القواطع الإلهية
لإقامة العبودية
إعداد:
عبد الفتاح حمداش بن عمر زراوي الأمازيغي الجزائري
ميراث السنة
http://www.merathdz.com
خطبة الحاجة :
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا{ من يهد الله فهو المهتد }،{ و من يضلل فلا هادى له }، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله }،{ يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته،و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون }،{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به و الأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا }،{ يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}، ثم أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، و كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة في النار
مقدمة الرسالة :(1/1)
لما ظهر دين الإسلام في أول أمره كان لابد له من أمة وقوة وسيف وراية و دولة وسلطان يحميه وأهله، ويحوطه وأحكامه، ويدافع عنه وعن شريعته، وينصره ومعتقداته وإلا فالأمم في الحقيقة لا تمتثل لأمر الله و رسوله صلى الله عليه وسلم إلا بقانون قوة الإسلام التي هي حدوده وأحكامه الردعية السلطانية وأوامره الواجبة الإلزامية، وأكبر دليل على هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بقي 13 سنة وهو يدعو قومه إلى التوحيد فأعرضوا عنه وصدوا عنه وعذبوا أصحابه حتى حوله الله تعالى إلى المدينة وجعل له أنصارا ودار منعة تحميه وأصحابه رضي الله عنهم، فالأمم لا تعترف إلا بالأقوياء الممكنين، فالضعيف لا يسمع له ولا يلتفت إلى كلامه، ولو لم يكن للإسلام سلطان التمكين لم يدخل في دين الله من دخل من الأمم والشعوب، وسوف يبقى الإسلام مجرد عبادات تؤدى على حسب اقتناع شخصي اعتقادي، أو طائفي تعبدي أو إقليمي محدود يظهر في عبادات مخصصة ورسوم مميزة على مستوى الطبقة الفقيرة العاملة أو في بعض أتقياء الطبقات المثقفة الأخرى من دون أن يؤثر على ذوى الهيئات، فشاء الله تعالى الكمال لهذا الدين علما و عملا، فدين الله تعالى صالح لكل مكان وزمان بأحكامه العادلة، ويعود بالخير على معتنقيه وعلى جميع الناس باختلاف أطيافهم وألوانهم وأجناسهم، فهو الحكم الأعدل والمنهج الأصلح و الدين الأقوم لكل البشرية جمعاء كما قال صلى الله عليه وسلم :[ إنما أنا رحمة مهداة] رواه الحاكم وابن سعد بسند صحيح، فلا يصلح أحوال الناس إلا الكتاب المنزل والسنة المباركة على فهم منهج سلف الأمة رضي الله عنهم، ولقد جرب البشر جميع الأعراف والتقاليد والعادات وقوانين الفلسفة والسفسطة اليونانية الإغريقية والأعراف والمواثيق والدساتير الأرضية الوضعية التي تعتبر عصارة أذهان وعقول البشر الضعيفة فلم يفلحوا، فأتباع الفلاسفة وأفراخ المنطقيين من كل عصر ودهر يحاولن دائما تهوين الإسلام(1/2)
وتحقير أحكامه، ولكن الواقع دائما وأبدا يظهر عكس ما هدفوا إليه فالإسلام دائما منتصر على غيره من المذاهب والأديان، فالإسلام دين الرحمة ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم نبي رحمة الذي قال الله تعالى في وصفه :{ و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، فالدين بحدوده التي يراها الكفار والمنافقون ومرضى القلوب والعقول : أحكام قاسية و وحشية أكثر من المعقول على حد زعمهم هي في الحقيقة أحكام أرحم الراحمين التي تحمي الدماء والأعراض والأموال والعقول، فيا عباد الله بالله عليكم أيعقل أن يرى الرجل نفسه أرحم من الله أو أن حكمه أصلح من حكمه، وخاصة في عصر التكنولوجية الحديثة والحضارة العصرية والمركبات الفضائية والغواصات البحرية التي بلغت أوجها وذروة قمتها في التقدم والإزدهار من زمن آدم عليه السلام إلى يوم الناس ذا، فنعوذ بالله أن نرد على أعقابنا أو أن نفتن في ديننا، إن الإسلام بأوامره الإلهية ونواهيه الربانية ليعد حقا رحمة للعالمين على العموم وعزة وكرامة للمسلمين على وجه الخصوص، فالأحكام الردعية التي هي جزء من العقوبات الشرعية كلها حكمة وخير ومنفغة ومصلحة للبشر، وأما ما نهى الله تعالى عنه فهو كله شر ومفسدة ومضرة ومظلمة في حق النفس أو الغير، أو ليس الإسلام هو الذي أنار العقول التي احتجزها الجهل والكفر والشرك على أهلها أكثر من أحقاب والقرون ؟ وما النهضة الأوروبية التي تنعم بها اليوم إلا ثمرة من ثمار حضارة الأندلس ! إنهم أرسلوا لنا خبث الأخلاق والمعاملات من فساد وإجرام معنوي كالتشبه بهم عن طريق غزوهم الفكري الذي خططوا له منذ أمد بعيد، وهم أخذوا منا ما هو أعز وأكرم وأعلى : " سمو الأخلاق ونبل المعاملات، وإتقان العمل الذي أخذوه من ديننا الحنيف وخلق نبينا العظيم، فيا ترى كيف نرقى من جديد إلى تلك المنزلة ؟ الجواب : إنه الإسلام بشريعته الغراء المنيرة التي لا عزة لنا إلا بها، بل لا حياة بغيرها، نعم إنه الإسلام(1/3)
بشريعته الغالية الطاهرة المطهرة للمجتمع والأمة الإسلامية التائهة في زماننا، نعم إنها شريعة الله العادلة، إنه كتاب الله العظيم و سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الذي بعث بالحنيفية في التوحيد والعبادة وبالشريعة السمحة في الأحكام والأوامر والحدود والأركان والفرائض والواجبات والنواهي والزواجر، فلا دين إلا بما جاء به من عند الله تعالى، إن الشريعة المحمدية قصاص رباني عادل ، وحياة ربانية في القضاء والعدل بين الناس على اختلاف مللهم، يتحقق الأمن الاجتماعي والحرية التعبدية لله الواحد الأحد في إطار الإسلام وقواعده الكريمة ، وتحت راية السنة على منهاج السلف، فبالشريعة جدد الناس الاقتصاد وحقق القوم الاكتفاء في المعاش والادخار في العاقبة، أو ليست خير القرون الأولى عرفت رغدا من العيش ليس له مثيل في تاريخ البشرية جمعاء ؟ نعم إخوة الإسلام إنها أحسن شريعة مع أحسن دين في عصر خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتدعو إليه وتنهى عن المنكر وتقبحه وتزيله، لقد وجاء الإسلام بإصلاح العمران : في تسطير برنامج العيش في المدن والعواصم فدين الله تعالى يحافظ على عقولنا وأعراضنا، و أهل الملل المخالفة للإسلام أخذوا منا الفنون العظيمة والمكارم الحميدة وطوروها في زماننا، وأما نحن لقد عدنا إلى الوراء، وما الأندلس وبغداد والشام ومصر والمغرب والمشرق من سمرقند وتاشقند إلى أبواب الصين والهند عنا ببعيد، وإن افسلام جاء بإنارة العقول وتطوير العلوم وتحقيق النمو في الفكر والتقدم والإزدهار في شتى فنون الإختراع والإبداع في العلوم والمعارف لا كما يفهمه سفهاء العقول وسذج الفهوم أن : التقدم والرقي يتمثل في ثقافة الرقص والغناء والمجون، وإن العالم لما كان يسبح في الأوهام الهوجاء والفلسفات الحمقاء وغياهب الظلام الدامس الفكري، تقدم المسلمون خطوات عريضة لما تحرروا من قبضة الجهل والعبودية لغير الله تعالى ، فأخرجوا الأمم من(1/4)
عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن محاسن هذه الشريعة ومحامدها العظيمة التي لا تعد ولا تحصى أنها تكرم العبد ولا تهينه بل ترفعه وتعزه ولا تستعبده لأنها من الله الذي لا يظلم أحدا، فهي تمام منة وكمال نعمة من الكريم الوهاب كما قال تعالى :{ اليوم أكملت لكم دينكم }، فحماية العرض وصيانة المال هدفها وترقية مستوى المعيشة منهجها، وأما الجانب القوة فبالشريعة على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة فتح الله الدنيا للمسلمين، فلم يكن يثبت أمامهم شيء إلا تزلزل وسرعان ما يذوب في قبضتهم وبين أيديهم لأنهم أهل حق وعدل، لأن تلك الأمم والشعوب التي كانت تتبرأ من دينها وتعتنق دين التوحيد اشتاقت إلى عدل الإسلام و رحمة أهل الإيمان، فعلم الصحابة الأقوام ولم يحجروا العقول بل حرروها من قبضة رهبان الظلام وأحبار الجهل، ففازت البشرية بالنجاة من ظلمة الكفر والشرك والإلحاد، ثم ساس المؤمنون الشعوب بالحق الرباني والسنة المباركة الغراء، والحكم الإلهي الميمون الذي يجعل الناس يعيشون في ظل الإسلام العدل، ولو كانوا على غير اعتقاد أهله من يهود ونصارى تحت حكم الذمة من غير ظلم ولا اعتداء، ولكن العزة كل العزة لله ولرسوله وللمؤمنين أولا وأخرا، لأن الإسلام هو حكم الله الحق الذي أنزله على كل الأنبياء ليبلغوه للأمم كي يعملوا به وبأحكامه ويتعبدوا به ربهم الواحد في هذه الحياة كما أمر الله وأحب سبحانه وتعالى، لا كما أحبوا هم أن يجعلوا الدين مطية لكسب الأرباح وجني الغنائم وجمع الحطام الفاني، ولكن طائفة من البشر الظالمين لا يرضون بالإسلام إلا على الوجه الذي يريدونه لأنه لا يخدم مناهجهم الكاذبة ومصالحهم الباطلة ، لأن حياتهم حياة من لا هدف لهم إلا تدمير أنفسهم وأمتهم، وصدق من قال فيهم : هؤلاء لا على الدين استقاموا ولا لديناهم أقاموا، فلا لراية(1/5)
الإسلام رفعوا ولا لراية الكفر كسروا، فهولاء عبّاد الهوى لا يريدون إلا الشهوات والشبهات إنهم جيل الثمرة الفاسدة التي غرسها إبليس وحلفاءه، فقلوبهم مريضة لطباع نفوسهم الشريرة : " هم في واد والإسلام في واد آخر، لا يحملون هم الإسلام ولا يبكون على أهله المساكين المشردين المظلومين، بل كلما سمحت لهم الفرص كشّروا أنيابهم ومخالبهم، فالله دائما لهم بالمرصاد وهو حسبنا ونعم الوكيل، المهم بالنسبة لنا إن لم يرضوا هم بالدين الكريم فنحن قد رضينا به لأنه من عند الله الواحد الأحد وأحببناه ولا نستطيع إن نعيش بدونه ، ولأنه حياتنا ومصدر عزنا وكرامتنا وشرفنا، فوا الله لبطن الأرض خير للمسلم من ظهرها بدون طاعة الله وحلاوة الإيمان، ولو لا دين الإسلام لكان الناس كالبهائم على وجه الأرض، وصدق من قال من السلف :" لو لا العلماء لكان الناس كالبهائم "، فبالله عليكم يا معشر المسلمين : أيُ حياة بدون التزام وخلق نبيل، وكيف يعيش الناس في مجتمع بلا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر ! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فقانون الغاب الذي كان سائدا في عصور الجاهلية يحكم بالحق دائما للأقوى وللأغنى، حتى جاء الإسلام فأزال تلك الفوارق العصبية فلابد للمسلمين أن يمكنوا لدين ربهم ويرجعوا إلى أيام عزهم وإلا سوف يتركون المكان لغيرهم من الأمم المؤمنة الصادقة التي ستسلم وتصدق مع الله كما قال تعالى : {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه }، وقال تعالى:{ وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} وهذه هي سنن الله الربانية في الكون التي لا تحابي في دين الله أحدا " لا مكان إلا للعاملين" ، فعلينا جميعا أن نتعاون لإقامة عبودية الله تعالى وإلهيته سبحانه في كل شئون الحياة حتى يكون الدين كله لله في العقيدة والعبادة والحكم والطاعة والتشريع والحدود والقضاء والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ونشر الفضيلة ونصرها وإزالة الرذيلة(1/6)
وقمعها ومحوها، ولا يكون ذلك إلا بالصدق والإخلاص مع الله تعالى، لا أن يكون الإسلام مجرد مراسيم دينية يؤديها المسلم في يوم العيد والمناسبات الاحتفالية ثم ينسى ربه في سائر الأوقات، ولا أن يكون الإسلام مجرد اجتهاد لرؤية هلال شوال ودخول شهر ذو الحجة و حلول شهر رمضان على الأمة ثم بعد ذلك العصيان والتمرد على الله تعالى، نعم عباد الله هذه المراسم من الدين ولكنها ليست هي كل الدين ! فالحمد لله الذي جعل في كل زمان قائمين بالحق على أمر الله بالحق ولا يضرهم من خذلهم أو خالفهم والخير باق في الأمة المحمدية رجالا ونساء إلى يوم الدين رغم الفساد قال الله تعالى :{ إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}، فأهل الحق لا يغيبون وإذا غابوا قام آخرون مقامهم كما قال الحكماء : < إذا غاب الحق فاعلم أن أهله قد غابوا >، كيف لا والأمة الإسلامية موجودة لأجل نصر دينها و وظيفتها في الحياة هي القيام بالحق وعلى الحق في عبادة الله ونصرة دينه لرفع لوائه لا أن تكون منتسبة بالانتساب القولي دون العمل إلى الإسلام وأهله عن طريق بطاقة الهوية ولا الوراثة التقليدية ولا الجنسية الوطنية، بل بالطاعة والعبادة والاعتزاز بالله ورسوله والمؤمنين و لو كره المنحرفون وأسيادهم من اليهود والنصارى أعداء الله ودينه، فالله نسأل أن يحقق لنا التوحيد السليم على المنهج النبوي القويم حتى تستقيم لنا أحوالنا ويعم النصر لديارنا ونسترجع ما أخذ من تراب بلادنا بلاد الإسلام من الأندلس إلى الصين والهند، كما نسأله تعالى أن ينصر المستضعفين من المؤمنين في فلسطين وغيرها من الديار الساعين لإقامة دينه والعمل بشريعته إنه قريب مجيب اللهم آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الفصل الأول :
القسم الأول :
1: التوحيد الذي جاءت به الرسل هو عبادة الله وإخلاص الدين له(1/7)
لقد أرسل الله تعالى الرسل والأنبياء بالعلم النافع والعمل الصالح، وكل دعوة جاء به الأنبياء ابتدءوها بالتوحيد الذي رضيه الله تعالى لعباده و لم يرضى غيره من الدعوات الكفرية الشركية كما قال تعالى :{ ولا يرضى لعباده الكفر و إن تشكروا يرضه لكم }، وكما روى أحمد ومسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ أن الله يرضى لكم ثلاثا : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا و أن تعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمرهم ]، فالله تعالى رضي التوحيد ولم يرضى الشرك، قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج10 : " لا أنفع للقلب من التوحيد وإخلاص الدين لله ولا أضر عليه من الإشراك"، فالخصومة التي وقعت بين النبياء وقومهم في مسألة الألوهية هي الخصومة وعلى مدارها العراك، لم تكن في الربوبية لأن القوام معترفون بها إلا طائفة من الملاحدة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع : "والتوحيد الذي جاءت به الرسل لابد فيه من التوحيد بإخلاص الدين لله وعبادته وحده لا شريك له "، وكل الدعوات المباركة التي بعثت بها الرسل كانت تقرر عقيدة الألوهية والعمل بأحكامها كما قال الله تعالى :{ وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون }، فالله تعالى تعالى نهى عن اتخاذ إلهين ولم يقل ربين ، قال العماد ابن كثير في التفسير ج2 ص713 : " يقرر تعالى أنه لا إله إلا هو وأنه لا تنبغي العبادة إلاّ له وحده لا شريك له فإنه مالك كل شيء وخالقه وربه { وله الدين واصبا }، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة : أي: دائما ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : واجبا، وقال مجاهد: خالصا، أي: له العبادة وحده ممن في السماوات والأرض".(1/8)
تنبيه : فالله سبحانه قال : { وقال الله لا تتخذوا "إلهين" } : لأن الخصومة في الإلهية ليست في الربوبية فالفطرة تقر بتوحيد الربوبية، قال ابن تيمية : " كل الرسل دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى طاعتهم "، فالمسألة أولا في توحيد الله بالعبادة ، ولقد صدق عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو الصادق إذ قال : [إن الله ليزعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن] ، قال ابن كثير : " أي: ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ما لا يمتنع كثير من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد"، وهذا هو الواقع فالناس لا ينزجرون عن عبادة الأصنام والأنداد إلا بالسلطان، فالواجب على المسلم الموحد أن يتبرأ بكل عبد من دون الله حتى يستقيم دينه وهذا الشرط هو الشرط الذي اشترطه الله في قبول إسلام العبد الحنيف، روى أحمد ومسلم (23): عن أبي ملك عوف الأشجعي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من وحد الله]، وفي رواية أخرى - : [ من قال لا إله إلا الله ]، وفي رواية : [ من شهد أن لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله] ففي الحديث مسألة عظيمة : إن التوحيد الخالص يذهب خفايا الشرك ودقائقه فلا يبقى له أثرا في النفس والعمل، كما قال ابن تيمية مجموع الفتاوى ج11: " فشهادة أن لا إله إلا الله بصدق ويقين تذهب الشرك كله دقه وجله وخطأه وعمده أوله وأخره سره وعلا نيته ويأتي على جميع الصفات وخفاياه ودقاءقه"، فالشرك بالله تعالى هو أظلم الظلم لأنه بمنزلة ومرتبة الظلم الأكبر في حق الله تعالى والظلم هو جعل الشيء في غير محله وموضعه والاعتداء على حق الغير، فالتوحيد الحق والشرك هو الاعتداء على ربوبية الله وإلهيته وذاته وأسماءه وصفاته وأقواله وأفعاله سبحانه وتعالى، روى الشيخان : [ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لما نزلت : {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} ، شقّ(1/9)
ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه : { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم }]، قال النووي شرح صحيح مسلم ج1 ص420-421 : قال الخطابي : وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه ومن جعل العبادة لغير الله تعالى فهو أظلم الظالمين وفي هذا الحديث جمل من العلم منها : أن المعاصي لا تكون كفرا"، و لذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بقتال المشركين بالله تعالى حتى ينقطعوا عنه ويتخلوا عن الكفر بالله تعالى فاستجب الصحابة رضي الله عنهم حتى طهروا جزيرة العرب من الأصنام والأنداد ، قال العلامة النووي شرح صحيح مسلم ج 1ص240 : " قوله صلى الله عليه و سلم : [ أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا : لا إله إلا الله، فمن قال : لا إله إلا الله ، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله]، معلوم أن المراد بهذا : أهل الأوثان دون أهل الكتاب ، لأنهم يقولون لا إله إلا الله ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف"، وقال العلامة صالح الفوزان كتاب محاضرات في العقيدة و الدعوة ص78: " معناه : أنهم إذا قالوها و امتنعوا من القيام بحقها وهو أداء ما تقتضيه من التوحيد والابتعاد عن الشرك والقيام بأركان الإسلام "، وقال النووي رحمه الله شرح صحيح مسلم ج1ص240: " وقد ذكر القاضي عياض معنى هذا، وزاد عليه، وأوضحه فقال : " اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بهذا مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحد، وهم كانوا أول من دعي إلى الإسلام وقوتل عليه، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفى في عصمته بقوله "لا إله إلا الله" ، إذ كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده فلذلك جاء في الحديث الآخر : [وأني رسول الله ويقيم الصلاة و يؤتي الزكاة]"هذا كلام القاضي"، وقال العلامة(1/10)
الصنعاني رسالة تطهير الإعتقاد عن أدران الشرك والإلحاد : " وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم : [أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال: لا إله إلا الله عصم منى ماله ونفسه إلا بحقها و حسابه على الله عز وجل] قلت : قد قال صلى الله عليه وسلم : [ إلا بحقها] وحقها إفراد الألوهية والعبودية لله تعالى، وقال العلامة النووي في شرح صحيح مسلم ج1 ص240 : (قلت) : ولا بد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في - الرواية الأخرى- لأبي هريرة وهي مذكورة في الكتاب : [حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به ] والله أعلم"، وأما أسرار القلوب فلا يعلمها إلا الله تعالى علام الغيوب، فمن قال لا إله إلا الله لا يشق على باطنه لاستخراج حقيقته فيكتفى بظاهره، ويرد باطنه إلى الله تعالى، قال العلامة النووي في شرح صحيح مسلم ج1 ص240: " ومعنى : [وحسابه على الله] أي : فيما يستسرون به و يخفونه دون ما يخلون به في الظاهر من الأحكام الواجبة "، وقد روى أبو داود في السنن وصححه الألباني : عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه يوم بدر لما أُسر أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله]، و في صحيح البخاري: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أنا أحكم بالظاهر و الله يتولى السرائر]، قال النووي في شرح صحيح مسلم ج1 ص140 : " قال الخطابي ففيه أن من أظهر الإسلام و أسر الكفر قبل إسلامه في الظاهر، وهذا قول أكثر العلماء وذهب مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل، و يحكى ذلك أيضا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنهما"، وأحكام التمكين نسخت أحكام الاستضعاف / لمن قدر على النطق بها / كما قال النووي شرح صحيح مسلم ج1 ص243-244 : قوله صلى الله عليه وسلم : [ ثم قرأ : { إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر}، قال(1/11)
المفسرون معناه: إنما أنت واعظ، ولم يكن صلى الله عليه و سلم أمر إذ ذاك إلا بالتذكير ثم أمر بعد بالقتال"، عباد الله : إن أحكام التوحيد أحكام إلزام من الله تعالى اتجاه عباده والمؤمن يسلم لأمر الله تعالى وحكمه سبحانه وعبوديته كما قال ابن تيمية : " توحيد الإلهية يتضمن فعل المأمور وترك المحظور"، وإن هذا الشرط ثقيل وقد فرضه الله تعالى على المسلمين في إقامة التوحيد وانه لا يقبل من احد إلا التوحيد السليم، وقد قيده الله تعالى بالقيود الثقال لإقامة التوحيد الخالص الذي بعث به الأنبياء، وقد وعد الله تعالى أنه يغفر لأهله ما لا يغفره لغيرهم كما روى أحمد والطبراني (2/20 رقم: 12346) صحيح لغيره والهيثمي (10/216)عن أبي ذر الغفارى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ومن عمل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي جعلت له مثلها مغفرة]، قال عبد الرحمن بن حسن : كتاب قرة العيون في تحقيق دعوة النبياء والمرسلين : " شرط ثقيل في الوعد بحصول المغفرة وهو السلامة من الشرك، كثيره وقليله صغيره وكبيره ولا يسلم من ذلك إلا من سلّم الله تعالى وذلك هوالقلب السليم كما قال تعالى :{ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } "، وقال محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ص35 : " قال الله تعالى : {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله، فدل على أنهم يحبون الله حبا عظيما ولم يدخلهم في الإسلام، فكيف بمن أحب الندّ أكثر من حب الله ؟ وكيف بمن لم يحب إلا الندّ وحده ولم يحب الله "، وقال شيخ الإسلام في المجموع : "التوحيد يذهب أصل الشرك" فمن كان موحدا لله تعالى كان سليما من الشرك، ومن كان مشركا لله تعالى فهو غير موحد وإن أظهره. فمن لم يعبد الله عبد غيره من المخلوقات لا محال، لأنه سعبد غيره بالإقرار أو الممارسة ، قال ابن تيمية(1/12)
في رسالة العبودية : " و لا بد لكل إنسان من إله يألهه ويعبده، قال صلى الله عليه وسلم : [ تعس عبد الدينار و عبد الدرهم]"، وكل من وحد الله وأحل الحلال وحرم الحرام فقد وجبت له الجنة ولو دخل النار كما جاء في معتقد أهل السنة والجماعة كما روى مسلم (مع شرح النووي1/ص208) في الصحيح : [ عن جابر رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم النعمان بن قوقل فقال : يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام و أحللت الحلال أأدخل الجنة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم ] ففي الحديث مسألة مهمة :
*- الفرق بين تحريم الحرام وعدم إتيانه
*- وتحليل الحلال واعتقده(1/13)
قال النووي : في شرح صحيح مسلم ج1 ص208 : " قال أبو عمرو بن الصلاح : وأما "وحرمت الحرام ": الظاهر أنه أراد أمرين : أن يعتقده حراما و أن لا يفعله بخلاف تحليل الحلال، فإنه يكفي فيه مجرد اعتقاده حلالا "، قال شيخ الإسلام في ( مجموع الفتاوى ج14) : " التوحيد ألا نعبده إلا بما أحبه ورضيه"، فإذا كان هذا هو التوحيد الذي رضيه الله تعالى لعباده وأمر به المرسلين والنبيين فالواجب على كل عبده أن يقيمه، فلا استقامة اللعبد المسلم على الإسلام إلا بتحقيق التوحيد سلام العبد بالتوحيد والكفر بكل ما سواه، وقال محمد بن عبد الوهاب في مجموعة التوحيد لابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ص19 : " فإذا عرفت هذا، عرفت أن الإنسان لا يستقيم له إسلام و لو وّحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض كما قال تعالى في سورة الممتحنة :{ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله و لو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك في قلوبهم الإيمان} ، فإذا فهمت هذا جيدا عرفت أن كثيرا من الذين يدّعون الدّين: لا يعرفونها – أي لا إله إلا الله وإلا فما حمل المسلمين على الصبر على ذلك والعذاب والأسر والضرب والهجرة للحبشة مع أنه صلى الله عليه و سلم أرحم الناس لو يجد لهم رخصة لأ رخص لهم"، قال ابن تيمية : " أصل الصلاح التوحيد و الإيمان، وأصل الفساد الشرك والكفران"، فعبادة الله تكون بتحقيق الإيمان اعتقادا وقولا وعملا، ولا يكون ذلك إلا بتحقيق ثلاث أصول نافعة :
1- بالاعتقاد السليم من كل شرك .
2-القول بالتوحيد الخال من الشرك .
3- العمل على " المنهج النبوي القويم" على وفق الشرع والسنة السليم من كل كفر وردة.(1/14)
قال العلامة محمد بن عبد الوهاب مفيد المستفيد في حكم تارك التوحيد: "وعبادة الله وحده لا شريك له هي أصل الدين وهو التوحيد الذي بعث الله به الرسل ونزلت به الكتب"، وقال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى في مجموعة رسائل في العقيدة ص82-83: " و لابد مع ذلك من أداء فرائض الله وترك محارم الله فمن أتى بعد ذلك بناقض من نواقض الإسلام بطل في حقه قول لا إله إلا الله وصار مرتدا كافرا، وإن أتى بمعصية من المعاصي التي دون الشرك نقص دينه وضعف إيمانه ولم يكفر كالذي يزني أو يشرب الخمر وهو يؤمن بتحريمها فإن دينه يكون ناقصا وإيمانه ضعيفا وهو على خطر إذا مات على ذلك من دخول النار و العذاب فيها ولكنه لا يخلد فيها إذا كان قد مات على موحدا مسلما"، فلا إله إلا الله هي كلمة التوحيد والكلمة الخالصة وهي كلمة التقوى التي أعلاها مثمر وأسفلها مغدق ولا تنجي صاحبها إلا إذا كانت خالصة لله تعالى حده كما قال الشيخ العلامة سعيد بن حجي الحنبلي النجدي رسالة الكلام المنتقى مما يتعلق بكلمة التقوى" لا إله إلا الله " ص840: وكلمة الإخلاص هي لا إله إلا الله : " أمرها عظيم وخطبها جسيم ، أعلاها مثمر وأسفلها مغدق وهي كلمة التقوى"، وقال البيضاوى : " أضاف الكلمة إلى التقوى لأنها سببها أو كلمة أهلها"، فاعلم يا عبد الله أن الناس في الدنيا ينقسمون إلى قسمين مؤمن فأقسام المؤمنين المسلمين كثر مطيعين وعصاة ومذنبين ومتقين وفاجرين وسنيين ومبتدعين، وأقسام الكافرين والمشركين كثر كذلك ملحدين مشركين مكذبين معرضين، فالمسلم الحنيف هو الموحد لله تعالى المجتنب الشرك، فيجب على العبد أن يذكر كلمة لا إله إلا الله ولو مرة في عمره وينوى بها الوجوب، ثم ينبغي له أن يكثر من ذكرها وليعرف معناها لينتفع بها، وأما الكافر فذكره لهذه الكلمة واجب وهو شرط في صحة إيمانه القلبي مع القدرة على ذلك والبراءة من كل ما عبد من دون الله تعالى حتى يسلم توحيده من الشرك(1/15)
والردة بعد الإسلام كم جاء في كتاب فاكهة القلوب والأفواه، وقال العلامة الشيخ رشيد رضا : " وأفضل الذكر لا إله إلا الله فهي مما أمرنا بالإكثار منها" ، وإن من أعظم العوامل التي تساعد المسلم على إقامة دينه العمل بالمقتضى الإيمان ظاهرا وباطنا وبه يتحقق التوحيد كما قال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كتاب مفيد المستفيد بقلم فضيلة الشيخ إبراهيم أل الشيخ : " من شهد أن لا إله إلا الله من تكلم بها عارفا لمعناها عاملا بمقتضاها باطنا وظاهرا فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها كما قال تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله } وقوله : { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون }، وأما النطق بها من غير معرفة لمعناها، ولا يقين، ولا عمل بما تقتضيه من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح : فغير نافع بالإجماع، كما قال عمر رضي الله عنه : [ إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية] ، وهذا لأنه إذا لم يعرف الشرك و ما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية فتنقض بذلك عرى الإسلام ويعود المعروف منكرا والمنكر معروفا والبدعة سنة والسنة بدعة،ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد ويبدع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع ومن له بصيرة و قلب حي يرى ذلك عيانا فالله المستعان ".
2- فساد وزيغ مذهب المرجئة
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :
[رسالة التحذير من الإرجاء وبعض الكتب الداعية إليه ص8-9 ](1/16)
مقالة المرجئة الذين يخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، ويقولون : الإيمان هو التصديق بالقلب أو التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط، وأما العمال فغنها عندهم شرط كمال فيه فقط وليست منه، فمن صدق بقلبه ونطق بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان عندهم و لو فعل ما فعل من ترك الواجبات وفعل المحرمات ويستحق دخول الجنة ولو لم يعمل خيرا قط ، و لزم على ذلك الضلال لوازم باطلة منها: حصر الكفر بكفر التكذيب و الاستحلال القلبي، ولا شك أن هذا قول باطل وضلال مبين مخالف للكتاب والسنة وما عليه أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا، وأن هذا يفتح بابا لأهل الشر والفساد للانحلال من الدين وعدم التقيد بالأوامر والنواهي، والخوف والخشية من الله سبحانه ويعطل الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويسوي بين الصالح والطالح، والمطيع والعاصي والمستقيم على دين الله والفاسق المتحلل من أوامر الدين ونواهيه، ما دام أن أعمالهم هذه لا تخل بالإيمان كما يقولون، ولهذا اهتم أئمة الإسلام قديما وحديثا ببيان بطلان هذا المذهب والرد على أصحابه وجعلوا لهذه المسألة بابا خاصا في كتب العقائد بل ألفوا فيها مؤلفات مستقلة ،كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره ،قال شيخ الإسلام رحمه الله – في العقيدة الواسطية - : " ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان ،وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية".(1/17)
فمستحيل أن يحقيق العبد الإيمان إذا ترك لوازم التوحيد ومقتضيات الإسلام وقيود الإسلام بالطاعة والإذعان وإقامة الأركان والفرائض بالكلية كما قال ابن تيمية مجموع الفتاوى ج7 ص 187 : " والإيمان عمل الجوارح فكما يجب على الخلق أن يصدقوا الرسل عليهم السلام فيما أخبروا، فعليهم أن يطيعوهم فيما أمروا، فلا يتحقق الإيمان بالرسل مع ترك الطاعة بالكلية، قال تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله }"، إن اعتقاد أهل السنة والجماعة واضح مشروح مبسط فلا نريد بعد قرون من التأصيل أن يأتي رجل يقول أريد أن أجعلكم سنيين بقواعده الخاطئة في تقرير معتقد ينسبه ظلما وعدوانا وبهتانا إلى أهل السنة والجماعة ، قال ابن تيمية رحمه الله في المجموع : " قال أئمة الحديث : الإيمان " قول وعمل" قول باطن وظاهر، وعمل باطن وظاهر والظاهر تابع للباطن لازم له، متى صلح الباطن صلح الظاهر وإذا فسد فسد"، وقال كذلك في الصارم المسلول ص521-522 ومجموع الفتاوى ج20ص97 : "إن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه، واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه، فهذا ليس بكافر، فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه، أو أنه حرمه، لكن امتنع من قبول هذا التحريم وأبى أن يذعن لله وينقاد، فهو إما جاحد أو معاند، ولهذا قالوا : من عصى الله مستكبرا كإبليس كفر بالاتفاق، ومن عصى مشتهيا لم يكفر عند أهل السنة والجماعة، وإنما يكفره الخوارج، فإن العاصي المستكبر وإن كان مصدقا بأن الله ربه، فإن معاندته له ومحادته تنافي هذا التصديق، وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلا فهو كافر بالاتفاق، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه وكذلك لو استحلها من غير فعل، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية، ولخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جحدا محضا غير مبني على مقدمة، و تارة يعلم أن الله حرمها، ويعلم أن(1/18)
الرسول إنما حرم ما حرمه الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المحرم، فهذا أشد كفرا ممن قبله، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء، إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردا أو اتباعا لغرض النفس، وحقيقته كفر، هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، و يقول: أنا لا أقر بذلك، ولا ألتزمه و أبغض هذا الحق وأنفر منه، فهذا نوع غير النوع الأول و تكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا"، فهذا هو مذهب السلف رضي الله تعالى عنهم وكل من قرر غير هذه الأصول في تحقيق مذهب أهل السنة والجماعة فهو منحرف عن منهج الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وكل ما ثبت في الأحاديث الصحيحة التي تنص على خروج المسلمين من النار بعد دخولهم فهي في حق من وحد الله تعالى واجتنب الشرك كمثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: [ ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار]، وفي لفظ : [ أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه من النار فيخرجون خلقا كثيرا] قال القرطبي في كتاب المفهم على صحيح مسلم: في باب لا يكفى مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب.، هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان و أحاديت هذا الباب تدل على فساده، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها، ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح وهو باطل قطعا "، فالإيمان كالشجرة لها أصل وفروع(1/19)
وشعب، فأصل الدين هو التوحيد بلوازمه ومقتضياته وأما فروعه وشعبه وثمرته العلم النافع والعمل الصالح كما قال ابن رجب شرح صحيح مسلم ج1 ص78: " وقد ضرب العلماء مثل الإيمان بمثل شجرة لها أصل و فرع وشعب، فاسم الشجرة يشمل على ذلك كله ولو زال شيء من شعبها و فروعها لم يزل عنه اسم الشجرة وإنما يقال هي شجرة ناقصة و غيرها أتم منها، و قد ضرب الله مثل الإيمان بذلك في قوله:{ ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها} والمراد بالكلمة كلمة التوحيد، وبأصلها التوحيد الثابت في القلوب وأكلها هو الأعمال الصالحة الناشئة منها"
3- تعريف الدين و الإيمان عند أهل السنة والجماعة(1/20)
روى مسلم و أهل السنن : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر،لا يرى عليه أثر السفر و لا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه و وضع كفيه على فخذيه وقال : يامحمد أخبرنى عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [أن تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و تقيم الصلاة وتوتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا]، قال صدقت،قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرنى عن الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال : صدقت، قال : فأخبرني عن الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك] وفى رواية عند النسائي قال: يا رسول الله ما الإسلام؟فقال : الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئا و تقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدى الزكاة المفروضة، و تصوم رمضان ] وفى رواية عند بن حبان بزيادة فى الإسلام قال : وتحج وتعتمر، وتغتسل من الجنابة و أن تتم الوضوء، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم ؟ قال : نعم قال : ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على بالرجل، فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم]،وفى رواية عند مسلم : [ هذا جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم ]، وفى رواية عند ابن حبان : [أمر دينكم خذوا عنه] ، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ج1ص37-38: " فأما الإسلام فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال الجوارح الظاهرة "من القول والعمل وأول ذلك شهادة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ثم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان،وحج البيت من استطاع اليه سبيلا، وهى منقسمة الى عمل بدني كالصلاة والصوم والى عمل مالى و هو(1/21)
إيتاء الزكاة، وإلى ما هو مركب منهما كالحج بالنسبة إلى البعيد عن مكة"، وكل من اعتنق الإسلام ألزم بالأركان و الشرائع والفرائض الواجبة كما قال ابن رجب في جامع العلوم و الحكم ج1 ص 38: فى شرح حديث : " فإذا فعلت ذلك فانا مسلم قال : نعم " يدل على أن من أكمل الإتيان بمباني الإسلام الخمس صار مسلما حقا، مع أن من أقر بالشهادتين صار مسلما حكما فإذا دخل في الإسلام بذلك ألزم بالقيام ببقية خصال الإسلام ومن ترك الشهادتين خرج من الإسلام وفى خروجه من الإسلام بترك الصلاة خلاف مشهور بين العلماء، وكذلك فى ترك مباني الإسلام الخمس كما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى".(1/22)
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية في رسالة التحذير من الإرجاء وبعض الكتب الداعية إليه ص11: " قال ابن تيمية : " وأصل الإيمان في القلب، وهو قول القلب وعمله وهو إقرار بالتصديق والحب والإنقياد ، وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دلّ على عدمه أو ضعفه، ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه وهي تصديق لما في القلب ودليل عليه وشاهد له وهي شعبة من الإيمان المطلق وبعض له"، ومن لوازم الشهادة أن تكون بصدق ويبتغى بها وجه الله تعالى ، أي لا بد أن تكون مصحوبة بافخلاص المحض الذي لا يخالطه شرك كما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه لما طعنوا في الصحابي مالك بن دخشم رضي الله عنه : [ ألا تراه قال لا إله إلا الله يبتغى بها وجه الله تعالى]، قال النووي في شرح صحيح مسلم ج1ص275: قال أبو عمر ابن عبد البر : " ولا يصح عنه النفاق فقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه" وقال النووي: " فهذه شهادة من رسول صلى الله عليه وسلم له بأنه قالها مصدقا بها معتقدا صدقها متقربا بها إلى الله تعالى وشهد له في شهادته لأهل بدر بما هو معروف، فلا ينبغي أن يشك في صدق إيمانه رضي الله عنه وفي هذه الزيادة رد على غلاة المرجئة القائلين : بأنه يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد فإنهم تعلقوا بمثل هذا الحديث و هذه الزيادة تدمغهم و الله أعلم"، فسهام الإسلام هي منارات المؤمن التي تحدد للمسلم مقتضى طريق الإسلام المستقيم لإقامة عبودية الله تعالى وحده ولاجتناب الشرك والكفر به سبحانه، وإقامة أمره وهذا كله يدخل في مسمى الإيمان روى الحاكم (1/21)وقال حديث صحيح وأبو نعيم بسند صحيح عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن للإسلام ضوءا في رواية [صوى] ومنارا كمنار الطريق : أن تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتى(1/23)
الزكاة، و تصوم رمضان، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتسليمك على بني آدم إذا لقيتهم وتسليمك على أهل بيتك إذا دخلت عليهم فمن انتقص منهنّ شيئا فهو متهم من الإسلام بتركه ومن تركهن فقد نبذ الاسلام وراء ظهره ]، وفي رواية صححه الألباني في السلسلة ( 333): [ فقد ولى الإسلام ظهره]، و روى ابن أبى شيبة، و البزار والهيثمي عن حذيفة رضي الله عنه قال : [الإسلام ثمانية أسهم : الإسلام سهم ، والصلاة سهم، والزكاة سهم، وصوم رمضان سهم، والحج والعمرة سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم وقد خاب من لا سهم له] وهذا الحديث خرجه البزار مرفوعا والموقوف أصح، وله حكم المرفوع لأنه مما لا يقال بالرأي والإجتهاد، قال ابن رجب : ترك المحرمات داخل فى مسمى الإسلام ، و روى الترمذي في الأمثال وأحمد والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس أدخلوا الصراط جميعا، ولا تعوجوا، وداع يدعو من جوف الصراط فإذا أراد أحد أن يفتح شيئا من تلك الأ بواب قال: و يحك لا تفتحه فانك إن تفتحه تلجه، والصراط: الاسلام، والسوران حدود الله عز وجل والأبواب المفتحة : محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط : كتاب الله والداعي من جوف الصراط : واعظ الله في قلب كل مسلم]، فهذا كله من الإيمان اعتقادا وقولا وعملا ، وقال الشيخ حمد بن عبد الله الحمد في شرح رسالة كشف الشبهات : "إذا لابد من معرفة التوحيد بالقلب ومن النطق باللسان ولابد أيضا من العمل بالتوحيد من عبادة الله عز وجل،فيعبد الله وحده لاشريك له وجنس العمل ركن فى الإيمان"، فثمرة القبول والرضا هي سبب التصديق والعمل بلوازم التوحيد ومقتضيات الإيمان، كما قال النووي قال(1/24)
البغوي في شرح صحيح مسلم ج1ص182: "والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعا يدل عليه قوله سبحانه وتعالى :{إن الدين عند الله الإسلام}،{ ورضيت لكم الإسلام دينا}،{ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } فأخبر سبحانه وتعالى أن الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام ولا يكون الدين في محل القبول والرضا إلا بانضمام التصديق الى العمل"، فحقيقة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعتقد والعبادة والطاعة تكون بلزوم إقامة إلهية الله سبحانه وتحقيق عبادته كما قال الله تعالى :{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين }، قال ابن كثيرفي تفسيره ج1ص338 : "دلت الآية على أن مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في الطريقة كفر والله لايحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب لله، ويتقرب اليه حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل، ورسول الله الى جميع الثقلين"، فيا عباد الله لا بد أن ننتبه : إن العمل ركن في الإيمان، وترك المتابعة في الطريقة المحمدية كفر كما دلت عليه النصوص وشرحها أئمة السلف قاطبة فأصل الإسلام : " الاستسلام لله تعالى بالطاعة والانقياد والإذعان والامتثال لدينه وأمره وشرعه، والتولي هو الإعراض عن كل ذلك" قال العلامة النووي في شرح صحيح مسلم ج1ص182: " أصل الإسلام الاستسلام والانقياد، فقد يكون المرء مستسلما في الظاهر غير منقاد في الباطن، وقد يكون صادقا في الباطن غير منقاد في الظاهر"، و قال العماد بن كثير في التفسير : " الإسلام : هو الاستسلام لله تعالى المتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع"، وبهذين الأصليين يتحقق التوحيد بلوازمه التعبدية. عباد الله : إن التولى عن الطاعة إعراض عن دين الله إن التولي عن الطاعة والانقياد إعراض عن الله تعالى وأمره وهذه الخصلة من شعب النفاق، فلا ينبغي(1/25)
للمسلم أن يتصف بوصف المنافقين المعرضين عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قال العلامة الرباني ابن تيمية كتاب درء النقل 10 ص242 : " قال الله تعالى : { ويقولون ءامنا بالله وبالرسول وأطعنا، ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك } سورة النور آية 47 و التولي هو: التولي عن الطاعة، وقال تعالى :{ فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى} فعلم أن التولي ليس هو التكذيب، بل هو التولي عن الطاعة"، ومثل هذا كثير في كتاب الله تعالى ، وقال عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين في رسالته الانتصار لحزب الله الموحدين : "والفقهاء رحمهم الله : يذكرون في كتب الفقه حكم المرتد وأنه المسلم الذي يكفر بعد إسلامه : / نطقا أو فعلا أو اعتقادا أو شكا"، وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في رسالة التحذير من الإرجاء و بعض الكتب الداعية إليه ص 15 : " الردة هي الكفر بعد الإسلام و تكون بالقول والفعل والاعتقاد والشك..."، والإذعان لله بطاعة في العبادة والانقياد له بالتوحيد هي إقامة العبودية لله تعالى وهي مقصد الألوهية التي تعّبدُ الناسَ لربهم وإلههم سبحانه وتعالى، وإن إقامة شروط لا إله إلا الله من الواجبات التي كلف بها المسلم في الدنيا، ولا يصح توحيد من لم يحقق شروط لا إله إلا الله اعتقادا وقولا وعملا، فأعظم ما يحققه المسلم في حياته التوحيد بلوازمه العقائدية والتعبدية ومن أجل ذلك خلق وبهذا أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، قال العلامة ابن تيمية في كتاب مكارم الأخلاق ص268 : " قال تعالى: { من يطع الرسول فقد أطاع الله} : فليس لأحد إذا أمره الرسول بأمر أن ينظر هل أمر الله به أم لا؟ "
4- شروط لاإله إلا الله(1/26)
1 )- العلم المنافي للجهل: إن العلم بلا إله إلا الله من السباب التي تدفع العبد إلى محبة التوحيد وتحقيق مقتضياته والدليل على ذلك : قول الله تعالى {فاعلم أنه لا إله إلا الله }، وقوله جل جلاله { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } ، وقوله سبحانه : { شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط }، والدليل من السنة ما روى مسلم :عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من مات و هو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة]، فالعلم بلا إله إلا الله هو العلم بالله تعالى المعبود بحق .
2 )- اليقين المنافي للشك:
فلا اعتبار عباد الله لمن نطق بالشهادة من غير يقين والدليل قول الله تعالى :{ إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون }، والدليل من السنة ما روى مسلم :عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لايلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة ]، وفي رواية : [ لا يلقى اللهَ بهما عبدُُ غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة]، و روى مسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لاإله إلا الله مستيقتا بها قلبه فبشره بالجنة]، فشهادة اليقين في دين الله شرط في قبول التوحيد.(1/27)
3 )- القبول المنافي للرد: إن قبول ما دلت عليه الكلمة الناجية شرط في صلاح هذه الكلمة عند صاحبها فمن لم يقبلها لم تنفعه ولو نطق بها والدليل من الكتاب قوله تعالى :{ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا} ، وإن علامة القبول تظهر في العمل بالإسلام وأحكامه كما قال العلامة صالح الفوزان في شرح هذه الآية في كتاب محاضرات في العقيدة والدعوة ص147: " هذا موقف الفريقين عندما يدعيان إلى التحاكم إلى شريعة الله وهو موقف لا يزال يتكرر كلما حدثت قضية أو عرضت نازلة، المنافقون يريدون حكم الله و رسوله فيها إذا كان لهم، أما إذا كان عليهم فإنهم يهربون إلى حكم الطاغوت ليخلصهم من حكم الله، والمؤمنون يريدون حكم الله على كل حال سواء كان لهم أو عليهم"،
والدليل الثاني قوله تعالى:{ و ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}، والدليل من السنة ما روى الترمذي و صححه الألبانى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا و بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا و جبت له الجنة]، و في رواية :[ نبيا ورسولا ]،[وجبت له الجنة]، و روى مسلم : عن العباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ذاق طعم الإيمان : من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا و بمحمد نبيا]
4)- الإنقياد المنافي للترك: وأما الانقياد لما دلت عليه الكلمة فهو دليل موافق الباطن للظاهر والظاهر للباطن، والدليل قوله تعالى :(1/28)
{ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى}، وقوله تعالى :{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ...}، وأما السنة فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : [لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به] قال النووي حديث حسن صحيح قد رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح وحسنه ابن باز، وقال الشيخ عبد المحسن العباد رسالة الحث على اتباع السنة والتحذير من البدع وبيان خطرها ص31: قال الحافظ (ج13ص289) وأخرج البيهقي في المدخل وابن عبد البر في بيان العلم عن جماعة من التابعين كالحسن و ابن سرين وشريح والشعبي والنخعي بأسانيد جياد ذم القول بالرأي المجرد، و يجمع ذلك كله حديث أبي هريرة : [لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به] أخرجه الحسن بن سفيان وغيره ورجاله ثقات وقد صححه النووي في آخر الأربعين"، وقال محمد بن عبد الوهاب : "كون الإيمان لا يحصل لأحد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم"، وقال العثيمين القول المفيد على كتاب التوحيد ج2ص176:(ج2ص182) هذا واضح من الحديث أي: " لا يؤمن أحدكم إيمانا كاملا إلا إذا كان لا يهوى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية فإنه ينتفي عنه الإيمان بالكلية لأنه إذا كره ما أنزل الله فقد حبط عمله لكفره، قال تعالى: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم }"، وقال الشيخ صالح الفوزان في كتاب محاضرات في العقيدة والدعوة ص66 : " الانقياد بأداء حقوقها وهي الأعمال الواجبة إخلاصا لله وطلبا لمرضاته"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية شرح كتاب العمدة (ج2/ ص 86) : "فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل كما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، وعلى ما هو مقرر في موضعه، فالقول : تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم، والعمل : تصديق القول، فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا "(1/29)
5 )- الصدق المنافي للكذب : فالصدق عنوان المخلصين ولقد قيل أن الصدق هو قمة الإخلاص ولن يكون الرجل صادقا إلا إذا كان مخلصا، والدليل قوله تعالى : { ألم أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }، وما جاء في السنة كما روى الشيخان : عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبه ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار]، قال العلامة الحافظ في فتح البارى باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا : " قال الطيبي قوله : "صدقا": أقيم هنا مقام الاستقامة لأن الصدق يعبر به قولا عن مطابقة القول المخبر عنه، يعبر به فعلا عن تحري الأخلاق المرضية كقوله تعالى: { والذي جاء بالصدق وصدق به } أي: حقق ما أورده قولا بما تحراه فعلا"، وقال ابن القيم في كتاب التبيان في أقسام القرآن ص43 : " والتصديق بلا إله إلا الله يقتضي الإذعان والإقرار بحقوقها وهي شرائع الإسلام التى هى تفصيل هذه الكلمة بالتصديق بجميع أخباره و امتثال أوامره و اجتناب نواهيه"(1/30)
6 )- الإخلاص المنافي للشرك: وأما دليل الإخلاص الذي هو الصفاء والنقاء في النية والقول والعمل قوله تعالى: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}، {ألا لله الدين الخالص }، قال عبد الرحمن بن حسن : " والدين : كل ما يُدان الله به من العبادات الظاهرة والباطنة"، { فادع الله مخلصين لها لدين ولو كره الكافرون }، واما السنة ما جاء عن البخاري : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصا من قلبه]، وفي رواية : [ أو من نفسه]،[من قِبل نفسه]، وخرج السيوطي في الجامع و صححه الألباني: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [من قال لا إله إلا الله خالصا مخلصا من قلبه دخل الجنة].
7)- المحبة المنافية للبغض: واما المحبة فهي دليل الإرادة القلبية فكل العبادات مبناها على هذا الأصل فمن أحب شيئا بالغ في إرضاءه، فكل محب لله تعالى مبل عليه بالطاعة والذل والإنقياد: والدليل من الكباب قوله تعالى :{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا }، وقد جاء في السنة كما روى أحمد (4/366) والبخاري (7/218) : قال عمر رضي الله عنه : [ والله لأنت يا رسول الله أحب إلى من كل شيء إلاّ من نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه، فقال عمر رضي الله عنه : فأنت الآن والله أحب إلى من نفسي ، فقال رسول الله : الآن يا عمر]، قال العلامة ابن عثيمين في القول المفيد على كتاب التوحيد ج2 ص52: " إذا كان الرسول أحب إليك من نفسك فأنت تنتصر للرسول أكثر مما تنتصر لنفسك، وترد على نفسك بقول الرسول صلى الله عليه و سلم فتدع ما تهواه من أجل طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم و هذا عنوان تقديم محبته على محبة النفس و لهذا قال بعضهم :
تعصي الإله وأنت تزعم حبه --- هذا لعمرى في القياس بديع(1/31)
لو كان حبك صادقا لأطعته --- إن المحب لمن يحب مطيع
إذا يؤخذ من هذا الحديث و جوب تقديم قول الرسول صلى الله عليه وسلم على قول كل الناس حتى على قول أبي بكر و عمر وعثمان"
وبوب النووي : بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان
روى البخاري((16) ومسلم(43): عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : [ ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة " طعم " الإيمان، من كان الله ورسوله أحبَ إليه مما سواهما وأن يحب " و من كان يحب " المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار]، وفي رواية : [ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه]، في رواية لمسلم : [ من أن يرجع يهوديا أو نصرانيا ]، قال العلامة النووي في شرح صحيح مسلم ج1 ص289 : " هذا حديث عظيم، أصل من أصول الإسلام، قال القاضي عياض رحمه الله هذا الحديث بمعنى الحديث المتقدم : [ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا] وذلك أنه لا تصح المحبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم حقيقة وحب الأدمي في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكراهة الرجوع إلى الكفر إلا لمن قوي بالإيمان يقينه واطمأنت به نفسه و انشرح له صدره و خالط لحمه و دمه و هذا هو الذي وجد حلاوته، قال (أي: القاضي ): والحب في الله من ثمرات حب الله"، قال صالح الفوزان كتاب محاضرات في العقيدة والدعوةص279 : "فعلامة محبة الله عز وجل : اتباع رسوله و علامة بغض الله عز وجل مخالفة رسوله ثم ذكر عز وجل علامة بغض الله فقال سبحانه:{ فإن تولوا} أي عن طاعة الله و رسوله فهذا دليل على بغض الله عز وجل و بغض رسوله فإن الله لا يحب الكافرين"، و روى الشيخان ((16)ومسلم(43)عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله(1/32)
ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله،وأن يكره أن يعود في الكفربعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار]، قال صالح الفوزان محضارات في العقيدة و الدعوة ص68-69: " فتبََا لمن كان أبو جهل وأبو لهب أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله و الحاصل أن من قال هذه الكلمة عارفا لمعناها عاملا بمقتضاها ظاهرا وباطنا من نفي الشرك و إثبات العبادة لله مع الإعتقاد الجازم لما تضمنته والعمل به فهو المسلم حقا ومن قالها وعمل بمقتضاها ظاهرا من غير اعتقاد لما دلت عليه فهو المنافق، ومن قالها بلسانه وعمل بخلافها من الشرك المنافي لها فهو الكافر و لو قالها آلاف المرات لأن عمله يبطل نطقه بها فلابد مع النطق بهذه الكلمة من معرفة معناها، لأن ذلك وسيلة للعمل بمقتضاها قال تعالى:{ إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} والعمل بمقتضاها وهو ترك عبادة ما سوى الله و عبادة الله وحده هو الغاية من هذه الكلمة"(1/33)
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية رسالة التحذير من الإرجاء وبعض الكتب الداعية إليه ص 11-12: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "بل كل من تأمل ما تقوله الخوارج والمرجئة في معنى الإيمان علم بالاضطرار أنه مخالف للرسول ويعلم بالاضطرار أن طاعة الله ورسوله من تمام الإيمان،وأنه لم يكن يجعل كل من أذنب ذنبا كافرا ويعلم أنه لو قدّر أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك، ونقر بالشهادتين، إلا انا لا نطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه فلا نصلي ولا نصوم ولا نحج ولا نصدق الحديث ولا نؤدي الأمانة ولا نفي بالعهد ولا نصل الرحم و لانفعل شيئا من الخير الذي أمرت به، ونشرب الخمر وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهر ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك ونأخذ أموالهم، بل نقتلك أيضا ونقاتلك مع أعدائك، هل كان يتوهم عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم أنتم مؤمنون كامل الإيمان، وأنتم أهل شفاعتي يوم القيامة، ويرجى لكم أن لا يدخل أحد منكم النار، بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه : يقول لهم أنتم أكفر الناس بما جئت به ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك"، وقال ابن منظور : " الإسلام هو الاستسلام لله بالانقياد والطاعة والإذعان"، والاستسلام : " يتضمن الطاعة والعبادة"، قال العلامة ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج3ص91 : " الإسلام : يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركا ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده فهذا دين الإسلام : الذي لا يقبل الله غيره، وذلك إنما يكون بأن يطاع في كل وقت بفعل ما أمره به في ذلك الوقت"، فعظمة كلمة لا إله إلا الله تكمن لمن جاء بها يوم القيامة بالشروط والقيود، وحقيقة منهج النبوة يتمثل أولا في تعليم الناس التوحيد وإخلاص الدين لله، ثم القيام بما أوجب الله تعالى(1/34)
على الخلق كما جاء في طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم الخلق كما روى البخاري(4347) ومسلم (19) في صحيحه : عن ابن عباس رضي الله عنه : [ أن معاذ بن جبل قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ إنك تأتي - في رواية-: تقدم ، في رواية : [ ستقدم قوما ] في رواية-: [على قوم من أهل كتاب]، في رواية : [ من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز و جل]، وفي رواية : [فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فان هم أطاعوك لذلك]، في رواية-: [فإذا عرفوا الله فأخبرهم ] وفي رواية :[فأعلمهم]،[أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم و ليلة]، في رواية :[ في يومهم وليلهم] فإذا فعلوا]وفي رواية : [فان هم أطاعوك لذلك فأخبرهم]، [فأعلمهم أن الله افترض عليه زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإيك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب]، وفي رواية : [فخذ منهم وتوق كرائم أموالهم]، قال النووي في شرح صحيح مسلمج1ص230: " وفيه أن السنة : أن الكفار يدعون إلى التوحيد قبل القتال ، وفيه : " أنه لا يحكم بإسلامه إلا بالنطق بالشهادتين، وهذا مذهب أهل السنة"، قال النووي كتاب شرح صحيح مسلم ج 1 ص 230: قال القاضي عياض في قوله صلى الله عليه وسلم :[فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم ]: هذا يدل على أنهم ليسوا بعارفين بالله تعالى، وهو مذهب حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله تعالى وإن كانوا يعبدونه،ويظهرون معرفته لدلالة السمع عندهم على هذا، وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله تعالى من كذب رسولا، وهل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ؟ وقال النووي رحمه الله : ثم اعلم أن المختار: أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور به والمنهي عنه، هذا قول المحققين والأكثرين وقيل: ليسوا مخاطبين بها، وقيل: مخاطبون بالنهي(1/35)
دون المأمور و الله أعلم"، ووهذه الدعوة المباركة هي حقيقة ما عليه أهل السنة والجماعة خلافا للمرجئة والخوارج كما قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجرى كتاب الشريعة ص104: " فمن ترك خلة من خلال الإيمان كان بها عندنا كافرا، و من تركها كسلا أو تهاونا بها أدبناه وكان بها عندنا ناقصا هكذا السنة أبلغها عنى من سألك من الناس"، والإيمان ليس العلم دون العمل ولا المعرفة العقائدية دون الاهتداء قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج13: " فمن ظن أن الهدى والإيمان يحصل بمجرد طريق العلم مع عدم العمل به، أو بمجرد العمل والزهد بدون العلم فقد ضل"، ففهم وعلم السلف كان أحكم وأسلم وأفهم للسنة، وكثير من الأخطاء العقائدية ظهرت بسبب الفهم السقيم البعيد عن السنة ومنهج النبوة، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى : " من فسر القرآن أو الحديث و تأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة و التابعين فهو مفتر على الله، ملحد فى آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح باب الزندقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام"
القسم الثاني:
1- قواعد العبودية :
إن الغاية التي خلق الإنسان من أجلها هي عبادة الله تعالى وحده دون سواه كما قال الله تعالى :{ و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }، قال الطبري : قال السلف كابن عباس رضي الله عنه إلا (ليوحدون)(1/36)
قال آخرون : أي: إلا ليعرفون، قال القرطبي كما جاء في كتاب فتح المجيد بتحقيق العلامة ابن باز(26): " أصل العبادة : التذلل والخضوع، وسميت وظائف الشرع على المكلفين عبادات لأنهم يلتزمونها، ويفعلونها خاضعين متذللين لله تعالى، وهذه هي الحكمة الشرعية في خلقهم"، ومعنى الآية أن الله تعالى أخبر أنه ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته، قال عبد الرحمن بن حسن : " وهى الحكمة الشرعية الدينية"، وقال ابن كثير: " وعبادته هي : طاعة بفعل المأمور وترك المحظور وذالك هو حقيقة دين الإسلام" ، وقال على بن أبي طالب رضي الله عنه : [ إلا ليعبدون أي: إلا لأمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادات]، قال مجاهد : " إلا لأمرهم وأنهاهم" و اختاره الزجاج وشيخ الإسلام، و يدل على هذا قوله تعالى : { أيحسب الإنسان أن يترك سدى }، قال الشافعي : لا يؤمر و لا ينهى، وقال الله تعالى في القرآن في غير موضع : { اعبدوا ربكم }،{ اتقوا ربكم} فقد أمرهم بما خلقوا له، وأرسل الرسل بذلك، وهذا هو المعنى الذي قصد بالآية قطعا وهو الذي يفهمه جماهير المسلمين ويحتجون بالآية عليه"، وقال ابن تيمية رحمه الله " العبادة أصلها عبادة القلب المستتبع للجوارح"، والقرآن كله دعوة إلى التوحيد والإيمان وإن سر العبودية في فاتحة الكتاب في قوله تعالى :{ إياك نعبد وإياك نستعين}، قال ابن كثير: تفسير ابن كثير ج1 ص36 في تفسير قول الله تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين، وهذا كما قال السلف:الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة{إياك نعبد وإياك نستعين }"، فالأمة المسلمة بخير ما دامت على التوحيد الذي كان عليه السلف رضي الله عنهم كما قال عمر رضي الله عنه : [ إن الله هدى نبيكم بهذا القرآن فاستمسكوا به]، وكان عمر الفاروق رضي الله عنه يقول في دعاء القنوت من الوتر كما روى البيهقي في السنن الكبرى وصحح إسناده الألباني : [ اللّهم إياك نعبد و لك نصلى(1/37)
ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكافرين ملحق، اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير و لا نكفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع من يكفرك]، فكل الألفاظ التي نطق بها عمر رضي الله عنه تدل على حقيقة دعوة التوحيد، ومن فوائد هذا الدعاء:
1)- الإلحاح في الدعاء الذي هو مخ [ أي : لب] العبادة كما روى الترمذي وقال : حديث حسن صحيح وصححه الألباني عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [الدعاء هو العبادة]
2) - تحقيق العبادة بجميع لوازمها كالصلاة والسجود والسعي والمسارعة إلى الخير والخوف والرجاء المصحوب بالعمل والاستعانة بالله وحده والاستغفار والثناء على الله بما هو أهل.
3)- وقال : لا نكفرك = أي نجتنب الكفر بكل أشكاله وألوانه
4)- ونؤمن بك = فيه تحقيق الإيمان الواجب كما هو معتقد اهل السنة والجماعة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
5)- وقوله : ونخضع لك = فيه كمال الخضوع لله(1/38)
6)- وقوله : ونخلع من يكفرك = فيه محاربة الكفر وخلعه على وجه الأرض حتى يكون الدين كله لله، كما قال ابن تيمية : " القرآن قرر التوحيد اعتقادا وقولا و عملا "، وإن إفراد الله تعالى بالإلهية وتجريد العمال له سبحانه بالعبودية هو حقيقة دعوة المرسلين والنبيين، قال الصنعاني تطهير الاعتقاد عن أدران الشرك والإلحاد : " إن رسل الله وأنبياءه من أولهم إلى آخرهم بعثوا بدعاء العباد إلى توحيد الله بتوحيد العبادة وكل رسول أول ما يقرع به أسماع قومه:{ يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره } { ألا تعبدوا إلا الله }،{ أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون }، وهذا الذي تضمنه قول لا إله إلا الله فإنما دعت الرسل أممها إلى قول هذه الكلمة واعتقاد معناها لا مجرد قولها باللسان، ومعناها هو إفراد الله بالإلهية والعبادة والنفي لما يعبد من دونه والبراءة منه، وهذا الأصل لا مرية في ما تضمنه ولاشك فيه وأنه لا يتم إيمان أحد حتى يعلمه"، وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى ج7/ص 616 : "وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع سواء جُعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزء من الإيمان"، وقال محمد بن عبد الوهاب : " كان النبي صلى الله عليه وسلم : يحقق التوحيد ويعلمه أمته"، وقال كذلك محمد بن عبد الوهاب في كتاب مجموعة التوحيد: " قال الله تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله } إلى قوله { إلا لمن أذن له } والقرآن مملوء من أمثالها ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته ويظنه في قوم قد خلوا ولم يعقبوا وارثا، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن" ، فكل هذه الأقوال المباركة الصحيحة لفحول علماء السنة تدل على منهج المرسلين في تقرير التوحيد، ولقد أمر الله تعالى آدم عليه السلام وذريته بالتوحيد ونهاهم عن الشرك ؟ كما قال تعالى : { ألم أعهد إليكم يا بني آدم(1/39)
أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم}، وقد روى أحمد والبخاري ومسلم فى صحيحه (2805) : عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا لو كانت لك الدنيا وما فيها و مثلها، أكنت مفتديا بها ؟ فيقول : نعم، فيقول : قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك أحسبه قال : و لا أدخلك النار فأبيت إلا الشرك]، قال عبد الرحمن بن حسن في كتابه القيم فتح المجيد: (فتح المجيد ص(27) : " فهذا المشرك قد خالف ما أراده الله تعالى منه، من توحيده، وأن لا يشرك به شيئا فخالف ما أراده الله منه، فأشرك به غيره، وهذه هي الإرادة الشرعية الدينية"، ولقد دخل إبليس من هذا الباب على كثير من الخلق بدعوى عدم جحود الرب تبارك وتعالى ، ولكنه أوقعهم في شرك الإلهية ، وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى : " العبادة : أصلها القصد والإرادة"، وقال : يقال: يدين الله أو يدين لله : أي يعبد الله، ويطيعه، ويخضع له" وقال في المجموع : " قال السلف : من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق عبادة الحب ، ومن عبد ه بالخوف وحده فهو حروري ( عبادة الخوف كما فعلت طوائف الخوراج )، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجى/ (عبادة الرجاء كما فعلت فرق الإرجاء)،/ ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن/."، وإن الإنسان إذا لم يعرف حقيقة التوحيد ولم يتعلم حدود الشرك حتى يجتنبها يكذب فعله قوله، إذا خالف ما أمره الله به من العمل بالتوحيد والشريعة سيقع حتما في الشرك الذي نهت عنه الرسل كما قال ابن تيمية : " إذا غابت النبوات ظهر الشرك"، وقال ابن رجب كتاب كلمة الإخلاص ص28 : " أما من قال لا إله إلا الله ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله ومخالفته فقد كذب فعله قوله، ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى قال تعالى{ ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىَ من الله }،{(1/40)
ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله}"، وقال عبد الرحمن بن حسن : " إن الحكمة في إرسال الرسل، دعوتهم أممهم إلى عبادة الله وحده والنهى عن عبادة ما سواه وأن هذا هو دين الأنبياء والمرسلين وإن اختلفت شريعتهم كما قال تعالى: { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا }وأنه لابد في الإيمان من عمل القلب والجوارح"، فعمل القلب وعمل الجوارح عند السلف لا ينفك أحدهما عن الآخر ، و من قال بخلاف هذا المعتقد النبوي الكريم فقد زاغ وانحرف وقال بقول الإرجاء وما الدين إلا العبادة والطاعة والخضوع كما قال ابن تيمية : " فدين الله :عبادته وطاعته والخضوع له"، فالواجب على كل مسلم أن يلزم الصراط المستقيم في كل أقواله وأفعاله حتى يوحد الله تعالى حق توحيده ويعبده حق عبادته، قال ابن تيمية : " العبادة والطاعة والاستقامة ولزوم الصراط المستقيم ونحو ذلك من الأسماء مقصودها واحد ولها أصلان ألا نعبد إلا الله -وأن يعبد بما أمر وشرع لا بالأهواء ولا بالبدع" ، فهذا هو دين الله الذي أرسل به تعالى جميع الرسل والنبيين، كما قال ابن تيمية مجموع الفتاوى ج19 : " الإسلام دين جميع المرسلين".
2: كسر الأوثان وطمس الشرك من مقاصد النبوة(1/41)
الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثوا بدعوة واحدة عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، و روى البخاري (4/142) ومسلم (4/1837) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وليس بيني وبين عيسى نبي ]، فكلهم جاؤوا بمشكاة واحدة دعوة التوحيد، قال العماد بن كثير في كتاب التفسير : " كلهم أى الرسل يدعو إلى عبادة الله، وينهى عن عبادة ما سواه، فلم يزل سبحانه يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم فى قوم نوح الذين أرسل إليهم وكان أول رسول بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب وكلهم كما قال الله تعالى:{ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون }"، الرسل عليهم الصلاة والسلام بعثوا لإزالة الشرك والكفر مهما كان لونه أو وصفه أو شكله لا كما يزعم بعض المخطئين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغير الشرك السياسي، روى مسلم في الصحيح : عن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال : [ كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، قال : فسمعت برجل "بمكة" يخبر أخبارا فقعدت على راحلتي حتى قدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم مستخفيا جروء عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه " بمكة " فقلت له : وما أنت ؟ قال : أنا نبي ! قلت : وما نبي ؟ قال : أرسلني الله ، فقلت : بأي شيء أرسلك ؟ قال : بصلة الأرحام وكسرالأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء! فقلت : ومن معك على هذا ؟ قال : حر و عبد ! قال : و معه يومئذ / أبو بكر و بلال / فقلت له : إني متبعك ! قال : إنك لا تستطيع ذلك يومك(1/42)
هذا ألا ترى حالي وحال الناس ولكن إرجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني قال: فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله المدينة وكنت في أهلي وجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة، حتى قدم نفرمن أهل يثرب، فقلت: وما فعل هذا الرجل الذى قدم المدينة ؟ فقالوا : الناس إليه سراع ! و قد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت : يا رسول الله تعرفني ؟ قال : نعم ! أنت الذى لقيتني " بمكة " ؟ فقلت : يا نبي الله علمني مما علمك الله و أجهله، أخبرني عن الصلاة قال: صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس و حتى ترفع، فإنها تطلع بين قرني شيطان، و حينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة محضورة مشهودة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان و حينئذ يسجد لها الكفار]، فمن فوائد هذا الحديث : قال محمد بن عبد الوهاب مفيد المستفيد في حكم تارك التوحيد ~: " وفيه من العبر أنه : لما قال : أرسلني الله قال : بما أرسلك ؟ قال : بأي شيء أرسلك ؟ قال : بكذا وكذا! فتبين أن زبدة الرسالة الإلهية والدعوة النبوية هي : توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له، وكسر الأوثان ومعلوم أن كسرها لا يستقيم إلا بشدة العداوة وتجريد السيف / فتأمل زبدة الرسالة !"، فأمر العبادة مقرون بالنهي عن الشرك بالله تعالى، فلا تصح العبادة مع الشرك، بل لا تصح أي عبادة حتى يكفر صاحبها بكل ما عبد من دون الله، بل لا يصح الإسلام إلا بالكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله قال عبد الرحمن بن حسن : قال الله تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا } فإنه تعالى قرن الأمر بالعبادة التي فرضها بالنهى عن الشرك الذي حرمه وهو الشرك في العبادة فدلت هذه الآية على أن اجتناب الشرك شرط في صحة العبادة فلا تصح(1/43)
بدونه أصلا ، والشرك بالله تعالى هو أكبر الكبائر على الإطلاق كما روى البخارى مسلم : عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قلنا بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس، فقال : ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، فمازال يكررها حتى قلنا ليته سكت]، قال ابن القيم في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص 137 : " الشرك شركان : شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله وشرك في عبادته ومعاملته وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته و لا في صفاته ولا في أفعاله".، وهذه دعوة النبيين قاطبة : إصلاح المعتقد وإقامة العبادة فيما يتعلق بالربوبية والألوهية، فكل الرسل والأنبياء دعوا قومهم إلى توحيد الله تعالى ، روى الإمام أحمد و صححه الألباني : عن الحارث الأشعرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بهن و أن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن وكان يبطىء بهن، فقال له عيسى عليه السلام: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن أبلغهن فقال: يا أخى، إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي ، قال : فجمع يحيى بن زكريا بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد فقعد على الشرف ،فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن و أمركم أن تعملوا بهن و أولهن:
1)-أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا ، فإن مثل ذلك مثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل و يؤدي غلته إلى غير سيده فأيكم يسره أن يكون ذلك عبده كذلك ؟ و إن الله خلقكم و رزقكم فاعبدوه و لا تشركوا به شيئا.
2)- وأمركم بالصلاة ، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده مالم يلتفت فإذا صليتم فلا تلتفتوا(1/44)
3)- وأمركم بالصيام ، فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك، وإن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك .
4)- وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال لهم هل لكم أن أفتدي بنفسي ؟ فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل و الكثير حتى فك نفسه .
5)-و أمركم بذكر الله كثيرا، فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره ، فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله .
قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن الجماعة والسمع والطاعة و الهجرة و الجهاد في سبيل الله ، فإنه من خرج الجماعة قيد شبر فقد خلع رِبقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ، ومن دعى بدعوى جاهلية فهو من جثيِّ جهنم .
قالوا : يا رسول الله و إن صام و صلى فقال:و إن صام و صلى وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بآسماءهم على ما سماهم الله عز و جل : المسلمين المؤمنين عباد الله ] ، فهذه هي دعوة المسلمين دعوة إلى توحيد الله تعالى وعبادته وحده لا شريك له والكفر بكل ما عبد من دون الله تعالى ، روى البخاري ومسلم (4368)مسلم(رقم: 17): قال رسول الله لوفد عبد قيس :" آمركم بالآيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم ! قال : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، و أن تؤدوا الخمس من المغنم] ، وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتابه السنة (831) وأخرجه اللاكائي في اعتقاد أهل السنة (1732عن نافع مولى بن عمر رضي الله عنهما حين سئل عمن يقول نحن نقر بأن الصلاة فريضة ولا نصلي وأن الخمر حرام و نحن نشربها وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل قال السائل فنتر يده من يدي ثم قال : من فعل هذا فهو كافر ".(1/45)
لقد أمرنا الله تعالى بحقوق كثيرة في القرآن ونهانا عن مقاربة حدوده، ومما أمرنا به ابتداء توحيده وعبادته ، ونهانا عن الشرك والكفر به سبحانه وتعالى وأمرنا بحقوق في كتابه العظيم منها :
1) - حق التلاوة : قال الله تعالى :{ الذين ءاتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته } روى عبد الرزاق قال أبو العالية: قال ابن مسعود رضي الله عنه: والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزل الله ولا يحرف الكلم عن مواضعه ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله ]، و قال الحسن البصرى : " يعلمون بمحكمه و يؤمنون بمتشابهه و يكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه"، روى ابن أبي حاتم : قال ابن عباس و به قال ابن مسعود رضي الله عنهما: [ يتبعونه حق اتباعه]
2) - حق التقوى: قال الله تعالى:{ يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }، وروى الحاكم بسند صحيح على شرط البخاري : عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا : [أن يُطاع فلا يُعصى وأن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر]
3) -حق جهاده: قال الله تعالى : { وجاهدوا في الله حق جهاده}، وروى أبو داود وحسنه الألباني : عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [جاهدوا المشركين بأوموالكم وأنفسكم وألسنتكم ] حق الجهاد يكون : بالنفس والمال واللسان ولكل فرع باب خاص به.
4) - حق قدره: قال الله تعالى: { وما قدروا الله حق قدره } وهو حق توحيده فمن خاف الله حق خوفه وأطاعه حق طاعته ورجاه حق رجاءه وأحبه حق محبته فقد عبده حق عبادته ووحده حق توحيد
5) - حق الرعاية: قال الله تعالى :{ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها }، فلابد للعبد أن يصلح باطنه وظاهره ولا يزعم أن ما في الباطن أصلح مما في الظاهر ، وقد قيل : أن الظاهر عنوان للباطن وتابع له.(1/46)
قال الشاطبي في كتاب الموافقات ج1 ص259: " الأعمال الظاهرة في الشرع دليل على ما في الباطن، فإن كان الظاهر منخرما حكم على الباطن بذلك، أو مستقيما حكم على الباطن بذلك أيضا، وهو أصل عام في الفقه، وسائر الأحكام العاديات، والتجريبيات، بل الإلتفات اليها من هذا الوجه نافع في جملة الشريعة جدا"
فيجب على العبد المسلم ان يوحد الله تعالى كما أمر سبحانه وان يجتهد بكل وسعه أن يقيم الأمر الذي أمر الله به وأن يجتنب النهي الذي نهى الله عنه في نفسه وأمته كما قال ابن تيمية الصارم المسلول ص19 : " وكلام الله خبر وأمر فالخبر يستوجب تصديق المخبر والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام وهو عمل في القلب، جماعهُ : الخضوع والانقياد للأمر"، وهذا الخضوع هو قمة الامتثال لله تعالى ودينه وشرعه، قال أبوعبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان: " الإيمان عمل من أعمال تعبد الله به عباده، وفرضه على جوارحهم وجعل أصله في معرفة القلب ثم جعل المنطق شاهدا عليه ثم الأعمال مصدقة له"، وقال ابن القيم في كتاب الصلاة ( ص 50-51): " فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان و أنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب وهو محبته وانقياده"، قال أبو بكر الخلال في كتاب السنة 1027: " أخبرني عبيد الله بن حنبل حدثني أبو حنبل بن إسحاق بن حنبل قال قال الحميدي : وأخبرت أن قوما يقولون : إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت أو يصلي مسند ظهره مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقر الفروض واستقبال القبلة ؟ فقلت هذا الكفر بالله الصراح و خلاف كتاب الله و سنة رسوله و فعل المسلمين ، قال الله عز وجل :{حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ...} قال حنبل قال أبو عبد الله –أو سمعته يقول -: من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء به"، قالت(1/47)
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية في رسالة التحذير من الإرجاء وبعض الكتب الداعية إليه ص18: " وقد هدى الله أهل السنة والجماعة إلى القول الحق والمذهب الصدق والاعتقاد الوسط بين التفريط ، من حرمة عرض المسلم وحرمة دينه وأنه لا يجوز تكفيره إلا بحق قام الدليل عليه،وأن الكفر يكون بالقول والفعل والترك والاعتقاد والشك ،كما قامت على ذلك الدلائل من الكتاب والسنة"، وقال ابن رجب في جامع العلوم و الحكم ص41: " والمشهور عن السلف وأهل الحديث : أن الإيمان قول وعمل ونية، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان"، فكل هذه الأقوال المأثورة عن السلف رضي الله عنهم تدل على أن الإيمان له أركان وأصول ، وله كذلك قوادح ونواقض ومبطلات، فإعراض إبليس كان من جهة الطاعة لا من جهة الاعتقاد كما قال شيخ الإسلام : "إبليس اللعين فإنه معترف بربه، مقر بوجوده، ولكن لما لم يعبده كان رأس الأشقياء"، وقال أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة ص611-636 : " فالأعمال رحمكم الله بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأسباه لهذه ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمنا ولم تنفعه المعرفة والقول وكان تركه للعمل تكذيبا لإيمانه وكان العمل ما ذكرناه تصديقا منه لإيمانه وبالله التوفيق، وقد قال تعالى في كتابه وبين في غير موضع أن الإيمان لايكون إلا بعمل وبينه النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما قالت المرجئة الذين لعب بهم الشيطان"، فشهادة التوحيد لابد لها من برهان، والقول والعمل هما الدليل على صدق المعتقد، وهؤلاء هم الذين يتقبل منهم ويستجاب لهم كما جاء في سنن النسائي : قال صلى الله عليه وسلم : [ من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد، وهو على كل شيء قدير مخلصا بها قلبه يصدق بها لسانه ، إلا فتق الله لها السماء فتقا حتى ينظر إلى قائلها من أهل(1/48)
الأرض، وحق لعبد نظر الله إليه أن يعطيه سؤله]، فكل من قال وعمل صدق ومن قال ترك فقد كذب فعله قوله كما قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج7/ص 255 : " قال أبو عبد الله : قال شبابة : إذا قال فقد عمل بلسانه كما يقولون ،فإذا قال فقد عمل بجارحته،أي: بلسانه حين تكلم به ؟ ثم قال أبو عبد الله (أي أحمد بن حنبل) : هذا قول خبيث ما سمعت أحدا يقول به ولا بلغني "
3: الشرك غير مقبول كبيره وصغيره قليله وكثيره:
عباد الله إن الشرك بالله تعالى محبط للعمل وموجب السخط والغضب واللعنة والطرد من رحمة الله تعالى كما قال تعالى :{ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}، وروى مسلم (2985) :عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : يقول الله تبارك وتعالى : [ أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه]،
وعند ابن ماجه : [ أنا منه برىء، وهو للذي أشرك]، روى أحمد والترمذي وابن ماجه و حسنه الألباني في صحيح الجامع(482):عن أبى سعيد بن أبى فضالة رضي الله عنه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه نادى مناد :"من كان أشرك فى عمل عمله لله، فليطلب ثوابه من عند غير الله عز و جل فان الله أغنى الشركاء عن الشرك ]، فلابد للمسلم أن يترك القبائح الشركية الاعتقادية والقولية والعملية حتى تشمله رحمة الله كما روى الترمذي (3540) وحسنه : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تبارك وتعالى : [ يا ابن آدم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ماكان منك ولا أبالى يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالى يا ابن آدم إنك لوأتيتني بقراب الأرض خطايا،ثم لقيتني لاتشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة]،(1/49)
فالتوحيد الذي يقبله الله تعالى هو المصحوب بالبراءة من الكفر والشرك، قال ابن تيمية : " الدليل إن لم يستلزم المدلول لم يكن دليلا"، وقال محمد بن عبد الوهاب في مجموعة التوحيد: " وليس التوحيد مجرد توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم"،
فالعبادة هي طاعة الله وامتثال ما أمر به على ألسنة الرسل، والرسل تبرءوا من الشركاء والنداد والألهة والأرباب التي تعبد من دون الله تعالى، قال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في كتابه فتح المجيد : في العبد إذا لم يلتزم العبادة وإن كان مقرا بتوحيد الربوبية معترفا به : " لم يكن موحدا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده، فيقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة، ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له(1/50)
والإله : هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة، وليس هو الإله بمعنى القادر على الإختراع"، و لا يسلم من الشرك إلا من حقق التوحيد وأقام العروة الوثقى كما قال الله تعلى :{ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها و الله سميع عليم } سورة البقرة الآية 256 ، قال ابن كثير تفسير ابن كثير ج1ص386: أي: فقد استمسك من الدين بأقوى سبب، و شبه ذلك بالعروة القوية التى لا تنفصم فهى في نفسها محكمة مبرمة قوية و ربطها قوي شديد، قال مجاهد : الإيمان ، قال السدي : هو الإسلام، قال سعيد بن جبير والضحاك : لا فلا إله إلا الله، قال أنس : القرآن، قال سالم بن أبي الجعد : هو الحب في الله، البغض في الله، كل هذه الأقوال صحيحة و لا تنافي بينهما، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : { لا انفصام لها }: لا انقطاع لها دون الجنة"، وقال عبد الرحمن بن حسن (في قرة العيون) : " فلا يسلم من الشرك إلا من حقق توحيده وأتى بما تقتضيه كلمة لإخلاص من العلم واليقين والصدق والإخلاص والمحبة والقبول والإ نقياد وغير ذلك مما تقتضيه تلك الكلمة العظيمة كماقال تعالى:{يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم } "، وقال الصنعاني في رسالة تطهير الإعتقاد من درن الشرك والإلحاد ص15: " قلت لا شك أن من قال : لا إله إلا الله من الكفار حقن دمه وماله حتى يتبين منه ما يخالف ما قاله ولذا أنزل الله في قصة:{ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} ، الآية فأمرهم الله تعالى بالتثبت في شأن من قال كلمة التوحيد: فإن التزم لمعناها كان له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين وإن تبين خلافه لم يحقن دمه وماله بمجرد التلفظ وهكذا كل من أظهر التوحيد وجب الكف عنه إلا أن يتبين منه ما يخالف ذلك فإذا تبين لم تنفع هذه الكلمة بمجردها ولذلك لم تنفع اليهود ولا نفعت الخوارج مع ما انضم إليها من(1/51)
العبادة التي يحتقر الصحابة عبادتهم "، و من لم يعرف التوحيد ولم يعمل به لم يعرف الإسلام اصلا إذ الإسلام هو توحيد الله تعالى وعبادته وطاعته ورسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الشيخ محمد بن ابراهيم في الدرر السنية ص ج1 ص40 الجزء الثاني: "الذي يواجه الله ولا عرف التوحيد أو عرفه و لم يعمل به خالدا في النار ولو كان من أعبد الناس لقوله تعالى:{ ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة}"
فالعبادة هي التوحيد والطاعة كما قال عبد الله بن الشيخ عبد الرحمن أبي بطين في الرسائل والمسائل النجدية : " العبادة هى الطاعة بفعل ما أمر الله به ورسوله، من واجب ومندوب،فمن أخلص ذلك لله فهو الموحد ومن جعل شيئا من العبادة لغير الله فهو مشرك "، وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج10 : " فان العبادة لله والطاعة له ولرسوله، إنما تكون فى امتثال الأمر الشرعي"، فمن أظهر الإسلام تجري عليه أحكامه في الظاهر في الحياة الدنيا من عصمة الدم والعرض والمال وتناكح وتوارث، ومن كتم النفاق والكفر وأظهر الإسلام في الظاهر تجري عليه أحكام الظاهر وأمره إلى الله تعالى كما قال ابن كثير في التفسير ج1ص72: " قال الله تعالى : { مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم }،فهي: لا إله إلا الله أضاءت لهم فأكلوا بها و شربوا و آمنوا في الدنيا و نكحوا النساء و حقنوا دماءهم حتى إذا ماتوا ذهب الله بنورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون، وقال سعيد عن قتادة في هذه الآية : إن المعنى: تكلم بلا إله إلا الله فأضأت له في الدنيا فناكح بها المسلمين و غازاهم بها و حقن بها دمه وماله فلما كان عند الموت سلبها المنافق لأنه لم يكن لها أصل في قلبه و لا حقيقة في عمله"...
فنسأل الله تعالى أن يسدد أقوالنا وأفعالنا على التوحيد، وأن يتوفانا مسلمين موحدين متبعين لنبينا عاملين بدينه وشريعته وسنته أمين.(1/52)