهما يجوز في حصة الزيت.
(الدَّبُّوسي ص 16).
2 - إذا اشترى الرجل حلياً فيه جواهر يمكن امتيازه من غير ضررِ بدينار نسيئة ، فالعقد فاسد في الكل عند أبي حنيفة ، وعندهما جاز في حصة الجوهر.
(الدَّبُّوسي ص 16) .(2/1078)
3 - خرج الفقهاء على قول أبي حنيفة : فيمن باع درهماً على أن يأخذ بنصفه فلوساً وبنصفه نصفاً إلا حبة ، فسد الكل عند أبي حنيفة في الكل ، وعندهما جائز في حصة الفلوس.
(الدَّبُّوسي ص 16).
4 - إذا اشترى خاتماً ، وفيه فص من جوهر يمتاز من غير ضرر بدينارِ نقد ونسيئة ، فالعقد فاسد في الكل عند أبي حنيفة ، وعندهما جائز في حصة الجوهر.
(الدَّبُّوسي ص 17).
5 - لو باع شاتين مسلوختين ، إحداهما متروك التسمية عمداً ، فسمى لكل واحد منهما ثمناً ، فسد العقد في الكل عند أبي حنيفة ، وعندهما يصح في الحصة التي سمى عليها ، ولا يجوز في حصة الآخر.
(الدَّبُّوسي ص 17).
6 - إذا اشترى عشرة أقفزة من الحنطة ، وعشر من الغنم ، كل قفيز وكل شاة بعشرة ، فوجد الغنم تسعاً ، لم يجز البيع في الكل عند أبي حنيفة ، وعندهما يجوز في تسعة أقفزة وتسع من الغنم.
(الدَّبُّوسي ص 17).
7 - إذا باع الرجل من الرجل داراً بفنائها ، لم يجز البيع في الكل عند أبي حنيفة ، لأنه فسد في حصة الفناء ، فشاع في الكل ، وعندهما جائز في الدار.
(الدَّبُّوسي ص 17).
8 - إذا دفع الرجل أرضاً إلى رجلين مزارعةً على أن الخارج بين رب الأرض
وبينهما أثلاثاً ، وعلى أن لأحد العاملين على رب الأرض مئة درهم ، فعلى قياس قول أبي حنيفة لا يجوز ، وعندهما جائزة بينه وبين الذي لم يشترط له الدارهم.
(الدَّبُّوسي ص 18).
المستثنى
لو قالت امرأة لزوجها : طلقني ثلاثاً على ألف درهم ، وهي في عدة منه في تطليقة رجعية ، فإنه يقع تطليقتان عند أبي حنيفة ، لأنها أضافت الألف إلى ما يقبل البدل وإلى ما لا يقبل البدل ، فالعبرة لما يقبل البدل.
(الدَّبُّوسي ص 18) .(2/1079)
القاعدة : [311]
الأصل أن من جمع في كلامه بين ما يتعلق به الحكم.
وما لا يتعلق به الحكم ، فلا عبرة لما لا يتعلق به الحكم
التوضيح
هذه القاعدة تجمع بين أمرين ، وهي كحالة تفريق الصفقتين ، لكن الحكم فيها
كالاستثناء من القاعدة السابقة ، فيعطى الكل لما يتعلق به الحكم ، عند أبي حنيفة.
والعبرة لما يتعلق به الحكم ، وما لا يتعلق به الحكم فكأنه لم يذكر في الكلام ، وعندهما يفرق الكلام على الأمرين ويوزع الحكم على القسمين ، فيصح في جانب ويبطل في جانب ، وفيه مسائل.
التطبيقات
1 - إذا قال لفلان عليَّ ألف درهم ولهذا الحائط ، لزمه الألف كلها عند أبي
حنيفة ؛ لأن الكلام لم يتناول الحائط ، وعندهما يلزمه النصف.
(الدَّبُّوسي ص 18).
2 - لو أوصى بثلث ماله لحي وميت ، فالثلث كلُّه للحي عنده ، وتابعه محمد ، سواء علم بموته أو لم يعلم ، وقال أبو يوسف : إن علم بموته فكذلك ، وإن لم يعلم فله نصف الثلث.
(الدَّبُّوسي ص 18).(2/1080)
3 - إذا قال لفلان في كثر حنطة وكثر شعير ، إلا كر حنطة وقفيز شعير لم يصح استئناؤه في قفيز الشعير عنده ، لأنه لم يتعلق بقوله إلا كرّ حنطة ، فصار بمنزلة السكتة ، وعندهما يصح استئناؤه في قفيز الشعير.
(الدَّبُّوسي ص 19).
4 - إذا قال لامرأته : أنت طالق ثلاثاً ، أو واحدة إن شاء الله ، لا يصح
استئناؤه ، اويقع الطلاق عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يقع.
(الدَّبُّوسي ص 19).(2/1081)
القاعدة : [312]
الأصل أن ما يعتقده أهل الذمة ويدينون عليه يتركون عليه.
وعندهما لا يتركون
التوضيح
أمر الله ترك أهل الذمة على عقيدتهم ، وعلى الأمور التي يتدينون عليها ، فالأصل أن يتركوا كذلك عند أبي حنيفة ، وعند الصاحبين لا يتركون في غير أمور العقيدة على ما يدينون عليه إذا كان مخالفاً للشريعة الإسلامية.
التطبيقات
1 - إذا تزوج الذمي امرأة ذمية في عدة زوج ذمي فيتركان عند أبي حنيفة ، وعندهما يفرق بينهما.
(الدَّبُّوسي ص 19).
2 - إذا تزوج الذمي ذات رحم مَحْرَم منه ، فلا يفرق بينهما ما لم يترافعا إلى حاكم المسلمين عند أبي حنيفة ، وعندهما إذا رفع أحدهما يفرق.
(الدَّبُّوسي ص 19).
3 - إذا تزوج المجوسي أمه ودخل بها ثم أسلم وقذفه إنسان بالزنا يحدُّ قاذفه عند أبي حنيفة ، لأنهما عنده كانا يقران على ذلك ، فلم يكن الدخول بها زناً ، فيحد قاذفه ، وعندهما لا يحد.
(الدَّبُّوسي ص 20).
4 - إذا تزوج المجوسي ذات رحم محرم منه لزمته النفقة عنده ؛ لأنهما يقران على(2/1082)
ذلك ، وعندهما لا نفقة عليه ؛ لأنهما لا يقرإن على ذلك العقد.
(الدَّبُّوسي ص 20).
5 - إذا تزوج الذمي ذمية على أن لا مهر لها جاز العقد عند أبي حنيفة ، ولا مهر لها ، وإن أسلما ، وعندهما يجب لها مهر مثلها إذا أسلما ، وأن طلقها قبل الدخول وجب لها المتعة.
(الدَّبُّوسي ص 20).(2/1083)
القاعدة : [313]
الأصل أن من أخبر بخبر ، ولصدق خبره علامة ، لا يقبل قوله إلا
ببيان تلك العلامة ، فإنه يؤمر بإظهارها
التوضيح
إن الخبر يحتمل الصدق والكذب ، ولذلك يحتاج إلى دليل أو دعم أو قرينة ترجح جانب الصدق لقبوله ، فإذا كان الخبر يعتمد على علامة فلا يقبل إلا إذا بين صاحبه تلك العلامة ، كمن ادعى على آخر شخه ، فإنه يؤمر بإظهار تلك الشجة ، والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - :
"لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم.
ولكن اليمين على المدعى عليه"
وفي رواية "ولكن البينة على المدَّعي واليمين على من أنكر"
ولذلك يحتاج البيان إلى دليل وحجة ليقبل.
وفي ذلك مسائل مختلف فيها بين الإمام وصاحبيه.
التطبيقات
1 - إن ولي الصغير أو الصغيرة إذا أخبر بنكاح سابق ، لا يقبل قوله عند أبي حنيفة رحمه الله إلا بالبينة ، لأن لصدق خبره علامة ، وهي البينة ، ولا يقبل قوله ما لم تثبت تلك العلامة ، وعندهما يقبل قوله من غير بينة.
(الدَّبُّوسي ص 20).(2/1084)
وكذلك وكيل الرجل ، أو دليل المرأة ، إذا أخبر بنكاح سابق ، والموكِل منكر ، لا يقبل قوله عد أبي حنيفة إلا ببينة ، وعندهما يقبل.
(الدَّبُّوسي ص 20).
2 - إذا شهد شاهدان على رجل يشرب الخمر فلا تقبل شهادتهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، ما لم يوجد منه رائحة الخمر ، لأن لصدق خبرهما علامة ، وعند محمد تقبل بدون اشتراط وجود رائحة الخمر ، ويحد.
(الدَّبُّوسي ص 20).
3 - إذا قال صاحب المال : دفعت الزكاة إلى مصدق غيرك ، وكان في تلك السنة مصدق آخر غيره ، لا يقبل قوله في رواية عند أبي حنيفة ، حتى يأتي بالعلامة ؛ لأنه إخبار ، فيكون لصدق خبره علامة ، وهي البراءة ، وفي ظاهر الرواية يقبل قوله من غير براءة.
(الدَّبُّوسي ص 20).(2/1085)
القاعدة : [314]
الأصل أن سبب الإتلاف متى سبق ملك المالك فإنه لا يوجب
الضمان على المتلف لمن حدث الملك له
التوضيح
إن الإتلاف للضمان على المتلِف لتعويض المالك ، فإن كان سبب الملك متأخراً ، وسبب الضمان سابقاً له ، فلا يضمن المتلِف لمن حدث الملك له لاحقاً عند أبي حنيفة ، كمن تطع يد عبد ، فباعه المالك ، ثم ص ى الجرح إلى النفس في يد المشتري بسبب القطع السابق ، فلا ضمان على الجاني لا للبائع ، ولا للمشتري.
وفيه مسائل.
التطبيقات
1 - إذا اشترى رجلان ابن أحدهما فإنه يعتق على الأب ، ولا يضمن الأب عند أبي حنيفة ؛ لأن سبب الإتلاف سبق ملك المشترى فيه ، وهي القرابة ، وعندهما يضمن ، وكذلك إذا وهب لهما ابن أحدهما ، أو أوصي لهما بابن أحدهما ، فيحتق ولا يضمن الأب عند أبي حنيفة ، ويضمن عندهما.
(الدَّبُّوسي ص 21).
2 - إذا باع رجل نصف عبده من أب العبد ، فيعتق عليه ، ولا ضمان على الأب عند أبي حنيفة ؛ لأن سبب الضمان سبق ملك الأب فيه ، وهي القرابة ، وعندهما يضمن نصف قيمته إن كان موسراً.
(الدَّبُّوسي ص 21) .(2/1086)
3 - إذا غصب رجلان ابن أحدهما ، وغرما القيمة ، فإنه يعتق ، ولا ضمان على الأب عند أبي حنيفة ، لأن سبب الإتلاف سبق ملك المالك فيه ، وعندهما يضمن.
(الدَّبُّوسي ص 21) .(2/1087)
القاعدة : [315]
الأصل أن الإذن المطلق إذا تعرَّى عن التهمة والخيانة لا يختص بالعرف
التوضيح
إذا كان الإذن بالتصرف مطلقاً ؛ وغير مقيد بمقدار ، أو بزمان ، أو بمكان ، فيبقى على إطلاقه عند أبي حنيفة ، ولا يخصص بالعرف عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وعندهما يخصص بالعرف.
وفيه مسائل.
التطبيقات
1 - الوكيل وكالة مطلقة إذا باع بما عز وهان ، وبأي ثمن كان ، جاز عند أبي حنيفة ؛ لأن الإذن مطلق ، والتهمة منتفية ، فلا يختص الثمن بالعرف ، وعندهما يختص بأن يكون الثمن حسب العرف العتاد.
(الدَّبُّوسي ص 21).
2 - المودع إذا سافر بالوديعة جاز له ذلك عند أبي حنيفة إذا كان الطريق آمناً ، سواء كان للوديعة حمل ومؤنة أم لم يكن لها ، وعندهما : إن لم يكن لها حمل ومؤنة له ذلك ، وإن كان لها حمل ومؤنة لم يجز له ذلك.
(الدَّبُّوسي ص 21) .(2/1088)
3 - إذا وكل الرجل وكيلاً لشراء جارية له ، وحمى له جنساً ، ولم يسم له ثمنها وصفتها ، فاشترى عمياء ، أو مقطوعة اليدين أو الرجلين بثمن يساوي ذلك ، جاز عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يجوز ، ولو أنه اشترى جارية مقطوعة إحدى اليدين أو إحدى الرجلين جاز بالاتفاق.
(الدَّبُّوسي ص 22).
4 - إذا وكل المطلوب بالقصاص وكيلاً بالصلح ، ولم يسم له شيئاً ، فصالح وزاد على الدية جاز الصلح على القليل أو الكثير عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يجوز إلا أن يكون النقص بمقدار يتغابن الناس بمثله.
(الدَّبُّوسي ص 22).
وكذا لو وكل الطلوب بالقصاص وكيلاً بالصلح فصالح وزاد على الدية ، فإن ضمن جاز ، وإن لم يضمن لم يجز.
(الدَّبُّوسي ص 22).
5 - إن الوكيل بالنكاح إذا زاد في مهر المرأة زبادة لا يتغابن الناس في مثلها جاز عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يجوز إلا بما يتغابن الناس في مثلها ، وكذا الوكيل بالخلع.
(الدَّبُّوسي ص 23).
6 - إن الوكيل بالنكاح وكالة مطلقة إذا زوَّج من الموكِل امرأة لا تليق فيه ، جاز عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يجوز.
(الدَّبُّوسي ص 23).
7 - إذا أعار أحد المتفاوضين في شركة المفاوضة متاعاً لآخر ليرهنه ، جاز عند أبي حنيفة عليهما ، وعنده يجوز عليه خاصة.
(الدَّبُّوسي ص 23).
8 - إذا كفل أحد المتفاوضين آخر ، فتجوز كفالته على نفسه وعلى شريكه عند أبي حنيفة ، وعندهما لا تجوز على شريكه.
(الدَّبُّوسي ص 23) .(2/1089)
9 - وكل شخص وكيلاً بأن يؤاجر داره مطلقاً ، فأجرها الوكيل لمدة عشر سنين أو أكثر ، جاز عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يجوز.
(الدَّبُّوسي ص 23).
10 - إذا باع الشريك المضارب ، أو أحد شريكي العنان أو المفاوضة بمحاباة قليلة أو كثيرة جاز عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يجوز إلا بما يتغابن الناس في مثله ، لكن إن اشترى بغبن فاحش لا يتغابن الناس في مثله فلا يجوز بالاتفاق ، وكذا إذا باع الوصي أو الأب أو الجد أو القاضي مال اليتيم بأقل من قيمته ، أو اشترى له بأكثر من قيمته مما لا يتغابن الناس بمثله لفحشه ، فلا يجوز بالاتفاق.
(الدَّبُّوسي ص 24).
11 - إذا اشترى الوصي مال اليتيم لنفسه بأكثر من قيمته ، أو باع مال نفسه من الصبى بأقل من قيمته جاز عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يجوز ، ولو باع مال اليتيم من نفسه بمثل قيمته أو أقل لم يجز بالاتفاق.
(الدَّبُّوسي ص 24).(2/1090)
القاعدة : [316]
الأصل أن ما حصل مفعولاً بإذن الشرع كان كأنه حصل
مفعولاً بإذن من له الولاية من بني آدم
التوضيح
هذه القاعدة تشبه قاعدة "الجواز الشرعي ينافي الضمان" (م/ 91)
وسبق بيانها.
وقال بهذا الأصل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى.
وقال أبو حنيفة : يسقط الضمان بشرط السلامة ، كما لو رمى الصيد فإنه مأذون فيه بشرط السلامة ، حتى لو أصاب إنساناً فيضمن باتفاق.
وعلى ذلك مسائل.
التطبيقات
1 - إذا كسر سائر المعازف والملاهي فلا يضمن عندهما ، لأنه حصل مفعولاً بإذن الشرع ، فصار كأنه حصل مفعولاً لإذن من له الولاية عندهما.
وقال أبو حنيفة : إن إذن الشرع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرط السلامة من غير أن يتلف مالاً ، فإنه أتلفه ضمن.
(الدَّبُّوسي ص 25).
2 - إذا علق الرجل من غير أهل المسجد قنديلاً فيه ، أو بسط الحصير ، فتولد منه الهلاك ، لم يضمن عندهما ؛ لأنه فعل بإذن الشارع.
وعند أبي حنيفة يضمن ؛ لأن السلامة فيه شرط.
وكذا إذا قعد الرجل في المسجد غير منتظر للصلاة فعثر به إنسان(2/1091)
فتلف ، لم يضمن عندهما ، لأن الشرع أذن فب الدخول في المسجد ، وعند أبي حنيفة يضمن ؛ لأن السلامة فيه شرط.
(الدَّبُّوسي ص 25).
3 - إذا وجب القصاص على رجل في نفسه ، فقطع الولي يد القاتل ، ثم عفا عن القصاص ، فلا يضمن أرش اليد عندهما ؛ لأن الشارع أباح له إتلاف يده ، فصار كأنه هو أباح نفسه ، فقال : اقطع يدي فقطعها ، ولو كان كذلك لا يضمن فكذا هنا.
وعند أبي حنيفة يضمن دية اليد إذا عفا عن القصاص.
(الدَّبُّوسي ص 26).
4 - إذا وجب القصاص عل رجل في يده ، أو في رجله ، أو في عينه ، فاستوفى القصاص منه من له الحق ، فمات من ذلك القصاص ، فلا يضمن القاطع عندهما ، وتضمن عاقلة القاطع عنده ، لأن حقه مقرر بشرط السلامة ، بخلاف الإمام إذا قطع يد السارق فسرى إلى النفس ، فلا ضمان عليه باتفاق ، لأنه مكلف به ، ولا يجوز للسارق أن يشترط السلامة عليه في العاقبة ، وقال أبو حنيفة في حالة القصاص :
يجوز اشتراط السلامة في العاقبة ؛ لأن من له الحق مخير في القطع.
وقال الصاحبان :
إن الشرع أذن له في القطع فصار كأنه هو الذي أذن له بنفسه أن يقطع يده.
(الدَّبُّوسي ص 26).
5 - الملتقط إذا ترك الإشهاد ، فهلكت اللقطة في يده ، فلا يضمن عند أبي يوسف ، لأنه أخذ بإذن الشرع ، وعند أبي حنيفة ومحمد يضمن ؛ لأن الشرع أذن له في الأخذ بشرط السلامة.
(الدَّبُّوسي ص 26) .(2/1092)
القاعدة : [317]
الأصل إذا صحت التسمية لا يعتبر مقتضاها ، وإذا لم تصح يعتبر
المقتضى
التوضيح
إن الأسماء لها دلالة صريحة ، وقد تتضمن معاني في مقتضاها ، وتفهم من
موجَباتها ، فإن كانت تسمية الأشياء صريحة فلا يصح اعتبار المقتضى والموجَب ، كالحقيقة الصريحة فلا يعمل المجاز ، فإن لم تصح التسمية فيلجأ إلى المقتضى والموجَب عند أبي حنيفة.
وفيها مسائل.
التطبيقات
1 - إذا باع الرجل قطيعاً من الغنم ، كل شاة منها بعشرة ، ولم يسمِّ جماعتها ، كعشرين أو مئة ، فالعقد لا يصح عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، لأن التسمية لم تصح ، فاعتبر فيها المقتضى ، وهو الجهالة.
ولو قال : اشتريت منك هذا الغنم ، وهي مئة شاة ، كل شاة بعشرة ، وجملة الثمن ألف درهم ، فإذا هي تسعرن شاة ، فالبيع صحيح ؛ لأن التسمية قد صحت ، فلم يعتبر المقتضى ، ولم يحكم بفساد العقد وإن كان فيه جهالة (الدَّبُّوسي ص 26).
2 - لو أوصى رجل بثلث ماله لرجل ، وبنصف ماله لرجل آخر ، فإنهما يشتركان في الثلث ، لأن تسمية النصف لم يصح عند أبي حنيفة ، فصار كأنه أوصى بثلث ماله ،(2/1093)
وللآخر بألف درهم مرسلة ، وثلث ماله ست مثة درهم ، قسمت الست مئة بينهما أثلاثاً ؛ لأن تسمية الألف في الظاهر صحيحة ، فلم يعتبر المقتضى (الدَّبُّوسي ص 27) .(2/1094)
القاعدة : [318]
الأصل أن تعتبر التهمة في الأحكام
التوضيح
قال الإمام أبو حنيفة : تعتبر التهمة في الأحكام ، ويعتد بها ، وتؤثر على
التصرفات ، وإن كل من فعل فعلاً ، وتمكنت التهمة في فعله حكم بفساد فعله ، خلافاً للصاحبين.
وفيه مسائل.
التطبيقات
1 - إذا باع الوكيل بالبيع ممن لا يجوز شهادته له كأبويه ، فلا يجوز بيعه عند أبي حنيفة ، لأنه متهم في بيعه من أبيه وأمه وأولاده وزرجته ، وعندهما يجوز ، وكذلك الوكيل بالسلم إذا أسلم ممن لا تجوز شهادته له ، لا يجوز عنده ، ويجوز عندهما.
(الدَّبُّوسي ص 27).
2 - إذا قال المريض لامرأته : قد كنت طلقتك في الصحة ، وانقضت عدتك ، فصدقته ، ثم أوصى لها بوصية ، أو أقر لها بدين ، فإن لها عند أبي حنيفة الأقل من الميراث ومن الوصية أو من الإقرار ؛ لأنه متهم في فعله ، لجواز أنه لما عرف أنه لا يصيبها إلا الربع أو الثمن ، احتال بهذه الحيلة حتى يصل لها أكثر من حقها.
وعندهما : الإقرار لها جائز ، والوصية لها جائزة ، كما جاز لسائر الأجنبيات.
وكذا إذا باع المريضى ماله من وارثه باضعاف قيمته لم يجز عند أبي حنيفة ؛ لأنه(2/1095)
متهم ، لجواز أنه أراد إيثاره على سائر الورثة بعين من أعيان ماله.
وعندهما يجوز.
(الدَّبُّوسي ص 27) "
3 - إذا اشترى الرجل من أبيه ، أو ممن لا تقبل شهادته له ، يكره بيعه مرابحة من غير بيان عند أبي حنيفة ، لأنه متهم بأن يجري بينه وبين هؤلاء من الحط والأغماض ما لا يجري بينه وبين غيرهم ، وعندهما يجوز بيعه من غير البيان مرابحة.
(الدَّبُّوسي ص 28).
4 - إذا باع الرجل شيئاً وسلم ولم يقبض الثمن ، ثم اشتراه أبوه أو ابنه بأقل من الثمن الأول ، فلا يجوز شراؤه عنده ، لأنه حيلة للعينة ، وعندهما يجوز (الدَّبُّوسي ص 28).
5 - إذا أقرَّ لوارثه ولأجنبي بدين ، فأنكر الأجنبى الشركة ، وقال : ليس للوارث معي شركة ، أو جحد الواؤرث الدين ، وقال : ليس له عنده دين ، فسد الإقرار في الكل عند أبي حنيفة وأيى يوسف ، وعند محمد يجوز الإقرار في حق الأجنبي ولو جحد الوارث الشركة ، ولو صذق الأجنبى لم يجز إقراره بالاتفاق.
(الدَّبُّوسي ص 28).
6 - إذا شهد الوصي للوارث الكبير بدين على الميت لا تجوز شهادته ، بخلاف ما لو شهد الأجنبى ، عند أي حنيفة ، وعندهما تقبل شهادة الوصي.
(الدَّبُّوسي ص 28).
7 - إذا زوَّج غير الأب والجد الصغير أو الصغيرة ، ثم أدركا ، فلهما الخيار عند أبي حنيفة ومحمد ، لأن العقد صدر ممن هو متهم في عقده ، فثبت لهما الخيار.
وقال أبو يوسف : لا خيار لهما.
(الدَّبُّوسي ص 28).
8 - إذا وضعت المرأة نفسها في كفء ، وقصرت عن مهر مثلها ، فللأولياء حق الاعتراض عند أبي حنيفة ؛ لأنها متهمة في حق حط المهر ، فالحق ذلك هواناً وعاراً بالأولياء ، فثبت لهم حق الاعتراض ، وعند أبي يوسف لا اعتراض لهم ، وعند محمد لا يتصور ذلك.
(الدَّبُّوسي ص 28) .(2/1096)
9 - إذا قال الرجل لامرأته في صحته : إذا فعلت كلذا فأنت طالق ، ولا بدَّ لها من ذلك الفعل ، وفعلت ذلك في مرض الزوج ، ثم مات الزوج من ذلك المرض ، فإذن ترث عند أبي حنيفة ، وتابعه أبو يوسف ؛ لأنه قصد الإضرار بها حين علق الطلاق بفعل لا بدَّ لها منه ، ودام على ذلك حتى مات فصار متهماً ، وعند محمد لا ترث.
(الدَّبُّوسي ص 29).
10 - إذا أقر المريض بدين لامرأته ، ثم طلقها قبل الدخول بها ، ثم تزوجها بعدما بانت منه ، ثم مات من ذلك المرض.
فقال أبو يوسف : لا يجوز إقراره لها.
وقيل : إن قول أبي حنيفة مثل قوله ؛ وإانما لم يجز هذا الإقرار لأنه لحقته تهمتان ، لأنها كانت وارثة قبل الإقرار ، ثم صارت وارثة قبل الموت ، فلزمه وقت الموت ، والحيلة فيما بينهما موهومة.
وعند محمد جاز إقراره لها.
(الدَّبُّوسي ص 29).
11 - إذا كره الرجل على أن يقر بألف درهم ، فقال المكرَه : له ولفلان الغائب في ألف درهم ، وأنكر الغائب الشركة ، لم يجز إقراره للغائب ؛ لأنه متهم ، لجواز احتياله بهذه الحيلة ، ليكون المال بينهما نصفان.
وعند محمد جاز كما في الإقرار من غير إكراه.
(الدَّبُّوسي ص 29).
12 - إذا وكل الرجل رجلاً يشتري له عبداً ، بغير عينه ، بألف درهم ، فاشتراه وهو قائم في يده ، وقال : اشتريته لك ، وقال الموكِل : بل اشتريته لنفسك ، والثمن غير منقود ، فالقول قول الموكِل عند أبي حنيفة ؛ لأنه متهم لجواز أنه اشتراه لنفسه ، فلم ترض به نفسه ، فأراد إلزامه على موكله ، وعندهما : القول قول الوكيل.
(الدَّبُّوسي ص 29) .(2/1097)
القاعدة : [319]
الأصل أن ملك المرتد يزول بنفس الردة زوالاً موقوفًا
التوضيح
إذا ارتد شخص عن الإسلام فيستحق القتل ، وتزول أهليته عن أمواله ، وقال أبو حنيفة : يزول ملكه بنفسى الردة زوالاً موقوفاً على عودته أو قتله ، وعندهما لا يزول ملكه ما لم يقض القاضي بلحوقه بدار الحرب ، ويترتب عل الاختلاف نتائج.
وله مسائل.
التطبيقات
1 - إن المال المكتسَب في حال إسلامه يكون ميراثاً لورثته عند أبي حنيفة ، لأنه بنفس الردة زالت أملاكه إلى ورثته ، وهو مسلم ، فحصل توريث المسلمين من المسلم ، والمكتسَب في حال ردته يكون فيئاً ؛ لأن الردة أزالت العصمة عن دمه ، فكذلك العصمة عن ماله.
وعندهما : المالان جميعاً لورثته ؛ لأن القاضي لم يقض
بلحوقه بدار الحرب ، فلم يُزل ملكه عنه.
وعند الشافعي : المالان جميعاً لبيت المال.
(الدَّبُّوسي ص 30).
2 - إذا قتل المرتد إنساناً خطأ ، وله مال اكتسبه في حال إسلامه ، ومال اكتسبه في حال ردته ، فتجب الدية عند أبي حنيفة في المال الذي اكتسبه في حال إسلامه ، في رواية الجامع الصغير ، وفي الرواية الأخرى : تجب الدية في المال المكتسب في حال(2/1098)
ردته ؛ لأن الكسب الذي كان حاصلاً في حال إسلامه زال عنه بنفس الردة بنوع زوال ، وعندهما يجب في المالين جميعاً ؛ لأن حقه باق على ملكه ، ما لم يقض القاضي بلحوقه بدار الحرب.
(الدَّبُّوسي ص 30).
3 - إن عقود المرتد موقوفة عند أبي حنيفة ؛ لأنه زال ملكه بنفس الردة زوالاً موقوفاً فوقفت عقوده بحسب توقف ملكه ، وعندهما لا تتوقف ، لأن ملكه لم يزل ، ما لم يقض القاضي بلحوقه بدار الحرب.
(الدَّبُّوسي ص 31).(2/1099)
القاعدة : [320]
الأصل أن الحقوق إذا تعلقت بالذمة وجب استيفاؤها من العين.
فإذا ازدحمت في العين ، وضاقت عن إيفائها ، قسمت العين على
طريق العول ، وإذا كانت الحقوق متعلقة بالعين قسمت بينهم
عن طريق المنازعة
التوضيح
إن الديون والحقوق تتعلق بالذمة ، ولا تتعلق بالأعيان التي يملكها المدين ، فإذا حكم القاضي مثلاً بالوفاء ، فتتعلق بالعين ، فإذا ازدحمت الديون في العين ، بأن كانت الديون أكثر من قيمة العين ، وضاقت العين على الإلفاء ، فتقسم العين على طريق المحاصصة والعول بحسب نسبة الديون لبعضها ، ولكن إذا تعلقت الحقوق بالعين.
وازدحمت فتقسم عن طريق المنازعة عند أبي حنيفة ، وعندهما فيها تفصيل فإن كل عين تضايقت عن الحقوق نظر فيها ، هما كان منها لو انفرد صاحبه لا يستحق العين كلها.
فإن العين تقسم عن طريق المنازعة كرأي الإمام ، وما كان منها لو انفرد صاحبه استحق الكل ، وإنما ينفصه انضمام غيره إليه فإنه يقسم عن طريق العول.
وفيه مسائل.
التطبيقات
1 - إذا كانت دار واحدة في يد رجل ، ويدعي آخر كلها ، ويدعي ثالث نصفها ،(2/1100)
وأقاما جميعاً البينة ، فإنها تقسم بينهما عن طريق المنازعة عند أبي حنيفة ، وتقسم أرباعاً ؛ لأن النصف متنازع فيه فيقسم بينهما ، والنصف الآخر غير متنازع عليه فيسلم لصاحب البينة الأولى ، فيأخذ ثلاثة أرباع ، وعندهما تقسم بينهما على طريق العول أثلاثاً.
(الدَّبُّوسي ص 34).
2 - إذا أوصى رجل بسيف لرجل ، وأوصى بنصف السيف لرجل آخر ، والسيف يخرج من الثلث ، فإنه يقسم بينهما أثلاثاً على طريق العول عند أبي حنيفة ، وعندهما أرباعاً على طريق المنازعة.
(الدَّبُّوسي ص 35).
3 - إذا اجتمعت الوصايا في المال ، وكانت أكثر من الثلث ، فأجازت الورثة ، فإن المال يقسم على طريق العول عند أبي حنيفة ، وعندهما على طريق المنازعة ، مثل إذا أوصى الرجل لرجل بكل ماله ، ولآخر بنصف ماله ، فأجازت الورثة ، قسم المال بينهما على طريق العول عند أبي حنيفة ، وعندهما على طريق المنازعة.
(الدَّبُّوسي ص 35) .(2/1101)
القاعدة : [321]
الأصل أن كل من لا يقدر بنفسه ، فوسِع غيره ، لا يكون وسعًا له
التوضيح
إن التكاليف الشرعية تكون بحسب قدرة الإنسان ووسعه ، ولا يكلف بما لا يقدر عليه ، أو أكثر من وسعه ، فإن كان عاجزاً بنفسه ، وقادراً بغيره ، فلا يكلف به ، ولا يكون وسعاً له عند أبي حنيفة ، وعندهما إذا استطاع عن طريق غيره كلف به.
وفي ذلك مسائل.
التطبيقات
1 - إن المريض إذا لم يقدر عل أن يحول وجهه للقبلة بنفسه ، وهناك من يحول وجهه إلى القبلة ، فصلى ولم يحول وجهه إلى القبلة ، جازت صلاته عند أبي حنيفة.
وعندهما لا تجوز ، لأن وسع غيره يكون وسعاً له.
(الدَّبُّوسي ص 37).
2 - إذا كان المريض على فراش كلس ، وهناك فراش طاهر ، وهناك من يحوله ، فصلى على مكانه ، جاز عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يجوز.
(الدَّبُّوسي ص 37) .(2/1102)
3 - إذا كان المريض لا يقدر أن يتوضأ بنفسه ، وهناك من يوضئه ، وصلى في مكانه ولم يتوضأ جاز عنده ، وعندهما لا يجوز ، وكذا الأعمى إذا لم يقدر على السعي بنفسه إلى الجمعة ، وهناك من يقوده ، لا تكون الجمعة فرضاً عليه عند أبي حنيفة.
وعندهما الجمعة فرض عليه ؛ لأن وسع غيره يكون وسعاً له.
(الدَّبُّوسي ص 37) .(2/1103)
القاعدة : [322]
الأصل أن فساد أفعال الصلاة لا يوجب فساد حرمة الصلاة
التوضيح
إن الصلاة لها أفعال لتصح ، فإذا فسدت أفعال الصلاة كالقراءة ، فهذا لا يؤدي إلى فساد التحريم في الصلاة ، فتبقى المباشرة صحيحة ، ووجب القضاء كاملاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد وزفر تفسد الحرمة ، ويقضى الأوليين فقط.
وفيه مسائل.
التطبيقات
1 - إذا قرأ المصلي في إحدى الركعتين الأوليين ، وقرأ في إحدى الأخريين في التطوع ، وجب عليه قضاء الأربع عند أبي حنيفة وأبي يوسف ؛ لأن الأفعال وإن فسدت فالحرمة باقية فصحت المباشرة في الأخريين ، فلما صحت المباشرة وجب عليه القضاء لما حصل من فساد ، وعند محمد وزفر يجب عليه تضاء الركعتين الأوليين ، ولا يجب عليه قضاء
الأخريين ، لأن الحرمة قد فسدت بفساد الأفعال.
(الدَّبُّوسي ص 38).
2 - لبر ترك المصلي القراءة في الأوليين ، وقرأ في الأخريين ، فذلك جائز ، لأن التحريم باق ، فصح بناء الأخريين على الأوليين ، وعند محمد وزفر الأخريان غير جائزين.
(الدَّبُّوسي ص 38) .(2/1104)
3 - إذا كان الإمام في الجمعة ، فخرج الوقت قبل فراغها بعدما قعد مقدار
التشهد ، ثم قهقه ، فلا وضوء عليه ، لأن القهقهة التي تنقض الوضوء يجب أن تكون في الصلاة.
وقيل : هذا قول محمد ، وعلى قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف لزمه
الوضوء لصلاة أخرى.
(الدَّبُّوسي ص 38).(2/1105)
القاعدة : [323]
الأصل أن كل عقد امتنع عن الفسخ بالإقالة فلا تحالف ولا
تراد إلا إذا اختلفا في البدن كالعتق
التوضح
إذا اختلف المتعاقدان في أحكام العقد ، فإنهما يتحالفان ، ويترادان ، لما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إذا اختلف المتبايعان ، والسلعة قائمة ، ولا بينة لأحدهما ، تحالفا ، وترادا".
لكن إن امتنع العقد عن الفسخ بالإقالة ، فيمنع التحالف والتراد عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
وعند محمد يتحالفان ويترادان القيمة.
وفيه مسائل.
التطبيقات
1 - إن هلاك المعقود عليه يمنع الفسخ ، فيمتنع التحالف والتراد عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، لأن العقد امتنع عن الفسخ بالإقالة.
وعند محمد يتحالفان ويترادان القيمة.
(الدَّبُّوسي ص 38).
2 - من اشترى جارية فازدادت قيمتها عند المشتري ، أو ولدت ولداً ، ثم اختلف(2/1106)
مع البائع في الثمن ، فلا يتحالفان ولا يترادان عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، لأنه يمتنع الفسخ في هذه الحالة.
وعند محمد يتحالفان.
(الدَّبُّوسي ص 38).
3 - لو اشترى عبدين فهلك أحدهما في يده ، ثم اختلفا في الثمن ، إنهما لا
يتحالفان فيهما إلا أن يرضى البائع أن يأخذ الحي ، ولا يأخذ من ثمن الهالك شيئاً عند أبي حنيفة ، لأن هلاك بعض المبيع يمنع فيه الإقالة.
وعند أبي يوسف يتحالفان في حصة الحي.
وعند محمد يتحالفان فيهما ، ويرد الحي وقيمة الهالك إذا تحالفا.
(الدَّبُّوسي ص 39) .(2/1107)
القاعدة : [324]
الأصل أن كل إخبار لا يلزم القاضي القضاء بغير مخبره.
ولا يتوصل إلى القضاء إلا به ، فالعدالة من شرطه.
وليس العدد من شرطه
التوضيح
الأصل في الشهادة أمام القاضي أن تكون من اثنين ، فإذا قضى القاضي بخبر ما ،ولا مجال فيه لغيره ، فيشترط في المخبر العدالة ، ولا يشترط العدد ، ويحكم القاضي بقول الواحد ، عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وإذا قضى بالشهادة على رجل بعينه في حادثة بعينها ، كان قضاء عليه بالبينة ، أو بالإقرار ، أو بالنكول ، ولا يكون قضاؤه
عليه بذلك الخبر ، وإن كان لا يتوصل إلى القضاء بتلك الحجة إلا بهذا الخبر ، وفيه مسائل.
التطبيقات
1 - إن تزكية الواحد مقبولة عند أبي حنيفة وأبي يوسف ؛ لأن القاضي لا يقضي بتزكيته ، وإنما يقضي بقول الشهود.
وعند محمد لا بدَّ أن تكون التزكية من اثنين.
(الدَّبُّوسي ص 39).
2 - إن ترجمة الواحد العدل مقبولة ؛ عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، لأن القاضي(2/1108)
لا يقضي بترجمته ، وإنَّما يقضي بقول الشهود ، وعند محمد لا بد أن يكون اثنين.
(الدَّبُّوسي ص 39).
3 - إن رسول القاضى يجوز أن يكون واحداً عند أبي حنيفة ، وعند محمد لا بدَّ أن يكون اثنين.
(الدَّبُّوسي ص 39).
4 - إن شهادة القابلة على الولادة وحدها جائزة إن كانت عدلة عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، لأنه يحكم بثبوت النسب بالفراش ، لا بشهادتها ، والفراش ثابت قبل شهادتها ، ولكن من حيث أنا نعلم أن الولادة بقولها جعلنا العدالة من صفتها.
ومن حيث أنه لا يتعلق الحكم بشهادتها لم يشترط العدد ، وليس كالشهادة في حق الإحصان ، لأن تلك الشهادة على أحكام تتعين في الشهود عليه يقضي بها القاضي.
وهو كونه مسلماً ، أو كونه حراً.
وهذه من الأحكام التي يحتاج القاضي إلى القضاء بها.
فلا بدَّ من العدد ، وتابعهما محمد في هذه المسألة .(2/1109)
القاعدة : [325]
الأصل أن كل عصمير استخرج بالماء فطبخ أوفى طبخة.
فالقليل منه غير المسكر حلال
التوضيح
يرى الحنفية أن الخمرة المحرمة بقليلها وكثيرها هي المستخرجة من العنب.
أما ما استخرج من غير العنب ، فلا يحرم إلا إذا أسكر ، ووجد له
"حدّ السكر".
وإن عصير العنب إذا طبخ طبخاً كاملاً ، وكان القليل منه غير مسكر فهو حلال عند أبي حنيفة وأبي يوسف في قوله الأخير ، كالدبس والرب المصنوعين من العنب والزبيب.
وفيه مسائل.
التطبيقات
1 - إن نقيع الزبيب ، ونبيذ التمر إذا طبخ أدق طبخ جاز شربهما للتداوي
ولاستمراء الطعام عند أبي حنيفة وأبي يوسف في قوله الأخير ، وعند محمد لا يحل شربه إذا اشتد للتداوي واستمراء الطعام.
(الدَّبُّوسي ص 40).
2 - إن عصبر العنب إذا طبخ ، وذهب ثلثاه ، وبقي ثلثه ، أو ذهب ثلثه ، ثم صبَّ عليه الماء ، ثم أغلي بالنار أو لم يغل ، واكتفى بالنار الأولى ، ثم اشتد ، جاز شربه للتداوي واستمراء الطعام عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
وعند محمد لا يحل شربه.
(الدَّبُّوسي ص 40).(2/1110)
3 - إن قشور العنب بعد سيلان عصيرها إذا رشَّ عليها الماء بعد استخراج
عصيرها بالماء ، وطبخ بالنار ، ثم ترك حتى اشتد وغلى ، فإن القليل غير المسكر حلال عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد حرام كله.
(الدَّبُّوسي ص 40).(2/1111)
القاعدة : [326]
الأصل أنه إذا لم يصح الشيء لم يصح ما في ضمنه.
وعند الطرفين يصح
التوضيح
إن كثيراً من الأشياء تتضمن أموراً تدخل فيها ، فإذا لم يصح الأصل فلا يصح
الفرع الذي يدخل في الأصل ضمناً عند أبي يوسف.
وقال أبو حنيفة : يجوز أن يثبت ما في ضمنه ، وإن لم يصح.
وقال محمد في أكثر هذه المسائل كقولى أبي حنيفة.
وعلى هذا مسائل.
التطبيقات
1 - إذا أودع الرجل صبياً محجوراً عليه مالاً ، فاستهلكه الصبى ، فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة ومحمد ؛ لأنه صح تسليط الصبي على الإتلاف.
وإن لم يصح به عقد الوديعة.
وعند أبي يوسف يضمن ؛ لأن التسليط لو صح يصح في ضمن عقدا
الوديعة ، والعقد لا يصح ، فلا يصح ما في ضمنه وهو التسليط على الاستهلاك ، فيكون الصبى متعدياً فيضمن.
وكذلك لو باع من الصبى المحجور عليه مالاً ، وسلمه إليه ، واستهلكه الصبى ، فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة ومحمد.
وعند أبي يوسف يضمن ، وكذلك الاختلاف لو(2/1112)
أقرض صبياً محجوراً عليه ألف درهم ، فاستهلكها ، فلا يضمن عندهما ، ويضمن عنده.
(الدَّبُّوسي ص 40).
2 - لو تزوج امرأة في السر على ألف درهم ، وفي العلانية على ألفي درهم ، فالمهر مهر السر عند أبي يوسف على كل حال ؛ لأن تسمية العلانية لو صحت لصحت في ضمن العقد الثاني ، والعقد الثاني لم يصح ، فلا يصح ما في ضمنه ، وعند أبي حنيفة ومحمد المهر مهر العلانية ، فلو أنه أشهد على أن المهر مهر السر لكان المهر مهر السر.
والثاني رياء وسمعة ، وعند ابن أبي ليلى المهر مهر العلانية على كل حال (الدَّبُّوسي ص 41).
3 - إذا مات رجل ، وترك سيارة ، فجاء رجلان ، وادعى كل فهما أن الميت رهن هذه السيارة عنده ، وأقاما البينة ، فلا تقبل شهادتهما ، ولا تباع السيارة في دينيهما عند أبي يوسف ؛ لأن البيع في الدين لو ثبت لثبت في ضمن عقد الرهن ، وعنده الرهن لا يثبت في المشاع ، فلا يثبت ما في ضمنه ، وعند أبي حنيفة ومحمد تباع.
(الدَّبُّوسي ص 41).
4 - لو أن رجلاً جاء إلى امرأة ، وقال لها : إن زوجك طفقك ، وأرسلني إليك ، وأمرني أن أزوجك منه ، فزؤجها منه ، وضمن لها المهر ، ثم جاء الزوج وأنكر التوكيل والطلاق ، فيضمن الوكيل لها نصف المهر في قول أبي يوسف الأخير وقرل زفر.
وعلى قول أبي يوسف الأول لا يضمن لها شيئاً ، لأنه لو وجب الضمان لوجب في ضمن عقد النكاح ، والنكاح لم يصح فلم يصح ما في ضمنه (الدَّبُّوسي ص 41).
5 - إذا باع درهماً بدرهمين في دار الحرب ، لم تقع للإباحة عند أبي يوسف ؛ لأنها لو وقعت لوقعت في ضمن العقد ، والعقد لم يثبت فلم يثبت ما في ضمنه ، وعند أبي حنيفة ومحمد تقع للإباحة.
(الدَّبُّوسي ص 41).(2/1113)
6 - إذا زاد في ثمن الصرف ، أو حط منه شيئاً ، صح ذلك ، وفسد العقد عند أبي حنيفة ومحمد ، وعند أبي يوسف لا يبطل العقد ؛ لأنه لا يثبت الزيادة ، ولا يبطل العقد الذي كان بطلانه لأجله.
(الدَّبُّوسي ص 41).
7 - لو اصطلح الرجلان ، فقالا لرجل ذمي : إن أسلمت فأنت الحكم بيننا ، فأسلم ، لم يكن حكماً عند أبي يوسف ، لأن التحكيم ثبت في ضمن الصلح ، وتعليق الصلح في مثل هذا الخطر لا يجوز ، فلا يجوز ما في ضمنه ، وعند محمد يجوز التحكيم وإن لم يجز ما في ضمنه ، ولم يظهر قول لأبي حنيفة في مثل هذه المسألة.
وقيل : إن قوله مع قول محمد.
(الدَّبُّوسي ص 42).
8 - لو زاد المسلم إليه في السلم لم تجز هذه الزيادة ، ويرد المسلم إليه بإزاء تلك الزيادة من رأس المال عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف لا يرد ، لأن حكم الرد يثبت ضمناً لصحة الزيادة ، والزيادة لم تصح ، فلم يصح ما في ضمنه ، وتابعه محمد في هذه المسألة.
(الدَّبُّوسي ص 42).
9 - إذا اشترى الرجل مكتباً بألف درهم ، ثم زاد المشتري أرطالاً من خمر ، فسد البيع عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف لا يفسد ، لأنه لو فسد لفسد ضمناً لصحة الزيادة ، وهذه الزيادة لم تصح ، فلا يصح ما في ضمنها ، ووافقه محمد في هذه المسألة.
(الدَّبُّوسي ص 42).
10 - إذا ادعى نسب من لا يولد لمثله ، وهو عبده ، عتق عليه عند أبي حنيفة.
وعند أبي يوسف لا يعتق ، لأنه لو عتق إنما يعتق ضمناً لثبوت النسب ، والنسب لا يثبت ، فلا يثبت ما هو ضمن له ، وتابعه محمد في هذه المسألة.
(الدَّبُّوسي ص 42) .(2/1114)
القاعدة : [327]
الأصل أن اليمين لا تنعقد إلا على معقود عليه.
فإن لم تنعقد فلا كفارة فيها
التوضيح
تنعقد اليمين بالحلف بالله تعالى على محلوف عليه كالطعام والقيام والسفر وغيره ، فإن لم يذكر الحالف معقوداً عليه فلا تنعقد اليمين ، وبالتالي فلا كفارة لها ، عند أبي حنيفة ، لأن العقد صفة فلا بدَّ للصفة من الموصوف ، وعند أبي يوسف تنعقد اليمين.
وإن كان المعقود عليه فائتاً كطعام قد أكل سابقاً.
وفيه مسائل.
التطبيقات
1 - من حلف ليشربن الماء الذي في هذا الكوز ، وهو لا يعلم أنه لا ماء فيه ، فلا كفارة عليه عند أبي حنيفة ومحمد ، وقال أبو يوسف : عليه الكفارة.
(الدَّبُّوسي ص 42).
2 - إن من حلف ليقتلن فلاناً ، وفلان ميت وهو لا يعلم بموته ، فلا كفارة عليه عند أبي حنيفة ومحمد ، وعند أبي يوسف عليه الكفارة.
(الدَّبُّوسي ص 42).
3 - من حلف ليشربن الماء الذي في الكوز اليوم ، فانصب الماء قبل غروب
الشمس ، فلا كفارة عليه عند أبي حنيفة ومحمد ، لأن اليمين تتأكد بآخر الوقت ، وقد(2/1115)
جاء آخر الوقت والمعقود عليه فائت معدوم ، فلم يتأكد اليمين فلا كفارة عليه ، وعند أبي يوسف عليه الكفارة عند مضي اليوم.
(الدَّبُّوسي ص 42).
4 - قال أبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف لا كفارة في اليمين الغموس ، لأنها لم
تعقد ، إذا لو انعقدت لتأتي فيها الانحلال ، وإذ لم يترتب فيها بر ، فلا حنث
لاستحالة الانحلال ، وإذا استحال الانحلال استحال أن يوصف بالانعقاد.
(الدَّبُّوسي ص 43) .(2/1116)
القاعدة : [328]
الأصل أن الشروط المتعلقة بالعقد بعد العقد كالموجود لدى العقد
التوضيح
قد يشترط المتعاقدان شروطاً بعد انتهاء العقد ، فتعتبر كأنها موجودة في العقد ، وتلحق به عند أبي يوسف ، وعند أبي حنيفة ومحمد لا تجعل كالموجودة في العقد.
وفيه مسائل.
التطبيقات
1 - إذا أسلم في كر حنطة وسطاً ، فجاء باجود منها في الصفة ، وقال : خذ هذه ، وأعطني درهماً ، أو جاء بارداً منه في الصفة ، وقال : خذ هذا واطرح درهماً ، جاز عند أبي يوسف ، ويلحق هذا الشرط بأصل العقد ، فيجعل كان العقد وقع في الابتداء على هذا.
وقال أبو حنيفة ومحمد : لم يجز ذلك في ظاهر الرواية.
(الدَّبُّوسي ص 43).
وكذا لو أسلم في ثوب وسط ، فجاء بارداً منه في الصفة ، أو أنقص منه في
المقدار ، وطلب عوضه جاز عنده ، ولم يجز عندهما.
(الدَّبُّوسي ص 43).
2 - إذا تزرج امرأة ولم يفرض لها مهراً ، ثم فرض لها مهراً بعد العقد ، ثم طلقها قبل الدخول بها ، فإن لها نصف المفروض بعد العقد عند أبي يوسف في قوله الأخير ،(2/1117)
ويجعل المفروض بعد العقد كالمفروض عند العقد.
وفي قوله الآخر ، وهو قول أبي حنيفة ومحمد لها المتعة"..
(الدَّبُّوسي ص 43).
3 - إذا كفل عن رجل بمال ، والطالب غائب ، فبلغه الخبر ، فأجاز الكفالة ، جاز عند أبي يوسف ، ويجعل الإجازة في الانتهاء كالخطاب في الابتداء ، وكذلك لو قالت المرأة : زوجت نفسي من فلان وهو غائب ، فبلغه الخبر فأجاز ، جاز عند أبي يوسف ، ويجعل الإجازة عند الانتهاء كالاذن في الابتداء ، وعند أبي حنيفة ومحمد لا يجوز في المسألتين جميعاً
إذا لم يكن ثمة مخاطب عن الغائب.
(الدَّبُّوسي ص 43) .(2/1118)
القاعدة : [329]
الأصل أن الشيء يجوز أن يصير تابعًا لغيره.
وإن كان له حكم نفسه بانفراده
التوضيح
إن بعض الأمور لها أحكام خاصة عند انفرادها ، وقد تصير تابعاً لغيرها في
حالات ، عند أبي يوسف ، وعند محمد إذا كان له حكم نفسه فلا يصير تابعاً لغيره.
وأبو حنيفة مع أبي يوسف في أكثر مسائل هذا الأصل.
وعلى هذا مسائل.
التطبيقات
1 - إذا ورثت الجدة من وجهين تبعت إحدى الجهتين الأخرى عند أبي يوسف ، وعند محمد وزفر لا تصير تابعاً ، وترث من الحالين جميعاً.
(الدَّبُّوسي ص 44).
2 - إذا ذبح الرجل شاة ، وقطع بعض العروق وترك البعض ، فلا يجوز أكلها عند محمد ما لم يقطع من كل عرق أكثره ؛ لأن كل عرق يقوم بنفسه فلا يصير تابعاً لغيره.
وعند أبي يوسف إذا قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين جاز وإلا فلا ، لأن
الودجين هما من جنس واحد ، فجاز أن يصير أحدهما تبعاً للآخر.
وعند أبي حنيفة إذا قطع الثلاثة ، أي ثلاثة كان كفى.
(الدَّبُّوسي ص 44) .(2/1119)
3 - إذا أوجب الرجل المشي على نفسه لبيت الله الحرام ، ثم حج من عامه ذلك حجة الإسلام ، سقط ما وجب بإيجابه عند أبي يوسف.
وعند محمد لا يسقط ؛ لأن إيجاب الرجل يقوم بنفسه ، فلا تصير تبعاً لغيره.
(الدَّبُّوسي ص 44).
4 - إذا ملك المسلم ثمانين من الغنم ، فهلك منها أربعون بعد الحول ، فالواجب عند أي حنيفة وأبي يوسف شاة ؛ لأن عندهما الزكاة في النصاب دون العفو ، وليس كل واحد من الأربعين أصلاً ، وعند محمد وزفر الواجب في الكل شاة شائعأ ؛ لأن كل واحد من الأربعين تصير أصلاً بنفسها ، فلا تصير تبعاً لغيرها ، فوجب الشاة في الكل ، فإذا هلك منه شيء بعد الحول سقط بقدره ، فبقي عليه نصف شاة.
(الدَّبُّوسي ص 44).
5 - إذا ملك المسلم ثمانين من الغنم ، فالواجب عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، في إحدى الأربعين شاة ، وعند محمد وزفر الواجب في الكل شاة ؛ لأن كل واحدة من الأربعين تقوم بنفسها فلا تصير تبعاً ، بدليل قوله تعالى :.
(إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ).
(الدَّبُّوسي ص 44).
6 - إن المهر يدخل في الدية في مسألة الإفضاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد لا يدخل ، لأن كل واحد منهما له حكم نفسه ، فلا يصير تابعاً لغيره ، فلا يدخل فيه.
(الدَّبُّوسي ص 45).
7 - إن الخف إذا أصابته نجاسة متجسدة فجفت ، ثم حكها بالأرض ، طهرت عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد لا تطهر ، ولا تصير البلة تابعة للجسومة ؛ لأنها لو انفردت لا يجوز المسح بالأرض ، فكذلك إذا كانت مع غيرها.
(الدَّبُّوسي ص 45).
8 - إذا قرأ آية سجدة في ركعتين في صلاة واحدة لا يلزمه عند أي يوسف إلا سجدة واحدة ، وعند محمد يلزمه لكل مرة سجدة ؛ لأن السجدة من موجَب التلاوة ، والتلاوة في إحدى الركعتين لا تقوم مقام الأخرى.
(الدَّبُّوسي ص 45).(2/1120)
9 - إذا أطعم في كفارة ظهارين ستين مسكيناً ، كل مسكين صاعاً واحداً في يوم واحد ، فيجزيه عن إحداهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد لا يجزيه عن الكفارتين جميعاً ؛ لأن كل كفارة من الكفارتين تقوم بنفسها ، فتسشقل بذاتها ، فلا تصير تابعة لغيرها ، كما لو كانت من جنسين مختلفين ، وكذلك في كفارة يمينين لو أطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعاً في يوم واحد ، فهو على هذا الاختلاف.
(الدَّبُّوسي ص 45).
10 - إن إقامة الجمعة بمنى تجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد لا
تجوز ؛ لأن منى تقوم بنفسها فلا تصير تابعة لمكة.
(الدَّبُّوسي ص 46).
11 - إذا قال الرجل لامرأته : أنت طالق واحدة أو لا شيء ، فلا يقع شيء عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وتقع واحدة عند محمد ، لأنها تقوم بنفسها فاعتبر حكمها بنفسها ، وكذلك لو قال لها : أنت طالق ثلاثاً أو لا شيء ، فهو على هذا الخلاف.
(الدَّبُّوسي ص 46).
12 - لو حلف الرجل ألا ينام على هذا الفراش ، فبسط فوقه فراشاً آخر ، ثم نام عليه ، حنث عند أبي يوسف ، وعند محمد لا يحنث ؛ لأن الأعلى يقوم بنفسه فلا يصير تابعاً للأسفل ، فلا يكون نامْماً على الفراش المحلوف عليه ، فلا يحنث.
(الدَّبُّوسي ص 46).
13 - إذا باع رجلان من رجل شيئاً ، ثم مات أحد البائعين ، والآخر وارثه ثم إن المشتري وجد به عيباً ، فأراد أن يرده على الحي ، فأنكر الحي أن يكون به عيب ، فأراد استحلافه ، حلف يميناً واحدة على البتات ، ويكفيه ذلك عند أبي يوسف.
وعند محمد يحلف على النصف الذي باعه على البتات.
وفي النصف الآخر على العلم ؛ لأنهما قائمان بأنفسهما ، وحكمهما مختلف ، فاعتبر كل واحد منهما على حدة.
(الدَّبُّوسي ص 46).
14 - إذا أجنبت المرأة ، ثم حاضت ، وطهرت واغتسلت ، فيكون الغسل من(2/1121)
الأول عند أبي يوسف ، وعند محمد يكون منهما جميعاً ؛ لأن كل واحد منهما يقوم بنفسه فاعتبر كل واحد منهما بحاله.
وفائدة هذه المسألة تظهر في اليمين ، فلو حلفت أن لا تغتسل من هذه الجنابة ، ثم حاضت واغتسلت بعد الطهر ، فتحنث عند أبي يوسف.
ولا تحنث عند محمد.
(الدَّبُّوسي ص 46).
15 - إذا قتل أحد الأسيرين صاحبه في دار الحرب فلا شيء عليه عند أبي حنيفة وأبي يوسف إلا الكفارة ؛ لأنه تبع لهم.
فصار كواحد من أهل دار الحرب.
وعند محمد تجب عليه الدية ؛ لأن له حكماً بنفسه فاعتبر حكمه على حدة.
(الدَّبُّوسي ص 46).
16 - لو وجد قتيل في محلة ، فقال أهل المحلة قتله فلان ، فيحلفون بالله ما قتلوه ولا يزيدون على هذا عند أبي يوسف ، وتدخل يمين العلم في يمين البتات.
وعند محمد يحلفون بالله ما قتلوه وما علمنا له قاتلاً سوى فلان.
ولا تدخل إحدى اليمينين في الأخرى.
(الدَّبُّوسي ص 47).
17 - إذا اختلف الطالب والمطلوب في رأس المال ، وهو ما لا يتعين ، فأقاما جميعاً البينة ، فيقضى بسلم واحد عند أبي يوسف ، لأن رأس المال من جنس واحد ، ويدخل أحدهما في الآخر ، وعند محمد يقضى بسلمين ؛ لأن كل واحدة من البينتين تفيد حكماً بنفسها إذا انفردت ، فإذا اجتمعتا اعتبرت كل واحدة منهما على حدة.
(الدَّبُّوسي ص 47).
18 - إذا دفع الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ، فربح فيها ألفاً ، وصارت ألفين ، ثم دفع إليه ألفاً أخرى مضاربة بالثلث ، وقال : اعمل فيها برأيك ، فخلط المضارب خس مئة من الألف الثانية بالألف الأولى وربحها ، ثم هلك منها شيء ، فعند أبي يوسف يكون الهلاك من الربح ؛ لأن العقد من جنس واحد ، والمال لواحد ، فصار المال الثاني تابعاً لماله الأول.
وعند محمد الهلاك من ربح المال الأول ومن رأس المال الثاني ، لأن كل واحد من العقدين يقوم بنفسه فلم يصر تابعاً لغيره ،(2/1122)
فيصير حكم كل واحد منهما على حدة ، كما لو دُفِع إلى رجلين.
(الدَّبُّوسي ص 47).
ْ19 - لو خلط عثرة أرطال من لبن امرأة ، ورطلاً من لبن أخرى ، فأُرضع بذلك صبي ، فقال أبو يوسف : تحرم صاحبة العشرة ، وصار الرطل تابعاً للعشرة.
وقال محمد : تحرمان معاً ؛ لأن كل واحدة منهما لو انفرد كان له حكمه بنفسه ، فإذا اجتمعا لم يكن أحدهما تابعاً لصاحبه.
(الدَّبُّوسي ص 47).
20 - إذا قال الرجل لامرأة : إن تزوجتك فأنت طالق وعبده حر ، فعند أبي
يوسف يتعلق الأمرأن جميعاً بالتزويج ، لأنه عطف العتق على الطلاق فيتبعه في
حكمه ، وعند محمد يقع العتق في الحال ؛ لأنه يقوم بنفسه ، فلا ضرورة في تعليقه بالتزويج ، فاعتبر حكم كل واحد منهما على حدة ، وليس كالطلاق ؛ لأنه لا يقوم بنفسه ، فيتعلق بالشرط.
(الدَّبُّوسي ص 47) .(2/1123)
القاعدة : [330]
الأصل أن العارض في العقد الموقوف قبل تمامه كالموجود لدى العقد
التوضيح
إذا كان العقد موقوفاً فلا تنفيذ لآثاره ، وتبقى كما كانت قبل العقد ، فإذا طرأ عارض يتعلق بالعقد قبل تمامه وإقراره فيكون كالموجود لدى العقد عند أبي حنيفة.
وعند أبي يوسف لا يجعل العارض في العقد الموقوف كالموجود لدى العقد ، كمن تزوج امرأة بغير إذنها ، فاعترضتها عدة قبل الإجازة ، ارتفع العقد عند أبي حنيفة ولا تعمل الإجازة.
وعلى هذا مسائل.
التطبيقات
1 - إن الوكيل بالبيع إذا باع بمثل قيمته على أنه بالخيار ثلاثة أيام ، ثم زاد المعقود عليه حتى صار يساوي ألفين ، فالوكيل بالخيار عند أبي حنيفة ؛ لأنه يملك استئناف العقد في هذه الحالة.
وعند أبي يوسف إذا مضت مدة الخيار تم البيع ولا يجعل
العارض كالموجود لدى العقد ، وإن أجاز ذلك قصداً منه لم يجز.
وعند محمد ينفسخ العقد ويجعل العارض كالموجود لدى العقد.
(الدَّبُّوسي ص 48).
2 - إذا باع مال ولده الصغير على أنه بالخيار ثلاثة أيام ، فادرك الابن قبل ثلاثة أيام ، فالإجازة للابن الذي بلغ عند محمد ، ويجعل العارض كالموجود لدى العقد ،(2/1124)
فصار كأنه باع ملك ولد بالغ ، فيوقف على إجازته ، وكذلك هذه.
وعند أبي يوسف يسقط خيار الأب ، ويتم البيع ؛ لأنه سقطت ولايته ، فأشبه موت الأب.
(الدَّبُّوسي ص 48).
3 - إذا بلغ الصبي ، وقد باع له الوصي شيئاً ، أو اشترى له شيئاً ، وشرط فيه الخيار ، فيضم البيع ويبطل الخيار عند أبي يوسف ، وعند ابن حماعة لا يملك الوصي إجازة البيع إلا برضاء اليتيم بعد بلوغه ، وله نقض البيع إذا لم يرضَ به ، ولو مات الصبى فالخيار للوصي ، وينفذ بيعه بمضي المدة قبل البلوغ وبعده.
وفي رواية عن محمد أن الصبي إذا بلغ في مدة الخيار لم يجز البيع بمضي المدة ما لم يجز ، مثل من باع مال غيره بغير أمره ، وشرط الخيار فيه ، لم يجز ذلك العقد بمضي المدة ما لم يجز البيعَ المالكُ ، وهذه الرواية توافق رواية الجامع الكبير في الأب إذا باع مال ولده الصغير بشرط الخيار ، فأدرك الابن فلا بدَّ من إجازة الولد.
(الدَّبُّوسي ص 48).
4 - إذا اشترى الرجل عصيراً ، فصار خمراً تبل القبض ، انتقض البيع.
وقيل بأن هذا قول محمد ، وروي عن أبي يوسف أن البيع لا يبطل.
(الدَّبُّوسي ص 49).
5 - إذا باع شيئاً بشرط الخيار ، فهلك بعضه ، والمبيع مما يتفاوت ، انتقض البيع في الباقي عند محمد ؛ لأنه لو جاز البيع في الباقي لتعلق بإجازته تمليك ما بقي بحصته من الثمن مجهولة ، ولا يجوز تمليكه بثمن مجهول ، وجعل كأنه باع في الابتداء الحصة
مجهولة ، وليس كما إذا كان المعقود عليه مما لا يتفاوت ، فإن حصة الباقي معلومة.
(الدَّبُّوسي ص 49).(2/1125)
القاعدة : [331]
الأصل أن البقاء على الشيء يجوز أن يعطى حكم الابتداء
التوضيح
إذا بقي شيء من حال إلى حال فالأصل أن يعطى البقاء حكم الابتداء عند محمد.
وفضل أبو يوسف فقال : لا يعطى له حكم الابتداء في بعض المواضع.
وفيه مسائل.
التطبيقات
1 - إن الرجل إذا تطيب قبل الإحرام بطيب بقيت رائحته بعد الإحرام ، كُره ذلك عند محمد ، وجعل البقاء عليه كابتداثه ، وعند أبي يوسف لا يكره.
(الدَّبُّوسي ص 50).
2 - إذا قال الرجل لامرأته : إذا جامعتك فأنت طالق ، فجامعها ، فقال أبو
يوسف : إذا أولج وقع الطلاق ، فإن أخرج ثم أوج صار مراجعاً ، وقال محمد : إذا أولج ومكث هنيهة على ذلك صار مراجعاً ، فجعل البقاء عليه كابتدائه ، وعند أبي يوسف لا يصير مراجعاً إلا أن يتنحى عنها ، وكذلك إذا قال لامرأته : إن لمستك فأنت طالق ، فلمسها ، فإذا رفع يده عنها وأعادها ثانية صار مراجعاً عند أبي يوسف ، وعند محمد إذا لمسها ومكث هنيهة فلم يرفع يده صار مراجعاً.
(الدَّبُّوسي ص 50) .(2/1126)
3 - إذا حلف الرجل لا يلبس هذا الثوب فألقاه عليه إنسان وهو نائم ، فقال
محمد : أخشى عليه أن يحنث في يمينه ، فجعل البقاء على اللبس كابتدائه.
(الدَّبُّوسي ص 50) .(2/1127)
القاعدة : [332]
الأصل أن إيجاب الحق لله تعالى في الغير يزيل ملك المالك
التوضيح
إن جعل المالك حقه في الملك لله تعالى فإن ذلك يزيل الملك عنه عند أبي يوسف ، وعند محمد لا يزيله.
وعلى هذا مسائل.
التطبيقات
1 - إذا اتخذ المشتري الدار التي اشتراها مسجداً ، ثم جاء الشفيع فله أن ينقض المسجد بالشفعة عند محمد.
وفي رواية لأبي يوسف : ليس له أن ينقض المسجد ؛ لأنه
لما اتخذها مسجداً فقد زال ملكه عنها ، وصارت ملكاً لله تعالى.
(الدَّبُّوسي ص 51).
2 - إذا وهب الرجل شاة لرجل ، فضحى جمها ، فليس للواهب الرجوع فيها عند أبي يوسف ، وعند محمد له أن يرجع فيها.
(الدَّبُّوسي ص 51).
3 - إذا وهب الرجل شاة فأوجب الموهوب له على نفسه أن يهدى بها لفقراء الحرم ، فليس له أن يرجع فيها عند أبي يوسف ، وعند محمد له ذلك ، وكذلك لو جعلها هدي متعة أو جزاء صيد فهو على هذا الخلاف ، وكذلك لو كانت بقرة أو بعيراً فجعلها بدنة لله تعالى ، فإنه ينقطع حق الرجوع فيها.
(الدَّبُّوسي ص 51).
4 - إذا وهب لرجل دراهم ، فاوجب الموهوب له على نفسه أن يتصدق بها فليس له أن يرجع فيها عند أبي يوسف ، وعند محمد له ذلك.
(الدَّبُّوسي ص 51).(2/1128)
5 - إذا كانت له شاة ، فأوجب على نفسه أن يهدى بها لفقراء الحرم ، جاز له بيعها عند محمد ، وروي عن أبي يوسف أنه ليس له أن يبيعها ، لأنه أوجب لئه تعالى حقاً فيها ، فصارت في الحكم كأنها زائلة عن ملكه.
(الدَّبُّوسي ص 51).
6 - إذا خرب المسجد ، ولم يبق له أهل ، فلا يعود ميراثاً عند أي يوسف ، وعند محمد يعود ميراثاً.
(الدَّبُّوسي ص 51).
7 - إذا قال الرجل لرجل : داري هذه موقوفة ، ولم يزد على هذا ، صارت وقفاً عند أبي يوسف ، وشبهه بالعتق ، وعند محمد لا تصير وقفاً.
(الدَّبُّوسي ص 51) .(2/1129)
فوائد
إلى هنا ننتهي من القواعد المختلف فيها عند الحنفية ، وسبق بياني مثل ذلك في المذهب المالكي ، والشافعي ، والحنبلي ، ونلاحظ ما يلي :
1 - تظهر ميزة كل مذهب من خلال مسائله ، وقواعده ، وفروعه ، وتعليلاته.
كما يظهر الفكر الذي يحمله أئمته وعلماؤه ، والاهتمام الذي يولونه في العبادات أو المعاملات ، وفي السعة والانفتاح ، وفي المرونة ، والتطبيقات.
2 - تبين القواعد المذكورة في المذاهب حقيقة المنهج الفقهي في احترام الأئمة
والعلماء بعضهم لبعض ، وفتح المجال أمام الاجتهاد ، وإبداء الرأي ، والمخالفة ، وسعة الأفق ، وعدم الحجر على الفكر والتفكير والاجتهاد ، مما يكشف حقيقة التعصب والمتعصبين ، وأنهم أنصاف علماء ، بل أقل من ذلك ، وأن باب الحوار والجدال والمناقشة مفتوح على مصراعيه ، ويرحب بكل عالم ومفكر ما دام له رأي ودليل عليه.
3 - إن دراسة القواعد الفقهية تؤكد ما ذكرناه في الباب التمهيدي في أهمية القواعد وفوائدها في تكوين الملكة الفقهية للباحث والدارس ، وتعطيه ثروة فقهية زاخرة ، وتحقق جانباً من الفقه المقارن في أصوله ومناهجه وأدلته ومسائله وفروعه.
4 - تظهر سمة الفقه المقارن ، ومنهجه في القواعد ، وذلك بتحرير محل النزاع ، وبيان المسائل والأحكام المتفق عليها ، ثم بيان الأحكام والمسائل المتفق عليها ، وتحديد سبب الخلاف ومنشئه وتعليله .(2/1130)
خاتمة
هذا عرض موجز لأهم القواعد الفقهية في المذهب الحنفي والمالكي والشافعي
والحنبلي ، مع توضيح القاعدة ، وبيان بعض تطبيقاتها من الفروع الفقهية ، وذكر المستثنيات إن وجدت ، مع توشيحها بالفوائد الفقهية ، والتنبيهات التي يستفيد منها القارئ عامة ، والطالب خاصة.
وهي مساهمة متواضعة في عرض القواعد ، لتسهيل دراستها على الطلاب.
وعرضها بأسلوب واضح ، وليس الغاية من هذا الكتاب استعراض جميع القواعد الفقهية ، واستقصاء الفروع والجزئيات ، وإنَّما الهدف كما بيَّنت في المقدمة توفير كتاب للطالب يجمع بين المذاهب الأربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي ، بدلاً من أن يضطر إلى دراسة قواعد كل مذهب منفردة في كتاب خاص.
ولم نقصد استيعاب القواعد الفقهية في المذاهب الأربعة ، وإنَّما ذكرنا المهم منها ، وكثير من هذه القواعد متفق عليها بين المذاهب ، حتى ما ورد أنه خاص بمذهبا معين ، ولكن تختلف الفروع المندرجة تحت القاعدة في كل مذهب.
وأسال الله تعالى النفع والفائدة ، وتحقيق المقصد والغاية ، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمد لله ربِّ العالمين .(2/1131)
أهم المصادر والمراجع
الأشباه والنظائر ، زين الدين بن إبراهيم ، المعروف بابن نجيم الحنفي (970@) وبحاشيته (نزهة
النواظر) لمحمد أمين بن عمر ، المعروف بابن عابدين (252 ا@) - دار الف@ر - دمشق - ط ا-
3 0 4 اص/ 983 ام.
الأشباه والنظائر في فروع فقه الشافعية ، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911@) ، مطبعة
عيى الباب الحلبى - القاهرة - د . ت+ مطبعة مصطفى الباب@ الحلبى - القاهرة - 1387@/
الأضباه والنظائر في النحو ، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911@) ، طبع ثر@ة الطباعة
الفنية - القا هرة - 1395@/ 1975 م.
الإثراف على مسائل الخلاف ، للقاضي عبد الوهاب البغدادي (422@) مطبعة الإرادة -
تونس - د . ت.
10
11
الأعلام ، خير الدين الزركلي ، الطبعة الثالثة - بيروت - 1389 ص/ 1969 م - دون دار نشر.
أعلام الموقعين ، كى الدبن ، أبو عبد الله ، محمد بن أبي بكر ، المعروف بابن تيم الجوزية
ا75@(مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة - 388 ا@/ 968 1 م.
ابضاح القواعد الفقهية ، عبد الله بن سعيد بن عئاد اللحجي الحضرمي ، الطبعة الثالثة -
السعودية - 1410 ص - درن دار نشر.
ابضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك ، أبو العباس ، أحمد بن يحس الونثريي (914 هـ) تحقيق
أحمد بوطاهر الخطابي ، نشر صندوق إحياء التراث الإسلامي ، الرباط - 405 ا@/ 980 ام.
بغية الوعاة في طبقات النحويين والنحاة ، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911@) ، طبع
عيى الباب@ الحبي - القاهرة - 384 ا@/ 965 ام.
- تاصي@ النظر ، ع@د الله بن عمر الدَّبُّوسي الحنفي (430 هـ) مطبعة الإمام ، نشر زكريا علي
يوصف ، القاهرة د . ت.
- تخريج الفروع على الأصول ، محمود بن أحمد الزنجافي (656@) تحقيق الدكتور محمد أديب
صالح ، طبعة جامعة دمشق - دمشق ، 1382@/ 962 ام .(2/1133)