اشراقة
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله :
( لأهل البدع علامات ، منها :
(1) أنهم يتصفون بغير الإسلام والسنة، بما يحدثونه من البدع ، القولية ، والفعلية ، والعقدية .
(2) أنهم يتعصبون لآرائهم ، فلا يرجعون إلى الحق وإن تبين لهم .
(3) أنهم يكرهون أئمة الإسلام والدين ).(1)
وقال رحمه الله :
(ما ادعاه بعض العلماء من أن هناك (بدعة حسنة) فلا تخلو من حالين :
(1) أن لا تكون بدعة ، لكن يظنها بدعة .
(2) أن تكون بدعة فهي سيئة ، لكن لا يعلم عن سوئها).(2)
وقال رحمه الله :
(لا يفيد الإنسان أن يعبد الله بالعاطفة بدون أصل شرعي يرجع إليه، لأن ذلك اتباع للهوى، فللشرع حدود معينة مضبوطة من كل وجه، حتى لا يتفرق الناس فيها شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون ).(3)
وقال رحمه الله :
(الأصل في العبادات :
الحظر والمنع، حتى يقوم دليل على المشروعية ).(4)
قلت : وليت أولئك أصحاب الاحتفال بالمولد النبوي وضعوا هذه القاعدة نصب أعينهم ، ولكن أنى لهم ذلك.
F
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى من سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد :
فإن من البدع النكراء التي دبت وهبت ، وشاعت وذاعت، واحتشرت وانتشرت ، في أوساط الأمة الإسلامية ، بدعة (الاحتفال بالمولد النبوي) !!! .
تلك البدعة الصماء البكماء، التي غدت عند كثير من أهل البدع والجهال، ديناً وقربة، من أعظم القربات، التي يتقربون بها إلى الله، بل والأقبح من ذلك : أن أصبحت محطاً لعقد الولاء والبراء!!!
أمور يضحك السفهاء منها ... ويبكي من عواقبها الحليم
__________
(1) الفتاوى : (5/90ـ91) .
(2) المصدر السابق : (5/248) .
(3) المصدر السابق : (5/263).
(4) المصدر السابق : (5/295ـ 260) .(1/1)
والذي يقوم بنشر تلك البدعة النكراء، وترويجها في أوساط المجتمع الإسلامي : فئام من الملبسين والمدلسين، الذين يلبسون لباس العلم، ظلماً وزوراً وبهتاناً ، وعلى رؤوسهم : أولئك الأئمة الضلال، صناديد الصوفية المتهتكة، ومن سار على منوالهم، واقتفى أثرهم، من الإخوان المسلمين المتمخلعة، الذين وجدوا في أبناء الأمة الإسلامية من صدورهم قابلة لزرع الخير فيها، وقلوبهم لا تزال حية تنبض بنبع الإيمان الصافي والخالي من الخرافات والخزعبلات، والأهواء والأدواء.
ولكن ـ للأسف الشديد ـ فبدلاً من أن يبادروا ويسقوا تلك الصدور والقلوب من سلسبيل القرآن والسنة، ويزرعوا فيها بذور المحبة لمنهج سلف الأمة، أعرضوا عن ذلك كله تمام الإعراض، ونأوا عنه كل النأي، فسقوها من مستنقعات البدعة، وأوحال الخرافات والأهواء، وزرعوا فيها الشبه والشكوك والأوهام والجهالات، حتى أعموها عن الصراط المستقيم والمنهج القويم.
ومما لا شك فيه ولا ريب :
أن الله عزوجل تكفل بحفظ دينه، وهيأ لذلك أسباباً كثيرة سواء كانت ظاهرة أو باطنة، أو حسية أو معنوية، ألا وإن من أعظمها :
أن قيض لدينه بعلماء أمناء نجباء أجلاء, يحمون حوزته من كيد الكائدين ، ومكر الماكارين، وحقد الحاقدين، وحسد الحاسدين وتحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وتلبيس الملبسين وإضلال المضلين.
ألا وهم (أئمة أهل السنة والجماعة) في كل زمان ومكان, جزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء، فقد قاموا بما أوجبه الله عليهم من نشر العلم، والدفاع عن دينه ، وكتابه , وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وبيان الحق من الباطل والفرقان بينهما خير قيام .(1/2)
ومن أعظم الأدلة الشاهدة على ذلك : ما قاموا به من بيان البدع بجميع أنواعها وصورها، ومن تلك البدع العمياء النكراء: بدعة (الاحتفال بالمولد النبوي) فقد بينوا عوارها، وكشفوا ضلالها، وفضحوا زيفها ودجلها، وأبانوا زيغها، وصاحوا بأهلها في جميع أنحاء المعمورة، حتى غدت عند كثير من الناس بدعة بالية, وواضحة جلية، وضوح الشمس في رابعة النهار، للمتعلم والجاهل، والكبير والصغير، إلا من أعمى الله بصره وبصيرته (وَمَن لّمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ)[النور:40] .
ودونك أخي الكريم بعض الفتاوى والمقالات المهمة، التي تبين بياناً شافياً وافياً كافياً، بدعية (الاحتفال بالمولد النبوي)، انتقيتها من بطون كتب أئمة أعلام، شهد لهم القاصي والداني، والصديق والعدو، والبعيد والقريب، بأحقيتهم بالإمامة في العلم، والزهد ، والورع، والخشية، والتقوى، والكرم، والجود، ولا ينكر ذلك إلا أحد رجلين :
(1) جاهل من الجهال، لا يفرق بين العالم والمشعوذ .
(2) مبتدع من المبتدعين، يهرف بما لا يعرف .
أسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، وأن يجعلنا من أنصار سنة النبي الكريم ، وأن يجنبنا سبيل المبتدعين الزائغين ، كما أساله جل وعلا أن يغفر لوالديّ ويرحمهما برحمته ويسكنهما فسيح جناته وجميع المسلمين ، كما أسأله جل وعلا أن يهدي ضال المسلمين إلى ما فيه رضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه / أبو ربيع:
محسن بن عوض بن أحمد القليصي الهاشمي
غفر الله له ولوالديه وزوجه وأبنائه وجميع المسلمين
خواتم ربيع الأول لعام 1429هـ
سئل الإمام تاج الدين الفاكهاني رحمه الله:
عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي ؟
فأجاب رحمه الله :
((1/3)
لا أعلم لهذا المولد أصلاًً، في كتاب ولا سنة ، ولم ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة, الذين هم القدوة في الدين ، والمتمسكون بآثار المتقدمين ، بل هو (بدعة)، أحدثها المبطلون ، وشهوة نفس اعتنى بها الآكلون ، بدليل أنّا إذا أدرنا عليها الأحكام الخمسة قلنا:
إما أن يكون واجباً ، أو مندوباً ، أو مباحاً ، أو مكروهاً ، أو محرماً ، وليس هو (بواجب إجماعاً ، ولا مندوباً )، لأن حقيقة المندوب : ما طلبه الشارع, من غير ذم على تركه ، وهذا لم يأذن فيه الشارع ، ولا فعله الصحابة والتابعون ، ولا العلماء والمتدينون فيما علمت ، وهذا جوابي بين يدي الله, إن عنه سئلت، ولا جائزاً، ولا مباحاً، ( لأن الابتداع في الدين، ليس مباحاً، بإجماع المسلمين)، فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو محرماً).(1)
ما يستفاد من كلام الإمام الفاكهاني رحمه الله :
(1) ليس للمولد أصلاً ، لا من كتاب ولا سنة .
(2) لم ينقل عمل المولد أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، والمتمسكون بآثار المتقدمين .
وهؤلاء العلماء هم :
(علماء أهل السنة والجماعة )، جزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء، ومن أبرز علاماتهم وسماتهم، في كل زمان ومكان:
(1) يدعون الناس: للتوحيد أولاً،ويحرصون غاية الحرص على إصلاح عقائدهم ، ظاهراً وباطناً .
ويحذرونهم : من الشرك، بشتى أنواعه، وصوره، وأشكاله . ومن أهل الشرك، بشتى طوائفهم، وعقائدهم، ونحلهم .
(2) يدعون الناس : لاتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً ، والتمسك بسنته قولاً، وعملاً، واعتقاداً .
ويحذرونهم : من البدع, بشتى أنواعها, وصورها, وأشكالها. ومن أهل البدع, بشتى طوائفهم, وعقائدهم, ونحلهم .
(3) يدعون الناس: للتمسك بمنهج السلف ، والسير عليه، واقتفاء أثره ظاهراً وباطناً، فمنهجهم : أسلم، وأعلم، وأحكم.
ويحذرونهم : من مخالفة منهجهم، والسير على خلافه.
(
__________
(1) المورد في عمل المولد : (20).(1/4)
4) يدعون الناس: للاجتماع والألفة والمحبة، وعدم الاختلاف والشقاق .
ويحذرونهم : من التفرق والاختلاف ، والتحزب المقيت ، الذي أصبح داءً مفزعاً ، يطارد الأمة الإسلامية في كل مكان .
(5) يدعون الناس: لمحبة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإجلالهم, ومعرفة قدرهم .
ويحذرونهم : من الطعن والوقيعة فيهم ، فإن ذلك من أعظم علامات الزندقة ، لأن الطعن فيهم يعد طعناً في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(6) يدعون الناس: لمحبة العلماء ، وإجلالهم, واحترامهم, وتقديرهم، ومعرفة منزلتهم .
ويحذرونهم : من الطعن فيهم, والحط من قدرهم ، لأن ذلك يعد من أعظم علامات أهل البدع, والزيغ, والضلال، والانحراف.
(7) يدعون الناس : لطاعة ولاة الأمر، في غير معصية .
ويحذرونهم : من الخروج عليهم ، أو الكلام فيهم من على المنابر ، لأن ذلك يسبب إسقاط منزلتهم من أعين الناس ، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى : أن فيه فتحاً لباب الفتن والقلاقل ، وسفك الدماء .
(8) يدعون الناس : لمحبة أولياء الله الصالحين ، والإيمان بكراماتهم .
ويحذرونهم : من التعلق بهم ، أو صرف العبادات لهم ، كالدعاء ، أو الذبح ، أو النذر، أو غير ذلك من العبادات التي لا تكون إلا لله عزوجل ، لأن ذلك يعد شركاً مخرجاً من الملة، فإنهم بشر وعبيد لله سبحانه وتعالى، لا ينفعون ولا يضرون إلا بإذن الله عز وجل.
(9)
يدعون الناس : لمحبة الحق ، والتجرد للدليل .
ويحذرونهم : من التقليد الأعمى ، والتعصب الذميم الأرعن، الذي أصبح طوفاناً عارماً ، يجتاح المتعلم والجاهل ، والكبير والصغير ، إلا من رحم ربي .
(10) يدعون الناس: للولاء والبراء الموافق للكتاب والسنة .
... ويحذرونهم : من الولاء والبراء الضيق ، والمخالف للكتاب والسنة ، لأن ذلك من أعظم علامات أهل الشقاق والاختلاف.
(11) يدعون الناس : للإقبال على ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم .(1/5)
... ويحذرونهم : من الفتن، ومن أهل الفتن ، أولئك الغوغائية الجهال ، الذين لا هم لهم سوى القيل والقال ونشر الشائعات المفتراة ، التي ليس فيها مسكة من تقوى ولا أثارة من علم، بل فيها الوشاية لأجل إسقاط مكانة العلماء ، وطلاب العلم من أعين الناس، بالحجج الواهية ، والافتراءات الكاذبة الزائفة، والأراجيف الباطلة الماكرة :(وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السّيّىءُ إِلاّ بِأَهْلِهِ) [فاطر: 43].
(12) يدعون الناس: لطلب العلم الشرعي ، والإقبال عليه بصدق وإخلاص، ويشجعونهم على ذلك غاية التشجيع .
ويحذرونهم : من الجهل غاية التحذير، فإنه سبيل كل شر وفساد وضلال وانحراف .
وغير ذلك من علاماتهم وسماتهم التي امتازت بالصفات الحسنة، والسجايا الطيبة، المنتقاة من كتاب ربهم، وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، ومن كان هذا دأبه من العلماء، فهو والله من أولئك الذين قال الله عزوجل فيهم ، كما في الحديث القدسي:(من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)(1).
ويخرج من أولئك العلماء الأخيار :
علماء السوء الذين ليسوا أهلاً لأن يكونوا مرجعاً للأمة، وقدوة لها، لا من قريب ولا من بعيد، وهم علماء الضلال، وأئمة الانحراف، في كل زمان ومكان .
ومن أبرزهم في عصرنا : ...
(1) علماء الشيعة (الروافض) .
وهم أولئك الأئمة الضلال، أئمة الشرك والكفر والزندقة والإلحاد والفجور.
الذين يدعون الناس :
للإستغاثة بالأموات، والاستنجاد بهم، ودعائهم من دون الله، والتبرك بأتربتهم، بحجة أنهم (أولياء الله).
وتكفير خيار الصحابة رضوان الله عليهم .
وإنزال علي رضي الله عنه، منزلة الألوهية .
واتهام عائشة رضي الله عنها، بما برأها الله منها .
واتهام جبريل عليه السلام، بالخيانة .
والقول بتحريف القرآن .
ويرفعون منزلة أئمتهم، فوق منزلة الأنبياء والرسل والملائكة.
والتقرب إلى الله بقتل السني.
__________
(1) البخاري : (6502) .(1/6)
وغير ذلك من شركياتهم، وكفرياتهم الصريحة ، وضلالاتهم العمياء، التي لا تخفى على أجهل الناس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( إن كثيراً من أئمة الرافضة وعامتهم، زنادقة وملاحدة، ليس لهم غرض في العلم، ولا في الدين)(1).
(2) علماء الصوفية :
وهم أولئك العلماء الضُلال ، والأئمة المضلون، دعاة الشرك والبدع، والخرافات .
الذين يدعون الناس:
للاستغاثة بالأموات، ودعائهم من دون الله عز وجل، والذبح لهم، والنذر لهم ، والتبرك بأتربتهم، بحجة أنهم (أولياء الله)!!.
ويدّعون أن الله حل في خلقه، وهو عين الوجود، وكل ما في الوجود.
والذين يدعون الناس : للجرأة على الله عز وجل، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك بالإحداث في دين الله عز وجل، ونشر البدع والخرافات، التي ما أنزل الله بها من سلطان .
والذين يدعون الناس : للطعن في دعوة أهل السنة والجماعة، وعلمائهم، بحجة أنهم (وهابية)، لا يحبون الأولياء، ولا يحبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - !!! (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً)[الكهف:5]. وغير ذلك، من شركياتهم، وكفرياتهم، وبدعهم الصريحة، التي لا تخفى حتى على أجهل الناس.
(3) علماء الحزبية :
وهم أولئك العلماء الضُلال ، والأئمة المنحرفون ، الذين يميعون قضايا العقيدة ، ويدّعون أن الدعوة للتمسك بالسنة تعد (تشدداً) و(تنطعاً) و(تفرق بين الأمة) !!!.
والذين يدعون الناس : لتكفير الحكام، والخروج عليهم .
والذين ليس لهم من الهم، إلا التوصل للكراسي والمناصب .
والذين يحصرون الشرك الأكبر : في (شرك الحاكمية)!!
والذين يعقدون المؤتمرات والندوات : لأجل التقارب بين الإسلام ، وبين اليهودية ، والنصرانية ، وبين السنة ، والشيعة !!!.
والذين ليس لهم من الهم: سوى الطعن في دعوة أهل السنة، وعلمائهم، بحجة أنهم : (يوالون الحكام) .!!
__________
(1) منهاج السنة : (4/70) .(1/7)
وغير ذلك من علاماتهم وسماتهم التي لا تخفى على كثير من الناس .
فهؤلاء العلماء، ومن نحا نحوهم، واقتفى أثرهم :
ينطبق عليهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون )(1).
حتى وإن تكلموا باسم الإسلام والسنة ، وزعموا أنهم من دعاة الحق، فإنهم علماء سوء, وبدع، وضلال، وانحراف ، وما إظهارهم لنصر الدين، إلا من باب التدليس، والتلبيس، والمكر، والخداع، (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ قَالُوَاْ إِنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلآ إِنّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلََكِن لاّ يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ النّاسُ قَالُوَاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السّفَهَآءُ أَلآ إِنّهُمْ هُمُ السّفَهَآءُ وَلََكِن لاّ يَعْلَمُونَ) [البقرة : 9ـ 13]
(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].
(3) أن المولد بدعة من البدع ، أحدثها المبطلون من أهل البدع والأهواء ، وشهوة نفس ، اعتنى بها الآكلون الشهوانيون .
(4) أن الابتداع في الدين ، ليس مباحاً ، بإجماع المسلمين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( وأما اتخاذ الموسم غير المواسم الشرعية ، كباقي ليال شهر ربيع الأول ، والتي يقال أنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر من ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال، الذي يسميه الجهال (عيد الأبرار)، فإنها من البدع، التي لا يستحبها السلف، ولم يفعلوها )(2).
ما يستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
(
__________
(1) السلسلة الصحيحة : (1582) للإمام الالباني .
(2) الفتاوى المصرية : (1/312).(1/8)
1) أن مواسم العبادات، تنقسم إلى قسمين :
(أ) شرعية : وهي التي دعت إليها الشريعة ، ودل عليها الدليل من الكتاب والسنة، كموسم رمضان ، وموسم الحج، والأعياد الشرعية.
(ب) بدعية : وهي التي لم تدع إليها الشريعة، وليست عليها أثارة من علم ، لا من كتاب ولا سنة ، وإنما أحدثها أهل البدع والأهواء، كالاحتفال بالمولد النبوي، في الثاني عشر من ربيع الأول، بحجة : ( محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - )، وكإحياء ليلة السابع والعشرين من رجب ، بحجة أنها: (ليلة الإسراء والمعراج)، وغيرها من المواسم المحدثة .
(2) أن السلف رضوان الله عليهم أجمعين ، لم يستحبوا تلك المواسم البدعية ، ولم يفعلوها .
******
وسئل الإمام الشوكاني رحمه الله :
عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي ؟
فأجاب رحمه الله :
( لم أجد إلى الآن دليلاً يدل على ثبوت الاحتفال بالمولد ، من كتاب ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا استدلال ، بل أجمع المسلمون أنه لم يوجد في عصر خير القرون ، ولا الذين يلونهم ، وأجمعوا أن المخترع له السلطان:(المظفر أبو سعيد كوكبوري بن زين الدين علي بن سبكتين) صاحب أربل ، وعامر الجامع المظفري بسفح قاسيون .
وإذا تقرر هذا ، لاح للناظر ، أن القائل بجوازه بعد تسليمه ، أنه بدعة ، وإن (كل بدعة ضلالة) بنص المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، لم يقل إلا بما هو ضد للشريعة المطهرة ، ولم يتمسك بشيء سوى تقليده لمن قسم البدعة إلى أقسام، ليس عليها آثار من علم .
أما العترة المطهرة وأتباعهم ، فلم نجد لهم حرفاً واحداً يدل على جواز ذلك، بل كلمتهم كالمتفقة بعد حدوث هذه البدعة ، أنها من أقبح ذرائع المتمخلعة إلى المفاسد، ولهذا ترى هذه الديار منزهة عن جميع شعابن المتصوفة المتهتكة ، التي هذه واحدة منها ولله الحمد .(1/9)
وسريان البدع أسرع من سريان النار ، ولاسيما بدعة المولد، فإن أنفس العامة تشتاق إليها، غاية الاشتياق ، ولاسيما بعد حضور جماعة من أهل العلم والشرف والرئاسة معهم ، فإنه سيخيل إليهم بعد ذلك أن هذه البدعة من آكد السنن !!!.
ولاشك أن العامة أسرع الناس إلى كل ذريعة من ذرائع الفساد، التي يتمكنون معها من شيء من المحرمات، كالمولد ونحوه، فإذا انضم إلى ذلك : حضور من له شهرة في العلم والشرف والرئاسة، فعلوا المحرمات بصورة الطاعات، وخبطوا في أودية الجهالات والضلالات ، وتخلصوا من ورطة الإنكار، بقولهم : (حضر معنا سيِّدي فلان وفلان ) .
دع عنك العامة ، فإن بعض الخاصة المتميزين في طلب العلم، قعد بين يدي، لقراءة بعض علوم الاجتهاد، فأخبرني أنه حضر ليلة ذلك اليوم من هذا الشهر في بعض الموالد، فأنكرت عليه وانقبضت منه فقال :(حضر معنا، سيِّدي فلان وفلان وفلان) فسألته عن الصفة التي وقعت بحضرة أولئك الأعيان، فقال في جملة شرح تلك القضية : أنه قرأ المولد رجل سوقي، وأولئك الأعيان يطربون ويسمعون، حتى بلغ إلى بعضه، ثم قام كأنما نشط من عقال، وهو يقول : (مرحباً يا نور عيني مرحباً) وقام بقيامه جميع الحاضرين من الأعيان وغيرهم ، وصار ينهق قائماً وهم كذلك ، فتعب بعض الحاضرين فقعد ، فصاح عليه بعض أولئك الأعيان، وقال له وقد ظهرت عليه سَورَة الغضب : (قم ، ما هي ملعابة)، بهذا اللفظ ، وهم لا يشكون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصل إليهم تلك الساعة !!! ثم تصافحوا، وأقبل جماعة من العامة ، بأيديهم أنواع من الطيب ، معاجلين مسرعين كأنهم ينتهزون فرصة بقائه - صلى الله عليه وسلم - ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، أين عزة الدين ؟ فإن ذهبت ، فأين الحياء والمروءة ؟
وهب أنه لا يحصل بحضرة هؤلاء الأعيان شيء من المنكرات كما هو الظن بهم ، ألا يدرون أن العامة تتخذ ذلك وسيلة وذريعة إلى كل منكر ؟ ويصكون بحضورهم وجه كل منكر ؟(1/10)
ويفعلون في موالدهم التي لا يحضرها إلا سقط المتاع، كل منكر؟ ويقولن: قد حضر المولد (فلان وفلان ) ويتمسكون بجامع اسم المولد ؟
ومن هنا : يلوح لك فساد واعتذار بعض المجوزين ، بأنه إذا لم يحصل في المولد إلا الاجتماع للطعام والذكر فلا بأس به ، وأنه لا يلزم من تحريم ما يصحبه من المحرمات تحريمه ، فإنا نقول:
المولد مع كونه ( بدعة )، باعترافك ، قد صار مصحوباً عادة بكثير من المنكرات، وذريعة إلى كثير من المفاسد، واتفاق مثل هذه الموالد التي لا تشتمل على غير الطعام والذكر، أعز من الكبريت الأحمر )(1).
ما يستفاد من كلام الإمام الشوكاني رحمه الله :
(1) لا يوجد دليل يدل على ثبوت الاحتفال بالمولد ، من كتاب ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا استدلال .
(2) أجمع المسلمون : بأن المولد لم يوجد في عصر خير القرون، ولا الذين يلونهم.
(3) من قال بجواز الاحتفال بالمولد ، فإنما قال بما هو ضد للشريعة المطهرة ، ولم يتمسك بشيء، سوى تقليده لمن قسم البدعة إلى أقسام ، وليس على ذلك دليل .
(4) أن كلمة آل البيت (العترة المطهرة) : متفقة ، على أن الاحتفال بالمولد ، بدعة منكرة.
(5) أن حضور أهل العلم ، والشرف، والرئاسة، لتلك الاحتفالات المحدثة وغيرها من المنكرات ، يكون سبباً للتلبيس على كثير من الجهال ، وما أعظم هذا الكلام ، فكم من معاقل للإسلام قد هدمت، بسبب أئمة الضلال ودعاة الشرك ، الذين يعدون في أعين الناس من أئمة الدين ورواده وحملته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
(6) اعتقاد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحضر المولد ، يعد من قلة الدين، وعدم الحياء .
******
و سئل الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله :
عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي ؟
فأجاب رحمه الله :
(
__________
(1) 10) الفتح الرباني : (2/1087 ـ 1091) بتصرف يسير.(1/11)
لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا غيره ، لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين ، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله ، ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله على الجميع ، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة ، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومتابعة لشرعه ممن بعدهم ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(1)، أي : مردود عليه ، وقال في حديث آخر : (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة)(2) ، ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها.
وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين : ( وَمَآ آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ)[الحشر: 7].
وقال عز وجل: (فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63] .
وقال سبحانه : (لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً) [الأحزاب: 21].
وقال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً) [المائدة: 3].
__________
(1) 11) البخاري : (2697) مسلم : (4492) واللفظ للبخاري .
(2) 12) أبو داود : (4607) الترمذي : (2676) ابن ماجة : (43) بسند صحيح .(1/12)
والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة ، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به ، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به ، زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله ، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم ، واعتراض على الله سبحانه وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين ، وأتم عليهم النعمة .
والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ البلاغ المبين ، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بيّنه للأمة .
ومعلوم أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - هو أفضل الأنبياء وخاتمهم ، وأكملهم بلاغاً ونصحاً ، فلو كان الاحتفال بالمولد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبيَّنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأمة ، أو فعله في حياته ، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم ، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء ، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها أمته .
وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها ، عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها، وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات ، كالغلو في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكاختلاط النساء بالرجال ، واستعمال آلات الملاهي ، وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر ، وظنوا أنها من البدع الحسنة ، والقاعدة الشرعية : (رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله ، وسنة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - )، كما قال الله عز وجل : (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء: 59].(1/13)
وقال تعالى:(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ)[الشورى:10].
وقد رددنا هذه المسألة وهي : (الاحتفال بالمولد) إلى كتاب الله سبحانه ، فوجدنا : يأمرنا باتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به، ويحذرنا عما نهى عنه ، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا ، وأمرنا باتباع الرسول فيه ، وقد رددنا ذلك ـ أيضاً ـ إلى سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم نجد فيها أنه فعله، ولا أمر به ، ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم ، فعلمنا بذلك أنه: (ليس من الدين ، بل هو من البدع المحدثة ، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم ) ، وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق ، وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالمولد ليس من دين الإسلام ، بل هو (من البدع المحدثات ، التي أمر الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بتركها والحذر منها) ، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار، فإن:(الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين ، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية)، كما قال تعالى عن اليهود والنصارى :(وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنّةَ إِلاّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ تِلْكَ أَمَانِيّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة:111].
وقال تعالى : (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرْضِ يُضِلّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ) [الأنعام: 116] .(1/14)
ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة ، لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى ، كاختلاط النساء بالرجال ، واستعمال الأغاني والمعازف ، وشرب المسكرات والمخدرات ، وغير ذلك من الشرور ، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو (الشرك الأكبر) ، وذلك بالغلو في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو غيره من الأولياء ، ودعائه والاستغاثة به ، وطلبه المدد ، واعتقاد أنه يعلم الغيب ، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره ممن يسمونهم بالأولياء ، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)(1)، وقال - صلى الله عليه وسلم - : (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده ، فقولوا : عبد الله ورسوله)(2) ، من حديث عمر رضي الله عنه.
ومن العجائب والغرائب : أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات، ولا يرفع بذلك رأساً ، ولا يرى أنه أتى منكراً عظيماً ، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة ، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي ، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين .
__________
(1) 13)أحمد:(1851)وصححه الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة: (1283).
(2) 14) البخاري : (3445).(1/15)
ومن ذلك : أن بعضهم يظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحضر المولد ، ولهذا يقومون له محيين ومرحبين ، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل ، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ، ولا يتصل بأحد من الناس ، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة ، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة ، كما قال الله تعالى: (ثُمّ إِنّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيّتُونَ * ثُمّ إِنّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ)[المؤمنون:15ـ16].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة ، وأنا أول شافع ، وأول مُشَفَّعٍ )(1)، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، فهذه الآية الكريمة ، والحديث الشريف ، وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث ، كلها تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة ، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم ، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور ، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به .
__________
(1) 15) مسلم : (5940) .(1/16)
أما الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي من أفضل القربات، ومن الأعمال الصالحات ، كما قال تعالى : (إِنّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِيّ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ صَلّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب : 56] ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (من صلى عليَّ واحدة، صلى الله عليه بها عشراً)(1) ، وهي مشروعة في جميع الأوقات ، ومتأكدة في آخر كل صلاة ، بل واجبة عند جمع من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة ، وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة ، منها بعد الأذان ، وعند ذكره عليه الصلاة والسلام ، وفي يوم الجمعة وليلتها ، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة .
والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يَمُنّ على الجميع بلزوم السنة والحذر من البدعة ، إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وآله وصحبه)(2).
ما يستفاد من كلام الإمام ابن باز رحمه الله :
(1) لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره ، لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين .
(2) الاحتفال بالمولد لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا الصحابة رضوان الله عليهم ، ولا التابعون لهم بإحسان ، وهم أعلم الناس بالسنة ، وأكمل حباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومتابعة لشرعه.
(3) إحداث مثل هذا المولد يفهم منه : أن الله عز وجل لم يكمل الدين لهذه الأمة .
... وهذه قاعدة عظيمة ، في الإلزام والاقتضاء ، فإن كثيراً من الناس ، يلزمون أنفسهم بإلزامات تكون بلسان حالهم، لا بلسان مقالهم (فتنبه).
(4) إحداث مثل هذا المولد ، يفهم منه : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به .
... وهذه أيضاً قاعدة عظيمة ، في الإلزام والاقتضاء .
(
__________
(1) 16) مسلم : ( 912 ).
(2) 17) مجموع الفتاوى: (1/178ـ182) .(1/17)
5) أن عمل المولد يقتضي الاعتراض على الله عز وجل ، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
... وهذه أيضاً قاعدة عظيمة ، في الإلزام والاقتضاء .
(6) أنه عند الخلاف والنزاع : يرد ذلك إلى الكتاب والسنة وليس إلى الأهواء وتحكيم العاطفة، أو اتباع آراء الرجال .
... وهذه قاعدة عظيمة جداً ومهمة .
(7) أن الاحتفال بالمولد ، من التشبه بأعداء الله عز وجل من اليهود والنصارى .
(8) أن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين ، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية.
... وهذه قاعدة عظيمة ، يجب أن تجعل نصب الأعين ، لأن كثيراً من الناس ، يتبجحون ويحتجون بأن الكثرة دليل على الحق ، وكأن الكثرة أصبحت حجة شرعية ، حتى وإن كانت مخالفة ومصادمة للأدلة الصريحة ، كما هو الحاصل في مسألة (الاحتفال بالمولد) عند المبتدعة ، ولا شك أن هذا عين الجهل والسفه .
(9) أن غالب هذه الاحتفالات ، لا تخلو من المنكرات، ومن أعظمها : الشرك بالله عز وجل .
(10) أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يحضر معهم المولد ، لأنه لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة (1) ، وهذا بإجماع علماء المسلمين المعتبرين.
(11) أن الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ليست مقيدة بليلة الاحتفال بالمولد ، بل هي مشروعة وعامة في كل الأوقات، ومتأكدة في بعض الأوقات .
*****
وسئل الإمام ابن عثيمين رحمه الله :
عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي ؟
فأجاب رحمه الله:
( أولاً : ليلة مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليست معلومة على الوجه القطعي، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول، وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذٍ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه ، لا أصل له من الناحية التاريخية.
ثانياً : من الناحية الشرعية :
__________
(1) 18) انظر رسالتي : (السيف المسلول لبيان مفاسد الاحتفال بيوم مولد الرسول) فقد ذكرت فيها بعض المفاسد واللوازم الباطلة التي تقتضي هذا الاعتقاد الفاسد .(1/18)
فالاحتفال لا أصل له أيضاً، لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بلغه لأمته، ولو فعله أو بلغه، لوجب أن يكون محفوظاً، لأن الله تعالى يقول:(إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9] ، فلما لم يكن شيء من ذلك، علم أنه ليس من دين الله، وإذا لم يكن من دين الله ، فإنه لا يجوز لنا أن نتعبد به لله عز وجل ، ونتقرب به إليه، فإذا كان الله تعالى قد وضع للوصول إليه طريقاً معيناً، وهو ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فكيف يسوغ لنا ونحن عباد، أن نأتي بطريق من عند أنفسنا، يوصلنا إلى الله ؟
هذا من الجناية في حق الله عز وجل ، أن نشرع في دينه ما ليس منه، كما أنه يتضمن تكذيب قول الله عز وجل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً)[المائدة : 3].
فنقول : هذا الاحتفال إن كان من كمال الدين : فلا بد أن يكون موجوداً قبل موت الرسول عليه الصلاة والسلام!!!.
وإن لم يكن من كمال الدين : فإنه لا يمكن أن يكون من الدين ، لأن الله عز وجل يقول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ومن زعم أنه من كمال الدين، وقد حدث بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فإن قوله يتضمن تكذيب هذه الآية الكريمة!!!.
ولا ريب : أن الذين يحتفلون بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، إنما يريدون بذلك تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وإظهار محبته ، وتنشيط الهمم على أن يوجد منهم عاطفة في ذلك الاحتفال للنبي - صلى الله عليه وسلم - , وكل هذه من العبادات .(1/19)
محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عبادة ، بل لا يتم الإيمان حتى يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحب إلى الإنسان من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وتعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من العبادة، كذلك إلهاب العواطف نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدين أيضاً ، لما فيه من الميل إلى شريعته .
إذن : فالاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، من أجل التقرب إلى الله ، وتعظيم رسوله - صلى الله عليه وسلم - عبادة ، وإذا كان كذلك فإنه : لا يجوز أبداً أن يحدث في دين الله ما ليس منه، فالاحتفال بالمولد (بدعة ومحرم)، ثم أننا نسمع أنه يوجد في هذه الاحتفالات، من المنكرات العظيمة، ما لا يقره شرع، ولا حس، ولا عقل ، فهم يتغنون بالقصائد التي فيها الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، حتى جعلوه أكبر من الله والعياذ بالله ، ومن ذلك أيضاً أننا نسمع من سفاهة بعض المحتفلين ، أنه إذا تلا التالي قصة المولد ثم وصل إلى قوله: (ولد المصطفى) قاموا جميعاً قيام رجل واحد، يقولون إن روح الرسول - صلى الله عليه وسلم - حضرت، فنقوم إجلالاً لها، وهذا سفه، ثم إنه ليس من الأدب أن يقوموا، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يكره القيام له، فأصحابه وهم أشد الناس حباً له، وأشد تعظيماً للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لا يقومون له، لما يرون من كراهيته لذلك وهو حي ، فكيف بهذه الخيالات ؟
وهذه البدعة : حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة، وحصل فيها ما يصحبها من هذه الأمور المنكرة، التي تخل بأصل الدين، فضلاً عما يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء، وغير ذلك من المنكرات)(1) .
ما يستفاد من كلام الإمام ابن عثيمين رحمه الله :
(1) ليلة مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ليست معلومة على الوجه القطعي .
(
__________
(1) 19) مجموع الفتاوى : (2/297 ـ 300).(1/20)
2) الاحتفال بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو أحق به من غيره، ولم يبلغ أمته به .
(3) (لا يجوز للإنسان أن يتعبد الله عزوجل إلا بما شرعه له) . وهذه قاعدة عظيمة ومهمة جداً جداً.
(4) من الجناية في حق الله عز وجل ، أن يشرع الإنسان في دين الله شرعاً ليس منه .
(5) من زعم أن المولد له أصل ، وأنه من كمال الدين ، فإن ذلك يقتضي تكذيب قول الله عزوجل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً)[المائدة:3]، وهذا الإلزام مهم جداً.
(6) أن الاحتفال بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - عبادة ، يقصد بها التقرب إلى الله عزوجل ، وإذا كان كذلك ، فلا بد فيها من دليل صريح .
... وهذه قاعدة مهمة جداً .
(7) أن الاحتفال بالمولد : (بدعة) ومحرم شرعاً.
(8) أن الاحتفال بالمولد ، يشتمل على منكرات كثيرة ، ومن أعظمها : الغلو في جناب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى أنزلوه منزلة أعظم من منزلة الله عز وجل.
(9) اعتقاد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحضر المولد ، يعتبر من السفه وقلة الأدب، وما ذلك الاعتقاد إلا مجرد خيالات، وافتراءات كاذبة .
(10) أن هذه البدعة : حصلت بعد مضي الثلاثة القرون المفضلة.
*****
وسئل الإمام مقبل الوادعي رحمه الله :
عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي ؟
فأجاب رحمه الله :
((1/21)
الاحتفال بالمولد من حيث هو بدعة ، لم يثبت ، ولم يأمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، اقرءوا كتاب الله من أوله إلى آخره، هل تجدون الاحتفال بالمولد؟ ، اقرءوا سنة رسول الله ، (صحيح البخاري) ، (صحيح مسلم) ، (مسند الإمام أحمد) ، (سنن أبي داود)، (جامع الترمذي) ، وهكذا أيضاً (سنن النسائي) ، (سنن ابن ماجة) ، (سنن الدارمي) ، إلى غير ذلك، أتجدون الاحتفال بالمولد؟ أم أتى به العبيديون بالمغرب؟ وأصلهم يهود، ثم زعموا أنهم من ذرية أهل بيت النبوة، وأنهم ينتسبون إلى إسماعيل بن جعفر، ثم تبعهم المغفلون!!! ، حتى إن ملكاً في القرن السادس، رأى النصارى يحتفلون بمولد عيسى ، قال أبو شامة : ( فأقام احتفالاً بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أعظم من احتفال النصارى بمولد عيسى)، فالملوك والرؤساء لا يحتج بهم ، يحتج بقول الله، ويحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
أنصح كل مسلم يريد النجاة ، ويريد النبوغ في العلم : أن يرجع إلى كتب المتقدمين ، التي هي خالية من هذه البدع، تجد أصحاب الموالد في الغالب ، لا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر ، بل ربما ارتكب الفاحشة في الموالد ، فمولد البدوي، ربما ترتكب فيه الفاحشة، وهكذا أيضاً مسجد بالجند، يحضر الناس فيه في ليلة كذا من رجب، ويخيمون عنده بالخيام ، فربما ترتكب فيه الفاحشة ، وأما المبتدعة: فيهمهم محاربة أهل السنة ، يقولون عنهم : (وهابية) جاءوا يخربون علينا ديننا ، أنت يامسكين لست عند الدين، أنت عند العصيدة ، وعند السلتة ، وعند القات ، لست عند الدين ضيعت نفسك ، يا مسكين إن كنت عند الدين، فتعال نحن مستعدون أن نناظرك، وأن نبين لك أنك على بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، والله المستعان )(1).
ما يستفاد من كلام الإمام مقبل الوادعي رحمه الله :
(
__________
(1) 20) إجابة السائل على أهم المسائل : (271).(1/22)
1) أن الاحتفال بالمولد بدعة ، ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعله أو أمر به.
(2) أن الذي جاء بالاحتفال بالمولد،هم(العبيديون) وأصلهم (يهود).
(3) أن الاحتفال بالمولد ، أصله مأخوذ من النصارى.
(4) أن الحجة في كتاب الله عزوجل، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وليست مقيدة بالملوك والرؤساء، أو علماء الضلالة، أو تابعة للهوى.
وهذه قاعدة عظيمة ومهمة جداً .
(5) أن أصحاب الاحتفال بالمولد ، لا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، وأنى لهم ذلك، وهم يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف، بل ويحاربونه ، ويحاربون أهله، ومن أعظم الشواهد الدالة على ذلك : ما يكون في ليلة احتفالهم بالمولد، من المنكرات السخيفة، والقبيحة .
(6) أن الفواحش قد ترتكب في ليلة الاحتفال بالمولد المحدث.
قلت : وصدق رحمه الله .
فمن المؤرخين الذين تحدثوا عن الفساد الذي يحصل في الاحتفالات بالموالد البدعية : (ابن الصوفي علي بن داود الجوهري ) فقد قال وهو يتحدث عن المفاسد التي كانت تحصل في مولد إسماعيل الأنباني، وهو من رؤوس الصوفية :
(عمله على عادته في زاويته ، واتفق فيه من المفاسد والقبائح ما لا يمكن شرحه ، حتى إن الناس وجدوا من الغد في المزارع من جرار الخمر عدة كثيرة ، تزيد عن ألف جرة، سوى ما شربوه في الخيم ، وأما ما حكي من الزنا واللياطة فكثير ، حتى أرسل الله عليهم في تلك الليلة ريحاً، كادت تقلع الأرض بمن عليها ، ولم يجسر أحد من التعدية في النيل ، فأقاموا بذلك البر أياماً، حتى سكن الريح ، وقد توفي إسماعيل في هذه السنة)(1).
(7) هَم المبتدعة الوحيد :
(أ) نشر الباطل .
(ب) محاربة أهل السنة والجماعة .
(8) أن أهل البدع يلقبون أهل السنة بالألقاب السيئة .
__________
(1) 21) نزهة النفوس والأبدان : (1/169ـ170)(1/23)
وهذه من أخبث الطرق الماكرة، كي ينفروا الناس عن دعوتهم، ولهم سلف في ذلك ، فقد كان المشركون يسعون جاهدين في تنفير الناس عن الرسل الذين يبعثهم الله عزوجل لهم ، فتارة ينفرون الناس عنهم بالتهويلات والكذب عليهم ، وتارة بمحاولة تشويه سمعتهم ، كقولهم في الرسول - صلى الله عليه وسلم - (مجنون، وساحر ، وكذاب ، وكاهن..) وتارة بتخويفهم بتبديل دينهم بدين جديد ، كما قال فرعون لقومه عن موسى عليه السلام (إِنّيَ أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ)[غافر: 26] ، ثم تبع هؤلاء أهل البدع والأهواء بشتى طوائفهم ونحلهم، وساروا على نهج أسلافهم، حذو القذة بالقذة .
قال الإمام اللالكائي رحمه الله :
(قال أبو محمد : وسمعت أبي يقول :
وعلامة أهل البدع : الوقيعة في أهل الأثر .
وعلامة الزنادقة : تسميتهم أهل السنة : (حشوية) يريدون إبطال الآثار.
وعلامة الجهمية : تسميتهم أهل السنة : (مشبهة) .
وعلامة القدرية : تسميتهم أهل السنة : (مجبرة) .
وعلامة المرجئة : تسميتهم أهل السنة : (مخالفة ونقصانية ).
وعلامة الرافضة : تسميتهم أهل السنة : (ناصبة) .
ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد ، ويستحيل أن يجمعهم هذه الأسماء)(1).
ومن هذه الأراجيف المفتراة ، ما يدندن به صناديد الصوفية ، بأن الذين يدعون الناس لتوحيد الله عزوجل، ويحذرونهم من الشرك، والبدع (وهابية)!!! يريدون بذلك تنفير الناس عنهم ، كما فعل أسلافهم الأولون .
ولا شك أن كلمة (وهابية) هي نسبة إلى اسم من أسماء الله عزوجل، وهو (الوهاب) ، وهي صفة له سبحانه وتعالى ، فهو الذي وهب لنا الإسلام أن ننتسب له فقال:(هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) [الحج : 78] ، وهو جل وعلا الذي وهب لنا السنة أن ننتسب لها فقال - صلى الله عليه وسلم - (فعليكم بسنتي...) ولا شك أن السنة، هي وحي من الله عزوجل .
__________
(1) 22) شرح أصول اعتقاد أهل السنة : (1/179) .(1/24)
ثم أيضاً على فرض الجدل، أننا ننتسب إلى محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، فمحمد بن عبدالوهاب رحمه الله، إمام من أئمة الإسلام، جدد الله به التوحيد، وقلع جذور الشرك من أصولها ، ودعا إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء، وقد أثنى عليه أئمة عصره في زمانه، ومن هؤلاء الأئمة : ابن الأمير الصنعاني رحمه الله، حيث قال في قصيدة له، يثني فيها على الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله :
لقد جاءت الأخبار عنه بأنه ... يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهراً ما طوى كل جاهل ... ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادماً ... مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله ... يغوث و ود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ... كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة ... أهلت لغير الله جهراً على عمد
وكم طائف حول القبر مقبل ... ومستلم الأركان منهن بالأيدي
وأما الصوفية : فالغالب عليهم أنهم عباد للقبور والأضرحة ، ولذلك لقب عليهم (قبورية) وبئس بها من نسبة ضالة عمياء، إلى حفرة صماء بكماء!!.
قال العلامة عبدالرحمن بن حسن رحمه الله :
(إن لقب (الوهابية) : لقب لم يختاره أتباع الدعوة لأنفسهم ، ولم يقبلوا إطلاقه عليهم ، لكنه أطلق من قبل خصومهم ، تنفيراً للناس منهم ، وإيهاماً للسامع أنهم جاءوا بمذهب خاص، يخالف المذاهب الإسلامية الأربعة الكبرى ، واللقب الذي يرضونه ويتسمون به هو : (السلفيون) ودعوتهم : الدعوة السلفية )(1).
قال العلامة حمود التويجري رحمه الله :
(وقد ذكرت في أول الجواب قصة من نوع هذه القصص،وهي :
__________
(1) 23) دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب : (377) للشيخ أحمد الحصين.(1/25)
ماذكره بعض العلماء أن رجلاً من طلبة العلم في المدينة النبوية خرج مع التبليغيين إلى الحناكية، وأميرهم أحد رؤساء جماعة التبليغ،وفي أثناء الليل رأى طالب العلم أحد الجماعة من الهنود يهتز ويقول : [هو هو هو] فأمسكه، فترك الحركة وسكت، وفي الصباح أخبر طالب العلم أمير الجماعة بما فعله الهندي التبليغي ظاناً أن الأمير سينكر على الهندي، فأنكر الأمير على طالب العلم وقال له بغضب شديد:[أنت صرت وهابياً] والله لو كان لي من الأمر شيئا لأحرقت كتب ابن تيمية ، وابن القيم ،وابن عبدالوهاب، ولم أترك على وجه الأرض منها شيئاً )!!!(1)
قال الإمام صالح الفوزان حفظه الله :
(إن من جملة ما أحدثه الناس من البدع المنكرة : الاحتفال بذكرى المولد النبوي ، في شهر ربيع الأول ، وهم في هذا الاحتفال على أنواع :
فمنهم : من يجعله مجرد اجتماع، تقرأ فيه قصة المولد ، أو تقدم فيه خطب وقصائد في هذه المناسبة .
ومنهم : من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك ، ويقدمه لمن حضر .
ومنهم : من يقيمه في المساجد .
ومنهم : من يقيمه في البيوت .
ومنهم : من لا يقتصر على ما ذكر ، فيجعل هذا الاجتماع مشتملاً على محرمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء ، والرقص والغناء ، أو أعمال شركية ، كالاستغاثة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وندائه ، والاستنصار به على الأعداء ، وغير ذلك .
وهو بجميع أنواعه واختلاف أشكاله ، واختلاف مقاصد فاعليه لا شك ولا ريب أنه (بدعة محرمة )، وهو ممنوع ومردود من عدة وجوه :
__________
(1) 24) القول البليغ : (44) .(1/26)
1) أنه لم يكن من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا من سنة خلفائه ، وما كان كذلك فهو من البدع الممنوعة ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار)(1)، والاحتفال بالمولد محدث، أحدثه الشيعة الفاطميون بعد القرون المفضلة، لإفساد دين لمسلمين ، ومن فعل شيئاً يتقرب به إلى الله تعالى لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يأمر به، ولم يفعله خلفاؤه من بعده ، فقد تضمن فعله : اتهام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه لم يبين للناس دينهم ، وتكذيب قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً)[المائدة:3] ، لأنه جاء بزيادة يزعم أنها من الدين، ولم يأت بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
2) الاحتفال بذكرى المولد فيه تشبه بالنصارى ، لأنهم يحتفلون بذكرى مولد المسيح عليه السلام ، والتشبه بهم محرم أشد التحريم ، ولا سيما فيما هو من شعائر دينهم .
3) الاحتفال بذكرى مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فيه وسيلة إلى الغلو والمبالغة في تعظيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى يفضي إلى دعائه، والاستغاثة به من دون الله ، وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الغلو في مدحه فقال : (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبده ، فقولوا : عبدالله ورسوله) (2).
__________
(1) 25) أبو داود : (4607) الترمذي : (2676) ابن ماجة : (43) بسند صحيح.
(2) 26) البخاري : (3445).(1/27)
4) أن إحياء بدعة المولد : يفتح الباب للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن ، ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدعة، ويكسلون عن السنن ويبغضونها، ويعادون أهلها ، حتى صار دينهم كله ذكريات بدعية وموالد ، وانقسموا إلى فرق، كل فرقة تحيي ذكرى موالد أئمتها ، كمولد البدوي ، وابن عربي ، والدسوقي، والشاذلي ، وهكذا لا يفرغون من مولد، إلا ويشتغلون بآخر ، ونتج عن ذلك : الغلو بهؤلاء الموتى، وبغيرهم، ودعائهم من دون الله ، واعتقاد أنهم ينفعون ويضرون ، حتى انسلخوا من دين الإسلام ، وعادوا إلى دين أهل الجاهلية ، الذين قال الله عزوجل فيهم: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هََؤُلآءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ) [يونس: 18])(1) .
وسئل حفظه الله :
يوجد لدينا رجل في العمل ،يقر الاحتفال بالمولد النبوي، ويدافع عنه، ويصر على ذلك فهل أهجره في الله أم لا ؟
فأجاب حفظه الله :
(الاحتفال بالمولد النبوي: (بدعة)، والذي يُصوِّبه ويرغب فيه، (مبتدع) إذا أصر على ذلك، ولم يقبل النصيحة، واستمر على الدعوة إلى المولد والترغيب فيه، فإنه يجب هجره، لأنه (مبتدع) والمبتدع لا تجوز مصاحبته)(2).
ما يستفاد من كلام الإمام صالح الفوزان حفظه الله :
(1) أن الاحتفال بالمولد النبوي، بدعة منكرة .
(2) أن الناس يختلفون في هذا الاحتفال على أقسام .
قلت : والناس الذين يحتفلون بالمولد المحدث، لا شك أنهم يختلفون باختلاف عقائدهم ونحلهم ، ويكادون يحصرون في ثلاثة أصناف :
(1) الصوفية :
__________
(1) 27) حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - : (139ــ 143) بتصريف يسير .
(2) 28) المنتقى (1/184 ـ 185) .(1/28)
وهم أرباب هذه البدعة في هذا العصر ، وممن حمل رايتها بعد العبيديين ، ولا يقتصر احتفالهم بالمولد على قراءة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فحسب ، بل فيه من الشركيات عند بعضهم ما فيه، كالاستغاثة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ودعائه من دون الله ، وطلب منه المدد ، ورفع منزلته فوق منزلة الله جل وعلا ، وذلك بإنشاد القصائد المسماة عندهم بـ ( المدائح النبوية )، كقصيدة (البُردة) للبوصيري ، وقصائد (عبدالرحيم البرعي)، وغير ذلك من الشركيات العمياء .
وأما البدع التي تحصل في تلك الليلة ، ويوم الثاني عشر من ربيع الأول، فهي بحر لا ساحل له ، ومن ذلك : اعتقاد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحضر معهم المولد ، وذكرهم الله على طرقهم الخاصة المحدثة، وذلك بصيغة (هو هو) ويسمى عندهم بذكر (خاصة الخاصة)، ومن ذلك أيضاً : ما يكون من الرقص على طرقهم الخاصة بهم ، ومن ذلك أيضاً : صيام يوم الثاني عشر، وجعله عيداً كباقي الأعياد الشرعية ، وغير ذلك من البدع المنكرة والأمور المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان .
بل ربما يحصل عند بعضهم من الاختلاط بين الرجال والنساء والمردان وشرب الخمور، ما الله به عليم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
(2) الحزبيين :
كالإخوان المسلمين ، فقد كان زعيمهم (حسن البنا) صوفياً غالياً، على الطريقة الحصافية ، وكان إذا أهلّ هلال ربيع الأول يخرج كل ليلة في موكب إلى ليلة الثاني عشر من الشهر ، وهو ينشد القصائد في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يزعم ، وقد وصف ذلك هو بنفسه فقال:
((1/29)
وأذكر أنه من عادتنا ، أن نخرج في ذكرى مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد الحضرة كل ليلة ، في أول ربيع الأول ، إلى ثاني عشر منه ....... وخرجنا بالموكب ونحن ننشد القصائد المعتادة في سرور كامل وفرح تام )(1).
ولا يزال الإخوان المسلمين يسيرون على طريقة زعيمهم حسن البنا، يحتفلون بالمولد ، إلى يومنا هذا .
فبعضهم : يقتصر على قراءة السيرة النبوية في المساجد.
وبعضهم : يقتصر على الاحتفالات العامة على مستوى المجتمع، وذلك بقراءة السيرة النبوية، وإلقاء القصائد التي في بعضها الغلو الصريح في الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وبعضهم: يقتصر على إقامة الولائم العامة على مستوى المجتمع.
وغير ذلك من بدعهم المحدثة، التي تحصل في تلك الليلة، والتي ما أنزل الله بها من سلطان .
(3) العوام :
وهم الجهال من الناس والرعاع، الذين لا يفرقون بين السنة والبدعة ، والذين لا علم لهم ولا بصيرة ولا معرفة، سوى التقليد الأعمى للصوفيين والإخوانيين ، بزعم محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهم في الغالب لا يختلفون كثيراً عن الصوفيين والإخوانيين في احتفالهم بالمولد ، فمن كان منهم مجاوراً للصوفيين، سار على طريقتهم ، ومن كان منهم مجاوراً للإخوانيين، سار على طريقتهم وهكذا ، وهم يفعلون ذلك بحسن نية منهم، بقصد أن الاحتفال بالمولد، مما يقربهم إلى الله عز وجل .
ومما جعلهم يحتفلون بهذا المولد المحدث ويعتقدون أن ذلك يعد من أعظم القربات التي تقربهم إلى الله عزوجل ، ومن أعظم العلامات التي تدل على محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ثقتهم بمن رأوه يلبس لباس العلم ، حتى وإن كان من أئمة الضلال ورواد الانحراف .
__________
(1) 29) مذكرات الدعوة والداعية : (48) وانظر للاستزادة رسالتي (السيف المسلول لبيان مفاسد الاحتفال بيوم مولد الرسول ) : (18 ـ 19) .(1/30)
ولما كنا في زمان قد عم فيه الجهل وطم ، وأصبح كثير من الناس لا يفرقون بين العالم والمشعوذ ، حصل فيه من اللبس ما حصل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
ولو لبس الحمار ثياب خز ... لقال الناس يا لك من حمار
ولا شك أن حسن النية مع صلاح القصد وحدها لا تكفي، إذا لم تكن مقرونة بالأدلة الشرعية الموافقة للكتاب والسنة، على فهم سلف الأمة ، لأن مبنى الدين على أصلين :
(أ) الإخلاص لله عز وجل .
(ب) المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم - .
(3) أن الذي لم يكن من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا من سنة خلفائه، فهو من البدع .
وهذه قاعدة عظيمة ، ومهمة جداً ، وهي نافعة غاية النفع ، لأولئك الذين يتشبثون بأقوال الرجال ، ويتبعون أهواءهم بغير علم، ولا هدىً من الله ، ويعرضون عن الدليل الصريح الموافق للشرع ، خاصة إذا قصد بذلك التقرب إلى الله عزوجل .
(4) أن الاحتفال بالمولد، أحدثه الشيعة، لإفساد دين المسلمين .
(5) من فعل شيئاً، يتقرب به إلى الله عز وجل، لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يأمر به، ولم يفعله خلفاؤه من بعده، فقد تضمن فعله اتهام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه لم يبين للناس دينهم .
وهذه قاعدة عظيمة، ومهمة جداً ، لأن مبنى الدين ليس على مجرد الرأي، أو العاطفة، وإنما مبناه على اتباع الدليل من الكتاب والسنة، على فهم سلف الأمة .
(6) من فعل شيئاً لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يأمر به، ولم يفعله خلفاؤه من بعده، فقد تضمن فعله، تكذيب قوله تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ).(1/31)
... وهذا لازم لكل من أحدث في الدين ما ليس منه، وإن لم يلتزم به بلسان المقال، فلسان حاله لم يقتنع بكمال الدين، وإلا لو كان مقتنعاً بكمال الدين، فلم ولن تراوده نفسه أبداً في يوم من الأيام أن يحدث في الدين ما ليس منه ، لأن البدعة : تشريع جديد في دين الله عز وجل، ومن شرع ديناً جديداً : فإنه يعتبر مكذباً بكمال الدين(فتنبه).
(7) أن الاحتفال بالمولد ، من التشبه بالنصارى ، فإن النصارى يحتفلون بمولد المسيح عليه السلام ، والمبتدعة تشبهوا بهم لاحتفالهم بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)[البقرة:118].
(8) أن الاحتفال بالمولد ، من أعظم الوسائل المفضية للغلو في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والغلو : من أعظم الوسائل المفضية للشرك بالله عزوجل .
ولا شك أن الشريعة الإسلامية ، جاءت بسد جميع أبواب الوسائل المفضية لكل ما فيه مخالفة لها ، سواء كانت ظاهرة أو باطنة، ومن أعظمها الشرك بالله عزوجل .
(9) أن إحياء البدع ، من أعظم أسباب موت السنن واندثارها .
(10) أن من رغّب في الاحتفال بالمولد ، ونُصح ولم يقبل النصيحة : فهو (مبتدع) ويجب هجره ولا كرامة.
ولا شك أن هذا هو منهج السلف رضوان الله عليهم أجمعين مع أهل البدع ، منذ غابر الأزمان .
قال الإمام الصابوني رحمه الله :
( واتفقوا (أي : السلف) مع ذلك ، على القول بقهر أهل البدع ، وإذلالهم ، وإخزائهم ، وإبعادهم ، وإقصائهم ، والتباعد منهم ، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل ، بمجانبتهم ومهاجرتهم )(1).
*****
وسئلت اللجنة الدائمة حفظ الله حيهم وغفر لميتهم :
ما حكم اجتماع الناس للمولد، مع زعمهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحضر مجالسهم ؟ وهل هذا الاجتماع يصح شرعاً، وهل هو دليل على تعظيمه؟
فأجابت :
(
__________
(1) 30) عقيد السلف وأصحاب الحديث : (123) .(1/32)
اجتماع الناس لإحياء ليلة المولد، وقراءة قصته ليس مشروعاً، بل هو (بدعة محدثة)، لم يفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من العلماء في القرون الثلاثة المفضلة، وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )(1)، وأما زعمهم:أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحضر مجالسهم : فكذب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي في قبره حياة برزخية، يتمتع فيها بنعيم الجنة، وليست كحياته في الدنيا ، فإنه قد توفي وغسل وكفن وصلي عليه صلاة الجنازة, ودفن كغيره، وهو أول من يُبعث من قبره يوم القيامة، وقد قال الله تعالى مخاطباً إياه:( إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مّيّتُونَ * ثُمّ إِنّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)[الزمر:30ـ31] .
وأما تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - واحترامه :
فإنما هو بالإيمان بكل ما جاء به من عند الله، واتباع شريعته ، عقيدة، وقولاً ، وعملاً ، وخلقاً ، وترك الابتداع في الدين، ومن الابتداع في الدين : الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - )(2).
مايستفاد من كلام اللجنة الدائمة حفظ الله حيهم ورحم ميتهم:
1) اجتماع الناس لإحياء ليلة المولد ، وقراءة قصته ، من البدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان .
2) الاحتفال بالمولد لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا الخلفاء الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، ولا غيرهم من العلماء في القرون المفضلة .
3) من زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحضر الاحتفال بالمولد ، فهو كذاب من الكذابين، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات ، وهو حي في قبره حياة برزخية ، لا يعلم بكيفيتها إلا الله عز وجل .
__________
(1) 31) البخاري : (2697) مسلم : (4492) واللفظ للبخاري .
(2) 32) الفتاوى : (3/ 6 ـ 35) بتصرف يسير .(1/33)
4) تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واحترامه، يكون بأمور :
( أ) الإيمان بكل ما جاء به من عند الله عز وجل .
( ب) اتباع شريعته ظاهراً وباطناً .
( ج) ترك لابتداع في دين الله عز وجل .
الخاتمة
فهذا جهد المقل ، وهو عمل بشري يعتريه ما يعتري البشر، ويطرأ عليه ما يطرأ على البشر ، وليس منزلاً من عند الله عزوجل : (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) [النساء : 82] ، فما كان فيه من إصابة للحق ودحض للباطل فمن الله وحده ، فله الحمد من قبل ومن بعد ، وما كان فيه من خطأ أو نسيان أو زلل أو سبق قلم فمن نفسي ومن الشيطان ، وأعوذ بالله من نفسي ومن الشيطان وأستغفر الله من ذلك ، وأكون شاكراً ومقدراً وداعياً لكل من نبهني على أي خطأ أو زلل ، ويعتبرني أني متراجع عنه قبل أن يتفوه هو بذلك ، فالحق ضالة المؤمن أينما وجده أخذ به ، ولسنا من أولئك الذين ينبَّهون على أخطائهم فيصرون عليها ويُعرضون عنها ، كبراً وحسداً من عند أنفسهم ، فإن الذي لا يتواضع للحق يُبتلى بمحبة الباطل ، عقوبة له من الله ، قال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الّذِينَ يَتَكَبّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَإِن يَرَوْاْ كُلّ آيَةٍ لاّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرّشْدِ لاَ يَتّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيّ يَتّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف:146]
اللهم يا مقلب القلوب
ثبت قلوبنا على دينك
اللهم يا مصرف القلوب
صرف قلوبنا على طاعتك
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
*****
الفهرس
اشراقة ..................................................................... 3
مقدمة ..................................................................... 5(1/34)
فتوى الإمام تاج الدين الفاكهاني........................................9
ما يستفاد من كلام الإمام تاج الدين الفاكهاني....................10 ـ 18
علامات علماء أهل السنة والجماعة ....................................10 ـ 14
وقفة مع علماء الشيعة ...................................................15
وقفة مع علماء الصوفية...............................................16 ـ 17
وقفة مع علماء الحزبية.................................................17 ـ 18
مقالة لشيخ الإسلام ابن تيمية .............................................19
مايستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ..........................19 ـ 20
فتوى الإمام الشوكاني ....................................................21
مايستفاد من كلام الإمام الشوكاني................................24 ـ25
فتوى الإمام ابن باز ........................................................26
مايستفاد من كلام الإمام ابن باز ...................................32 ـ 35
فتوى الإمام ابن عثيمين ...................................................36
مايستفاد من كلام الإمام ابن عثيمين ...............................39 ـ 40
فتوى الإمام مقبل الوادعي ................................................41
مايستفاد من كلام الإمام مقبل الوادعي ..........................43 ـ 48
مقالة للإمام صالح الفوزان ................................................49
فتوى للإمام صالح الفوزان ................................................52
مايستفاد من كلام الإمام صالح الفوزان ............................52 ـ 59
فتوى اللجنة الدائمة .......................................................61
مايستفاد من كلام اللجنة الدائمة........................................61(1/35)
الخاتمة .....................................................................62
الفهرس....................................................................64
ملحق الوثائق...........................................................65 ـ 66(1/36)