مثل قول طلحة كأنهما كانا على ميعاد. (1)
" التعليق:
قال الشاطبي: فجعل صوم تلك الأيام من تعظيم ما تعظمه النصارى، وذاك القصد لو كان أفسد العبادة فكذلك ما كان نحوه. (2)
عامر بن سعد البجلي (3) (من طبقة الذي قبله)
عامر بن سعد البَجَلِي الكوفي. روى عن البراء بن عازب، وجرير بن عبد الله البجلي، وأبي مسعود الأنصاري، وأبي هريرة وغيرهم. وروى عنه: إبراهيم بن عامر الجمحي، والعيزار بن حريث، وأبو إسحاق السبيعي. قال ابن حجر: مقبول من الثالثة.
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة لعبد الله: عن عامر بن سعد في هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وزيادة} (4) قال الزيادة النظر إلى وجه الرحمن. (5)
_________
(1) ما جاء في البدع (ص.49) وذكره الشاطبي في الاعتصام (1/ 507).
(2) الاعتصام (1/ 507).
(3) تهذيب الكمال (14/ 23 - 25) وتهذيب التهذيب (5/ 64 - 65) والجرح والتعديل (6/ 321) والتاريخ الكبير (6/ 450) ثقات ابن حبان (5/ 189) وتقريب التهذيب (1/ 461).
(4) يونس الآية (26).
(5) السنة لعبد الله (60) وأصول الاعتقاد (3/ 511/793).(2/233)
أبو سهل كثير بن زياد (1) (ما بين 121 هـ و130 هـ)
كَثِير بن زِياد أبو سهل البُرْسَانِي الأزدي العتكي البصري. روى عن الحسن البصري وعمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة وأبي سمية وأبي العالية. وروى عنه حماد بن زيد وسلام بن مسكين وجعفر بن سليمان وعبد الله بن شوذب. سكن بلخ، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم. له وصايا نافعة منها: قوله لمن قال له أوصنا: أوصيكم أن تبيعوا دنياكم بآخرتكم، تربحونهما والله جميعا. ولا تبيعوا آخرتكم بدنياكم، فتخسرونهما والله جميعا. قال ابن حجر: ثقة من السادسة. وذكره الذهبي في أعيان الطبقة الثالثة عشرة من تاريخه المؤرخة ما بين 121هـ و130هـ.
موقفه من المبتدعة:
- عن ضمرة عن ابن شوذب: عن كثير -أبي سهل- قال: يقال أهل الأهواء لا حرمة لهم. (2)
- وعنه أيضا: عن ابن شوذب قال: قلت لكثير بن زياد أبي سهل: ما أحسن سمت فلان، قال: إن ذاك الذي ترى قل ما كان إلا في ذي هوى. (3)
_________
(1) تهذيب الكمال (24/ 112 - 113) وميزان الاعتدال (3/ 404) وتاريخ الإسلام (حوادث 121 - 140/ص.207 - 208) وتهذيب التهذيب (8/ 413) والتقريب (2/ 38).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 159/281).
(3) أصول الاعتقاد (1/ 154 - 155/ 258).(2/234)
القاسم بن عبيد الله (1) (في حدود 130 هـ)
أبو محمد المدني القاسم بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأم القاسم هي أم عبد الله بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عن الجميع، فأبو بكر جده الأعلى لأمه وعمر جده الأعلى لأبيه. روى عن عمه سالم بن عبد الله بن عمر وأبيه عبيد الله. وروى عنه عاصم بن محمد وأخوه عمر بن محمد بن زيد. ذكره ابن حبان في الثقات. روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم والنسائي. قال ابن سعد: توفي في خلافة مروان بن محمد سنة اثنتين وثلاثين بعد المائة الأولى. وقال ابن حجر: مات في حدود الثلاثين بعد المائة للهجرة.
موقفه من المبتدعة:
قال مسلم في مقدمة صحيحه: حدثني أبو بكر بن النضر بن أبي النضر قال: حدثني أبو النضر هاشم بن القاسم حدثنا أبو عقيل صاحب بهية قال: كنت جالسا عند القاسم بن عبيد الله ويحيى بن سعيد فقال يحيى للقاسم: يا أبا محمد إنه قبيح على مثلك، عظيم أن تسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم، ولا فرج أو علم ولا مخرج. فقال له القاسم: وعَمَّ ذاك؟ قال: لأنك ابن إمامي هدى ابن أبي بكر وعمر، قال: يقول له القاسم: أَقْبَحُ مِن ذاك عند مَنْ عَقل عن الله أن أقول بغير علم أو آخذ عن غير ثقة، قال: فسكت فيما أجابه. (2)
_________
(1) طبقات خليفة (ص.262) وتهذيب الكمال (23/ 396 - 399) والتقريب (ص.793).
(2) أخرجه مسلم في المقدمة (1/ 16).(2/235)
" التعليق:
أقول: هكذا كان منهاج السلف الصالح رضي الله عنهم، لا يقولون بغير علم ولا يروون عن غير ثقة، وأما المبتدعة فكل ما أحدثوه من بدع وفتنوا به أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأضلوها به فهو عن غير علم وغير ثقة، فلو أخذت أسانيد المبتدعة إلى رؤوس بدعهم لَوَجَدتهم جميعا مِمَّن اتهموا في دينهم وقتل بعضهم على الزندقة، وعرف بعضهم بمكره وحيله، فنسأل الله السلامة والعافية، فلا أسانيد صحيحة ولا حجج علمية صريحة فكل علمهم مركب من جهل وضلال.
علي بن زيد بن جُدْعَان (1) (131 هـ)
علي بن زيد بن عبد الله بن زهير أبي مليكة بن جُدْعَان، أبو الحسن القرشي التيمي البصري الأعمى، أحد علماء التابعين. روى عن أنس بن مالك، وسالم بن عبد الله بن عمر وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير وخلق وروى عنه: شعبة وإسماعيل بن علية والسفيانان والحمادان وغيرهم. قال منصور بن زاذان: لما مات الحسن، قلنا لعلي بن زيد: اجلس مكانه. وقال الجريري: أصبح فقهاء البصرة عميانا: قتادة وابن جدعان، وأشعث الحداني. وقال سفيان بن عيينة: كان ابن جدعان مكفوفا، قال: ما أعرف أحمر ولا أبيض. وكان حافظا للقرآن، يعد كل ما في القرآن يا أيها الذين آمنوا، ويعد
_________
(1) الجرح والتعديل (6/ 186) وتهذيب الكمال (20/ 434) وسير أعلام النبلاء (5/ 206) وميزان الاعتدال (3/ 127 - 129) وتذكرة الحفاظ (1/ 140 - 141) وتهذيب التهذيب (7/ 322) وشذرات الذهب (1/ 176).(2/236)
كل ما في القرآن لا إله إلا الله. قال الذهبي رحمه الله: كان من أوعية العلم على تشيع قليل فيه وسوء حفظ يغضه من درجة الإتقان. توفي رحمه الله سنة إحدى وثلاثين ومائة، وقيل سنة تسع وعشرين، والله أعلم.
موقفه من القدرية:
- جاء في الإبانة عنه قال: والله يا ابن آدم؛ لتطيعن الله أو ليعذبنك الله ووالله لا تطيعه حتى يكون هو يمن عليك بطاعته. (1)
- وفيها عنه قال: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ} (2)، فنادى بأعلى صوته: انقطع والله ههنا كلام القدرية. (3)
إبراهيم بن ميمون (4) (131 هـ)
إبراهيم بن ميمون الصَّائِغ أبو إسحاق المروزي. روى عن حماد بن أبي سليمان وعبد الله بن عبيد بن عمير ونافع مولى ابن عمر وغيرهم. روى عنه: إبراهيم بن أدهم وحسان بن إبراهيم الكرماني وعون بن معمر وغيرهم. وكان فقيها فاضلا من الآمرين بالمعروف والمواظبين على الورع. قال ابن معين: كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردها. قتله أبو مسلم الخراساني
_________
(1) الإبانة (2/ 10/227/ 1818).
(2) الأنعام الآية (149).
(3) الإبانة (2/ 10/229/ 1827).
(4) تهذيب الكمال (2/ 223 - 224) وميزان الاعتدال (1/ 69) وثقات ابن حبان (6/ 19) وتهذيب التهذيب (1/ 172 - 173) وشذرات الذهب (1/ 181).(2/237)
ظلما سنة إحدى وثلاثين ومائة.
موقفه من الجهمية:
قال إبراهيم الصايغ: ما يسرني أن لي نصف الجنة بالرؤية ثم تلا: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} (1) قال: بالرؤية. (2)
أيوب السختياني (3) (131 هـ)
أيوب بن أبي تَمِيمة كَيْسَان السَّخْتِيَاني أبو بكر البصري الإمام الحافظ أحد الأعلام، سيد العلماء العنزي مولاهم الأدمي ويقال: ولاؤه لطهية، وقيل لجهينة، ومواليه حلفاء بني الحريش، وكان منزله في بني الحريش بالبصرة، عداده في صغار التابعين. رأى أنس بن مالك. وسمع عمرو بن سلمة الجرمي وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين ونافع مولى ابن عمر وسالم بن عبد الله بن عمر وعدة. روى عنه شعبة ومعمر بن راشد والحمادان والسفيانان، وابن علية والأعمش ومالك بن أنس ويحيى بن أبي كثير، وخلق كثير. قال فيه حماد بن زيد: هو أفضل من جالسته وأشدهم اتباعا للسنة. قال أيوب: لا
_________
(1) المطففين الآيات (15 - 17).
(2) أصول الاعتقاد (3/ 517 - 518/ 807).
(3) طبقات ابن سعد (7/ 246 - 251) وحلية الأولياء (3/ 3 - 14) وتهذيب الكمال (3/ 457 - 463) وتذكرة الحفاظ (1/ 130 - 132) والسير (6/ 15 - 26) ومشاهير علماء الأمصار (150) وتاريخ خليفة (398) وشذرات الذهب (1/ 181).(2/238)
يستوي العبد -أو لا يسود العبد- حتى يكون فيه خصلتان اليأس مما في أيدي الناس، والتغافل عما يكون منهم. عن حماد بن زيد قال: سئل أيوب عن شيء فقال: لم يبلغني فيه شيء فقال: قل فيه برأيك، فقال: لم يبلغه رأيي. مات في الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في سير أعلام النبلاء: عن حماد بن زيد قال: سمعت أيوب وقيل له: ما لك لا تنظر في هذا -يعني الرأي-؟ فقال: قيل للحمار ألا تجتر؟ فقال أكره مضغ الباطل. (1)
- وجاء في الإبانة قال: لا أعلم اليوم أحدا من أهل الأهواء يخاصم إلا بالمتشابه. (2)
- وفي السير عن حماد بن زيد قال: أيوب عندي أفضل من جالسته وأشد اتباعا للسنة. قال سعيد بن عامر الضبعي عن سلام بن أبي مطيع قال: رأى أيوب رجلا من أصحاب الأهواء، فقال: إني لأعرف الذلة في وجهه ثم تلا: {سينالهم غضبٌ من ربهم وذلة} (3)، ثم قال: هذه لكل مفتر، وكان يسمي أصحاب الأهواء خوارج، ويقول إن الخوارج اختلفوا في الاسم
_________
(1) السير (6/ 17) وتذكرة الحفاظ (1/ 131) وجامع بيان العلم وفضله (2/ 1073) والفقيه والمتفقه (1/ 459 - 460) وانظر إعلام الموقعين (1/ 75).
(2) الإبانة (2/ 3/501/ 560) والفقيه والمتفقه (1/ 205) بنحوه.
(3) الأعراف الآية (152).(2/239)
واجتمعوا على السيف. (1)
- جاء في أصول الاعتقاد: قال سلام: وقال رجل من أصحاب الأهواء لأيوب: أسألك عن كلمة، فولى أيوب وهو يقول: ولا نصف كلمة مرتين يشير بإصبعه. (2)
- وكان أيوب السختياني يقول: ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله عز وجل بعدا. (3)
- وجاء في أصول الاعتقاد عنه قال: إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة. (4)
" التعليق:
وما أكثر صدق هذا القول على هذا الزمن، فإن دعاة الإسلام مع الأسف يبذلون جهودا جبارة في دعوة الكافرين إلى الإسلام، وبالفعل، أسلم الكثير منهم، ولكن قلما تجد من هؤلاء الذين أسلموا على منهج سلفي سني، فأكثره على طريقة المتصوفة، وحتى التقليد المذهبي الممقوت، نقلوه إلى هؤلاء المساكين، وكان الواجب على الدعاة إلى الإسلام أن يلقنوهم النهج السلفي الصحيح، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن شك في ما ذكرت فليتجول في
_________
(1) السير (6/ 21) وأخرجه الهروي في ذم الكلام (ص.227) واللالكائي في أصول الاعتقاد (1/ 162/289و290) وذكره الشاطبي في الاعتصام (1/ 113).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 162/291) والإبانة (2/ 3/447/ 402) والشريعة (1/ 190/126) والسنة (ص.24) وشرح السنة (1/ 227) والدارمي (1/ 109) وانظر تلبيس إبليس (ص.22) والسير (6/ 21).
(3) ابن وضاح (ص.67 - 68) وتلبيس إبليس (ص.22) وأورده الشاطبي في الاعتصام (1/ 113).
(4) أصول الاعتقاد (1/ 66/30) والتلبيس (ص.17).(2/240)
إسبانيا وألمانيا وأمريكا وغيرها يجد الدرقاوية والقادرية والتجانية والتبليغية وغيرها. وهؤلاء معذورون لأنهم ما لقنوهم غير هذا، واللوم يرجع إلى السلفيين الذين عندهم من الخير ما يستطيعون به تغطية بعض هذا، ولكنهم قصروا، وإن كنت لا أقول إنه ليس هناك أي جهد للسلفيين، بل هناك مجهودات مشكورة، ولكن أرى أن تكون التغطية الكبيرة للعقيدة السلفية. أرجو الله أن يوفقهم وأن يكثر من مددهم، وأن يهدي إخواننا الدعاة لتعلم العقيدة السلفية حتى تكون الدعوة موحدة ومثمرة وموافقة لما دعا إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة بعده والتابعون لهم بإحسان.
- جاء في أصول الاعتقاد: قال حماد بن زيد: حضرت أيوب السختياني وهو يغسل شعيب بن الحبحاب وهو يقول: إن الذين يتمنون موت أهل السنة يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. (1)
- قال أيوب: إني أخبر بموت الرجل من أهل السنة فكأني أفقد بعض أعضائي. (2)
- كان أيوب يبلغه موت الفتى من أصحاب الحديث فيرى ذلك فيه ويبلغه موت الرجل يذكر بعبادة فما يرى ذلك فيه. (3)
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 67 - 68/ 35).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 66/29) والحلية (3/ 9) وتلبيس إبليس (ص.17).
(3) أصول الاعتقاد (1/ 67/34) وشرف أصحاب الحديث (ص.61) والحلية (3/ 9).(2/241)
- عن عمارة بن زاذان قال: قال لي أيوب: يا عمارة إذا كان الرجل صاحب سنة وجماعة فلا تسأل عن أي حال كان فيه. (1)
- عن أيوب أنه قال: لست براد عليهم بشيء أشد من السكوت. (2)
- وعنه أنه دعي إلى غسل ميت فخرج مع القوم فلما كشف عن وجه الميت عرفه فقال: أقبلوا قبل صاحبكم فلست أغسله رأيته يماشي صاحب بدعة. (3)
- وعنه أيضا أنه قال: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا، وحدثنا من القرآن فاعلم أنه ضال مضل. (4)
موقفه من المشركين:
جاء في السير: عن حماد قال: رأيت أيوب وضع يده على رأسه وقال: الحمد لله الذي عافاني من الشرك، ليس بيني وبينه إلا أبو تميمة. (5)
موقفه من الرافضة:
- جاء في مجموع الفتاوى: قال أيوب السختياني: من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، قاله لما بلغه ذلك عن بعض أئمة الكوفيين. (6)
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 67/33).
(2) الإبانة (2/ 3/471/ 479) والشريعة (1/ 196/138).
(3) الإبانة (2/ 3/476/ 498).
(4) الكفاية (ص.16) وذم الكلام (ص.74).
(5) السير (6/ 18).
(6) مجموع الفتاوى (3/ 357) والمنهاج (1/ 533 - 534).(2/242)
- وفي السنة للخلال عنه قال: دخلت المدينة والناس متوافرون القاسم ابن محمد وسليمان وغيرهما فما رأيت أحدا يختلف في تقديم أبي بكر وعمر وعثمان. (1)
- وفي أصول السنة لابن أبي زمنين عنه قال: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان استنار بنور الله عز وجل، ومن أحب عليا فقد أخذ بالعروة الوثقى، ومن أحسن الثناء على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد برئ من النفاق ومن ينتقص أحدا منهم أو بغضه لشيء كان منه فهو مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح، والخوف عليه أن لا يرفع له عمل إلى السماء حتى يحبهم جميعا ويكون قلبه لهم سليما. (2)
- وفي الفقيه والمتفقه للبغدادي عنه قال: إذا بلغك اختلاف عن النبي فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر، فشد يدك به، فإنه الحق، وهو السنة. (3)
موقفه من الجهمية:
جاء عنه في السنة لعبد الله بن الإمام أحمد أقوال وأفعال تدل على كراهيته لمذهب المعتزلة ورؤوسهم الضالة.
- منها: قال حماد بن زيد: كنت مع أيوب ويونس وابن عون وغيرهم، فمر عمرو بن عبيد فسلم عليهم، ووقف وقفة، فما ردوا عليه
_________
(1) السنة للخلال (1/ 403).
(2) رياض الجنة بتخريج أصول السنة لأبي زمنين (ص.268) مطولا، وأصول الاعتقاد (7/ 1316/2333) والشريعة (3/ 23/1291) مختصرا.
(3) الفقيه والمتفقه (1/ 438)(2/243)
السلام، ثم جاز فما ذكروه. (1)
- ومنها: عن حماد بن زيد قال: قيل لأيوب: إن عَمْراً روى عن الحسن أنه قال لا يجلد السكران من النبيذ. قال: كذب، أنا سمعت الحسن يقول يجلد السكران من النبيذ. (2)
- ومنها عن سلام بن أبي مطيع قال: قال سعيد لأيوب: يا أبا بكر إن عمرو بن عبيد قد رجع عن قوله، قال سلام: وكان الناس قد قالوا ذلك تلك الأيام إنه قد رجع قال أيوب: إنه لم يرجع قال: بلى إنه قد رجع قال: إنه لم يرجع، قالها غير مرة ثم قال أيوب: أما سمعت إلى قوله يعني في الحديث "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ولا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه" (3) إنه لا يرجع أبدا. (4)
- وجاء في السنة عن سلام بن أبي مطيع قال: كنت أمشي مع أيوب في جنازة وبين أيدينا ثلاثة رهط قد كانوا مع عمرو بن عبيد في الاعتزال، ثم تركوا رأيه ذلك وفارقوه قال: فقال لي أيوب من غير أن أسأله: لا ترجع قلوبهم إلى ما كانت عليه. (5)
- جاء في السير: حماد بن زيد سمع أيوب وذكر المعتزلة، وقال: إنما
_________
(1) السنة لعبد الله (149) والإبانة (2/ 11/301/ 1964).
(2) السنة لعبد الله (151) وأصول الاعتقاد (4/ 815/1373).
(3) أخرجه من حديث ابن مسعود: أحمد (1/ 404) والترمذي (4/ 417 - 418/ 2188) وقال: "هذا حديث حسن صحيح" وابن ماجة (1/ 59/168). وأخرجه من حديث أبي ذر: أحمد (5/ 31) ومسلم (2/ 750/1067) وابن ماجه (1/ 60/170).
(4) السنة لعبد الله (151) وأصول الاعتقاد (1/ 160/286).
(5) السنة لعبد الله (151).(2/244)
مدار القوم على أن يقولوا: ليس في السماء شيء. (1)
- حدثني أحمد حدثنا أبو داود حدثنا عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني وكان عندنا من خيار الناس قال: ما أحد أحب إلي من عمرو وكان يحب أن يتشبه به في حياة الحسن قال فإني لأذكر أول يوم تكلم فيه قال فتفرقنا عنه فما كنت أحب أن أكلمه قال فلقيني يوما في زقاق فلم أقدر أن أتوارى منه قال فقمت فلما نظر إلي قال لا تخف ليس هاهنا أيوب ولا يونس. (2)
- عن حماد بن زيد قال: سمعت أيوب يقول: من كذب الشفاعة فلا ينالها. (3)
موقفه من المرجئة:
- جاء في السنة لعبد الله عن خالد بن عبد الرحمن بن بكر السلمي قال: كنت عند محمد وعنده أيوب فقلت له: يا أبا بكر، الرجل يقول لي مؤمن أنت؟ أقول مؤمن، فانتهرني أيوب فقال محمد: وما عليك أن تقول آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله. (4)
- وعن سلام بن أبي مطيع قال: شهدت أيوب وعنده رجل من المرجئة فجعل يقول: إنما هو الكفر والإيمان، قال: وأيوب ساكت، قال: فأقبل عليه أيوب، فقال: {وآخرون مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا ِ
_________
(1) السير (6/ 24).
(2) السنة لعبد الله (152).
(3) أصول الاعتقاد (6/ 1183/2089).
(4) السنة لعبد الله (87).(2/245)
إما يعذبهم أو يتوب عليهم} (1) أمؤمنون أم كفار؟ فسكت الرجل، قال: فقال له أيوب: اذهب فاقرأ القرآن فكل آية فيها ذكر النفاق فإني أخافها على نفسي. (2)
- وعن سلام عن أيوب قال: أنا أكبر من دين المرجئة، إن أول من تكلم في الإرجاء رجل من أهل المدينة من بني هاشم يقال له الحسن. (3)
موقفه من القدرية:
- جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: لا يصلى خلف القدرية فإذا صلى خلف أحد منهم أعاد. (4)
- وفيه عن صدقة بن يزيد قال: مررت مع أيوب وهو آخذ بيدي إلى المسجد لنصلي فيه فمررنا بمسجد قد أقيمت الصلاة فيه فذهبت لأدخل فنتر يده من يدي نترة فقال: أما علمت أن إمامهم قدري؟ (5)
- وفيه عنه قال: أدركت الناس هاهنا وكلامهم وإن قضي وإن قدر وإن قضي وإن قدر. (6)
- وروى مسلم في مقدمة صحيحه بسنده إلى سلام بن أبي مطيع
_________
(1) التوبة الآية (106).
(2) الإبانة (2/ 754/1052) وانظر تذكرة الحفاظ (2/ 501).
(3) الإبانة (2/ 903/1266) وأصول الاعتقاد (5/ 1075/1844) قال الحافظ ابن حجر: "المراد بالإرجاء الذي تكلم الحسن بن محمد فيه غير الإرجاء الذي يعيبه أهل السنة المتعلق بالإيمان ... " انظر بقيته عنه موقف زادان الضرير سنة (82هـ).
(4) أصول الاعتقاد (4/ 806/1345).
(5) أصول الاعتقاد (4/ 807 - 808/ 1350).
(6) أصول الاعتقاد (4/ 824/1389) والإبانة (2/ 9/86/ 1493).(2/246)
يقول: بلغ أيوب أني آتي عمرا. فأقبل علي يوما فقال: أرأيت رجلا لا تأمنه على دينه، كيف تأمنه على الحديث؟ (1)
- وروى ابن بطة بسنده عن حماد قال: سمعت أيوب يقول: كذب على الحسن ضربان من الناس: قوم القدر رأيهم فهم يريدون أن ينفقوا بذلك رأيهم، وقوم في قلوبهم شنآن وبغض، يقولون ليس من قوله كذا وكذا وليس من قوله كذا وكذا. (2)
- وعن حماد بن زيد قال: سمعت أيوب يقول: ما عددت عمرو بن عبيد عاقلا قط. (3)
إسماعيل بن عبيد الله (4) (131 هـ)
إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر الإمام الكبير أبو عبد الحميد الدمشقي القرشي مولى بني مخزوم ومفقه أولاد عبد الملك الخليفة، من الثقات العلماء، استعمله عمر بن عبد العزيز على افريقية. حدث عن أنس بن مالك والسائب بن يزيد وعبد الرحمن بن غنم وأم الدرداء الصغرى، وجماعة. روى عنه الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وابناه عبد العزيز ويحيى وطائفة. عن الهيثم بن عمران سمعت إسماعيل بن عبيد الله
_________
(1) مسلم (1/ 23).
(2) الإبانة (2/ 10/185 - 186/ 1682) وهو في سنن أبي داود (4622).
(3) الإبانة (2/ 11/301/ 1965).
(4) الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (1/ 96 و101 - 103) ومشاهير علماء الأمصار (179) وتاريخ خليفة (323) والجرح والتعديل (2/ 182 - 183) والتاريخ الكبير (1/ 366) والسير (5/ 213) وتهذيب الكمال (3/ 143 - 151).(2/247)
يقول: ينبغي لنا أن نحفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما نحفظ القرآن لأن الله تعالى يقول: {وَمَا آَتَاكُمُ الرسول فخذوه} الآية (1).
عن إسماعيل بن عبيد الله قال: كلمت رجاء بن حيوة وعدي بن عدي في شيء فكأنهما وجدا في أنفسهما، فقلت لهما: إنه ليس يحسن من رأيكما أن تنزلا رأيكما بمنزلة من لا ينبغي أن يرد عليه منه شيء، فقال رجاء بن حيوة: يا أبا عبد الحميد من عدمنا ذلك منه، فلا نعدمه منك.
كان مولده سنة إحدى وستين، وتوفي سنة إحدى وثلاثين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
جاء في الإبانة عنه قال: لا تجالس ذا بدعة فيمرض قلبك، ولا تجالس مفتونا فإنه ملقن حجته. (2)
إسحاق بن سويد بن هبيرة (3) (131 هـ)
إسحاق بن سويد بن هبيرة العدوي التميمي البصري عم أبي نعامة العدوي. روى عن ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وغيرهم، وعنه شعبة والحمادان وابن علية وجماعة. وثقه أحمد وابن معين والنسائي.
_________
(1) الحشر الآية (7).
(2) الإبانة (2/ 3/443/ 391).
(3) التاريخ الكبير للبخاري (1/ 389) وتهذيب الكمال (2/ 432 - 434) وتهذيب التهذيب (1/ 236) وتاريخ الإسلام (حوادث سنة121 - 140هـ/ص.371) والتقريب (ص.129) والوافي بالوفيات (8/ 414) والسير (6/ 47).(2/248)
قال الحافظ: صدوق تكلم فيه للنصب. روى له البخاري مقرونا بغيره ومسلم وأبو داود والنسائي.
توفي في الطاعون في أول خلافة أبي العباس سنة إحدى وثلاثين بعد المائة الأولى.
موقفه من الرافضة والخوارج:
جاء في تاريخ ابن معين عن إسحاق أنه قال:
برئت من الخوارج، لست منهم ... من الغزال منهم، وابن باب
إذا اعتزلوا عن الإسلام جهلا ... حيارى محدثين من الشباب
ومن قوم إذا ذكروا عليا ... يردون السلام على السحاب
وممن دان دين أبي بلال ... عصائب يفترون على الكتاب
فكل لست منه، وليس مني ... سيفصل بيننا يوم الحساب
ولكني أحب بكل قلبي ... -وأعلم أن ذاك من الصواب-
رسول الله والصديق حقا ... به (1) أرجو غدا حسن الثواب
وحب الطيب الفاروق عندي ... كحب أخي الظما برد الشراب
وعثمان بن عفان شهيد ... نقي لم يكن دنس الثياب (2)
_________
(1) أي بحبي إياهم وهو من الأعمال الصالحة التي يجوز التوسل بها.
(2) تاريخ ابن معين (2/ 141) وأصول الاعتقاد (7/ 1307/2316).(2/249)
إبراهيم بن مَيْسَرَة (1) (132 هـ)
إبراهيم بن ميسرة الطائفي الفقيه نزيل مكة من الموالي حدث عن أنس ابن مالك وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وطاووس بن كيسان، وعمرو ابن الشريد ومجاهد بن جبر، وجماعة. روى عنه أيوب السختياني وشعبة والسفيانان وابن جريج ومعمر وطائفة. عن سفيان بن عيينة قال: حدثنا إبراهيم بن ميسرة وكان من أصدق الناس وأوثقهم. مات قريبا من سنة ثنتين وثلاثين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. (2)
منصور بن المُعْتَمِر (3) (132 هـ)
منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة أبو عَتَّاب السلمي الكوفي الحافظ الثبت القدوة، أحد الأعلام. روى عن ربعي بن حراش وأبي وائل وإبراهيم النخعي وأبي حازم الأشجعي وسعيد بن جبير والحكم ابن عتيبة وآخرين. روى عنه شعبة بن الحجاج وحصين بن عبد الرحمن والسفيانان
_________
(1) الثقات لابن حبان (4/ 14) والجرح والتعديل (2/ 133 - 134) وتهذيب الكمال (2/ 221 - 223) والعقد الثمين (3/ 266 - 267) ومشاهير علماء الأمصار (87) وشذرات الذهب (1/ 189) والسير (6/ 123).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 157/273).
(3) تهذيب الكمال (28/ 546 - 555) وحلية الأولياء (5/ 40 - 46) والجرح والتعديل (8/ 177 - 179) ومشاهير علماء الأمصار (166) وشذرات الذهب (1/ 189) والسير (5/ 402 - 412).(2/250)
والأعمش ومعمر وأيوب السختياني وطائفة. أكره على قضاء الكوفة فقضى شهرين، وكان صواما قواما. قال سفيان بمكة: ما خلفت بعدي بالكوفة آمن على الحديث من منصور. مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
موقفه من المشركين:
جاء في ذم الكلام عن الحجاج عن منصور بن المعتمر قال: ما هلك دين قط حتى تخلف فيهم المنانية قلت للحجاج: وما المنانية قال: الزنادقة (1).
موقفه من الرافضة:
عن مفضل بن مهلهل السعدي قال: قلت لمنصور بن المعتمر: أتناول السلطان وأنا صائم قال: لا قلت: أتناول هؤلاء الذين يتناولون أبا بكر وعمر قال: نعم. (2)
موقفه من المرجئة:
- جاء في السنة عنه: قال منصور بن المعتمر في شيء: لا أقول كما قالت المرجئة الضالة المبتدعة. (3)
- وعن مفضل بن مهلهل عن منصور بن المعتمر قال: هم أعداء الله المرجئة والرافضة. (4)
- وقال جرير بن عبد الحميد: وكان الأعمش ومنصور ومغيرة وليث
_________
(1) ذم الكلام (35)، والرد على الجهمية للدارمي (ص.9).
(2) أصول الاعتقاد (7/ 1342/2390).
(3) السنة لعبد الله (83) وهو في السنة للخلال (4/ 41/1125) والشريعة (1/ 309 - 310/ 338) وأصول الاعتقاد (5/ 1064/1818).
(4) أصول الاعتقاد (5/ 1064/1817).(2/251)
وعطاء بن السائب وإسماعيل بن أبي خالد وعمارة بن القعقاع والعلاء بن المسيب وابن شبرمة وسفيان الثوري وأبو يحيى صاحب الحسن وحمزة الزيات يقولون: نحن مؤمنون إن شاء الله ويعيبون على من لا يستثني. (1)
يونس بن مَيْسَرَة بن حَلْبَس (2) (132 هـ)
أبو عبيد وأبو حلبس الجَبْلاَنِي الأعمى عالم دمشق أخو أيوب ويزيد، طال عمره. حدث عن معاوية وابن عمرو وابن عمر وواثلة بن الأسقع وأبي مسلم الخولاني، والصنابحي وعدة. روى عنه: عمرو بن واقد، ومروان بن جناح والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وآخرون. قال أبو عبيد وأبو حسان الزيادي: بلغ مائة وعشرين سنة وكان يقرئ القرآن في الجامع، وله كلام نافع في الزهد والمعرفة. قال أبو حاتم: كان من خيار الناس وكان يقرئ في مسجد دمشق وكف بصره. قال رحمه الله: الزهد أن يكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب سواء، وأن يكون مادحك وذامك في الحق سواء. وقال: إذا تكلفت ما لا يعنيك لقيت ما يُعَنِّيك. عن الهيثم بن عمران: كنت جالسا عند يونس بن حلبس وكان عند غياب الشمس يدعو بدعوات فيها اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك. فكنت أقول في نفسي: من أين يرزق هذا الشهادة وهو أعمى؟ فلما دخلت المسودة دمشق قتل فبلغني أن اللذين
_________
(1) السنة لعبد الله (94) والإبانة (2/ 874/1194) والشريعة (1/ 300/313).
(2) التاريخ الكبير (8/ 402) وتهذيب الكمال (32/ 544 - 548) وتهذيب التهذيب (11/ 448) والسير (5/ 230) وتاريخ الإسلام (حوادث 121 - 140، ص.576 - 577).(2/252)
قتلاه بكيا لما أخبرا بصلاحه، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
موقفه من القدرية:
روى ابن بطة بسنده عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال: اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا، أشهدك شهادة توقفني عليها ثم تسألني عنها: أن النصارى أشركت المسيح، وأن اليهود أشركت عزيرا، وأن القدرية أشركت أنفسها والشيطان، ولو كان دماؤها في كأس؛ لطفأتها. (1)
عبد الله بن طَاوُوس (2) (132 هـ)
الإمام المحدث، الثقة، أبو محمد اليماني. سمع من أبيه وأكثر عنه، ومن عكرمة وعمرو بن شعيب وعكرمة بن خالد المخزومي وجماعة. ولم يأخذ عن أحد من الصحابة ويسوغ أن يعد في صغار التابعين لتقدم وفاته، كان من خيار عباد الله فضلا ونسكا ودينا. حدث عنه: ابن جريج، ومعمر، والثوري، وروح ابن القاسم، وسفيان بن عيينة وآخرون. قال معمر: كان من أعلم الناس بالعربية، وأحسنهم خلقا، ما رأينا ابن فقيه مثله. قال عبد الرزاق: عن معمر: قال لي أيوب: إن كنت راحلا إلى أحد فعليك بابن طاووس فهذا رحلتي وفي رواية: فهذه رحلتي إليه. مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
_________
(1) الإبانة (2/ 10/220/ 1795).
(2) التاريخ الكبير (5/ 132) وتهذيب الكمال (15/ 130 - 133) وتهذيب التهذيب (5/ 267 - 268) والسير (6/ 103 - 104) والوافي بالوفيات (17/ 224) وشذرات الذهب (1/ 188).(2/253)
موقفه من المبتدعة:
وقال ابن طاوس لابن له وتكلم رجل من أهل البدع: يا بني ادخل أصبعيك في أذنيك حتى لا تسمع ما يقول ثم قال اشدد اشدد. (1)
موقفه من الجهمية:
جاء في الإبانة عن معمر: كان ابن طاوس جالسا فجاء رجل من المعتزلة فجعل يتكلم، قال: فأدخل ابن طاوس أصبعيه في أذنيه، قال: وقال لابنه: أي بني، أدخل أصبعيك في أذنيك واشدد ولا تسمع من كلامه شيئا. قال معمر: يعني أن القلب ضعيف. (2)
" التعليق:
انظر رحمك الله فعل هؤلاء السلف مع المبتدعة، لا يتحملون سماع كلامهم فضلا عن محادثتهم، فضلا عن مودتهم، فضلا عن مساعدتهم، فضلا عن إيوائهم، فقد أدوا رحمهم الله ما عليهم. وأما نحن فالله يعلم حالنا والله المستعان.
موقفه من الخوارج:
عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يحكم بما أنزل اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (3) قال: هي به
_________
(1) السنة لعبد الله (ص.24) وذم الكلام (ص.190).
(2) الإبانة (2/ 3/446/ 400) وأصول الاعتقاد (1/ 152/248) وعبد الرزاق (20099).
(3) المائدة الآية (44).(2/254)
كفر، قال ابن طاوس: ليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله. (1)
موقفه من القدرية:
روى ابن بطة بسنده عن معمر؛ قال: كنت عند ابن طاوس في غدير له؛ إذ أتاه رجل يقال له صالح يتكلم في القدر فتكلم بشيء منه، فأدخل ابن طاوس أصبعيه في أذنيه وقال لابنه: أدخل أصبعيك في أذنيك واشدد حتى لا تسمع من قوله شيئا؛ فإن القلب ضعيف. (2)
عطاء الخراساني (3) (135 هـ)
عطاء بن أبي مسلم عبد الله الخراساني المحدث الواعظ من كبار العلماء أبو أيوب ويقال أبو عثمان، وأبو محمد، وأبو صالح، وهو من أهل سمرقند وقيل من أهل بلخ، وولاؤه للمهلب بن أبي صفرة الأزدي. أرسل عن مجموعة من الصحابة منهم أنس بن مالك وأبو الدرداء وابن عباس والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة. روى عن سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وطائفة. روى عنه سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج ومالك بن أنس وعدد كثير. قال عطاء: إن أوثق عملي في نفسي نشري العلم. وقال عبد الرحمن بن يزيد: كنا نغزو مع عطاء الخراساني فكان
_________
(1) الإبانة (2/ 6/736/ 1009).
(2) الإبانة (2/ 10/215/ 1778).
(3) طبقات ابن سعد (7/ 369) وتاريخ خليفة (410) والجرح والتعديل (6/ 334 - 335) والسير (6/ 140 - 143) وتهذيب الكمال (20/ 106 - 117) وميزان الاعتدال (3/ 73 - 75) وشذرات الذهب (1/ 192 - 193).(2/255)
يحيي الليل صلاة إلا نومة السحر وكان يعظنا ويحضنا على التهجد. قال ابنه عثمان: مات أبي سنة خمس وثلاثين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
جاء في أصول الاعتقاد عن الأوزاعي عن عطاء الخرساني قال: ما يكاد الله أن يأذن لصاحب بدعة بتوبة. (1)
موقفه من الخوارج والقدرية:
جاء في تهذيب الكمال عن الأوزاعي قال: حدثنا عطاء الخراساني، قال: ثلاثة لم تكن منهن واحدة في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لم يحلف أحد منهم على قسامه، ولم يكن فيهم حروري، ولم يكن فيهم مكذب بقدر. (2)
ربيعة بن أبي عبد الرحمن "ربيعة الرأي" (3) (136 هـ)
ربيعة بن أبي عبد الرحمن فَرُّوخ الإمام مفتي المدينة وعالم الوقت القرشي التيمي مولى آل المنكدر، المشهور بربيعة الرأي، أبو عثمان ويقال أبو عبد الرحمن المدني. سمع أنس بن مالك والسائب بن يزيد وسعيد بن المسيب وطائفة. روى عنه: السفيانان وشعبة وحماد بن سلمة وسليمان بن بلال ومالك بن أنس ومسعر والليث بن سعد وخلق سواهم. عن عبد العزيز بن أبي
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 159/283) وذم الكلام (ص.194) والحلية (5/ 198).
(2) تهذيب الكمال (20/ 113).
(3) تاريخ بغداد (8/ 420 - 427) وتهذيب الكمال (9/ 123 - 130) وتذكرة الحفاظ (1/ 157 - 158) والسير (6/ 89 - 96) ووفيات الأعيان (2/ 288 - 290) وميزان الاعتدال (2/ 44) ومشاهير علماء الأمصار (81) وشذرات الذهب (1/ 194) والوافي بالوفيات (14/ 94 - 95).(2/256)
سلمة قال: لما جئت العراق جاءني أهل العراق فقالوا: حدثنا عن ربيعة الرأي، قال: فقلت: يا أهل العراق، تقولون ربيعة الرأي والله ما رأيت أحدا أحفظ لسنة منه. قال مالك بن أنس: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن. عن ابن عيينة قال: بكى ربيعة يوما فقيل: ما يبكيك؟ قال: رياء حاضر وشهوة خفية والناس عند علمائهم كصبيان في حجور أمهاتهم، إن أمروهم ائتمروا، وإن نهوهم انتهوا. وقال: العلم وسيلة كل فضيلة. توفي سنة ست وثلاثين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
عن ابن وهب قال: حدثني مالك، قال: أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة فقال: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه، فقال له: أدخلت عليك مصيبة؟ فقال: لا، ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم. (1)
" التعليق:
قال أبو بكر الخطيب: ينبغي لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المفتين، فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها، ومن لم يكن من أهلها منعه منها، وتقدم إليه بأن لا يتعرض لها وأوعده بالعقوبة، إن لم ينته عنها. وقد كان الخلفاء من بني أمية ينصبون للفتوى بمكة في أيام الموسم قوما يعينونهم، ويأمرون بأن لا يستفتى غيرهم.
_________
(1) الفقيه والمتفقه (2/ 324) والمعرفة والتاريخ (1/ 670) وجامع بيان العلم وفضله (2/ 1225/2410).(2/257)
موقفه من الجهمية:
عن سفيان بن عيينة قال: سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله: {الرَّحْمَنُ على الْعَرْشِ استوى} (1) قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق. (2)
موقفه من القدرية:
جاء في سير أعلام النبلاء قال أبو ضمرة: وقف ربيعة على قوم يتذاكرون القدر فقال ما معناه: إن كنتم صادقين فلما في أيديكم أعظم مما في يدي ربكم إن كان الخير والشر بأيديكم. (3)
- وجاء في أصول الاعتقاد: قال غيلان لربيعة: يا أبا عثمان أيرضى الله عز وجل أن يعصى؟ قال له ربيعة: أفيعصى قسرا؟ (4)
قال شيخ الإسلام معلقا عليه: فكأنما ألقَمَهُ حجرا؛ فإن قوله: يحب أن يعصى لفظ فيه إجمال، وقد لا يتأتى في المناظرة تفسير المجملات خوفا من لدد الخصم فيؤتى بالواضحات، فقال: أفتراه يعصى قسرا؟ فإن هذا إلزام له بالعجز الذي هو لازم للقدرية، ولمن هو شر منهم من الدهرية الفلاسفة
_________
(1) طه الآية (5).
(2) أصول الاعتقاد (3/ 441 - 442/ 665) وتاريخ الثقات للعجلي (158) والسير (6/ 90) ودرء التعارض (6/ 264).
(3) السير (6/ 90) والإبانة (2/ 10/259/ 1871).
(4) أصول الاعتقاد (4/ 760/1265) والإبانة (2/ 10/259 - 260/ 1872) وفتح البر (2/ 279).(2/258)
وغيرهم. (1)
- وفيه عنه رضي الله عنه قال: إنما أخشى على هذه الأمة ثلاثا: العصبية والقدرية والرواية فإني أراها تزيد. (2)
- قال الحافظ ابن عبد البر: وقد روي أن غيلان القدري، وقف بربيعة ابن أبي عبد الرحمن فقال له: يا أبا عثمان، أرأيت الذي منعني الهدى، ومنحني الردى، أأحسن إلي أم أساء؟ فقال ربيعة: إن كان منعك شيئا هو لك، فقد ظلمك، وإن كان فضله يؤتيه من يشاء، فما ظلمك شيئا. (3)
زيد بن أسلم (4) (136 هـ)
زيد بن أَسْلَم الإمام الحجة القدوة أبو أسامة العَدَوِي العمري المدني الفقيه مولى عمر بن الخطاب ويقال: أبو عبد الله. حدث عن عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع وأنس بن مالك وأبيه أسلم وطائفة. روى عنه السفيانان ومالك بن أنس وسليمان بن بلال وعبد الملك ابن جريج وخلق كثير. قال يعقوب بن شيبة: ثقة من أهل الفقه والعلم، وكان عالما بتفسير القرآن. وقال محمد بن عجلان: ما هبت أحدا قط هيبتي زيد
_________
(1) مجموع الفتاوى (18/ 140).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 760/1266) وبنحوه في الكفاية (33).
(3) فتح البر (2/ 278).
(4) الوافي بالوفيات (15/ 23 - 24) والجرح والتعديل (3/ 555) وحلية الأولياء (3/ 221 - 229) وتهذيب الكمال (10/ 12 - 18) والسير (5/ 316 - 317) وتذكرة الحفاظ (1/ 132 - 133) والمعرفة والتاريخ (1/ 675) ومشاهير علماء الأمصار (80) وشذرات الذهب (1/ 194).(2/259)
بن أسلم. وكانت له حلقة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
من أقواله: انظر من كان رضاه عنك في إحسانك إلى نفسك وكان سخطه عليك في إساءتك إلى نفسك، فكيف تكون مكافأتك إياه. وقال: استعن بالله يغنك الله عما سواه، ولا يكونن أحد أغنى بالله منك ولا يكونن أحد أفقر إلى الله منك.
توفي سنة ست وثلاثين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
قيل لزيد بن أسلم عمن يا أبا أسامة؟ قال ما كنا نجالس السفهاء ولا نتحمل عنهم. (1)
موقفه من المرجئة:
وجاء في الإيمان لابن أبي شيبة عنه قال: لا بد لأهل هذا الدين من أربع: دخول في دعوة الإسلام، ولا بد من الإيمان وتصديق بالله وبالمرسلين أولهم وآخرهم وبالجنة وبالنار، وبالبعث بعد الموت ولا بد من أن تعمل عملا تصدق به إيمانك. (2)
موقفه من القدرية:
- جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: والله ما قالت القدرية كما قال الله عز وجل ولا كما قال أهل الجنة ولا كما قال أهل النار ولا كما قال أخوهم إبليس.
_________
(1) الكفاية (ص.116).
(2) الإيمان لابن أبي شيبة (136) والمصنف (6/ 172/30445).(2/260)
قال الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (1). وقالت الملائكة: {لا عِلْمَ لَنَا إِلًّا مَا عَلَّمْتَنَا} (2). وقال شعيب: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} (3). وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} (4).
وقال أهل النار: {غَلَبَتْ علينا شِقْوَتُنَا} (5) وقال أخوهم إبليس: {رب بما أغويتني} (6). (7)
- وروى ابن بطة بسنده عن أبي غسان: سمعت زيد بن أسلم يقول: ما أعلم قوما أبعد من الله عز وجل من قوم يخرجونه من مشيئته، ويبرئونه من قدرته، وينكفونه عما لم ينكف عنه نفسه. (8)
- وفي الإبانة عنه أيضا قال: القدر قدرة الله، فمن كذب بالقدر؛ فقد جحد قدرة الله عز وجل. (9)
_________
(1) التكوير الآية (29).
(2) البقرة الآية (32).
(3) الأعراف الآية (89).
(4) الأعراف الآية (43).
(5) المؤمنون الآية (106).
(6) الحجر الآية (39).
(7) أصول الاعتقاد (3/ 628 - 629/ 1012) والإبانة (1/ 8/281 - 282/ 1303) والشريعة (1/ 428 - 429/ 525).
(8) الإبانة (2/ 10/222/ 1804) والشريعة (1/ 428/524).
(9) الإبانة (2/ 10/222/ 1805) والشريعة (1/ 428/523).(2/261)
مغيرة بن مقسم (1) (136 هـ)
الإمام العلامة الثقة، مغيرة بن مِقْسَم أبو هشام الضبي مولاهم، الكوفي الأعمى، الفقيه، يلحق بصغار التابعين. حدث عن أبي وائل، ومجاهد والنخعي والشعبي، ومعبد بن خالد، وسماك بن حرب وعدة. روى عنه: سليمان التيمي أحد التابعين وشعبة والثوري وزائدة وأبو عوانة، وجريج بن عبد الحميد وابن عياش، وخلق.
قال أحمد بن حنبل: مغيرة صاحب سنة ذكي حافظ. قال أبو بكر بن عياش: كان مغيرة من أفقههم، ما رأيت أحدا أفقه منه، فلزمته. قال عن نفسه: ما وقع في مسامعي شيء فنسيته.
مات سنة ست وثلاثين ومائة.
موقفه من الرافضة:
عن مغيرة قال: كان يقال: شتم أبي بكر وعمر من الكبائر. (2)
موقفه من المرجئة:
- جاء في الإبانة: عن أبي بكر بن عياش قال: قال مغيرة: قال محمد بن السائب: قوموا بنا إلى المرجئة نسمع كلامهم، قال: فما رجع حتى علقه. (3)
- وقال جرير: وكان المغيرة يقول: نا حماد قبل أن يصير مرجئا وربما
_________
(1) التاريخ الكبير (4/ 322) وتهذيب الكمال (28/ 397 - 403) وتذكرة الحفاظ (1/ 143) وتهذيب التهذيب (10/ 269) والسير (6/ 10 - 13) وشذرات الذهب (1/ 191).
(2) أصول الاعتقاد (7/ 1341/2387).
(3) الإبانة (2/ 3/462/ 449).(2/262)
قال: حدثنا حماد من قبل أن يفسد. (1)
- وعن جرير عن مغيرة قال: لم يزل في الناس بقية حتى دخل عمرو ابن مرة في الإرجاء فتهافت الناس فيه. (2)
عطاء بن السائب (3) (136 هـ)
عطاء بن السَّائِب، الإمام الحافظ محدث الكوفة أبو السائب، وقيل أبو زيد وقيل أبو يزيد وأبو محمد الكوفي. حدث عن أبيه وعن عبد الله بن أبي أوفى، وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجماعة. وعنه إسماعيل بن أبي خالد والثوري وابن جريج وأبو عوانة وشعبة وجماعة. وكان من كبار العلماء لكنه ساء حفظه قليلا في آخر عمره. قال النسائي: ثقة في حديثه القديم إلا أنه تغير، ورواية حماد بن زيد وشعبة عنه جيدة.
توفي سنة ست وثلاثين ومائة.
موقفه من المرجئة:
تقدم معنا في مواقف منصور بن المعتمر (سنة 132هـ) أن عطاء بن السائب كان من جملة أهل العلم الذين يقولون بالاستثناء ويعيبون على من لا يستثني.
_________
(1) أصول الاعتقاد (5/ 1074/1842).
(2) أصول الاعتقاد (5/ 1074 - 1075/ 1843).
(3) السير (6/ 110 - 114) وتهذيب الكمال (20/ 86 - 94) وشذرات الذهب (1/ 194) وتاريخ الإسلام (حوادث 121 - 140/ص.487 - 489).(2/263)
سعيد بن جمهان (1) (136 هـ)
سعيد بن جمهان الأسلمي أبو حفص البصري، روى عن سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن أبي أوفى وعبد الرحمن بن أبي بكرة وآخرين. وروى عنه حماد بن سلمة وسليمان الأعمش والعوام بن حوشب. وثقه أحمد وابن معين وأبو داود. قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. روى له الأربعة. مات بالبصرة سنة ست وثلاثين بعد المائة الأولى للهجرة.
موقفه من الخوارج:
حدثني سعيد بن جمهان قال: كنا نقاتل الخوارج، وفينا عبد الله بن أبي أوفى وقد لحق غلام له بالخوارج، وهم من ذلك الشط ونحن من ذا الشط، فناديناه: أبا فيروز أبا فيروز، ويحك هذا مولاك عبد الله بن أبي أوفى. قال: نعم الرجل هو لو هاجر. قال: ما يقول عدو الله؟ قال: قلنا: يقول: نعم الرجل هو لو هاجر. قال: فقال: أهجرة بعد هجرتي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: طوبى لمن قتلهم وقتلوه. (2)
خُصَيْف بن عبد الرحمن (3) (137 هـ)
الإمام الفقيه خُصَيْف بن عبد الرحمن أبو عون، الخضرمي الأموي،
_________
(1) التاريخ الكبير للبخاري (3/ 462) وتاريخ الإسلام (حوادث سنة 121 - 140هـ/ص.437 - 438) وتهذيب الكمال (10/ 376 - 381) وتهذيب التهذيب (4/ 14) وميزان الاعتدال (2/ 131).
(2) المسند (4/ 357) والسنة لابن أبي عاصم (906) واللالكائي (7/ 1305/2312).
(3) طبقات ابن سعد (7/ 180) والتاريخ الكبير (3/ 228) وتهذيب الكمال (8/ 257 - 261) وتهذيب التهذيب (3/ 143 - 144) والسير (6/ 145 - 146) وشذرات الذهب (1/ 206).(2/264)
مولاهم الجزري الحراني. رأى أنس بن مالك وسمع مجاهدا وسعيد بن جبير وعكرمة وطبقتهم. روى عنه السفيانان وشريك ومحمد بن سلمة ومعمر بن سليمان وآخرون. قال أبو فروة: ولي خصيف بيت المال. قال أبو زرعة: هو ثقة. قال ابن أبي نجيح: كان من صالحي الناس. وقال الإمام أحمد: ليس بالقوي، تكلم في الإرجاء. وقال الذهبي: حديثه يرتقي إلى الحسن. مات سنة سبع وثلاثين ومائة كما قال البخاري.
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة لعبد الله: عن علي بن مضاء قال: سألت عتاب بن بشير عن القرآن فقال: سألت خصيفا عن القرآن فقال: القرآن كلام الله وليس بمخلوق قلت: وأي شيء تقول أنت؟ قال: أقول كما قال يعني عتابا. (1)
يزيد بن صهيب الفقير (2) (في حدود 140 هـ)
أبو عثمان يزيد بن صهيب الكوفي ثم المكي الفقير. قيل له الفقير لأنه أصيب في فقار ظهره فكان يألم منه حتى ينحني له. ثقة مقل. حدث عن ابن عمر وجابر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم. روى عنه عبد الكريم الجزري ومسعر وآخرون. وفد على عمر بن عبد العزيز. وهو شيخ الإمام أبي حنيفة. روى له الستة إلا الترمذي. وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي. من
_________
(1) السنة لعبد الله (67).
(2) التاريخ الكبير (8/ 342) وتهذيب الكمال (32/ 163 - 165) وتهذيب التهذيب (11/ 338) والتقريب (ص.1076).(2/265)
الطبقة الرابعة كما في التقريب.
موقفه من الخوارج:
عن يزيد الفقير قال: كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج. فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج، ثم نخرج على الناس. قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم -جالس إلى سارية- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فإذا هو قد ذكر الجهنميين قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله، ما هذا الذي تحدثون؟ والله يقول: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} (1) و {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} (2) فما هذا الذي تقولون؟ قال فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت نعم، قال: فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام (يعني الذي يبعثه الله فيه)؟ قلت: نعم، قال فإنه مقام محمد - صلى الله عليه وسلم - المحمود الذي يخرج الله به من يخرج. قال: ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه. قال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك. قال: غير أنه قد زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها. قال: يعني فيخرجون كأنهم عيدان السماسم. قال: فيدخلون نهرا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه فيخرجون كأنهم القراطيس. فرجعنا، قلنا: ويحكم! أترون الشيخ يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فرجعنا، فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد أو كما قال. (3)
قال القاضي عياض: وقوله بعد (فرجعنا، فوالله ما خرج منا غير رجل
_________
(1) آل عمران الآية (192).
(2) السجدة الآية (20).
(3) صحيح مسلم (1/ 179/191).(2/266)
واحد) أو كما قال: يعني: أن الله نفعهم بما حدثهم به جابر، وصرفهم عن الخروج مع الخوارج، لما كان خامرهم من محبة رأيهم. (1)
داود بن أبي هند (2) (140 هـ)
الإمام الحافظ الثقة أبو محمد داود بن أبي هند، واسم أبي هند دينار بن عُذَافِر الخراساني ثم البصري من موالي بني قُشَيْر. حدث عن: سعيد بن المسيب، وأبي عثمان النهدي، وعامر الشعبي، وأبي منيب الجرشي ومحمد بن سيرين وأبي نضرة ومكحول وعدة ورأى أنس بن مالك. حدث عنه سفيان وشعبة والحمادان وهشيم وابن علية والقطان ويزيد بن هارون وخلق كثير. قال النسائي ويحيى بن معين وغيرهما: ثقة، وقال حماد بن زيد: ما رأيت أحدا أفقه من داود. وقال ابن عيينة: عجبا لأهل البصرة يسألون عثمان البتي وعندهم داود بن أبي هند. قال ابن جريج: ما رأيت مثل داود بن أبي هند إن كان ليقرع العلم قرعا. قال محمد بن أبي عدي: أقبل علينا داود فقال: يا فتيان أخبركم لعل بعضكم أن ينتفع به، كنت وأنا غلام أختلف إلى السوق، فإذا انقلبت إلى البيت، جعلت على نفسي أن أذكر الله إلى مكان كذا وكذا، فإذا بلغت إلى ذلك المكان، جعلت على نفسي أن أذكر الله كذا وكذا حتى آتي المنزل. ومناقبه كثيرة. توفي رحمه الله سنة أربعين ومائة.
_________
(1) إكمال المعلم (1/ 571).
(2) تاريخ خليفة (418) والتاريخ الكبير (3/ 231) وتهذيب الكمال (8/ 461 - 466) وتذكرة الحفاظ (1/ 146 - 148) وتهذيب التهذيب (3/ 204 - 205) والسير (6/ 376 - 379) وشذرات الذهب (1/ 208).(2/267)
موقفه من القدرية:
- جاء في الإبانة عن داود بن أبي هند قال: اشتق قول القدرية من الزندقة وهم أسرع الناس ردة. (1)
- وفيها عن داود بن أبي هند قال: ما فشت القدرية بالبصرة حتى فشا من أسلم من النصارى. (2)
أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج (3) (140 هـ)
الإمام القدوة الواعظ شيخ المدينة النبوية أبو حازم سلمة بن دينار المدني المخزومي مولاهم الأعرج، التمار، القاص الزاهد. ولد في أيام ابن الزبير وابن عمر. روى عن سهل بن سعد وأبي أمامة بن سهل وابن المسيب وابن أبي قتادة وأم الدرداء، وابن المنكدر وعدة. روى عنه: ابن شهاب والحمادان والسفيانان ومالك والدراوردي وعبد العزيز بن أبي حازم وخلق سواهم. وثقه ابن معين وأحمد وأبو حاتم وقال ابن خزيمة: ثقة لم يكن في زمانه مثله. قال رحمه الله: ليس للملوك صديق ولا للحسود راحة، والنظر في العواقب تلقيح العقول. وقال أيضا: لا تكون عالما حتى يكون فيك ثلاث خصال: لا تبغ على من فوقك ولا تحقر من دونك ولا تأخذ على علمك دنيا. قال
_________
(1) الإبانة (2/ 11/294/ 1948).
(2) الإبانة (2/ 11/300/ 1959).
(3) التاريخ الكبير (2/ 78) وتهذيب الكمال (11/ 272 - 279) وتذكرة الحفاظ (1/ 133) وتهذيب التهذيب (4/ 143) والسير (6/ 96 - 103) وشذرات الذهب (1/ 208).(2/268)
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما رأيت أحدا الحكمة أقرب إلى فيه من أبي حازم. وأرسل إليه بعض الأمراء، فأتاه وعنده الزهري والإفريقي، وغيرهما، فقال: تكلم يا أبا حازم فقال أبو حازم: إن خير الأمراء من أحب العلماء، وإن شر العلماء من أحب الأمراء. مات في خلافة أبي جعفر سنة أربعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
عن زكريا بن منظور قال: سمعت أبا حازم يقول: أدركت القراء وهم القراء، وليس هم اليوم بالقراء ولكنهم الخراء. (1)
موقفه من القدرية:
- جاء في الإبانة عن أبي حازم: إن الله عز وجل علم قبل أن يكتب وكتب قبل أن يخلق؛ فمضى الخلق على علمه وكتابه. (2)
- وفيها أيضا عنه قال في قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فجورها وَتَقْوَاهَا} (3) قال: الفاجرة ألهمها الفجور، والتقية ألهمها التقوى. (4)
_________
(1) ابن وضاح (ص.133/ 181) والحلية (3/ 246).
(2) الإبانة (2/ 10/229 - 230/ 1828).
(3) الشمس الآية (8).
(4) الإبانة (1/ 8/278/ 1296) والشريعة (1/ 434/543) والسنة لعبد الله (134).(2/269)
يونس بن عبيد (1) (140 هـ)
يونس بن عبيد بن دينار أبو عبد الله العبدي مولاهم البصري مولى عبد القيس، من صغار التابعين وفضلائهم. رأى أنس بن مالك وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي، وحدث عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين وحميد بن هلال وثابت البناني وعكرمة مولى ابن عباس وطائفة. روى عنه سفيان الثوري وشعبة والحمادان وإسماعيل بن علية ويزيد بن زريع وابنه عبد الله وخلق كثير. كان ثقة ثبتا حافظا، قال هشيم: كان أيوب إذا رأى يونس بن عبيد قال: هذا سيدنا. وكان يحدث ثم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله.
من أقواله: خصلتان إذا صلحتا من العبد صلح ما سواهما من أمره: صلاته ولسانه. وقال: ليس شيء أعز من شيئين: درهم طيب ورجل يعمل على سنة. مات سنة أربعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في سير أعلام النبلاء عن حماد بن زيد قال: قال يونس بن عبيد: ثلاثة احفظوهن عني: لا يدخل أحدكم على سلطان يقرأ عليه القرآن، ولا يخلون أحدكم مع امرأة يقرأ عليها القرآن، ولا يمكن أحدكم سمعه من أصحاب الأهواء. (2)
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 260) وتاريخ خليفة (261و418) والجرح والتعديل (9/ 242) ومشاهير علماء الأمصار (150) والسير (6/ 288 - 296) وحلية الأولياء (3/ 15 - 27) وتهذيب الكمال (32/ 517 - 534) وتذكرة الحفاظ (1/ 145 - 146) وشذرات الذهب (1/ 207).
(2) السير (6/ 293) والإبانة (2/ 3/442/ 386) والحلية (3/ 21).(2/270)
- جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: لا تجالس سلطانا ولا صاحب بدعة. (1)
- وجاء في الحلية لأبي نعيم عنه قال: أصبح من إذا عرف السنة عرفها غريبا وأغرب منه الذي يعرفها. (2)
- عن حماد بن زيد قال: سمعت يونس بن عبيد يقول: يوشك لعينك أن ترى ما لم تر، ويوشك لأذنك أن تسمع ما لم يسمع، ولا تخرج من طبقة إلا دخلت فيما هو دونها حتى يكون آخر ذلك الجواز على الصراط. (3)
- ورأى يونس بن عبيد ابنه -وقد خرج من عند صاحب هوى- فقال: يا بني، من أين خرجت؟ قال: من عند عمرو بن عبيد. قال: يا بني، لأن أراك خرجت من بيت هيتي أحب إلي من أن أراك خرجت من بيت فلان وفلان، ولأن تلقى الله زانيا سارقا فاسقا خائنا أحب إلي من أن تلقاه بقول أهل الأهواء. (4)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة لعبد الله بن أحمد بالسند إلى عدي بن الفضل قال: كلمت يونس بن عبيد في عبد الوارث فقال: رأيته على باب عمرو بن عبيد جالسا لا تذكره لي. (5)
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 153/253) والإبانة (2/ 3/442/ 388).
(2) الحلية (3/ 21) وأصول الاعتقاد (1/ 64/21) والإبانة (1/ 1/185/ 20) والشريعة (3/ 581 - 582/ 2113).
(3) الإبانة (1/ 1/182 - 183/ 17).
(4) طبقات الحنابلة (2/ 38) وشرح السنة للبربهاري (ص.124 - 125).
(5) السنة لعبد الله (152).(2/271)
- وجاء في الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية: قال الطبراني في كتاب السنة: حدثنا الحسن بن علي المعمري حدثنا محمد بن بكار العبسي حدثنا عبد العزيز الرقاشي سمعت يونس بن عبيد يقول: فتنة المعتزلة على هذه الأمة أشد من فتنة الأزارقة، لأنهم يزعمون أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضلوا وأنهم لا تجوز شهادتهم بما أحدثوا، ويكذبون بالشفاعة والحوض وينكرون عذاب القبر، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم. (1)
- وزاد أبو نعيم في الحلية: ويجب على الإمام أن يستتيبهم، فإن تابوا وإلا نفاهم من ديار المسلمين. (2)
وقال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أبو محمد بن حيان قال: ثنا أحمد بن نصر قال ثنا أحمد الدورقى قال ثنا خالد بن خداش قال ثنا خويل بن واقد الصفار قال: سمعت رجلا سأل يونس بن عبيد فقال: جار لي معتزلي أعوده؟ قال: أما لحسبة فلا. قلت: مات، أصلي على جنازته؟ قال أما لحسبة فلا. (3)
موقفه من القدرية:
- جاء في أصول الاعتقاد قال: أدركت البصرة وما بها قدري إلا سنسويه ومعبد الجهني وآخر ملعون في بني عوافة. (4)
- وجاء في السير: قال سعيد بن عامر: حدثنا جسر أبو جعفر قلت ليونس: مررت بقوم يختصمون في القدر. فقال: لو همتهم ذنوبهم ما
_________
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 208 - 209).
(2) الحلية (3/ 21).
(3) الحلية (3/ 21).
(4) أصول الاعتقاد (4/ 826/1397).(2/272)
اختصموا في القدر. (1)
- وجاء في أصول الاعتقاد بالسند عن خويل -ختن شعبة- قال: كنت عند يونس بن عبيد فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله تنهانا عن مجالسة عمرو وقد دخل عليه ابنك؟ قال: ابني؟ قال: نعم. فتغيظ الشيخ قال: فلم أبرح حتى جاء ابنه فقال: يا بني قد عرفت رأيي في عمرو ثم تدخل عليه؟ قال: كان معي فلان قال فجعل يعتذر. فقال يونس: أنهاك عن الزنا والسرقة وشرب الخمر. ولأن تلقى الله عز وجل بهن أحب إلي من أن تلقاه برأي عمرو وأصحاب عمرو.
- زاد الخطيب في تاريخه: قال: فقال عمرو: ليت القيامة قامت بي وبك الساعة. فقال يونس بن عبيد {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا} (2).اهـ (3)
ثابت بن عجلان (4) (ما بين 131 هـ و140 هـ)
الشيخ الإمام ثابت بن عَجْلاَن الأنصاري السلمي، أبو عبد الله الشامي، الحمصي، وقيل إنه من أهل أرمينية. روى عن إبراهيم النخعي وأنس بن
_________
(1) السير (6/ 293).
(2) الشورى الآية (18).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 817 - 818/ 1378) والإبانة (2/ 3/466 - 467/ 464) والشريعة (3/ 582 - 583/ 2115) والسير (6/ 294) ونحوه في تاريخ بغداد (12/ 173).
(4) تاريخ دمشق (11/ 132 - 136) وتهذيب الكمال (4/ 363 - 366) وميزان الاعتدال (1/ 364 - 365) وتهذيب التهذيب (2/ 10) والتقريب (1/ 146) وتاريخ الإسلام (حوادث 121 - 140هـ/ص.390).(2/273)
مالك وأيوب السختياني والحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد، وروى عنه إسماعيل بن عياش وبقية بن الوليد ومحمد بن مهاجر ومسكين بن بكير وليث بن أبي سليم وغيرهم. وثقه ابن معين، وقال النسائي وأبو حاتم: لا بأس به. قال ابن حجر: صدوق من الخامسة. وذكره الذهبي في الطبقة الرابعة عشرة المؤرخة ما بين 131هـ و140هـ من تاريخ الإسلام.
موقفه من المبتدعة:
عن بقية قال: حدثنا ثابت بن العجلان قال: أدركت أنس بن مالك وابن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعي وعطاء ابن أبي رباح وطاووس (1) ومجاهد وعبد الله ابن أبي مليكة والزهري ومكحول والقاسم أبا عبد الرحمن وعطاء الخراساني وثابت البناني والحكم بن عتبة وأيوب السختياني وحماد ومحمد بن سيرين وأبا عامر -وكان قد أدرك أبا بكر الصديق- ويزيد الرقاشي وسليمان بن موسى: كلهم يأمروني في الجماعة وينهوني عن أصحاب الأهواء، قال بقية: ثم بكى وقال: أي ابن أخي ما من عمل أرجأ ولا أوثق من مشي إلى هذا المسجد يعني مسجد الباب. (2)
_________
(1) كذا في الأصل بالرفع والصواب فيها النصب، ومثله: مجاهد ومكحول وثابت وحماد.
(2) أصول الاعتقاد (1/ 149 - 150/ 239).(2/274)
عمارة بن القعقاع (1) (ما بين 131 هـ و140 هـ)
عُمَارَة بن القَعْقَاع بن شُبْرُمَة الكوفي. روى عن أبي زرعة بن عمرو البجلي، وأخنس بن خليفة. وحدث عنه: السفيانان، وشريك، وجرير. قال الذهبي: كان أسن من عمه عبد الله بن شبرمة وكان يفضل عليه. وذكره في تاريخه ضمن الطبقة الرابعة عشرة المؤرخة ما بين 131هـ و140هـ.
موقفه من المرجئة:
تقدم معنا في مواقف منصور بن المعتمر (ت 132هـ) أن عمارة بن القعقاع كان من جملة أهل العلم الذين يقولون بالاستثناء ويعيبون على من لا يستثني.
شمر بن عطية (2) (ما بين 131 هـ و140 هـ)
شِمْر بن عَطِية الأسدي الكاهلي الكوفي. روى عن أبي وائل شقيق بن سلمة وسعيد بن جبير والمغيرة بن سعد بن الأخرم وهلال بن يساف. وروى عنه أشعث بن إسحاق القمي وبدر بن الخليل الأسدي وعاصم بن بهدلة وفطر بن خليفة وغيرهم. وثقه النسائي وابن معين والدارقطني وغيرهم. قال ابن حبان: مات في ولاية خالد بن عبد الله على العراق. وقال ابن حجر: صدوق من السادسة. وذكره الذهبي في تاريخه ضمن الطبقة الرابعة عشرة
_________
(1) السير (6/ 140) وتهذيب الكمال (21/ 262) وتهذيب التهذيب (7/ 423) وطبقات ابن سعد (6/ 351) وتاريخ الإسلام (حوادث 121 - 140/ص.502 - 503).
(2) الثقات لابن حبان (6/ 450) وطبقات ابن سعد (6/ 310) وتاريخ الإسلام (حوادث 101 - 120/ص.380) وتهذيب الكمال (12/ 560 - 561) وتهذيب التهذيب (4/ 364 - 365) والتقريب (1/ 422).(2/275)
المؤرخة ما بين 131هـ و140هـ.
موقفه من المبتدعة:
عن جعفر بن أبي المغيرة: عن شمر بن عطية في قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (1) قال: لمن تاب من الشرك وآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأدى الفرائض ثم اهتدى قال: للسنة. (2)
أبو عون الأنصاري (3) (من الخامسة)
عبد الله بن أبي عبد الله أبو عون الأنصاري الشامي. روى عن أبي إدريس الخولاني، وسعيد بن المسيب. روى عنه: ثور بن يزيد وأرطأة بن المنذر والزبيدي وأبو بكر بن حزم. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن حجر: مقبول، من الخامسة.
موقفه من القدرية:
عن أرطأة بن المنذر: ذكرت لأبي عون شيئا من قول أهل التكذيب بالقدر؛ فقال: أما تقرؤون كتاب الله {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا
_________
(1) طه الآية (82).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 79/73).
(3) ثقات ابن حبان (7/ 662) وتهذيب الكمال (34/ 154 - 155) وتهذيب التهذيب (12/ 191) والتاريخ الكبير (8/ 62 كنى) وتقريب التهذيب (2/ 445).(2/276)
يُشْرِكُونَ} (1). اهـ (2)
نافع بن مالك (3) (بعد 140 هـ)
نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الإمام الفقيه أبو سهيل المدني حليف بني تيم، عم مالك بن أنس، وأخو أويس بن مالك والربيع بن مالك. روى عن أنس بن مالك وسهل بن سعد وابن عمر وسعيد بن المسيب وعمر ابن عبد العزيز وأبيه مالك بن أبي عامر الأصبحي وطائفة. روى عنه ابن أخيه مالك بن أنس والزهري وإسماعيل بن جعفر وسليمان بن بلال وعبد العزيز الدراوردي وآخرون. وثقه أحمد وغيره. وقال ابن حجر: ثقة من الرابعة. مات بعد الأربعين ومائة.
موقفه من القدرية:
- جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: لا تبدأ القدرية بالسلام، فإن سلموا عليك فقل وعليك. (4)
- وعن نافع بن مالك أبي سهيل (5) أن عمر بن عبد العزيز قال له: ما ترى في الذين يقولون لا قدر؟ قال أرى أن يستتابوا وإلا ضربت أعناقهم قال عمر وذلك
_________
(1) القصص الآية (68).
(2) الإبانة (2/ 10/222/ 1803) والشريعة (1/ 434/544).
(3) الجرح والتعديل (8/ 453) والسير (5/ 283) وتهذيب الكمال (29/ 290 - 291) وتقريب التهذيب (2/ 296).
(4) أصول الاعتقاد (4/ 705/1146).
(5) في المصدر: أبو إسماعيل وهو خطأ بين، كما سبق أن نبهنا عليه في مواقف عمر بن عبد العزيز سنة (101هـ).(2/277)
الرأي فيهم لو لم يكن إلا هذه الآية الواحدة كفى بها {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} (1).اهـ (2)
عاصم الأحول (3) (142 هـ)
الإمام الحافظ، محدث البصرة أبو عبد الرحمن البصري الأحول عاصم ابن سليمان، محتسب المدائن. روى عن ابن سرجس، وأنس وعبد الله بن شقيق وأبي العالية والشعبي، وحفصة بنت سيرين ومعاذة العدوية وخلق سواهم. روى عنه: قتادة وشعبة وشريك ومعمر، وحماد بن زيد والسفيانان ويزيد بن هارون وخلق كثير. قال ابن المديني: له نحو مائة وخمسين حديثا. قال الثوري: حفاظ البصرة ثلاثة: سليمان التيمي وعاصم الأحول، وداود بن أبي هند. قال ابن مهدي: كان عاصم الأحول من حفاظ أصحابه. قال أحمد ابن حنبل وابن معين وأبو زرعة وطائفة: ثقة. ووثقه ابن المديني وقال مرة: ثبت. وقال محمد بن سعد: كان ثقة وكان من أهل البصرة، وكان يتولى الولايات، وكان بالكوفة على الحسبة في المكاييل والأوزان وكان قاضيا بالمدائن لأبي جعفر.
مات سنة اثنتين وأربعين ومائة، وقيل غير ذلك.
_________
(1) الصافات الآيات (161 - 163).
(2) السنة لعبد الله (147).
(3) تهذيب الكمال (13/ 485 - 491) وتهذيب التهذيب (5/ 42) وتذكرة الحفاظ (1/ 149) والسير (6/ 13 - 14) وشذرات الذهب (1/ 210).(2/278)
موقفه من الرافضة:
قال عاصم يعني الأحول: أتيت برجل قد سب عثمان قال: فضربته عشرة أسواط. قال: ثم عاد لما قال: فضربته عشرة أخرى قال: فلم يزل يسبه حتى ضربه سبعين سوطا. (1)
حميد الطويل (2) (143 هـ)
حُمَيْد بن أبي حُمَيْد الطويل أبو عُبَيْدَة الإمام الحافظ البصري. روى عن أنس بن مالك وثابت البناني والحسن البصري وغيرهم. روى عنه: شعبة وعاصم بن بهدلة والسفيانان والحمادان وغيرهم. عن حماد بن سلمة قال: لم يدع حميد لثابت البناني علما إلا وعاه وسمعه منه. وحميد خال حماد هذا. قال معاذ بن معاذ: كان حميد مصلح أهل البصرة. وقال معاذ: كان حميد الطويل قائما يصلي فمات فذكروه لابن عون وجعلوا يذكرون من فضله فقال ابن عون: احتاج إلى ما قدم. وعن يونس قال: أكثر الله فينا مثل حميد. وقال ابنه إبراهيم بن حميد: مات أبي سنة ثلاث وأربعين ومائة.
موقفه من الجهمية:
عن حماد بن سلمة قال: كان حميد من أكفهم عنه -يعني عمرو بن عبيد-، قال: فجاء ذات يوم إلى حميد؛ فحدثنا حميد بحديث، فقال عمرو:
_________
(1) أصول الاعتقاد (7/ 1340 - 1341/ 2384).
(2) تهذيب الكمال (7/ 355 - 365) والسير (6/ 163 - 169) وطبقات ابن سعد (7/ 252) وتذكرة الحفاظ (1/ 152 - 153) وتهذيب التهذيب (3/ 34 - 36) وشذرات الذهب (1/ 211 - 212).(2/279)
كان الحسن يقوله؛ قال: فقال لي حميد: لا تأخذ عن هذا شيئا؛ فإنه يكذب على الحسن، كان الحسن يأتي بعد ما أسن فيقول: يا أبا سعيد. أليس تقول كذا وكذا للشيء الذي ليس هو من قوله؟ قال: فيقول الشيخ برأسه هكذا. (1)
سليمان بن طرخان التيمي (2) (143 هـ)
سليمان بن طَرْخَان أبو المعتمر التَّيْمِي البصري الإمام شيخ الإسلام نزل في بني تيم فقيل التيمي. روى عن أنس بن مالك وبكر بن عبد الله المزني وثابت البناني والحسن البصري وقتادة وأبي عثمان النهدي وطائفة. روى عنه ابنه معتمر بن سليمان ويزيد بن زريع ويحيى القطان والسفيانان وحماد بن سلمة وشعبة وابن علية وآخرون. قال شعبة: ما رأيت أحدا أصدق من سليمان التيمي رحمه الله، كان إذا حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تغير لونه. قال سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله. وعن معتمر بن سليمان قال: قال لي أبي عند موته: يا معتمر حدثني بالرخص لعلي ألقى الله وأنا حسن الظن به. توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
عن أبي موسى قال: سمعت المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يقول:
_________
(1) الإبانة (2/ 11/304/ 1974) والسنة لعبد الله (149).
(2) طبقات ابن سعد (7/ 252 - 253) وتاريخ خليفة (420) والجرح والتعديل (4/ 124 - 125) ومشاهير علماء الأمصار (93) وتهذيب الكمال (12/ 5 - 12) والسير (6/ 195 - 202) وتذكرة الحفاظ (1/ 150 - 152) وميزان الاعتدال (2/ 212) وشذرات الذهب (1/ 212).(2/280)
أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عندنا كالتنزيل. قال أبو موسى: يعني في الاستعمال؛ يستعمل سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يستعمل كلام الله عز وجل. (1)
موقفه من الجهمية:
عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: ليس قوم أشد بغضا للإسلام من الجهمية والقدرية، فأما الجهمية فقد بارزوا الله وأما القدرية فإنهم قالوا في الله. (2)
قال معاذ بن معاذ: كان سليمان التيمي لا يزيد كل واحد منا على خمسة أحاديث وكان معنا رجل، فجعل يكرر عليه، فقال: نشدتك بالله أجهمي أنت؟ فقال: ما أفطنك، من أين تعرفني؟ (3)
موقفه من القدرية:
- جاء في تلبيس إبليس بالسند إلى سعيد الكريزي قال: مرض سليمان التيمي، فبكى في مرضه بكاء شديدا فقيل له ما يبكيك؟ أتجزع من الموت؟ قال: لا، ولكني مررت على قدري فسلمت عليه فأخاف أن يحاسبني ربي عليه. (4)
" التعليق:
انظر رعاك الله إلى أين وصل سلفنا مع المبتدعة، يخاف أن يحاسب على
_________
(1) ذم الكلام (ص.77).
(2) السنة لعبد الله (10) والسنة للخلال (5/ 90) والإبانة (2/ 13/100 - 101/ 340).
(3) السير (6/ 200 - 201).
(4) التلبيس (23) والسير (6/ 200) والتذكرة (1/ 151 - 152).(2/281)
السلام عليه، أما نحن الآن فنؤاكلهم ونشاربهم ونضاحكهم ونوادهم ونقيم لهم الضيافة الفخمة ونأويهم خير الإيواء والله المستعان.
- وجاء في سير أعلام النبلاء عن مهدي بن هلال قال: أتيت سليمان فوجدت عنده حماد بن زيد ويزيد ابن زريع وبشر بن المفضل وأصحابنا البصريين، فكان لا يحدث أحدا حتى يمتحنه فيقول له: الزنا بقدر؟ فإن قال: نعم، استحلفه إن هذا دينك الذي تدين الله به؟ فإن حلف حدثه خمسة أحاديث. (1)
- وفيها أيضا: قال معتمر بن سليمان: قال أبي: أما والله لو كشف الغطاء لعلمت القدرية أن الله ليس بظلام للعبيد. (2)
يحيى بن سعيد (3) (143 هـ)
يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو وقيل يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد، الإمام العلامة المجود، عالم المدينة في زمانه، وشيخ عالم المدينة وتلميذ الفقهاء السبعة، أبو سعيد الأنصاري الخزرجي النجاري المدني القاضي مولده قبل السبعين زمن ابن الزبير. سمع من أنس بن مالك والسائب بن يزيد وأبي أمامة
_________
(1) السير (6/ 200).
(2) السير (6/ 201) والتذكرة (1/ 152).
(3) تاريخ بغداد (14/ 101 - 106) والسير (5/ 468 - 481) وتاريخ الإسلام (حوادث 141 - 160/ص.331 - 334)، وتهذيب الكمال (31/ 346 - 358) وشذرات الذهب (1/ 212) وطبقات الحفاظ (57).(2/282)
ابن سهل وسعيد بن المسيب وغيرهم. روى عنه الزهري مع تقدمه، وابن أبي ذئب وشعبة ومالك وسفيان الثوري والأوزاعي وغيرهم. عن علي بن مسهر: سمعت سفيان يقول: أدركت من الحفاظ ثلاثة: إسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن أبي سليمان، ويحيى بن سعيد الأنصاري، قلت: فالأعمش؟ فأبى أن يجعله معهم. قال سفيان بن سعيد: يحيى بن سعيد الأنصاري أجل عند أهل المدينة من الزهري. عن يعقوب بن كاسب قال: حدثنا بعض أهل العلم قال: سمعت صائحا يصيح في المسجد الحرام أيام مروان: لا يفتي الحاجَّ في المسجد إلا يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر ومالك ابن أنس.
مات سنة ثلاث وأربعين ومائة.
موقفه من الرافضة:
جاء في السير: الترمذي: حدثنا قتيبة حدثنا جرير سألت يحيى بن سعيد فقلت: أرأيت من أدركت من الأئمة؟ ما كان قولهم في أبي بكر وعمر وعلي؟ فقال: سبحان الله ما رأيت أحدا يشك في تفضيل أبي بكر وعمر على علي، إنما كان الاختلاف في علي وعثمان. (1)
_________
(1) السير (5/ 472 - 473).(2/283)
عبد الله بن شبرمة (1) (144 هـ)
عبد الله بن شُبْرُمَة بن الطفيل بن حسان، الإمام العلامة فقيه العراق أبو شُبْرُمَة قاضي الكوفة عداده في التابعين وهو عم عمارة بن القعقاع بن شبرمة. روى عن أنس بن مالك وإبراهيم بن يزيد التيمي وشقيق ونافع وأبي زرعة بن عمرو بن جرير والشعبي وطائفة. وعنه حماد بن زيد والسفيانان والحسن بن صالح بن حي وشريك بن عبد الله وشعبة ومعمر وآخرون. قال سفيان الثوري: وكان ابن شبرمة عفيفا صارما عاقلا فقيها يشبه النساك ثقة في الحديث شاعرا حسن الخلق جوادا.
من أقواله: من بالغ في الخصومة أثم ومن قصر فيها خصم، ولا يطيق الحق من بالى على من دار الأمر. وقال: عجبت للناس يحتمون من الطعام مخافة الداء ولا يحتمون من الذنوب مخافة النار.
مات سنة أربع وأربعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- روى الدارمي بسنده إلى إبراهيم بن أدهم قال: سألت ابن شبرمة عن شيء وكانت عندي مسألة شديدة فقلت: رحمك الله، انظر فيها، قال: إذا وضح لي الطريق ووجدت الأثر لم أحبس. (2)
_________
(1) تاريخ خليفة (361و421) والسير (6/ 347 - 349) وتهذيب الكمال (15/ 76) والجرح والتعديل (5/ 82) ومشاهير علماء الأمصار (168) والوافي بالوفيات (17/ 207) وميزان الاعتدال (2/ 438) وشذرات الذهب (1/ 215 - 216).
(2) سنن الدارمي (1/ 72).(2/284)
- قال ابن شبرمة: من المسائل مسائل لا يجوز للسائل أن يسأل عنها ولا للمسؤول أن يجيب عنها. (1)
- وجاء في أصول الاعتقاد عنه قال:
إذا قلت جدوا في العبادة واصبروا ... أصروا وقالوا: لا: الخصومة أفضل
خلافا لأصحاب النبي وبدعة ... وهم لسبيل الحق أعمى وأجهل (2)
- وروى البغدادي بالسند إليه قال: ما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. (3)
موقفه من المرجئة:
تقدم معنا في مواقف منصور بن المعتمر (سنة 132هـ) أن عبد الله ابن شبرمة كان من جملة أهل العلم الذين يقولون بالاستثناء ويعيبون على من لا يستثني.
مجالد بن سعيد (4) (144 هـ)
مُجَالِد بن سعيد بن عمير بن بسطام الهمداني، أبو عمرو، ويقال أبو عمير ويقال أبو سعيد الكوفي. روى عن زياد بن علاقة والشعبي وقيس بن أبي حازم ومرة الهمداني، وروى عنه إسماعيل بن أبي خالد وابنه إسماعيل بن
_________
(1) الإبانة (1/ 2/418/ 335).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 168 - 169/ 310).
(3) الفقيه والمتفقه (1/ 466) وهو في إعلام الموقعين (1/ 257).
(4) طبقات ابن سعد (6/ 349) والكامل لابن الأثير (5/ 512) وتهذيب الكمال (27/ 219 - 225) وميزان الاعتدال (3/ 438 - 439) وتهذيب التهذيب (10/ 39 - 41) وشذرات الذهب (1/ 216).(2/285)
مجالد وحماد بن زيد والثوري وابن عيينة وعبد الله بن المبارك وغيرهم.
تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وقال الدوري عن يحيى بن معين: ثقة، وقال: مجالد وليث وحجاج سواء، وعبد الرحمن بن حرملة أحب إلي منهم. وقال البخاري: صدوق.
توفي رحمه الله في ذي الحجة سنة أربع وأربعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
عن سعيد بن أبي عروبة: أن مجالد بن سعيد سمع قوما يعجون في دعائهم، فمشى إليهم فقال: أيها القوم، إن كنتم أصبتم فضلا على من كان قبلكم لقد ضللتم قال: فجعلوا يتسللون رجلا رجلا، حتى تركوا بغيتهم التي كانوا فيها. (1)
موقف السلف من عمرو بن عبيد (144 هـ)
جاء في الإبانة: عن ابن شوذب قال: قال لي عقيل بن طلحة، وكانت لطلحة صحبة: هل لقيت عمرو بن عبيد، فقلت: لا، قال: فلا تلقه لست آمنه عليك وكان عمرو بن عبيد يرى رأي الاعتزال. (2)
وفيها: قال أيوب: ما عددت عمرو بن عبيد عاقلا قط. (3)
_________
(1) الاقتضاء (2/ 639).
(2) الإبانة (2/ 3/448 - 449/ 409).
(3) الإبانة (2/ 3/467/ 465) والسنة لعبد الله (150).(2/286)
وفيها: عن إسماعيل بن إبراهيم؛ قال: جاءني عبد العزيز الدباغ؛ فقال: إني قد أنكرت وجه ابن عون؛ فلا أدري ما شأنه؛ قال: فذهبت معه إلى ابن عون فقلت: يا أبا عون. ما شأن عبد العزيز؟ قال: أخبرني قتيبة صاحب الحرير أنه رآه مع عمرو بن عبيد يمشي في السوق؛ فقال له عبد العزيز: إنما سألته عن شيء، والله ما أحب رأيه، فقال: ونسأله أيضا؟ (1)
وفيها: قال ابن عيينة: قدم أيوب سنة وعمرو بن عبيد فطافا بالبيت من أول الليل حتى أصبحا، ثم قدما بعد ذلك فطاف أيوب حتى أصبح وخاصم عمرو حتى أصبح. (2)
وجاء في أصول الاعتقاد عن أحمد بن موسى قال: مر عمرو بن عبيد على أبي عمرو بن العلاء فقال له عمرو: كيف تقرأ: {وَإِنْ يستعتبوا} (3)؟ فقال أبو عمرو: وإن يستعتبوا -بفتح الياء- فما هم من المعتبين -بفتح التاء- فقال له عمرو: ولكني أقرأ: وإن يستعتبوا -بضم الياء- فما هم من المعتبين -بكسر التاء- فقال أبو عمرو: ومن هنالك أبغض المعتزلة لأنهم يقولون برأيهم. (4)
وفيه عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج قوم من النار بعد ما امتحشوا فيدخلون الجنة" (5). وقال عمرو بن
_________
(1) الإبانة (2/ 11/303/ 1970).
(2) الإبانة (2/ 11/304/ 1975).
(3) فصلت الآية (24).
(4) أصول الاعتقاد (4/ 816/1375).
(5) أحمد (3/ 391) ومسلم (1/ 179/191 (320)) والترمذي (4/ 615/2597) وقال: "حديث حسن صحيح".(2/287)
دينار، قال عبيد بن عمير: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج قوم من النار فيدخلون الجنة" قال: فقال رجل: يا أبا عاصم ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ قال: فقال عبيد بن عمير: إليك عني يا علج فلولا سمعه من يتبين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حدثته قال: قال سفيان: فقدم علينا عمرو بن عبيد ومعه رجل تابع له على هواه، قال: فدخل عمرو بن عبيد الحجر فصلى فيه وخرج صاحبه وقام على عمرو بن دينار وهو يحدث هذا عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرجع إلى عمرو بن عبيد فقال يا ضال أما كنت تخبر أنه لا يخرج أحد من النار قال: بلى قال فهو ذا عمرو بن دينار يزعم أنه سمع جابر ابن عبد الله يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج قوم من النار فيدخلون الجنة" قال: فقال عمرو بن عبيد: لهذا معنى لا تعرفه، قال: فقال الرجل: وأي معنى يكون لهذا قال: وفك ثوبه من يديه وفارقه. (1)
وجاء في السنة بالسند إلى حرب بن ميمون صاحب الأغمية قال: رأيت عمرو بن عبيد يصلي بقوم وهو معهم في الصف، فسألت ابن فضاء فقال: هذا رجل صاحب بدعة. (2)
وفيها عن سفيان بن عيينة قال: قال لي سفيان الثوري: اذهب بي إلى عمرو بن عبيد وذلك قبل أن يعرفه فذهبت به إليه فكلمه أو جعل يسأله فكأن عمرا اتقاه فلما كان بعد، قال لي من ذلك الذي جئتني به؟ قلت: سفيان الثوري، قال: لو علمته لأخذته إنما ظننت أنه من أهل المدينة الذين
_________
(1) أصول الاعتقاد (6/ 1163 - 1164/ 2048).
(2) السنة لعبد الله (150).(2/288)
يأخذون الناس من فوق. (1)
وفيها عن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: قال أبي: يا بني لا تسمع من عمرو بن عبيد واسمع من عمرو قهرمان آل الزبير. (2)
جاء في السنة بالسند إلى أبي بحر البكراوي قال: قال رجل لعمرو -يعني ابن عبيد- وقرأ عنده هذه الآية: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (3) فقال له: أخبرني عن: {تَبَّتْ يدا أبي لَهَبٍ} (4) كانت في اللوح المحفوظ، قال: ليست هكذا كانت قال: وكيف كانت: {تَبَّتْ يدا} من عمل بمثل ما عمل أبو لهب؟ فقال له الرجل: هكذا ينبغي لنا أن نقرأ إذا قمنا إلى الصلاة، فغضب عمرو فتركه حتى سكن ثم قال له: يا أبا عثمان أخبرني عن {تَبَّتْ يدا أبي لَهَبٍ} كانت في اللوح المحفوظ؟ فقال: ليس هكذا كانت، قال: فكيف كانت؟ قال: {تَبَّتْ يدا} من عمل بمثل عمل أبي لهب، قال: فرددت عليه، قال عمرو: إن علم الله ليس بسلطان إن علم الله لا يضر ولا ينفع. (5)
وجاء في أصول الاعتقاد عن معاذ بن معاذ قال: كنت عند عمرو بن
_________
(1) السنة لعبد الله (152).
(2) السنة لعبد الله (153).
(3) البروج الآيتان (21و22).
(4) المسد الآية (1).
(5) السنة لعبد الله (150 - 151).(2/289)
عبيد فأتاه رجل يقال له عثمان بن خاش وهو أخو الشمزي فقال: يا أبا عثمان سمعت والله الكفر اليوم. قال: لا تعجل بالكفر وما سمعت؟ قال: سمعت هاشم الأوقصي يقول: {تَبَّتْ يدا أبي لَهَبٍ} (1) و {ذرني وَمَنْ خَلَقْتُ وحيدًا} (2) لسن في أم الكتاب والله يقول: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (3) فسكت عمرو هنيهة ثم أقبل علينا وقال: فوالله لئن كان القول كما يقول فما على أبي لهب ولا الوحيد (4) من لوم. قال: عثمان: هذا والله الدين يا أبا عثمان. قال معاذ: فدخل بالإسلام وخرج بالكفر. (5)
وجاء في سير أعلام النبلاء: قال معاذ بن معاذ: سمعت عَمْرا يقول إن كانت {تَبَّتْ يدا أبي لَهَبٍ} (6) في اللوح المحفوظ فما لله على ابن آدم حجة، وسمعته ذكر حديث الصادق المصدوق (7) فقال: لو سمعت الأعمش يقوله
_________
(1) المسد الآية (1).
(2) المدثر الآية (11).
(3) الزخرف الآيات (1 - 4).
(4) يعني الوليد بن المغيرة في قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)} [المدثر: 11].
(5) أصول الاعتقاد (4/ 813 - 814/ 1370) وتاريخ بغداد (12/ 171) والزيادة الأخيرة منه.
(6) المسد الآية (1).
(7) أحمد (1/ 382 و430) والبخاري (6/ 373/3208) ومسلم (4/ 2036/2643) وأبو داود (5/ 82 - 83/ 4708) والترمذي (4/ 388 - 389/ 2137) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". وابن ماجه (1/ 29/76).(2/290)
لكذبته، إلى أن قال ولو سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله لرددته. (1)
وجاء بالسند إلى عثمان بن عثمان قال: كنا عند معاذ بن معاذ فذكر عمرو بن عبيد، قال: ذكر حديث أبي بكر الصديق عند عمرو بن عبيد، فقال: لو سمعته من أبي بكر ما صدقته ولو سمعته من النبي ما اجتنبته، وإذا لقيت الله قلت على ذا فطرتنا. (2)
" التعليق:
انظر إلى البدع وما جرت على أصحابها من الكفر والضلالة والوقاحة على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، نسأل الله السلامة والعافية.
وجاء في أصول الاعتقاد عن عاصم الأحول قال: جلست إلى قتادة فذكر عمرو بن عبيد فوقع فيه فقلت: يا أبا الخطاب ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض؟ قال: يا أحول ولا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة فينبغي لها أن تذكر حتى تعلم؟ فجئت من عند قتادة وأنا مغتم لقوله في عمرو بن عبيد وما رأيت من نسك عمرو بن عبيد وهديه فوضعت رأسي بنصف النهار فإذا أنا بعمرو بن عبيد في النوم والمصحف في حجره وهو يحك آية من كتاب الله.
قلت: سبحان الله تحك آية من كتاب الله؟ قال: إني سأعيدها. فتركته حتى حكها فقلت له أعدها. فقال: إني لا أستطيع. (3)
_________
(1) السير (6/ 104 - 105).
(2) السنة لعبد الله (153).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 814 - 815/ 1372).(2/291)
وفي السنة لعبد الله عن عباد بن منصور قال: سمعت أنا وعمرو بن عبيد من الحسن تفسير هود والرعد، فلما كان بعد ذلك فإذا هو قد أخرجها أكثر مما سمعنا، فقلت له: يا أبا عثمان، سمعت أنا وأنت من الحسن، فما هذه الزيادة؟ قال هذا كلام زدته أرقق به قلوبهم. (1)
وقال اللالكائي في أصول الاعتقاد: روي أن أعرابيا جاء عمرو بن عبيد فقال له: إن ناقتي سرقت فادع الله أن يردها علي. فقال: اللهم إن ناقة هذا الفقير سرقت ولم ترد سرقتها اللهم ارددها عليه. فقال الأعرابي: يا شيخ الآن ذهبت ناقتي وأيست منها. قال: كيف؟ قال: لأنه إذا أراد أن لا تسرق فسرقت لم آمن أن يريد رجوعها فلا ترجع ونهض من عنده منصرفا. (2)
وعن خويل -ختن شعبة- قال: كنت عند يونس بن عبيد فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله تنهانا عن مجالسة عمرو وقد دخل عليه ابنك؟ قال: ابني؟ قال: نعم. فتغيظ الشيخ قال: فلم أبرح حتى جاء ابنه فقال: يا بني قد عرفت رأيي في عمرو ثم تدخل عليه؟ قال: كان معي فلان قال: فجعل يعتذر. فقال يونس: أنهاك عن الزنا والسرقة وشرب الخمر. ولأن تلقى الله عز وجل بهن أحب إلي من أن تلقاه برأي عمرو وأصحاب عمرو. (3)
وعن الحسين بن يحيى قال: سمعت الفضيل بن مروان يقول: كان المعتصم يختلف إلى علي ابن عاصم المحدث وكنت أمضي معه إليه فقال يوما حدثنا
_________
(1) السنة لعبد الله (152).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 816 - 817/ 1376) والإبانة (2/ 11/280/ 1914).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 817 - 818/ 1378) والإبانة (2/ 3/466 - 467/ 464).(2/292)
عمرو بن عبيد -وكان قدريا- فقال المعتصم: أما تدري أن القدرية مجوس هذه الأمة؟ فلم ترو عنه؟ قال: لأنه ثقة في الحديث صدوق. قال: فإن كان المجوسي ثقة فيما يقول أتروي عنه؟ فقال له علي: أنت شغاب يا أبا إسحاق. (1)
وفيه عن حزم قال: سمعت حوشب يقول لعمرو بن عبيد في حبوة الحبس -ما هذا الذي أحدثت؟ قد نبت قلوب إخوانك عنك، هذا الحسن: انطلق حتى نسأله عن هذا الأمر. قال: كسرها الله إذن- يعني رجليه. (2)
وفيه: سئل ابن عون عن (عمرو بن عبيد) فقال: حدثنا مسلم البطين قال: قال ابن مسعود: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنه لن يهدوكم وقد ضلوا. (3)
وعن عبد الملك الأصمعي: كنا عند أبي عمرو بن العلاء قال: فجاء عمرو بن عبيد، فقال: يا أبا عمرو! يخلف الله وعده؟ قال: لا. قال: أرأيت من وعده الله على عمل عقابا؛ أليس هو منجزه له؟ فقال له أبو عمرو: يا أبا عثمان! من العجمة أوتيت، لا يعد عارا ولا خلفا، أن تعد شرا ثم لا تفي به؛ بل تعده فضلا وكرما، إنما العار أن تعد خيرا ثم لا تفي به. قال: ومعروف ذلك في كلام العرب؟ قال: نعم. قال: أين هو؟ قال أبو عمرو: قال الشاعر (4):
لا يرهب ابن العُمْرِ ما عشت صولة ... ولا أختفي من صولة المتهدد
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي (5)
_________
(1) أصول الاعتقاد (4/ 819 - 820/ 1383).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 825/1394).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 820/1384).
(4) البيتان لعامر بن الطفيل. انظر المعجم المفصل لشواهد اللغة العربية (2/ 414).
(5) الإبانة (2/ 11/301 - 302/ 1966).(2/293)
" التعليق:
قال كاتبه: ومواقف السلف من عمرو بن عبيد أخزاه الله تترى وكثيرة وما ذكرناه منها فهو قُلٌّ من جُلّ.
عبد الله بن حسن بن حسن بن علي (1) (145 هـ)
عبد الله بن حسن بن حسن بن علي، أبو محمد المدني، وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي. روى عن الأعرج وعكرمة مولى ابن عباس، وعمه إبراهيم ابن محمد بن طلحة. حدث عنه سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وإسماعيل ابن عبد الرحمن السدي. قال عنه محمد بن عمر: كان من العباد، وكان له شرف، وعارضة، وهيبة، ولسان شديد. وقال محمد بن سلام الجمحي عنه: كان ذا منزلة من عمر بن عبد العزيز في خلافته.
توفي سنة خمس وأربعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- عن عبد الله بن إسحاق الجعفري قال: وكان عبد الله بن الحسن يعني: ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم يكثر الجلوس إلى ربيعة، فتذاكروا يوما، فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل على هذا. فقال عبد الله: أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام، أفهم الحجة على السنة؟ فقال ربيعة: أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء. (2)
_________
(1) تهذيب الكمال (14/ 414) وتهذيب التهذيب (5/ 186) والجرح والتعديل (5/ 33) وثقات ابن حبان (7/ 1).
(2) الفقيه والمتفقه (1/ 380 - 384) والاعتصام (1/ 460 - 461) والباعث (ص.50).(2/294)
- عن الأصمعي قال: حدثنا سفيان قال: قال عبد الله بن الحسن: المراء يفسد الصداقة القديمة ويحل العقدة الوثيقة وأقل ما فيه أن تكون المغالبة، والمغالبة أمتن أسباب القطيعة. (1)
- عن سفيان قال: قيل لعبد الله بن حسن: ما لك لا تماري إذا جلست؟ فقال: ما تصنع بأمر إن بالغت فيه أثمت وإن قصرت فيه خصمت. (2)
موقفه من المشركين:
روى سعيد بن منصور في سننه أن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي ابن أبي طالب رأى رجلا يكثر الاختلاف إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: يا هذا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني (3) فما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء. (4)
موقفه من الرافضة:
- جاء في أصول الاعتقاد: عن أبي خالد -يعني الأحمر- قال: سئل عبد الله بن الحسن عن أبي بكر وعمر فقال: صلى الله عليهما ولا صلى على من لا يصلي عليهما. (5)
- وفيه: عن السدي قال: قال لي عبد الله بن حسن يا سدي أخبرنا عن شيعتنا قبلكم بالكوفة قال: قلت إن قوما ينتحلون حبكم يزعمون أن
_________
(1) الإبانة (2/ 3/530 - 531/ 655).
(2) الإبانة (2/ 3/531/ 656).
(3) تقدم تخريجه ضمن مواقف علي بن الحسين سنة (93هـ) من حديث علي بن أبي طالب.
(4) نقلا عن مجموع الفتاوى (1/ 238).
(5) أصول الاعتقاد (7/ 1381/2470).(2/295)
الأرواح تتناسخ فقال لي: يا سدي كذب هؤلاء ليس هؤلاء منا ولا نحن منهم قال: قلت إن عندنا قوما ينتحلونكم يزعمون أن العلم يكتب في قلوبكم. فقال: يا سدي ليس هؤلاء منا ولا نحن منهم يا سدي من أتى منا الفقهاء وجالسهم كان عالما ومن لم يأتهم منهم كان جاهلا. (1)
- وفي الميزان: عن سليمان بن قرم قال: قلت لعبد الله بن الحسن: أفي أهل قبلتنا كفار؟ قال: نعم، الرافضة. (2)
عمر بن محمد بن عبد الله العمري (3) (145 هـ)
عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني، نزيل عسقلان. روى عن إسماعيل بن رافع المدني وحفص بن عاصم ابن عمر بن الخطاب وزيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب، وروى عنه سفيان الثوري وشعبة ويزيد بن زريع وغيرهم.
قال سفيان الثوري: لم يكن في آل ابن عمر أفضل من عمر بن محمد ابن زيد العسقلاني. وقال يحيى بن حكيم المقوم عن أبي عاصم النبيل: كان من أفضل أهل زمانه، كان أكثر مقامه بالشام، قدم بغداد، فانجفل الناس إليه، وقالوا: ابن عمر بن الخطاب، ثم قدم الكوفة فأخذوا عنه وكان له قدر وجلالة. قال الذهبي: مات سنة خمسين ومائة، وقال ابن حجر: بل قتل في
_________
(1) أصول الاعتقاد (8/ 1484 - 1485/ 2693).
(2) الميزان (2/ 219).
(3) الجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسراني (1/ 342) وتاريخ الإسلام (حوادث 141 - 160/ص.229 - 230) وميزان الاعتدال (3/ 220 - 221) وتهذيب الكمال (21/ 499 - 503) وتهذيب التهذيب (7/ 495 - 496).(2/296)
السنة التي خرج فيها (أي سنة خمس وأربعين ومائة للهجرة).
موقفه من القدرية:
عن يزيد بن زريع قال: قلت لعمر بن محمد العمري: رجل يثبت القدر ويعلم من قلبه أنه مؤمن ولا يتكلم فيه أحب أو رجل مؤمن يتكلم فيه؟ قال: لا والله حتى يبين لهم ضلالتهم. (1)
محمد بن عبد الله (2) (145 هـ)
محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي الهاشمي الأمير المدني. حدث عن نافع وأبي الزناد. وعنه عبد الله بن جعفر المخرمي وعبد العزيز الدراوردي وعبد الله بن نافع الصائغ. قال النسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وهو الذي خرج على أبي جعفر المنصور فبعث إليه عيسى بن موسى فقتله، في النصف من شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة بالمدينة.
موقفه من الرافضة:
عن حبيب الأسدي عن محمد عن عبد الله بن الحسن قال: أتاه قوم من الكوفة والجزيرة فسألوه عن أبي بكر وعمر فالتفت إلي فقال: انظر إلى هؤلاء
_________
(1) أصول الاعتقاد (4/ 764/1265).
(2) تهذيب الكمال (25/ 465 - 471) والسير (6/ 210 - 218) وتهذيب التهذيب (9/ 252) وميزان الاعتدال (3/ 591) والوافي بالوفيات (3/ 297 - 300) وشذرات الذهب (1/ 213 - 215).(2/297)
يسئلوني عن أبي بكر وعمر، لهما عندي أفضل من علي. (1)
محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان (2) (145 هـ)
أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عمرو ابن أمير المؤمنين عثمان، العثماني المدني الملقب بالديباج لحسنه. وهو سبط الحسين رضي الله عنه. روى عن أبيه وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي، وأبي الزناد، ونافع مولى ابن عمر، وخارجة بن زيد بن ثابت، وغيرهم. وروى عنه: أبو بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وأسامة ابن زيد الليثي، والدراوردي، ويوسف ابن الماجشون، وطائفة. قال الزبير بن بكار: حدثني عبد الملك بن عبد العزيز عن أبي السائب، قال: احتجت إلى لقحة، فكتبت إلى محمد بن عبد الله بن عمرو أسأله. فبعث إلي تسعة عشرة لقحة مع عبد، وكتب معها: هي بدن وهو حر إن رجع بشيء من ذلك في مالي أبدا. قال: فبِعْتُ منهن بثلاث مائة دينار سوى ما احتبست لحاجتي. قال أخوه لأمه عبد الله بن الحسن بن الحسن: لما ولد محمد أبغضته بغضا ما أبغضته أحدا قط، فلما كبر وبرني أحببته حبا ما أحببته أحدا قط. وكان جوادا سخيا ذا مروءة وسؤدد وحشمة. قتله المنصور سنة خمس وأربعين ومائة ليلة جاءه خروج محمد بن عبد الله بن حسن.
_________
(1) أصول الاعتقاد (8/ 1454/2627).
(2) التاريخ الكبير (1/ 138 - 139) وتاريخ بغداد (5/ 385 - 388) وتهذيب الكمال (25/ 516 - 523) وتهذيب التهذيب (9/ 268 - 269) والسير (6/ 224 - 225) وميزان الاعتدال (3/ 593).(2/298)
موقفه من المرجئة:
- قال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان: لا يصلح قول إلا بعمل. (1)
- عن يحيى بن سليم قال: سألت سفيان الثوري عن الإيمان؟ فقال: قول وعمل وسألت ابن جريج، فقال: قول وعمل وسألت محمد بن عبد الله ابن عمرو بن عثمان، فقال: قول وعمل وسألت نافع بن عمر الجمحي، فقال: قول وعمل وسألت مالك بن أنس فقال: قول وعمل وسألت فضيل ابن عياض فقال: قول وعمل وسألت سفيان بن عيينة، فقال: قول وعمل. (2)
الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي (3) (145 هـ)
الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المدني، أخو عبد الله وإبراهيم. أمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب. روى عن أبيه حسن بن حسن وأمه فاطمة. وروى عنه فضيل بن مرزوق وعمر بن شبيب المسلي وعبيد بن الوسيم الجمال. ذكره ابن حبان في الثقات. توفي رحمه الله بالهاشمية سنة خمس وأربعين ومائة، في حبس أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور.
_________
(1) السنة لعبد الله (96).
(2) الشريعة (1/ 288/282) وأصول الاعتقاد (4/ 930/1584) والمعرفة والتاريخ للفسوي (3/ 498).
(3) تهذيب الكمال (6/ 84 - 89) وتاريخ الإسلام (حوادث 141 - 160/ص.107) وتهذيب التهذيب (2/ 262 - 263) والوافي بالوفيات (11/ 418 - 419).(2/299)
موقفه من الرافضة:
- جاء في الشريعة: عن فضيل بن مرزوق قال: سمعت حسن بن حسن رضي الله عنهما يقول لرجل من الرافضة: والله لئن أمكن الله منكم لتقطعن أيديكم وأرجلكم ولا يقبل منكم توبة. وقال: وسمعته يقول: مرقت علينا الرافضة كما مرقت الحرورية على علي رضي الله عنه. (1)
- وفي تهذيب الكمال عن شبابة بن سوار: حدثنا الفضيل بن مرزوق قال: سمعت الحسن بن الحسن أخا عبد الله بن الحسن وهو يقول لرجل ممن يغلو فيهم: ويحكم أحبونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله فأبغضونا. قال: فقال له الرجل: إنكم ذو قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأهل بيته، فقال: ويحكم لو كان الله نافعا بقرابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا، أباه وأمه، والله إني لأخاف أن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين. والله إني لأرجو أن يؤتى المحسن منا أجره مرتين. قال: ثم قال: لقد أساء بنا آباؤنا وأمهاتنا إن كان ما يقولون (2) من دين الله ثم لم يخبرونا به. ولم يطلعونا عليه، ولم يرغبونا فيه، فنحن والله كنا أقرب منهم قرابة منكم، وأوجب عليهم حقا، وأحق بأن يرغبونا فيه منكم، ولو كان الأمر كما تقولون: إن الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر، وللقيام على الناس بعده، إن كان علي لأعظم الناس في ذلك خطيئة وجرما إذ ترك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن يقوم فيه كما أمره، أو تعذر فيه إلى الناس، قال: فقال له
_________
(1) الشريعة (3/ 462/1923).
(2) في الطبقات: ما تقولون.(2/300)
الرافضي: ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي: "من كنت مولاه فعلي مولاه؟ " (1) قال: أما والله، أن لو يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك الإمرة والسلطان والقيام على الناس لأفصح لهم بذلك، كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم: أيها الناس إن هذا ولي أمركم من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا، فما كان من وراء هذا شيء، فإن أنصح الناس كان للمسلمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (2)
- جاء في السير: وروى فضيل بن مرزوق قال: سمعت الحسن يقول: دخل علي المغيرة بن سعيد يعني الذي أحرق في الزندقة، فذكر من قرابتي وشبهي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنت أشبه وأنا شاب برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لعن أبا بكر وعمر، فقلت يا عدو الله أعندي؟ ثم خنقته -والله- حتى دلع لسانه. (3)
- وفيها: وقيل: كانت شيعة العراق يمنون الحسن الإمارة مع أنه كان يبغضهم ديانة. (4)
- وقال فضيل بن مرزوق: سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل من الرافضة: والله إن قتلك لقربة إلى الله، وما أمتنع من ذلك إلا بالجواز، وفي رواية قال: رحمك الله، قذفت، إنما تقول هذا تمزح، قال: لا، والله ما هو
_________
(1) أحمد (1/ 118) والترمذي (5/ 591/3713) والنسائي في الكبرى (5/ 134/8478) وصححه ابن حبان (15/ 375 - 376/ 6931).
(2) تهذيب الكمال (6/ 86 - 87) وطبقات ابن سعد (5/ 319 - 320) وأصول الاعتقاد (8/ 1483 - 1484/ 2690 مختصرا) ..
(3) السير (4/ 486).
(4) السير (4/ 487).(2/301)
بالمزاح ولكنه الجد، قال: وسمعته يقول: لئن أمكننا الله منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم. (1)
فُضَيْل بن غَزْوَان (2) (بضع وأربعون ومائة)
ابن جرير الإمام المحدث الثقة، أبو محمد الضبي الكوفي. حدث عن أبي حازم الأشجعي وأبي زرعة البجلي وعكرمة وسالم بن عبد الله وجماعة. وحدث عنه ابنه محمد بن فضيل وجرير بن عبد الحميد وعبد الله بن المبارك وإسحاق الأزرق وعدة. وثقه أحمد بن حنبل وغيره.
توفي رحمه الله سنة بضع وأربعين ومائة.
موقفه من الرافضة:
قال يحيى الحماني: سمعت فضيلا أو حدثت عنه، قال: ضربت ابني البارحة إلى الصباح أن يترحم على عثمان رضي الله عنه، فأبى علي. (3)
عمرو بن قيس الملائي (4) (146 هـ)
عمرو بن قيس المُلاَّئِي أبو عبد الله الكوفي البزاز الحافظ من أولياء
_________
(1) الصارم (572) والسير (4/ 486) وأصول الاعتقاد (8/ 1543/2804).
(2) السير (6/ 203) وتهذيب الكمال (23/ 301 - 303) وتاريخ الإسلام (حوادث 141 - 160/ ص.252) وتهذيب التهذيب (8/ 297 - 298).
(3) السير (9/ 174).
(4) الجرح والتعديل (6/ 254 - 255) ومشاهير علماء الأمصار (157) وحلية الأولياء (5/ 100 - 108) والسير (6/ 250 - 251) وتهذيب الكمال (22/ 200 - 203) وميزان الاعتدال (3/ 284) والتقريب (1/ 744).(2/302)
الله. حدث عن الحكم بن عتيبة والمنهال بن عمرو وأبي إسحاق السبيعي والأعمش وعكرمة وآخرين. وعنه الثوري وأسباط بن محمد القرشي وأبو خالد الأحمر وعمر بن شبيب ومصعب بن سلام وطائفة.
قال ابن عدي: كان من ثقات أهل العلم وأفاضلهم. وقال ابن حجر: ثقة متقن عابد. من أقواله رحمه الله: إذا شغلت بنفسك ذهلت عن الناس وإذا شغلت بالناس ذهلت عن ذات نفسك. ومنها ثلاث من رؤوس التواضع: أن تبدأ بالسلام على من لقيت، وأن ترضى بالمجلس الدون من الشرف، وأن لا تحب الرياء والسمعة والمدحة في عمل الله.
توفي رحمه الله سنة ست وأربعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في الإبانة بالسند إليه قال: كان يقال: لا تجالس صاحب زيغ فيزيغ قلبك. (1)
- وفيها عنه: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، فإذا رأيته مع أهل البدع فايئس منه، فإن الشاب على أول نشوئه. (2)
- وفيها أيضا عنه قال: إن الشاب لينشأ فإن آثر أن يجالس أهل العلم كاد أن يسلم وإن مال إلى غيرهم كاد يعطب. (3)
_________
(1) الإبانة (2/ 3/436/ 366).
(2) الإبانة (1/ 1/205 - 206/ 44).
(3) الإبانة (1/ 1/206/ 45).(2/303)
" التعليق:
قال ابن بطة رحمه الله: فانظروا رحمكم الله من تصحبون وإلى من تجلسون، واعرفوا كل إنسان بخدنه وكل أحد بصاحبه، أعاذنا الله وإياكم من صحبة المفتونين ولا جعلنا وإياكم من إخوان العابثين ولا من أقران الشياطين، وأستوهب الله لي ولكم عصمة من الضلال وعافية من قبيح الفعال.
- وفيها عنه أنه قال: لا تجالسوا أصحاب الأهواء فإنهم يمرضون القلوب. (1)
إسماعيل بن أبي خالد (2) (146 هـ)
الحافظ، الإمام الكبير، أبو عبد الله البجلي. حدث عن عبد الله بن أبي أوفى، وأبي جحيفة وهب السوائي، وعمرو بن حريث المخزومي ولهم صحبة. وروى عنه الحكم بن عتيبة، والثوري، ووكيع.
وقال أبو إسحاق عن الشعبي: إسماعيل بن أبي خالد يحسو العلم حسوا. وقال عنه محمد بن عبد الله ابن عمار الموصلي: حجة، إذا لم يكن إسماعيل حجة، فمن يكون حجة؟ قال الذهبي عنه: أجمعوا على إتقانه، والاحتجاج به، ولم ينبز بتشيع ولا بدعة ولله الحمد. وقال القطان: كان سفيان به معجبا.
_________
(1) الإبانة (2/ 3/438/ 372).
(2) السير (6/ 176) وتهذيب الكمال (3/ 69) وطبقات ابن سعد (6/ 344) وتهذيب التهذيب (1/ 291).(2/304)
توفي رحمه الله سنة ست وأربعين ومائة.
موقفه من المرجئة:
تقدم معنا في مواقف منصور بن المعتمر (ت 132هـ) أن إسماعيل بن أبي خالد كان من جملة أهل العلم الذين يقولون بالاستثناء ويعيبون على من لا يستثني.
عوف بن أبي جميلة (1) (146 هـ)
عوف بن أبي جميلة العبدي أبو سهل الأعرابي، لم يكن أعرابيا وإنما شهر به، عداده في صغار التابعين، وما عنده شيء عن أحد له صحبة. روى عن أبي العالية والعطاردي وزرارة بن أبي أوفى وابن سيرين وخلق. وحدث عنه شعبة وابن المبارك وغندر وروح والنضر بن شميل وطائفة آخرهم عثمان ابن الهيثم.
كان يدعى عوفا الصدوق، وثقه غير واحد، فهو ثقة مكثر. قلت: تكلم فيه غير واحد من أئمة السلف لتلبسه ببدعتي القدر والرفض.
توفي سنة ست وأربعين بعد المائة الأولى للهجرة.
موقفه من الجهمية:
عن معاذ بن معاذ قال: قلت لعوف بن أبي جميلة: إن عمرو بن عبيد
_________
(1) الطبقات (7/ 258) وتهذيب الكمال (22/ 437 - 441) والسير (6/ 383 - 384) وشذرات الذهب (1/ 217).(2/305)
حدثنا عن الحسن، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من حمل علينا السلاح فليس منا (1) قال: كذب والله عمرو. ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث. (2)
قال النووي: وقوله: أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث، معناه كذب بهذه الرواية ليعضد بها مذهبه الباطل الرديء، وهو الاعتزال، فإنهم يزعمون أن ارتكاب المعاصي يخرج صاحبه عن الإيمان ويخلده في النار، ولا يسمونه كافرا بل فاسقا مخلدا في النار. (3)
العَوَّام بن حَوْشَب (4) (148 هـ)
المحدث أبو عيسى الربعي الواسطي. حدث عن إبراهيم النخعي، ومجاهد، وعمرو بن مرة. وروى عنه شعبة، وهشيم، ويزيد بن هارون.
ذكره أحمد وقال: ثقة ثقة. وقال يزيد بن هارون: كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: ثقة صاحب سنة، ثبت، صالح.
توفي سنة ثمان وأربعين ومائة.
_________
(1) أخرجه من حديث ابن عمر: أحمد (2/ 3،53،142) والبخاري (13/ 29/7070) ومسلم (1/ 98/98) والنسائي (7/ 134/4111) وابن ماجه (2/ 860/2576). وله شاهد من حديث أبي موسى أخرجه: البخاري (13/ 29/7071) ومسلم (1/ 98/100) والترمذي (4/ 49/1459) وابن ماجه (2/ 860/2577)، وفي الباب عن أبي هريرة وسلمة بن الأكوع وغيرهما.
(2) مقدمة مسلم (1/ 22).
(3) شرح النووي على مسلم (1/ 99).
(4) السير (6/ 354) وتهذيب الكمال (22/ 427) وتهذيب التهذيب (8/ 164) والجرح والتعديل (7/ 22).(2/306)
موقفه من المبتدعة:
- عن العوام بن حوشب: أنه كان يقول لابنه: يا عيسى، أصلح الله قلبك، وأقل مالك.
- وكان يقول: والله، لأن أرى عيسى يجالس أصحاب البرابط والأشربة والباطل أحب إلي من أن أراه يجالس أصحاب الخصومات. قال ابن وضاح: يعني أهل البدع. (1)
موقفه من الرافضة:
عن العوام بن حوشب قال: اذكروا محاسن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - تأتلف عليه قلوبكم ولا تذكروا غيره فتحرشوا الناس عليهم. (2)
ليث بن أبي سليم (3) (148 هـ)
ليث بن أبي سُلَيْم بن زُنَيْم، محدث الكوفة وأحد علمائها الأعيان. حدث عن: عطاء ومجاهد، ونافع مولى ابن عمر، وروى عنه الثوري، والفضيل بن عياض، وأبو عوانة.
قال الفضيل بن عياض: كان ليث بن أبي سليم أعلم أهل الكوفة بالمناسك. قال عنه الدارقطني: صاحب سنة يخرج حديثه. وقال عنه الذهبي: حديثه لا يبلغ مرتبة الحسن.
_________
(1) ابن وضاح (ص.107/ 133) وهو في الاعتصام (1/ 114).
(2) الشريعة (3/ 540/2035) والسنة للخلال (3/ 512 - 513).
(3) السير (6/ 179) وطبقات ابن سعد (6/ 349) وتهذيب الكمال (24/ 279) وتهذيب التهذيب (8/ 465 - 468).(2/307)
توفي سنة ثمان وأربعين ومائة.
موقفه من الرافضة:
روى اللالكائي بسنده إلى ليث بن أبي سليم قال: أدركت الشيعة الأولى ما يفضلون على أبي بكر وعمر أحدا. (1)
محمد بن أبي ليلى (2) (148 هـ)
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أبو عبد الرحمن العلامة الإمام مفتي الكوفة وقاضيها. روى عن أخيه عيسى وعن الشعبي ونافع العمري والمنهال ابن عمرو وغيرهم. روى عنه: شعبة وسفيان بن عيينة والثوري وآخرون. كان فيما يحفظ كتاب الله، تلا على أخيه عيسى. وعرض على الشعبي عن تلاوته على علقمة. وكان نظيرا للإمام أبي حنيفة في الفقه.
قال الإمام أحمد: وكان فقهه أحب إلينا من حديثه. ذكر زائدةُ ابنَ أبي ليلى فقال: كان أفقه أهل الدنيا. قال العجلي: كان فقيها صاحب سنة صدوقا جائز الحديث، وكان قارئا للقرآن عالما به قرأ عليه حمزة الزيات فكان يقول: إنا تعلمنا جودة القراءة عند ابن أبي ليلى، وكان من أحسب الناس ومن أنقط الناس للمصحف وأخطه بقلم وكان جميلا نبيلا. قال
_________
(1) أصول الاعتقاد (7/ 1381/2471) والسير (6/ 182) والمنهاج (6/ 136).
(2) السير (6/ 310 - 316) وطبقات ابن سعد (6/ 358) ووفيات الأعيان (4/ 179 - 181) وتهذيب الكمال (25/ 622 - 627) والوافي بالوفيات (3/ 221 - 223) وتهذيب التهذيب (9/ 301 - 303) وميزان الاعتدال (3/ 613 - 616) وشذرات الذهب (1/ 224).(2/308)
القاضي أبو يوسف: ما ولي القضاء أحد أفقه في دين الله ولا أقرأ لكتاب الله ولا أقول حقا بالله ولا أعف عن الأموال من ابن أبي ليلى. قال الثوري: فقهاؤنا ابن أبي ليلى وابن شبرمة.
مات سنة ثمان وأربعين ومائة.
موقفه من الجهمية:
- روى اللالكائي في أصول الاعتقاد بسنده إلى محمد بن عمران بن محمد بن أبي ليلى قال: حدثني أبي قال: لما قدم ذلك الرجل إلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى شهد عليه ابن أبي سليمان وغيره أنه قال: القرآن مخلوق. وشهد عليه قوم مثل قول حماد بن أبي سليمان. فحدثني خالد بن نافع قال: كتب ابن أبي ليلى إلى جعفر -وهو بالمدينة- بما قاله ذلك الرجل وشهادته عليه وإقراره. فكتب إليه أبو جعفر: إن هو رجع وإلا فاضرب رقبته وأحرقه بالنار، فتاب ورجع عن قوله في القرآن. (1)
- وله أيضا: عن محمد بن عمران بن أبي ليلى قال: حدثني وكيع قال: لما كان من أمر الرجل ما كان قال له ابن أبي ليلى: من خلقك؟ قال الله. قال: فمن خلق منطقك؟ قال: الله. قال: خصمت. قال: صدقت، فإيش تقول؟ فإني أتوب إلى الله. قال: فبعث معه ابن أبي ليلى أمينين فيوقفاه إلى حلقة من حلق المسجد يقولان لهم: إنه قال: إن القرآن مخلوق، فقد تاب ورجع فإن سمعتموه يقول شيئا فارفعوا ذلك إلي. قال: وأمر موسى بن عيسى حرسيا فقال: لا تدعنه يفتي في المسجد. قال: فكان إذا صلى قال الحرسي:
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 272 - 273/ 408).(2/309)
قم إلى منزلك فيقول له: دعني أسبح. فيقول: ولا كلمة. قال: فلا يتركه حتى يقيمه. فلما قدم محمد بن سليمان جمع جماعة فكلمه فأذن له وجلس في المسجد. (1)
سليمان بن مهران الأعمش (2) (148 هـ)
سليمان بن مِهْرَان الإمام شيخ الإسلام، شيخ المقرئين والمحدثين أبو محمد الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي الحافظ. رأى أنس بن مالك وحكى عنه وروى عنه. روى عن أبان بن أبي عياش وإبراهيم النخعي وأبي صالح السمان وطائفة. روى عنه السفيانان وجرير بن عبد الحميد وحفص بن غياث وشعبة ومحمد بن فضيل وأبو معاوية الضرير وعبد الله بن نمير وآخرون.
قال ابن عيينة: كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض. وكان يحيى القطان إذا ذكر الأعمش قال: كان من النساك، وكان محافظا على الصلاة في جماعة، وعلى الصف الأول. قال يحيى: وهو علامة الإسلام. وقال أبو حفص الفلاس: كان يسمى المصحف من صدقه. وقال الخريبي: ما خلف الأعمش أعبد منه، وكان رضي الله عنه صاحب سنة.
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 273/409).
(2) طبقات ابن سعد (6/ 342 - 344) وتاريخ خليفة (232و424) والجرح والتعديل (4/ 146 - 147) ومشاهير علماء الأمصار (111) وحلية الأولياء (5/ 46 - 60) والسير (6/ 226 - 248) وتاريخ بغداد (9/ 3 - 13) وتهذيب الكمال (12/ 76 - 91) ووفيات الأعيان (2/ 400 - 403) وتذكرة الحفاظ (1/ 154) وميزان الاعتدال (2/ 224).(2/310)
توفي في ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- روى الخطيب في شرف أصحاب الحديث عن الأعمش أنه قال: إذا رأيت الشيخ لم يقرأ القرآن ولم يكتب الحديث فاصفع له، فإنه من شيوخ القمر. قال أبو صالح: قلت لأبي جعفر: ما شيوخ القمر؟ قال شيوخ دهريون يجتمعون في ليالي القمر يتذاكرون أيام الناس ولا يحسن أحدهم أن يتوضأ للصلاة. (1)
" التعليق:
وهذا شأن المبتدعة يجتمعون على مناقب شيوخهم وترهاتهم، أو يستغرقون العمر في حفظ أشياء ودراستها لا علاقة لها بالكتاب والسنة.
- قال الأعمش: إنما مثل أصحاب هذا الرأي مثل رجل خرج بليل فرأى سوادا فظن أنها تمرة فإن أخطأه يكون عقربا أو يكون جرو كلب. (2)
" التعليق:
قال ابن بطة عقبه: الله الله إخواني يا أهل القرآن ويا حملة الحديث لا تنظروا فيما لا سبيل لعقولكم إليه، ولا تسألوا عما لم يتقدمكم السلف الصالح من علمائكم إليه، ولا تكلفوا أنفسكم ما لا قوة بأبدانكم الضعيفة ولا تنقروا ولا تبحثوا عن مصون الغيب ومكنون العلوم، فإن الله جعل
_________
(1) شرف أصحاب الحديث (ص.67 - 68) والمحدث الفاصل (ص.306).
(2) الإبانة (1/ 2/423/ 350).(2/311)
للعقول غاية تنتهي إليها، ونهاية تقصر عندها، فما نطق به الكتاب وجاء به الأثر فقولوه، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه، ولا تحيطوا الأمور بحيط العشوا حنادس الظلماء بلا دليل هاد ولا ناقد بصير، أتراكم أرجح أحلاما وأوفر عقولا من الملائكة المقربين حين قالوا: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (1).
إخواني: فمن كان بالله مؤمنا فليردد إلى الله العلم بغيوبه، وليجعل الحكم إليه في أمره، فيسلك العافية ويأخذ بالمندوحة الواسعة، ويلزم المحجة الواضحة والجادة السابلة والطريق الآنسة، فمن خالف ذلك وتجاوزه إلى الغمط بما أمر به، والمخالفة إلى ما نهي عنه، يقع والله في بحور المنازعة وأمواج المجادلة، ويفتح على نفسه أبواب الكفر بربه والمخالفة لأمره والتعدي لحدوده، والعجب لمن خلق من نطفة من ماء مهين فإذا هو خصيم مبين كيف لا يفكر في عجزه عن معرفة خلقه أما تعلمون أن الله قد أخذ عليكم ميثاق الكتاب أن لا تقولوا على الله إلا الحق فسبحان الله أنى تؤفكون.
- عن الأعمش قال: كانوا لا يسألون عن الرجل بعد ثلاث: ممشاه ومدخله وإلفه من الناس. (2)
_________
(1) البقرة الآية (32).
(2) الإبانة (2/ 3/452/ 419).(2/312)
موقفه من المشركين:
- عن أبي معاوية قال: سمعت الأعمش يقول: أدركت الناس وما يسمونهم إلا الكذابين، يعنى أصحاب المغيرة بن سعيد.
- قال الأعمش: ولا عليكم ألا تذكروا هذا، فإني لا آمنهم أن يقولوا: إنا أصبنا الأعمش مع امرأة. (1)
موقفه من الرافضة:
- روى الآجري بسنده إلى الأعمش قال: بلغني أن رجلا أحدث على قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما، فسلط الله تبارك وتعالى على أهل ذلك البيت الجنون، والجذام، والبرص، وكل داء وبلاء، قال أبو معمر: وأهل ذلك كانوا.
قال محمد بن الحسين الآجري -رحمه الله-: على من قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما لعنة الله، ولعنة اللاعنين، وعلى من أعان على قتله، وعلى من سب علي بن أبي طالب، وسب الحسن والحسين، أو آذى فاطمة في ولدها، أو آذى أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعليه لعنة الله وغضبه، لا أقام الله الكريم له وزنا، ولا نالته شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم -. (2)
- وروى الخلال في السنة بسنده إلى أبي هريرة المكتب حباب قال: كنا عند الأعمش فذكروا عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال الأعمش: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: يا أبا محمد يعني في حلمه؟ قال: لا والله، ألا بل في
_________
(1) المنهاج (1/ 60 - 61).
(2) الشريعة (3/ 326 - 327/ 1735).(2/313)
عدله. (1)
موقفه من الجهمية:
روى اللالكائي بسنده إلى محمد بن أحمد بن عمرو بن عيسى قال سمعت أبي يقول: ما رأيت مجلسا يجتمع فيه من المشايخ أنبل من مشايخ اجتمعوا في مسجد جامع الكوفة في وقت الامتحان فقرئ عليهم الكتاب الذي فيه المحنة فقال أبو نعيم: أدركت ثمانمائة شيخ ونيفا وسبعين شيخا -منهم الأعمش فمن دونه- فما رأيت خلقا يقول بهذه المقالة -يعني بخلق القرآن- ولا تكلم أحد بهذه المقالة إلا رمي بالزندقة، فقام أحمد بن يونس فقبل رأس أبي نعيم وقال: جزاك الله عن الإسلام خيرا. (2)
موقفه من الخوارج:
قال رحمه الله: جالست إياس بن معاوية فحدثني بحديث، قلت: من يذكر هذا؟ فضرب لي مثل رجل من الحرورية، فقلت: إلي تضرب هذا المثل؟ تريد أن أكنس الطريق بثوبي، فلا أدع بعرة ولا خنفساءة إلا حملتها. (3)
موقفه من المرجئة:
تقدم معنا في مواقف منصور بن المعتمر (ت 132هـ) أن سليمان الأعمش كان من جملة أهل العلم الذين يقولون بالاستثناء ويعيبون على من لا يستثني.
_________
(1) السنة للخلال (1/ 437) وفي المنهاج (6/ 233).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 305/481).
(3) المحدث الفاصل (209) والكفاية (103).(2/314)
الزُّبَيْدِي (1) (148 هـ)
محمد بن الوليد بن عامر الإمام الحافظ الحجة القاضي أبو الهذيل الزبيدي الحمصي. روى عن الزهري ونافع وسعيد المقبري ومكحول الشامي وهشام بن عروة ويزيد بن شريح الحضرمي وعبد الرحمن بن جبير وطائفة. روى عنه محمد بن حرب الخولاني ويحيى بن حمزة الحضرمي والأوزاعي وإسماعيل بن عياش وبقية بن الوليد وآخرون.
قال ابن سعد: كان الزبيدي أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث، وكان ثقة إن شاء الله. وقال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين، أقام مع الزهري عشر سنين حتى احتوى على أكثر علمه.
توفي سنة ثمان وأربعين ومائة.
موقفه من القدرية:
جاء في أصول الاعتقاد بالسند إلى بقية قال: سألت الأوزاعي والزبيدي عن الجبر فقال الزبيدي: أمر الله أعظم وقدرته أعظم من أن يجبر أو يقهر، ولكن يقضي ويقدر ويخلق ويجبل عبده على ما أحب. (2)
_________
(1) الجرح والتعديل (8/ 111 - 112) والسير (6/ 281 - 284) ومشاهير علماء الأمصار (182) وتهذيب الكمال (26/ 586 - 591) وتذكرة الحفاظ (1/ 162 - 163) والوافي بالوفيات (5/ 174) وشذرات الذهب (1/ 224).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 775/1300) ومجموع الفتاوى (3/ 323).(2/315)
جعفر الصادق (1) (148 هـ)
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الإمام الصادق شيخ بني هاشم أبو عبد الله القرشي الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام. وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ولذلك كان يقول: ولدني أبو بكر مرتين. روى عن جده لأمه القاسم بن محمد وأبيه أبي جعفر محمد بن علي والزهري ومحمد بن المنكدر وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وآخرين. روى عنه السفيانان وشعبة والدراوردي ومالك بن أنس وحفص بن غياث وطائفة.
عن أبي حنيفة قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد. وقال ابن معين: جعفر بن محمد ثقة مأمون.
من أقواله: الفقهاء أمناء الرسل فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين، فاتهموهم. وأيضا: الصلاة قربان كل تقي والحج جهاد كل ضعيف وزكاة البدن الصيام والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، واستنزلوا الرزق بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة وما عال من اقتصد، والتقدير نصف الرزق وقلة العيال أحد اليسارين، ومن أحزن والديه فقد عقهما، ومن ضرب بيده على فخذه عند مصيبة فقد حبط أجره، والصنيعة لا يكون
_________
(1) السير (6/ 255 - 270) وتاريخ خليفة (424) والجرح والتعديل (2/ 487) ومشاهير علماء الأمصار (127) وحلية الأولياء (3/ 192 - 206) ووفيات الأعيان (1/ 327 - 328) وتهذيب الكمال (5/ 74 - 97) وتذكرة الحفاظ (1/ 166 - 167) وميزان الاعتدال (1/ 414 - 415) وشذرات الذهب (1/ 220).(2/316)
صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، والله ينزل الصبر على قدر المصيبة وينزل الرزق على قدر المؤنة، ومن قدر معيشته رزقه الله، ومن بذر معيشته حرمه الله.
توفي سنة ثمان وأربعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في أصول الاعتقاد بالسند إليه قال: إياكم والخصومات في الدين، فإنها تشغل القلب وتورث النفاق. (1)
- وجاء في الإبانة بالسند إليه قال: اتقوا جدال كل مفتون، فإن المفتون يلقن حجته. (2)
- قال ابن شبرمة: دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد بن علي وسلمت عليه، وكنت له صديقا، ثم أقبلت على جعفر، وقلت: أمتع الله بك، هذا رجل من أهل العراق له فقه وعقل، فقال لي جعفر: لعله الذي يقيس الدين برأيه، ثم أقبل علي فقال: أهو النعمان؟ قال محمد بن يحيى الربعي: ولم أعرف اسمه إلا ذلك اليوم، فقال له أبو حنيفة: نعم أصلحك الله، فقال له جعفر: اتق الله، ولا تقس الدين برأيك، فإن أول من قاس إبليس، إذ أمره الله بالسجود لآدم، فقال: {أَنَا خيرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} ثم قال له جعفر: هل تحسن أن تقيس رأسك من
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 145/219) والإبانة (2/ 3/525 - 526/ 635) والسير (6/ 264).
(2) الإبانة (2/ 3/526 - 527/ 639).(2/317)
جسدك؟ فقال له: لا، وفي حديث ابن رزقويه: نعم، فقال له: أخبرني عن الملوحة في العينين، وعن المرارة في الأذنين، وعن الماء في المنخرين، وعن العذوبة في الشفتين، لأي شيء جعل ذلك؟، قال: لا أدري، قال له جعفر: إن الله تعالى، خلق العينين فجعلهما شحمتين، وجعل الملوحة فيهما مَنّاً منه على ابن آدم، ولولا ذلك لذابتا فذهبتا، وجعل المرارة في الأذنين منا منه عليه، ولولا ذلك لهجمت الدواب فأكلت دماغه، وجعل الماء في المنخرين ليصعد منه النفس، وينزل، وتجد من الريح الطيبة ومن الريح الرديئة، وجعل العذوبة في الشفتين ليعلم ابن آدم مطعمه ومشربه، ثم قال لأبي حنيفة: أخبرني عن كلمة أولها شرك وآخرها إيمان؟ قال: لا أدري، فقال جعفر: لا إله إلا الله، فلو قال: لا إله ثم أمسك كان مشركا، فهذه كلمة أولها شرك وآخرها إيمان، ثم قال له: ويحك، أيها أعظم عند الله: قتل النفس التي حرم الله أو الزنا؟ قال: لا، بل قتل النفس، قال له جعفر: إن الله قد رضي في قتل النفس بشاهدين، ولم يقبل في الزنا إلا أربعة، فكيف يقوم لك قياس؟ ثم قال: أيهما أعظم عند الله الصوم أم الصلاة؟ قال: لا، بل الصلاة قال: فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ اتق الله يا عبد الله ولا تقس، فإنا نقف غدا نحن وأنت
ومن خالفنا بين يدي الله تبارك وتعالى: فنقول: قال الله عز وجل، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقول أنت وأصحابك سمعنا ورأينا، فيفعل الله تعالى بنا وبكم ما يشاء. (1)
_________
(1) الفقيه والمتفقه (1/ 464 - 466) وشرف أصحاب الحديث (ص.76) مختصرا. وانظر إعلام الموقعين (1/ 255 - 256).(2/318)
موقفه من الرافضة:
- جاء في سير أعلام النبلاء في ترجمة جعفر قال الذهبي: وكان يغضب من الرافضة ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر ظاهرا وباطنا. هذا لا ريب فيه ولكن الرافضة قوم جهلة قد هوى بهم الهوى في الهاوية فبعدا لهم. (1)
" التعليق:
هذا من أعلام أهل البيت، يكن الحب لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويغضب إذا سبوا، فما بال الروافض يخالفون أهل البيت في حب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن هناك أغراض أخرى ليست الغيرة على أهل البيت، ولكن تحطيم الإسلام من أصله.
- وجاء في السير: علي بن الجعد عن زهير بن معاوية قال: قال أبي لجعفر بن محمد: إن لي جارا يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر. فقال جعفر: برئ الله من جارك. والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر. ولقد اشتكيت شكاية فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم. (2)
- وفيها وفي الشريعة عن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي، وجعفر بن محمد رضي الله عنهم، عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟ فقالا: يا سالم تولهما، وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى.
_________
(1) السير (6/ 255).
(2) السير (6/ 258) والشريعة (3/ 353 - 354/ 1766).(2/319)
قال ابن الفضيل: قال سالم: قال لي جعفر بن محمد: يا سالم أيسب الرجل جده؟ أبو بكر رضي الله عنه جدي، لا تنالني شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - إن لم أكن أتولاهما، وأبرأ من عدوهما. (1)
- وفيها قال حفص بن غياث: سمعت جعفر بن محمد يقول: ما أرجو من شفاعة علي شيئا إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله. لقد ولدني مرتين. (2)
- وفيها: عن عبد الجبار بن العباس الهمداني، أن جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة، فقال: إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم، فأبلغوهم عني: من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة، فأنا منه بريء، ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر، فأنا منه بريء. (3)
- وفيها: عنه أنه سئل عن أبي بكر وعمر، فقال: إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة. (4)
- وفيها عن ابن السماك قال: خرجت إلى مكة، فلقيني زرارة بن أعين بالقادسية، فقال لي: إن لي إليك حاجة، وأرجو أن أبلغها بك، وعظمها، فقلت: ما هي؟ فقال: إذا لقيت جعفر بن محمد، فأقرئه مني السلام، وسله أن يخبرني من أهل الجنة أنا أم من أهل النار؟ فأنكرت عليه. فقال لي: إنه يعلم ذلك. فلم يزل بي حتى أجبته. فلما لقيت جعفر بن محمد، أخبرته بالذي كان
_________
(1) الشريعة (3/ 354/1767) وأصول الاعتقاد (7/ 1326/2358) والسنة لعبد الله (227) والسير (6/ 258 - 259).
(2) السير (6/ 259).
(3) السير (6/ 259).
(4) السير (6/ 259).(2/320)
منه. فقال: هو من أهل النار، فوقع في نفسي شيء مما قال. فقلت: ومن أين علمت ذلك؟ فقال: من ادعى علي أني أعلم هذا، فهو من أهل النار. فلما رجعت، لقيني زرارة، فأعلمته بقوله. فقال: كال لك يا أبا عبد الله من جراب النورة، قلت: وما جراب النورة؟ قال: عمل معك بالتقية. (1)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة لعبد الله بن أحمد بالسند إلى معاوية بن عمار الدهني قال: قلت لجعفر يعني ابن محمد: إنهم يسألوننا عن القرآن مخلوق هو؟ قال: ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله. (2)
- وجاء في الإبانة: قال جعفر بن محمد: من قال: القرآن مخلوق، قتل ولم يستتب. (3)
موقفه من القدرية:
- جاء في جامع بيان العلم وفضله بالسند إلى جعفر بن محمد قال: الناظر في القدر كالناظر في عين الشمس كلما ازداد نظرا ازداد حيرة. (4)
- وجاء في الإبانة: عن مسلمة بن سعيد عن أبيه؛ قال: قلت لجعفر بن محمد: يا ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. إن لنا إماما قدريا صليت خلفه خمسين سنة؛
_________
(1) السير (15/ 238 - 239) الميزان (2/ 69 - 70).
(2) السنة لعبد الله (29) والإبانة (1/ 12/285 - 286/ 52) وأصول الاعتقاد (2/ 268/399) والشريعة (1/ 217/170) والسير (6/ 260) والمنهاج (2/ 245).
(3) الإبانة (2/ 12/47/ 240).
(4) جامع بيان العلم وفضله (2/ 945).(2/321)
قال: اذهب فأعد صلاة خمسين سنة. (1)
- وفيها عن العطافي عن رجاله من الشيعة؛ قال: قلنا لجعفر بن محمد رحمه الله: إن المعتزلة تنافرنا نفارا شديدا؛ فقل لنا شيئا حتى نقاتلهم به، فقال: اكتبوا: إن الله عز وجل لا يطاع قهرا ولا يعصى قسرا، فإذا أراد الطاعة كانت، وإذا أراد المعصية كانت، فإذا عذب فبحق، وإن عفى فبفضل، قال أبو عمر: وسمعت أبا العباس ثعلبا يقول: قول الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلًّا ليعبدون} (2) هو خصوص وليس هو عموما، ولو كان عموما لما كفر به أحد. (3)
هشام بن حسان (4) (148 هـ)
هِشَام بن حَسَّان الإمام العالم الحافظ محدث البصرة أبو عبد الله الأزدي القردوسي. نزل في القراديس، وقيل هو من مواليهم، رأى أنس بن مالك ولم يرو عنه. حدث عن الحسن ومحمد بن سيرين وحفصة بنت سيرين وعكرمة وعطاء بن أبي رباح وهشام بن عروة وحميد بن هلال وآخرين. حدث عنه عبد الأعلى بن عبد الأعلى والسفيانان والحمادان وشعبة وعيسى بن يونس
_________
(1) الإبانة (2/ 10/260/ 1873).
(2) الذاريات الآية (56).
(3) الإبانة (2/ 11/321 - 322/ 2008).
(4) الجرح والتعديل (9/ 54 - 56) والسير (6/ 355 - 366) وتاريخ الإسلام (حوادث 141 - 160، ص.318 - 320) وتهذيب الكمال (30/ 181 - 193) وتذكرة الحفاظ (1/ 163 - 164) ومشاهير علماء الأمصار (151) وميزان الاعتدال (4/ 295 - 298) وشذرات الذهب (1/ 219 - 220).(2/322)
وحفص بن غياث وعبد الله بن المبارك وخلق كثير.
قال سفيان بن عيينة: كان أعلم الناس بحديث الحسن، وكان حماد بن سلمة لا يختار عليه أحدا في حديث ابن سيرين. وقال ابن حبان: وكان من العباد الخشن والبكائين بالليل. قال الذهبي: هشام قد قفز القنطرة واستقر توثيقه، واحتج به أصحاب الصحاح وله أوهام مغمورة في سعة ما روى.
مات سنة ثمان وأربعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
جاء في الاعتصام أن هشام بن حسان قال: لا يقبل الله من صاحب بدعة صياما ولا صلاة، ولا حجا ولا جهادا ولا عمرة، ولا صدقة ولا عتقا، ولا صرفا ولا عدلا. (1)
عبد الله بن يزيد بن هرمز (2) (148 هـ)
عبد الله بن يزيد بن هُرْمُز الأصم أبو بكر فقيه المدينة، أحد الأعلام، عداده في التابعين، وقلما روى، كان يتعبد ويتزهد، ولاؤه لبني ليث. روى عنه مالك وجالسه كثيرا. قال مالك: جلست إلى ابن هرمز ثلاث عشرة سنة. وقال مالك: لم يكن أحد بالمدينة له شرف إلا إذا حز به أمر رجع إلى ابن هرمز. قال ابن هرمز: إني لأحب للرجل أن لا يحوط رأي نفسه كما
_________
(1) ابن وضاح (ص.68) وهو في الاعتصام (1/ 113).
(2) السير (6/ 379 - 380) والوافي بالوفيات (17/ 679) والجرح والتعديل (5/ 199) ومشاهير علماء الأمصار (137).(2/323)
يحوط السنة.
توفي سنة ثمان وأربعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في سير أعلام النبلاء: قال مالك: كنت أحب أن أقتدي به وكان قليل الفتيا، شديد التحفظ كثيرا ما يفتى الرجل ثم يبعث من يرده ثم يخبره بغير ما أفتاه. وكان بصيرا بالكلام يرد على أهل الأهواء، كان من أعلم الناس بذلك. بين مسألة لابن عجلان، فلما فهمها قام إليه ابن عجلان فقبل رأسه. (1)
- ذكر محمد بن حارث في أخبار سحنون بن سعيد عنه قال: كان مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم بن دينار وغيرهم يختلفون إلى ابن هرمز، فكان إذا سأله مالك وعبد العزيز أجابهما، وإذا سأله ابن دينار وذووه لا يجيبهم، فتعرض له ابن دينار يوما فقال: يا أبا بكر لم تستحل مني ما لا يحل لك؟ فقال له: يا ابن أخي وما ذلك؟ قال: يسألك مالك وعبد العزيز فتجيبهما، وأسألك أنا وذوي فلا تجيبنا؟ فقال: أوقع ذلك يا ابن أخي في قلبك؟ قال: نعم، قال: إني قد كبرت سني ودق عظمي، وأنا أخاف أن يكون خالطني في عقلي مثل الذي خالطني في بدني، ومالك وعبد العزيز عالمان فقيهان، إذا سمعا مني حقا قبلاه، وإن سمعا خطأ تركاه، وأنت وذووك ما أجبتكم به قبلتموه.
قال ابن حارث: هذا والله الدين الكامل، والعقل الراجح، لا كمن يأتي
_________
(1) السير (6/ 379) والفقيه والمتفقه (2/ 423).(2/324)
بالهذيان ويريد أن ينزل قوله من القلوب منزلة القرآن. (1)
" التعليق:
قلت: انظر رحمك الله إلى فقه السلف وورعهم وخوفهم من الله تبارك وتعالى، فهذا زمن أتباع التابعين الذين ما يزال العلم والحكمة بضاعتهم الرائجة، فيتحرى هذا الإمام ويميز الناس في علمهم وعقلهم، فيجيب هذا ويمتنع عن هذا مخافة أن يخطئ في جواب، فيؤخذ الخطأ صوابا ويحفظ ويسجل ويكتب، ويعتقد ويتعبد الله به، وتستحل به الدماء والفروج والأعراض.
وأما أهل هذا الزمان، فلا علم ولا عقل ولا ميزان، ولا ابن هرمز ولا مالك ولا ابن الماجشون ولا ابن دينار، كل هذا قد اختفى وغاب مع زمانه، ولكن عندنا من الدجاجلة ومن الدِّعِّيين في العلم والمعرفة ما هو واضح لكل من استعمل مقارنة بين زماننا وبين ذلك الزمان الذي كان منهاجه الكتاب والسنة.
والناظر إلى ما يكتب للمسلمين يجده لا يتقيد بكتاب ولا بسنة وإنما هو رأي فلان، وفكر فلان، ومنامة فلان، وخضر فلان، وكل دجل وكذب يروج على هذه الأمة. وأما الخطب وما ينشر في كثير من الأشرطة المسموعة والمرئية فلا تسأل عن الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعن الضلال العقدي الموجود فيها.
وأما المناظرات والأحاديث في التجمعات الخاصة والعامة فلا تسأل عن
_________
(1) إعلام الموقعين (2/ 196 - 198).(2/325)
مستواها في الضعف والانحطاط. وأما المروجون للباطل من شرك وخرافات وترهات فلا تسأل عن خفتهم وسفههم وسرعة ترويجهم لباطلهم، والله المستعان.
موقفه من القدرية:
روى الآجري بسنده عن أنس بن عياض قال: أرسل إلي عبد الله بن يزيد ابن هرمز. فقال: لقد أدركت وما بالمدينة أحد يتهم بالقدر إلا رجل من جهينة. يقال له: معبد الجهني، فعليكم بدين العواتق اللائي لا يعرفن إلا الله تعالى. (1)
أبو حنيفة (2) (150 هـ)
النعمان بن ثابت بن زَوْطى أبو حنيفة التيمي الكوفي مولى بني تيم الله ابن ثعلبة، الفقيه عالم العراق إمام أصحاب الرأي، أحد الأئمة المجتهدين، رأى أنس بن مالك. روى عن عطاء بن أبي رباح وعامر الشعبي وحماد بن أبي سليمان والزهري والحكم بن عتيبة وقتادة وسلمة بن كهيل وطائفة. روى عنه ابنه حماد وحمزة الزيات وعلي بن مسهر ويزيد بن زريع، ويونس بن بكير وعبد الرزاق بن همام ومحمد بن الحسن الشيباني ووكيع بن الجراح
_________
(1) الشريعة (1/ 459/597) وأصول الاعتقاد (3/ 592/940) والإبانة (2/ 11/300/ 1960).
(2) الجرح والتعديل (8/ 449 - 450) وتاريخ بغداد (13/ 323و454) ووفيات الأعيان (5/ 405 - 415) وتهذيب الكمال (29/ 417 - 444) وتذكرة الحفاظ (1/ 168 - 169) وميزان الاعتدال (4/ 265) والسير (6/ 390 - 403) والبداية والنهاية (10/ 110 - 111) وشذرات الذهب (1/ 227 - 229).(2/326)
وآخرون.
قال يزيد بن هارون: أدركت الناس فما رأيت أحدا أعقل ولا أفضل ولا أورع من أبي حنيفة. وقال ابن المبارك: أبو حنيفة أفقه الناس، وقال الفضيل بن عياض: كان أبو حنيفة رجلا فقيها معروفا بالفقه مشهورا بالورع واسع المال، معروفا بالإفضال على كل من يطيف به، صبورا على تعليم العلم بالليل والنهار، حسن الليل، كثير الصمت قليل الكلام حتى ترد مسألة في حلال أو حرام فكان يُحسن أن يدل على الحق، هاربا من مال السلطان. يروى أنه ضرب غير مرة على أن يلي القضاء فلم يفعل ومناقبه كثيرة.
توفي رحمه الله في السجن وقيل مسموما سنة خمسين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- روى الخطيب عن أبي زرعة، قال حدثني يزيد بن عبد ربه، قال سمعت وكيع بن الجراح يقول ليحيى بن صالح الوحاظي: يا أبا زكريا احذر الرأي، فإني سمعت أبا حنيفة يقول: البول في المسجد أحسن من بعض قياسهم. (1)
- عن سعيد بن سلام البصري قال: سمعت أبا حنيفة يقول: لقيت عطاء بن أبي رباح بمكة، فسألته عن شيء؟ فقال: من أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة. قال: أنت من أهل القرية الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا؟ قلت: نعم. قال: من أي الأصناف أنت؟ قلت: ممن لا يسب السلف، ويؤمن
_________
(1) الفقيه والمتفقه (1/ 509 - 510) وانظر إعلام الموقعين (1/ 256).(2/327)
بالقدر، ولا يكفر أحدا بذنب. فقال لي عطاء: عرفت فالزم. (1)
موقفه من الرافضة:
- قال شيخ الإسلام: وفي كتاب الفقه الأكبر المشهور عند أصحاب أبي حنيفة، الذي رووه بالإسناد عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي قال: سألت أبا حنيفة عن الفقه الأكبر فقال: ... ولا تتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا توالي أحدا دون أحد، وأن ترد أمر عثمان وعلي إلى الله عز وجل. (2)
- جاء في الكفاية: سأل أبو عصمة أبا حنيفة ممن تأمرني أن أسمع الآثار؟ قال من كل عدل في هواه إلا الشيعة، فإن أصل عقدهم تضليل أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن أتى السلطان طائعا، أما إني لا أقول إنهم يكذبونهم أو يأمرونهم بما لا ينبغي ولكن وطأوا لهم حتى انقادت العامة بهم، فهذان لا ينبغي أن يكونا من أئمة المسلمين. (3)
- وجاء في الوصية مع شرحها: قال أبو حنيفة في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ويحبهم كل مؤمن تقي ويبغضهم كل منافق شقي". (4)
- وجاء في الانتقاء لابن عبد البر قال أبو حنيفة: الجماعة أن تفضل أبا بكر وعمر وعليا وعثمان، ولا تنتقص أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... (5)
_________
(1) الحلية (3/ 314) وانظر الاعتصام (1/ 80).
(2) مجموع الفتاوى (5/ 46).
(3) الكفاية (126).
(4) الوصية مع شرحها (ص.14).
(5) الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء (ص.163 - 164).(2/328)
موقفه من الجهمية:
- قال الهروي في ذم الكلام بالسند إلى نوح الجامع قال: قلت لأبي حنيفة: ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف وإياك وكل محدثة فإنها بدعة. (1)
" التعليق:
هذا النص من أعظم النصوص وضوحا في تحريم الكلام والفلسفة عن إمام عظيم، مذهبه أكثر المذاهب انتشارا في العالم الإسلامي، ومع ذلك تجد أكثر أتباعه -إن لم يكونوا كلهم- ماتريدية في عقائدهم وصوفية في سلوكهم ومقلدة في عبادتهم، لا للرسول اتبعوا ولا لسلفهم سمعوا، ولكن الإلف والتقليد يبعد الإنسان عن الحق والله المستعان.
- جاء في ذم الكلام بالسند إلى محمد بن الحسن -صاحب أبي حنيفة- يقول: قال أبو حنيفة لعن الله عمرو بن عبيد، فإنه فتح للناس الطريق إلى الكلام فيما لا يعنيهم من الكلام. وكان أبو حنيفة يحثنا على الفقه، وينهانا عن الكلام. (2)
- وفي أصول الاعتقاد: عن ابن منصور قال: سمعت ابن المبارك يقول:
_________
(1) ذم الكلام (231) والفتاوى الكبرى (5/ 245) وصون المنطق (32).
(2) ذم الكلام (233).(2/329)
والله ما مات أبو حنيفة وهو يقول بخلق القرآن ولا يدين الله به. (1)
- وفيه: عن محمد بن مقاتل قال: سمعت ابن المبارك يقول: ذُكر جهم في مجلس أبي حنيفة فقال: ما يقول؟ قالوا: يقول القرآن مخلوق. فقال: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (2). اهـ (3)
قال شيخ الإسلام: عن أبي عصمة قال: سألت أبا حنيفة: من أهل الجماعة؟ قال: من فضل أبا بكر وعمر، وأحب عليا وعثمان، ولم يحرم نبيذ الجر، ولم يكفر أحدا بذنب، ورأى المسح على الخفين، وآمن بالقدر خيره وشره من الله، ولم ينطق في الله بشيء. وروى خالد بن صبيح، عن أبي حنيفة قال: الجماعة سبعة أشياء: أن يفضل أبا بكر وعمر، وأن يحب عثمان وعليا، وأن يصلي على من مات من أهل القبلة بذنب، وأن لا ينطق في الله شيئا. قلت: قوله في هاتين الروايتين لا ينطق في الله شيئا قد بينه في رواية أبي يوسف، وهو أن لا ينطق في الله بشيء من رأيه ولكنه يصفه بما وصف به نفسه. (4)
- قال الذهبي في الميزان: قال أبو حنيفة: أفرط جهم في نفي التشبيه، حتى قال: إنه تعالى ليس بشيء وأفرط مقاتل -يعني في الإثبات- حتى جعله
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 298/471).
(2) الكهف الآية (5).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 298/472).
(4) مجموع الفتاوى (16/ 474).(2/330)
مثل خلقه. (1)
- وقال شيخ الإسلام: وقال أبو حنيفة في كتاب الفقه الأكبر المعروف المشهور عند أصحابه، الذي رووه بالإسناد عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي: قال: قال أبو حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقال: قد كفر لأن الله يقول {الرَّحْمَنُ على الْعَرْشِ استوى} (2)، وعرشه فوق سبع سماوات. قال أبو مطيع: قلت: فإن قال: إنه على العرش ولكنه يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر، لأنه أنكر أن يكون في السماء، لأنه تعالى في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل. (3)
موقفه من الخوارج:
- جاء في مناقب أبي حنيفة للمكي مناظرات لأبي حنيفة رحمه الله مع الخوارج منها: أن الخوارج لما ظهروا على الكوفة أخذوا أبا حنيفة فقالوا: تب يا شيخ من الكفر، فقال أنا تائب إلى الله من كل كفر فخلوا عنه، فلما ولى قيل لهم: إنه تاب من الكفر، وإنما يعني به ما أنتم عليه فاسترجعوه. فقال رأسهم: يا شيخ إنما تبت من الكفر، وتعني به ما نحن عليه؟ فقال أبو حنيفة: أبظن تقول هذا أم بعلم؟ فقال: بل بظن. فقال أبو حنيفة: إن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
_________
(1) الميزان (4/ 173)
(2) طه الآية (5).
(3) درء التعارض (6/ 263) ومجموع الفتاوى (5/ 47 - 48).(2/331)
إِثْمٌ} (1) وهذه خطيئة منك، وكل خطيئة عندك كفر، فتب أنت أولا من الكفر. فقال: صدقت يا شيخ أنا تائب من الكفر. (2)
- ومنها أنهم جاءوه ليناظروه لما علموا أنه لا يكفر أحدا من أهل القبلة بذنب فقالوا: هاتان جنازتان على باب المسجد أما إحداهما فلرجل شرب الخمر حتى كظته وحشرج بها فمات غرقا في الخمر، والأخرى امرأة زنت حتى إذا أيقنت بالحمل قتلت نفسها فقال لهم أبو حنيفة: من أي الملل كانا؟ أمن اليهود؟ قالوا: لا، أفمن النصارى؟ قالوا: لا، قال: أفمن المجوس؟ قالوا: لا، قال: من أي الملل كانا؟ قالوا: من الملة التي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال: فأخبروني عن الشهادة كم هي من الإيمان؟ ثلث أم ربع أم خمس؟ قالوا: إن الإيمان لا يكون ثلثا ولا ربعا ولا خمسا، قال: فكم هي من الإيمان؟ قالوا: الإيمان كله، قال: فما سؤالكم إياي عن قوم زعمتم وأقررتم أنهما كانا مؤمنين.
قالوا: دعنا عنك، أمن أهل الجنة هما أم من أهل النار؟ قال: أما إذا أبيتم، فإني أقول فيهما ما قال نبي الله إبراهيم في قوم كانوا أعظم جرما منهم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3). وأقول فيهما ما قال نبي الله عيسى في
_________
(1) الحجرات الآية (12).
(2) مناقب أبي حنيفة للمكي (151 - 152).
(3) إبراهيم الآية (36).(2/332)
قوم كانوا أعظم جرما منهما {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1) وأقول فيهما ما قال نبي الله نوح: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} (2).
وأقول فيهما ما قال نبي الله نوح عليه السلام وعليهم أجمعين وعلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}. (3)
قال: فألقوا السلاح وقالوا: تبرأنا من كل دين كنا عليه، وندين الله بدينك فقد آتاك الله فضلا وحكمة وعلما. (4)
- وقال شيخ الإسلام في المجموع: وفي كتاب الفقه الأكبر المشهور عند أصحاب أبي حنيفة، الذي رووه بالإسناد عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي قال: سألت أبا حنيفة عن الفقه الأكبر ... قلت: فما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيتبعه على ذلك أناس فيخرج على الجماعة، هل
_________
(1) المائدة الآية (118).
(2) الشعراء الآيات (111 - 113).
(3) هود الآية (31).
(4) مناقب أبي حنيفة للمكي (108 - 109).(2/333)
ترى ذلك؟ قال: لا. قلت: ولم، وقد أمر الله ورسوله بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهو فريضة واجبة؟ قال هو كذلك، لكن ما يفسدون أكثر مما يصلحون من سفك الدماء واستحلال الحرام. قال: وذكر الكلام في قتل الخوارج والبغاة. (1)
مقاتل بن حيان (2) (150 هـ)
مُقَاتِل بن حَيَّان بن دَوَال دُوز -ومعناه بالفارسية الخراز- أبو بسطام البلخي مولى بكر بن وائل، الإمام العالم المحدث الثقة. روى عن مجاهد بن جبر ومحمد بن زيد قاضي مرو والشعبي والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وعكرمة، وعمرة وطائفة، وعنه إبراهيم بن أدهم وعبد الله بن المبارك وعلقمة ابن مرثد ومسلمة بن علي الخشني وخالد بن زياد الترمذي وآخرون.
قال الذهبي: وكان خيّرا ناسكا كبير القدر، صاحب سنة. كان ذا منزلة عند قتيبة ابن مسلم الأمير، هرب مقاتل إلى كابل فأسلم به خلق.
توفي في حدود الخمسين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
جاء في الاعتصام عن مقاتل بن حيان قال: أهل هذه الأهواء آفة أمة
_________
(1) مجموع الفتاوى (5/ 46 - 47).
(2) الجرح والتعديل (8/ 353 - 354) ومشاهير علماء الأمصار (195) وتذكرة الحفاظ (1/ 174) وسير أعلام النبلاء (6/ 340 - 341) وتهذيب الكمال (28/ 430 - 434) وميزان الاعتدال (4/ 171 - 172) وتاريخ الإسلام (حوادث 141 - 160/ص.296 - 297).(2/334)
محمد - صلى الله عليه وسلم -، إنهم يذكرون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته، فيتصيدون بهذا الذكر الحسن عند الجهال من الناس، فيقذفون بهم في المهالك، فما أشبههم بمن يسقي الصبر باسم العسل، ومن يسقي السم القاتل باسم الترياق، فأبصرهم، فإنك إن لا تكن أصبحت في بحر الماء، فقد أصبحت في بحر الأهواء الذي هو أعمق غورا، وأشد اضطرابا، وأكثر صواعق، وأبعد مذهبا من البحر وما فيه، فتلك مطيتك التي تقطع بها سفر الضلال: اتباع السنة. (1)
موقفه من الجهمية:
عن مقاتل: بلغنا والله أعلم في قوله -عز وجل-: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (2) الأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، والظاهر فوق كل شيء، والباطن أقرب من كل شيء، وإنما يعني القرب بعلمه وقدرته وهو فوق عرشه وهو بكل شيء عليم، وبهذا الإسناد عنه في قوله تعالى: {إِلًّا هُوَ مَعَهُمْ} (3) يقول بعلمه وذلك قوله: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (4) فيعلم نجواهم، ويسمع كلامهم ثم ينبئهم يوم القيامة بكل شيء، وهو فوق عرشه وعلمه معهم. (5)
_________
(1) الاعتصام (1/ 115).
(2) الحديد الآية (3).
(3) المجادلة الآية (7).
(4) المجادلة الآية (7).
(5) اجتماع الجيوش الإسلامية (119 - 120) وأصول الاعتقاد (3/ 444/670) بلفظ مختصر.(2/335)
ابن جريج (1) (150 هـ)
عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيْج الإمام العلامة الحافظ شيخ الحرم، أبو خالد المكي القرشي الأموي صاحب التصانيف مولى أمية بن خالد. روى عن عطاء بن أبي رباح والزهري وأبي الزبير ونافع وابن أبي مليكة وآخرين. حدث عنه عبد الله بن وهب وعبد الرزاق بن همام والضحاك بن مخلد وحجاج ابن محمد المصيصي والسفيانان والحمادان وطائفة.
عن مخلد بن الحسين قال: ما رأيت خلقا من خلق الله أصدق لهجة من ابن جريج. وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج. وقال عطاء: سيد شباب أهل الحجاز ابن جريج. وقال يحيى بن سعيد: كنا نسمي كتب ابن جريج كتب الأمانة.
توفي سنة خمسين ومائة.
موقفه من المرجئة:
جاء في الإبانة بالسند إلى عبد الرزاق قال: سمعت معمرا وسفيان الثوري ومالك بن أنس وابن جريج وسفيان بن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. (2)
_________
(1) الجرح والتعديل (5/ 356 - 358) ومشاهير علماء الأمصار (145) وتاريخ بغداد (10/ 400 - 407) ووفيات الأعيان (3/ 163 - 164) والسير (6/ 325) وتهذيب الكمال (18/ 338 - 354) وتذكرة الحفاظ (1/ 169 - 171) والعقد الثمين (5/ 508 - 510).
(2) الإبانة (2/ 813/1114) وأصول الاعتقاد (5/ 1028 - 1029/ 1735) وبنحوه في السنة لعبد الله (97) والشريعة (1/ 272/267).(2/336)
موقف السلف من ثور بن يزيد القدري (150 هـ)
جاء في أصول الاعتقاد: عن عبد الله بن سالم قال: أدركت أهل حمص وقد أخرجوا ثور بن يزيد وأحرقوا داره لكلامه في القدر. (1)
وعن أحمد بن حنبل قال: كان ثور بن يزيد الكلاعي يرى القدر وكان من أهل حمص. أخرجوه ونفوه لأنه كان يرى القدر. قال: وبلغني أنه أتى المدينة فقيل لمالك قد قدم ثور فقال لا تأتوه فقال: لا يجتمع عند رجل مبتدع في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (2)
وجاء في السير: قال أبو توبة الحلبي: حدثنا أصحابنا أن ثورا لقي الأوزاعي، فمد يده إليه، فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه وقال: يا ثور، لو كانت الدنيا، لكانت المقاربة، ولكنه الدين. وقال أحمد: كان ثور يرى القدر، وليس به بأس. قال عبيد الله بن موسى: قال سفيان: اتقوا ثورا، لا ينطحنكم بقرنه.
قال الذهبي: كان ثور عابدا، ورعا، والظاهر أنه رجع، فقد روى أبو زرعة عن منبه بن عثمان، أن رجلا قال لثور: يا قدري. قال: لئن كنت كما قلت إني لرجل سوء، وإن كنت على خلاف ما قلت إنك لفي حل. قال إسماعيل بن عياش: نفى أسد بن وداعة ثورا. وقال عبد الله بن سالم: أخرجوه
_________
(1) أصول الاعتقاد (4/ 801/1338).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 801/1337) والإبانة (2/ 3/475 - 476/ 496).(2/337)
وأحرقوا داره لكلامه في القدر. (1)
موقف السلف من محمد بن إسحاق لتلبسه ببدعة القدر (150 هـ)
جاء في أصول الاعتقاد بالسند إلى عبد العزيز الدراوردي قال: كنا في مجلس محمد بن إسحاق نتعلم فأغفى إغفاءة فقال: إني رأيت في المنام الساعة كأن إنسانا دخل المسجد ومعه حبل في عنق حمار فأخرجه. فما لبثنا أن دخل المسجد رجل ومعه حبل حتى وضعه في عنق ابن إسحاق فأخرجه فذهب إلى السلطان فجلده. قال ابن أبي زنبر: من أجل القدر. (2)
وفيه: عن حميد بن حبيب أنه رأى محمد بن إسحاق مجلودا في القدر جلده إبراهيم بن هشام خال هشام بن عبد الملك. (3)
مقاتل بن سليمان المشبه وموقفه من الجهم بن صفوان (150 هـ)
جاء في الإبانة: عن مقاتل بن سليمان؛ قال: وكان مما علمنا من أمر عدو الله جهم أنه كان من أهل خراسان من أهل الترمذ، وكان صاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله، وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
_________
(1) السير (6/ 344 - 345).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 800/1334) وتاريخ بغداد (1/ 225).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 800/1335).(2/338)
"تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله عز وجل" (1).
فلقي جهم ناسا يقال لهم السمنية، فعرفوا جهما؛ فقالوا له: نكلمك، فإن ظهرت حجتنا عليك: دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا؛ دخلنا في دينك؛ فكان مما كلموا به جهما أن قالوا له: ألست تزعم أن لك إلها؟ قال جهم: نعم. فقالوا: هل رأيت إلهك؟ قال: لا. قالوا: أسمعت كلامه؟ قال: لا. قالوا: فسمعت له حسا؟ قال: لا: قالوا: فما يدريك أنه إله؟ قال: فتحير جهم؛ فلم يصل أربعين يوما، ثم استدرك حجته مثل حجة زنادقة النصارى وذلك أن زنادقة النصارى تزعم أن الروح التي في عيسى عليه السلام هي روح الله من ذاته، كما يقال: إن هذه الخرقة من هذا الثوب، فدخل في جسد عيسى، فتكلم على لسان عيسى، وهو روح غائب عن الأبصار، فاستدرك جهم من هذه الحجة؛ فقال للسمنية: ألستم تزعمون أن في أجسادكم أرواحا؟ قالوا: نعم. قال: هل رأيتم أرواحكم؟ قالوا: لا. قال: افسمعتم كلامها؟ قالوا: لا. قال: أفشممتم لها رائحة؟ قالوا: لا. قال جهم: فكذلك الله عز وجل لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة، وهو في كل مكان، لا يكون في مكان دون مكان، ووجدنا ثلاث آيات في كتاب الله عز وجل، قوله: {ليس كَمِثْلِهِ
_________
(1) أخرجه من حديث ابن عمر مرفوعا: اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (3/ 580/927) والبيهقي في الشعب (1/ 136/120) والطبراني في الأوسط (7/ 171 - 172/ 6315)، قال الهيثمي في المجمع (1/ 81): "رواه الطبراني في الأوسط وفيه الوازع بن نافع وهو متروك".
وله شواهد من حديث أبي هريرة وأبي ذر وابن عباس خرجها الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (رقم1788) ثم قال: "وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي". والله أعلم".(2/339)
شيءٌ} (1) وقوله: {وَهُوَ اللَّهُ في السَّمَاوَاتِ والأرض} (2) وقوله: {لا تدركه الْأَبْصَارُ} (3) فبنى أصل كلامه على هذه الثلاث الآيات، ووضع دين الجهمية وكذب بأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتأول كتاب الله على تأويله؛ فاتبعه من أهل البصرة من أصحاب عمرو بن عبيد وأناس من أصحاب أبي حنيفة فأضل بكلامه خلقا كثيرا. (4)
عن يحيى بن شبل قال: كنت جالسا مع مقاتل بن سليمان وعباد بن كثير، إذ جاء شاب فقال: ما تقول في قوله عز وجل: {كل شَيْءٍ هَالِكٌ إِلًّا وَجْهَهُ} (5)، فقال مقاتل: هذا جهمي ثم قال: ويحك إن جهما والله ما حج البيت ولا جالس العلماء، وإنما كان رجلا أعطي لسانا. (6)
" التعليق:
وقف مقاتل موقف الحازم من الجهم بن صفوان لما رأى فيه من غلو وإفراط في التنزيه حتى بلغ به الحال إلى التعطيل المحض، إلا أن مقاتلا نفسه قد جانب الحق وحاد عنه لغلوه في الإثبات حتى شبه الله تعالى بخلقه، والحق وسط دائما بين ضلالتين فهو إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل، وعلى هذا
_________
(1) الشورى الآية (11).
(2) الأنعام الآية (3).
(3) الأنعام الآية (103).
(4) الإبانة (2/ 13/86 - 89/ 317).
(5) القصص الآية (88).
(6) الإبانة (2/ 13/90 - 91/ 319) والسنة للخلال (5/ 84 - 85).(2/340)
درج السلف رضي الله عنهم.
عبد الله بن عون (1) (151 هـ)
عبد الله بن عَوْن بن أَرْطَبَان الإمام القدوة عالم البصرة أبو عون المزني مولاهم البصري الحافظ. رأى أنس بن مالك ولم يثبت له منه سماع. روى عن نافع مولى ابن عمر ومحمد بن سيرين والحسن البصري وسعيد بن جبير وأبي وائل والشعبي والقاسم بن محمد، وطائفة. وعنه سفيان الثوري وشعبة وابن المبارك ومعاذ بن معاذ ويزيد بن هارون ووكيع بن الجراح وحماد بن زيد وآخرون.
قال ابن المبارك: ما رأيت أحدا ذكر لي قبل أن ألقاه ثم لقيته، إلا وهو على دون ما ذكر لي إلا حيوة وابن عون وسفيان، فأما ابن عون: فلوددت أني لزمته حتى أموت أو يموت. وقال ابن حبان: من سادات أهل زمانه عبادة وفضلا وورعا ونسكا وصلابة في السنة وشدة على أهل البدع. عن ابن المبارك قال: قيل لابن عون: ألا تتكلم فتؤجر؟ فقال: أما يرضى المتكلم بالكفاف؟ وروى مسعر عن ابن عون قال: ذكر الناس داء وذكر الله دواء. عن عبد الرحمن ابن مهدي قال: ما كان بالعراق أحد أعلم بالسنة من ابن عون.
مات سنة إحدى وخمسين ومائة.
_________
(1) ثقات ابن حبان (7/ 3) وتهذيب الكمال (15/ 394 - 402) والسير (6/ 364 - 375) وطبقات ابن سعد (7/ 261 - 268) والجرح والتعديل (5/ 130 - 131) وحلية الأولياء (3/ 37 - 44) وتذكرة الحفاظ (1/ 156 - 157) وشذرات الذهب (1/ 230).(2/341)
موقفه من المبتدعة:
- جاء في الإبانة: قال: لا يمكن أحد منكم أذنيه من هوى أبدا. (1)
- عن ابن عون قال: ثلاث أحبهن لنفسي ولإخواني، هذه السنة أن يتعلموها ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهموه ويسألوا الناس عنه، ويدعوا الناس إلا من خير. (2)
- عن ابن علية قال: كان ابن عون يقول لنا: رحم الله رجلا لزم هذا الأثر ورضي به وإن استثقله واستبطأه. (3)
- قال ابن عون: من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع. (4)
- وكان ابن عون يقول عند الموت: السنة السنة. وإياكم والبدع، حتى مات. (5)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة لعبد الله عن معاذ بن مكرم قال: رآني ابن عون مع عمرو بن عبيد في السوق فأعرض عني، قال: فاعتذرت إليه قال: أما إني قد رأيتك فما زادني. (6)
_________
(1) الإبانة (2/ 3/461/ 446).
(2) البخاري معلقا: كتاب الاعتصام (13/ 248 فتح) وأصول الاعتقاد (1/ 68/36) وقال الحافظ: "وصله محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة (ص.33) والجوزقي من طريقه". وشرح السنة للبغوي (1/ 208 - 209).
(3) الإبانة (1/ 2/365/ 291).
(4) الإبانة (2/ 3/473/ 486).
(5) طبقات الحنابلة (2/ 42).
(6) السنة لعبد الله (149).(2/342)
- وفي الإبانة: عن ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة سمعناه عن عبد الله بن عون، قال: جاء واصل الغزال وكان صاحبا لعمرو بن عبيد، فقال: يا أبا بكر، أقرأ عليك؟ قال: لا حاجة لي في ذلك. (1)
موقفه من القدرية:
- جاء في السير: قال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثني صاحب لي عن ابن عون أنه سأله رجل فقال: أرى قوما يتكلمون في القدر أفأسمع منهم؟ فقال: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (2).اهـ (3)
- وجاء في الإبانة بالسند إلى حماد بن زيد عن ابن عون قال: أدركت الناس وما يتكلمون إلا في علي وعثمان رضي الله عنهما حتى نشأ ههنا هني حقير يقال له سيسويه البقال فكان أول من تكلم في القدر. قال حماد: فما ظنكم برجل يقول له ابن عون: هني حقير. (4)
- وفيها عن حميد بن الأسود عن ابن عون: أمران أدركتهما وليس بهذا المصر منهما شيء: الكلام في القدر، إن أول من تكلم فيه رجل من الأساورة يقال له سيسويه، وكان دحيقا، وما سمعته قال لأحد دحيقا غيره؛
_________
(1) الإبانة (2/ 11/305/ 1978).
(2) الأنعام الآية (68).
(3) السير (6/ 367).
(4) الإبانة (2/ 11/298/ 1953) وأصول الاعتقاد (4/ 826/1396).(2/343)
قال: فإذا ليس له عليه تبع إلا الملاحون، ثم تكلم فيه بعده رجل كانت له مجالسة يقال له معبد الجهني، فإذا له عليه تبع، ثم قال: وهؤلاء الذين يدعون المعتزلة. (1)
- وفيها عن ابن عون: أدركت البصرة وما بها أحد يقول هذا القول إلا رجلان مالهما ثالث: معبد الجهني، وسيسويه، قال ابن عون: وكان محقورا ذليلا، وهذه القدرية والمعتزلة كذبوا على الحسن ونحلوه ما لم يكن من قوله، قد قاعدنا الحسن وسمعنا مقالته، ولو علمنا أن أمرهم يصير إلى هذا لواثبناهم عند الحسن رحمه الله، وليكونن لأمرهم هذا غب، وإني لأظن عامة من أهل البصرة إنما يصرف عنهم النصر لما فيهم من القدرية. (2)
- وعن إسماعيل بن سعيد البصري عن رجل أخبره قال: كنت أمشي مع عمرو بن عبيد فرآني ابن عون فأعرض عني شهرين. (3)
- وجاء في السنة أيضا بالسند إلى بكير بن حمران قال: كنا عند ابن عون فقال له رجل: ما تقول في كذا وكذا؟ قال: لا أدري، قال: كان عمرو يقول عن الحسن كذا وكذا، قال: ما لنا ولعمرو، وعمرو يكذب على الحسن. (4)
- وقال ابن وضاح: حدثنا أسد قال: حدثنا مؤمل عن رجل أخبره قال: دخل عمرو بن عبيد على ابن عون فسكت ابن عون لما رآه، وسكت
_________
(1) الإبانة (2/ 11/297 - 298/ 1952).
(2) الإبانة (2/ 11/299/ 1957).
(3) ما جاء في البدع (112) والاعتصام (2/ 791).
(4) السنة لعبد الله (153).(2/344)
عمرو عنه فلم يسأله عن شيء فمكث هنية ثم قام فخرج، فقال ابن عون: بم استحل أن دخل داري بغير إذني؟ -مرارا يرددها- أما أنه لو تكلم، أما أنه لو تكلم. (1)
عميرة بن أبي ناجية (2) (153 هـ)
عَمِيرَة بن أبي نَاجِيَة، واسمه حُرَيْث الرُّعَيْنِي أبو يحيى المصري مولى حُجْر ابن رُعين ثم لبني بدر. روى عن بكر بن سوادة ويحيى بن سعيد الأنصاري ورزيق بن حكيم الأيلي ويزيد بن أبي حبيب وعبد الله بن أبي سلمة الماجشون. وعنه عبد الله بن وهب والليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة وحيوة ابن شريح.
عن ابن وهب قال: كان عميرة بن أبي ناجية من العباد وكان بمنزلة النائحة إذا قرأ يبكي وإذا سجد يبكي وإذا سكت عن القراءة وفرغ من الصلاة جلس يبكي، وكان يزيد بن حاتم الأمير يسأل عنه ويقول: ما فعلت الثكلى؟
توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
جاء في الاعتصام للشاطبي قال: وقد روي عن عميرة بن أبي ناجية
_________
(1) ما جاء في البدع (112).
(2) تهذيب الكمال (22/ 399 - 401) ومشاهير علماء الأمصار (190) وتقريب التهذيب (2/ 87) وتهذيب التهذيب (8/ 152).(2/345)
المصري أنه رآى قوما يتمارون في المسجد، وقد علت أصواتهم فقال: هؤلاء قوم قد ملوا العبادة وأقبلوا على الكلام، اللهم أمت عميرة، فمات من عامه ذلك في الحج. فرأى رجل في النوم قائلا يقول: مات في هذه الليلة نصف الناس فعرفت تلك الليلة، فجاء فيها موت عميرة هذا. (1)
معمر بن راشد (2) (153 هـ)
مَعْمَر بن رَاشِد الأَزْدِي الحُدَّانِي، أبو عروة بن أبي عمرو البصري، الإمام الحافظ، سكن اليمن، وكان شهد جنازة الحسن البصري. روى عن إسماعيل بن أمية وثابت البناني وأيوب السختياني وبهز بن حكيم وخلق كثير. وروى عنه أبان بن يزيد العطار وإسماعيل بن علية وسفيان الثوري وابن عيينة وعدة.
قال أحمد بن حنبل: لا تضم أحدا إلى معمر إلا وجدته يتقدمه في الطلب، كان من أطلب أهل زمانه للعلم. وقال ابن حبان: كان فقيها متقنا، حافظا ورعا. وقال ابن جريج: عليكم بمعمر فإنه لم يبق في زمانه أعلم منه.
توفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وخمسين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
عن عبد الرزاق قال: أكل معمر من عند أهله فاكهة، ثم سأل، فقيل:
_________
(1) الاعتصام (2/ 589 - 590) وتهذيب الكمال (22/ 400 - 401).
(2) طبقات ابن سعد (5/ 546) وتهذيب الكمال (28/ 303) وسير أعلام النبلاء (7/ 5) وميزان الاعتدال (4/ 154) وتهذيب التهذيب (10/ 243) وشذرات الذهب (1/ 235).(2/346)
هدية من فلانة النواحة. فقام فتقيأ. (1)
موقفه من الرافضة:
أخرج الخلال في السنة بسنده إلى عبد الرزاق قال: سمعت معمرا يقول: أصحاب محمد عليه السلام أصابتهم نفحة من النبوة. (2)
موقفه من المرجئة:
عن عبد الرزاق قال: سمعت معمرا وسفيان الثوري ومالك بن أنس وابن جريج وسفيان بن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. (3)
موقف السلف من فطر بن خليفة الخشبي الشيعي (153 هـ)
قال أبو بكر بن عياش قال: ما تركت الرواية عن فطر إلا بسوء مذهبه.
وقال أحمد بن يونس: تركته عمدا، وكان يتشيع وكنت أمر به بالكناسة في أصحاب الطعام، وكان أعرج، فأمر وأدعه مثل الكلب. (4)
_________
(1) السير (7/ 11).
(2) السنة للخلال (1/ 480).
(3) الإبانة (2/ 813/1114).
(4) السير (7/ 31).(2/347)
السنة الثالثة والخمسون بعد المائة
من فضائح الخوارج:
جاء في البداية والنهاية: وفيها خرجت الخوارج من الصفرية وغيرهم ببلاد إفريقية فاجتمع منهم ثلاثمائة ألف وخمسون ألفا ما بين فارس وراجل، وعليهم أبو حاتم الأنماطي وأبو عباد، وانضم إليهم أبو قرة الصفري في أربعين الفا، فقاتلوا نائب إفريقية، فهزموا جيشه وقتلوه، وهو عمر بن عثمان ابن أبي صفرة الذي كان نائب السند كما تقدم، قتله هؤلاء الخوارج رحمه الله، وأكثرت الخوارج الفساد في البلاد وقتلوا الحريم والأولاد. (1)
" التعليق:
وهكذا طبيعة الخوارج في كل زمان ومكان، يَعيثون في الأرض فسادا بالقتل والسفك والنهب والفكر الشاذ المتطرف، ولهم أوصاف ومبادئ ذكرتها في كتابنا 'أهل الأهواء والبدع والفتن والاختلاف'.
أبو عمرو بن العلاء (2) (154 هـ)
أبو عمرو بن العلاء بن عَمَّار بن العُرْيَان التَّمِيمِي ثم المازني البصري شيخ القراء والعربية. اختلف في اسمه على أقوال، أصحها: زبان. قرأ القرآن على سعيد
_________
(1) البداية والنهاية (10/ 113).
(2) تهذيب الكمال (34/ 120 - 130) ووفيات الأعيان (3/ 466 - 470) والسير (6/ 407 - 410) وفوات الوفيات (2/ 28 - 29) ومشاهير علماء الأمصار (153 - 154) وشذرات الذهب (1/ 237) ومعجم الأدباء (11/ 156 - 160) وتهذيب التهذيب (12/ 178 - 180) والبداية والنهاية (10/ 115).(2/348)
ابن جبير ومجاهد بن جبر وعبد الله بن كثير وحميد بن قيس الأعرج وعكرمة مولى ابن عباس ويحيى ابن يعمر وعطاء. قرأ عليه خلق كثير منهم: عبد الله بن المبارك ويحيى بن المبارك والأصمعي وشجاع البلخي وعبد الوارث التنوري. روى عن أنس بن مالك والحسن البصري وداود بن أبي هند والزهري وطائفة. وعنه الأصمعي وشريك النخعي ووكيع بن الجراح ومعتمر بن سليمان وآخرون.
قال إبراهيم الحربي: كان أبو عمرو من أهل السنة. قال أبو بكر بن مجاهد: كان أبو عمرو مقدما في عصره عالما بالقراءة ووجوهها، قدوة في العلم باللغة، إمام الناس في العربية وكان مع علمه باللغة وفقهه في العربية متمسكا بالآثار لا يكاد يخالف في اختياره ما جاء عن الأئمة قبله، متواضعا في علمه. قرأ على أهل الحجاز وسلك في القراءة طريقهم ولم تزل العلماء في زمانه تعرف له تقدمه وتقر له بفضله، وتأتم في القراءة بمذاهبه، وكان حسن الاختيار، سهل القراءة غير متكلف يؤثر التخفيف ما وجد إليه سبيلا. وعن عمه قال: قال لي أبو عمرو بن العلاء: يا عبد الملك كن من الكريم على حذر إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العاقل إذا أحرجته ومن الأحمق إذا مازحته، ومن الفاجر إذا عاشرته، وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك أو تسأل من لا يجيبك أو تحدث من لا ينصت لك.
توفي سنة أربع وخمسين ومائة.
موقفه من القدرية:
- جاء في الإبانة: عن حماد بن زيد قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن القدر؛ فقال: ثلاث آيات في القرآن: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يستقيم (28)(2/349)
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ أن يشاء الله رب العالمين} (1)، {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (2)، {كَلَّا إِنَّهَا تذكرة فَمَنْ شَاءَ ذكره} (3). اهـ (4)
- وجاء في أصول الاعتقاد عن أحمد بن موسى قال: مر عمرو بن عبيد على أبي عمرو بن العلاء فقال له عمرو: كيف تقرأ: {وَإِنْ يستعتبوا} (5)؟ فقال أبو عمرو: وإن يستعتبوا -بفتح الياء- فما هم من المعتبين -بفتح التاء فقال له عمرو: ولكني أقرأ: وإن يستعتبوا -بضم الياء- فما هم من المعتبين -بكسر التاء- فقال أبو عمرو: ومن هنالك أبغض المعتزلة لأنهم يقولون برأيهم. (6)
- وعن عبد الملك الأصمعي: كنا عند أبي عمرو بن العلاء قال: فجاء عمرو بن عبيد، فقال: يا أبا عمرو. يخلف الله وعده؟ قال: لا. قال: أرأيت من وعده الله على عمل عقابا؛ أليس هو منجزه له؟ فقال له أبو عمرو: يا أبا عثمان. من العجمة أوتيت لا يعد عارا ولا خلفا، أن تعد شرا ثم لا تفي به بل تعده فضلا وكرما، إنما العار أن تعد خيرا ثم لا تفي به، قال: ومعروف ذلك
_________
(1) التكوير الآيتان (28و29).
(2) الإنسان الآيتان (29و30).
(3) عبس الآيتان (11و12).
(4) الإبانة (2/ 11/294 - 295/ 1950).
(5) فصلت الآية (24).
(6) أصول الاعتقاد (4/ 816/1375).(2/350)
في كلام العرب؟ قال: نعم، قال: أين هو؟ قال أبو عمرو: قال الشاعر (1):
لا يرهب ابن العُمْرِ ما عشت صولة ... ولا أختفي من صولة المتهدد
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي (2)
مسعر بن كدام (3) (155 هـ)
مِسْعَر بن كِدَام بن ظُهَيْر بن عُبَيْدَة الهلالي العامري، الإمام الثبت شيخ العراق أبو سلمة الكوفي الأحول الحافظ. روى عن ثابت بن عبيد الأنصاري، وعدي بن ثابت، وسعد بن إبراهيم، وقتادة، وطائفة. وعنه السفيانان، والفضل ابن دكين، ويحيى القطان، ووكيع بن الجراح، ومحمد بن بشر العبدي، وآخرون.
قال سفيان: كان مسعر من معادن الصدق، وقال يحيى بن عبيد: كان مسعر قد جمع العلم والورع. وقال ابن حجر: ثقة ثبت فاضل.
قال مسعر رحمه الله:
نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم، والردى لك لازم
وتتعب فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم
وقال أيضا:
ومشيد دارا ليسكن داره ... سكن القبور وداره لم تسكن
_________
(1) البيتان لعامر بن الطفيل. انظر المعجم المفصل لشواهد اللغة العربية (2/ 414).
(2) الإبانة (2/ 11/301 - 302/ 1966).
(3) طبقات ابن سعد (6/ 364 - 365) وتاريخ خليفة (426) والسير (7/ 163 - 173) وحلية الأولياء (7/ 209 - 270) والجرح والتعديل (8/ 368 - 369) ومشاهير علماء الأمصار (169) وتذكرة الحفاظ (1/ 188 - 190) وتهذيب الكمال (27/ 461 - 469) وميزان الاعتدال (4/ 99) وشذرات الذهب (1/ 238 - 239).(2/351)
وقال: العلم شرف الأحساب يرفع الخسيس في نسبه، ومن قعد به حسبه نهض به أدبه.
توفي سنة خمس وخمسين ومائة.
موقفه من الرافضة:
جاء في أصول الاعتقاد: عن مالك أبي هشام قال: كنت أسير مع مسعر فلقيه رجل من الرافضة -قال: فكلمه- بشيء لا أحفظه فقال له مسعر: تنح عني فإنك شيطان. (1)
موقفه من القدرية:
جاء في السير: روى معتمر بن سليمان، عن أبي مخزوم، ذكره عن مسعر بن كدام قال: التكذيب بالقدر أبو جاد الزندقة. (2)
حمزة الزَّيَّات (3) (156 هـ)
حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات، الإمام القدوة، شيخ القراءة، أبو عُمَارَة التيمي، مولاهم الكوفي. ولد سنة ثمانين، وحدث عن حبيب بن أبي ثابت والحكم بن عتيبة وأبي إسحاق السبيعي وعدة. وحدث عنه الثوري وشريك وجرير وابن فضيل وعبد الله بن المبارك، وعدة.
_________
(1) أصول الاعتقاد (8/ 1544/2809).
(2) السير (7/ 168).
(3) طبقات ابن سعد (6/ 385) وسير أعلام النبلاء (7/ 90) معرفة القراء الكبار للذهبي (1/ 111 - 118) وميزان الاعتدال (1/ 605 - 606) وتهذيب الكمال (7/ 314) وتهذيب التهذيب (3/ 27) وشذرات الذهب (1/ 240).(2/352)
قال أبو بكر بن منجويه: كان من علماء زمانه بالقراءات، وكان من خيار عباد الله عبادة، وفضلا، وورعا، ونسكا، وكان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان، ويجلب الجبن والجوز من حلوان إلى الكوفة. وقال ابن سعد: كان حمزة رجلا صالحا، وكانت عنده أحاديث، وكان صدوقا صاحب سنة. وقال أسود بن سالم: سألت الكسائي عن الهمز والإدغام، ألكم فيه إمام؟ قال: نعم، هذا حمزة يهمز ويكسر، وهو إمام من أئمة المسلمين، وسيد القراء والزهاد، لو رأيته لقرت عينك به من نسكه.
توفي رحمه الله سنة ست وخمسين ومائة.
موقفه من المرجئة:
تقدم معنا في مواقف منصور بن المعتمر (ت 132هـ) أن حمزة الزيات كان من جملة أهل العلم الذين يقولون بالاستثناء ويعيبون على من لا يستثني.
سعيد بن أبي عروبة (1) (156 هـ)
الإمام الحافظ، عالم أهل البصرة، سعيد بن أبي عَرُوبَة، أبو النضر بن مهران العدوي. حدث عن ابن سيرين والحسن وقتادة وأبي رجاء العطاردي وخلق سواهم. وحدث عنه شعبة والثوري ويحيى بن سعيد القطان ويزيد بن هارون وخلق سواهم.
_________
(1) سير أعلام النبلاء (6/ 413) وميزان الاعتدال (2/ 151) وتهذيب الكمال (11/ 5) وتذكرة الحفاظ (1/ 177) وتهذيب التهذيب (4/ 63).(2/353)
قال أحمد بن حنبل: كان يحفظ، لم يكن له كتاب. وروى وهيب عن أيوب قال: لا يفقه رجل لا يدخل حجرة سعيد بن أبي عروبة. قال أحمد بن حنبل: كان قتادة وسعيد يقولان بالقدر ويكتمان، وقال ابن قانع: كان أعرج يرمى بالقدر، وقال العجلي: كان لا يدعو إليه. وقال الذهبي رحمه الله متعقبا: لعلهما تابا ورجعا عنه -يعني سعيد وقتادة- كما تاب شيخهما. (1)
مات سنة ست وخمسين ومائة.
موقفه من الرافضة:
جاء في الميزان عن ابن أبي عروبة، قال: من سب عثمان افتقر. (2)
عبد الله بن شوذب (3) (156 هـ)
عبد الله بن شَوْذَب البلخي ثم البصري أبو عبد الرحمن نزيل بيت المقدس، الإمام العالم. روى عن الحسن البصري وابن سيرين ومكحول وجماعة. وروى عنه ابن المبارك وضمرة بن ربيعة والوليد بن مزيد وأيوب بن سويد وغيرهم. كان كثير العلم جليل القدر.
قال كثير بن الوليد: كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة. وقال الثوري: كان ابن شوذب عندنا، ونحن نعده من مشايخنا. وقال يحيى بن
_________
(1) يعني الشيخ الحسن البصري رحمه الله.
(2) الميزان (2/ 153).
(3) السير (7/ 92 - 93) وتهذيب الكمال (15/ 94 - 97) وتهذيب التهذيب (5/ 255 - 256) وميزان الاعتدال (2/ 440) وشذرات الذهب (1/ 240).(2/354)
معين: كان ثقة.
توفي ابن شوذب سنة ست وخمسين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
عن ضمرة: عن ابن شوذب قال: إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك أن يواخي صاحب سنة يحمله عليها. (1)
موقفه من الجهمية:
جاء في أصول الاعتقاد والإبانة عن ابن شوذب قال: ترك الصلاة -يعني جهما- أربعين يوما على وجه الشك. خالفه بعض السمنية فشك فقام أربعين يوما لا يصلي- وقد رآه ابن شوذب. (2)
الأوزاعي (3) (157 هـ)
عبد الرحمن بن عمرو بن يُحْمِد الشامي شيخ الإسلام وإمام أهل الشام في زمانه في الحديث والفقه، أبو عمرو الأوزاعي، كان يسكن دمشق خارج باب الفراديس بمحلة الأوزاع ثم تحول إلى بيروت فسكنها مرابطا إلى أن مات بها. روى عن الزهري والأعمش وقتادة وعطاء بن أبي رباح ونافع
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 66 - 67/ 31) وهو في الإبانة (1/ 1/204 - 205/ 43) والتلبيس (ص.17).
(2) أصول الاعتقاد (3/ 421/630) والإبانة (2/ 13/89 - 90/ 318) والفتاوى الكبرى (5/ 41).
(3) طبقات ابن سعد (7/ 488) وتاريخ خليفة (428) والجرح والتعديل (1/ 184 - 187و5/ 266 - 267) والسير (7/ 107 - 134) والفهرست لابن النديم (318) ووفيات الأعيان (3/ 127 - 128) وحلية الأولياء (6/ 135 - 149) وتهذيب الكمال (17/ 307 - 316) وتذكرة الحفاظ (1/ 178 - 183) والبداية والنهاية (10/ 118 - 123) ومشاهير علماء الأمصار (18) وشذرات الذهب (1/ 241 - 242).(2/355)
مولى ابن عمر ويحيى بن أبي كثير وطائفة. روى عنه الوليد بن مسلم وعبد الله ابن المبارك ومحمد بن يوسف الفريابي وسفيان الثوري وآخرون.
قال ابن سعد: كان ثقة مأمونا فاضلا خيرا كثير العلم والحديث والفقه، حجة. وكان إسماعيل بن عياش يقول: سمعت الناس يقولون في سنة أربعين ومائة: الأوزاعي هو عالم الأمة. كان الأوزاعي رحمه الله يقول: كان هذا العلم كريما يتلاقاه الرجال بينهم فلما دخل الكُتُبَ دخل فيه غير أهله. سئل الأوزاعي عن الخشوع في الصلاة فقال: غض البصر وخفض الجناح ولين القلب وهو الحزن والخوف. وسئل عن الأبله فقال: هو العمي عن الشر، البصير بالخير. وقال رحمه الله: من أكثر ذكر الموت كفاه اليسير ومن عرف أن منطقه من عمله، قل كلامه. وقال أيضا: من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام. وقال: إن المؤمن يقول قليلا ويعمل كثيرا، وإن المنافق يتكلم كثيرا ويعمل قليلا.
توفي رحمه الله سنة سبع وخمسين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في السير عنه قال: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم. (1)
- وفيها عنه قال: ما ابتدع رجل بدعة إلا سلب الورع. (2)
_________
(1) السير (7/ 120) وذم الكلام (ص.96) وجامع بيان العلم وفضله (2/ 1071) والشريعة (1/ 193/133) وشرف أصحاب الحديث (ص.7) وانظر تذكرة الحفاظ (1/ 180) وطبقات الحنابلة (1/ 236).
(2) السير (7/ 125).(2/356)
- وجاء في الاعتصام: عن الأوزاعي أنه قال: كان بعض أهل العلم يقول: لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة ولا صياما ولا صدقة ولا جهادا ولا حجا ولا عمرة ولا صرفا ولا عدلا. (1)
" التعليق:
قائل هذا هم التابعون أو من فوقهم وقد ورد مرفوعا: "من أحدث فيها أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا". (2)
وكيف يتقبل الله ممن تنكب عن شرعه وزهد في سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؟! وكيف يسوى بين من تلبس بالمحدثات والبدع وبين من التزم السنة واقتفى آثارها واتبع؟! ألم يقل الله تعالى: {إِنَّمَا يتقبل اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}؟!
- وجاء في الإبانة: قيل للأوزاعي إن رجلا يقول: أنا أجالس أهل السنة وأجالس أهل البدع فقال الأوزاعي: هذا رجل يريد أن يساوي بين الحق والباطل. (3)
" التعليق:
ماذا تقول بعض الجماعات الإسلامية التي تهتم بالجمع والعد، ولا
_________
(1) الاعتصام (1/ 142) وابن وضاح (ص.34).
(2) تقدم تخريجه مطولا من حديث علي بن أبي طالب ضمن مواقفه رضي الله عنه سنة (40هـ).
(3) الإبانة (2/ 3/456/ 430).(2/357)
يهمها أن يجتمع مبتدع وسني، بل وشيعي رافضي، كلهم عندها سواء، والمهم الطاعة الكاملة للجماعة وأميرها وامتثال أوامرها مهما بلغت من الخطأ ومن مخالفة الكتاب والسنة، فأمر الأمير عندهم مطاع، بل من منهجهم وضع بيعة في أعناق أتباعهم، تلزمهم بالامتثال، وهكذا من يحمل فكرهم يقول: كل من قال لا إله إلا الله فينبغي التعاون معه مهما كانت عقيدته: صوفيا أشعريا معتزليا شيعيا وما أشبه ذلك.
فلعلهم أفقه من الأوزاعي الذي يعتبر أحد الأئمة مثل مالك والشافعي وأحمد، والله المستعان.
- وجاء في الإبانة وأصول الاعتقاد بالسند إليه قال: من ستر عنا بدعته لم تخف علينا ألفته. (1)
- وجاء في شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي عنه قال: إذا ظهرت البدع فلم ينكرها أهل العلم صارت سنة. (2)
- وجاء في السير عنه قال: إذا أراد الله بقوم شرا فتح عليهم الجدل ومنعهم العمل. (3)
- وجاء في أصول الاعتقاد عنه قال: ندور مع السنة حيث دارت. (4)
- وجاء في ذم الكلام بالسند إليه قال: وما رأي امرئ عن أمر بلغه
_________
(1) الإبانة (2/ 3/452/ 420 وأصول الاعتقاد (1/ 154/257).
(2) شرف أصحاب الحديث (ص.17).
(3) السير (7/ 121) وأصول الاعتقاد (1/ 164/196) وجامع بيان العلم وفضله (2/ 933).
(4) أصول الاعتقاد (1/ 71/47).(2/358)
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا اتباعه، ولو لم يكن فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال فيه أصحابه من بعده، كانوا أولى فيه بالحق منا، لأن الله تعالى أثنى على من بعدهم باتباعهم إياهم فقال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} (1) وقلتم أنتم: لا بل نعرضها على رأينا في الكتاب؛ فما وافقه منها صدقناه وما خالفه تركناه. وتلك غاية كل مُحدِث في الإسلام رد ما خالف رأيه من السنة. (2)
- وجاء فيه عنه: قال: إنكم لا ترجعون عن بدعة إلا تعلقتم بأخرى هي أضر عليكم منها. (3)
- وجاء فيه عنه قال: ما نقمنا على أبي حنيفة أنه يرى، كلنا يرى ولكن نقمنا عليه أنه يجيئه الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخالفه إلى غيره. (4)
- وجاء في أصول الاعتقاد بالسند إليه قال: كان يقال خمس كان عليها أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - والتابعون بإحسان: لزوم الجماعة واتباع السنة وعمارة المساجد وتلاوة القرآن والجهاد في سبيل الله. (5)
- وجاء في تذكرة الحفاظ: قال عامر بن يساف: سمعت الأوزاعي يقول إذا بلغك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث فإياك أن تقول بغيره فإنه كان مبلغا عن الله. (6)
_________
(1) التوبة الآية (100).
(2) ذم الكلام (ص.216 - 217).
(3) ذم الكلام (ص.217).
(4) ذم الكلام (ص.105) وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (ص.52).
(5) أصول الاعتقاد (1/ 71/48)، الحلية (6/ 142) وتذكرة الحفاظ (1/ 180) وشرح السنة للبغوي (1/ 209).
(6) تذكرة الحفاظ (1/ 180) وبنحوه في أصول الاعتقاد (3/ 478/734) والفقيه والمتفقه (1/ 387).(2/359)
- عن أبي إسحاق قال: سألت الأوزاعي فقال: اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم. وقد كان أهل الشام في غفلة من هذه البدعة حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق ممن دخل في تلك البدعة بعدما ردها عليهم فقهاؤهم وعلماؤهم، فأشربها قلوب طوائف من أهل الشام واستحلتها ألسنتهم وأصابهم ما أصاب غيرهم من الاختلاف فيه. ولست بآيس أن يرفع الله شر هذه البدعة إلى أن يصيروا إخوانا بعد تواد إلى تفرق في دينهم وتباغض. ولو كان هذا خيرا ما خصصتم به دون أسلافكم، فإنه لم يدخر عنهم خير خبئ لكم دونهم لفضل عندكم وهم أصحاب نبيه - صلى الله عليه وسلم - الذين اختارهم وبعثه فيهم ووصفهم بما وصفهم به فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} (1). اهـ (2)
- عن بقية قال: قال لي الأوزاعي: يا أبا محمد ما تقول في قوم يبغضون حديث نبيهم؟ قال قلت: قوم سوء. قال: ليس من صاحب بدعة تحدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف بدعته إلا أبغض الحديث. (3)
- عن أبي مسهر قال: قال الأوزاعي: يعرف الرجل في ثلاثة مواطن:
_________
(1) الفتح الآية (29).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 174/315) وذم الكلام (ص.216) والحلية (8/ 254 - 255) وطرفه الأول في التلبيس (ص.16).
(3) أصول الاعتقاد (3/ 477/732) وشرف أصحاب الحديث (ص.73).(2/360)
بألفته ويعرف في مجلسه ويعرف في منطقه. (1)
- عن الأوزاعي قال: ويل للمتفقهين لغير العبادة، والمستحلين الحرمات بالشبهات. (2)
- عن الأوزاعي قال: بلغني أن من ابتدع بدعة خلاه الشيطان والعبادة، أو ألقى عليه الخشوع والبكاء، كي يصطاد به. (3)
- عن الأوزاعي قال: لا تمكنوا صاحب بدعة من جدال، فيورث قلوبكم من فتنته ارتيابا. (4)
- عن الأوزاعي قال: قال إبليس لأوليائه من أي شيء تأتون بني آدم؟ فقالوا: من كل شيء. قال: فهل تأتونهم من قبل الاستغفار؟ فقالوا: هيهات ذاك شيء قرن بالتوحيد. قال: لأبثن فيهم شيئا لا يستغفرون الله منه. قال: فبث فيهم الأهواء. (5)
- عن الأوزاعي قال: من وقر صاحب بدعة فقد أعان على مفارقة الإسلام، ومن وقر صاحب بدعة فقد عارض الإسلام برد. (6)
موقفه من الرافضة:
- قال بقية بن الوليد: قال لي الأوزاعي: يا بقية، لا تذكر أحدا من
_________
(1) الإبانة (2/ 3/480/ 514).
(2) الفقيه والمتفقه (2/ 176) وانظر السير (7/ 126).
(3) الحوادث والبدع (ص.297) والاعتصام (1/ 216 طبعة مشهور).
(4) البدع لابن وضاح (ص.116) وذكره الشاطبي في الاعتصام (2/ 792).
(5) الدارمي (1/ 92) وأصول الاعتقاد (1/ 148 - 149/ 236).
(6) ذم الكلام (ص.218).(2/361)
أصحاب نبيك إلا بخير، يا بقية، العلم ما جاء عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما لم يجئ عنهم فليس بعلم. (1)
- وفيها عنه قال: لا يجتمع حب علي وعثمان رضي الله عنهما إلا في قلب مؤمن. (2)
- وفي التذكرة: عن الفريابي قال: اجتمع سفيان والأوزاعي وعباد بن كثير بمكة فقال سفيان: يا أبا عمرو حدثنا حديثك مع عبد الله بن علي -يعني عم السفاح- فقال: لما قدم الشام وقتل بني أمية جلس يوما على سريره وعبى أصحابه أربعة أصناف، صنف بالسيوف المسللة وصنف معهم الجرزة، وصنف معهم الأعمدة وصنف معهم الكافركوب، ثم بعث إلي، فلما صرت إلى الباب أنزلوني عن دابتي، وأخذ اثنان بعضدي وأدخلوني بين الصفوف حتى أقاموني بحيث يسمع كلامي، فقال لي: أنت عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي؟ قلت نعم، أصلح الله الأمير. قال: ما تقول في دماء بني أمية؟ قلت: قد كان بينك وبينهم عهود، وكان ينبغي أن تفوا بها، قال: ويحك، اجعلني وإياهم لا عهد بيننا؟ فأجهشت نفسي وكرهت القتل، فذكرت مقامي بين يدي الله فلفظتها فقلت: دماؤهم عليك حرام، فغضب وانتفخت أوداجه واحمرت عيناه، فقال لي ويحك ولم؟ قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يحل دم
_________
(1) السير (7/ 120) وفتح الباري (13/ 291).
(2) السير (7/ 120).(2/362)
امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، ثيب زان، ونفس بنفس وتارك لدينه" (1) قال: ويحك أو ليس الأمر لنا ديانة؟ قلت: كيف ذاك؟ قال: أليس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى لعلي؟ قلت: لو أوصى إليه لما حكم الحكمين، فسكت، وقد اجتمع غضبا، فجعلت أتوقع رأسي يسقط بين يدي، فقال بيده هكذا أومى أن أخرجوه، فخرجت، فما أبعدت حتى لحقني فارس، فنزلت وقلت: قد بعث ليأخذ رأسي، أصلي ركعتين، فكبرت، فجاء وأنا أصلي فسلم وقال: إن الأمير، بعث إليك هذه الدنانير، قال ففرقتها قبل أن أدخل بيتي. (2)
" التعليق:
انظر كيف كان السلف أمام الحكام، يصدعون بالحق مهما كلفهم ذلك، وانظر أيضا إلى الحكام مهما كان أمرهم كانوا يقفون عند الحدود الشرعية إذا ذكروا.
موقفه من الصوفية:
وجاء في السير: قال الوليد بن مسلم: رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس، ويخبرنا عن السلف أن ذلك كان هديهم فإذا طلعت الشمس قام بعضهم إلى بعض، فأفاضوا في ذكر الله والتفقه في دينه. (3)
_________
(1) أحمد (1/ 382،428،444) والبخاري (12/ 247/6878) ومسلم (3/ 1302/1673) وأبو داود (4/ 522/4352) والترمذي (4/ 12 - 13/ 1402) وقال: "حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح". والنسائي (7/ 90 - 91/ 4027) وابن ماجه (2/ 847/2534).
(2) تذكرة الحفاظ (1/ 180 - 181).
(3) السير (7/ 114).(2/363)
" التعليق:
هكذا كان هدي السلف في الذكر، يذكر كل واحد منهم على حدة بأذكار واردة صحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما أكثرها -ولله الحمد- وما زاد على ذلك من ذكر جماعي بلسان واحد وبأذكار وضعها شيوخ الصوفية وفي أوقات معينة فسموها طريقة، كل ذلك من بدعهم نسأل الله العافية.
موقفه من الجهمية:
- جاء في السير: قال محمد بن كثير المصيصي: سمعت الأوزاعي يقول: كنا -والتابعون متوافرون- نقول: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته. (1)
- وفي أصول الاعتقاد عن الأوزاعي: إني لأرجو أن يحجب الله عز وجل جهما وأصحابه أفضل ثوابه الذي وعده أولياءه حين يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (2) فجحد جهم وأصحابه أفضل ثوابه الذي وعد أولياءه. (3)
- وفيه: عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية؟ فقالوا: أمروها
_________
(1) السير (7/ 120 - 121) ودرء التعارض (6/ 262) وتذكرة الحفاظ (1/ 180و182) واجتماع الجيوش 120).
(2) القيامة الآيتان (22و23).
(3) أصول الاعتقاد (3/ 557/874).(2/364)
كما جاءت بلا كيف. (1)
موقفه من الخوارج:
- جاء في المعرفة والتاريخ: عن الأوزاعي أنه كتب إلى عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان: أما بعد فقد كنت بحال أبيك لي وخاصة منزلتي منه، فرأيت أن صلتي إياه تعاهدي إياك بالنصيحة في أول ما بلغني عنك من تخلفك عن الجمعة والصلوات فجددت ولججت. ثم بررتك فوعظتك وأجبتني بما ليس لك فيه حجة ولا عذر، وقد أحببت أن أقرن بنصيحتي إياك عهدا عسى الله أن يحدث خيرا، وقد بلغنا أن خمسا كان عليها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعون لهم بإحسان: اتباع السنة وتلاوة القرآن، ولزوم الجماعة وعمارة المساجد والجهاد في سبيل الله.
وحدثني سفيان الثوري أن حذيفة بن اليمان كان يقول: من أحب أن يعلم أصابته الفتنة أو لا فلينظر، فإن رأى حلالا كان يراه حراما، أو يرى حراما كان يراه حلالا، فليعلم أن قد أصابته. وقد كنت قبل وفاة أبيك رحمه الله ترى ترك الجمعة والصلوات في الجماعة حراما فأصبحت تراه حلالا، وكنت ترى عمارة المساجد من شرف الأعمال فأصبحت لها هاجرا، وكنت ترى أن ترك عصابتك من الحرس في سبيل الله حرجا فأصبحت تراه جميلا.
وحدثني سفيان منقطعا عن ابن عباس أنه قال: من ترك الجمعة أربعا
_________
(1) أصول الاعتقاد (3/ 582/930) ومقدمة شرح السنة للبغوي (1/ 171) والفتاوى (5/ 39) والشريعة (2/ 104 - 105/ 765) والسير (7/ 274).(2/365)
متواليات من غير عذر فقد نبذ الإسلام من وراء ظهره. (1)
وحدثني الزهري عن أبي هريرة أنه من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر طبع الله على قلبه. (2)
وقد خاطرت بنفسك من هذين الحديثين عظيما فاتهم رأيك فإنه شر ما أخذت به، وارض بأسلافك إيمانا. وقد كنت في ثلاث سنوات مررن -والمساجد والديار تحرق والدماء تسفك والأموال تنتهب- مع أبيك لا تخالفه في ترك جمعة ولا حضور صلاة مسجد، ولا ترغب عنه حتى مضى لسبيله، وأنت ترى أنك بوجه هذا الحديث: "كن حلس بيتك" (3) ومثله من الأحاديث أعلم بها من أبيك وممن أدرك من أهل العلم، فأعيذك بالله وأنشدك به أن تعتصم برأيك شاذا به دون أبيك وأهل العلم قبله، وأن تكون لأصحاب الأهواء قوة وللسفهاء في تركهم الجمعة فتنة يحتجون بك
_________
(1) أخرجه مرفوعا ابن الحمامي الصوفي في منتخب من مسموعاته، كما في الضعيفة (2/ 112/657) وإسناده ضعيف. فيه شريك القاضي ضعفوه لسوء حفظه. وأخرجه موقوفا بهذا اللفظ ابن عبد البر في التمهيد (فتح البر 5/ 208) وأخرجه: عبد الرزاق في مصنفه (3/ 166/5169)، أبو يعلى في مسنده (5/ 102/2712) موقوفا بلفظ: من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات، فقد نبذ ... الخ. ذكره الهيثمي في المجمع (2/ 193) وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح وصحح إسناده الحافظ المنذري في الترغيب (1/ 453/733).
(2) لم أجده بهذا اللفظ، وأخرجه مرفوعا بلفظ: "ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصبة من الغنم ... ثم تجيء الجمعة فلا يجيء ولا يشهدها، وتجيء الجمعة فلا يشهدها، وتجيء الجمعة فلا يشهدها حتى يطبع على قلبه". أخرجه: ابن ماجه (1/ 357/1127) وابن خزيمة (3/ 177/1859) والحاكم (1/ 292) وقال: "صحيح على شرط مسلم وسكت عنه الذهبي". قال البوصيري في الزوائد: "إسناد ضعيف لضعف معدي بن سليمان". وحسن إسناده الحافظ المنذري في الترغيب. انظر صحيح الترغيب والترهيب (1/ 452/731).
(3) أحمد (4/ 408) وأبو داود (4/ 459 - 460/ 4262) والترمذي (4/ 425/2204) بلفظ: "والزموا فيها أجواف بيوتكم" وقال: "هذا حديث حسن غريب صحيح". والحاكم (4/ 440) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد وسكت عنه الذهبي". كلهم من حديث أبي موسى.(2/366)
إذا عويروا على تركها. أسأل الله أن لا يجعل مصيبتك في دينك، ولا يغلب عليك شقاء ولا اتباع هوى بغير هدى منه، والسلام عليك. (1)
قلت: عبد الرحمن بن ثوبان هذا شيخ عالم زاهد محدث، لكن كان فيه خارجية قاله الذهبي في السير.
- وقال أبو إسحاق: وسألت الأوزاعي قلت: هل ندع الصلاة على أحد من أهل القبلة وإن عمل بكل عمل؟ قال: لا، قال: وإنما كانوا يحدثون بالأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعظيما لحرمات الله ولا يعدون الذنب كفرا ولا شركا، وكان يقال: المؤمن حديد عند حرمات الله. (2)
موقفه من المرجئة:
- قال ابن بطة: حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق قال: قال الأوزاعي: لا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة، وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، والعمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع [كما يجمع] (3) هذه الأديان اسمها ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله لم يقبل منه
_________
(1) المعرفة والتاريخ (2/ 391 - 392) وهو في تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 161 - 170 ص.317) والسير (7/ 314 مختصرا).
(2) أصول الاعتقاد (6/ 1150/2023).
(3) زيادة من أصول الاعتقاد.(2/367)
وكان في الآخرة من الخاسرين. (1)
- وجاء في أصول الاعتقاد عن الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي ومالك بن أنس وسعيد بن عبد العزيز ينكرون قول من يقول: إن الإيمان قول بلا عمل ويقولون لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان. (2)
- وجاء في السنة لعبد الله: عن الوليد بن مسلم قال: سمعت أبا عمرو يعني الأوزاعي ومالكا وسعيد بن عبد العزيز يقولون: ليس للإيمان منتهى هو في زيادة أبدا وينكرون على من يقول إنه مستكمل الإيمان، وإن إيمانه كإيمان جبريل عليه السلام. (3)
- وفيها: عن ابن مسلم قال: سمعت أبا عمرو يعني الأوزاعي ومالك ابن أنس وسعيد بن عبد العزيز ينكرون أن يقول: أنا مؤمن. ويأذنون في الاستثناء أن أقول: أنا مؤمن إن شاء الله. (4)
- وفي الشريعة عن فديك يعني ابن سليمان - قال: سمعت الأوزاعي يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فمن زعم أن الإيمان يزيد ولا ينقص فاحذروه، فإنه مبتدع. (5)
- عن أبي إسحاق قال: وقال الأوزاعي: وذكر أصحاب نبيه - صلى الله عليه وسلم - الذين اختارهم له وبعثه فيهم ووصفهم بما وصفهم به فقال: {محمد رسول الله
_________
(1) الإبانة (2/ 807/1097) وأصول الاعتقاد (5/ 956).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 930 - 931/ 1586).
(3) السنة لعبد الله (92 - 93).
(4) السنة لعبد الله (100).
(5) الشريعة (1/ 272/269).(2/368)
وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} (1) ويقولون (2): إن فرائض الله عز وجل على عباده ليست من الإيمان وأن الإيمان قد يطلب بلا عمل، وقال: وأن الناس لا يتفاضلون في إيمانهم وأن برهم وفاجرهم في الإيمان سواء، وما هكذا جاء الحديث عن رسول - صلى الله عليه وسلم - بلغنا أنه قال: "الإيمان بضع وسبعون أو قال بضعة وستون جزءا أولها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" (3) وقال الله عز وجل: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (4). الدين هو التصديق وهو الإيمان والعمل. فوصف الله عز وجل الدين قولا وعملا قال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (5). والتوبة من الشرك وهو من الإيمان والصلاة والزكاة عمل. (6)
_________
(1) الفتح الآية (29).
(2) المرجئة.
(3) سيأتي تخريجه ضمن مواقف إبراهيم بن محمد الفزاري سنة (186هـ).
(4) الشورى الآية (13).
(5) التوبة الآية (11).
(6) السنة للخلال (3/ 585 - 586/ 1025).(2/369)
موقفه من القدرية:
- جاء في أصول الاعتقاد بالسند إلى بقية قال: سألت الأوزاعي والزبيدي عن الجبر، فقال الزبيدي: أمر الله أعظم، وقدرته أعظم من أن يجبر أو يقهر، ولكن يقضي ويقدر ويخلق ويجبل عبده على ما أحب.
وقال الأوزاعي: ما أعرف للجبر أصلا من القرآن والسنة، فأهاب أن أقول ذلك، ولكن القضاء والقدر والخلق والجبل، فهذا يعرف في القرآن والحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنما وصفت هذا مخافة أن يرتاب رجل من أهل الجماعة والتصديق. (1)
- وفيه بالسند إلى الوليد بن هشام عن أبيه قال: بلغ هشام بن عبد الملك أن رجلا قد ظهر يقول بالقدر، وقد أغوى خلقا كثيرا فبعث إليه هشام فأحضره فقال: ما هذا الذي بلغني عنك؟ قال: وما هو؟ قال: تقول إن الله لم يقدر على خلق الشر؟ قال: بذلك أقول، فأحضر من شئت يحاجني فيه؛ فإن غلبته بالحجة والبيان علمت أني على الحق، وإن هو غلبني بالحجة فاضرب عنقي؟ قال: فبعث هشام إلى الأوزاعي فأحضره لمناظرته، فقال له الأوزاعي: إن شئت سألتك عن واحدة وإن شئت عن ثلاث وإن شئت عن أربع؟ فقال: سل عما بدا لك، قال الأوزاعي: أخبرني عن الله عز وجل، هل تعلم أنه قضى على ما نهى؟ قال: ليس عندي في هذا شيء، فقلت: يا أمير المؤمنين هذه واحدة، ثم قلت له: أخبرني هل تعلم أن الله حال دون ما أمر؟ قال: هذه أشد من الأولى، فقلت: يا أمير المؤمنين هذه اثنتان، ثم قلت له:
_________
(1) أصول الاعتقاد (4/ 775/1300).(2/370)
هل تعلم أن الله أعان على ما حرم؟ قال: هذه أشد من الأولى والثانية، قلت: يا أمير المؤمنين هذه ثلاث، قد حل بها ضرب عنقه فأمر به هشام فضربت عنقه. ثم قال للأوزاعي: يا أبا عمرو، فسر لنا هذه المسائل؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين، سألته هل يعلم أن الله قضى على ما نهى، نهى آدم عن أكل الشجرة ثم قضى عليه بأكلها، وسألته هل يعلم أن الله حال دون ما أمر؟ أمر إبليس بالسجود لآدم ثم حال بينه وبين السجود، وسألته هل يعلم أن الله أعان على ما حرم؟ حرم الميتة والدم ثم أعاننا على أكله في وقت الاضطرار إليه. قال هشام: والرابعة ما هي يا أبا عمرو؟ قال: كنت أقول: مشيئتك مع الله أم دون الله؟ فإن قال مع الله فقد اتخذ مع الله شريكا، أو قال دون الله فقد انفرد بالربوبية، فأيهما أجابني فقد حل ضرب عنقه بها، قال هشام: حياة الخلق وقوام الدين بالعلماء. (1)
" التعليق:
لله درك يا أبا عمرو! يا إمام أهل الشام خصوصا والمسلمين عموما، ورثت فقه الكتاب والسنة، فجعل لك نورا تستضيء به، حجتك على لسانك، وعلمك في صدرك، صواعقك تحرق أوهام المبتدعة، فيقفون أمامك حيارى!! لا يجدون جوابا لأسئلتك. ورحمك الله يا هشام! حيث كنت تهتدي بمثل هؤلاء النجوم، وتأخذ الحكم منهم في رؤوس الضلال، حتى يهلك من هلك عن بينة، ولا يكون مظلوما.
_________
(1) أصول الاعتقاد (4/ 794 - 795/ 1330).(2/371)
- جاء في السير: قال أبو توبة الحلبي: حدثنا أصحابنا: أن ثورا لقي الأوزاعي فمد يده إليه، فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه وقال: يا ثور لو كانت الدنيا لكانت المقاربة، ولكنه الدين. (1)
- وجاء في الإبانة عنه: أنه سئل عن القدرية قال: لا تجالسوهم. (2)
- وجاء في ذم الكلام عن إسحاق بن إبراهيم القاضي قال: بلغني أن الأوزاعي اجتمع وثور بن يزيد على الجسر فقال: يا ثور لولا أن الهجر من الدين لسلمنا عليك، قال: وكان قدريا. (3)
- وجاء في الإبانة عن أبي إسحاق قال: قلت للأوزاعي: أرأيت من قال: قدر الله علي وكتب علي وقضى علي، وعلم الله أني عامل كذا، قال: هذا كله سواء واحد، قلت: فمن؟ قال: علم الله أني عامل كذا ولم يقل قدره علي، قال: هذا من باب يجر إلى الهمل وهو الكفر؛ لأنهم يقولون قد علم الله أن العبد عامل كذا وكذا، وقد جعل الله له الاستطاعة إلى أن لا يعمل ذلك الشيء الذي قد علم الله عز وجل أن العبد عامله؛ فما منزلة ما قد علم الله أن العبد عامله إذا لم يعمله، ويقولون: إنما علمه، إنما هو بمنزلة الحائط، قلت: فمن؟ قال: قد علم الله أني عامل كذا وكذا، وقد جعل الاستطاعة إلي أن لا أعمله ولا بد لي من أن أعمله، قال: هذا قول من قول أهل القدر، وهو الهمل ويخرجهم إلى الكفر. (4)
_________
(1) السير (6/ 344 - 345).
(2) الإبانة (2/ 11/319/ 2004).
(3) ذم الكلام (218).
(4) الإبانة (2/ 10/253 - 254/ 1854).(2/372)
- وفيها أيضا: عن عبد الله بن صالح: كتب الأوزاعي إلى صالح بن بكر: أما بعد: فقد بلغني كتابك تذكر فيه أن الكتب قد كثرت في الناس، ورد الأقاويل في القدر بعضهم على بعض، حتى يخيل إليكم أنكم قد شككت فيه، وتسألني أن أكتب إليك بالذي استقر عليه رأيي وأقتصر في المنطق، ونعوذ بالله من التحير من ديننا، واشتباه الحق والباطل علينا، وأنا أوصيك بواحدة؛ فإنها تجلو الشك عنك وتصيب بالاعتصام بها سبيل الرشد إن شاء الله تعالى:
تنظر إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الأمر، فإن كانوا اختلفوا فيه؛ فخذ بما وافقك من أقاويلهم، فإنك حينئذ منه في سعة، وإن كانوا اجتمعوا منه على أمر واحد لم يشذذ عنه منهم أحد؛ فأين المذهب عنهم، فإن الهلكة في خلافهم، وإنهم لم يجتمعوا على شيء قط؛ فكان الهدى في غيره وقد أثنى الله عز وجل على أهل القدوة بهم؛ فقال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} (1).
واحذر كل متأول للقرآن على خلاف ما كانوا عليه منه ومن غيره، فإن من الحجة البالغة أنهم لا يقتدون برجل واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أدرك هذا الجدل فجاء معهم عليه وقد أدركه منهم رجال كثير؛ فتفرقوا عنه، واشتدت ألسنتهم عليه فيه، وأنت تعلم أن فريقا منهم قد خرجوا على أئمتهم، فلو كان هدى؛ لم يخرجوا ولم يجتمع من بقي منهم، ألفه فيه واحدة
_________
(1) التوبة الآية (100).(2/373)
دون جماعة أمتهم فإن الولاية في الإسلام دون الجماعة فرقة؛ فأقر بالقدر، فإن علم الله عز وجل الذي لا يجاوزه شيء، ثم لا تنقضه بالاستطاعة؛ فتهمل فإنه لن يخرج رجل في الإسلام إلى فرط أعظم من الهمل، وذلك أن المؤمن لا يضيف إلى نفسه شيئا من قدر الله عز وجل في خير يسوقه إليها ولا شر يصرفه عنها، وإنما ذلك بيد الله ولا يملكه أحد غير الله، فمن أراد الله به خيرا؛ وفقه لما يحب وشرح صدره، ومن أراد به شرا؛ وكله إلى نفسه، واتخذ الحجة عليه ثم عذبه غير ظالم له، أسأل الله لنا ولكم العصمة من كل هلكة ومزلة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (1)
- وفيها: عن بقية بن الوليد: سمعت الأوزاعي يقول: القدرية خصماء الله عز وجل في الأرض. (2)
- وفيها: عن محمد بن شعيب قال: سمعت الأوزاعي يقول: أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له سوسن، كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد. (3)
أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور (4) (158 هـ)
عبد الله بن محمد بن علي الخليفة أبو جعفر المنصور الهاشمي العباسي
_________
(1) الإبانة (2/ 10/254 - 255/ 1855).
(2) الإبانة (2/ 10/255/ 1856).
(3) الإبانة (2/ 11/298/ 1954) والشريعة (1/ 459/596).
(4) تاريخ بغداد (10/ 53 - 61) والبداية والنهاية (10/ 124 - 131) والسير (7/ 83 - 89) وفوات الوفيات (2/ 216 - 217) والكامل في التاريخ (5/ 461 - 462) والعقد الثمين (5/ 248 - 260).(2/374)
وأمه سلامة البربرية. ضرب الآفاق ورأى البلاد وطلب العلم.
كان فحل بني العباس هيبة وشجاعة ورأيا وحزما ودهاء وجبروتا. وكان جماعا للمال حريصا تاركا للهو واللعب، كامل العقل بعيد الغور حسن المشاركة في الفقه والأدب والعلم.
أباد جماعة كبارا حتى توطد له الملك ودانت له الأمم على ظلم فيه وقوة نفس، ولكنه يرجع إلى صحة إسلام وتدين في الجملة، وتصون وصلاة، وخير مع فصاحة، وبلاغة وجلالة.
من أقواله: الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.
ولما احتضر قال: اللهم إني قد ارتكبت عظائم جرأة مني عليك وقد أطعتك في أحب الأشياء إليك شهادة أن لا إله إلا الله منا منك لا منا عليك. ثم مات. توفي سنة ثمان وخمسين ومائة.
موقفه من المشركين:
- قال الحافظ في الفتح عند الكلام على الزندقة وتاريخها: واشتهر في صدر الإسلام الجعد بن درهم فذبحه خالد القسري في يوم عيد الأضحى، ثم كثروا في دولة المنصور، وأظهر له بعضهم معتقده فأبادهم بالقتل ثم ابنه المهدي فأكثر من تتبعهم وقتلهم. (1)
- قال الذهبي: وقد كان بعض الزنادقة والطغام من التناسخية، اعتقدوا
_________
(1) فتح الباري (12/ 271).(2/375)
أن الباري سبحانه وتعالى حل في أبي مسلم الخراساني المقتول (من طرف المنصور) عندما رأوا من تجبره واستيلائه على الممالك وسفكه للدماء، فأخبار هذا الطاغية يطول شرحها. (1)
موقفه من الجهمية:
- جاء في أصول الاعتقاد بالسند إلى محمد بن عمران بن أبي ليلى قال: حدثني أبي قال: لما قدم ذلك الرجل إلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى شهد عليه ابن أبي سليمان وغيره أنه قال: القرآن مخلوق، وشهد عليه قوم مثل قول حماد بن أبي سليمان.
فحدثني خالد بن نافع قال: كتب ابن أبي ليلى إلى أبي جعفر وهو بالمدينة بما قاله ذلك الرجل وشهادته عليه وإقراره.
فكتب إليه أبو جعفر: إن هو رجع وإلا فاضرب رقبته وأحرقه بالنار. فتاب ورجع عن قوله في القرآن. (2)
- وفيه: كتب اليون ملك الروم إلى أبي حعفر -يعني المنصور- يسأله عن أشياء ويسأله عن لا إله إلا الله أمخلوقة أم خالقة؟
فكتب إليه أبو جعفر: كتبت إلي تسألني عن لا إله إلا الله أخالقة أم مخلوقة؟ وليست خالقة ولا مخلوقة ولكنها كلام الله عز وجل. (3)
_________
(1) السير (6/ 67).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 272/408).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 271 - 272/ 407).(2/376)
موقفه من الخوارج:
جاء في البداية والنهاية: وخرج في هذه السنة (أي سنة سبع وثلاثين ومائة) أيضا رجل يقال له ملبد بن حرملة الشيباني في ألف من الخوارج بالجزيرة، فجهز إليه المنصور جيوشا متعددة كثيفة كلها تنفر منه وتنكسر، ثم قاتله حميد بن قحطبة نائب الجزيرة، فهزمه ملبد وتحصن منه حميد في بعض الحصون ثم صالحه حميد بن قحطبة على مائة ألف فدفعها إليه وقبلها ملبد وتقلع عنه. (1)
زفر بن الهذيل (2) (158 هـ)
زُفَر بن الهُذَيْل بن قيس بن سلم الفقيه المجتهد الرباني العلامة أبو الهذيل العنبري البصري صاحب الرأي.
حدث عن الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد وأبي حنيفة ومحمد بن إسحاق. وحدث عنه حسان بن إبراهيم وأكثم بن محمد وعبد الرحمن بن زياد وأبو نعيم الملائي وآخرون.
قال الذهبي: هو من بحور الفقه وأذكياء الوقت تفقه بأبي حنيفة وهو أكبر تلامذته. عن عبد الواحد بن زياد لقيت زفر رحمه الله، فقلت له: صرتم حديثا في الناس وضحكة، قال: وما ذاك؟ قلت: تقولون: ادرؤوا الحدود
_________
(1) البداية والنهاية (10/ 75).
(2) طبقات ابن سعد (6/ 387 - 388) والجرح والتعديل (3/ 608 - 609) ومشاهير علماء الأمصار (170) والسير (8/ 38 - 41) ووفيات الأعيان (2/ 317 - 319) والفهرست لابن النديم (285) وتاريخ ابن معين (2/ 172) وشذرات الذهب (1/ 243).(2/377)
بالشبهات (1) ثم جئتم إلى أعظم الحدود، فقلتم: تقام بالشبهات، قال: وماهو؟ قلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يقتل مسلم بكافر (2) فقلتم: يقتل به -يعني بالذمي- قال: فإني أشهدك الساعة أني قد رجعت عنه.
مات سنة ثمان وخمسين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
عن زفر بن الهذيل قال: إنما نأخذ بالرأي ما لم يجيء الأثر، فإذا جاء الأثر تركنا الرأي، وأخذنا بالأثر. (3)
موقفه من الجهمية:
جاء في جامع بيان العلم وفضله قال: وذكر ابن أبي خيثمة قال: حدثنا محمد بن شجاع البلخي قال سمعت الحسن بن زياد اللؤلؤي وقال له رجل في زفر بن الهذيل: أكان ينظر في الكلام؟ فقال: سبحان الله ما أحمقك ما أدركت مشيختنا زفر وأبا يوسف وأبا حنيفة ومن جالسنا وأخذنا عنهم يهمهم غير الفقه والاقتداء بمن تقدمهم. (4)
_________
(1) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (68/ 189 - 191) وأبو سعد بن السمعاني في الذيل كما في المقاصد الحسنة (رقم 46) عن عمر بن عبد العزيز مرسلا. ورواه البيهقي (8/ 238) عن علي بن أبي طالب، وقال: "في هذا الإسناد ضعف". ورواه الحارثي في مسند أبي حنيفة وابن عدي عن ابن عباس مرفوعا، ذكره السخاوي في المقاصد (رقم 46) وقال الشيخ الألباني في الإرواء (2316): "وهو ضعيف". وقد روي من حديث عائشة مرفوعا بلفظ: "ادرؤوا الحدود ما استطعتم ... " أخرجه الترمذي (4/ 25/1424) والبيهقي (8/ 238) والدارقطني (3/ 84) والحاكم (4/ 384) وصححه، ورده الذهبي بقوله: قال النسائي: يزيد بن زياد شامي متروك.
(2) أخرجه أحمد (1/ 79) والبخاري (12/ 303/6903) والترمذي (4/ 17/1412) والنسائي (8/ 392/4758) وابن ماجة (2/ 887/2658) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(3) الفقيه والمتفقه (1/ 510).
(4) جامع بيان العلم (2/ 942/1798).(2/378)
ابن أَبِي ذِئْب (1) (159 هـ)
محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب الإمام شيخ الإسلام، أبو الحارث القرشي العامري المدني الفقيه.
سمع الزهري ونافع مولى ابن عمر ومحمد بن المنكدر وسعيد بن أبي سعيد وخلقا سواهم.
وعنه عبد الله بن المبارك وعبد الله بن وهب وعبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الله بن نمير وطائفة.
رمي بالقدر وما كان قدريا. قال أحمد الأبار: سألت مصعبا عن ابن أبي ذئب فقال: معاذ الله أن يكون قدريا، إنما كان زمن المهدي قد أخذوا أهل القدر وضربوهم ونفوهم، فنجا منهم قوم فجلسوا إليه واعتصموا به من الضرب فقيل هو قدري لذلك.
قال الإمام أحمد: كان ابن أبي ذئب رجلا صالحا قوالا بالحق يشبه بسعيد بن المسيب، وكان قليل الحديث.
توفي سنة تسع وخمسين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- روى الهروي في ذم الكلام بسنده إلى الشافعي قال: أخبرني أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابي حدثني ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي
_________
(1) تاريخ خليفة (429) وتاريخ بغداد (2/ 296 - 305) ووفيات الأعيان (4/ 183) وتهذيب الكمال (25/ 630 - 644) والوافي بالوفيات (3/ 223 - 224) وتذكرة الحفاظ (1/ 191 - 193) والسير (7/ 139 - 149) ومشاهير علماء الأمصار (140) والفهرست لابن النديم (315) وشذرات الذهب (1/ 245).(2/379)
شريح الكعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عام الفتح: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود" (1) قال الشافعي: قال أبو حنيفة: قلت لابن أبي ذئب تأخذ به يا أبا الحارث؟ قال: فضرب صدري وصاح بي صياحا كثيرا ونال مني فقال: أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول تأخذ به؟ نعم آخذ، وذلك الفرض علي وعلى من سمعه؛ إن الله اختار محمدا - صلى الله عليه وسلم - من الناس فهداهم به وعلى يديه، واختار له وعلى لسانه (2)، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين وداخرين لا مخرج لهم من ذلك. قال: وما سكت حتى أحببت أن يسكت. (3)
- وعن أحمد بن حنبل: قيل لابن أبي ذئب: مالك بن أنس يقول: "ليس البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" (4) فقال: يستتاب مالك فإن تاب وإلا
_________
(1) أحمد (4/ 31 - 32) و (6/ 385) والترمذي (4/ 14/1406) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". وأبو داود (4/ 643 - 644/ 4504) كلهم من طرق عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فذكره بطوله وفيه: فمن قتل له قتيل بعد اليوم فأهله بين خيرتين إما أن يقتلوا أو يأخذوا العقل. وهو في الصحيحين من طريق الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح به بطوله دون ذكر موطن الشاهد. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه: البخاري (1/ 273 - 274/ 112) ومسلم (2/ 988/1355) وأبو داود (4/ 645/4505) والترمذي (4/ 14/1405) والنسائي (8/ 407/4799 - 4800) وابن ماجه (2/ 876/2624).
(2) في الكنى والحجة والفقيه والمتفقه: 'واختار لهم ما اختار له على لسانه'.
(3) ذم الكلام (4/ 133 - 134 طبعة الأنصاري) والكنى للدولابي (1/ 145) والحجة للأصبهاني (1/ 244 - 245) والفقيه والمتفقه (1/ 287 - 288) وذكره الذهبي في السير (7/ 142).
(4) حديث "البيعان بالخيار" أخرجه: أحمد (3/ 403) والبخاري (4/ 412/2110) ومسلم (3/ 1164/1532) وأبو داود (3/ 737 - 738/ 3459) والترمذي (3/ 548 - 549/ 1246) وقال: "هذا حديث صحيح". والنسائي (7/ 280 - 281/ 4469) كلهم من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه. وورد من حديث غيره من الصحابة رضي الله عنهم.(2/380)
ضربت عنقه. (1)
" التعليق:
لو نطق الواحد منا بأقل من هذا لعده الناس من الزنادقة الخارجين عن ملة الإسلام مع أن هذا هو الواجب، وأن هذه هي عقيدة السلف قديما وحديثا. من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجب عليه المصير إليها ولا يجوز له العدول عنها مهما كان شأن المخالف لها، وسيمر بنا -إن شاء الله تعالى- من هذا النوع كثير.
وقد بين الإمام ابن عبد البر وجه رد الإمام مالك لهذا الخبر ومن شاء الوقوف على كلامه فليرجع إلى فتح البر، (2) وبالله التوفيق.
موقفه من المرجئة:
جاء في أصول الاعتقاد عن حنبل قال: سمعت أبا عبد الله -يعني أحمد ابن حنبل- وسئل عن الإيمان والإسلام قال: قال ابن أبي ذئب: الإسلام القول والإيمان العمل. فقيل: ما تقول أنت؟ قال: الإيمان غير الإسلام. (3)
موقفه من القدرية:
جاء في السير: وكان من أورع الناس وأودعهم، ورمي بالقدر، وما كان قدريا، لقد كان يتقي قولهم ويعيبه. ولكنه كان رجلا كريما، يجلس إليه كل أحد ويغشاه فلا يطرده، ولا يقول له شيئا، وإن مرض عاده، فكانوا
_________
(1) ذم الكلام (ص.212) والسير (7/ 142) وتاريخ بغداد (2/ 302).
(2) (12/ 278).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 895/1500).(2/381)
يتهمونه بالقدر، لهذا وشبهه.
قال الذهبي: كان حقه أن يكفهر في وجوههم، ولعله كان حسن الظن بالناس. (1)
عكرمة (2) (159 هـ)
عِكْرِمَة بن عمّار، أبو عمّار العجلي، البصري ثم اليمامي، الحافظ الإمام. حدث عن عطاء بن أبي رباح والقاسم بن محمد وطاووس ويحيى بن أبي كثير. وحدث عنه شعبة والثوري وابن المبارك ووكيع وابن مهدي وغيرهم. قال محمد بن عبد الله بن عمار: عكرمة بن عمار ثقة عندهم، روى عنه ابن مهدي: ما سمعت فيه إلا خيرا. وقال عاصم بن علي: كان مستجاب الدعوة. توفي رحمه الله سنة تسع وخمسين ومائة.
موقفه من المرجئة:
جاء في أصول الاعتقاد: عن أبي عاصم قال: جاء عكرمة بن عمار إلى ابن أبي رواد فدق عليه الباب وقال: أين هذا الضال يعني بالإرجاء. (3)
موقفه من القدرية:
- جاء في السير: قال عباس بن عبد العظيم: سمعت سليمان بن حرب
_________
(1) السير (7/ 140 - 141).
(2) تاريخ بغداد (12/ 257) وسير أعلام النبلاء (7/ 134) وميزان الاعتدال (3/ 90 - 93) وتهذيب الكمال (20/ 256 - 264) وتهذيب التهذيب (7/ 261 - 262) وشذرات الذهب (1/ 246).
(3) أصول الاعتقاد (5/ 1064/1819) وهو في السير (7/ 187).(2/382)
يقول: قدم علينا عكرمة بن عمار من اليمامة، فرأيته فوق سطح يخاصم أهل القدر.
- قال معاذ بن معاذ: سمعت عكرمة بن عمار يقول للناس: أحرج على رجل يرى القدر إلا قام فخرج عني، فإني لا أحدثه. (1)
مالك بن مغول (2) (159 هـ)
مالك بن مِغْوَل بن عاصم بن غَزِيَّة بن خَرَشَة، الإمام الثقة المحدث، أبو عبد الله البجلي الكوفي. حدث عن الشعبي، وعبد الله بن بريدة، وعطاء بن أبي رباح ونافع العمري، وعبد الرحمن بن الأسود، وخلق. وعنه أبو إسحاق شيخه، وشعبة والثوري، وابن عيينة، وابن المبارك ووكيع وابن مهدي وخلق سواهم. قال الإمام أحمد: ثقة ثبت. وقال أيضا: سمعت ابن عيينة يقول: قال رجل لمالك بن مغول: اتق الله، فوضع خده بالأرض. قال أبو نعيم وأبو بكر ابن أبي شيبة: توفي سنة تسع وخمسين ومائة.
موقفه من الرافضة:
- قال شعيب بن حرب: قلت لمالك بن مغول: أوصني قال: أوصيك بحب الشيخين أبي بكر وعمر. قلت أوصني، قال: أوصيك بحب الشيخين أبي
_________
(1) السير (7/ 138).
(2) طبقات ابن سعد (6/ 365) والتاريخ الكبير (7/ 314) والجرح والتعديل (8/ 215 - 216) وتهذيب الكمال (27/ 158 - 162) وتهذيب التهذيب (4/ 19) وتاريخ الإسلام (حوادث 141 - 160/ص.582 - 583) والسير (7/ 174 - 176) والشذرات (1/ 247).(2/383)
بكر وعمر. قلت: إن الله أعطى من ذلك خيرا كثيرا قال: أي لكع والله إني لأرجو لك على حبهما ما أرجو لك على التوحيد. (1)
- جاء في تاريخ الإسلام للذهبي قال ابن إدريس: ما رأيت مالك بن مغول يسب دابة قط إلا أنه ذكرت عنده الرافضة فبزق في الأرض.
وقال ابن عيينة: قال مالك بن مغول: لئن شئتم لأحلفن لكم أن مكانهما في الآخرة مثل مكانهما في الدنيا، يعني: أبا بكر وعمر. (2)
موقفه من المرجئة:
عن أحمد بن يونس قال: كان سفيان الثوري وأبو بكر بن عياش وزهير بن معاوية وزائدة ومالك بن مغول ومفضل بن مهلهل وفضيل بن عياض وأبو شهاب عبد ربه بن نافع وأبو زبيد عبثر بن القاسم يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. (3)
يونس بن أبي إسحاق (4) (159 هـ)
يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، أبو إسرائيل الكوفي، والد إسرائيل بن يونس وعيسى بن يونس. روى عن أبيه وأنس بن مالك وأبي بردة بن أبي موسى الأشعري وأخيه أبي بكر بن أبي موسى
_________
(1) أصول الاعتقاد (7/ 1318/2338).
(2) تاريخ الإسلام (حوادث 141 - 161هـ/ ص.583).
(3) أصول الاعتقاد (5/ 1031 - 1032/ 1744).
(4) ميزان الاعتدال (4/ 482) وسير أعلام النبلاء (7/ 26 - 27) وتهذيب الكمال (32/ 488 - 493) وتهذيب التهذيب (11/ 433 - 434) وشذرات الذهب (1/ 247).(2/384)
الأشعري ومجاهد والحسن البصري وجماعة. وروى عنه ابنه عيسى وإسماعيل ابن عياش وسفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي وأبو نعيم وغيرهم. كان يونس من علماء الكوفة، وهو من بيت علم وحديث. قال عثمان الدارمي ليحيى بن معين: يونس أحب إليك أو إسرائيل؟ قال: كل ثقة. توفي سنة تسع وخمسين ومائة، رحمه الله تعالى.
موقفه من الرافضة:
- قال شبابة بن سوار: قلت ليونس بن أبي إسحاق: ثوير لأي شيء تركته؟ قال: لأنه رافضي، قلت: إن أباك روى عنه، قال: هو أعلم.
وقيل ليونس بن أبي إسحاق: لِمَ لَمْ تحمل عن ثوير بن أبي فاختة؟ قال: كان رافضيا. (1)
موقف السلف من عبد العزيز بن أبي رواد المرجئي (159 هـ)
جاء في أصول الاعتقاد عن الحسن بن وهب الجمحي قال: قدم علينا عبد العزيز بن أبي رواد وهو شاب يومئذ ابن نيف وعشرين سنة فمكث فينا أربعين أو خمسين سنة لا يعرف بشيء من الإرجاء حتى نشأ ابنه عبد المجيد فأدخله في الإرجاء، فكان أشأم مولود ولد في الإسلام على أبيه. (2)
وفيه عن محمد بن علي قال: سمعت مالك بن أنس -وذكر عبد المجيد-
_________
(1) الكفاية (123).
(2) أصول الاعتقاد (5/ 1076/1848).(2/385)
فقال: ذاك الذي أدخل أباه في الإرجاء. (1)
وقد تقدم موقف عكرمة بن عمار منه لإرجائه (159هـ).
وفي السير عن مؤمل بن إسماعيل قال: مات عبد العزيز فجيء بجنازته، فوضعت عند باب الصفا، وجاء سفيان الثوري، فقال الناس: جاء سفيان، جاء سفيان. فجاء حتى خرق الصفوف، وجاوز الجنازة، ولم يصل عليها، لأنه كان يرى الإرجاء. فقيل لسفيان، فقال: والله إني لأرى الصلاة على من هو دونه عندي، ولكن أردت أن أري الناس أنه مات على بدعة. (2)
وله موقف طيب من ثور بن يزيد القدري، جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: قد جاءكم ثور اتقوا لا ينطحنكم بقرنيه -يعني ثور بن يزيد-. (3)
عمران بن مسلم القصير الصوفي (قبل 160 هـ)
موقفه من المبتدعة:
جاء في الإبانة عن حماد بن مسعدة قال: كان عمران القصير يقول: إياكم والمنازعة والخصومة وإياكم وهؤلاء الذين يقولون أرأيت أرأيت. (4)
_________
(1) أصول الاعتقاد (5/ 1076/1849).
(2) السير (7/ 186).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 705 - 706/ 1147 وميزان الاعتدال (1/ 374).
(4) الإبانة (2/ 3/526/ 637 والشريعة (1/ 190/125).(2/386)
زائدة بن قدامة (1) (160 هـ)
زَائِدَة بن قُدَامَة الإمام الثبت الحافظ أبو الصّلت الثقفي الكوفي. حدث عن الأعمش وسليمان التيمي وسماك بن حرب وهشام بن عروة وطائفة. وعنه عبد الله بن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي وسفيان بن عيينة وحسين ابن علي الجعفي وآخرون.
قال أبو أسامة: حدثنا زائدة، وكان من أصدق الناس وأبرهم. وقال أبو زرعة: صدوق من أهل العلم. قال أبو حاتم وأحمد العجلي: ثقة، صاحب سنة. وقال أحمد بن حنبل: المتثبتون في الحديث أربعة: سفيان وشعبة وزهير وزائدة. توفي بأرض الروم عام غزا الحسن بن قحطبة الصائفة سنة ستين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
جاء في السير: قال أحمد العجلي: ثقة، صاحب سنة، لا يحدث أحدا حتى يسأل عنه، فإن كان صاحب سنة حدثه، وإلا لم يحدثه، وكان قد عرض حديثه على سفيان، وروى عنه سفيان. (2)
موقفه من الرافضة:
- جاء في سير أعلام النبلاء: قال أحمد بن يونس: رأيت زهير بن
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/ 378) والجرح والتعديل (3/ 613) والفهرست لابن النديم (316) ومشاهير علماء الأمصار (171) وتذكرة الحفاظ (1/ 215 - 216) والسير (7/ 375 - 378) وتهذيب الكمال (9/ 273 - 277) والكامل في التاريخ (6/ 56) وشذرات الذهب (1/ 251).
(2) السير (7/ 377).(2/387)
معاوية جاء إلى زائدة فكلمه في رجل يحدثه فقال: أمن أهل السنة هو؟ قال: ما أعرفه ببدعة فقال: من أهل السنة هو؟ فقال زهير: متى كان الناس هكذا؟ فقال زائدة: متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. (1)
- قال زائدة: جابر الجعفي رافضي يشتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. (2)
- قال أحمد بن يونس: سمعت زائدة يقول: لو كان رافضي ما صليت خلفه ... (3)
موقفه من القدرية:
جاء في السير: قال أبو داود: حدثنا زائدة، وكان لا يحدث قدريا ولا صاحب بدعة يعرفه. (4)
شعبة بن الحجاج (5) (160 هـ)
الإمام الحافظ المحدث شُعْبَة بن الحَجَّاج بن الوَرْد العَتَكِي الأزدي، أبو بِسْطَام الواسطي، عالم أهل البصرة وشيخها. حدث عن أنس بن سيرين وإسماعيل بن رجاء وإسماعيل بن علية وقتادة وطلحة بن مصرف والحكم بن عتيبة وغيرهم كثير، وحدث عنه أيوب السختياني والحمادان ويحيى بن سعيد
_________
(1) السير (7/ 377).
(2) الميزان (1/ 383).
(3) أصول الاعتقاد (8/ 1546/2815).
(4) السير (7/ 376) والتذكرة (1/ 215).
(5) طبقات ابن سعد (7/ 280) وحلية الأولياء (7/ 144 - 209) وتهذيب الكمال (12/ 479 - 495) والسير (7/ 202 - 228) وتهذيب التهذيب (4/ 338 - 346) وشذرات الذهب (1/ 247) وتقريب التهذيب (1/ 418).(2/388)
القطان وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع وأبو داود الطيالسي وعبد الله بن المبارك وأمم سواهم.
قال يحيى بن معين: شعبة إمام المتقين. وقال أبو زيد الأنصاري: هل العلماء إلا شُعْبَةٌ من شعبةَ. وقال الإمام أحمد: كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن.
قال الذهبي: وكان أبو بسطام إماما ثبتا حجة، جهبذا، صالحا، زاهدا، قانعا بالقوت، رأسا في العلم والعمل، منقطع القرين، وهو أول من جرح وعدل، وقال ابن حجر: ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال، وذب عن السنة، وكان عابدا. قال ابن المبارك: كنت عند سفيان، إذ جاءه موت شعبة، فقال: مات الحديث. توفي رحمه الله بالبصرة سنة ستين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- قال أبو زرعة: سمعت مقاتلا -هو ابن محمد- يقول: سمعت وكيعا يقول: إني لأرجو أن يرفع الله لشعبة درجات في الجنة بذبه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (1)
- قال سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، قال: جاءني أبان بن أبي عياش، فقال: أحب أن تكلم شعبة، أن يكف عني. فكلمته، فكف عنه أياما، وأتاني في الليل، فقال: إنه لا يحل الكف عن أبان، فإنه يكذب على رسول
_________
(1) السير (7/ 219).(2/389)
الله - صلى الله عليه وسلم -. (1)
موقفه من الرافضة والجهمية:
عن محمود بن غيلان: عن أبي النضر، عن شعبة، قال لي: لا تكتب عن محمد بن راشد، فإنه معتزلي رافضي. (2)
موقفه من القدرية:
- جاء في السير: عبد الله بن أحمد: حدثني أبي، قال: قال أبو النضر: كنت أوصي شعبة بالرصافة، فدخل محمد بن راشد، فقال لي شعبة: أما كتبت عنه، أما إنه صدوق، ولكنه شيعي قدري.
- وفيها قال سليمان بن حرب: حدثنا شعبة يوما بحديث الصادق المصدوق (3)، وأحاديث نحوه، فقال رجل من القدرية: يا أبا بسطام، ألا تحدثنا نحن أيضا بشيء، فذكر حديث أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل مولود يولد على الفطرة ... " (4). الحديث. (5)
_________
(1) السير (7/ 461).
(2) السير (7/ 344).
(3) تقدم في مواقف السلف من عمرو بن عبيد سنة (144هـ).
(4) أحمد (2/ 393) والبخاري (3/ 281/1358) ومسلم (4/ 2047/2658) وأبو داود (5/ 86/4714) والترمذي (4/ 389 - 390/ 2138) وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
(5) السير (7/ 210).(2/390)
الخليل بن أحمد الفراهيدي (1) (160 هـ)
الخليل بن أحمد بن عمر بن تميم أبو عبد الرحمن الفَرَاهِيدِي الإمام صاحب العربية ومنشئ علم العروض، البصري أحد الأعلام وصاحب كتاب العين في اللغة. روى عن أيوب السختياني وعاصم الأحول وعثمان بن حاضر والعوام بن حوشب وغالب القطان. روى عنه سيبويه والأصمعي وهارون ابن موسى النحوي والنضر بن شميل ووهب بن جرير وطائفة. صنف كتاب الجمل وكتاب الشواهد وكتاب العروض وكتاب العين وكتاب الإيقاع وكتاب النقط والشكل وغير ذلك. قال ابن حبان: كان من خيار عباد الله المتقشفين في العبادة. وقال إبراهيم الحربي: كان أهل البصرة -يعني أهل العربية منهم- أصحاب الأهواء إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سنة: أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد ويونس بن حبيب والأصمعي. من أقواله:
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال
قال أيوب بن المتوكل: كان الخليل إذا أفاد إنسانا شيئا لم يره بأنه أفاده، وإن استفاد من أحد شيئا أراه بأنه استفاده منه. توفي سنة ستين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- قال: ما كان جدل إلا أتى بعده جدل يبطله. (2)
_________
(1) الجرح والتعديل (3/ 380 - 381) والفهرست لابن النديم (63 - 65) ومعجم الأدباء (11/ 72 - 77) والسير (7/ 429 - 431) ووفيات الأعيان (2/ 244 - 248) وتهذيب الكمال (8/ 326 - 333) والكامل في التاريخ (6/ 50) وشذرات الذهب (1/ 275 - 277).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 145/217) والفقيه والمتفقه (1/ 554).(2/391)
- قال الخليل بن أحمد: إن لم يكن أهل القرآن والحديث أولياء الله، فليس لله في الأرض ولي. (1)
موقفه من القدرية:
- جاء في الإبانة: عن يحيى بن أبي بكر الكرماني قال: حدثني أبي قال: جاء رجل إلى الخليل بن أحمد؛ فقال له: قد وقع في نفسي شيء من أمر القدر، فقال له الخليل: أتبصر من مخارج الكلام شيئا؟ قال: نعم، قال: فأين مخرج الحاء؟ قال: من أصل اللسان، قال: فأين مخرج الثاء؟ قال: من طرف اللسان، [قال:] فاجعل هذا مكان هذا وهذا مكان هذا، قال: لا أستطيع، قال: فأنت مدبر. (2)
- وعن أبي بكر قال: حدثني أبي قال: كتب الخليل بن أحمد إلى سليمان بن علي:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غير أني لست ذا مال
سحى بنفسي أني لا أرى أحدا ... يموت هزلا ولا يبقى على حال
فالرزق عن قدر لا العجز ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال (3)
_________
(1) شرف أصحاب الحديث (ص.50).
(2) الإبانة (2/ 11/275/ 1901).
(3) الإبانة (2/ 11/289/ 1937).(2/392)
عمار بن سيف الضبي (1) (بعد سنة 160 هـ)
عَمَّار بن سَيْف الضَّبِّي، أبو عبد الرحمن الكوفي، وصي الثوري. روى عن سفيان الثوري وسليمان الأعمش وهشام بن عروة وعاصم الأحول. وروى عنه عبد الله بن المبارك، وأبو نعيم وإسحاق بن بشر وإسحاق بن منصور السلولي وعبد الرحمن بن محمد المحاربي. قال أحمد العجلي: ثقة ثبت، متعبد، وكان صاحب سنة، وكان يقال: إنه لم يكن بالكوفة أحد أفضل منه، يعني في الدين. وقال محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة: أخبرني أبي عن عبد الله ابن المبارك عن عمار بن سيف، وأثنى عليه خيرا. قال ابن حجر: مات بعد الستين ومائة.
موقفه من الرافضة:
روى اللالكائي بسنده إلى عمير أبي الحباب عن عمار بن سيف الضبي قال: خرجنا في غزاة في البحر وعلينا موسى بن كعب فكان معنا في المركب رجل يكنى أبا حمان، فأقبل يشتم أبا بكر وعمر فنهيناه فلم ينته، وزجرناه فلم ينزجر، فأتينا على جزيرة في البحر، فأرفينا إليها ثم خرجنا وتفرقنا نريد الوضوء لصلاة الظهر فأخبرنا أن الدبر يعني الزنابير وقعت على أبي حمان فأتت على نفسه، قال: فدفعت إليه وهو ميت. (2)
_________
(1) تهذيب الكمال (21/ 194) وميزان الاعتدال (3/ 165) تاريخ الإسلام (حوادث 161 - 170/ص.370) وتهذيب التهذيب (7/ 402 - 403) والتقريب (1/ 707).
(2) أصول الاعتقاد (7/ 1329 - 1330/ 2365).(2/393)
سفيان الثوري (1) (161 هـ)
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، شيخ الإسلام إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه، أبو عبد الله الكوفي المجتهد، مصنف كتاب الجامع. لقب بالثوري لأن نسبه ينتهي إلى ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة، طلب العلم وهو حدث باعتناء والده المحدث سعيد بن مسروق الثوري. حدث عن أبيه والأعمش وحبيب بن أبي ثابت وعبد الله بن دينار وأبي الزناد وعدة. وعنه عبد الرحمن بن مهدي وسفيان بن عيينة ومحمد بن يوسف الفريابي ومسعر بن كدام وخلق كثير.
قال فيه وكيع: كان سفيان بحرا، وقال المروذي عن أحمد بن حنبل قال: أتدري من الإمام؟ الإمام سفيان الثوري، لا يتقدمه أحد في قلبي، وقال شعبة: ساد سفيان الناس بالورع والعلم.
من أقواله: ليس الزهد بأكل الغليظ ولُبس الخشن، ولكنه قصر الأمل وارتقاب الموت، ومنها: المال داء هذه الأمة والعالم طبيب هذه الأمة، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه، فمتى يبرئ الناس؟ ومنها: زينوا العلم والحديث بأنفسكم ولا تتزينوا به.
توفي سنة إحدى وستين ومائة.
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/ 371 - 374) وحلية الأولياء (6/ 356 - 393) ومشاهير علماء الأمصار (169 - 170) والسير (7/ 229 - 279) والجرح والتعديل (1/ 55 - 62و4/ 222 - 225) وتاريخ بغداد (9/ 151 - 174) ووفيات الأعيان (2/ 386 - 391) وتهذيب الكمال (11/ 154 - 169) وتذكرة الحفاظ (1/ 203 - 207) وشذرات الذهب (1/ 250 - 251).(2/394)
موقفه من المبتدعة:
- جاء في تلبيس إبليس عنه قال: من سمع من مبتدع لم ينفعه الله بما سمع، ومن صافحه فقد نقض الإسلام عروة عروة. (1)
" التعليق:
هذا رد على بعض الناس الذين يدعون إلى التعلم من المبتدعة ويقولون: ما علينا من بدعهم، نأخذ علمهم ونترك بدعتهم. والذي ينبغي أن يقال: إن العلوم الشرعية مهما كان نوعها لا ينبغي أن تؤخذ عن مبتدع، أما العلوم الدنيوية فلا بأس ما لم يستغلها المبتدع في نشر بدعته فيجب الحذر منه على كل حال، هذا إن لم يكن غيره من طلبة العلم السلفيين -كثرهم الله- ولا يخلو منهم زمان ولا مكان إن شاء الله. أما إن كان من السلفيين من هو متمكن في أي علم من العلوم فلا ينبغي العدول عنه إلى غيره.
- عن سفيان الثوري: من جالس صاحب بدعة، لم يسلم من إحدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره، وإما أن يقع بقلبه شيء يزل به فيدخله النار، وإما أن يقول: والله لا أبالي ما تكلموا به، وإني واثق بنفسي، فمن أمن الله طرفة عين على دينه، سلبه إياه. (2)
- جاء في الإبانة عنه قال: من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة خرج
_________
(1) التلبيس (ص.23).
(2) البدع لابن وضاح (ص.104) وانظر الاعتصام (1/ 172).(2/395)
من عصمة الله ووكل إلى نفسه. (1)
" التعليق:
نسأل الله المعافاة في الدين والدنيا. اللهم لا تسلط علينا من يخرجنا من عصمتك ويكلنا إلى أنفسنا. رحمك الله يا أمير المؤمنين في الحديث وأنت من أنت علما وتقوى، فبمثلك يقتدى وعلى نهجك يحتذى. ومن كلامك ينبغي أن تكون الحكمة وهذه منها وقد وضعت للمسلمين سدا أمام المبتدعة لو كانوا يعقلون، ولَكنِ المسلمون عامة وشبابهم وقراؤهم خاصة لا يقرأون مثل هذه الحكم والنصوص الصادرة عن تجربة وعن علم بالله وبرسوله وبسلف هذه الأمة ولكنهم يشغلون أوقاتهم بما لا فائدة فيه، فكيف يستفيدون من مثل هذا؟ والله المستعان.
- وجاء في أصول الاعتقاد عنه قال: استوصوا بأهل السنة خيرا فإنهم غرباء. (2)
- جاء في صيانة الإنسان عنه قال: المراد بالسواد الأعظم هم من كان من أهل السنة والجماعة ولو واحدا. (3)
- عن يوسف بن أسباط قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا بلغك عن رجل بالمشرق صاحب سنة وآخر بالمغرب فابعث إليهما بالسلام وادع
_________
(1) الإبانة (2/ 3/461/ 444)، انظر طبقات الحنابلة (2/ 42) والسير (7/ 261).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 71/49) والتلبيس (18) وصيانة الإنسان (ص.316).
(3) صيانة الإنسان (ص.308).(2/396)
لهما، ما أقل أهل السنة والجماعة. (1)
- عن سفيان قال: اسلكوا سبيل الحق، ولا تستوحشوا من قلة أهله. (2)
- وجاء في ذم الكلام عنه قال: لو لم يأتوني لأتيتهم في بيوتهم -يعني أصحاب الحديث. (3)
" التعليق:
لأن مجالستهم رحمة، ومدارستهم نور، وصحبتهم ضياء، إذ إنهم ورثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحملة الخير والعقيدة السلفية الصحيحة، والذابون عن شريعته، والنافون عن طريقته كل تحريف وكذب وبدعة، فكثر الله سوادهم.
- وجاء في الإبانة عنه قال: ما من ضلالة إلا ولها زينة، فلا تعرض دينك إلى من يبغضه إليك. (4)
- وجاء في شرف أصحاب الحديث عنه قال: إنما الدين بالآثار ليس بالرأي، إنما الدين بالآثار ليس بالرأي، إنما الدين بالآثار ليس بالرأي. (5)
- جاء في الإبانة عن فضيل: كان سفيان إذا رأى إنسانا يجادل ويماري يقول أبو حنيفة ورب الكعبة. (6)
- وجاء في ذم الكلام بالسند إلى أحمد بن يونس قال: قال رجل
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 71 - 72/ 50) الحلية (7/ 34) والتلبيس (ص.17).
(2) الاعتصام (1/ 46).
(3) ذم الكلام (ص.215) وشرف أصحاب الحديث (ص.234) وجامع بيان العلم وفضله (1/ 475).
(4) الإبانة (2/ 3/461 - 462/ 447).
(5) شرف أصحاب الحديث (ص.6) جامع بيان العلم وفضله بنحوه (1/ 782).
(6) الإبانة (2/ 3/511/ 593).(2/397)
لسفيان: أوصني وأنا أسمع قال: إياك والأهواء، إياك والخصومات، إياك والسلطان. (1)
- وجاء في تلبيس إبليس عنه قال: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها. (2)
- وجاء في ذم الكلام عنه قال: ينبغي للرجل ألا يحك رأسه إلا بأثر. (3)
- وجاء في السير عنه: من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه، لا يلقها في قلوبهم. (4)
" التعليق:
قال الإمام الذهبي عقبه: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة.
- وفيها: قال زكريا الساجي، عن أحمد بن محمد البغدادي: قال المزي شيخنا -أظنه أبا بكر الأثرم-: سمعت أبا نعيم يقول: دخل الثوري يوم الجمعة من الباب القبلي، فإذا الحسن بن صالح يصلي، فقال: نعوذ بالله من خشوع النفاق، وأخذ نعليه، فتحول إلى سارية أخرى.
- وقال العلاء بن عمرو الحنفي، عن زافر بن سليمان: أردت الحج، فقال لي الحسن بن صالح: إن لقيت أبا عبد الله سفيان الثوري بمكة، فأقره مني
_________
(1) ذم الكلام (ص.214) وأصول الاعتقاد (1/ 154/254) والحلية (7/ 28).
(2) التلبيس (ص.22 - 23) وذم الكلام (ص.217) وأصول الاعتقاد (1/ 149/238) وشرح السنة للبغوي (1/ 216) وانظر مجموع الفتاوى (10/ 9).
(3) ذم الكلام (ص.98).
(4) السير (7/ 261) وشرح السنة للبغوي (1/ 227) والحلية (7/ 34).(2/398)
السلام، وقل: أنا على الأمر الأول. فلقيت سفيان في الطواف، فقلت: إن أخاك الحسن بن صالح يقرأ عليك السلام، ويقول: أنا على الأمر الأول. قال: فما بال الجمعة؟.
قال الذهبي: كان يترك الجمعة، ولا يراها خلف أئمة الجور، بزعمه. (1)
- جاء في التلبيس عن أبي همام السكوني قال: حدثني أبي قال سمعت سفيان يقول: لا يقبل قول إلا بعمل ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة. (2)
- قال سفيان: وجدت الأمر الاتباع. (3)
- عن مؤمل بن إسماعيل قال: سمعت سفيان يقول: المسلمون كلهم عندنا على حالة حسنة إلا رجلين: صاحب بدعة أو صاحب سلطان. (4)
- قال سفيان: ليس شيء أبلغ في فساد رجل وصلاحه من صاحب. (5)
- عن شعبة قال: كان سفيان الثوري يبغض أهل الأهواء وينهى عن مجالستهم أشد النهي وكان يقول: عليكم بالأثر وإياكم والكلام في ذات الله. (6)
- وجاء في الإبانة عن الفريابي قال: كان سفيان الثوري ينهاني عن
_________
(1) السير (7/ 363).
(2) التلبيس (ص.17) وهو في ميزان الاعتدال (1/ 90) عن ابن مسعود مرفوعا وقال الذهبي عقبه: "وهذا إنما هو من قول الثوري"، وقد أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 32).
(3) أصول الاعتقاد (1/ 98/113) وذم الكلام (ص.126).
(4) أصول الاعتقاد (1/ 154/255).
(5) الإبانة (2/ 3/478/ 504).
(6) ذم الكلام (ص.221).(2/399)
مجالسة فلان يعني رجلا من أهل البدع. (1)
- وفيها عن عثمان بن زائدة قال: أوصاني سفيان قال: لا تخالط صاحب بدعة. (2)
- وكان يجلس إلى سفيان الثوري فتى كثير التفكر، طويل الإطراق، فأراد سفيان أن يحركه؛ ليسمع كلامه، فقال: يا فتى إن من كان قبلنا مروا على خيل عتاق، وبقينا على حمر دبرة. فقال: يا أبا عبد الله إن كنا على الطريق؛ فما أسرع لحوقنا بهم. (3)
قال ابن وضاح: وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس فصلى فيه ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها. (4)
موقفه من الرافضة:
- جاء في السير: قال أبو بكر بن عياش: كان سفيان ينكر على من يقول: العبادات ليست من الإيمان، وعلى من يقدم على أبي بكر وعمر أحدا من الصحابة. (5)
- وفيها عنه أنه قال: إن قوما يقولون: لا نقول لأبي بكر وعمر إلا خيرا، ولكن علي أولى بالخلافة منهما. فمن قال ذلك، فقد خطأ أبا بكر وعمر وعليا، والمهاجرين والأنصار، ولا أدري ترتفع مع هذا أعمالهم إلى
_________
(1) الإبانة (2/ 3/463/ 454).
(2) الإبانة (2/ 3/463/ 453).
(3) الحوادث والبدع (ص.150) وهو في ذم الكلام (ص.216).
(4) ما جاء في البدع (92).
(5) السير (7/ 252).(2/400)
السماء؟. (1)
- وفيها: قال عطاء بن مسلم: قال لي الثوري: إذا كنت بالشام، فاذكر مناقب علي، وإذا كنت بالكوفة، فاذكر مناقب أبي بكر وعمر. (2)
- وفيها عنه أنه قال: تركتني الروافض، وأنا أبغض أن أذكر فضائل علي. (3)
- وفيها عنه: امسح عليهما ما تعلقتا بالقدم، وإن تخرقا. قال: وكذلك كانت خفاف المهاجرين والأنصار مخرقة مشققة. (4)
- وفيها عن الفريابي سمعت سفيان ورجل يسأله عن من يشتم أبا بكر؟ فقال: كافر بالله العظيم. قال: نصلي عليه؟ قال: لا، ولا كرامة. قال: فزاحمه الناس حتى حالوا بيني وبينه، فقلت للذي قريبا منه: ما قال؟ قلنا: هو يقول: لا إله إلا الله، ما نصنع به؟ قال: لا تمسوه بأيديكم، ارفعوه بالخشب حتى تواروه في قبره. (5)
- وقال سفيان الثوري رحمه الله: لا يجتمع حب عثمان وعلي رضي الله عنهما إلا في قلوب نبلاء الرجال. (6)
- جاء في أصول الاعتقاد عن شعيب بن حرب قال: قلت يا أبا عبد الله
_________
(1) السير (7/ 253) وانظر سنن أبي داود (4630) وشرح السنة للبغوي (1/ 229).
(2) السير (7/ 260).
(3) السير (7/ 253).
(4) السير (7/ 254).
(5) السير (7/ 253).
(6) الشريعة (3/ 413) والحلية (7/ 32) والتذكرة (3/ 840) والسير (7/ 273).(2/401)
-يعني لسفيان الثوري- ما موافقة السنة؟ قال: تقدمة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، يا شعيب بن حرب لا ينفعك ما كتبت حتى تقدم عثمانا وعليا على من بعدهما. (1)
- وفيه عن إبراهيم بن المغيرة -وكان شيخا حجاجا- قال: سألت الثوري: يصلى خلف من يسب أبا بكر وعمر؟ قال: لا. (2)
- وجاء في السنة للخلال: عن عبد العزيز بن أبان القرشي قال: سمعت سفيان الثوري يقول: من قدم على أبي بكر وعمر أحدا فقد أزرى على اثني عشر ألفا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض. (3)
- وفيها عن يوسف بن أسباط قال: قال رجل لسفيان الثوري: بلغنا أنك تبغض عثمان؟ ففزع فقال: لا والله ولا معاوية رحمهما الله. (4)
- وقال حفص بن غياث: قلت لسفيان: يا أبا عبد الله، إن الناس قد أكثروا في المهدي، فما تقول فيه؟ قال: إن مر على بابك، فلا تكن فيه في شيء حتى يجتمع الناس عليه. (5)
موقفه من الصوفية:
- جاء في السير: عن سفيان قال: ليس الزهد بأكل الغليظ، ولُبس
_________
(1) أصول الاعتقاد (8/ 1452 - 1453/ 2623).
(2) أصول الاعتقاد (8/ 1545/2813).
(3) السنة للخلال (1/ 375) والسير (7/ 254) وأصول الاعتقاد (7/ 1366/2441).
(4) السنة للخلال (1/ 446).
(5) السير (7/ 253).(2/402)
الخشن، ولكنه قصر الأمل، وارتقاب الموت. (1)
- وفيها: قال سفيان: الزهد زهدان: زهد فريضة، وزهد نافلة. فالفرض: أن تدع الفخر والكبر والعلو، والرياء والسمعة، والتزين للناس، وأما زهد النافلة: فأن تدع ما أعطاك الله من الحلال، فإذا تركت شيئا من ذلك، صار فريضة عليك ألا تتركه إلا لله. (2)
- وقال سفيان الثوري لرجل عليه صوف: لباسك هذا بدعة. (3)
موقفه من الجهمية:
- جاء في الإبانة عن ابن المبارك، سمع سفيان يقول: من زعم أن {قُلْ {هُوَ اللَّهُ أحد} (4) مخلوق، فقد كفر بالله. (5)
- وفيها عن سفيان بن وكيع قال سمعت أبي يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: الإيمان قول وعمل، والقرآن كلام الله غير مخلوق. (6)
- جاء في مجموع الفتاوى: قال سفيان الثوري: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. (7)
- جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: من قال القرآن مخلوق فهو
_________
(1) السير (7/ 243).
(2) السير (7/ 244).
(3) التلبيس (ص.243).
(4) الإخلاص الآية (1).
(5) الإبانة (2/ 12/62 - 63/ 271) والسير (7/ 273).
(6) الإبانة (2/ 12/14 - 15/ 197).
(7) الفتاوى (12/ 508).(2/403)
زنديق. (1)
- وفيه عن معدان قال: سألت سفيان الثوري عن قوله: وَهُوَ {مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (2) قال: علمه. (3)
- وفيه عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية؟ فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيف. (4)
- وجاء في ذم الكلام بالسند إلى عبد الله بن داود الخريبي: سألت سفيان الثوري عن الكلام فقال: دع الباطل، أين أنت عن الحق، اتبع السنة ودع الباطل. (5)
موقفه من الخوارج:
- عن أبي أسامة قال رجل لسفيان: أتشهد على الحجاج وأبي مسلم أنهما في النار؟ قال: لا إذا أقرا بالتوحيد. (6)
- وعن طاوس قال: قال ابن عباس: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، قال سفيان: أي ليس كفرا ينقل عن الملة: {وَمَنْ لَمْ يحكم بما أنزل اللَّهُ
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 277/415) والسنة لعبد الله (11).
(2) الحديد الآية (4).
(3) أصول الاعتقاد (3/ 445/672) والشريعة (2/ 68/697) والسنة لعبد الله (81) والسير (7/ 274).
(4) أصول الاعتقاد (3/ 582/930) ومقدمة شرح السنة للبغوي (1/ 171) والفتاوى (5/ 39) والشريعة (2/ 104 - 105/ 765) والسير (7/ 274).
(5) ذم الكلام (214) وشرح السنة (1/ 217).
(6) أصول الاعتقاد (6/ 1150/2021).(2/404)
فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (1). (2)
موقفه من المرجئة:
- عن عبد الرزاق سمعت معمرا وسفيان وابن جريج ومالكا وابن عيينة كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. (3)
- وجاء في السنة قال عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الله بن نمير سمعت سفيان وذكر المرجئة فقال: رأي محدث أدركنا الناس على غيره. (4)
- وجاء في الإبانة عنه قال: كان الفقهاء يقولون: لا يستقيم قول إلا بعمل ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة. (5)
- وجاء في السير بالسند إليه قال: خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث: يقولون: الإيمان قول ولا عمل ونقول: قول وعمل، ونقول: إنه يزيد وينقص، وهم يقولون: لا يزيد ولا ينقص، ونحن نقول: النفاق وهم يقولون: لا نفاق. (6)
- وعن محمد بن يوسف قال: دخلت على سفيان الثوري وفي حجره
_________
(1) المائدة الآية (44).
(2) الإبانة (2/ 6/736/ 1010).
(3) الإبانة (2/ 6/813/ 1114) وأصول الاعتقاد (5/ 1028 - 1029/ 1735) وبنحوه في السنة لعبد الله (97).
(4) السنة لعبد الله (83) والإبانة (2/ 903/1265) وأصول الاعتقاد (5/ 1075 - 1076/ 1847) والشريعة (1/ 309/336) والسنة للخلال (3/ 563/952).
(5) الإبانة (2/ 807/1098).
(6) السير (11/ 162) وتذكرة الحفاظ (2/ 473 - 474) وشرح السنة (1/ 41).(2/405)
المصحف وهو يقلب الورق فقال: ما أحد أبعد منه من المرجئة. (1)
- عن عبد الصمد بن حسان قال: قال سفيان الثوري: أهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل مخافة أن يزكوا أنفسهم، لا يجوز عمل إلا بإيمان ولا إيمان إلا بعمل، فإن قال: من إمامك في هذا؟ فقل سفيان الثوري. (2)
- وفيه عن إبراهيم بن المغيرة وكان شيخا حجاجيا. قال: سألت سفيان الثوري أصلي خلف من يقول: الإيمان قول بلا عمل؟ قال: لا ولا كرامة. (3)
- وفي السير عن مؤمل بن إسماعيل قال: مات عبد العزيز فجيء بجنازته، فوضعت عند باب الصفا، وجاء سفيان الثوري، فقال الناس: جاء سفيان، جاء سفيان. فجاء حتى خرق الصفوف، وجاوز الجنازة، ولم يصل عليها، لأنه كان يرى الإرجاء. فقيل لسفيان، فقال: والله إني لأرى الصلاة على من هو دونه عندي، ولكن أردت أن أري الناس أنه مات على بدعة. (4)
- وجاء في السير: عن محمد بن عمار الرازي قال: سمعت أبا نعيم، سمعت الثوري يقول: الإيمان يزيد وينقص. قلت: ما تقول أنت يا أبا نعيم؟ فزورني وقال: أقول بقول سفيان. ولقد مات مسعر وكان من خيارهم، وسفيان وشريك شاهدان، فما حضرا جنازته. (5)
_________
(1) أصول الاعتقاد (5/ 1067/1829).
(2) أصول الاعتقاد (5/ 1052/1792).
(3) أصول الاعتقاد (5/ 1066/1825).
(4) السير (7/ 186).
(5) السير (7/ 173).(2/406)
- وعن أبي نعيم قال: مرت بنا جنازة مسعر بن كدام منذ خمسين سنة ليس فيها سفيان ولا شريك. (1)
تنبيه: تقدم معنا موقف مسعر بن كدام من المرجئة وأنه يقول الإيمان قول وعمل، ولم يكن مرجئيا، وإنما ترك الاستثناء، فمن أجل ذلك وقف منه سفيان وشريك هذا الموقف فلم يحضرا جنازته. وحمل أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه الإيمان (2) ترك مسعر للاستثناء على الدخول في الإيمان لا على الاستكمال.
- وقال فضيل سمعت سفيان الثوري يقول: من صلى إلى هذه القبلة فهو عندنا مؤمن والناس عندنا مؤمنون بالإقرار والمواريث والمناكحة والحدود والذبائح والنسك، ولهم ذنوب وخطايا الله حسبهم، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم لا ندري ما لهم عند الله. (3)
- وعن عبد الصمد بن حسان قال: قال سفيان الثوري: اتقوا هذه الأهواء المضلة، قيل له: بين لنا رحمك الله، قال سفيان: أما المرجئة فيقولون: الإيمان كلام بلا عمل، من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فهو مؤمن مستكمل إيمانه على إيمان جبريل والملائكة، وإن قتل كذا وكذا مؤمنا وإن ترك الغسل من الجنابة وإن ترك الصلاة، وهم يرون السيف على أهل القبلة. (4)
_________
(1) أصول الاعتقاد (5/ 1066 - 1067/ 1826).
(2) (ص.69 - 70).
(3) السنة لعبد الله (114) والسنة للخلال (3/ 567/959) مختصرا.
(4) الشريعة (3/ 583 - 584/ 2116) واللالكائي (5/ 1071/1834).(2/407)
موقفه من القدرية:
- جاء في أصول الاعتقاد: عن حكام بن سلم قال: سألت سفيان الثوري -يعني عن هذا الحديث: "صنفان ليس لهما في الإسلام نصيب" (1) - قال: هم الذين يقولون الإيمان قول، وقوم يزعمون أن لا قدر. (2)
- وفيه: عن سفيان الثوري قال سمعت أعرابيا وهو مستلقىً بعرفة وهو يقول: اللهم من أولى بالزلل والتقصير مني وقد خلقتني ضعيفا؟ ومن أولى بالعفو عني منك؟ علمك فيّ سابق، وأمرك بيّ محيط، أطعتك بإذنك والمنة لك، وعصيتك بعلمك والحجة لك، فأسألك بوجوب رحمتك وانقطاع حجتي وبفقري إليك وغناك عني، أن تغفر لي وترحمني. اللهم لم أحسن حتى أعطيتني ولم أسئ حتى قضيت علي. اللهم إنا أطعناك وبنعمتك في أحب الأشياء إليك: شهادة أن لا إله إلا الله، ولم نعصك بنعمتك في أبغض الأشياء إليك: الشرك، فاغفر ما بينهما. اللهم إنك أنس المؤمنين لأوليائك وأقربهم بالكفاية من المتوكلين عليك، تشاهدهم في ضمائرهم وتطلع على سرائرهم، وسري لك اللهم مكشوف، وأنا لك ملهوف، إذا أوحشتني الغربة آنسني ذكرك، وإذا أغمت علي الهموم لجأت إليك استجارة بك، علما بأن أزمة الأمور بيدك وأن مصدرها عن قضائك. (3)
- وفيه: عن شعيب بن حرب قال: قلت لسفيان الثوري: تسبب لي
_________
(1) الترمذي (4/ 395/2149) وقال: "وهذا حديث غريب حسن صحيح". وابن ماجه (1/ 24/62) من حديث ابن عباس. وضعفه ابن القطان في الوهم والإيهام (3/ 611 - 612).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 715/1171).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 723 - 724/ 1188).(2/408)
قدري أزوجه؟ قال: لا ولا كرامة. (1)
- وفي الإبانة عن عثمان بن شبيب قال: حدثني أبي؛ قال: كنا عند سفيان الثوري؛ فجاءه رجل، فقال: ما تقول في رجل قال: الخير بقدر والشر ليس بقدر؟ فقال له سفيان: هذه مقالة المجوس. (2)
- وفيها عن عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت سفيان قال له رجل: يا أبا عبد الله: أجبر الله العباد على المعاصي؟ قال: ما أجبر. قد علمت أن ما عمل العباد لم يكن لهم بد من أن يعملوا. (3)
- وفيها: عن عبد الله بن نمير قال: كتب أبو داود الديلي إلى سفيان الثوري: أما بعد؛ فما تقول في رب قدر علي هداي وعصمتي وإرشادي فخذلني وأضلني، وحرمني الصواب وأوجب علي العقاب، وأنزلني دار العذاب؛ أعدل علي هذا الرب أم جار؟ قال: فكتب إليه سفيان: أما بعد؛ فإن كنت تزعم أن العصمة والتوفيق والإرشاد وجب لك على الله فمنعك ذلك؛ فقد ظلمك ومحال أن يظلم الله عز وجل أحدا، وإن كنت تزعم أن ذلك من فضل الله؛ فإن فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. (4)
- وفيها عن يحيى بن سعيد القطان: لما قدم سفيان الثوري البصرة: جعل ينظر إلى أمر الربيع -يعني ابن صبيح- وقدره عند الناس، سأل أي شيء مذهبه؟ قالوا: ما مذهبه إلا السنة، قال: من بطانته؟ قالوا: أهل القدر،
_________
(1) أصول الاعتقاد (4/ 811 - 812/ 1365) والإبانة (2/ 10/260/ 1875).
(2) الإبانة (2/ 10/257/ 1863).
(3) الإبانة (2/ 10/257/ 1864).
(4) الإبانة (2/ 11/279/ 1912).(2/409)
قال: هو قدري.
" التعليق:
قال ابن بطة: رحمة الله على سفيان الثوري، لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب والسنة وما توجبه الحكمة ويدركه العيان، ويعرفه أهل البصيرة والبيان، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} (1). (2)
الإفريقي (3) (161 هـ)
عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي أبو أيوب، القدوة الإمام، قاضي إفريقية وعالمها ومحدثها على سوء في حفظه. أول مولود ولد في الإسلام بعد فتح أفريقية بإفريقية. روى عن أبيه وبكر بن سوادة وأبي عبد الرحمن الحبلي وعبد الرحمن بن رافع التنوخي صاحب لعبد الله بن عمرو وأبي عثمان المصري صاحب لأبي هريرة وعدة من التابعين. وروى عنه ابن وهب وجعفر ابن عون ويعلى بن عبيد وأبو عبد الرحمن المقرئ وخلق كثير.
وفد على المنصور بالكوفة فوعظه وصدعه بالحق. كان الثوري يعظمه جدا.
توفي سنة إحدى وستين بعد المائة للهجرة.
_________
(1) آل عمران الآية (118).
(2) الإبانة (2/ 3/452 - 453/ 421).
(3) تهذيب الكمال (17/ 102 - 110) والسير (6/ 411 - 412) وميزان الاعتدال (2/ 561 - 564) والكامل في التاريخ (5/ 311 وما بعدها).(2/410)
موقفه من المشركين:
قيل: أسرته الروم، فقدم ليقتل بعد قتل طائفة، قال: فحركت شفتي وقلت: الله الله ربي، لا أشرك به شيئا ولا أتخذ من دونه وليا. فأبصر الطاغية فعلي فقال: قدموا شماس العرب. لعلك قلت: الله الله ربي لا أشرك به شيئا؟ قلت: نعم. قال: ومن أين علمته؟ قلت: نبينا أمرنا به. فقال لي: وعيسى أمرنا به في الإنجيل. فأطلقني ومن معي. (1)
إبراهيم بن أدهم (2) (162 هـ)
إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر، القدوة الإمام، سيد الزهاد، أبو إسحاق العجلي نزيل الشام، ولد في حدود المائة. حدث عن أبيه ومحمد بن زياد الجمعي وأبي إسحاق السبيعي ومالك بن دينار وسليمان الأعمش ومقاتل بن حيان وغيرهم. وروى عنه رفيقه سفيان الثوري وشقيق البلخي وضمرة بن ربيعة وخلف بن تميم وعتبة بن السكن وغيرهم. حج أبوه بأمه فولدت له إبراهيم بمكة. كان إبراهيم من الأشراف وكان أبوه كثير المال والخدم، فترك ذلك وأقبل على إصلاح دينه فكان رجلا فاضلا، كان يرتجز:
اتَّخِذِ اللهَ صاحبا ... ودعِ الناسَ جانبا
_________
(1) السير (6/ 412).
(2) تهذيب الكمال (2/ 27 - 39) والسير (7/ 387 - 396) والمنتظم (8/ 240 - 242) والوافي بالوفيات (5/ 318 - 319) والبداية والنهاية (10/ 138 - 149) وشذرات الذهب (1/ 255 - 256).(2/411)
توفي سنة اثنتين وستين بعد المائة للهجرة.
موقفه من المبتدعة:
- وقيل لإبراهيم بن أدهم: إن الله يقول في كتابه: {ادعوني أستجب لَكُمْ} (1)، ونحن ندعوه منذ دهر فلا يستجيب لنا، فقال: ماتت قلوبكم في عشرة أشياء: أولها: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه، والثاني: قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به، والثالث: ادعيتم حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركتم سنته، والرابع: ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه، والخامس: قلتم: نحب الجنة وما تعملون لها .. إلى آخر الحكاية. (2)
- عن سالم الخواص قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: أصحاب الحديث بهم يدفع البلوى عن الناس أو قال الآفات. (3)
- عن أبي محمد إسماعيل بن عبد الجبار العسقلاني قال: سمعت إبراهيم ابن أدهم يقول: من صافح صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. (4)
- عن إبراهيم بن أدهم قال: يأتي على الناس زمان يكون أعز الأشياء ثلاثة، أخ يستأنس إليه، أو درهم من حلال، أو سنة يعمل بها. (5)
_________
(1) غافر الآية (60).
(2) الحلية لأبي نعيم (8/ 15 - 16) وانظر الاعتصام (1/ 121).
(3) ذم الكلام (ص.204) وبنحوه عند الخطيب في الشرف (ص.121).
(4) ذم الكلام (ص.220).
(5) ذم الكلام (ص.224).(2/412)
أرطأة بن المنذر الألهاني (1) (163 هـ)
أَرْطَأَة بن المُنْذِر بن الأسود بن ثابت الأَلْهَانِي السَّكُوني، أبو عَدي الشّامي الحِمْصي، أدرك ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبا أمامة الباهلي وعبد الله بن بسر المازني.
روى عن أبي عامر عبد الله بن عامر الألهاني ومجاهد وسعيد بن المسيب وعطاء وغيرهم. وروى عنه عبد الله بن المبارك، وشريح بن يزيد، وإسماعيل ابن عياش وغيرهم.
قال ابن حبان: ثقة، حافظ، فقيه. وقال أبو اليمان: كنت أشبه أحمد ابن حنبل بأرطأة بن المنذر أبي عدي. قال محمد بن كثير: ما رأيت أحدا أعبد ولا أزهد ولا الخوف عليه أبين منه على أرطأة بن المنذر. قال يعقوب بن سفيان: مات سنة ثلاث وستين ومائة.
موقفه من القدرية:
جاء في الإبانة: عن بقية بن الوليد قال: سألت أرطأة بن المنذر قال: قلت: أرأيت من كذب بالقدر؟ قال: هذا لم يؤمن بالقرآن، قلت: أرأيت من فسره على الجذام والبرص والطويل والقصير وأشباه هذا؟ قال: هذا لم يؤمن بالقرآن، قلت: فشهادته؟ قال: إذا استيقن أنه كذلك؛ لم تجز شهادته لأنه عدو، ولا تجوز شهادة عدو. (2)
_________
(1) تاريخ دمشق (8/ 8 - 16) وتهذيب الكمال (2/ 311 - 314) وتهذيب التهذيب (1/ 198) والوافي بالوفيات (8/ 347) والعبر (1/ 124).
(2) الإبانة (2/ 10/229/ 1825) والشريعة (1/ 435/545).(2/413)
عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المَاجِشُون (1) (164 هـ)
عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الإمام المفتي الكبير أبو عبد الله ويقال أبو الأصبغ التيمي مولاهم المدني الفقيه، والد المفتي عبد الملك بن المَاجِشُون صاحب مالك. روى عن عبد الله بن دينار وعبيد الله بن عمر ومحمد بن المنكدر والزهري وطائفة. روى عنه ابنه عبد الملك وحجاج بن المنهال وحجين بن المثنى وموسى بن إسماعيل ووكيع بن الجراح وخلق سواهم. قال عنه الذهبي: لم يكن بالمكثر من الحديث، لكنه فقيه النفس فصيح كبير الشأن توفي سنة أربع وستين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- روى ابن بطة في الإبانة بالسند إلى أبي صالح كاتب الليث قال: أملى علي عبد العزيز بن الماجشون قال: احذروا الجدل فإنه يقربكم إلى كل موبقة ولا يسلمكم إلى ثقة، ليس له أجل ينتهي إليه وهو يدخل في كل شيء فاتخذوا الكف عنه طريقا فإنه القصد والهدى، وأن الجدل والتعمق هو جور السبيل وصراط الخطأ، فلا تحسبن التعمق في الدين رسخا، فإن الراسخين في العلم هم الذين وقفوا حيث تناهى علمهم، واحذرهم أن يجادلوك بتأويل القرآن واختلاف الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتجادلهم فتزل كما زلوا وتضل كما ضلوا، فقد كفتك السيرة -يعني سيرة السلف- مؤونتها وأقامت
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 323) والجرح والتعديل (5/ 386) ومشاهير علماء الأمصار (140 - 141) وتهذيب الكمال (18/ 152 - 158) والسير (7/ 309 - 312) وتاريخ بغداد (10/ 436 - 439) وتذكرة الحفاظ (1/ 222 - 223) وشذرات الذهب (1/ 259).(2/414)
لك منها ما لم تكن لتعدله برأيك ولا تتكلفن صفة الدين لمن يطعن في الدين ولا تمكنهم من نفسك إنما يريدون أن يفتنوك أو يأتون بشبهة فيضلوك، ولا تقعد معهم قال الله عز وجل: {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (1) ولعمري إن صفة الدين لبينة وإن سبله لواضحة وإن مأخذه لقريب لمن أراد الله هداه، ولم تكن الخصومة والجدل هواه، ولولا أن تأخذ الأمر من غير مأخذه أو تتبع فيه غير سبيل ... (2) عوراتهم لمكشوفة وان حجتهم لداحضة ... (3) دانوا الله بغير دين واحد بأديان شتى يمسون على دين ويصبحون به كافرين. (4)
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وما أحسن ما جاء عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة أنه قال: عليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة، فإن السنة إنما جعلت ليستن بها ويقتصر عليها، وإنما سنها من قد علم ما في خلافها من الزلل والخطإ والحمق والتعمق، فارض لنفسك بما رضوا به لأنفسهم، فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا، ولهم كانوا على كشفها أقوى وبتفصيلها لو كان فيها أحرى، وإنهم لهم السابقون وقد بلغهم عن نبيهم ما يجري من الاختلاف بعد القرون الثلاثة، فلئن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم حدثٌ حدثَ بعدهم فما أحدثه إلا من
_________
(1) الأنعام الآية (68).
(2) بياض بالأصل.
(3) بياض بالأصل.
(4) الإبانة (2/ 3/533 - 534/ 659).(2/415)
اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم، واختار ما نحته فكره على ما تلقوه عن نبيهم وتلقاه عنهم من تبعهم بإحسان، ولقد وصفوا منه ما يكفي، وتكلموا منه بما يشفى، فمن دونهم مقصر، ومن فوقهم مفرط، لقد قصر دونهم أناس فجفوا، وطمح آخرون فغلوا، وإنهم في ما بين ذلك لعلى هدى مستقيم. (1)
" التعليق:
لقد وضع هذا الإمام في هذه الكلمة الطيبة التي تستحق أن تكتب بماء الذهب، قواعد سلفية تسد الباب أمام كل مبتدع يتبجح ببدعته، فمن كان يعترف بهدي هؤلاء السلف فهذا هديهم، وهذا كلامهم، وهذه عقيدتهم التي عاشوا عليها وماتوا عليها فجزاهم الله خيرا.
موقفه من الجهمية:
- جاء في الفتاوى الكبرى: والمقصود قوله من وصف شيئا من ذات الله فجعل الموصوف من ذات الله وغالب كلام السلف على هذا، كقول عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون نظير مالك في كلامه المشهور في الصفات. وقد رواه بالإسناد أبو بكر الأثرم وأبو عمرو الطلمنكي وأبو عبد الله بن بطة في كتبهم وغيرهم قال: أما بعد فقد فهمت ما سئلت فيما تتابعت الجهمية ومن خلفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير، وكلت الألسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول دون معرفة قدره، ردت عظمته العقول فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وإنما أمروا
_________
(1) نقض المنطق (ص.6 - 7) وهو في الفقيه والمتفقه (1/ 555 - 556) والإبانة (2/ 10/247 - 252/ 1853) مطولا.(2/416)
بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير، وإنما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان، فأما الذي لا يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو، وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ومن لا يموت ولا يبلى؟ وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى يعرفه عارف أو يحد قدرته واصف، على أنه الحق المبين لا حق أحق منه ولا شيء أبين منه. الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر مخلوقاته، لا تكاد تراه صغيرا يحول ويزول ولا يرى له سمع ولا بصر لما يتقلب به ويحتال من عقله أعضل بك وأخفى عليك مما ظهر من سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين، وخالقهم وسيد السادة وربهم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، اعرف رحمك الله تعالى وغناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها إذا لم تعرف قدر ما وصف، فما كلفك علم ما لم يصف، هل يستدل بذلك على شيء من طاعته أو ينزجر به عن معصيته.
فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا قد استهوته الشياطين في الأرض حيران، فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال لا بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا، فعمى عن البين بالخفي فجحد ما سمى الرب من نفسه لصمت الرب عما لم يسم منها، فلم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قول الله عز وجل: {وُجُوهٌ(2/417)
يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (1) فقال: لا يراه أحد يوم القيامة فجحد والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه ونضرته إياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فهم بالنظر إليه ينضرون إلى أن قال: وإنما جحد رؤيته يوم القيامة إقامة للحجة الضالة المضلة لأنه قد عرف إذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا: لا. قال مؤمنين، وكان له جاحدا. وقال المسلمون: يا رسول الله: هل نرى ربنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب، قالوا: لا. قال: فإنكم ترون ربكم يومئذ كذلك (2). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها إلى بعض (3)، وقال لثابت ابن قيس: لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة (4)
وقال فيما بلغنا أن الله ليضحك من أزلكم وقنوطكم وسرعة إجابتكم فقال له رجل من العرب: إن
_________
(1) القيامة الآيتان (22و23).
(2) أخرجه مسلم (4/ 2279/2968) مطولا، وأبو داود (5/ 98 - 99/ 4730) عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) أخرجه من حديث أنس: أحمد (3/ 134و229 - 230) والبخاري (11/ 668/6661) ومسلم (4/ 2187/2848) والترمذي (5/ 364/3272) والنسائي في الكبرى (4/ 409/7719).
(4) عزاه السيوطي في الدر (6/ 289) لمسدد في مسنده وابن أبى الدنيا في كتاب قرى الضيف وابن المنذر عن أبي المتوكل الناجي - رضي الله عنه - أن رجلا من المسلمين مكث صائما ثلاثة أيام فذكره .. والحديث أصله في الصحيحين، البخاري (7/ 150/3798) ومسلم (3/ 1624/2054).(2/418)
ربنا ليضحك قال: نعم قال: لا نعدم من رب يضحك خيرا (1) في أشباه لهذا مما لم يخصه. وقال الله تعالى: {وَهُوَ السميع البصير} (2) وقال: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} (3) وقال: {وَلِتُصْنَعَ على عيني} (4) وقال: {مَا مَنَعَكَ أَن تسجد لِمَا خَلَقْتُ بيدي} (5) وقال: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (6) فوالله ما دلهم على عظم ما وصف من نفسه وما تحيط به قبضته الأصغر (7) نظيرها منهم عندهم، أن ذلك الذي ألقى في روعهم وخلق على معرفة قلوبهم، فما وصف الله من نفسه فسماه على لسان رسوله
_________
(1) ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (2/ 269) من رواية عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن محمد بن عمرو يرفعه وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (1/ 61) وأورده البغوي في تفسيره (4/ 24) كلهم بلفظ (عجب ربكم من إلكم وقنوطكم). وقال الزيلعي في تخريج الكشاف (3/ 175): "غريب". وأخرجه: أحمد (4/ 11) وابن ماجه (1/ 64/181) والطبراني في الكبير (19/ 207 - 208/ 469) وابن أبي عاصم في السنة (1/ 244/554)، كلهم من حديث أبي رزين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره. قال: قلت: يا رسول الله، أويضحك الرب؟ قال: نعم، قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا". قال الشيخ الألباني: "إسناده ضعيف". وأخرجه: الخطيب في التاريخ (13/ 44) وابن عدي في الكامل (3/ 54) من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: "إن الله ليضحك من إياسة العباد وقنوطهم وقرب الرحمة منهم .. " الحديث. وفيه خارجه بن مصعب متروك كما في التقريب.
(2) الشورى الآية (11).
(3) الطور الآية (48).
(4) طه الآية (39).
(5) ص الآية (75).
(6) الزمر الآية (67) ..
(7) كذا بالأصل، ولعل الصواب إلا صغر.(2/419)
سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه، لا هذا ولا هذا، لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف. اعلم رحمك الله أن العصمة في الدين أن تنتهي حيث انتهى بك ولا تجاوز ما قد حد لك فإن من قوام الدين معرفة المعروف وإنكار المنكر فما بسطت عليه المعرفة وسكنت إليه الأفئدة وذكر أصله في الكتاب والسنة وتوارث علمه الأمة، فلا تخافن في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عينا ولا تكلفن بما وصف من ذلك قدرا، وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في الحديث عن نبيك من ذكر ربك، فلا تتكلفن علمه بعقلك ولا تصفه بلسانك واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه، فإن تكلفك معرفة ما لم يصف به نفسه مثل إنكارك ما وصف منها، فكما أعظمت ما جحد الجاحدون مما وصف من نفسه فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون، مما لم يصف منها، فقد والله عز المسلمون الذين يعرفون المعروف وبمعرفتهم يعرف وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر، يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه وما يبلغهم مثله عن نبيه، فما مرض من ذكر هذا وتسميته من الرب قلب مسلم، ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب مؤمن. وما ذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمى ووصف الرب تعالى من نفسه، والراسخون في العلم الواقفون حيث انتهى علمهم الواصفون لربهم بما وصف من نفسه، التاركون لما ترك من ذكرها لا ينكرون صفة ما سمى منها جحدا، ولا يتكلفون وصفه بما لم يسم تعمقا، لأن الحق ترك ما ترك وسمى ما سمى فمن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت(2/420)
مصيرا، وهب الله لنا ولكم حكما وألحقنا بالصالحين. (1)
قال الذهبي: وقيل: إنه نظر مرة في شيء من سلب الصفات لبعضهم، فقال: هذا الكلام بلا بناء وصفة بلا معنى. (2)
- وفي الإبانة: عن بقية بن الوليد عن عبد العزيز الماجشون قال: جهم وشيعته الجاحدون. (3)
" التعليق:
فانظر رحمك الله في قول هذا الإمام فإنه قاعدة عظيمة يهدم بها كل ما كتبه الأشاعرة والماتوريدية في عقائدهم، فإنها من هذا الباب، فما فيها إلا السلب الذي وصفه هذا الإمام بأنه هدم بلا بناء وصفة بلا معنى.
أين الذين يقولون إن ابن تيمية هو الذي وضع هذه القواعد للأسماء والصفات، وقبله لم يكن أحد يعرف هذا؟ فبالله عليك اقرأ عقيدة هذا الإمام واقرأ ما كتبه ابن تيمية هل تجد أن ابن تيمية زاد شيئا على ما قرره هذا الإمام وغيره من الأئمة، إلا أنه رحمه الله أحيى عقائدهم السلفية وقررها كما قرروها ولم يزد عليهم فجزاه الله خيرا.
موقفه من المرجئة:
عن أبي سلمة الخزاعي قال: قال مالك بن أنس وشريك وأبو بكر بن
_________
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 94 - 97) والسير (7/ 311 - 312) مختصرا، وذكر بعضه اللالكائي في أصول الاعتقاد (3/ 556 - 557/ 873).
(2) السير (7/ 312).
(3) الإبانة (2/ 13/97/ 331) والسنة للخلال (5/ 87).(2/421)
عياش وعبد العزيز بن أبي سلمة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد: الإيمان المعرفة والإقرار والعمل. (1)
موقفه من القدرية:
جاء في الإبانة: عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون قال: أما بعد فإنك سألتني أن أفرق لك في أمر القدر، ولعمري لقد فرق الله تعالى فيه: {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَو ألقى السمع وهو شهيد} (2)؛ فأعلمنا أن له الملك والقدرة، وأن له العذر والحجة، ووص ف القدر تملكا والحجة إنذارا، ووصف الإنسان في ذلك محسنا ومسيئا ومقدورا عليه ومعذورا عليه؛ فرزقه الحسنة وحمده عليها، وقدر عليه الخطيئة ولامه فيها؛ فحسبت حين حمده ولامه أنه مملك، ونسيت انتحاله القدر لأنه مملك؛ فلم يخرجه بالمحمدة واللائمة من ملكه، ولا يعذره بالقدر في خطيئته، خلقه على الطلب بالحيلة؛ فهو يعرفها ويلوم نفسه حين ينكرها، وعرفه القدرة؛ فهو يؤمن بها ولا يجد معولا إلا عليها؛ فرغب إلى الله عز وجل في التوفيق لعمله بملكه، موقن بأن ذلك في يده فيخطئه ما طلب، فيرجع في ذلك على لائمة نفسه مفزعه في التقصير ندامته على ما ترك من الأخذ بالحيلة، قد عرف أن بذلك يكون لله عليه به الحجة معوله في طلب الخير، ثقته بالله وإيمانه بالقدر حين يقول يطلب الخير: لا حول ولا قوة إلا بالله، يقول حين يقع في الشر: لا عذر لي في معصية الله، مستسلم حين يطلب، ضعيف في نفسه، قوي حين يقع في الشر،
_________
(1) أصول الاعتقاد (4/ 931/1587) والسنة للخلال (3/ 580/1006).
(2) ق الآية (37).(2/422)
لائما لأمره، ليس القدر بأحق عنده بأنه ظالم حين يعصي ربه، إن رأى أن أحدهما أحق من صاحبه؛ سفه الحق وجهل دينه، لا يجد عن الإقرار بالقدر مناصا ولا عن الاعتراف بالخطيئة محيصا، فمن ضاق ذرعا بهذا {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} (1) فوالله؛ لا يجد بدا من أن يضرع إلى الله ضرع من يعلم أن الأمر ليس إليه، ويعتذر من الخطيئة اعتذار من كأنها لم تقدر عليه؛ فلا تملكوا أنفسكم جحد القدرة، ولا تعذروها بالقدر فرارا من حجته، ضعوا أمر الله كما وضعه، ألا تفرقوا بينه بعدما جمعه؛ فإنه قد خلط بعضه ببعض وجعل بعضه من بعض، فخلط الحيلة بالقدر ثم لام وعذر وقد كتب بعد ذلك، فلا تملكوا أنفسكم فتجحدوا نعمته في الهدى، ولا تغلوا في صفة القدر؛ فتعذروا أنفسكم بالخطأ، فإنكم إذا نحلتم أنفسكم باللائمة وأقررتم لربكم بالحكومة؛ سددتم عنكم باب الخصومة، فتركتم الغلو ويئس منكم العدو؛ فاتخذوا الكف طريقا فإنه القصد والهدى، وأن الجدل والتعمق هو جور السبيل وصراط الخطأ، ولا تحسبن التعمق في الدين رسوخا؛ فإن الراسخين في العلم هم الذين وقفوا حيث تناهى علمهم وقالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (2).
وإن أحببت أن تعلم أن الحيلة بالقدر كما وصفت لك؛ فانظر في أمر
_________
(1) الحج الآية (15) ..
(2) آل عمران الآية (7).(2/423)
القتال، وما ذكر الله عز وجل منه في كتابه تسمع شيئا عجبا؛ من ذكر ملك ولا يغلب، ودولة تنقلب، ونصر محتوم، والعبد بين ذلك محمود وملوم، ينصر أولياءه وينتصر بهم، ويعذب أعداءه ويديلهم، يقول تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} (1)، {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (2)، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (3)؛ قال: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} (4)، فافهم ظنهم أي الفريقين أولى بهم؛ المضيف إلى ربه المؤمن بقدره، أم الذي يزعم أنه قد ملكه؟ فإلى نفسه وكله، فإن ظنهم ذلك إنما هو قولهم: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}، ولكنا عصينا، ولو أطعنا؛ ما قتلنا ها هنا؛ فلعمري لئن كانوا صدقوا لقد صدقت، ولئن كانوا كذبوا لقد
_________
(1) التوبة الآية (15).
(2) آل عمران الآية (126).
(3) آل عمران الآية (160).
(4) آل عمران الآية (154) ..(2/424)
كذبت؛ فقال الملك تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لله}، وقال عز وجل: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ}، {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} (1)
فيديل الله أعداءه على أوليائه، فيستشهدهم بأيديهم ثم يكتب ذلك خطيئة عليهم، ثم يعذبهم بها ويسألهم عنها وهو أدالهم بها، وينصر أولياءه على أعدائه ثم يقول: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رميت إذ رميت وَلَكِنَّ اللَّهَ رمى} (2)، ثم يكتب ذلك حسنة لهم يحمدهم عليها ويثني عليهم بها، وهو تولى نصرهم فيها، يقول: الأمر كله لي، لا يغلب واحد من الفريقين إلا بي، وعدهم ببدر إحدى الطائفتين أنها لهم وعدا لا يخلف، ونقمة لا تصرف، ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم؛ فينقلبوا خائبين يقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {ليس لك مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (3)،
تمم ذاك الوعد بمثل الحيلة وأعد لهم العدد والمكيدة، وإنما هو تسبب لقدرة خفية، وأنزل من السماء الملائكة لقتال ألف من قريش، ثم أوحى إليهم أني معكم يثبتهم بذلك؛ فثبتوا الذين آمنوا، حتى كأنه عند من ينكر القدر أمر يكابر وعدو يخاف منه أن يظفر،
_________
(1) آل عمران الآية (140).
(2) الأنفال الآية (17).
(3) آل عمران الآية (128) ..(2/425)
وإبليس مع الكفار قد زين لهم أعمالهم {وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} (1)، فبينما الأمر هكذا كأنه أمر الناس الذين يخشون الغلبة ويجتهدون في المكيدة ولا يتركون في عدة؛ إذ قذف الرعب في قلوبهم فولوا مدبرين، وقال للملائكة: {فاضربوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (2)؛ فجاءهم أمر لا حيلة لهم فيه ولا صبر لوليهم عليه، وإنما وعدهم عليه إبليس، فلما رأى الملائكة نكص على عقبيه وقال: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (3)، لا يجنبني وإياكم من بأسه جنة ولا يدفعه عني ولا عنكم عدة ولا قوة، لا ترون من يقاتلكم، لا تستطيعون دفع الرعب عن قلوبكم ولا أستطيع دفعه عن نفسي؛ فكيف أستطيع دفعه عنكم، وهم الذين كانوا حذروا وخيف منهم أن يظهروا، ورأوا منهم كثرة العدد حين قال: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (4)
_________
(1) الأنفال الآية (48).
(2) الأنفال الآية (12).
(3) الأنفال الآية (48).
(4) الأنفال الآيتان (43و44) ..(2/426)
لمه؟ قال: {ليقضي اللَّهُ أَمْرًا كان مَفْعُولًا} (1)، فيخبرهم أنه قد فرغ وقضى، وأنه لا يريد أن يكون الأمر إلا هكذا، ويحسب القدري إنما ذلك من الله احتيال واحتفال وإعداد للقتال، وينسى أنه الغالب على أمره بغير مغالبة والقاهر لعدوه، إذا شاء بغير مكاثرة أهلك عادا بالريح العقيم، وأخمد ثمودا بالصيحة، وخسف بقارون وبداره الأرض، وأرسل على قوم لوط حجارة من السماء ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء قعصا لا مكر فيه ولا استدراج، ويستدرج ويمكر بمن لا يعجزه، ويأتي من حيث لا يحتسب من لا يمتنع منه مواجهة ومن ليست له على النجاة منه قدرة، وكلا الأمرين في قدره وقضائه سواء؛ فهو ينفذهما في خلقه على من يشاء، لم يهلك هؤلاء قعصا ولا قهرا؛ اغتناما لغرتهم، ولم يستدرج هؤلاء ويمكر بهم؛ شفقة أن يعجزوا مما أراد بهم لقدره وقضائه مخرجان، أحدهما ظاهر قاهر والآخر قوي خفي، لا يمتنع منه شيء ولا يوجد له مس، ولا يسمع له حس، ولا يرى له عين ولا أثر حتى يبرم أمره، فيظهر يباعد به القريب ويصرف به القلوب ويقرب به البعيد ويذل به كل جبار عنيد حتى يفعل ما يريد به، حفظ موسى عليه السلام في التابوت واليم منفوسا ونزه يقربه من عدوه إليه للذي سبب أمره عليه وقد قدر وقضى أن نجاته فيه.
قال لأمه: {فإذا خفت عليه} (2) أن يأخذه فرعون {فاقذفيه في اليم
_________
(1) الأنفال الآيتان (44).
(2) القصص الآية (7).(2/427)
فليلقه اليم بِالسَّاحِلِ} (1) يأخذه فرعون هنالك لا يريد أن يأخذه إلا كذلك، فاختلجه من كنه ومن ثدي أمه إلى هول البحر وأمواجه، وأدخل قلب أمه اليقين أنه راده إليها وجاعله من المرسلين؛ فأمنت عليه الغرق، فألقته في اليم ولم تفرق، وأمر اليم يلقيه بالساحل؛ فسمع وأطاع، وحفظه ما استطاع حتى أداه إلى فرعون بأمره، وقد قدر وقضى على قلب فرعون وبصره حفظه وحسن ولايته بما قضى من ذلك فألقى عليه محبة منه ليصنعه على عينه، قد أمن عليه سطوته ورضي له تربيته، لم يكن ذلك منه على التغرير والشفقة، ولكن على اليقين والثقة بالغلبة، يصطفي له الأطعمة والأشربة والخدم والحضان، يلتمس له المراضع شفقا أن يميته، وهو يقتل أبناء بني إسرائيل عن يمين وشمال، يخشى أن يفوته وهو في يديه وبين حجره ونحره، يتبناه ويترشفه، يراه ولا يراه وقد أغفل قلبه عنه وزينه في عينه وحببه إلى نفسه؛ لمه؟ قال: {ليكون لهم عدوًا وحزنًا} (2)، فمنه يفرق على وده لو عليه يقدر وهو في يديه وهو لا يشعر حتى رده بقدرته إلى أمه، وجعله بها من المرسلين، وفرعون خلال ذلك يزعم أنه رب العالمين وهو يجري في كيد الله المتين حتى أتاه من ربه اليقين مذعنا مستوسقا في كل مقال وقتال يرفعه طبقا عن طبق حتى إذا أدركه الغرق؛ قال: {آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلًّا الذي
_________
(1) طه الآية (39).
(2) القصص الآية (8).(2/428)
آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إسرائيل وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (1)،فنسأل الله تمام النعمة في الهدى في الآخرة والدنيا، فإن ذلك ليس بأيدينا، نبرأ إليه من الحول والقوة، ونبوء على أنفسنا بالظلم والخطيئة، الحجة علينا بغير انتحالنا القدرة على أخذ مادعانا إليه إلا بمنه وفضله صراحا، لا نقول كيف رزقنا الحسنة وحمدنا عليها ولا كيف قدر الخطيئة ولامنا فيها، ولكن؛ نلوم أنفسنا كما لامها، ونقر له بالقدرة كما انتحلها، لا نقول لما قاله لم قاله، ولكن نقول كما قاله، وله ما قال وله ما فعل: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (2) {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (3). (4)
- وفيها عنه أنه قال: أما بعد؛ فإني موصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وترك ما أحدث المحدثون في دينهم مما قد كفوا مؤنته وجرت فيهم سنته، ثم اعلم أنه لم تكن بدعة قط إلا وقد مضى قبلها ما هو عبرة فيها ودليل عليها؛ فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة، وأن السنة إنما جعلت سنة ليستن بها ويقتصر عليها وإنما سنها من قد علم ما في خلافها من الزلل والخطأ والحمق والتعمق؛ فارض لنفسك بما رضوا به لأنفسهم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر ناقد كفوا ولهم عن كشفها كانوا أقوى وبفضل لو كان فيها أحرى وأنهم لهم السابقون، فلئن كان
_________
(1) يونس الآية (90) ..
(2) الأنبياء الآية (23).
(3) الأعراف الآية (54).
(4) الإبانة (2/ 10/240 - 247/ 1852).(2/429)
الهدى ما أنتم فيه؛ لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلت حدث حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم، ولقد وصفوا منه ما يكفي، وتكلموا منه بما يشفي؛ فما دونهم مقصر ولا فوقهم محسر، لقد قصر أناس دونهم؛ فجفوا، وطمح آخرون عنهم؛ فغلوا، وأنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم، سألتني عن القدر، وما جحد منه من جحد؛ فعلى الخبير إن شاء الله سقطت، وذلك أرى الذي أردت فما أعلم أمرا مما أحدث الناس فيه محدثة أو ابتدعوا فيه بدعة أبين أثرا ولا أثبت أصلا ولا أكثر -والحمد لله- أهلا من القدر، لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء، ما أنكروا من الأشياء يذكرونه في شعرهم وكلامهم ويعزون به أنفسهم فيما فاتهم ثم ما زاده الإسلام إلا شدة، لقد كلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير موطن، ولا اثنين، ولا ثلاثة، ولا أكثر من ذلك، وسمعه المسلمون منه، وتكلموا به في حياته وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -؛ يقينا، وتسليما، وتضعيفا لأنفسهم، وتعظيما لربهم أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض به قدره، إن ذلك مع ذلك لفي محكم كتابه، لمنه اقتبسوه، ولبه علموه، فلئن قلتم: أين آية كذا؟ وأين آية كذا؟ ولم قال الله عز وجل كذا؟ لقد قرؤوا منه ما قرأتم، وعلموا من
تأويله ما جهلتم، ثم آمنوا بعد ذلك به كله، بالذي جحدتم، فقالوا: قدر وكتب، وكل شيء بكتاب وقدر، ومن كتبت عليه الشقوة، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا؛ إلا ماشاء الله، ثم رغبوا مع قولهم هذا، ورهبوا، وأمروا، ونهوا، وحمدوا ربهم على الحسنة، ولاموا أنفسهم على الخطيئة، ولم يعذروا أنفسهم بالقدر، ولم(2/430)
يملكوها فعل الخير والشر، فعظموا الله بقدره، ولم يعذروا أنفسهم به، وحمدوا الله على منه، ولم ينحلوه أنفسهم دونه، وقال الله تعالى: {وذلك جزاء الْمُحْسِنِينَ} (1)، وقال: {بِمَا كَانُوا يفسقون} (2)؛ فكما كان الخير منه، وقد نحلهم عمله؛ فكذلك كان الشر منه، وقد مضى به قدره.
وإن الذين أمرتك باتباعهم في القدر لأهل التنزيل، الذين تلوه حق تلاوته، فعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وكانوا بذلك من العلم في الراسخين، ثم ورثوا علم ما علموا من القدر وغيره من بعدهم، فما أعلم أمرا شك فيه أحد من العالمين، -لا يكون أعظم الدين- أعلى ولا أفشى ولا أكثر ولا أظهر من الإقرار بالقدر؛ لقد آمن به الأعرابي الجافي، والقروي القاري، والنساء في ستورهن، والغلمان في حداثتهم، ومن بين ذلك من قوي المسلمين وضعيفهم، فما سمعه سامع قط فأنكره، ولا عرض لمتكلم قط إلا ذكره، لقد بسط الله عليه المعرفة، وجمع عليه الكلمة، وجعل على كلام من جحده النكرة؛ فما من جحده ولا أنكره فيمن آمن به وعرفه من الناس إلا كأكلة رأس. فالله الله، فلو كان القدر ضلالة؛ ما تكلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كانت بدعة؛ فعلم المسلمون متى كانت؛ فقد علم المسلمون متى أحدثت المحدثات والبدع والمضلات. وإن أصل القدر لثابت في كتاب الله تعالى،
_________
(1) المائدة الآية (85).
(2) البقرة الآية (59) والأعراف الآيتان (163و165) والعنكبوت الآية (34).(2/431)
يعزي به المسلمين في مصائبهم بما سبق منها في الكتاب عليهم، يريد بذلك تسليتهم، ويثبت به على الغيب يقينهم، فسلموا لأمره، وآمنوا بقدره، وقد علموا أنهم مبتلون، وأنهم مملوكون غير مملكين ولا موكلين، قلوبهم بيد ربهم، لا يأخذون إلا ما أعطى، ولا يدفعون عن أنفسهم ما قضى، قد علموا أنهم إن وكلهم إلى أنفسهم؛ ضاعوا، وإن عصمهم من شرها؛ أطاعوا، هم بذلك من نعمته عارفون، كما قال نبيه وعبده الصديق: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (1)، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2)،فتبرأ إلى ربه من الحول والقوة، وباء مع ذلك على نفسه بالخطيئة، فكانت لهم فيه أسوة، وكانوا له شيعة، لم يجعل الله تعالى القدر والبلاء مختلفا في صدورهم، ومنع الشيطان أن يدخل الوسوسة عليهم، فلم يقولوا: كيف يستقيم هذا؟ قد علموا أن الله هو ابتلاهم، وأن قدره نافذ فيهم، ليس هذا عندهم بأشد من هذا، ولا يوهن هذا عندهم هذا، يحتالون لأنفسهم كحيلة من زعم أن الأمر بيده، ويؤمنون بالقدر إيمان من علم أنه مغلوب على أمره؛ فلم يبطيهم الإيمان بالقدر عن عبادته، ولم يلقوا بأيديهم إلى التهلكة من أجله، ولم يخرجهم الله عز وجل بالبلاء من ملكه؛ فهم يطلبون ويهربون، وهم على ذلك بالقدر يوقنون، لا يأخذون إلا ما أعطاهم، ولا ينكرون أنه
_________
(1) يوسف الآية (33).
(2) يوسف الآية (53) ..(2/432)
ابتلاهم، كذلك خلقهم، وبذلك أمرهم.
يضعفون إليه في القوة ويقرون له بالقدرة والحجة، لا يحملهم تضعيفهم أنفسهم أن يجحدوا حجته عليهم، ولا يحملهم علمهم بعذره إليهم أن يجحدوا أن قدره نافذ فيهم، هذا عندهم سواء وهم به عن غيره أغنياء، وقد عصمهم الله تعالى من فتنة ذلك؛ فلم يفتحها عليهم وفتحها على قوم آخرين، لبسوا أنفسهم عليهم ما يلبسون فهم هنالك في غمرتهم يعمهون، لا يجدون حلاوة الحسنة فيما قدر عليهم من المصيبة حين زعموا أنهم في ذلك مملوكون أن يقدموها قبل أجلها ويزعمون أنهم قادرون عليها؛ فسبحان الله ثم سبحان الله؛ فهلم يا عباد الله إلى سبيل المسلمين التي كنتم معهم عليها، فانبحستم (1) بأنفسكم دونها، فتفرقت بكم السبيل عنها، فارجعوا إلى معالم الهدى من قريب قبل التحسر والتناوش من مكان بعيد؛ فقولوا كما قالوا، واعملوا كما عملوا، ولا تفرقوا بين ما جمعوا ولا تجمعوا بين ما فرقوا، فإنهم قد جعلوا لكم أئمة وقادة، وحملوا إليكم من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هم عليه أمناء، وعليكم فيما جحدتم منه شهداء، فلا تجحدوا ما أقروا به من القدر؛ فتبتدعوا، ولا تشدوه بغيره؛ فتكلفوا؛ فإني لا أعلم أحدا أصح قلبا في القدر ممن لم يدر أن أحدا قال فيه شيئا؛ فهو يتكلم به غضا جديدا لم تدنسه الوساوس ولم يوهنه الجدل ولا التباس، وبذلك فيما مضى صح في صدر الناس؛ فاحذروا هذا الجدل، فإنه يقربكم إلى كل موبقة ولا يسلمكم إلى ثقة ليس له أجل ينتهي إليه، وهو يدخل في كل شيء؛
_________
(1) كذا في الأصل ولعل الصواب: فانحبستم.(2/433)
فالمعرفة به نعمة، والجهالة به غرة، وعلامات الهدى لنا دونه من ركبه أراده وترك الهدى وراءه بين أثره وقريب ما أخذه، لا يكلف أهله العويص والتشقيق.
ثم اعلم أنه ليس للقرآن موئل مثل السنة؛ فلا يسقطن ذلك عنك فتحير في دينك وتتيه في طريقك {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (1). (2)
سلام بن أبي مطيع (3) (164 هـ)
سَلاَّم بن أبي مُطِيع واسمه سعد، الخزاعي الإمام الثقة القدوة أبو سعيد مولاهم البصري. روى عن قتادة وهشام بن عروة ومعمر بن راشد ومنصور ابن معتمر وأيوب السختياني وأبي عمران الجوني وطائفة. روى عنه عبد الله ابن المبارك وموسى بن إسماعيل وعبد الرحمن بن مهدي ومسدد وخلق كثير. قال الإمام أحمد: ثقة، صاحب سنة.
من أقواله: كن لنعمة الله عليك في دينك أشكر منك لنعمة الله عليك
_________
(1) الأنعام الآية (71).
(2) الإبانة (2/ 10/247 - 252/ 1853).
(3) تاريخ خليفة (449) والجرح والتعديل (4/ 258 - 259) والسير (7/ 428 - 429) والكامل لابن عدي (3/ 1153 - 1155) وحلية الأولياء (6/ 188 - 192) وتهذيب الكمال (12/ 298 - 301) وميزان الاعتدال (2/ 181 - 182) وشذرات الذهب (1/ 382).(2/434)
في دنياك، ومنها: الزاهد على ثلاثة وجوه: واحد أن تخلص العمل لله والقول، ولا يراد بشيء منه الدنيا، والثاني ترك مالا يصلح والعمل بما يصلح، والثالث الحلال وهو أن يزهد فيه وهو تطوع وهو أدناه. توفي سنة أربع وستين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
جاء في ذم الكلام عنه قال: ما أعلم يحل لرجل أن يزوج صاحب بدعة ولا صاحب شراب، فأما ص (4) بدعة فيدخل ولده النار وأما صاحب الشراب فذكر منه أشياء يعددها. (1)
موقفه من الرافضة:
عبد الله بن أحمد قال: سمعت أبي يقول: سلام بن أبي مطيع من الثقات من أصحاب أيوب، وكان رجلا صالحا حدثنا عنه عبد الرحمن بن مهدي ثم قال أبي: كان أبو عوانة وضع كتابا فيه معايب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه بلايا فجاء إليه سلام بن أبي مطيع، فقال: يا أبا عوانة أعطني ذلك الكتاب فأعطاه فأخذه سلام فأحرقه. (2)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السير: قال زهير البابي: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول:
_________
(1) ذم الكلام (ص.236).
(2) السنة للخلال (1/ 510).(2/435)
الجهمية كفار، لا يصلى خلفهم. (1)
- وقد أخرج ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية، بسند صحيح عن سلام بن أبي مطيع وهو شيخ شيوخ البخاري أنه ذكر المبتدعة فقال: ويلهم ماذا ينكرون من هذه الأحاديث، والله ما في الحديث شيء إلا وفي القرآن مثله، يقول الله تعالى: {إن الله سميع بصير} (2) {ويحذركم اللَّهُ نَفْسَهُ} (3) {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (4) {مَا مَنَعَكَ أَن تسجد لمَا خَلَقْتُ بيدي} (5) {وَكَلَّمَ اللَّهُ موسى تكليمًا} (6) {الرحمن على العرش استوى} (7) ونحو ذلك فلم يزل -أي سلام بن أبي مطيع- يذكر الآيات من العصر إلى غروب الشمس. (8)
موقفه من القدرية:
جاء في سير أعلام النبلاء: قال أبو داود السجزي: هو القائل: لأن
_________
(1) السير (7/ 429) والسنة لعبد الله (11) وأصول الاعتقاد (2/ 355/517) والإبانة (2/ 13/99/ 336) والسنة للخلال (5/ 92).
(2) الحج الآية (75).
(3) آل عمران الآية (28).
(4) الزمر الآية (67).
(5) ص الآية (75).
(6) النساء الآية (164).
(7) طه الآية (5).
(8) الفتح (13/ 359).(2/436)
ألقى الله بصحيفة الحجاج، أحب إلي من أن ألقى الله بصحيفة عمرو بن عبيد. (1)
معقل بن عبيد الله (2) (166 هـ)
مَعْقِل بن عبيد الله الجزري أبو عبد الله المحدث الإمام مولى بني عَبْس من كبار علماء الجزيرة. روى عن عطاء بن أبي رباح وعمرو بن شعيب وميمون ابن مهران وغيرهم. روى عنه أبو نعيم والفريابي والحسن بن محمد ابن أعين وأبو جعفر النفيلي وآخرون. قال أحمد بن حنبل: صالح الحديث. وقال النسائي: ليس به بأس. قال الذهبي: وما عرفت له شيئا منكرا فأذكره، وحديثه لا ينزل عن رتبة الحسن. توفي سنة ست وستين ومائة.
موقفه من المرجئة:
عن معقل بن عبيد الله العبسي قال: قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء فنفر منه أصحابنا نفارا شديدا فيهم ميمون بن مهران وعبد الكريم بن مالك فأما عبد الكريم بن مالك فإنه عاهد الله أن لا يأويه وإياه سقف بيت إلا المسجد، قال معقل: فحججت فدخلت على عطاء بن أبي رباح في نفر من أصحابي وإذا هو يقرأ سورة يوسف قال: فسمعته يقرأ هذا الحرف: {حَتَّى
_________
(1) السير (7/ 428).
(2) السير (7/ 318 - 319) وتهذيب الكمال (28/ 274 - 277) وميزان الاعتدال (4/ 146 - 147) وشذرات الذهب (1/ 261) وتهذيب التهذيب (10/ 234).(2/437)
{إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} (1) مخففة، قال: قلت له: إن لنا حاجة فأدخلنا ففعل، فأخبرته أن قوما قبلنا قد أحدثوا وتكلموا وقالوا: إن الصلاة والزكاة ليستا من الدين، فقال: أوليس الله عز وجل يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} (2) قال: وقلت: إنهم يقولون: ليس في الإيمان زيادة قال: أو ليس قد قال الله فيما أنزل: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} (3) هذا الإيمان الذي زادهم، قال فقلت: إنهم انتحلوك وبلغني أن ابن درهم دخل عليك في أصحابه فعرضوا عليك قولهم، فقبلته فقلت هذا الأمر، فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو مرتين أو ثلاثا قال: ثم قال: قدمت المدينة فجلست إلى نافع فقلت له: يا أبا عبد الله إن لي إليك حاجة قال: سرا أم علانية فقلت: لا بل سر قال: دعني من السر، سر لا خير فيه.
فقلت: ليس من ذاك، فلما صلينا العصر قام وأخذ بيدي وخرج من الخوخة ولم ينتظر القاص وقال: حاجتك قال: قلت: اخلني هذا، فقال: تنح قال: فذكرت له قولهم فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أضربهم بالسيف حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا
_________
(1) يوسف الآية (110).
(2) البينة الآية (5).
(3) الفتح الآية (4).(2/438)
إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" (1) قال: قلت: إنهم يقولون: نحن نقر بالصلاة فريضة ولا نصلي، وإن الخمر حرام ونحن نشربها، وإن نكاح الأمهات حرام ونحن نريده، فنتر يده من يدي وقال: من فعل هذا فهو كافر قال معقل: فلقيت الزهري، فأخبرته بقولهم فقال: سبحان الله أو قد أخذ الناس في هذه الخصومات، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الشارب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" (2) قال معقل: فلقيت الحكم بن عتيبة فقلت له: إن عبد الكريم، وميمون بلغهما أنه دخل عليك ناس من المرجئة فعرضوا عليك قولهم، فقبلت قولهم، قال: فَقَبِلَ ذَلِكَ عَلَيَّ ميمون وعبد الكريم؟ فقلت: لا، قال: دخل علي اثنا عشر رجلا وأنا مريض فقالوا: يا أبا محمد أبلغك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه رجل بأمة سوداء أو حبشية فقال: يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة أفترى هذه مؤمنة فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتشهدين أن محمدا رسول الله؟ قالت: نعم، قال: وتشهدين أن الله يبعث من بعد الموت؟ قالت: نعم قال: فأعتقها (3)
قال فخرجوا وهم ينتحلوني. قال معقل: فجلست إلى ميمون بن مهران
_________
(1) البخاري (13/ 311/7284و7285) ومسلم (1/ 51 - 52/ 20) وأبو داود (2/ 198/1556) والترمذي (5/ 5 - 6/ 2607) والنسائي (7/ 88/3980).
(2) تقدم تخريجه ضمن مواقف الحسن البصري سنة (110هـ).
(3) رواه مالك في الموطأ (2/ 777) وعبد الرزاق (9/ 175/16814) وأحمد (3/ 451 - 452) والبيهقي (10/ 57) وقال: "هذا مرسل". عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن رجل من الأنصار .. قال الهيثمي في المجمع (2/ 244): "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح". وروى نحوه مسلم في صحيحه (537) من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.(2/439)
فقلت: يا أبا أيوب لو قرأت لنا سورة ففسرتها قال: فقرأ أو قرئت: {إذا الشَّمْسُ كورت} حتى إذا بلغ {مطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} (1) قال: ذلكم جبريل، والخيبة لمن يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل. (2)
سعيد بن عبد العزيز (3) (167 هـ)
سعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى أبو محمد التَّنُوخِي، الإمام القدوة، مفتي دمشق. ويقال: أبو عبد العزيز. ولد سنة تسعين في حياة سهل بن سعد وأنس ابن مالك رضي الله عنهما، وقرأ القرآن على ابن عامر ويزيد بن أبي مالك. روى عن مكحول والزهري ونافع مولى ابن عمر وغيرهم. روى عنه الوليد ابن مسلم والحسن بن يحيى الخشني وأبو مسهر وآخرون. قال أبو مسهر: حدثني سعيد قال: كنت أجلس بالغدوات إلى ابن أبي مالك وأجالس بعد الظهر إسماعيل بن عبيد الله وبعد العصر مكحولا. وقال أبو زرعة النصري: قلت لابن معين: أمحمد بن إسحاق حجة؟ فقال: كان ثقة إنما الحجة عبيد الله ابن عمر ومالك والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز. وقال الحاكم: سعيد لأهل الشام كمالك لأهل المدينة في التقدم والفقه والأمانة. قال محمد بن المبارك
_________
(1) التكوير الآيات (1 - 21).
(2) أصول الاعتقاد (5/ 1024 - 1025/ 1732) والسنة لعبد الله (ص.117 - 119) والسنة للخلال (4/ 29 - 32/ 1105) والإبانة (2/ 808 - 811/ 1101)
(3) السير (8/ 32 - 38) وتهذيب الكمال (10/ 539 - 545) وتهذيب التهذيب (4/ 59 - 61) وشذرات الذهب (1/ 263) وميزان الاعتدال (2/ 149) وتذكرة الحفاظ (1/ 219 - 220).(2/440)
الصوري: كان سعيد إذا فاتته صلاة الجماعة بكى. كان الأوزاعي إذا سئل عن مسألة وسعيد حاضر قال: سلوا أبا محمد. من أقواله: لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: صموت واع وناطق عارف. سئل عن الكفاف من الرزق ما هو؟ قال: شبع يوم وجوع يوم. مات سنة سبع وستين ومائة.
موقفه من المرجئة:
- عن الوليد بن مسلم، قال: سمعت أبا عمرو ومالكا وسعيد بن عبد العزيز يقولون: ليس للإيمان منتهى هو في زيادة أبدا ويقولون على من يقول إنه مستكمل الإيمان وأن إيمانه كإيمان جبريل، قال: قال الوليد: قال سعيد بن عبد العزيز: هو أن يكون إذا أقدم على هذه المقالة إيمانه كإيمان إبليس، لأنه أقر بالربوبية وكفر بالعمل، فهو أقرب إلى ذلك من أن يكون إيمانه كإيمان جبريل عليه السلام. (1)
- وعن الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي ومالك بن أنس وسعيد ابن عبد العزيز ينكرون قول من يقول: إن الإيمان قول بلا عمل ويقولون لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان. (2)
- وعنه قال: سمعت أبا عمرو يعني الأوزاعي ومالك بن أنس وسعيد ابن عبد العزيز ينكرون أن يقول: أنا مؤمن. ويأذنون في الاستثناء أن أقول: أنا مؤمن إن شاء الله. (3)
_________
(1) الإبانة (2/ 7/901/ 1259) والسنة لعبد الله (99 مختصرا).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 930 - 931/ 1586).
(3) السنة لعبد الله (100).(2/441)
موقفه من القدرية:
جاء في الإبانة: عن سعيد بن عبد العزيز: لما نزلت {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يستقيم} (1)؛ قال أبو جهل لعنه الله: الأمر إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم. فنزلت: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2). (3)
حماد بن سلمة (4) (167 هـ)
حَمَّاد بن سَلَمَة بن دينار الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو سلمة البصري النحوي البزاز الخراقي البطائني مولى آل ربيعة بن مالك وابن أخت حميد الطويل. حدث عن خاله حميد الطويل وهشام بن عروة وعبد العزيز بن صهيب وثابت البناني وأيوب السختياني وطائفة. حدث عنه حجاج بن منهال وسفيان الثوري وسليمان بن حرب وشعبة وعبد الله بن المبارك وخلق سواهم. عن حماد بن سلمة قال: من طلب الحديث لغير الله مكر به. قال ابن حبان: ... ولم يكن من أقران حماد بن سلمة بالبصرة مثله في الفضل والدين
_________
(1) التكوير الآية (28).
(2) التكوير الآية (29).
(3) الإبانة (2/ 10/225/ 1811).
(4) طبقات ابن سعد (7/ 282) وتاريخ خليفة (439) والسير (7/ 444 - 456) والجرح والتعديل (3/ 140 - 142) وحلية الأولياء (6/ 249 - 257) والفهرست لابن النديم (317) وتهذيب الكمال (7/ 253 - 269) وتذكرة الحفاظ (1/ 202 - 203) ومشاهير علماء الأمصار (157) وميزان الاعتدال (1/ 590 - 595) وشذرات الذهب (1/ 262).(2/442)
والنسك والعلم والكتبة والجمع والصلابة في السنة والقمع لأهل البدع، ولم يكن يثلبه في أيامه إلا معتزلي قدري أو مبتدع جهمي لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة. وقال غيره: كان إماما راسيا في العربية، فقيها، فصيحا، بليغا، كبير القدر، شديدا على المبتدعة، صاحب أثر وسنة. مات سنة سبع وستين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
قال شيخ الإسلام -الهروي- في 'الفاروق' له: قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام، فإنه كان شديدا على المبتدعة. (1)
موقفه من الجهمية:
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (قلت): وهكذا رأيت الجاحظ فقد شنع على حماد بن سلمة ومعاذ بن معاذ قاضى البصرة، بما لم يشنع به على غيرهما، لأن حمادا كان معتنيا بجمع أحاديث الصفات وإظهارها، (2) ومعاذ لما تولى القضاء رد شهادة الجهمية والقدرية فلم يقبل شهادة المعتزلة، ورفعوا عليه إلى الرشيد، فلما اجتمع به حمده على ذلك وعظمه، فلأجل معاداتهم لمثل هؤلاء الذين هم أئمة في السنة يشنعون عليهم بما إذا حقق لم يوجد مقتضيا لذم. (3)
_________
(1) السير (7/ 450).
(2) وقد جمعها في مصنف، انظر الفتاوى الكبرى (5/ 15).
(3) الفتاوى الكبرى (5/ 81).(2/443)
- جاء في السير: وروى عبد العزيز بن المغيرة، عن حماد بن سلمة: أنه حدثهم بحديث نزول الرب عز وجل (1)، فقال: من رأيتموه ينكر هذا، فاتهموه. (2)
موقفه من القدرية:
جاء في الإبانة: عن حجاج بن منهال: سمعت حمادا -يعني: ابن سلمة- يقول لرجل يقال له محمد الأغبش صاحب البصري: اتق الله؛ فإنه يقال: إنهم مجوس هذه الأمة يعني القدرية. أخبرني محمد بن الحسين؛ قال: أخبرنا الفريابي؛ قال: سمعت عمرو بن علي يقول: سمعت أبا محمد الغنوي يقول: سألت حماد بن سلمة وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وبشر بن المفضل والمُعْتَمِرَ بن سليمان عن رجل زعم أنه يستطيع أن يشاء في ملك الله ما لا يشاء الله؛ فكلهم قال: كافر مشرك، حلال الدم؛ إلا معتمرا، فإنه قال: الأحسن بالسلطان استتابته. (3)
مفضل بن مهلهل (4) (167 هـ)
مُفَضَّل بن مُهَلْهَل الإمام الكبير أبو عبد الرحمن السعدي الكوفي. حدث
_________
(1) أخرجه من حديث أبي هريرة: أحمد (2/ 258) والبخاري (3/ 36/1145) ومسلم (1/ 521/758) وأبو داود (2/ 77/1315) والترمذي (2/ 307/446) والنسائي في الكبرى (6/ 123/10311) وابن ماجه (1/ 435/1366).
(2) السير 7/ 451).
(3) الإبانة (2/ 10/259/ 1870) والشريعة (1/ 435/547).
(4) الجرح والتعديل (8/ 316) وتهذيب الكمال (28/ 422 - 425) والسير (7/ 400) وميزان الاعتدال (4/ 171) وطبقات ابن سعد (6/ 381) وشذرات الذهب (1/ 263).(2/444)
عن منصور بن المعتمر وسفيان الثوري وسليمان الأعمش والحسن بن عبيد الله وبيان بن بشر وعطاء بن السائب. حدث عنه يحيى بن آدم ومحمد ابن صبيح ومحمد بن عيسى الراسبي والحسن بن الربيع البجلي وحسين بن علي الجعفي. قال العجلي: كان ثقة ثبتا صاحب سنة وفضل وفقه، لما مات الثوري مضى أصحابه إلى المفضل فقالوا: تجلس لنا مكان أبي عبد الله؟ فقال: ما رأيت صاحبكم يحمد مجلسه. من أقواله: اعمل بقليل الحديث يزهدك في كثيره. مات سنة سبع وستين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
جاء في الإبانة عنه قال: لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته، حذرته وفررت منه، ولكنه يحدثك بأحاديث السنة في بدو مجلسه ثم يدخل عليك بدعته، فلعلها تلزم قلبك فمتى تخرج من قلبك؟ (1)
" التعليق:
الله أكبر، ما أكثر هذا، اليوم. فانظر إلى جميع المدارس التي نصبت نفسها وتطوعت مأجورة من إبليس وأعوانه من البشر لمحاربة العقيدة السلفية، لا تدخل إلا من هذا الباب. فهذا علوي مالكي وبقية الرافضة في شمال المغرب، وهذا الكوثري وتلامذته وغيرهم من رؤوس المبتدعة في المشرق والمغرب، كل يحارب بما يستطيع إما بتحقيق بعض كتب الحديث أو المصطلح أو إلقاء دروس في كتب الحديث المشهورة، حتى يغتر الناس بهم أنهم
_________
(1) الإبانة (2/ 3/444/ 394).(2/445)
من أهل الحديث، فإذا اطمأنوا إليهم ألقوهم في حمأة البدعة وزينوها لهم، وأن هذا الأمر له أصل، وليس كل الناس على بصيرة في أمور عقائدهم، فيطبعون البدعة في قلوبهم ويصيرون حماة لهم، ولا تسأل عن أبهاتهم وتسابق أتباعهم لتقبيل أيديهم، والتبرك بهم، وهذا أمر يزينه الشيطان لهم فيدافعون عنه: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. (1)
عبد الرحمن بن شريح (2) (167 هـ)
الإمام الثقة عبد الرحمن بن شُرَيْح بن عبيد الله، أبو شُرَيْح المَعَافِرِي الإسكندارني. حدث عن موسى بن وردان ويزيد بن أبي حبيب وحميد بن هانئ الخولاني وسليمان بن حميد المزني وجماعة. وحدث عنه عبد الله بن المبارك وعبد الله بن وهب وزيد بن الحباب وعبد الله بن صالح وآخرون. وثقه ابن معين والنسائي. وقال يعقوب بن سفيان: كان كخير الرجال. وقال ابن حجر: ثقة فاضل، لم يصب ابن سعد في تضعيفه. وقال أبو سعيد بن يونس: توفي بالإسكندرية سنة سبع وستين ومائة، وكانت له عبادة وفضل.
موقفه من المبتدعة:
قال هانئ بن المتوكل: حدثني محمد بن عبادة المعافري قال: كنا عند أبي شريح -رحمه الله- فكثرت المسائل، فقال: قد درنت قلوبكم، فقوموا إلى
_________
(1) الحج الآية (46).
(2) المعرفة والتاريخ (2/ 445) وطبقات ابن سعد (7/ 516) وتهذيب الكمال (17/ 167 - 169) وسير أعلام النبلاء (7/ 182 - 184) وتهذيب التهذيب (6/ 193 - 194) والتقريب (1/ 573) وشذرات الذهب (1/ 246).(2/446)
خالد بن حميد المهري استقلوا قلوبكم، وتعلموا هذه الرغائب والرقائق، فإنها تجدد العبادة، وتورث الزهادة، وتجر الصداقة، وأقلوا المسائل، فإنها في غير ما نزل تقسي القلب، وتورث العداوة.
" التعليق:
قال الذهبي: صدق والله، فما الظن إذا كانت مسائل الأصول، ولوازم الكلام في معارضة النص، فكيف إذا كانت من تشكيكات المنطق، وقواعد الحكمة، ودين الأوائل؟ فكيف إذا كانت من حقائق الاتحادية، وزندقة السبعينية، ومرق الباطنية؟ فواغربتاه، ويا قلة ناصراه. آمنت بالله، ولا قوة إلا بالله. (1)
أبو حمزة السُّكَّرِي (2) (167 هـ)
الإمام الحافظ محمد بن ميمون المروزي، أبو حمزة السكري. روى عن إبراهيم بن ميمون الصائغ وعاصم الأحول وعاصم بن بهدلة وجابر الجعفي والأعمش وجماعة. وروى عنه ابن المبارك ونعيم بن حماد الخزاعي وعتاب بن زياد وأحمد بن أيوب الضبي وسلام بن واقد المروزي.
قال عباس الدوري: كان أبو حمزة من الثقات، وكان إذا مرض عنده من قد رحل إليه، ينظر إلى ما يحتاج إليه من الكفاية، فيأمر بالقيام به، ولم
_________
(1) السير (7/ 182 - 183).
(2) طبقات ابن سعد (7/ 373) وتاريخ بغداد (3/ 266 - 269) وتهذيب الكمال (26/ 544 - 549) وسير أعلام النبلاء (7/ 385 - 387) وتهذيب التهذيب (9/ 486 - 487) وشذرات الذهب (1/ 264) والتقريب (2/ 139).(2/447)
يكن يبيع السكر، وإنما سمي السكري لحلاوة كلامه.
قال يحيى بن أكثم: بلغني عن عبد الله بن المبارك أنه سئل عن الاتباع، فقال: الاتباع ما كان عليه الحسين بن واقد وأبو حمزة السكري.
وروى إبراهيم الحربي عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: أراد جار لأبي حمزة السكري أن يبيع داره، فقيل له: بكم؟ قال: بألفين ثمن الدار، وبألفين جوار أبي حمزة. فبلغ ذلك أبا حمزة، فوجه إليه بأربعة آلاف، وقال: لاتبع دارك. قال ابن حجر: ثقة فاضل. توفي رحمه الله سنة سبع وستين ومائة، وقيل التي بعدها.
موقفه من المبتدعة:
قال أبو حمزة: تدرون ما الأثر؟ الأثر: أفتي بالشيء، فيقال لي يوم القيامة: بما أفتيت كذا وكذا؟ فأقول: أخبرني الأعمش، فيؤتى بالأعمش، فيقال: حدثته بهذا؟ فيحيل على إبراهيم، ويحيل إبراهيم علىعلقمة، حتى ينتهي إلى منتهاه. (1)
إبراهيم بن طهمان (2) (168 هـ)
إبراهيم بن طَهْمَان بن شُعبة الخراساني أبو سعيد الهروي نزيل نيسابور
_________
(1) الفقيه والمتفقه (1/ 382/389).
(2) تهذيب الكمال (2/ 108 - 115) ومشاهير علماء الأمصار (199) والسير (7/ 378 - 385) وتاريخ بغداد (6/ 105 - 111) والفهرست لابن النديم (319) وتذكرة الحفاظ (1/ 213) والوافي بالوفيات (6/ 23 - 24) وميزان الاعتدال (1/ 38) والعقد الثمين (3/ 215 - 216) وشذرات الذهب (1/ 257).(2/448)
ثم حرم الله تعالى. سمع الأعمش وسليمان التيمي وحسين بن ذكوان المعلم وحميد الطويل وطائفة. سمع منه عبد الله بن المبارك وصفوان بن سليم وحفص ابن عبد الله السلمي وعبد الملك بن عمرو العقدي ومعن بن عيسى وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح وآخرون. تُكلم فيه للإرجاء، وكان من ثقات الأئمة وكان شديدا على الجهمية.
قال يحيى بن أكثم: كان إبراهيم من أنبل الناس بخراسان والعراق والحجاز، وأوثقهم وأوسعهم علما.
مات سنة ثمان وستين ومائة.
موقفه من الجهمية:
- روى الخطيب في تاريخه بالسند إلى عبد الله بن أبي داود السجستاني قال: سمعت أبي يقول إبراهيم بن طهمان ثقة، وكان من أهل سرخس، فخرج يريد الحج فقدم نيسابور فوجدهم على قول جهم، فقال الإقامة على هؤلاء أفضل من الحج، فأقام فنقلهم من قول جهم إلى الإرجاء. (1)
قلت: وليس الإرجاء المذكور هنا هو الإرجاء المعروف الذي أجمع السلف على أنه بدعة، ولكنه إرجاء من نوع آخر ومعناه كما جاء تفسيره عن أبي الصلت، كما ذكر الخطيب في تاريخه: لم يكن إرجاؤهم هذا المذهب الخبيث، أن الإيمان قول بلا عمل، وأن ترك العمل لا يضر بالإيمان، بل كان إرجاؤهم أنهم كانوا يرجون لأهل الكبائر الغفران، ردا على الخوارج وغيرهم الذين يكفرون الناس بالذنوب، فكانوا يرجون ولا يكفرون بالذنوب -ونحن
_________
(1) تاريخ بغداد (6/ 107) والسير (7/ 380).(2/449)
كذلك- سمعت وكيع بن الجراح يقول سمعت سفيان الثوري في آخر أمره يقول: نحن نرجو لجميع أهل الذنوب والكبائر الذين يدينون ديننا ويصلون صلاتنا، وإن عملوا أي عمل. (1)
- وجاء في السير عن حماد بن قيراط: سمعت إبراهيم بن طهمان يقول: الجهمية والقدرية كفار. (2)
- وجاء في تاريخ الخطيب: وكان شديدا على الجهمية. (3)
- وفي الإبانة: عن حفص بن عبد الله قال: قال إبراهيم بن طهمان: حدثنا من لا يتهم غير واحد أن جهما رجع عن قوله ونزع عنه وتاب إلى الله منه، فما ذكرته ولا ذكر عندي، إلا دعوت الله عليه، ما أعظم ما أورث أهل القبلة من منطقه هذا العظيم. (4)
خارجة بن مصعب (5) (168 هـ)
خَارِجَة بن مُصْعَب بن خارجة الإمام شيخ خراسان أبو الحجاج الضُّبَعِي السَّرْخَسِي. روى عن السختياني وبكير بن عبد الله بن الأشج ويحيى ابن سعيد ويونس بن عبيد وعاصم الأحول وسليمان الأعمش ومسعر بن
_________
(1) تاريخ بغداد (6/ 109).
(2) السير (7/ 381) والسنة لعبد الله (10) وأصول الاعتقاد (4/ 715/1172) والإبانة (2/ 13/100/ 339).
(3) تاريخ بغداد (6/ 109) والسير (7/ 381).
(4) الإبانة (2/ 13/91/ 320) والسنة للخلال (5/ 85) والفتاوى الكبرى (5/ 42).
(5) طبقات ابن سعد (7/ 371) والجرح والتعديل (3/ 375 - 376) والكامل لابن عدي (3/ 922 - 927) وتهذيب الكمال (8/ 16 - 22) وميزان الاعتدال (1/ 625 - 626) والسير (7/ 326 - 328) وشذرات الذهب (1/ 265).(2/450)
كدام وأبي حنيفة ومالك بن أنس وطائفة. روى عنه عبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح ونعيم بن حماد الخزاعي ويحيى بن يحيى النيسابوري وسفيان الثوري وآخرون. تكلم فيه أهل العلم، فترك حديثه. توفي سنة ثمان وستين ومائة.
موقفه من الجهمية:
- قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثني محمد بن إسحاق حدثنا علي بن الحسن بن شقيق سمعت خارجة يقول: كفرت الجهمية في غير موضع من كتاب الله قولهم: إن الجنة تفنى وقال الله: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} (1) فمن قال إنها تنفد فقد كفر وقال: {أُكُلُهَا دائمٌ وَظِلُّهَا} (2) فمن قال: لا يدوم فقد كفر، وقال: {لا مَقْطُوعَةٍ ولا مَمْنُوعَةٍ} (3) فمن قال إنها تنقطع فقد كفر. وقال: {عَطَاءً غير مجذوذ) (4) فمن قال إنه منقطع فقد كفر. (5)
- وجاء في السنة بالسند إلى أحمد بن سعيد أبي جعفر الدارمي، سمعت أبي سمعت خارجة يقول: الجهمية كفار بَلِّغوا نساءهم أنهن طوالق، وأنهن لا
_________
(1) ص الآية (54).
(2) الرعد الآية (35).
(3) الواقعة الآية (33).
(4) هود الآية (108).
(5) السنة لعبد الله (20) والإبانة (2/ 13/96 - 97/ 330) والسنة للخلال (5/ 86).(2/451)
يحللن لأزواجهن، لا تعودوا مرضاهم، ولا تشهدوا جنائزهم ثم تلا: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} إلى قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1). (2)
- جاء في الإبانة: عن عبد الصمد بن حسان قال: قال خارجة بن مصعب: إذا صليت خلف الإمام وبجنبك جهمي، فأعد الصلاة. (3)
قال ابن بطة عقبه: معنى قول خارجة رحمه الله في الجهمي يصلي بجنب الرجل يعيد، يريد بذلك أن من صلى خلف إمام وحده وإلى جانبه جهمي، أو صلى خلف الصفوف وحده وإلى جانبه جهمي أنه يعيد، وذلك أن مذهب جماعة من الفقهاء أن من صلى خلف الصف وحده أو قام خلف إمام وحده، أعاد الصلاة، فكأن خارجة أراد أنه من صلى خلف الصف هو وجهمي، فكأنما صلى خلف الصف وحده، لأن الجهمي ليس هو مسلما ولا في صلاة، فالقائم إلى جنبه كالقائم وحده، فأما الجهمي إذا قام في صف فيه جماعة هو كأحدهم، فصلاة الجماعة جائزة.
_________
(1) طه الآيات (1 - 5).
(2) السنة لعبد الله (11) والإبانة (2/ 13/98/ 335) واجتماع الجيوش الإسلامية (213).
(3) الإبانة (2/ 13/121 - 122/ 388).(2/452)
عبيد الله بن الحسن العَنْبَرِي (1) (168 هـ)
عبيد الله بن الحسن بن الحصين العنبري التميمي قاضي البصرة. يروي عن حميد الطويل وداود بن أبي هند وخالد الحذاء وغيرهم. روى عنه عبد الرحمن بن مهدي وأهل بلده، ومعاذ بن معاذ القاضي وخالد بن الحارث الهجيمي وغيرهم. قدم بغداد أيام المهدي، ولي قضاء البصرة بعد سوار بن عبد الله وكان محمودا ثقة عاقلا من الرجال. قال الوثيق بن يوسف: ما رأيت رجلا قط أعقل من عبيد الله بن الحسن، سئل عن مسألة وهو في حضور جنازة فأخطأ فيها فقيل له: الحكم فيها كذا وكذا فأطرق ساعة ثم قال: إذا أرجع وأنا صاغر. لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل. مات في ذي القعدة سنة ثمان وستين ومائة.
موقفه من القدرية:
جاء في أصول الاعتقاد عن إدريس القصير عن أبيه قال: شهدت عبيد الله بن الحسن العنبري واختصم إليه رجلان فقال أحدهما: اشتريت منه عبدا على أنه ليس به داء ولا علة ولا غليلة، بيع المسلم للمسلم، وإنه قدري. فقال عبيد الله بن الحسن له: إنما اشتريت مسلما ولم تشتر كافرا فرد عليه. (2)
_________
(1) الأنساب (4/ 247) وتاريخ بغداد (10/ 306 - 310) والبداية والنهاية (10/ 155) وتهذيب الكمال (19/ 23 - 28) طبقات ابن سعد (7/ 285) وتهذيب التهذيب (7/ 7 - 8).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 810 - 811/ 1362).(2/453)
موقف السلف من فليح بن سليمان لوقوعه في الصحابة (168 هـ)
جاء في السير: وقال الساجي: أصعب ما رمي به يعني فليح، ما ذكر عن ابن معين، عن أبي كامل، قال: كنا نتهمه، لأنه كان يتناول من الصحابة. (1)
نافع بن عمر (2) (169 هـ)
نافع بن عمر بن عبد الله بن جميل الحافظ الإمام الثبت الجمحي. روى عن ابن أبي مليكة وأمية بن صفوان وبشر بن عاصم الثقفي وغيرهم. روى عنه ابن المبارك ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي وآخرون. تكاثروا عليه لإتقانه وعلو سنده. قال ابن مهدي: كان من أثبت الناس. قال أحمد بن حنبل: ثبت ثبت، صحيح الحديث. مات بمكة سنة تسع وستين ومائة.
موقفه من المرجئة:
عن يحيى بن سليم أنه سأل نافع بن عمر الجمحي عن الإيمان، فقال: قول وعمل. (3)
_________
(1) السير (7/ 354).
(2) السير (7/ 433 - 434) وطبقات ابن سعد (5/ 494) وتهذيب الكمال (29/ 287 - 290) وميزان الاعتدال (4/ 241) وتهذيب التهذيب (10/ 409) وشذرات الذهب (1/ 270).
(3) الشريعة (1/ 288/282) وأصول الاعتقاد (4/ 930/1584).(2/454)
أمير المؤمنين المهدي العباسي (1) (169 هـ)
محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الخليفة أبو عبد الله الهاشمي العباسي. كان أسمر مليحا مضطرب الخلق على عينه بياض جعد الشعر قيل: أنه أثني عليه بالشجاعة فقال: لم لا أكون شجاعا؟ وما خفت أحدا إلا الله تعالى. قال الذهبي: كان جوادا ممداحا، معطاء، محببا إلى الرعية، قصابا في الزنادقة باحثا عنهم، مليح الشكل. وكان غارقا كنحوه من الملوك في بحر اللذات، واللهو والصيد ولكنه خائف من الله، معاد لأولي الضلالة حنق عليهم. تملك عشر سنين وشهرا ونصفا وعاش ثلاثا وأربعين سنة توفي سنة تسع وستين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- ذكر ابن أبي الدنيا أن المهدي كتب إلى الأمصار يزجر أن يتكلم أحد من أهل الأهواء في شيء منها. (2)
- وعن يوسف الصائغ قال: رفع أهل البدع رؤوسهم، وأخذوا في الجدل، فأمر بمنع الناس من الكلام، وأن لا يخاض فيه. (3)
موقفه من المشركين:
- قال الذهبي: كان جوادا ممداحا معطاء، محببا إلى الرعية، قصابا في
_________
(1) تاريخ بغداد (5/ 391 - 401) والوافي بالوفيات (3/ 300 - 302) والسير (7/ 400 - 403) والبداية والنهاية (10/ 155 - 161) وفوات الوفيات (3/ 400 - 402) وشذرات الذهب (1/ 266 - 269).
(2) السير (7/ 402).
(3) السير (7/ 402).(2/455)
الزنادقة، باحثا عنهم، مليح الشكل. (1)
- جاء في البداية والنهاية في حوادث سنة ثلاث وستين ومائة: وفيها حصر المقنع الزنديق الذي كان قد نبغ بخراسان وقال بالتناسخ واتبعه على جهالته وضلالته خلق من الطغام وسفهاء الأنام والسفلة من العوام، فلما كان في هذا العام لجأ إلى قلعة كش، فحاصره سعيد الحريثى فألح عليه في الحصار، فلما أحس بالغلبة تحسى سما وسم نساءه، فماتوا جميعا عليهم لعائن الله، ودخل الجيش الإسلامي قلعته، فاحتزوا رأسه وبعثوا به إلى المهدى، وكان المهدي بحلب. قال ابن خلكان: كان اسم المقنع عطاء وقيل حكيم والأول أشهر وكان أولا قصارا ثم ادعى الربوبية مع أنه كان أعور قبيح المنظر، وكان يتخذ له وجها من ذهب، وتابعه على جهالته خلق كثير، وكان يري الناس قمرا يرى من مسيرة شهرين ثم يغيب، فعظم اعتقادهم له ومنعوه بالسلاح، وكان يزعم -لعنه الله وتعالى عما يقولون علوا كبيرا- أن الله ظهر في صورة آدم ولهذا سجدت له الملائكة ثم في نوح ثم في الأنبياء واحدا واحدا ثم تحول إلى أبي مسلم الخراساني ثم تحول إليه ولما حاصره المسلمون في قلعته التي كان جددها بناحية كش مما وراء النهر ويقال لها سنام تحسى هو ونساؤه سما فماتوا، واستحوذ المسلمون على حواصله وأمواله. (2)
- وفيها في حوادث سنة سبع وستين ومائة: تتبع المهدي جماعة من الزنادقة في سائر الآفاق، فاستحضرهم وقتلهم صبرا بين يديه، وكان المتولي
_________
(1) السير (7/ 401).
(2) البداية والنهاية (10/ 149).(2/456)
أمر الزنادقة عمر الكلواذي. (1)
- وجاء في السير: وكان ابن المقفع يتهم بالزندقة وهو الذي عرب كليلة ودمنة. وروي عن المهدي قال: ما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله ابن المقفع. (2)
- جاء في تاريخ الإسلام في ترجمة صالح بن عبد القدوس: قتله المهدي على الزندقة، فيروى عن قريش الختلي: أن المهدي دعاني يوما فذكر أنه أمره بالمسير على البريد إلى الشام، وكتب له عهدا أنه أمين على كل بلد يدخله، حتى يخرج منه، وأمره إذا دخل دمشق أن يأتي إلى حانوت عطار أو حانوت قطان، فيلقى رجلا يكثر الجلوس هناك، وهو شيخ فاضل ناصل الخضاب، يقال له صالح بن عبد القدوس، فسار وفعل ودخل الحانوت، فإذا بصالح فيه، فأخذه وقيده، فحمله علىالبريد إلى العراق. فقال المهدي: أنت فلان؟ قال: نعم، أنا صالح. قال: فزنديق؟ قال: لا، ولكن شاعر أفسق في شعري، قال: اقرأه، فالتقوى سكينة، قال: ثم قرأ كتاب الزندقة فقال: أتوب إلى الله فاستبقني، وأنشده لنفسه:
ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه
والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في ثرى رمسه
فقال المهدي: يا قريش، امض به إلى المطبق، قال: ففعلت، فلما قربت من الخروج أمرني فرددته، فقال له: ألست القائل: والشيخ لا يترك أخلاقه؟
_________
(1) البداية والنهاية (10/ 153).
(2) السير (6/ 209).(2/457)
قال: بلى، قال: لا تدع أخلاقك حتى تموت، خذوه. فضربوه بأسيافهم، ثم وثب المهدي فضربه نصفين. (1)
" التعليق:
عرف المهدي بهذه المنقبة العظيمة وجعلها سنة لمن بعده، وذكرى خالدة لمن ذكر وقرأ سيرته. لقد أدرك خليفة المسلمين خطر الزندقة فأعطاها همته، ووضع لها ديوانا وأوصى لابنه عند وفاته بهذه المهمة فنصب موسى ابنه الهادي أعوادا وجذوعا خاصة لصلب الزنادقة فجزى الله الجميع خيرا عن الإسلام والمسلمين.
موقفه من الرافضة:
قال المهدي: ما فتشت رافضيا إلا وجدته زنديقا. (2)
موقفه من القدرية:
جاء في أصول الاعتقاد قال: سمعت الحسين الأخباري يقول: قرأت في أخبار إبراهيم بن المهدي أنه حدث عن ذبية المدني وكان استصحبه لما ولي دمشق أنه كان سبب وروده العراق: أن المهدي أشخص من المدينة ثلاثين شيخا ممن تكلم في القدر واشتهر به. قال: فكنت فيهم فلما مثلنا بين يديه ضربهم بالسياط أجمعين وأخرني. فلما قدمت قال: أراك صبيا، ألم يكن بالمدينة من هو أسن منك تتم به العدة؟ قلت: جماعة يا أمير المؤمنين. فقال: إذن إنما قربت إليهم لأنك تدين بدينهم، ثم دعا بالسياط فلما ضربت سوطا
_________
(1) تاريخ الإسلام (حوادث 161 - 170 ص 269 - 270) وتاريخ بغداد (9/ 303).
(2) أصول الاعتقاد (7/ 1343/2395).(2/458)
فقلت: يا أمير المؤمنين نشدتك الله إلا أدنيتني إليك، أكلمك ولك رأيك. فقدمني فقلت: أنا رجل من أهل المدينة قطن أبي فيها وهو من وادي القرى، وكان تاجرا ذا مال فعلمني القرآن ثم أمرني أن أغدو إلى حلقة ابن أبي ذئب وأروح إلى ربيعة الرأي، فعن لي شيخ لم أكن رأيته قط. فقال لي يا بني: قد بلغت من العلم وما أراك استبصرت في دينك فقلت: وما ذاك يا عم؟ فقال: هل رأيت مقعدا قط؟ قلت: نعم، قال: فلو رأيت رجلا كلفه صعود نخلة ما كنت تقول؟ قلت: جاهل. قال: فلو ضربه على قصوره عن صعودها؟ قلت: ظالم. فقال يا بني هذا حكمك على إنسان فكيف بالله سبحانه في عدله، أتقول إنه يكلف عباده ما ليس في وسعهم ثم يعاقبهم عليه مع قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (1)؟ فتعدني يا أمير المؤمنين بالمقعد؟ قال ذبية: فضحك المهدي أمير المؤمنين ثم أمر فطرح ثيابي علي، فلما لبست أدناني ثم قال: أجبني وأنت آمن.
لو أنك في سفر فرأيت عليلا في برية فاستطعم رجلا فلم يطعمه وتركه ومضى ما كنت قائلا؟ قلت: ظالم، قال: فهل علمت أن أحدا من خلق الله كان في برية عليلا عادما للطعام والشراب؟ قلت: كثيرا، قال: فإن دعا ربه أن ينجيه هل كان الله سبحانه قادرا على أن يطعمه ويسقيه؟ قلت: اللهم نعم، قال: فهل تقول إن دعا ربه أن يطعمه ويرويه فلم يجب دعاءه ومات إن الله ظلمه؟ قلت: لا. قال: فكيف تقول لمن أقعدك مثل هذا؟ قال: لأن الأشياء كلها لله تعالى لا عليه
_________
(1) البقرة الآية (286).(2/459)
والتجوير يجب على من الأشياء عليه لا له، يا ذبية إن الإيمان إذا سكن القلب قبل الاحتجاج لم يخرجه الاحتجاج، وإذا سكن الحجاج قبل الإيمان كان متنقلا متى حاجه من هو أحج منه. فقلت يا أمير المؤمنين: قد والله ثلج بحجاجك صدري وأنا تائب. فأمر لي بجائزة وكسوة وخلى سبيلي. (1)
" التعليق:
هذا الذي فعله أمير المؤمنين المهدي مع هذا الصبي في بيانه لحقيقة القدر، ينفي مزاعم كثير من الكتاب الذين يتبجحون بأن هؤلاء الأمراء كانوا يقتلون على أمور سياسية لا صلة لها بالأمور العقائدية، وقد نبهنا على هذا فيما مضى، والحمد لله رب العالمين.
- وجاء في أصول الاعتقاد بالسند إلى أحمد بن علي الأبار قال: سألت مصعبا الزبيري عن ابن أبي ذئب وقلت له: حدثونا عن أبي عاصم أنه قال: كان ابن أبي ذئب قدريا. قال: معاذ الله إنما كان زمن المهدي أخذوا القدرية وضربوهم ونفوهم فجاء قوم من أهل القدر فجلسوا إليه واعتصموا به من الضرب. فقال قوم: إنما جلسوا إليه لأنه كان يرى القدر، فقد حدثني من أثق به أنه ما تكلم فيه قط. (2)
_________
(1) أصول الاعتقاد (4/ 796 - 799/ 1332).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 800 - 801/ 1336).(2/460)
موقف السلف من الحسن بن صالح بن حي (169 هـ)
قال الذهبي: هو من أئمة الإسلام، لولا تلبسه ببدعة. (1)
قال أبو صالح الفراء: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئا من أمر الفتن، فقال: ذاك يشبه أستاذه -يعني الحسن بن حي- فقلت ليوسف: أما تخاف أن تكون هذه غيبة؟ فقال: لم يا أحمق؟ أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم، كان أضر عليهم. (2)
جاء في السير: قال يحيى القطان: كان سفيان الثوري سيء الرأي في الحسن بن حي. وقال زكريا الساجي، عن أحمد بن محمد البغدادي: قال المزي شيخنا -أظنه أبا بكر الأثرم-: سمعت أبا نعيم يقول: دخل الثوري يوم الجمعة من الباب القبلي، فإذا الحسن بن صالح يصلي، فقال: نعوذ بالله من خشوع النفاق. وأخذ نعليه، فتحول إلى سارية أخرى.
وقال العلاء بن عمرو الحنفي، عن زافر بن سليمان: أردت الحج، فقال لي الحسن بن صالح: إن لقيت أبا عبد الله سفيان الثوري بمكة، فأقره مني السلام، وقل: أنا على الأمر الأول. فلقيت سفيان في الطواف، فقلت: إن أخاك الحسن بن صالح يقرأ عليك السلام، ويقول: أنا على الأمر الأول. قال: فما بال الجمعة؟
_________
(1) السير (7/ 361).
(2) السير (7/ 364).(2/461)
قال الذهبي: كان يترك الجمعة ولا يراها خلف أئمة الجور بزعمه. (1)
وفيها عن أبي عبيدة حدثنا عبد الله بن محمد بن سالم، سمعت رشيدا الخباز -وكان عبدا صالحا- وقد رآه أبو عبيدة، قال: خرجت مع مولاي إلى مكة، فجاورنا، فلما كان ذات يوم، جاء إنسان فقال لسفيان: يا أبا عبد الله، قدم اليوم حسن وعلي ابنا صالح. قال: وأين هما؟ قال: في الطواف. قال: إذا مرا، فأرنيهما. فمر أحدهما، فقلت: هذا علي، ومر الآخر فقلت: هذا حسن. فقال: أما الأول، فصاحب آخرة، وأما الآخر، فصاحب سيف، لا يملأ جوفه شيء. قال: فيقوم إليه رجل ممن كان معنا، فأخبر عليا، ثم مضى مولاي إلى علي يسلم عليه، وجاء سفيان يسلم عليه، فقال له علي: يا أبا عبد الله، ما حملك على أن ذكرت أخي أمس بما ذكرته؟ ما يؤمنك أن تبلغ هذه الكلمة ابن أبي جعفر، فيبعث إليه، فيقتله؟ قال: فنظرت إلى سفيان وهو يقول: أستغفر الله. وجادتا عيناه. (2)
وفيها: عن أبي سعيد الأشج: سمعت ابن إدريس، وذكر له صعق الحسن ابن صالح، فقال: تبسم سفيان أحب إلينا من صعق الحسن. (3)
وفيها: وقال الخريبي: شهدت حسن بن صالح وأخاه وشريك معهم، فاجتمعوا إليه إلى الصباح في السيف.
بشر بن الحارث، وذكر له أبو بكر عبد الرحمن بن عفان الصوفي، فقال:
_________
(1) السير (7/ 362 - 363).
(2) السير (7/ 366).
(3) سير أعلام النبلاء (7/ 364).(2/462)
سمعت حفص بن غياث يقول: هؤلاء يرون السيف، أحسبه عنى ابن حي وأصحابه. ثم قال بشر: هات من لم ير السيف من أهل زمانك كلهم إلا قليل، ولا يرون الصلاة أيضا. ثم قال: كان زائدة يجلس في المسجد يحذر الناس من ابن حي وأصحابه. قال: وكانوا يرون السيف. (1)
وفيها: قال أبو أسامة: أتيت حسن بن صالح، فجعل أصحابه يقولون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله ... ، فقلت: مالي، كفرت؟ قال: لا، ولكن ينقمون عليك صحبة مالك بن مغول، وزائدة. قلت: وأنت تقول هذا؟ لا جلست إليك أبدا. (2)
وفيها عن أبي سعيد الأشج سمعت ابن إدريس: ما أنا وابن حي؟ لا يرى جمعة ولا جهادا. (3)
وفيها عن علي بن الجعد قال: كنت مع زائدة في طريق مكة، فقال لنا يوما: أيكم يحفظ عن مغيرة، عن إبراهيم: أنه توضا بكوز الحُب مرتين؟ قال: فلو قلت: حدثنا شريك أو سفيان، كنت قد استرحت، ولكن قلت: حدثنا الحسن بن صالح، عن مغيرة. قال: والحسن بن صالح أيضا؟ لا حدثتك بحديث أبدا.
أبو أسامة: سمعت زائدة يقول: ابن حي قد استصلب منذ زمان، وما نجد أحدا يصلبه.
_________
(1) سير أعلام النبلاء (7/ 363 - 364).
(2) سير أعلام النبلاء (7/ 364 - 365).
(3) السير (7/ 363).(2/463)
وقال خلف بن تميم: كان زائدة يستتيب من أتى حسن بن صالح.
وقال أحمد بن يونس اليربوعي: لو لم يولد الحسن بن صالح كان خيرا له؛ يترك الجمعة، ويرى السيف، جالسته عشرين سنة، ما رأيته رفع رأسه إلى السماء، ولا ذكر الدنيا. (1)
عن المروذي قال: وسمعت أبا عبد الله -وذكر الحسن بن حي- فقال: لا نرضى مذهبه، وسفيان أحب إلينا. وقد كان ابن حي قعد عن الجمعة، وكان يرى السيف. وقال: قد فتن الناس بسكوته وورعه. وقال: لقد ذكر رجلا فلطم فم نفسه، وقال: ما أردت أن أذكره. (2)
موسى بن محمد (الهادي) (3) (170 هـ)
موسى بن المهدي محمد بن المنصور عبد الله أبو محمد الهاشمي العباسي. ولي عهد أبيه فلما مات أبوه تسلم الخلافة. قال فيه الذهبي: وكان يشرب المسكر وفيه ظلم وشهامة ولعب وربما ركب حمارا فارها وكان شجاعا فصيحا لسنا أديبا مهيبا، عظيم السطوة. كانت خلافته سنة وشهرا. توفي سنة سبعين ومائة.
_________
(1) السير (7/ 365).
(2) طبقات الحنابلة (1/ 58).
(3) تاريخ بغداد (13/ 21 - 25) والبداية والنهاية (10/ 163 - 164) والكامل في التاريخ (6/ 96 - 106) والسير (7/ 441 - 444) وتاريخ الطبري (8/ 205 - 229) وشذرات الذهب (1/ 271 - 274).(2/464)
موقفه من المشركين:
- جاء في السير: وكان كوالده في استئصال الزنادقة وتتبعهم، فقتل عدة، منهم: يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم. (1)
- وجاء في الكامل لابن الأثير: وفيها أي سنة تسع وستين ومائة: اشتد طلب المهدي للزنادقة فقتل منهم جماعة منهم علي بن يقطين وقتل أيضا يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان سبب قتله أنه أتي به إلى المهدي، فأقر بالزندقة وقال: لو كان ما تقول حقا لكنت حقيقا أن تتعصب لمحمد ولولا محمد من كنت؟ أما والله لولا أني جعلت على نفسي أن لا أقتل هاشميا لقتلتك. ثم قال للهادي: أقسمت عليك إن وليت هذا الأمر لتقتلنه ثم حبسه فلما مات المهدي قتله الهادي وكذلك أيضا كان عهد إليه بقتل ولد لداوود بن علي بن عبد الله بن عباس، كان زنديقا فمات في الحبس قبل المهدي. ولما قتل يعقوب أدخل أولاده على الهادي فأقرت ابنته فاطمة أنها حبلى من أبيها فخوفت فماتت من الفزع. (2)
_________
(1) السير (7/ 443).
(2) الكامل (6/ 89).(2/465)
سلام بن سليمان (1) (171 هـ)
سَلاَّم بن سُلَيْمَان المُزَنِي أبو المنذر القارئ النحوي الكوفي يقال: إنه مولى معقل بن يسار المزني وأصله من البصرة. روى عن أيوب السختياني وثابت البناني وداود بن أبي هند وعاصم بن أبي النجود ومطر الوراق ويونس ابن عبيد. روى عنه سفيان بن عيينة وزيد بن الحباب وعفان بن مسلم وداود ابن إبراهيم العقيلي وحفص بن عمر وإبراهيم بن الحسن العلاف. قال زكريا الساجي: سلام أبو المنذر صدوق، كان صاحب سنة، وكان يؤم بجامع البصرة. وقال غيره: صاحب سنة شديد الإنكار. وقال ابن الجزري: ثقة جليل ومقرئ كبير. توفي سنة إحدى وسبعين ومائة.
موقفه من الجهمية:
عن عفان قال: شهدت سلام أبا المنذر -قارئ أهل البصرة- وقد جاءه رجل والمصحف في حجره، فقال: ما هذا يا أبا المنذر؟ قال: قم يا زنديق، هذا كلام الله غير مخلوق. (2)
موقفه من القدرية:
- جاء في السنة لعبد الله قال: حدثت عن حوثرة بن أشرس قال: سمعت سلاما أبا المنذر غير مرة وهو يقول: سلوهم عن العلم؟ هل علم أو لم يعلم، فإن قالوا: قد علم فليس في أيديهم شيء، وإن قالوا لم يعلم فقد حلت
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 282) وتهذيب الكمال (12/ 288 - 291) وتقريب التهذيب (1/ 342) وتاريخ بغداد (9/ 197 - 198) وشذرات الذهب (1/ 279) وغاية النهاية (1/ 309) ومعرفة القراء الكبار (1/ 132 - 133).
(2) الإبانة (2/ 12/55 - 56/ 253).(2/466)
دماؤهم. (1)
- وجاء في تهذيب الكمال عن أبي داود قال: سلام أبو المنذر أستاذ يعقوب لم يكن أحد أشد على القدرية منه. (2)
زهير بن معاوية (3) (173 هـ)
زُهَيْر بن معاوية بن حُدَيْج بن الرُّحَيْل أبو خَيْثَمَة الحافظ، الإمام المجود، محدث الجزيرة. كان من أوعية العلم صاحب حفظ وإتقان. ولد سنة خمس وتسعين. حدث عن أبي إسحاق السبيعي وزبيد بن الحارث اليامي وسماك بن حرب وغيرهم. حدث عنه ابن المبارك وابن مهدي وأبو داود الطيالسي وآخرون. قال معاذ بن معاذ: إذا سمعت الحديث من زهير لا أبالي أن لا أسمعه من سفيان الثوري. قال أحمد: زهير بن معاوية من معادن العلم. وقال أبو حاتم الرازي: زهير أحب إلينا من إسرائيل في كل شيء إلا في حديث جده أبي إسحاق. قيل لأبي حاتم فزائدة وزهير؟ فقال: زهير أتقى وهو صاحب سنة غير أنه تأخر سماعه من أبي إسحاق. كان زهير أحد الحفاظ الأعلام حتى بالغ فيه شعيب بن حرب فقال: كان أحفظ من عشرين شعبة. توفي زهير سنة ثلاث وسبعين ومائة وكان من أبناء الثمانين.
_________
(1) السنة (120).
(2) تهذيب الكمال (12/ 290).
(3) السير (8/ 181 - 187) وطبقات ابن سعد (6/ 376 - 377) وتهذيب الكمال (9/ 420 - 425) وميزان الاعتدال (2/ 86) وتهذيب التهذيب (3/ 351 - 353) الشذرات (1/ 282).(2/467)
موقفه من الرافضة:
قال زهير بن معاوية: أبو بكر وعمر وعثمان لولا أن نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - لتمنيت أن يحشرني الله مع عمر. (1)
نوح بن أبي مريم (2) (173 هـ)
نوح بن أبي مريم، أبو عِصْمَة المروزي، عالم أهل مرو. أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى، والحديث عن حجاج بن أرطأة، والتفسير عن الكلبي ومقاتل، والمغازي عن ابن إسحاق. روى عنه نعيم بن حماد، وسويد ابن نصر. ولي قضاء مرو في خلافة المنصور. قال الحافظ: كذبوه في الحديث. توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة.
موقفه من الجهمية:
قال أحمد عنه: كان شديدا على الجهمية والرد عليهم. تعلم منه نعيم ابن حماد الرد على الجهمية. (3)
عبد الرحمن بن أبي الزِّنَاد (4) (174 هـ)
الإمام، الفقيه، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الزناد، المدني. سمع من أبيه،
_________
(1) السنة للخلال (1/ 400 - 401).
(2) تهذيب الكمال (30/ 56) وميزان الاعتدال (4/ 279) والجرح والتعديل (8/ 484) وتهذيب التهذيب (10/ 486 - 489) وتاريخ الإسلام (حوادث 171 - 180/ص.386 - 388) والتقريب (7236).
(3) تهذيب الكمال (30/ 59).
(4) السير (8/ 167) وتهذيب الكمال (17/ 95) وتهذيب التهذيب (6/ 170) وميزان الاعتدال (2/ 575).(2/468)
وسهيل بن أبي صالح، وهشام بن عروة. وحدث عنه ابن جريج، وهو من شيوخه، وسعيد بن منصور، وأحمد بن يونس. قال ابن سعد: كان فقيها مفتيا. قال الداني: أخذ القراءة عرضا عن أبي جعفر، وروى الحروف عن نافع. توفي سنة أربع وسبعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: أدركنا أهل الفضل والفقه من خيار أولية الناس يعيبون أهل الجدل والتنقيب والأخذ بالرأي أشد العيب، وينهوننا عن لقائهم ومجالستهم، وحذرونا مقاربتهم أشد التحذير، ويخبرونا أنهم على ضلال وتحريف لتأويل كتاب الله وسنن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما توفي رسول الله حتى كره المسائل والتنقيب عن الأمور وزجر عن ذلك، وحذره المسلمين في غير موضع حتى كان من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في كراهية ذلك أن قال: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" (1). فأي امرئ أكب على التنقيب لم يعقل من هذا. ولم يبلغ الناس يوم قيل لهم هذا القول من الكشف عن الأمور جزءا من مائة جزء مما بلغوا اليوم، فهل هلك أهل الأهواء وخالفوا الحق إلا بأخذهم بالجدل والتفكير في دينهم؟! فهم كل يوم على دين ضلالة وشبهة جديدة، لا يقيمون على دين -وإن أعجبهم- إلا نقلهم الجدل والتفكير إلى دين سواه، ولو لزموا السنن وأمر المسلمين وتركوا
_________
(1) تقدم تخريجه ضمن مواقف أبي الزناد عبد الله بن ذكوان سنة (130هـ).(2/469)
الجدل لقطعوا عنهم الشك وأخذوا بالأثر الذي حضهم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (1)
ابن لهيعة (2) (174 هـ)
عبد الله بن لَهِيعَة بن عُقْبَة بن فُرْعَان أبو عبد الرحمن القاضي الإمام العلامة، محدث ديار مصر مع الليث، ولد سنة خمس أو ست وتسعين وطلب العلم في صباه ولقي الكبار بمصر والحرمين. سمع من الأعرج صاحب أبي هريرة ومن موسى بن وردان وعطاء بن أبي رباح وغيرهم. وروى عنه حفيده أحمد بن عيسى وعمرو بن الحارث والأوزاعي وشعبة والثوري وماتوا قبله والليث بن سعد ومالك وغيرهم. وكان من بحور العلم على لين فيه. قال روح بن صلاح: لقي ابن لهيعة اثنين وسبعين تابعيا. حدث إسحاق بن عيسى أنه لقيه في سنة أربع وستين وأن كتبه احترقت سنة تسع وستين ومائة. قال عنه أحمد بن حنبل: ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة. وقال أحمد ابن صالح: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلابا للعلم. قال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع. قال الذهبي: ولكن ابن لهيعة تهاون بالإتقان، وروى مناكير فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم. ومات بمصر يوم الأحد للنصف من شهر ربيع الأول سنة أربع وسبعين ومائة في خلافة هارون.
_________
(1) الإبانة (2/ 3/532/ 658).
(2) السير (8/ 11 - 31) وطبقات ابن سعد (7/ 516 - 517) وتهذيب الكمال (15/ 487 - 503) وتذكرة الحفاظ (1/ 237 - 239) وشذرات الذهب (1/ 283 - 284) وتهذيب التهذيب (5/ 373 - 379).(2/470)
موقفه من الرافضة:
قال سعيد بن أبي مريم: سمعت ابن لهيعة يقول: عمرو بن جابر كان ضعيف العقل، كان يقول: علي في السحاب. كان يجلس معنا فيبصر سحابة فيقول: هذا علي قد مر في السحاب. (1)
موقفه من الجهمية:
عن يحيى بن خلف قال: لقيت ابن لهيعة فقلت: ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق؟ قال: كافر. (2)
الليث بن سعد (3) (175 هـ)
اللَّيث بن سعد بن عبد الرحمن الإمام الحافظ شيخ الإسلام وعالم الديار المصرية أبو الحارث الفهمي مولى خالد بن ثابت بن ظاعن. روى عن جعفر ابن ربيعة وبكير بن عبد الله بن الأشج وسعيد بن أبي سعيد المقبري وأبي الزناد وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة وطائفة. وعنه عبد الله بن المبارك والقعنبي وعبد الله بن وهب وقتيبة بن سعيد ويحيى بن عبد الله بن بكير وكاتبه أبو صالح وابنه شعيب وآخرون. قال ابن بكير: كان الليث فقيه البدن، عربي اللسان،
_________
(1) الميزان (3/ 250).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 275 - 277/ 412) والإبانة (2/ 12/52 - 54/ 251) والميزان (2/ 478).
(3) طبقات ابن سعد (7/ 517) وتاريخ ابن معين (2/ 501) وتاريخ خليفة (449) ومشاهير علماء الأمصار (191) وحلية الأولياء (7/ 318 - 327) والسير (8/ 136 - 163) وتاريخ بغداد (13/ 3 - 14) وتهذيب الكمال (24/ 255 - 279) ووفيات الأعيان (4/ 127 - 132) وتذكرة الحفاظ (1/ 224 - 226) وميزان الاعتدال (3/ 423) وشذرات الذهب (1/ 285 - 286).(2/471)
يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة. وقال ابن وهب: لولا مالك والليث لضللنا. وقال الشافعي: الليث أتبع للأثر من مالك. عن الليث قال لي الرشيد: ما صلاح بلدكم؟ قلت: بإجراء النيل وبصلاح أميرها، ومن رأس العين يأتي الكدر، فإن صفت العين صفت السواقي. قال: صدقت. توفي سنة خمس وسبعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في تلبيس إبليس عنه قال: لو رأيت صاحب بدعة يمشي على الماء ما قبلته. فقال الشافعي: إنه ما قصر لو رأيته يمشى على الهواء ما قبلته. (1)
- جاء في السير عن عبد الله بن أحمد بن شبويه: سمعت سعيد بن أبي مريم سمعت ليث بن سعد يقول: بلغت الثمانين وما نازعت صاحب هوى قط. (2)
" التعليق:
قال الذهبي: كانت الأهواء والبدع خاملة في زمن الليث، ومالك، والأوزاعي، والسنن ظاهرة عزيزة. فأما في زمن أحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي عبيد، فظهرت البدعة، وامتحن أئمة الأثر، ورفع أهل الأهواء رؤوسهم بدخول الدولة معهم، فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة، ثم كثر ذلك، واحتج عليهم العلماء أيضا بالمعقول، فطال الجدال، واشتد النزاع،
_________
(1) التلبيس (ص.24).
(2) السير (8/ 144) وذم الكلام (ص.223).(2/472)
وتولدت الشبه. نسأل الله العافية. (1)
موقفه من المشركين:
قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - القتل، وممن قاله مالك والليث وأحمد وإسحاق، وهو مذهب الشافعي. (2)
موقفه من الرافضة:
جاء في السير عن جعفر بن محمد الرسعني: حدثنا عثمان بن صالح، قال: كان أهل مصر ينتقصون عثمان، حتى نشأ فيهم الليث، فحدثهم بفضائله، فكفوا. وكان أهل حمص ينتقصون عليا حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش، فحدثهم بفضائل علي، فكفوا عن ذلك. (3)
موقفه من الجهمية:
جاء في الإبانة: عن يحيى بن خلف المقرئ بطرطوس قال: وذكر أنه أتى عليه اثنتان وثمانون سنة، وذكر أنه أتى المدينة سنة ست وستين ومئة، فلقي مالك بن أنس وأتاه رجل، فقال: يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: كافر زنديق، اقتلوه. ثم قدمت البصرة، فلقيت الليث بن سعد قال: فقلت له: ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: كافر. (4)
_________
(1) السير (8/ 144).
(2) الصارم المسلول (9).
(3) السير (8/ 148)
(4) الإبانة (2/ 12/52 - 54/ 251) وأصول الاعتقاد (2/ 275 - 277/ 412).(2/473)
موقفه من القدرية:
جاء في الإبانة عن ابن وهب: سمعت الليث بن سعد يقول في المكذب في القدر: ما هو بأهل أن يعاد في مرضه، ولا يرغب في شهود جنازته ولا تجاب دعوته. (1)
أبو عوانة (2) (175 هـ)
الوَضَّاح بن عبد الله الإمام الحافظ الثبت محدث البصرة أبو عَوَانَة الواسطي البزاز مولى يزيد بن عطاء اليَشْكُرِي. رأى الحسن وابن سيرين. روى عن الأعمش وسماك بن حرب ومحمد بن المنكدر والحكم بن عتيبة وطائفة. وعنه شعبة وابن مهدي ومسدد ووكيع وأبو داود الطيالسي وآخرون. قال حجاج الأعور: قال لي شعبة: الزم أبا عوانة. وقال عبد الرحمن ابن مهدي: أبو عوانة وهشام الدستوائي كسعيد بن أبي عروبة وهمام. وقال ابن حبان: كان من أهل الفضل والنسك ممن عني بالعلم صغيرا، وانتفع به كبيرا. توفي سنة خمس وسبعين ومائة، وقيل سنة ست.
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة: قال عبد الله: حدثني نصر بن علي حدثنا الأصمعي
_________
(1) الإبانة (2/ 10/255 - 256/ 1857) والشريعة (1/ 436/550).
(2) تهذيب الكمال (30/ 441 - 448) والسير (8/ 217 - 222) والجرح والتعديل (9/ 40 - 41) وتاريخ بغداد (13 - 490 - 495) والتاريخ لابن معين (2/ 629) وميزان الاعتدال (4/ 334) وتذكرة الحفاظ (1/ 236 - 237) وتهذيب التهذيب (11/ 118).(2/474)
حدثنا أبو عوانة قال ما رأيت عمرو بن عبيد ولا جالسته قط إلا مرة واحدة قال: فتكلم وطول. ثم قال حين فرغ: لو نزل من السماء ملك ما زادكم على هذا. (1)
عبد الله بن فروخ (2) (175 هـ)
عبد الله بن فَرُّوخ أبو محمد الفارسي المغربي فقيه القيروان وزاهدها. روى عن سفيان الثوري وسليمان الأعمش وعبد الله بن عون وعبد الملك بن جريج وهشام بن عروة. روى عنه خلاد بن هلال وسعيد بن أبي مريم وعمرو بن الربيع وهشام بن عبيد الله. قال أبو بكر المالكي: كان رجلا صالحا فاضلا متواضعا، قليل الهيبة للملوك، لا يخاف في الله لومة لائم، مباينا لأهل البدع، حافظا للحديث والفقه، وكان الإمام مالك يعظمه ويكرمه، ويقول عنه: فقيه أهل المغرب. وقال عنه ابن أبي مريم: هو أرضى أهل الأرض عندي.
قال ابن يونس: مات بعد انصرافه من الحج سنة خمس وسبعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- له كتاب في الرد على المبتدعة سماه: 'الرد على أهل الأهواء والبدع'. (3)
_________
(1) السنة لعبد الله (149 - 150) والميزان (3/ 277) بنحوه.
(2) ترتيب المدارك (1/ 194 - 199) والوافي بالوفيات (17/ 399 - 400) وتهذيب الكمال (15/ 428 - 430) وميزان الاعتدال (2/ 471) والكامل لابن عدي (4/ 1515 - 1517) ورياض النفوس (1/ 176 - 179).
(3) الأعلام للزركلي (4/ 112) ومعجم المؤلفين (6/ 102).(2/475)
- جاء في الاعتصام: أن أبا العرب التميمي حكى عن ابن فروخ: أنه كتب إلى مالك بن أنس أن بلدنا كثير البدع، وأنه ألف لهم كلاما في الرد عليهم. فكتب إليه مالك يقول له: إن ظننت ذلك بنفسك، خفت أن تزل فتهلك، لا يرد عليهم إلا من كان ضابطا عارفا بما يقول لهم، لا يقدرون أن يعرجوا عليه، فهذا لا بأس به، وأما غير ذلك، فإني أخاف أن يكلمهم فيخطئ فيمضوا على خطئه، أو يظفروا منه بشيء فيطغوا ويزدادوا تماديا على ذلك. (1)
سعيد بن عبد الرحمن الجمحي (2) (176 هـ)
سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله القرشي الجُمَحِيّ. روى عن سعد ابن إسحاق بن كعب بن عجرة، وسلمة بن دينار، وسهيل بن أبي صالح وروى عنه إبراهيم بن عبد الله بن حاتم، وأحمد بن إبراهيم الموصلي، وعبد الله ابن وهب. قال الزبير بن بكار: ولي القضاء للرشيد ببغداد، وقال الشاعر يرثيه:
ثلمة في الإسلام موت سعيد ... شملت كل مخلص التوحيد
ذاك أني رأيته لا يبالي ... في تقى الله لوم أهل الوعيد
مات سنة ست وسبعين ومائة.
_________
(1) الاعتصام (1/ 44) ورياض النفوس (1/ 177) وترتيب المدارك (1/ 198).
(2) تهذيب الكمال (10/ 528) وتهذيب التهذيب (4/ 55) وميزان الاعتدال (2/ 528) وتاريخ بغداد (9/ 67) والوافي بالوفيات (15/ 237) وتاريخ الإسلام (حوادث 171 - 180/ص.132 - 134).(2/476)
موقفه من الجهمية:
عن إبراهيم بن سعد وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي ووهب بن جرير وأبي النضر هاشم بن القاسم وسليمان بن حرب قالوا: القرآن ليس بمخلوق. (1)
محمد بن مسلم (2) (177 هـ)
محمد بن مُسْلِم بن سوسن أبو عبد الله الطائفي المكي. روى عن عمرو ابن دينار وابن طاووس وإبراهيم بن ميسرة وجماعة. وعنه أسد السنة (3) والقعنبي ويحيى بن يحيى وقتيبة وغيرهم. وقال مُعَرِّفُ بن واصل: رأيت سفيان الثوري بين يدي محمد بن مسلم يكتب. عن عبد الرزاق قال: ما كان أعجب من محمد بن مسلم الطائفي إلى سفيان الثوري. مات سنة سبع وسبعين ومائة.
موقفه من المرجئة:
عن محمد بن مسلم الطائفي: لا يصلح قول إلا بعمل. (4)
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 277 - 278/ 416) والسنة لعبد الله (30).
(2) السير (8/ 176) وتهذيب الكمال (26/ 412 - 415) وميزان الاعتدال (4/ 40) وشذرات الذهب (1/ 288) طبقات ابن سعد (5/ 522) وتهذيب التهذيب (9/ 444 - 445).
(3) هو أسد بن موسى.
(4) السنة لعبد الله (94).(2/477)
شريك بن عبد الله القاضي (1) (177 هـ)
شَرِيك بن عبد الله بن أبي شَرِيك العلامة الحافظ القاضي أبو عبد الله النخعي الكوفي أحد الأعلام. أدرك زمان عمر بن عبد العزيز. روى عن جامع ابن شداد وسماك بن حرب وسليمان الأعمش وسلمة بن كهيل وطائفة. روى عنه يحيى القطان وعبد الله بن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي وابنه عبد الرحمن وآخرون. عن حمدان بن الأصبهاني قال: كنت عند شريك، فأتاه ابن المهدي، فاستند وسأل عن حديث، فلم يلتفت شريك، فأعاد فعاد، فقال: كأنك تستخف بأولاد الخلفاء؟ قال: لا، ولكن العلم أزين عند أهله من أن يضيعوه. قال: فجثا على ركبتيه فسأل، فقال شريك: هكذا يطلب العلم. وقال شريك: ترى أصحاب الحديث هؤلاء يطلبونه لله. إنما يتظرفون به. وقال: ترك الجواب في موضعه إذاية القلب. توفي سنة سبع وسبعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في ذم الكلام عنه قال: أثر فيه بعض الضعف أحب إلي من رأيهم. (2)
- عن يحيى بن يسار قال: سمعت شريكا يقول: لأن يكون في كل قبيلة
_________
(1) تاريخ بغداد (9/ 279 - 295) والجرح والتعديل (4/ 365 - 367) والسير (8/ 200 - 216) والكامل لابن عدي (4/ 1321 - 1338) وتهذيب الكمال (12/ 462 - 475) وميزان الاعتدال (2/ 270 - 274) وتذكرة الحفاظ (1/ 232) والبداية والنهاية (10/ 177) ووفيات الأعيان (2/ 464 - 468) وشذرات الذهب (1/ 287).
(2) ذم الكلام (ص.98) والسير (8/ 207).(2/478)
حمار أحب إلي من أن يكون فيها رجل من أصحاب أبي فلان، رجل كان مبتدعا. (1)
- جاء في أصول الاعتقاد: تقدم حماد بن أبي حنيفة إلى شريك بن عبد الله وهو قاض في شهادة، فقال له شريك: لا أقبل شهادتك قال: لم ترد شهادتي؟ فقال: أما إني لا أطعن عليك في بطن ولا فرج ولكن متى تدع الخصومة في الدين أجزت شهادتك. (2)
- جاء في ميزان الاعتدال: عن معاوية بن صالح، سألت أحمد عن شريك، فقال: كان عاقلا صدوقا محدثا، وكان شديدا على أهل الريب والبدع. (3)
موقفه من المشركين:
جاء في السير عن نصر بن المجدر قال: كنت شاهدا حين أدخل شريك، ومعه أبو أمية، وكان أبو أمية رفع إلى المهدي أن شريكا حدثه عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإذا زاغوا عن الحق فضعوا سيوفكم على عواتقكم، ثم أبيدوا خضراءهم.
قال المهدي: أنت حدثت بهذا؟ قال: لا. فقال أبو أمية: علي المشي إلى بيت الله، وكل مالي صدقة، إن لم يكن حدثني. فقال شريك: وعلي مثل
_________
(1) الإبانة (2/ 3/469/ 472).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 146/224).
(3) ميزان الاعتدال (2/ 273).(2/479)
الذي عليه إن كنت حدثته. فكأن المهدي رضي. فقال أبو أمية: يا أمير المؤمنين، عندك أدهى العرب، إنما يعني مثل الذي علي من الثياب. قل له يحلف كما حلفت. فقال: احلف. فقال شريك: قد حدثته. فقال المهدي: ويلي على شارب الخمر -يعني الأعمش، وذلك أنه كان يشرب المنصف- لو علمت موضع قبره لأحرقته. قال شريك: لم يكن يهوديا، كان رجلا صالحا، قال: بل زنديق. قال: للزنديق علامات: بتركه الجمعات، وجلوسه مع القيان، وشربه الخمر. فقال: والله لأقتلنك. قال: ابتلاك الله بمهجتي. قال: أخرجوه، فأخرج، وجعل الحرس يشققون ثيابه، وخرقوا قلنسوته، قال نصر: فقلت لهم: أبو عبد الله. فقال المهدي: دعهم. (1)
موقفه من الرافضة:
- جاء في السنة: قال عبد الله: حدثني أبي حدثنا حجاج سمعت شريكا وذكر المرجئة فقال: لهم أخبث قوم وحسبك بالرافضة خبثا ولكن المرجئة يكذبون على الله. (2)
- جاء في السير: قال ابن عيينة: قيل لشريك: ما تقول فيمن يفضل عليا على أبي بكر؟ قال: إذا يفتضح، يقول: أخطأ المسلمون. (3)
- وفيها: قال حفص بن غياث، من طريق علي بن خشرم، عنه: سمعت شريكا يقول: قبض النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستخار المسلمون أبا بكر، فلو علموا
_________
(1) السير (8/ 215 - 216).
(2) السنة لعبد الله (83) وأصول الاعتقاد (5/ 1066/1824) والإبانة (2/ 7/886/ 1225) والشريعة (1/ 310/339) ومجموع الفتاوى (/395).
(3) السير (8/ 204) وهو في السنة للخلال (2/ 376).(2/480)
أن فيهم أحدا أفضل منه كانوا قد غشونا، ثم استخلف أبو بكر عمر، فقام بما قام به من الحق والعدل، فلما حضرته الوفاة، جعل الأمر شورى بين ستة، فاجتمعوا على عثمان. فلو علموا أن فيهم أفضل منه كانوا قد غشونا. (1)
- وجاء في الميزان: قال محمد بن سعيد بن الأصبهاني: سمعت شريكا يقول: احمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة، فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه دينا. (2)
- وجاء في أصول الاعتقاد: قال شريك لقوم من الشيعة: إنا ما علمنا بعلي حين صعد المنبر فقال: إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، والله ما سألناه عن ذلك يا جاهل، أفترانا حين يقوم فنقول له كذبت. (3)
- وفيه: عن إبراهيم بن أعين قال: سألت شريك بن عبد الله فقلت: يا أبا عبد الله أرأيت من قال: لا أفضل أحدا على أحد قال: هذا أحمق أليس قد فضل أبو بكر وعمر قال: قلت: فأدركت أحدا يفضل عليهما؟ قال: لا إلا مفتضح. (4)
- وجاء في السنة للخلال: قال شريك ليس يقدم أحد على أبي بكر وعمر فيه خير. (5)
- وفيها: قال شريك: من زعم أن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قدموا عثمان
_________
(1) السير (8/ 209).
(2) الميزان (1/ 28) المنهاج (1/ 60).
(3) أصول الاعتقاد (8/ 1448/2607) وفي الشريعة (3/ 563/2077) والسنة للخلال (2/ 376).
(4) أصول الاعتقاد (8/ 1451/2617) وفي الميزان (2/ 271).
(5) السنة للخلال (1/ 376).(2/481)
وليس هو أفضلهم في أنفسهم فقد خون أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -. (1)
- ذكر أبو القاسم البلخى، قال: سأل سائل شريك بن عبد الله بن أبى نمر فقال له: أيهما أفضل أبو بكر أو علي، فقال له: أبو بكر، فقال له السائل: أتقول هذا وأنت من الشيعة؟ فقال: نعم، إنما الشيعي من قال مثل هذا والله لقد رقى علي هذا الأعواد فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر. أفكنا نرد قوله؟ أكنا نكذبه؟ والله ما كان كذابا. (2)
موقفه من الجهمية:
جاء في السير: عن عباد بن العوام، قال: قدم علينا شريك من نحو خمسين سنة، فقلنا له: إن عندنا قوما من المعتزلة، ينكرون هذه الأحاديث: "إن أهل الجنة يرون ربهم" (3) و"إن الله ينزل إلى السماء الدنيا" (4)، فحدث شريك بنحو من عشرة أحاديث في هذا، ثم قال: أما نحن، فأخذنا ديننا عن أبناء التابعين عن الصحابة، فهم عمن أخذوا؟. (5)
موقفه من المرجئة:
- عن أحمد بن سنان القطان أبي جعفر الواسطي قال ثنا خالي موسى ابن عمران -وكان قد كتب عن شريك- قال: استأذن شريك على المهدي
_________
(1) السنة للخلال (1/ 393).
(2) المنهاج (1/ 13 - 14).
(3) انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون سنة (164هـ).
(4) انظر تخريجه في مواقف حماد بن سلمة سنة (167هـ).
(5) السير (8/ 208) والسنة لعبد الله (66 - 67) وأصول الاعتقاد (3/ 559/879) والشريعة (2/ 94/739) والفتاوى (5/ 387).(2/482)
وعنده أبو يوسف القاضي وامتريا. فقال المهدي: الصلاة من الإيمان. وقال أبو يوسف: الصلاة ليس من الإيمان. واستأذن شريك، فقال المهدي: قد جاء من يفصل بيننا. قال: فلما دخل سلم، قال: فرد عليه فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في رجلين امتريا فقال أحدهما: الصلاة من الإيمان وقال الآخر الصلاة من العمل؟ قال: أصاب الذي قال: الصلاة من الإيمان وأخطأ الذي قال الصلاة من العمل. قال فقال أبو يوسف: من أين قلت ذي؟ فقال حدثني أبو إسحاق: عن البراء بن عازب في قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (1) قال: صلاتكم نحو بيت المقدس. قال: فألقمه حجرا. (2)
- عن أبي سلمة الخزاعي قال: قال مالك بن أنس وشريك وأبو بكر ابن عياش وعبد العزيز بن أبي سلمة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد: الإيمان المعرفة والإقرار والعمل. (3)
- عن أبي نعيم قال: مرت بنا جنازة مسعر بن كدام منذ خمسين سنة ليس فيها سفيان ولا شريك. (4)
- عن عبد الرحمن بن مهدي قال: بلغني أن شعبة قال لشريك: كيف لا تجيز شهادة المرجئة؟ قال: كيف أجيز شهادة قوم يزعمون أن الصلاة ليست من الإيمان. (5)
_________
(1) البقرة الآية (143).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 898 - 899/ 1508).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 931/1587) والسنة لعبد الله (83).
(4) أصول الاعتقاد (5/ 1066 - 1067/ 1826).
(5) السنة لعبد الله (93).(2/483)
- وعن يحيى بن آدم قال: شهد أبو يوسف عند شريك بشهادة، فقال له: قم وأبى أن يجيز شهادته، فقيل ترد شهادته؟ فقال: أجيز شهادة رجل يقول: الصلاة ليست من الإيمان! (1)
عتبة الغلام (2) (178 هـ)
عتبة بن أبان البصري الزاهد الخاشع، كان يشبه في حزنه بالحسن البصري، وكان من نساك أهل البصرة، وكان رأس ماله فلسا، يشتري به خوصا، يعمله ويبيعه بثلاثة فلوس، فيتصدق بفلس ويتعشى بفلس، وفلس رأس ماله. وذكرت له أمور في التقشف.
من أقواله: من عرف الله أحبه، ومن أحبه أطاعه. وقال أيضا: إنما أبكي على تقصيري. وقال أيضا: لا يعجبني رجل ألا يحترف.
موقفه من المبتدعة:
جاء في الإبانة: عن جعفر بن سليمان الضبعي قال: سمعت عتبة الغلام يقول: من لم يكن معنا فهو علينا. (3)
_________
(1) السنة للخلال (3/ 585/1024).
(2) السير (7/ 62 - 63) والحلية (6/ 226 - 238) ومشاهير علماء الأمصار (ص.240).
(3) الإبانة (2/ 3/473/ 487).(2/484)
محمد بن النضر الحارثي (1) (ما بين 171 هـ و180 هـ)
محمد بن النَّضْر الحارثيّ الكوفي أبو عبد الرحمن. روى عن الأوزاعي. وروى عنه ابن مهدي، وخالد بن يزيد، وعبد الله بن المبارك. من أقواله: أول العلم الاستماع والإنصات، ثم حفظه، ثم العمل به، ثم بثه. وقال عنه ابن المبارك: كان محمد بن النضر إذا ذكر الموت، اضطربت مفاصله. وعن أبي الأحوص، قال: آلى محمد بن النضر على نفسه أن لا ينام إلا ما غلبته عينه.
ذكر الذهبي أنه من طبقة شريك القاضي المتوفى سنة (177هـ) وأورده في تاريخه ضمن وفيات الطبقة الثامنة عشر المؤرخة بين (171هـ و180هـ).
موقفه من المبتدعة:
- روى اللالكائي عنه قال: من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم أنه صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه. (2)
- وروى ابن بطة بسنده إلى عبادة بن كليب، قال: قال محمد بن النضر الحارثي: إن أصحاب الأهواء قد أخذوا في تأسيس الضلالة وطمس الهدى فاحذروهم. (3)
_________
(1) السير (8/ 175) وتاريخ الإسلام (وفيات 171هـ-180هـ/ ص.353 - 354) والجرح والتعديل (8/ 110).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 153/252) والإبانة (2/ 3/459/ 434) وذم الكلام (ص.220).
(3) الإبانة (2/ 3/462/ 448).(2/485)
مالك بن أنس (1) (179 هـ)
مالك بن أنس بن مالك شيخ الإسلام وحجة الأمة، إمام دار الهجرة أبو عبد الله الحِمْيَرِي ثم الأَصْبَحِيّ المدني. حدث عن خلق كثير منهم: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وحميد الطويل وداود بن الحصين وربيعة الرأي وزيد بن أسلم وغيرهم. حدث عنه عبد الرحمن بن مهدي وشعبة بن الحجاج والقعنبي وعبد الله بن يوسف وعبد الله بن المبارك ويحيى بن سعيد القطان ومعن بن عيسى وآخرون. قال الشافعي: إذا جاءك الأثر من مالك فشد به يدك، وقال: إذا ذكر العلماء فمالك النجم. وعن ابن عيينة قال: مالك عالم أهل الحجاز، وهو حجة زمانه. ومناقبه كثيرة جدا وثناء الأئمة عليه أكثر. قال أبو مصعب: سمعت مالكا يقول: سألني أبو جعفر عن أشياء ثم قال: أنت والله أعقل الناس، وأنت أعلم الناس، قلت: لا والله يا أمير المؤمنين. قال: بلى، ولكنك تكتم. والله لو بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف، ولأبعثن به إلى الآفاق، فأحملهم عليه.
من أقواله رحمه الله: العلم ينقص ولا يزيد، ولم يزل العلم ينقص بعد الأنبياء والكتب، ومنها: اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع، ومنها: حق على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية،
_________
(1) ترتيب المدارك (1/ 44 - 140) والسير (8/ 48 - 135) والانتقاء من فضائل الأئمة الفقهاء (9/ 37) والحلية (6/ 316 - 355) وتاريخ خليفة (451) ومشاهير علماء الأمصار (140) والفهرست لابن النديم (280 - 281) وتهذيب الكمال (27/ 91 - 120) ووفيات الأعيان (4/ 135 - 139) وتذكرة الحفاظ (1/ 207 - 213) والبداية والنهاية (10/ 180) وتاريخ ابن معين (2/ 543 - 546) والأنساب (1/ 287 - 288) وشذرات الذهب (1/ 289 - 292) والديباج المذهب (1/ 55 - 139).(3/1)
والعلم حسن لمن رزق خيره، وهو قسم من الله تعالى، فلا تمكن الناس من نفسك، فإن من سعادة المرء أن يوفق للخير، وإن من شقوة المرء أن لا يزال يخطئ، وذل وإهانة للعلم أن يتكلم الرجل بالعلم عند من لا يطيعه. توفي سنة تسع وسبعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- روى الخطيب في شرف أصحاب الحديث: عن عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت مالك بن أنس رضي الله عنه يقول: سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولاة الأمر بعده سننا فالأخذ بها تصديق لكتاب الله عز وجل، واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله، من عمل بها مهتد ومن استنصر بها منصور ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى. (1)
- جاء في الاعتصام: وقال مالك: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تم هذا الأمر واستكمل، فينبغي أن تتبع آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ولا يتبع الرأي، فإنه متى ما اتبع الرأي جاء رجل آخر أقوى في الرأي منك، فاتبعته، فكلما غلبه رجل اتبعه، أرى أن هذا بعد لم يتم. (2)
" التعليق:
رضي الله عنك يا إمام أهل المدينة، ما أحسن ما قلت لو وجدت أذنا
_________
(1) شرف أصحاب الحديث (ص.6 - 7) وانظر السير (8/ 98). وهو من كلام أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز؛ وكان الإمام مالك يردده كثيرا.
(2) الاعتصام (1/ 140) و (2/ 660) ورواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 1069) وانظر إعلام الموقعين (1/ 78) ودرء تعارض العقل والنقل (1/ 191) بنحوه.(3/2)
صاغية، إن كثيرا من أهل الأرض يدعون أنهم يتمذهبون بمذهبك في الفروع، ولكنهم في الحقيقة لم يتبعوك لا في الفروع ولا في الأصول، فعقيدتك وعقيدة أصحابك سلفية، ومذهبك اتباع الكتاب والسنة، والمدعون أنهم أتباعك لو بعثت إليهم ورأيت ما هم عليه لجالدتهم بالسيف؛ فإنهم على عقيدة سموها أشعرية، والأشعري تبرأ منها، وصوفية في سلوكهم ولم يروا الحجة في الموطأ والمدونة وغيرهما من الكتب التي تعتمد على الحجة والدليل، ولكن رأوها في خليل وشروحه، وهو مع طوله لم يذكر في كتابه ولا حديثا واحدا للحجة ومع ذلك اهتم من ينسبون أنفسهم لك بحفظه، ودراسته في المساجد والجوامع، وأوقفوا عليه الأوقاف، وأصبح حافظه يشار إليه بالبنان ويقدم في القضاء والفتوى والله المستعان.
- وجاء في الاعتصام: قال أبو مصعب قدم علينا ابن مهدي فصلى ووضع رداءه بين يدي الصف فلما سلم الإمام رمقه الناس بأبصارهم ورمقوا مالكا وكان قد صلى خلف الإمام، فلما سلم، قال: من هاهنا من الحرس؟ فجاءه نفسان فقال: خذا صاحب هذا الثوب فاحبساه، فحبس فقيل له: إنه ابن مهدي، فوجه إليه وقال له: ما خفت الله واتقيته أن وضعت ثوبك بين يديك في الصف وشغلت المصلين بالنظر إليه وأحدثت في مسجدنا شيئا ما كنا نعرفه؟ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في مسجدنا حدثا فعليه لعنة الله(3/3)
والملائكة والناس أجمعين" (1)، فبكى ابن مهدي وآلى على نفسه أن لا يفعل ذلك أبدا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا في غيره.
- وفي رواية عن ابن مهدي قال: فقلت للحرسيين: تذهبان بي إلى أبي عبد الله؟ قالا: إن شئت. فذهبا إليه، فقال: يا عبد الرحمن، تصلي مستلبا؟ فقلت: يا أبا عبد الله، إنه كان يوما حارا -كما رأيت- فثقل ردائي علي. فقال: آلله ما أردت بذلك الطعن على من مضى والخلاف عليه؟ قلت: آلله. قال: خلياه. (2)
- وجاء في الاعتصام: حكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال: سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل فقال يا أبا عبد الله: من أين أحرم؟ قال من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد، فقال: لا تفعل. قال: فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة. فقال: وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها، قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ إني سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (3). اهـ (4)
_________
(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ ولعله رواية معنى حديث علي، وقد تقدم تخريجه في مواقف علي رضي الله عنه سنة (40هـ).
(2) الاعتصام (2/ 554 - 555).
(3) النور الآية (63).
(4) الاعتصام (1/ 174) وهو في ذم الكلام (ص.123) والإبانة (1/ 1/261 - 262/ 98) وانظر الباعث (ص.90 - 91) ومجموع الفتاوى (20/ 375).(3/4)
- قال إسحاق بن الضباع: جاء رجل إلى مالك فسأله عن مسألة، فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا. قال: أرأيت إن كان كذا؟ قال مالك: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. (1)
- وجاء في ذم الكلام عن ابن وهب قال: كنا عند مالك بن أنس فذكرت السنة فقال: السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. (2)
- وجاء في ذم الكلام عنه قال: من أراد النجاة فعليه بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. (3)
- وعن ابن وضاح قال: ثوَّب المؤذن بالمدينة في زمان مالك فأرسل إليه مالك فجاءه، فقال له مالك: ما هذا الذي تفعل؟ فقال: أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر فيقوموا، فقال له مالك: لا تفعل لا تحدث في بلدنا شيئا لم يكن فيه. قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا البلد عشر سنين وأبو بكر وعمر وعثمان فلم يفعلوا هذا، فلا تحدث في بلدنا ما لم يكن فيه، فكف المؤذن عن ذلك وأقام زمانا، ثم إنه تنحنح في المنارة عند طلوع الفجر، فأرسل إليه مالك فقال له: ما هذا الذي تفعل؟ قال: أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر، فقال له: ألم أنهك ألا تحدث عندنا ما لم يكن؟ فقال: إنما نهيتني عن التثويب!
_________
(1) الفقيه والمتفقه (1/ 379) وشرح السنة (1/ 191) والحلية (6/ 326).
(2) ذم الكلام (ص.210) وانظر مجموع الفتاوى (4/ 57).
(3) ذم الكلام (ص.208).(3/5)
فقال له: لا تفعل، فكف زمانا، ثم جعل يضرب الأبواب فأرسل إليه مالك فقال: ما هذا الذي تفعل؟ فقال: أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر. فقال له مالك: لا تفعل، لا تحدث في بلدنا ما لم يكن فيه. (1)
- وفيه: قال ابن حبيب: أخبرني ابن الماجشون أنه سمع مالكا يقول: التثويب ضلال، قال مالك: ومن أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خان الدين، لأن الله تعالى يقول: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينكم} (2)، فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا. (3)
" التعليق:
من قرأ مثل هذه النصوص ووعاها يجد نفسه يعيش في غربة غريبة. هذه الحقائق التي اعتنى بها هذا الإمام واعتبرها بدعة وأوقف المؤذن من أجلها، لو نطق أحدنا بها أو بما يشبهها لعد من كبار المتنطعين المتشددين، وانقلب الناس عليه كأنه مجرم كبير. أين نحن من الإمام مالك؟! أين من يسمون أنفسهم مالكية؟! ابتدعوا الطامات الكبرى واعتقدوها قربة، شيدوا القبور ونذروا إليها وذبحوا عندها. اخترعوا طرقا سموها صوفية، استحلوا ما حرم الله باسم القوانين الوضعية، عطلوا شرع الله وحسبوه تقدما ومدنية، وتعداد ما عليه الناس الآن لا تفي به هذه الإشارة ولكن دمعة أو دمعتان خير من آبار جافة والله المستعان.
_________
(1) ابن وضاح (ص.89) وذكره الشاطبي في الاعتصام (2/ 555).
(2) المائدة الآية (3).
(3) الاعتصام (2/ 535).(3/6)
- عن مالك بن أنس قال: لم يكن شيء من هذه الأهواء على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان. (1)
- وقال جعفر الفريابي: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني الهيثم ابن جميل قال: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله إن عندنا قوما وضعوا كتبا يقول أحدهم ثنا فلان عن فلان عن عمر بن الخطاب بكذا وكذا وفلان عن إبراهيم بكذا، ويأخذ بقول إبراهيم، قال مالك: وصح عندهم قول عمر؟ قلت: إنما هي رواية كما صح عندهم قول إبراهيم، فقال مالك: هؤلاء يستتابون، والله أعلم. (2)
" التعليق:
قلت: وأهل هذا الزمان، فلا عمر ولا إبراهيم النخعي ولا الأوزاعي ولا مالك ولا أحمد ولا أبا يوسف ولا المزني ولا ابن القاسم ولا أبا حنيفة، وإنما هم جماعة تخرجوا من مدارس تعلموا فيها مناهج لا صلة لها بكتاب الله ولا بسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. والله المستعان.
- جاء في الاعتصام: وخرج ابن وضاح وهو في العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك رحمه الله أنه سئل عن قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} (3)
مرارا في الركعة الواحدة فكره ذلك وقال: هذا من محدثات الأمور التي
_________
(1) ذم الكلام (ص.208).
(2) إعلام الموقعين (2/ 201).
(3) الإخلاص الآية (1).(3/7)
أحدثوا. (1)
- وجاء في الاعتصام قال مالك: أول من جعل مصحفا الحجاج بن يوسف -يريد أنه أول من رتب القراءة في المصحف إثر صلاة الصبح في المسجد- قال ابن رشد: مثل ما يصنع عندنا إلى اليوم.
قال الشاطبي: فهذه محدثة -أعني وضعه في المسجد- لأن القراءة في المسجد مشروع في الجملة معمول به، إلا أن تخصيص المسجد بالقراءة على ذلك الوجه هو المحدث ومثله وضع المصاحف في زماننا للقراءة فيها يوم الجمعة وتحبيسها على ذلك القصد. (2)
- وفيه: قال ابن القاسم في المبسوط: رأيت مالكا يعيب على أصحابه رفع أصواتهم في المسجد. (3)
- وفيه أيضا: ويشبه هذا ما في سماع ابن القاسم عن مالك في القوم يجتمعون جميعا فيقرأون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الأسكندرية، فكره ذلك وأنكر أن يكون من عمل الناس. (4)
- وفيه سئل ابن القاسم عن نحو ذلك فحكى الكراهية عن مالك ونهى عنها ورآها بدعة. وقال في رواية أخرى عن مالك: وسئل عن القراءة بالمسجد؟ فقال: لم يكن الأمر القديم وإنما هو شيء أحدث، ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، والقرآن حسن. قال ابن رشد: يريد
_________
(1) الاعتصام (1/ 490) وابن وضاح (ص.92).
(2) الاعتصام (1/ 221 - 222).
(3) الاعتصام (2/ 588).
(4) الاعتصام (1/ 508).(3/8)
التزام القراءة في المسجد بإثر صلاة من الصلوات على وجه ما مخصوص حتى يصير ذلك كله سنة، مثل ما بجامع قرطبة إثر صلاة الصبح. قال: فرأى ذلك بدعة. (1)
" التعليق:
قال جامعه: لو أدرك هؤلاء مساجدنا وما حدث فيها من الضوضاء واللغط والبدع على اختلاف أنواعها، فباعة القرآن والمراؤون به بأصواتهم المختلطة المزعجة المشينة المتلاعبة بكتاب الله. والأسواق التي هي محل اللغط تجدها أهدأ من هذه المساجد. ومبتدعة ما يسمى بدلائل الخيرات، وهو كتاب فتحه صاحبه بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضع فيه صلوات علقها بالشرك، كقوله: اللهم صل على محمد عدد ما نفعت التمائم. وصلوات سمجة كقوله: اللهم صل على صاحب الهراوة. والخلاصة فيه أنه كتاب ملأه صاحبه بما لم يرد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويكفي المسلمين ما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - في البخاري وغيره من كتب السنة، التي اعتنت بهذا الباب وأغنتنا عن هذه الخزعبلات والتلفيقات التي ما أنزل الله بها من سلطان. (2)
وأما ألغاط الصوفية على اختلاف طرقهم فلا تسأل عن ذلك، فكأنهم حمر مستنفرة. نرجو الله الهداية لجميع إخواننا المسلمين.
- وجاء في الاعتصام: حكى عياض عن مالك من رواية ابن نافع عنه
_________
(1) الاعتصام (1/ 508) والباعث (ص.243) والحوادث والبدع (ص.95).
(2) وانظر كتابنا وقفات مع الكتاب المسمى دلائل الخيرات.(3/9)
قال: لو أن العبد ارتكب الكبائر كلها دون الإشراك بالله شيئا ثم نجا من هذه الأهواء لرجوت أن يكون في أعلى جنات الفردوس، لأن كل كبيرة بين العبد وربه هو منها على رجاء، وكل هوى ليس هو منه على رجاء إنما يهوي بصاحبه في نار جهنم. (1)
- وجاء في الإبانة عنه قال: القرآن هو الإمام فأما هذا المراء فما أدري ما هو. (2)
- وفيها عنه: المراء في العلم يقسي القلب ويورث الضغن. (3)
- وجاء في ذم الكلام: قال مالك لابن وهب: لا تحملن أحدا على ظهرك ولا تمكن الناس من نفسك، أد ما سمعت وحسبك ولا تقلد الناس قلادة سوء. (4)
- وفيه عنه قال: ما قلت الآثار في قوم إلا ظهرت فيهم الأهواء، ولا قلت العلماء إلا ظهر في الناس الجفاء. (5)
- وجاء في جامع بيان العلم وفضله: قال الهيثم بن جميل: قلت لمالك ابن أنس: يا أبا عبد الله الرجل يكون عالما بالسنة أيجادل عنها؟ قال: لا ولكن يخبر بالسنة فإن قبلت منه وإلا سكت. (6)
_________
(1) الاعتصام (1/ 171) وذم الكلام (ص.208).
(2) الإبانة (2/ 3/510/ 590).
(3) الإبانة (2/ 3/530/ 653).
(4) ذم الكلام (ص.208).
(5) ذم الكلام (ص.209) والفقيه والمتفقه (1/ 383) ومجموع الفتاوى (17/ 308).
(6) جامع بيان العلم وفضله (2/ 936).(3/10)
- عن مالك قال: لا يؤخذ العلم عن أربعة، سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به. (1)
- وقال معن بن عيسى: سمعت مالكا يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه. (2)
- وقال: وما تكلمت برأيي إلا في ثلاث مسائل. (3)
- وقال: الداء العضال التنقل في الدين. (4)
- عن الوليد بن مسلم قال: سمعت مالك بن أنس، وقال له رجل: يا أبا عبد الله، وما عليك أن أكلمك، قال: فإن كلمتك فرأيت الحق فيما كلمتك؟ قال: تتبعني؟ قال: نعم، قال: فإن خرجت من عندي على الذي فارقتني عليه، فأقمت سنة تقول به، ثم لقيك رجل من أصحابك فكلمته فقال لك: أخطأ مالك، أترجع إلى قوله؟ قال: نعم، قال: فإنك أقمت سنة بقوله تقول، ثم رجعت إلي فقلت لي: لقيت فلانا فيما كلمتك به فقال لي: كيت وكيت، فرأيت أن الحق في قوله فاتبعته، فقلت لك أنا: أخطأ فلان الأمر في كذا وكذا فعرفت أن قولي أحسن من قوله تتبعني؟ قال: نعم، قال:
_________
(1) السير (8/ 67) وهو في الكفاية في علم الرواية (ص.116و160) والمحدث الفاصل (ص.403 - 404).
(2) ترتيب المدارك (1/ 182 - 183) وجامع بيان العلم (1/ 775) ومجموع الفتاوى (20/ 211).
(3) ترتيب المدارك (1/ 193).
(4) الإبانة (2/ 3/506/ 576).(3/11)
فهكذا المسلم مرة كذا ومرة كذا. (1)
- وقال: مهما تلاعبت به من شيء فلا تلاعبن بأمر دينك. (2)
- عن إسحاق بن عيسى الطباع، قال: رأيت رجلا من أهل المغرب جاء مالكا، فقال: إن الأهواء كثرت قبلنا، فجعلت على نفسي، إن أنا رأيتك، أن آخذ بما تأمرني، فوصف له مالك شرائع الإسلام: الزكاة والصلاة والصوم والحج، ثم قال: خذ بهذا، ولا تخاصم أحدا في شيء. (3)
- عن إسماعيل بن أبي أويس قال: سمعت خالي مالكا يقول: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، فقد أدركت سبعين، وأشار بيده إلى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال فلان، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلم آخذ عنهم شيئا، ولو أن أحدهم ائتمن على بيت مال لكان به أمينا. (4)
- عن عبد الرحمن بن مهدي: سئل مالك بن أنس عن السنة؟ قال: هي ما لا اسم له غير السنة، وتلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (5).
قال بكر بن العلاء: يريد -إن شاء الله- حديث ابن مسعود أن النبي
_________
(1) الإبانة (2/ 3/508/ 584).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 163/295).
(3) الفقيه والمتفقه (1/ 555).
(4) ذم الكلام (ص.293).
(5) الأنعام الآية (153).(3/12)
- صلى الله عليه وسلم - خط له خطا .. وذكر الحديث (1). (2)
- وكان مالك كثيرا ما ينشد:
وخير أمور الدين ما كان سنة ... وشر الأمور المحدثات البدائع (3)
- قال ابن وهب: سمعت مالك بن أنس يقول: إلزم ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: "أمران تركتهما فيكم لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه". (4)
- وقال ابن وهب: قال مالك: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إمام المسلمين وسيد العالمين، يسأل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي من السماء.
" التعليق:
قال ابن القيم: فإذا كان رسول رب العالمين لا يجيب إلا بالوحي، وإلا لم يجب، فمن الجرأة العظيمة إجابة من أجاب برأيه، أو قياس، أو تقليد من يحسن به الظن، أو عرف، أو عادة، أو سياسة، أو ذوق أو كشف، أو منام، أو استحسان، أو خرص، والله المستعان وعليه التكلان. (5)
_________
(1) أحمد (1/ 435) والنسائي في الكبرى (6/ 343/11174 - 11175) والدارمي (1/ 67 - 68) وابن حبان الإحسان (1/ 180 - 181/ 6 - 7) وابن أبي عاصم في السنة (1/ 13/17) والحاكم (2/ 318) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي وحسن الألباني إسناده لأن فيه عاصم بن أبي النجود وهو حسن الحديث.
(2) الاعتصام (1/ 77 - 78).
(3) الاعتصام (1/ 115) وترتيب المدارك (2/ 38).
(4) تقدم تخريجه ضمن مواقف أبي الزناد عبد الله بن ذكوان سنة (130هـ).
(5) إعلام الموقعين (1/ 256).(3/13)
- عن مطرف بن عبد الله قال: سمعت مالكا يقول: الدنو من الباطل هلكة، والقول بالباطل بعد عن الحق، ولا خير في شيء وإن كثر من الدنيا بفساد دين المرء ومروءته. (1)
- وقال مالك: بئس القوم أهل الأهواء، لا نسلم عليهم. (2)
- قال ابن عبد البر: كره مالك [من بين سائر العلماء] (3) أن يصلي أهل العلم والفضل على أهل البدع. (4)
- قال أبو داود عقيب حديث "كل مولود يولد على الفطرة" (5): قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع: أخبرك يوسف بن عمرو، أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت مالكا، قيل له: إن أهل الأهواء يحتجون علينا بهذا الحديث، قال مالك: احتج عليهم بآخره، قالوا: أرأيت من يموت وهو صغير، قال: الله أعلم بما كانوا عاملين. (6)
- قال مالك: ما آية في كتاب الله أشد على أهل الأهواء من هذه الآيات {تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ
_________
(1) تذكرة الحفاظ (1/ 211).
(2) شرح السنة للبغوي (1/ 229).
(3) زيادة ليست في الأصل -الاستذكار- ولعلها من تصرف المحقق.
(4) الاستذكار (8/ 285/11508).
(5) سيأتي تخريجه في مواقف محمد بن إسماعيل الصنعاني سنة (1182هـ).
(6) أبو داود (5/ 89/4715).(3/14)
{أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (1). قال مالك: فأي كلام أبين من هذا. قال ابن القاسم: قال لي مالك: إن هذه الآية لأهل القبلة. (2)
- قال العتبي: قال الصمادحي: قال معن: وكتب إلى مالك رجل من العرب يسأل عن قوم يصلون ركعتين ويجحدون السنة، ويقولون: ما نجد إلا صلاة ركعتين. قال مالك: أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا. (3)
- جاء في مجموع الفتاوى: وقد عرض عليه الرشيد أو غيره أن يحمل الناس على موطئه فامتنع من ذلك، وقال: إن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تفرقوا في الأمصار، وإنما جمعت علم أهل بلدي، أو كما قال. (4)
- عن مالك قال: قدم هارون يريد الحج، ومعه يعقوب أبو يوسف، فأتى مالك أمير المؤمنين، فقربه، وأكرمه، فلما جلس، أقبل إليه أبو يوسف، فسأله عن مسألة فلم يجبه، ثم عاد فسأله فلم يجبه، ثم عاد فسأله. فقال هارون: يا أبا عبد الله، هذا قاضينا يعقوب، يسألك، قال: فأقبل عليه مالك، فقال: يا هذا، إذا رأيتني جلست لأهل الباطل، فتعال أجبك معهم. (5)
- عن عبد الرزاق قال: سأل سندل مالكا عن مسألة، فأجابه، فقال:
_________
(1) آل عمران الآية (106).
(2) أصول السنة لابن أبي زمنين (ص.305) وفي الاعتصام (1/ 75).
(3) أصول السنة لابن أبي زمنين (ص.309).
(4) مجموع الفتاوى (20/ 311).
(5) السير (8/ 64) وهو في تذكرة الحفاظ (1/ 210).(3/15)
أنت من الناس، أحيانا تخطئ، وأحيانا لا تصيب، قال: صدقت. هكذا الناس. فقيل لمالك: لم تدر ما قال لك؟ ففطن لها، وقال: عهدت العلماء، ولا يتكلمون بمثل هذا، وإنما أجيبه على جواب الناس. (1)
- عن ابن وهب: سمعت مالكا يقول: ليس هذا الجدل من الدين بشيء. (2)
- عن ضمرة: سمعت مالكا يقول: لو أن لي سلطانا على من يفسر القرآن، لضربت رأسه.
قال الذهبي: يعني تفسيره برأيه. وكذلك جاء عن مالك من طريق أخرى. (3)
- وعن مالك قال: الجدال في الدين ينشئ المراء، ويذهب بنور العلم من القلب ويقسي، ويورث الضغن. (4)
- قال الذهبي: قال محمد بن جرير: كان مالك قد ضرب بالسياط، واختلف في سبب ذلك، فحدثني العباس بن الوليد، حدثنا ابن ذكوان، عن مروان الطاطري، أن أبا جعفر نهى مالكا عن الحديث: ليس على مستكره طلاق (5) ثم دس إليه من يسأله، فحدثه به على رؤوس الناس، فضربه بالسياط. وحدثنا العباس، حدثنا إبراهيم بن حماد، أنه كان ينظر إلى مالك إذا أقيم من
_________
(1) السير (8/ 67).
(2) السير (8/ 67).
(3) السير (8/ 97) والحلية (6/ 322).
(4) السير (8/ 106).
(5) موقوف على ابن عباس، علقه البخاري (9/ 485) بصيغة الجزم ورواه ابن أبي شيبة (4/ 82/18027) وعزاه الحافظ أيضا إلى سعيد بن منصور.(3/16)
مجلسه، حمل يده بالأخرى.
ابن سعد: حدثنا الواقدي قال: لما دعي مالك، وشوور، وسمع منه، وقبل قوله، حسد، وبغوه بكل شيء، فلما ولي جعفر بن سليمان المدينة، سعوا به إليه، وكثروا عليه عنده، وقالوا: لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره: أنه لا يجوز عنده، قال: فغضب جعفر، فدعا بمالك، فاحتج عليه بما رفع إليه عنه، فأمر بتجريده، وضربه بالسياط، وجبذت يده حتى انخلعت من كتفه، وارتكب منه أمر عظيم، فوالله ما زال مالك بعد في رفعة وعلو. (1)
" التعليق:
قلت: انظر رحمك الله إلى ثمرة المحنة في الله كيف عاقبتها، وانظر ثبات الإمام مالك على فتواه المستندة إلى حديث رواه؛ لم يحد عنها ولم ير مخالفتها إرضاء للحكام في أهوائهم ومظالمهم شأن علماء الوقت الذين يستصدرون الفتاوى بحسب الطلب، بل بلا طلب، لتحليل الربا والخمور والسفور والأموال والدماء والفروج ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الذهبي رحمه الله: هذا ثمرة المحنة المحمودة، أنها ترفع العبد عند المؤمنين، وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا، ويعفو الله عن كثير، ومن يرد الله به خيرا يصب منه (2) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل قضاء المؤمن خير له" (3) وقال الله
_________
(1) السير (8/ 79 - 80).
(2) أحمد (2/ 237) والبخاري (10/ 128/5645) والنسائي في الكبرى (4/ 351/7478) من حديث أبي هريرة.
(3) أحمد (3/ 117و184) وابن حبان (2/ 507/728) وأبو يعلى (7/ 220 - 221/ 4217و4218) من حديث أنس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عجبت للمؤمن لا يقضي الله له شيئا إلا كان خيرا له". وذكره الهيثمي (7/ 209 - 210) وقال: "رواه أحمد وأبو يعلى، ورجال أحمد ثقات، وأحد أسانيد أبي يعلى رجاله رجال الصحيح غير أبي بحر ثعلبة، وهو ثقة". وفي الباب عن صهيب وسعد بن أبي وقاص.(3/17)
تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} (1) وأنزل تعالى في وقعة أحد قوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (2). وقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مصيبة فَبِمَا كَسَبَتْ أيديكم ويعفوا عن كثيرٍ} (3). فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ، واستغفر ولم يتشاغل بذم من انتقم منه، فالله حكم مقسط، ثم يحمد الله على سلامة دينه، ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له.
- وعن أبي داود قال: حكى لي بعض أصحاب ابن وهب عنه، أن مالكا لما ضرب، حلق وحمل على بعير، فقيل له: ناد على نفسك. فقال: ألا من عرفني، فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس، أقول: طلاق المكره ليس بشيء. فبلغ ذلك جعفر بن سليمان الأمير فقال: أدركوه، أنزلوه. (4)
موقفه من المشركين:
- جاء في السير: مالك: لا يستتاب من سب النبي - صلى الله عليه وسلم -، من الكفار
_________
(1) محمد الآية (31).
(2) آل عمران الآية (165).
(3) الشورى الآية (30).
(4) السير (8/ 79 - 81و96).(3/18)
والمسلمين. (1)
- وفيها قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي: سمعت عبد الله بن عمر بن الرماح، قال: دخلت على مالك، فقلت: يا أبا عبد الله، ما في الصلاة من فريضة؟ وما فيها من سنة؟ أو قال نافلة، فقال مالك: كلام الزنادقة، أخرجوه. (2)
- قال مالك رحمه الله في كتاب الأقضية تحت حديث: "من غير دينه فاضربوا عنقه" (3): 'ومعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيما نرى والله أعلم، من غير دينه فاضربوا عنقه. أنه من خرج من الإسلام إلى غيره، مثل الزنادقة وأشباههم. فإن أولئك، إذا ظهر عليهم، قتلوا ولم يستتابوا. لأنه لا تعرف توبتهم. وأنهم كانوا يسرون الكفر ويعلنون الإسلام. فلا أرى أن يستتاب هؤلاء، ولا يقبل منهم قولهم. وأما من خرج من الإسلام إلى غيره، وأظهر ذلك، فإنه يستتاب. فإن تاب، وإلا قتل. وذلك لو أن قوما كانوا على ذلك، رأيت أن يدعوا إلى الإسلام ويستتابوا. فإن تابوا قبل ذلك منهم. وإن لم يتوبوا قتلوا. ولم يعن بذلك، فيما نرى والله أعلم، من خرج من اليهودية إلى النصرانية، ولا من النصرانية إلى اليهودية، ولا من يغير دينه من أهل الأديان كلها. إلا الإسلام، فمن خرج من الإسلام إلى غيره، وأظهر ذلك، فذلك الذي عني به. والله أعلم'. (4)
_________
(1) السير (8/ 103).
(2) السير (8/ 113 - 114).
(3) تقدم تخريجه في مواقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه سنة (40هـ).
(4) الموطأ (2/ 736).(3/19)
موقفه من بدعة القبورية:
- جاء في المدخل لابن الحاج: وقال مالك في المبسوطة: وليس يلزم من دخل المسجد وخرج منه من أهل المدينة الوقوف بالقبر، وإنما ذلك للغرباء. فقيل له: إن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه إلا يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر، فيسلمون ويدعون ساعة. فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره ذلك إلا لمن جاء من سفر أو أراده. قال ابن القاسم: ورأيت أهل المدينة إذا خرجوا منها أو دخلوها أتوا القبر فسلموا. قال: وذلك دأبي. (1)
- وجاء في الاعتصام: قال ابن وضاح: وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما عدا قباء وحده.
وقد كان مالك يكره كل بدعة وإن كانت في خير.
وجميع هذا ذريعة لئلا يتخذ سنة ما ليس بسنة، أو يعد مشروعا ما ليس معروفا.
وقد كان مالك يكره المجيء إلى بيت المقدس خيفة أن يتخذ ذلك سنة، وكان يكره مجيء قبور الشهداء، ويكره مجيء قباء خوفا من ذلك مع ما جاء في الآثار من الترغيب فيه. ولكن لما خاف العلماء عاقبة ذلك تركوه.
_________
(1) المدخل (1/ 256).(3/20)
وقال ابن كنانة وأشهب: سمعنا مالكا يقول: لما أتاه سعد بن أبي وقاص قال: وددت أن رجلي تكسرت وأني لم أفعل.
وسئل ابن كنانة عن الآثار التي تركوا بالمدينة فقال: أثبت ما في ذلك عندنا قباء إلا أن مالكا كان يكره مجيئها خوفا من أن يتخذ سنة. (1)
وجاء في غاية الأماني في الرد على النبهاني: أما مالك فقد قال القاضي عياض: وقال مالك في المبسوطة: لا أرى أن يقف عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو ويسلم ولكن يسلم ويمضي، وهذا الذي نقله القاضي عياض ذكره القاضي إسماعيل بن إسحاق في المبسوطة قال: وقال مالك لا أرى أن يقف الرجل عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو ولكن يسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى أبي بكر وعمر ثم يمضي وقال مالك ذلك لأن هذا المنقول عن ابن عمر أنه كان يقول السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتي أو يا أبتاه ثم ينصرف ولا يقف يدعو فرأى مالك ذلك من البدع. (2)
موقفه من الرافضة:
- جاء في ترتيب المدارك: قال أشهب: كنا عند مالك إذ وقف عليه رجل من العلويين وكانوا يقبلون على مجلسه فناداه، يا أبا عبد الله، فأشرف له مالك ولم يكن إذا ناداه أحد يجيبه أكثر من أن يشرف برأسه. فقال له الطالبي: إني أريد أن أجعلك حجة في ما بيني وبين الله. إذا قدمت عليه وسألني قلت له: مالك قال لي. فقال له: قل؟ فقال: من خير الناس بعد
_________
(1) الاعتصام (1/ 449 - 450).
(2) غاية الأماني (1/ 178 - 179).(3/21)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال أبو بكر قال العلوي: ثم من؟ قال: مالك ثم عمر. قال العلوي ثم من؟ قال الخليفة المقتول ظلما عثمان. قال العلوي: والله لا أجالسك أبدا. قال له مالك: فالخيار إليك. (1)
" التعليق:
انظر رحمك الله حالة القرون الأولى المفضلة، التي كانت فيها أعلام السنة منشورة، وهي أرضها وسماؤها، ومع ذلك تجد أمثال هؤلاء المشاغبين، الذين ينازعون مثل هذا الإمام، ويتوقحون عليه بهذه الوقاحات الخسيسة، والمهم عندنا خط الإمام الواضح الذي يسوره بالكتاب والسنة، ويلتزم به، رضي زيد أم غضب عمرو، وهكذا ينبغي لكل سلفي قرأ هذه المواقف.
- روى الخلال في السنة بسنده إلى أبي عروة الزبيري قال: ذكر عند مالك بن أنس رجلا ينتقص، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ
_________
(1) ترتيب المدارك (1/ 90).(3/22)
بِهِمُ الكفار} (1) فقال مالك: من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب محمد عليه السلام فقد أصابته الآية. (2)
- وفي ترتيب المدارك: قال مصعب الزبيري وابن نافع: دخل هارون المسجد فركع ثم أتى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أتى مجلس مالك فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقال مالك وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم قال لمالك: هل لمن سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفيء حق؟ قال: لا، ولا كرامة قال: من أين قلت ذلك؟ قال: قال الله {ليغيظ بِهِمُ الكفار} (3) فمن عابهم فهو كافر ولا حق للكافر في الفيء، واحتج مرة أخرى في ذلك بقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الذين ... } (4) الآيات، قال فهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين هاجروا معه، وأنصاره الذين جاءوا من بعده يقولون {ربنا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} (5) الآية. في ما عدا هؤلاء فلا حق له فيه. (6)
" التعليق:
انظر وفقك الله، إلى هذه الفتوى الصريحة الصادرة من هذا الإمام،
_________
(1) الفتح الآية (29).
(2) السنة للخلال (1/ 478).
(3) الفتح الآية (29).
(4) الحشر الآية (8).
(5) الحشر الآية (10).
(6) ترتيب المدارك (1/ 90).(3/23)
والمستفتي هو أمير المؤمنين في وقته، وعلماء المسلمين يحيطون به في كل الأمصار، فهذه الفتوى تعتبر بمنزلة مرسوم من خليفة المسلمين إلى بقية المسلمين في أنحاء أمصار المسلمين، وهي بالنسبة للمسلمين الذين يأتون بعد هذا العهد حجة ومنهاج، ففهم هؤلاء هو الفهم الصحيح النابع من فقه الكتاب والسنة، فالإمام مالك يلحق الشيعة في هذه الفتوى بالكفار الذين يغتاظون من مناقب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل كما قدمنا غير ما مرة، وهو واقع يعاش، أن تصب كل اللعنات على صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من ذكرهم بخير فهو عدو لدود لهذه الشرذمة، قبحهم الله أينما حلوا وارتحلوا.
- وجاء في طبقات الحنابلة: قال مالك بن أنس: من لزم السنة وسلم منه أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم مات: كان مع الصديقين والشهداء والصالحين. وإن قصر في العمل. (1)
- قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: قال مالك وغيره من أئمة العلم: هؤلاء (يعني الروافض) طعنوا في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين. (2)
- وفي أصول الاعتقاد: قال هارون الرشيد لمالك: كيف كان منزلة أبي
_________
(1) طبقات الحنابلة (2/ 41).
(2) مجموع الفتاوى (4/ 429) وبنحوه في الصارم (ص.582).(3/24)
بكر وعمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كقرب قبرهما من قبره بعد وفاته قال: شفيتني يا مالك. (1)
- وفيه عن مالك بن أنس قال: كان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمون السورة من القرآن. (2)
- وقال مالك: من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن، لأن الله تعالى قال: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (3). (4)
- وقال أشهب بن عبد العزيز: سئل مالك عن الرافضة، فقال: لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون. (5)
- وقال ابن القاسم: سألت مالكا عن أبي بكر وعمر فقال: ما رأيت أحدا ممن أقتدي به يشك في تقديمهما، يعني على عليّ وعثمان، فحكى إجماع أهل المدينة على تقديمهما. (6)
موقفه من الصوفية:
_________
(1) أصول الاعتقاد (7/ 1378/2461) والشريعة (3/ 452/1909) وذكره في مجموع الفتاوى (4/ 403) والمنهاج (7/ 506).
(2) أصول الاعتقاد (7/ 1313/2325).
(3) النور الآية (17).
(4) الصارم (ص.568).
(5) المنهاج (1/ 59 - 60).
(6) المنهاج (2/ 85).(3/25)
- جاء في المعيار (1): سئل مالك بن أنس عن الغنا الذي يفعل بالمدينة، فقال: إنما يفعله عندنا الفساق.
قال الشاطبي معلقا: وهذا محمول على غنا النساء. وأما الرجال فغناؤهم مذموم أيضا، بحيث إذا داوم أحد على فعله أو سماعه سقطت عدالته لما فيه من إسقاط المروءة ومخالفة السلف.
- وفيه أيضا (2): حكى عياض عن التنيسي أنه قال: كنا عند مالك وأصحابه حوله. فقال رجل من أهل نصيبين: يا أبا عبد الله عندنا قوم يقال لهم الصوفية، يأكلون كثيرا، ثم يأخذون في القصائد ثم يقومون فيرقصون، فقال مالك: أصبيان هم؟ قال: لا. أمجانين هم؟ قال: لا، قوم مشايخ، وغير ذلك عقلاء. فقال مالك: ما سمعت أحدا من أهل السلام (3) يفعل هذا.
قال الشاطبي معلقا: انظر كيف أنكر مالك وهو إمام السنة أن يكون في أهل الإسلام من يفعل هذا إلا أن يكون مجنونا وصبيا!! فهذا بين أنه ليس من شأن الإسلام ثم يقال: ولو فعلوه على جهة اللعب كما يفعله الصبي لكان أخف عليهم مع ما فيه من إسقاط الحشمة وإذهاب المروءة، وترك هدى أهل الإسلام وأرباب العقول، لكنهم يفعلونه على جهة التقرب إلى الله والتعبد به. وأن فاعله أفضل من تاركه. هذا أدهى وأمر، حيث يعتقدون أن اللهو واللعب عبادة، وذلك من أعظم البدع المحرمات، الموقعة في الضلالة،
_________
(1) (11/ 41).
(2) (11/ 41).
(3) هكذا في الأصل ولعله: الإسلام.(3/26)
الموجبة للنار والعياذ بالله.
موقفه من الجهمية:
- جاء في جامع بيان العلم وفضله: وقال مالك: أرأيت إن جاء من هو أجدل منه أيدع دينه كل يوم لدين جديد. (1)
- وجاء في شرف أصحاب الحديث للخطيب بالسند إلى إسحاق بن عيسى قال: سمعت مالك بن أنس يعيب الجدال في الدين ويقول: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل أردنا أن نرد ما جاء به جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (2)
- روى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله بالسند إلى مصعب بن عبد الله الزبيري قال: كان مالك بن أنس يقول: الكلام في الدين أكرهه ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في دين الله وفي الله عز وجل، فالسكوت أحب إلي، لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل.
قال أبو عمر: .. والذي قاله مالك عليه جماعة الفقهاء والعلماء قديما وحديثا من أهل الحديث والفتوى، وإنما خالف ذلك أهل البدع -المعتزلة وسائر الفرق-، وأما الجماعة على ما قال مالك إلا أن يضطر أحد إلى الكلام فلا يسعه السكوت إذا طمع برد الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه،
_________
(1) جامع بيان العلم وفضله (2/ 942) ودرء تعارض العقل (1/ 191).
(2) الشرف (5) وذم الكلام (207) والإبانة (2/ 3/507/ 582) وأصول الاعتقاد (1/ 163/294).(3/27)
أو خشي ضلال عامة أو نحو هذا. (1)
- وفي جامع بيان العلم وفضله بالسند إلى أبي عبد الله محمد بن أحمد بن إسحاق ابن خويزمنداد المصري المالكي: قال في كتاب الإجارات من كتابه في الخلاف: قال مالك: لا تجوز الإجارة في شيء من كتب أهل الأهواء والبدع والتنجيم وذكر كتبا ثم قال: وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم وتفسخ الإجارة في ذلك قال: وكذلك كتب القضاء بالنجوم وعزائم الجن وما أشبه ذلك. (2)
- جاء في ذم الكلام عنه قال: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكمياء أفلس، ومن طلب غريب الحديث كذب. (3)
- وجاء في السير: ثنا ابن وهب سمعت مالكا يقول: ليس هذا الجدل من الدين بشيء وسمعته يقول: قلت لأمير المؤمنين فيمن يتكلم في هذه المسائل المعضلة الكلام فيها يا أمير المؤمنين يورث البغضاء. (4)
- وجاء في ذم الكلام: أن مالكا سئل عن الكلام والتوحيد فقال مالك: محال أن يظن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه علم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد. (5)
" التعليق:
هذا النص عن مالك فيه رد على من يتهم ابن تيمية بأنه هو الذي
_________
(1) جامع بيان العلم وفضله (2/ 938) والاعتصام (2/ 845 - 846).
(2) جامع بيان العلم وفضله (2/ 942 - 943).
(3) ذم الكلام (207).
(4) السير (8/ 108).
(5) ذم الكلام (250).(3/28)
اخترع توحيد الأسماء والصفات، فهذا مالك يقررها بأفصح عبارة وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين التوحيد بيانا شافيا وهذه العبارة نفسها هي التي قررها شيخ الإسلام وعمدة ابن القيم في كثير من بحوثه رحم الله الجميع.
- أخرج الهروي من طريق عبد الرحمن بن مهدي قال: دخلت على مالك وعنده رجل يسأله عن القرآن، فقال، لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد: لعن الله عمرا، فإنه ابتدع هذه البدع من الكلام، ولو كان الكلام علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع ولكنه باطل يدل على باطل. (1)
- جاء في ذم الكلام بالسند إلى أشهب بن عبد العزيز قال: سمعت مالك بن أنس يقول: إياكم والبدع قيل يا أبا عبد الله وما البدع؟ قال أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان. (2)
" التعليق:
نعم يتكلمون في ذلك ببدع أهل الكلام من الجهمية وفروخهم فيؤولون الصفات وينفون الأسماء. ولا يتبعون المنهج السلفي في إثبات ما أثبته الله لنفسه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فلا شك أن هذا من أعظم البدع والمحدثات فلا ينبغي أن تستغل هذه العبارة فيترك ما سواها مما تقدم عن
_________
(1) ذم الكلام (207 - 208) والفتاوى الكبرى (5/ 244 - 245) وشرح السنة (1/ 217).
(2) ذم الكلام (207) وشرح السنة (1/ 217) والفتاوى الكبرى (5/ 244).(3/29)
الإمام مالك في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين التوحيد أحسن بيان.
- جاء في الفتاوى الكبرى: قال: جمعت هذا -أي الموطأ- خوفا من الجهمية أن يضلوا الناس. (1)
مواقفه من القائلين بخلق القرآن:
- وجاء في الاعتصام: روي عن مالك رضي الله عنه في القائل بالمخلوق أنه يوجع ضربا ويسجن حتى يتوب. (2)
- وجاء في السير بالسند إلى ابن أبي أويس: سمعت مالكا يقول: القرآن كلام الله وكلام الله منه وليس من الله شيء مخلوق. (3)
- وجاء في ترتيب المدارك للقاضي عياض: وجاء إلى مالك رجل فقال له: ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق؟ قال: زنديق فاقتلوه. فقال: يا أبا عبد الله ليس هو كلامي إنما هو كلام سمعته. قال: لم أسمعه إلا منك. (4)
- جاء في أصول الاعتقاد عن مالك بن أنس قال: من قال القرآن مخلوق فيستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه. (5)
- وفيه عن عبد الله بن نافع الصايغ قال: قلت لمالك بن أنس: إن قوما
_________
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 15).
(2) الاعتصام (1/ 227) والسنة لعبد الله (41) وأصول الاعتقاد (2/ 347/497).
(3) السير (8/ 101) والفتاوى الكبرى (5/ 75) وترتيب المدارك (2/ 43) وأصول الاعتقاد (2/ 390/478) والإبانة (2/ 12/38/ 230) والشريعة (1/ 220/178).
(4) الحلية (6/ 325) وترتيب المدارك (2/ 44) وأصول الاعتقاد (2/ 275 - 277/ 412) والإبانة (2/ 12/52 - 54/ 251).
(5) التلبيس (109) وأصول الاعتقاد (2/ 346/495) والإبانة (2/ 12/70 - 71/ 293) والشريعة (1/ 220/179).(3/30)
بالعراق يقولون: القرآن مخلوق؟ فنتر يده عن يدي فلم يكلمني الظهر ولا العصر ولا المغرب، فلما كان العشاء الآخرة قال لي: يا عبد الله بن نافع من أين لك هذا الكلام؟ ألقيت في قلبي شيئا هو الكفر، صاحب هذا الكلام يقتل ولا يستتاب. (1)
- وفيه عن عبد الله بن نافع الصايغ سأله مالك قال: ويلك يا عبد الله من سألك عن هذه المسألة؟ قلت: رجلان ما أعرفهما. قال: اطلبهما فجئني بهما أو بأحدهما حتى أركب إلى الأمير فآمره بقتلهما أو حبسهما أو نفيهما. (2)
- وفيه عن عبد الله بن نافع قال: كان مالك يقول: كلم الله عز وجل موسى. (3)
- وجاء في الإبانة: عن عبد الله بن هارون قال: سمعت محمد بن موسى قال: كنت عند مالك بن أنس، إذ جاءه رجل من أهل المغرب، فقال: يا أبا عبد الله اشفني شفاك الله، ما تقول؟ فقال: كلام الله غير مخلوق. (4)
- وفيها: عن أبي مصعب الزهري قال: سمعت مالك بن أنس يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن زعم أنه مخلوق، فقد كفر بما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم -، والذي يقف شر من الذي يقول. (5)
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 346 - 347/ 496).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 347 - 348/ 500).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 383/579) والإبانة (2/ 14/319/ 491).
(4) الإبانة (2/ 12/13 - 14/ 196).
(5) الإبانة (2/ 12/47 - 48/ 241).(3/31)
مواقفه من المؤولين لصفة النظر:
- جاء في ترتيب المدارك: قال ابن نافع وأشهب -وأحدهما يزيد على الآخر قلت: يا أبا عبد الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (1) ينظرون إلى الله، قال نعم بأعينهم هاتين، فقلت له: فإن قوما يقولون: لا ينظر إلى الله، إن ناظرة بمعنى منتظرة إلى الثواب. قال: كذبوا بل ينظر إلى الله أما سمعت قول موسى عليه السلام {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} (2) أفترى موسى سأل ربه محالا؟ فقال الله لن تراني في الدنيا لأنها دار فناء ولا ينظر ما يبقى بما يفنى فإذا صاروا إلى دار البقاء، نظروا بما يبقى إلى ما يبقى. وقال الله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (3). (4)
- وجاء في أصول الاعتقاد: وحدثنا أبو موسى الأنصاري أنه قال لمالك: يا أبا عبد الله، فإن قوما يزعمون أن الله لا يرى، قال مالك: السيف، السيف. (5)
- عن ابن وهب قال: سمعت مالك بن أنس يقول: الناظرون ينظرون إلى الله عز وجل يوم القيامة بأعينهم. (6)
_________
(1) القيامة الآيتان (22و23).
(2) الأعراف الآية (143).
(3) المطففين الآية (15).
(4) ترتيب المدارك (2/ 42) والسير (8/ 102) وأصول الاعتقاد (3/ 555 - 556/ 877).
(5) أصول الاعتقاد (3/ 556/872).
(6) أصول الاعتقاد (3/ 555/870) والشريعة (2/ 8 - 9/ 615) والسير (8/ 99).(3/32)
- عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك ابن أنس عن هذه الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية؟ فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف. (1)
مواقفه من المؤولين لصفة العلو:
- قال أبو نعيم في الحلية بالسند إلى جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته فنظر إلى الأرض وجعل ينكث بعود في يده حتى علاه الرحضاء -يعني العرق- ثم رفع رأسه ورمى بالعود، وقال: الكيف منه غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج. (2)
- وجاء في السير: وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن نافع قال: قال مالك: الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء. (3)
موقفه من الخوارج:
- قال ابن القاسم: بلغني أن مالكا قال: الدماء موضوعة عنهم، وأما
_________
(1) أصول الاعتقاد (3/ 582/930) والشريعة (2/ 104 - 105/ 765) وشرح السنة للبغوي (1/ 171).
(2) الحلية (6/ 325 - 326) شرح السنة (1/ 171) وأصول الاعتقاد (3/ 441/664) والاعتصام (1/ 173) ومجموع الفتاوى (3/ 25) والسير (8/ 100).
(3) السير (8/ 101) والسنة لعبد الله (41) والشريعة (2/ 67 - 68/ 695) والفتاوى الكبرى (5/ 154) وأصول الاعتقاد (3/ 445/673).(3/33)
الأموال فإن وجد شيء بعينه أخذ، وإلا لم يتبعوا بشيء، قال ذلك في الخوارج، قال ابن القاسم: وفرق بين المحاربين وبين الخوارج، لأن الخوارج خرجوا واستهلكوا ذلك على تأويل يرون أنه صواب، والمحاربون خرجوا فسقا مجونا وخلاعة على غير تأويل، فيوضع عن المحارب إذا تاب قبل أن يقدر عليه حد الحرابة، ولا توضع عنه حقوق الناس - يعني في دم ولا مال.
- قال إسماعيل بن إسحاق: رأى مالك قتل الخوارج وأهل القدر من أجل الفساد الداخل في الدين، وهو من باب الفساد في الأرض، وليس إفسادهم بدون فساد قطاع الطريق والمحاربين للمسلمين على أموالهم، فوجب بذلك قتلهم، إلا أنه يرى استتابتهم لعلهم يراجعون الحق، فإن تمادوا قتلوا على إفسادهم لا على كفر. (1)
- جاء في المدونة: قلت: أرأيت قتال الخوارج ما قول مالك فيهم؟ قال: قال مالك -في الإباضية والحرورية وأهل الأهواء كلهم- أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا.
- قال ابن القاسم: وقال مالك في الحرورية وما أشبههم: أنهم يقتلون إذا لم يتوبوا إذا كان الإمام عدلا. فهذا يدلك على أنهم إن خرجوا على إمام عدل وهم يريدون قتاله ويدعون إلى ما هم عليه دعوا إلى الجماعة والسنة فإن أبوا قتلوا. قال: ولقد سألت مالكا عن أهل العصبية الذين كانوا بالشام. قال مالك: أرى للإمام أن يدعوهم إلى الرجوع وإلى مناصفة الحق بينهم، فإن رجعوا وإلا قوتلوا. قلت: أرأيت الخوارج إذا خرجوا فأصابوا الدماء
_________
(1) ابن عبد البر (فتح البر 1/ 471 - 472).(3/34)
والأموال ثم تابوا ورجعوا؟ قال: بلغني أن مالكا قال الدماء موضوعة عنهم، وأما الأموال فإن وجدوا شيئا عندهم بعينه أخذوه وإلا لم يتبعوا بشيء من ذلك وإن كانت لهم الأموال، لأنهم إنما استهلكوها على التأويل، وهذا الذي سمعت. قلت: فما فرق ما بين المحاربين والخوارج في الدماء؟ قال: لأن الخوارج خرجوا على التأويل والمحاربين خرجوا فسقا وخلوعا على غير تأويل، وإنما وضع الله عن المحاربين إذا تابوا حد الحرابة حق الإمام، وإنه لا يوضع عنهم حقوق الناس، وإنما هؤلاء الخوارج قاتلوا في دين يرون أنه صواب. قلت: أرأيت قتلى الخوارج أيصلى عليهم أم لا؟ قال: لا. قال لي مالك في القدرية والإباضية: لا يصلى على موتاهم، ولا تتبع جنائزهم، ولا تعاد مرضاهم، فإذا قتلوا فذلك أحرى أن لا يصلى عليهم. (1)
موقفه من المرجئة:
- عن معن بن عيسى قال: انصرف مالك بن أنس يوما من المسجد وهو متكئ على يدي، قال: فلحقه رجل يقال له أبو الجويرية كان يتهم بالإرجاء، فقال: يا أبا عبد الله اسمع مني شيئا أكلمك به وأحاجك وأخبرك برأيي، قال: فإن غلبتني؟ قال: فإن غلبتك اتبعتني، قال: فإن جاء رجل آخر فكلمنا فغلبنا؟ قال: نتبعه. فقال مالك: يا عبد الله، بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بدين واحد وأراك تنتقل من دين إلى دين. (2)
- وعن معن بن عيسى: أن رجلا بالمدينة يقال له أبو الجويرية يرى
_________
(1) المدونة (2/ 47 - 48).
(2) الإبانة (2/ 507 - 508/ 583) والشريعة (1/ 189/123) وانظر السير (8/ 106).(3/35)
الإرجاء فقال مالك بن أنس: لا تناكحوه. (1)
- جاء في السير: وقيل: كان سبب نزوح قتيبة من مدينة بلخ، وانقطاعه بقرية بغلان، أنه حضر عنده مالك وجاءه إبراهيم البلخي للسماع فبرز قتيبة وقال: هذا من المرجئة فأخرجه مالك من مجلسه -وكان لإبراهيم صورة كبيرة ببلده- فعادى قتيبة وأخرجه. (2)
- عن عبد الله بن نافع قال: قال مالك: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. (3)
- عن أبي إسماعيل يعني الترمذي قال: سمعت إسحاق بن محمد يقول: كنت عند مالك بن أنس فسمعت حماد بن أبي حنيفة يقول لمالك: يا أبا عبد الله إن لنا رأيا نعرضه عليك فإن رأيته حسنا مضينا عليه وإن رأيته غير ذلك كففنا عنه. قال: ما هو؟ قال: يا أبا عبد الله لا نكفر أحدا بذنب، الناس كلهم مسلمون عندنا قال: ما أحسن هذا. ما بهذا بأس، فقام إليه داود بن أبي زنبر وإبراهيم بن حبيب وأصحاب له فقاموا إليه فقالوا: يا أبا عبد الله إن هذا يقول بالإرجاء قال: ديني مثل دين الملائكة المقربين وديني مثل دين جبريل وميكائيل والملائكة المقربين. قال: لا والله: الإيمان يزيد وينقص {ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم} (4) وقال إبراهيم: {أرني كيف تحيي
_________
(1) أصول الاعتقاد (5/ 1067/1827).
(2) (11/ 20).
(3) أصول الاعتقاد (5/ 1030 - 1031/ 1742) والشريعة (1/ 272 - 273/ 271) وبنحوه في الإبانة (2/ 6/812/ 1111).
(4) الفتح الآية (4).(3/36)
الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (1) فطمأنينة قلبه زيادة في إيمانه. (2)
- وعن أبي سلمة الخزاعي قال: قال مالك وشريك وأبو بكر بن عياش وعبد العزيز بن أبي سلمة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد: الإيمان المعرفة والإقرار والعمل. (3)
- وعن الوليد بن مسلم قال سمعت أبا عمرو يعني الأوزاعي ومالكا وسعيد بن عبد العزيز يقولون: ليس للإيمان منتهى هو في زيادة أبدا وينكرون على من يقول إنه مستكمل الإيمان وإن إيمانه كإيمان جبريل. (4)
- وعن الوليد قال: سمعت أبا عمرو -يعني الأوزاعي- ومالك بن أنس وسعيد بن عبد العزيز لا ينكرون أن يقولوا أنا مؤمن ويأذنون في الاستثناء أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله. (5)
موقفه من القدرية:
- جاء في الاعتصام قال: ثم حكي أيضا عن مالك أنه قال: لا تجالس القدري ولا تكلمه إلا أن تجلس إليه فتغلظ عليه، لقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ
_________
(1) البقرة الآية (260).
(2) أصول الاعتقاد (5/ 1031/1743).
(3) السنة لعبد الله (83) وأصول الاعتقاد (4/ 931/1587).
(4) السنة لعبد الله (92 - 93) والإبانة (2/ 901/1259).
(5) الإبانة (2/ 873/1192) والسنة لعبد الله (100).(3/37)
ورسوله} (1) فلا توادوهم. (2)
- وجاء في أصول الاعتقاد: قال عبد الله بن أحمد عن أبيه أحمد بن حنبل أنه قال: كان ثور بن يزيد الكلاعي يرى القدر وكان من أهل حمص، أخرجوه ونفوه لأنه كان يرى القدر.
قال: وبلغني أنه أتى المدينة فقيل لمالك: قد قدم ثور فقال: لا تأتوه. فقال: لا يجتمع عند رجل مبتدع في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (3)
- جاء في السير: ولمالك رحمه الله رسالة في القدر كتبها إلى ابن وهب وإسنادها صحيح. (4)
- وجاء في السنة لابن أبي عاصم قال: حدثنا سلمة حدثنا مروان بن محمد الطاطري قال: سمعت مالك بن أنس يسأل عن تزويج القدري فقرأ: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} (5). (6)
- وجاء في أصول الاعتقاد: قال أبو سهيل قال لي عمر بن عبد العزيز ما تقول في القدرية قال: قلت أرى أن تستتيبهم، فإن تابوا وإلا عرضتهم على السيف، قال عمر: ذلك رأيي قال أبو مسهر: قلت لمالك: يا أبا عبد الله
_________
(1) المجادلة الآية (22).
(2) الاعتصام (1/ 173 - 174).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 801/1337).
(4) السير (8/ 88) وقد أثنى على هذه الرسالة القاضي عياض انظر ترتيب المدارك (1/ 204).
(5) البقرة الآية (221).
(6) السنة لابن أبي عاصم (1/ 88) وأصول الاعتقاد (4/ 808/1352).(3/38)
وهو رأيك؟ قال نعم. (1)
- وقال اللالكائي: وجدت بخط أبي أحمد عبيد الله بن محمد الفرضي وقد أجاز لي الرواية عنه- قال: قرأت على أبي بكر الأبهري (كتاب شرح ابن عبد الحكم) عن مالك أنه قال في القدرية يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا. فقلت له: من القدرية عند مالك الذين قال فيهم هذا؟ فقال: روى ابن وهب عنه أنه قال: الذين يقولون إن الله لم يخلق المعاصي. وروى عنه عبد الرزاق أنهم الذين يقولون: إن الله لا يعلم الشيء قبل كونه. (2)
- وجاء في السير: عن مالك -وسئل عن الصلاة خلف أهل البدع القدرية وغيرهم- فقال: لا أرى أن يصلى خلفهم. قيل: فالجمعة؟ قال: إن الجمعة فريضة، وقد يذكر عن الرجل الشيء، وليس هو عليه. فقيل له: أرأيت إن استيقنت، أو بلغني من أثق به، أليس لا أصلي الجمعة خلفه؟ قال: إن استيقنت. كأنه يقول: إن لم يستيقن ذلك، فهو في سعة من الصلاة خلفه. (3)
- وقال سحنون: وقال أشهب سئل مالك عن القدرية فقال: قوم سوء فلا تجالسوهم، قيل ولا يصلى خلفهم؟ فقال: نعم. (4)
- وعنه، قال: القدرية، لا تناكحوهم، ولا تصلوا خلفهم. (5)
- وفي الإبانة: سئل مالك عن أهل القدر: أيكف عن كلامهم
_________
(1) أصول الاعتقاد (4/ 784/1315) والسنة (147) وبنحوه في السير (8/ 100).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 775 - 776/ 1301).
(3) السير (8/ 68) والإبانة (2/ 10/257/ 1862).
(4) أصول السنة لابن أبي زمنين (305).
(5) السير (8/ 103).(3/39)
وخصومتهم أفضل؟ قال: نعم، إذا كان عارفا بما هو عليه؛ قال: ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، ويخبرهم بخلافهم، ولا يواضعوا القول ولا يصلى خلفهم؛ قال مالك: ولا أرى أن ينكحوا. (1)
- وروي عن مالك أنه سئل عن القدري الذي يستتاب؟ قال: الذي يقول: إن الله عز وجل لم يعلم ما العباد عاملون حتى يعملوا. (2)
- وعن مالك بن أنس أنه قال: ما من شيء أبين في الرد على أهل القدر من قول الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (3) وقال عز وجل: {إن هي إلا فتنتك تصيب بها من تشاء} (4). وقال: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (5) وقال عز وجل: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} (6) وقال مالك رحمه الله تعالى: ومثل هذا في القرآن كثير. (7)
_________
(1) الإبانة (2/ 10/256 - 257/ 1861).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 808/1353).
(3) الإنسان الآيتان (30و31).
(4) الأعراف الآية (155).
(5) إبراهيم الآية (27).
(6) الإسراء الآية (4).
(7) أصول السنة لابن أبي زمنين (206).(3/40)
- وجاء في السير: عن ابن وهب سمعت مالكا يقول لرجل سأله عن القدر: نعم. قال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هداها} (1). (2)
- وقال مالك بن أنس: ما أضل من يكذب القدر، لو لم تكن عليهم حجة إلا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} (3)؛ لكفى به حجة. (4)
- وقد ساق الإمام مالك رحمه الله في موطئه من الأحاديث ما فيه الكفاية للرد على القدرية بينتها بحمد الله في جزء مستقل سميته عقيدة الإمام مالك وقد طبع والحمد لله.
حماد بن زيد بن درهم (5) (179 هـ)
العلامة، الحافظ الثبت، محدث الوقت حَمَّاد بن زَيْد بن دِرْهَم أبو إسماعيل الأزدي مولى آل جرير بن حازم البصري، الأزرق الضرير، أحد الأعلام أصله من سجستان: سُبي جده درهم منها. سمع من أنس بن سيرين وعمرو بن دينار وأبي عمران الجوني وروى عنه إبراهيم بن أبي عبلة وسفيان،
_________
(1) السجدة الآية (12).
(2) السير (8/ 99).
(3) التغابن الآية (2).
(4) الإبانة (2/ 10/256/ 1858) والشريعة (1/ 435 - 436/ 549).
(5) طبقات ابن سعد (7/ 286 - 287) والجرح والتعديل (1/ 176 - 183) والسير (7/ 456 - 466) وتهذيب الكمال (7/ 239 - 252) والحلية (6/ 257 - 267) ومشاهير علماء الأمصار (157) وتذكرة الحفاظ (1/ 228 - 229) وشذرات الذهب (1/ 292).(3/41)
وشعبة وهم من شيوخه وعبد الوارث بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن المبارك. قال عبد الرحمن بن مهدي: أئمة الناس في زمانهم أربعة: سفيان الثوري بالكوفة ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام وحماد بن زيد بالبصرة. وقال يحيى بن معين: ليس أحد أثبت من حماد بن زيد، وقال يحيى ابن يحيى النيسابوري: ما رأيت شيخا أحفظ من حماد بن زيد، وقال أحمد بن حنبل: حماد بن زيد من أئمة المسلمين من أهل الدين، هو أحب إلي من حماد ابن سلمة. وقال عبد الرحمن بن مهدي: لم أر أحدا قط أعلم بالسنة ولا بالحديث الذي يدخل في السنة من حماد بن زيد. وقال عبد الرحمن بن خراش الحافظ: لم يخطئ حماد بن زيد في حديث قط، وفيه يقول ابن المبارك:
أيها الطالب علما ... إيت حماد بن زيد
تقتبس حلما وعلما ... ثم قيده بقيد
ودع البدعة من ... آثار عمرو بن عبيد
قال حماد بن زيد في قوله تعالى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (1) قال: أرى رفع الصوت عليه بعد موته كرفع الصوت عليه في حياته، إذا قرئ حديثه وجب عليك أن تنصت له كما تنصت للقرآن. قال محمد بن وزير الواسطي: سمعت يزيد بن هارون يقول: قلت لحماد بن زيد: هل ذكر الله أصحاب الحديث في القرآن؟ قال: بلى الله تعالى يقول: {فلولا نَفَرَ مِنْ
_________
(1) الحجرات الآية (2).(3/42)
كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائفةٌ ... } (1).
توفي حماد بن زيد رحمه الله تعالى في سنة تسع وسبعين ومائة وفاقا في شهر رمضان.
موقفه من المبتدعة:
- عن حماد قال: كلما ازداد صاحب البدعة اجتهادا ازداد من الله بعدا. (2)
- وعن مؤمل بن إسماعيل قال: قال بعض أصحابنا لحماد بن زيد: مالك لم ترو عن عبد الكريم (3) إلا حديثا واحدا؟ قال: ما أتيته إلا مرة واحدة، لمساقه في هذا الحديث، وما أحب أن أيوب علم بإتياني إليه وأن لي كذا وكذا، وإني لأظنه لو علم، لكانت الفيصل بيني وبينه. (4)
موقفه من الرافضة:
قال حماد بن زيد: لئن قدمت عليا على عثمان لقد قلت إن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خانوا. (5)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السير: عن سليمان بن حرب قال: سأل بشر بن السري
_________
(1) التوبة الآية (122).
(2) ذم الكلام (ص.124).
(3) وهو عبد الكريم بن أبي المخارق البصري، ضعفه ابن عيينة وأحمد وابن معين، انظر التهذيب (6/ 376).
(4) ابن وضاح في البدع (ص.112 - 113) وأورده الشاطبي في الاعتصام (2/ 791 - 792).
(5) أصول الاعتقاد (7/ 1424/2557).(3/43)
حماد بن زيد عن حديث "ينزل ربنا" (1) أيتحول؟ فسكت، ثم قال: هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف شاء. (2)
- وفيها عن أبي النعمان عارم قال: قال حماد بن زيد: القرآن كلام الله أنزله جبريل من عند رب العالمين. (3)
- جاء في الإبانة: عن محمد بن يحيى الأزدي قال: حدثني مسدد، قال: كنت عند يحيى بن سعيد القطان، وجاء يحيى بن إسحاق بن توبة العنبري، فقال له يحيى بن سعيد: حدث هذا -يعني: مسددا-: كيف قال حماد بن زيد فيما سألته؟ قال: سألت حماد بن زيد عن من قال: كلام الناس ليس بمخلوق، فقال: هذا كلام أهل الكفر. (4)
- وفيها عن فطر بن حماد قال: سألت المعتمر وحماد بن زيد عن من قال: القرآن مخلوق، فقالا: كافر. (5)
- وفيها: عن سليمان بن حرب قال: سمعت حماد بن زيد يقول: إن هؤلاء الجهمية إنما يحاولون يقولون: ليس في السماء شيء. (6)
موقفه من المرجئة:
- عن أبي سلمة الخزاعي قال: قال مالك وشريك وأبو بكر بن عياش
_________
(1) انظر تخريجه في مواقف حماد بن سلمة سنة (167هـ).
(2) السير (9/ 333) ودرء التعارض (2/ 25).
(3) السير (7/ 461) وأصول الاعتقاد (2/ 384/582) والسنة لعبد الله (31).
(4) الإبانة (1/ 12/353/ 162).
(5) الإبانة (2/ 12/58/ 260).
(6) الإبانة (2/ 13/95/ 329) والسنة لعبد الله (15) والسنة للخلال (5/ 91) والسير (7/ 461) واجتماع الجيوش (126) ومجموع الفتاوى (5/ 52).(3/44)
وعبد العزيز بن أبي سلمة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد: الإيمان المعرفة والإقرار والعمل إلا أن حماد بن زيد كان يفرق بين الإيمان والإسلام ويجعل الإسلام عاما والإيمان خاصا. (1)
- عن الليث بن خالد البلخي قال: حدثنا حماد بن زيد: وسألنا عن رجل من بلادنا فعرفناه قال: ما كان أجرأه كان يقول: أنا مؤمن حقا البتة ويسمونا شكاكا، والله ما شككنا في ديننا قط ولكن جاءت أشياء، أليس ذكر أن "اليسير من الرياء شرك" (2) فأينا لم يراء. (3)
موقفه من القدرية:
جاء في السير: وورد عن حماد بن زيد أنه كان ينهى عن الأخذ عن عبد الوارث لمكان القدر. (4)
سَلاَّم بن سُلَيْم (5) (179 هـ)
سلام بن سليم أبو الأحوص الإمام الثقة الحافظ الحنفي الكوفي. روى
_________
(1) السنة لعبد الله (83) والإبانة (2/ 806/1096).
(2) ابن ماجه (2/ 1320 - 1321/ 3989) والحاكم (4/ 328) وقال: "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. لكن إسناد الحديث ضعيف، قال البوصيري: "في إسناده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف". وأيضا فيه عيسى ابن عبد الرحمن الزرقي المدني، وهو ضعيف اتفاقا. والحديث له طرق أخرى لكنها لا تخلو من ضعف. انظر الضعيفة (2975).
(3) السنة لعبد الله (99).
(4) السير (8/ 303).
(5) السير (8/ 281 - 284) وتهذيب الكمال (12/ 282 - 285) وطبقات ابن سعد (6/ 379) وشذرات الذهب (1/ 292) وميزان الاعتدال (2/ 176 - 177).(3/45)
عن زياد بن علاقة والأسود بن قيس وآدم بن علي وغيرهم. وعنه عبد الرحمن ابن مهدي ووكيع وأبو بكر بن أبي شيبة وآخرون.
وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: أبو الأحوص أحب إليك أو أبو بكر بن عياش، قال: ما أقربهما. وقال أحمد العجلي: كان ثقة صاحب سنة واتباع. قرأ القرآن على حمزة. مات أبو الأحوص ومالك وحماد بن زيد سنة تسع وسبعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
عن بشر بن الحارث قال: كان أبو الأحوص يقول لنفسه: يا سلام نم على سنة خير من أن تقوم على بدعة. (1)
موقفه من الرافضة:
جاء في السير: قال أحمد العجلي: كان ثقة صاحب سنة واتباع، وكان إذا ملئت داره من أصحاب الحديث، قال لابنه أحوص: يا بني قم، فمن رأيته في داري يشتم أحدا من الصحابة فأخرجه، ما يجيء بكم إلينا؟ (2)
مساور الوراق (3) (من السابعة)
مُسَاوِر الوَرَّاق الكوفي، يقال: إنه أخو سيار أبي الحكم لأمه، ويقال
_________
(1) الإبانة (1/ 2/360/ 251).
(2) السير (8/ 282) وتذكرة الحفاظ (1/ 250).
(3) المعرفة والتاريخ (2/ 686) وثقات ابن حبان (7/ 502) وتهذيب الكمال (27/ 425 - 427) وتاريخ الإسلام (حوادث 141 - 160/ص.290) وتهذيب التهذيب (10/ 103) والتقريب (2/ 174).(3/46)
اسم أبيه سوار بن عبد الحميد. روى عن سيار أبي الحكم وشعيب بن يسار مولى ابن عباس وجعفر بن عمرو بن حريث وأبي حصين عثمان بن عاصم الأسدي. روى عنه سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح وحماد بن أسامة. كان يقول الشعر، وثقه ابن معين وابن حبان. قال سفيان بن عيينة: وكان مساور -يعني الوراق- رجلا صالحا لا بأس به إلا أنه كان له رأي في أبي حنيفة.
ومن كلامه: إنما تطيب المجالس بخفة الجلساء. وأيضا: ما كنت أقول لرجل إني أحبك في الله ثم أمنعه شيئا من الدنيا. قال ابن حجر: صدوق من السابعة. وذكره أسلم بن سهل الواسطي في تاريخ واسط في أهل القرن الثاني.
موقفه من المبتدعة:
وجاء في الإبانة عن أبي علي محمد بن سعد بن الحسين عن الأسود البوشجاني قال: قال مساور الوراق:
كنا من العلم قبل اليوم في سعة ... حتى ابتلينا بأصحاب المقاييس
قوم إذا ناظروا ضجوا كأنهم ... ثعالب صوتت بين النواويس
أما العريب فقوم لا عطاء لهم ... وفي الموالي علامات المفاليس
قاموا عن السوق إذ قلت مكاسبهم ... وأحدثوا الرأي والاقتار والبؤس
قال أبو بكر: العريب تصغير العرب. (1)
_________
(1) الإبانة (2/ 3/549/ 692).(3/47)
عبد الله بن بكر المزني (1) (من السابعة)
عبد الله بن بكر بن عبد الله المُزَنِي البصري. روى عن أبيه والحسن البصري ومحمد بن سيرين وحميد بن هلال وعبد الله بن عمر العمري. وعنه مسلم بن إبراهيم وعفان بن مسلم وعبد الرحمن بن مهدي وحسان بن حسان البصري وآخرون. قال الحافظ ابن حجر: صدوق من السابعة.
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة عنه قال: ما أحد أحب إلي من عمرو وكان يحب أن يتشبه به في حياة الحسن قال: فإني لأذكر أول يوم تكلم فيه. قال: فتفرقنا عنه فما كنت أحب أن أكلمه قال: فلقيني يوما في زقاق فلم أقدر أن أتوارى منه، قال: فقمت فلما نظر إلي قال: لا تخف ليس هاهنا أيوب ولا يونس. (2)
هارون بن سعد العجلي الكوفي (3) (من الطبقة السابعة)
هارون بن سعد العِجْلِيّ الكوفي. روى عن إبراهيم التيمي، وسليمان الأعمش، وأبي إسحاق السبيعي. وحدث عنه الثوري، وشعبة بن الحجاج، وشريك بن عبد الله. وقال عنه ابن حبان والعقيلي والذهبي: إنه كان يغلو في الرفض. ولعله تاب منه فقد ذكر له ابن قتيبة أبياتا في تأويل مختلف الحديث
_________
(1) تهذيب الكمال (14/ 344 - 346) وتهذيب التهذيب (5/ 163) والتقريب (1/ 481)
(2) السنة لعبد الله (152).
(3) تهذيب الكمال (30/ 85) وثقات ابن حبان (7/ 579) والمجروحين (3/ 94) والضعفاء للعقيلي (4/ 362) وميزان الاعتدال (4/ 284) وتهذيب التهذيب (11/ 6) والتقريب (2/ 258).(3/48)
تدل على نزوعه عن الرفض ولذلك قال عنه ابن حجر: صدوق رمي بالرفض، ويقال: رجع عنه والله أعلم. من الطبقة السابعة.
موقفه من الرافضة:
قال هارون بن سعد العجلي:
ألم تر أن الرافضين تفرقوا ... فكلهم في جعفر قال منكرا
فطائفة قالوا إمام ومنهم ... طوائف سمته النبي المطهرا
ومن عجب لم أقضه جلد جفرهم ... برئت إلى الرحمن ممن تجفرا
برئت إلى الرحمن من كل رافض ... بصير بباب الكفر في الدين أعورا
إذا كف أهل الحق عن بدعة مضى ... عليها وإن يمضوا على الحق قصرا
ولو قال إن الفيل ضب لصدقوا ... ولو قال زنجي تحول أحمرا
وأخلف من بول البعير فإنه ... إذا هو للإقبال وجه أدبرا
فقبح أقوام رموه بفرية ... كما قال في عيسى الفرى من تنصرا (1)
شهاب بن خراش بن حوشب (2) (قبل 180 هـ)
الإمام القدوة العالم شِهَاب بن خِرَاش بن حَوْشَب، أبو الصلت الشيباني ثم الحوشبي الواسطي أخو عبد الله وابن أخي العوام بن حوشب، أصله كوفي تحول إلى الرملة. حدث عن عمر بن مرة وأبان بن عياش، وعبد الملك
_________
(1) تأويل مختلف الحديث (71).
(2) التاريخ لابن معين (2/ 259) والجرح والتعديل (4/ 362) والسير (8/ 284 - 287) وتهذيب الكمال (12/ 568 - 572) وميزان الاعتدال (2/ 281 - 282) تقريب التهذيب (1/ 355).(3/49)
بن عمير. وروى عنه ابن مهدي وعبد الله بن ميمون القداح، وابن أبي فديك، قال فيه أبو زرعة: ثقة صاحب سنة.
قال عبد الرحمن بن مهدي: لم أر أحدا أجمع من عبد الله ابن المبارك، ولم أر أحدا أقدمه على بشر بن منصور، ولم أر أحسن وصفا للسنة من شهاب بن خراش، ولم أر أحدا أعلم بالسنة من حماد بن زيد ولسفيان علمه وزهده.
مات رحمه الله قبل سنة ثمانين ومائة.
موقفه من الرافضة:
جاء في السير: قال شهاب بن خراش: أدركت من أدركت من صدرة هذه الأمة، وهم يقولون: اذكروا مجلس أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تأتلف عليه القلوب، ولا تذكروا الذي شجر بينهم، فتحرشوا عليهم الناس. (1) وفي تهذيب الكمال: اذكروا محاسن أصحاب رسول الله ...
موقفه من القدرية والمرجئة:
جاء في السير بالسند إلى هشام بن عمار قال: سمعت شهاب بن خراش يقول: إن القدرية أرادوا أن يصفوا الله كلمة واحدة يقرب بين حروفها بِعَدْلِهِ فأخرجوه من فضله. (2)
وجاء في تهذيب الكمال عن هشام بن عمار، حدثنا شهاب بن خراش الحوشبي، لقيته وأنا شاب في سنة أربع وسبعين يعني ومائة، وقال لي: إن لم تكن
_________
(1) السير (8/ 285) وتهذيب الكمال (12/ 571).
(2) السير (8/ 285).(3/50)
قدريا ولا مرجئا حدثتك، وإلا لم أحدثك، فقلت: ما فيَّ من هذين شيء. (1)
موقف السلف من رابعة العدوية الصوفية (180 هـ)
من ترهاتها وفضائح الصوفية:
جاء في السير: قال أبو معمر المقعد: نظرت رابعة إلى رياح يضم صبيا من أهله ويقبله. فقالت: أتحبه؟ قال: نعم. قالت ما كنت أحسب أن في قلبك موضعا فارغا لمحبة غيره تبارك اسمه. فغشي عليه، ثم أفاق، وقال: رحمة منه تعالى ألقاها في قلوب العباد للأطفال. (2)
" التعليق:
ماذا تقول رابعة فيما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة قالت: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تقبلون الصبيان فما نقبلهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة". (3) ولكنها تلبيسات إبليس على المتصوفة.
_________
(1) (12/ 572).
(2) السير (8/ 174).
(3) البخاري (10/ 522/5998) ومسلم (4/ 1808/2317) وابن ماجه (2/ 1209/3665).(3/51)
عبد الله بن المبارك بن واضح (1) (181 هـ)
الإمام شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك بن واضح عالم زمانه وأمير الأتقياء في وقته أبو عبد الرحمن الحنظلي مولاهم التركي، ثم المروزي الحافظ، الغازي، أحد الأعلام. سمع من سليمان التيمي، وعاصم الأحول، وحميد الطويل وغيرهم. وحدث عنه معمر والثوري، وأبو إسحاق الفزاري وغيرهم، وحديثه حجة بالإجماع وهو في المسانيد والأصول.
قال فيه إسماعيل ابن عياش: ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبد الله بن المبارك.
قال سفيان: إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة مثل ابن المبارك، فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام.
اجتمع جماعة مثل الفضيل بن موسى، ومخلد بن الحسين فقالوا: تعالوا نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير فقالوا: العلم والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والفصاحة، والشعر، وقيام الليل، والعبادة، والحج، والغزو، والشجاعة، والفروسية، والقوة، وترك الكلام فيما لا يعنيه، والإنصاف، وقلة الخلاف على أصحابه.
قال حبيب الجلاب: سألت ابن المبارك: ما خير ما أعطي الإنسان؟
_________
(1) الجرح والتعديل (5/ 179 - 181) والحلية (8/ 162 - 191) والسير (8/ 378 - 421) وتاريخ بغداد (10/ 152 - 169) وتهذيب الكمال (16/ 5 - 25) وتذكرة الحفاظ (1/ 274 - 279) والديباج المذهب (1/ 407 - 409) وشذرات الذهب (1/ 295 - 297).(3/52)
قال: غريزة عقل، قلت: فإن لم يكن؟ قال: حسن أدب، قلت: فإن لم يكن؟ قال: أخ شفيق يستشيره، قلت: فإن لم يكن؟ قال: صمت طويل، قلت: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل.
قال ابن المبارك: من بخل بالعلم، ابتلي بثلاث: إما موت يذهب علمه، وإما ينسى، وإما يلزم السلطان فيذهب علمه.
وقال: إن البصراء لا يأمنون من أربع: ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع فيه الرب عز وجل، وعمر قد بقي لا يدري ما فيه من الهلكة، وفضل قد أعطي العبد لعله مكر واستدراج، وضلالة قد زينت يراها هدى، وزيغ قلب ساعة فقد يسلب المرء دينه ولا يشعر.
وقال: من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته.
توفي رحمه الله تعالى في شهر رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء عنه قال: ليكن المعتمد عليه الأثر وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الخبر. (1)
_________
(1) الحلية لأبي نعيم (8/ 165) والمدخل للبيهقي (1/ 218/240) والجامع لابن عبد البر (1/ 781 - 782) وذم الكلام (ص.99).(3/53)
- وجاء في أصول الاعتقاد في تفسير حديث: "إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر" (1) قال موسى: قال ابن المبارك: الأصاغر من أهل البدع. (2)
- وفيه عن إسماعيل الطوسي قال: قال لي ابن المبارك يكون مجلسك مع المساكين وإياك أن تجالس صاحب بدعة. (3)
- عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، سمعت عبدان يقول: قال عبد الله بن المبارك: الإسناد عندي من الدين، لولا الإسناد، لقال من شاء ما شاء، فإذا قيل له: من حدثك؟ بقي. (4)
- جاء في الحلية قال عبد الله بن المبارك:
أيها الطالب علما ... إيت حماد بن زيد
فاطلب العلم بحلم ... ثم قيده بقيد
_________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 361 - 362/ 908) عن ابن المبارك عن عبد الله بن عقبة عن بكر بن سوادة عن أبي أمية الجمحي به وفي الأوسط (9/ 65 - 66/ 8136) من طريق كامل بن طلحة الجحدري قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا بكر بن سوادة عن أبي أمية الجمحي به. وعبد الله بن عقبة هو ابن لهيعة. قال الطبراني في الأوسط: "لا يروى هذا الحديث عن أبي أمية الجمحي إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة". وقال الهيثمي في المجمع (1/ 135): "رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف. لكن رواية ابن المبارك عنه في المعجم الكبير صحيحة. ويشهد له قول ابن مسعود: (لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن أكابرهم فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا) ". رواه عبد الرزاق (1/ 246/20446) وابن المبارك في الزهد (2/ 623/764) والطبراني في الكبير (9/ 114/8589 - 8592) وفي الأوسط (8/ 288/7586) وقال الهيثمي (1/ 135): "رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون".
(2) أصول الاعتقاد (1/ 95/102) وذم الكلام (ص.295) وجامع بيان العلم وفضله (1/ 612) والفقيه والمتفقه (2/ 155).
(3) أصول الاعتقاد (1/ 155/260) والإبانة (2/ 3/463/ 452) وانظر السير (8/ 399و411).
(4) ذم الكلام (ص.231) وأورده الذهبي في السير (17/ 224).(3/54)
لا كثور وكجهم ... وكعمرو بن عبيد (1)
- وفي البداية:
وذر البدعة من ... آثار عمرو بن عبيد (2)
- وجاء في المنهاج: قال عبد الله بن المبارك: الدين لأهل الحديث والكذب للرافضة والكلام للمعتزلة والحيل لأهل الرأي أصحاب فلان. (3)
- وجاء في السير: وسمع بعضهم ابن المبارك وهو ينشد على سور طرسوس:
ومن البلاء وللبلاء علامة العبد ... أن لا يرى لك عن هواك نزوع
عبد النفس في شهواتها ... والحر يشبع مرة ويجوع (4)
- عن عبد الله بن عمر السرخسي -علم الحزن- قال: أكلت عند صاحب بدعة أكلة فبلغ ذلك ابن المبارك فقال: لا كلمته ثلاثين يوما. (5)
- قال ابن المبارك: لم أر مالا أمحق من مال صاحب بدعة وقال: اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يدا فيحبه قلبي. (6)
- وقال: صاحب البدعة على وجهه الظلمة وإن ادهن كل يوم ثلاثين
_________
(1) الحلية (6/ 258).
(2) البداية والنهاية (10/ 82).
(3) المنهاج (7/ 413).
(4) السير (8/ 417).
(5) أصول الاعتقاد (1/ 157 - 158/ 274).
(6) أصول الاعتقاد (1/ 158/275).(3/55)
مرة. (1)
- عن محمد بن خاقان قال: شيعنا ابن المبارك في آخر خرجة خرج فقلنا له: أوصنا، فقال: لا تتخذوا الرأي إماما. (2)
- وعن ابن المبارك قال: اعلم أي أخي أن الموت اليوم كرامة لكل مسلم لقي الله على السنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فإلى الله نشكوا وحشتنا، وذهاب الإخوان، وقلة الأعوان، وظهور البدع، وإلى الله نشكوا عظيم ما حل بهذه الأمة من ذهاب العلماء وأهل السنة وظهور البدع. (3)
- ذكر ابن المبارك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من ناوأهم حتى تقوم الساعة (4)، قال ابن المبارك: هم عندي أصحاب الحديث. (5)
- قال ابن المبارك: المعلى بن هلال هو، إلا أنه إذا جاء الحديث يكذب، قال فقال له بعض الصوفية يا أبا عبد الرحمن تغتاب؟ فقال اسكت، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل؟ أو نحو هذا الكلام. (6)
عن نعيم بن حماد قال: سمعت ابن المبارك يقول وقيل له تركت عمرو ابن عبيد وتحدث عن هشام الدستوائي وسعيد وفلان وهم كانوا في عداده؟
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 159/284) وذم الكلام (ص.233).
(2) الفقيه والمتفقه (1/ 463 - 465) وهو في الإعلام (1/ 258).
(3) ابن وضاح في البدع (ص.87 - 88) وأورده الشاطبي في الاعتصام (1/ 115 - 116).
(4) أخرجه أحمد (4/ 244) والبخاري (13/ 542/7459) ومسلم (3/ 1523/1921) من حديث المغيرة بن شعبة. وفي الباب عن ثوبان ومعاوية وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
(5) الشرف (ص.26).
(6) الكفاية (ص.45).(3/56)
قال: إن عمرا كان يدعو. (1)
- قال مسلم في مقدمة صحيحه: وقال محمد: سمعت علي بن شقيق يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: دعوا حديث عمرو ابن ثابت فإنه كان يسب السلف. (2)
" التعليق:
والمبتدعة ذكرهم وتسبيحهم هو في ذم منهاج السلف.
وفي هذا الأثر فائدة وهي تسمية ابن المبارك للصحابة ومن كان على منهاجهم باسم السلف، والنسبة إلى السلف سلفي. فليرد المبتدعة على هذا الإمام، وليقولوا له إنه اخترع اسما لم يكن وليردوا عليه وعلى أمثاله من الذين نطقوا بهذا المنهاج ودافعوا عنه.
- عن إسحاق بن عيسى: سمعت ابن المبارك يقول: يكتب الحديث إلا عن أربعة: غلاط لا يرجع، وكذاب، وصاحب بدعة وهوى يدعو إلى بدعته ورجل لا يحفظ فيحدث من حفظه. (3)
موقفه من الرافضة:
- جاء في السير: نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول: السيف الذي
_________
(1) الكفاية (ص.127).
(2) انظر مقدمة مسلم (1/ 16).
(3) الكفاية (ص.143).(3/57)
وقع بين الصحابة فتنة، ولا أقول لأحد منهم هو مفتون. (1)
- وروى إسحاق بن سنين لابن المبارك:
إني امرؤ ليس في ديني لغامزه ... لين ولست على الإسلام طعانا
فلا أسب أبا بكر ولا عمرا ... ولن أسب معاذ الله عثمانا
ولا ابن عم رسول الله أشتمه ... حتى ألبس تحت الترب أكفانا
ولا الزبير حواري الرسول ولا ... أهدي لطلحة شتما عز أو هانا
ولا أقول علي في السحاب إذاً ... د قلت والله ظلما ثم عدوانا (2)
- جاء في أصول الاعتقاد: عن علي بن الحسن بن شقيق قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الجماعة فقال أبو بكر وعمر. (3)
- وفيه عن الحسن بن عيسى قال: سمعت رجلا يسأل ابن المبارك عمن قال له إنه لا يفضل أبا بكر وعمر هل يضُرُّ به؟ قال ابن المبارك: من لم يفضل أبا بكر وعمر فهو أهل أن يجفى ويقصى قال: وسمعت ابن المبارك يفضل أبا بكر ويسكت عن علي وعثمان. (4)
- وعن عبد الله بن المبارك أنه قال: نأخذ باجتماع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وندع ما سواه، وقد اجتمعوا على أن عثمان خيرهم، فعثمان خير هذه الأمة بعد أبي بكر وعمر وبعدهم علي، ثم خير هذه الأمة بعد هؤلاء الأربعة
_________
(1) السير (8/ 405).
(2) السير (8/ 413).
(3) أصول الاعتقاد (7/ 1313/2326).
(4) أصول الاعتقاد (8/ 1451/2618).(3/58)
أصحاب الشورى ثم أهل بدر ثم الأول فالأول من سائر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعرف حق سابقهم. (1)
موقفه من الصوفية:
جاء في السير: وروى عبد الله بن محمد قاضي نصيبين، حدثنا محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، قال: أملى علي ابن المبارك سنة سبع وسبعين ومائة، وأنفذها معي إلى الفضيل بن عياض من طرسوس:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب جيده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في ... أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميت لا يكذب
فلقيت الفضيل بكتابه في الحرم، فقرأه وبكى، ثم قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح. (2)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السير بالسند إلى علي بن الحسن بن شقيق: سمعت عبد الله ابن المبارك يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي
_________
(1) رياض الجنة بتخريج أصول السنة لابن أبي زمنين (274/ 197).
(2) السير (8/ 412 - 413).(3/59)
كلام الجهمية. (1)
- وجاء في السنة بالسند إلى أبي سهل راهويه قال: كنت أدعو على الجهمية فأكثر فذكرت ذلك لعبد الله بن المبارك ودخل قلبي من ذلك شيء، فقال: لا يدخل قلبك فإنهم يجعلون ربك الذي تعبد لا شيء. (2)
- جاء في السير: قال العلاء بن الأسود: ذكر جهم عند ابن المبارك، فقال:
عجبت لشيطان أتى الناس داعيا ... إلى النار وانشق اسمه من جهنم (3)
- وفيها قال ابن المبارك:
ولا أقول بقول الجهم إن له ... قولا يضارع أهل الشرك أحيانا
ولا أقول تخلى من خليقته ما ... رب العباد وولى الأمر شيطانا
قال فرعون هذا في تمرده ... فرعون موسى ولا هامان طغيانا (4)
- جاء في السنة لعبد الله عن الحسن بن عيسى مولى عبد الله بن المبارك قال: كان ابن المبارك يقول: الجهمية كفار. (5)
- وفيها: قال ابن المبارك: ليس تعبد الجهمية شيئا. (6)
_________
(1) السير (8/ 401) ودرء التعارض (5/ 308) والسنة لعبد الله (13) والسنة للخلال (5/ 98) والإبانة (2/ 13/97/ 334) والشريعة (2/ 10/620).
(2) السنة لعبد الله (12) والسير (8/ 403) والإبانة (2/ 23/95/ 328) والفتاوى (5/ 184).
(3) السير (8/ 411) وأصول الاعتقاد (3/ 424 - 425/ 639).
(4) السير (8/ 414) والفتح (13/ 345 مختصرا).
(5) السنة لعبد الله (12) والإبانة (2/ 12/56/ 254).
(6) السنة لعبد الله (12).(3/60)
- وفيها: عن أبي عصمة قال: سمعت ابن المبارك يقول: خيبة للأبناء، أما فيهم أحد يفتك ببشر؟ قال يوسف: فسألت عبدان وأصحاب ابن المبارك عن هذا فقالوا: إن أبا عصمة رجل صدوق وقد كان ابن المبارك يتكلم بكلام هذا معناه. (1)
- وروى اللالكائي بسنده إلى أفلح بن محمد قال: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن إني أكره الصفة عَنَى صفة الرب جل وعز. فقال له عبد الله بن المبارك: أنا أشد الناس كراهة لذلك ولكن إذا نطق الكتاب بشيء وإذا جاءت الآثار بشيء جسرنا عليه -ونحو هذا-. (2)
- وفي الإبانة: قال نعيم بن حماد: رآني ابن المبارك مع رجل من أهل الأهواء فما كلمني، فلما كان في غد، رآني فأخذ بيدي ثم أنشأ يقول:
يا طالب العلم صارم كل بطال ... وكل غاو إلى الأهواء ميال
إن القرآن كلام الله تعرفه ... ليس القرآن بمخلوق ولا بال
لو أنه كان مخلوقا لغيره ... ريب الزمان إلى موت وإبطال
وكيف يبطل ما لا شيء يبطله ... أم كيف يبلى كلام الخالق العالي (3)
- جاء في الدرء: عن عبد الله بن المبارك قال: أصول الثنتين وسبعين فرقة أربع: الخوارج، والشيعة، والمرجئة، والقدرية. فقيل لابن المبارك:
_________
(1) السنة لعبد الله (37).
(2) أصول الاعتقاد (3/ 478 - 479/ 737) والفتاوى (5/ 51) وتذكرة الحفاظ (3/ 1053).
(3) الإبانة (2/ 14/290 - 291/ 459).(3/61)
فالجهمية؟ فأجاب بأن أولئك ليسوا من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. (1)
- وفي الفتاوى عنه قال: من قال لك يا مشبه، فاعلم أنه جهمي. (2)
موقفه من القائلين بخلق القرآن:
- جاء في أصول الاعتقاد عن موسى بن إبراهيم الوراق قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: سمعت الناس منذ تسعة وأربعين عاما يقولون: من قال القرآن مخلوق فامرأته طالق ثلاثا بتة، قلت: ولم ذلك؟ قال: لأن امرأته مسلمة، ومسلمة لا تكون تحت كافر. (3)
- جاء في السنة بالسند إلى أبي الوزير محمد بن أعين سمعت النضر بن محمد يقول: من قال في هذه الآية: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (4) مخلوق فهو كافر. فجئت إلى عبد الله بن المبارك فأخبرته فقال: صدق أبو محمد عافاه الله، ما كان الله يأمر أن نعبد مخلوقا. (5)
- وفيها عنه قال: من قال القرآن مخلوق فهو زنديق. (6)
- وفيها عنه قال: القرآن كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق. (7)
_________
(1) درء التعارض (7/ 110) والإبانة (1/ 2/379 - 380/ 278) مطولا.
(2) الفتاوى (5/ 393).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 270/405) والإبانة (2/ 12/73/ 300).
(4) طه الآية (14).
(5) السنة لعبد الله (12) وأصول الاعتقاد (2/ 282/428) وتذكرة الحفاظ (2/ 700).
(6) السنة لعبد الله (13).
(7) السنة لعبد الله (31) وأصول الاعتقاد (2/ 281/426).(3/62)
- وفي أصول الاعتقاد عن الحسين بن شبيب قال: سمعت ابن المبارك وقرأ ثلاثين آية من ((طه)) فقال: من زعم أن هذا مخلوق فهو كافر. (1)
- وفيه: عن مصعب بن سعيد المصيصي قال: سمعت ابن المبارك وموسى بن أعين يقولان: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. أكفر من هرمز. (2)
- وفي الإبانة: عن علي بن مضا -مولى خالد القسري- قال: سمعت ابن المبارك بالمصيصة، وسأله رجل عن القرآن، فقال: هو كلام الله غير مخلوق. (3)
- وجاء في الفتاوى: قال عبد الله بن المبارك: من كفر بحرف من القرآن فقد كفر، ومن قال: لا أؤمن بهذه اللام فقد كفر. (4)
موقفه من المؤولين لصفة الرؤية:
- جاء في أصول الاعتقاد: عن صالح المروزي -وكان صاحب قرآن- قال: دس الجهمية إلى ابن المبارك رجلا فقال: يا أبا عبد الرحمن خدا ربان جهان جون ببيند؟ قال: بجشم، يعني كيف نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: بالعين. (5)
- وفيه عن نعيم بن حماد قال: سمعت ابن المبارك قال: ما حجب الله
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 281 - 282/ 427) والشريعة (1/ 220/177) والسير (8/ 403) بنحوه. وتذكرة الحفاظ (1/ 279).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 282/429) والإبانة (2/ 12/59/ 263) بنحوه.
(3) الإبانة (2/ 12/12 - 13/ 192).
(4) الفتاوى (4/ 182).
(5) أصول الاعتقاد (3/ 559 - 560/ 881).(3/63)
عز وجل أحدا عنه إلا عذبه ثم قرأ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} (1) قال: بالرؤية. (2)
- وفيه عن علي بن المديني الغاساني قال: سألت عبد الله بن المبارك عن قوله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ يرجوا لقاء ربه فليعمل عَمَلًا صَالِحًا} (3) قال عبد الله: من أراد النظر إلى وجه خالقه فليعمل عملا صالحا ولا يخبر به أحدا. (4)
موقفه من المؤولين لصفة العلو:
- وجاء في السير بالسند إلى علي بن الحسن بن شقيق قال: سألت ابن المبارك كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا؟ قال: على السماء السابعة على عرشه ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في الأرض. (5)
- قال الذهبي: الجهمية يقولون: إن الباري تعالى في كل مكان، والسلف يقولون: إن علم الباري في كل مكان، ويحتجون بقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (6) يعني: بالعلم، ويقولون: إنه على عرشه
_________
(1) المطففين الآيات (15 - 17).
(2) أصول الاعتقاد (3/ 564 - 565/ 894).
(3) الكهف الآية (110).
(4) أصول الاعتقاد (3/ 565/895).
(5) السير (8/ 403) والسنة لعبد الله (13) ومجموع الفتاوى (5/ 51 - 52) واجتماع الجيوش (125).
(6) الحديد الآية (4).(3/64)
استوى، كما نطق به القرآن والسنة. (1)
- وجاء في الدرء: عن عبد الله بن المبارك: أنه سأله سائل عن النزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبد الله: يا ضعيف، ليلة النصف؟ ينزل في كل ليلة، فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن، كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان؟ فقال عبد الله بن المبارك: ينزل كيف شاء. (2)
موقفه من الخوارج:
جاء في السير عنه قال:
الله يدفع بالسلطان معضلة ... عن ديننا رحمة منه ورضوانا
لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل ... وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
فيقال: إن الرشيد أعجبه هذا، فلما أن بلغه موت ابن المبارك بهيت (3) قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. يا فضل: إيذن للناس يعزونا في ابن المبارك. وقال: أما هو القائل: الله يدفع بالسلطان معضلة
فمن الذي يسمع هذا من ابن المبارك، ولا يعرف حقنا؟ (4)
موقفه من المرجئة:
- جاء في السير، قال الذهبي: واحتج ابن المبارك في مسألة الإرجاء، وأن الإيمان يتفاوت، بما روى عن ابن شوذب، عن سلمة بن كهيل، عن
_________
(1) السير (8/ 402).
(2) درء التعارض (2/ 27).
(3) مدينة على الفرات.
(4) السير (8/ 414).(3/65)
هزيل بن شرحبيل، قال: قال عمر: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض، لرجح. (1)
- قال الذهبي: مراد عمر رضي الله عنه أهل أرض زمانه. (2)
- وعن علي بن الحسن بن شقيق قال: قال رجل لعبد الله ابن المبارك: يا معشر المرجئة قال: رميتني بهوى من الأهواء. (3)
- وأخرج أبو عثمان الصابوني بسنده إلى إسحاق بن إبراهيم قال: قدم ابن المبارك الري، فقام إليه رجل من العباد -الظن به أنه يذهب مذهب الخوارج- فقال له: يا أبا عبد الرحمن ما تقول فيمن يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال: لا أخرجه من الإيمان. فقال: يا أبا عبد الرحمن على كبر السن صرت مرجئا؟ فقال: لا تقبلني المرجئة. المرجئة تقول: حسناتنا مقبولة، وسيئاتنا مغفورة، ولو علمت أني قبلت مني حسنة لشهدت أني في الجنة. (4)
- وعن إبراهيم بن الشماس قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: الإيمان قول وعمل والإيمان يتفاضل. (5)
موقفه من القدرية:
- جاء في السير: وقال سفيان بن عبد الملك: سألت ابن المبارك، لم
_________
(1) السنة لعبد الله (115).
(2) السير (8/ 405).
(3) السنة لعبد الله (94).
(4) عقيدة السلف (273 - 274).
(5) الإبانة (2/ 6/812/ 1112) والسنة لعبد الله (85) وأصول الاعتقاد (5/ 1034/1748) والسنة للخلال (3/ 583/1018).(3/66)
تركت حديث إبراهيم بن أبي يحيى؟ قال: كان مجاهرا بالقدر، وكان صاحب تدليس. (1)
- وفيها: قال ابن المبارك: ما رضي عوف ببدعة حتى كان فيه بدعتان قدري، وشيعي. (2)
- وجاء في الكفاية، عن علي بن الحسن بن شقيق قال: قلت لعبد الله يعني ابن المبارك سمعت من عمرو بن عبيد؟ فقال بيده هكذا أي كثرة، قلت فلم لا تسميه وأنت تسمي غيره من القدرية؟ قال لأن هذا كان رأسا. (3)
يزيد بن زريع (4) (182 هـ)
يزيد بن زُرَيْع بن يزيد أبو معاوية العيشي البصري الحافظ، المجود، محدث البصرة مع حماد بن زيد وعبد الوارث ومعتمر وعبد الواحد بن زياد وجعفر بن سليمان، ووهيب بن خالد وخالد بن الحارث، وبشر بن المفضل، وإسماعيل بن علية فهؤلاء العشرة كانوا في زمانهم أئمة الحديث بالبصرة، روى عن أيوب السختياني ويونس بن عبيد وخالد الحذاء وحسين المعلم وغيرهم. وروى عنه عبد الرحمن بن مهدي، ومسدد، وعلي بن المديني وغيرهم. قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: كان ريحانة البصرة، ما أتقنه وما
_________
(1) السير (8/ 451).
(2) السير (6/ 384).
(3) الكفاية (127).
(4) طبقات ابن سعد (7/ 189) والجرح والتعديل (9/ 263 - 265) والسير (8/ 296 - 299) وتهذيب الكمال (32/ 124 - 130) وتذكرة الحفاظ (1/ 256 - 257) ومشاهير علماء الأمصار (162).(3/67)
أحفظه. وقال بشر الحافي: كان يزيد بن زريع متقنا حافظا ما أعلم أني رأيت مثله ومثل صحة حديثه. توفي رحمه الله تعالى في سنة اثنتين وثمانين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في السير: قال الذهبي: وكان صاحب سنة واتباع، كان يقول: من أتى مجلس عبد الوارث، فلا يقربني. (1)
- جاء في شرف أصحاب الحديث بالسند إلى أحمد بن الحسين قال: سمعت يزيد بن زريع رحمه الله يقول: أصحاب الرأي أعداء السنة. (2)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة لعبد الله: عن فطر بن حماد بن أبي عمر الصفار، قال سألت يزيد بن زريع فقلت: يا أبا معاوية إمام لقوم يقول القرآن مخلوق أصلي خلفه؟ قال: لا، ولا كرامة. (3)
- وفي الإبانة: عن فطر بن حماد قال: سألت يزيد بن زريع، قلت: صليت خلف من يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: خلف رجل مسلم أحب إلي. (4)
_________
(1) السير (8/ 297).
(2) شرف أصحاب الحديث (ص.7).
(3) السنة لعبد الله (16).
(4) الإبانة (2/ 12/59/ 261).(3/68)
أبو يوسف القاضي (1) (182 هـ)
يعقوب بن إبراهيم الإمام المجتهد العلامة المحدث أبو يوسف القاضي. حدث عن هشام بن عروة، ويحيى بن سعيد الأنصاري وعطاء بن السائب وغيرهم. وحدث عنه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وعلي بن الجعد وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: أول ما كتبت الحديث اختلفت إلى أبي يوسف وكان أميل إلى المحدثين من أبي حنيفة ومحمد.
وقال ابن معين: ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث ولا أحفظ، ولا أصح رواية من أبي يوسف. وقال فيه أيضا أبو يوسف صاحب حديث، صاحب سنة. وقال: كنت أطلب العلم وأنا مقل فجاء أبي فقال: يا بني لا تمدنَّ رجلك مع أبي حنيفة فأنت محتاج فآثرت طاعة أبي. فأعطاني أبو حنيفة مائة درهم، وقال الزم الحلقة فإذا نفدت هذه فأعلمني، ثم بعد أيام أعطاني مائة، صاحبَ أبا حنيفة سبع عشرة سنة، مات سنة اثنتين وثمانين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في السير قال يحيى بن يحيى التميمي سمعت أبا يوسف عند وفاته يقول: كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة، وفي
_________
(1) تذكرة الحفاظ (1/ 292 - 294) والسير (8/ 535 - 539) وتاريخ ابن معين (2/ 680) والفهرست لابن النديم (286) ووفيات الأعيان (6/ 378 - 390) وتاريخ بغداد (1/ 242 - 262) وميزان الاعتدال (4/ 447) وشذرات الذهب (1/ 298 - 301) والانتقاء (172).(3/69)
لفظ: إلا ما في القرآن واجتمع عليه المسلمون. (1)
- قال شيخ الإسلام: وذكروا عن أبي يوسف أنه قال: مذهب أهل الجماعة عندنا، وما أدركنا عليه جماعة أهل الفقه ممن لم يأخذ من البدع والأهواء، أن لا يشتم أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يذكر فيهم عيبا، ولا يذكر ما شجر بينهم فيحرف القلوب عنهم، وأن لا يشك بأنهم مؤمنون؛ وأن لا يكفر أحدا من أهل القبلة ممن يقر بالإسلام ويؤمن بالقرآن، ولا يخرجه من الإيمان بمعصية إن كانت فيه؛ ولا يقول بقول أهل القدر، ولا يخاصم في الدين، فإنها من أعظم البدع. فهذا قول أهل السنة والجماعة، ولا ينبغي لأحد أن يقول في هذا كيف ولم؟ ولا ينبغي أن يخبر السائل عن هذا إلا بالنهي له عن المسألة وترك المجالسة والمشي معه إن عاد. ولا ينبغي لأحد من أهل السنة والجماعة أن يخالط أحدا من أهل الأهواء حتى يصاحبه ويكون خاصته، مخافة أن يستزله أو يستزل غيره بصحبة هذا.
قال: والخصومة في الدين بدعة، وما ينقض أهل الأهواء بعضهم على بعض بدعة محدثة، لو كانت فضلا لسبق إليها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم، فهم كانوا عليها أقوى ولها أبصر. وقال الله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} (2)، ولم يأمره بالجدال، ولو شاء لأنزل حججا وقال له قل كذا وكذا. وقال أبو يوسف: دعوا قول أصحاب
_________
(1) السير (8/ 537).
(2) آل عمران الآية (20).(3/70)
الخصومات وأهل البدع في الأهواء من المرجئة، والرافضة والزيدية، والمشبهة، والشيعة، والخوارج، والقدرية، والمعتزلة، والجهمية. (1)
- وفيها: قال مالك لأبي يوسف لما سأله عن الصاع والمد، وأمر أهل المدينة بإحضار صيعانهم، وذكروا له أن إسنادها عن أسلافهم- أترى هؤلاء يا أبا يوسف يكذبون؟ قال: لا والله ما يكذبون، فأنا حررت هذه الصيعان فوجدتها خمسة أرطال وثلثا بأرطالكم يا أهل العراق. فقال: رجعت إلى قولك يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت. وسأله عن صدقة الخضراوات فقال: هذه مباقيل أهل المدينة لم يؤخذ منها صدقة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أبي بكر ولا عمر رضي الله عنهما، يعني: وهي تنبت فيها الخضراوات. وسأله عن الأحباس فقال: هذا حبس فلان، وهذا حبس فلان، يذكر لبيان الصحابة، فقال أبو يوسف في كل منهما: قد رجعت يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت. (2)
- وقال أيضا: ومن المأثور أن الرشيد احتجم فاستفتى مالكا فأفتاه بأنه لا وضوء عليه، فصلى خلفه أبو يوسف، ومذهب أبي حنيفة وأحمد أن خروج النجاسة من غير السبيلين ينقض الوضوء، ومذهب مالك والشافعي أنه لا ينقض الوضوء، فقيل لأبي يوسف: أتصلي خلفه؟. فقال: سبحان الله. أمير المؤمنين. فإن ترك الصلاة خلف الأئمة لمثل ذلك من شعائر أهل البدع
_________
(1) مجموع الفتاوى (16/ 475 - 476).
(2) الفتاوى (20/ 306 - 307).(3/71)
كالرافضة والمعتزلة. (1)
موقفه من الرافضة:
روى ابن أبي العوام في فضائل أبي حنيفة أن رجلا سأل أبا يوسف فقال: يا أبا يوسف يذكرون عنك أنك تجيز شهادة من يشتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على التأويل فقال: ويحك هذا أحبسه وأضربه حتى يتوب. (2)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة لعبد الله أخبرت عن بشر بن الوليد قال كنت جالسا عند أبي يوسف القاضي، فدخل عليه بشر المريسي، فقال أبو يوسف: حدثنا إسماعيل عن قيس عن جرير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر حديث الرؤيا (3). ثم قال أبو يوسف: إني والله أومن بهذا الحديث وأصحابك يكفرون به، وكأني بك قد شغلتك عن الناس خشبة باب الجسر، فاحذر فراستي فإني مؤمن. (4)
- وفيها قال عبد الله سمعت أبي يقول: كنا نحضر مجلس أبي يوسف وكان بشر المريسي يجيء فيحضر في آخر الناس فيشغب يقول: إيش تقول وإيش قلت يا أبا يوسف، فلا يزال يضج ويصيح، وكنت أسمع أبا يوسف يقول: اصعدوا به إلي اصعدوا به إلي، قال فجاء يوم فصنع مثل هذا، فقال أبو يوسف: اصعدوا به إلي قال، قال أبي: وكنت بالقرب منه فجعل يناظره
_________
(1) الفتاوى (20/ 365).
(2) فضائل أبي حنيفة وأصحابه (180).
(3) انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون سنة (164هـ).
(4) السنة لعبد الله (39).(3/72)
في مسألة فخفي علي بعض قوله فقلت للذي كان أقرب إليه مني إيش قال له؟ قال: قال له أبو يوسف: لا تنتهي حتى تفسد خشبة. (1)
- وفي أصول الاعتقاد: عن ابن المبارك قال سمعت غالبا الترمذي -وكان رجلا صالحا- قال: سمعت أبا يوسف غير مرة ولا مرتين ولا أحصي كم سمعته يقول لبشر المريسي: ويحك دع هذا الكلام، فكأني بك مقطوع اليدين والرجلين مصلوبا على هذا الجسر. (2)
- قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وأبو يوسف لما بلغه عن المريسي أنه ينكر الصفات الخبرية وأن الله فوق عرشه، أراد ضربه فهرب، فضرب رفيقه ضربا بشعا. (3)
- جاء في السير عنه قال: لا نصلي خلف من قال القرآن مخلوق ولا يفلح من استحلى شيئا من الكلام. (4)
- وجاء في ذم الكلام عنه قال: العلم بالخصومة والكلام جهل، والجهل بالخصومة والكلام علم. (5)
- وجاء في السنة لعبد الله بالسند إليه قال: جيئوني بشاهدين يشهدان على المريسي، والله لأملأن ظهره وبطنه بالسياط يقول في القرآن، يعني
_________
(1) السنة لعبد الله (39).
(2) أصول الاعتقاد (3/ 426 - 427/ 642).
(3) مجموع الفتاوى (5/ 140).
(4) السير (8/ 538).
(5) ذم الكلام (231) والإبانة (1/ 2/419/ 339).(3/73)
مخلوق. (1)
- كان أبو يوسف القاضي يقول بخراسان: صنفان ما على وجه الأرض شر منهما: الجهمية والمقاتلية. (2)
- وجاء في البداية والنهاية: قال بشار الخفاف: سمعت أبا يوسف يقول: من قال القرآن مخلوق فحرام كلامه، وفرض مباينته، ولا يجوز السلام ولا رده عليه. (3)
- قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: وكان أبو يوسف يقول: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب غرائب الحديث كذب. (4)
- قال ابن القيم في اجتماع الجيوش: روى ابن أبي حاتم قال: جاء بشر ابن الوليد إلى أبي يوسف فقال له: تنهاني عن الكلام وبشر المريسي وعلي الأحول وفلان يتكلمون؟ فقال: وما يقولون؟ قال: يقولون: إن الله في كل مكان، فبعث أبو يوسف وقال: علي بهم، فانتهوا إليهم، وقد قام بشر فجيء بعلي الأحول والشيخ الآخر، فنظر أبو يوسف إلى الشيخ وقال: لو أن فيك موضع أدب لأوجعتك وأمر به إلى الحبس، وضرب علي الأحول وطيف به، وقد استتاب أبو يوسف بشر المريسي لما أنكر أن الله فوق عرشه، وهي قصة
_________
(1) السنة لعبد الله (17).
(2) السنة لعبد الله (12).
(3) البداية والنهاية (10/ 187).
(4) تأويل مختلف الحديث (61) وذم الكلام (231) وشرف أصحاب الحديث (5) والسير (8/ 537) وجامع بيان العلم (2/ 1033) وأصول الاعتقاد (1/ 166/305) والإبانة (2/ 3/537 - 538/ 671) والمنهاج (2/ 138).(3/74)
مشهورة ذكرها عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره، وأصحاب أبي حنيفة المتقدمون على هذا. (1)
موقفه من القدرية:
- جاء في أصول الاعتقاد، عن أبي يوسف القاضي قال: لا أصلي خلف جهمي أو رافضي ولا قدري. (2)
- وفيه عنه أنه سئل ما الحكم في القدرية؟ قال: الحكم أنه من جحد العلم أستتيبه، فإن تاب وإلا قتلته. (3)
- وجاء في الكفاية عن علي بن الجعد قال: سمعت أبا يوسف يقول: أجيز شهادة أهل الأهواء، أهل الصدق منهم، إلا الخطابية والقدرية الذين يقولون: إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون. (4)
هشيم بن بشير (5) (183 هـ)
هُشَيْم بن بَشير بن أبي خازم الإمام، شيخ الإسلام، محدث بغداد وحافظها، أبو معاوية السلمي. أخذ عن الزهري، وعمرو بن دينار بمكة، ولم
_________
(1) اجتماع الجيوش (205 - 206).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 809/1356).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 809/1357).
(4) الكفاية (126).
(5) الجرح والتعديل (9/ 115 - 116) والسير (8/ 287 - 294) ومشاهير علماء الأمصار (177) وتاريخ بغداد (14/ 85 - 94) والكامل في التاريخ (6/ 165) وتهذيب الكمال (30/ 272 - 289) وتذكرة الحفاظ (1/ 248) وميزان الاعتدال (4/ 306 - 308).(3/75)
يكثر عنهما وهما أكبر شيوخه. وروى عنه منصور بن زاذان، وحصين بن عبد الرحمن، وأبو بشر وغيرهم. وحدث عنه ابن إسحاق وعبد الحميد بن جعفر، وشعبة وسفيان وهم من أشياخه، وحماد بن زيد وابن المبارك وطائفة من أقرانه وغيرهم.
قال فيه الذهبي: كان رأسا في الحفظ إلا أنه صاحب تدليس كثير، قد عرف بذلك. قال أحمد بن حنبل: لزمت هشيما أربع سنين، أو خمسا ما سألته عن شيء، إلا مرتين هيبة له، وكان كثير التسبيح بين الحديث يقول بين ذلك: لا إله إلا الله يمد بها صوته. عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كان هشيم أحفظ للحديث من سفيان الثوري. قال عبد الله ابن المبارك: من غير الدهر حفظه، فلم يغير حفظ هشيم. قال إبراهيم الحربي: كان والد هشيم صاحب صحناء وكامخ فكان يمنع هشيما من الطلب، فكتب العلم حتى ناظر أبا شيبة القاضي وجالسه في الفقه، قال: فمرض هشيم، فجاء أبو شيبة يعوده، فمضى رجل إلى بشير فقال: الحق ابنك، فقد جاء القاضي يعوده فجاء فوجد القاضي في داره، فقال: متى أملت أنا هذا، قد كنت يا بني أمنعك، أما اليوم فلا بقيت أمنعك.
مات سنة ثلاث وثمانين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
قال أبو سفيان: سألت هشيما عن التفسير: كيف صار فيه الاختلاف؟ قال: قالوا برأيهم، فاختلفوا.(3/76)
موقفه من الجهمية:
- جاء في أصول الاعتقاد عن علي بن عاصم قال: تكلم داود الجواربي في التشبيه، فاجتمع فيها أهل واسط، منهم محمد بن يزيد، وخالد الطحان وهشيم وغيرهم فأتوا الأمير وأخبروه بمقالته، فأجمعوا على سفك دمه، فمات في أيامه ولم يُصَل عليه علماء أهل واسط. (1)
- جاء في السنة لعبد الله أن رجلا قال لهشيم: إن فلانا يقول: القرآن مخلوق، فقال: اذهب إليه فاقرأ عليه أول الحديد وآخر الحشر، فإن زعم أنهما مخلوقان فاضرب عنقه. قال: فذهبت إلى أبي هاشم الغساني فأخبرته بقول الرجل فقال مثل قول هشيم لم يزد ولم ينقص. (2)
محمد بن السَّمَّاك (3) (183 هـ)
محمد بن صَبِيح أبو العباس العجلي المعروف بابن السماك. روى عن: هشام بن عروة، والأعمش، ويزيد بن أبي زياد. حدث عنه: يحيى بن يحيى، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن أيوب. وقال: كم من شيء إذا لم ينفع لم يضر، لكن العلم إذا لم ينفع، ضر. توفي ابن السماك سنة ثلاث وثمانين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
جاء في ذم الكلام عنه قال: الأخذ بالأصول وترك الفضول من أفعال
_________
(1) أصول الاعتقاد (3/ 586 - 587/ 933).
(2) السنة لعبد الله (19).
(3) السير (8/ 328) والحلية (8/ 203) وميزان الاعتدال (3/ 584).(3/77)
ذوي العقول. (1)
موقفه من الرافضة:
عن أبي بشر هارون بن حاتم البزار الكوفي قال: سمعت محمد بن صبيح السماك يقول: علمت أن أصحاب موسى وأن النصارى لا يسبون أصحاب عيسى، فما بالك يا جاهل تسب أصحاب محمد؛ قد علمت من أين أتيت؟ لم يشغلك ذنبك، أما لو شغلك ذنبك لخفت ربك. لقد كان في ذنبك شغل عن المسيئين، ويحك فكيف لم يشغلك عن المحسنين؟ أما لو كنت من المحسنين لما تناولت المسيئين ورجوت لهم أرحم الراحمين ولكنك من المسيئين فمن ثم عبت الشهداء والصالحين.
أيها العائب لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، لو نمت ليلك وأفطرت نهارك لكان خيرا لك من قيام ليلك وصيام نهارك مع سوء قولك في أصحاب نبيك. ويحك، فلا قيام ليل ولا صيام نهار وأنت تتناول الأخيار وأبشر بما ليس فيه البشرى إن لم تتب مما تسمع وترى.
ويحك، هؤلاء تشرفوا في بدر وهؤلاء تشرفوا في أحد إذ أن هؤلاء وهؤلاء جاء عن الله العفو عنهم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} (2) فما تقول فيمن عفا الله عنه؟ نحن نحتج لإبراهيم خليل الرحمن قال:
_________
(1) ذم الكلام (ص.239)
(2) آل عمران الآية (155).(3/78)
{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) فقد عرض للعاصي بالغفران. ولو قال: فإنك عزيز حكيم أو عذابك عذاب أليم كان قد عرض للانتقام. فبمن تحتج أنت يا جاهل إلا بالجاهلين لبئس الخلف، خلف يشتمون السلف. لواحد من السلف خير من ألف من الخلف. وهؤلاء جاء العفو عنهم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}. فما تقول فيمن عفا الله عنهم؟ فما تقول فيمن عفا الله عنهم؟ (2)
البُهْلُول بن راشد (3) (183 هـ)
أبو عمرو الحَجْري الرعيني بالولاء، من العلماء الزهاد من أهل القيروان. ولد سنة ثمان وعشرين ومائة، سمع من مالك والليث والثوري ويونس بن يزيد وغيرهم، وسمع منه سحنون والقعنبي وعون بن يوسف وآخرون. قال القعنبي: هو وتد من أوتاد المغرب. وكان الإمام مالك رحمه الله إذا رآه قال: هذا عابد بلده. وقال سحنون: كان رجلا صالحا، ولم يكن عنده من الفقه ما عند غيره. له كتاب في الفقه على مذهب الإمام مالك وقد يميل إلى أقوال الثوري. وقيل: إن أصحابه دونوا الكتاب عنه. وكان أمير
_________
(1) إبراهيم الآية (36).
(2) أصول الاعتقاد (8/ 1547 - 1548/ 2819)
(3) الوافي بالوفيات (10/ 309) وميزان الاعتدال (1/ 355) ورياض النفوس (1/ 200 - 214) وترتيب المدارك (1/ 188 - 194) ولسان الميزان (2/ 66 - 67) والديباج المذهب (1/ 315 - 316) والأعلام (2/ 77).(3/79)
إفريقية في زمنه محمد بن مقاتل العكي يلاطف الطاغية (ملك الاسبانيول) فطلب الطاغية من الأمير أن يرسل إليه حديدا ونحاسا وسلاحا فعزم على ذلك، وعلم به البهلول، فعارض العكي ووعظه وألح عليه في أن يمتنع فبعث إليه العكي من قيده وجرده وضربه عشرين سوطا وحبسه، ثم أطلقه، فبقي أثر السياط في جسمه، ونغل، فكان ذلك سبب موته. توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- خرج البهلول بن راشد ذات يوم مع أصحابه، وقد غطى خنصره بكفه، فأقبل على رجل من أصحابه فأسر إليه كلاما دون سائر أهل المجلس، ثم انصرف الرجل، ثم عاد إليه فكلمه فيما بينه وبينه، فأزال البهلول كفه عن خنصره وجعل يقول: الحمد لله الذي لم يجعلني ممن ابتدع بدعة في الإسلام، ثم أقبل على الرجل فقال: حدث القوم بما كان بيني وبينك، فقال الرجل: أرسلني إلى عبد الله بن فروخ أسأله: هل كان أحد من السلف -إذا وصى بحاجة- ربط في خنصره خيطا؟ فتوجهت إلى عبد الله بن فروخ فسألته عن ذلك فقال: نعم، كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يفعله، فقال البهلول عند ذلك: إن أهلي سألوني في قضاء حاجة فربطت في خنصري خيطا لأذكر حاجتهم، ثم خفت أن أكون ابتدعت بدعة في الإسلام. (1)
- وقال سحنون: إنما اقتديت في ترك السلام على أهل الأهواء
_________
(1) المعالم (1/ 246 - 247) وترتيب المدارك (1/ 192).(3/80)
والصلاة خلفهم بمُعلِّمي البهلول. (1)
موقفه من الجهمية:
جاء في رياض النفوس: أن ابن صخر كان من كبار المعتزلة في ذلك الزمان، فتوفي ابن صخر وحضر وقت وفاته عبد الله بن غانم الرعيني وابن فروخ والبهلول بن راشد، فقال الناس لابن غانم: الجنازة، فقال كل حي يموت، قدموا دابتي ولم يصل عليه، ثم قيل لابن فروخ: الجنازة، فقال: كل حي يموت ولم يصل عليه، ثم قيل للبهلول بن راشد: الجنازة. فقال مثل ذلك. (2)
النضر بن محمد (3) (183 هـ)
النَّضْر بن محمد القرشي العامري أبو عبد الله. روى عن: سليمان الأعمش، والعلاء بن المسيب، ومحمد بن المنكدر. وحدث عنه: أحمد بن إسحاق، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن سليمان المروزي. قال محمد بن سعد: كان مقدما عندهم في العلم والفقه والعقل والفضل، وكان صديقا لعبد الله بن المبارك.
توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة.
_________
(1) رياض النفوس (1/ 203).
(2) رياض النفوس (1/ 186) وترتيب المدارك (3/ 111) بتصرف يسير.
(3) طبقات ابن سعد (7/ 373) وتهذيب الكمال (29/ 403) وتهذيب التهذيب (10/ 444) وثقات ابن حبان (7/ 535).(3/81)
موقفه من الجهمية:
جاء في أصول الاعتقاد عن محمد بن أعين قال: سأل رجل النضر بن محمد عن القرآن فقال النضر: من قال بأن هذه الآية: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدني} (1) مخلوقة فقد كفر. فلقيت عبد الله بن المبارك فأخبرته فقال: صدق أبو محمد عافاه الله، ما كان الله ليأمرنا أن نعبد مخلوقا. (2)
عبد الله بن مصعب (3) (184 هـ)
عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير. روى عن: موسى بن عقبة، وأبي حازم، وهشام بن عروة. وحدث عنه: ابنه، وهشام بن يوسف. تولى إمرة اليمن والمدينة في زمن الرشيد. وكان وافر الجلالة، محمود الولاية. توفي سنة أربع وثمانين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
قال عبد الله بن مصعب:
ترى المرء يعجبه أن يقولا ... وأسلم للمرء أن لا يقولا
فأمسك عليك فضول الكلام ... فإن لكل كلام فضولا
ولا تصحبن أخا بدعة ... ولا تسمعن له الدهر قيلا
_________
(1) طه الآية (14).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 282/428) والإبانة (2/ 12/37/ 229).
(3) السير (8/ 517) والبداية والنهاية (10/ 192) وتاريخ بغداد (10/ 173).(3/82)
فإن مقالتهم كالظلا ... ل يوشك أفياؤها أن تزولا
وقد أحكم الله آياته ... وكان الرسول عليها دليلا
وأوضح للمسلمين السبيل ... فلا تتبعن سواها سبيلا
أناس بهم ريبة في الصدور ... ويخفون في الجوف منها غليلا
إذا أحدثوا بدعة في القرآن ... تعادوا عليها فكانوا عدولا
فخلهم والتي يهضبون ... وولهم منك صمتا طويلا (1)
موقف السلف من إبراهيم بن أبي يحيى القدري (184 هـ)
جاء في السير: عن يحيى القطان قال: سألت مالكا عن إبراهيم بن أبي يحيى: أثقة في الحديث؟ قال: لا، ولا في دينه.
وقال أحمد بن حنبل، عن المعيطي، عن يحيى بن سعيد قال: كنا نتهمه بالكذب، يعني ابن أبي يحيى، ثم قال أحمد: قدري جهمي، كل بلاء فيه، تركوا حديثه، وأبوه ثقة.
وروى عباس عن ابن معين قال: هو رافضي قدري. وقال مرة: كذاب. وقال أبو داود نحو ذلك.
وقال البخاري: قدري جهمي، تركه ابن المبارك والناس.
وقال مؤمل بن إسماعيل: سمعت يحيى القطان يقول: أشهد على إبراهيم
_________
(1) تأويل مختلف الحديث (ص.62) وهو في ذم الكلام (ص.270).(3/83)
ابن أبي يحيى أنه يكذب.
وقال العقيلي: حدثنا محمد بن أحمد بن النضر، حدثنا أبو بكر ابن عفان، قال: خرج علينا ابن عيينة، فقال: ألا فاحذروا ابن أبي رواد المرجئ، لا تجالسوه، واحذروا إبراهيم بن أبي يحيى، لا تجالسوه. (1)
إبراهيم بن سعد (2) (185 هـ)
إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، الإمام، الحافظ، أبو إسحاق القرشي المدني. روى عن: أبيه، وصالح بن كيسان، وابن إسحاق، وصفوان بن سليم. وحدث عنه: شعبة، والليث، وأبو داود الطيالسي، وأحمد بن حنبل. كان ثقة صاحب حديث. توفي سنة خمس وثمانين ومائة.
موقفه من الجهمية:
- روى عبد الله بن أحمد في السنة بسنده عن إبراهيم بن سعد وسعيد ابن عبد الرحمن الجمحي ووهب ابن جرير وأبي النضر هاشم بن القاسم وسليمان بن حرب قالوا: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. (3)
- وفي الإبانة: قال المروذي: وأخبرنا من سمع يعقوب بن إبراهيم بن
_________
(1) السير (8/ 451 - 452).
(2) السير (8/ 304) وتاريخ بغداد (6/ 81) وتهذيب الكمال (2/ 88) وتهذيب التهذيب (1/ 121) وتاريخ الإسلام (حوادث 181 - 190/ص.50 - 53).
(3) السنة لعبد الله (30) وأصول الاعتقاد (2/ 277 - 278/ 416).(3/84)
سعد يقول: جاء سعيد بن عبد الرحمن الجمحي فسأل أبي عن رجل يقول: القرآن مخلوق، فقال: هذا كافر بالله، تضرب عنقه من هاهنا، وأشار بيده إلى عنقه. فقلت ليعقوب: أي شيء تقول أنت؟ فقال: أقول: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. (1)
المُعَافَى بن عِمْرَان (2) (185 هـ)
الإمام، القدوة، شيخ الإسلام، المعافى بن عمران بن نفيل بن جابر، أبو مسعود الأَزْدِي المَوْصِلي. ولد سنة نيف وعشرين ومائة. سمع من الثوري، والأوزاعي، وابن جريج، وروى عنه: عبد الله بن المبارك، وبقية بن الوليد، ووكيع ابن الجراح. قال عنه الثوري: المعافى بن عمران ياقوتة العلماء. وقال عنه أيضا: امتحنوا أهل الموصل بالمعافى. وقال الأوزاعي: لا أقدم على المعافى أحدا. وقال محمد ابن سعد: كان المعافى ثقة خيرا فاضلا صاحب سنة. توفي سنة خمس وثمانين ومائة.
موقفه من الرافضة:
- روى الخلال في السنة بسنده إلى بشر بن الحارث قال: سئل المعافى وأنا أسمع أو سألته: معاوية أفضل أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: كان معاوية
_________
(1) الإبانة (2/ 12/58/ 259).
(2) السير (9/ 80) طبقات ابن سعد (7/ 487) وتاريخ بغداد (13/ 226) وتهذيب الكمال (28/ 147) وتاريخ الإسلام (حوادث 181 - 190/ص.402 - 406).(3/85)
أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبد العزيز. (1)
- وروى اللالكائي بسنده إلى رباح بن الجراح الموصلي قال: سمعت رجلا سأل المعافى بن عمران فقال: يا أبا مسعود أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان؟ فغضب من ذلك غضبا شديدا وقال: لا يقاس بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد. معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله وقال - صلى الله عليه وسلم -: "دعوا لي أصحابي وأصهاري فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (2) ". (3)
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة لعبد الله: عن علي بن مضاء قال: حدثنا هشام بن بهرام، سمعت المعافى يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق. (4)
أبو إسحاق الفزاري (5) (186 هـ)
الحافظ المجاهد، إبراهيم بن محمد بن الحارث أبو إسحاق الفَزَارِي
_________
(1) السنة للخلال (1/ 435).
(2) الخطيب في تاريخ بغداد (1/ 209) من حديث المعافى بن عمران، وفي إسناده رجل مجهول. ابن عساكر (59/ 104) بلفظ: "دعوا لي أصحابي وأصهاري" من حديث وكيع عن فضيل بن مرزوق عن رجل من الأنصار عن أنس قال المناوي في فيض القدير (3/ 532): "وفضيل إن كان هو الرقاشي فقد قال الذهبي: "ضعفه ابن معين وغيره" وإن كان الكوفي فقد ضعفه النسائي وغيره ... والرجل مجهول".
(3) أصول الاعتقاد (8/ 1531/2785).
(4) السنة لعبد الله (67) والسير (9/ 83).
(5) السير (8/ 539) وتهذيب الكمال (2/ 167) وتهذيب التهذيب (1/ 151) والوافي بالوفيات (6/ 104) وطبقات ابن سعد (7/ 488) وتاريخ الإسلام (حوادث 181 - 190/ص.54 - 59).(3/86)
الكوفي. حدث عن: أبي إسحاق السبيعي، وكليب بن وائل، وعطاء بن السائب. روى عنه: الأوزاعي والثوري وابن المبارك. قال أبو حاتم: اتفق العلماء على أن أبا إسحاق الفزاري إمام يقتدى به بلا مدافعة. قال عبد الرحمن بن مهدي: الأوزاعي والفزاري إمامان في السنة. وقال ابن سعد: كان ثقة فاضلا صاحب سنة وغزو. وقال أبو داود الطيالسي: توفي أبو إسحاق وليس على وجه الأرض أحد أفضل منه. وعن سفيان بن عيينة، قال: والله ما رأيت أحدا أقدمه على أبي إسحاق الفزاري. توفي سنة ست وثمانين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
جاء في السير: وقال أحمد العجلي: كان ثقة، صاحب سنة، صالحا، هو الذي أدب أهل الثغر، وعلمهم السنة، وكان يأمر وينهى. وإذا دخل الثغر رجل مبتدع أخرجه، وكان كثير الحديث، وكان له فقه. (1)
موقفه من الجهمية:
عن علي بن مضا قال: سألت عبد الله بن المبارك بالمصيصة وهو في مجلس أبي إسحاق الفزاري ويحيى بن الصامت، وعبد الله يقرأ عليهم كتاب الأشربة، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله وليس بمخلوق فقلت لأبي إسحاق الفزاري: يقول مثل قول أبي عبد الرحمن؟ قال: نعم، القرآن كلام الله وليس بمخلوق. (2)
_________
(1) السير (8/ 540 - 541).
(2) الإبانة (2/ 12/16/ 202).(3/87)
موقفه من المرجئة:
- قال إبراهيم بن شماس: وسألت أبا إسحاق الفزاري عن الإيمان قول وعمل؟ قال: نعم. (1)
- وعن معاوية بن عمرو قال: نا أبو إسحاق -يعني الفزاري- قال: يقولون: إن فرائض الله على عباده ليس من الإيمان، وإن الإيمان قد يطلب بلا عمل، وإن الناس لا يتفاضلون في إيمانهم، وإن برهم وفاجرهم في الإيمان سواء.
وما هكذا جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه بلغنا أنه قال: "الإيمان بضعة وسبعون -أو بضعة وستون- أولها: شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" (2) وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (3) والدين: هو: التصديق وهو الإيمان والعمل. فوصف الله عز وجل الدين قولا وعملا فقال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (4). (5)
_________
(1) الإبانة (2/ 812/1107) والسنة لعبد الله (85).
(2) أخرجه: أحمد (2/ 445) والبخاري (1/ 71/9) ومسلم (1/ 63/35) وأبو داود (5/ 55 - 56/ 4676) والترمذي (5/ 12/2614) والنسائي (8/ 484/5020) وابن ماجه (1/ 22/57) كلهم من حديث أبي هريرة إلا أنه اختلف في لفظه فمنهم من يرويه بلفظ: بضع وستون ومنهم من يرويه بلفظ: بضع وسبعون ومنهم من يرويه على الشك.
(3) الشورى الآية (13).
(4) التوبة الآية (11).
(5) أصول الاعتقاد (5/ 955 - 956/ 1591).(3/88)
موقفه من القدرية:
- جاء في مجموع الفتاوى: وذكر عن أبي إسحاق الفزاري قال: قال الأوزاعي: أتاني رجلان فسألاني عن القدر فأحببت أن آتيك بهما تسمع كلامهما وتجيبهما. قلت: رحمك الله أنت أولى بالجواب. قال: فأتاني الأوزاعي ومعه الرجلان فقال: تكلما، فقالا: قدم علينا ناس من أهل القدر، فنازعونا في القدر ونازعناهم فيه، حتى بلغ بنا وبهم إلى أن قلنا: إن الله جبرنا على ما نهانا عنه، وحال بيننا وبين ما أمرنا به، ورزقنا ما حرم علينا، فقلت: يا هؤلاء إن الذين أتوكم بما أتوكم به قد ابتدعوا بدعة وأحدثوا حدثا، وإني أراكم قد خرجتم من البدعة إلى مثل ما خرجوا إليه فقال: أصبت وأحسنت يا أبا إسحاق. (1)
- وجاء في السير: قال أبو مسهر: قدم أبو إسحاق الفزاري دمشق، فاجتمع الناس ليسمعوا منه، فقال: اخرج إلى الناس، فقل لهم: من كان يرى القدر، فلا يحضر مجلسنا، ومن كان يرى رأي فلان، فلا يحضر مجلسنا، فخرجت، فأخبرتهم. (2)
خالد بن الحارث (3) (186 هـ)
الحافظ الحجة الإمام خالد بن الحارث أبو عثمان الهُجَيْمِي البصري.
_________
(1) مجموع الفتاوى (8/ 104).
(2) السير (8/ 541).
(3) تهذيب الكمال (8/ 35 - 39) وتاريخ ابن معين (2/ 142 - 143) وطبقات ابن سعد (7/ 291) وتاريخ خليفة (457) والسير (9/ 126 - 128) ومشاهير علماء الأمصار (161) والجرح والتعديل (3/ 325) وتذكرة الحفاظ (1/ 309) وشذرات الذهب (1/ 309).(3/89)
روى عن هشام بن عروة، وحميد الطويل وأيوب، وأشعث بن عبد الملك وغيرهم. وحدث عنه: شعبة وهو من شيوخه ومسدد وأحمد بن حنبل وابن المديني، وعمرو بن علي وغيرهم. قال الذهبي: وكان من أوعية العلم، كثير التحري، مليح الإتقان، متين الديانة. قال يحيى القطان: ما رأيت أحدا خيرا من سفيان وخالد بن الحارث. وروى المروذي، عن أحمد قال: كان خالد بن الحارث يجيء بالحديث كما يسمع، وكان ابن مهدي يجيء بالحديث كما يسمع، وكان وكيع يجهد أن يجيء بالحديث كما يسمع، وكان ربما قال في الحرف أو الشيء يعني كذا. توفي رحمه الله تعالى سنة ست وثمانين ومائة، حضر جنازته معتمر وبشر بن المفضل.
موقفه من المبتدعة:
جاء في ذم الكلام عنه قال: إياكم وأصحاب الجدال والخصومات، فإنهم شرار أهل القبلة. (1)
موقفه من المرجئة:
عن إبراهيم بن دينار الكرخي قال: سمعت خالد بن الحارث يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. (2)
_________
(1) ذم الكلام (ص.241).
(2) السنة لعبد الله (94).(3/90)
بشر بن المفضل (1) (186 هـ)
بِشْر بن المُفَضَّل بن لاَحِق، الإمام الحافظ المجود أبو إسماعيل الرقاشي مولاهم البصري. روى عن أبيه، وحميد الطويل، ومحمد بن المنكدر، وعبد الله بن محمد بن عقيل وغيرهم. وروى عنه أبو الوليد، ومسدد، ويحيى بن يحيى وبشر ابن معاذ العقدي وغيرهم. قال فيه الإمام أحمد: إلى بشر المنتهى في التثبت بالبصرة. وقال فيه ابن أبي داود: سمعت أبي يقول: ليس من العلماء أحد إلا وقد أخطأ في حديثه إلا بشر بن المفضل، وابن علية. توفي سنة ست وثمانين ومائة.
موقفه من الجهمية:
جاء في السير: قال محمد بن عبد الرحيم عن علي بن المديني قال: كان بشر يصلي كل يوم أربعمائة ركعة ويصوم يوما ويفطر يوما، وذكر عنده إنسان من الجهمية فقال: لا تذكروا ذاك الكافر. (2)
عباد بن العوام (186 هـ)
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة قال عبد الله: حدثني زياد بن أيوب دلويه: سمعت يحيى بن إسماعيل الواسطي يقول: سمعت عباد بن العوام يقول: كلمت بشرا المريسي
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 290) والسير (9/ 36 - 39) وتاريخ ابن معين (2/ 59) والجرح والتعديل (2/ 366) وتهذيب الكمال (4/ 147 - 151) وتذكرة الحفاظ (1/ 309 - 310).
(2) السير (9/ 37) وأصول الاعتقاد (2/ 285/436) وتذكرة الحفاظ (1/ 310).(3/91)
وأصحاب بشر فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا: ليس في السماء شيء. (1)
عيسى بن يونس (2) (187 هـ)
ابن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله، الإمام القدوة، الحافظ الحجة أبو عمرو وأبو محمد الهمداني السبيعي الكوفي المرابط بثغر الحدث أخو الحافظ إسرائيل. حدث عن أبيه وأخيه وسليمان التيمي، وهشام بن عروة وأبي حيان التيمي والجريري وغيرهم. وحدث عنه: حماد بن سلمة أحد شيوخه، والحكم بن موسى وبشر الحافي وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وغيرهم. كان واسع العلم كثير الرحلة، وافر الجلالة. قال ابن راهويه: قلت لوكيع: إني أريد أن أذهب إلى عيسى بن يونس قال: تأتي رجلا قد قهر العلم. قال أحمد بن جناب: غزا عيسى بن يونس خمسا وأربعين غزوة وحج كذلك. وقيل إنه زار ابن عيينة فقال: مرحبا بالفقيه ابن الفقيه ابن الفقيه. قال سمعت بشر بن الحارث يقول: كان عيسى بن يونس يعجبه خطي فكان يأخذ القرطاس، فيقرؤه علي، قال: كتبتُ من نسخة قوم شيئا ليس من حديثه، قال: كأنهم لما رأوا إكرامه لي، أدخلوا عليه في حديثه قال: فجعل يقرأ علي، ويضرب على تلك الأحاديث، فغمني ذلك، فقال: لا يغمك، لو كان واوا
_________
(1) السنة لعبد الله (19) والسنة للخلال (5/ 113) ومجموع الفتاوى (5/ 52).
(2) تاريخ بغداد (11/ 152 - 156) ومشاهير علماء الأمصار (186) والسير (8/ 489 - 494) وتهذيب الكمال (23/ 62 - 76) وتذكرة الحفاظ (1/ 279 - 282) وميزان الاعتدال (3/ 328).(3/92)
ما قدروا أن يدخلوه علي، أو قال لو كان واوا لعرفته. مات سنة سبع وثمانين ومائة.
موقفه من الجهمية:
- جاء في الإبانة عن أحمد بن جناب قال: سمعت عيسى بن يونس وسأله رجل عن الحور العين فغضب غضبا شديدا وقال: مالكم ومجالسة أصحاب الكلام والخصومات لقد شهدت من رجل -قد سماه- مجلسا، وألجأه قوم إلى الكلام إلى أن قال: ما خلق الله جنة ولا نارا، وددت أني ما شهدته. (1)
- جاء في السنة عن حجاج أخي أبي الطيب قال: كنا مع عيسى بن يونس فسأله رجل عمن يقول القرآن مخلوق فقال كافر أو كفر، قال: فقيل له: تكفرهم بهذه الكلمة؟ قال: إن هذا من أيسر أو أحسن ما يظهرون. (2)
- وجاء في ذم الكلام: عنه قال: لا تجالسوا الجهمية، وبينوا للناس أمرهم كي يعرفوهم فيحذروهم. (3)
" التعليق:
وهكذا ينبغي أن يبين كل مبتدع ويحذر منه، وما أهلك أهل زماننا هذا إلا السكوت على المبتدعة، وعدم ذكرهم بأسمائهم، وتحذير الناس منهم باللسان والقلم وجميع الطرق التي تستعمل في البلاغ، أما هم فيستغلون كل
_________
(1) الإبانة (2/ 3/521/ 618) وكذا في (1/ 2/403 - 404/ 306).
(2) السنة لعبد الله (20).
(3) ذم الكلام (177).(3/93)
الفرص في نشر بدعهم، وهم قائمون على قدم وساق، وانظر إلى المدينة في أيام المولد النبوي، تشاهد ما تقشعر منه الجلود، فيجتمع أكثر دول العالم الإسلامي لإقامة هذه البدعة المشئومة في مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الفنادق والعمارات والمنازل حتى في البساتين. ويستمر ذلك مدة طويلة ويحضرها رؤوس الضلال كعلوي مالكي والكتاني وغيرهما وتنشد الأشعار ويتغنون كما يحلو لهم ويكفرون السلفيين ويكثرون من شتمهم، واتهامهم ببغض النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويتمنون متى يأتي وقت تعميم هذه البدعة على كل بيت وكل بلد، رد الله كيدهم في نحرهم.
- وفي الإبانة: عن علي بن مضا قال: سألت عيسى بن يونس عن القرآن، فقال: القرآن كلام الله وليس بمخلوق. (1)
الفضيل بن عياض (2) (187 هـ)
الفُضَيْل بن عياض بن مسعود بن بشر، أبو علي الإمام القدوة الثبت شيخ الإسلام، الزاهد المشهور أحد العلماء الأعلام قال فيه ابن المبارك: ما بقي على ظهر الأرض أفضل من الفضيل بن عياض وكان إماما ربانيا كبير الشأن. وقال شريك: هو حجة لأهل زمانه. حدث عنه جمع من الأئمة مثل:
_________
(1) الإبانة (2/ 12/15/ 198).
(2) حلية الأولياء (8/ 84 - 140) والجرح والتعديل (7/ 73) والسير (8/ 421 - 442) ووفيات الأعيان (4/ 47 - 50) وتهذيب الكمال (23/ 281 - 300) وتذكرة الحفاظ (1/ 245 - 246) وميزان الاعتدال (3/ 362) وشذرات الذهب (1/ 316 - 318) وطبقات ابن سعد (5/ 500).(3/94)
ابن المبارك، ويحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وابن عيينة، وأسد السنة والشافعي وغيرهم. أورد الذهبي في سيره قصة توبته قال: قال أبو عمار الحسين بن حريث، عن الفضل بن موسى، قال: كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليا يتلو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (1) فلما سمعها، قال: بلى يا رب، قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا. قال: ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين هاهنا، يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام. قال الذهبي: وبكل حال: فالشرك أعظم من قطع الطريق، وقد تاب من الشرك خلق صاروا أفضل الأمة، فنواصي العباد بيد الله تعالى، وهو يضل من يشاء، ويهدي إليه من أناب. وقال عبد الصمد مردويه الصائغ قال لي ابن المبارك: إن الفضيل بن عياض صدق الله، فأجرى الحكمة على لسانه، فالفضيل ممن نفعه علمه.
وقال فيض بن إسحاق: سمعت الفضيل بن عياض،
_________
(1) الحديد الآية (16).(3/95)
وسأله عبد الله بن مالك: يا أبا علي ما الخلاص مما نحن فيه؟ قال: أخبرني، من أطاع الله هل تضره معصية أحد؟ قال: لا، قال: فمن يعصي الله هل تنفعه طاعة أحد؟ قال: لا، قال: هو الخلاص إن أردت. وكان رضي الله عنه ورحمه يبذل النصح للأمراء.
من أقواله رضي الله عنه ورحمه: قال: كفى بالله محبا، وبالقرآن مؤنسا، وبالموت واعظا، وبخشية الله علما، وبالاغترار جهلا. وقال: يا مسكين، أنت مسيء وترى أنك محسن، وأنت جاهل وترى أنك عالم، وتبخل وترى أنك كريم، وأحمق وترى أنك عاقل، أجلك قصير وأملك طويل. قال الذهبي معلقا: إي والله، صدق وأنت ظالم وترى أنك مظلوم، وآكل للحرام وترى أنك متورع، وفاسق وتعتقد أنك عدل، وطالب العلم للدنيا وترى أنك تطلبه لله. مات رحمه الله سنة سبع وثمانين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في ذم الكلام عنه قال: الحياة الطيبة الإسلام والسنة. (1)
- وروى أبو نعيم في الحلية عن عبد الصمد بن يزيد قال سمعت الفضيل يقول: لأن آكل عند اليهودي والنصراني أحب إلي من أن آكل عند صاحب بدعة، فإني إذا أكلت عندهما لا يقتدى بي وإذا أكلت عند صاحب بدعة اقتدى بي الناس. (2)
_________
(1) ذم الكلام (ص.237).
(2) الحلية (8/ 103 - 104) وفي أصول الاعتقاد طرف منه (4/ 706/1149).(3/96)
- وفيها: أحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد. (1)
- وفيها: عمل قليل في سنة خير من عمل صاحب بدعة. (2)
- وفيها: ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة. (3)
- وفيها: من جلس إلى صاحب بدعة فاحذره. (4)
- وفيها: صاحب بدعة لا تأمنه على دينك ولا تشاوره في أمرك. ولا تجلس إليه، فمن جلس إليه ورثه الله عز وجل العمى .. (5)
- وفيها: وإذا علم الله من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له وإن قل عمله، فإني أرجو له؛ لأن صاحب السنة يعرض كل خير، وصاحب البدعة لا يرتفع له إلى الله عمل وإن كثر عمله. (6)
- وقال: إن لله عز وجل ملائكة يطلبون حلق الذكر فانظر مع من يكون مجلسك، لا يكون مع صاحب بدعة فإن الله تعالى لا ينظر إليهم، وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة. (7)
- وفيها: أدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وهم ينهون عن
_________
(1) الحلية (8/ 103) والإبانة (2/ 3/468/ 470) وأصول الاعتقاد (4/ 706/1149).
(2) الحلية (8/ 103) وأصول الاعتقاد (4/ 706/1149) وطبقات الحنابلة (2/ 42) والإبانة (2/ 3/460/ 439) وأورد الشاطبي بعضه في الاعتصام (1/ 121).
(3) انظر الإحالة السابقة.
(4) الحلية (8/ 103) وأصول الاعتقاد (4/ 706/1149).
(5) الحلية (8/ 103) وأصول الاعتقاد (1/ 156/264) والإبانة (2/ 3/459/ 437).
(6) الحلية (8/ 103 - 104) وأصول الاعتقاد (1/ 157/272).
(7) الحلية (8/ 103 - 104) وأصول الاعتقاد (1/ 156/265) والإبانة (2/ 3/460/ 438.).(3/97)
أصحاب البدعة. (1)
- قال: إن لله عبادا يحيي بهم العباد والبلاد، وهم أصحاب سنة، من كان يعقل ما يدخل جوفه من حله، كان في حزب الله تعالى. (2)
- وجاء عنه قال: اتبع طرق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين. (3)
- وجاء في الإبانة عنه قال: إذا رأيت مبتدعا في طريق فخذ في طريق آخر. (4)
- وجاء في ذم الكلام عنه قال: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه. (5)
- وعنه قال: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق. (6)
" التعليق:
ما أحسن هذا وأصدقه على أهل عصرنا هذا!! والله المستعان.
_________
(1) الحلية (8/ 103) وأصول الاعتقاد (1/ 156/267).
(2) الحلية (8/ 104) وأصول الاعتقاد (1/ 72/51).
(3) الاعتصام (1/ 112).
(4) الإبانة (2/ 3/475/ 493) وأصول الاعتقاد (1/ 155/259) وتلبيس إبليس (ص.23) وطبقات الحنابلة (2/ 42).
(5) الإبانة (2/ 3/460/ 440) وذم الكلام (ص.220) وتلبيس إبليس (ص.23) وطبقات الحنابلة (2/ 42).
(6) أصول الاعتقاد (1/ 156/266) والإبانة (2/ 3/456/ 429). والطرف الأخير منه في طبقات الحنابلة (2/ 43).(3/98)
- جاء في ذم الكلام عنه قال: لا يشم مبتدع رائحة الجنة أو يتوب. (1)
- وجاء في الإبانة وذم الكلام عنه قال: لا تجلس مع صاحب هوى فإني أخاف عليك مقت الله. (2)
- جاء في تلبيس إبليس عنه قال: من أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام، ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها. (3)
- جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: من أتاه رجل فشاوره فدله على مبتدع فقد غش الإسلام، واحذروا الدخول على أصحاب البدع فإنه يصد عن الحق. (4)
- جاء في السير عنه قال: ورأى قوما من أصحاب الحديث يمرحون ويضحكون فناداهم مهلا يا ورثة الأنبياء مهلا ثلاثا إنكم أئمة يقتدى بكم. (5)
- عن مردويه قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: لا تجادلوا أهل الخصومات فإنهم يخوضون في آيات الله. (6)
- وعنه قال: سمعت الفضيل يقول: لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة. (7)
- وعنه قال: سمعت الفضيل يقول: طوبى لمن مات على الإسلام
_________
(1) ذم الكلام (ص.237).
(2) الإبانة (2/ 3/462/ 451) وذم الكلام (ص.237) وطبقات الحنابلة (2/ 43).
(3) تلبيس إبليس (ص.23 - 24) وطرفه الأخير في أصول الاعتقاد (4/ 809/1358) وطبقات الحنابلة (2/ 43).
(4) أصول الاعتقاد (1/ 155/261).
(5) السير (8/ 435).
(6) أصول الاعتقاد (1/ 146/223).
(7) أصول الاعتقاد (1/ 155/262) والإبانة (2/ 3/460/ 441).(3/99)
والسنة، فإذا كان كذلك فليكثر من قول ما شاء الله. (1)
- وعنه قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: المؤمن يقف عند الشبهة، ومن دخل على صاحب بدعة فليست له حرمة وإذا أحب الله عبدا وفقه لعمل صالح، فتقربوا إلى الله بحب المساكين. (2)
- وعنه قال: علامة البلاء أن يكون الرجل صاحب بدعة. (3)
- جاء في الإبانة: عن إبراهيم بن نصر قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: كيف بك إذا بقيت إلى زمان شاهدت فيه ناسا لا يفرقون بين الحق والباطل، ولا بين المؤمن والكافر، ولا بين الأمين والخائن، ولا بين الجاهل والعالم، ولا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا. (4)
" التعليق:
قال ابن بطة رحمه الله: فإنا لله وإنا إليه راجعون، فإنا قد بلغنا ذلك وسمعناه وعلمنا أكثره وشاهدناه، فلو أن رجلا ممن وهب الله له عقلا صحيحا وبصرا نافذا فأمعن نظره وردد فكره وتأمل أمر الإسلام وأهله وسلك بأهله الطريق الأقصد والسبيل الأرشد، لتبين له أن الأكثر والأعم الأشهر من الناس قد نكصوا على أعقابهم وارتدوا على أدبارهم، فحادوا عن المحجة وانقلبوا عن صحيح الحجة، ولقد أضحى كثير من الناس يستحسنون ما كانوا يستقبحون، ويستحلون ما كانوا يحرمون، ويعرفون ما كانوا
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 156/268).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 159/282).
(3) شعب الإيمان (9473).
(4) الإبانة (1/ 1/188/ 24).(3/100)
ينكرون، وما هذه رحمكم الله أخلاق المسلمين ولا أفعال من كانوا على بصيرة في هذا الدين ولا من أهل الإيمان به واليقين.
- وجاء فيها أيضا: بكى فضيل فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يكون الله منكم بريئا، إني أسمع الله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (1). فأخاف أن لا يكون الله منا في شيء، قال أبو هريرة: نزلت هذه الآية في هذه الأمة. (2)
- قال الفضيل: ليس للمؤمن أن يقعد مع كل من شاء لأن الله عز وجل يقول: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} (3). اهـ (4)
- وفي الإبانة عن عبد الصمد بن يزيد الصايغ قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: الزموا في آخر الزمان الصوامع، يعني البيوت، فإنه ليس ينجو من شر ذلك الزمان إلا صفوته من خلقه. قال: وسمعت الفضيل يقول:
حتى متى لا نرى عدلا نسر به ... ولا نرى لدعاة الحق أعوانا
قال: ثم بكى الفضيل وقال: اللهم أصلح الراعي والرعية. (5)
_________
(1) الأنعام الآية (159).
(2) الإبانة (1/ 2/303 - 304/ 141).
(3) الأنعام الآية (68).
(4) الإبانة (2/ 3/481/ 516).
(5) الإبانة (2/ 4/595/ 761).(3/101)
- وجاء في ذم الكلام عن محمد بن الفضل بن سلمة قال: قلما جلسنا إلى فضيل إلا أتانا بهاتين الكلمتين: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا ولا يقبله إلا على السنة. (1)
- وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان، أحدهما: أن لا نعبد إلا الله. والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بعبادة مبتدعة. وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (2). قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وذلك تحقيق قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (3). (4)
موقفه من الرافضة:
- جاء في الشريعة: عن عبد الصمد بن يزيد قال: سمعت الفضيل بن
_________
(1) ذم الكلام (ص.125).
(2) هود الآية (7).
(3) الكهف الآية (110).
(4) مجموع الفتاوى (1/ 333).(3/102)
عياض يقول: حب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ذخر أدخره. ثم قال: رحم الله من ترحم على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وإنما يحسن هذا كله بحب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال: وسمعت فضيلا يقول: قال ابن المبارك: خصلتان من كانتا فيه؛ الصدق وحب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أرجو أن ينجو ويسلم. (1)
- وجاء في السنة للخلال: قال محمد بن زنبور: قال الفضيل: أوثق عملي في نفسي حب أبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح وحبي أصحاب محمد عليه السلام جميعا، وكان يترحم على معاوية ويقول: كان من العلماء من أصحاب محمد عليه السلام. (2)
موقفه من الجهمية:
- جاء في خلق أفعال العباد للبخاري عنه قال: إذا قال لك جهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل: أنا أومن برب يفعل ما يشاء. (3)
- وروى اللالكائي في أصول الاعتقاد بسنده إلى العطاف بن قيس قال: سألت الفضيل بن عياض عن القرآن؟ فقال: القرآن كلام الله غير مخلوق. (4)
- وفي الإبانة قال المروذي: حدثنا محمد بن العباس -صاحب الشامة-، قال: حدثني إسحاق بن إسماعيل عن أحمد بن يونس قال: سمعت الفضيل
_________
(1) الشريعة (2/ 422/1224).
(2) السنة للخلال (1/ 438).
(3) خلق أفعال العباد (17) وأصول الاعتقاد (3/ 501 - 502/ 775) ودرء التعارض (2/ 24).
(4) أصول الاعتقاد (2/ 265/392).(3/103)
بن عياض يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. (1)
- وفي مجموع الفتاوى قال الفضيل بن عياض: ليس لنا أن نتوهم في الله كيف هو؟ لأن الله تعالى وصف نفسه فأبلغ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (2)
فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه. (3)
موقفه من المرجئة:
- عن إبراهيم بن شماس: وسئل الفضيل بن عياض وأنا أسمع عن الإيمان فقال: الإيمان عندنا داخله وخارجه الإقرار باللسان والقبول بالقلب والعمل به. (4)
- وعن إبراهيم بن الأشعث، قال: سمعت الفضيل يقول: الإيمان: المعرفة بالقلب والإقرار باللسان والتفضيل بالعمل قال وسمعت الفضيل يقول: أهل الإرجاء يقولون: الإيمان قول بلا عمل. ويقول الجهمية: الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل، ويقول أهل السنة: الإيمان المعرفة والقول والعمل. (5)
- وقال فضيل: المرجئة كلما سمعوا حديثا فيه تخويف قالوا: هذا تهديد، وإن المؤمن يخاف تهديد الله وتحذيره وتخويفه ووعيده، ويرجو وعده،
_________
(1) الإبانة (2/ 12/59 - 60/ 264).
(2) سورة الإخلاص.
(3) الفتاوى (5/ 62).
(4) السنة لعبد الله (85) وأصول الاعتقاد (5/ 1033/1747).
(5) السنة لعبد الله (99).(3/104)
وإن المنافق لا يخاف تهديد الله ولا تحذيره ولا تخويفه ولا وعيده ولا يرجو وعده.
وقال فضيل: الأعمال تحبط الأعمال، والأعمال تحول دون الأعمال. (1)
- وقال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت في كتاب أبي أخبرت أن الفضيل بن عياض قرأ أول الأنفال حتى بلغ {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (2) قال حين فرغ: إن هذه الآية تخبرك أن الإيمان قول وعمل وأن المؤمن إذا كان مؤمنا حقا فهو من أهل الجنة. فمن لم يشهد أن المؤمن حقا من أهل الجنة فهو شاك في كتاب الله مكذب أو جاهل لا يعلم. فمن كان على هذه الصفة فهو مؤمن حقا مستكمل الإيمان ولا يستكمل الإيمان إلا بالعمل ولا يستكمل عبد الإيمان ولا يكون مؤمنا حقا حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه، يا سفيه ما أجهلك لا ترضى أن تقول: أنا مؤمن حتى تقول: أنا مؤمن حقا مستكمل الإيمان، والله لا تكون مؤمنا حقا مستكمل الإيمان حتى تؤدي ما افترض الله عليك، وتجتنب ما حرم الله عليك، وترضى بما قسم الله لك، ثم تخاف مع هذا أن لا يقبل الله منك. ووصف فضيل الإيمان بأنه قول وعمل. وقرأ {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
_________
(1) السنة لعبد الله (114).
(2) الأنفال الآيات (1 - 4).(3/105)
حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (1). فقد سمى الله دينا قيمة بالقول والعمل. فالقول الإقرار بالتوحيد والشهادة للنبي بالبلاغ. والعمل أداء الفرائض واجتناب المحارم. وقرأ ِ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (2) وقال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (3) فالدين التصديق بالعمل كما وصفه الله وكما أمر أنبياءه ورسله بإقامته، والتفريق فيه ترك العمل والتفريق بين القول والعمل. قال الله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (4) فالتوبة من الشرك جعلها الله قولا وعملا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. وقال أصحاب الرأي: ليس الصلاة ولا الزكاة ولا شيء من الفرائض من الإيمان افتراء على الله وخلافا لكتابه وسنة نبيه. ولو كان القول كما يقولون لم يقاتل أبو بكر أهل الردة.
- وقال فضيل: يقول أهل البدع: الإيمان الإقرار بلا عمل، والإيمان
_________
(1) البينة الآية (5).
(2) مريم الآيتان (54و55) ..
(3) الشورى الآية (13).
(4) التوبة الآية (11).(3/106)
واحد، وإنما يتفاضل الناس بالأعمال ولا يتفاضلون بالإيمان. فمن قال ذلك فقد خالف الأثر ورد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" (1) وتفسير من يقول: الإيمان لا يتفاضل يقول: إن فرائض الله ليس من الإيمان. فميز أهل البدع العمل من الإيمان. وقالوا: إن فرائض الله ليس من الإيمان، ومن قال ذاك فقد أعظم الفرية، أخاف أن يكون جاحدا للفرائض رَادّاً على الله أمره. ويقول أهل السنة: إن الله قرن العمل بالإيمان وإن فرائض الله من الإيمان قالوا {والذين آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (2) فهذا موصول العمل بالإيمان.
ويقول أهل الإرجاء: لا، ولكنه مقطوع غير موصول.
وقال أهل السنة: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} (3) فهذا موصول، وأهل الإرجاء يقولون: بل هو مقطوع.
وقال أهل السنة: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} (4) فهذا موصول، وكل شيء في القرآن من أشباه هذا فأهل السنة يقولون: هو موصول مجتمع، وأهل الإرجاء يقولون: بل هو مقطوع متفرق.
_________
(1) تقدم تخريجه في مواقف إبراهيم بن محمد الفزاري سنة (186هـ).
(2) البقرة الآية (82).
(3) النساء الآية (124).
(4) الإسراء الآية (19).(3/107)
ولو كان الأمر كما يقولون لكان من عصى وارتكب المعاصي والمحارم لم يكن عليه سبيل، فكان إقراره يكفيه من العمل، فما أسوأ هذا من قول وأقبحه فإنا لله وإنا إليه راجعون.
- وقال فضيل: أصل الإيمان عندنا وفرعه بعد الشهادة والتوحيد والشهادة للنبي بالبلاغ وبعد أداء الفرائض صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وترك الخيانة، ووفاء بالعهد، وصلة الرحم، والنصيحة لجميع المسلمين والرحمة للناس عامة. قيل له -يعني فضيلا- هذا من رأيك تقوله أو سمعته قال: بل سمعناه وتعلمناه ولو لم آخذه من أهل الفقه والفضل لم أتكلم به.
- وقال فضيل: يقول أهل الإرجاء الإيمان قول بلا عمل، ويقول الجهمية الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل، ويقول أهل السنة: الإيمان المعرفة والقول والعمل. فمن قال: الإيمان قول وعمل فقد أخذ بالتوثيقة. ومن قال: الإيمان قول بلا عمل فقد خاطر، لأنه لا يدري أيقبل إقراره أو يرد عليه بذنوبه. وقال -يعني فضيلا- قد بينت لك إلا أن تكون أعمى.
- وقال فضيل: لو قال رجل مؤمن أنت؟ ما كلمته ما عشت، وقال: إذا قلت آمنت بالله فهو يجزيك من أن تقول أنا مؤمن، وإذا قلت: أنا مؤمن لا يجزيك من أن تقول آمنت بالله، لأن آمنت بالله أمر، قال الله: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ} (1) الآية وقولك أنا مؤمن تكلف لا يضرك أن لا تقوله، ولا بأس
_________
(1) البقرة الآية (136).(3/108)
إن قلته على وجه الإقرار، وأكرهه على وجه التزكية. (1)
معتمر بن سليمان (2) (187 هـ)
معتمر بن سليمان بن طَرْخَان الإمام الحافظ القدوة، أبو محمد بن الإمام أبي المعتمر التيمي البصري وهو من موالي بني مرة، ونسب إلى تيم لنزوله فيهم هو وأبوه. حدث عن: أبيه، ومنصور بن المعتمر، وأيوب وحميد وغيرهم وحدث عنه ابن المبارك وعبد الرزاق والقعنبي، والأصمعي ويحيى بن يحيى وغيرهم. كان من كبار العلماء. قال معاذ بن معاذ: سمعت قرة بن خالد يقول: ما معتمر عندنا بدون سليمان التيمي.
مات سنة سبع وثمانين ومائة بالبصرة.
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة بالسند إلى فطر بن حماد بن أبي عمر الصفار قال: سألت معتمر بن سليمان، فقلت: يا أبا محمد، إمام لقوم يقول القرآن مخلوق أصلي خلفه؟ قال ينبغي أن تضرب عنقه. (3)
- وجاء في الإبانة: عن فطر بن حماد قال: سألت المعتمر وحماد بن زيد عن من قال: القرآن مخلوق، فقالا: كافر. (4)
_________
(1) السنة لعبد الله (111 - 114).
(2) طبقات ابن سعد (7/ 290) وتاريخ خليفة (458) والجرح والتعديل (8/ 402 - 403) وتهذيب الكمال (28/ 250 - 256) والسير (8/ 477 - 479) وتذكرة الحفاظ (1/ 266 - 267).
(3) السنة لعبد الله (15 - 16).
(4) الإبانة (2/ 12/58/ 260).(3/109)
- وفيها: قال يحيى بن إسحاق بن توبة العنبري: سألت معتمر بن سليمان عن من قال: كلام الناس ليس بمخلوق، قال: هذا كفر. (1)
جرير بن عبد الحميد (2) (188 هـ)
ابن قُرْط الضَّبِّي، أبو عبد الله الرازي، القاضي ولد بأيَّة قرية من قرى أصبهان، ونشأ بالكوفة، ونزل قرية على باب الري، يقال لها: رين. روى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، وأسلم المنقري وإسماعيل بن أبي خالد وأشعث بن سوار وغيرهم. وروى عنه إبراهيم بن شماس وإبراهيم بن موسى الفراء وإبراهيم بن هاشم بن مشكان وغيرهم.
قال محمد بن سعد: كان ثقة كثير العلم، يرحل إليه. وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي: حجة، كانت كتبه صحاحا وإن لم يكن، كنت إذا نظرت إليه في بزته ما كنت ترى أنه محدث، ولكنه كان إذا حدث ... أي كان يشبه العلماء.
وقال محمد بن عمر زنيج: سمعت جريرا قال: رأيت ابن أبي نجيح ولم أكتب عنه شيئا، ورأيت جابرا الجعفي، ولم أكتب عنه شيئا، ورأيت ابن جريج ولم أكتب عنه شيئا فقال رجل: ضيعت يا أبا عبد الله فقال: لا. أما
_________
(1) الإبانة (1/ 12/353 - 354/ 163).
(2) تهذيب الكمال (4/ 540 - 551) وتقريب التهذيب (1/ 127) والوافي بالوفيات (11/ 77) وطبقات ابن سعد (7/ 381) وتاريخ بغداد (7/ 253 - 261) والجرح والتعديل (2/ 505 - 507) وتذكرة الحفاظ (1/ 271 - 272) وميزان الاعتدال (1/ 94 و3/ 396) وشذرات الذهب (1/ 319) وسير أعلام النبلاء (9/ 9 - 18).(3/110)
جابر، فإنه كان يؤمن بالرجعة، وأما ابن أبي نجيح فكان يرى القدر، وأما ابن جريج فإنه أوصى بنيه بستين امرأة وقال: لا تزوجوا بهن فإنهن أمهاتكم، وكان يرى المتعة.
توفي سنة ثمان وثمانين ومائة.
موقفه من الجهمية:
- جاء في أصول الاعتقاد عن يحيى بن المغيرة قال: كنا عند جرير بن عبد الحميد فذكر له حديث بن سابط: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وزيادة} (1) قال: الزيادة النظر إلى وجه الله، قال: فحضره رجل فأنكره، فصاح به وأخرجه من مجلسه. (2)
- وروى ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية عنه قال: كلام الجهمية أوله عسل وآخره سم، وإنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله. (3)
موقفه من المرجئة:
- عن إبراهيم بن شماس قال: سمعت جرير بن عبد الحميد يقول: الإيمان قول وعمل والإيمان يزيد وينقص فقيل له: كيف تقول أنت؟ قال: أقول أنا مؤمن إن شاء الله. (4)
_________
(1) يونس الآية (26).
(2) أصول الاعتقاد (3/ 559/880).
(3) اجتماع الجيوش الإسلامية (204) ومجموع الفتاوى (5/ 184).
(4) الإبانة (2/ 6/811/ 1103) وأصول الاعتقاد (5/ 1032 - 1033/ 1747) والسنة لعبد الله (84 - 85) والسنة للخلال (4/ 57/1163) والشريعة (1/ 289/286 بنحوه).(3/111)
- وعن يحيى بن المغيرة قال: قرأت كتاب حماد بن زيد إلى جرير بن عبد الحميد: بلغني أنك تقول في الإيمان بالزيادة، وأهل الكوفة يقولون بغير ذلك، اثبت على رأيك ثبتك الله. (1)
- عن جرير قال: سمعت منصور بن المعتمر والمغيرة بن مقسم والأعمش وليث بن أبي سليم وعمارة بن القعقاع وابن شبرمة والعلاء بن المسيب وإسماعيل بن أبي خالد وعطاء بن السائب وحمزة بن حبيب الزيات ويزيد بن أبي زياد وسفيان الثوري وابن المبارك ومن أدركت: يستثنون في الإيمان ويعيبون على من لا يستثني. (2)
- وعن علي بن بحر قال: سمعت جرير بن عبد الحميد يقول: نحن مؤمنون إن شاء الله، ويعيبون على من لا يستثني. (3)
محمد بن الحسن الشيباني (4) (189 هـ)
ابن فَرْقَد، العلامة، فقيه العراق، أبو عبد الله الشَّيْبَاني الكوفي، صاحب أبي حنيفة. أخذ عن أبي حنيفة بعض الفقه، وتمم الفقه على القاضي أبي يوسف. وروى عن: أبي حنيفة، ومسعر، ومالك بن مغول، والأوزاعي، ومالك بن أنس. وأخذ عنه الشافعي، فأكثر جدا، وأبو عبيد، وهشام بن
_________
(1) أصول الاعتقاد (5/ 1032/1746).
(2) أصول الاعتقاد (5/ 1050 - 1051/ 1785) والشريعة (1/ 300/313).
(3) أصول الاعتقاد (5/ 1051/1786).
(4) الجرح والتعديل (7/ 227) والسير (9/ 134) وتاريخ بغداد (2/ 176 - 182) ووفيات الأعيان (4/ 184 - 185) وميزان الاعتدال (3/ 513) ولسان الميزان (5/ 121 - 122) وشذرات الذهب (1/ 321 - 324).(3/112)
عبيد الله وأحمد بن حفص فقيه بخارى، وعمرو بن أبي عمرو الحراني، وعلي ابن مسلم الطوسي وآخرون. كان الشافعي يقول: كتبت عنه وِقر بُخْتِيٍّ وما ناظرت سمينا أذكى منه. ولو أشاء أن أقول: نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن لقلت لفصاحته. قال الذهبي: ولي القضاء للرشيد بعد القاضي أبي يوسف وكان مع تبحره في الفقه يضرب بذكائه المثل. قال الشافعي قال محمد بن الحسن: أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرا، وسمعت من لفظه سبع مائة حديث. مات رحمه الله تعالى سنة تسع وثمانين ومائة.
موقفه من الجهمية:
- وجاء في نقض المنطق: قال شيخ الإسلام: وثبت عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أنه قال: اتفق الفقهاء كلهم من الشرق والغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن آمنوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة. (1)
قال ابن تيمية: قوله: من غير تفسير: أراد به تفسير الجهمية المعطلة الذين ابتدعوا تفسير الصفات بخلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون من
_________
(1) نقض المنطق (3 - 4) وأصول الاعتقاد (3/ 480/740) واجتماع الجيوش (206).(3/113)
الإثبات. (1)
- وجاء في أصول الاعتقاد عنه قال: والله لا أصلي خلف من يقول القرآن مخلوق، ولا أستفتى في ذلك إلا أمرت بالإعادة. (2)
- وجاء فيه أيضا: قال الحسن بن حماد: سأل رجل محمد بن الحسن عن القرآن مخلوق هو؟ فقال القرآن كلام الله وليس من الله شيء مخلوق. (3)
عتاب بن بشير (4) (190 هـ)
عَتَّاب بن بَشِير الجَزَرِي أبو الحسن الحَرَّاني. روى عن: إسحاق بن راشد الجزري، وثابت بن عجلان الأنصاري، وخصيف بن عبد الرحمن الجزري. وروى عنه: إسحاق بن راهويه، وحجاج بن إبراهيم الأزرق، وروح بن عبادة. توفي سنة تسعين ومائة.
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة لعبد الله: عن علي بن مضاء قال: سألت عتاب بن بشير عن القرآن فقال: سألت خصيفا عن القرآن فقال: القرآن كلام الله وليس بمخلوق قلت: وأي شيء تقول أنت؟ قال: أقول كما قال، يعني عتابا. (5)
_________
(1) الفتاوى (5/ 50).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 356/519).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 298/474).
(4) تهذيب الكمال (19/ 286 - 289) وميزان الاعتدال (3/ 27) وطبقات ابن سعد (7/ 485) وتهذيب التهذيب (7/ 90) وتاريخ الإسلام (حوادث 181 - 190/ص.289 - 290).
(5) السنة لعبد الله (67).(3/114)
موقف السلف من يحيى بن خالد البرمكي المبتدع الباطني الخبيث (190 هـ)
جاء في الاعتصام: قال ابن العربي: أول من اتخذ البخور في المسجد بنوا برمك يحيى بن خالد، ومحمد بن خالد -ملكهما الوالي أمر الدين فكان محمد ابن خالد حاجبا ويحيى وزيرا، ثم ابنه جعفر بن يحيى- قال: وكانوا باطنية يعتقدون آراء الفلاسفة، فأحيوا المجوسية، واتخذوا البخور في المساجد وإنما تطيب بالخلوق، فزادوا التجمير ويعمرونها بالنار. (1)
" التعليق:
هذه الأسرة الخبيثة التي اندست على العباسيين كغيرها من المجوس الذين تسربوا، واندسوا على المسلمين بأسماء مختلفة، وقصد الجميع هو الكيد للإسلام من أصله وكم استغل هذه الأسرة الخبيثة في الترويج لها والإشادة بها أناس لا خلاق لهم، ولا دين، وإن شئت فارجع إلى كتب الأدب والفكر تجد ما يسوء المسلم المخلص، وما هذه الحيلة التي يريدون بها نشر مجوسيتهم بطريق ذكي. يظهرون للناس أنهم يطيبون المساجد، والواقع إحياء المجوسية في أعظم مقدسات المسلمين، ألا وهي المساجد حتى تشبه بمعابدهم المجوسية. وهكذا كل كافر ومبتدع وباطني خبيث يأتي بحيلة يروج بها ضلاله لأنه لو أتى بضلاله الواضح لكشفه الناس.
_________
(1) الاعتصام (2/ 599 - 600).(3/115)
محمد بن يزيد الواسطي (1) (191 هـ)
الإمام الزاهد الحافظ المجود، أبو سعيد، وقيل أبو إسحاق الواسطي الخولاني مولاهم. حدث عن أيوب أبي العلاء القصاب، وإسماعيل بن أبي خالد والعوام بن حوشب وغيرهم. وحدث عنه أحمد وإسحاق، ويحيى وسريج بن يونس وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: كان ثبتا في الحديث. قال وكيع: إن كان أحد من الأبدال فهو محمد بن يزيد الواسطي. قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول: ما كان بمحمد بن يزيد الواسطي بأس. كتبه صحاح، وأصله شامي، ومحمد بن يزيد أثبت من إسحاق الأزرق، الأزرق كثير الخطأ عن سفيان وكان الأزرق حافظا إلا أنه كان يخطئ.
توفي سنة إحدى وتسعين ومائة. وقيل غير ذلك.
موقفه من الجهمية:
جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: علمه كلامه وكلامه منه وهو غير مخلوق. (2)
_________
(1) السير (9/ 302 - 303) وتهذيب الكمال (27/ 30 - 34) وشذرات الذهب (1/ 320) والعلل ومعرفة الرجال (2/ 34 - 35) وتهذيب التهذيب (9/ 527 - 528) وشذرات الذهب (1/ 320).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 288/442) والسنة لعبد الله (33).(3/116)
عبد الرحمن بن القاسم (1) (191 هـ)
عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جُنَادَة، عالم الديار المصرية ومفتيها، أبو عبد الله العُتَقِيّ مولاهم المصري صاحب مالك الإمام. روى عن مالك، وعبد الرحمن بن شريح، ونافع بن أبي نعيم المقرئ وبكر بن مضر، وطائفة قليلة. وعنه أصبغ والحارث بن مسكين وسحنون، وعيسى بن مثرود ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وآخرون.
كان ذا مال ودنيا، فأنفقها في العلم، وقيل: كان يمتنع من جوائز السلطان، وله قدم في الورع والتأله. وعن مالك: أنه ذكر عنده ابن القاسم، فقال: عافاه الله، مثله كمثل جراب مملوء مسكا. قال الحارث بن مسكين: كان ابن القاسم في الورع والزهد شيئا عجيبا، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال: كان خيرا فاضلا ممن تفقه على مذهب مالك وفَرَّعَ على أصوله وذب عنها ونصر من انتحلها، قال الخليلي: زاهد متفق عليه، أول من حمل الموطأ إلى مصر وهو إمام. قال عن نفسه: خرجت إلى الحجاز اثنتي عشرة مرة أنفقت في كل مرة ألف دينار.
توفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وتسعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
عن ابن القاسم أنه قال في أهل الأهواء مثل القدرية والإباضية وما
_________
(1) السير (9/ 120 - 125) وترتيب المدارك (1/ 250 - 259) وتهذيب الكمال (17/ 345 - 347) وتذكرة الحفاظ (1/ 356 - 357) والديباج المذهب (1/ 465 - 469) ووفيات الأعيان (3/ 129 - 130) وشذرات الذهب (1/ 329).(3/117)
أشبههم من أهل الإسلام ممن هو على غير ما عليه جماعة المسلمين من البدع والتحريف بكتاب الله وتأويله على غير تأويله: فإن أولئك يستتابون أظهروا ذلك أم أسروه فإن تابوا وإلا ضربت رقابهم لتحريفهم كتاب الله، وخلافهم جماعة المسلمين والتابعين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه، وبهذا عملت أئمة الهدى. (1)
موقفه من المشركين:
جاء في أصول السنة لابن أبي زمنين: العتبي عن عيسى عن ابن القاسم قال: ومن سب أحدا من الأنبياء والرسل من المسلمين قتل ولم يستتب وهو بمنزلة الزنديق الذي لا يعرف له توبة، فلذلك لا يستتاب لأنه يتوب بلسانه ويراجع ذلك في سريرته فلا تعرف منه توبة، وهو بمنزلة من سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} (2)، وقال: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (3).اهـ (4)
موقفه من الجهمية:
- له رسالة جيدة سماها السنة نقل منها الإمام ابن القيم نموذجا نذكره حتى
_________
(1) أصول السنة لابن أبي زمنين (ص.308).
(2) النساء الآية (152).
(3) البقرة الآية (137).
(4) أصول السنة (309).(3/118)
يكون كالشاهد، قال رحمه الله: والإيمان بأن الله كلم موسى بن عمران بصوت سمعه موسى من الله تعالى، لا من غيره فمن قال غير هذا أوشَكَّ فقد كفر. (1)
- وروى ابن أبي زمنين بسنده إلى عيسى بن دينار عن عبد الرحمن بن القاسم أنه قال: لا ينبغي لأحد أن يصف الله إلا بما وصف به نفسه في القرآن، ولا يشبه يديه بشيء ولا وجهه بشيء، ولكن يقول له يدان كما وصف نفسه في القرآن وله وجه كما وصف نفسه، يقف عندما وصف به نفسه في الكتاب، فإنه تبارك وتعالى لا مثل له ولا شبيه، ولكن هو الله لا إله إلا هو كما وصف نفسه، ويداه مبسوطتان كما وصفهما: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (2) كما وصف نفسه. (3)
عبد الله بن إدريس (4) (192 هـ)
عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأَوْدِي من مذحج، ويكنى أبا محمد. ولد سنة خمس عشرة ومائة. حدث عن أبيه وحصين بن عبد الرحمن وسهيل بن أبي صالح وخلق. وحدث عنه: مالك وهو من مشايخه
_________
(1) مختصر الصواعق (2/ 503).
(2) الزمر الآية (67).
(3) رياض الجنة (75).
(4) طبقات ابن سعد (6/ 389) والثقات لابن حبان (7/ 59 - 60) وتاريخ بغداد (9/ 415 - 421) وتهذيب الكمال (14/ 293 - 300) وتذكرة الحفاظ (1/ 282 - 284) والسير (9/ 42 - 48).(3/119)
وابن المبارك ويحيى بن آدم بن حنبل وخلق كثير. كان عابدا فاضلا من عباد الله الصالحين ومن الزهاد. قال أبو حاتم الرازي: هو إمام من أئمة المسلمين، حجة. وكان من جِلة المقرئين. وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونا كثير الحديث حجة صاحب سنة وجماعة. وقال ابن حبان: كان صلبا في السنة. أقدمه الرشيد بغداد ليوليه قضاء الكوفة فامتنع.
توفي رحمه الله تعالى في ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين ومائة.
موقفه من الرافضة:
- جاء في السنة للخلال: قال عبد الله بن إدريس: لو أن الروم سبوا من المسلمين من الروم إلى الحيلة ثم ردهم رجل في قلبه شيء على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ما قبل الله منه ذلك. (1)
- وجاء في الصارم المسلول: قال عبد الله بن إدريس من أعيان أئمة الكوفة: ليس لرافضي شفعة إلا لمسلم. (2)
- وفيه قال: ما آمن أن يكونوا قد ضارعوا الكفار يعني الرافضة لأن الله تعالى يقول: {ليغيظ بهم الكفار} (3).اهـ (4)
موقفه من الجهمية:
- قال عبد الله بن الإمام أحمد في كتابه السنة: حدثني الفضل بن
_________
(1) السنة للخلال (1/ 478).
(2) الصارم (ص.572).
(3) الفتح الآية (29).
(4) الصارم (ص.582).(3/120)
الصباح السمسار، وسألت أبي عنه فقال: أعرفه، ليس به بأس، قال: كنت عند عبد الله بن إدريس، فسأله بعض أصحاب الحديث ممن كان معنا فقال: ما تقول في الجهمية، يصلى خلفهم؟ قال فضل: ثم اشتغلت أكلم إنسانا بشيء فلم أفهم ما رد عليه ابن إدريس، فقلت للذي سأله: ما قال لك؟ فقال: قال لي: أمسلمون هؤلاء، أمسلمون هؤلاء؟ لا ولا كرامة، لا يصلى خلفهم، قلت لفضل بن الصباح: سمعتَه يقول هذا لابن إدريس وأنت حاضر؟ قال: نعم سمعتُه. (1)
- جاء في أصول الاعتقاد عن يحيى بن يوسف أبي زكريا قال: قدمنا مكة قال: فقال لي رفيق لي: هل لك في عبد الله بن إدريس تأتيه فتسلم عليه؟ فقلت نعم. فمضينا إليه فقال له رفيقي: يا أبا محمد إن قبلنا أناسا يقولون: القرآن مخلوق. فقال: من اليهود؟ فقال: لا. قال: فمن النصارى؟ فقال: لا. قال: فمن المجوس؟ قال: لا. قال: فمن هم؟ قال: من الموحدين. قال: كذبوا ليس هؤلاء من الموحدين، هؤلاء زنادقة، فمن زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن الله مخلوق ومن زعم أن الله مخلوق فقد كفر، هؤلاء زنادقة. (2)
- وفيه عن يحيى بن خلف المقري قال: كنت عند مالك بن أنس سنة ثمان وستين فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ قال: كافر زنديق اقتلوه. قال: إنما أحكي كلاما سمعته. قال: لم
_________
(1) السنة لعبد الله (ص.13).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 283/432) والسنة لعبد الله (14) والشريعة (1/ 218/173) وخلق أفعال العباد (8) والإبانة (2/ 12/69/ 289).(3/121)
أسمعه من أحد إنما سمعته منك. قال أبو محمد: فغلظ ذلك علي ... فلقيت عبد الله بن إدريس وأبا أسامة وعبدة بن سليمان الكلابي ويحيى بن زكريا ووكيعا فحكيت لهم. فقالوا: كافر. (1)
- جاء في السنة لعبد الله عن مقاتل: سألت عبد الله بن إدريس عن الصلاة خلف الجهمية فقال: أَوَ مؤمنون هم؟ (2)
- وفيها: عن الزمي قال وقرأ ابن إدريس بِسْمِ {اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم} فقال: الله مخلوق؟ والرحمن مخلوق؟ والرحيم مخلوق؟ هؤلاء زنادقة. (3)
- وفيها: عن ابن إدريس قال: القرآن كلام الله ومن الله وما كان من الله فليس بمخلوق. (4)
- وفيها عن محمد بن عيسى الطباع، سمعت ابن إدريس سئل عن قوم يقولون: القرآن مخلوق، فاستشنع ذلك، وقال: سبحان الله شيء منه مخلوق وأشار بيده إلى فيه. (5)
- وفي الفتاوى الكبرى: قال البخاري وسئل عبد الله بن إدريس عن الصلاة خلف أهل البدع فقال: لم يزل في الناس إذا كان فيهم مرضي أو
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 275 - 277/ 412).
(2) السنة لعبد الله (13 - 14).
(3) السنة لعبد الله (14) والشريعة (1/ 218/173).
(4) السنة لعبد الله (33).
(5) السنة لعبد الله (14).(3/122)
عدل فصل خلفه، فقلت: فالجهمية؟ قال: لا، هذه من المقاتل، هؤلاء لا يصلى خلفهم ولا يناكحون وعليهم التوبة. (1)
موقفه من المرجئة:
عن عثمان بن محمد بن أبي شيبة قال: سألت ابن إدريس وجريرا ووكيعا فقالوا: الإيمان يزيد وينقص. (2)
إسماعيل بن عُلَيَّة (3) (193 هـ)
إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم، الإمام، العلامة، الحافظ، الثبت أبو بِشْر الأسدي، مولاهم البصري الكوفي الأصل، المشهور بابن عُلَيَّة، وهي أمه. سمع أبا بكر محمد بن المنكدر التيمي، وأبا بكر أيوب بن أبي تميمة، ويونس بن عبيد وغيرهم. وروى عنه ابن جريج، وشعبة وهو من شيوخه وحماد بن زيد وعبد الرحمن بن مهدي وعلي بن المديني وأحمد بن حنبل وغيرهم.
وكان فقيها، إماما، مفتيا، من أئمة الحديث. وقال يونس بن بكير: سمعت شعبة يقول: إسماعيل بن علية سيد المحدثين، وقال فيه أيضا: ابن علية ريحانة الفقهاء. وعن عبد الله بن أحمد عن أبيه قال: فاتني مالك فأخلف الله علي سفيان بن عيينة وفاتني حماد بن زيد فأخلف الله علي إسماعيل بن علية،
_________
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 80 - 81).
(2) السنة لعبد الله (94).
(3) طبقات ابن سعد (7/ 325 - 326) والسير (9/ 107 - 120) ومشاهير علماء الأمصار (161) وتاريخ بغداد (6/ 229 - 240) وتهذيب الكمال (3/ 23 - 33) وتذكرة الحفاظ (1/ 322 - 323) وميزان الاعتدال (1/ 216 - 220) وشذرات الذهب (1/ 333).(3/123)
كان حماد بن زيد لا يفرق من مخالفة وهيب والثقفي، ويفرق من إسماعيل إذا خالفه. ولي إسماعيل القضاء، وقد نقم عليه بعض المحدثين إجابته في المحنة. قال الإمام الذهبي: إمامة إسماعيل وثيقة لا نزاع فيها، وقد بدت منه هفوة وتاب، فكان ماذا؟ إني أخاف الله، لا يكون ذكرنا له من الغيبة.
توفي سنة ثلاث وتسعين ومائة.
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة عن ابن علية قال: من قال القرآن مخلوق فهو مبتدع. (1)
- وجاء في أصول الاعتقاد: قال علي فتى هشيم لإسماعيل بن علية: نحب أن نسمع منك ما نؤديه إلى الناس في أمر القرآن فقال: القرآن كلام الله وليس من الله شيء مخلوق، ومن قال إن شيئا من الله مخلوق فقد كفر وأنا أستغفر الله مما كان مني في المجلس. (2)
- جاء في السير: وقد قال عبد الصمد بن يزيد مردويه: سمعت إسماعيل ابن علية يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق. (3)
- وفي السنة لعبد الله: عن إسماعيل بن علية قال: أنا أحتج عليهم يعني الجهمية بقوله عز وجل: {فَلَمَّا تجلى ربه لِلْجَبَلِ} (4) لا يكون تجل إلا لشيء حدث. (5)
_________
(1) السنة لعبد الله (20 - 21).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 284 - 285/ 435) والفتاوى الكبرى (5/ 76).
(3) السير (9/ 118).
(4) الأعراف الآية (143).
(5) السنة لعبد الله (67).(3/124)
- وفيها عنه أيضا: {لا تدركه الْأَبْصَارُ} (1) قال: هذا في الدنيا. (2)
هارون الرشيد (3) (193 هـ)
الخليفة أبو جعفر هارون بن المهدي. روى عن أبيه وجده، ومبارك بن فضالة. روى عنه: ابنه المأمون وغيره. كان من أنبل الخلفاء، وأحشم الملوك، ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ورأي. وكان يحب العلم وأهله، ويعظم حرمات الإسلام، ويبغض المراء في الدين، والكلام في معارضة النص. قال عبد الرزاق: كنت مع الفضيل بمكة، فمر هارون، فقال الفضيل: الناس يكرهون هذا، وما في الأرض أعز علي منه، لو مات لرأيت أمورا عظاما. قال فيه بعضهم:
فمن يطلب لقاءك أو يرده ... فبالحَرَميْن أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمر ... وفي أرض الترفه فوق طور
وما حاز الثغور سواك خلق ... من المتخلفين على الأمور
توفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وتسعين ومائة. وله من العمر خمس وأربعون سنة.
_________
(1) الأنعام الآية (103).
(2) السنة لعبد الله (67).
(3) تاريخ خليفة (460) والمعرفة والتاريخ (1/ 182) والسير (9/ 286 - 295) والبداية والنهاية (10/ 221 - 232) والكامل في التاريخ (6/ 211 - 221) وتاريخ الطبري (8/ 342 - 364) وتاريخ بغداد (14/ 5 - 13) وشذرات الذهب (1/ 334 - 339).(3/125)
موقفه من المبتدعة:
- جاء في شرف أصحاب الحديث بالسند إلى أبي عبد الله محمد بن العباس المصري يقول: سمعت هارون الرشيد يقول: طلبت أربعة فوجدتها في أربعة: طلبت الكفر فوجدته في الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة، وطلبت الكذب فوجدته عند الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث. (1)
- روى أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف عن عمرو بن محمد أنه قال: كان أبو معاوية الضرير يحدث هارون الرشيد، فحدثه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه احتج آدم وموسى (2) فقال عيسى بن جعفر: كيف هذا وبين آدم وموسى ما بينهما؟ قال: فوثب به هارون وقال: يحدثك عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتعارضه بكيف؟ قال: فما زال يقول حتى سكن عنه. (3)
قال أبو عثمان رحمه الله عقبه: هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق، وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد رحمه الله مع من اعترض على الخبر الصحيح الذي سمعه بكيف؟ على طريق الإنكار والاستبعاد له، ولم يتلقه بالقبول كما يجب أن يتلقى جميع ما
_________
(1) شرف أصحاب الحديث (ص.55).
(2) أحمد (2/ 287،314) والبخاري (11/ 618/6614) ومسلم (4/ 2042 - 2043/ 2652) وأبو داود (5/ 76 - 77/ 4701) والترمذي (4/ 386 - 387/ 2136) والنسائي في الكبرى (6/ 284 - 285/ 10985 - 10986) وابن ماجه (1/ 31 - 32/ 80).
(3) عقيدة السلف (319 - 320).(3/126)
يرد من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
جعلنا الله سبحانه من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويتمسكون في دنياهم مدة محياهم بالكتاب والسنة، وجنبنا الأهواء المضلة، والآراء المضمحلة، والأسواء المذلة، فضلا منه ومنة. (1)
- جاء في البداية والنهاية: وقد استدعى إليه أبا معاوية الضرير محمد ابن خازم ليسمع منه الحديث قال أبو معاوية: ما ذكرت عنده حديثا إلا قال صلى الله وسلم على سيدي، وإذا سمع فيه موعظة بكى حتى يبل الثرى، وأكلت عنده يوما ثم قمت لأغسل يدي فصب الماء علي، وأنا لا أراه، ثم قال يا أبا معاوية أتدري من يصب عليك الماء؟ قلت: لا، قال: يصب عليك أمير المؤمنين، قال أبو معاوية: فدعوت له، فقال: إنما أردت تعظيم العلم. وحدثه أبو معاوية يوما عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بحديث احتجاج آدم وموسى (2). فقال عم الرشيد أين التقيا يا أبا معاوية؟ فغضب الرشيد من ذلك غضبا شديدا وقال: أتعترض على الحديث؟ علي بالنطع والسيف، فأحضر ذلك فقام الناس إليه يشفعون فيه فقال الرشيد: هذه زندقة، ثم أمر بسجنه وأقسم أن لا يخرج حتى يخبرني من ألقى إليه هذا. فأقسم عمه بالأيمان المغلظة ما قال هذا له أحد، وإنما كانت هذه الكلمة
_________
(1) عقيدة السلف (321).
(2) أخرجه: أحمد (2/ 287و314) والبخاري (11/ 618/6614) ومسلم (4/ 2042 - 2043/ 2652) وأبو داود (5/ 76 - 78/ 4701) والترمذي (4/ 386 - 387/ 2134) والنسائي في الكبرى (6/ 284 - 285/ 10985 - 10986) وابن ماجه (1/ 31 - 32/ 80).(3/127)
بادرة مني وأنا أستغفر الله وأتوب إليه منها فأطلقه. (1)
" التعليق:
هل فيه أغير من هذا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى عقيدة السلف الصالح، التي من شرطها التصديق بكل ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، سواء فهم المراد منه أو لم يفهم؛ فلا اعتبار للقرابة ولا للعمومة عند انتهاك العقيدة. يا ليت المسلمين يغارون بعضا من هذا على عقيدتهم ودينهم من هذه العظائم التي ترتكب في عصرنا وإلى الله المشتكى؛ فالسنة جعلها من ينسب نفسه إلى الإصلاح قشورا وجزئيات، والاشتغال بذلك يعتبر مضيعة للوقت، ودراسة العقيدة السلفية لا تمكن صاحبها من الوقوف أمام التحديات، يكتب هذا وينشر ويدرس من قوم يدعون أنهم من أكبر الباحثين في السنة، والواقع أن لا علم عندهم، وغاية ما يتجملون به من المعرفة من فتات موائد المستشرقين الحاقدين المتربصين (2). والله المستعان.
موقفه من المشركين:
- جاء في هامش الاعتصام لمعلقه محمد رشيد رضا ما لفظه: قال بعض المؤرخين إن البرامكة زينوا للرشيد وضع المجامر في الكعبة المشرفة ليأنس المسلمون بوضع النار في أعظم معابدهم، والنار معبود المجوس، والظاهر أن
_________
(1) البداية والنهاية (10/ 223 - 224) وذم الكلام (ص.244) والسير مختصرا (9/ 288).
(2) انظر مزيدا من التفصيل في مواقف العلامة الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى سنة (1377هـ) تحت عنوان "التحذير من المستشرقين".(3/128)
البرامكة كانوا من رؤساء جمعيات المجوس السرية التي تحاول هدم الإسلام وسلطة العرب وإعادة الملك للمجوس وإنما فتك بهم هارون الرشيد لأنه وقف على دخائلهم. (1)
- جاء في البداية والنهاية: وفيها -أي سنة اثنتين وتسعين ومائة- خرجت الخُرَّمية بالجبل وبلاد أذربيجان، فوجه الرشيد إليهم عبد الله بن مالك ابن الهيثم الخزاعي في عشرة آلاف فارس فقتل منهم خلقا وأسر وسبى ذراريهم وقدم بهم بغداد فأمر له الرشيد بقتل الرجال منهم وبالذرية فبيعوا فيها وكان غزاهم قبل ذلك خزيمة بن خازم. (2)
- جاء في السير: وفي سنة سبع -أي بعد الثمانين والمائة- قتل الرشيد جعفر بن يحيى البرمكي، وسجن أباه وأقاربه، بعد أن كانوا قد بلغوا رتبة لا مزيد عليها. وفيها انتقض الصلح مع الروم، وملكوا عليهم نقفور، فيقال: إنه من ذرية جفنة الغساني، وبعث يتهدد الرشيد، فاستشاط غضبا، وسار في جيوشه حتى نازله هرقلة، وذلت الروم، وكانت غزوة مشهودة. (3)
- وجاء فيها أيضا: ويروى أن هارون الرشيد أخذ زنديقا ليقتله، فقال الرجل: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك يتخللانها، فيخرجانها حرفا حرفا. (4)
_________
(1) الاعتصام (2/ 104).
(2) البداية والنهاية (10/ 214 - 215).
(3) السير (9/ 293 - 294).
(4) السير (8/ 542) وتذكرة الحفاظ (1/ 273).(3/129)
موقفه من الرافضة:
جاء في البداية والنهاية: قال بعض أهل العلم: يا أمير المؤمنين انظر هؤلاء الذين يحبون أبا بكر وعمر ويقدمونهما فأكرمهم بعز سلطانك فقال الرشيد: أو لست كذلك؟ أنا والله كذلك أحبهما وأحب من يحبهما وأعاقب من يبغضهما. (1)
موقفه من الجهمية:
- جاء في أصول الاعتقاد بالسند إلى علي بن المديني قال: سمعت معاذ ابن معاذ حين قدم من عند هارون في القدمة التي كان أجازه فيها هارون، فسمعته يقول: قال لي أمير المؤمنين: إني والله ما بعثت إليك بموجدة وجدتها عليك ولكن لم أزل أحب رؤيتك ومعرفتك. ثم قال: ما قوم رددت شهادتهم؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين قدرية ومعتزلة قال: فقال: أصبت وفقك الله. (2)
" التعليق:
أمير المؤمنين هارون الرشيد له مواقف مشرفة مع المبتدعة على اختلاف أنواعهم وأشكالهم ولم يكن يعرف غير السيف معهم. ولذا أكثر ما يرويه أصحاب كتب الأدب من حَطٍّ على هارون، فهو من اختراع الزنادقة والمبتدعة والشيعة الروافض، فلا يلتفت إليه، فهارون كان ذا علم ودين وعبادة يعرف ذلك من درس سيرته في الكتب المعتمدة.
_________
(1) البداية والنهاية (10/ 224).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 810/1361).(3/130)
- جاء في طبقات الحنابلة: قال عبد الله بن أحمد حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني محمد بن نوح المضروب عن المسعودي القاضي قال: سمعت هارون أمير المؤمنين يقول بلغني أن بشرا المريسي يزعم أن القرآن مخلوق، لله علي إن أظفرني الله به لأقتلنه قتلة ما قتلها أحد قط. (1)
- وجاء في البداية والنهاية: وقال بعضهم: دخلت على الرشيد وبين يديه رجل مضروب العنق والسياف يمسح سيفه في قفا الرجل المقتول. فقال الرشيد: قتلته لأنه قال: القرآن مخلوق فقتلته على ذلك قربة إلى الله عز وجل. (2)
- جاء في السير: وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيما إذا وعظ. (3)
- وفي الإبانة: عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي طاهر الأزدي قال: سمعت أبي قال لي حسين الخادم المعروف ب (الكبير): جاءني رسول الرشيد ليلا، فلبست سيفي ودخلت إليه، فإذا به على كرسي مغضبا وإذا شيخ في نطع، فقال لي: يا حسين اضرب عنقه، قال: فسللت سيفي فضربت عنقه. قال: فتغير من ذاك وجهي، لأني لم أعرف قصته، قال: فرفع الرشيد رأسه إلي فقال لي: لا تكره ما فعلت يا حسين، فإن هذا كان يقول: القرآن مخلوق. (4)
_________
(1) طبقات الحنابلة (1/ 21) والسنة لعبد الله (19) والسنة للخلال (5/ 112 - 113).
(2) البداية والنهاية (10/ 224).
(3) السير (9/ 287).
(4) الإبانة (2/ 13/79 - 80/ 306).(3/131)
شُجَاع بن أبي نَصْر (1) (193 هـ)
الخراساني البلخي أبو نعيم المقرئ. روى عن أبي الأشهب جعفر بن حيان العطاردي، وسليمان الأعمش وصالح المري وغيرهم. وروى عنه الحسن بن عرفة وأبو عمر حفص بن عمر الدوري المقرئ وسريج بن يونس وغيرهم. قال أبو عبيد: حدثنا شجاع بن أبي نصر وكان صدوقا مأمونا. توفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وتسعين ومائة.
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة: قال: حدثني محمد بن إسحاق الصغاني حدثني يحيى بن أيوب، سمعت أبا نعيم البلخي شجاع بن أبي نصر سمعت رجلا من أصحاب جهم كان يقول بقوله، كان خاصا به، ثم تركه، وجعل يهتف بكفره قال: رأيت جهما يوما افتتح: ((طه)) فلما أتى على هذه الآية: {الرَّحْمَنُ على العرش استوى} (2) قال: لو وجدت السبيل إلى حكها لحككتها، ثم قرأ حتى أتى على آية أخرى، فقال: ما كان أظرف محمدا حين قالها، ثم افتتح سورة القصص، فلما أتى على ذكر موسى، جمع يديه ورجليه ثم دفع المصحف ثم قال: أي شيء هذا ذكره هاهنا فلم يتم ذكره، وذكره فلم يتم ذكره. (3)
_________
(1) تهذيب الكمال (12/ 381 - 382) وتهذيب التهذيب (4/ 313) وتقريب التهذيب (1/ 347) الثقات لابن حبان (8/ 313) الجرح والتعديل (4/ 379 - 380).
(2) طه الآية (5).
(3) السنة لعبد الله (37) والإبانة (2/ 13/92/ 322) وخلق أفعال العباد (20/ 55) ومختصر العلو (162 - 163) ورواه ابن بطة أيضا بلفظ أطول (2/ 13/92 - 93/ 323).(3/132)
عبد الله بن أبي جعفر الرازي (1) (193 هـ)
عبد الله بن أبي جعفر عيسى بن مَاهَان الرَّازي، روى عن أبيه وابن جريج وعكرمة بن عمار وشعبة وأبي سنان سعيد بن سنان الشيباني وأيوب ابن عتبة اليمامي وأبي شيبة وغيرهم وعنه ابنه محمد وعيسى بن سوادة النخعي وهو أكبر منه وأحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الدستكي وغيرهم. قال عبد العزيز بن سلام سمعت بن مهران يقول سمعت عبد الله بن أبي جعفر يقول: طابق من لحم أحب إلي من فلان. وقال ابن عدي: بعض حديثه مما لا يتابع عليه. قال ابن حجر: صدوق يخطئ، من التاسعة.
موقفه من الجهمية:
روى عبد الرحمن بن أبي حاتم كما في اجتماع الجيوش الإسلامية بالسند إلى صالح بن الضريس: جعل عبد الله بن أبي جعفر الرازي يضرب قرابة له بالنعل على رأسه، يرى رأي جهم ويقول: لا، حتى يقول الرحمن على العرش استوى بائن من خلقه. (2)
مروان بن معاوية الفزاري (3) (193 هـ)
مروان بن معاوية الفَزَارِي أبو عبد الله الكوفي سكن مكة ثم دمشق.
_________
(1) الميزان (2/ 404) وتقريب التهذيب (1/ 307) وتهذيب التهذيب (5/ 176) وتهذيب الكمال (14/ 385 - 387) وتاريخ الإسلام (حوادث 181 - 190/ص.205 - 206).
(2) اجتماع الجيوش (205) ودرء التعارض (6/ 265).
(3) السير (9/ 51) وتهذيب الكمال (27/ 403) وتهذيب التهذيب (10/ 96) وتاريخ بغداد (13/ 149) وتاريخ الإسلام (حوادث 191 - 200/ص.386 - 388) وشذرات الذهب (1/ 333).(3/133)
روى عن: إبراهيم بن يزيد الخوزي، وإسماعيل بن أبي خالد، وبهز بن حكيم. وروى عنه: أحمد ابن حنبل، وأحمد بن منيع، وإسحاق بن راهويه. قال عنه أحمد بن حنبل: ثبت حافظ. وكان جوالا في طلب الحديث. توفي سنة ثلاث وتسعين ومائة.
موقفه من الجهمية:
- جاء في الإبانة: عن يحيى بن أيوب قال: سمعت مروان الفزاري وذكر جهما، فقال: قبح الله جهما، حدثني ابن عم لي أنه شك في الله أربعين صباحا. (1)
- وعن يحيى بن أيوب قال: كنا يوما عند مروان بن معاوية الفزاري فسأله رجل عن حديث الرؤية فلم يحدثه به، قال: إن لم تحدثني به فأنت جهمي. فقال مروان: أتقول لي جهمي، وجهم مكث أربعين ليلة لا يعرف ربه. (2)
زياد بن عبد الرحمن شَبَطُون (3) (193 هـ)
الفقيه الإمام زياد بن عبد الرحمن بن زياد، أبو عبد الله اللخمي الأندلسي، صاحب مالك، والمعروف بشَبَطُون. سمع من معاوية بن صالح
_________
(1) الإبانة (2/ 13/93/ 324) والسنة لعبد الله (41) والسنة للخلال (5/ 87) والفتاوى الكبرى (5/ 41).
(2) الفتاوى الكبرى (5/ 41).
(3) ترتيب المدارك (1/ 200 - 203) والسير (9/ 311 - 312) وتاريخ الإسلام (حوادث 191 - 200/ص.177 - 178) والوافي بالوفيات (15/ 16 - 17) والديباج المذهب (1/ 370) وشجرة النور الزكية (1/ 63).(3/134)
القاضي -وتزوج بابنته- ومن مالك والليث ويحيى بن أيوب وسليمان بن بلال. وتفقه عليه يحيى بن يحيى الليثي.
كان أول من أدخل مذهب الإمام مالك إلى الأندلس، وقبل ذلك كانوا يتفقهون للأوزاعي وغيره. وكان أحد النساك الورعين، أراده هشام صاحب الأندلس على القضاء فأبى وهرب. قال الذهبي: وكان إماما، عالما، ناسكا، مهيبا، كبير الشأن. توفي رحمه الله سنة ثلاث وتسعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
جاء في السير: قال عبد الملك بن حبيب: كنا عند زياد إذ جاءه كتاب من بعض الملوك، فكتب فيه، وختمه، ثم قال لنا زياد: إنه سأل عن كفتي الميزان، أمن ذهب أم من فضة؟ فكتبت إليه: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (1). (2)
_________
(1) أخرجه: الترمذي (4/ 483/2317) وابن ماجه (2/ 1315 - 1316/ 3976) وابن حبان (1/ 466/229) من طريق قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. قال الترمذي: "حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه". وقرة قال الحافظ في التقريب: "صدوق له مناكير". وله شواهد منها ما رواه: أحمد (1/ 201) ومالك (فتح البر2/ 375) والبخاري في التاريخ (4/ 220) والترمذي (4/ 484/2318) عن علي بن حسين مرسلا والطبراني في الكبير (3/ 138/2886) والأوسط (9/ 184/8397) عن علي بن الحسين عن أبيه مرفوعا والصغير (2/ 380/1052) وقال الهيثمي في المجمع (8/ 18): "رواه أحمد والطبراني في الثلاثة ورجال أحمد والكبير ثقات". وقال البخاري: "ولا يصح إلا عن علي بن حسين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ". وقال الترمذي: "وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة". وبنحو كلامهما قال أحمد ويحيى بن معين والدارقطني كما ذكر ابن رجب في الجامع (1/ 287 - 288). وأخرجه الطبراني في الصغير (2/ 321/867) عن زيد بن ثابت وقال الهيثمي (8/ 18): "فيه محمد بن كثير بن مروان وهو ضعيف". وعزاه السيوطي في الجامع الصغير للحاكم في الكنى من حديث أبي بكر والشيرازي من حديث أبي ذر والحاكم في تاريخه عن علي بن أبي طالب وابن عساكر عن الحارث بن هشام ورمز للحديث بالصحة وحسنه النووي في الأربعين. ولعل بهذه الشواهد يرتقي الحديث إلى مرتبة الحسن.
(2) السير (9/ 312).(3/135)
أبو بكر بن عَيَّاش (1) (194 هـ)
ابن سالم الأسدي، مولاهم الكوفي الحَنَّاط المقرئ الفقيه المحدث شيخ الإسلام، وبقية الأعلام مولى واصل، قيل اسمه شعبة وقيل محمد وقيل اسمه كنيته. قرأ القرآن، وجوده ثلاث مرات على عاصم بن أبي النجود وغيره. وحدث عن عاصم، وأبي إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير وغيرهم. وحدث عنه ابن المبارك والكسائي، ووكيع وأبو داود وأحمد بن حنبل وغيرهم. قال ابن المبارك: ما رأيت أحدا أسرع إلى السنة من أبي بكر بن عياش. قال يعقوب بن شيبة الحافظ: كان أبو بكر معروفا بالصلاح البارع وكان له فقه وعلم الأخبار، وفي حديثه اضطراب. وقال يزيد بن هارون: كان أبو بكر بن عياش خيرا فاضلا، لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة. قال سفيان بن عيينة: قال لي أبو بكر بن عياش: رأيت الدنيا في النوم عجوزا مشوهة. وعن أبي بكر بن عياش قال: أدنى نفع السكوت السلامة، وكفى بها عافية. وأدنى ضرر المنطق الشهرة وكفى بها بلية. توفي رحمه الله تعالى سنة أربع وتسعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- عن زكريا بن يحيى قال: سمعت أبا بكر بن عياش قال له رجل: يا أبا بكر: من السني؟ قال: الذي إذا ذكرت الأهواء لم يتعصب لشيء منها. (2)
_________
(1) تاريخ ابن معين (2/ 696) وتاريخ خليفة (466) وتهذيب الكمال (33/ 129 - 135) والسير (8/ 495 - 508) وتذكرة الحفاظ (1/ 265 - 266) وميزان الاعتدال (4/ 469) والحلية (8/ 303 - 313) وشذرات الذهب (1/ 334).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 72 - 73/ 53) والشريعة (3/ 581/2112) وانظر الاعتصام (1/ 114) والاستقامة (1/ 255).(3/136)
- عن ابن المبارك قال: ما رأيت أحدا أشرح للسنة من أبي بكر بن عياش. (1)
- جاء في مجموع الفتاوى: قيل لأبي بكر بن عياش: إن بالمسجد قوما يجلسون ويجلس إليهم، فقال: من جلس للناس، جلس الناس إليه. ولكن أهل السنة يموتون، ويحيى ذكرهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم؛ لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان لهم نصيب من قوله: {ورفعنا لك ذكرك} (2)، وأهل البدعة شنؤوا ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فكان لهم نصيب من قوله: {إن شانئك هو الأبتر}. (3)
" التعليق:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالحذر الحذر أيها الرجل من أن تكره شيئا مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو ترده لأجل هواك، أو انتصارا لمذهبك، أو لشيخك، أو لأجل اشتغالك بالشهوات، أو بالدنيا، فإن الله لم يوجب على أحد طاعة أحد إلا طاعة رسوله، والأخذ بما جاء به، بحيث لو خالف العبد جميع الخلق، واتبع الرسول ما سأله الله عن مخالفة أحد فإن من يطيع أو يطاع إنما يطاع تبعا للرسول، وإلا لو أمر بخلاف ما أمر به الرسول ما أطيع. فاعلم ذلك واسمع، وأطع واتبع، ولا تبتدع تكن أبتر مردودا عليك عملك، بل لا
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 73/55).
(2) الشرح الآية (4).
(3) الكوثر الآية (3).(3/137)
خير في عمل أبتر من الاتباع ولا خير في عامله والله أعلم. (1)
- وجاء في أصول الاعتقاد عنه قال: السنة في الإسلام أعز من الإسلام في سائر الأديان. (2)
موقفه من الرافضة:
- قال رحمه الله: ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر في قلبه. (3)
- وعن بشر بن الحارث رحمه الله قال: قلت لأبي بكر بن عياش إن قوما يقولون: أبو بكر وعمر وعلي، فقال أبو بكر: لعنة الله على من قال ذا. (4)
- عن بشر بن الحارث قال: قلت لأبي بكر بن عياش ما تقول فيمن قدم عليا على عثمان قال: من قال هذا فعليه لعنة الله. (5)
- قال الحسن بن عليل العنزي حدثنا محمد بن إسماعيل القرشي عن أبي بكر بن عياش قال لي الرشيد: كيف استخلف أبو بكر: قلت: يا أمير المؤمنين سكت الله وسكت رسوله وسكت المؤمنون. قال: ما زدتني إلا عمى. قلت: مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمانية أيام، فدخل عليه بلال: فقال: "مروا أبا
_________
(1) الفتاوى (16/ 528 - 529).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 73/54) وبنحوه ذم الكلام (ص.240).
(3) المنهاج (6/ 223).
(4) السنة للخلال (1/ 393).
(5) أصول الاعتقاد (8/ 1452/2621).(3/138)
بكر يصلي بالناس" (1). فصلى بالناس ثمانية أيام والوحي ينزل، فسكت رسول الله لسكوت الله، وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأعجبه ذلك، فقال: بارك الله فيك. (2)
- جاء في السير: قال أحمد بن يونس: قلت لأبي بكر بن عياش: لي جار رافضي قد مرض قال: عده مثل ما تعود اليهودي والنصراني، لا تنو فيه الأجر. (3)
- وفيها عن أبي هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نص القرآن، لأن الله تعالى يقول: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (4). قال: فمن سماه الله صادقا فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (5)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السير: قال أبو داود ثنا حمزة بن سعيد المروزي وكان ثقة
_________
(1) يشير إلى الحديث الذي رواه: أحمد (6/ 210،224) والبخاري (2/ 260/713) و (8/ 177/4445) ومسلم (1/ 313 - 314/ 418) 95)) والترمذي (2/ 196/362) مختصرا وقال: "حديث حسن صحيح غريب". والنسائي (2/ 434 - 435/ 832) وابن ماجة (1/ 389/1232).
(2) الميزان (4/ 501) والسير (8/ 506).
(3) السير (8/ 504).
(4) الحشر الآية (8).
(5) السير (8/ 500 - 501).(3/139)
قال: سألت أبا بكر بن عياش فقلت: قد بلغك ما كان من أمر ابن علية في القرآن، قال: ويلك من زعم أن القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق عدو الله لا نجالسه ولا نكلمه. (1)
- وفيها عنه أنه سئل عن القرآن، فقال: هو كلام الله غير مخلوق. (2)
- وفي السنة لعبد الله عنه قال: من زعم أن القرآن مخلوق فقد افترى على الله. (3)
- وفي السنة للخلال: عن يحيى بن آدم قال: قال لي أبو بكر بن عياش: إنما يحاولون الجهمية أن ليس في السماء شيء. (4)
موقفه من المرجئة:
عن أبي سلمة الخزاعي قال: قال مالك بن أنس وشريك وأبو بكر بن عياش وعبد العزيز بن أبي سلمة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد: الإيمان المعرفة والإقرار والعمل. (5)
_________
(1) السير (8/ 499) والإبانة (2/ 12/48/ 242) والشريعة (1/ 219 - 220/ 176).
(2) السير (8/ 504).
(3) السنة لعبد الله (31).
(4) السنة للخلال (5/ 123).
(5) أصول الاعتقاد (4/ 931/1587) والسنة لعبد الله (83).(3/140)
حَفْص بن غِياث (1) (194 هـ)
ابن طَلْق بن معاوية. الإمام الحافظ العلامة القاضي أبو عمر النخعي الكوفي، قاضي الكوفة، ومحدثها، وولي القضاء ببغداد أيضا. سمع من عاصم الأحول، وسليمان التيمي، ويحيى بن سعيد وغيرهم، وروى عنه يحيى بن سعيد القطان رفيقه، وابن مهدي وغيرهما. كان شيخا عفيفا مسلما. قال يحيى: لم أر بالكوفة مثل هؤلاء الثلاثة: حزام، وحفص وابن أبي زائدة، كان هؤلاء أصحاب حديث. قال علي: فلما أخرج حفص كتبه كان كما قال يحيى، إذا فيها أخبار وألفاظ. وقال أبو حاتم عن أحمد بن أبي الحواري: حدثت وكيعا بحديث فعجب، فقال: من جاء به؟ قلت: حفص بن غياث، قال: إذا جاء به أبو عمر فأي شيء نقول نحن. قال يحيى بن معين: جميع ما حدث به حفص بن غياث ببغداد والكوفة إنما هو من حفظه، ولم يخرج كتابا، كتبوا عنه ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف حديث من حفظه. وقال الحسن ابن سفيان، عن أبي بكر بن أبي شيبة: سمعت حفص بن غياث يقول: والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة. وقال ابن عمار: وكان عسرا في الحديث جدا، لقد استفهمه إنسان حرفا في الحديث فقال: والله لا سمعتها مني، وأنا أعرفك.
توفي سنة أربع وتسعين ومائة.
_________
(1) تاريخ ابن معين (2/ 121 - 122) وطبقات ابن سعد (6/ 389) والسير (9/ 22 - 34) ومشاهير علماء الأمصار (172) وتهذيب الكمال (7/ 56 - 70) والجرح والتعديل (3/ 185 - 186) وتذكرة الحفاظ (1/ 297 - 298) وشذرات الذهب (1/ 340).(3/141)
موقفه من المبتدعة:
جاء في ذم الكلام عن ابنه عمر قال: سمعت أبي وقيل له: ألا تنظر إلى أصحاب الحديث وما هم فيه؟ قال: هم خير أهل الدنيا. (1)
موقفه من الجهمية:
روى ابن بطة في الإبانة بسنده إلى إبراهيم بن حماد، قال: قال رجل لحفص بن غياث: يا أبا عمر إن عندنا قوما يزعمون أن القرآن مخلوق. قال: لا جزاك الله خيرا، أوردت على قلبي شيئا لم أسمعه قط. (2)
عمر بن هارون (3) (194 هـ)
الإمام عالم خراسان عمر بن هارون بن يزيد بن جابر بن سلمة أبو حفص الثقفي، مولاهم البلخي. ولد سنة بضع وعشرين ومائة. روى عن ابن جريج وأسامة بن زيد الليثي وشعبة والثوري والأوزاعي وجعفر الصادق، وروى عنه عفان بن مسلم وأحمد بن حنبل وهشام بن عبيد الله الرازي ومحمد بن حميد وعلي بن الحسن الذهلي وخلق كثير. تكلم فيه أهل العلم من قبل حفظه. قال أبو حاتم: كان عمر بن هارون صاحب سنة وفضل وسخاء، وكان أهل بلده يبغضونه لتعصبه في السنة والذب عنها.
_________
(1) ذم الكلام (ص.234).
(2) الإبانة (2/ 12/31 - 32/ 322) والفتاوى الكبرى (5/ 81).
(3) طبقات ابن سعد (7/ 474) والمجروحين (2/ 91) وتاريخ بغداد (11/ 187 - 191) وسير أعلام النبلاء (9/ 267 - 276) وتهذيب الكمال (21/ 520 - 531) وميزان الاعتدال (3/ 228 - 229) وتهذيب التهذيب (7/ 501 - 505) والتقريب (1/ 727).(3/142)
قال الذهبي: كان من أوعية العلم على ضعفه وكثرة مناكيره وما أظنه ممن يتعمد الباطل. وقال ابن حجر: متروك، وكان حافظا. مات رحمه الله ببلخ يوم الجمعة من شهر رمضان سنة أربع وتسعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
عن قتيبة قال: سمعت يونس بن سليمان عن (1) عمر بن هارون قال: نظرت في العلم فإذا القرآن والأثر، ثم نظرت في الأثر فإذا هو عظمة الرب وصفة الجنة والنار والحلال والحرام والأمر والنهي، وصلة الرحم في أنواع الخير، ثم نظرت في الرأي، فإذا هو الخديعة والمكر والخيانة والحيل وقسوة القلب وأشياء كثيرة من الشر، فأخذت الأثر وتركت الرأي. (2)
موقفه من المرجئة:
عن أبي رجاء قال: كان عمر بن هارون شديدا على المرجئة، ويذكر مساوئهم وبلاياهم، فكانت بينهم عداوة لذلك. (3)
القاسم الجرمي (4) (194 هـ)
الشيخ الإمام أبو يزيد القاسم بن يزيد الجَرْمي المَوْصِلِي. حدث عن إسرائيل بن يونس وسليمان بن المغيرة وسفيان الثوري وثور بن يزيد وأفلح
_________
(1) كذا في طبعة د. سميح دغيم، وفي طبعة أبي جابر الأنصاري 'عند'.
(2) ذم الكلام (ص.239).
(3) سير أعلام النبلاء (9/ 270).
(4) تاريخ بغداد (12/ 426) وتهذيب الكمال (23/ 460 - 465) والسير (9/ 281) وتهذيب التهذيب (8/ 341) وشذرات الذهب (1/ 341) والتقريب (2/ 25).(3/143)
بن حميد وطائفة. وحدث عنه أحمد بن حرب وأخوه علي بن حرب ومحمد بن عبد الله بن عمار وإبراهيم بن موسى الرازي وهشام بن بهرام. قال حرب بن إسماعيل: سئل أحمد بن حنبل عنه، فقال: ما علمت إلا خيرا. وقال أبو زكريا الأزدي في تأريخ الموصل: وكان فاضلا ورعا، حسنا، من المعدودين في أصحاب سفيان، رحل في طلب العلم إلى الآفاق، وكتب عمن لحق من الحجازيين والبصريين والكوفيين والشاميين والمواصلة، وكان حافظا للحديث، متفقها. وقال أحمد بن أبي رافع حدثنا القاسم بن يزيد الجرمي، وكان خير أهل زمانه. قال ابن حجر: ثقة عابد. مات رحمه الله سنة أربع وتسعين ومائة.
موقفه من الجهمية:
جاء في السير: قال هشام بن بهرام: سمعت قاسما الجرمي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق. (1)
يوسف بن أسباط (2) (195 هـ)
يوسف بن أَسْبَاط الزاهد، الواعظ. روى عن: محل بن خليفة، والثوري، وزائدة بن قدامة. وحدث عنه: المسيب بن واضح، وعبد الله بن خبيق. رويت له حكم ومواعظ. قال المسيب: سألته عن الزهد، فقال: أن
_________
(1) السير (9/ 283).
(2) السير (9/ 169) وحلية الأولياء (8/ 237) وميزان الاعتدال (4/ 462) ولسان الميزان (6/ 317) ووفيات الأعيان (2/ 471) والمعرفة والتاريخ (1/ 727).(3/144)
تزهد في الحلال، فأما الحرام فإن ارتكبته، عذبك. وقال: يجزي قليل الورع من كثير العمل، وقليل التواضع من كثير الاجتهاد. وقال شعيب بن حرب: ما أقدم على يوسف بن أسباط أحدا. قال البخاري: دفن كتبه، فكان حديثه لا يجيء كما ينبغي.
توفي سنة خمس وتسعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- عن عبد الله بن حسن قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: بطالب الحديث يدفع البلاء عن أهل الأرض. (1)
- عن يوسف بن أسباط قال: من نعمة الله تعالى على الشاب أن يرافق صاحب سنة يحمله عليها. (2)
- عن بركة بن محمد الأنصاري، سمعت يوسف بن أسباط يقول: أهل السنة أقل من الكبريت الأحمر. (3)
- جاء في أصول الاعتقاد: أخبرنا عيسى بن علي أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي ثنا محمد بن منقذ ثنا سعيد بن شبيب قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: كان أبي قدريا وأخوالي روافض فأنقذني الله بسفيان. (4)
- جاء في الإبانة: عن المسيب بن واضح السلمي الحمصي قال: أتيت يوسف بن أسباط فسلمت عليه وانتسبت إليه وقلت له: يا أبا محمد إنك بقية
_________
(1) ذم الكلام (ص.204) وفي التلبيس (ص.401).
(2) ذم الكلام (ص.240).
(3) ذم الكلام (ص.125).
(4) أصول الاعتقاد (1/ 67/32) والتلبيس (ص.17 - 18).(3/145)
أسلاف العلم الماضين وإنك إمام سنة وأنت على من لقيك حجة، ولم آتك لسمع الأحاديث ولكن لأسألك عن تفسيرها، وقد جاء هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة وأن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة (1) فأخبرني من هذه الفرق حتى أتوقاها، فقال لي أصلها أربعة: القدرية، والمرجئة والشيعة وهم الروافض والخوارج، فثماني عشرة فرقة في القدرية وثماني عشرة في المرجئة وثماني عشرة في الخوارج وثماني عشرة في الشيعة، ثم قال: ألا أحدثك بحديث لعل الله أن ينفعك به؟ قلت: بلى يرحمك الله، قال: أسلم رجل على عهد عمرو بن مرة فدخل مسجد الكوفة فجعلت أجلس إلى قوم أصحاب أهواء فكل يدعو إلى هواه (2)،
وقد اختلفوا علي فما أدري بأيها أتمسك فقال له عمرو بن مرة: اختلفوا عليك في الله عز وجل أنه ربهم؟ قال: لا، قال: اختلفوا عليك في محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه نبيهم؟ قال: لا، قال: فاختلفوا عليكم في الكعبة أنها قبلتهم؟ قال: لا، قال: فاختلفوا عليك في شهر رمضان أنه صومهم؟ قال: لا، قال: فاختلفوا عليك في الصلوات الخمس والزكاة والغسل من الجنابة؟ قال: لا، قال: فانظر هذا الذي اجتمعوا عليه فهو دينك ودينهم فتمسك به وانظر تلك الفرق التي
_________
(1) أحمد (2/ 332) وأبو داود (5/ 4/4596) والترمذي (5/ 25/2640) وقال: "حديث حسن صحيح". وابن ماجه (2/ 1321/3991) وابن حبان (14/ 140/6247) و (15/ 125/6731) والحاكم (1/ 128) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني في الصحيحة (1/ 403): "فيه نظر، فإن محمد بن عمرو فيه كلام، ولذلك لم يحتج به مسلم وإنما روى له متابعة، وهو حسن الحديث".
(2) هنا سقط كما أفاده المحقق ..(3/146)
اختلفوا عليك فيها فاتركهم فليست من دينهم في شيء. (1)
- وفيها عن أحمد بن يوسف بن أسباط قال: سمعت أبي يقول: ما أبالي سألت صاحب بدعة عن ديني أو زنيت. (2)
موقفه من الجهمية:
قال ابن تيمية في الدرء: وقال يوسف بن أسباط وابن المبارك: أصول البدع أربعة: الشيعة، والخوارج، والمرجئة، والقدرية. قيل: والجهمية؟ فقالا: ليست الجهمية من أمة محمد. (3)
يحيى بن سليم الطائفي (4) (195 هـ)
يحيى بن سُلَيْم أبو زكريا القُرشي الطَّائفي، نزيل مكة. حدث عن: عبد الله بن عثمان، وابن جريج، وموسى بن عقبة، وروى عنه: الشافعي وأحمد بن حنبل، وإسحاق. قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث. وعن الشافعي قال: كان رجلا فاضلا. توفي سنة خمس وتسعين ومائة.
موقفه من الجهمية:
روى اللالكائي في أصول الاعتقاد: عن يحيى بن سليم الطائفي: من
_________
(1) الإبانة (1/ 2/377 - 379/ 277) وفي الشريعة (1/ 125/20 مختصرا).
(2) الإبانة (2/ 3/459/ 435).
(3) درء التعارض (5/ 302).
(4) السير (9/ 307) وتهذيب الكمال (31/ 365) وتهذيب التهذيب (11/ 226) وطبقات ابن سعد (5/ 500) وتاريخ الإسلام (حوادث 191 - 200/ص.474 - 475) وشذرات الذهب (1/ 344).(3/147)
وقف في القرآن فهو جهمي. (1)
موقفه من المرجئة:
- عن يحيى بن سليم قال: سألت عشرة من الفقهاء عن الإيمان، فقالوا: قول وعمل. سألت سفيان الثوري، فقال: قول وعمل. وسألت ابن جريج، فقال: قول وعمل. وسألت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فقال: قول وعمل. وسألت المثنى بن الصباح، فقال: قول وعمل. وسألت نافع بن عمر ابن جميل، فقال: قول وعمل. وسألت محمد بن مسلم الطايفي، فقال: قول وعمل. وسألت مالك بن أنس، فقال: قول وعمل. وسألت سفيان بن عيينة، فقال: قول وعمل. (2)
- وعن شريح بن النعمان قال: سمعت يحيى بن سليم الطائفي ونحن خلف المقام: أي شيء تقول المرجئة؟ قال يقولون: ليس الطواف بهذا البيت من الإيمان. (3)
- وقال إبراهيم بن شماس: سمعت يحيى بن سليم يقول: الإيمان قول وعمل. (4)
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 360/533).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 930/1584) والشريعة (1/ 298/282).
(3) الإبانة (2/ 899/1255) والسنة للخلال (3/ 585/1023).
(4) السنة لعبد الله (85).(3/148)
موقف السلف من بشر بن السري (195 هـ)
جاء في السير: عن سليمان بن حرب قال: سأل بشر بن السري حماد ابن زيد عن حديث "ينزل ربنا" (1) أيتحول؟ فسكت، ثم قال: هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف شاء.
وقال أحمد بن حنبل: تكلم بشر بشيء بمكة، فوثب عليه إنسان، فذل بمكة حتى جاء، فجلس إلينا مما أصابه من الذل. (2)
وفيها: وكان الثوري يستثقله، لأنه سأل سفيان عن أطفال المشركين، فقال: ما أنت وذا يا صبي؟
قال الذهبي: هكذا كان السلف يزجرون عن التعمق، ويبدعون أهل الجدال. (3)
أبو معاوية الضرير محمد بن خازم (195 هـ)
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة لعبد الله: عن إبراهيم بن زياد سبلان قال: سمعت أبا معاوية يعني الضرير محمد بن خازم يقول: الكلام فيه بدعة وضلالة ما تكلم
_________
(1) انظر تخريجه في مواقف حماد بن سلمة سنة (167هـ).
(2) السير (9/ 333).
(3) السير (9/ 333 - 334).(3/149)
فيه النبي ولا الصحابة ولا التابعون ولا الصالحون يعني القرآن مخلوق. (1)
موقف السلف منه لقوله بالإرجاء
كان يرى الإرجاء، فيقال: إن وكيعا لم يحضر جنازته لذلك. (2)
وقال ابن حبان: ... كان مرجئا خبيثا. (3)
وكيع بن الجَرَّاح (4) (196 هـ)
ابن مَلِيح الإمام الحافظ، محدث العراق، أبو سفيان الرُّؤَاسي الكوفي، أحد الأعلام. سمع من هشام بن عروة وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهم. وعنه سفيان الثوري أحد شيوخه وعبد الله بن المبارك، والفضل بن موسى -وهما أكبر منه- وعبد الرحمن بن مهدي والحميدي وغيرهم. وكان من بحور العلم وأئمة الحفظ.
قال يحيى بن معين: وكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه. وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحدا أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع. وقال محمد بن سعد: كان وكيع ثقة مأمونا عاليا رفيعا كثير الحديث حجة. قال ابن
_________
(1) السنة لعبد الله (40).
(2) السير (9/ 76).
(3) السير (9/ 77) وانظر الثقات (7/ 441 - 442) والذي فيه (مرجئا) فقط.
(4) التاريخ لابن معين (2/ 630 - 632) وطبقات ابن سعد (6/ 394) وتاريخ خليفة (467) ومشاهير علماء الأمصار (173) والحلية (8/ 368 - 380) وتهذيب الكمال (30/ 462 - 484) وتاريخ بغداد (13/ 496 - 512) وتذكرة الحفاظ (1/ 306 - 309) والجرح والتعديل (1/ 219 - 231) والسير (9/ 140 - 168) وميزان الاعتدال (4/ 335 - 336) وشذرات الذهب (1/ 349 - 350).(3/150)
عمار: ما كان بالكوفة في زمان وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث من وكيع. قال ابن عدي: حدثت عن نوح بن حبيب، عن عبد الرزاق قال: رأيت الثوري وابن عيينة ومعمرا ومالكا، ورأيت ورأيت فما رأت عيناي قط مثل وكيع. وقال بشر بن موسى: سمعت أحمد بن حنبل يقول ما رأيت قط مثل وكيع في العلم والحفظ والإسناد والأبواب مع خشوع وورع. وقال أحمد العجلي: وكيع كوفي ثقة عابد صالح أديب من حفاظ الحديث، وكان مفتيا. كان وكيع يقول: ما نعيش إلا في سترة، ولو كشف الغطاء لكشف عن أمر عظيم، الصدق النية. قال أحمد بن أبي الحواري عن وكيع: ما أخذت حديثا قط عرضا، فذكرت هذا لابن معين فقال: وكيع عندنا ثبت. مات سنة ست وتسعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في ذم الكلام عنه قال: من طلب الحديث كما جاء فهو صاحب سنة، ومن طلبه ليقوي به رأيه فهو صاحب بدعة. (1)
" التعليق:
وهذا دأب مبتدعة أهل هذا الزمان لا يطلبونه لأنه حديث رسول الله، فيعملون به كما عمل به السلف ولكن للاستعانة به على تأييد بدعهم نسأل الله العافية.
_________
(1) ذم الكلام (ص.100) والسير (9/ 144).(3/151)
- قال أبو عيسى الترمذي: سمعت أبا السائب يقول: كنا عند وكيع، فقال لرجل عنده ممن ينظر في الرأي: أشعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقول أبو حنيفة هو مثلة؟ قال الرجل: فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي، أنه قال: الإشعار مثلة، قال: فرأيت وكيعا غضب غضبا شديدا، وقال: أقول لك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول: قال إبراهيم، ما أحقك بأن تحبس، ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا. (1)
- عن أبي زرعة، قال حدثني يزيد بن عبد ربه، قال سمعت وكيع بن الجراح يقول ليحيى بن صالح الوحاظي: يا أبا زكريا احذر الرأي، فإني سمعت أبا حنيفة يقول: البول في المسجد أحسن من بعض قياسهم. (2)
- عن علي بن خشرم، قال: سمعت وكيعا غير مرة يقول: يا فتيان تفهموا فقه الحديث، فإنكم إن تفهمتم فقه الحديث لم يقهركم أهل الرأي. (3)
- عن علي بن خشرم المروزي قال: سمعت وكيعا يقول لأصحاب الحديث: لو أنكم تفقهتم الحديث وتعلمتموه ما غلبكم أصحاب الرأي، ما قال أبو حنيفة في شيء يحتاج إليه إلا ونحن نروي فيه بابا. (4)
- وجاء في ذم الكلام عن وكيع قال: إن أهل العلم يكتبون ما لهم وما
_________
(1) سنن الترمذي (3/ 250) والفقيه والمتفقه (1/ 386). وقصة الإشعار ثابتة عند أحمد (1/ 216) ومسلم (2/ 912/1243) وأبو داود 2/ 262/1752) والترمذي (3/ 249/906) والنسائي (5/ 191/2790) وابن ماجه (2/ 1034/3097) من طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس به.
(2) الفقيه والمتفقه (1/ 510) وإعلام الموقعين (1/ 256).
(3) الفقيه والمتفقه (2/ 161 - 162).
(4) الفقيه والمتفقه (2/ 162).(3/152)
عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم. (1)
موقفه من الرافضة:
قال البخاري: قال وكيع: الرافضة شر من القدرية، والحرورية شر منهما، والجهمية شر هذه الأصناف. (2)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة: قيل لوكيع في ذبائح الجهمية قال: لا تؤكل هم مرتدون. (3)
- وفيها عن السويدي قال: وسألت وكيعا عن الصلاة خلف الجهمية فقال: لا تصل خلفهم. (4)
- وفيها عنه قال: أما الجهمي فإني أستتيبه فإن تاب وإلا قتلته. (5)
- وفيها عنه أيضا قال: القرآن كلام الله أنزله جبريل على محمد. كل صاحب هوى يعرف الله ويعرف من يعبد إلا الجهمية لا يدرون من يعبدون، بشر المريسي وأصحابه. (6)
- وجاء في الإبانة عنه قال: القدرية يقولون الأمر مستقبل إن الله لم يقدر المصائب والأعمال والمرجئة يقولون القول يجزئ من العمل والجهمية
_________
(1) ذم الكلام (ص.100).
(2) خلق أفعال العباد (ص.22)
(3) السنة لعبد الله (15).
(4) السنة لعبد الله (14).
(5) السنة لعبد الله (14).
(6) السنة لعبد الله (15).(3/153)
يقولون المعرفة تجزئ من القول والعمل. قال وكيع: وهو كله كفر. (1)
- قال البخاري: وقال وكيع: احذروا هؤلاء المرجئة وهؤلاء الجهمية. والجهمية كفار والمريسي جهمي وعلمتم كيف كفروا؟ قالوا تكفيك المعرفة وهذا كفر، والمرجئة يقولون الإيمان قول بلا فعل وهذا بدعة، فمن قال القرآن مخلوق فهو كافر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه قال: وقال وكيع: على المريسي لعنة الله يهودي هو أو نصراني؟ فقال له رجل: كان أبوه أو جده يهوديا أو نصرانيا. قال وكيع: وعلى أصحابه لعنة الله، القرآن كلام الله، وضرب وكيع إحدى يديه على الأخرى فقال: هو ببغداد يقال له المريسي يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه. (2)
مواقفه من القائلين بخلق القرآن:
- جاء في خلق أفعال العباد عنه قال: لا تستخفوا بقولهم: القرآن مخلوق، فإنه من شر قولهم وإنما يذهبون إلى التعطيل. (3)
- وجاء في السنة قال عبد الله: حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال: بلغني عن وكيع أنه قال: من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أنه محدث ومن زعم أنه محدث فقد كفر. (4)
- وفيها بالسند إلى أبي خيثمة زهير بن حرب قال: اختصمت أنا ومثنى فقال مثنى: القرآن مخلوق وقلت أنا: كلام الله فقال وكيع وأنا أسمع:
_________
(1) الإبانة (2/ 7/903/ 1264) والسنة لعبد الله (45).
(2) خلق أفعال العباد (15) والفتاوى الكبرى (5/ 80).
(3) خلق أفعال العباد (19).
(4) السنة لعبد الله (14) وأصول الاعتقاد (2/ 349 - 350/ 506) والسير (9/ 166) والفتاوى الكبرى (5/ 77).(3/154)
هذا كفر من قال إن القرآن مخلوق هذا كفر. فقال مثنى: يا أبا سفيان قال الله {ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدثٍ} (1) فإيش هذا؟ فقال وكيع: من قال القرآن مخلوق هذا كفر. (2)
- وفيها عنه قال: من قال إن كلامه ليس منه فقد كفر، ومن قال إن منه شيئا مخلوقا فقد كفر. (3)
- وفيها عنه قال: القرآن من الله منه خرج وإليه يعود. (4)
- وفيها عنه قال: القرآن كلام الله فمن قال غير هذا فقد خالف الكتاب والسنة. (5)
- وفيها عنه أنه سئل عن القرآن فقال: القرآن كلام الله. فقيل له إن بشرا المريسي، فذكره وكيع حتى شتمه. (6)
- جاء في السير: قال يحيى بن يحيى التميمي: سمعت وكيعا يقول: من شك أن القرآن كلام الله -يعني غير مخلوق- فهو كافر. (7)
- وفي السنة للخلال عن أبي بكر بن خلاد الباهلي قال: سمعت وكيعا يقول: لما كان من أمر بشر المريسي وحضر الموت؛ فجعلنا نحدث وكيعا عن
_________
(1) الأنبياء الآية (2).
(2) السنة لعبد الله (15).
(3) السنة لعبد الله (15).
(4) السنة لعبد الله (32) وأصول الاعتقاد (2/ 384/584).
(5) السنة لعبد الله (32).
(6) السنة لعبد الله (37).
(7) السير (9/ 165) وأصول الاعتقاد (2/ 360/534).(3/155)
بشر وكلامه في القرآن وينفي الرؤية؛ فغضب وكيع فسمعته يقول: أما إني إن سألت عنه أمرتهم أن يستتيبوه، فإن تاب، وإلا أمرتهم أن يضربوا عنقه ويصلبوه. (1)
- وفي أصول الاعتقاد عن وكيع بن الجراح قال: من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن شيئا من الله مخلوق. فقلت يا أبا سفيان من أين قلت هذا؟ قال: لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} (2) ولا يكون من الله شيء مخلوق. (3)
- وجاء في الإبانة: عن أحمد بن داود الحزامي قال: سمعت وكيعا عند جمرة العقبة يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن زعم أنه مخلوق، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -. (4)
مواقفه من المؤولين للصفات:
- جاء في السير عن أحمد بن إبراهيم الدورقي: سمعت وكيعا يقول: نسلم هذه الأحاديث كما جاءت، ولا نقول: كيف كذا؟ ولا لم كذا؟ يعني مثل حديث: "يحمل السماوات على إصبع" (5). (6)
_________
(1) السنة للخلال (5/ 110).
(2) السجدة الآية (13).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 245/359) والفتاوى (12/ 517).
(4) الإبانة (2/ 12/65/ 276).
(5) أحمد (1/ 429) والبخاري (8/ 707/4811) ومسلم (4/ 2147/2786) والترمذي (5/ 345 - 346/ 3238) والنسائي في الكبرى (6/ 446/11450) من طرق عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(6) السير (9/ 165).(3/156)
- وفيها: قال أبو حاتم الرازي: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع بحديث في الكرسي قال: فاقشعر رجل عند وكيع، فغضب، وقال: أدركنا الأعمش، والثوري يحدثون بهذه الأحاديث، ولا ينكرونها. (1)
- وفي السنة لعبد الله عنه قال: من رد حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير عن النبي في الرؤية (2) فاحسبوه من الجهمية. (3)
- وفيها: قال أبو الحسن سمعت عبد الله يقول سمعت بعض المشائخ يقول: سألوا وكيعا عن حديث الرؤية فحدث بها ثم قال عموا الجهمية بهذه الأحاديث مرتين. (4)
- روى اللالكائي في أصول الاعتقاد بسنده إلى وكيع: يراه المؤمنون في الجنة ولا يراه إلا المؤمنون. (5)
- وفيه: عن هدية بن عبد الوهاب قال: سمعت وكيعا يقول: إذا سئلتم: هل يضحك ربنا؟ فقولوا: كذلك سمعنا. (6)
- وفيه عنه قال: وصف داود الجواربي -يعني الرب عز وجل- فكفر في صفته فرد عليه المريسي فكفر المريسي في رده عليه إذ قال: هو في كل
_________
(1) السير 9/ 165).
(2) أحمد (4/ 362) والبخاري (2/ 66/573) ومسلم (1/ 439/633 (211)) وأبو داود (5/ 97 - 98/ 4729) والترمذي (4/ 592 - 593/ 2551) والنسائي في الكبرى (4/ 419/7762) وابن ماجه (1/ 63/177).
(3) السنة لعبد الله (45).
(4) السنة لعبد الله (59 - 60).
(5) أصول الاعتقاد (3/ 560/882).
(6) أصول الاعتقاد (3/ 477/731).(3/157)
شيء. (1)
موقفه من المرجئة:
- جاء في الإبانة عن عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: سمعت وكيعا يقول: الإيمان يزيد وينقص. (2)
- عن الحميدي قال: سمعت وكيعا يقول: أهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل، والمرجئة تقول: الإيمان قول بلا عمل، والجهمية يقولون: الإيمان: المعرفة. (3)
- قال محمد بن عمر الكلابي: وقال وكيع: المرجئة: الذين يقولون: الإقرار يجزئ عن العمل؛ ومن قال هذا فقد هلك؛ ومن قال: النية تجزئ عن العمل، فهو كفر، وهو قول جهم. (4)
- وعن عثمان بن محمد بن أبي شيبة قال: سألت ابن إدريس وجريرا ووكيعا فقالوا: الإيمان يزيد وينقص. (5)
- عن محمد بن مقاتل قال: سألت وكيعا قلت: إن عندنا قوما يقولون إن الإيمان لا يزداد، وقال: هؤلاء المرجئة الخبثاء، قال أهل الإيمان: لا يجدي قول إلا بعمل وبعقد وبإصابة السنة لو قد بقيتم لجاءكم شيء آخر. (6)
_________
(1) أصول الاعتقاد (3/ 587/935).
(2) الإبانة (2/ 850 - 851/ 1144) والسنة للخلال (3/ 583/1017).
(3) أصول الاعتقاد (5/ 1071 - 1072/ 1837) والشريعة (1/ 310/342) والإبانة (2/ 803 - 804/ 1091) والإيمان لمحمد بن يحيى العدني (29).
(4) مجموع الفتاوى (7/ 307).
(5) السنة لعبد الله (94).
(6) ذم الكلام (125).(3/158)
- وجاء في السنة: قال عبد الله حدثني أبي قال: كان وكيع يقول: ترى إيمان الحجاج بن يوسف مثل إيمان أبي بكر وعمر؟ (1)
موقفه من القدرية:
- جاء في الإبانة: قال وكيع: القدرية يقولون: الأمر مستقبل وإن الله لم يقدر المصائب، وهذا هو الكفر، قال وكيع: لا يصلى خلف قدري. (2)
- وفيها: عن أبي حفص عمرو بن علي قال: سمعت معاذ بن معاذ وذكر قصة عمرو بن عبيد إن كانت {تَبَّتْ يدا أبي لَهَبٍ} (3) في اللوح المحفوظ فما على أبي لهب من لوم. قال أبو حفص: فذكرته لوكيع بن الجراح فقال: من قال بهذا يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه. (4)
معاذ بن معاذ (5) (196 هـ)
ابن نصر بن حسان التميمي القاضي الإمام الحافظ أبو المثنى العنبري البصري. حدث عن سليمان التيمي وأشعث بن عبد الملك وعوف الأعرابي وغيرهم. وعنه: أحمد وإسحاق ويحيى وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: معاذ بن
_________
(1) السنة لعبد الله (83) والسنة للخلال (3/ 588/1030).
(2) الإبانة (2/ 10/261/ 1878).
(3) المسد الآية (1).
(4) الإبانة (2/ 11/305/ 1977)) والشريعة (1/ 436/551).
(5) تاريخ ابن معين (2/ 572) والسير (9/ 54 - 57) وطبقات ابن سعد (7/ 293) والجرح والتعديل (8/ 248 - 249) ومشاهير علماء الأمصار (160) وتاريخ بغداد (13/ 131 - 134) وتهذيب الكمال (28/ 132 - 137) وتذكرة الحفاظ (1/ 324 - 325) وشذرات الذهب (1/ 345).(3/159)
معاذ إليه المنتهى في التثبت بالبصرة، وقال: هو قرة عين في الحديث. قال محمد بن عيسى بن الطباع: ما علمت أحدا قدم بغداد إلا وقد تعلق عليه في شيء من الحديث إلا معاذا العنبري، ما قدروا أن يتعلقوا عليه بحديث مع شغله بالقضاء. قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز مثل معاذ بن معاذ وما أبالي إذا تابعني معاذ من خالفني.
مات سنة ست وتسعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
وفي الإبانة: عن محمد بن أبي صفوان الثقفي قال: سمعت معاذ بن معاذ يقول: قلت ليحيى بن سعيد: يا أبا سعيد الرجل وإن كتم رأيه لم يخف ذاك في ابنه ولا صديقه ولا في جليسه. (1)
موقفه من الجهمية:
- قال عبد الله في كتاب السنة: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان سمعت أبي يقول: سمعت معاذ بن معاذ يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. (2)
- وفي أصول الاعتقاد: عن معاذ بن معاذ قال: من قال القرآن مخلوق فهو والله الذي لا إله إلا هو زنديق أو قال: زنديق. (3)
- قال شيخ الإسلام: وهكذا رأيت الجاحظ قد شنع على حماد بن
_________
(1) الإبانة (2/ 3/479/ 509).
(2) السنة لعبد الله (78) وأصول الاعتقاد (2/ 287/440) والإبانة (2/ 12/49/ 244).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 287/439) وتذكرة الحفاظ (1/ 325).(3/160)
سلمة، ومعاذ بن معاذ قاضي البصرة بما لم يشنع به على غيرهما لأن حمادا كان معتنيا بجمع أحاديث الصفات وإظهارها، ومعاذ لما تولى القضاء رد شهادة الجهمية والقدرية فلم يقبل شهادة المعتزلة، ورفعوا إلى الرشيد فلما اجتمع به حمده على ذلك وعظمه، فلأجل معاداتهم لمثل هؤلاء الذين هم أئمة السنة يشنعون عليهم بما إذا حقق لم يوجد مقتضيا لذم. (1)
- جاء في الميزان عن نعيم بن حماد قال: سمعت معاذ بن معاذ يصيح في مسجد البصرة يقول ليحيى القطان: أما تتقي الله، تروي عن عمرو بن عبيد، قد سمعته يقول: لو كانت {تَبَّتْ يدا أبي لَهَبٍ} (2) في اللوح المحفوظ لم يكن لله على العباد حجة. (3)
موقفه من القدرية:
- جاء في السنة عن معاذ بن معاذ قال: صليت خلف رجل من بني سعد ثم بلغني أنه قدري، فأعدت الصلاة بعد أربعين سنة أو ثلاثين سنة. (4)
- وجاء في الإبانة: قال معاذ بن معاذ: صليت أنا وعمر بن الهيثم الرقاشي خلف الربيع بن بَرَّة قال معاذ: فأخبرني عمر بن الهيثم أنه حضرته الصلاة مرة أخرى، فصلى خلفه؛ قال: فقعدت أدعو فقال: لعلك ممن يقول: اعصمني، قال معاذ: فأعدت تلك الصلاة بعد عشرين سنة. والربيع بن بَرَّة
_________
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 81).
(2) المسد الآية (1).
(3) الميزان (3/ 276).
(4) السنة لعبد الله (120).(3/161)
هذا من كبار مشائيم القدرية بالبصرة، وكان من العباد المجتهدين في هذا الخذلان، عصمنا الله وإياكم منه ومن كل بدعة. (1)
بقية بن الوليد (2) (197 هـ)
بقيّة بن الوليد بن صائد أبو يُحمِد الكلاعي الحِمْيَرِي الحافظ العالم، محدث حمص. ولد سنة عشر ومائة. وروى عن: محمد بن زياد الألهاني، وصفوان بن عمرو السكسكي، وبحير بن سعد. وروى عنه: شعبة، وحماد بن زيد، والأوزاعي. وكان من أوعية العلم. توفي سنة سبع وتسعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
عن بقية قال: قال لي الأوزاعي: يا أبا محمد: ما تقول في قوم يبغضون حديث نبيهم؟ قلت: قوم سوء. قال: ليس من صاحب بدعة تحدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف بدعته بحديث إلا أبغض الحديث. (3)
موقفه من الجهمية:
قال علي بن مضا: وسألت بقية بن الوليد عن القرآن، فقال: هو كلام الله غير مخلوق. (4)
_________
(1) الإبانة (2/ 11/287/ 1931) والشريعة (1/ 460/600).
(2) السير (8/ 518) وتهذيب الكمال (4/ 192) وتهذيب التهذيب (1/ 473) وتاريخ بغداد (7/ 123) وميزان الاعتدال (1/ 331 - 339) والوافي بالوفيات (10/ 184).
(3) شرف أصحاب الحديث (ص.73) وأصول الاعتقاد (3/ 477/732).
(4) الإبانة (2/ 12/13/ 194).(3/162)
ابن وهب (1) (197 هـ)
عبد الله بن وهب بن مسلم، الإمام شيخ الإسلام أبو محمد الفهري، ولد سنة خمس وعشرين ومائة، طلب العلم وله سبع عشرة سنة. روى عن ابن جريج ويونس بن يزيد وحيوة بن شريح وغيرهم. روى عنه الليث بن سعد شيخه وعبد الرحمن بن مهدي وأصبغ وسحنون وغيرهم. لقي بعض صغار التابعين، وكان من أوعية العلم، ومن كنوز العمل، ما دون العلم أحد تدوينه، قرأ على نافع. قال أحمد بن صالح الحافظ: حدث ابن وهب بمائة ألف حديث، ما رأيت أحدا أكثر حديثا منه، وقع عندنا سبعون ألف حديث عنه. قال الذهبي: كيف لا يكون من بحور العلم وقد ضم إلى علمه علم مالك والليث ويحيى بن أيوب وعمرو بن الحارث وغيرهم. كان يكتب إليه مالك: إلى عبد الله بن وهب مفتي أهل مصر. قال أبو طاهر بن عمرو: جاءنا نعي ابن وهب ونحن في مجلس سفيان بن عيينة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أصيب به المسلمون عامة، وأصبت به خاصة.
مات في شعبان سنة سبع وتسعين ومائة.
موقفه من القدرية:
له رسالة في (القدر وما ورد في ذلك من الآثار) بحث فيها الموضوع بحثا وافيا، بين فيه منهج أهل السنة في القضاء والقدر.
_________
(1) السير (9/ 223 - 234) وطبقات ابن سعد (7/ 518) والعبر (1/ 162) وتهذيب الكمال (16/ 277 - 287) والنجوم الزاهرة (2/ 55) وشذرات الذهب (1/ 347 - 348).(3/163)
يحي بن سعيد القَطَّان (1) (198 هـ)
ابن فَرُّوخ الإمام الكبير، أمير المؤمنين في الحديث أبو سعيد التَّمِيمِي مولاهم البصري الأحول الحافظ. سمع سليمان التيمي وهشام بن عروة وعطاء بن السائب وغيرهم، وعني بهذا الشأن أتم عناية، ورحل فيه، وساد الأقران، وانتهى إليه الحفظ، وتكلم في العلل والرجال، وتخرج به الحفاظ، كمسدد وعلي، والفلاس. وروى عنه سفيان، وشعبة، ومعتمر بن سليمان، -وهم من شيوخه- وعبد الرحمن بن مهدي وعفان، ومسدد وغيرهم. وثبت أن أحمد بن حنبل قال: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان. وقال يحيى ابن معين: قال لي عبد الرحمن، لا ترى بعينيك مثل يحيى القطان. قال عبد الرحمن بن مهدي: اختلفوا يوما عند شعبة، فقالوا له اجعل بيننا وبينك حكما، قال: قد رضيت بالأحول -يعني القطان- فجاء فقضى على شعبة، فقال شعبة: ومن يطيق نقدك يا أحول. قال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحدا أقل خطأ من يحيى بن سعيد ولقد أخطأ في أحاديث ثم قال ومن يعرى من الخطأ والتصحيف؟ توفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وتسعين ومائة قبل موت ابن مهدي وابن عيينة بأربعة أشهر، رحمهم الله تعالى.
موقفه من الجهمية:
- جاء في السير: قال أبو قدامة السرخسي: سمعت يحيى بن سعيد
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 293) ومشاهير علماء الأمصار (161 - 162) والسير (9/ 175 - 188) وتاريخ خليفة (468) والجرح والتعديل (9/ 150 - 151) وتاريخ بغداد (14/ 135 - 144) وتاريخ ابن معين (2/ 245 - 248) وتذكرة الحفاظ (1/ 298 - 300) والحلية (8/ 380 - 391) وشذرات الذهب (1/ 355).(3/164)
يقول: كل من أدركت من الأئمة كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ويكفرون الجهمية، ويقدمون أبا بكر وعمر في الفضيلة والخلافة. (1)
- وفيها: قال شاذ بن يحيى: قال يحيى القطان: من قال: إن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} (2) مخلوق، فهو زنديق، والله الذي لا إله إلا هو. (3)
- وفي السنة لعبد الله: عن هشام بن عبد الملك قال: قال لي يحيى بن سعيد: كيف يصنعون ب: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} كيف يصنعون بهذه الآية: {إني أَنَا اللَّهُ} (4) يكون مخلوقا. (5)
- وجاء في الإبانة عن محمد بن يحيى بن القطان قال: كان أبي وعبد الرحمن بن مهدي يقولان: الجهمية تدور أن ليس في السماء شيء. (6)
موقفه من المرجئة:
- جاء في السنة: حدثني أبي سمعت يحيى بن سعيد يقول: ما أدركنا من أصحابنا ولا بلغني إلا على الاستثناء والإيمان قول وعمل. قال يحيى وكان سفيان الثوري ينكر أن يقول أنا مؤمن، وحسن يحيى الزيادة والنقصان
_________
(1) السير (9/ 179) وتذكرة الحفاظ (1/ 299).
(2) الإخلاص الآية (1).
(3) السير (9/ 182) وتذكرة الحفاظ (1/ 299).
(4) القصص الآية (30).
(5) السنة لعبد الله (32) والفتاوى الكبرى (5/ 53).
(6) الإبانة (2/ 12/56/ 255).(3/165)
ورآه. (1)
- وعن الإمام أحمد قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ما أدركت أحدا من أصحابنا لا ابن عون ولا غيره إلا وهم يستثنون في الإيمان. (2)
موقفه من القدرية:
- جاء في الإبانة: عن عبد الله بن عمر (3) قال: كنا نجالس يحيى بن سعيد فينشر علينا مثل اللؤلؤ، فإذا اطلع ربيعة؛ قطع يحيى الحديث إعظاما لربيعة، فبينا نحن يوما عنده وهو يحدثنا {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (4)؛ قال له جميل بن بنانة العراقي وهو جالس معنا: يا أبا محمد! أرأيت السحر من تلك الخزائن.
فقال يحيى: سبحان الله! ما هذا من مسائل المسلمين، فقال عبد الله بن أبي حبيبة: إن أبا محمد ليس بصاحب خصومة، ولكن علي فأقبل (5)، أما أنا؛ فأقول: إن السحر لا يضر إلا بإذن الله؛ أفتقول أنت غير ذلك؟ فسكت، فكأنما سقط عن جبل. (6)
" التعليق:
رضي الله عنك يا يحيى فما هذا من مسائل المسلمين، ورضي الله عنك
_________
(1) السنة لعبد الله (82) وأصول الاعتقاد (5/ 1053/1794) والسنة للخلال (3/ 595/1052) مختصرا.
(2) السنة للخلال (3/ 595/1053).
(3) هكذا في الأصل والصواب عبيد الله بن عمر.
(4) الحجر الآية (21).
(5) في الشريعة: ولكن على ما قيل.
(6) الإبانة (2/ 11/320/ 2006) والشريعة (1/ 455/586).(3/166)
يا عبد الله بن أبي حبيبة بعلم نطقت قال الله عز وجل: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (1).
- وجاء في مجموع الفتاوى: قال يحيى بن سعيد القطان: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون: أفعال العباد مخلوقة. (2)
سفيان بن عيينة (3) (198 هـ)
ابن أبي عمران ميمون مولى محمد بن مزاحم، أخي الضحاك بن مزاحم، الإمام الكبير حافظ العصر، شيخ الإسلام أبو محمد الهلالي الكوفي ثم المكي. طلب الحديث وهو حدث، بل غلام، ولقي الكبار، وحمل عنهم علما جما، وأتقن، وجود، وجمع وصنف، وعمر دهرا وازدحم الخلق عليه، وانتهى إليه علو الإسناد، ورحل إليه من البلاد، وألحق الأحفاد بالأجداد. سمع من عمرو بن دينار، وأكثر عنه، ومن زياد بن علاقة، والأسود بن قيس وغيرهم. كان طلبة العلم يحجون وما همهم إلا لقي سفيان، فيزدحمون عليه في الموسم ازدحاما عظيما إلى الغاية لإمامته وعلو إسناده وحفظه.
_________
(1) البقرة الآية (102).
(2) مجموع الفتاوى (7/ 658).
(3) طبقات ابن سعد (5/ 497 - 498) والجرح والتعديل (1/ 32 - 54) وتاريخ بغداد (9/ 174 - 184) وتهذيب الكمال (11/ 177 - 196) والسير (8/ 454 - 474) وتذكرة الحفاظ (1/ 262 - 265) ووفيات الأعيان (2/ 391 - 393) والفهرست لابن النديم (312) وميزان الاعتدال (2/ 170 - 171) والحلية (7/ 270 - 218) والعقد الثمين (4/ 591 - 592).(3/167)
وحدث عنه: الأعمش، وابن جريج وشعبة وهؤلاء من شيوخه، وهمام ابن يحيى والحسن بن حي وغيرهم. قال الإمام الشافعي: لولا مالك وسفيان ابن عيينة لذهب علم الحجاز. قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت ابن عيينة يقول: من عمل بما يعلم، كفي ما لم يعلم. قال محمود بن والان: سمعت عبد الرحمن بن بشر، سمعت ابن عيينة يقول: غضب الله الداء الذي لا دواء له، ومن استغنى بالله أحوج الله إليه الناس. توفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وتسعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- قال عنه الذهبي: صاحب سنة واتباع. (1)
- جاء في ذم الكلام عنه قال: من شهد جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع. (2)
" التعليق:
رحم الله سلفنا، ما أكثر فقههم وأغزر علمهم وما أعظم غيرتهم على عقيدتهم. يقاطعون المبتدعة في الحياة والممات. وأما نحن الآن فلو قال أحدنا مثل هذا أو فعله لقامت الدنيا عليه وقعدت، ووصف بكل وصف مشين وعد من المغلقين غير المتفتحين عند المثقفين، اللهم وفق شبابنا لقراءة مثل هذه المواقف المشرفة التي سحقت كل التحديات بعلمها وعملها.
_________
(1) السير (8/ 466)
(2) ذم الكلام (ص.222).(3/168)
- قال أبو بكر بن أبي شيبة: كنا عند ابن عيينة، فسأله منصور بن عمار عن القرآن فزبره، وأشار إليه بعكازه، فقيل: يا أبا محمد، إنه عابد، فقال: ما أراه إلا شيطانا. (1)
- قال ابن عبد البر: قرأت على أبي عثمان سعيد بن نصر: أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال: حدثنا ابن وضاح قال: سمعت ابن أبي إسرائيل يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمة، قال: وسمعت ابن أبي إسرائيل يقول: سمعت سفيان يقول: اسلكوا سبيل الحق، ولا تستوحشوا من قلة أهله. (2)
- جاء في أصول الاعتقاد: عن بكر بن الفرج أبي العلا قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: السنة عشرة فمن كن فيه فقد استكمل السنة، ومن ترك منها شيئا فقد ترك السنة: إثبات القدر، وتقديم أبي بكر وعمر، والحوض، والشفاعة، والميزان، والصراط، والإيمان: قول وعمل، والقرآن: كلام الله، وعذاب القبر، والبعث يوم القيامة، ولا تقطعوا بالشهادة على مسلم. (3)
- عن إسحاق ابن أبي إسرائيل قال: سمعت سفيان بن عيينة، وذكر عنده حماد بن زيد فجعل يعظم من أمره ثم قال: يرحمه الله، إن كان لمتبعا لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، قال سفيان: ملاك الأمر الاتباع. (4)
_________
(1) السير (9/ 94).
(2) فتح البر (1/ 203).
(3) أصول الاعتقاد (1/ 175/316).
(4) الفقيه والمتفقه (1/ 387).(3/169)
- وعنه قال: سمعت سفيان يقول: إذا كان يأتم بمن قبله فهو إمام لمن بعده. (1)
- عن علي بن خشرم قال: كنا في مجلس سفيان بن عيينة فقال: يا أصحاب الحديث، تعلموا فقه الحديث، لا يقهركم أهل الرأي، ما قال أبو حنيفة شيئا إلا ونحن نروي فيه حديثا أو حديثين. قال: فتركوه، وقالوا: عمرو بن دينار عن من؟ (2)
- وجاء في ذم الكلام: عن علي بن حرب قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول في قوله {والشهداء وَالصَّالِحِينَ} (3). قال الصالحون هم أصحاب الحديث. (4)
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كان السلف، سفيان بن عيينة وغيره، يقولون: إن من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود. ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى. (5)
- جاء في مجموع الفتاوى: قيل لسفيان بن عيينة: ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة بأهوائهم؟. فقال أنسيت قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا في قُلُوبِهِمُ
_________
(1) الفقيه والمتفقه (1/ 436).
(2) الفقيه والمتفقه (1/ 549 - 550).
(3) النساء الآية (69).
(4) ذم الكلام (ص.221) وأورده الذهبي في السير (8/ 469).
(5) الاقتضاء (1/ 67).(3/170)
العجل بِكُفْرِهِمْ} (1) أو نحو هذا من الكلام؟ قال شيخ الإسلام عقبه: فعباد الأصنام يحبون آلهتهم، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} (2) وقال: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} (3) وقال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (4) ولهذا يميل هؤلاء إلى سماع الشعر والأصوات التي تهيج المحبة المطلقة، التي لا تختص بأهل الإيمان، بل يشترك فيها محب الرحمن، ومحب الأوثان، ومحب الصلبان، ومحب الأوطان، ومحب الإخوان، ومحب المردان، ومحب النسوان، وهؤلاء الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لذلك بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة. (5)
- وعن سفيان قال: لا تجد مبتدعا إلا وجدته ذليلا، ألم تسمع إلى قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ
_________
(1) البقرة الآية (93).
(2) البقرة الآية (165).
(3) القصص الآية (50).
(4) النجم الآية (23).
(5) الفتاوى (10/ 170).(3/171)
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (1). (2)
موقفه من الرافضة:
- عن عبد الصمد قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول لرجل: من أين جئت؟ قال: من جنازة فلان. قال سفيان: لا أحدثك بحديث سنة، فاستغفر الله ولا تعد. نظرت إلى رجل يشتم أصحاب محمد فاتبعت جنازته؟ (3)
- وقال سفيان بن عيينة وغيره: إن الله عاتب الخلق جميعهم في نبيه إلا أبا بكر. وقال: من أنكر صحبة أبي بكر فهو كافر، لأنه كذب القرآن. (4)
يعني قوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}. (5)
- قال الإمام أحمد: سمعت سفيان يقول: كم من كربة قد فرجها السيف عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسيف الزبير، بشر قاتله بالنار. (6)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السير: قال أبو العباس السراج في تاريخه: حدثنا عباس بن
_________
(1) الأعراف الآية (152).
(2) شعب الإيمان (9522).
(3) أصول الاعتقاد (8/ 1546/2816).
(4) المنهاج (8/ 381).
(5) التوبة الآية (40).
(6) السنة للخلال (1/ 468).(3/172)
أبي طالب حدثنا أبو بكر عبد الرحمن بن عفان سمعت ابن عيينة في السنة التي أخذوا فيها بشرا المريسي بمنى فقام سفيان في المجلس مغضبا فقال: لقد تكلموا في القدر والاعتزال، وأمرنا باجتناب القوم، رأينا علماءنا، هذا عمرو بن دينار وهذا محمد بن المنكدر حتى ذكر أيوب بن موسى والأعمش ومسعرا ما يعرفونه إلا كلام الله ولا نعرفه إلا كلام الله، فمن قال غير هذا فعليه لعنة الله مرتين فما أشبه هذا بكلام النصارى فلا تجالسوهم. (1)
- وفيها: قال الطبراني: حدثنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي: قيل لسفيان بن عيينة: إن بشرا المريسي يقول: إن الله لا يرى يوم القيامة. فقال: قاتل الله الدويبة، ألم تسمع إلى قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ ربهم يومئذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (2) فإذا احتجب عن الأولياء والأعداء فأي فضل للأولياء على الأعداء؟ (3)
- وفيها قال محمد بن إسحاق الصاغاني حدثنا لوين قال: قيل لابن عيينة: هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية؟ قال: حق على ما سمعناها ممن نثق به ونرضاه. (4)
- وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني أحمد بن نصر قال: سألت ابن عيينة وجعلت ألح عليه، فقال: دعني أتنفس، فقلت: كيف حديث
_________
(1) السير (8/ 468) والفتاوى الكبرى (5/ 53).
(2) المطففين الآية (15).
(3) السير (8/ 468).
(4) السير (8/ 466) وأصول الاعتقاد (3/ 558/877) والشريعة (2/ 9/617).(3/173)
عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يحمل السماوات على إصبع" (1) وحديث "إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن" (2) وحديث "إن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق" (3) فقال سفيان: هي كما جاءت نقر بها ونحدث بها بلا كيف. (4)
- قال البغوي: وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي، وسفيان بن عيينة، ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث في الصفات والرؤية، فقال: أمروها كما جاءت بلا كيف. (5)
- وعن موسى بن إسحاق الأنصاري قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل. (6)
- قال أبو محمد عوام: أنا كنت صاحب بشر المريسي عند ابن عيينة. قال: وجئنا لنقتله فهرب. (7)
موقفه من القائلين بخلق القرآن:
- جاء في السير: قال الحافظ ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن الفضل بن
_________
(1) انظر تخريجه في مواقف وكيع بن الجراح سنة (196هـ).
(2) أخرجه: أحمد (2/ 168) ومسلم (4/ 2045/2654) والنسائي في الكبرى (4/ 414/7739) من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(3) لم نقف عليه بهذا اللفظ، وأما إثبات الضحك والعجب لله عز وجل فقد صح في غير حديث كما سيأتي معنا بإذن الله.
(4) السير (8/ 466 - 467).
(5) مقدمة شرح السنة للبغوي (1/ 171).
(6) أصول الاعتقاد (3/ 478/736) والفتح (13/ 407).
(7) الإبانة (2/ 13/104/ 350).(3/174)
موسى حدثنا محمد بن منصور الجواز قال: رأيت سفيان بن عيينة سأله رجل: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله منه خرج وإليه يعود. (1)
- وفي الإبانة عنه قال: القرآن كلام الله غير مخلوق؛ فمن قال هو مخلوق، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -. (2)
- وجاء في أصول الاعتقاد: عن سعيد بن نصير قال: سمعت ابن عيينة يقول: ما يقول هذا الدويبة -يعني بشرا المريسي-؟ قالوا: يا أبا محمد، يزعم أن القرآن مخلوق. قال: فقد كذب. قال الله عز وجل: {ألا له الخلق وَالْأَمْرُ} (3) فالخلق خلق الله والأمر القرآن. (4)
- وفيه عنه قال: أدركت مشايخنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار يقول: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. (5)
- وفيه عن إسحاق بن إسماعيل قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: لا نحسن غير هذا: القرآن كلام الله {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (6) {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} (7). (8)
_________
(1) السير (8/ 466).
(2) الإبانة (2/ 12/59/ 262).
(3) الأعراف الآية (54).
(4) أصول الاعتقاد (2/ 244/358) والشريعة (1/ 222/184) والفتح (13/ 532 - 533).
(5) أصول الاعتقاد (2/ 262 - 263/ 386).
(6) التوبة الآية (6).
(7) الفتح الآية (15).
(8) أصول الاعتقاد (2/ 383 - 384/ 581).(3/175)
وفيه عنه قال: من لم يقل إن القرآن كلام الله وإن الله يرى في الجنة فهو جهمي. (1)
موقفه من المرجئة:
- عن إسحاق بن بهلول قال: سألت ابن عيينة عن الإيمان، فقال: قول وعمل يزيد وينقص، أما تقرأ {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} (2). (3)
- عن سويد بن سعيد الهروي قال: سألنا سفيان ابن عيينة عن الإرجاء فقال: يقولون: الإيمان قول، ونحن نقول: الإيمان قول وعمل. (4)
- وعن أبي عبد الله المصيصي قال: كنا عند سفيان بن عيينة فسأله رجل عن الإيمان فقال: قول وعمل قال: يزيد وينقص؟ قال: يزيد ما شاء الله وينقص حتى لا يبقى منه يعني مثل هذه، وأشار سفيان بيده. قال الرجل: كيف نصنع بقوم عندنا يزعمون أن الإيمان قول بلا عمل؟ فقال سفيان: كان القول قولهم قبل أن تنزل أحكام الإيمان وحدوده، إن الله عز وجل بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة، أن يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا قالوها حقنوا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، فلما علم صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالصلاة، فأمرهم ففعلوا، والله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم أمره أن
_________
(1) أصول الاعتقاد (3/ 558/876).
(2) الفتح الآية (4).
(3) السنة للخلال (3/ 591/1042).
(4) السنة لعبد الله (98).(3/176)
يأمرهم بالهجرة إلى المدينة فأمرهم ففعلوا، والله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالرجوع إلى مكة فيقتلوا آباءهم وأبناءهم حتى يقولوا كقولهم، ويصلوا بصلاتهم، ويهاجروا هجرتهم، فأمرهم ففعلوا، حتى أتى أحدهم برأس أبيه.
فقال: يا رسول الله هذا رأس الشيخ الكافر، والله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ولا مهاجرهم، فلما علم الله تعالى صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالطواف بالبيت تعبدا وأن يحلقوا رؤوسهم تذللا ففعلوا، والله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ولا مهاجرهم، ولا قتلهم آباءهم، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم، فأمرهم ففعلوا، حتى آتوا قليلها وكثيرها، والله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ولا مهاجرهم ولا قتلهم آبائهم ولا طوافهم، فلما علم الله تعالى الصدق من قلوبهم فيما تتابع عليهم من شرائع الإيمان وحدوده قال الله تعالى لهم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1)، فمن ترك خلة من خلال الإيمان جحودا بها كان عندنا كافرا، ومن تركها كسلا ومجونا، أدبناه وكان ناقصا. هكذا السنة أبلغها عني من سألك من الناس. (2)
- وعن أبي نصر فتح بن المغيرة قال: قيل لسفيان بن عيينة: الإيمان يزيد
_________
(1) المائدة الآية (3).
(2) الإبانة (2/ 5/630 - 631/ 817) والشريعة (1/ 248 - 249/ 221).(3/177)
وينقص؟ قال: أليس تقرؤون {فزادهم إيمانًا} (1) {وزدناهم هدًى} (2) في غير موضع؟ قيل فينقص؟ قال: ليس شيء يزيد إلا وهو ينقص. (3)
- وعن الحميدي قال: سمعت ابن عيينة يقول: الإيمان يزيد وينقص. فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد لا تقولن: يزيد وينقص فغضب، وقال: اسكت يا صبي بل ينقص حتى لا يبقى منه شيء. (4)
- وعن محمد بن سليمان لوين، سمعت ابن عيينة غير مرة يقول: الإيمان قول وعمل. قال ابن عيينة: وأخذناه ممن قبلنا، وأنه لا يكون قول إلا بعمل، قيل لابن عيينة: يزيد وينقص، قال: فأي شيء إذا. (5)
- وعن أبي عبد الله قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: إذا سئل أمؤمن أنت؟ إن شاء لم يجبه، وقال: سؤالك إياي بدعة ولا أشك في إيماني ولا يعنف من قال: إن الإيمان ينقص أو إن قال: إن شاء الله ليس يكره وليس بداخل في الشك. (6)
- وعن عبد الرزاق قال: سمعت سفيان الثوري وابن جريج ومالك بن أنس ومعمر بن راشد وسفيان بن عيينة يقولون: إن الإيمان قول وعمل يزيد
_________
(1) آل عمران الآية (173).
(2) الكهف الآية (13).
(3) الإبانة (2/ 850/1142) والشريعة (1/ 271/264).
(4) الإبانة (2/ 854 - 855/ 1155) وأصول الاعتقاد (5/ 1032/1745) والشريعة (1/ 272/268) والإيمان لمحمد بن يحيى العدني (28).
(5) الإبانة (2/ 7/855/ 1157) والشريعة (1/ 271/263) والسنة لعبد الله (99).
(6) أصول الاعتقاد (5/ 1054/1796) والإبانة (2/ 881/1213) وبنحوه في الشريعة (1/ 303/318) والسنة لعبد الله (83).(3/178)
وينقص. (1)
- وعن سويد بن سعيد الهروي قال: سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء فقال: يقولون الإيمان قول، ونحن نقول: الإيمان قول وعمل. والمرجئون أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصرا بقلبه على ترك الفرائض، وسموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليس سواه لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمدا من غير جهل ولا عذر هو كفر. وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود. أما آدم فنهاه عن أكل الشجرة وحرمها عليه، فأكل منها متعمدا ليكون ملكا أو يكون من الخالدين، فسمي عاصيا من غير كفر، وأما إبليس فإنه فرض عليه سجدة واحدة فجحدها متعمدا فسمي كافرا. وأما علماء اليهود فعرفوا نعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه نبي رسول كما يعرفون أبناءهم، وأقروا به باللسان، ولم يتبعوا شرائعه، فسماهم الله كفارا. فركوب المحارم مثل ذنب آدم وغيره من الأنبياء. أما ترك الفرائض جحودا فهو كفر مثل كفر إبليس. وتركهم على معرفة من غير جحود فهو مثل كفر علماء اليهود والله أعلم. (2)
موقفه من القدرية:
- وجاء في ذم الكلام عن أبي جعفر الحذاء قال: قلت لسفيان بن عيينة: إن هذا يتكلم في القدر -أعني إبراهيم بن أبي يحيى- فقال: عرفوا
_________
(1) أصول الاعتقاد (5/ 1028 - 1029/ 1735) والسنة لعبد الله (97) والشريعة (1/ 272/267) والإبانة (2/ 813/1114).
(2) السنة لعبد الله (100).(3/179)
الناس بدعته وسلوا ربكم العافية. (1)
- وفي أصول الاعتقاد عنه قال: لا تصلوا خلف الرافضي ولا خلف الجهمي ولا خلف القدري ولا خلف المرجئ. (2)
- وجاء في الكفاية عن سويد بن سعيد قال: قيل لسفيان بن عيينة: لم أقللت الرواية عن سعيد بن أبي عروبة؟ قال: وكيف لا أقل الرواية عنه وسمعته يقول: هو رأيي ورأي الحسن ورأي قتادة، يعني القدر. (3)
- وجاء عنه في الميزان قال: رأيت ابن إسحاق في مسجد الخيف فاستحييت أن يراني معه أحد. اتهموه بالقدر. (4)
عبد الرحمن بن مَهْدِي (5) (198 هـ)
ابن حسَّان بن عبد الرحمن، الإمام الناقد المجود، سيد الحفاظ أبو سعيد العنبري، وقيل: الأزدي، مولاهم البصري اللّؤلؤي. طلب هذا الشأن، وهو ابن بضع عشرة سنة. سمع أيمن بن نابل، وعمر بن أبي زائدة ومعاوية بن صالح وأمما سواهم. وحدث عنه: ابن المبارك وابن وهب -وهما من شيوخه- وعلي ويحيى وأحمد وإسحاق وابن أبي شيبة وخلق يتعذر حصرهم. وكان
_________
(1) ذم الكلام (177) والتلبيس (22).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 811/1364).
(3) الكفاية (123 - 124).
(4) الميزان (3/ 469).
(5) تاريخ ابن معين (2/ 359 - 360) وطبقات ابن سعد (7/ 297) وتاريخ خليفة (468) والحلية (9/ 3 - 63) وتاريخ بغداد (10/ 240 - 248) وتهذيب الكمال (17/ 430 - 443) وتذكرة الحفاظ (1/ 329 - 332) والسير (9/ 192 - 209) وشذرات الذهب (1/ 355) وتاريخ الإسلام (حوادث 191 - 200/ص.279 - 288).(3/180)
إماما حجة، قدوة في العلم والعمل. قال الخليلي: قال الشافعي: لا أعرف له نظيرا في هذا الشأن. قال أيوب بن المتوكل: كنا إذا أردنا أن ننظر إلى الدين والدنيا ذهبنا إلى دار عبد الرحمن بن مهدي. قال محمد بن أبي بكر المقدمي: ما رأيت أحدا أتقن لما سمع ولما لم يسمع ولحديث الناس من عبد الرحمن بن مهدي، إمام ثبت أثبت من يحيى بن سعيد، وأتقن من وكيع، كان عرض حديثه على سفيان. قال علي بن المديني: كان علم عبد الرحمن في الحديث كالسحر، وقال علي بن المديني: لو أخذت فحلفت بين الركن والمقام، لحلفت بالله أني لم أر أحدا قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي. وقال عبيد الله بن سعيد: سمعت ابن مهدي يقول: لا يجوز أن يكون الرجل إماما حتى يعلم ما يصح مما لا يصح. وكان يقول: كان يقال: إذا لقي الرجل الرجل فوقه في العلم فهو يوم غنيمة، وإذا لقي من هو مثله دارسه، وتعلم منه، وإذا لقي من هو دونه تواضع له وعلمه، ولا يكون إماما في العلم مَن حدث عن كل أحد، ولا من يحدث بالشاذ، والحفظ للإتقان. توفي ابن مهدي بالبصرة في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائة.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في الإبانة عن مقاتل بن محمد قال: قال لي عبد الرحمن بن مهدي يا أبا الحسن لا تجالس هؤلاء أصحاب البدع إن هؤلاء يفتون فيما تعجز عنه الملائكة. (1)
- وجاء في السير قال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: إن عبد الرحمن
_________
(1) الإبانة (2/ 3/463/ 456).(3/181)
يقول: اترك من كان رأسا في بدعة يدعو إليها قال: فكيف يصنع بقتادة وابن أبي رواد وعمر بن ذر وذكر قوما ثم قال يحيى: إن ترك هذا الضرب ترك ناسا كثيرا. (1)
- وروى الخطيب بسنده إلى محمد بن أبان قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: من رأى رأيا ولم يدع إليه احتمل، ومن رأى رأيا ودعا إليه فقد استحق الترك. (2)
تنبيه: قد ذكر الخطيب في الكفاية فصلا مفصلا في الأخذ عن أهل الأهواء والبدع (3)، وهو عمدة من أتى بعده فليرجع إليه.
- جاء في الإبانة عن أحمد بن سنان قال: جاء أبو بكر الأصم إلى عبد الرحمن بن مهدي فقال: جئت أناظرك في الدين، فقال: إن شككت في شيء من أمر دينك فقف حتى أخرج إلى الصلاة وإلا فاذهب إلى عملك. فمضى ولم يثبت. (4)
- وجاء عنه قال: أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم. (5)
- وجاء في السير عن عبد الرحمن أنه كان يكره الجلوس إلى ذي هوى
_________
(1) السير (5/ 278) و (9/ 199).
(2) الكفاية (ص.126 - 127).
(3) باب ما جاء في الأخذ عن أهل البدع والأهواء والاحتجاج برواياتهم (ص.120).
(4) الإبانة (2/ 3/538/ 672).
(5) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 72) والمنهاج (7/ 37).(3/182)
أو ذي رأي. (1)
- وجاء في أصول الاعتقاد عن حماد بن زاذان قال: سمعت عبد الرحمن ابن مهدي يقول: إذا رأيت بصريا يحب حماد بن زيد فهو صاحب سنة. (2)
- وفيه عن علي بن المديني قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ابن عون في البصريين إذا رأيت الرجل يحبه فاطمئن إليه، وفي الكوفيين: مالك بن مغول، وزايدة بن قدامة إذا رأيت كوفيا يحبه فارج خيره، ومن أهل الشام: الأوزاعي وأبو إسحاق الفزاري، ومن أهل الحجاز مالك بن أنس. (3)
- عن بندار قال: ذكر الآراء عبد الرحمن بن مهدي بالبصرة فأنشأ يقول:
دين النبي محمد آثار ... نعم المطية للفتى الأخبار
لا تخدعن عن الحديث وأهله ... فالرأي ليل والحديث نهار
فلربما غلط الفتى سبل الهدى ... والشمس بازغة لها أنوار (4)
موقفه من الرافضة:
جاء في الشريعة: عن عبد الرحمن بن مهدي قال: لو لم يكن في عثمان رضي الله عنه إلا هاتان الخصلتان كفتاه: جمعه المصحف، وبذله دمه دون دماء المسلمين. (5)
_________
(1) السير (9/ 207).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 69/38).
(3) أصول الاعتقاد (1/ 69/41).
(4) ذم الكلام (ص.101).
(5) الشريعة (3/ 8/1268).(3/183)
موقفه من الجهمية:
- جاء في أصول الاعتقاد بالسند إلى عبد الرحمن بن عمر الأصبهاني قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول لفتى من ولد جعفر بن سليمان: مكانك؟ فقعد حتى تفرق الناس. ثم قال: تعرف ما في هذه الكورة من الأهواء والاختلاف، وكل ذلك يجرى مني على بال رضي إلا أمرك وما بلغني، فإن الأمر لا يزال هينا ما لم يصر إليكم -يعني السلطان- فإذا صار إليكم جل وعظم فقال: يا أبا سعيد وما ذاك؟ قال: بلغني أنك تتكلم في الرب تبارك وتعالى وتصفه وتشبهه. فقال الغلام: نعم فأخذ يتكلم في الصفة. فقال: رويدك يا بني حتى نتكلم أول شيء في المخلوق فإذا عجزنا عن المخلوقات فنحن عن الخالق أعجز وأعجز. أخبرني عن حديث حدثنيه شعبة عن الشيباني قال: سمعت زرا قال: قال عبد الله في قوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} (1) قال: رأى جبريل له ستمائة جناح (2)، قال: نعم فعرف الحديث، فقال عبد الرحمن: صف لي خلقا من خلق الله له ستمائة جناح؟ فبقي الغلام ينظر إليه فقال عبد الرحمن: يا بني فإني أهون عليك المسألة وأضع عنك خمسمائة وسبعة وتسعين. صف لي خلقا بثلاثة أجنحة ركب الجناح الثالث منه موضعا غير الموضعين الذين ركبهما الله حتى أعلم؟ فقال: يا أبا سعيد نحن قد عجزنا عن صفة المخلوق ونحن عن صفة الخالق أعجز
_________
(1) النجم الآية (18).
(2) أحمد (3/ 398) والبخاري (8/ 785/4857) ومسلم (1/ 158/174 (282)) واللفظ له. والترمذي (5/ 367/3277) والنسائي في الكبرى (6/ 472/11534).(3/184)
وأعجز. فأشهدك أني قد رجعت عن ذلك وأستغفر الله. (1)
- وفيه عنه: ما كنت أعرض أحدا من أهل الأهواء على السيف إلا الجهمية. (2)
- وفيه عنه قال: القرآن كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق. (3)
- وفيه عن عبد الرحمن بن عمر رسته قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي وسألته عن الصلاة خلف أصحاب الأهواء قال: نعم لا يصلي خلف هؤلاء الصنفين: الجهمية والروافض فإن الجهمية كفار بكتاب الله. (4)
- وجاء في السنة قال: حدثني عبد الله بن شبويه حدثنا محمد بن عثمان سمعت عبد الرحمن بن مهدي وسأله سهل بن أبي خدويه عن القرآن فقال: يا أبا يحيى مالك وهذه المسائل؟ هذه مسائل أصحاب جهم إنه ليس في أصحاب الأهواء شر من أصحاب جهم يدورون على أن يقولوا ليس في السماء شيء، أرى والله أن لا يناكحوا ولا يوارثوا. (5)
- وروى الآجري في الشريعة بالسند إلى عبد الرحمن بن مهدي قال: لو كان لي الأمر لقمت على الجسر فلا يمر بي أحد يقول القرآن مخلوق إلا ضربت عنقه وألقيته في الماء. (6)
_________
(1) أصول الاعتقاد (3/ 585 - 586/ 932) والسير (9/ 196 - 197).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 348 - 349/ 503).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 287/488).
(4) أصول الاعتقاد (2/ 355 - 356/ 518).
(5) السنة لعبد الله (31) والإبانة (2/ 13/94 - 95/ 327) والفتاوى (5/ 52 - 53).
(6) الشريعة (1/ 221/181) وأصول الاعتقاد (2/ 349/504) والإبانة (2/ 12/48 - 49/ 243) والسنة لعبد الله (16) والسير (9/ 195).(3/185)
- وجاء في ذم الكلام عن محمد بن عيسى الطرسوسي سمعت عبد الرحمن بن عمر رسته من أهل أصبهان يقول: كانت لعبد الرحمن بن مهدي جارية فطلبها منه رجل فكان منه شبه العدة، فلما عاد إليه، قيل لعبد الرحمن: يا أبا سعيد هذا صاحب الخصومات فقال له عبد الرحمن: بلغني أنك تخاصم في الدين فقال: يا أبا سعيد إنا نضع عليهم لنحاجهم بها. فقال له عبد الرحمن: أتدفع الباطل بالباطل، إنما تدفع كلاما بكلام، قم عني والله لا أبيعك جاريتي أبدا. (1)
- جاء في الإبانة عن سويد قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي وذكر الصوفية فقال: لا تجالسوهم ولا أصحاب الكلام، عليكم بأصحاب القماطر، فإنهم هم بمنزلة المعادن مثل الغواص، هذا يخرج درة وهذا يخرج قطعة ذهب. (2)
- وفيها عن أبي طالب: سألت أبا عبد الله عن ميراث الجهمي إذا كان له أخ أو ابن يرثه؟ قال: بلغني عن عبد الرحمن أنه قال: لو كنت أنا ماورثته، قلت: ما تقول أنت؟ قال: ما تصنع بقولي؟ قلت: على ذاك. قال: لست أقول شيئا. قلت: فإن ذهب إنسان إلى قول عبد الرحمن؛ تنكر عليه؟ قال: لم أنكر عليه كأنه أعجبه. (3)
- جاء في السير: ونقل غير واحد عن عبد الرحمن بن مهدي قال: إن
_________
(1) ذم الكلام (234).
(2) الإبانة (2/ 3/472/ 483).
(3) الإبانة (2/ 13/80/ 307) وأصول الاعتقاد (2/ 353/513).(3/186)
الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى، وأن يكون استوى على العرش، أرى أن يستتابوا، فإن تابوا، وإلا ضربت أعناقهم. (1)
وفيها: قال أبو بكر بن أبي الأسود: سمعت ابن مهدي يقول بحضرة يحيى القطان، وذكر الجهمية، فقال: ما كنت لأناكحهم، ولا أصلي خلفهم.
- قال عبد الرحمن بن عمر رسته: سمعت عبد الرحمن يقول: الجهمية يريدون أن ينفوا الكلام عن الله، وأن يكون القرآن كلام الله، وأن يكون كلم موسى، وقد وكده الله تعالى فقال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ موسى تكليمًا} (2).
(3)
- ويروى عن ابن مهدي قال: من طلب العربية، فآخره مؤدب، ومن طلب الشعر، فآخره شاعر، يهجو أو يمدح بالباطل، ومن طلب الكلام، فآخر أمره الزندقة، ومن طلب الحديث، فإن قام به، كان إماما، وإن فرط، ثم أناب يوما، يرجع إليه، وقد عتقت وجادت. (4)
موقفه من المرجئة:
- قال المروذي: وسمعت بعض مشايخنا يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: إذا ترك الاستثناء فهو أصل الإرجاء. (5)
- وعن الإمام أحمد قال: بلغني عن عبد الرحمن بن مهدي: أول الإرجاء
_________
(1) السير (9/ 199 - 200) والسنة لعبد الله (17) والإبانة (2/ 14/318/ 488) واجتماع الجيوش (200 - 201) وأصول الاعتقاد (2/ 349/505) والشريعة (2/ 85/724) وتذكرة الحفاظ (1/ 331) ودرء التعارض (6/ 261).
(2) النساء الآية (164).
(3) السير (9/ 204).
(4) السير (9/ 199) وذم الكلام (235).
(5) الإبانة (2/ 7/871/ 1188) والشريعة (1/ 300 - 301).(3/187)
ترك الاستثناء. (1)
- وعن يعقوب الدورقي قال: قال عبد الرحمن بن مهدي: أنا أقول الإيمان يتفاضل. (2)
- وعن محمد بن أبان قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: الإيمان قول وعمل؟ قال: نعم، قلت: يزيد وينقص؟ قال: يتفاضل، كلمة أحسن من كلمة. (3)
- وعن إسماعيل بن حرب الكرماني قال: قيل لأحمد ما معنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: من غش فليس منا (4) فلم يجب فيه. قيل فإن قوما قالوا: من غشنا فليس مثلنا، فأنكره وقال: هذا تفسير مسعر وعبد الكريم بن أمية كلام المرجئة.
- وقال أحمد: وبلغ عبد الرحمن بن مهدي فأنكره، وقال: لو أن رجلا عمل بكل حسنة أكان يكون مثل النبي - صلى الله عليه وسلم -. (5)
- عن مهني قال: سمعت أحمد يقول: وذكر رجل عند الرحمن بن مهدي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب أو دعا دعوى الجاهلية" (6) فقال: الرجل إنما هو ليس مثلنا. فقال عبد الرحمن بن
_________
(1) السنة للخلال (3/ 598/1061).
(2) السنة لعبد الله (93).
(3) السنة للخلال (3/ 580/1005).
(4) أحمد (2/ 417) ومسلم (1/ 99/101).
(5) السنة للخلال (3/ 576/994).
(6) أحمد (1/ 432) والبخاري (3/ 213/1297) ومسلم (1/ 99/103) والنسائي (4/ 139/1861) وابن ماجه (1/ 504 - 505/ 1584) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.(3/188)
مهدي منكرا لقول الرجل: أرأيت لو عمل أعمال البر كلها كان يكون مثل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (1)
موقفه من القدرية:
- جاء في السير: قال عبد الرحمن بن عمر رسته: رآني ابن مهدي يوم الجمعة جالسا إلى جنب أحمد بن عطاء، وكان يتكلم في القدر، وكان أزهد من رأيت فاعتذرت إلى عبد الرحمن، فقال: لا تجالسه، فإن أهون ما ينزل بك أن تسمع منه شيئا يجب لله عليك أن تقول له: كذبت، ولعلك لا تفعل. (2)
- وفي الإبانة: عن أحمد بن حنبل قال: سألوا عبد الرحمن بن مهدي عن القدر فقال لهم: الخير والشر بقدر. (3)
خالد بن سليمان أبو معاذ (4) (199 هـ)
خالد بن سليمان أبو معاذ البجلي. روى عن الثوري ومالك. حدث بأحاديث من حديثه مستقيمة ومنها ما لا يتابع عليه ومنها ما يرويه عن الضعفاء. توفي رحمه الله سنة تسع وتسعين ومائة.
موقفه من الجهمية:
قال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية: روى عبد الرحمن بن أبي
_________
(1) السنة للخلال (3/ 576/995).
(2) السير (9/ 408).
(3) الإبانة (2/ 10/260 - 261/ 1877).
(4) الجرح والتعديل (3/ 335) والثقات لابن حبان (8/ 224) وميزان الاعتدال (1/ 631) وتاريخ الإسلام (حوادث 191 - 200/ص.167) ولسان الميزان (2/ 377).(3/189)
حاتم عنه بإسناده قال: كان جهم على معبر ترمذ، وكان فصيح اللسان لم يكن له علم ولا مجالسة أهل العلم، فكلم السمنية فقالوا: صف لنا ربك الذي تعبده، فدخل البيت لا يخرج، ثم خرج إليه بعد أيام، فقال: هو هذا الهواء مع كل شيء، وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء.
قال أبو معاذ: كذب عدو الله، إن الله في السماء على العرش كما وصف نفسه. وهذا صحيح عنه. (1)
إسحاق بن سليمان الرازي (2) (199 هـ)
إسحاق بن سليمان الرازي، أبو يحيى العبدي مولى عبد القيس، كوفي نزل الري. روى عن: مالك بن أنس، وحنظلة بن أبي سفيان الجمحي وسفيان الثوري، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ومعاوية الصدفي وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وسعيد بن سليمان الواسطي، وأبو بكر عبد الله بن محمد ابن أبي شيبة وغيرهم. قال عنه إسحاق بن منصور الكوسج: ما كان أهيأه، ما كان أبين خشوعه، يبكي كل ساعة. قال الذهبي: كان سيدا صالحا خاشعا ثقة حجة. قال أبو الأزهر: كان من خيار المسلمين. قال محمد بن سعد: كان ثقة، له فضل في نفسه وورع، وانتقل من الري إلى الكوفة، فأقام بها سنين، ثم رجع إلى الري فمات بها سنة تسع وتسعين ومائة.
_________
(1) اجتماع الجيوش (ص.207) ومختصر العلو (163).
(2) تاريخ بغداد (6/ 324 - 326) وتهذيب الكمال (2/ 429 - 431) وتهذيب التهذيب (1/ 234 - 235) وشذرات الذهب (1/ 356) والوافي بالوفيات (8/ 413) وتاريخ الإسلام (حوادث 191 - 200/ص.95 - 96).(3/190)
موقفه من الجهمية:
عن أبي عبد الله السلمي قال: سألت أبا يعقوب (1) إسحاق بن سليمان -يعني الرازي- عن القرآن؟ فقال: هو كلام الله عز وجل وهو غير مخلوق. فقال لي: إذا كنا نقول: القرآن كلام الله عز وجل ولا نقول مخلوق ولا غير مخلوق ليس بيننا وبين هؤلاء -يعني الجهمية- خلاف. فذكرت ذلك لأحمد ابن حنبل فقال لي أحمد: جزى الله أبا يعقوب خيرا. (2)
موقف السلف من سعيد بن سالم القداح المرجئي (نيف وتسعون بعد المائة)
وقال الحميدي: حدثنا يحيى بن سليم أن سعيد بن سالم قال لابن عجلان: أرأيت إن أنا لم أرفع الأذى عن الطريق، أكون ناقص الإيمان؟ فقال: هذا مرجئ، من يعرف هذا؟ قال: فلما قمنا، عاتبته، فرد علي القول، فقلت: هل لك أن تقف، فتقول: يا أهل الطواف، إن طوافكم ليس من الإيمان، وأقول أنا: بل هو من الإيمان فننظر ما يصنعون، قال: تريد أن تشهرني؟ قلت: فما تريد إلى قول إذا أظهرته شهرك. (3)
_________
(1) تقدم في ترجمته أن كنيته أبو يحيى، وهنا أبو يعقوب، فلعل له كنيتان.
(2) أصول الاعتقاد (2/ 288/443) والسنة للخلال (5/ 136).
(3) السير (9/ 320).(3/191)
أنس بن عياض (1) (200 هـ)
الإمام المحدث الصدوق المعمر بقية المشايخ، أبو ضَمْرَة أنس بن عِيَاض اللَّيثي المدني. حدث عن صفوان بن سليم، وأبي حازم الأعرج، وسهيل بن أبي صالح، وربيعة الرأي، وشريك بن أبي نمر وغيرهم. وحدث عنه: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأحمد بن صالح، وخلق كثير. عمر دهرا، وتفرد في زمانه.
وقال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أحدا أحسن خلقا من أبي ضمرة -رحمه الله- ولا أسمح بعلمه منه. قال لنا: والله لو تهيأ لي أن أحدثكم بكل ما عندي في مجلس لفعلت. عاش ستا وتسعين سنة، توفي سنة مائتين.
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة: قال عبد الله حدثنا إسحاق بن البهلول قلت لأنس بن عياض أبي ضمرة: أصلي خلف الجهمية؟ قال: لا، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2).اهـ (3)
_________
(1) الوافي بالوفيات (9/ 417) والسير (9/ 86 - 87) وتاريخ ابن معين (2/ 43) ومشاهير علماء الأمصار (142) والجرح والتعديل (2/ 289) وتهذيب الكمال (3/ 349 - 353) وتذكرة الحفاظ (1/ 323 - 324) وشذرات الذهب (1/ 358).
(2) آل عمران الآية (85).
(3) السنة لعبد الله (19) والسنة للخلال (5/ 91 - 92).(3/192)
يحيى بن سَلاَّم (1) (200 هـ)
ابن أبي ثعلبة، الإمام العلامة أبو زكريا البصري، نزيل المغرب بإفريقية. حدث عن: سعيد بن أبي عروبة، وفطر بن خليفة، وشعبة والمسعودي، والثوري، ومالك. وروى عنه ابن وهب وهو من طبقته، وولده محمد بن يحيى وأحمد بن موسى وغيرهم. قال أبو عمرو الداني: روى الحروف عن أصحاب الحسن وغيره. وله اختيار في القراءة من طريق الآثار، سكن إفريقية دهرا وسمعوا منه تَفْسيرَه -الذي ليس لأحد من المتقدمين مثله- وكتابه الجامع قال: وكان ثقة ثبتا، عالما بالكتاب والسنة، وله معرفة باللغة والعربية ولد سنة أربع وعشرين ومائة. ومات بمصر بعد أن حج في صفر سنة مائتين رحمه الله.
موقفه من المرجئة:
- جاء في رياض النفوس: قال أبو العرب: سألت أبا يحيى بن محمد بن يحيى بن السلام، خاليا، عن قول جده في الإيمان، فقال لي: كان جدي يقول: الإيمان قول وعمل ونية. وكان يحيى ثقة صدوقا لا يقول عن جده إلا الحق.
وعن أبي القاسم السدري، أنه كتب إليه عيسى بن مسكين يقول: حدثنا عون بن يوسف قال: قلت ليحيى بن السلام: إن الناس يرمونك بالإرجاء، قال عون: فأخذ يحيى لحيته بيده وقال: أحرق الله هذه اللحية بالنار إن كنت دنت الله عز وجل قط بالإرجاء، فقيل لعيسى: فما تقول أنت فيه؟
_________
(1) السير (9/ 396 - 397) والجرح والتعديل (9/ 155) والكامل لابن عدي (7/ 2707 - 2708) وميزان الاعتدال (4/ 380 - 381) ولسان الميزان (6/ 259 - 261).(3/193)
فقال: والله إنه لخير منا، وقد برأه الله مما يقولون.
وفي موضع آخر: كيف وقد حدثتكم أنه بدعة؟ (1)
- وفيه: عن عون بن يوسف قال: كنت عند عبد الله بن وهب وهو يقرأ عليه، فمر حديث ليحيى بن السلام فقال: امحه!، فقال عون، فقلت له: لم تمحوه أصلحك الله؟ قال: بلغني أنه يقول بالإرجاء فقلت له: فأنا كشفته عن ذلك، فقال لي: أنت؟ فقلت له: نعم!، فقال لي: فما قال لك؟ قال: قلت له: فقال: معاذ الله أن يكون ذلك رأيي، أو أدين الله به، ولكن أحاديث رويتها عن رجال يقولون: الإيمان قول وآخرين يقولون: الإيمان قول وعمل، فحدثنا بما سمعنا منهم، فقال لي ابن وهب: فرجت عني، فرج الله عنك. قال عون: فلما قدمت القيروان -وكان يحيى باقيا بعد- أتاني فسلم علي وقال لي: يا أبا محمد، قد بلغني محضرك فجزاك الله خيرا. والله ما قلت إلا حقا وما دنت الله به قط. (2)
يعقوب بن موسى ابن أخي معروف الكرخي (3) (200 هـ سنة وفاة معروف الكرخي)
أبو يوسف يعقوب بن موسى بن القيرزان ابن أخي معروف الكرخي. حكى عن عمه حكايات، وحكى أيضا عن الإمام أحمد بن حنبل، وسأله عن
_________
(1) رياض النفوس (1/ 190).
(2) رياض النفوس (1/ 191 - 192).
(3) طبقات الحنابلة (1/ 417) وتاريخ بغداد (14/ 276).(3/194)
مسائل. روى عنه إسحاق بن سنين الختلي وأحمد بن محمد بن مسروق الطوسي.
موقفه من الجهمية:
قال يعقوب ابن أخي معروف الكرخي: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال إنه مخلوق؛ فهو كافر. (1)
موقف السلف من الهجيمي الصوفي القدري (200 هـ)
قال فيه الذهبي: شيخ الصوفية العابد القانت أحمد بن عطاء الهجيمي البصري القدري المبتدع، فما أقبح بالزهاد ركوب البدع. (2)
وقال علي بن المديني: أتيته يوما، فوجدت معه درجا يحدث به، فقلت له: أسمعت هذا؟ قال: لا ولكن اشتريته وفيه أحاديث حسان أحدث بها هؤلاء، فقلت: أما تخاف الله؟ تقرب العباد إلى الله بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال الذهبي: ما كان الرجل يدري ما الحديث، ولكنه عبد صالح، وقع في القدر، نعوذ بالله من ترهات الصَّوَفَة، فلا خير إلا في الاتباع، ولا يمكن الاتباع إلا بمعرفة السنن. (3)
_________
(1) الإبانة (2/ 12/72 - 73/ 299).
(2) السير (9/ 408).
(3) السير (9/ 409).(3/195)
علي بن عاصم الواسطي (1) (201 هـ)
الإمام العلامة شيخ المحدثين مسند العراق أبو الحسن علي بن عاصم بن صهيب القرشي التيمي مولى قريبة أخت القاسم بن محمد بن أبي بكر، الواسطي. ولد سنة سبع ومائة، فهو من أسنان سفيان بن عيينة. روى عن سهيل بن أبي صالح، وعطاء بن السائب وحصين بن عبد الرحمن وحميد الطويل وخالد الحذاء وخلق سواهم. حدث عنه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويزيد بن زريع مع تقدمه وعبد بن حميد ومحمد بن يحيى الذهلي وخلق كثير. قال يعقوب بن شيبة: كان من أهل الدين والصلاح والخير البارع وكان شديد التوقي ومنهم من أنكر عليه كثرة الغلط والخطأ. قال ابن أعين: سمعت علي بن عاصم يقول: دفع إلي أبي مائة ألف درهم، قال: اذهب فلا أرى لك وجها إلا بمائة ألف حديث. قال البيكندي: كان يجتمع عند علي ابن عاصم أكثر من ثلاثين ألفا. مات سنة إحدى ومائتين. قال يعقوب بن شيبة: سمعت عاصم بن علي يقول: أخبرني أبي أنه صام ثمانين شهر رمضان لم يفطر فيها يوما. قال: ومات وهو ابن أربع وتسعين سنة.
موقفه من الجهمية:
قال ابن القيم: جاء في الرد على الجهمية لابن أبي حاتم:
صح عنه قال: الذين قالوا إن لله سبحانه ولدا أكفر من الذين قالوا إن
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 313) والتاريخ الكبير (6/ 290) وتاريخ بغداد (11/ 446 - 458) وتهذيب الكمال (20/ 504 - 520) وتهذيب التهذيب (7/ 344) وتذكرة الحفاظ (1/ 316 - 317) والسير (9/ 249 - 262) وشذرات الذهب (2/ 2).(3/196)
الله سبحانه لم يتكلم، وقال احذروا من المريسي وأصحابه فإن كلامهم الزندقة وأنا كلمت أستاذهم فلم يثبت أن في السماء إِلهاً.
- وقال يحيى بن علي بن عاصم: كنت عند أبي فاستأذن عليه المريسي فقلت له: يا أبتي مثل هذا يدخل عليك؟ فقال: وما له؟ فقلت: إنه يقول إن القرآن مخلوق ويزعم أن الله معه في الأرض وكلاما ذكرته، فما رأيته اشتد عليه مثل ما اشتد عليه قوله إن القرآن مخلوق وقوله إن الله معه في الأرض. (1)
- قال علي بن عاصم: ما اليهود والنصارى بأعظم على الله فرية ممن زعم أنه لا يتكلم. (2)
حمَّاد بن أُسَامة الكوفي (3) (201 هـ)
الحافظ الثبت الإمام الحجة، أبو أسامة حماد بن أسامة بن زيد القرشي، الكوفي مولى بني هاشم. ولد في حدود العشرين ومائة. حدث عن هشام بن عروة والأعمش وشعبة وسفيان وبهز بن حكيم وخلق كثير. وكان من أئمة العلم. حدث عنه عبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد والحميدي وإسحاق وخلق سواهم. عن أحمد بن حنبل قال: أبو أسامة ثقة، كان أعلم الناس بأمور الناس، وأخبار أهل الكوفة، ما كان أرواه عن هشام بن عروة. قال ابن الفرات: كان عند أبي أسامة ست مائة حديث عن هشام بن عروة. قال
_________
(1) اجتماع الجيوش (202) وطرفه الأول نحوه في الإبانة (2/ 13/106 - 107/ 355).
(2) الإبانة (2/ 14/322/ 499).
(3) طبقات ابن سعد (6/ 394) والتاريخ الكبير (3/ 28) وتهذيب الكمال (7/ 217 - 224) وتهذيب التهذيب (3/ 2) والسير (9/ 277 - 279) وتذكرة الحفاظ (1/ 321) وشذرات الذهب (2/ 2).(3/197)
ابن عمار: كان أبو أسامة في زمان سفيان يعد من النساك. قال رحمه الله عن نفسه: كتبت بأصبعي هاتين مائة ألف حديث. قال البخاري: مات في ذي القعدة سنة إحدى ومائتين وهو ابن ثمانين سنة.
موقفه من المبتدعة:
عن أبي نصر يعني بشرا، قال: سمعت أبا أسامة، يقول: جزى الله عنا خيرا من أعان الإسلام بشطر كلمة. (1)
موقفه من الرافضة:
- جاء في جامع بيان العلم: قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: سألت أبا أسامة أيما كان أفضل، معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: لا نعدل بأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أحدا. (2)
- وفي أصول الاعتقاد: عن يحيى بن معين قال: سمعت أبا أسامة يقول: من يقدم عليا على عثمان فهو أحمق. (3)
ضَمْرَة بن رَبِيعة الرمليّ (4) (202 هـ)
الإمام الحافظ، أبو عبد الله ضمرة بن ربيعة القرشي مولاهم الدمشقي ثم الرملي، العبد الصالح المأمون القدوة محدث فلسطين. ثقة في الحديث. روى
_________
(1) الإبانة (1/ 1/214/ 56).
(2) جامع بيان العلم وفضله (2/ 1173).
(3) أصول الاعتقاد (8/ 1452/2622).
(4) طبقات ابن سعد (7/ 471) التاريخ الكبير (4/ 337) وتهذيب الكمال (13/ 316 - 321) تهذيب التهذيب (4/ 460) وتذكرة الحفاظ (1/ 353) والسير (9/ 325 - 327).(3/198)
عن إبراهيم بن أبي عبلة، والأودي والثوري ومولاه علي بن أبي حملة وسعيد ابن عبد العزيز وخلق سواهم. وروى عنه إسماعيل بن عياش ونعيم بن حماد، وعبد الله بن ذكوان وهشام بن عمار، وخلق كثير. قال آدم بن أبي إياس: ما رأيت أحدا أعقل لما يخرج من رأسه من ضمرة. قال ابن سعد: كان ثقة مأمونا خيرا لم يكن هناك أفضل منه. مات في أول رمضان سنة اثنتين ومائتين في خلافة عبد الله بن هارون.
موقفه من الجهمية:
قال ضمرة بن ربيعة: ترك جهم الصلاة أربعين يوما على وجه الشك، فخاصمه بعض السمنية فشك، فأقام أربعين يوما لا يصلي، قال ضمرة: وقد رآه ابن شوذب. (1)
موقفه من القدرية:
قال ضمرة بن ربيعة: لم نؤمر أن نتكل على القدر، وإليه نصير. (2)
عبد الحميد بن عبد الرحمن الحِمَّانِي (3) (202 هـ)
أبو يحيى الكوفي والد يحيى بن عبد الحميد الحماني وعبد الرحمن، لقبه بَشْمِين، أصله خوارزمي، وحمان من تميم. روى عن جرير بن عبد الحميد،
_________
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 41).
(2) مجموع الفتاوى (8/ 105).
(3) طبقات ابن سعد (6/ 399) وتاريخ خليفة (333) والتاريخ الكبير (6/ 45) وتهذيب الكمال (16/ 452 - 455) وتهذيب التهذيب (6/ 120) تاريخ الإسلام (حوادث 201 - 210/ص.227) وشذرات الذهب (2/ 3) والتقريب (1/ 556).(3/199)
والحسين بن عمارة، والسفيانين والأعمش، وعثمان بن واقد العمري، وأبي حنيفة وغيرهم. روى عنه أحمد بن سنان القطان، والحسين بن يزيد الكوفي، وأبو بكر بن أبي شيبة، ويحيى بن إسماعيل الواسطي وخلق سواهم. قال عبد الله بن أحمد الدورقي عن يحيى بن معين: يحيى بن عبد الحميد الحماني، ثقة وأبوه ثقة. وقال ابن حجر: صدوق يخطئ ورمي بالإرجاء. قال هارون بن عبد الله الحمال: مات سنة اثنتين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
عن أحمد بن عمر الكوفي: سمعت عبد الحميد الحماني يقول: جهم كافر بالله. (1)
أبو داود الطَّيَالِسِي (2) (203 هـ)
الحافظ الكبير، صاحب المسند، سليمان بن داود بن الجارود أبو داود الفارسي ثم الأسدي ثم الزبيري مولى آل الزبير بن العوام، الحافظ البصري، أحد الأعلام الحفاظ. سمع ابن عون وأيمن بن نابل وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي وشعبة والحمادين، وغيرهم. وعنه أحمد والفلاس وبندار وابن الفرات وعباس الدوري وغيرهم. قال الفلاس: ما رأيت أحفظ منه. قال عامر بن إبراهيم: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن ألف شيخ. وكان وكيع
_________
(1) الإبانة (2/ 13/91 - 92/ 321) والسنة للخلال (5/ 84).
(2) طبقات ابن سعد (7/ 298) والتاريخ الكبير (4/ 10) وتاريخ بغداد (9/ 24) وتهذيب الكمال (11/ 401 - 408) وتهذيب التهذيب (4/ 176) والسير (9/ 378 - 384) وتذكرة الحفاظ (1/ 351) وشذرات الذهب (2/ 12).(3/200)
يقول: أبو داود جبل العلم. قال أحمد بن عبد الله العجلي: بصري ثقة، وكان كثير الحفظ، رحلت إليه فأصبته مات قبل قدومي بيوم، وكان قد شرب البلاذر هو وعبد الرحمن بن مهدي، فجذم هو، وبرص عبد الرحمن، فحفظ أبو داود أربعين ألف حديث، وحفظ عبد الرحمن عشرة آلاف حديث.
مات سنة ثلاث ومائتين، وكان من أبناء الثمانين، رحمه الله تعالى.
موقفه من المبتدعة:
قال محمود بن غيلان: قيل لأبي داود الطيالسي: لم لا تحدث عن عبد الوارث؟ فقال: أأحدثك عن رجل كان يزعم أن يوما من عمرو بن عبيد أكبر من عمر أيوب السختياني، ويونس، وابن عون؟! (1)
موقفه من الجهمية:
أخرج البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي قال: كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحددون ولا يشبهون ويروون هذه الأحاديث ولا يقولون كيف، قال أبو داود: وهو قولنا، قال البيهقي: وعلى هذا مضى أكابرنا. (2)
_________
(1) السير (8/ 302).
(2) الفتح (13/ 407).(3/201)
الحسين بن علي الجُعْفِي (1) (203 هـ)
شيخ الإسلام الإمام القدوة الحافظ المقرئ المجود، الزاهد بقية الأعلام، الحسين بن علي بن الوليد أبو عبد الله وأبو محمد الجعفي مولاهم الكوفي. قرأ القرآن على حمزة الزيات وأتقنه، وأخذ الحروف عن أبي عمرو بن العلاء، وعن أبي بكر بن عياش. سمع من الأعمش وجعفر بن برقان وسفيان الثوري وعدة، وصحب الفضيل بن عياض وغيره. حدث عنه سفيان بن عيينة وهو من شيوخه، وأحمد بن حنبل وابن راهويه وابن معين وخلق غيرهم. قال محمد بن رافع: ذاك راهب أهل الكوفة. قال ابن قتيبة: قيل لابن عيينة قدم حسين، فوثب وأتى فقبل يده وقال: قدم أفضل رجل يكون قط. قال حميد ابن الربيع: كتبنا عنه أكثر من عشرة آلاف حديث. وقال أحمد العجلي: كان ثقة لم أر أفضل منه، ولم أره إلا مقعدا وكان جميلا لباسا، مات سنة ثلاث ومائتين، عاش أربعا وثمانين سنة.
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة لعبد الله عن عبد الله بن عمر قال: سمعت حسين بن علي الجعفي وحدث بحديث الرؤية (2) قال: على رغم أنف جهم والمريسي. (3)
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/ 396) والتاريخ الكبير (2/ 381) وتهذيب الكمال (6/ 449 - 454) تهذيب التهذيب (2/ 357) وتذكرة الحفاظ (1/ 349) والسير (9/ 397 - 401).
(2) انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون سنة (164هـ).
(3) السنة لعبد الله (45).(3/202)
إبراهيم بن حبيب (1) (203 هـ)
ابن الشهيد الأزدي، مولاهم أبو إسحاق البصري، والد إسحاق بن إبراهيم الشهيدي. روى عن أبيه حبيب بن الشهيد. روى عنه أحمد بن إبراهيم الدورقي، وابنه إسحاق بن إبراهيم وسهل بن صالح الأنطاكي وغيرهم. قال ابن حجر: ثقة من التاسعة، مات سنة ثلاث ومائتين.
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة قال عبد الله: حدثني هارون بن سفيان حدثني إبراهيم ابن حبيب بن الشهيد قال: قال أبي: يا بني، لا تسمع من عمرو بن عبيد واسمع من عمرو قهرمان آل الزبير. (2)
علي الرضى (3) (203 هـ)
علي بن موسى الكَاظِم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين أبو الحسن الهاشمي العلوي المدني. ولد بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة.
روى عن أبيه وعبيد الله بن أرطأة، وعنه ابنه أبو جعفر محمد وأبو عثمان المازني والمأمون ودارم بن قبيصة، وطائفة.
_________
(1) تهذيب الكمال (2/ 67 - 69) وتقريب التهذيب (1/ 33).
(2) السنة (153).
(3) الكامل لابن الأثير (6/ 326) وفيات الأعيان (3/ 269 - 271) وتهذيب الكمال (21/ 148 - 153) وسير أعلام النبلاء (9/ 387 - 393) وتاريخ الإسلام (حوادث 201 - 210/ص.269 - 272) وميزان الاعتدال (3/ 158)
وتهذيب التهذيب (7/ 387 - 389).(3/203)
كان سيد بني هاشم في زمانه، وأجلهم وأنبلهم، وكان المأمون يعظمه ويخضع له، ويتغالى فيه، حتى إنه جعله ولي عهده من بعده، وكتب بذلك إلى الآفاق، فثار لذلك بنو العباس وتألموا لإخراج الأمر عنهم.
قال الذهبي: وقد كان علي الرضى كبير الشأن، أهلا للخلافة، ولكن كذبت عليه وفيه الرافضة، وأطروه بما لايجوز، وادعوا فيه العصمة، وغلت فيه، وقد جعل الله لكل شيء قدرا، وهو بريء من عهدة تلك النسخ الموضوعة عليه.
ومن شعره:
كلنا يأمل مدا في الأجل ... والمنايا هو آفات الأمل
لا تغرنك أباطيل المنى ... والزم القصد ودع عنك العلل
إنما الدنيا كظل زائل ... حل فيه راكب ثم رحل
توفي رحمه الله في صفر سنة ثلاث ومائتين، عن خمسين سنة.
موقفه من الجهمية:
جاء في السير: قال الحاكم: حدثنا إسحاق بن محمد الهاشمي بالكوفة، حدثنا القاسم بن أحمد العلوي، حدثنا أبو الصلت الهروي، حدثني علي بن موسى الرضى قال: من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر. (1)
موقفه من القدرية:
جاء في سير أعلام النبلاء: قال المبرد: عن أبي عثمان المازني قال: سئل
_________
(1) السير (9/ 389).(3/204)
علي بن موسى الرضى: أيكلف الله العباد ما لا يطيقون؟ قال: هو أعدل من ذلك، قيل: فيستطيعون أن يفعلوا ما يريدون؟ قال: هم أعجز من ذلك. (1)
زُهَيْر البَابِي (2) (204 هـ)
ابن نُعَيْم السَّلُولي ويقال العِجْلِي أبو عبد الرحمن نزيل البصرة. روى عن بشر بن منصور السليمي، وسلام بن أبي مطيع ويزيد الرقاشي مرسل. روى عنه إبراهيم بن سعيد بن أنس، وأحمد بن إبراهيم. كان أحد العباد والزهاد والمتقشفين. عن زهير بن نعيم: إن هذا الأمر لا يتم إلا بشيئين: الصبر واليقين. قال سلمة بن شبيب: عن سهل بن عاصم: قلت لزهير بن نعيم: يا أبا عبد الرحمن ألك حاجة؟ قال: نعم، قلت: وما هي؟ قال: تتقي الله أحب إلي من أن يصير الحائط ذهبا. وقال سهل: وسمعت عنشط بن زياد يقول: سمعت زهير بن نعيم يقول: جالست الناس منذ خمسين سنة فما رأيت أحدا إلا وهو يتبع الهوى حتى إنه ليخطئ فيحب أن الناس قد أخطأوا، ولأن أسمع في جلدي صوت ضرب أحب إلي من أن يقال لي أخطأ فلان. وقال سهل: وسمعت زهيرا يقول: وددت أن جسدي قرض بالمقاريض وأن هذا الخلق أطاعوا الله. توفي سنة أربع ومائتين.
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة: قال عبد الله: حدثني أحمد بن الدورق، سمعت زهيرا
_________
(1) السير (9/ 391).
(2) الأنساب (2/ 15) وتقريب التهذيب (1/ 265) وتهذيب الكمال (9/ 426 - 428).(3/205)
البابي يقول: إذا تيقنت أنه جهمي أعدت الصلاة خلفه، الجمعة وغيرها. (1)
الشافعي (2) (204 هـ)
محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الإمام، عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه الملة، أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي الغزي المولد نسيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمه. ثبت في الحديث، حافظ لما وعى، عديم الغلط موصوف بالإتقان، متين الديانة. أخذ العلم ببلده عن مسلم ابن خالد الزنجي مفتي مكة، وداود بن عبد الرحمن العطار، وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن أبي بكر وغيرهم. وارتحل إلى المدينة، فأخذ عن الإمام مالك وإبراهيم بن أبي يحيى وعبد العزيز الدراوردي. وحدث عنه الحميدي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل وسليمان وغيرهم. وصنف التصانيف، ودون العلم، ورد على الأئمة متبعا الأثر، وصنف في أصول الفقه وفروعه، وبعد صيته، وتكاثر عليه الطلبة. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت محمد بن داود يقول: لم يحفظ في دهر الشافعي كله أنه تكلم في شيء من الأهواء، ولا نسب إليه ولا عرف به مع بغضه لأهل الكلام والبدع. وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال: كان الشافعي إذا ثبت عنده
_________
(1) السنة (ص.19)
(2) السير (10/ 5 - 99) والجرح والتعديل (7/ 204 - 210) والحلية (9/ 23 - 161) والفهرست لابن النديم (294 - 296) وتاريخ بغداد (2/ 56 - 73) وترتيب المدارك (1/ 221 - 231) والأنساب (7/ 251 - 254) ومعجم الأدباء (17/ 281 - 327) والوافي بالوفيات (2/ 171 - 181) وتذكرة الحفاظ (1/ 361 - 363) وآداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم وطبقات الشافعية الكبرى (1/ 100 - 107).(3/206)
الخبر قلده، وخير خصلة كانت فيه لم يكن يشتهي الكلام، إنما همته الفقه. قال أبو زرعة، سمعت قتيبة بن سعيد يقول: مات الثوري ومات الورع ومات الشافعي وماتت السنن، ويموت أحمد ابن حنبل وتظهر البدع. قال أبو ثور الكلبي: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى هو مثل نفسه. قال أحمد بن حنبل من طرق عنه إن الله يقيض للناس في رأس كل مائة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكذب قال: فنظرنا، فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي. وقال الفضل بن زياد: سمعت أحمد يقول: ما أحد مس محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة. من أقواله: وددت أن الناس تعلموا هذا العلم -يعني كتبه- على أن لا ينسب إلي منه شيء. وعنه قال: ما كابرني أحد على الحق ودافع، إلا سقط من عيني، ولا قبله إلا هبته، واعتقدت مودته.
وعنه: العلم علمان: علم الدين وهو الفقه، وعلم الدنيا وهو الطب، وما سواه من الشعر وغيره فعناء وعبث. وسئل: مَن أقدر الفقهاء على المناظرة؟ قال: من عود لسانه الركض في ميدان الألفاظ لم يتلعثم إذا رمقته العيون. وعنه بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد. وعنه ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه. وعنه ضياع العالم أن يكون بلا إخوان، وضياع الجاهل قلة عقله وأضيع منهما من واخى من لا عقل له. وعنه آلات الرياسة خمس: صدق اللهجة، وكتمان السر، والوفاء بالعهد، وابتداء النصيحة، وأداء الأمانة.
توفي سنة أربع ومائتين.(3/207)
موقفه من المبتدعة:
- عن محفوظ بن أبي توبة قال: قال لي الشافعي: يظن الناس أني إنما أرد عليهم طلبا للدنيا، ولولا خلافهم لسنة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما عرضت لهم. (1)
- جاء في ذم الكلام عن يونس بن عبد الأعلى قال: قلت للشافعي: قال صاحبنا الليث بن سعد: لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء ما قبلته، فقال الشافعي: أما إنه قصر لو رأيته يمشي في الهواء ما قبلته. (2)
- جاء في جامع بيان العلم وفضله عن الشافعي قال: ليس لأحد أن يقول في شيء حلال ولا حرام إلا من جهة العلم، وجهة العلم: ما نص في الكتاب أو في السنة أو في الإجماع فإن لم يوجد في ذلك فالقياس على هذه الأصول ما كان في معناها. (3)
- جاء في ذم الكلام قال الحميدي: كنا عند الشافعي فأتاه رجل فسأله عن مسألة فقال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا فقال رجل للشافعي ما تقول؟ قال سبحانك تراني في كنيسة، تراني في بيعة، ترى على وسطي زنارا، أقول لك قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول لي ما تقول أنت؟. (4)
- وفي الحلية عن الربيع بن سليمان قال سأل رجل الشافعي عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له الرجل فما تقول؟ فارتعد وانتفض وقال: أي سماء
_________
(1) ذم الكلام (256).
(2) ذم الكلام (248) وأصول الاعتقاد (1/ 164/297) والإبانة (2/ 3/534 - 535/ 662) والسير (10/ 23) والاستقامة (1/ 254) وتلبيس إبليس (24).
(3) جامع بيان العلم وفضله (1/ 759) ومناقب الشافعي للبيهقي (1/ 474).
(4) ذم الكلام (107) والسير (10/ 34) وإعلام الموقعين (2/ 285).(3/208)
تظلني وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقلت بغيره. (1)
- جاء في ذم الكلام قال الربيع: سمعت الشافعي روى حديثا فقال له رجل: نأخذ بهذا يا أبا عبد الله، فقال: متى رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا صحيحا ولم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب وأشار بيده على رؤوسهم. (2)
- وفيه قال: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوا ما قلت. (3)
- وكان يقول: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهي قولي. (4)
- وعنه قال: لم أسمع أحدا ينسبه عامة علمه أو ينسب نفسه إلى علم يخالف في أن الله فرض اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتسليم لحكمه بأن الله لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وإنه لا يلزم قول بكل حال إلا لكتاب الله أو سنة رسول الله، وإن ما سواهما تبع لهما، وإن فرض الله علينا وعلى من قبلنا وبعدنا قبول الخبر عن رسول الله واحد لا يختلف فيه أنه الفرض، وواجب قبول الخبر عن رسول الله إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله. افترض الله علينا
_________
(1) الحلية (9/ 106) ومناقب الشافعي للبيهقي (1/ 475) والفقيه والمتفقه (1/ 388) والسير مختصرا (10/ 35) وإعلام الموقعين (2/ 286).
(2) ذم الكلام (108) وآداب الشافعي (68و93) والحلية (9/ 106) والفقيه والمتفقه (1/ 388 - 389) ومناقب الشافعي للبيهقي (1/ 474) والسير (10/ 34).
(3) ذم الكلام (108) والفقيه والمتفقه (1/ 388) ومناقب الشافعي للبيهقي (1/ 472 - 473) والسير (10/ 34) و (10/ 77 - 78) ونحوه في تذكرة الحفاظ (1/ 362).
(4) مجموع الفتاوى (20/ 211).(3/209)
اتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال: {فلا وربك} (1) وفرض علينا اتباع أمره فقال: {وَمَا آَتَاكُمُ الرسول فخذوه} (2) ثم بني على هذا كتاب إجماع أهل العلم. (3)
- وقال: كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجِد وما عداه فهو هذيان. (4)
- وقال: لا يحل لأحد من أهل الرأي أن يفتي، فإن حل فلمحمد بن الحسن. (5)
- وروي عن الشافعي أنه قال: مثل الذي ينظر في الرأي ثم يتوب منه مثل المجنون الذي عولج حتى برئ، فأغفل ما يكون قد هاج به. (6)
- وفي ذم الكلام عنه قال: السخاء والكرم يغطيان عيوب الدنيا والآخرة بعد أن لا يلحق صاحبه بدعة. (7)
- وفي الجرح والتعديل: وأما محمد بن الحسن فحدثنا محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم قال سمعت الشافعي يقول: قال لي محمد بن الحسن: أيهما أعلم بالقرآن صاحبنا أو صاحبكم؟ يعني أبا حنيفة ومالك بن أنس، قلت على الإنصاف؟ قال: نعم، قلت: فأنشدك الله من أعلم بالقرآن صاحبنا أو
_________
(1) النساء الآية (65).
(2) الحشر الآية (7).
(3) ذم الكلام (109 - 110).
(4) ذم الكلام (246) والسير (10/ 20).
(5) ذم الكلام (101).
(6) الاعتصام (2/ 782).
(7) ذم الكلام (255).(3/210)
صاحبكم؟ قال صاحبكم، يعني مالكا. قلت: فمن أعلم بالسنة صاحبنا أو صاحبكم؟ قال اللهم صاحبكم، قلت: فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمتقدمين صاحبنا أو صاحبكم؟ قال صاحبكم قال الشافعي: قلت لم يبق إلا القياس والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فمن لم يعرف الأصول فعلى أي شيء يقيس؟. (1)
- وفي ذم الكلام عنه قال: لولا أصحاب الحديث لكنا بُياع الفول. (2)
- وقال: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأني رأيت رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، جزاهم الله خيرا، هم حفظوا لنا الأصل، فلهم علينا الفضل. (3)
- وفي شرف أصحاب الحديث للخطيب بالسند إلى يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - حيا. (4)
" التعليق:
لأنه يحمل ميراثه ودعوته إلى التوحيد الخالص لا الترنم والتغني به كأنه أزجال يتغرد بها.
_________
(1) الجرح والتعديل (1/ 12 - 13) ومناقب الشافعي (159 - 160) والحلية (6/ 329) و (9/ 74) والانتقاء (24) ومناقب أحمد (498) والسير (8/ 75 - 76) و (8/ 112) ووفيات الأعيان (4/ 136).
(2) ذم الكلام (107).
(3) صيانة الإنسان (308) وذم الكلام (109) والسير (10/ 59 - 60) وتلبيس إبليس (18) والحلية (9/ 109).
(4) شرف أصحاب الحديث (46).(3/211)
- وقال لبعض أصحاب الحديث: أنتم الصيادلة ونحن الأطباء. (1)
- وفي ذم الكلام عنه: طلب العلم أفضل من صلاة التطوع. (2)
- عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت محمد بن داود يقول: لم يحفظ في دهر الشافعي كله أنه تكلم في شيء من الأهواء ولا نسب إليه ولا عرف به مع بغضه لأهل الكلام والبدع. (3)
- قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: المراء في الدين يقسي القلب، ويورث الضغائن. (4)
- جاء في درء التعارض عنه قال: ما ناظرت أحدا أحببت أن يخطئ إلا صاحب بدعة، فإني أحب أن ينكشف أمره للناس. (5)
- وقال الزعفراني: حج بشر المريسي، فلما قدم قال: رأيت بالحجاز رجلا، ما رأيت مثله سائلا ولا مجيبا -يعني الشافعي- قال: فقدم علينا فاجتمع إليه الناس، وخفوا عن بشر فجئت إلى بشر فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم قد قدم، قال: إنه قد تغير عما كان عليه، قال: فما كان مثل بِشْر إلا مثل اليهود في شأن عبد الله بن سلام. (6)
- قال أبو العباس الأصم: حدثنا الربيع بن سليمان: دخلت على الشافعي
_________
(1) السير (10/ 23) وذم الكلام (248).
(2) ذم الكلام (247).
(3) السير (10/ 26) وذم الكلام (249).
(4) السير (10/ 28) وذم الكلام (251).
(5) درء التعارض (7/ 249).
(6) السير (10/ 44).(3/212)
وهو مريض، فسألني عن أصحابنا فقلت: إنهم يتكلمون، فقال: ما ناظرت أحدا قط على الغلبة، وبودي أن جميع الخلق تعلموا هذا الكتاب -يعني كتبه- على أن لا ينسب إلي منه شيء. قال هذا يوم الأحد، ومات يوم الخميس، وانصرفنا من جنازته ليلة الجمعة، فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومئتين، وله نيف وخمسون سنة. (1)
- قال الميموني: سمعت أحمد يقول: سألت الشافعي عن القياس، فقال: عند الضرورات. (2)
- قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: قال الشافعي: أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان خبر صحيح، فأعلمني حتى أذهب إليه، كوفيا كان أو بصريا أو شاميا. (3)
- وقال حرملة: قال الشافعي: كل ما قلته فكان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلاف قولي مما صح، فهو أولى، ولا تقلدوني. (4)
- وفي آداب الشافعي عن أبي ثور: سمعته يقول: كل حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو قولي وإن لم تسمعوه مني. (5)
- وعن أبي إسماعيل قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا محمد بن عبد الله أخبرنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه حدثنا إبراهيم بن محمد الكوفي -وكان من الإسلام بمكان- قال: رأيت الشافعي بمكة يفتي الناس،
_________
(1) السير (10/ 76).
(2) السير (10/ 77).
(3) السير (10/ 33) وطبقات الحنابلة (1/ 6).
(4) السير (10/ 33) وآداب الشافعي (67 - 68) والحلية (9/ 106 - 107).
(5) آداب الشافعي (94) والبداية (10/ 265).(3/213)
ورأيت أحمد وإسحاق حاضرين، فقال الشافعي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وهل ترك لنا عقيل من دار" (1) فقال إسحاق: حدثنا يزيد عن الحسن وأخبرنا أبو نعيم وعبدة عن سفيان عن منصور عن إبراهيم أنهما لم يكونا يريانه، وعطاء وطاووس لم يكونا يريانه فقال الشافعي: من هذا؟ قيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي بن راهويه، فقال الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم، ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك، فكنت آمر بعرْك أذنيه، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنت تقول: عطاء وطاووس ومنصور عن إبراهيم والحسن، وهل لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة؟. (2)
- وروى أبو الشيخ الحافظ وغيره من غير وجه أن الشافعي لما دخل مصر أتاه جلة أصحاب مالك، وأقبلوا عليه، فلما أن رأوه يخالف مالكا، وينقض عليه جفوه وتنكروا له، فأنشأ يقول:
أأنثر درا بين سارحة النعم ... وأنظم منثورا لراعية الغنم
لعمري لئن ضيعت في شر بلدة ... فلست مضيعا بينهم غرر الحكم
فإن فرج الله اللطيف بلطفه ... وصادفت أهلا للعلوم وللحكم
بثثت مفيدا واستفدت ودادهم ... وإلا فمخزون لدي ومكتتم
ومن منح الجهال علما أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم
وكاتم علم الدين عمن يريده ... يبوء بإثم زاد وإثم إذا كتم (3)
_________
(1) أخرجه: أحمد (5/ 202) والبخاري (3/ 574/1588) ومسلم (2/ 984/1351) وأبو داود (2/ 514/2010) وابن ماجه (2/ 981/2942) والنسائي في الكبرى (2/ 480/4255) عن أسامة بن زيد.
(2) السير (10/ 68) وذم الكلام (108).
(3) السير (10/ 71).(3/214)
قال أبو عبد الله بن منده: حدثت عن الربيع قال: رأيت أشهب بن عبد العزيز ساجدا يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي لا يذهب علم مالك فبلغ الشافعي، فأنشأ يقول:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
وقد علموا لو ينفع العلم عندهم ... لئن مت ما الداعي علي بمخلد (1)
- عن الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي يقول: صحبة من لا يخشى العار عار في القيامة. (2)
- وعن الشافعي قال: لقد ضل من ترك حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقول من بعده. (3)
- وعنه قال: كل مسألة تكلمت فيها صح الخبر فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي. (4)
- وقال: مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل، يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري. (5)
- وعن البويطي قال: سمعت الشافعي يقول: عليكم بأصحاب الحديث
_________
(1) السير (10/ 72) والحلية (6/ 149 - 150).
(2) الإبانة (2/ 3/466/ 462).
(3) الفقيه والمتفقه (1/ 386).
(4) ذم الكلام (108).
(5) إعلام الموقعين (2/ 200).(3/215)
فإنهم أكثر الناس صوابا. (1)
- وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال: كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر قلده، وخير خصلة كانت فيه أنه لم يكن يشتهي الكلام إنما همه الفقه. (2)
- وأخرج الآجري من طريق أبي عثمان: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان أحسن أمر الشافعي أنه كان إذا سمع الخبر لم يكن عنده قال به، وترك قوله. (3)
- وقال الربيع بن سليمان، قال الشافعي: من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر. فقلت: تطلق عليه اسم الكفر؟ فقال: نعم، من أبغض أحمد بن حنبل عاند السنة، ومن عاند السنة قصد الصحابة. ومن قصد الصحابة أبغض النبي، ومن أبغض النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر بالله العظيم. (4)
موقفه من المشركين:
- قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - القتل، وممن قاله مالك والليث وأحمد وإسحاق، وهو مذهب الشافعي. (5)
- جاء في السير: ويروى عن الشافعي: لولا المحابر لخطبت الزنادقة
_________
(1) ذم الكلام (109) والسير (10/ 70).
(2) ذم الكلام (249).
(3) الصوارم والأسنة (ص.179).
(4) طبقات الحنابلة (1/ 13).
(5) الصارم (9).(3/216)
على المنابر (1).
- وفيها: عن الشافعي قال: خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة، يسمونه التغبير يشغلون به عن القرآن. (2)
موقفه من الرافضة:
- عن غيلان بن المغيرة المصري قال: سمعت الشافعي يقول:
الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز. (3)
- عن المزني قال: أنشدني الشافعي من قيله:
شهدت بأن الله لا شيء غيره ... وأشهد أن البعث حق وأخلص
وأن عرى الإيمان قول مبين ... وفعل زكي قد يزيد وينقص
وأن أبا بكر خليفة ربه ... وكان أبو حفص على الخير يحرص
وأشهد ربي أن عثمان فاضل ... وأن عليا فضله متخصص
أئمة قوم مقتدى بهداهم ... لحا الله من إياهم يتنقص
فما لعتاة يشهدون سفاهة ... وما لسفيه لا يحيص ويخرص (4)
- جاء في السير عن صالح جزرة: سمعت الربيع يقول: قال الشافعي: يا ربيع اقبل مني ثلاثة: لا تخوضن في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن خصمك النبي - صلى الله عليه وسلم - غدا، ولا تشتغل بالكلام فإني قد اطلعت من أهل الكلام على التعطيل،
_________
(1) السير (10/ 70). ذم الكلام (110).
(2) السير (10/ 91).
(3) أصول الاعتقاد (8/ 1474/2666) والسير (10/ 20).
(4) أصول الاعتقاد (8/ 1474 - 1475/ 2668).(3/217)
ولا تشتغل بالنجوم. (1)
- وجاء في الإبانة عنه قال: لم أر أحدا من أصحاب الأهواء أكذب في الدعوى ولا أشهد بالزور من الروافض. (2)
- قال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية: وصح عن الشافعي أنه قال: خلافة أبي بكر رضي الله عنه حق قضاها الله في سمائه وجمع عليها قلوب عباده. (3)
- وفي ذم الكلام عن البويطي قال: سألت الشافعي: أصلي خلف الرافضي؟ قال: لا تصل خلف الرافضي ولا القدري ولا المرجئ. قلت: صفهم لنا؟ قال: من قال: الإيمان قول فهو مرجئ ومن قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين فهو رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه فهو قدري. (4)
- وجاء في الشريعة: عن الربيع بن سليمان قال، سمعت الشافعي يقول: في الخلافة والتفضيل: لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي عنهم. (5)
- عن الحسين بن علي، سمعت الشافعي يقول: العشرة أشكال لهم أن يغير بعضهم على بعض، والمهاجرون الأولون والأنصار لهم أن يغير بعضهم على بعض، ومسلمة الفتح أشكال لهم أن يغير بعضهم على بعض، فإذا
_________
(1) السير (10/ 28) والفتاوى الكبرى (5/ 245 - 246) وذم الكلام (251).
(2) الإبانة (2/ 3/545/ 688) والمنهاج (1/ 61 - 62) والكفاية (126) والسير (10/ 89).
(3) اجتماع الجيوش (154) ومجموع الفتاوى (5/ 53).
(4) ذم الكلام (255 - 256) والسير (10/ 31).
(5) الشريعة (3/ 20/1283) وجامع بيان العلم وفضله (2/ 1174).(3/218)
ذهب أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فحرام على تابع إلا اتباع بإحسان حذوا بحذو. (1)
- جاء في السير: قال علي بن أحمد الدخمسيني: سمعت علي بن أحمد بن النضر الأزدي، سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن الشافعي، فقال: لقد من الله علينا به، لقد كنا تعلمنا كلام القوم، وكتبنا كتبهم، حتى قدم علينا، فلما سمعنا كلامه، علمنا أنه أعلم من غيره، وقد جالسناه الأيام والليالي، فما رأينا منه إلا كل خير، فقيل له: يا أبا عبد الله، كان يحيى وأبو عبيد لا يرضيانه -يشير إلى التشيع وأنهما نسباه إلى ذلك- فقال أحمد بن حنبل: ما ندري ما يقولان، والله ما رأينا منه إلا خيرا.
قال الذهبي: من زعم أن الشافعي يتشيع فهو مفتر، لا يدري ما يقول. (2)
- وفيها عن الربيع بن سليمان قال: حججنا مع الشافعي، فما ارتقى شرفا، ولا هبط واديا إلا وهو يبكي وينشد:
يا راكبا قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاعد خيفنا والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي
قال الذهبي: لو كان شيعيا -وحاشاه من ذلك- لما قال: الخلفاء الراشدون خمسة، بدأ بالصديق، وختم بعمر بن عبد العزيز. (3)
_________
(1) ذم الكلام (109).
(2) السير (10/ 58).
(3) السير (10/ 58 - 59).(3/219)
- قال شيخ الإسلام وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله في رسالته: هم فوقنا (يعني أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -) في كل علم وعقل ودين وفضل، وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا. (1)
- وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: لا أرد شهادة أهل الأهواء، إلا الخطابية (2) فإنهم يعتقدون حل الكذب. (3)
- وقال الشافعي: لم يختلف الصحابة والتابعون في تقديم أبي بكر وعمر. (4)
موقفه من الصوفية:
- قال الشافعي: لو أن رجلا تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق. وعنه أيضا أنه قال: ما لزم أحد الصوفية أربعين يوما فعاد عقله إليه أبدا. وأنشد الشافعي:
ودعوا الذين إذا أتوك تنسكوا ... وإذا خلوا كانوا ذئاب حقاف (5)
- وقال: خلفت ببغداد شيئا أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن. (6)
موقفه من الجهمية:
- قال الإمام بن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: حدثنا أبو
_________
(1) مجموع الفتاوى (4/ 158) ودرء التعارض (5/ 73) والمنهاج (6/ 81).
(2) هم أتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب وهم من غلاة الشيعة.
(3) درء التعارض (1/ 94).
(4) المنهاج (2/ 86).
(5) التلبيس (447).
(6) الفتاوى (10/ 77).(3/220)
شعيب وأبو ثور عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال: القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما، الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء. (1)
- وفي السير عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا يونس سمعت الشافعي يقول: نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن، ووردت بها السنة وننفي التشبيه عنه كما نفى عن نفسه فقال: {ليس مثله شيءٌ} (2). (3)
- وفي نقض المنطق لابن تيمية: يروى عن الشافعي: آمنت بما جاء عن الله وبما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مراد الله. (4)
- جاء في السير وذم الكلام عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول في كتاب الوصايا: لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر وكان فيها كتب الكلام، لم تدخل في الوصية لأنه ليس من العلم. (5)
- وفيهما أيضا عن الزعفراني قال: سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحدا في الكلام إلا مرة، وأنا أستغفر الله من ذلك. (6)
_________
(1) اجتماع الجيوش (153 - 154).
(2) الشورى الآية (11).
(3) السير (20/ 341).
(4) نقض المنطق (ص.2) ومجموع الفتاوى (6/ 354).
(5) السير (10/ 30) وذم الكلام (253).
(6) السير (10/ 30) وذم الكلام (253).(3/221)
- وفي ذم الكلام قال المزني: كان الشافعي ينهى عن الخوض في الكلام. (1)
- وفيه عن الشافعي قال: لو أردت أن أضع على كل مخالف كتابا كبيرا لفعلت، ولكن ليس الكلام من شأني ولا أحب أن ينسب إلي منه شيء. (2)
- وفي أصول الاعتقاد عن الربيع بن سليمان: حضرت محمد بن إدريس الشافعي وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها، ما تقول في قول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ ربهم يومئذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (3) قال الشافعي: فلما أن حجبوا هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أنهم يرونه في الرضى، قال الربيع: قلت يا أبا عبد الله وبه تقول؟ قال نعم، وبه أدين الله، لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى الله لما عبد الله تعالى. (4)
- جاء في الإبانة: سمع الشافعي رجلين يتكلمان في الكلام فقال: إما أن تجاورونا بخير وإما أن تقوما عنا. (5)
- وفيها عنه قال: والله لأن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك به، خير من النظر في الكلام. (6)
_________
(1) ذم الكلام (254).
(2) ذم الكلام (256).
(3) المطففين الآية (15).
(4) أصول الاعتقاد (3/ 560/883).
(5) الإبانة (2/ 534/660) ومثله في أصول الاعتقاد (1/ 166/304) وذم الكلام (253) ودرء التعارض (7/ 245).
(6) الإبانة (2/ 534/661) وأصول الاعتقاد (1/ 165/300) والبداية والنهاية (10/ 294).(3/222)
- وفيها عن أبي ثور: قال لي الشافعي: يا أبا ثور، ما رأيت أحدا ارتدى شيئا من الكلام فأفلح. (1)
- وجاء في أصول الاعتقاد عنه قال: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. (2)
- وجاء في ذم الكلام عن المزني قال: كنت أنظر في الكلام قبل أن يقدم الشافعي، فلما قدم الشافعي أتيته فسألته عن مسألة في الكلام فقال لي أتدري أين أنت؟ قال: قلت نعم، أنا في المسجد بالفسطاط فقال لي: أنت في تاران، قال أبو القاسم: وتاران موضع في بحر القلزم لا يكاد تسلم منه سفينة، قال: ثم ألقى علي مسألة في الفقه فأجبت فيها، فأدخل شيئا أفسد جوابي فأجبت بغير ذلك فأدخل شيئا أفسد جوابي، فجعلت كلما أجبت بشيء أفسده قال: ثم قال لي: هذا الفقه الذي فيه الكتاب والسنة وأقاويل الناس يدخله مثل هذا، فكيف الكلام في رب العالمين الذي الزلل فيه كفر، فتركت الكلام وأقبلت على الفقه. (3)
- وفي آداب الشافعي عن يونس: سمعت الشافعي يقول: قالت لي أم المريسي كلم بشرا أن يكف عن الكلام، فكلمته فدعاني إلى الكلام. (4)
- وفي شرف أصحاب الحديث عن الشافعي أنه قال: حكمي في
_________
(1) الإبانة (2/ 530/666) وأصول الاعتقاد (1/ 165 - 166/ 303) وآداب الشافعي (186) والحلية (9/ 111) والسير (10/ 18).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 278 - 279/ 419) والإبانة (2/ 52/250) والبداية والنهاية (10/ 265).
(3) ذم الكلام (ص.249).
(4) آداب الشافعي (187) والإبانة (2/ 103/346) وتاريخ بغداد (7/ 59) والحلية (9/ 110 - 111).(3/223)
أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل فينادى عليهم، هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام- يعني أهل البدع. (1)
- وفي السير وذم الكلام قال الحسين بن إسماعيل المحاملي: قال المزني: سألت الشافعي عن مسألة من الكلام، فقال: سلني عن شيء إذا أخطأت فيه قلت أخطأت، ولا تسألني عن شيء إذا أخطأت فيه قلت كفرت. (2)
- وفي ذم الكلام والحلية: سئل الشافعي عن شيء من الكلام فغضب وقال سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه أخزاهم الله. (3)
- وفي الأسماء والصفات للبيهقي والحلية عن الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله تعالى فحنث فعليه الكفارة، لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة وبالصفا والمروة فليس عليه كفارة، لأنه مخلوق، وذاك غير مخلوق. (4)
- وفي السير وذم الكلام عن يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى والشيء غير الْمُشَيِّ فاشهد عليه بالزندقة. (5)
_________
(1) شرف أصحاب الحديث (ص.78) وجامع بيان العلم (2/ 941) وذم الكلام (252) وتلبيس إبليس (102)
والاعتصام (1/ 227) والمنهاج (2/ 138 - 139 و610) ومجموع الفتاوى (5/ 119) والبداية والنهاية (10/ 265).
(2) ذم الكلام (250) وطبقات الحنابلة (2/ 154) والمنهاج (5/ 251) والسير (10/ 28).
(3) ذم الكلام (251) والحلية (9/ 111) وجامع بيان العلم (2/ 940).
(4) أصول الاعتقاد (2/ 236/343 - 344) والحلية (9/ 113) وآداب الشافعي (193) والأسماء والصفات (256 - 257) والإبانة (1/ 274/42).
(5) ذم الكلام (253) والسير (10/ 30) وجامع بيان العلم وفضله (2/ 941) بنحوه.(3/224)
- وفي الحلية وذم الكلام عن ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد. (1)
- وفي طبقات الحنابلة عن ابن أبي حاتم قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى المصري قال: سمعت الشافعي يقول وقد سئل عن صفات الله وما ينبغي أن يؤمن به؟ فقال: لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - أمته لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها أن القرآن نزل به وصح عنه بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روى عنه العدل، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه، فهو بالله كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر، فمعذور بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالروية والفكر ونحو ذلك أخبار الله سبحانه وتعالى، أتانا أنه سميع وأن له يدين بقوله: {بَلْ يداه مَبْسُوطَتَانِ} (2) وأن له يمينا بقوله: {وَالسَّماوَاتُ مطوياتٌ بيمينه} (3)، وأن له وجها بقوله: {كل شَيْءٍ هَالِكٌ إِلًّا وجهه} (4) وقوله: {ويبقى وَجْه ربك ذو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (5) وأن له قدما بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حتى يضع الرب فيها قدمه" (6) يعني جهنم، وأنه يضحك من
_________
(1) الحلية (9/ 111) وذم الكلام (255) وجامع بيان العلم وفضله (2/ 941) ودرء التعارض (7/ 245) والسير (10/ 16).
(2) المائدة الآية (64).
(3) الزمر الآية (67).
(4) القصص الآية (88).
(5) الرحمن الآية (27).
(6) انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز بن عبد الله الماجشون سنة (164هـ).(3/225)
عبده المؤمن بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي قتل في سبيل الله "إنه لقي الله وهو يضحك إليه" (1)
وأنه يهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا بخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك (2) وأنه ليس بأعور بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ ذكر الدجال فقال: "إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور" (3) وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر (4)، وأن له إصبعا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل" (5) فإن هذه المعاني التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما لا يدرك حقيقته بالفكر والروية، فلا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها. فإن كان الوارد بذلك خبرا يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته والشهادة عليه كما عاين وسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن يثبت هذه الصفات وينفي التشبيه كما
_________
(1) أخرجه من طريق إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن نعيم بن همار: أحمد (5/ 287) وأبو يعلى (12/ 258 - 259/ 6855) وسعيد بن منصور في سننه (2/ 219/2566 تحقيق الأعظمي) والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 410 - 411/ 986) وذكره الهيثمي في المجمع (5/ 292) وقال: "رواه أحمد وأبو يعلى ... ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات" .. وهو كما قال، غير إسماعيل بن عياش فهو يخلط عن غير أهل بلده، وقد روى هنا عن بحير بن سعد وهو ثقة من أهل بلده فارتفع بذلك الخلط.
ولفظه عن نعيم بن همار أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاءه رجل فقال: أي الشهداء أفضل؟ قال:"الذين يلقون في الصف فلا يقلبون وجوههم حتى يقتلوا أولئك يتلبطون في الغرف العليا من الجنة يضحك إليهم ربك، وإذا ضحك في موطن فلا حساب عليه".
(2) تقدم من حديث أبي هريرة. انظر مواقف حماد بن سلمة سنة (167هـ).
(3) جزء من حديث طويل أخرجه: أحمد (2/ 149) والبخاري (6/ 211/3057) ومسلم (4/ 2245/2931 (169)) وأبو داود (4/ 503/4229) دون ذكر محل الشاهد. والترمذي (4/ 440/2235) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(4) انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز الماجشون سنة (164هـ).
(5) أخرجه من حديث النواس بن سمعان: أحمد (4/ 182) والنسائي في الكبرى (4/ 414/7738) وابن ماجه (1/ 72/199). وقال في الزوائد: "إسناده صحيح".(3/226)
نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1). (2)
- وفي السير قال علي بن محمد بن أبان القاضي: حدثنا أبو يحيى زكريا الساجي حدثنا المزني قال: قلت: إن كان أحد يخرج ما في ضميري وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي، فصرت إليه وهو في مسجد مصر فلما جثوت بين يديه قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أن أحدا لا يعلم علمك، فمن الذي عندك؟ فغضب ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت نعم قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون. أبلغك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالسؤال عن ذلك، قلت: لا، قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: تدري كم نجما في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، مم خلق؟ قلت: لا، قال: فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم في علم خالقه؟ ثم سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها، ففرعها على أربعة أوجه، فلم أصب في شيء منه، فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات تدع علمه وتتكلف علم الخالق، إذا هجس في ضميرك ذلك فارجع إلى الله وإلى قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (3) الآية، فاستدل
_________
(1) الشورى الآية (11).
(2) طبقات الحنابلة (1/ 283 - 284) ومجموع الفتاوى (4/ 182 - 183).
(3) البقرة الآيتان (163 - 164).(3/227)
بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلف علم ما لم يبلغه عقلك. قال: فتبت. (1)
- وفي آداب الشافعي عن الربيع بن سليمان قال: حضرت الشافعي أو حدثني أبو شعيب إلا أني أعلم أنه حضر عبد الله بن عبد الحكم ويوسف بن عمرو بن يزيد وحفص الفرد وكان الشافعي يسميه حفصا المنفرد فسأل حفص عبد الله بن عبد الحكم فقال: ما تقول في القرآن؟ فأبى أن يجيبه، فسأل يوسف بن عمرو بن يزيد، فلم يجبه، وأشار إلى الشافعي، فسأل الشافعي واحتج عليه فطالت فيه المناظرة، فقام الشافعي بالحجة عليه بأن القرآن كلام الله غير مخلوق وبكفر حفص.
قال الربيع: فلقيت حفصا، فقال: أراد الشافعي قتلي. (2)
- وفي مناقب الشافعي والسير عن زكريا الساجي: سمعت محمد بن إسماعيل سمعت حسين بن علي الكرابيسي يقول: شهدت الشافعي ودخل عليه بشر المريسي فقال لبشر: أخبرني عما تدعو إليه، أكتاب ناطق وفرض مفترض وسنة قائمة ووجدت عن السلف البحث فيه والسؤال؟ فقال بشر: لا، إلا أنه لا يسعنا خلافه، فقال الشافعي، أقررت بنفسك على الخطأ فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار يواليك الناس وتترك هذا، قال: لنا نهمة فيه، فلما خرج بشر قال الشافعي: لا يفلح. (3)
- وقال في خطبة رسالته: الحمد لله الذي لا يؤدي شكر نعمة من
_________
(1) السير (10/ 31 - 32).
(2) آداب الشافعي (194 - 195) والحلية (9/ 112) ومناقب الشافعي (1/ 455) وأصول الاعتقاد (2/ 279/421) والشريعة (1/ 223 - 224/ 190) وذم الكلام (254).
(3) مناقب الشافعي (1/ 204) والسير (10/ 27).(3/228)
نعمه إلا بنعمة منه، توجب مؤدى ماضي نعمه بأدائها: نعمة حادثة يجب عليه شكره بها، ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به خلقه. (1)
- جاء في السير: -قال- الحاكم: سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان، سمعت الحسن بن صاحب الشاشي، سمعت الربيع، سمعت الشافعي وسئل عن القرآن؟ فقال: أف أف، القرآن كلام الله من قال: مخلوق فقد كفر. هذا إسناد صحيح. (2)
- وفيها: زكريا الساجي: حدثني أحمد بن مردك الرازي سمعت عبد الله ابن صالح صاحب الليث يقول: كنا عند الشافعي في مجلسه، فجعل يتكلم في تثبيت خبر الواحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكتبناه، وذهبنا به إلى إبراهيم بن علية، وكان من غلمان أبي بكر الأصم، وكان في مجلسه عند باب الصوفي، فلما قرأنا عليه جعل يحتج بإبطاله، فكتبنا ما قال، وذهبنا به إلى الشافعي فنقضه وتكلم بإبطاله، ثم كتبناه، وجئنا به إلى ابن علية، فنقضه ثم جئنا به إلى الشافعي فقال: إن ابن علية ضال، قد جلس بباب الضوال يضل الناس.
قال الذهبي: كان إبراهيم من كبار الجهمية، وأبوه إسماعيل شيخ المحدثين إمام. (3)
- وفيها: وقال أبو نعيم: حدثنا الحسن بن سعيد حدثنا زكريا الساجي
_________
(1) الرسالة (ص.7 - 8) وإعلام الموقعين (4/ 248).
(2) السير (10/ 18).
(3) السير (10/ 23 - 24).(3/229)
سمعت البويطي سمعت الشافعي يقول: إنما خلق الله الخلق بكن، فإذا كانت (كن) مخلوقة فكأن مخلوقا خلق بمخلوق. (1)
- وفيها: الزبير بن عبد الواحد: أخبرني علي بن محمد بمصر، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: كان الشافعي بعد أن ناظر حفصا الفرد يكره الكلام، وكان يقول: والله لأن يفتي العالم، فيقال: أخطأ العالم خير له من أن يتكلم فيقال: زنديق، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله. (2)
- وفيها: وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن حامد السلمي، سمعت محمد بن عقيل بن الأزهر يقول: جاء رجل إلى المزني يسأله عن شيء من الكلام، فقال: إني أكره هذا، بل أنهى عنه كما نهى عنه الشافعي، لقد سمعت الشافعي يقول: سئل مالك عن الكلام والتوحيد فقال: محال أن نظن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه علم أمته الاستنجاء، ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" (3) فما عصم به الدم والمال حقيقة التوحيد. (4)
- وفيها: وعن الشافعي: حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ.
- وقال أبو عبد الرحمن الأشعري صاحب الشافعي: قال الشافعي: مذهبي في أهل الكلام تقنيع رؤوسهم بالسياط، وتشريدهم في البلاد.
_________
(1) السير (10/ 88).
(2) السير (10/ 18).
(3) البخاري (13/ 311/7284 و7285) ومسلم (1/ 51 - 52/ 20) وأبو داود (2/ 198/1556) والترمذي (5/ 5 - 6/ 2607) والنسائي (7/ 88/3980) من حديث أبي هريرة.
(4) السير (10/ 26).(3/230)
قال الذهبي: لعل هذا متواتر عن الإمام. (1)
- عن الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: دخلت بغداد؛ فنزلت على بشر المريسي فأنزلني في غرفة له، فقالت أمه: لم جئت إلى هذا؟ قلت: لأسمع العلم. فقالت لي: هذا زنديق. (2)
- عن محمد الجرجاني سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول -وناظره رجل من أهل العراق- فخرج إلى شيء من الكلام فقال: هذا من الكلام دعه. (3)
- عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي: تعلم يا أبا موسى لقد اطلعت من أصحاب الكلام على شيء ما ظننت أن مسلما يقول ذلك. (4)
- عن عبد العزيز الجروي قال: كان الشافعي ينهى النهي الشديد عن الكلام في الأهواء ويقول: أحدهم إذا خالفه صاحبه قال: كفرت، والعلم فيه إنما يقال: أخطأت. (5)
- عن الربيع قال: أنشدنا الشافعي في ذم الكلام:
لم يبرح الناس حتى أحدثوا بدعا ... في الدين بالرأي لم تبعث بها الرسل
حتى استخف بدين الله أكثرهم ... وفي الذي حملوا من خفة شغل (6)
_________
(1) السير (10/ 29).
(2) الإبانة (2/ 13/102/ 345) وتاريخ بغداد (7/ 59).
(3) أصول الاعتقاد (1/ 164 - 165/ 299) وآداب الشافعي (185).
(4) أصول الاعتقاد (1/ 165/301) وآداب الشافعي (182).
(5) أصول الاعتقاد (1/ 165/302) وآداب الشافعي (185).
(6) ذم الكلام (256).(3/231)
موقفه من الخوارج:
- قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أن قوما أظهروا رأي الخوارج، وتجنبوا جماعات الناس وكفروهم، لم يحلل بذلك قتالهم، لأنهم على حرمة الإيمان، لم يصيروا إلى الحال التي أمر الله عز وجل بقتالهم فيها. بلغنا أن عليا رضي الله تعالى عنه بينا هو يخطب إذ سمع تحكيما من ناحية المسجد: لا حكم إلا لله عز وجل. فقال علي رضي الله تعالى عنه: كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم. (1)
- قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأرزقي الغساني عن أبيه أن عديا كتب لعمر بن عبد العزيز أن الخوارج عندنا يسبونك، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: إن سبوني فسبوهم أو اعفوا، وإن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم، وإن ضربوا فاضربوهم.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وبهذا كله نقول. (2)
موقفه من المرجئة:
- عن محمد بن محمد الشافعي: سمعت أبي محمد بن إدريس الشافعي يقول ليلة للحميدي: ما تحتج عليهم -يعني أهل الارجاء- بآية أحج من قوله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا
_________
(1) ابن أبي شيبة (7/ 562/37930) ومن طريقه البيهقي (8/ 184).
(2) كتاب الأم (4/ 309).(3/232)
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (1). (2)
- وفي ذم الكلام عن البويطي قال: سألت الشافعي: أصلي خلف الرافضي؟ قال: لا تصل خلف الرافضي ولا القدري ولا المرجئ قال: قلت: صفهم لنا؟ قال: من قال إن الإيمان قول فهو مرجئ ومن قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين فهو رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه فهو قدري. (3)
- عن أبي حاتم قال: سمعت حرملة بن يحيى يناظر رجلين بحضرة الشافعي بمصر في دار الجروي في الإيمان، فقال أحدهما: إن الإيمان قول، فحمي الشافعي من ذلك وتقلد المسألة على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. فطحن الرجل وقطعه. (4)
- وقال الشافعي رحمه الله في كتاب 'الأم' في باب النية في الصلاة: نحتج بأن لا تجزي صلاة إلا بنية لحديث عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنية" (5) ثم قال: وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم: أن الإيمان قول وعمل ونية ولا يجزي واحد من الثلاثة إلا بالآخر. (6)
- وجاء في السير: عن أبي ثور: قلت للشافعي: ضع في الإرجاء كتابا،
_________
(1) البينة الآية (5).
(2) الإبانة (2/ 826/1118) وأصول الاعتقاد (5/ 956/1592) والسنة للخلال (3/ 590/1038).
(3) ذم الكلام (255 - 256).
(4) الإبانة (2/ 826/1119) وأصول الاعتقاد (5/ 1034/1751).
(5) أحمد (1/ 25) والبخاري (1/ 11/1) ومسلم (3/ 1515 - 1516/ 1907) وأبو داود (2/ 651 - 652/ 2201) والترمذي (4/ 154/1647) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". والنسائي (1/ 62 - 63/ 75) وابن ماجه (2/ 1413/4227) من حديث عمر.
(6) أورده اللالكائي في أصول الاعتقاد (5/ 956 - 957/ 1593) ولم نقف عليه في كتاب الأم.(3/233)
فقال: دع هذا. فكأنه ذم الكلام. (1)
موقفه من القدرية:
- جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله، خير له من أن يلقاه بشيء من هذه الأهواء، وذلك أنه رأى قوما يتجادلون في القدر بين يديه، فقال الشافعي: أخبر الله في كتابه أن المشيئة له دون خلقه والمشيئة إرادة الله، يقول الله عز وجل: وَمَا {وما تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يشاء اللَّهُ} (2) فأعلم خلقه أن المشيئة له، -وكان يثبت القدر-. (3)
- وجاء في أصول الاعتقاد عن محمد بن يحيى بن آدم قال: سمعت المزني يقول: قال الشافعي: تدري من القدري؟ القدري: الذي يقول إن الله لم يخلق الشيء حتى عمل به. قال المزني والشافعي بكفره. (4)
- وقال الربيع بن سليمان: كنت جالسا عند الشافعي، وذكر القدر، فأنشأ يقول:
ما شِئْتَ كان وإن لم أَشَأ ... وما شِئْتُ إن لم تَشَأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن
فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح ومنهم حسن (5)
_________
(1) السير (10/ 30).
(2) التكوير الآية (29).
(3) أصول الاعتقاد (3/ 629/1013) والإبانة (2/ 10/262 - 263/ 1881) وبنحوه في ذم الكلام (251) وفي جامع بيان العلم وفضله (2/ 939) وفي السير (10/ 16).
(4) أصول الاعتقاد (4/ 776/1302).
(5) أصول الاعتقاد (4/ 776 - 777/ 1304).(3/234)
- وعن الربيع عن الشافعي أنه قال: لو حلف رجل فقال: والله لا أفعل كذا وكذا إلا أن يشاء الله وإلا أن يقدر الله فأراد به القدر فلا شيء عليه. (1)
- وفي ذم الكلام عن الشافعي أنه كان يكره الصلاة خلف القدري. وقال أبو يحيى: حدثنا إبراهيم بن زياد الأيلي سمعت البويطي يقول: سألت الشافعي: أصلي خلف الرافضي؟ قال: لا تصل خلف الرافضي ولا القدري ولا المرجئ، قال: قلت: صفهم لنا؟ قال: من قال: إن الايمان قول فهو مرجئ ومن قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين فهو رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه فهو قدري. (2)
شَاذ بن يَحْيى الواسطي (3) (204 هـ)
روى عن وكيع بن الجراح ويزيد بن هارون. وروى عنه أحمد بن سنان القطان وأحمد بن محمد بن أيوب الواسطي بلبل وتميم بن المنتصر الواسطي وغيرهم. قال أبو داود: سمعت أحمد قيل له: شاذ بن يحيى؟ قال: عرفته، وذكره بخير. توفي سنة أربع ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: ليس طريق أقصد إلى الجنة من طريق
_________
(1) أصول الاعتقاد (4/ 777/1305).
(2) ذم الكلام (255 - 256) والسير (10/ 31).
(3) السير (10/ 434) والجرح والتعديل (2/ 39) وتهذيب الكمال (12/ 341 - 342).(3/235)
من سلك الآثار. (1)
" التعليق:
لأنه هو الذي تكفل الله ببيانه وجعل الهداية فيه، وأما طرق المبتدعة فهي الظن والتخمين والهوى، فكيف تكون موصلة للجنة؟
موقفه من الجهمية:
قال عبد الله بن أحمد في السنة حدثني إبراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي قال سمعت شاذ بن يحيى يناظر يزيد بن هارون في شيء من أمر المريسي وهو يدعو عليه وجعل شاذ يلعن المريسي. (2)
النَّضْر بن شُمَيْل المَازِنِي (3) (204 هـ)
الإمام الحافظ العلامة، أبو الحسن المازني البصري النحوي نزيل مرو وعالمها. ولد في حدود سنة اثنتين وعشرين ومائة. قال أحمد بن سعيد الدارمي سمعته يقول: خرج بي أبي من مرو الروذ وأنا ابن خمس أو ست سنين إلى البصرة وقت الفتنة، يعني فتنة ظهور أبي مسلم سنة ثمان وعشرين ومائة. حدث عن هشام بن عروة وبهز بن حكيم وابن عون وحميد الطويل
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 98/112).
(2) السنة لعبد الله (38).
(3) طبقات ابن سعد (7/ 373) والتاريخ الكبير (8/ 90) وتهذيب الكمال (29/ 379 - 384) وتهذيب التهذيب (10/ 437) وتذكرة الحفاظ (1/ 314) والسير (9/ 328 - 332) والبداية والنهاية (10/ 266) وشذرات الذهب (2/ 7).(3/236)
وشعبة وحماد بن سلمة وخلق كثير. وعنه يحيى بن معين، وابن راهويه وأبو محمد الدارمي وأمم سواهم. سئل ابن المبارك عن النضر بن شميل فقال: درة بين مروين ضائعة، يعني كورة مرو، وكورة مرو الروذ. وقال أيضا: ذاك أحد الأحدين، لم يكن أحد من أصحاب الخليل بن أحمد يدانيه. وقال العباس بن مصعب: كان النضر إماما في العربية والحديث، وهو أول من أظهر السنة بمرو وجميع خراسان، وكان أروى الناس عن شعبة وخرج كتبا كثيرة لم يسبقه إليها أحد، ولي قضاء مرو. ومناقبه كثيرة. توفي في أول سنة أربع ومائتين وهو ابن ثمانين.
موقفه من المرجئة:
عن إبراهيم بن شماس: سمعت النضر بن شميل يقول: الإيمان قول وعمل. (1)
معروف الكرخي (204 هـ)
موقفه من المشركين:
جاء في السير: وقيل: كان أبواه نصرانيين، فأسلماه إلى مؤدب كان يقول له! قل: ثالث ثلاثة، فيقول معروف: بل هو الواحد، فيضربه، فيهرب، فكان والداه يقولان: ليته رجع، ثم إن أبويه أسلما. (2)
_________
(1) الإبانة (2/ 812/1109) والسنة لعبد الله (85).
(2) السير (9/ 339).(3/237)
عبد الله بن نافع الصائغ (1) (206 هـ)
عبد الله بن نَافِع بن أبي نافع الصَّائِغ القرشي، المخزومي مولاهم، أبو محمد المدني. روى عن أسامة بن زيد الليثي وداود الفراء وابن أبي الزناد والليث بن سعد ومالك بن أنس وبه تفقه وأكثر عنه. روى عنه أحمد بن صالح المصري والخلال، والزبير بن بكار وسحنون ويونس بن عبد الأعلى. قال ابن سعد: كان قد لزم مالك بن أنس لزوما شديدا لا يقدم عليه أحدا. قال أحمد بن حنبل: كان صاحب رأي مالك، ومفتي أهل المدينة برأي مالك. قال رحمه الله: صحبت مالكا أربعين سنة ما كتبت عنه شيئا وإنما كان حفظا أتحفظه. له تفسير في الموطأ رواه عنه يحيى بن يحيى. توفي بالمدينة في رمضان سنة ست ومائتين.
موقفه من الجهمية والمرجئة:
عن أبي الحسن بن العطار -محمد بن محمد- قال سمعت سريج بن النعمان يقول: سألت عبد الله بن نافع وقلت له: إن قبلنا من يقول: القرآن مخلوق؟ فاستعظم ذلك ولم يزل موجعا حزينا يسترجع. قال عبد الله يعني ابن نافع، قال مالك: من قال القرآن مخلوق يؤدب ويحبس حتى تعلم توبته. وقال مالك: الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، وقال مالك: الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه مكان. وقال مالك: القرآن كلام الله. وهكذا
_________
(1) طبقات ابن سعد (5/ 438) والتاريخ الكبير (5/ 213) وتهذيب الكمال (16/ 208 - 212) والسير (10/ 371 - 374) وتهذيب التهذيب (6/ 51 - 52) وشذرات الذهب (2/ 15) تاريخ الإسلام (حوادث 201 - 210/ص.221 - 222) والديباج المذهب (1/ 409 - 410).(3/238)
قال عبد الله بن نافع في هذا كله. (1)
أبو عمرو الشَّيْبَانِي اللغوي (2) (206 هـ)
إسحاق بن مِرَار النحوي اللغوي الكوفي نزيل بغداد، روى عن أبي عمرو بن العلاء وركين الشامي. وعنه ابنه عمرو وأحمد بن حنبل وأبو عبيد القاسم بن سلام وأحمد بن إبراهيم الدورقي وغيرهم. قال أبو بكر بن الأنباري: كان أبو عمرو الشيباني يقال له أبو عمرو صاحب ديوان اللغة والشعر، وكان خيرا فاضلا صدوقا. قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يلزم مجالس أبي عمرو ويكتب أماليه. قال عمرو بن أبي عمرو: لما جمع أبي أشعار العرب كانت نيفا وثمانين قبيلة، فكان كلما عمل منها قبيلة وأخرجها إلى الناس كتب مصحفا وجعله في مسجد الكوفة، حتى كتب نيفا وثمانين مصحفا بخطه. قال محمد بن إسحاق النديم كان راوية واسع العلم بصيرا باللغة ثقة في الحديث. مات سنة ست ومائتين وقيل عشر ومائتين، وبلغ من العمر مائة وعشرين سنة. وكان يكتب بيده إلى أن مات.
موقفه من الجهمية:
قال عبد الله بن أحمد في السنة: حدثت عن شيخ من أصحاب الحديث أنه سمع أبا عمرو الشيباني يقول لإسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، وقال
_________
(1) السنة لعبد الله (41) وأصول الاعتقاد (2/ 347/497).
(2) تاريخ بغداد (6/ 329 - 332) وتهذيب الكمال (34/ 134) وتهذيب التهذيب (12/ 182 - 184) وشذرات الذهب (2/ 23) تاريخ الإسلام (حوادث 201 - 210/ص.54) ووفيات الأعيان (1/ 201 - 202).(3/239)
القرآن مخلوق، فقلت: خلقه قبل أن يتكلم به أو بعد ما تكلم به، قال فسكت. (1)
يزيد بن هارون (2) (206 هـ)
ابن زَاذي ويقال ابن زَاذَان بن ثابت السلمي، أبو خالد الواسطي القدوة شيخ الإسلام روى عن أبان بن أبي عياش، وأبان بن يزيد العطار وإبراهيم بن سعد الزهري. وروى عنه إبراهيم بن يعقوب الجورجاني وأحمد ابن خالد الخلال، وأحمد بن خلاد. قال أحمد بن سنان: ما رأيت عالما أحسن صلاة من يزيد بن هارون يقوم كأنه أسطوانة يصلي بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، لم يكن يفتر من صلاة الليل والنهار. هو وهشيم معروفان بطول صلاة الليل والنهار. وقال أبو زرعة: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول: ما رأيت أتقن حفظا من يزيد بن هارون، قال أبو زرعة: والإتقان أكثر من حفظ السرد. مات أول سنة ست ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
أخرج الخطيب عن عمران بن حصين قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال
_________
(1) السنة لأبي عبد الله (33).
(2) تاريخ ابن معين (2/ 377) وطبقات ابن سعد (7/ 314 - 315) والجرح والتعديل (9/ 295) ومشاهير علماء الأمصار (177 - 178) وتاريخ بغداد (14/ 337 - 347) وتهذيب الكمال (32/ 261 - 270) وتذكرة الحفاظ (1/ 317 - 320) وشذرات الذهب (2/ 16).(3/240)
طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" (1). قال يزيد بن هارون: إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم .. ؟. (2)
موقفه من الرافضة:
- قال أبو سعيد: وسمعت الدقيقي يقول: سمعت يزيد بن هارون يقول: لا يصلى خلف الرافضي. (3)
- قال يزيد بن هارون: يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة فإنهم يكذبون. (4)
موقفه من الجهمية:
- روى الخطيب بسنده إلى يحيى بن أكثم قال: قال لنا المأمون: لولا مكان يزيد بن هارون، لأظهرت: القرآن مخلوق. فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين، ومن يزيد حتى يكون يتقى؟ قال: فقال ويحك، إني لا أتقيه لأن له سلطانا أو سلطنة ولكن أخاف إن أظهرته فيرد علي فيختلف الناس وتكون فتنة وأنا أكره الفتنة. قال: فقال له الرجل فأنا أخبر لك ذلك منه. قال: فقال له: نعم قال: فخرج إلى واسط فجاء إلى يزيد فدخل عليه المسجد وجلس إليه. فقال له: يا أبا خالد، إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك: إني أريد أن أظهر القرآن مخلوق. فقال: كذبت على أمير المؤمنين، أمير المؤمنين
_________
(1) أحمد (4/ 437) وأبو داود (3/ 11/2484) والحاكم (4/ 450) وقال: "صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي.
(2) المحدث الفاصل (177 - 178) وشرف أصحاب الحديث (ص.26).
(3) الشريعة (3/ 567/2082).
(4) المنهاج (1/ 60) والميزان (1/ 28).(3/241)
لا يحمل الناس على مالا يعرفونه، فإن كنت صادقا فاقعد إلى المجلس فإذا اجتمع الناس فقل. قال: فلما أن كان من الغد اجتمع الناس فقام فقال: يا أبا خالد رضي الله عنك، إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك: إني أردت أن أظهر القرآن مخلوق فما عندك في ذلك؟ قال كذبت على أمير المؤمنين، أمير المؤمنين ما يحمل الناس على ما لا يعرفونه، وما لم يقل به أحد. قال: فقدم. فقال: يا أمير المؤمنين كنت أنت أعلم قال: كان من القصة كيت وكيت، قال فقال له: ويحك تلعب بك. (1)
" التعليق:
هؤلاء هم العلماء حقا. جعل الله لهم الهيبة وجعل الرهبة والخوف في قلوب ملوكهم وأمرائهم، أين يزيد من الجيش العرمرم الذي كان تحت سلطة المأمون، ولكنه العلم النافع والعمل الصادق، وهذه هي سير السلف الصالح منذ بدايتهم إلى نهايتهم. نسأل الله أن يجعلنا على منهاجهم.
- قال الذهبي في السير: وقد كان يزيد رأسا في السنة معاديا للجهمية، منكرا تأويلهم في مسألة الاستواء. (2)
- وفي أصول الاعتقاد: عن شاذ بن يحيى الواسطي يقول: كنت قاعدا عند يزيد بن هارون، فجاء رجل فقال: يا أبا خالد، ما تقول في الجهمية؟ قال يستتابون: إن الجهمية غلت ففرغت في غلوها إلى أن نفت، وإن المشبهة
_________
(1) تاريخ بغداد (14/ 342).
(2) السير (9/ 362).(3/242)
غلت ففرغت في غلوها حتى مثلت، فالجهمية يستتابون والمشبهة -كذا- رماهم بأمر عظيم. (1)
" التعليق:
وهذه هي العبارة التي يقررها دائما شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم ومن تبعهم بإحسان، فلماذا الحقد على الشيخين؟ فالحاقد والمبغض لهما مبغض لأئمة السلف قاطبة. فما خرج الشيخان عنهم.
- وفي السنة: وحدثني إبراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي قال: كنا عند يزيد بن هارون وشاذ بن يحيى يناظره في شيء من أمر المريسي، وهو يدعو عليه، فتفرقنا على أن يزيد قال: من قال القرآن مخلوق فهو كافر، وجعل شاذ بن يحيى يلعن المريسي. (2)
- وفيها: قال عبد الله: حدثنا محمد بن إسماعيل الواسطي، سمعت شاذ بن يحيى وأثنى عليه خيرا قال حلف لي يزيد بن هارون في بيته: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من قال القرآن مخلوق فهو زنديق. (3)
- وقال عبد الله: حدثني إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، سمعت يزيد بن هارون يقول: لعن الله الجهم ومن قال بقوله، كان كافرا جاحدا ترك الصلاة
_________
(1) أصول الاعتقاد (3/ 587/934).
(2) السنة (ص.37).
(3) السنة (ص.17) ونحوه في الإبانة (2/ 50/246) والشريعة (2/ 83/722) وخلق أفعال العباد (ص.9).(3/243)
أربعين يوما يزعم يرتاد دينا. وذلك أنه شك في الإسلام، قال يزيد: قتله سالم ابن أحوز على هذا القول. (1)
" التعليق:
هكذا حال رؤوس البدع، تجدهم شاَكّين في الإسلام لا ثبات عندهم.
- قال عبد الله: حدثني إسحاق بن البهلول قال: قلت ليزيد بن هارون: أصلي خلف الجهمية؟ قال: لا، قلت: أصلي خلف المرجئة؟ قال: إنهم لخبثاء. (2)
- وقال: حدثني عباس العنبري، حدثنا ابن يحيى، سمعت يزيد بن هارون وقيل له من الجهمية؟ قال: من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي. (3)
- وأخرج الخلال بسنده إلى أحمد بن أبي الحارث، قال: سألت يزيد ابن هارون، فقلت: إن عندنا ببغداد رجل يقال له المريسي يقول: القرآن مخلوق. فقال: أما في فتيانكم أحد يفتك به؟. (4)
- وله بسنده إلى عمر بن عثمان الواسطي (ابن أخي علي بن عاصم) قال: مر بي يزيد بن هارون وأنا في الدكان، فصعد إلي، فقلت: يا أبا خالد
_________
(1) السنة لعبد الله (ص.37) وأصول الاعتقاد (3/ 422/631) والإبانة (2/ 94/325) والسنة للخلال (5/ 87/1688).
(2) السنة (ص.17) والسنة للخلال (5/ 92).
(3) السنة (ص.17).
(4) السنة للخلال (5/ 101) والسير (10/ 210).(3/244)
بلغني أن ببغداد رجل يقول: إن المريسي يقول القرآن مخلوق. فقال: من قال القرآن مخلوق، فهو كافر. (1)
- جاء في الإبانة: عن محمد بن مجاهد قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر، ومن لم يكفره، فهو كافر، ومن شك في كفره، فهو كافر. (2)
- وفيها: قال عمرو بن عثمان الواسطي -ابن أخي علي بن عاصم-: سألت هشيما، وجريرا، والمعتمر، ومرحوما، وعمي علي بن عاصم، وأبا بكر بن عياش، وأبا معاوية، وسفيان، والمطلب بن زياد، ويزيد بن هارون عن من قال: القرآن مخلوق، فقالوا: زنادقة. قلت ليزيد بن هارون: يقتلون يا أبا خالد بالسيف؟ قال: بالسيف. (3)
- وفيها: عن أحمد بن إبراهيم قال: سمعت يزيد بن هارون وذكر الجهمية فقال: هم والله الذي لا إله إلا هو، زنادقة عليهم لعنة الله. (4)
- وفيها: قال: وسمعت يزيد بن هارون يقول وقد ذكر الجهمية، فقال: هم كفار لا يعبدون شيئا. (5)
- وفيها: عن أحمد بن إبراهيم، قال: حدثني الثقة قال: سمعت يزيد بن
_________
(1) السنة لخلال (5/ 101).
(2) الإبانة (2/ 12/57/ 257).
(3) الإبانة (2/ 12/57/ 258).
(4) الإبانة (2/ 12/64/ 275) والشريعة (1/ 221/182) والسنة لعبد الله (ص.17) والسنة للخلال (5/ 90 - 91).
(5) الإبانة (2/ 13/100/ 338).(3/245)
هارون يقول: بشر المريسي وأبو بكر الأصم كافران حلالا الدم. (1)
- وفيها: عن حامد البلخي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: المريسي حلال الدم، يقتل فإن حي قتل، فإن حي قتل، فإن حي قتل، أخبر يا حامد أهل خراسان عني بهذا الكلام. (2)
- قال أبو عثمان الصابوني في عقيدته: وروى يزيد بن هارون في مجلسه، حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله في الرؤية، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر" (3) فقال له رجل في مجلسه: يا أبا خالد ما معنى هذا الحديث؟ فغضب وحرد وقال: ما أشبهك بصبيغ وأحوجك إلى مثل ما فعل به، ويلك، ومن يدري كيف هذا، ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث، أو يتكلم فيه بشيء من تلقاء نفسه إلا من سفه نفسه واستخف بدينه؟ إذا سمعتم الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتبعوه، ولا تبتدعوا فيه فإنكم إن اتبعتموه، ولم تماروا فيه سلمتم، وإن لم تفعلوا هلكتم. (4)
_________
(1) الإبانة (2/ 13/101/ 342) وخلق أفعال العباد (ص.21).
(2) الإبانة (2/ 13/103 - 104/ 349).
(3) انظر تخريجه في مواقف وكيع بن الجراح سنة (196هـ).
(4) عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص.236 - 237).(3/246)
شَبَابَة بن سَوَّار (1) (206 هـ)
الفَزَارِي مولاهم أبو عمرو المدائني أصله من خراسان. روى عن حريز ابن عثمان الرحبي وإسرائيل وشعبة وشيبان وغيرهم. وروى عنه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن محمد المسندي وابن أبي شيبة وغيرهم. قال ابن المديني وغيره: كان يرى الإرجاء، وقال أحمد العجلي: قيل لشبابة: أليس الإيمان قولا وعملا؟ قال: إذا قال فقد عمل. قال أبو زرعة: رجع شبابة عن الإرجاء. توفي سنة ست ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة قال عبد الله: حدثني إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني، سمعت شبابة بن سوار يقول: اجتمع رأيي ورأي أبي النضر هاشم بن القاسم وجماعة من الفقهاء على أن المريسي كافر جاحد، نرى أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه. (2)
- وفيها عن إسماعيل بن عبيد بن أَبي كريمة قال سمعت شبابة بن سوار وعبد العزيز بن أبان يقولان: القرآن كلام الله ومن زعم أنه مخلوق فهو كافر. (3)
موقفه من المرجئة:
جاء في تاريخ بغداد عن سعيد بن عمرو البرذعي قال: قيل لأبي زرعة
_________
(1) تاريخ بغداد (9/ 295 - 299) والسير (9/ 413 - 416) وتاريخ الإسلام (حوادث 201 - 210/ص.190 - 191) والوافي بالوفيات (16/ 98) وميزان الاعتدال (2/ 260 - 261) وتهذيب التهذيب (4/ 300 - 302) وتقريب التهذيب (1/ 245) وتذكرة الحفاظ (1/ 361).
(2) السنة لعبد الله (18) وأصول الاعتقاد (2/ 350 - 351/ 508).
(3) السنة لعبد الله (18) وأصول الاعتقاد (2/ 289/445).(3/247)
في أبي معاوية -وأنا شاهد- كان يرى الإرجاء؟ قال نعم، كان يدعو إليه، قيل فشبابة بن سوار أيضا، قال نعم، قيل رجع عنه؟ قال نعم، قال الإيمان قول وعمل. (1)
مُؤَمَّل بن إسماعيل (2) (206 هـ)
القرشي، العدوي، أبو عبد الرحمن البصري، نزيل مكة مولى آل عمر ابن الخطاب، وقيل مولى بني بكر بن عبد مناة بن كنانة. روى عن إبراهيم ابن يزيد الخوزي، وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وغيرهم. وروى عنه أحمد ابن إبراهيم الدورقي العبدي، وأحمد بن حنبل، وأبو الجوزاء أحمد بن عثمان النوفلي وغيرهم. وقال أبو حاتم: صدوق، شديد في السنة، كثير الخطأ. مات سنة ست ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
جاء في أصول الاعتقاد: قال محمود بن غيلان أبو أحمد سمعت مؤمل ابن إسماعيل يقول في غير مجلس يقبل علينا: أحرج على كل مبتدع جهمي أو رافضي أو قدري أو مرجئ سمع مني، والله لو عرفتكم لم أحدثكم. (3)
" التعليق:
هكذا كان شأن السلف مع المبتدعة، مهما كانت بدعتهم لا يقبلون
_________
(1) تاريخ بغداد (9/ 299).
(2) تقريب التهذيب (2/ 291) وتهذيب الكمال (29/ 176 - 179) وشذرات الذهب (2/ 16).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 706/1148).(3/248)
روايتهم في الجملة ولا يحدثونهم لأنهم ليسوا أهلا لذلك.
موقفه من الجهمية:
عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن أبي بزة قال: سمعت المؤمل بن إسماعيل، يقول: القرآن كلام الله، وليس بمخلوق. (1)
موقفه من المرجئة:
عن أبي الحسين بن أبي بزة قال: سمعت مؤمل بن إسماعيل يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. (2)
وهب بن جرير (3) (206 هـ)
ابن حازم بن زيد بن عبد الله بن شجاع الأزدي، أبو العباس البصري. روى عن الأسود بن شيبان، وأبيه جرير بن حازم وحماد بن زيد وسلام بن أبي مطيع وغيرهم. وروى عنه إبراهيم بن محمد بن عرعرة، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وأحمد بن إبراهيم الدورقي وغيرهم. أمر أحمد بن حنبل بالكتابة عنه، وأكثر عنه في 'مسنده'. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال: صدوق. قيل له: وهب بن جرير وروح بن عبادة وعثمان بن
_________
(1) الشريعة (1/ 233 - 234/ 208).
(2) الإبانة (2/ 813/1116) والشريعة (1/ 289/287).
(3) تاريخ ابن معين (2/ 635) وطبقات ابن سعد (7/ 298) والجرح والتعديل (9/ 28) وتهذيب الكمال (31/ 121 - 125) وسير أعلام النبلاء (9/ 442) وتذكرة الحفاظ (1/ 336 - 337) وشذرات الذهب (2/ 16).(3/249)
عمر. قال: وهب أحب إلي منهما، وهب صالح الحديث. توفي سنة ست ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- قال البخاري في خلق أفعال العباد: وقال وهب بن جرير: الجهمية زنادقة إنما يريدون أنه ليس على العرش استوى. (1)
- وقال الإمام ابن القيم: صح عنه أنه قال: إياكم ورأي جهم فإنهم يحاولون أن ليس في السماء شيء، وما هو إلا من وحي إبليس، وما هو إلا الكفر، حكاه محمد بن عثمان الحافظ في رسالته في السنة. (2)
- وفي السنة لعبد الله عن إبراهيم بن سعد وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي ووهب بن جرير وأبي النضر هاشم بن القاسم وسليمان بن حرب قالوا: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. (3)
موقف السلف من عبد المجيد بن عبد العزيز (206 هـ)
إرجاؤه:
- جاء في السير: قال فيه أحمد بن حنبل كان فيه غلو في الإرجاء، يقول: هؤلاء الشكاك، يريد قول العلماء: أنا مؤمن إن شاء الله.
_________
(1) خلق أفعال العباد (ص.9) واجتماع الجيوش الإسلامية (127).
(2) اجتماع الجيوش الإسلامية (202).
(3) السنة لعبد الله (30) وأصول الاعتقاد (2/ 277 - 278/ 416) والإبانة (2/ 9/187).(3/250)
وقال فيه يعقوب بن سفيان: كان مبتدعا داعية.
وقال فيه أبو داود: كان عبد المجيد رأسا في الإرجاء. (1)
- وفيها: قال سلمة بن شبيب: كنت عند عبد الرزاق فجاءنا موت عبد المجيد، وذلك في سنة ست ومئتين. فقال: الحمد لله الذي أراح أمة محمد من عبد المجيد. (2)
وللسلف مواقف أخر منه ستأتي معنا بإذن الله.
وله موقف طيب من القدرية:
- جاء في أصول الاعتقاد: عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال: كنا مع إنسان يتكلم في القدر فأخذ بيضة وكنا نأكل بيضا وخبزا فقال هذه البيضة إن شئت أكلتها وإن شئت لم آكلها. قال: فقلنا له فشأ. قال: فأنا أشاء. قال: فأدخلها في فيه فوثب إليه رجلان من أصحابنا جلدان ففكا لحييه حتى رماها. فقالا: زعمت أنك يا عدو الله لو شئت لأكلتها ولكن المشيئة إلى الله شاء أن لا تأكلها فطرحتها. (3)
تنبيه:
هذا الرجل كان فيه غلو في الإرجاء، وقد بينا بحمد الله مواقف السلف منه، وإنما نقلنا عنه هنا ما وافق فيه السلف في هذا الباب.
_________
(1) السير (9/ 434 - 435).
(2) السير (9/ 435).
(3) أصول الاعتقاد (4/ 803/1341).(3/251)
محمد بن عمر الواقدي (1) (207 هـ)
صاحب التصانيف والمغازي، العلامة أبو عبد الله، أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه. ولد بعد العشرين ومائة وطلب العلم عام بضعة وأربعين، وسمع من صغار التابعين فمن بعدهم بالحجاز والشام وغير ذلك. حدث عن محمد بن عجلان، وابن جريج، وثور بن يزيد ومعمر بن راشد وغيرهم. وحدث عنه محمد بن سعد كاتبه وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو حسان الحسن ابن عثمان الزيادي وغيرهم. قال الذهبي: وجمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي، وأيام الصحابة وأخبارهم. قال الخطيب: هو ممن طبق ذكره شرق الأرض وغربها، وسارت بكتبه الركبان في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات والفقه، وكان جوادا كريما مشهورا بالسخاء. قال محمد بن سلام الجمحي: الواقدي عالم دهره. وروى عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه قال: عند الواقدي عشرون ألف حديث لم أسمع بها، ثم قال: لا يروى عنه، وضعفه. قال الشافعي: كتب الواقدي كذب. وعن أحمد بن حنبل: الواقدي كذاب. قال إسحاق: هو عندي ممن يضع الحديث. قال الذهبي: وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج، أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر فهذه الكتب الستة ومسند
_________
(1) السير (9/ 454 - 469) وتاريخ ابن معين (2/ 532) وطبقات ابن سعد (7/ 334 - 335) والجرح والتعديل (8/ 20 - 21) والفهرست لابن النديم (144 - 145) وتاريخ بغداد (3/ 3 - 21) ومعجم الأدباء (18/ 277 - 282)
وتهذيب الكمال (26/ 180 - 195) وميزان الاعتدال (3/ 662 - 666).(3/252)
أحمد وعامة من جمع في الأحكام، نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئا مع أن وزنه عندي مع ضعفه يكتب حديثه ويروى لأني لا أتهمه بالوضع وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه، كيزيد، وأبي عبيد، والصاغاني، والحربي، ومعن وتمام عشرة محدثين، إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة وأن حديثه في عداد الواهي، رحمه الله. مات سنة سبع ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- له كتب، عناوينها تدل على محاربته للمبتدعة، وذلك الظن به وبأمثاله، وهي:
1 - السنة والجماعة وذم الهوى وترك الخوارج في الفتن.
2 - كتاب الردة والدار.
3 - مقتل الحسن.
4 - كتاب صفين.
5 - مولد الحسن والحسين ومقتل الحسين. (1)
" التعليق:
هذا الوقت الذي عاش فيه الواقدي، كان يغلي بالأهواء والبدع من جهمية وقدرية وخوارج وغيرهم، فلعله ألف هذه الكتب في بيان أحوالهم
_________
(1) هدية العارفين (2/ 10) ومعجم الأدباء (18/ 282) والفهرست لابن النديم (ص.144).(3/253)
والرد عليهم، ولو كانت هذه الكتب بين أيدينا، وكتب الله لها البقاء، وتيسر لنا الاطلاع عليها لتبين الأمر أكثر، وأما الذين ترجموا له وذكروها، فلم يعرفونا عن شيء منها.
أبو النَّضْر هاشم بن القاسم (1) (207 هـ)
هاشم بن القاسم أبو النضر الليثي البغدادي خراساني الأصل لقب بقيصر. ولد سنة أربع وثلاثين ومائة.
سمع من ابن أبي ذئب وشعبة، وحريز بن عثمان وعكرمة بن عمار وغيرهم. وسمع منه أحمد وعلي ويحيى بن معين وإسحاق وخلق كثير. كان أحمد بن حنبل يقول: أبو النضر شيخنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. وقال أيضا: هو من متثبتي بغداد. وقال العجلي: كان أبو النضر من الأبناء، ثقة، صاحب سنة، سكن بغداد وكان أهلها يفخرون به. مات على الصحيح في ذي القعدة سنة سبع ومائتين رحمه الله.
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة لعبد الله عن إبراهيم بن سعد وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي ووهب بن جرير وأبي النضر هاشم بن القاسم وسليمان بن حرب قالوا: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. (2)
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 335) وتاريخ بغداد (14/ 63 - 66) وتهذيب الكمال (30/ 130 - 136) وتذكرة الحفاظ (1/ 359) والسير (9/ 545 - 549) وتهذيب التهذيب (11/ 18 - 19)
(2) السنة لعبد الله (30) وأصول الاعتقاد (2/ 277 - 278/ 416) والإبانة (2/ 12/9/ 187).(3/254)
- وفي الإبانة عنه قال: سألني إبراهيم بن شلكة -يعني: إبراهيم بن المهدي- عن القرآن، فقلت: القرآن كلام الله وليس بمخلوق. (1)
أبو محمد بِشْر بن عمر (2) (207 هـ)
بشر بن عمر بن الحكم بن عُقْبة الزَّهراني الأزدي، أبو محمد البصري الإمام الثبت. سمع عكرمة بن عمار وشعبة بن الحجاج وعاصم بن محمد العمري وجماعة. وسمع منه إسحاق بن راهويه وبشر بن آدم والذهلي وآخرون. قال ابن سعد: وكان ثقة راوية مالك بن أنس. توفي بالبصرة سنة سبع ومائتين.
موقفه من الجهمية:
عن بشر بن عمر قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: {الرَّحْمَنُ على الْعَرْشِ استوى} (3) قال: على العرش استوى: ارتفع. (4)
_________
(1) الإبانة (2/ 12/16/ 203).
(2) طبقات ابن سعد (7/ 300) وتهذيب الكمال (4/ 138 - 140) وتذكرة الحفاظ (1/ 337) والسير (9/ 417 - 418) وتهذيب التهذيب (1/ 455 - 456).
(3) طه الآية (5).
(4) أصول الاعتقاد (3/ 440/662).(3/255)
محمد بن مصعب (1) (208 هـ)
محمد بن مصعب بن صَدَقَة القُرْقُسَاني، أبو عبد الله وقيل: أبو الحسن. روى عن الأوزاعي ومالك وحماد بن سلمة وإسرائيل وآخرين. وروى عنه أحمد بن حنبل وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة وجماعة. قال صالح بن محمد جزرة: عامة أحاديثه عن الأوزاعي مقلوبة. قال الخطيب: كان كثير الغلط لتحديثه من حفظه ويذكر عنه الخير والصلاح. مات سنة ثمان ومائتين.
موقفه من الجهمية:
قال محمد بن مصعب العابد: من زعم أنك لا تتكلم ولا ترى في الآخرة فهو كافر بوجهك، أشهد أنك فوق العرش فوق سبع سموات ليس كما يقول أعداء الله الزنادقة. (2)
قُرَيْش بن أَنَس (3) (208 هـ)
قريش بن أنس الأنصاري وقيل: الأموي، مولاهم أبو أنس البصري. روى عن عبد الله بن عون وعثمان بن غياث وعثمان الشحام وعوف الأعرابي وعدة. وروى عنه علي بن المديني ويحيى بن معين وعبد الله بن أبي
_________
(1) تاريخ بغداد (3/ 276 - 279) وتهذيب الكمال (26/ 460 - 465) وميزان الاعتدال (4/ 42) وتاريخ الإسلام (حوادث 201 - 210/ص.373 - 375) والوافي بالوفيات (5/ 32 - 68) وتهذيب التهذيب (9/ 458 - 460) وشذرات الذهب (2/ 21).
(2) السنة لعبد الله (40).
(3) تهذيب الكمال (23/ 585 - 589) وميزان الاعتدال (3/ 389) وتهذيب التهذيب (8/ 374 - 375) وشذرات الذهب (2/ 21).(3/256)
الأسود وآخرون. مات سنة ثمان ومائتين.
موقفه من الجهمية:
قال قريش بن أنس: سمعت عمرو بن عبيد يقول: يؤتى بي يوم القيامة، فأقام بين يدي الله فيقول لي: لم قلت: إن القاتل في النار؟ فأقول: أنت قلته، ثم تلا هذه الآية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} (1) قلت له -وما في البيت أصغر مني: أرأيت إن قال لك قد قلت: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (2) من أين علمت أني لا أشاء أن أغفر؟ قال: فما استطاع أن يرد علي شيئا. (3)
سعيد بن عامر الضبعي (4) (208 هـ)
سعيد بن عامر الضبعي البصري الزاهد الحافظ، أبو محمد مولى بني عجيف، ولد بعد العشرين ومائة. حدث عن شبيل بن عزرة صاحب أنس، وحبيب بن الشهيد ومحمد بن عمرو بن علقمة وهمام بن يحيى وآخرين. وحدث عنه علي بن المديني وأحمد ويحيى بن معين وابن راهويه وبندار وعدد كثير. قال محمد بن الوليد البسري: سمعت يحيى بن سعيد يقول: هو شيخ
_________
(1) النساء الآية (93).
(2) النساء الآية (48).
(3) تأويل مختلف الحديث (83).
(4) طبقات ابن سعد (7/ 296) وتهذيب الكمال (10/ 510 - 514) وتذكرة الحفاظ (1/ 351) وتاريخ الإسلام (حوادث201 - 210/ 170 - 171) والسير (9/ 385 - 387) والوافي بالوفيات (15/ 231).(3/257)
مصر منذ أربعين سنة. وقال أبو داود قال يحيى بن سعيد: إني لأغبط جيران سعيد بن عامر. وقال أبو حاتم: كان سعيد بن عامر رجلا صالحا صدوقا في حديثه بعض الغلط. مات في شوال سنة ثمان ومائتين.
موقفه من الجهمية:
روى ابن أبي حاتم في كتاب 'الرد على الجهمية' عن سعيد بن عامر الضبعي -إمام أهل البصرة علما ودينا، من شيوخ الإمام أحمد- أنه ذكر عنده الجهمية، فقال: أَشر قولا من اليهود والنصارى، وقد أجمع اليهود والنصارى وأهل الأديان مع المسلمين على أن الله على العرش، وهم قالوا: ليس على شيء. (1)
أبو عبيدة معمر بن المثنى (2) (208 هـ)
الإمام العلامة البحر أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي مولاهم البصري النحوي صاحب التصانيف.
حدث عن هشام بن عروة ورؤبة بن العجاج وأبي عمرو بن العلاء وغيرهم. حدث عنه أبو عبيد القاسم بن سلام وعمر بن شبة وعلي بن المديني وطائفة.
وكان يرى رأي الخوارج. قال فيه الذهبي: قد كان هذا المرء من بحور
_________
(1) مجموع الفتاوى (5/ 52) ودرء التعارض (6/ 261).
(2) وفيات الأعيان (5/ 235) وتذكرة الحفاظ (1/ 271) وتاريخ بغداد (13/ 252 - 258) وميزان الاعتدال (4/ 155) والسير (9/ 445 - 447) وتهذيب الكمال (6/ 328 - 333).(3/258)
العلم، ومع ذلك فلم يكن بالماهر بكتاب الله، ولا العارف بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا البصير بالفقه واختلاف أئمة الاجتهاد، بلى وكان معافى من معرفة حكمة الأوائل والمنطق وأقسام الفلسفة، وله نظر في المعقول.
توفي سنة ثمان ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- عن الحسن بن محمد الكندي قال: قرأت على أبي عبيدة معمر بن المثنى البصري قال: بسم الله إنما هو الله لأن اسم الشيء هو الشيء قال لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (1)
- جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: إذا رأيت الرجل يقول: الاسم غير المسمى، فاشهد عليه بالزندقة. (2)
حفص بن عبد الله (3) (209 هـ)
حفص بن عبد الله بن راشد السلمي أبو عمرو، ويقال: أبو سهل النَّيْسَابوري الفقيه قاضي نيسابور. ولد بعد الثلاثين ومائة. سمع من مسعر بن كدام وعثمان بن عطاء الخراساني وسفيان الثوري وإسرائيل وخلق. وسمع منه ولده المحدث أحمد بن حفص وقطن بن إبراهيم ومحمد بن يزيد محمش
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 238/349).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 232).
(3) تهذيب الكمال (7/ 18 - 21) وتذكرة الحفاظ (1/ 368) وتاريخ الإسلام (حوادث 201 - 210/ص.115 - 116) والسير (9/ 485 - 486) وتهذيب التهذيب (2/ 403).(3/259)
ومحمد بن عقيل الخزاعي وآخرون. مات يوم السبت لخمس ليال بقين من شعبان سنة تسع ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
قال أبو عوانة الحافظ: سمعت محمد بن عقيل يقول: كان حفص بن عبد الله قاضيا بالأثر، ولا يقضي بالرأي ألبتة. (1)
عبد الرزاق بن هَمَّام الصَّنْعَاني (2) (211 هـ)
عبد الرزاق بن همام بن نافع الحافظ الكبير، عالم اليمن، أبو بكر الحِمْيَرِي، مولاهم الصنعاني الثقة. روى عن معمر بن راشد ومعتمر بن سليمان وابن جريج وابن المبارك والثوري وابن عيينة وآخرين. وعنه وكيع ابن الجراح وأحمد بن حنبل وإسحاق بن منصور الكوسج وعلي بن المديني ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه وطائفة. قال ابن أبي السري عن عبد الوهاب بن همام: كنت عند معمر فقال: يختلف إلينا أربعة: رباح بن زيد ومحمد بن ثور وهشام بن يوسف وعبد الرزاق، فأما رباح فخليق أن تغلب عليه العبادة وأما هشام فخليق أن يغلب عليه السلطان، وأما ابن ثور فكثير النسيان، وأما عبد الرزاق فإن عاش فخليق أن تضرب إليه أكباد الإبل، قال ابن أبي السري: فوالله لقد أتعبها.
_________
(1) السير (9/ 486).
(2) تذكرة الحفاظ (1/ 364) وتقريب التهذيب (1/ 505) ووفيات الأعيان (3/ 216 - 217) وتهذيب التهذيب (6/ 310 - 315) وشذرات الذهب (2/ 28) وتهذيب الكمال (18/ 52 - 62) والسير (9/ 563 - 580).(3/260)
وقال ابن حجر: ثقة حافظ، مصنف شهير، عمي في آخر عمره فتغير، وكان يتشيع. توفي سنة إحدى عشر ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
له كتاب التفسير وهو من التفاسير التي نقلت عقيدة السلف وآثارهم الطيبة المباركة، ذكره شيخ الإسلام من التفاسير السلفية في درء التعارض وغيره من كتبه. (1)
موقفه من الرافضة:
- جاء في السير عن عبد الرزاق قال: الرافضي عندي كافر. (2)
- عن سلمة بن شبيب قال: سمعت عبد الرزاق يقول: ما انشرح صدري قط أن أفضل عليا على أبي بكر وعمر، فرحمهما الله، ورحم عثمان وعليا، من لم يحبهم فما هو بمؤمن، أوثق عملي حبي إياهم. (3)
موقفه من الجهمية:
جاء في ذم الكلام عن عبد الرزاق قال: قال لي إبراهيم بن أبي يحيى: إني أرى المعتزلة عندكم كثيرا، قال: قلت: نعم ويزعمون أنك منهم، قال: أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك، قلت: لا، قال: لم؟ قلت: لأن القلب ضعيف وأن الدين ليس لمن غلب. (4)
_________
(1) انظر مثلا درء التعارض (2/ 22).
(2) السير (14/ 178).
(3) السير (9/ 573 - 574) وهو في الميزان (2/ 612) بنحوه.
(4) ذم الكلام (190) والإبانة (2/ 446 - 447/ 401) وأصول الاعتقاد (1/ 152/249).(3/261)
موقفه من الخوارج:
ضمن مصنفه بابا كبيرا في ذكر الخوارج: باب: قتال الحروراء (1) أورد فيه سبع عشرة حديثا، وقد مضى بعضها.
موقفه من المرجئة:
- جاء في ذم الكلام: عن حفص بن عمر المهرقاني، سألت عبد الرزاق، قلت يا أبا بكر إن عندنا قوما مختلفين في الإيمان فأخبرني على ما أنت وعلى ما أدركت العلماء؟ فقال: الإيمان عندنا قول وعمل ويقين وإصابة السنة، فمن عمل وأيقن وقال ولم يصب السنة فهو منقوص، ومن قال ولم يعمل فهو منقوص، ومن قال وعمل ولم يوقن فهو منقوص، على هذا أدركت العلماء. (2)
- عن عبد الرزاق قال: كان معمر وابن جريج والثوري ومالك وابن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص قال عبد الرزاق: وأنا أقول ذلك الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وإن خالفتهم فقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين. (3)
- وعن الحسن بن علي نعمان قال: نا عبد الرزاق قال: لقيت اثنين وستين شيخا منهم معمر والأوزاعي والثوري والوليد بن محمد القرشي ويزيد
_________
(1) (10/ 117 - 123).
(2) ذم الكلام (125).
(3) السنة لعبد الله بن أحمد (97) والشريعة (1/ 272/267) وأصول الاعتقاد (5/ 1028 - 1029/ 1735) والإبانة (2/ 813/1114).(3/262)
ابن السائب وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وشعيب بن حرب ووكيع بن الجراح ومالك بن أنس وابن أبي ليلى وإسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم ومن لم نسمه كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. (1)
- وجاء في السير: قال سلمة بن شبيب: كنت عند عبد الرزاق فجاءنا موت عبد المجيد، وذلك في سنة ست ومئتين. فقال: الحمد لله الذي أراح أمة محمد من عبد المجيد. (2)
موسى بن سليمان الجَوْزَجَاني (3) (211 هـ)
العلامة الإمام، أبو سليمان، موسى بن سليمان الجوزجاني، صاحب أبي يوسف ومحمد. سمع عبد الله بن المبارك وعمرو بن جميع، وأبا يوسف ومحمد بن الحسن وكان فقيها بصيرا بالرأي، يذهب مذهب أهل السنة في القرآن. سكن بغداد وحدث بها. فروى عنه عبد الله بن الحسن الهاشمي وأحمد ابن محمد بن عيسى البرتي وبشر بن موسى الأسدي وآخرون. قال ابن أبي حاتم: كتب عنه أبي وسئل عنه فقال: كان صدوقا. وقال أيضا: كان يكفر القائلين بخلق القرآن. وقيل: إن المأمون عرض عليه القضاء فامتنع، واعتل بأنه ليس بأهل لذلك فأعفاه ونبل عند الناس لامتناعه. وله تصانيف، منها: 'السير
_________
(1) أصول الاعتقاد (5/ 1029/1737).
(2) السير (9/ 435).
(3) تاريخ بغداد (13/ 36 - 37) والسير (10/ 194 - 195) الفوائد البهية للكنوي (216) والجواهر المضيئة (3/ 518 - 519) وتاريخ الإسلام (حوادث 211 - 220/ص.423) والمنتظم (10/ 246) والنجوم الزاهرة (2/ 202).(3/263)
الصغير' و'كتاب الصلاة' و'كتاب الرهن'. توفي بعد المائتين، وأرخ له ابن الجوزي وابن تغري بردي سنة إحدى عشر ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- عن القاسم بن أبي رجاء قال: كنت عند أبي سليمان الجوزجاني وجاءه رجل فقال: مسألة بلوى، فإن رجلين البارحة حلف أحدهما فقال: امرأته طالق ثلاثا ألبتة إن كان القرآن مخلوقا، وقال الآخر: امرأته طالق ثلاثا إن لم يكن القرآن مخلوقا. فقال: إن الذي حلف أن امرأته طالق إن لم يكن القرآن مخلوقا قد بانت منه امرأته. (1)
- عن أبي عبد الله الطهراني قال: سمعت الجوزجاني -يعني موسى بن سليمان- وسأله رجل عن مسألة فأفتاه ثم قال له: إن المريسي يقول بخلاف هذا. فقال الجوزجاني لمن حضره: سبحان الله، سمعتم أعجب من هذا، سألني عن مسألة فأجبته ثم حكى لي عن كافر. (2)
أبو العَتَاهِية (3) (211 هـ)
رأس الشعراء، الأديب الصالح الأوحد، أبو إسحاق، إسماعيل بن قاسم ابن سُوَيْد بن كَيْسَان العَنَزِي مولاهم الكوفي، نزيل بغداد. لقب بأبي العتاهية
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 299/476).
(2) أصول الاعتقاد (3/ 427/643).
(3) تاريخ بغداد (6/ 250 - 260) والسير (10/ 195 - 198) والبداية والنهاية (10/ 277) وشذرات الذهب (2/ 25).(3/264)
لاضطراب فيه، وقيل كان يحب الخلاعة فيكون مأخوذا من العتو. سار شعره لجودته وحسنه وعدم تقعره، تنسك بأخرة وقال في المواعظ والزهد فأجاد. وكان أبو نواس يعظمه ويتأدب معه لدينه ويقول: ما رأيته إلا توهمت أنه سماوي وأني أرضي. ومن شعره:
الناس في غفلاتهم ... ورحى المنية تطحن
قال الرشيد لأبي العتاهية: الناس يزعمون أنك زنديق؟ فقال: يا سيدي كيف أكون زنديقا وأنا القائل:
أيا عجبي كيف يعصى الإلـ ... ـه، أم كيف يجحده جاحد؟
ولله في كل تحريكة ... وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
وشعره كثير وسيرته طويلة. توفي سنة إحدى عشرة ومائتين.
موقفه من الجهمية:
قال ابن كثير في البداية: وفي صفر منها -أي من سنة سبع وثلاثين ومائتين- غضب المتوكل على ابن أبي دؤاد القاضي المعتزلي وكان على المظالم، فعزله عنها واستدعى بيحيى بن أكثم فولاه قضاء القضاة والمظالم أيضا. وفي ربيع الأول أمر الخليفة بالاحتياط على ضياع ابن أبي دؤاد وأخذ ابنه أبا الوليد محمد فحبسه في يوم السبت لثلاث خلون من ربيع الآخر، وأمر بمصادرته فحمل مائة ألف وعشرين ألف دينار، ومن الجواهر النفيسة ما يقوم بعشرين ألف دينار، ثم صولح على ستة عشر ألف ألف درهم. وكان ابن أبي(3/265)
دؤاد قد أصابه الفالج كما ذكرنا، ثم نفي أهله من سامرا إلى بغداد مهانين. قال ابن جرير فقال في ذلك أبو العتاهية:
لو كنت في الرأي منسوبا إلى رشد ... وكان عزمك عزما فيه توفيق
لكان في الفقه شغل لو قنعت به ... عن أن تقول كتاب الله مخلوق
ماذا عليك وأصل الدين يجمعهم ... ما كان في الفرع لولا الجهل والموق (1)
المُعَلَّى بن منْصُور (2) (211 هـ)
معلى بن منصور الحافظ أبو يعلى الرازي ثم البغدادي الفقيه أحد الأعلام، سمع مالكا وسليمان بن بلال والليث وشريكا وطبقتهم، وعنه أبو ثور وأبو خيثمة وخلق. كان من أوعية العلم وثقه ابن معين وغيره. وقال العجلي: ثقة نبيل صاحب سنة، طلبوه للقضاء غير مرة فيأبى. وقال ابن سعد: نزل بغداد، وطلب الحديث وكان صدوقا صاحب حديث ورأي وفقه، فمن أصحاب الحديث من روى عنه ومنهم من لا يروي عنه. توفي سنة إحدى عشرة ومائتين ببغداد وبها دفن.
موقفه من الجهمية:
قال سهل بن عمار: كنت عند المعلى بن منصور، وإبراهيم بن حرب النيسابوري في أيام خاض الناس في القرآن، فدخل علينا إبراهيم بن مقاتل
_________
(1) البداية (10/ 329).
(2) طبقات ابن سعد (7/ 341) وتذكرة الحفاظ (1/ 377) وميزان الاعتدال (4/ 150 - 151) وشذرات الذهب (2/ 27) والسير (10/ 365 - 370).(3/266)
المروزي، فذكر للمعلى أن الناس قد خاضوا في أمره، فقال: ماذا يقولون؟ قال: يقولون: إنك تقول: القرآن مخلوق. فقال: ما قلت، ومن قال: القرآن مخلوق، فهو عندي كافر.
قال الذهبي: كان معلى صاحب سنة واتباع، وكان بريئا من التجهم. (1)
أسد بن موسى (2) (212 هـ)
هو الإمام الحافظ، أبو سعيد أسد بن موسى بن إبراهيم القرشي الأموي. ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائة. روى عن شعبة بن الحجاج، وشيبان النحوي، وعبد الرحمن المسعودي. وحدث عنه أحمد بن صالح، وعبد الملك بن حبيب، والربيع بن سليمان المرادي. قال عنه البخاري: مشهور الحديث. ولقبه الذهبي: بأسد السنة. توفي سنة اثنتي عشرة ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
عن محمد بن وضاح عن غير واحد أن أسد بن موسى كتب إلى أسد ابن الفرات: اعلم يا أخي إنما حملني على الكتاب إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس وحسن حالك مما أظهرت من السنة، وعيبك لأهل البدع، وكثرة ذكرك لهم، وطعنك عليهم، فقمعهم الله بك وشد بك ظهر أهل السنة وقواك عليهم بإظهار عيبهم والطعن عليهم، فأذلهم الله بذلك وصاروا ببدعتهم مستترين، فأبشر أي أخي بثواب ذلك
_________
(1) السير (10/ 369) وتاريخ بغداد (13/ 188).
(2) السير (10/ 162) وتذكرة الحفاظ (1/ 402) وتهذيب الكمال (2/ 512) وتهذيب التهذيب (1/ 260).(3/267)
واعتد به من أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد، وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحيا شيئا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين" (1) وضم بين أصبعيه وقال: "أيما داع دعا إلى هدى فاتبع عليه كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة" (2) فمن يدرك يا أخي أجر هذا بشيء من عمله؟ وذكر أيضا: "إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا لله يذب عنها وينطق بعلامتها" (3)
فاغتنم -يا أخي- هذا الفضل وكن من أهله، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن وأوصاه وقال: "لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من كذا وكذا" (4)، وأعظم القول فيه. فاغتنم ذلك وادع إلى السنة حتى يكون لك في ذلك ألفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث، فيكونوا أئمة بعدك فيكون لك ثواب ذلك إلى يوم القيامة كما جاء الأثر، فاعمل على بصيرة ونية وحسبة، فيرد الله بك المبتدع المفتون الزائغ الحائر فتكون خلفا من نبيك
_________
(1) لم نظفر به بهذا اللفظ، وأقرب لفظ له ما رواه الترمذي (5/ 44 - 45/ 2678) وقال: "حديث حسن غريب عن أنس بن مالك بلفظ: " ... ومن أحيى سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة". وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. وله طرق أخرى لا تخلو من ضعف". انظر الضعيفة (4538).
(2) أخرجه: مسلم (4/ 2060/2674) وأبو داود (5/ 15 - 16/ 4609) والترمذي (5/ 42/2674) وقال: "حديث حسن صحيح". وابن ماجه (1/ 75/206) عن أبي هريرة.
(3) أخرجه: أبو نعيم في الحلية (10/ 400) والعقيلي في الضعفاء (3/ 100) من طريق عبد الغفار المديني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. وقال عبد الغفار المديني: "مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا به". وقال الذهبي في الميزان (2/ 641): "شيخ مدني حدث عن سعيد بن المسيب، لا يعرف، وكأنه أبو مريم، فإن خبره موضوع" ..
(4) الذي ورد: أن ذلك قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي لما أرسله إلى خيبر، ولفظه: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم". رواه: أحمد (4/ 52) والبخاري (6/ 137 - 138/ 2942) ومسلم (4/ 1872/2406) وأبو داود (4/ 69/3661) والنسائي في الكبرى (5/ 46/8149).(3/268)
- صلى الله عليه وسلم -، فأحي كتاب الله وسنة رسوله، فإنك لن تلقى الله بعمل يشبهه، وإياك أن يكون لك من أهل البدع أخ أو جليس أو صاحب، فإنه جاء الأثر: "من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه، ومن مشى إلى صاحب بدعة مشى في هدم الإسلام" (1)
وجاء: "ما من إله يعبد من دون الله أبغض إلى الله من صاحب هوى" (2) وقد وقعت اللعنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل البدع، وأن الله لا يقبل منهم صرفا ولا عدلا ولا فريضة ولا تطوعا (3)، وكلما ازدادوا اجتهادا وصوما وصلاة ازدادوا من الله بعدا. فارفض مجلسهم وأذلهم وأبعدهم كما أبعدهم الله وأذلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأئمة الهدى بعده. (4)
_________
(1) أخرج الشطر الأول موقوفا عن محمد بن النضر الحارثي: الدينوري (2/ 335/209) وابن بطة في الإبانة (2/ 3/460) واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1/ 153/252). وأخرج الشطر الثاني مرفوعا: أبو نعيم في الحلية (6/ 97) والطبراني في الكبير (20/ 96/188) عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل. وذكره الهيثمي في المجمع (1/ 188) وقال: "وفيه بقية وهو ضعيف". وفيه خالد بن معدان. قال الذهبي في تذكرة الحفاظ (1/ 94): "يرسل ويدلس". وخالد هذا لم يسمع من معاذ كما بين ذلك المزي في تهذيب الكمال في ترجمة خالد، وابن حجر في تهذيب التهذيب ..
(2) أخرجه: ابن أبي عاصم في السنة (رقم 3) والطبراني في الكبير (8/ 122 - 123/ 7502) وأبو نعيم في الحلية (6/ 118) عن أبي أمامة بلفظ "ما تحت ظل السماء إله يعبد من دون الله أعظم عند الله من هوى متبع". وأورده الهيثمي في المجمع (1/ 188) وقال: "فيه الحسن بن دينار وهو متروك الحديث". والحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 139) وقال: "هذ حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيه جماعة ضعاف والحسن بن دينار والخصيب كذابان عند علماء النقل".
(3) تقدم تخريجه. انظر مواقف علي رضي الله عنه سنة (40هـ).
(4) ابن وضاح (34 - 38) والاعتصام (1/ 45 - 46) بنحوه.(3/269)
عيسى بن دينار (1) (212 هـ)
فقيه الأندلس ومفتيها، الإمام أبو محمد الغافقي القرطبي. ارتحل، ولزم ابن القاسم مدة، وعول عليه، وكان صالحا خيرا ورعا، يذكر بإجابة الدعوة. كان ابن وضاح يقول: هو الذي علم أهل الأندلس الفقه. وقال أبو عمر الصدفي: هو من أهل الفقه والفضل التام والورع. وقال الرازي: كان عيسى عالما زاهدا متفننا، حج حجات، وولي قضاء طليطلة للحكم والشورى بقرطبة. قال ابن القاسم: أتانا عيسى فسألنا سؤال عالم. ولعيسى تأليف في الفقه يسمى كتاب 'الهدية' كتب به إلى بعض الأمراء عشرة أجزاء. وكان ذا هيئة حسنة وعقل رصين ومذهب جميل. توفي رحمه الله سنة اثنتي عشرة ومائتين في سن الكهولة.
موقفه من الجهمية:
قال عيسى: من قال إن الله لم يكلم موسى، استتيب فإن تاب وإلا قتل. وأراه من الحق الواجب، وهو الذي أدين الله عليه. (2)
محمد بن يوسف الفِرْيَابِي (3) (212 هـ)
محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الفريابي، الإمام الحافظ شيخ
_________
(1) الديباج المذهب (2/ 64 - 66) وترتيب المدارك (4/ 105 - 110) والسير (10/ 439 - 440) وشذرات الذهب (2/ 28).
(2) تخريج أصول السنة لابن أبي زمنين (308).
(3) تذكرة الحفاظ (1/ 376) وتهذيب الكمال (27/ 52 - 61) والسير (10/ 114 - 118) وتقريب التهذيب (2/ 221) وتهذيب التهذيب (9/ 515) وشذرات الذهب (2/ 28).(3/270)
الإسلام، أبو عبد الله الضبي مولاهم، نزيل قيسارية الساحل من أرض فلسطين. سمع من الثوري وإسرائيل بن يونس والأوزاعي وابن عيينة ومالك ابن مغول ويونس بن أبي إسحاق وطائفة. وعنه البخاري وأحمد بن حنبل ومحمد بن مسلم بن وارة ومحمد بن يحيى الذهلي وابنه عبد الله وأمم سواهم. قال عنه الإمام أحمد: كان رجلا صالحا، صحب سفيان، كتبت عنه بمكة. وقال البخاري فيما حكاه عنه الدولابي: حدثنا محمد بن يوسف وكان من أفضل أهل زمانه. وسئل الدارقطني عنه، فوثقه، وقدمه لفضله ونسكه على قبيصة. وقال ابن زنجويه: ما رأيت أورع من الفريابي. توفي سنة اثنتي عشرة ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في ذم الكلام: قال أحمد بن يوسف السلمي: أتيت محمد بن يوسف الفريابي، فقلت له: أوصني؟ فقال: عليك بتقوى الله ولزوم السنة واجتناب السلطان. (1)
-جاء في تلبيس إبليس بالسند إلى محمد بن سهل البخاري قال: كنا عند الفريابي فجعل يذكر أهل البدع، فقال له رجل: لو حدثتنا كان أعجب إلينا، فغضب وقال: كلامي في أهل البدع أحب إلي من عبادة ستين سنة. (2)
" التعليق:
رحمك الله يا إمام أهل الحديث في وقته! إن أهل عصرنا الآن يقولون:
_________
(1) ذم الكلام (243).
(2) تلبيس إبليس (24).(3/271)
إن بيان العقيدة السلفية الصحيحة للناس ونفي ما دخلها من الخزعبلات والخرافات والانحرافات الكلامية على اختلاف أنواعها، يعتبر تفرقة لكلمة المسلمين وتشتيتا لشملهم، والناس الآن ليسوا في حاجة إلى مثل هذا العمل، فهم في حاجة إلى جمع الكلمة وتأليف القلوب هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحالة الأخلاقية المشاهدة وصلت إلى ترد وهبوط إلى مستوى البهيمية، فالواجب التكتل لإصلاحها!!! وكأني بهم يظنون الذين يشتغلون بهذه المهمة التي بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجلها، وصاروا على درب سلفهم الصالح رضوان الله عليهم، يقرون هذه المعاصي ويرضونها ولا ينبهون على فسادها.
والحقيقة أن هؤلاء الأدعياء لا المعاصي طردوا، ولا عقيدة السلف قرروا، ولكن إبليس حملهم على الوقوف ضد الدعوة السلفية والاشتغال بما لا يمكن أن يحقق مجتمع التوحيد الخالص ولو عمروا ملايين السنين، هذا إن أحسنا الظن بهم أنهم يريدون مجتمعا خالصا من أنواع البدع والشركيات.
فالمقصود هو إنقاذ البشر فرادى وجماعات من ورطة الانحراف العقائدي سواء قامت الخلافة الإسلامية أو لم تقم، فإن خلافة تقوم على الانحراف العقائدي لا خير فيها.
موقفه من الرافضة:
جاء في أصول الاعتقاد: قيل لمحمد بن يوسف الفريابي: ما تقول في أبي بكر وعمر؟
قال: قد فضلهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أخبرني رجل من قريش أن بعض(3/272)
الخلفاء أخذ رجلين من الرافضة فقال لهما: والله لإن لم تخبراني بالذي يحملكما على تنقص أبي بكر وعمر لأقتلنكما فأبيا. فقدم أحدهما فضرب عنقه. ثم قال للآخر: والله لإن لم تخبرني لألحقنك بصاحبك.
قال: فتؤمني؟ قال له: نعم. قال: فإنا أردنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: لا يتابعنا الناس عليه، فقصدنا قصد هذين الرجلين فتابعنا الناس على ذلك. قال محمد بن يوسف: ما أرى الرافضة والجهمية إلا زنادقة. (1)
موقفه من الجهمية:
عن الفريابي قال: من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر. (2)
موقفه من المرجئة:
جاء في تهذيب الكمال لأبي الحجاج المزي: قال البخاري: رأيت قوما دخلوا إلى محمد بن يوسف الفريابي، فقيل لمحمد بن يوسف: يا أبا عبد الله إن هؤلاء مرجئة، فقال: أخرجوهم. فتابوا ورجعوا. (3)
أسد بن الفرات (4) (213 هـ)
أسد بن الفُرَات بن سنان الإمام العلامة القاضي الأمير مقدم المجاهدين أبو عبد الله الحراني ثم المغربي مولى بني سليم بن قيس. روى عن مالك 'الموطأ'
_________
(1) أصول الاعتقاد (8/ 1544 - 1545/ 2812).
(2) الإبانة (2/ 12/64/ 274).
(3) تهذيب الكمال (27/ 58).
(4) ترتيب المدارك (1/ 270 - 278) ووفيات الأعيان (3/ 182) والديباج المذهب (1/ 305 - 308) وشذرات الذهب (2/ 28 - 29) والسير (10/ 225 - 228).(3/273)
وعن يحيى ابن أبي زائدة وجرير بن عبد الحميد وأبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن. أخذ عنه أبو يوسف 'الموطأ' وسحنون وسليمان بن عمران وابن المنهال، وسائر الكوفيين. قال أبو العرب: كان أسد ثقة لم يُزَنَّ ببدعة. وقد ولاه زيادة الله إمرة الجيش لغزو صقلية، فخرج الناس والعلماء يشيعونه، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والله يا معشر الناس ما ولي لي أب ولا جد، ولا رأى أحد من سلفي مثل هذا، ولا بلغت ما ترون إلا بالأقلام، فاجهدوا أنفسكم فيها وثابروا على تدوين العلم تنالوا به الدنيا والآخرة. توفي وهو محاصر سرقوسة من غزوة صقلية سنة ثلاث عشرة ومائتين.
موقفه من المشركين:
واستفتى زيادة الله أمير إفريقية أسدا، وأبا محرز الكوفي، وزكرياء بن الحكم، في زنديق، فقال أبو محرز وأسد: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. (1)
موقفه من الجهمية:
- جاء في ترتيب المدارك للقاضي عياض: قال أبو العرب: كان أسد ثقة لم يزن ببدعة، قال أبو بكر ابن حماد: قلت لسحنون: يقولون إن أسدا قال بخلق القرآن، فقال: والله ما قاله، قال داود بن يحيى: رأيت أسدا يعرض التفسير، فتلا هذه الآية: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} (2) فقال أسد: ويح أهل البدع، هلكت هوالكهم،
_________
(1) ترتيب المدارك (3/ 303).
(2) طه الآيتان (13 - 14).(3/274)
يزعمون أن الله خلق كلاما، يقول ذلك الكلام المخلوق: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} الآية. قال يحيى بن سلام: حدث أسد يوما بحديث الرؤية (1) وسليمان الفراء المعتزلي في آخر المجلس فأنكر الرؤية فسمعه أسد فقام إليه وجمع بين طوقيه ولحيته واستقبله بنعله فضربه حتى أدماه وطرده من مجلسه، وقيل بل كان يقرأ عليه في تفسير المسيب بن شريك {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (2) وسليمان حاضر، فقال: من الانتظار يا أبا عبد الله، فأخذ أسد بتلابيبه ونعلا غليظة بيده الأخرى وقال: يا زنديق، لتقولنها أو لا تبصر بها عينيك، فقال سليمان: نعم تنظر. (3)
- وفي رياض النفوس كان يقول: والله لو أدخلت الجنة فحجبت عن رؤيته لشككت فيه، ولأنا أسر برؤية ربي مني بالجنة.
- وكان رحمه الله تعالى يكفر بشرا المريسي، ويتكلم فيه بأقبح الكلام، وبلغه أنه وضع كتابا وسماه بكتاب التوحيد، فقال أسد: أو جهل الناس التوحيد حتى يضع لهم بشر فيه كتابا؟ هذه نبوة ادعاها. (4)
" التعليق:
هذا هو إمام المالكية، وإليه تنسب الأسدية، فإن كان القوم ينسبون أنفسهم مالكية، فبالاقتداء به في أهل البدع وبأمثاله ممن حاربوا المبتدعة
_________
(1) انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز الماجشون سنة (164هـ).
(2) القيامة الآية (22).
(3) ترتيب المدارك (3/ 301 - 302) ورياض النفوس (1/ 264 - 265).
(4) رياض النفوس (1/ 264).(3/275)
وقرروا عقيدة السلف.
عبد الملك بن عبد العزيز بن المَاجِشُون (1) (213 هـ)
عبد الملك بن الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، العلامة الفقيه مفتي المدينة أبو مروان القرشي التيمي مولاهم المدني المالكي، تلميذ الإمام مالك. حدث عن أبيه وخاله يوسف بن يعقوب الماجشون، ومسلم الزنجي ومالك وإبراهيم بن سعد وطائفة. حدث عنه أبو حفص الفلاس ومحمد بن يحيى الذهلي وعبد الملك بن حبيب الفقيه المالكي وعمرو ابن علي الصيرفي وآخرون. قال ابن عبد البر: كان فقيها فصيحا دارت عليه الفتيا في زمانه إلى موته وعلى أبيه قبله وهو فقيه ابن فقيه. وقال يحيى بن أكثم: كان عبد الملك بحرا لا تكدره الدِّلاء. توفي سنة ثلاث عشرة ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- عن هارون بن موسى الفروي قال: سمعت عبد الملك بن الماجشون يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. وسمعته يعني عبد الملك يقول: لو وجدت المريسي لضربت عنقه. (2)
- وكتب سحنون إلى عبد الملك يذكر له ما حدث عندهم من الكلام في التشبيه والقرآن، ويسأله الجواب عليه، فكتب إليه عبد الملك: من عبد الملك
_________
(1) الديباج المذهب (2/ 6 - 8) والسير (10/ 359 - 360) وطبقات ابن سعد (5/ 442) والجرح والتعديل (5/ 358) ووفيات الأعيان (3/ 166 - 167) وتهذيب الكمال (18/ 358 - 362) وميزان الاعتدال (2/ 658 - 659).
(2) السنة لعبد الله (40) وترتيب المدارك (3/ 141).(3/276)
بن الماجشون إلى سحنون بن سعيد، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، وفقنا الله وإياكم لطاعته، سألت عن مسائل ليست من شأن أهل العلم، والعلم بها جهل، فيكفيك من مضى من صدر هذه الأمة أنهم اتبعوا بإحسان، ولم يخوضوا في شيء منها، وقد خلص الدين إلى العذراء في خدرها، فما قيل لها كيف؟ ولا من أين؟ فاتبع كما اتبعوا، واعلم أنه العلم الأعظم، لا يشأ الرجل أن يتكلم في شيء من هذا فيكفر، فيهوي في نار جهنم. (1)
- جاء في الإبانة عن الحسن بن عبد العزيز الجروي قال: أخبرني رجل أثق به قال: قلت لعبد الملك الماجشون: أوصني؟ قال: إياك والكلام، فإن لآخره أول سوء. (2)
- عن هارون بن أبي علقمة الفروي قال: سمعت عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون وغيره من علمائنا يقولون: من وقف في القرآن بالشك فهو كافر، قال: وسمعت عبد الملك يقول: من وقف في القرآن بالشك فهو مثل من قال مخلوق. (3)
إدريس بن إدريس (4) (213 هـ)
إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى، أبو القاسم ثاني ملوك
_________
(1) ترتيب المدارك (3/ 141).
(2) الإبانة (2/ 3/536/ 667).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 363/542 - 543).
(4) الاستقصا (1/ 161 - 171) والأعلام (1/ 278).(3/277)
الأدارسة في المغرب الأقصى وباني مدينة فاس. كان جوادا فصيحا حازما أحبته رعيته، واستمال أهل تونس وطرابلس الغرب والأندلس إليه، وصفا له ملك المغرب وضرب السكة باسمه. توفي رحمه الله بفاس سنة ثلاث عشرة ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
جاء في الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى: وذكر ابن غالب في تاريخه أن الإمام إدريس لما فرغ من بناء مدينة فاس، وحضرت الجمعة الأولى، صعد المنبر وخطب الناس، ثم رفع يديه في آخر الخطبة فقال: اللهم إنك تعلم أني ما أردت ببناء هذه المدينة مباهاة ولا مفاخرة ولا رياء ولا سمعة ولا مكابرة، وإنما أردت أن تعبد بها ويتلى بها كتابك وتقام بها حدودك وشرائع دينك وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - ما بقيت الدنيا، اللهم وفق سكانها وقطانها للخير وأعنهم عليه، واكفهم مؤنة أعدائهم وأدر عليهم الأرزاق، واغمد عنهم سيف الفتنة والشقاق إنك على كل شيء قدير. (1)
عبد الله بن داود (2) (213 هـ)
عبد الله بن داود بن عامر بن ربيع الإمام الحافظ القدوة أبو عبد الرحمن الهمداني ثم البصري المشهور بالخريبي حدث عن الأعمش وهشام بن عروة ومسعر بن كدام والثوري وشريك وسلمة بن نبيط وابن جريج وآخرين.
_________
(1) الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى (1/ 167).
(2) شذرات الذهب (2/ 29) وطبقات ابن سعد (7/ 295) والجرح والتعديل (5/ 47) وتهذيب الكمال (14/ 458 - 467) وتذكرة الحفاظ (1/ 337 - 339) والسير (9/ 346 - 352).(3/278)
وعنه عمرو بن علي الصيرفي ومسدد ونصر بن علي ومحمد بن بشار وابن عيينة وابن المديني وطائفة. قال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: فعبد الله بن داود الخريبي؟ قال: ثقة، مأمون، قلت: فأبو عاصم النبيل؟ قال: ثقة. قلت: فأيهما أحب إليك؟ فقال: ثقتان. قال الدارمي: الخريبي أعلى.
من أقواله: ما أقبح بالرجل أن يظهر لأخيه خلاف ما في نفسه. وأيضا: من أمكن الناس من كل ما يريدون أضروا بدينه ودنياه.
توفي سنة ثلاث عشرة ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
أخرج الخطيب عن محمد بن يحيى الأزدي قال: سمعت عبد الله بن داود الخريبي يقول: والله لو بلغنا أن القوم لم يزيدوا في الوضوء على غسل أظفارهم، لما زدنا عليه. قال أبو بكر بن خزيمة: يريد أن الدين الاتباع. (1)
موقفه من الرافضة:
روى اللالكائي بسنده إلى إسماعيل بن إسحاق قال: سمعت عارما يقول: سمعت عبد الله بن داود يقول: من قدم عثمان على علي فحجته قوية لأن الخمسة قدموه. (2)
موقفه من الجهمية:
- قال زيد بن أخزم: سمعت الخريبي يقول: نَوْلُ الرّجلِ أن يكره
_________
(1) الفقيه والمتفقه (1/ 388).
(2) أصول الاعتقاد (8/ 1452/2619).(3/279)
ولده على طلب الحديث. وقال: ليس الدين بالكلام إنما الدين بالآثار. وقال في الحديث: من أراد به دنيا، فدنيا، ومن أراد به آخرة، فآخرة. (1)
- وأخرج ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن داود الخريبي بخاء معجمة ثم راء ثم موحدة مصغر قال: ما في القرآن آية أشد على أصحاب جهم من هذه الآية: {لأنذركم بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (2) فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله تعالى. (3)
- جاء في أصول الاعتقاد قال بشر بن الحارث: سألت عبد الله بن داود عن القرآن فقال: العزيز الجبار، يكون هذا مخلوقا؟.
- وفيه عنه قال: من قال القرآن مخلوق فعلى الإمام أن يستتيبه، فإن تاب وإلا ضربت عنقه. (4)
أبو سهل الهَيثم بن جَمِيل (5) (213 هـ)
الحافظ، الإمام الكبير، الثبت، أبو سهل البغدادي، نزيل أنطاكية. حدث عن مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك، والليث بن
_________
(1) السير (9/ 349) وشرف أصحاب الحديث (66).
(2) الأنعام الآية (19).
(3) الفتح (13/ 526).
(4) أصول الاعتقاد (2/ 350/507).
(5) طبقات ابن سعد (7/ 490) والتاريخ الكبير (8/ 216) وتاريخ بغداد (14/ 56 - 57) وتهذيب الكمال (30/ 365 - 369) وتذكرة الحفاظ (1/ 363) والسير (10/ 396) وتهذيب التهذيب (11/ 90) وشذرات الذهب (2/ 36).(3/280)
سعد وأبي عوانة وغيرهم. روى عنه أحمد بن حنبل، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وفضل بن يعقوب الرخامي، وسعدان بن يزيد وغيرهم. قال الإمام أحمد: كان من أصحاب الحديث ببغداد. وقال العجلي: ثقة صاحب سنة. توفي رحمه الله سنة ثلاث عشرة ومائتين.
موقفه من القدرية:
عن أبي سهل قال: لا تبدأ القدرية بالسلام، فإن سلموا عليك فقل وعليك. (1)
الأسود بن سالم أبو محمد البغدادي (2) (213 هـ)
أبو محمد الأسود بن سالم البغدادي الزاهد، العابد. سمع حماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن علية، ومعتمر بن سليمان، ويحيى بن عبد الملك، وعبيد الله الأشجعي. وروى عنه حاتم بن الليث وعبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق، ومحمد بن عبد الله المخرمي، وأحمد بن زياد السمسار. كان صديقا ودودا لمعروف الكرخي، وكان معروفا بالخير. قال محمد بن جرير: كان ثقة ورعا فاضلا. توفي سنة ثلاث عشرة ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- قال أسود بن سالم: كان ابن المبارك إماما يقتدى به، كان من أثبت
_________
(1) أصول الاعتقاد (4/ 705/1146).
(2) تاريخ بغداد (7/ 35 - 37) والوافي بالوفيات (9/ 251 - 252) تاريخ الإسلام (حوادث 211 - 220/ص.79 - 80).(3/281)
الناس في السنة، إذا رأيت رجلا يغمز ابن المبارك، فاتهمه على الإسلام. (1)
- جاء في تاريخ بغداد: عن حبش بن الورد قال: رؤي أسود بن سالم يغسل وجهه من غدوة إلى نصف النهار، فقيل له: إيش خبرك؟ قال: رأيت اليوم مبتدعا، فأنا أغسل وجهي منذ رأيته إلى الساعة! وأنا أظنه لا ينقى!. (2)
موقفه من الجهمية:
عن عبد الوهاب الوراق قال: قلت للأسود بن سالم: هذه الآثار التي تروى في معاني النظر إلى الله تعالى ونحوها من الأخبار؟ فقال: نحلف عليها بالطلاق والمشي، قال عبد الوهاب: معناه تصديقا بها. (3)
موقف السلف من عبيد الله بن موسى الشيعي (213 هـ)
بغضه للصحابة:
- جاء في السير: قال ابن مندة: كان أحمد بن حنبل يدل الناس على عبيد الله، وكان معروفا بالرفض، لم يدع أحدا اسمه معاوية يدخل داره فقيل: دخل عليه معاوية بن صالح الأشعري، فقال: ما اسمك؟ قال: معاوية قال: والله لا حدثتك ولا حدثت قوما أنت فيهم. (4)
_________
(1) السير (8/ 395).
(2) تاريخ بغداد (7/ 36).
(3) الشريعة (2/ 9/616).
(4) السير (9/ 556 - 557).(3/282)
عبد الله بن عبد الحَكَم (1) (214 هـ)
عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث الإمام الفقيه مفتي الديار المصرية أبو محمد المصري المالكي، صاحب مالك ويقال إنه من موالي عثمان رضي الله عنه. حدث عن الليث بن سعد ومالك بن أنس وابن القاسم وابن وهب ومسلم بن خالد الزنجي ومفضل بن فضالة وعدة. سمع منه بنوه محمد وسعد وعبد الرحمن وعبد الحكم، ومقدام بن داود الرعيني وأبو محمد الدارمي وأبو يزيد القراطيسي، وطائفة. قال أحمد العجلي: لم أر بمصر أعقل منه ومن سعيد بن أبي مريم. قال ابن عبد البر: كان ابن عبد الحكم رجلا صالحا ثقة متحققا بمذهب مالك. توفي سنة أربع عشرة ومائتين.
موقفه من الصوفية:
جاء في تلبيس إبليس بالسند إلى أبي عبد الرحمن السلمي قال: أول من تكلم في بلدته في ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية ذو النون المصري، فأنكر عليه ذلك عبد الله بن عبد الحكم، وكان رئيس مصر وكان يذهب مذهب مالك، وهجره لذلك علماء مصر لما شاع خبره أنه أحدث علما لم يتكلم فيه السلف حتى رموه بالزندقة. (2)
" التعليق:
هكذا كان أصحاب مالك العلماء ينفون عن الدين تحريف الغالين
_________
(1) شذرات الذهب (2/ 34) والبداية والنهاية (10/ 281) والسير (10/ 220) وتهذيب الكمال (15/ 191) وترتيب المدارك (1/ 304 - 306).
(2) التلبيس (206) والسير (11/ 534).(3/283)
وانتحال المبطلين، وكل من أراد نشر زندقته أو باطنيته أو رافضيته أو أوساخ أهل اليونان، تشكل بالشكل الذي يناسبه. فرحمة الله على هذا الإمام وعلى أمثاله من علماء السلف.
الوليد بن أبان الكرابيسي (1) (214 هـ)
الوليد بن أبان الكرابيسي المتكلم المعتزلي البصري أحد الأئمة، له مقالات في تقوية مذهب الاعتزال.
وذكر الخطيب في تاريخه قصة توبته في آخر حياته ورجوعه إلى مذهب أهل الحديث. توفي سنة أربع عشرة ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- كان بشر المريسي يخرج إلى ناحية الزابيين ليغتسل، ويتطهر وكان به المذهب، قال فمضى وليد الكرابيسي إليه وهو في الماء. فقال: مسألة؟ قال وأنا على هذه الحال؟ فقال له نعم. فقال: أليس رووا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه "كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع" (2)، فهذا الذي أنت فيه إيش؟ قال: إبليس يوسوس لي، ويوهمني أني لم أطهر. قال: فهو الذي وسوس لك حتى قلت القرآن مخلوق. (3)
_________
(1) تاريخ بغداد (13/ 471 - 472) والأعلام (8/ 119) والسير (10/ 548).
(2) أخرجه البخاري (1/ 403/201) ومسلم (1/ 258/325 (51)) وأخرجه أحمد (3/ 179) وأبو داود (1/ 72/95) والترمذي (2/ 507/609) مختصرا والنسائي (1/ 61/73) بمعناه. كلهم من طرق عن أنس.
(3) تاريخ بغداد (13/ 471).(3/284)
- جاء في شرف أصحاب الحديث بالسند إلى أحمد بن سنان قال: كان الوليد الكرابيسي خالي، فلما حضرته الوفاة قال لبنيه: تعلمون أحدا أعلم بالكلام مني؟ قالوا: لا، قال فتتهموني؟ قالوا: لا، قال: فإني أوصيكم، أتقبلون؟ قالوا: نعم، قال: عليكم بما عليه أصحاب الحديث، فإني رأيت الحق معهم -لست أعني الرؤساء- ولكن هؤلاء الممزقين، ألم تر أحدهم يجيء إلى الرئيس منهم فيخطئه ويهجنه. قال أبو بكر بن الأشعث: كان أعرف الناس بالكلام بعد حفص الفرد الكرابيسي، وكان حسين الكرابيسي منه تعلم الكلام. (1)
" التعليق:
الكرابيسي معروف بعداوته لعقيدة السلف، وهذا النص المنقول هنا يدل دلالة واضحة على تراجعه عما كان يعتقده، ورجوعه إلى عقيدة السلف التي تتمثل في أهل الحديث الذين هم حملتها إلى يوم القيامة، فنقل مواقف مثل هؤلاء لا يوهم التناقض في البحث ولكن المقصود منه التأييد بكل موقف يظهر لنا أنه سلفي ولو كان صاحبه على خلافه.
أبو سليمان الدَّارانِي (2) (215 هـ)
الإمام الكبير، زاهد العصر، أبو سليمان، عبد الرحمن بن أحمد الداراني، ولد في حدود الأربعين ومائة. روى عن الثوري وأبي الأشهب العطاردي
_________
(1) شرف أصحاب الحديث (56) والتلبيس (104).
(2) السير (10/ 182 - 186) والجرح والتعديل (5/ 214) وتاريخ بغداد (10/ 248 - 250) وحلية الأولياء (9/ 254 - 280).(3/285)
وغيرهما. روى عنه تلميذه أحمد بن أبي الحواري، وهاشم بن خالد وغيرهما.
من كلماته: أفضل الأعمال خلاف هوى النفس. ومنها: إذا تكلف المتعبدون أن يتكلموا بالإعراب ذهب الخشوع من قلوبهم. ومنها: من اشتغل بنفسه شغل عن الناس، ومن اشتغل بربه شُغل عن نفسه وعن الناس. مات سنة خمس عشرة ومائتين وقيل غير ذلك.
موقفه من المبتدعة:
أبو سليمان هو وأمثاله ممن عاشوا في القرون الأولى، تروى عنهم أقوال وحكم، في ظاهرها توافق عقيدة السلف، وقد أخذها كثير ممن ألف في ذلك وجعلوها كشاهد، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه وفتاواه وتلميذه العلامة ابن القيم. في حين نجدهم صوفية أصحاب مقامات وأحوال أنكرها عليهم أهل العلم عامة وعلماء السلف خاصة. واسمع ما يقوله أبو سليمان في البدع والمبتدعة:
- جاء في تاريخ الخطيب وغيره: وقال أحمد: سمعت أبا سليمان يقول: ليس لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر، فإذا سمعه من الأثر عمل به وحمد الله حيث وافق ما في قلبه. (1)
- وعنه قال: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما، فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة. (2)
_________
(1) تاريخ الخطيب (10/ 249) والحلية (9/ 269) والباعث (108) والسير (10/ 183).
(2) البداية والنهاية (10/ 255) والاعتصام (1/ 126 - 127) والباعث (108) والسير (10/ 183) و (18/ 231) والاستقامة (1/ 95 - 96).(3/286)
موقفه من القدرية:
- جاء في الإبانة: عن أحمد بن أبي الحواري قال: قلت لأبي سليمان الداراني: من أراد الحظوة؛ فليتواضع في الطاعة، فقال لي: ويحك، وأي شيء التواضع؟ إنما التواضع في أن لا تعجب بعملك، وكيف يعجب عاقل بعمله، وإنما يعد العمل نعمة من الله عز وجل ينبغي أن يشكر الله ويتواضع، إنما يعجب بعمله القدري الذي يزعم أنه يعمل، فأما من زعم أنه يستعمل؛ فكيف يعجب. (1)
- وفيها: عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: أهل السماوات والأرضين من الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين، ومن دونهم من الخليقة أعجز في حيلتهم وأضعف في قوتهم من أن يحدثوا في ملك الله عز وجل وسلطانه طرفة بعين أو خطرة بقلب أو نفسا واحدا من روح لم يشأه الله لهم ولم يعلمه منهم، ولقد أذعنت الجاهلية الجهلاء بالقدر، وأقرت لله بالمشيئة بعد ذلك في إسلامها، وقالته في خطبها ومحاوراتها وأشعارها. (2)
- وجاء في السير: قال ابن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان يقول: صل خلف كل مبتدع إلا القدري، لا تصل خلفه، وإن كان سلطانا. (3)
_________
(1) الإبانة (2/ 11/286/ 1930) والشريعة (1/ 462/604).
(2) الإبانة (2/ 11/288/ 1933).
(3) سير أعلام النبلاء (10/ 183).(3/287)
قَبِيصَة بن عُقْبَة (1) (215 هـ)
قبيصة بن عقبة بن محمد بن سفيان بن عقبة، أبو عامر السُّوائي الكوفي، الحافظ، الإمام، الثقة، العابد. حدث عن يونس بن أبي إسحاق، وشعبة، وحمزة الزيات، وسفيان الثوري، وخلق. قال الذهبي: وما أظنه ارتحل في الحديث، وكان من أوعية العلم. حدث عنه أحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة، والبخاري، وأبو زرعة الرازي، وابنه عقبة، وخلق كثير. طلب العلم وهو حدث. قال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن قبيصة وأبي نعيم فقال: كان قبيصة أفضل الرجلين، وأبو نعيم أتقنهما، ولم أر من المحدثين من يحفظ ويأتي بالحديث على لفظ واحد لا يغيره سوى قبيصة. قال جعفر بن حمدويه: كنا على باب قبيصة، ومعنا دلف ابن الأمير أبي دلف، ومعه الخدم، يكتب الحديث، فصار إلى باب قبيصة فدق عليه فأبطأ قبيصة، فعاوده الخدم وقيل له: ابن ملك الجبل على الباب، وأنت لا تخرج إليه، فخرج وفي طرف إزاره كسر من الخبز، فقال: رجل قد رضي من الدنيا بهذا ما يصنع بابن ملك الجبل؟ والله لا حدثته، فلم يحدثه. مات في صفر سنة خمس عشرة ومائتين رحمه الله تعالى.
موقفه من الرافضة:
جاء في أصول الاعتقاد: عن أبي زرعة الرازي قال: سمعت قبيصة بن
_________
(1) تاريخ بغداد (12/ 473 - 476) والتاريخ الكبير (7/ 177) وتهذيب الكمال (23/ 481 - 489) وتاريخ الإسلام (حوادث 211 - 220/ 352 - 354) وتذكرة الحفاظ (1/ 373 - 375) والسير (10/ 130 - 135) وتهذيب التهذيب (8/ 347).(3/288)
عقبة يقول: حب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم سنة. (1)
عبد الملك بن قُرَيب الأصمعي (2) (216 هـ)
الإمام العلامة الحافظ، حجة الأدب، لسان العرب، أبو سعيد عبد الملك ابن قريب الأصمعي اللغوي الأخباري. ولد سنة بضع وعشرين ومائة. روى عن ابن عون وسليمان التيمي وشعبة والحمادين وغيرهم. روى عنه أبو عبيد ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي وغيرهم. قال إسحاق الموصلي: دخلت على الأصمعي أعوده، فإذا قِمَطْر، فقلت: هذا علمك كله؟ فقال: إن هذا من حق لكثير. وقال محمد بن الأعرابي: شهدت الأصمعي وقد أنشد نحوا من مائتي بيت، ما فيها بيت عرفناه. وقال الربيع بن سليم: سمعت الشافعي يقول: ما عبر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعي. قال المبرد: كان الأصمعي بحرا في اللغة، لا نعرف مثله فيها، وكان أبو زيد أنحى منه. قال الذهبي: كتب شيئا لا يحصى عن العرب، وكان ذا حفظ وذكاء ولطف، وعبارة، فسادَ. مات سنة ست عشرة ومائتين وقيل غير ذلك.
موقفه من المبتدعة:
- أخرج ابن بطة بسنده إلى الأصمعي قال: لم أر بيتا قط أشبه بالسنة من قول عدي:
_________
(1) أصول الاعتقاد (7/ 1313/2327).
(2) شذرات الذهب (2/ 36 - 37) والأعلام (4/ 162) ووفيات الأعيان (3/ 170) وتاريخ بغداد (1/ 410 - 420) والجرح والتعديل (5/ 363) والأنساب (1/ 293) وميزان الاعتدال (2/ 662) والسير (10/ 175).(3/289)
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... فإن القرين بالمقارن يقتدي (1)
- وقال أيضا: سمعت بعض فقهاء المدينة يقول: إذا تلاحمت بالقلوب النسبة، تواصلت بالأبدان الصحبة.
قال ابن بطة: وبهذا جاءت السنة. (2)
- عن الحسن بن عبد الوهاب قال: سمعت السبياوي يقول: رأيت الأصمعي يذهب إلى أن الجدّال زنادقة. (3)
- عن أبي يعلى المنقري، قال: سمعت الأصمعي، قال: سمعت أعرابيا يقول: من لاحى الرجال وماراهم قلت مروءته وهانت كرامته، ومن أكثر من شيء عرف به.
قال ابن بطة عقبه: فاعلم يا أخي أني لم أر الجدال والمناقضة والخلاف والمماحلة والأهواء المختلفة والآراء المخترعة من شرائع النبلاء ولا من أخلاق العقلاء ولا من مذاهب أهل المروءة ولا مما حكي لنا عن صالحي هذه الأمة ولا من سير السلف ولا من شيمة المرضيين من الخلف وإنما هو لهو يتعلم ودراية يتفكه بها ولذة يستراح إليها ومهارشة العقول وتذريب اللسان بمحق الأديان، وضراوة على التغالب واستمتاع بظهور حجة المخاصم، وقصد إلى قهر المناظر والمغالطة في القياس وبهت في المقاولة وتكذيب الآثار وتسفيه أحلام الأبرار، ومكابرة لنص التنزيل وتهاون بما قاله الرسول ونقض لعقدة
_________
(1) الإبانة (2/ 3/440/ 378).
(2) الإبانة (2/ 3/453/ 422).
(3) الإبانة (2/ 3/530/ 652).(3/290)
الإجماع، وتشتيت الألفة وتفريق لأهل الملة، وشكوك تدخل على الأمة، وضراوة السلاطة، وتوغير للقلوب وتوليد للشحناء في النفوس، عصمنا الله وإياكم من ذلك وأعاذنا من مجالسة أهله. (1)
موقفه من الجهمية:
جاء في الإبانة: عن محمد بن غزوان، قال: سألت الأصمعي عن قول الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (2) قال: تأكيدا لكلامه، يريد أنه لا ترجمان بينهما ولا رسول. قلت: فما موضعه من الكلام؟ قال: كقول الرجل: لأضربنك ضربا، ولأفعلن بك فعلا. (3)
- وفي أصول الاعتقاد: عن الأصمعي قال: إذا سمعته يقول الاسم غير المسمى فاحكم أو قال فاشهد عليه بالزندقة. (4)
- وذكر ابن أبي حاتم عن الأصمعي قال: قدمت امرأة جهم فقال رجل عندها: الله على عرشه، فقالت: محدود على محدود. فقال الأصمعي: هي كافرة بهذه المقالة، أما هذا الرجل وامرأته فما أولاه بأن سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب. (5)
_________
(1) الإبانة (2/ 3/531 - 532/ 657).
(2) النساء الآية (164).
(3) الإبانة (2/ 14/303 - 304/ 471).
(4) أصول الاعتقاد (2/ 237/346 - 347).
(5) اجتماع الجيوش الإسلامية (202) والفتاوى (5/ 53).(3/291)
" التعليق:
هؤلاء هم أئمة اللغة الذين فهموا لغة القرآن والحديث، وكانوا على علم بحيل وألاعيب المبتدعة، وكانوا على عقيدة السلف الصالح.
أما منتحلو اللغة والنحو الآن فعلى العكس من ذلك. إما جهلة جهلا مطبقا بالعلوم الشرعية، لأنهم قضوا حياتهم في العلوم اللغوية ويعتذرون أن هذه العلوم ليست من تخصصهم، وإما أن يكون لهم علم بالعلوم الشرعية، ولكن بشكل منحرف، عقيدة أشعرية وطريقة صوفية وبدعة مذهبية، هذا هو النوع الطيب منهم وقلما تجد من جمع بين سلامة المعتقد وحسن التصور ورسوخ العلم. كثرهم الله وهدى الباقي إلى سواء الصراط.
موقفه من القدرية:
- جاء في الإبانة: عن الأصمعي قال: من قال: إن الله عز وجل لا يرزق الحرام؛ فهو كافر. (1)
- وجاء في أصول الاعتقاد عنه قال: سئل أعرابي عن القدر قال: ذاك علم اختصمت فيه الظنون وغلا فيه المختصمون، فالواجب علينا أن نرد ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه. (2)
_________
(1) الإبانة (2/ 11/276/ 1902) والشريعة (1/ 435/548).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 766/1821) والإبانة (2/ 11/323 - 324/ 2013).(3/292)
حجَّاج بن مِنْهَال الأَنْمَاطِي (1) (217 هـ)
الحافظ، الإمام القدوة، العابد الحجة، أبو محمد البصري الأنماطي أخو محمد. حدث عن قرة بن خالد، وشعبة، والحمادين، وابن الماجشون، ومالك وعدة. حدث عنه البخاري، والباقون بواسطة، وإسحاق الكوسج، وعبد بن حميد، وأحمد بن الفرات، وإسماعيل القاضي وخلق كثير. قال أحمد العجلي: ثقة، رجل صالح، كان سمسارا، يأخذ من كل دينار حبة، فجاء خراساني موسر من أصحاب الحديث، فاشترى له أنماطا، فأعطاه التاجر ثلاثين دينارا، فقال: ما هذه؟ قال سمسرتك، قال: دنانيرك أهون علي من هذا التراب، هات من كل دينار حبة، فأخذ منه دينارا وكسرا. قال خلف كردوس: كان حجاج صاحب سنة يظهرها. توفي رحمه الله سنة سبع عشرة ومائتين في شوال.
موقفه من الجهمية:
عن عطاء ابن أخي حجاج الأنماطي قال: قلت لعمي حجاج: ما تقول في القرآن؟ قال: القرآن كلام الله وليس من الله شيء مخلوق. (2)
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 301) والتاريخ الكبير (2/ 380) وتهذيب الكمال (5/ 457 - 459) وتذكرة الحفاظ (1/ 403) وتهذيب التهذيب (2/ 206) والسير (10/ 352 - 354) والشذرات (2/ 38) وتاريخ الإسلام (حوادث 211 - 220/ص.106 - 108).
(2) السنة لعبد الله (34).(3/293)
أبو مُسْهِر عبد الأعلى (1) (218 هـ)
عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى أبو مسهر الغساني الدمشقي الفقيه، ولد سنة أربعين ومائة. سمع من مالك بن أنس وإسماعيل بن عياش وابن عيينة وغيرهم. روى عنه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم. قال يحيى بن معين: الذي يحدث ببلد به من هو أولى بالتحديث منه أحمق، وإذا رأيتني أحدث ببلد فيها مثل أبي مسهر فينبغي للحيتي أن تحلق. كان أعلم الناس بالمغازي وأيام الناس. قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: رحم الله أبا مسهر، ما كان أثبته، وجعل يطريه. قال ابن حبان: كان إمام أهل الشام في الحفظ والإتقان، ممن عني بأنساب أهل بلده وأنبائهم، وإليه كان يرجع أهل الشام في الجرح والعدالة لشيوخهم. وقال أبو داود: لقد كان من الإسلام بمكان، حمل على المحنة فأبى، وحمل على السيف، فمد رأسه وجرد السيف فأبى أن يجيب فلما رأوا ذلك منه، حمل إلى السجن فمات. توفي رحمه الله سنة ثمان عشرة ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- عن محمد بن يعقوب الدمشقي قال: سمعت أبا مسهر يقول: ما أدركنا أحدا من أهل العلم إلا وهو يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق. (2)
- جاء في السير: قال علي بن عثمان النفيلي: كنا على باب أبي مسهر
_________
(1) السير (10/ 228) وطبقات ابن سعد (7/ 473) والجرح والتعديل (6/ 29) وتاريخ بغداد (11/ 72 - 75) وترتيب المدارك (1/ 241 - 242) وتهذيب التهذيب (16/ 369) وتذكرة الحفاظ (1/ 381) وشذرات الذهب (2/ 44).
(2) الإبانة (2/ 12/21 - 22/ 213).(3/294)
جماعة من أصحاب الحديث، فمرض فعدناه وقلنا: كيف أصبحت؟ قال في عافية، راضيا عن الله ساخطا على ذي القرنين: كيف لم يجعل سدا بيننا وبين أهل العراق كما جعله بين أهل خراسان وبين يأجوج ومأجوج، فما كان بعد هذا إلا يسيرا حتى وافى المأمون دمشق، ونزل بدير مران وبنى القبة فوق الجبل، فكان بالليل يأمر بجمر عظيم فيوقد ويجعل في طسوت كبار تدلى من عند القبيبة بسلاسل وحبال فتضيء لها الغوطة فيبصرها بالليل.
وكان لأبي مسهر حلقة في الجامع بين العشائين عند حائط الشرقي، فبينا هو ليلة إذ قد دخل الجامع ضوء عظيم فقال أبو مسهر: ما هذا؟ قالوا: النار التي تدلى من الجبل لأمير المؤمنين حتى تضيء له الغوطة فقال: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} (1) وكان في الحلقة صاحب خبر للمأمون، فرفع ذلك إلى المأمون فحقدها عليه، وكان قد بلغه أيضا أنه كان على قضاء أبي العميطر، فلما رحل المأمون أمر بحمل أبي مسهر إليه فامتحنه بالرقة في القرآن ...
- وفيه بالسند إلى أصبغ: وكان مع أبي مسهر هو وابن أبي النجا، خرجا معه يخدمانه فحدثني أصبغ أن أبا مسهر دخل على المأمون بالرقة وقد ضرب رقبة رجل وهو مطروح، فأوقف أبا مسهر في الحال فامتحنه فلم يجبه، فأمر به فوضع في النطع ليضرب عنقه فأجاب إلى خلق القرآن، فأخرج من النطع، فرجع عن قوله فأعيد إلى النطع، فأجاب فأمر به أن يوجه إلى العراق،
_________
(1) الشعراء الآيتان (128 - 129).(3/295)
ولم يثق بقوله، فما حذر وأقام عند إسحاق بن إبراهيم -يعني نائب بغداد- أياما لا تبلغ مائة يوم ومات رحمه الله. (1)
- وجاء في ترتيب المدارك: قال موسى بن الحسن: سمعت أبا مسهر وقد وجه به المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم ببغداد فأحضر له إسحاق جماعة ليقر بكتاب المحنة الذي كتبه المأمون في خلق القرآن ونفي الرؤية وعذاب القبر، وأن الميزان ليس بكفتين وأن الجنة والنار غير مخلوقتين. فلما قرئ الكتاب على أبي مسهر قال: أنا منكر لجميع ما في كتابكم هذا، أبعد مجالسة مالك والثوري ومشايخ أهل العلم: إذًا لا أكفر بالله بعد إحدى وتسعين، لا أقول القرآن مخلوق ولا أنكر عذاب القبر ولا الموازين أنها كفتان، ولا أن الله يرى في القيامة، ولا أن الله تعالى على عرشه وعلمه قد أحاط بكل شيء، نزل بذلك القرآن وجاءت به الأخبار التي نقلها أهل العلم، فإن كانوا متهمين في ما يقولون فإنهم متهمون في القرآن، فهم الذين نقلوا القرآن والسنن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجر برجله وطرح في أضيق المجالس فما أقام به إلا يسيرا حتى توفي رحمه الله، فحضر جنازته من الخلق ما لا يحصيه إلا الله. (2)
- قال إسحاق بن إبراهيم: لما صار المأمون إلى دمشق، ذكروا له أبا مسهر ووصفوه بالعلم والفقه، فأحضره فقال: ما تقول في القرآن؟ قال: كما قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى
_________
(1) السير (10/ 233 - 234).
(2) ترتيب المدارك (3/ 223 - 224).(3/296)
يسمع كَلَامَ اللَّهِ} (1) فقال: أمخلوق هو أو غير مخلوق؟ قال: ما يقول أمير المؤمنين؟ قال: مخلوق. قال: يخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عن الصحابة أو التابعين؟ قال: بالنظر. واحتج عليه فقال: يا أمير المؤمنين، نحن مع الجمهور الأعظم أقول بقولهم، والقرآن كلام الله غير مخلوق. قال: يا شيخ، أخبرني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هل اختتن؟ قال: ما سمعت في هذا شيئا. قال: فأخبرني عنه أكان يشهد إذا زوج أو تزوج؟ قال: ولا أدري، قال: اخرج قبحك الله، وقبح من قلدك دينه وجعلك قدوة. (2)
" التعليق:
لقد ضل سعي المأمون وخسر الخسران المبين، وتأثم الإثم العظيم، فبنى للضلال أركانا، وجعل له سدودا وحصونا، فرخت فيها الجهمية والشيعة الروافض أفراخها، وأظهرت أعناقها التي كانت مقبورة مدفونة مدحورة ذليلة حقيرة عند علماء السلف وحكامهم، والذين جاهدوا فيهم حق جهاده باللسان والفعل والكتاب رضي الله عنهم وأرضاهم.
فاستطاع هؤلاء الضلال الاستحواذ على المأمون الذي ضرب المثل في الجرأة وفي الوقاحة على علماء السلف ولم يستثن منهم أحدا، بل أتى على جميعهم محدثهم وفقيههم، وحتى العامة الذين يعيشون على فطرة سليمة وعقيدة سلفية صحيحة.
ولله في ذلك حكم، فكتب الله الأجر والثواب لجماعة من السلفيين
_________
(1) التوبة الآية (6).
(2) السير (10/ 235) وترتيب المدارك (3/ 224).(3/297)
وقفوا له بالمرصاد وجادلوه بالحجة والبرهان، وثبتهم الله على ذلك مهما بلغت تهديداته وأساليب تعذيبه، واستشهد من استشهد منهم ومثالهم في ذلك إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد رضي الله عنه، وسيمر بنا إن شاء الله من مواقفه ومواقف غيره ما يثلج الصدر رحمهم الله جميعا، وجعلنا على نهجهم القويم، وهذا أبو مسهر إمام أهل الحديث في وقته ممن ينالون الأجر بإذن الله.
موقف السلف من بشر بن غياث المريسي الجهمي (218 هـ)
زندقته وتجهمه ومواقف السلف منه:
- قال الذهبي في سيره: نظر في الكلام، فغلب عليه، وانسلخ من الورع والتقوى، وجرد القول بخلق القرآن، ودعا إليه، حتى كان عين الجهمية في عصره وعالمهم، فمقته أهل العلم، وكفره عدة، ولم يدرك جهم بن صفوان، بل تلقف مقالاته من أتباعه. (1)
- وقال فيها أيضا: وكان جهميا له قدر عند الدولة، وكان يشرب النبيذ، وقال مرة لرجل اسمه كامل: في اسمه دليل على أن الاسم غير المسمى. (2)
- وقال: وقع كلامه إلى عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ، فصنف مجلدا في الرد عليه. (3)
_________
(1) السير (10/ 201).
(2) السير (10/ 201).
(3) السير (10/ 202).(3/298)
- ثم قال: فهو بشر الشر وبشر الحافي بشر الخير، كما أن أحمد بن حنبل هو أحمد السنة، وأحمد بن أبي دؤاد أحمد البدعة. ومن كفر ببدعة وإن جلت، ليس هو مثل الكافر الأصلي، ولا اليهودي والمجوسي، أبى الله أن يجعل من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر، وصام وصلى وحج وزكى وإن ارتكب العظائم وضل وابتدع، كمن عاند الرسول، وعبد الوثن، ونبذ الشرائع وكفر، ولكن نبرأ إلى الله من البدع وأهلها. (1)
- وفيها: قال البويطي: سمعت الشافعي يقول: ناظرت المريسي، فقال: القرعة قمار، فذكرت له حديث عمران بن حصين في القرعة (2)، ثم ذكرت قوله لأبي البختري القاضي، فقال: شاهدا آخر وأصلبه. (3)
- وفيها: روى أبو داود، عن أحمد بن حنبل، أنه سمع ابن مهدي أيام صنع ببشر ما صنع يقول: من زعم أن الله لم يكلم موسى يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه. (4)
وفيها: قال أبو بكر الأثرم: سئل أحمد عن الصلاة خلف بشر المريسي، فقال: لا تصل خلفه. (5)
_________
(1) السير (10/ 202).
(2) أخرجه أحمد (4/ 426) ومسلم (3/ 1288/1668) وأبو داود (4/ 266 - 269/ 3958) والترمذي (3/ 645/1364) والنسائي (4/ 366/1957) وابن ماجة (2/ 786/2345) من طرق عن عمران بن حصين، ولفظ مسلم عن عمران بن الحصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا.
(3) السير (10/ 200) والسنة للخلال (5/ 105).
(4) السير (10/ 201).
(5) السير (10/ 202).(3/299)
- وفيها: قال المروذي: سمعت أبا عبد الله، وذكر المريسي، فقال: كان أبوه يهوديا، أي شيء تراه يكون؟ (1)
- وفيها: قال قتيبة: بشر المريسي كافر. (2)
- وفيها: قال أبو عبد الله: كان بشر يحضر مجلس أبي يوسف، فيصيح، ويستغيث، فقال له أبو يوسف مرة: لا تنتهي أو تفسد خشبة، ثم قال أبو عبد الله: ما كان صاحب حجج، بل صاحب خطب. (3)
- وفي السنة لعبد الله: عن يحيى بن أيوب قال: كنت أسمع الناس يتكلمون في المريسي فكرهت أن أقدم عليه حتى أسمع كلامه لأقول فيه بعلم، فأتيته فإذا هو يكثر الصلاة على عيسى بن مريم عليه السلام، فقلت له: إنك تكثر الصلاة على عيسى فأهل ذاك هو ولا أراك تصلي على نبينا ونبينا أفضل منه فقال: ذاك كان مشغولا بالمرآة والمشط والنساء. (4)
موقف السلف من المأمون (218 هـ)
إحداثه التكبير دبر الصلوات:
- وفي البداية والنهاية يقول الحافظ ابن كثير: وفيها أي سنة ست
_________
(1) السير (10/ 201).
(2) السير (10/ 202).
(3) السير (10/ 201 - 202).
(4) السنة لعبد الله (39).(3/300)
عشرة ومائتين كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد يأمره أن يأمر الناس بالتكبير عقب الصلوات الخمس، فكان أول ما بدئ بذلك في مجامع بغداد والرصافة يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من رمضان، وذلك أنهم كانوا إذا قضوا الصلاة قام الناس قياما فكبروا ثلاث تكبيرات، ثم استمروا على ذلك في بقية الصلوات وهذه بدعة أحدثها المأمون أيضا بلا مستند وبلا دليل ولا معتمد، فإن هذا لم يفعله أحد قبله، ولكن ثبت في الصحيح عن ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ينصرف الناس من المكتوبة (1) وقد استحب هذا طائفة من العلماء كابن حزم وغيره، وقال ابن بطال: المذاهب الأربعة على عدم استحبابه. قال النووي: وقد روي عن الشافعي أنه قال: إنما كان ذلك ليعلم الناس أن الذكر بعد الصلوات مشروع، فلما علم ذلك لم يبق للجهر معنى وهذا كما روي عن ابن عباس أنه كان يجهر في الفاتحة في الصلاة، في صلاة الجنازة ليعلم الناس أنها سنة (2)، ولهذا نظائر والله أعلم. وأما هذه التي أمر بها المأمون فإنها بدعة محدثة لم يعمل بها أحد من السلف. (3)
" التعليق:
وهذه البدعة التي ابتدعها المأمون تطورت وتفرعت عنها أذكار وأوراد
_________
(1) البخاري (2/ 412/841) ومسلم (1/ 410/583) وأبو داود (1/ 609/1003) والنسائي (3/ 76 - 77/ 1334) عن ابن عباس.
(2) البخاري (3/ 261/1335) وأبو داود (3/ 537 - 538/ 3198) والترمذي (3/ 346/1027) والنسائي (4/ 377 - 378/ 1986 - 1987) عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: "صليت خلف ابن عباس" فذكره.
(3) البداية والنهاية (10/ 282 - 283).(3/301)
وأحزاب في مساجد العالم الإسلامي، إلا من عصم من ذلك. فإذا كان هؤلاء الأئمة الذين نقل الحافظ ابن كثير أقوالهم يرون هذه التي أحدث المأمون بدعة ضلالة، فما بالك لو وقفوا على ما عليه أهل هذا الزمان من رفع الأصوات في المساجد بالصيغ الجماعية التي هي أشبه ما يكون بفعل النصارى في كنائسهم والله المستعان.
تشيعه وتجهمه:
- جاء في السير: قيل: إن المأمون استخرج كتب الفلاسفة واليونان من جزيرة قبرس، وقدم دمشق مرتين. (1)
- قال إبراهيم نفطويه: حكى داود بن علي، عن يحيى بن أكثم قال: كنت عند المأمون وعنده قواد خراسان، وقد دعا إلى القول بخلق القرآن، فقال لهم: ما تقولون في القرآن؟ فقالوا: كان شيوخنا يقولون: ما كان فيه من ذكر الحمير والجمال والبقر فهو مخلوق، فأما إذ قال أمير المؤمنين هو مخلوق، فنحن نقول: كله مخلوق. فقلت للمأمون: أتفرح بموافقة هؤلاء؟. (2)
- قال نفطويه: بعث المأمون مناديا، فنادى في الناس ببراءة الذمة ممن ترحم على معاوية، أو ذكره بخير. وكان كلامه في القرآن سنة اثنتي عشر ومئتين، فأنكر الناس ذلك، واضطربوا، ولم ينل مقصوده، ففتر إلى وقت. (3)
_________
(1) السير (10/ 278).
(2) السير (10/ 281).
(3) السير (10/ 281).(3/302)
- قيل: إن المأمون لتشيعه أمر بالنداء بإباحة المتعة -متعة النساء - فدخل عليه يحيى بن أكثم، فذكر له حديث علي رضي الله عنه بتحريمها (1)، فلما علم بصحة الحديث، رجع إلى الحق، وأمر بالنداء بتحريمها. (2)
- أما مسألة القرآن، فما رجع عنها، وصمم على امتحان العلماء في سنة ثماني عشرة، وشدد عليهم، فأخذه الله. (3)
- وكان المأمون يجل أهل الكلام، ويتناظرون في مجلسه. (4)
- وفي سنة اثنتي عشر: سار محمد بن حميد الطوسي لمحاربة بابك، وأظهر المأمون تفضيل علي على الشيخين، وأن القرآن مخلوق. (5)
- وبالغ في محنة القرآن، وحبس إمام الدمشقيين أبا مسهر، بعد أن وضعه في النطع للقتل، فتلفظ مكرها. (6)
- وكتب المأمون إلى نائبه على العراق إسحاق بن إبراهيم الخزاعي كتابا يمتحن العلماء، يقول فيه: وقد عرفنا أن الجمهور الأعظم والسواد من حشو الرعية وسفلة العامة، ممن لا نظر لهم ولا روية، أهل جهالة وعمى عن أن يعرفوا الله كنه معرفته، ويقدروه قدره، ويفرقوا بينه وبين خلقه، فساووا بين
_________
(1) أحمد (1/ 79) والبخاري (7/ 611/4216) ومسلم (2/ 1027/1407) والترمذي (3/ 429/1121) والنسائي (6/ 435/3366) وابن ماجه (1/ 630/1961) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(2) السير (10/ 283).
(3) السير (10/ 283).
(4) السير (10/ 285).
(5) السير (10/ 286).
(6) السير (10/ 287).(3/303)
الله وبين خلقه، وأطبقوا على أن القرآن قديم، لم يخترعه الله، وقد قال: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا} (1) فكل ما جعله فقد خلقه، كما قال: {وجعل الظلمات والنور} (2)، وقال: {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} (3)، فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها. وقال: {أُحْكِمَتْ آياته ثُمَّ فُصِّلَتْ} (4) والله محكم له، فهو خالقه ومبدعه. إلى أن قال: فمال قوم من أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله إلى موافقتهم، فرأى أمير المؤمنين أنهم شر الأمة ولعمر أمير المؤمنين، إن أكذب الناس من كذب على الله ووحيه، ولم يعرف الله حق معرفته. فاجمع القضاة، وامتحنهم، فيما يقولون، وأعلمهم أني غير مستعين في عمل ولا واثق بمن لا يوثق بدينه فإن وافقوا فمرهم بنص من بحضرتهم من الشهود، ومسألتهم عن علمهم في القرآن، ورد شهادة من لم يقر أنه مخلوق. (5)
- وكتب المأمون أيضا في أشخاص سبعة، محمد بن سعد، وابن معين، وأبي خيثمة، وأبي مسلم المستملي، وإسماعيل بن داود، وأحمد الدورقي، فامتحنوا فأجابوا -قال ابن معين: جبنا خوفا من السيف- وكتب بإحضار من امتنع منهم: أحمد بن حنبل، وبشر بن الوليد، وأبي حسان الزيادي،
_________
(1) الزخرف الآية (3).
(2) الأنعام الآية (1).
(3) طه الآية (99).
(4) هود الآية (1).
(5) السير (10/ 287).(3/304)
والقواريري، وسجادة، وعلي بن الجعد، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وعلي بن أبي مقاتل، وذيال بن الهيثم، وقتيبة بن سعيد، وسعدويه، في عدة، فتلكأ طائفة، وصمم أحمد وابن نوح، فقيدا، وبعث بهما، فلما بلغا الرقة، تلقاهم موت المأمون، وكان مرض بأرض الثغر، فلما احتضر، طلب ابنه العباس ليقدم، فوافاه بآخر رمق، وقد نفذت الكتب إلى البلدان، فيها: من المأمون وأخيه أبي إسحاق الخليفة من بعده. فقيل: وقع ذلك بغير أمر المأمون، وقيل: بل بأمره. وأشهد على نفسه عند الموت أن عبد الله بن هارون أشهد عليه أن الله وحده لا شريك له، وأنه خالق، وما سواه مخلوق، ولا يخلو القرآن من أن يكون شيئا له مثل، والله لا مثل له، والبعث حق، وإني مذنب، أرجو وأخاف، وليصل علي أقربكم، وليكبر خمسا، فرحم الله عبدا اتعظ وفكر فيما حتم الله على جميع خلقه من الفناء، فالحمد لله الذي توحد بالبقاء، ثم لينظر امرؤ ما كنت فيه من عز الخلافة، هل أغنى عني شيئا إذ نزل أمر الله بي؟ لا والله، لكن أضعف به على الحساب، فيا ليتني لم أك شيئا، يا أخي، ادن مني، واتعظ بما ترى، وخذ بسيرة أخيك في القرآن، واعمل في الخلافة إذ طوقكها الله عمل المريد لله، الخائف من عقابه، ولا تغتر، فكأن قد نزل بك الموت، ولا تغفل أمر الرعية، الرعية الرعية فإن الملك بهم، الله الله فيهم وفي غيرهم يا أبا إسحاق عليك عهد الله، لتقومن بحقه في عباده، ولتؤثرن طاعته على معصيته، فقال: اللهم نعم. هؤلاء بنو عمك من ذرية علي رضي الله عنه، أحسن صحبتهم، وتجاوز عن مسيئهم.
ثم مات في رجب في ثاني عشرة، سنة ثمان عشرة ومئتين، وله ثمان وأربعون سنة، توفي بالبذنذون،(3/305)
فنقله ابنه العباس. ودفنه بطرسوس في دار خاقان خادم أبيه. (1)
- وفي البداية والنهاية قال الحافظ ابن كثير: وفي ربيع الأول سنة ثنتي عشرة ومائتين أظهر المأمون في الناس بدعتين فظيعتين، إحداهما أطم من الأخرى، وهي القول بخلق القرآن، والثانية تفضيل علي بن أبي طالب على الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أخطأ في كل منهما خطئا كبيرا فاحشا وأثم إثما عظيما. (2)
- وقال أبو العباس أحمد بن تيمية في مجموع الفتاوى: وفي دولة أبي العباس المأمون، ظهر الخرمية ونحوهم من المنافقين، وعرب من كتب الأوائل المجلوبة من بلاد الروم ما انتشر بسببه مقالات الصابئين وراسل ملوك المشركين من الهند ونحوهم حتى صار بينه وبينهم مودة.
فلما ظهر ما ظهر من الكفر والنفاق في المسلمين، وقوي ما قوي من حال المشركين وأهل الكتاب، كان من أثر ذلك ما ظهر من استيلاء الجهمية والرافضة وغيرهم من أهل الضلال، وتقريب الصابئة ونحوهم من المتفلسفة، وذلك بنوع رأي يحسبه صاحبه عقلا وعدلا، وإنما هو جهل وظلم، إذ التسوية بين المؤمن والمنافق والمسلم والكافر أعظم الظلم، وطلب الهدى عند أهل الضلال أعظم الجهل، فتولد من ذلك محنة الجهمية حتى امتحنت الأمة بنفي الصفات والتكذيب بكلام الله ورؤيته، وجرى من محنة الإمام أحمد
_________
(1) السير (10/ 288).
(2) البداية والنهاية (10/ 278 - 279).(3/306)
وغيره ما جرى مما يطول وصفه. (1)
- وفي تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي: وبعد كلامه على الطبقة السادسة من تقسيمه رحمه الله قال: وكان في زمان هؤلاء خلائق من أصحاب الحديث ومن أئمة المقرئين، كورش واليزيدي والكسائي وإسماعيل ابن عبيد الله المكي القسط وخلق من الفقهاء كفقيه العراق محمد بن الحسن وفقيه مصر عبد الرحمن بن القاسم وخلق من مشائخ القوم كشقيق البلخي وصالح المري الواعظ، والفضيل المذكور والدولة لهارون الرشيد والبرامكة، ثم بعدهم اضطربت الأمور وضعف أمر الدولة بخلافة الأمين رحمه الله، فلما قتل واستخلف المأمون على رأس المائتين نجم التشيع وأبدى صفحته، وبزغ فجر الكلام وعربت حكمة الأوائل ومنطق اليونان، وعمل رصد الكواكب، ونشأ للناس علم جديد مرد مهلك لا يلائم علم النبوة، ولا يوافق توحيد المؤمنين، قد كانت الأمة منه في عافية، وقويت شوكة الرافضة والمعتزلة وحمل المأمون المسلمين على القول بخلق القرآن ودعاهم إليه، فامتحن العلماء، فلا حول ولا قوة إلا بالله، إن من البلاء أن تعرف ما كنت تنكر وتنكر ما كنت تعرف، وتقدم عقول الفلاسفة ويعزل منقول أتباع الرسل ويمارى في القرآن ويتبرم بالسنن والآثار، وتقع في الحيرة، فالفرار قبل حلول الدمار، وإياك ومضلات الأهواء ومجاراة العقول ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم. (2)
_________
(1) مجموع الفتاوى (4/ 21).
(2) تذكرة الحفاظ (1/ 328 - 329).(3/307)
عبد الله بن الزبير الحُمَيْدِي (1) (219 هـ)
عبد الله بن الزبير بن عيسى الإمام الحافظ الفقيه شيخ الحرم، أبو بكر القرشي صاحب المسند. حدث عن ابن عيينة -فأكثر عنه وجوَّد- وإبراهيم ابن سعد ووكيع ابن الجراح والوليد بن مسلم ومروان بن معاوية وعدة. وعنه البخاري ومحمد بن يحيى الذهلي ويعقوب بن شيبة وهارون بن عبد الله الحمال ومحمد بن يونس النسائي وطائفة. قال فيه الإمام أحمد: الحميدي عندنا إمام، وقال يعقوب الفسوي: حدثنا الحميدي، وما لقيت أنصح للإسلام وأهله منه. توفي سنة تسع عشرة ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- كان هذا الإمام سلفي المعتقد قال رحمه الله في مسنده: السنة عندنا أن يؤمن الرجل بالقدر خيره وشره حلوه ومره، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ذلك كله قضاء من الله عز وجل، وأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، لا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل وقول إلا بنية، ولا قول وعمل بنية إلا بسنة، والترحم على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كلهم فإن الله عز وجل قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (2) فلم نؤمر إلا
_________
(1) طبقات ابن سعد (5/ 502) والجرح والتعديل (5/ 56) والأنساب (4/ 231) وتذكرة الحفاظ (2/ 413) وطبقات الشافعية لابن كثير (2/ 140) والعقد الثمين (5/ 160) وتهذيب التهذيب (5/ 214) وشذرات الذهب (2/ 45) والسير (10/ 616 - 621).
(2) الحشر الآية (10).(3/308)
بالاستغفار لهم، فمن سبهم أو بغضهم أو أحدا منهم فليس على السنة، وليس له في الفيء حق، أخبرنا بذلك غير واحد عن مالك بن أنس أنه قال: قسم الله تعالى الفيء فقال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ ديارهم} ثم قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} الآية فمن لم يقل هذا لهم فليس ممن جعل له الفيء، والقرآن كلام الله، سمعت سفيان يقول: والقرآن كلام الله، ومن قال: مخلوق فهو مبتدع لم نسمع أحدا يقول هذا، وسمعت سفيان يقول: الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد لا تقل ينقص، فغضب، وقال: اسكت يا صبي بلى، حتى لا يبقى منه شيء. والإقرار بالرؤية بعد الموت، وما نطق به القرآن والحديث مثل {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} (1)، ومثل {وَالسَّماوَاتُ مطوياتٌ بيمينه} (2) وما أشبه هذا من القرآن والحديث، لا يزيد فيه ولا يفسره، يقف على ما وقف عليه القرآن والسنة، ويقول: {الرَّحْمَنُ على الْعَرْشِ استوى} (3) ومن زعم غير هذا فهو معطل جهمي، وأن لا يقول كما قالت الخوارج: من أصاب كبيرة فقد كفر، ولا يكفر بشيء من الذنوب، إنما الكفر في ترك
_________
(1) المائدة الآية (64).
(2) الزمر الآية (67) ..
(3) طه الآية (5).(3/309)
الخمس التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" (1)، وأما ثلث منها فلا يناظر تاركه، من لم يتشهد، ولم يصل، ولم يصم، لأنه لا يؤخر من هذا شيء عن وقته، ولا يجزئ من قضاه بعد تفريطه فيه عامدا عن وقته، وأما الزكاة فمتى ما أداها أجزأت عنه، وكان آثما في الحبس، وأما الحج فمن وجب عليه، ووجد السبيل إليه وجب عليه، ولا يجب عليه في عامه ذلك حتى لا يكون له منه بد، متى أداه كان مؤديا ولم يكن آثما في تأخيره إذا أداه، كما كان آثما في الزكاة لأن الزكاة حق لمسلمين (2) مساكين، حبسه عليهم فكان آثما حتى وصل إليهم، وأما الحج فكان في ما بينه وبين ربه إذا أداه فقد أدى، وإن هو مات وهو واجد مستطيع ولم يحج سأل الرجعة إلى الدنيا أن يحج، ويجب لأهله أن يحجوا عنه، ونرجو أن يكون ذلك مؤديا عنه كما لو كان عليه دين فقضي عنه بعد موته. (3)
- وجاء في ذم الكلام عنه قال: والله لأن أغزو هؤلاء الذين يردون حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من أن أغزو عدتهم من الأتراك. (4)
" التعليق:
رضي الله عنك يا إمام، فهذا هو الفهم الصحيح، لأن في غزو الرادين
_________
(1) أحمد (2/ 143) والبخاري (1/ 67 - 68/ 8) ومسلم (1/ 45/16) والترمذي (5/ 7/2609) والنسائي (8/ 481 - 482/ 5016) عن ابن عمر.
(2) في الأصل "لمسلمي" ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3) المسند (2/ 546 - 548) وانظر نقض المنطق (5 - 6) واجتماع الجيوش (204) وتذكرة الحفاظ (2/ 414).
(4) ذم الكلام (77) والسير (10/ 619).(3/310)
للسنة حفظا لرأس مال الإسلام وغزو الأتراك طلب الربح، وحفظ رأس المال أولى، وبهذا وجه الإمام ابن هبيرة قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قتالهم -أي الخوارج- أجل عندي من قتال عدتهم من الترك.
موقفه من الجهمية:
جاء في الكفاية عن عوام قال قال لي الحميدي: كان بشر بن السري جهميا، لا يحل أن يكتب عنه. (1)
موقفه من المرجئة:
قال حنبل: أخبرنا الحميدي (وأخبرت) أن ناسا يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا إذا علم أن تركه ذلك (فيه إيمانه) إذا كان يقر بالفرائض واستقبال القبلة. فقلت: هذا الكفر الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفعل المسلمين قال الله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} (2). (3)
موقفه من القدرية:
قال الإمام أحمد في معاذ بن هشام الدستوائي: كان في كتابه عن أبيه:
_________
(1) الكفاية (123).
(2) البينة الآية (5).
(3) أصول الاعتقاد (5/ 957/1594) والسنة للخلال (3/ 586 - 587/ 1027) وانظر الفتاوى (7/ 209).(3/311)
ليس المعاصي من قدر الله. قلت له: وما علمك؟ قال: أنا رأيته في كتابه عن أبيه، ثم خرج إلى مكة في تجارة، فجلس يحدثهم، فقال الحميدي: لا تسمعوا من هذا القدري شيئا. (1)
أبو الأسود النَّضْر بن عبد الجبار (2) (219 هـ)
النضر بن عبد الجبار بن نَضِير الإمام القدوة العابد الحافظ أبو الأسود المرادي مولاهم البصري الكاتب الشروطي كاتبُ الحُكم لِقاضي مصر لَهيعة ابن عيسى بن لهيعة. روى عن ابن لهيعة والليث بن سعد وبكر بن مضر والمفضل بن فضالة ونافع بن يزيد ونوح بن عباد وآخرين. حدث عنه يحيى ابن معين والذهلي والربيع بن سليمان الجيزي وجعفر بن مسافر وحميد بن الربيع اللخمي وعدة.
قال أبو حاتم: شيخ صدوق عابد شبهته بالقعنبي. قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن يحيى بن معين: كان راوية عن ابن لهيعة، وكان شيخ صدق. توفي سنة تسع عشرة ومائتين.
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة: قال عبد الله: حدثني محمد بن سهل سمعت أبا الأسود النضر بن عبد الجبار يقول: القرآن كلام الله، من قال القرآن مخلوق
_________
(1) السير (9/ 372).
(2) الجرح والتعديل (2/ 48) وتهذيب التهذيب (10/ 440) وشذرات الذهب (2/ 46) والسير (10/ 567).(3/312)
فهو كافر، هذا كلام الزنادقة. (1)
عمرو بن الربيع (2) (219 هـ)
عمرو بن الربيع بن طارق بن قرة الهلالي أبو حفص الكوفي ثم المصري. حدث عن إسماعيل بن مرزوق ورشدين بن سعد والليث بن سعد ومالك بن أنس وابن لهيعة وآخرين. وعنه البخاري ويحيى بن معين وإسحاق بن منصور الكوسج ومحمد بن إسحاق الصاغاني وابنه طاهر وطائفة. ذكره ابن حبان في كتاب الثقات. توفي سنة تسع عشرة ومائتين.
موقفه من الجهمية:
روى عبد الله في السنة قال: حدثني محمد بن سهل قال: سمعت عمرو ابن الربيع بن طارق يقول: القرآن كلام الله، من زعم أنه مخلوق فهو كافر. (3)
هشام بن بَهْرَام (4) (219 هـ)
هشام بن بهرام، أبو محمد المَدَائِني. حدث عن أبي شهاب الحناط، والمعافى بن عمران، وسفيان بن عيينة، وعلي بن مسهر وغيرهم. وروى عنه عباس الدوري، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، وعلي بن أحمد بن النضر وأبو
_________
(1) السنة لعبد الله (ص.18).
(2) التقريب (2/ 70) وتهذيب التهذيب (8/ 33) وتهذيب الكمال (22/ 23 - 26).
(3) السنة لعبد الله (ص.18).
(4) تاريخ الإسلام (حوادث 211 - 220/ص.432) وتاريخ بغداد (14/ 47 - 48) وتهذيب الكمال (30/ 177 - 178).(3/313)
داود وغيرهم. قال الخطيب: كان ثقة. توفي سنة تسع عشرة ومائتين.
موقفه من الجهمية:
عن محمد بن منصور الطوسي قال: قدم علي بن مضاء مولى لخالد القسري. حدثنا هشام بن بهرام سمعت معافى بن عمران يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق. قال هشام: وأنا أقول كما قال المعافى، قال علي: وأنا أقول كما قال -يعني هشاما- قال أبو جعفر الطوسي: وأنا أقول: القرآن كلام الله غير مخلوق. (1)
سليمان بن داود الهاشمي (2) (219 هـ)
هو سليمان بن داود بن داود بن علي، أبو أيوب، وأبو داود الهاشمي العباسي الأمير. قال الذهبي: كان شريفا جليلا، عالما ثقة، سريا، بلغنا عن أحمد بن حنبل أنه قال: كان يصلح للخلافة. سمع عبد الرحمن بن أبي الزناد وإسماعيل بن جعفر، وسفيان بن عيينة وجماعة. وروى عنه أحمد بن حنبل وعباس الدوري، والحارث ابن أبي أسامة، وإبراهيم الحربي وغيرهم. ومن كلامه: ربما أتحدث بحديث واحد ولي نية، فإذا أتيت على بعضه تغيرت نيتي، وإذا الحديث الواحد يحتاج إلى نيات. قال الشافعي: ما رأيت أعقل من هذين الرجلين: أحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي. مات سنة تسع عشرة
_________
(1) السنة لعبد الله (67).
(2) تاريخ الإسلام (حوادث 211 - 220/ص.180 - 181) وتاريخ بغداد (9/ 31 - 32) وطبقات ابن سعد (7/ 343)
والوافي بالوفيات (15/ 389).(3/314)
ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- قال سليمان بن داود الهاشمي الإمام -نظير أحمد بن حنبل- الذي قال فيه الشافعي: ما خلفت ببغداد أعقل من رجلين: أحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، قال: من قال: إن القرآن مخلوق لزم أن يكون قول فرعون كلام الله، فإن الله خلق في فرعون قوله: {فَقَالَ أَنَا ربكم الأعلى} (1) وعندهم أن الله خلق في الشجرة إِنَّنِي {أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدني} (2). فإذا كان كلامه لكونه خلقه فالآخر أيضا كلامه. (3)
- وقال سليمان بن داود الهاشمي: من قال القرآن مخلوق فهو كافر، وإن كان القرآن مخلوقا كما زعموا فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار إذ قال: {أَنَا أَنَا ربكم الأعلى} (4)؟ وزعموا أن هذا مخلوق والذي قال: إِنَّنِي {أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدني} (5) هذا أيضا قد ادعى ما ادعى فرعون، فلم صار فرعون أولى أن يخلد في النار من هذا؟ وكلاهما عنده مخلوق. فأخبر بذلك أبو عبيد فاستحسنه وأعجبه. (6)
_________
(1) النازعات الآية (24).
(2) طه الآية (14).
(3) مجموع الفتاوى (6/ 316 - 317).
(4) النازعات الآية (24).
(5) طه الآية (14).
(6) مجموع الفتاوى (12/ 509) ونحوه في المنهاج (5/ 426).(3/315)
الفَضْل بن دُكَين (1) (219 هـ)
الحافظ الكبير، الفضل بن عمرو بن حَمَّاد بن زُهَيْر بن درهم القرشي التيمي الطلحي، أبو نعيم الملائي الكوفي الأحول، مولى آل طلحة بن عبيد الله. كان شريكَ عبدِالسلام بن حرب الملائي في دكان يبيعان المُلاء. سمع الأعمش وشريكا ومالك بن مغول وسفيان الثوري ومسعر بن كدام وشعبة، وخلقا سواهم. وحدث عنه البخاري وأحمد بن حنبل وإسحاق وابن معين وأبو حاتم وأمم سواهم. قال يعقوب الفسوي: أجمع أصحابنا أن أبا نعيم كان غاية في الإتقان. قال أحمد بن حنبل: إنما رفع الله عفان وأبا نعيم بالصدق حتى نُوّه بذكرهما. وقال أيضا: شيخان كان الناس يتكلمون فيهما ويذكرونهما، وكنا نلقى من الناس في أمرهما ما الله به عليم، قاما لله بأمر لم يقم به كبير أحد: عفان وأبو نعيم.
روى الميموني عن أحمد أنه أثنى على أبي نعيم، وقال: كان ثقة، يقظان في الحديث، عارفا به، ثم قام في أمر الامتحان ما لم يقم غيره، عافاه الله. قال الخطيب: كان أبو نعيم مزاحا ذا دعابة، مع تدينه وثقته وأمانته. وقال أبو أحمد الفراء: كنا نهاب أبا نعيم أشد من هيبة الأمير. توفي رحمه الله سنة تسع عشرة ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- جاء في السير: قال أبو العباس السراج عن الكديمي قال: لما دخل
_________
(1) طبقات ابن سعد (6/ 400) وتاريخ بغداد (12/ 346) وتهذيب الكمال (23/ 197 - 220) والسير (10/ 142 - 157) وتهذيب التهذيب (8/ 270 - 276) وشذرات الذهب (2/ 46).(3/316)
أبو نعيم على الوالي ليمتحنه، وثم يونس وأبو غسان وغيرهما، فأول من امتحن فلان، فأجاب، ثم عطف على أبي نعيم، فقال: قد أجاب هذا، فما تقول؟ فقال: والله ما زلت أتهم جده بالزندقة، ولقد أخبرني يونس بن بُكير أنه سمع جده يقول: لا بأس أن يرمي الجمرة بالقوارير. أدركت الكوفة وبها أكثر من سبع مئة شيخ، الأعمش فمن دونه يقولون: القرآن كلام الله وعنقي أهون من زري هذا، فقام إليه أحمد بن يونس، فقبل رأسه -وكان بينهما شحناء- وقال: جزاك الله من شيخ خيرا. (1)
- قال الطبراني: سمعت صليحة بنت أبي نعيم تقول: سمعت أبي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق، فهو كافر. (2)
- جاء في السنة لعبد الله: عن أبي نعيم بن دكين قال: وذكر عنده من يقول: القرآن مخلوق فقال: والله والله ما سمعت بشيء من هذا حتى خرج ذاك الخبيث جهم. (3)
- وللخلال: عن أحمد بن حنبل حدثهم: سمع أبا نعيم الفضل بن دكين قال له رجل: يا أبا نعيم هذا بشر المريسي. فقال: لعن الله أهل الزيغ والضلالة، من بشر المريسي؟ إنما يتكلم في هذا التافه من الناس، لا يعرف، نسأل الله لنا ولكم اليسر والعافية، عليكم بالآثار، والعلم ما كان عليه من مضى من السلف. (4)
_________
(1) السير (10/ 149) وأصول الاعتقاد (2/ 305/481).
(2) السير (10/ 149) ونحوه في السنة لعبد الله (32).
(3) السنة لعبد الله (40).
(4) السنة للخلال (5/ 104).(3/317)
- وفي السنة لعبد الله عنه قال: لعن الله بشرا المريسي الكافر. (1)
- وعن أحمد بن محمد بن إسماعيل الرازي قال: سمعت عقبة بن قبيصة قال: خرج علينا أبو نعيم الفضل بن دكين وهو مغضب فقال: حدثنا سفيان ابن سعيد بن مسروق الثوري وحدثنا الحسن بن صالح بن حي وحدثنا شريك بن عبد الله النخعي وحدثنا زهير بن معاوية: كلهم رووا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا نرى ربنا (2)، وجاء ابن صباغ يهودي فأنكر الرؤية -يعني المريسي-. (3)
- وقال الخلال: أخبرنا علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول: أدركت الناس ما يتكلمون في هذا ولا عرفنا هذا إلا بعد سنين، القرآن كلام الله منزل من عند الله لا يؤول إلى خالق ولا مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، هذا الذي لم نظل عليه ولا نعرف غيره. (4)
العتابي (5) (219 هـ)
كلثوم بن عمرو العتابي أبو عمرو الأديب الشاعر المشهور الأخباري، كان خطيبا بليغا فصيحا مجيدا، مدح الرشيد والمأمون، وكان يتزهد ويتصوف ويقل من السلطان.
من أشعاره:
_________
(1) السنة لعبد الله (38).
(2) انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز الماجشون سنة (164هـ).
(3) أصول الاعتقاد (3/ 561/887).
(4) الفتاوى الكبرى (5/ 75) والإبانة (2/ 36/228).
(5) تاريخ بغداد (12/ 488) وتاريخ الإسلام (15/ 357 - 358) والنجوم الزاهرة (2/ 186) والمنتظم (10/ 189 - 193).(3/318)
ولقد بلوت الناس ثم سبرتهم ... وخبرت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا ... وإذا المودة أكبر الأنساب
ومنها:
إن الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنيا وهو مجهود
وللبخيل على أموالهم علل ... زرق العيون عليها أوجه سود
بث النوال ولا يمنعك قلته ... فكل ما سد فقرا فهو محمود
توفي سنة تسع عشرة ومائتين.
موقفه من الجهمية:
روى ابن بطة في الإبانة بسنده إلى أبي علي محمد بن سعيد بن الحسن قال: دخل العتابي على المأمون، وعنده بشر المريسي، فقال المأمون: ناظر بشرا في الرأي؟
فقال العتابي: يا أمير المؤمنين الإيناس قبل ... (1) فإنه لا يحمد المرء في أول وهلة على صوابه، ولا يذم على خطأه، لأنه بين حالين من كلام قد هيأه أو حصر، ولكنه يبسط بالمؤانسة، ويبحث بالمثاقبة، فقال له: ناظر بشرا في الرأي، فقال العتابي: يا أمير المؤمنين إن لأهل الرأي أغاليط وأغاليق واختلافا في آرائهم، وأنا واصف لأمير المؤمنين ما أعتقده من ذلك، لعل صفتي تأتي على ما يحاول أمير المؤمنين، إن أمر الديانة أمران:
أحدهما لا يرد إلا جحدا لأنه القرآن، وهو الأصل المعروض عليه كل
_________
(1) في هامش الإبانة كلمة غير واضحة لعلها المناظرة.(3/319)
حجة وعلم كل حادث لا نرد سؤل من انتحله حجة، فما وضحت فيه آية من كتاب الله مجمع على تأويلها أو سنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا اختلاف فيها أو إجماع من العلماء أو مستنبط تعرف العقول عدله لزمهم الديانة به والقيام عليه وما لم يصح فيه آية من كتاب الله مجمع على تأويلها ولا سنة تلزمهم الديانة بها، ولا القيام عليه، كان عليهم العهد والميثاق في الوقوف عنده، كذلك نقول في التوحيد فما دونه وفي أرش الخدش فما فوقه، فما أضاء لي نوره اصطفيته وما عمي عني نوره نفيته وبالله التوفيق.
فقال المأمون اكتبوا هذا الكلام وخلدوه ببيت الحكمة. (1)
" التعليق:
سبحان من طبع على قلب المأمون، يسمع مثل هذا ويعجبه ويرتضيه، ومع ذلك يستمر على ضلاله الذي تبناه، فلا أدري إن كان حب الظهور هو الذي دفعه إلى هذا، أو هذا حقيقة عقيدة اقتنع بها وأراد حمل الناس عليها فالله أعلم، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
آدم بن أبي إياس (2) (220 هـ)
هو الإمام الحافظ القدوة، أبو الحسن الخراساني المروذي، ثم البغدادي، ثم العسقلاني. نشأ ببغداد، وسمع بها الكثير، وبالحرمين والكوفة والبصرة
_________
(1) الإبانة (2/ 537/670).
(2) تاريخ بغداد (7/ 27 - 30) وتاريخ الإسلام (حوادث 211 - 220/ص.59 - 62) وسير أعلام النبلاء (10/ 335 - 338) وطبقات ابن سعد (7/ 490).(3/320)
والشام ومصر. وسكن عسقلان إلى أن مات بها.
حدث عن ابن أبي ذئب، ومبارك بن فضالة، وشعبة بن الحجاج، وغيرهم.
وحدث عنه البخاري، وأحمد بن الأزهر، وأحمد بن عبد الله العكاوي، وإسماعيل سمويه وخلق سواهم.
قال فيه أبو حاتم الرازي: ثقة مأمون متعبد من خيار عباد الله.
وذكره أحمد بن حنبل، فقال: كان مكينا عند شعبة، كان من الستة الذين يضبطون الحديث عنه.
مات آدم في جمادى الآخرة سنة عشرين ومائتين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة.
موقفه من الجهمية:
جاء في السير: قال أبو بكر الأعين: أتيت آدم العسقلاني، فقلت له: عبد الله بن صالح كاتب الليث يقرئك السلام، فقال: لا تقرئه مني السلام، قلت: ولم؟ قال: لأنه قال: القرآن مخلوق، فأخبرته بعذره، وأنه أظهر الندامة وأخبر الناس بالرجوع. قال: فأقرئه السلام وإذا أتيت أحمد بن حنبل فأقرئه السلام وقل له: يا هذا اتق الله وتقرب إلى الله تعالى بما أنت فيه، ولا يستفزنك أحد، فإنك -إن شاء الله- مشرف على الجنة، وقل له: أخبرنا الليث عن ابن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أرادكم على معصية الله، فلا(3/321)
تطيعوه" (1) قال: فأبلغت ذلك أبا عبد الله، فقال: رحمه الله حيا وميتا، فلقد أحسن النصيحة. (2)
عفَّان بن مُسْلِم (3) (220 هـ)
عفان بن مسلم بن عبد الله مولى عَزْرَة بن ثابت الأنصاري الإمام الحافظ محدث العراق، أبو عثمان البصري الصفار بقية الأعلام. سمع همام بن يحيى وشعبة والحمادين وداود بن أبي الفرات وعبد الواحد بن زياد ووهيب ابن خالد ويحيى القطان وعدة. وعنه البخاري وأحمد بن حنبل وابن المديني وزهير بن حرب وإسحاق بن منصور الكوسج ومحمد بن عبد الرحيم البزاز ويحيى بن معين وابن أبي شيبة وطائفة. وقال فيه ابن خراش: عفان ثقة من
_________
(1) الخطيب البغدادي في التاريخ (7/ 28 - 29) والمزي في التهذيب (2/ 306) وللحديث شواهد منها:
- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أخرجه: البخاري (6/ 143/2955) ومسلم (3/ 1469/1839) وأبو داود (3/ 93 - 94/ 2626) والترمذي (4/ 182/1707) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". والنسائي (7/ 179 - 180/ 4217) وابن ماجه (2/ 956/2864) كلهم من طرق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "على المرء المسلم الطاعة فيما أحب أو كره. إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة".
- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أخرجه: أحمد (3/ 67) وابن ماجه (2/ 955 - 956/ 2863) قال في الزوائد: "إسناده صحيح". وابن حبان (10/ 421 - 422/ 4558) (الإحسان) والحاكم (3/ 630 - 631) مختصرا. من طرق عن محمد بن عمرو عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أمركم منهم بمعصية الله فلا تطيعوه". وفيه قصة، وفي الباب عن علي وعمران بن الحصين والحكم بن عمرو الغفاري.
(2) السير (10/ 336).
(3) طبقات ابن سعد (7/ 336) وتاريخ خليفة (476) والجرح والتعديل (7/ 30) وتاريخ بغداد (12/ 269 - 277) وميزان الاعتدال (3/ 81 - 82) وتذكرة الحفاظ (1/ 379 - 381) وتهذيب التهذيب (7/ 239) وشذرات الذهب (2/ 47) والسير (10/ 242).(3/322)
خيار المسلمين، وقال أبو حاتم: عفان إمام ثقة متين متقن. وقال يحيى بن معين: أصحاب الحديث خمسة: مالك، وابن جريج، والثوري، وشعبة وعفان. توفي سنة عشرين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- قال الخطيب في تاريخه: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق أخبرنا عثمان ابن أحمد الدقاق حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: حضرت أبا عبد الله أحمد ويحيى ابن معين عند عفان بعد ما دعاه إسحاق بن إبراهيم للمحنة -وكان أول من امتحن من الناس عفان- فسأله يحيى بن معين من الغد بعد ما امتحن -وأبو عبد الله حاضر ونحن معه- فقال له يحيى: يا أبا عثمان، أخبرنا بما قال لك إسحاق بن إبراهيم وما رددت عليه؟ فقال عفان ليحيى: يا أبا زكريا، لم أسود وجهك ولا وجوه أصحابك -يعني بذلك أني لم أجب- فقال له فكيف كان؟ قال: دعاني إسحاق بن إبراهيم فلما دخلت عليه قرأ علي الكتاب الذي كتب به المأمون من أرض الجزيرة من الرقة، فإذا فيه: امتحن عفان وادعه إلى أن يقول القرآن كذا وكذا، فإن قال ذلك فأقره على أمره، وإن لم يجبك إلى ما كتبت به إليك فاقطع عنه الذي يجري عليه - وكان المأمون يجري على عفان خمسمائة درهم كل شهر - قال عفان: فلما قرأ الكتاب قال لي إسحاق بن إبراهيم ما تقول؟ قال عفان فقرأت عليه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} حتى ختمتها. فقلت مخلوق هذا؟ فقال لي إسحاق بن إبراهيم: يا شيخ، إن أمير المؤمنين يقول: إنك إن لم تجبه إلى الذي يدعوك إليه يقطع عنك ما يجري(3/323)
عليك، وإن قطع عنك أمير المؤمنين قطعنا عنك نحن أيضا. فقلت له يقول الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (1) قال: فسكت عني إسحاق وانصرفت، فسر بذلك أبو عبد الله ويحيى ومن حضر من أصحابنا. (2)
قال الذهبي: هذه الحكاية تدل على جلالة عفان وارتفاع شأنه عند الدولة، فإن غيره امتحن، وقيد وسجن، وعفان فما فعلوا معه غير قطع الدراهم عنه. (3)
- وفي التاريخ أيضا عن إبراهيم -يعني ابن الحسين بن ديزيل- يقول: لما دعي عفان للمحنة كنت آخذا بلجام حماره. فلما حضر عرض عليه القول فامتنع أن يجيب، فقيل له: يحبس عطاؤك -قال: وكان يعطى في كل شهر ألف درهم، فقال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (4) قال: فلما رجع إلى داره عذله نساؤه ومن في داره- قال وكان في داره نحو أربعين إنسانا -قال فدق عليه داق الباب، فدخل عليه رجل شبهته بسمان- أو زيات- ومعه كيس فيه ألف درهم. فقال: يا أبا عثمان ثبتك الله كما ثبت الدين، وهذا في كل شهر. (5)
- عن أبي بكر الأعين قال: كنت عند عفان وقد دعاه إسحاق لهذا الأمر، فقال: أعطوني ثيابي، فجاؤوه بقميص جديد، فقال لهم: هذا يكون
_________
(1) الذاريات الآية (22).
(2) تاريخ بغداد (12/ 270 - 271) وهو في السير (10/ 244) والإبانة (2/ 293 - 294/ 463).
(3) السير (10/ 245).
(4) الذاريات الآية (22).
(5) تاريخ بغداد (12/ 271 - 272) وهو في السير (10/ 245).(3/324)
لكم، هاتوا قميصا خلقا. قال: فألبسته إياه، يعني: لضرب العنق. (1)
- قال علي بن سهل: فأحسن إسحاق في أمره، وكتب إلى المأمون أنه شيخ كبير مريض، وقد امتحنته فلم يجب، ولا أحسب يصل كتابي إلى أمير المؤمنين إلا وقد توفي. (2)
- قال حنبل: فسمعت أبا عبد الله بعد ذلك يقول: سبحان الله، كان الناس يتكلمون -يعني: في هذين الشيخين- ويذكرونهما، وكنا من الناس في أمرهما ما الله به عليم، قاما لله بأمر لم يقم به أحد مثل ما قاما به عفان وأبو نعيم. (3)
عبد الله بن مَسْلَمَة القَعْنَبِي (4) (221 هـ)
عبد الله بن مسلمة بن قَعْنَب الإمام الثبت القدوة، شيخ الإسلام، أبو عبد الرحمن الحارثي القعنبي المدني نزيل البصرة ثم مكة. حدث عن أفلح بن حميد ومالك بن أنس وإبراهيم بن سعد الزهري وفضيل بن عياض وعدة. وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وعبد بن حميد وأبو زرعة الرازي وطائفة. قال أبو زرعة: ما كتبت عن أحد أجل في عيني من القعنبي. وعن الميموني
_________
(1) الإبانة (2/ 13/294/ 464).
(2) الإبانة (2/ 13/295/ 465).
(3) الإبانة (2/ 13/294/ 463).
(4) طبقات ابن سعد (7/ 302) وتاريخ خليفة (28 و476) وترتيب المدارك (1/ 231 - 232) والأنساب (10/ 208 - 209) ووفيات الأعيان (3/ 40) وتذكرة الحفاظ (1/ 383) والديباج المذهب (1/ 411) والعقد الثمين (5/ 285) وتهذيب التهذيب (6/ 31) وشذرات الذهب (2/ 49) والسير (10/ 257 - 264).(3/325)
قال: سمعت القعنبي يقول: اختلفت إلى مالك ثلاثين سنة ما من حديث في الموطإ إلا لو شئت قلت سمعته مرارا. قال الذهبي: حد الولي الرسوخ في العلم والعمل مثل القعنبي. وقال يحيى بن معين: ما رأيت رجلا يحدث لله إلا وكيعا والقعنبي. توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
جاء في اجتماع الجيوش الإسلامية: قال بنان بن أحمد: كنا عند القعنبي فسمع رجلا من الجهمية يقول: {الرَّحْمَنُ على الْعَرْشِ استوى} (1) استولى فقال القعنبي: من لا يوقن أن الرحمن على العرش استوى كما تقرر في قلوب العامة، فهو جهمي. (2)
هشام بن عبيد الله (3) (221 هـ)
هشام بن عبيد الله الرازي السِّنِّي (قرية ببغداد) الفقيه أحد أئمة السنة. روى عن مالك بن أنس وابن أبي ذئب وحماد بن زيد وعبد العزيز بن المختار وعدة. وعنه بقية بن الوليد ومحمد بن سعيد العطار والحسن بن عرفة وأبو حاتم الرازي وأحمد بن الفرات وطائفة. قال الذهبي: كان من بحور العلم. وقال أبو حاتم: صدوق، وما رأيت أحدا أعظم قدرا ولا أجل من هشام بن
_________
(1) طه الآية (5).
(2) اجتماع الجيوش الإسلامية (ص.201).
(3) الجرح والتعديل (9/ 67) وميزان الاعتدال (4/ 300) وتهذيب التهذيب (11/ 47 - 48) ولسان الميزان (6/ 195) وشذرات الذهب (2/ 49) والسير (10/ 446 - 447).(3/326)
عبيد الله بالري. توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- قال الذهبي في التذكرة: كان داعية إلى السنة محطا على الجهمية. (1)
- جاء في السير: قال محمد بن خلف الخراز: سمعت هشام بن عبيد الله الرازي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، فقال له رجل: أليس الله يقول: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} (2)؟ فقال: محدث إلينا، وليس عند الله بمحدث. (3)
قال الذهبي: لأنه من علم الله، وعلم الله لا يوصف بالحدث. (4)
- ذكر عبد الرحمن قال: وجدت في كتاب عند أبي مما وضعه هشام في 'الرد على الجهمية' قال هشام: وكان فيما سألتم في كتابكم عن أهل الجنة أنهم يرون ربهم. قال هشام: ورد علينا في تفسير القرآن ومحكم الحديث: أن الله جل ثناؤه يرى في الآخرة. ثم ذكر الروايات في تفسير القرآن والأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (5)
- عن جعفر بن محمد بن هارون بن عزرة قال: سمعت هشام بن عبيد الله الرازي يقول: أبوجاد الجهمية من زعم أن القرآن مخلوق. (6)
_________
(1) تذكرة الحفاظ (1/ 388).
(2) الأنبياء الآية (2).
(3) السير (10/ 447) والفتح (13/ 497).
(4) السير (10/ 447).
(5) أصول الاعتقاد (3/ 561/885).
(6) أصول الاعتقاد (2/ 299/477).(3/327)
- عن هشام بن عبيد الله الرازي قال: إذا مات الخلق ولم يبق إلا الله وقال: {لِمَنِ الْمُلْكُ اليوم} (1) فلا يجيبه أحد فيرد على نفسه فيقول: {لله الواحد القهار} (2) قال: فلا يشك أحد أن هذا كلام الله وليس بوحي إلى أحد لأنه لم تبق نفس فيها روح إلا وقد ذاقت الموت، والله هو القائل وهو المجيب لنفسه. (3)
- وفي ذم الكلام: حبس هشام بن عبيد الله رجلا في التجهم فتاب، فجيء به إلى هشام ليمتحنه فقال: الحمد لله على التوبة، أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه؟ قال: أشهد أن الله على عرشه، ولا أدري ما بائن من خلقه. فقال: ردوه إلى الحبس فإنه لم يتب. (4)
- وجاء في أصول الاعتقاد بالسند إلى هشام بن عبيد الله قال: المريسي عندنا خليفة جهم بن صفوان الضال، وهو ولي عهده، ومثله عندنا مثل بلعم ابن باعورا الذي قال الله فيه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} (5).اهـ (6)
_________
(1) غافر الآية (16).
(2) غافر الآية (16).
(3) الفتح (13/ 368).
(4) ذم الكلام (ص.263) ومجموع الفتاوى (5/ 49) واجتماع الجيوش (132).
(5) الأعراف الآية (175).
(6) أصول الاعتقاد (3/ 427/644).(3/328)
عاصم بن علي (1) (221 هـ)
عاصم بن علي بن عاصم الواسطي أبو الحسين القرشي التيمي مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصديق. روى عن عكرمة بن عمار وعاصم بن محمد وشعبة ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وطائفة. روى عنه البخاري وأحمد بن حنبل والذهلي وأبو حاتم الرازي وخلق سواهم. قال العجلي: شهدت مجلس عاصم بن علي، فحزروا من شهده ذلك اليوم ستين ومائة ألف، وكان رجلا مسودا. وقال الذهبي: كان حافظا صدوقا من أصحاب شعبة، وكان رحمه الله ممن ذب عن الدين في المحنة.
توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- قال الذهبي في سيره: كان عاصم رحمه الله ممن ذب عن الدين في المحنة، فروى الهيثم بن خلف الدوري أن محمد بن سويد الطحان حدثه قال: كنا عند عاصم بن علي ومعنا أبو عبيد، وإبراهيم بن أبي الليث وجماعة، وأحمد بن حنبل يضرب، فجعل عاصم يقول: ألا رجل يقوم معي، فنأتي هذا الرجل، فنكلمه؟ قال: فما يجيبه أحد، ثم قال ابن أبي الليث: أنا أقوم معك يا أبا الحسين، فقال: يا غلام: خُفي. فقال ابن أبي الليث: يا أبا الحسين أبلُغُ إلى بناتي، فأُوصِيهم، فظننا أنه ذهب يتكفن ويتحنط، ثم جاء، فقال: إني ذهبت إليهن، فبكين، قال: وجاء كتاب ابنتي عاصم من واسط: يا أبانا إنه بلغنا أن
_________
(1) تذكرة الحفاظ (1/ 397 - 398) وتقريب التهذيب (1/ 384) وتهذيب التهذيب (5/ 49 - 51) وتاريخ بغداد (12/ 247 - 250) وشذرات الذهب (2/ 48) والسير (9/ 262).(3/329)
هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل، فضربه على أن يقول: القرآن مخلوق، فاتق الله، ولا تجبه فوالله لأن يأتينا نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك أجبت. (1)
- جاء في اجتماع الجيوش الإسلامية: قال عاصم: ناظرت جهميا فتبين من كلامه أنه اعتقد أن ليس في السماء رب. (2)
أحمد بن أبي محرز (3) (221 هـ)
أحمد بن أبي محرز القيرواني. كان من أفضل الناس في زمانه، وأورعهم، وأعدلهم حكومة وأكثرهم إشفاقا، حافظا للسنن، على هدى واستقامة، مع تبحره في العلم، ومعرفته بأصول الدين، ولي القضاء مجبورا، جبره عليه زيادة الله بن إبراهيم الذي تولى إمارة تونس آنذاك، ولما قبل القضاء اشترط على الأمير أن لا يقبل أحدا من أقاربه ولا من حشمه، ولا من يطوف به وكيلا. قال ابن الأثير: كان من العلماء العاملين، الزاهدين في الدنيا. وقد أثنى عليه أهل زمانه لتدينه واستقامته، بل كان الأمير يفتخر به ويقول: لا أبالي إن سألني ما قدمت عليه يوم القيامة، وقد قدمت عليه بأربعة وذكر منها: وتوليتي أحمد ابن محرز قضاء إفريقية.
توفي رحمه الله سنة إحدى وعشرين ومائتين.
_________
(1) السير (9/ 263 - 264).
(2) اجتماع الجيوش (ص.203) ومجموع الفتاوى (3/ 53).
(3) معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان (2/ 40 - 48) ورياض النفوس (1/ 395 - 401) والكامل في التاريخ (6/ 460).(3/330)
موقفه من المبتدعة:
جاء في معالم الإيمان: وكان سيفا مجردا على أهل الأهواء والبدع، قامعا لهم، غيورا على الشريعة، شديدا في ذات الله تعالى. (1)
أبو سعيد الحداد (2) (221 هـ)
أحمد بن داود بن رواد الضبي الواسطي، أبو سعيد الحداد. نزل ببغداد وحدث عن حماد بن زيد وخالد بن عبد الله ومحمد بن يزيد الكلاعي وعبد الرحمن بن مهدي. وحدث عنه أحمد بن سنان ومشرف بن سعيد ومحمد بن عبد الملك الدقيقي ومحمد بن إسحاق الصاغاني وغيرهم. قال: دخلت على أحمد الحبس قبل الضرب، فقلت له في بعض كلامي: يا أبا عبد الله عليك عيال ولك صبيان، وأنت معذور -كأني أسهل عليه الإجابة- فقال لي أحمد بن حنبل: إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت. وعن أحمد بن سنان قال: سمعت أبا سعيد الحداد يقول: قال لي عبد الرحمن بن مهدي -وقد ذكرت شيئا- أخطأت، فقلت له: أخطأت أنت، إذ ظننت أني لا أخطئ. وسئل يحيى بن معين عنه فقال: كان ثقة صدوقا، وقال ابن حبان: كان حافظا متقنا.
توفي رحمه الله سنة إحدى وعشرين ومائتين، وقيل سنة ثنتين وعشرين.
_________
(1) معالم الإيمان (2/ 40).
(2) الطبقات الكبرى (7/ 358) والتاريخ الكبير (2/ 4 رقم 1496) وتاريخ بغداد (4/ 138 - 140) وطبقات الحنابلة (1/ 43) وتاريخ الإسلام (حوادث 221 - 230/ص.40 - 41) والمقصد الأرشد (1/ 104) والدر المنضد (1/ 86).(3/331)
موقفه من المبتدعة:
قال أبو سعيد الحداد: الإسناد مثل الدرج ومثل المراقي. فإذا زلت رجلك عن المرقاة سقطت. والرأي مثل المرج. (1)
الحسن بن الربيع (2) (221 هـ)
الإمام الحافظ، أبو علي البجلي القسري الكوفي البوارني. حدث عن: حماد بن زيد، وشريك، وعبيد الله بن إياد بن لقيط، وعدة. حدث عنه: البخاري، ومسلم وهو من كبار مشيخته، وأبو داود، والباقون بواسطة، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان، وغيرهم.
قال الذهبي: كان من العلماء العاملين. مات في رمضان سنة إحدى وعشرين ومئتين.
موقفه من القدرية:
قال يعقوب الفسوي: حدثنا الحسن بن الربيع قال: كنا نسمع من عبد الوارث، فإذا أقيمت الصلاة ذهبنا فلم نصل خلفه. (3)
قال جامعه: عبد الوارث هو ابن سعيد بن ذكوان أبو عبيدة العنبري البصري المقرئ وهو قدري مبتدع.
_________
(1) شرف أصحاب الحديث (42).
(2) السير (10/ 399) وتاريخ بغداد (7/ 307) وتهذيب التهذيب (2/ 277).
(3) السير (8/ 302).(3/332)
مسلم بن إبراهيم (1) (222 هـ)
الإمام الحافظ الثقة مسلم بن إبراهيم أبو عمرو الأزدي. ولد في حدود ثلاثين ومائة. حدث عن عبد الله بن عون، وقرة بن خالد، ومالك بن مغول. وروى عنه البخاري، وأبو داود، ويحيى بن معين. توفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
عن مسلم بن إبراهيم قال: طلبت الحديث، فلم أر أهل الحديث على مثل ما هم عليه اليوم، ولولا أني أقول: إنها سنة أحييها، وبدعة أميتها لعل الله أن يكفر عني بعض ما أنا فيه، ما حدثت. (2)
موقف السلف من يحيى بن صالح الوحاظي (222 هـ)
تجهمه وإرجاؤه:
- قال أحمد بن حنبل: أخبرني رجل من أصحاب الحديث أن يحيى بن صالح قال: لو ترك أصحاب الحديث عشرة أحاديث -يعني هذه التي في الرؤية- ثم قال أحمد: كأنه نزع إلى رأي جهم. (3)
_________
(1) السير (10/ 314 - 318) وتهذيب الكمال (27/ 487 - 492) وطبقات ابن سعد (7/ 304) وتهذيب التهذيب (10/ 121).
(2) السير (10/ 318).
(3) السير (10/ 455).(3/333)
- قال أبو زرعة الدمشقي: حدثنا يزيد بن عبد ربه يقول: سمعت وكيعا يقول ليحيى الوحاظي: اجتنب الرأي، فإني سمعت أبا حنيفة رحمه الله يقول: البول في المسجد أحسن من بعض قياسهم. (1)
- قال إسحاق الكوسج: حدثنا الوحاظي، وكان مرجئا خبيثا داعي دعوة. (2)
عبد الله بن محمد بن أبي الأسود (3) (223 هـ)
عبد الله بن محمد بن أبي الأسود أبو بكر الإمام الحافظ الثبت تخرج بخاله عبد الرحمن بن مهدي، ينسب إلى جده. سمع من مالك بن أنس ومعتمر بن سليمان ويحيى بن سعيد القطان وابن علية وأنس بن عياض وخلق سواهم. حدث عنه البخاري وأبو داود وإبراهيم الحربي والذهلي وإسماعيل القاضي وعدة. قال الخطيب: كان حافظا متقنا، سكن بغداد. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
قال عبد الله بن أحمد: حدثني عباس العنبري حدثنا عبد الله بن محمد ابن حميد -يعني أبا بكر بن أبي الأسود- قال: لو أن رجلا جهميا مات وأنا وارثه ما استحللت أن آخذ من ميراثه. (4)
_________
(1) السير (10/ 456).
(2) السير (10/ 456).
(3) الجرح والتعديل (5/ 159) وتاريخ بغداد (10/ 62 - 64) وتذكرة الحفاظ (2/ 493) وتهذيب التهذيب (6/ 6) وتقريب التهذيب (1/ 446) والسير (10/ 648 - 649).
(4) السنة لعبد الله (16).(3/334)
أبو عُبَيْد القاسم بن سَلاَّم (1) (224 هـ)
القاسم بن سلام بن عبد الله الإمام الحافظ المجتهد ذو الفنون أبو عبيد الفقيه القاضي الأديب المشهور صاحب التصانيف المشهورة والعلوم المذكورة. قرأ القرآن على أبي الحسن الكسائي وإسماعيل بن جعفر وغيرهما. وأخذ اللغة عن أبي عبيدة وأبي زيد وجماعة. سمع ابن عيينة وابن المبارك وشريك بن عبد الله وهشيما وخلقا سواهم. روى عنه نصر بن داود وأبو بكر بن أبي الدنيا والحارث بن أبي أسامة وعباس الدوري والحسن بن مكرم البزار وآخرون. قال أحمد بن كامل القاضي: كان أبو عبيد فاضلا في دينه وفي علمه، ربانيا مفننا في أصناف علوم الإسلام من القرآن، والفقه والعربية والأخبار، حسن الرواية، صحيح النقل، لا أعلم أحدا طعن عليه في شيء من أمره ودينه.
من أقواله: المتبع السنة كالقابض على الجمر وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله. توفي سنة أربع وعشرين ومائتين.
موقفه من الرافضة:
قال الخلال: أخبرني الدوري قال: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: عاشرت الناس وكلمت أهل الكلام وكذى، فما رأيت أوسخ وسخا، ولا أقذر قذرا، ولا أضعف حجة، ولا أحمق من الرافضة، ولقد وليت قضاء
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 355) والجرح والتعديل (7/ 111) وتاريخ بغداد (12/ 403 - 416) والكامل لابن الأثير (6/ 509) ووفيات الأعيان (4/ 60 - 63) وتذكرة الحفاظ (1/ 417) وميزان الاعتدال (3/ 371) والبداية والنهاية (10/ 304) والعقد الثمين (7/ 23 - 25) وشذرات الذهب (2/ 54 - 55) والسير (10/ 490 - 509).(3/335)
الثغور فنفيت منهم ثلاثة رجال جهميين، ورافضي أو رافضيين وجهمي، وقلت: مثلكم لا يساكن أهل الثغور فأخرجتهم. (1)
موقفه من الجهمية:
- عن العباس الدوري، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام -وذكر الباب الذي يروى فيه الرؤية، والكرسي موضع القدمين، وضحك ربنا، وأين كان ربنا- فقال: هذه أحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف يضحك؟ وكيف وضع قدمه؟ قلنا: لا نفسر هذا، ولا سمعنا أحدا يفسره. (2)
قال الذهبي: قد صنف أبو عبيد كتاب 'غريب الحديث' وما تعرض لأخبار الصفات الإلهية بتأويل أبدا، ولا فسر منها شيئا. وقد أخبر بأنه ما لحق أحدا يفسرها، فلو كان والله تفسيرها سائغا، أو حتما، لأوشك أن يكون اهتمامهم بذلك فوق اهتمامهم بأحاديث الفروع والآداب. فلما لم يتعرضوا لها بتأويل، وأقروها على ما وردت عليه، علم أن ذلك هو الحق الذي لا حيدة عنه. (3)
- جاء في الشريعة: عن العباس بن محمد الدوري، قال: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية فقال: هذه عندنا حق، نقلها الناس بعضهم عن بعض. (4)
_________
(1) السنة للخلال (1/ 499 - 500) وهو في السنة لعبد الله بن الإمام أحمد (ص.65 - 66).
(2) السير (10/ 505) وهو في أصول الاعتقاد (3/ 581/ 928).
(3) السير (8/ 162).
(4) الشريعة (2/ 10/622).(3/336)
- قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: وقال أبو عبيد القاسم بن سلام نظرت في كلام اليهود والمجوس فما رأيت قوما أضل في كفرهم منهم -أي الجهمية- وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم. (1)
- وفي السنة قال عبد الله: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، سمعت أبا عبيد يقول من قال: القرآن مخلوق، فقد افترى على الله، وقال عليه ما لم تقله اليهود ولا النصارى. (2)
- جاء في ذم الكلام عن أحمد بن الحسين العازلي، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول، وقال له رجل: ما تقول في رأي أهل الكلام؟ فقال: لقد دَلَّك ربك على سبيل الرشد وطريق الحق، فقال: {فَإِنْ تنازعتم في شَيْءٍ فردوه إلى اللَّهِ} (3) الآية. أما لك فيما دلك عليه ربك، من كلامه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما يغنيك عن الرجوع إلى رأيك وعقلك، وقد نهاك الله عن الكلام في ذاته وصفاته، إلا حسب ما أطلقه لك قال: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} (4). وقال: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} (5) الآية. (6)
_________
(1) مجموع الفتاوى (12/ 509).
(2) السنة لعبد الله (ص.19) الإبانة (2/ 50/247) والشريعة (1/ 224/191).
(3) النساء الآية (59).
(4) الأنعام الآية (68).
(5) الأعراف الآية (180).
(6) ذم الكلام (258).(3/337)
- قال الحافظ في الفتح: قال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد قال أبو عبيد -يعني القاسم بن سلام-: احتج هؤلاء الجهمية بآيات وليس فيما احتجوا به أشد بأسا من ثلاث آيات قوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فقدره تقديرًا} (1) و {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ} (2)، و {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} (3) قالوا إن قلتم أن القرآن لا شيء كفرتم، وإن قلتم أن المسيح كلمة الله فقد أقررتم أنه خلق، وإن قلتم ليس بمحدث رددتم القرآن، قال أبو عبيد أما قوله: {وَخَلَقَ كُلَّ} شَيْءٍ} فقد قال في آية أخرى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ ‘ذا أردناه أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فيكون} (4) فأخبر أن خلقه بقوله وأول خلقه هو من أول الشيء الذي قال وخلق كل شيء، وقد أخبر أنه خلقه بقوله، فدل على أن كلامه قبل خلقه، وأما المسيح فالمراد أن الله خلقه بكلمته لا أنه هو الكلمة لقوله: {أَلْقَاهَا إلى مريم} (5) ولم يقل ألقاه ويدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ} (6)
_________
(1) الفرقان الآية (2).
(2) النساء الآية (171).
(3) الأنبياء الآية (2).
(4) النحل الآية (40).
(5) النساء الآية (171).
(6) آل عمران الآية (59).(3/338)
وأما الآية الثالثة فإنما حدث القرآن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لما علمه ما لم يعلم. (1)
- قال العباس الدوري: سمعت أبا عبيد يقول: عاشرت الناس، وكلمت أهل الكلام، فما رأيت قوما أوسخ وسخا، ولا أضعف حجة من الرافضة، ولا أحمق منهم، ولقد وليت قضاء الثغر، فنفيت ثلاثة، جهميين ورافضيا أو رافضيين وجهميا. (2)
- وجاء في أصول الاعتقاد قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن محمد ابن إبراهيم السلمى -بالكوفة- قال: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: لو أن رجلا حلف فقال: والله لا تكلمت اليوم بشيء، فقرأ القرآن في غير صلاة أو في صلاة لم يحنث، لأن أيمان الناس إنما هي لمعاملة بعضهم بعضا، وأن القرآن كلام الله ليس يدخل في شيء من كلام الناس ولا يختلط به، ولو كان يشبه في شيء من الحالات لكان القرآن إذا يقطع الصلاة، لأن كل متكلم في صلاته بالتعمد لذلك قاطع لها، إلا أن يكون الحالف نوى القرآن واعتمده في يمينه فيلزمه حينئذ نيته واعتقاده. (3)
" التعليق:
جمع هؤلاء بين اللغة والعقيدة والفقه والحديث، واختلط بلحمهم ودمهم فجزاهم الله خيرا وأسكننا وإياهم جنات الفردوس.
_________
(1) الفتح (13/ 498).
(2) السير (10/ 504).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 394/607).(3/339)
- جاء في السنة لعبد الله عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصغاني، قال: رأيت في كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام بخطه، إذا قال لك الجهمية أخبرني عن القرآن أهو الله أم غير الله؟ فإن الجواب أن يقال له: أحلت (1) في مسألتك، لأن الله وصفه بوصف لا يقع عليه في مسألتك قال الله: {الم (1) تنزيل الْكِتَابِ لا ريب فيه من رب الْعَالَمِينَ} (2) فهو من الله ولم يقل هو أنا ولا هو غيري، وإنما سماه كلامه، فليس له عندنا غير ما حلاه، وننفي عنه ما نفى عنه. فإن قالوا أرأيتم قوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ! إذا أردناه أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فيكون} (3) فالقرآن شيء، فهو مخلوق. قيل له: ليس قول الله يقال له شيء، ألا تسمع كلامه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ! إذا أردناه أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فيكون} فأخبرك أن القول كان منه قبل الشيء فالقول من الله سبق الشيء. ومعنى قوله كن، أي: كان في علمه أن يكونه. (4)
- وجاء في أصول الاعتقاد عنه قال: من قال القرآن مخلوق فهو شر ممن قال: إن الله ثالث ثلاثة جل الله وتعالى، لأن أولئك يثبتون شيئا وهؤلاء لا يثبتون المعنى. (5)
_________
(1) أي طلبت المحال.
(2) السجدة الآيتان (1و2).
(3) النحل الآية (40).
(4) السنة لعبد الله (34 - 35) والإبانة (2/ 40 - 41/ 233).
(5) أصول الاعتقاد (2/ 291 - 292/ 452).(3/340)
- جاء في أصول الاعتقاد: قال علي بن المديني -أو غيره-: يا أبا عبيد، ما تقول فيمن قال: القرآن مخلوق؟ فقال أبو عبيد: هذا رجل يعلم، ويقال له: إن هذا كفر، فإن رجع وإلا ضربت عنقه. (1)
- وقال عبد الله: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقى سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: لو أن خمسين يؤمون الناس يوم الجمعة لا يقولون القرآن مخلوق، يأمر بعضهم بعضا بالإمامة إلا أن الرأس الذي يأمرهم، يقول هذا، رأيت الإعادة، لأن الجمعة إنما تثبت بالرأس، فأخبرت أبي بقول أبي عبيد فقال: هذا يضيق على الناس إذا كان الذي يصلي بنا لا يقول بشيء من هذا، صليت خلفه، فإذا كان الذي يصلي بنا يقول بشيء من هذا القول أعدت الصلاة خلفه. (2)
" التعليق:
فلا أدري ماذا يقول أعداء العقيدة السلفية إذا سمعوا قولة إمام أهل اللغة، هل يعتبرونه تنطعا أو تشددا وغيرها من الكلمات التي تَعَودوا وصف السلفيين بها.
موقفه من المرجئة:
- له كتاب الإيمان، وهو كتاب نفيس في بابه بين فيه اعتقاد السلف، ورد فيه على طوائف الخلف، نورد ههنا نقولا منه، قال في مطلعه:
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 351/509).
(2) السنة لعبد الله (ص.20).(3/341)
اعلم رحمك الله: أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الأمر فرقتين، فقالت إحداهما: الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب وشهادة الألسنة وعمل الجوارح.
وقالت الفرقة الأخرى: بل الإيمان بالقلوب والألسنة، فأما الأعمال فإنما هي تقوى وبر، وليست من الإيمان.
وإنا نظرنا في اختلاف الطائفتين، فوجدنا الكتاب والسنة يصدقان الطائفة التي جعلت الإيمان بالنية والقول والعمل جميعا، وينفيان ما قالت الأخرى. (1)
- قال أيضا: ومما يصدق تفاضله بالأعمال قول الله جل ثناؤه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} إلى قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (2) فلم يجعل الله للإيمان حقيقة إلا بالعمل على هذه الشروط، والذي يزعمه أنه بالقول خاصة، يجعله مؤمنا حقا وإن لم يكن هناك عمل فهو معاند لكتاب الله والسنة. ومما يبين لك تفاضله في القلب قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ
_________
(1) كتاب الإيمان (9 - 10).
(2) الأنفال الآيتان (2و3).(3/342)
فَامْتَحِنُوهُنَّ} (1) ألست ترى أن هاهنا منزلا دون منزل: {اللَّهُ أَعْلَمُ بإيمانهن فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} (2) كذلك ومثله قوله: {يا أيها الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ ورسوله} (3). فلولا أن هناك موضع مزيد، ما كان لأمره بالإيمان معنى، ثم قال أيضا: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (4) وقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} (5). وقال: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (6).
أفلست تراه تبارك وتعالى، قد امتحنهم بتصديق القول بالفعل، ولم يرض منهم بالإقرار دون العمل، حتى جعل أحدهما من الآخر؟ فأي شيء يتبع بعد كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومنهاج السلف بعده الذين هم موضع القدوة والإمامة؟
- فالأمر الذي عليه السنة عندنا ما نص عليه علماؤنا؟ مما اقتصصنا في
_________
(1) الممتحنة الآية (10).
(2) الممتحنة الآية (10).
(3) النساء الآية (136).
(4) العنكبوت الآيات (1 - 3).
(5) العنكبوت الآية (10).
(6) آل عمران الآية (141).(3/343)
كتابنا هذا أن الإيمان بالنية والقول والعمل جميعا، وأنه درجات بعضها فوق بعض، إلا أن أولها وأعلاها الشهادة باللسان كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي جعله فيه بضعة وسبعين جزءا (1)، فإذا نطق بها القائل، وأقر بما جاء من عند الله لزمه اسم الإيمان بالدخول فيه بالاستكمال عند الله، ولا على تزكية النفوس، وكلما ازداد لله طاعة وتقوى، ازداد به إيمانا. (2)
ابن أبي مريم (3) (224 هـ)
سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم المعروف بابن أبي مريم الحافظ العلامة الفقيه محدث الديار المصرية أبو محمد الجمحي المصري مولى أبي الصبيغ مولى بني جمح. حدث عن مالك والليث ومحمد بن جعفر بن أبي كثير ومحمد بن مطرف وعدة. حدث عنه البخاري والذهلي وإسحاق الكوسج وحمزة بن نصير المصري ويحيى بن معين وآخرون. قال الذهبي: كان من أئمة الحديث. توفي سنة أربع وعشرين ومائتين.
موقفه من الرافضة والجهمية والقدرية:
- جاء في السير: قال فيه العجلي: ثقة، كان له دهليز طويل، وكان يأتيه الرجل، فيقف فيسلم عليه، فيرد عليه: لا سلم الله عليك ولا حفظك وفعل بك. فأقول: ما هذا؟ فيقول: قدري. ويأتي آخر فيقول له مثل ذلك،
_________
(1) تقدم تخريجه في مواقف إبراهيم بن محمد أبي إسحاق الفزاري سنة (186هـ).
(2) كتاب الإيمان (18 - 19).
(3) الجرح والتعديل (4/ 13 - 14) وتذكرة الحفاظ (1/ 392) وتهذيب التهذيب (4/ 82) والسير (10/ 327 - 330).(3/344)
فأقول: ما هذا؟ فيقول: جهمي خبيث، ويأتي آخر، فيقول: رافضي، ولا نظن إلا رد عليه سلامه، وكان عاقلا، لم أر بمصر أعقل منه، ومن عبد الله بن عبد الحكم. (1)
علق محقق السير على هذا الموقف بقوله: وليس ذا من أدب الإسلام، فإن الله تعالى يقول: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}. (2)
قلت: وهذا من أخطاء المحقق الشنيعة، فإن هذا الذي أنكر المحقق أن يكون من أدب الإسلام هو أدب الإسلام مع المبتدعة، وعليه درج السلف رضوان الله عليهم، فهذا الإمام أحمد بن حنبل يقول: إذا سلم الرجل على المبتدع فهو يحبه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". (3)
- جاء في السنة: قال عبد الله: حدثني محمد بن سهل بن عسكر، سمعت ابن أبي مريم يقول: من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر. (4)
_________
(1) السير (10/ 328).
(2) النساء الآية (86).
(3) أحمد (2/ 291) ومسلم (1/ 74/54) وأبو داود (5/ 378/5193) والترمذي (5/ 50/2688) وابن ماجه (1/ 26/68) عن أبي هريرة.
(4) السنة (18).(3/345)
سليمان بن حرب (1) (224 هـ)
سليمان بن حرب بن بجيل الإمام الثقة الحافظ شيخ الإسلام أبو أيوب الواشحي الأزدي البصري قاضي مكة. حدث عن شعبة وحوشب بن عقيل ومحمد بن طلحة بن مصرف ووهيب بن خالد ومبارك بن فضالة وعدة. حدث عنه البخاري وأبو داود وإبراهيم الحربي والذهلي وابن أبي شيبة وطائفة. قال أبو حاتم: سليمان بن حرب إمام من الأئمة. وقال المسعري: جاء رجل إلى سليمان بن حرب، فقال: إن مولاك فلانا مات، وخلف قيمة عشرين ألف درهم، قال: فلان أقرب إليه مني، المال لذاك دوني. قال: وهو يومئذ محتاج إلى درهم. وقال يعقوب بن شيبة: حدثنا سليمان بن حرب، وكان ثقة ثبتا صاحب حفظ. توفي سنة أربع وعشرين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في ذم الكلام عنه قال: من زال عن السنة بشعرة فلا تعتدن به. (2)
- قال محمد بن يحيى الصولي: حدثنا المقدمي القاضي، حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن أكثم، قال: قال لي المأمون: من تركت بالبصرة؟ فوصفت له مشايخ منهم سليمان بن حرب، وقلت: هو ثقة حافظ للحديث، عاقل، في
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 300) والجرح والتعديل (4/ 108) وتاريخ بغداد (9/ 33) ووفيات الأعيان (2/ 418 - 420) وتذكرة الحفاظ (1/ 393) والعقد الثمين (3/ 601 - 603) وتهذيب التهذيب (4/ 178) وشذرات الذهب (2/ 54) والسير (10/ 330 - 334).
(2) ذم الكلام (126).(3/346)
نهاية الستر والصيانة، فأمرني بحمله إليه، فكتبت إليه في ذلك، فقدم، فاتفق أني أدخلته إليه، وفي المجلس ابن أبي دؤاد، وثمامة، وأشباه لهما، فكرهت أن يدخل مثله بحضرتهم، فلما دخل سلم، فأجابه المأمون، ورفع مجلسه، ودعا له سليمان بالعز والتوفيق، فقال ابن أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين، نسأل الشيخ عن مسألة؟ فنظر المأمون إليه نظر تخيير له، فقال سليمان: يا أمير المؤمنين، حدثنا حماد بن زيد قال: قال رجل لابن شبرمة: أسألك؟ قال: إن كانت مسألتك لا تضحك الجليس، ولا تزري بالمسؤول، فسل. وحدثنا وهيب قال: قال إياس بن معاوية: من المسائل ما لا ينبغي للسائل أن يسأل عنها، ولا للمجيب أن يجيب فيها. فإن كانت مسألته من غير هذا، فليسأل، وإن كانت من هذا فليمسك. قال: فهابوه، فما نطق أحد منهم حتى قام، وولاه قضاء مكة، فخرج إليها. (1)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة لعبد الله عن عباس بن عبد العظيم قال: سمعت سليمان ابن حرب قال: القرآن ليس بمخلوق فقلت له إنك كنت لا تقول هذا فما بدا لك؟ قال استخرجته من كتاب الله قال الله: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} (2) فالكلام والنظر واحد. (3)
- جاء في أصول الاعتقاد: عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سمعت
_________
(1) السير (10/ 332 - 333).
(2) آل عمران الآية (77).
(3) السنة لعبد الله (33).(3/347)
أبي يقول: بلغني عن إبراهيم بن سعد وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي ووهب ابن جرير وأبي النضر هاشم بن القاسم وسليمان بن حرب قالوا: القرآن ليس بمخلوق. (1)
- وفيه عن عبد الرحمن قال حدثنا ابن أبي عبد الرحمن المقري قال: سمعت سليمان بن حرب -وسأله سلمة بن شبيب -وهو المستملي- فقال له: يا أبا أيوب أذكر حديث أبي موسى في الرؤية (2). فقال: دعه. فقال رجل -بالقرب من سليمان- خفيا: أي والله فدعه. فسمعه سليمان فنظر إليه فقال: إذا أحدثه على رغم أنفك، خذها إليك، فإني أراك ممن تركه. ثم بدأ فحدثه به. (3)
- جاء في مجموع الفتاوى: قال أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي عبد الله ابن منده هذا. قال حدثنا محمد بن محمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن محمد الوراق، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، ثم قال عبد الرحمن: حدثني أحمد بن نصر قال: كنت عند سليمان بن حرب فجاء إليه رجل كلامي من أصحاب الكلام فقال له: تقولون إن الله على عرشه لا يزول، ثم تروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ فقال: عن حماد بن زيد إن الله على عرشه ولكن يقرب من خلقه كيف شاء. قال عبد الرحمن: ومن زعم أن حماد بن زيد وسليمان ابن حرب، أرادا بقولهما يقرب من خلقه كيف شاء، أرادا أن لا يزول عن
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 277 - 278/ 416) والسنة لعبد الله (ص.30).
(2) أحمد (4/ 411) والبخاري (8/ 803/4878) ومسلم (1/ 163/180) والترمذي (4/ 581/2528) والنسائي في الكبرى (4/ 419 - 420/ 7765) وابن ماجه (1/ 66 - 67/ 186).
(3) أصول الاعتقاد (3/ 562/888).(3/348)
مكانه، فقد نسبهما إلى خلاف ما ورد في الكتاب والسنة. (1)
محمد بن عيسى بن الطَّبَّاع (2) (224 هـ)
محمد بن عيسى بن نجيح، الحافظ أبو جعفر بن الطباع البغدادي. حدث عن مالك، وإسماعيل بن عياش، وابن المبارك، وحماد بن زيد. وحدث عنه أبو داود وعلق له البخاري، والذهلي، وأبو حاتم، وعدة. قال أبو حاتم: حدثنا محمد بن الطباع الثقة المأمون، ما رأيت من المحدثين أحفظ للأبواب منه. ذكره أحمد بن حنبل، فقال: إن ابن الطباع لَثَبْت كَيس. وقال أبو داود: كان يتفقه، وكان يحفظ نحوا من أربعين ألف حديث. توفي رحمه الله سنة أربع وعشرين ومائتين بالثغر.
موقفه من الرافضة:
قال محمد بن عيسى: لئن قلت: إن عليا أفضل من عثمان لقد قلت إن القوم خانوا. (3)
أَصْبَغُ بن الفَرَج (4) (225 هـ)
أصبغ بن الفرج بن سعيد، مفتي ديار مصر وعالمها في زمانه. ولد بعد
_________
(1) مجموع الفتاوى (5/ 385).
(2) تاريخ بغداد (2/ 395 - 396) وتهذيب الكمال (26/ 258) وسير أعلام النبلاء (10/ 386 - 389) وتاريخ الإسلام (حوادث 221 - 230/ص.375 - 376) وتهذيب التهذيب (9/ 392 - 394).
(3) السنة للخلال (1/ 392).
(4) السير (10/ 656 - 658) وترتيب المدارك (1/ 325) وتهذيب الكمال (3/ 304) وتهذيب التهذيب (1/ 361).(3/349)
خمسين ومائة، وطلب العلم وهو شاب كبير. روى عن عبد العزيز الدراوردي، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن وهب. حدث عنه البخاري، ويحيى ابن معين، وأحمد بن الحسن الترمذي. قال عنه يحيى بن معين: كان من أعلم خلق الله برأي مالك يعرفها مسألة مسألة، متى قالها مالك ومن خالفه فيها. وقال أحمد بن عبد الله: كان أصبغ ثقة صاحب سنة. قال بعض العلماء: ما أخرجت مصر مثل أصبغ. قال يحيى بن عمر: اختفى أصبغ بن الفرج أيام الأصم، وأخذه الناس بالمحنة في القرآن، فطلبه الأصم فاختفى في داره حتى مات. توفي سنة خمس وعشرين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- قال الشاطبي: وقد سئل أصبغ عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين؟ فقال: هو بدعة، ولا ينبغي العمل به، وأحسنه أن يدعو للمسلمين عامة.
- قيل له: فدعاؤه للغزاة والمرابطين؟ قال: ما أرى به بأسا عند الحاجة إليه، وأما أن يكون شيئا يصمد له في خطبته دائما، فإني أكره ذلك. (1)
أبو السري منصور بن عمار (2) (225 هـ)
منصور بن عَمَّار، الواعظ، أبو السَّرِي السُّلَمِي الخُراساني. روى عن
_________
(1) الاعتصام (1/ 36).
(2) الجرح والتعديل (8/ 176) وحلية الأولياء (9/ 325) وتاريخ بغداد (13/ 71 - 79) وميزان الاعتدال (4/ 187)
وسير أعلام النبلاء (9/ 93 - 98) والنجوم الزاهرة (2/ 244) ومختصر العلو (ص.161 - 162) وتاريخ الإسلام (حوادث: 191 - 200 ص.409 - 414).(3/350)
الليث، وابن لهيعة، ومعروف الخياط، وهقل بن زياد، وجماعة. وروى عنه ابناه سليم وداود، وزهير بن عباد، وعلي بن خشرم، وأحمد بن منيع، وعدة. قال الذهبي: وعظ ببغداد والشام ومصر، وبعُدَ صِيته، وتزاحم عليه الخلق، وكان ينطوي على زهد وتأله وخشية، ولوعظه وقع في النفوس. قال ابن يونس: قصد بمصر على الناس وسمعه الليث فأعجبه ووصله بألف دينار. ومن درر كلامه: سلامة النفس في مخالفتها، وبلاؤها في متابعتها. رماه ابن عدي بالتجهم، ورد ذلك الشيخ الألباني رحمه الله في 'مختصر العلو'. وأرخ له صاحب النجوم الزاهرة في حوادث سنة خمس وعشرين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
جاء في المحدث الفاصل عن سليم بن منصور بن عمار قال: كان أبي يصف أهل القرآن وأصحاب الحديث في مجلس فيقول: الحمد لله المنعم المنان، مظهر الإسلام على كل الأديان، وحافظ القرآن من الزيادة والنقصان، ومانعه من مكائد الشيطان، وتحريف أهل الزيغ والكفران -وذكر كلاما في ذكر القرآن طويلا، ثم قال-: ووكل بالآثار المفسرة للقرآن والسنن القوية الأركان، عصابة منتخبة، وفقهم لطلابها وكتابها، وقواهم على رعايتها وحراستها، وحبب إليهم قراءتها ودراستها، وهون عليهم الدأب والكلال، والحل والترحال، وبذل النفس مع الأموال، وركوب المخوف من الأهوال، فهم يرحلون من بلاد إلى بلاد، خائضين في العلم كل واد، شعث الرؤوس، خلقان الثياب، خمص البطون، ذبل الشفاه، شحب الألوان، نحل الأبدان، قد جعلوا لهم هما واحدا، ورضوا بالعلم دليلا ورائدا، لا يقطعهم عنه جوع ولا(3/351)
ظمأ، ولا يملهم منه صيف ولا شتاء، مائزين الأثر: صحيحه من سقيمه، وقويه من ضعيفه، بألباب حازمة، وآراء ثاقبة، وقلوب للحق واعية، فأمنت تمويه المموهين، واختراع الملحدين، وافتراء الكاذبين، فلو رأيتهم في ليلهم، وقد انتصبوا لنسخ ما سمعوا، وتصحيح ما جمعوا، هاجرين الفرش الوطي، والمضجع الشهي، قد غشيهم النعاس فأنامهم، وتساقطت من أكفهم أقلامهم، فانتبهوا مذعورين قد أوجع الكد أصلابهم، وتيه السهر ألبابهم، فتمطوا ليريحوا الأبدان، وتحولوا ليفقدوا النوم من مكان إلى مكان، ودلكوا بأيديهم عيونهم، ثم عادوا إلى الكتابة حرصا عليها، وميلا بأهوائهم إليها لعلمت أنهم حرس الإسلام، وخزان الملك العلام، فإذا قضوا من بعض ما راموا أوطارهم، انصرفوا قاصدين ديارهم، فلزموا المساجد، وعمروا المشاهد، لابسين ثوب الخضوع، مسالمين ومسلمين، يمشون على الأرض هونا، لا يؤذون جارا، ولا يقارفون عارا، حتى إذا زاغ زائغ، أو مرق في الدين مارق، خرجوا خروج الأسد من الآجام، يناضلون عن معالم الإسلام- في كلام غير هذا في ذكرهم
يطول. (1)
موقفه من الجهمية:
- عن محمد بن منصور بن عمار -أبي الحسن- قال: كتب بشر بن غياث المريسي -لعنه الله- إلى أبي يسأله عن القرآن، فكتب إليه أبي: عصمنا الله وإياك من كل فتنة، فإن يفعل، فأعظم بها من نعمة، وإن لا يفعل، فهي والله الهلكة، أخبرني بعض أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أباه سئل عن ذلك
_________
(1) المحدث الفاصل (ص.220 - 221).(3/352)
فقال: ليس على الله بعد المرسلين حجة، إن الكلام في القرآن بدعة اشترك فيه السائل والمجيب، أما السائل، فتعاطى ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه، وما أعرف خالقا إلا الله، والقرآن كلام الله، فانته بنفسك، والمتكلمون معك في القرآن إلى أسمائه التي سماه الله بها، تكن من المهتدين، {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1). (2)
-وجاء في تاريخ الخطيب وكتب بشر إلى منصور يسأله عن قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ على الْعَرْشِ استوى} (3) كيف استوى؟ فكتب إليه منصور: استواؤه غير محدود والجواب فيه تكلف، ومسألتك عن ذلك بدعة، والإيمان بجملة ذلك واجب، قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} (4) وحده. ثم استأنف الكلام فقال: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (5) فنسبهم إلى الرسوخ في العلم بأن قالوا لما تشابه منه عليهم {آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ
_________
(1) الأعراف الآية (180).
(2) الإبانة (2/ 14/289 - 290/ 458) وانظرها في تاريخ بغداد (13/ 75 - 76) بزيادات مهمة.
(3) طه الآية (5).
(4) آل عمران الآية (7).
(5) آل عمران الآية (7).(3/353)
عند ربنا} فهؤلاء هم الذين أغناهم الرسوخ في العلم عن الاقتحام على السدد المضروبة. دون الغيوب، بما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح اعترافهم بالعجز عن تأول ما لم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم رسوخا في العلم. فانته رحمك الله من العلم إلى حيث انتهى بك إليه، ولا تجاوز ذلك إلى ما حظر عنك علمه فتكون من المتكلفين وتهلك مع الهالكين والسلام عليك. (1)
محمد بن سلام البيكندي (2) (225 هـ)
محمد بن سلام بن الفرج الإمام الحافظ الناقد، أبو عبد الله السُّلَمي مولاهم البخاري البيكندي. رأى مالك بن أنس ولم يتفق له السماع منه. روى عن أبي الأحوص سلام بن سليم وعبد الله بن المبارك وسفيان بن عيينة وجرير بن عبد الحميد وطائفة. روى عنه ابنه إبراهيم، والبخاري وعبيد الله ابن واصل البيكندي وحميد بن النضر البيكندي والطفيل بن زيد النسفي وعدة. قال محمد بن أحمد الغنجار: كان لابن سلام مصنفات في كل باب من العلم. وقال سهل بن المتوكل: سمعت محمدا يقول: أنفقت في طلب العلم أربعين ألفا، وأنفقت في نشره أربعين ألفا، وليت ما أنفقت في طلبه كان في نشره. قال الذهبي: كان من أوعية العلم وأئمة الأثر. وقال ابن حجر: ثقة
_________
(1) تاريخ بغداد (13/ 76) والسير (9/ 97 - 98) مختصرا.
(2) الجرح والتعديل (7/ 278) وتذكرة الحفاظ (2/ 422) وتهذيب التهذيب (9/ 212) وشذرات الذهب (2/ 57) والسير (10/ 628 - 630).(3/354)
ثبت. توفي سنة خمس وعشرين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
له كتاب سماه: 'السنة والجماعة' نقل منه شيخ الإسلام في غير ما موضع من كتبه على عادته في الاعتماد على كتب السلف رحمهم الله، قال في الفتاوى الكبرى من كتاب السنة والجماعة: ما جاء في بدو الجهمية والسمنية وكيف كان شأنهم وكفرهم بآيات الله. عن حفص بن عبد الرحمن البجلي قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن أيوب بن أبي تميمة قال: ما أعلم أحدا من أهل الصلاح أكذب على كتاب الله من السمنية قال: وهو عندنا كما قال لا أعلم أن أحدا أجهل ولا أحمق قولا منهم: لا يتعلقون من كتاب الله بشيء، ولا يحتجون، إنما هو حب وبغض، من أحب دخل الجنة، ومن أبغض دخل النار. (1)
إبراهيم بن مهدي (2) (225 هـ)
إبراهيم بن مَهْدِي المِصِّيصِي بغدادي الأصل، صاحب حديثٍ، مرابطٌ. روى عن حماد بن زيد وإبراهيم بن سعد ومعتمر بن سليمان وعلي بن مسهر وأبي المليح الرقي وحفص بن غياث وعدة. روى عنه أبو داود وأحمد بن حنبل وابن أبي الدنيا وعباس بن محمد الدوري ويعقوب بن شيبة السدوسي
_________
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 40).
(2) الجرح والتعديل (2/ 138 - 139) وتاريخ بغداد (6/ 178) وميزان الاعتدال (1/ 68) وتهذيب التهذيب (1/ 169) وشذرات الذهب (2/ 53) والسير (10/ 556 - 557) والتقريب (1/ 44).(3/355)
وطائفة. وثقه أبو حاتم. توفي سنة خمس وعشرين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
جاء في السنة لعبد الله: حدثني محمد، سمعت نعيم بن حماد يكفرهم -يعني الجهمية- قال: وسمعت إبراهيم بن مهدي يكفرهم. (1)
يحيى بن يحيى النيسابوري (2) (226 هـ)
يحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن شيخ الإسلام وعالم خراسان أبو زكريا التَّمِيمِي المِنْقَرِي النيسابوري الحافظ مولى بني حنظلة. روى عن مالك ابن أنس وكثير بن سليم وجرير بن عبد الحميد ووكيع بن الجراح وإسماعيل ابن علية وعدة. روى عنه البخاري ومسلم والذهلي وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وعلي بن عثام العامري وإسحاق بن راهويه وطائفة. عن عبد الله بن محمد بن مسلم: كنت مع أبي عبد الله المروزي فقلت: من أدركت من المشايخ على سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ما أعلم إلا أن يكون يحيى ابن يحيى. قال إسحاق بن إبراهيم: مات يحيى بن يحيى يوم مات وهو إمام أهل الدنيا. وعن أحمد بن حنبل قال: كان يحيى بن يحيى عندي إماما ولو كانت عندي نفقة لرحلت إليه.
توفي سنة ست وعشرين ومائتين.
_________
(1) السنة لعبد الله (18).
(2) الجرح والتعديل (9/ 197) وتذكرة الحفاظ (2/ 415 - 416) وتهذيب التهذيب (11/ 296) وشذرات الذهب (2/ 59) وتهذيب الكمال (32/ 31 - 37) وسير أعلام النبلاء (10/ 512 - 519).(3/356)
موقفه من المبتدعة:
جاء في السير عن محمد بن يحيى الذهلي، قال: سمعت يحيى بن يحيى يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله.
فقلت ليحيى: الرجل ينفق ماله ويتعب نفسه ويجاهد، فهذا أفضل منه؟ فقال: نعم بكثير. (1)
" التعليق:
وكذلك في زماننا هذا، الذب عن عقيدة السلف من أكبر أنواع الجهاد، لأن القصد من الجهاد رفع كلمة التوحيد، ودفع الكفر والشرك عنها، كذلك السلفي الذي يشتغل بذلك، يدفع عنها الأخلاط المسمومة التي وردت عليها من كل حدب وصوب.
موقفه من الجهمية:
- جاء في أصول الاعتقاد: عن يحيى بن يحيى النيسابوري قال: من زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر. (2)
- وعن عثمان بن سعيد الدارمي قال: ذهبت يوما أحكي ليحيى بن يحيى بعض كلام الجهمية لأستخرج منه نقضا عليهم، وفي مجلسه يومئذ الحسين بن عمير البسطامي، وأحمد بن الحريش القاضي، ومحمد بن رافع وأبو قدامة السرخسي فيما أحسب وغيرهم من المشايخ، فنهرني يحيى بغضب وقال
_________
(1) ذم الكلام (242) ومجموع الفتاوى (4/ 13) والسير (10/ 518).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 289/447) وخلق أفعال العباد (ص.18 رقم 50) والدارمي في الرد على الجهمية (ص.111) ومختصر العلو (ص.181 رقم:309).(3/357)
اسكت، وأنكر على المشايخ الذين في مجلسه استعظاما أن أحكي كلامهم وإنكارا. (1)
سُنَيْد (2) (226 هـ)
حسين بن داود الإمام الحافظ محدث الثغر أبو علي المِصِّيصِي المحتسب صاحب التفسير الكبير، وسنيد لقب غلب عليه. حدث عن حجاج بن محمد وحماد بن زيد وابن عيينة وشريك وابن المبارك وعدة. حدث عنه أبو بكر الأثرم وابنه جعفر بن سنيد والحسن بن محمد الزعفراني وأبو زرعة الرازي ويعقوب بن شيبة السدوسي وطائفة. توفي سنة ست وعشرين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- قال أبو حاتم الرازي: حدثنا أبو عمران موسى الطرطوشي قال: قلت لسنيد بن داود: هو على عرشه، بائن من خلقه؟ قال: نعم. ألم تسمع قوله تعالى: {وترى الْمَلَائِكَةَ حافين مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} (3). (4)
آثاره:
له تفسير نهج فيه نهج السلف، وذكر آثارهم وعقائدهم الطيبة، ذكره
_________
(1) الدارمي في الرد على الجهمية (115 - 116) وذم الكلام (242) ودرء التعارض (5/ 309) والسير (10/ 518).
(2) الجرح والتعديل (4/ 326) وتاريخ بغداد (8/ 42 - 44) وميزان الاعتدال (2/ 236) وتذكرة الحفاظ (2/ 459 - 460) وتهذيب التهذيب (4/ 244) وشذرات الذهب (1/ 59) والسير (10/ 627 - 628).
(3) الزمر الآية (75).
(4) مختصر العلو (ص.183 - 184 رقم:215) واجتماع الجيوش الإسلامية (215).(3/358)
شيخ الإسلام ضمن التفاسير السلفية في درء التعارض وغيره من كتبه، والذهبي في مختصر العلو (184) وقال: قلت: لسنيد تفسير كبير رأيته كله بالأسانيد، ومذهبه في الصفات مذهب السلف.
عبد الله بن أبي حسان اليحصبي (1) (226 هـ)
عبد الله بن أبي حسان، واسم أبي حسان يزيد بن عبد الرحمن وقيل اسمه عبد الرحمن ويقال عبد الرحمن بن يزيد، وهو من أشراف إفريقية وصاحب فقه وأدب. رحل إلى مالك فكان عنده مكرما، وسمع من ابن أبي ذئب وابن عيينة وابن أنعم. روى عنه سحنون بن سعيد وفرات وسليمان وابن وضاح وآخرون. قال فيه المالكي: وكان مفوها، قويا على المناظرة، ذابا عن السنة متبعا لمذهب مالك، شديدا على أهل البدع، قليل الهيبة للملوك، لا يخاف في الله لومة لائم. توفي سنة ست وعشرين ومائتين.
موقفه من الرافضة:
جاء في رياض النفوس سليمان بن خلاد: قلت لابن أبي حسان: أرأيت هذا الذي يقول الناس في أبي بكر وعلي؟ -يريد التفضيل بينهما. فرفع يده فضربني الصدر ضربة واحدة أوجعتني، ثم قال: ليس هذا دين قريش ولا دين العرب، هذا دين أهل "قم" (قرية من قرى خراسان) ثم قال: والله ما يخفى علينا نحن من يستحق الولاية بعد والينا ولا من يستحق القضاء بعد قاضينا،
_________
(1) الديباج المذهب (1/ 418) وترتيب المدارك (1/ 278 - 281) وشجرة النور الزكية (1/ 63) ورياض النفوس (1/ 284 - 289).(3/359)
فكيف يخفى على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من يستحق الأمر بعد نبيهم. (1)
" التعليق:
لله درك يا عالم القيروان، ما أحسنه من كلام يثلج صدر السلفي، ويبقر بطن الشيعي الرافضي الخبيث، الذي نصب نفسه عدوا لمن اصطفاه الله على خلقه بعد نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
إسماعيل بن أبي أُوَيْس (2) (226 هـ)
هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر أبو عبد الله ابن أبي أويس الأشجعي المدني الأصْبَحِي. أخو عبد الحميد بن أبي أويس. قرأ القرآن وجوده على نافع فكان آخر تلامذته وفاة. حدث عن أبيه عبد الله، وأخيه أبي بكر، وخاله مالك بن أنس، وعبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون، وعدة. وحدث عنه البخاري، ومسلم، ثم مسلم وأبو داود والترمذي، وابن ماجة بواسطة، وأحمد بن صالح، وعثمان بن سعيد الدارمي، وخلق سواهم. قال الإمام أحمد: هو ثقة، قام في أمر المحنة مقاما محمودا. وقال الذهبي: وكان عالم أهل المدينة ومحدثهم في زمانه على نقص في حفظه وإتقانه، ولولا أن الشيخين احتجا به، لزحزح حديثه عن درجة الصحيح إلى درجة الحسن، هذا الذي عندي فيه. مات سنة ست وعشرين ومائتين، وقيل
_________
(1) رياض النفوس (1/ 287 - 288).
(2) سير أعلام النبلاء (10/ 391 - 395) وتاريخ الإسلام (حوادث 221 - 230/ص.91 - 94) وتهذيب الكمال (3/ 124 - 129) وترتيب المدارك (1/ 213 - 214) وتهذيب التهذيب (1/ 310 - 312).(3/360)
سنة سبع في رجب رحمه الله.
موقفه من الجهمية:
- حكى إسماعيل بن أبي أويس إجماع أهل المدينة قال: كان مالك وعلماء أهل بلدنا يقولون: القرآن من الله وليس من الله شيء مخلوق. (1)
- عن إسحاق بن بهلول قال: سمعت ابن أبي أويس يقول: القرآن كلام الله عز وجل ومن الله، وما كان من الله فليس بمخلوق. (2)
محمود الوراق (3) (توفي في خلافة المعتصم)
هو محمود بن الحسن الوراق، الشاعر المشهور، أكثر من الشعر الحسن في المواعظ والحكم. يقال إنه كان نخاسا يبيع الرقيق. روى عنه أبو بكر بن أبي الدنيا، وأبو العباس بن مسروق، وغيرهما. ومن شعره قوله:
رجعت على السفيه بفضل حلمي ... فكان الحلم عنه له لجاما
وظن بي السفاه فلم يجدني ... أُسافِهُه وقلت له سلاما
فقام يجر رجليه ذليلا ... وقد كسب المذلة والملاما
وفضل الحلم أبلغ في سفيه ... وأحرى أن تنال به انتقاما
قال محمد بن شاكر الكتبي: توفي في خلافة المعتصم في حدود الثلاثين
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 300/478) والسنة لعبد الله (ص.31).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 289/446).
(3) تاريخ بغداد (13/ 87 - 89) وتاريخ الإسلام (حوادث 221 - 230/ص.404) وسير أعلام النبلاء (11/ 461 - 462) وفوات الوفيات (4/ 79 - 81).(3/361)
والمائتين.
موقفه من القدرية:
جاء في أصول الاعتقاد، عن محمود قال:
ليس عندي إلا الرضا بقضاء ... الله فيما أحببته وكرهته
لوالي الأمور اختار منها خيرها ... لي عواقبا ما عرفته
فأرى أن أرد ذاك إلى ... من عنده العلم الذي قد جهلته (1)
أحمد بن يونس (2) (227 هـ)
هو الإمام الحجة الحافظ، أبو عبد الله، أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي، اليَرْبُوعِي الكوفي، ينسب إلى جده تخفيفا. سمع من جده يونس بن عبد الله بن قيس اليربوعي، ومن ابن أبي ذئب، وسفيان الثوري وغيرهم. وحدث عنه البخاري، ومسلم وهو من كبراء شيوخه، وعبد بن حميد، وأبو زرعة الرازي، وخلق سواهم. قال ابن سعد: مات بالكوفة يوم الجمعة لخمس ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين ومائتين، وكان ثقة صدوقا صاحب سنة وجماعة. قال الفضل بن زياد: سمعت أحمد بن حنبل وسأله رجل عمن أكتب؟ قال: ارحل إلى أحمد بن يونس، فإنه شيخ الإسلام. وقال أبو حاتم: كان ثقة متقنا. وقال العجلي: ثقة صاحب سنة.
_________
(1) أصول الاعتقاد (4/ 767/1283).
(2) طبقات ابن سعد (6/ 405) وتاريخ الإسلام (حوادث 221 - 230/ص.44 - 46) وسير أعلام النبلاء (10/ 457 - 459) والتاريخ الكبير (2/ 5) وتهذيب الكمال (1/ 375 - 378) وتهذيب التهذيب (1/ 50 - 51).(3/362)
موقفه من المبتدعة:
عن أحمد بن زهير قال: سمعت أحمد بن عبد الله بن يونس يقول: امتحن أهل الموصل بمعافى بن عمران، فإن أحبوه فهم أهل السنة وإن أبغضوه فهم أهل بدعة كما يمتحن أهل الكوفة بيحيى. (1)
موقفه من الرافضة:
جاء في الصارم: قال أحمد بن يونس: لو أن يهوديا ذبح شاة، وذبح رافضي لأكلت ذبيحة اليهودي، ولم آكل ذبيحة الرافضي؛ لأنه مرتد عن الإسلام. (2)
موقفه من الجهمية:
قال أبو داود صاحب السنن: سألت أحمد بن يونس، فقال: لا تصل خلف من يقول: القرآن مخلوق، هؤلاء كفار. (3)
الهيثم بن خارجة (4) (227 هـ)
الهيثم بن خارجة أبو أحمد، ويقال أبو يحيى المروذي ثم البغدادي الحافظ. روى عن مالك، والليث، ويعقوب القمي، وحفص بن ميسرة، وغيرهم. روى عنه أحمد بن حنبل، وعباس الدوري، والبخاري، وأبو زرعة،
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 74/58).
(2) الصارم المسلول (572) وهو في أصول الاعتقاد (8/ 1546/2817) مختصرا.
(3) السير (10/ 458) وتذكرة الحفاظ (1/ 400) والإبانة (2/ 12/61/ 267).
(4) السير (10/ 477 - 479) وطبقات ابن سعد (7/ 342) وتاريخ بغداد (14/ 58 - 59) وتهذيب الكمال (30/ 374 - 378) وتهذيب التهذيب (11/ 93 - 94) وتاريخ الإسلام (حوادث 221 - 330/ص.442 - 444).(3/363)
وآخرون.
قال هشام بن عمار: كنا نسميه شعبة الصغير. قال صالح جزرة: كان يتزهد، كان أحمد بن حنبل يثني عليه. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان أبي إذا رضي عن إنسان وكان عنده ثقة حدث عنه وهو حي، فحدثنا عن الحكم بن موسى وهو حي، وعن الهيثم بن خارجة وهو حي، وعن أبي الأحوص، وخلف، وشجاع وهم أحياء.
مات يوم الاثنين لثمان ليال بقين من ذي الحجة سنة سبع وعشرين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
عن ابن أخي الهيثم بن خارجة قال: سمعت الهيثم يقول: القرآن كلام الله وليس بمخلوق. (1)
أبو الوليد الطَّيَالِسِي (2) (227 هـ)
هشام بن عبد الملك الإمام الحافظ الناقد، شيخ الإسلام أبو الوليد الباهلي مولاهم البصري الطيالسي. روى عن مالك وابن عيينة وشعبة وأبي عوانة الوضاح بن عبد الله وهمام بن يحيى ومهدي بن ميمون والحمادين وعدة. وعنه البخاري وأبو داود وإسحاق بن راهويه والذهلي وأبو زرعة ومحمد بن
_________
(1) الإبانة (2/ 12/19/ 209).
(2) طبقات ابن سعد (7/ 300) والجرح والتعديل (9/ 65) والأنساب (8/ 283) وتذكرة الحفاظ (1/ 382) وميزان الاعتدال (4/ 301) وتهذيب التهذيب (1/ 45 - 47) وشذرات الذهب (2/ 62 - 63) والسير (10/ 341 - 347).(3/364)
بشار وأبو خيثمة زهير بن حرب وآخرون. قال أحمد بن حنبل: أبو الوليد اليوم شيخ الإسلام، ما أقدم عليه اليوم أحدا من المحدثين. وقال أبو زرعة: أدرك أبو الوليد نصف الإسلام، وكان إماما في زمانه، جليلا عند الناس. توفي سنة سبع وعشرين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
عن محمد بن يحيى، سمعت أبا الوليد يقول: وحدث بحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: ما رأيك؟ فقال ليس لي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - رأي. (1)
موقفه من الجهمية:
- عن يعقوب بن سفيان قال سمعت أبا الوليد هشام بن عبد الملك قال: قال يحيى بن سعيد أما تعجب من هذا؟ يقولون: قُلْ {هُوَ اللَّهُ أحد} مخلوقة؟ قال أبو الوليد: القرآن كلام الله والكلام في القرآن كلام في الله. قال أبو الوليد: من لم يعقد قلبه على أن القرآن ليس بمخلوق فهو خارج من الإسلام. (2)
- جاء في أصول الاعتقاد عنه قال: ما عرفت بالري ولا ببغداد ولا بالبصرة رجلا يقول: القرآن مخلوق، وأسأل الله العافية. (3)
- وفيه عنه قال: من قال القرآن مخلوق يفرق بينه وبين امرأته بمنزلة المرتد. (4)
_________
(1) ذم الكلام (100).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 286/437).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 311/483).
(4) أصول الاعتقاد (2/ 354/516).(3/365)
أبو نصر بشر بن الحارث (227 هـ)
موقفه من المبتدعة:
- جاء في ذم الكلام عنه قال: النظر إلى أهل الأهواء يورث القلب القساوة. (1)
" التعليق:
إذا نقلت عن مثل هؤلاء الذين انتسبوا إلى التصوف أو الكلام أو غير ذلك، فأقصد بذلك مواقفهم التي توافق مواقف السلف في الذب عن العقيدة السلفية.
- جاء في الإبانة عنه قال: وقد سئل عن الرجل يكون مع هؤلاء أهل الأهواء في موضع جنازة أو مقبرة فيتكلمون ويعرضون، فترى لنا أن نجيبهم؟ فقال: إن كان معك من لا يعلم، فردوا عليه لأن لا يرى أولئك أن القول كما يقولون، وإن كنتم أنتم وهم، فلا تكلموهم ولا تجيبوهم. (2)
- عن أبي جعفر محمد بن المثنى قال: سمعت أبا نصر بشر بن الحارث يقول: الخصومات تحبط الأعمال. (3)
- عن محمد بن المثنى، سمعت بشرا ينهى عن مخاطبة أهل الأهواء كلهم ومناظرتهم. (4)
_________
(1) ذم الكلام (257).
(2) الإبانة (2/ 3/542/ 683).
(3) الإبانة (2/ 3/529 - 530/ 650).
(4) ذم الكلام (257).(3/366)
- عن موسى بن أحمد الفريابي قال: قال بشر الحافي: علامة طاعة الله تسليم أمره لطاعته، وعلامة حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسليم آثاره والعمل على سنته، ولا يلتفت إلى غيره. (1)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السير: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثنا محمد بن المثنى صاحب بشر قال: قال رجل لبشر وأنا حاضر: إن هذا الرجل -يعني أحمد ابن حنبل- قيل له: أليس الله قديما وكل شيء دونه مخلوق؟ قال: فما ترك بشر الرجل يتكلم حتى قال: لا، كل شيء مخلوق إلا القرآن. (2)
- عن محمد بن المثنى قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: أما سمعت ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك" (3) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الله عز وجل" (4) ثم قال بشر: هؤلاء الجهمية يتعاظمون هذا. (5)
- عن أبي بكر بن زيادة قال: قلت لبشر بن الحارث: يا أبا نصر ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله ليس بمخلوق. فقلت له: لا تكلم بهذا. قال: أخاف السلطان. قلت له: فلثقاتك. قال: إن لكل ثقة ثقة. (6)
_________
(1) ذم الكلام (257).
(2) السير (10/ 473 - 474).
(3) أخرجه من حديث أنس: أحمد (3/ 112) والترمذي (4/ 390 - 391/ 2140) وقال: "هذا حديث حسن". وابن ماجه (2/ 1260/3834) ويشهد له حديث عبد الله بن عمرو وعائشة والنواس وغيرهم وستأتي معنا بإذن الله.
(4) انظر تخريجه في مواقف سفيان بن عيينة سنة (198هـ) ومواقف الشافعي سنة (204هـ).
(5) الشريعة (2/ 118/780).
(6) الإبانة (2/ 12/40/ 232).(3/367)
- عن أبي نصر -عصمة بن أبي عصمة- قال: حدثنا ابن الخالقاني عن أبي حفص العطار، قال: سمعت بشر بن الحارث يقول حين أنشده أبو الرمة هذا الشعر في بشر المريسي: اكتبوا هذا الشعر وتعلموه، فهو أنفع لكم من غيره، وعلموه صبيانكم، ورأيت بشرا يعجبه هذا الشعر إذا أنشده:
أيها الناس فاستقيموا إلى ... الحق وخافوا عقوبة الرحمن
واتقوا يوم ينجلي الأمر فيه ... لكم من كرامة أو هوان
فإلى جنة الخلد فيها أم ... إلى جاحم من النيران
يوم يجمعكم الإله ليوم ... فيه شابت ذوائب الولدان
فأجيبوا عن القرآن وعما ... قلتموه يا معشر المجان
أزعمتم بأنه مخلوق فكذبتم ... ومنزل الفرقان
بل كلام الإله ليس بمخلوق ... ولا ميت مع الإنسان
كل خلق يبيد لا شك فيه ... أي خلق يبقى على الحدثان
لا تقولوا بقول بشر المريسي ... والعنوه في السر والإعلان
واستعيذوا بالله من شر بشر ... كاستعاذتكم من الشيطان
ما أراد الذي أراد سوى الشرك ... ولكن كنى عن الأوثان
بالقرآن اهتدى وضل الذي ضل ... وكل مخاصم بالقرآن
فعليكم بدينكم لا تبيعوه ... بشيء من المعيشة فان
لا على الشرك ترقدون وإن متم ... على الدين صرتم للجنان
فاقبلوا النصح من أخ بذل النصـ ... ـح لكم من ضميره واللسان (1)
_________
(1) الإبانة (2/ 14/295 - 296/ 466).(3/368)
- قال عبد الله في السنة: حدثني بعض أصحابنا وهو محمد بن علي قال: سمعت أبي يقول: سمعت بشر بن الحارث يقول: لا تجالسوهم ولا تكلموهم، وإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، كيف يرجعون وأنتم تفعلون بهم هذا؟ قال: يعني الجهمية. (1)
- جاء في تلبيس إبليس عنه قال: جاء موت هذا الذي يقال له المريسي وأنا في السوق فلولا أن الموضع ليس موضع سجود لسجدت شكرا. الحمد لله الذي أماته، هكذا قولوا. (2)
- وجاء في ذم الكلام عنه قال: لا تخالف الأئمة، فإنه ما أفلح صاحب كلام قط. (3)
موقف السلف من أبي الهذيل العلاف المعتزلي (227 هـ)
ضلاله ومخازيه:
- جاء في سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي: ورأس المعتزلة أبو الهذيل محمد بن الهذيل البصري العلاف صاحب التصانيف، الذي زعم أن نعيم الجنة وعذاب النار ينتهي، بحيث أن حركات أهل الجنة تسكن حتى لا ينطقون بكلمة، وأنكر الصفات المقدسة حتى العلم والقدرة وقال: هما الله،
_________
(1) السنة لعبد الله (ص.18).
(2) تلبيس إبليس (ص.24).
(3) ذم الكلام (ص.57).(3/369)
وأن لما يقدر الله عليه نهاية وآخرا، وأن للقدرة نهاية، لو خرجت إلى الفعل، فإن خرجت لم تقدر على خلق ذرة أصلا، وهذا كفر وإلحاد. (1)
- جاء في تاريخ بغداد عن أبي سعيد علي بن الحسن القبصري قال: قال المأمون يوما لحاجبه: من بالباب؟ قال أبو الهذيل وعبد الله بن أباض الخارجي وهشام بن الكلبي فقال: ما بقي من رؤوس جهنم أحد إلا وقد حضر. (2)
- ثم قال الذهبي: ولم يكن أبو الهذيل بالتقي حتى لنقل أنه سكر مرة عند صديقه، فراود غلاما له فرماه بتور، فدخل في رقبته وصار كالطوق، فاحتاج إلى حداد يفكه. (3)
- وكان أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل تلميذ واصل بن عطاء الغزال. وطال عمر أبي الهذيل وجاوز التسعين، وانقلع في سنة سبع وعشرين ومائتين. (4)
- وفي أصول الاعتقاد: وسأل رجل أبا الهذيل العلاف المعتزلي البصري عن القرآن فقال: مخلوق، فقال له: مخلوق يموت أو يخلد؟ قال: بل يموت. قال: فمتى يموت القرآن؟ قال: إذا مات من يتلوه فهو موته. قال: فقد مات من يتلوه. وقد ذهبت الدنيا وتصرمت، وقال الله عز وجل: {لِمَنِ الْمُلْكُ
_________
(1) السير (10/ 542 - 543).
(2) ذكره في تاريخه الخطيب (3/ 369) وأصول الاعتقاد (4/ 818/1380).
(3) السير (10/ 543) وتاريخ بغداد (3/ 369).
(4) السير (10/ 543).(3/370)
اليوم} (1) فهذا القرآن وقد مات الناس؟ فقال: ما أدري وبهت. (2)
عبد الله بن عبد الله الخراساني (زمن المعتصم)
موقفه من الجهمية:
حدثنا أبو الحسن -علي بن يحيى بن عيسى- قال: سمعت زرقان بن محمد يقول: سمعت أبا داود السجستاني يقول: لما جيء بعبد الله بن عبد الله الخراساني وأحضر للمحنة وأحمد بن حنبل محبوس، قال الخراساني: هذا الذي تدعوني إليه اعرضوه علي. قال: تقول القرآن مخلوق؟ قال: هذا الذي تدعون إليه، علمه الله ورسوله وجميع المؤمنين؟ قالوا: نعم. قال: فوسعهم السكوت عنه؟ فأطرق المعتصم مليا، ثم رفع رأسه، فقال: نعم. قال: فما وسعكم ما وسع القوم؟ قال: فقال المعتصم: أخلوا لي بيتا، فأخلي له بيت، فطرح نفسه فيه على قفاه ورفع رجليه مع الحائط وهو يقول: علمه الله، وعلمه رسوله والمؤمنون، ووسعهم السكوت عنه، وسعنا ما وسع القوم، صدق الخراساني، ما زال يقول ذلك ويردده يومه وليلته، لا يجد فيه حجة، فلما كان من الغد أمر بإحضار الجماعة ثم جلس على كرسيه وأحضر القوم، فبدأ الخراساني فأسكتهم وقطع حجتهم، فقال المعتصم: خلوا عن الخراساني، فقال ابن أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين، إن هذا متى يخرج على هذه السبيل يفتن العامة،
_________
(1) غافر الآية (16).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 246/363).(3/371)
ويقول: غلبت أمير المؤمنين وغلبت قضاته وشيوخه وعلماءه، وقهرته وأدحضت حجته، فقال: صدقت يا أحمد. ثم قال: جروا برجله، فجروا برجله على وجهه إلى البيت الذي فيه أحمد بن حنبل، فتعلقت الرزة بغلصمته، فقال: اجذبوه فجذبوه فانقطع رأسه، قال أحمد بن حنبل: فسمعت اللسان يقول في الرأس: غير مخلوق، ثلاث مرات، ثم سكت. قال أحمد: فكان ذلك مما بصرني في أمري، وشجع به قلبي. (1)
المعتصم (227 هـ)
الخليفة أبو إسحاق محمد بن الرشيد هارون بن محمد المهدي بن المنصور العباسي. امتحن الناس بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الأمصار، ودام ذلك حتى أزاله المتوكل بعد أربعة عشر عاما.
موقفه من المشركين:
- قال الرياشي: كتب طاغية الروم إلى المعتصم يتهدده، فأمر بجوابه، فلما عرض عليه رماه، وقال للكاتب: اكتب: أما بعد، فقد قرأت كتابك، وسمعت خطابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع {وسيعلم الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدار} (2). (3)
- جاء في فتح الباري: ثم خرج في أيام المأمون بابك الخرمي، فغلب
_________
(1) الإبانة (2/ 14/282 - 283/ 455).
(2) الرعد الآية (42).
(3) السير (10/ 291).(3/372)
على بلاد الجبل، وقتل في المسلمين وهزم الجيوش إلى أن ظفر به المعتصم فصلبه. (1)
- وفي البداية والنهاية: وفيها -أي سنة عشرين ومائتين من الهجرة- عقد المعتصم للأفشين واسمه حيضر بن كاوس على جيش عظيم لقتال بابك الخرمي لعنه الله، وكان قد استفحل أمره جدا وقويت شوكته وانتشرت أتباعه في أذربيجان وما والاها، وكان أول ظهوره في سنة إحدى ومائتين، وكان زنديقا كبيرا وشيطانا رجيما، فسار الأفشين وقد أحكم صناعة الحرب في الأرصاد وعمارة الحصون وإرصاد المدد، وأرسل إليه المعتصم مع بغا الكبير أموالا جزيلة، إلى أن قال الحافظ ابن كثير:
وقد أمر المعتصم ابنه هارون الواثق أن يتلقى الأفشين، وكانت أخباره تفد إلى المعتصم في كل يوم من شدة اعتناء المعتصم بأمر بابك، وقد ركب المعتصم قبل وصول بابك بيومين على البريد، حتى دخل إلى بابك وهو لا يعرفه، فنظر إليه ثم رجع فلما كان يوم دخوله عليه تأهب المعتصم واصطف الناس سماطين، وأمر بابك أن يركب على فيل ليشهر أمره ويعرفوه وعليه قباء ديباج وقلنسوة سمور مدورة وقد هيأوا الفيل وخضبوا أطرافه ... إلى أن قال: ولما أحضر بين يدي المعتصم أمر بقطع يديه ورجليه وجز رأسه وشق بطنه، ثم أمر بحمل رأسه إلى خراسان وصلب جثته على خشبة بسامرا، وكان بابك قد شرب الخمر ليلة قتله ... وكان هذا الملعون قد قتل من المسلمين في مدة ظهوره -وهي عشرون سنة- مائتي ألف وخمسة وخمسين
_________
(1) فتح الباري (12/ 271).(3/373)
ألفا وخمسمائة إنسان، قاله ابن جرير. وأسر خلقا لا يحصون، وكان جملة من استنقذه الأفشين من أسره، نحوا من سبعة آلاف وستمائة إنسان ... وكان أصل بابك من جارية زرية الشكل جدا، فآل به الحال إلى ما آل به إليه، ثم أراح الله المسلمين من شره بعد ما افتتن به خلق كثير وجم غفير من العوام الطغام. (1)
موقفه من الرافضة:
جاء في السير: وفتح مصر -يعني قهر أهلها- قبل خلافته. وقتل ثمانية: بابك، والأفشين، ومازيار، وباطيس، ورئيس الزنادقة، وعجيفا، وقارون، وأمير الرافضة. (2)
موقفه من القدرية:
- جاء في الكفاية بالسند إلى الفضل بن مروان قال: كان المعتصم يختلف إلى علي بن عاصم المحدث وكنت أمضي معه إليه، فقال يوما: حدثنا عمرو بن عبيد وكان قدريا. فقال له المعتصم: يا أبا الحسن أما تروي أن القدرية مجوس هذه الأمة؟ (3) قال: بلى. قال فلم تروي عنه؟ قال: لأنه ثقة في الحديث صدوق. قال: فإن كان المجوسي ثقة فما تقول أتروي عنه؟ فقال له علي: أنت شغاب يا أبا إسحاق.
قال الخطيب معلقا: وهذا الاعتراض المذكور في الخبر لازم، ولا خلاف
_________
(1) البداية والنهاية (10/ 295 - 298).
(2) السير (10/ 302).
(3) سيأتي تخريجه في مواقف الآجري سنة (360هـ).(3/374)
أن الفاسق بفعله لا يقبل قوله في أمور الدين مع كونه مؤمنا عندنا، فبأن لا يقبل قول من يحكم بكفره من المعتزلة وغيرهم أولى. (1)
علي بن عَثَّام (2) (228 هـ)
علي بن عثام بن علي الإمام الحافظ القدوة شيخ الإسلام أبو الحسن الكِلاَبِي العَامِرِي الكوفي نزيل نيسابور. سمع أحمد بن حنبل وحماد بن زيد وابن عيينة وابن المبارك وخلقا سواهم. حدث عنه الذهلي وأبو حاتم الرازي وأحمد بن سعيد الدارمي وسلمة بن شبيب وعدة. قال عنه الحاكم: أديب فقيه، حافظ زاهد، واحد عصره. قال ابن حجر: ثقة فاضل. من أقواله: إن طريق البر سهل وإن طريق القطيعة وعر.
توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
جاء في ذم الكلام عن محمد بن عبد الوهاب قال: قلت لعلي بن عثام: رجل يقول: ليس في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقه، فقال: هذا فاجر، فأين الفقه وأين الخير إلا فيه. (3)
_________
(1) الكفاية (124) وأصول الاعتقاد (4/ 819 - 820/ 1383).
(2) الجرح والتعديل (6/ 199) وتهذيب التهذيب (7/ 362 - 364) وشذرات الذهب (2/ 65) والسير (10/ 569 - 571) وتهذيب الكمال (21/ 57 - 66) والتقريب (1/ 699).
(3) ذم الكلام (77).(3/375)
" التعليق:
إلى هذا الحد وصلت الوقاحة بالمبتدعة، وقد تبنى هذه الفكرة النجسة علماء الكلام فيما بعد، ودافعوا عنها، وقالوا الحجة في المعقول لا في المنقول، وكذلك الصوفية قالوا: لا حجة في القشور وإنما الحجة في التلقي بطريق الكشف، والله المستعان.
عبد الملك بن عبد العزيز القُشَيْرِي (1) (228 هـ)
عبد الملك بن عبد العزيز بن ذكوان، الإمام الثقة، الزاهد القدوة، القشيري، نزيل بغداد، أبو نَصْر التَّمَّار. ولد عام مقتل أبي مسلم الخراساني. روى عن جرير بن حازم، وسعيد بن عبد العزيز، وحماد بن سلمة، وغيرهم. وروى عنه مسلم، وأحمد بن منيع، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو يعلى الموصلي، وخلق سواهم. قال ابن سعد: وكان ثقة فاضلا خيرا ورعا. توفي في أول يوم من المحرم سنة ثمان وعشرين ومائتين وهو ابن إحدى وتسعين سنة وقد ذهب بصره.
موقفه من الجهمية:
عن أبي يوسف -حكيم التمار- وكان صديقا لأبي نصر التمار، قال: لما أدخل أبو نصر -يعني دار إسحاق بن إبراهيم للمحنة قعدنا على الباب ننظر ما يكون من أمره، فخرج، فقلت: ما صنعت يا أبا نصر؟ فقال: يا أبا
_________
(1) السير (10/ 571 - 574) تهذيب الكمال (18/ 354 - 358) تهذيب التهذيب (6/ 406 - 407) وطبقات ابن سعد (7/ 340) ميزان الاعتدال (2/ 658) تاريخ بغداد (10/ 420 - 423).(3/376)
يوسف دخلنا كفرنا، وخرجنا. (1)
نُعَيْم بن حَمَّاد الخُزَاعِي (2) (228 هـ)
نعيم بن حماد بن الحارث بن هَمَّام الإمام العلامة الحافظ أبو عبد الله الخزاعي المَرْوَزِي الفَرَضِي الأعور صاحب التصانيف سكن مصر. حدث عن ابن المبارك وهشيم بن بشير وعبد الله بن وهب وعبد الله بن إدريس وابن عيينة وعدة. روى عنه البخاري مقرونا وأبو داود ويحيى بن معين والذهلي وعبد الله ابن عبد الرحمن الدارمي وطائفة. قال فيه ابن حجر: صدوق يخطئ كثيرا، فقيه عارف بالفرائض. وقد قال ابن عدي -بعد ما ساق له بعض المناكير-: وقد كان أحد من يتصلب في السنة، ومات في محنة القرآن في الحبس، وعامة ما أنكر عليه هو ما ذكرته، وأرجو أن يكون باقي حديثه مستقيما. توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- روى محمد بن يزيد المستملي عن نعيم بن حماد قال: إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد فاتهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق فاتهمه، وإذا رأيت البصري يتكلم في وهب بن جرير فاتهمه في دينه. (3)
_________
(1) الإبانة (2/ 13/112 - 113/ 369).
(2) طبقات ابن سعد (7/ 519) والجرح والتعديل (8/ 463) وتاريخ بغداد (13/ 306 - 314) وتذكرة الحفاظ (2/ 418) وميزان الاعتدال (4/ 267 - 270) وتهذيب التهذيب (10/ 458) وشذرات الذهب (2/ 67) والسير (10/ 595 - 612) والتقريب (2/ 250).
(3) السير (11/ 381).(3/377)
" التعليق:
هذه قاعدة جليلة مطردة في كشف أهل الأهواء والبدع إذ من أظهر آياتهم الوقيعة في السلفيين أهل الحديث والأثر على مر الأزمان.
- عن أبي حاتم قال: سمعت نعيم بن حماد يقول: من ترك حديثا معروفا فلم يعمل به، وأراد له علة أن يطرحه، فهو مبتدع. (1)
- وفي صيانة الإنسان: قال نعيم بن حماد: إذا فسدت الجماعة فعليك ما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ. (2)
موقفه من الجهمية:
- له مواقف مشرفة ضد المبتدعة عموما والجهمية خصوصا، ويكفي أنه بذل نفسه في سبيل الله فمات في المحنة.
- جاء في كتاب الكامل لابن عدي ما لفظه:
قال الشيخ: وكان ممن يتصلب في السنة ومات في محنة القرآن في الحبس. (3)
- وفيه قال ابن عدي: حدثنا أحمد بن عيسى بن محمد المروزي إجازة مشافهة، حدثنا ابن أبي مصعب قال نعيم بن حماد الفارض: منزله على الماء
_________
(1) الفقيه والمتفقه (1/ 386).
(2) صيانة الإنسان (ص.310).
(3) الكامل (7/ 2485).(3/378)
جار في السكة التي تنسب إلى أبي حمزة السكري، وضع كتب الرد على أبي حنيفة، وناقض محمد بن الحسن ووضع ثلاثة عشر كتابا في الرد على الجهمية. (1)
- روى الخطيب بسنده إلى أبي بكر الطرسوسي يقول: أخذ نعيم بن حماد في أيام المحنة سنة ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين، وألقوه في السجن ومات في سنة سبع وعشرين، وأوصى أن يدفن في قيوده وقال إني مخاصم. (2)
- وفي طبقات ابن سعد: وكان من أهل خراسان من أهل مرو، وطلب الحديث طلبا كثيرا بالعراق والحجاز، ثم نزل مصر، فلم يزل بها حتى أشخص منها في خلافة أبي إسحاق بن هارون فسئل عن القرآن فأبى أن يجيب فيه بشيء مما أرادوه عليه، فحبس بسامرا، فلم يزل محبوسا بها حتى مات في السجن في سنة ثمان وعشرين ومائتين. (3)
- وقال ابن القيم في اجتماع الجيوش الاسلامية: قول نعيم بن حماد الخزاعي أحد شيوخ النبل، شيخ البخاري رحمهما الله تعالى، قال في قوله {وَهُوَ مَعَكُمْ} (4): معناه لا يخفى عليه خافية بعلمه، ألا ترى إلى قوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثَلَاثَةٍ إِلًّا هُوَ رابعهم} (5) أراد أن لا يخفى عليه
_________
(1) الكامل (7/ 2482).
(2) تاريخ بغداد (13/ 313).
(3) طبقات ابن سعد (7/ 519).
(4) الحديد الآية (4).
(5) المجادلة الآية (7).(3/379)
خافية.
- قال البخاري سمعته يقول: من شبه الله تعالى بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله تعالى به نفسه ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - تشبيها. (1)
" التعليق:
وهل في الإثبات أصرح من هذا يا من اتهم السلف بأنهم كانوا مفوضة؟ ولكن الهوى لا يترك للمبتدعة مجالا يراجعون أنفسهم، حتى يعرفوا هل السلف مفوضة أو مثبتة أو كما يقولون هم: مشبهة، فإذا لم يكن الإثبات، فلا معنى للنصوص ولا لإنزالها، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
- وفي أصول الاعتقاد عنه قال: حق على كل مؤمن أن يؤمن بجميع ما وصف الله به نفسه، ويترك التفكير في الرب تبارك وتعالى، ويتبع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق" (2) قال نعيم: ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء من الأشياء. (3)
- وكان نعيم بن حماد يكفر القائلين بخلق القرآن كما في السنة لعبد الله. (4)
- عن زكريا بن يحيى بن حمدويه الحلواني قال: سمعت رفيق نعيم بن
_________
(1) اجتماع الجيوش (204) وطرفه الأخير في أصول الاعتقاد (3/ 587 - 588/ 936) والسير (13/ 299).
(2) انظر تخريجه في مواقف مقاتل بن سليمان سنة (150هـ).
(3) أصول الاعتقاد (3/ 582/929).
(4) السنة لعبد الله (18).(3/380)
حماد يقول: لما صرنا إلى العراق وحبس نعيم بن حماد، دخل عليه رجل في السجن من هؤلاء فقال لنعيم: أليس الله قال: {لا تدركه الْأَبْصَارُ وَهُوَ يدرك الْأَبْصَارَ} (1) فقال نعيم: بلى ذاك في الدنيا. قال: وما دليلك؟ فقال نعيم: إن الله هو البقاء، وخلق الخلق للفناء، فلا يستطيعون أن ينظروا بأبصار الفناء إلى البقاء، فإذا جدد لهم خلق البقاء فنظروا بأبصار البقاء إلى البقاء. (2)
- قال الذهبي: وكان شديدا على الجهمية، أخذ ذلك عن نوح الجامع، وكان كاتبه. قال صالح بن مسمار: سمعت نعيما يقول: أنا كنت جهميا، فلذلك عرفت كلامهم، فلما طلبت الحديث عرفت أن أمرهم يرجع إلى التعطيل. قال الخطيب: يقال إن نعيم بن حماد أول من جمع المسند. وقال الحسين بن حبان: سمعت يحيى بن معين يقول: نعيم بن حماد أول من سمع صدوق وأنا أعرف الناس به، وكان رفيقي بالبصرة، كتب عن روح بن عبادة خمسين ألف حديث. وكذا وثقه أحمد. وروى إبراهيم بن الجنيد، عن ابن معين: ثقة. وقال أحمد العجلي: ثقة صدوق. وقال العباس بن مصعب في تاريخه: نعيم بن حماد وضع كتبا في الرد على الجهمية وكان من أعلم الناس بالفرائض، ثم خرج إلى مصر فأقام بها نيفا وأربعين سنة. ثم حمل إلى العراق في امتحان القرآن مع البويطي مقيدين، فمات نعيم بن حماد بسر من رأى. (3)
قال الحافظ في الفتح: قال ابن أبي حاتم في كتاب 'الرد على الجهمية'
_________
(1) الأنعام الآية (103).
(2) أصول الاعتقاد (3/ 562 - 563/ 890).
(3) الميزان (4/ 267).(3/381)
وجدت في كتاب أبي عمر نعيم بن حماد قال: يقال للجهمية أخبرونا عن قول الله تعالى بعد فناء خلقه: {لِمَنِ الْمُلْكُ اليوم} (1) فلا يجيبه أحد فيرد على نفسه {لِلَّهِ الواحد القهار} وذلك بعد انقطاع ألفاظ خلقه بموتهم، أفهذا مخلوق؟. (2)
- وقال أيضا: قال ابن أبي حاتم في كتاب 'الرد على الجهمية' ذكر نعيم بن حماد أن الجهمية قالوا: إن أسماء الله مخلوقة، لأن الاسم غير المسمى، وادعوا أن الله كان ولا وجود لهذه الأسماء، ثم خلقها، ثم تسمى بها، قال فقلنا لهم: إن الله قال: {سبح اسم ربك الأعلى} (3) وقال: {ذلكم الله ربكم فاعبدوه} (4) فأخبر أنه المعبود ودل كلامه على اسمه بما دل به على نفسه، فمن زعم أن اسم الله مخلوق فقد زعم أن الله أمر نبيه أن يسبح مخلوقا. (5)
- وقال أيضا: احتج بعض المبتدعة بقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (6) على أن القرآن مخلوق لأنه شيء، وتعقب ذلك نعيم بن حماد
_________
(1) غافر الآية (16).
(2) الفتح (13/ 368).
(3) الأعلى الآية (1).
(4) يونس الآية (3).
(5) الفتح (13/ 378).
(6) الزمر الآية (62).(3/382)
وغيره من أهل الحديث بأن القرآن كلام الله وهو صفته فكما أن الله لم يدخل في عموم قوله: {كُلِّ شَيْءٍ} اتفاقا فكذلك صفاته، ونظير ذلك قوله تعالى: {ويحذركم اللَّهُ نَفْسَهُ} (1) مع قوله تعالى: {كل نَفْسٍ ذائقة الْمَوْتِ} (2) فكما لم تدخل نفس الله في هذا العموم اتفاقا فكذا لا يدخل القرآن. (3)
- وقال شيخ الإسلام: وكذلك من دخل مع أهل البدع والفجور ثم بين الله له الحق وتاب عليه توبة نصوحا، ورزقه الجهاد في سبيل الله، فقد يكون بيانه لحالهم وهجره لمساويهم، وجهاده لهم أعظم من غيره، قال نعيم بن حماد الخزاعي -وكان شديدا على الجهمية- أنا شديد عليهم، لأني كنت منهم. وقد قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (4) نزلت هذه الآية في طائفة من الصحابة كان المشركون فتنوهم عن دينهم ثم تاب الله عليهم، فهاجروا إلى الله ورسوله، وجاهدوا وصبروا. (5)
_________
(1) آل عمران الآية (28).
(2) العنكبوت الآية (57).
(3) الفتح (13/ 532).
(4) النحل الآية (110).
(5) مجموع الفتاوى (10/ 303).(3/383)
خلف بن هشام (1) (229 هـ)
خَلَف بن هشام بن ثَعْلَب وقيل خلف بن هشام بن طالب بن غالب الإمام الحافظ الحجة شيخ الإسلام أبو محمد البغدادي البزار المقرئ أحد الأعلام. له اختيار أقرأ به وخالف فيه حمزة. قرأ على سليم عن حمزة، وعلى أبي يوسف لعاصم، وأخذ حرف نافع عن إسحاق المسيبي وقراءة أبي بكر عن يحيى بن آدم. قرأ عليه أحمد بن يزيد الحلواني وأحمد بن إبراهيم وراقة، ومحمد بن يحيى الكسائي الصغير وإدريس بن عبد الكريم الحداد وخلق سواهم. روى عن مالك بن أنس وحماد بن زيد وأبي الأحوص سلام بن سليم وشريك وهشيم بن بشير وأبي عوانة وطائفة. روى عنه مسلم وأبو داود وإبراهيم الحربي وأحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان وأبو يعلى الموصلي وعدة. قال الدارقطني: كان عابدا فاضلا. وقال الحسين بن فهم: ما رأيت أنبل من خلف بن هشام كان يبدأ بأهل القرآن، ثم لا يأذن لأصحاب الحديث، وكان يقرأ من حديث أبي عوانة خمسين حديثا. توفي سنة تسع وعشرين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
جاء في أصول الاعتقاد عن خلف بن هشام فيمن قال: الاسم غير المسمى، وهو ينكر ذلك أشد النكرة ويقول: لو أن رجلا شتم رجلا على قول من قال هذه المقالة لم يلزمه شيء، يقول إنما شتمت الاسم.
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 348) والجرح والتعديل (3/ 372) وتاريخ بغداد (8/ 322 - 328) وتهذيب التهذيب (3/ 156) وشذرات الذهب (2/ 67) والسير (10/ 576 - 582) وتهذيب الكمال (8/ 299 - 303).(3/384)
ولو أن رجلا حلف بالله على مال رجل لم يلزمه في كلامه حنث على قول من قال هذه المقالة، ويقول: إنما حلفت بالاسم فلم أحلف بالمسمى.
ورأيت يدور أمر الإسلام على هذا الاسم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" (1) أرأيت الوضوء حين يبدأ فيه الإنسان، يقول: بسم الله، فإذا فرغ قال: سبحانك اللهم. ورأيت الأذان أوله: الله أكبر، ولا يزال يردد أشهد أن لا إله إلا الله، ثم رأيت الصلاة حين يفتتح بقوله الله أكبر ولا يزال في ذلك حتى يختم بقوله: السلام عليكم ورحمة الله. فأولها وآخرها الله. ورأيت الحج؟ لبيك اللهم لبيك. ورأيت الذبيحة بسم الله، ورأيت أمر الإسلام يدور على هذا الاسم، فمن زعم أن أسماء الله مخلوقة فهو كافر، وكفره عندي أوضح من هذه الشمس. (2)
عبد الله بن محمد الجُعْفِي المُسْنَدِي (3) (229 هـ)
عبد الله بن محمد بن عبد الله الإمام الحافظ المُجَوِّد شيخ ما وراء النهر أبو جعفر الجعفي مولاهم البخاري المعروف بالمسندي لكثرة اعتنائه بالأحاديث المسندة. روى عن ابن عيينة وحفص بن غياث والقعنبي وعبد الرزاق الصنعاني وعبد الرحمن بن مهدي ومعتمر بن سليمان ووكيع
_________
(1) البخاري (13/ 311/7284و7285) ومسلم (1/ 51 - 52/ 20) وأبو داود (2/ 198/1556) والترمذي (5/ 5 - 6/ 2607) والنسائي (7/ 88/3980) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) أصول الاعتقاد (2/ 238 - 239/ 350).
(3) شذرات الذهب (2/ 67) والجرح والتعديل (5/ 162) وتاريخ بغداد (10/ 64) وتهذيب التهذيب (6/ 9) والسير (10/ 658 - 660) والأنساب (5/ 298).(3/385)
وعدة. روى عنه البخاري والذهلي وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان ومحمد بن نصر المروزي وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وطائفة. قال الحاكم: هو إمام الحديث في عصره بما وراء النهر بلا مدافعة، وهو أستاذ البخاري. قال الذهبي: وقد أسلم جد البخاري على يدي يمان جد المسندي. توفي سنة تسع وعشرين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
له كتاب 'الصفات والرد على الجهمية' ذكره شيخ الاسلام في أوائل الكتب التي ألفت في هذا الباب. (1)
أحمد بن شَبُّويَه (2) (230 هـ)
أحمد بن محمد بن ثابت بن عثمان الإمام القدوة المحدث شيخ الإسلام أبو الحسن الخزاعي المروزي الحافظ ابن شبويه. سمع ابن عيينة وابن المبارك وعبد الرزاق الصنعاني وابن علية ووكيعا وابن أبي أويس وعدة. حدث عنه أبو داود وأبو زرعة الدمشقي والذهلي وابنه ثابت وابن أبي خيثمة وابن معين وآخرون. قال النسائي: ثقة. توفي سنة ثلاثين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
جاء في السير عنه قال: من أراد علم القبر فعليه بالأثر، ومن أراد علم
_________
(1) انظر الفتاوى الكبرى (5/ 15).
(2) الجرح والتعديل (2/ 55) والأنساب (7/ 285) وتذكرة الحفاظ (2/ 464) وتهذيب التهذيب (1/ 71) والسير (11/ 7 - 8) وتهذيب الكمال (1/ 433 - 436).(3/386)
الخبز فعليه بالرأي. (1)
موقفه من الجهمية:
قال عبد الله في السنة: حدثنا ابن شبويه سمعت أبي يقول: من قال شيء من الله مخلوق، علمه أو كلامه، فهو زنديق كافر لا يصلى عليه ولا يصلى خلفه، ويجعل ماله كمال المرتد. ويذهب في مال المرتد إلى مذهب أهل المدينة أنه في بيت المال. (2)
زكريا بن يحيى بن صالح (3) (230 هـ)
زكريا بن يحيى بن صالح أبو يحيى البلخي. روى عن أبي مطيع الحكم ابن عبد الله البلخي، والحكم بن المبارك، وخلف بن أيوب. حدث عنه البخاري، وأحمد بن سيار المروزي، وجعفر بن محمد بن الحسن. قال قتيبة بن سعيد: فتيان خراسان أربعة. وذكر منهم زكريا بن يحيى. توفي سنة ثلاثين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
قال ابن حبان: كان ثقة صاحب سنة وفضل وممن يرد على أهل البدع، وهو مصنف كتاب الإيمان. (4)
_________
(1) السير (11/ 7 - 8).
(2) السنة لعبد الله (ص.35).
(3) تهذيب الكمال (9/ 378) وتذكرة الحفاظ (2/ 517) وتهذيب التهذيب (3/ 335) والثقات لابن حبان (8/ 254).
(4) تذكرة الحفاظ (2/ 518).(3/387)
الأمير عبد الله بن طاهر (1) (230 هـ)
الأمير العادل عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب، أبو العباس الخزاعي، حاكم خراسان وما وراء النهر. ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة، وتأدب وتفقه وسمع من وكيع ويحيى بن الضريس والمأمون، روى عنه إسحاق ابن راهويه ونصر بن زياد القاضي وأحمد بن سعيد الرباطي وآخرون.
قلده المأمون مصر والمغرب ثم خراسان، وكان أحد الأجواد الممدحين والسمحاء المذكورين. قال ابن خلكان: كان ابن طاهر شهما نبيلا، عالي الهمة. وعن سهل بن ميسرة أن جيران دار عبد الله بن طاهر أمر بإحصائهم، فبلغوا أربعة آلاف نفس، فكان يقوم بمؤنتهم وكسوتهم، فلما خرج إلى خراسان، انقطعت الرواتب من المؤنة، وبقيت الكسوة مدة حياته.
وعن محمد بن الفضل أن ابن طاهر لما افتتح مصر ونحن معه، سوغه المأمون خراجها، فصعد المنبر، فلم ينزل حتى أجاز بها كلها، وهي ثلاثة آلاف ألف دينار أو نحوها. قال الذهبي: كان ابن طاهر عادلا في الرعية، عظيم الهيبة، حسن المذهب. توفي رحمه الله بمرو في ربيع الأول سنة ثلاثين ومائتين، وله ثمان وأربعون سنة.
موقفه من المرجئة:
عن أحمد بن سعيد الرباطي قال: قال لي عبد الله بن طاهر، يا أحمد إنكم تبغضون هؤلاء القوم جهلا، وأنا أبغضهم عن معرفة، إن أول أمرهم
_________
(1) تاريخ بغداد (9/ 483 - 489) ووفيات الأعيان (3/ 83 - 89) والوافي بالوفيات (17/ 219 - 223) وتاريخ الإسلام (حوادث 221 - 230/ص.229 - 234) وسير أعلام النبلاء (10/ 684 - 685) والنجوم الزاهرة (2/ 258).(3/388)
أنهم لا يرون للسلطان طاعة.
والثاني أنه ليس للإيمان عندهم قدر، والله لا أستجيز أن أقول: إيماني كإيمان يحيى بن يحيى، ولا كإيمان أحمد بن حنبل، وهم يقولون: إيماننا كإيمان جبريل وميكائيل. (1)
محمد بن زياد بن الأعرابي (2) (231 هـ)
محمد بن زياد، أبو عبد الله مولى بني هاشم، المعروف بابن الأعرابي. ولد بالكوفة سنة خمسين ومائة. أخذ عن أبي معاوية الضرير، والمفضل الضبي، والقاسم بن معن، والكسائي. وأخذ عنه إبراهيم الحربي، وعثمان الدارمي، وثعلب، وآخرون. قال ثعلب: لزمت ابن الأعرابي تسع عشرة سنة، وكان يحضر مجلسه زهاء مائة إنسان، وما رأيت بيده كتابا قط، انتهى إليه علم اللغة والحفظ. وقال الأزهري: ابن الأعرابي صالح، زاهد ورع صدوق، حفظ مالم يحفظه غيره. وقال الذهبي: له مصنفات كثيرة أدبية، وتاريخ القبائل، وكان صاحب سنة واتباع. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- جاء في أصول الاعتقاد: عن أبي عبد الله نفطويه قال: سمعت أحمد بن عمارة بن خالد قال: سمعت ابن الأعرابي يقول: ما رأيت قوما أكذب على
_________
(1) عقيدة السلف للصابوني (ص.272).
(2) تاريخ بغداد (5/ 282) والأنساب (1/ 187) ووفيات الأعيان (4/ 306) وسير أعلام النبلاء (10/ 687 - 688) وتاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.320 - 321) وشذرات الذهب (2/ 70).(3/389)
اللغة من قوم يزعمون: أن القرآن مخلوق. (1)
- وفيه: عن أبي عبد الله نفطويه قال: حدثني أبو سليمان داود بن علي قال: كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله عز وجل: {الرحمن على العرش استوى} (2)؟ فقال: هو على عرشه كما أخبر عز وجل. فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه إنما معناه: استولى. قال: اسكت، ما أنت وهذا؟ لا يقال: استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد، فإذا غلب أحدهما قيل: استولى أما سمعت النابغة:
ألا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد (3)
- وفيه: عن أبي بكر محمد بن أحمد بن النضر -وهو ابن بنت معاوية ابن عمرو- وقال: كان أبو عبد الله بن الأعرابي جارنا، وكان ليله أحسن ليل، وذكر لنا أن ابن أبي دؤاد سأله: أتعرف في اللغة استوى بمعنى: استولى؟ فقال: لا أعرف. (4)
- ونقل الحافظ عن أبي إسماعيل في كتاب الفارق عن محمد بن أحمد ابن النضر الأزدي سمعت ابن الأعرابي يقول: أرادني أحمد بن أبي دؤاد أن أجد له في لغة العرب {الرحمن على العرش استوى} بمعنى استولى
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 404/623).
(2) طه الآية (5).
(3) أصول الاعتقاد (3/ 442/666) وتاريخ بغداد (5/ 284).
(4) أصول الاعتقاد (3/ 443/667) وتاريخ بغداد (5/ 283).(3/390)
فقلت: والله ما أصبت هذا. (1)
البويطي (2) (231 هـ)
يوسف بن يحيى الإمام العلامة سيد الفقهاء أبو يعقوب المصري البويطي صاحب الإمام الشافعي. حدث عن ابن وهب والشافعي وغيرهما. حدث عنه الربيع المرادي وإبراهيم بن إسحاق الحربي وأبو حاتم الرازي ومحمد بن إسماعيل الترمذي وعدة. قال عنه أبو عمر بن عبد البر: كان من أهل الدين والعلم والفهم والثقة، صليبا في السنة، يرد على أهل البدع، وكان حسن النظر. وقال أبو بكر الخطيب: قد حمل إلى بغداد في أيام المحنة وأريد على القول بخلق القرآن فامتنع من الإجابة إلى ذلك، فحبس ببغداد، ولم يزل في الحبس إلى حين وفاته، وكان صالحا، متعبدا، زاهدا. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- عن أبي نعيم الاستراباذي قال: قيل للربيع سمعت البويطي يقول: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. قيل له -يعني الربيع- تقول به؟ قال: نعم
_________
(1) الفتح (13/ 406).
(2) الجرح والتعديل (9/ 235) وتاريخ بغداد (14/ 299 - 303) ووفيات الأعيان (7/ 61 - 62) والسير (12/ 58 - 61) والأنساب (2/ 339) وتهذيب الكمال (32/ 472 - 476) والفهرست (298) وطبقات الشافعية (1/ 275 - 279).(3/391)
أقول وأدين الله به. (1)
- جاء في تاريخ الخطيب بالسند إلى الربيع بن سليمان قال: رأيت البويطي على بغل في عنقه غل، وفي رجله قيد، وبين الغل والقيد سلسلة حديد فيها طوبة وزنها أربعون رطلا، وهو يقول: إنما خلق الله الخلق بكن، فإذا كانت كن مخلوقة فكانت مخلوقا خلق مخلوقا، فوالله لأموتن في حديدي هذا حتى يأتي من بعدي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم، ولئن أدخلت إليه لأصدقنه -يعني الواثق- قال الربيع: وكتب إلي من السجن أنه لا يأتي علي أوقات ما أحس بالحديد أنه على بدني حتى تمسه يدي، فإذ قرأت كتابي هذا فأحسن خلقك مع أهل حلقتك واستوص بالغرباء خاصة خيرا فكثيرا ما كنت أسمع الشافعي يتمثل بهذا البيت:
أهين لهم نفسي لكي يكرمونها ... ولا تكرم النفس التي لا تهينها (2)
" التعليق:
ألا تجهش بالبكاء حين تقرأ مثل هذه المواقف، وتنظر إلى سلفك كيف كانوا يفدون عقيدتهم بأنفسهم، ويصبرون على الذلة الظاهرة، وهي العزة الباطنة، هكذا ينبغي أن يكون الرجال، فرحمة الله عليك يا إمام الفقه في وقتك، لقد جاء من بعدك وعلم أنك استشهدت في هذا الشأن، وكنت له قدوة يقتدى بك، فشهادة العقيدة السلفية لا تعدلها شهادة، اللهم ارزقنا شهادة في سبيلك.
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 295 - 296/ 466) والإبانة (2/ 12/160/ 266).
(2) تاريخ بغداد (14/ 302).(3/392)
أحمد بن نَصْر الخُزَاعِي (1) (231 هـ)
أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الإمام الكبير أبو عبد الله الخزاعي المروزي ثم البغدادي. كان أمارا بالمعروف، قوالا بالحق. روى عن مالك بن أنس وحماد بن زيد وهشيم بن بشير وابن عيينة وغيرهم. روى عنه أحمد الدورقي وسلمة بن شبيب ويحيى بن معين وعدة. قتله الواثق سنة إحدى وثلاثين ومائتين لما أبى أن يجيبه إلى القول بخلق القرآن.
موقفه من الجهمية:
قال ابن كثير في البداية: فجمع -أي نائب السلطنة محمد بن إبراهيم بن مصعب- جماعة من رؤوس أصحاب أحمد بن نصر معه وأرسل بهم إلى الخليفة بسر من رأى، وذلك في آخر شعبان، فأحضر له جماعة من الأعيان، وحضر القاضي أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي، وأحضر أحمد بن نصر، ولم يظهر منه على أحمد بن نصر عتب، فلما أوقف أحمد بن نصر بين يدي الواثق لم يعاتبه على شيء مما كان منه في مبايعته العوام على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيره، بل أعرض عن ذلك كله وقال له: ما تقول في القرآن؟ فقال: هو كلام الله. قال: أمخلوق هو؟ قال: هو كلام الله. وكان أحمد بن نصر قد استقتل وباع نفسه وحضر وقد تحنط وتنور وشد على عورته ما
_________
(1) تاريخ الطبري (9/ 135 - 139) والجرح والتعديل (2/ 79) وتاريخ بغداد (5/ 173 - 176)
والأنساب (5/ 106 - 107) والكامل في التاريخ (7/ 20 - 23) والوافي بالوفيات (8/ 211 - 212) وتهذيب التهذيب (1/ 87) وشذرات الذهب (2/ 69) والسير (11/ 166 - 169).(3/393)
يسترها فقال له، فما تقول في ربك، أتراه يوم القيامة؟ فقال: يا أمير المؤمنين قد جاء القرآن والأخبار بذلك، قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (1) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته" (2). فنحن على الخبر. زاد الخطيب، قال الواثق: ويحك أيرى كما يرى المحدود المتجسم؟ ويحويه مكان يحصره الناظر؟ أنا أكفر برب هذه صفته.
قلت -أي ابن كثير-: وما قاله الواثق لا يجوز ولا يلزم ولا يرد به هذا الخبر الصحيح والله أعلم. ثم قال أحمد بن نصر للواثق: وحدثني سفيان بحديث يرفعه "إن قلب ابن آدم بأصبعين من أصابع الله يقلبه كيف شاء" (3) وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" (4) فقال له إسحاق بن إبراهيم: ويحك، انظر ما تقول. فقال: أنت أمرتني بذلك. فأشفق إسحاق من ذلك وقال: أنا أمرتك؟ قال: نعم، أنت أمرتني أن أنصح له. فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون في هذا الرجل؟ فأكثروا القول فيه. فقال عبد الرحمن بن إسحاق -وكان قاضيا على الجانب الغربي فعزل، وكان موادا لأحمد بن نصر قبل ذلك- يا أمير المؤمنين هو حلال الدم. وقال أبو عبد الله الأرمني صاحب أحمد بن أبي دؤاد: اسقني دمه يا أمير المؤمنين. فقال الواثق:
_________
(1) القيامة الآيتان (22و23).
(2) انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز الماجشون سنة (164هـ).
(3) انظر تخريجه في مواقف سفيان بن عيينة سنة (198هـ).
(4) انظر تخريجه في مواقف بشر بن الحارث سنة (227هـ).(3/394)
لا بد أن يأتي ما تريد. وقال ابن أبي دؤاد: هو كافر يستتاب لعل به عاهة أو نقص عقل. فقال الواثق: إذا رأيتموني قمت إليه فلا يقومن أحد معي، فإني أحتسب خطاي. ثم نهض إليه بالصمصامة -وقد كان سيفا لعمرو بن معد يكرب الزبيدي أهديت لموسى الهادي في أيام خلافته وكانت صفيحة مسحورة في أسفلها مسمورة بمسامير- فلما انتهى إليه ضربه بها على عاتقه وهو مربوط بحبل قد أوقف على نطع، ثم ضربه أخرى على رأسه ثم طعنه بالصمصامة في بطنه فسقط صريعا رحمه الله على النطع، ميتا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. رحمه الله وعفا عنه.
ثم انتضى سيما الدمشقي سيفه فضرب عنقه وحز رأسه، وحمل معترضا حتى أتى به الحظيرة التي فيها بابك الخرمي فصلب فيها، وفي رجله زوج قيود وعليه سراويل وقميص، وحمل رأسه إلى بغداد فنصب في الجانب الشرقي أياما، وفي الغربي أياما، وعنده الحرس في الليل والنهار، وفي أذنه رقعة مكتوب فيها: هذا رأس الكافر المشرك الضال أحمد بن نصر الخزاعي، ممن قتل على يدي عبد الله هارون الإمام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن أقام عليه الحجة في خلق القرآن، ونفي التشبيه وعرض عليه التوبة ومكنه من الرجوع إلى الحق فأبى إلا المعاندة والتصريح، فالحمد لله الذي عجله إلى ناره وأليم عقابه بالكفر، فاستحل بذلك أمير المؤمنين دمه ولعنه. ثم أمر الواثق بتتبع رؤوس أصحابه فأخذ نحوا من تسع وعشرين رجلا فأودعوا في السجون وسموا الظلمة، ومنعوا أن يزورهم أحد وقيدوا بالحديد، ولم يجر عليهم شيء من الأرزاق التي كانت تجري على المحبوسين وهذا ظلم(3/395)
عظيم. (1)
" التعليق:
لقد بلغ الواثق من الوقاحة على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - مبلغا ما كان يظن أن يبلغه خليفة من خلفاء المسلمين. ولكن زين لهم الشيطان أعمالهم فسول لهم وأملى لهم.
هارون بن معروف (2) (231 هـ)
هارون بن معروف الإمام القدوة الثقة أبو علي المروزي ثم البغدادي الخزاز ثم الضرير. حدث عن عبد الله بن وهب وعبد الله بن يزيد المقرئ والدراوردي وهشيم بن بشير ومعتمر بن سليمان وأبي بكر بن عياش وطائفة. حدث عنه مسلم وأبو داود وأحمد بن حنبل وابن أبي خيثمة وعدة. قال الذهبي: كان صدوقا فاضلا، صاحب سنة.
توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
موقفه من الرافضة:
قال عبد الملك الميموني سمعت هارون بن معروف يقول: ما بيننا وبين أصحاب محمد عليه السلام إلا خير، قاتلوا على دين الله عز وجل ما ينبغي
_________
(1) البداية (10/ 317 - 318) وطبقات الحنابلة (1/ 81) مختصرا.
(2) طبقات ابن سعد (7/ 355) والجرح والتعديل (9/ 96) وتاريخ بغداد (14/ 14 - 15) وتهذيب التهذيب (1/ 11 - 12) وشذرات الذهب (2/ 71) والسير (11/ 129 - 130).(3/396)
ها هنا إلا الشكر لله عز وجل، ثم لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ثم لأصحابه رضي الله عنهم. (1)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السير عن هارون الحمال: سمعت هارون بن معروف يقول: من زعم أن القرآن مخلوق، فكأنما عبد اللات والعزى. (2)
- وروى عبد الله بن أحمد في السنة عنه قال: من زعم أن الله لا يتكلم فهو يعبد الأصنام. (3)
- وفيها عن هارون بن عبد الله الحمال قال: قال هارون بن معروف: من قال القرآن مخلوق فهو يعبد صنما، ثم قال لي: احك هذا عني. (4)
يوسف بن عدي التيمي (5) (232 هـ)
يوسف بن عَدِي بن زُرَيْق بن إسماعيل، الإمام الحافظ، أبو يعقوب التيمي الكوفي، أخو زكريا بن عدي. روى عن إسماعيل بن عياش وشريك ومالك بن أنس وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعبد الله بن المبارك، وعدة. وروى عنه البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم، وخلق كثير.
_________
(1) السنة للخلال (1/ 479 - 480).
(2) السير (11/ 130).
(3) السنة لعبد الله (40) والسير (11/ 130).
(4) السنة لعبد الله (ص.19) والإبانة (2/ 63/272).
(5) الجرح والتعديل (9/ 227) وتهذيب الكمال (32/ 438) وسير أعلام النبلاء (10/ 484) وتهذيب التهذيب (11/ 417 - 418) وشذرات الذهب (2/ 75).(3/397)
قال أبو زرعة: ثقة، ذهب إلى مصر للتجارة، فسكنها، ثم توفي بها سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
قال ابن وضاح: وسألت يوسف بن عدي عن النزول؟ فقال نعم: أقر به ولا أحد حدا، وسألت عنه ابن معين فقال: نعم أقر به ولا أحد فيه حدّا. (1)
موقف السلف من النظام المعتزلي (232 هـ)
ضلاله ومخازيه:
- قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: شيخ المعتزلة، صاحب التصانيف، أبو إسحاق إبراهيم بن سيار مولى آل الحارث بن عباد الضبعي البصري المتكلم. تكلم في القدر وانفرد بمسائل، وهو شيخ الجاحظ.
وكان يقول: (إن الله لا يقدر على الظلم ولا الشر، ولو كان قادرا لكنا لا نأمن وقع ذلك، وإن الناس يقدرون على الظلم)، وصرح بأن الله لا يقدر على إخراج أحد من جهنم، وأنه ليس يقدر على أصلح مما خلق.
قال الذهبي رادا عليه: (القرآن والعقل الصحيح يكذبان هؤلاء ويزجرانهم عن القول بلا علم، ولم يكن النظام ممن نفعه العلم والفهم وقد كفره جماعة.
_________
(1) رياض الجنة بتخريج أصول السنة (113).(3/398)
وقال بعضهم: كان النظام على دين البراهمة المنكرين للنبوة والبعث ويخفي ذلك ... ورد أنه سقط من غرفة وهو سكران، فمات في خلافة المعتصم أو الواثق). (1)
العباس بن موسى بن مشكويه الهمذاني (عاش في زمن الواثق)
موقفه من الجهمية:
عن العباس بن مشكويه الهمذاني قال: أدخلت على الخليفة المتكني بالواثق أنا وجماعة من أهل العلم، فأقبل بالمسألة علي من بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين إني رجل مروع ولا عهد لي بكلام الخلفاء من قبلك. فقال: لا ترع ولا بأس عليك، ما تقول في القرآن؟ فقلت: كلام الله غير مخلوق، فقال: أشهد لتقولن مخلوقا أو لأضربن عنقك. قال: فقلت: إنك إن تضرب عنقي فإنك في موضع ذلك إن جرت به المقادير من عند الله، فتثبت علي يا أمير المؤمنين، فإما أن أكون عالما، فتثبت حجتي، وإما أن أكون جاهلا، فيجب عليك أن تعلمني لأنك أمير المؤمنين وخليفة الله في أرضه وابن عم نبيه. فقال: أما تقرأ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بقدر} (2)، و {وخلق كُلَّ شَيْءٍ فقدره تقديرًا} (3) قلت: يا أمير المؤمنين الكلية في كتاب الله خاص أم عام؟ قال: عام. قلت: لا بل خاص، قال الله عز وجل: {وأوتيت مِنْ كُلِّ
_________
(1) السير (10/ 541 - 542).
(2) القمر الآية (49).
(3) الفرقان الآية (2).(3/399)
شَيْءٍ} (1) فهل أوتيت ملك سليمان عليه السلام؟ فحذفني بعمود كان بين يديه ثم قال: أخرجوه فاضربوا عنقه، فأخرجت إلى قبة قريبة منه، فشد عليها كتافي، فناديت: يا أمير المؤمنين إنك ضارب عنقي، وأنا متقدمك، فاستعد للمسألة جوابا. فقال: أخرجوا الزنديق وضعوه في أضيق المحابس، فأخرجت إلى دار العامة، فإذا أنا بابن أبي دؤاد يناظر الناس على خلق القرآن، فلما نظر إلي، قال: يا خرمي، قلت: أنت والذين معك وهم شيعة الدجال. فحبسني في سجن ببغداد يقال له المطبق، فأرسل إلي جماعة من العلماء رقعة يشجعونني ويثبتونني على ما أنا عليه، فقرأت ما فيها، فإذا فيها:
عليك بالعلم واهجر كل مبتدع ... وكل غاو إلى الأهواء ميال
ولا تميلن يا هذا إلى بدع ... يضل أصحابها بالقيل والقال
إن القرآن كلام الله أنزله ... ليس القرآن بمخلوق ولا بال
لو أنه كان مخلوقا لصيره ... ريب الزمان إلى موت وإبطال
وكيف يبطل ما لا شيء يبطله ... أم كيف يبلى كلام الخالق العالي
وهل يضيف كلام الله من أحد ... إلى البلى غير ضلال وجهال
فلا تقل بالذي قالوا وإن سفهوا ... وأوثقوك بأقياد وأغلال
ألم تر العالم الصبار حيث بلي ... بالسيوط هل زال عن حال إلى حال
فاصبر على كل ما يأتي الزمان به ... فالصبر سرباله من خير سربال
يا صاحب السجن فكر فيم تحبسه (2) ... أقاتل هو أم عون لقَتَّال
_________
(1) النمل الآية (23).
(2) في الأصل "تحسبه" ولعل الصواب ما أثبتناه.(3/400)
أم هل أتيت به رأسا لرافضة ... يرى الخروج لهم جهلا على الوالي
أم هل أصيب على خمر ومعزفة ... يصرف الكأس فيها كل ضلال
ما هكذا هو بل لكنه ورع ... عف عفيف عن الأعراض والمال
ثم ذكرني بعد أيام وأخرجني من السجن وأوقفني بين يديه، وقال: عساك مقيما على الكلام الذي كنت سمعته منك؟
فقلت: والله يا أمير المؤمنين إني لأدعو ربي تبارك وتعالى في ليلي ونهاري ألا يميتني إلا على ما كنت سمعته مني، قال: أراك متمسكا.
قلت: ليس هو شيء قلته من تلقاء نفسي، ولكنه شيء لقيت فيه العلماء بمكة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، والشام، والثغور، فرأيتهم على السنة والجماعة.
فقال لي: وما السنة والجماعة؟
قلت: سألت عنها العلماء، فكل يخبر ويقول: إن صفة المؤمن من أهل السنة والجماعة أن يقول العبد مخلصا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، والإقرار بما جاءت الأنبياء والرسل، ويشهد العبد على ما ظهر من لسانه وعقد عليه قلبه، والإيمان بالقدر خيره وشره من الله، ويعلم العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، والإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن الله عز وجل قد علم من خلقه ما هم فاعلون، وما هم إليه صائرون، فريق في الجنة وفريق في السعير. وصلاة الجمعة والعيدين خلف كل إمام بر وفاجر، وصلاة المكتوبة من غير أن تقدم وقتا أو تؤخر وقتا، وأن نشهد للعشرة الذين شهد لهم رسول الله(3/401)
- صلى الله عليه وسلم - من قريش بالجنة، والحب والبغض لله وفي الله، وإيقاع الطلاق إذا جرى كلمة واحدة، والمسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة، والتقصير في السفر إذا سافر ستة عشر فرسخا بالهاشمي -ثمانية وأربعين ميلا-وتقديم الإفطار وتأخير السحور، وتركيب اليمين على الشمال في الصلاة، والجهر بآمين، وإخفاء بسم الله الرحمن الرحيم، وأن تقول بلسانك وتعلم يقينا بقلبك أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم، والكف عما شجر بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والإيمان بالبعث والنشور وعذاب القبر ومنكر ونكير والصراط والميزان، وأن الله عز وجل يخرج أهل الكبائر من هذه الأمة من النار، وأنه لا يخلد فيها إلا مشرك، وأن أهل الجنة يرون الله عز وجل بأبصارهم، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون.
قال: فلما سمع هذا مني، أمر بي فقلع لي أربعة أضراس، وقال: أخرجوه عني لا يفسد علي ما أنا فيه، فأخرجت، فلقيت أبا عبد الله -أحمد بن حنبل، فسألني عما جرى بيني وبين الخليفة فأخبرته، فقال: لا نسي الله لك هذا المقام حين تقف بين يديه.
ثم قال: ينبغي أن نكتب هذا على أبواب مساجدنا، ونعلمه أهلنا وأولادنا، ثم التفت إلى ابنه صالح، فقال: اكتب هذا الحديث، واجعله في رق أبيض واحتفظ به، واعلم أنه من خير حديث كتبته إذا لقيت الله يوم(3/402)
القيامة تلقاه على السنة والجماعة. (1)
ابن الشحام قاضي الري (عاش في زمن الواثق)
موقفه من الجهمية:
قال ابن بطة: ووجدت أيضا في كتاب هذا الشيخ بخطه: سمعت أبا عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن الفضل بن جعفر بن يعقوب بن المنصور يقول: حدثني أبو الشمر السيبي، قال: حدثني ابن الرازي، قال: كنت يوما خارجا من باب خراسان، فاستقبلت القاضي ابن الشحام وهو يومئذ قاضي الري، فسلمت عليه، فقال لي: البيت البيت، فمضيت به إلى منزلي الذي أسكنه، فقال لي: يا محمد، اخرج فارتد خانا للغلمان والدواب، فخرجت فارتدت موضعا ثم عدت إليه، فقال لي: تأهب للخروج معي إلى سر من رأى، فقلت: أعز الله القاضي، وأي شيء السبب؟ فقال: حاجة عرضت، ومسألة أسأل أمير المؤمنين أطال الله بقاه عنها، فدفعته عن نفسي أشد دفع فلم يجبني إلى ذلك، فاكتريت زورقا إلى سر من رأى، وأنزلت فيه الدواب والغلمان، وخرجت أنا وهو، فلما صرت في بعض الطريق، ذاكرته بالحاجة ما هي، فقال: يحكي قوم عن أمير المؤمنين أنه يقول: القرآن مخلوق، وأريد أن أسمع هذا شفاها.
فتغيرت عليه أشد تغير، قال: ثم قلت: أظن أن منيته قد
_________
(1) الإبانة (2/ 14/284 - 288/ 456).(3/403)
ساقته وساقتني معه حتى وفيت سر من رأى، فقال: اطلب خانا ننزله، فنزل الخان ونزلت معه، ثم قال: يا محمد قم فاخرج فاسأل الناس متى مجلسه، فسألت فقيل لي: في غداة غد يجلس، فقال للغلمان: قوموا بوقت، ثم إنه نام وفكري يجول في كل شيء، فلما كان طلوع الفجر، صاح بغلمانه فأسرجوا، ثم أنبهني ثم جدد الطهر، ولبس ثيابه وتبخر، فقلت: أرجو أن يدعني هاهنا ويمضي، فلما ركب قال لي: يا محمد معي، فقلت في نفسي: ليس غير الموت، فلم يزل يسير وأنا معه في ركابه حتى وافينا باب أمير المؤمنين وعليه ثياب القضاء وسواده وذيلته، وكان رجلا عظيم الخلق، لا يمر بقوم إلا نظروا إليه، فقال: يا محمد، قل للحُجَّاب يستأذنون لي على أمير المؤمنين، ويعلموا أني قاضي الري، فنظر الحجاب إليه، ثم قالوا: لم يؤذن لأحد عليه، ودخل الحاجب فما أبطأ حتى خرج إلي فقال لي: قل له ينزل، فنزل واعتمد على يدي، وأنا أذكر الله وأسبح، فلم يزل يدخل من دهليز إلى دهليز حتى دخلنا إلى الصحن، فإذا جماعة يتناظرون، وقد علت أصواتهم في الدار، حتى وافى إلى القوم فسلم عليهم ثم جلس، فجعل إذا نظر إليهم أطرقوا إلى الأرض وتشاغلوا بالكلام، وإذا أطرق إلى الأرض نظروا إليه، فنحن هكذا حتى شيل الستر، فإذا بأمير المؤمنين جالس، فسلمنا عليه، ثم أمرنا بالجلوس ولم يزل القوم يتكلمون فيما جئنا فيه. ثم أقبل أمير المؤمنين، فقال لابن الشحام: من الرجل؟ فقال: عامل من عمالك، قاضي الري، أعرف بابن الشحام. فقال: حاجة؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين، جئت قاصدا من الري إلى أمير المؤمنين، أسأله عن شيء تحدث الناس به وأسمعه منه، وهي(3/404)
مسألة، فقال له: قل ما شئت. فقال: يا أمير المؤمنين على شريطة أن لا يكون المجيب لي غير أمير المؤمنين، ولا يعارض في المسألة أحد، فقال: ذلك لك.
فقلت: يا أمير المؤمنين ما تقول في رجل كان له بيت يدخله في حوائجه، وهو يحفظ القرآن، فجرت منه يمين أن لا يدخل البيت مخلوق سواه، فعرضت له حاجة فدخل إلى ذلك البيت، طلقت امرأته أم لا؟ فضج أهل المجلس، وقالوا: يا أمير المؤمنين مسألة حيلة. قال: فقال: يا أمير المؤمنين ليس هكذا، وعدتني أن لا يجيبني غيرك ولا يعارضني في المسألة، فأسكتهم ثم قال له: كيف حلف؟ قال له: رجل كان له بيت، وكان يحفظ القرآن، فحلف بالطلاق ثلاثا أنه لا يدخل ذلك البيت مخلوق سواه، فعرضت له حاجة فدخل البيت، طلقت امرأته أم لا؟ فقال: لا، وقرابتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما طلقت -مرتين أو ثلاثا- ثم ألقي الستر فيما بيننا وبينه، ثم وثب القاضي واعتمد على يدي، فقلت: ليته ترك يده من يدي، ولا أحسبه إلا قاتلي، فلما صرنا في آخر الصحن، عرض لنا خادم ومعه فراش على كتفه بدرة، فقال: إن أمير المؤمنين أطال الله بقاه يقرأ عليك السلام ويقول لك: استعن بهذه في مصلحتك، ولا تخل مجلسنا من حضورك، ثم رجع الخادم ولم يزل الفراش معه إلى الخان الذي كنا فيه، فقال لي: يا محمد حل البدرة، فحللتها، فقال: احث بيدك للفراش، فضربت بيدي اليمين، فقال: بالاثنتين، فحثيت له ما حملت يداي، وانصرف الفراش. ثم قال لي: شدها وضعها في الصندوق. وقال: اطلب زورقا للانحدار إلى بغداد، فاكتريت له زورقا،(3/405)
وخرج من يومه من سرمن رأى إلى بغداد. (1)
موقف السلف من الواثق بالله (232 هـ)
ضلاله وحمله الناس على القول بخلق القرآن:
- جاء في السير: قال الخطيل: استولى أحمد بن أبي دؤاد على الواثق، وحمله على التشدد في المحنة، والدعاء إلى خلق القرآن. (2)
- وفيها: قال عبيد الله بن يحيى: حدثنا إبراهيم بن أسباط، قال: حمل رجل مقيد فأدخل على ابن أبي دؤاد بحضور الواثق، فقال لأحمد: أخبرني عن ما دعوتم الناس إليه، أعلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما دعا إليه، أم شيء لم يعلمه؟ قال: بل علمه. قال: فكان يسعه أن لا يدعو الناس إليه، وأنتم لا يسعكم؟! فبهتوا، وضحك الواثق، وقام قابضا على فمه، ودخل مجلسا، ومد رجليه وهو يقول: أمر وسع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسكت عنه ولا يسعنا، ثم أمر أن يعطى الشيخ ثلاث مئة دينار، وأن يرد إلى بلده. (3)
- وفيها عن طاهر بن خلف قال: سمعت المهتدي بالله بن الواثق يقول:
_________
(1) الإبانة (2/ 14/278 - 281/ 454).
(2) السير (10/ 307).
(3) السير (10/ 307 - 308).(3/406)
كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلا أحضرنا، قال: فأتي بشيخ مخضوب مقيد، فقال أبي: ائذنوا لأحمد بن أبي دؤاد وأصحابه، وأدخل الشيخ، فقال: السلام عليكم يا أمير المؤمنين، فقال: لا سلم الله عليك، قال: بئس ما أدبك مؤدبك، قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (1)، فقال أحمد: الرجل متكلم. قال كلمه. فقال: يا شيخ، ما تقول في القرآن؟ قال: لم تنصفني ولي السؤال، قال: سل. قال: ما تقول أنت؟ قال: مخلوق. قال: هذا شيء علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر والخلفاء، أم لم يعلموه؟ فقال: شيء لم يعلموه. فقال: سبحان الله، شيء لم يعلموه وعلمته أنت؟ فخجل، وقال: أقلني. قال: المسألة بحالها، ما تقول في القرآن؟ قال: مخلوق، قال: شيء علمه رسول الله؟ قال: علمه، قال: أعلمه ولم يدع الناس إليه؟ قال: نعم. قال: فوسعه ذلك؟ قال: نعم. قال: أفلا وسعك ما وسعه ووسع الخلفاء بعده؟ فقام الواثق، فدخل الخلوة، واستلقى وهو يقول: شيء لم يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، علمته أنت سبحان الله، عرفوه، ولم يدعوا إليه الناس فهلا وسعك ما وسعهم ثم أمر برفع قيد الشيخ، وأمر له بأربع مئة دينار، وسقط من عينه ابن أبي دؤاد، ولم يمتحن بعدها أحدا. (2)
- وفيها: وفي سنة إحدى وثلاثين: قتل أحمد بن نصر الخزاعي الشهيد ظلما، وأمر بامتحان الأئمة والمؤذنين بخلق القرآن، وافتك من أسر الروم
_________
(1) النساء الآية (86).
(2) السير (10/ 308 - 309) وتاريخ بغداد (4/ 151 - 152). تقدمت معنا المناظرة بطولها ضمن مواقف أبي عبد الرحمن عبد الله بن محمد الجزري (ت 232) فلتنظر هناك.(3/407)
أربعة آلاف وست مئة نفس، فقال ابن أبي دؤاد: من لم يقل: القرآن مخلوق، فلا تفتكوه. (1)
- وجاء في الكامل: وفيها -أي سنة إحدى وثلاثين ومائتين- كان الفداء بين المسلمين والروم، واجتمع المسلمون فيها على نهر اللامس، على مسيرة يوم من طرسوس، واشترى الواثق من ببغداد وغيرها من الروم، وعقد الواثق لأحمد بن سعيد بن مسلم بن قتيبة الباهلي على الثغور والعواصم، وأمره بحضور الفداء هو وخاقان الخادم، وأمرهما أن يمتحنا أسرى المسلمين، فمن قال: القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة، فودي به، وأعطي دينارا، ومن لم يقل ذلك ترك في أيدي الروم. (2)
يحيى بن معين (3) (233 هـ)
يحيى بن معين بن عون الإمام الحافظ الجهبذ، شيخ المحدثين أبو زكريا الغطفاني ثم المري مولاهم البغدادي أحد الأعلام. روى عن حجاج بن محمد الأعور وإسماعيل بن مجالد وابن المبارك وابن نمير وابن مهدي وعبد الرزاق الصنعاني وعدة. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد بن حنبل وأبو يعلى الموصلي وطائفة. قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان إماما ربانيا، عالما،
_________
(1) السير (10/ 312).
(2) الكامل لابن الأثير (7/ 24).
(3) طبقات ابن سعد (7/ 354) وتاريخ بغداد (14/ 177 - 187) ووفيات الأعيان (6/ 139 - 143) وتذكرة الحفاظ (2/ 429 - 431) وميزان الاعتدال (4/ 410) وتهذيب التهذيب (1/ 280 - 288) والسير (11/ 71 - 96) وشذرات الذهب (2/ 79) وتهذيب الكمال (31/ 543 - 568) والتقريب (2/ 316).(3/408)
حافظا، ثبتا، متقنا. وقال الإمام أحمد: هاهنا رجل خلقه الله تعالى لهذا الشأن، يظهر كذب الكذابين، يعني: يحيى بن معين. وقال أبو حاتم الرازي: إذا رأيت الرجل يبغض يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب. وعن جعفر بن أبي عثمان: كنا عند يحيى بن معين فجاءه رجل مستعجل، فقال: يا أبا زكريا حدثني بشيء أذكرك به فقال يحيى: اذكرني أنك سألتني أن أحدثك فلم أفعل. ومن أشعاره رحمه الله:
المال يذهب حله وحرامه ... يوما وتبقى في غد آثامه
ليس التقي بمتق لإلهه ... حتى يطيب شرابه وطعامه
ويطيب ما يحوي وتكسب كفه ... ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنا به عن ربه ... فعلى النبي صلاته وسلامه
- وقال ابن حجر: ثقة حافظ مشهور، إمام الجرح والتعديل. توفي رحمه الله سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- قال الذهبي: وروى أحمد بن زهير، عن يحيى، قال: إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة وحماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام. (1)
- وأسند الخطيب إلى أحمد بن محمد البغدادي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: آلة الحديث الصدق، والشهرة بطلبه، وترك البدع، واجتناب الكبائر. (2)
_________
(1) السير (7/ 447).
(2) الكفاية (101) والمحدث الفاصل (406).(3/409)
موقفه من الرافضة:
- جاء في الميزان: قال ابن معين في تليد بن سليمان الكوفي الأعرج: كذاب يشتم عثمان، قعد فوق سطح فتناول عثمان، فقام إليه بعض أولاد موالي عثمان فرماه فكسر رجليه. (1)
- وفيه: قال يحيى في مينا بن أبي مينا: ومَنْ مَيْناً المَاصُّ بَظْرَ أُمِّهِ حتى يتكلم في الصحابة؟ (2)
- وفي جامع بيان العلم لابن عبد البر: قال هارون بن إسحاق، سمعت يحيى بن معين يقول: من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسلم لعلي سابقته فهو صاحب سنة. قال: فذكرت له هؤلاء الذين يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون. فتكلم فيهم بكلام غليظ. (3)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة لعبد الله: عن يحيى بن معين أنه يعيد صلاة الجمعة مذ أظهر عبد الله بن هارون المأمون ما أظهر يعني القرآن مخلوق. (4)
- وفيها: قال عبد الله: حدثني الحسين بن علي بن يزيد الصدائي: سمعت يحيى بن معين يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. (5)
- وجاء في أصول الاعتقاد: عن أحمد بن زهير قال: وسمعت أبي سأل
_________
(1) الميزان (1/ 358).
(2) الميزان (4/ 237).
(3) جامع بيان العلم (2/ 1174).
(4) السنة لعبد الله (20).
(5) السنة لعبد الله (ص.19) والإبانة (2/ 12/66/ 281).(3/410)
يحيى بن معين فقال: إنهم يقولون إنك تقول القرآن كلام الله وتسكت ولا تقول: مخلوق ولا غير مخلوق. قال: لا. فعاودته. فقال: معاذ الله: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله. (1)
- وفي الإبانة: عن جعفر الطيالسي، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: بيننا وبين الجهمية كلمتان، يسألون: كان الله وكلامه؟ أو كان الله ولا كلام؟ فإن قالوا: كان الله وكلامه، فليست لهم حجة، وإن قالوا: كان الله ولا كلام، يقال لهم: كيف خلق الأشياء وهو قال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذا أردناه أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فيكون} (2). (3)
- جاء في اجتماع الجيوش الإسلامية: روى ابن بطة في الإبانة بإسناده قال: إذا قال لك الجهمي: كيف ينزل؟ فقل: كيف يصعد. (4)
- وفي أصول الاعتقاد: عنه قال: إذا سمعت الجهمي يقول: أنا كفرت برب ينزل، فقل: أنا أومن برب يفعل ما يريد. (5)
موقفه من الخوارج:
قال الخلال: أخبرنا الدوري قال: سمعت يحيى، وسألته عن الصفرية ما هم؟ فقال: يرون رأي الخوارج. (6)
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 293/456).
(2) النحل الآية (40).
(3) الإبانة (2/ 12/29/ 220).
(4) اجتماع الجيوش (ص.209).
(5) أصول الاعتقاد (3/ 502/776).
(6) السنة (1/ 145/109).(3/411)
موقفه من المرجئة:
- عن الدوري قال: قال يحيى: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. (1)
- جاء في السير: قال رحمه الله: القرآن كلام الله وليس بمخلوق، والإيمان قول وعمل يزيد وينقص. (2)
موقفه من القدرية:
جاء في السير: قال الحافظ محمد بن البرقي، قلت ليحيى بن معين، أرأيت من يرمى بالقدر يكتب حديثه، قال: نعم، قد كان قتادة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة وعبد الوارث، وذكر جماعة يقولون بالقدر، وهم ثقات يكتب حديثهم مالم يدعوا إلى شيء. (3)
قال جامعه: قال الذهبي رحمه الله: هذه مسألة كبيرة، وهي: القدري والمعتزلي والجهمي والرافضي، إذا علم صدقه في الحديث وتقواه، ولم يكن داعيا إلى بدعته، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته والعمل بحديثه، وترددوا في الداعية هل يؤخذ عنه؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه وهجرانه، وقال بعضهم: إذا علمنا صدقه وكان داعية ووجدنا عنده سنة تفرد بها فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث
_________
(1) السنة للخلال (3/ 582/1012).
(2) السير (11/ 85).
(3) السير (7/ 153 - 154).(3/412)
تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام، ولم تبح دمه فإن قبول ما رواه سائغ.
وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي، والذي اتضح لي منها أن من دخل في بدعة ولم يعد من رؤوسها، ولا أمعن فيها، يقبل حديثه كما مثل الحافظ أبو زكريا بأولئك المذكورين، وحديثهم في كتب الإسلام لصدقهم وحفظهم. (1)
إبراهيم بن أبي اللَّيث (2) (234 هـ)
إبراهيم بن أبي الليث نصر، أبو إسحاق البغدادي، روى عن فرج بن فضالة، وعبيد الله الأشجعي وشريك بن عبد الله وهشيم، روى عنه أحمد بن حنبل وابنه عبد الله وعلي بن المديني وأبو يعلى الموصلي وغيرهم. قال عثمان ابن سعيد الدارمي الهروي: كان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني يحسنان القول في إبراهيم بن أبي الليث، وكان يحيى بن معين يحمل عليه. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. قال يحيى بن معين: إبراهيم بن أبي الليث كذاب لا حفظه الله. قال أبو بكر المروذي: قلت لأبي عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- إني سألت يحيى عن صاحب الأشجعي، فقال: لا أعرفه فعجب، وقال: كان يختلف معنا إليه ما أعجب ذا، ثم قال: كان جليس ليحيى هو
_________
(1) السير (7/ 154).
(2) الجرح والتعديل (2/ 141) وطبقات ابن سعد (7/ 360) وتاريخ بغداد (6/ 191 - 196) والكامل لابن عدي (1/ 269) وميزان الاعتدال (1/ 54) وتاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.74 - 76) ولسان الميزان (1/ 93 - 94).(3/413)
الذي أغرى بينه وبين يحيى حتى تكلم فيه. قال ابن سعد: كان صاحب سنة، ويضعف في الحديث. توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
قال أبو بكر المروذي: سألت إبراهيم بن أبي الليث عن الواقفة فقال: هم كفار بالله العظيم، لا يزوجوا ولا يناكحوا. (1)
محمد بن عبد الله بن نُمَيْر (2) (234 هـ)
محمد بن عبد الله بن نمير الهَمَدانِي الخارفي، أبو عبد الرحمن الكوفي الحافظ. روى عن إسماعيل بن علية، وسفيان بن عيينة، وأبي نعيم الفضل بن دكين، ووكيع بن الجراح، وخلق. وروى عنه البخاري تعليقا، ومسلم وأبو داود وابن ماجه ومحمد بن يحيى الذهلي، وبقي بن مخلد الأندلسي، وعدة. قال ابن الجنيد: ما رأيت بالكوفة مثل محمد بن عبد الله بن نمير، وكان رجلا قد جمع العلم والفهم والسنة والزهد. وقال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع في الدين. وقال الحسن بن سفيان: ابن نمير ريحانة العراق وأحد الأعلام. وقال أبو إسماعيل الترمذي: كان أحمد بن حنبل يعظمه ويقول: أي فتى هو. توفي رحمه الله سنة أربع وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
_________
(1) الإبانة (1/ 12/302/ 85).
(2) طبقات ابن سعد (6/ 413) وتهذيب الكمال (25/ 566) وسير أعلام النبلاء (11/ 455) وتاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.330) وتهذيب التهذيب (9/ 282).(3/414)
- حدثنا عباس العنبري، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ومن قال إنه مخلوق فقد كفر. (1)
- قال المروزي: وسألت محمد بن عبد الله بن نمير عن الواقفة، فقال: هم شر من الجهمية، وقال: هذا والوقف زندقة وكفر. (2)
ابن الرَّمَّاح (3) (234 هـ)
العلامة أبو محمد، عبد الله بن عمر بن الرماح البَلْخِي ثم النيسابوري. سمع مالكا وحماد بن زيد ومعتمر بن سليمان، وعدة، وحدث عنه الذهلي، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن عبد الوهاب الفراء. قال الذهبي رحمه الله: كان صاحب سنة، وصدع بالحق. توفي رحمه الله سنة أربع وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- قال عنه الذهبي في سيره: وامتنع من القول بخلق القرآن، وكفر الجهمية. (4)
- وقال أيضا في تاريخ الإسلام: قال أبو زيد عبد الله بن محمد: سمعته يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. ومن قال الجمعة ليست بواجبة فهو كافر، ومن شك في كفرهم فهو كافر.
_________
(1) الإبانة (2/ 12/70/ 292).
(2) الإبانة (1/ 302 - 303/ 86).
(3) الثقات لابن حبان (8/ 357) والتاريخ الصغير (2/ 365) والجرح والتعديل (5/ 111) وسير أعلام النبلاء (11/ 12 - 13) والوافي بالوفيات (17/ 364) وتاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.219 - 220).
(4) السير (11/ 13).(3/415)
وفيه أيضا قال الحاكم: ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، ثنا أبو العباس مكي بن محمد البلخي، ثنا أبو سليمان محمد بن منصور قال: قال لي بشر بن الوليد: اشكروا ابن الرماح. فقد كنا في مجلس أمير المؤمنين وهو وراء الستر، فخرج خصي فقال: أمير المؤمنين يقول: من لم يكن على رأينا فلا يشهد مجلسنا.
فقام ابن الرماح وقال: لسنا على هذا الرأي، ولا نبالي أن لا نجلس هذا المجلس.
قال بشر: فغطيت وجهي وسددت أذني وقلت: الساعة أسمع وقع السيوف. فلما لم أسمع رفعت يدي، وإذا قفاه ووجهه إلينا قد بلغ الباب ليخرج. فقلت: الحمد لله الذي سلمه منهم. (1)
علي بن المَدِيني (2) (234 هـ)
علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح الشيخ الإمام الحجة أمير المؤمنين في الحديث أبو الحسن السعدي مولاهم البصري المعروف بابن المديني: الإمام المبرز في هذا الشأن صاحب التصانيف الواسعة والمعرفة الباهرة. روى عن ابن عيينة وأنس بن عياض وحماد بن زيد وهشيم بن بشير ومعن بن عيسى وجرير بن عبد الحميد وأمم سواهم. روى عنه البخاري وأبو داود وأحمد بن
_________
(1) تاريخ الإسلام (17/ص.220).
(2) تاريخ الفسوي (1/ 210) والجرح والتعديل (6/ 192 - 194) وتاريخ بغداد (11/ 458 - 473) وتذكرة الحفاظ (2/ 428 - 429) وميزان الاعتدال (3/ 138) وتهذيب التهذيب (7/ 349 - 357) وشذرات الذهب (2/ 81) والسير (11/ 41 - 60).(3/416)
حنبل وأبو حاتم الرازي والذهلي ويعقوب بن شيبة وإسماعيل القاضي وطائفة. قال أبو حاتم: كان ابن المديني علما في الناس في معرفة الحديث والعلل، وما سمعت أحدا سماه قط، إنما كان يكنيه تبجيلا له. وعن ابن مهدي قال: علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال النسائي: كأن الله خلق علي بن المديني لهذا الشأن.
- من أقواله: التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم. توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- روى اللالكائي عن سهل بن محمد، قرأها على علي بن عبد الله بن جعفر المديني فقال له: قلت أعزك الله: السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها:
الإيمان بالقدر خيره وشره، ثم تصديق بالأحاديث والإيمان بها، لا يقال لم؟ ولا كيف؟ إنما هو التصديق بها والإيمان بها، وإن لم يعلم تفسير الحديث ويبلغه عقله، فقد كفي ذلك وأحكم عليه الإيمان به والتسليم. مثل حديث زيد بن وهب عن ابن مسعود قال: "حدثنا الصادق المصدوق" (1) ونحوه من الأحاديث المأثورة عن الثقات، ولا يخاصم أحدا ولا يناظر ولا يتعلم الجدل.
والكلام في القدر وغيره من السنة مكروه ولا يكون صاحبه -وإن أصاب السنة بكلامه- من أهل السنة حتى يدع الجدل ويسلم، ويؤمن بالإيمان.
_________
(1) انظر تخريجه ضمن موقف السلف من عمرو بن عبيد سنة (144هـ).(3/417)
والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، ولا تضعف أن تقول ليس بمخلوق، فإن كلام الله عز وجل ليس ببائن منه وليس منه شيء مخلوق، يؤمن به ولا يناظر فيه أحدا. والإيمان بالميزان يوم القيامة، يوزن العبد ولا يزن جناح بعوضة. يوزن أعمال العباد كما جاءت به الآثار، الإيمان به والتصديق والإعراض عن من رد ذلك وترك مجادلته.
وإن الله عز وجل يكلم العباد يوم القيامة ويحاسبهم ليس بينهم وبينه ترجمان، الإيمان بذلك والتصديق.
والإيمان بالحوض، إن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حوضا يوم القيامة، ترد عليه أمته، عرضه مثل طوله، مسيرة شهر آنيته، كعدد نجوم السماء على ما جاء في الأثر ووصف. ثم الإيمان بذلك.
والإيمان بعذاب القبر، إن هذه الأمة تفتن في قبورها، وتسأل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويأتيه منكر ونكير كيف شاء الله عز وجل وكما أراد، الإيمان بذلك والتصديق، والإيمان بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وإخراج قوم من النار بعدما احترقوا وصاروا فحما، فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء في الأثر، كيف شاء وكما شاء إنما هو الإيمان به والتصديق، والإيمان بأن المسيح الدجال مكتوب بين عينيه (كافر) للأحاديث التي جاءت فيه، الإيمان بأن ذلك كائن. وإن عيسى ابن مريم ينزل فيقتله بباب لد.
والإيمان قول وعمل على سنة وإصابة ونية. والإيمان يزيد وينقص وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا. وترك الصلاة كفر، ليس شيء من(3/418)
الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، من تركها فهو كافر وقد حل قتله.
وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق، ثم عمر ثم عثمان بن عفان، نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يختلفوا في ذلك. ثم من بعد الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة: علي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك. كلهم يصلح للخلافة، وكلهم إمام كما فعل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثم أفضل الناس بعد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: القرن الذين بعث فيهم كلهم، من صحبه سنة أو شهرا أو ساعة أو رآه أو وفد إليه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه، فأدناهم صحبة، هو أفضل من الذين لم يروه، ولو لقوا الله عز وجل بجميع الأعمال، كان الذي صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورآه بعينه وآمن به ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين كلهم، ولو عملوا كل أعمال الخير، ثم السمع والطاعة للأئمة وأمراء المؤمنين، البر والفاجر، ومن ولي الخلافة بإجماع الناس ورضاهم، لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ليلة إلا عليه إمام برا كان أو فاجرا، فهو أمير المؤمنين. والغزو مع الأمراء ماض إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك.
وقسمة الفيء وإقامة الحدود للأئمة الماضية ليس لأحد أن يطعن عليهم، ولا ينازعهم، ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة قد برئ من دفعها إليهم، وأجزأت عنه برا كان أو فاجرا. وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه جائزة قائمة ركعتان، من أعادها فهو مبتدع تارك للإيمان مخالف وليس له من فضل الجمعة شيء، إذا لم ير الجمعة خلف الأئمة من كانوا برهم(3/419)
وفاجرهم، والسنة أن يصلوا خلفهم لا يكون في صدره حرج من ذلك. ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد اجتمع عليه الناس فأقروا له بالخلافة بأي وجه كانت -برضا كانت أو بغلبة- فهو شاق هذا الخارج عليه العصا، وخالف الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية.
ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن عمل ذلك فهو مبتدع على غير السنة.
ويحل قتال الخوارج واللصوص إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله أو ما دون نفسه، فله أن يقاتل عن نفسه وماله حتى يدفع عنه في مقامه. وليس له إذا فارقوه أن يطلبهم ولا يتبع آثارهم وقد سلم منهم، ذلك إلى الأئمة إنما هو يدفع عن نفسه في مقامه، وينوي بجهده أن لا يقتل أحدا، فإن أتى على يده في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول. وإن قتل هو في ذلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجونا له الشهادة كما في الأثر، وجميع الآثار إنما أمر بقتاله ولم يؤمر بقتله. ولا يقيم عليه الحد ولكنه يدفعه إلى من ولاه الله أمره فيكون هو يحكم فيه.
ولا يشهد على أحد من أهل القبلة بعمل عمله، بجنة ولا نار؛ نرجو للصالح، ونخاف على الطالح المذنب، ونرجو له رحمة الله عز وجل. ومن لقي الله بذنب يجب له بذنبه النار تائبا منه غير مصر عليه، فإن الله يتوب عليه ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات. ومن لقي الله وقد أقيم عليه حد(3/420)
ذلك الذنب فهو كفارته، كما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1)، ومن لقيه مصرا غير تائب من الذنوب التي استوجبت بها العقوبة فأمره إلى الله عز وجل، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ومن لقيه مشركا عذبه ولم يغفر له.
والرجم على من زنا وهو محصن إذا اعترف بذلك وقامت عليه البينة؛ رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجم الأئمة الراشدون من بعده.
ومن تنقص أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أبغضه لحدث كان منه أو ذكر مساوئه فهو مبتدع، حتى يترحم عليهم جميعا فيكون قلبه لهم سليما.
والنفاق هو الكفر: أن يكفر بالله عز وجل ويعبد غيره في السر، ويظهر الإيمان في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل منهم الظاهر، فمن أظهر الكفر قتل.
وهذه الأحاديث التي جاءت:
"ثلاث من كن فيه فهو منافق" (2) جاءت على التغليظ، نرويها كما جاءت ولا نفسرها.
مثل: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض". (3)
_________
(1) أخرجه: أحمد (5/ 320) والبخاري (7/ 278/3892) ومسلم (3/ 1333/1709) والترمذي (4/ 36/1439) والنسائي (7/ 160 - 161/ 4172) من حديث عبادة بن الصامت.
(2) أخرجه: أحمد (2/ 536) والبخاري (1/ 120/33) ومسلم (1/ 78/59) والترمذي (5/ 20/2631) والنسائي (8/ 491/5036) بمعناه. كلهم عن أبي هريرة.
(3) أحمد (1/ 230) والبخاري (8/ 133 - 134/ 4403) ومسلم (1/ 82/66) وأبو داود (5/ 63/4686) والنسائي (7/ 143/4136) وابن ماجه (2/ 1300/3943) عن ابن عمر.(3/421)
ومثل: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار". (1)
ومثل: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". (2)
ومثل: "من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما". (3)
ومثل: "كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق". (4)
ونحو هذه الأحاديث مما ذكرناه ومما لم نذكر في هذه الأحاديث. ما صح وحفظ فإنه يسلم له وإن لم يعلم تفسيره فلا يتكلم فيه ولا يجادل فيه ولا يتكلم فيه ما لم يبلغ لنا منه، ولا نفسر الأحاديث إلا على ما جاءت ولا نردها.
والجنة والنار مخلوقتان كما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا ورأيت الكوثر" (5) و"اطلعت في الجنة فإذا أكثر أهلها كذا،
_________
(1) أحمد (5/ 43) والبخاري (1/ 115/31) ومسلم (4/ 2214/2888 [15]) وأبو داود (4/ 462/4268) والنسائي (7/ 142/4132) وأخرجه ابن ماجه (2/ 1311/3965) بمعناه. كلهم عن أبي بكرة. وورد أيضا عن عدة من الصحابة.
(2) أحمد (1/ 385) والبخاري (1/ 147/48) ومسلم (1/ 81/64) والترمذي (4/ 311/1983) والنسائي (7/ 138/4121) وابن ماجه (1/ 27/69) عن ابن مسعود.
(3) أحمد (2/ 112) والبخاري (10/ 630/6104) ومسلم (1/ 79/60) وأبو داود (5/ 64/4687) والترمذي (5/ 23/2637) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(4) أخرجه: أحمد (2/ 215) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. والحديث أخرجه بلفظ: "كفر بامرئ ادعاء نسب لا يعرفه أو جحده وإن دق". وابن ماجه (2/ 916/2744) والطبراني في الأوسط (8/ 446/7915) وفي الصغير (2/ 377/1045) قال البوصيري في الزوائد: "هذا الحديث في بعض النسخ دون بعض، ولم يذكره المزي في الأطراف، وإسناده صحيح، وأظنه من زيادات ابن القطان".
(5) أخرج طرفه الأول: أحمد (3/ 309) والبخاري (9/ 399/5226) ومسلم (4/ 1862/2394) من حديث جابر.(3/422)
واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذا" (1).
فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب بالأثر، ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار. وقوله: "أرواح الشهداء تسرح في الجنة" (2). وهذه الأحاديث التي جاءت كلها نؤمن بها.
ومن مات من أهل القبلة موحدا مصليا صلينا عليه واستغفرنا له لا نحجب الاستغفار ولا ندع الصلاة عليه لذنب صغير أم كبير، وأمره إلى الله عز وجل.
وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة ويدعو له ويترحم عليه، فارج خيره واعلم أنه برئ من البدع.
وإذا رأيت الرجل يحب عمر بن عبد العزيز ويذكر محاسنه وينشرها فاعلم أن وراء ذلك خيرا إن شاء الله.
وإذا رأيت الرجل يعتمد من أهل البصرة على أيوب السختياني وابن عون ويونس والتيمي ويحبهم ويكثر ذكرهم والاقتداء بهم فارج خيره. ثم من بعد هؤلاء حماد بن سلمة ومعاذ ووهب بن جرير فإن هؤلاء محنة أهل البدع، وإذا رأيت الرجل من أهل الكوفة يعتمد على طلحة بن مصرف وابن أبجر وابن حيان التيمي ومالك بن مغول وسفيان بن سعيد الثوري وزائدة فارجه، ومن بعدهم عبد الله بن إدريس ومحمد بن عبيد وابن أبي عتبة والمحاربي فارجه.
_________
(1) أحمد (4/ 429) والبخاري (6/ 391/3241) والترمذي (4/ 617/2603) والنسائي في الكبرى (5/ 398/9259) من حديث عمران بن حصين.
(2) أخرجه: مسلم (3/ 1502 - 1503/ 1887) والترمذي (5/ 215 - 216/ 3011) وابن ماجه (2/ 936 - 937/ 2801) عن عبد الله بن مسعود.(3/423)
وإذا رأيت الرجل يحب أبا حنيفة ورأيه والنظر فيه، فلا تطمئن إليه وإلى من يذهب مذهبه ممن يغلو في أمره ويتخذه إماما. (1)
" التعليق:
هذه عقيدة كاملة من هذا الإمام من قرأها فهم تماما عقيدة السلف.
وجميع الأصول التي ذكرها هذا الإمام السلفي هي التي ذكرها من جاء بعده ممن ألف في العقيدة السلفية، إما على طريقة الاختصار أو على طريقة التفصيل. وعلى كل حال نحمد الله على وجود هذه العقائد السلفية في هذا الوقت المبكر تقمع رؤوس البدع في وقتها وبعدها، وترد كيد الكائدين والمفترين الذين ينسبون عقيدة السلف إلى ابن تيمية وأتباعه.
- قال علي بن المديني في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم" (2): هم أهل الحديث، والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ويذبون عن العلم. لولاهم، لم تجد عند المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الإرجاء والرأي شيئا من السنن. (3)
- قال الميموني: سمعت علي بن المديني يقول: ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قام أحمد بن حنبل. قال قلت له: يا أبا الحسن، ولا أبو بكر الصديق؟ قال: ولا أبو بكر الصديق؛ إن أبا بكر الصديق كان له أعوان
_________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 185 - 192/ 318).
(2) تقدم تخريجه. انظر مواقف عبد الله بن المبارك سنة (181هـ).
(3) شرف أصحاب الحديث (10) و (27) وبلفظ مغاير في (52).(3/424)
وأصحاب، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب. (1)
_________
(1) طبقات الحنابلة (1/ 17).(3/425)
"
التعليق:
قد عاين الإمام علي بن المديني محنة الإمام أحمد ورأى منه الصبر والجلد في سبيل نصرة المذهب الحق، فعظم الإمام أحمد في عين ابن المديني، ونحن نقول رحمة الله على الإمام أحمد وأين لنا مثل أحمد في سعة علمه وتبحره وتضحيته بالنفس والمال والعلم، وصبره وجلده.
نحبه ونثني عليه ونذكر مناقبه ولا نرفعه فوق قدره، وهو من علماء القرون المفضلة وأبو بكر الصديق أفضل هذه الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم -، وفضائله مشهورة مأثورة أوضح من نار على علم، وجهوده وتضحياته في سبيل نصرة هذا الدين أوضح من أن تبين، وهي مبثوثة في أبواب السيرة لمن شاء الوقوف عليها، ولن يبلغ أحد بعده ما بلغه في نصرة هذا الدين، قال البخاري في صحيحه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا فليح قال: حدثني سالم أبو النضر عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس وقال: "إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله. قال فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عبد خير، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر". (1)
_________
(1) أخرجه: أحمد (3/ 18) والبخاري (1/ 734/466) ومسلم (4/ 1854 - 1855/ 2382) والترمذي (5/ 568/3660) عن أبي سعيد الخدري.(3/426)
قال الحافظ في الفتح: وأخوة الإسلام ومودته متفاوتة بين المسلمين في نصر الدين وإعلاء كلمة الحق وتحصيل كثرة الثواب ولأبي بكر من ذلك أعظمه وأكثره، والله أعلم (1). اهـ
وأورد هنا ما ذكره المقري التلمساني في نفح الطيب من فوائد أبي بكر ابن العربي قال: تذاكرت بالمسجد الأقصى مع شيخنا أبي بكر الفهري الطرطوشي في حديث أبي ثعلبة المرفوع: "إن من ورائكم أياما للعامل فيها أجر خمسين منكم" فقالوا: بل منهم، فقال: "بل منكم، لأنكم تجدون على الخير أعوانا، وهم لا يجدون عليه أعوانا" (2)، وتفاوضنا كيف يكون أجر من يأتي من الأمة أضعاف أجر الصحابة مع أنهم قد أسسوا الإسلام، وعضدوا الدين، وأقاموا المنار، وافتتحوا الأمصار، وحموا البيضة، ومهدوا الملة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: "لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" (3)،
فتراجعنا القول، وتحصل ما أوضحناه في شرح الصحيح، وخلاصته: أن الصحابة كانت لهم أعمال كثيرة لا يلحقهم فيها
_________
(1) الفتح (7/ 16).
(2) أخرج القسم الأول منه إلى قوله: "بل منكم": أبو داود (4/ 512/4341) والترمذي (5/ 240/3058) وابن ماجه (2/ 1330 - 1331/ 4014) وابن حبان (الإحسان: 2/ 108 - 109/ 385) عن أبي ثعلبة الخشني. وقال الترمذي: "حديث حسن غريب". وأخرجه الطبراني في الكبير (10/ 182 - 183/ 10394) والبزار (كشف: 4/ 131/3370) عن ابن مسعود. وأورده الهيثمي في المجمع (7/ 282) وقال: "رواه البزار والطبراني ... ورجال البزار رجال الصحيح غير سهل بن عامر البجلي وثقه ابن حبان". وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحة (1/ 892 - 893/ 494) بعد أن ذكر رواية المعجم: "وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم".
(3) أحمد (3/ 11) والبخاري (7/ 24/3673) ومسلم (4/ 1967 - 1968/ 2541) وأبو داود (5/ 45/4658) والترمذي (5/ 653/3861) عن أبي سعيد الخدري ..(3/427)
أحد، ولا يدانيهم فيها بشر، وأعمال سواها من فروع الدين يساويهم فيها في الأجر من أخلص إخلاصهم، وخلصها من شوائب البدع والرياء بعدهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم هو ابتداء الدين والإسلام، وهو أيضا انتهاؤه، وقد كان قليلا في ابتداء الإسلام، صعب المرام، لغلبة الكفار على الحق، وفي آخر الزمان أيضا يعود كذلك، لوعد الصادق - صلى الله عليه وسلم - بفساد الزمان، وظهور الفتن، وغلبة الباطل، واستيلاء التبديل والتغيير على الحق من الخلق، وركوب من يأتي سنن من مضى من أهل الكتاب، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لتركبن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه" (1) وقال - صلى الله عليه وسلم -: "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ" (2) فلا بد، والله تعالى أعلم بحكم هذا الوعد الصادق، أن يرجع الإسلام إلى واحد، كما بدأ من واحد، ويضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى إذا قام به قائم مع احتواشه بالمخاوف وباع نفسه من الله تعالى في الدعاء إليه كان له من الأجر أضعاف ما كان لمن كان متمكنا منه معانا عليه بكثرة الدعاة إلى الله تعالى، وذلك قوله: "لأنكم تجدون على الخير أعوانا وهم لا يجدون عليه أعوانا" حتى ينقطع ذلك انقطاعا باتا لضعف اليقين وقلة الدين، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله" (3)
_________
(1) أخرجه بلفظ: "لتتبعن ... ": أحمد (3/ 84) والبخاري (6/ 613/3456) ومسلم (4/ 2054/2669) عن أبي سعيد وفي الباب عن أبي هريرة وغيره.
(2) أخرجه: مسلم (1/ 130/145) وابن ماجه (2/ 1319 - 1320/ 3986) عن أبي هريرة وفي الباب عن أنس وابن مسعود وغيرهما.
(3) أخرجه: أحمد (3/ 268) ومسلم (1/ 131/148) والترمذي (4/ 426 - 427/ 2207) من حديث أنس بن مالك ..(3/428)
يروى برفع الهاء ونصبها، فالرفع على معنى لا يبقى موحد يذكر الله عز وجل، والنصب على معنى لا يبقى آمر بمعروف ولا ناه عن منكر يقول: أخاف الله، وحينئذ يتمنى العاقل الموت، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني كنت مكانه" (1) انتهى. (2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في 'الفرقان بين الحق والباطل': لكن تضعيف الأجر لهم في أمور لم يضعف للصحابة، لا يلزم أن يكونوا أفضل من الصحابة، ولا يكون فاضلهم كفاضل الصحابة؛ فإن الذي سبق إليه الصحابة، من الإيمان والجهاد، ومعاداة أهل الأرض في موالاة الرسول، وتصديقه وطاعته فيما يُخبر به ويوجبه قبل أن تنتشر دعوته وتظهر كلمته وتكثر أعوانه وأنصاره وتنتشر دلائل نبوته، بل مع قلة المؤمنين وكثرة الكافرين والمنافقين، وإنفاق المؤمنين أموالهم في سبيل الله ابتغاء وجهه في مثل تلك الحال أمر ما بقي يحصل مثله لأحد. (3)
وبالجملة فصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل هذه الأمة وأبرها قلوبا وأعمقها علما ولن يبلغ أحد مد أحدهم ولا نصيفه وإن ضوعف له في الأجر بسبقهم إلى الإسلام ودفاعهم عنه ومقامهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذبهم عنه وبتبليغهم دعوته بعده، وتزكية الله لهم، والأجر غير الفضل، فقد يزاد للرجل بعدهم في الأجر كما صح في الخبر، ولا يبلغ الفضل الذي خصوا به، وبالله
_________
(1) تقدم تخريجه. انظر مواقف أبي ذر سنة (32هـ).
(2) نفح الطيب (2/ 37 - 39).
(3) مجموع الفتاوى (13/ 65 - 66).(3/429)
العصمة والتوفيق.
موقفه من الرافضة:
- جاء في السير: قال أحمد بن أبي خيثمة: سمعت ابن معين، يقول: كان علي ابن المديني إذا قدم علينا، أظهر السنة، وإذا ذهب إلى البصرة أظهر التشيع.
قال الذهبي: كان إظهاره لمناقب الإمام علي بالبصرة، لمكان أنهم عثمانية، فيهم انحراف على علي. (1)
- وقال ابن المديني في عمرو بن عبد الغفار الفقيمي: رافضي تركته لأجل الرفض. (2)
موقفه من الجهمية:
- جاء في أصول الاعتقاد: عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: سمعت علي بن المديني قبل أن يموت بشهرين يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر. (3)
- وعن علي بن المديني قال: الإيمان والتصديق بالشفاعة وبأقوام يخرجون من النار بعدما احترقوا وصاروا فحما كما جاء الأثر والتصديق به والتسليم (4).اهـ (5)
- وفي السير عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، سمعت عليا على المنبر
_________
(1) السير (11/ 47).
(2) الميزان (3/ 272).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 292/453) والسير (11/ 58).
(4) انظر تخريجه في مواقف السلف من عمرو بن عبيد سنة (144هـ).
(5) أصول الاعتقاد (6/ 1183).(3/430)
يقول: من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر، ومن زعم أن الله لا يرى فهو كافر، ومن زعم أن الله لم يكلم موسى على الحقيقة فهو كافر. (1)
- وقال عثمان بن سعيد الدارمي، سمعت علي بن المديني، يقول: هو كفر، يعني من قال: القرآن مخلوق. (2)
- وجاء في ذم الكلام عن جعفر بن محمد بن علي بن عبد الله بن نجيح المديني مولى بني نصر، حدثني أبي قال: سمعت أبي يقول: يوسف بن خالد سقط حديثه من أجل الكلام، وكل من كان صاحب كلام فليس بشيء. (3)
- جاء في اجتماع الجيوش الإسلامية: قال البخاري: علي بن المديني سيد المسلمين. قيل له: ما قول الجماعة في الاعتقاد؟ قال: يثبتون الكلام والرؤية، ويقولون: إن الله تعالى على العرش استوى. فقيل له: ما تقول في قوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم} فقال: اقرأوا أول الآية يعني بالعلم، لأن أول الآية {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يعلم مَا في السَّمَاوَاتِ} (4).
قال البخاري في كتاب خلق الأفعال: وقال ابن المديني: القرآن كلام الله غير مخلوق، من قال إنه مخلوق فهو كافر لا يصلى خلفه. (5)
_________
(1) السير (11/ 58).
(2) السير (11/ 59).
(3) ذم الكلام (296).
(4) المجادلة الآية (7).
(5) اجتماع الجيوش (214 - 215) ومختصر العلو (188 - 189).(3/431)
موقفه من المرجئة:
عن حنبل قال: سمعت علي بن عبد الله بن جعفر بالبصرة سنة إحدى وعشرين يقول: الإيمان قول وعمل على سنة وإصابة ونية، والإيمان يزيد وينقص وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وترك الصلاة كفر ليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة من تركها فهو كافر وقد حل قتله. (1)
يحيى بن أيوب (2) (234 هـ)
يحيى بن أيوب الإمام العالم القدوة الحافظ أبو زكريا البغدادي المَقَابِرِي العابد. روى عن عبد الله بن وهب وعبد الله بن نمير وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير ووكيع بن الجراح وأبي معاوية الضرير وعدة. روى عنه مسلم وأبو داود وأبو يعلى وأحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان ومحمد بن وضاح وابن أبي الدنيا وآخرون. قال أحمد بن حنبل: هو رجل صالح، صاحب سكون ودعة. وقال الحسين بن فهم: كان يحيى بن أيوب ثقة ورعا مسلما. توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- قال الحسين بن فهم: كان يحيى بن أيوب ثقة ورعا مسلما، يقول بالسنة، ويعيب من يقول بقول جهم، أو بخلاف السنة. (3)
_________
(1) أصول الاعتقاد (5/ 1034 - 1035/ 1752).
(2) الجرح والتعديل (9/ 128) وتاريخ بغداد (14/ 188 - 189) وتهذيب التهذيب (11/ 188) وشذرات الذهب (2/ 79) والسير (11/ 386 - 388).
(3) السير (11/ 387) وطبقات الحنابلة (1/ 400).(3/432)
- جاء في السنة لعبد الله: عن يحيى بن أيوب قال: كنت أسمع الناس يتكلمون في المريسي فكرهت أن أقدم عليه حتى أسمع كلامه لأقول فيه بعلم، فأتيته فإذا هو يكثر الصلاة على عيسى بن مريم عليه السلام فقلت له: إنك تكثر الصلاة على عيسى، فأهل ذاك هو، ولا أراك تصلي على نبينا ونبينا أفضل منه فقال: ذاك كان مشغولا بالمرآة والمشط والنساء. (1)
- وفيها عنه قال: من لم يقل القرآن كلام الله غير مخلوق فهو جهمي. (2)
- وفيها عنه قال: وذكرنا الشكاك الذين يقولون لا نقول القرآن مخلوق ولا غير مخلوق. فقال يحيى بن أيوب: كنت قلت لابن شداد صديق لي، من قال هذا فهو جهمي صغير. قال يحيى: وهو اليوم جهمي كبير. (3)
- جاء في الإبانة عن أبي بكر المروذي قال: وسألت يحيى بن أيوب عن الواقفة، فقال: هم شر من الجهمية. (4)
أبو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب (5) (234 هـ)
زهير بن حرب بن شداد الحَرَشِيّ النسائي ثم البغدادي الحافظ الحجة
_________
(1) السنة لعبد الله (39).
(2) السنة لعبد الله (33).
(3) السنة لعبد الله (43).
(4) الإبانة (1/ 12/302/ 84).
(5) تاريخ الفسوي (1/ 209) والجرح والتعديل (3/ 591) وتاريخ بغداد (8/ 482 - 484) وتذكرة الحفاظ (2/ 437)
والسير (11/ 489 - 492) وتاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.164) وتهذيب الكمال (9/ 402).(3/433)
أحد أعلام الحديث مولى بني الحريش بن كعب بن عامر. حدث عن جرير ابن عبد الحميد وابن عيينة وهشيم بن بشير ووهب بن جرير وعبد الرزاق بن همام وعدة. حدث عنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وإبراهيم الحربي وابنه أحمد وطائفة. قال أبو بكر الخطيب: كان ثقة ثبتا حافظا متقنا. وقال الذهبي: كان من كبار أئمة الأثر ببغداد، وهو والد الحافظ أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة صاحب التاريخ الكبير.
توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة لعبد الله عن أحمد بن إبراهيم، سمعت يحيى بن معين وأبا خيثمة يقولان: القرآن كلام الله وهو غير مخلوق. (1)
- وفي السنة للخلال عن محمد بن منصور قال: كنا نمضي إلى سعدويه، قال: فكان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو خيثمة وعدة قال: فتلقانا بشر المريسي قال: فتصدى له أبو خيثمة ثم التفت إلينا، فقال: رأيتم قط أشبه باليهود منه؟ قال: فجعل أحمد بن حنبل رحمه الله يقول لأبي خيثمة رحمه الله: ستورثني يا أبا خيثمة، رأيت مثل ذلك الوجه. (2)
- جاء في أصول الاعتقاد عن أحمد بن زهير قال: سمعت أبي ما لا أحصي كثرة يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق ولا نعرف غير هذا. (3)
_________
(1) السنة لعبد الله (34).
(2) السنة للخلال (5/ 102).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 293/455).(3/434)
- وفيه عنه قال: من زعم أن القرآن كلام الله مخلوق، فهو كافر ومن شك في كفره فهو كافر. (1)
" التعليق:
وهذا عام في كل من لم يكفر الكافر، ومن ظهر شركه وبدعته وفسقه، فهذه الأحكام من ظهرت له من صاحبه ولم ينسبه إليها فهو مثله، وليس كجهلة أهل هذا الزمان، الذين يقولون بزعمهم: لا ينبغي لنا أن نكفر أحدا ونجعله مشركا أو مبتدعا.
نعم هذا لا يجوز قطعا، ولكن إذا صح الوصف على المسمى، فما الحيلة إذا كان كفره واضحا وشركه واضحا وبدعته واضحة؟ فإن قيل: من باب الورع، فهذا كذب، فالورع أن تنزل الأشياء في مواضعها وأن تزنها بميزان الشرع.
وأما قول بعضهم: فهذه الأحكام تفرق الكلمة، فنقول: لا جمع الله كلمة على شرك أو بدعة إلى يوم القيامة، فكلمة لا تجتمع على التوحيد الخالص، وتجمع لا يقوم على عقيدة صحيحة مناهضة لكل شرك وبدعة وخرافة، لا خير فيه.
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 282 - 283/ 430).(3/435)
أبو بكر بن أبي شَيْبَة (1) (235 هـ)
عبد الله بن محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خواستى الإمام العلم، سيد الحفاظ وصاحب الكتب الكبار 'المسند' و'المصنف' و'التفسير' أبو بكر العبسي مولاهم الكوفي. روى عن شريك بن عبد الله النخعي وعن حماد بن أسامة وحفص بن غياث وجرير بن عبد الحميد وابن عيينة وعدة. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وإبراهيم الحربي وأحمد بن حنبل وأبو يعلى الموصلي وطائفة. قال يحيى الحماني: أولاد ابن أبي شيبة من أهل العلم، كانوا يزاحموننا عند كل محدث. وقال أحمد العجلي: كان ثقة حافظا للحديث. وقال أبو زرعة: ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة. توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين.
موقفه من الرافضة:
قال الذهبي في سيره: قال عبدان الأهوازي: أنكر علينا أبو بكر بن أبي شيبة، أو هناد مُضِيَّنا إلى إسماعيل بن موسى، وقال: إيش عملتم عند ذاك الفاسق الذي يشتم السلف. (2)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة: قال عبد الله: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة وقال له
_________
(1) الجرح والتعديل (5/ 160) وتاريخ بغداد (1/ 66 - 71) وتاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.227 - 230) وميزان الاعتدال (2/ 490) والبداية والنهاية (10/ 328) وتهذيب التهذيب (6/ 2) وشذرات الذهب (2/ 85) والسير (11/ 122 - 127) وتهذيب الكمال (16/ 34 - 42).
(2) السير (11/ 176 - 177).(3/436)
رجل من أصحابه: القرآن كلام الله وليس بمخلوق. فقال أبو بكر: من لم يقل هذا فهو ضال مضل مبتدع. (1)
- وفي الإبانة لابن بطة عن المروزي: قال: وسألت أبا بكر بن أبي شيبة عن الواقفة، فقال: هم شر من أولئك -يعني: الجهمية-. (2)
موقفه من الخوارج:
أورد ضمن مصنفه بابا كبيرا (ما ذكر في الخوارج) (3) ضمنه ثلاثة وثمانين أثرا. وقد مضى معنا جملة طيبة منها.
موقفه من المرجئة:
له كتاب الإيمان طبع مفردا بتحقيق فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وأصل الكتاب ضمن مصنفه (6/ 157 - 207/ 30309 - 30715) ويزيد على الجزء المفرد بأحاديث.
أبو الفضل شُجَاع بن مَخْلَد (4) (235 هـ)
هو شجاع بن مخلد الفَلاَّس، أبو الفضل البغوي، نزيل بغداد. روى عن إسماعيل بن علية، وإسماعيل بن عياش، وسفيان بن عيينة، وأبي نعيم الفضل ابن دكين وغيرهم. وروى عنه مسلم وأبو داود وابن ماجه وإبراهيم بن
_________
(1) السنة لعبد الله (ص.33) وأصول الاعتقاد (2/ 293/457).
(2) الإبانة (1/ 12/303/ 87).
(3) (7/ 552).
(4) طبقات ابن سعد (7/ 352) وتهذيب الكمال (12/ 379 - 381) وتاريخ الخطيب (9/ 251) وتهذيب التهذيب (4/ 312).(3/437)
إسحاق الحربي وغيرهم. قال الحسين بن فهم: شجاع بن مخلد من أهل خراسان من البغيين. وهو ثقة ثبت، توفي ببغداد لعشر خلون من صفر سنة خمس وثلاثين ومائتين، وحضره بشر كثير، ودفن في مقبرة باب التبن. قال ابن قانع: ثقة ثبت. وقال أحمد: كان ثقة، وكان كتابه صحيحا.
موقفه من الجهمية:
قال المروذي: سألت شجاع بن مخلد وأحمد بن إبراهيم وأحمد بن منيع ويحيى بن عثمان عن القرآن فقالوا: كلام الله وليس بمخلوق. (1)
عبيد الله بن عمر القواريري (2) (235 هـ)
هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة، أبو سعيد الجشمي مولاهم البصري القواريري الزجاج، نزيل بغداد. حدث عن حماد بن زيد وعبد العزيز الدراوردي وفضيل بن عياض وأبي عوانة وغيرهم. وحدث عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وبقي بن مخلد، وأبو يعلى الموصلي وغيرهم. قال ابن حجر: ثقة ثبت. مات يوم الخميس لاثني عشر يوما مضين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ومائتين. وله خمس وثمانون سنة.
موقفه من الجهمية:
عن أبي بكر المروذي: قال: وسألت عبيد الله بن عمر القواريري عن
_________
(1) الإبانة (2/ 12/20/ 211).
(2) تاريخ بغداد (10/ 320 - 323) طبقات ابن سعد (7/ 350) وسير أعلام النبلاء (11/ 442 - 446) وتهذيب الكمال (19/ 130 - 136) والتقريب (1/ 637).(3/438)
الواقفة، فقال: هم شر من الجهمية. (1)
أحمد بن عمر الوكيعي (2) (235 هـ)
أحمد بن عمر بن حفص بن جهم أبو جعفر الكوفي الوكيعي، نزيل بغداد. روى عن حفص بن غياث، وأبي معاوية، وأبي بكر بن عياش. وحدث عنه مسلم، وإبراهيم الحربي، وأبو داود. وثقه يحيى بن معين وغيره. توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
قال العباس بن مصعب: سمعت أحمد بن يحيى الكشميهني، سمعت أحمد ابن عمر الوكيعي يقول: وليت المظالم بمرو مدة اثنتي عشرة سنة، فلم يرد علي حكم إلا وأنا أحفظ فيه حديثا، فلم أحتج إلى الرأي، ولا إلى أهله. (3)
إبراهيم بن محمد بن أبي معاوية (4) (236 هـ)
إبراهيم بن محمد بن خازم السعدي مولاهم، أبو إسحاق بن أبي معاوية الضرير الكوفي. روى عن أبيه، ويحيى بن عيسى الرملي، وأبي بكر بن عياش. وروى عنه أبو داود وبقي بن مخلد الأندلسي، والحسن بن سفيان الشيباني،
_________
(1) الإبانة (2/ 12/301 - 302/ 83).
(2) السير (11/ 36) وتهذيب الكمال (1/ 412) وتاريخ بغداد (4/ 284) وتهذيب التهذيب (1/ 63) غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 92).
(3) السير (11/ 37).
(4) تهذيب الكمال (2/ 171) تاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.68 - 69) وتهذيب التهذيب (1/ 153).(3/439)
وخلق. قال عنه أبو زرعة: لا بأس به صدوق صاحب سنة. مات سنة ست وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
قال المروزي: وسألت ابن أبي معاوية الضرير عن الواقفة، فقال: هم مثل الجهمية. (1)
محمد بن بشير (2) (236 هـ)
هو محمد بن بشير بن مروان، أبو جعفر الكندي الدعاء البغدادي. أخذ عن ابن المبارك، وابن السماك الواعظ، وابن عيينة. وعنه ابن أبي الدنيا، وأبو يعلى. مات سنة ست وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
قال ابن بطة: أملى علي أبو عمر النحوي وقرأته عليه، وقال: حدثنا المبرد قال: أنشدني الرياشي لمحمد بن بشير يعيب المتكلمين:
يا سائلي عن مقالة الشيع ... وعن صنوف الأهواء والبدع
دع من يقول الكلام ناحية ... فما يقول الكلام ذو ورع
كل أناس بزيهم حسن ... ثم يصيرون بعد للشيع
أكثر ما فيه أن يقال له ... لم يك في قوله بمنقطع (3)
_________
(1) الإبانة (1/ 12/303/ 89).
(2) تاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.310 - 311) وميزان الاعتدال (3/ 491).
(3) الإبانة (2/ 3/545/ 687).(3/440)
أبو إبراهيم الترجماني (1) (236 هـ)
هو إسماعيل بن إبراهيم بن بسام البغدادي، أبو إبراهيم الترجماني من أبناء خراسان. روى عن إسماعيل بن عياش، وحبان بن علي العنزي، وخلف ابن خليفة وغيرهم، وروى عنه أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة، وأبو يعلى الموصلي، وابن أبي الدنيا، وأبو زرعة الرازي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهم. توفي لخمس ليال خلون من سنة ست وثلاثين ومائتين وشهده ناس كثير، وكان صاحب سنة وفضل وخير كثير.
موقفه من الجهمية:
قال المروذي: سمعت إسماعيل بن إبراهيم الترجماني يقول: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. قال: وأدركت الناس منذ سبعين سنة على هذا. (2)
محمد بن مُقَاتِل العَبَّادَانِي (3) (236 هـ)
محمد بن مقاتل العباداني أبو جعفر، أحد المشهورين بالصلاح والفضل والسنة. روى عن حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك. روى عنه أحمد بن إبراهيم الدورقي، وعبد الصمد بن يزيد مردويه، وموسى بن هارون الحافظ، وغيرهم. قال أبو بكر المروذي: دخلت على محمد بن مقاتل لما قدم من
_________
(1) تهذيب الكمال (3/ 13 - 16) وتهذيب التهذيب (1/ 246) والتاريخ الكبير (1/ 342) وطبقات ابن سعد (7/ 358) وتاريخ بغداد (6/ 264 - 265).
(2) الإبانة (2/ 12/19 - 20/ 210).
(3) تهذيب الكمال (26/ 494 - 495) والسير (11/ 102) وتاريخ بغداد (3/ 276) وتهذيب التهذيب (9/ 470 - 471) وطبقات الحنابلة (1/ 323).(3/441)
عبادان فقال رجل، زينت بلدنا بقدومك، أو قال بمجيئك فتغير وجهه وقال: لا تعد تقول هذا. وأراه قال: هذا الذبح وأشار بيده إلى حلقه، وقال أبو بكر الخطيب: كان أحد الصالحين مشهورا بحسن الطريقة ومذهب السنة. مات بعبادان في أول يوم من سنة ست وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- روى ابن بطة في الإبانة بسنده إلى أحمد بن إبراهيم، قال: سمعت محمد بن مقاتل العباداني، وكان من خيار المسلمين يقول في الواقفة: هم عندي شر من الجهمية. (1)
- وفي تاريخ بغداد: قال موسى بن هارون عنه: أظهر كلاما حسنا سمعه منه غير واحد من أصحابنا يقول: القرآن كلام الله وليس بمخلوق، علموه أبناءكم وأبناءهم إن شاء الله، وأظنه قال: ونساءكم. (2)
مصعب الزُّبَيْرِي (3) (236 هـ)
مصعب بن عبد الله بن مصعب، ينتهي نسبه إلى الزبير بن العوام، العلامة الصدوق الإمام أبو عبد الله ابن أمير اليمن القرشي الأسدي الزبيري المدني نزيل بغداد. روى عن أبيه ومالك بن أنس والضحاك بن عثمان
_________
(1) الإبانة (1/ 12/300 - 301/ 81) والشريعة (1/ 233/206) والسنة للخلال (5/ 141).
(2) تاريخ بغداد (3/ 276) وتهذيب الكمال (26/ 495).
(3) شذرات الذهب (2/ 84) والوافي بالوفيات (8/ 396 - 397) وطبقات ابن سعد (7/ 344) وتاريخ بغداد (13/ 112 - 114) والسير (11/ 30 - 32).(3/442)
والمغيرة بن عبد الرحمن والمنذر بن عبد الله وابن عيينة وعدة. روى عنه ابن ماجه وإبراهيم الحربي وأبو داود وعبد الله بن أحمد بن حنبل والذهلي ومسلم بن الحجاج -خارج الصحيح- وطائفة. قال الذهبي: كان علامة نسابة أخباريا فصيحا، من نبلاء الرجال وأفرادهم. توفي سنة ست وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- جاء في أصول الاعتقاد: عن مصعب الزبيري أنه سئل عن القرآن وعن من لا يقول غير مخلوق؟ فقال: هؤلاء جهال وخطأهم. وإني لأتهمهم أن يكونوا زنادقة. (1)
- جاء في أصول الاعتقاد: قال مصعب الزبيري: رأيت أهل بلدنا -يعني أهل المدينة- ينهون عن الكلام في الدين. (2)
- وفي جامع بيان العلم وفضله: حدثني أحمد بن زهير قال مصعب بن عبد الله: ناظرني إسحاق بن أبي إسرائيل، فقال: لا أقول كذا ولا أقول غيره -يعني في القرآن- فناظرته فقال: لم أقف على الشك، ولكني أقول كما قال: أسكت كما سكت القوم، قال: فأنشدته هذا الشعر فأعجبه وكتبه وهو شعر قيل منذ أكثر من عشرين سنة:
أأقعد بعدما رجفت عظامي ... وكان الموت أقرب ما يليني
أجادل كل معترض خصيم ... وأجعل دينه غرضا لديني
فأترك ما علمت لرأي غيري ... وليس الرأي كالعلم اليقين
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 358/525).
(2) أصول الاعتقاد (1/ 168).(3/443)
وما أنا والخصومة وهي لبس ... تصرف في الشمال وفي اليمين
وقد سنت لنا سنن قوام ... يلحن بكل فج أو وجين
وكان الحق ليس به خفاء ... أغر كغرة الفلق المبين
وما عوض لنا منهاج جهم ... بمنهاج ابن آمنة الأمين
فأما ما علمت فقد كفاني ... وأما ما جهلت فجنبوني
فلست مكفرا أحدا يصلي ... وما أحرمكم أن تكفروني
وكنا إخوة نرمي جميعا ... فنرمي كل مرتاب ظنين
فما برح الكلف أن رمينا ... بشأن واحد فوق الشؤون
فأوشك أن يخر عماد بيت ... وينقطع القرين عن القرين
قال أبو عمر: وكان مصعب بن عبد الله الزبيري شاعرا محسنا. (1)
" التعليق:
انظر هذا النفس الطيب، وهذه العقيدة الطيبة، تجد قلبك يطرب فرحا، وتجد المبتدع مقنعا رأسه خاسئا خاسرا ذليلا حقيرا من شدة ما ينزل عليه من الصواعق السلفية.
- وحكي عن أبي حاتم الرازي أنه قال: قال مصعب: هؤلاء الذين يقولون في القرآن: لا ندري -مخلوق أم غير مخلوق- هم عندنا شر ممن يقول
_________
(1) جامع بيان العلم وفضله (2/ 936 - 937) وأصول الاعتقاد (1/ 167 - 168/ 308) والإبانة مختصرا (2/ 544 - 545/ 586).(3/444)
مخلوق. يستتابون فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم. (1)
موقفه من القدرية:
روى اللالكائي بالسند عن أحمد بن علي الأبار قال: سألت مصعب الزبيري عن ابن أبي ذئب وقلت له: حدثونا عن أبي عاصم أنه قال: كان ابن أبي ذئب قدريا. قال: معاذ الله، إنما كان زمن المهدي أخذوا القدرية وضربوهم ونفوهم فجاء قوم من أهل القدر فجلسوا إليه واعتصموا به من الضرب. فقال قوم: إنما جلسوا إليه لأنه كان يرى القدر. فقد حدثني من أثق به أنه ما تكلم فيه قط. (2)
أبو مَعْمَر الهُذَلِي (3) (236 هـ)
إسماعيل بن إبراهيم بن معمر الإمام الحافظ الكبير الثبت أبو معمر الهذلي الهروي ثم البغدادي القطيعي نزيل بغداد. روى عن ابن عيينة وحماد بن أسامة وحفص بن غياث وجرير بن عبد الحميد وابن المبارك وطائفة. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وإبراهيم الحربي وعبد الله بن أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم وطائفة. قال محمد بن سعد: أبو معمر الهروي من هذيل، من أنفسهم، صاحب سنة وفضل وخير، وهو ثقة ثبت. توفي سنة
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 358/523).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 800 - 801/ 1336).
(3) طبقات ابن سعد (7/ 359) والجرح والتعديل (2/ 157) وتاريخ بغداد (6/ 266 - 272) وتذكرة الحفاظ (1/ 471) وميزان الاعتدال (1/ 220) وتهذيب التهذيب (1/ 273 - 274) وشذرات الذهب (2/ 86) والسير (11/ 69 - 71) وتهذيب الكمال (3/ 19 - 23).(3/445)
ست وثلاثين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
قال عبيد بن شريك البزار: كان أبو معمر القطيعي من شدة إدلاله بالسنة يقول: لو تكلمت بغلتي لقالت: إنها سنية. (1)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة لعبد الله عنه قال: من زعم أن الله لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ولا يغضب ولا يرضى، وذكر أشياء من هذه الصفات فهو كافر بالله، إن رأيتموه على بئر واقفا فألقوه فيها. بهذا أدين الله لأنهم كفار بالله. (2)
- وفيها عنه قال: القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ومن شك في أنه غير مخلوق فهو جهمي، لا بل شر من جهمي. (3)
- وفي أصول الاعتقاد عنه قال: أدركت الناس يقولون: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. (4)
- وفي السير عنه قال: آخر كلام الجهمية أنه ليس في السماء إله.
قال الذهبي: بل قولهم: إنه عز وجل في السماء وفي الأرض، لا امتياز للسماء. وقول عموم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -: إن الله في السماء، يطلقون ذلك وفق ماجاءت النصوص بإطلاقه، ولا يخوضون في تأويلات المتكلمين، مع جزم
_________
(1) السير (11/ 70).
(2) السنة لعبد الله (71).
(3) السنة لعبد الله (ص.34) وأصول الاعتقاد (2/ 294/460).
(4) أصول الاعتقاد (2/ 294/462).(3/446)
الكل بأنه تعالى: {ليس كَمِثْلِهِ شيءٌ} (1). (2)
إبراهيم بن المنذر الحِزَامي (3) (236 هـ)
إبراهيم بن المنذر بن عبد الله بن المنذر الإمام الحافظ الثقة أبو إسحاق القرشي الأسدي الحزامي المدني. روى عن أنس بن عياض وابن عيينة وعبد الله بن وهب وابن أبي أويس وطائفة. روى عنه البخاري وابن ماجه وابن أبي خيثمة وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وعبد الملك بن حبيب المالكي وطائفة. صدوق توفي سنة ست وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
جاء في أصول الاعتقاد: عنه أنه سئل: ما تقول في عبد اشتري ثم خرج جهميا؟ فقال: عيب يرد منه. قال: فإن خرج واقفيا؟ قال شر يرد منه. (4)
سعيد بن رحمة (5) (236 هـ)
سعيد بن رحمة بن نعيم المصيصي. روى عن ابن المبارك وهو راوي
_________
(1) الشورى الآية (11).
(2) السير (11/ 70 - 71).
(3) المعرفة والتاريخ (1/ 210) والجرح والتعديل (2/ 139) وتاريخ بغداد (6/ 179 - 181) والأنساب (4/ 129) وميزان الاعتدال (1/ 67) والوافي بالوفيات (6/ 150) وتهذيب التهذيب (1/ 166) وشذرات الذهب (2/ 86) والسير (10/ 689 - 691).
(4) أصول الاعتقاد (2/ 358 - 359/ 526).
(5) ميزان الاعتدال (2/ 135/3172) وكتاب المجروحين لابن حبان (328) والمغني في الضعفاء (1/ 258).(3/447)
كتاب الجهاد عنه.
موقفه من الجهمية:
عن عبد الله الشعراني قال: سمعت سعيد بن رحمة -صاحب إسحاق الفزاري- يقول: إنما خرج جهم عليه لعنة الله سنة ثلاثين ومائة. فقال: القرآن مخلوق. فلما بلغ العلماء تعاظمهم، فأجمعوا على أنه تكلم بالكفر وحمل الناس ذلك عنهم. (1)
إسحاق بن راهَوَيْه (2) (237 هـ)
إسحاق بن إبراهيم بن مَخْلَد بن إبراهيم الإمام الكبير شيخ المشرق وسيد الحفاظ أحد أئمة المسلمين وعلماء الدين، اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع والزهد، أبو يعقوب التميمي ثم الحنظلي المروزي نزيل نيسابور المعروف بابن راهويه. روى عن حماد بن أسامة وابن عيينة ومعاذ بن هشام الدستوائي وعدة. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأحمد بن حنبل والفريابي وأحمد بن سعيد الدارمي وطائفة. قال النسائي: ابن راهويه أحد الأئمة، ثقة مأمون، سمعت سعيد بن ذؤيب يقول: ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق. وقال ابن خزيمة: والله لو كان
_________
(1) أصول الاعتقاد (3/ 422 - 423/ 633). تنبيه: ذكر فيه أن جهما قال بخلق القرآن سنة (130هـ) والصواب أنه قال ذلك قبلها، لأنه قتل سنة (128هـ).
(2) الجرح والتعديل (2/ 209 - 210) وتاريخ بغداد (6/ 345 - 355) ووفيات الأعيان (1/ 199 - 201) وميزان الاعتدال (1/ 182 - 183) وتذكرة الحفاظ (2/ 433) والوافي بالوفيات (8/ 386 - 388) وتهذيب التهذيب (1/ 216 - 219) وشذرات الذهب (2/ 89) والسير (11/ 358 - 383).(3/448)
إسحاق في التابعين، لأقروا له بحفظه وعلمه وفقهه. وقال نعيم بن حماد: إذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه، فاتهمه في دينه. توفي سنة سبع وثلاثين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- قال ابن قتيبة: ولم أر أحدا ألهج بذكر أصحاب الرأي وتنقصهم والبعث على قبيح أقاويلهم، والتنبيه عليها، من إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه. وكان يقول: نبذوا كتاب الله تعالى، وسنن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولزموا القياس. وكان يعدد من ذلك أشياء، منها قولهم: إن الرجل إذا نام جالسا، واستثقل في نومه، لم يجب عليه الوضوء. ثم أجمعوا على أن كل من أغمي عليه، منتقض الطهارة قال: وليس بينهما فرق على أنه ليس في المغمى عليه أصل، فيحتج به في انتقاض وضوئه. وفي النوم غير حديث -منها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "العين وكاء السه. فإذا نامت العين انفتح الوكاء" (1) وفي حديث آخر: "من نام، فليتوضأ" (2). قال: فأوجبوا في الضجعة الوضوء إذا غلبه النوم، وأسقطوه عن النائم المستثقل راكعا أو ساجدا. قال: وهاتان الحالان في خشية الحدث أقرب من الضجعة. فلا هم اتبعوا أثرا، ولا لزموا قياسا. قال: وقالوا من تقهقه بعد التشهد أجزأته صلاته، وعليه الوضوء لصلاة أخرى. قال: فأي غلط أبين من غلط من يحتاط لصلاة لم تحضر،
_________
(1) أخرجه: أحمد (1/ 111) وأبو داود (1/ 140/203) وابن ماجه (1/ 161/477) عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ". وفي الباب عن معاوية بن أبي سفيان. وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 118): "وحسن المنذري وابن الصلاح والنووي حديث علي".
(2) هو الطرف الأخير من الحديث السابق.(3/449)
ولا يحتاط لصلاة هو فيها. قال: وقالوا في رجل توفي وترك جده أبا أمه وبنت بنته -المال للجد دون بنت البنت. وكذلك هو -عندهم- مع جميع ذوي الأرحام.
قال: فأي خطأ أفحش من هذا، لأن الجد يدلي بالأم، فكيف يفضل على بنت البنت، وهي تدلي بالبنت، إلا أن يكون شبهوا أبا الأم بأبي الأب، إذ اتفق أسماؤهم. (1)
- قال حاشد بن إسماعيل: سمعت وهب بن جرير يقول: جزى الله إسحاق بن راهويه، وصدقة بن الفضل، ويعمر عن الإسلام خيرا، أحيوا السنة بالمشرق. (2)
موقفه من المشركين:
قال الإمام إسحاق بن راهويه أحد الأئمة الأعلام: أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل: أنه كافر بذلك، وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله. (3)
موقفه من الرافضة:
- روى ابن عبد البر في جامع بيان العلم بسنده إلى سلمة بن شبيب قال: قلت لأحمد بن حنبل: من تقدم؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي في
_________
(1) تأويل مختلف الحديث (53 - 54).
(2) السير (11/ 364)
(3) الصارم (9).(3/450)
الخلافة. قال سلمة: وكتبت إلى إسحاق بن راهويه: من تقدم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكتب إلي: لم يكن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأرض أفضل من أبي بكر، ولم يكن بعده أفضل من عمر، ولم يكن بعد عمر أفضل من عثمان، ولم يكن على الأرض بعد عثمان خير ولا أفضل من علي رضي الله عنهم. (1)
- وروى الخلال بسنده إلى إسحاق قال: سئل أحمد عن أبي بكر وعمر فقال: ترحم عليهما، وتبرأ ممن يبغضهما، قال إسحاق بن راهويه: كما قال. (2)
- وقال إسحاق بن راهويه: من شتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يعاقب ويحبس. (3)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة للخلال عن حرب بن إسماعيل الكرماني قال: سألت إسحاق يعني ابن راهويه قلت: رجل سرق كتابا من رجل فيه رأي جهم أو رأي القدر؟ قال: يرمي به، قلت: إنه أخذ قبل أن يحرقه أو يرمي به، هل عليه قطع؟ قال: لا قطع عليه، قلت لإسحاق: رجل عنده كتاب فيه رأي الإرجاء أو القدر أو بدعة فاستعرته منه فلما صار في يدي أحرقته أو مزقته؟ قال: ليس عليك شيء. (4)
_________
(1) جامع بيان العلم (2/ 1172).
(2) السنة للخلال (1/ 313).
(3) الصارم (ص.571).
(4) السنة للخلال (1/ 511).(3/451)
- وفيها عنه، قال: سألت إسحاق عن الرجل يقول: القرآن كلام الله ويقف. قال: هو عندي شر من الذي يقول مخلوق، لأنه يقتدي به غيره. (1)
- وفيها أيضا عن سليمان بن الأشعث، قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم (يعني: ابن راهويه) يقول: من قال: لا أقول القرآن مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي. (2)
- وفي أصول الاعتقاد عن أحمد بن سلمة عن إسحاق قال: ومن وقف فهو -كذا- رماه بأمر عظيم وقال: هو ضال مضل. (3)
- وفي الإبانة عن حرب قال: وسألت إسحاق بن راهويه، قلت: يا أبا يعقوب أليس تقول: القرآن كلام الله تكلم به ليس بمخلوق؟ قال: نعم، القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ومن قال إنه مخلوق فهو كافر. (4)
- وهذه أبيات لأحمد بن سعيد الرباطي:
قربي إلى الله دعاني إلى ... حب أبي يعقوب إسحاق
لم يجعل القرآن خلقا كما ... قد قاله زنديق فساق
يا حجة الله على خلقه ... في سنة الماضين للباقي
أبوك إبراهيم محض التقى ... سباق مجد وابن سباق (5)
- قال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق الحنظلي رضي الله عنه، يقول:
_________
(1) السنة للخلال (5/ 136 - 137) وأصول الاعتقاد (2/ 362/538).
(2) السنة للخلال (5/ 137) والإبانة (1/ 12/298 - 299/ 77) والشريعة (1/ 233/205) والسير (11/ 376).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 362/539).
(4) الإبانة (2/ 12/66 - 67/ 283).
(5) السير (11/ 375).(3/452)
ليس بين أهل العلم اختلاف أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، وكيف يكون شيء خرج من الرب عز وجل مخلوقا؟. (1)
- وعنه قال صح أن الله يقول بعد فناء خلقه: {لِمَنِ الْمُلْكُ اليوم} فلا يجيبه أحد، فيقول لنفسه: {لِلَّهِ الواحد القهار} (2). (3)
وقد نقل الهروي في الفاروق بسنده إلى حرب الكرماني: سألت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يعني ابن راهويه عن قوله تعالى: {مَا {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} (4) قال: قديم من رب العزة محدث إلى الأرض. (5)
- وعن إسحاق بن راهويه: إن الله سميع بسمع بصير ببصر قادر بقدرة. (6)
- عن أحمد بن سلمة قال حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أفضوا إلى أن قالوا: أسماء الله مخلوقة لأنه كان ولا اسم، وهذا الكفر المحض. لأن لله الأسماء الحسنى، فمن فرق بين الله وبين أسمائه وبين علمه ومشيئته فجعل ذلك مخلوقا كله والله خالقها فقد كفر. ولله عز وجل تسعة وتسعون اسما. صح ذلك عن
_________
(1) السير (11/ 376).
(2) غافر الآية (16).
(3) الفتح (13/ 368).
(4) الأنبياء الآية (2).
(5) الفتح (13/ 497).
(6) أصول الاعتقاد (3/ 450/682).(3/453)
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قاله (1)، ولقد تكلم بعض من ينسب إلى جهم بالأمر العظيم فقال: لو قلت إن للرب تسعة وتسعين اسما لعبدت تسعة وتسعين إلها. حتى إنه قال: إني لا أعبد الله الواحد الصمد إنما أعبد المراد به. فأي كلام أشد فرية وأعظم من هذا: أن ينطق الرجل أن يقول: لا أعبد "الله". (2)
- قال الحافظ في الفتح: ونقل عن إسحاق بن راهويه عن الجهمية أن جهما قال: لو قلت إن لله تسعة وتسعين اسما لعبدت تسعة وتسعين إلها، قال فقلنا لهم: إن الله أمر عباده أن يدعوه بأسمائه، فقال: {وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى فادعوه بِهَا} (3) والأسماء جمع أقله ثلاثة ولا فرق في الزيادة على الواحد بين الثلاثة وبين التسعة والتسعين. (4)
- وسئل إسحاق مرة أخرى عن اللفظية؟ فقال: هي مبتدعة.
قال عبد الرحمن: قال أبو علي القوهستاني: سمعت إسحاق بن راهويه أن لفلان -يعني داود الأصبهاني- في القرآن قولا ثالثا، قول سوء فلم يزل يسأل إسحاق ما هو؟ قال أظهر اللفظ -يعني قال: لفظي بالقرآن مخلوق-. (5)
- وسمعت إسحاق بن راهويه ذكر "اللفظية" وبدعهم. (6)
_________
(1) أخرجه من حديث أبي هريرة: أحمد (2/ 267/503) والبخاري (5/ 444 - 445/ 2736) ومسلم (4/ 2062 - 2063/ 2677) والترمذي (5/ 497/3508) وابن ماجه (2/ 1269/3860).
(2) أصول الاعتقاد (2/ 240/352).
(3) الأعراف الآية (180).
(4) الفتح (13/ 378).
(5) أصول الاعتقاد (2/ 393/605و606) وفي الإبانة (1/ 12/332/ 135) طرفه الأول.
(6) مجموع الفتاوى (12/ 325).(3/454)
- وفي أصول الاعتقاد: قال ابن أبي حاتم: أخبرنا حرب بن إسماعيل الكرماني -فيما كتب إلي- قال: سمعت إسحاق بن راهويه وسئل عن الرجل يقول: القرآن ليس مخلوقا، ولكن قراءتي أنا إياه مخلوقة، لأني أحكيه وكلامنا مخلوق، فقال إسحاق: هذا بدعة، لا يقار على هذا حتى يرجع عن هذا ويدع قوله هذا. (1)
- جاء في السير عن عبد الله بن أُبَيّ الخوارزمي قال: سمعت إسحاق الحنظلي يقول: أخرجتْ خراسان ثلاثة لا نظير لهم في البدعة والكذب: جهم، وعمر بن صبيح ومقاتل. (2)
- وفيها: قال أبو بكر المروذي، حدثنا محمد بن الصباح النيسابوري، حدثنا أبو داود سليمان بن داود الخفاف، قال: قال إسحاق بن راهويه: إجماع أهل العلم أنه تعالى على العرش استوى، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة. (3)
- وفيها أنه ورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين، قال له: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء. فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء. (4)
- قال أبو عبد الله الرباطي: حضرت يوما مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ذات يوم، وحضر إسحاق بن راهويه، فسئل عن حديث النزول (5) أصحيح
_________
(1) أصول الاعتقاد (2/ 393/604).
(2) السير (11/ 369).
(3) السير (11/ 370).
(4) السير (11/ 376).
(5) انظر تخريجه في مواقف حماد بن سلمة سنة (167هـ).(3/455)
هو؟ فقال: نعم، فقال له بعض قواد عبد الله: يا أبا يعقوب، أتزعم أن الله ينزل كل ليلة؟ قال: نعم، قال: كيف ينزل؟ قال أثبته فوق، حتى أصف لك النزول، فقال له الرجل: أثبته فوق، فقال له إسحاق: قال الله تعالى: {وَجَاءَ ربك وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (1) فقال الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب هذا يوم القيامة، فقال إسحاق: أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة، من يمنعه اليوم؟. (2)
- عن الترمذي: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: اجتمعت الجهمية إلى عبد الله بن طاهر يوما فقالوا له: أيها الأمير، إنك تقدم إسحاق وتكرمه وتعظمه، وهو كافر يزعم أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ويخلو منه العرش. قال: فغضب عبد الله وبعث إلي، فدخلت عليه وسلمت، فلم يرد علي السلام غضبا ولم يستجلسني، ثم رفع رأسه وقال لي: ويلك يا إسحاق، ما يقول هؤلاء؟ قال: قلت لا أدري، قال: تزعم أن الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليلة ويخلو من العرش؟ فقلت أيها الأمير، لست أنا قلته، قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن إسحاق، عن الأغر بن مسلم أنه قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ينزل الله إلى سماء الدنيا في كل ليلة فيقول: من
_________
(1) الفجر الآية (22).
(2) مجموع الفتاوى (5/ 375).(3/456)
يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له" (1) ولكن مرهم يناظروني. قال: فلما ذكرت له النبي - صلى الله عليه وسلم - سكن غضبه، وقال لي: اجلس، فجلست. فقلت: مرهم أيها الأمير يناظروني. قال: ناظروه، قال فقلت لهم: يستطيع أن ينزل ولا يخلو منه العرش أم لا يستطيع؟ قال: فسكتوا وأطرقوا رؤوسهم، فقلت: أيها الأمير مرهم يجيبوا، فسكتوا. فقال: ويحك يا إسحاق ماذا سألتهم، قال: قلت: أيها الأمير قل لهم: يستطيع أن ينزل ولا يخلو منه العرش أم لا؟ قال: فإيش هذا؟ قلت: إن زعموا أنه لا يستطيع أن ينزل إلا أن يخلو منه العرش؟ فقد زعموا أن الله عاجز مثلي ومثلهم، وقد كفروا. وإن زعموا أنه يستطيع أن ينزل ولا يخلو منه العرش، فهو ينزل إلى السماء الدنيا كيف يشاء، ولا يخلو منه المكان. (2)
- وروي عن إسحاق بن إبراهيم قال: قال لي الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب، هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا" كيف ينزل؟ قال: قلت: أعز الله الأمير لا يقال لأمر الرب كيف؟ إنما ينزل بلا كيف. (3)
- وجاء في أصول الاعتقاد: أن عبد الله بن طاهر قال لإسحاق بن راهويه: ما هذه الأحاديث التي يحدث بها أن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا، والله يصعد وينزل، قال: فقال له إسحاق: تقول إن الله يقدر على أن
_________
(1) أخرجه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما: أحمد (2/ 383) ومسلم (1/ 523/758 (172)) والنسائي في الكبرى (6/ 124/10315).
(2) مجموع الفتاوى (5/ 387 - 389).
(3) درء التعارض (2/ 27).(3/457)
ينزل ويصعد ولا يتحرك؟ قال: نعم، قال: فلم تنكر. (1)
- وجاء في مجموع الفتاوى: قال عبد الرحمن: والصحيح مما جرى بين إسحاق وعبد الله بن طاهر ما أخبرنا أبي، ثنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري، ثنا محمد بن حاتم، سمعت إسحاق بن إبراهيم بن مخلد يقول: قال لي عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب، هذه الأحاديث التي تروونها في النزول -يعني وغير ذلك- ما هي؟ قلت: أيها الأمير، هذه أحاديث جاءت مجيء الأحكام والحلال والحرام، ونقلها العلماء، فلا يجوز أن ترد، هي كما جاءت بلا كيف. فقال عبد الله: صدقت، ما كنت أعرف وجوهها إلى الآن. (2)
- عن إسحاق أنه قال: لا نزيل صفة مما وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها الرسول عن جهتها، لا بكلام ولا بإرادة، إنما يلزم المسلم الأداء، ويوقن بقلبه أن ما وصف الله به نفسه في القرآن إنما هي صفاته، ولا يعقل نبي مرسل، ولا ملك مقرب تلك الصفات إلا بالأسماء التي عرفهم الرب عز وجل. فأما أن يدرك أحد من بني آدم تلك الصفات، فلا يدركه أحد. (3)
- وفي أصول الاعتقاد عنه قال: من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم، لأنه وصف لصفاته إنما هو استسلام لأمر الله، ولما سن الرسول. (4)
- وفيه عنه قال: علامة جهم وأصحابه: دعواهم على أهل الجماعة
_________
(1) أصول الاعتقاد (3/ 501/474).
(2) مجموع الفتاوى (5/ 389).
(3) نقله شيخ الإسلام من كتاب الفصول لشيخ الحرمين الكرجي. انظر مجموع الفتاوى (4/ 185).
(4) أصول الاعتقاد (3/ 588/937).(3/458)
وما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة، بل هم المعطلة، ولو جاز أن يقال لهم: هم المشبهة لاحتمل ذلك، وذلك أنهم يقولون: إن الرب تبارك وتعالى في كل مكان بكماله في أسفل الأرضين، وأعلى السموات، على معنى واحد، وكذبوا في ذلك ولزمهم الكفر. (1)
- قال حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب أحمد: قلت لإسحاق بن راهويه: قول الله عز وجل: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} (2) كيف تقول فيه؟ قال: حيث ما كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو بائن من خلقه. ثم قال: وأعلى كل شيء من ذلك وأثبته قول الله عز وجل: {الرحمن على العرش استوى} (3). (4)
- وفي ذم الكلام: قلت لإسحاق هو على العرش بحد؟ قال نعم بحد. (5)
- وفي درء التعارض: قال: أخبرنا المروزي قال: قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: قال الله تبارك وتعالى: {الرَّحْمَنُ على الْعَرْشِ استوى} (6). إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة، وفي قعور البحار ورؤوس الآكام وبطون الأودية، وفي
_________
(1) أصول الاعتقاد (3/ 588/938).
(2) المجادلة الآية (7).
(3) طه الآية (5).
(4) السير (11/ 370) واجتماع الجيوش الإسلامية (208) وذم الكلام (263).
(5) ذم الكلام (ص.263).
(6) طه الآية (5).(3/459)
كل موضع، كما يعلم علم ما في السماوات السبع وما فوق العرش، أحاط بكل شيء علما، فلا تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات البر والبحر ولا رطب ولا يابس إلا قد عرف ذلك كله وأحصاه، فلا تعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره. (1)
- وفي ذم الكلام: قال: لا يجوز الخوض في أمر الله كما يجوز الخوض في فعل المخلوقات، لقوله: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (2) ولا يجوز لأحد أن يتوهم على الله بصفاته وفعاله بفهم ما يجوز التفكر والنظر في أمر المخلوقين، وذلك أنه يمكن أن يكون الله عز وجل موصوفا بالنزول كل ليلة، إذا مضى ثلثها إلى السماء الدنيا كما يشاء، ولا يسأل كيف نزوله؟ لأن الخالق يصنع ما شاء كما يشاء. (3)
- وفيه: قال الفضل بن محمد المروزي: سمعت إسحاق بن راهويه الحنظلي يقول في الحديث الذي يجيء القرآن يوم القيامة في صورة الرجل الشاب الشاحب (4) قال: إنما يجيء ثواب عمله، خيال كالرجل ليس خلق مخلوق. وجاء في الحديث: "الحجر الأسود يأتي يوم القيامة له عينان
_________
(1) درء التعارض (2/ 34 - 35).
(2) الأنبياء الآية (23).
(3) ذم الكلام (ص.261) والاستقامة (1/ 78) ومجموع الفتاوى (5/ 393).
(4) أخرجه: ابن ماجه (2/ 1242/3781) قال في الزوائد: "إسناده صحيح رجاله ثقات". والحاكم (1/ 556) وصححه على شرط مسلم. وأخرجه مطولا أحمد (5/ 348) والدارمي (2/ 450 - 451) وابن أبي شيبة (10/ 492 - 493) كلهم من طريق بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا وبشير بن مهاجر صدوق لين الحديث كما في التقريب وله شاهد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 357 - 358/ 5760) وانظر الصحيحة (2829).(3/460)
ولسان" (1) ولقد جاءنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل الرجل القبر أتاه عمله الصالح على أحسن صورة فيقول: أنا عملك الصالح" (2) إنما يجيء ثواب عمله وهو خيال، كيف ندرك صفة هذا بالعقول، وقد نهينا عن تكلف علم هذا وإنما علينا التعبد والاستسلام. (3)
" التعليق:
فيه رد على المؤولة المتكلفة المعارضة للنصوص بعقلها التائه.
- آثاره في العقيدة السلفية:
له تفسير ذكره شيخ الإسلام من ضمن التفاسير التي اعتنت بنقل عقيدة السلف وآثارهم الطيبة، رحمة الله عليه. (4)
موقفه من المرجئة:
- عن إسحاق بن منصور حدثهم قال: قال إسحاق بن راهويه: الإيمان
_________
(1) أخرجه: أحمد (1/ 307) والترمذي (3/ 294/961) وحسنه. وابن ماجه (2/ 982/2944) وابن حبان (9/ 25 - 26/ 3712) وابن خزيمة (4/ 220/2735) من طريق ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا.
(2) جزء من حديث طويل للبراء بن عازب، أخرجه: أحمد (4/ 287 - 288) وأبو داود (5/ 114 - 116/ 4753) دون ذكر الشاهد. الحاكم في المستدرك (1/ 37 - 38) من طرق عن البراء به، ثم قال في آخره: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا جميعا بالمنهال بن عمرو، وزاذان أبي عمر الكندي. وفي هذا الحديث فوائد كثيرة لأهل السنة وقمع للمبتدعة، ولم يخرجاه بطوله. قال البيهقي في كتابه 'إثبات عذاب القبر' (ص39): "هذا حديث كبير، صحيح الإسناد".
(3) ذم الكلام (ص.262).
(4) درء التعارض (2/ 22).(3/461)
قول وعمل يزيد وينقص حتى لا يبقى منه شيء. (1)
- عن موسى بن هارون الحمال قال: أملى علينا إسحاق بن راهويه أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. (2)
- عن إسحاق بن منصور حدثهم قال: قلت لإسحاق: هل الإيمان منتهى حتى نستطيع أن نقول المرء مستكمل الإيمان؟ قال: لا، لأن جميع الطاعة من الإيمان، فلا يمكن أن نشهد باستكمال لأحد إلا الأنبياء أو من شهد له الأنبياء بالجنة. لأن الأنبياء وإن كانوا أذنبوا فقد غفر ذلك الذنب قبل أن يخلقوا. (3)
العباس بن الوليد النَّرْسِي (4) (237 هـ)
العباس بن الوليد بن نصر الحافظ الإمام الحجة، أبو الفضل الباهلي النرسي البصري. سمع: حماد بن سلمة، وعبد الله بن جعفر المديني، وأبا عوانة، وحماد بن زيد، وعدة. وحدث عنه البخاري، ومسلم، والنسائي بواسطة، وآخرون. كان متقنا صاحب حديث. ذكره ابن حبان في كتاب 'الثقات'. وقال يحيى بن معين: رجل صدق.
مات سنة سبع وثلاثين ومائتين.
_________
(1) السنة للخلال (3/ 582/1011).
(2) مجموع الفتاوى (7/ 308).
(3) السنة للخلال (3/ 569/973).
(4) تهذيب الكمال (14/ 259 - 261) وميزان الاعتدال (2/ 386) وتاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.211 - 212) والسير (11/ 27 - 28) والوافي بالوفيات (16/ 652) وتهذيب التهذيب (5/ 133 - 134).(3/462)
موقفه من الجهمية:
جاء في الإبانة بالسند إلى أبي بكر المروذي قال: سألت عباسا النرسي عن القرآن فقال: نحن ليس نقف، نحن نقول القرآن غير مخلوق. (1)
يحيى بن سليمان الجُعْفِي (2) (237 هـ)
يحيى بن سليمان بن يحيى بن سعيد بن مسلم بن عبيد أبو سعيد الجعفي الكوفي المقريء. سمع عبد العزيز الدراوردي، وأبا خالد الأحمر، وعبد الرحمن المحاربي، ووكيعا، وطائفة. وسمع منه: البخاري، والترمذي عن رجل عنه، ومحمد بن يحيى الذهلي، وآخرون. مات سنة سبع وثلاثين ومائتين.
موقفه من المرجئة:
عن إبراهيم بن شماس: سمعت يحيى بن سليمان يقول: الإيمان قول وعمل. (3)
_________
(1) الإبانة (1/ 12/301/ 82) وأصول الاعتقاد (2/ 360).
(2) تهذيب الكمال (31/ 369 - 372) وميزان الاعتدال (4/ 382) وتهذيب التهذيب (11/ 227) وتاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.399 - 400)
(3) الإبانة (2/ 6/812/ 1105).(3/463)
ابن حبيب الأندلسي المالكي (1) (238 هـ)
الإمام العلامة، فقيه الأندلس، عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون أبو مروان القرطبي المالكي. ولد في حياة الإمام مالك بعد السبعين ومائة. أخذ عن الغاز بن قيس، وعبد الملك بن الماجشون، ومطرف بن عبد الله اليساري، وأسد بن موسى، وعدة من أصحاب مالك والليث. حدث عنه بقي بن مخلد، ومحمد بن وضاح، ويوسف بن يحيى المغامي، وخلق. كان نحويا، عروضيا شاعرا، حافظا للأخبار والأنساب والأشعار، طويل اللسان، متصرفا في فنون العلوم. قال الذهبي: كان موصوفا بالحذق في الفقه كبير الشأن بعيد الصيت، كثير التصانيف إلا أنه في باب الرواية ليس بمتقن، بل يحمل الحديث تهورا كيف اتفق، وينقله وجادة وإجازة ولا يتعانى تحرير أصحاب الحديث. مات يوم السبت لأربع مضين من رمضان سنة ثمان وثلاثين ومائتين بعلة الحصى رحمه الله.
موقفه من الرافضة:
قال عبد الملك بن حبيب: من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أدب أدبا شديدا، ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر فالعقوبة عليه أشد، ويكرر ضربه، ويطال سجنه حتى يموت، ولا يبلغ به القتل إلا في سب النبي - صلى الله عليه وسلم -. (2)
_________
(1) تاريخ علماء الأندلس (1/ 269 - 272) وميزان الاعتدال (2/ 652 - 653) وتذكرة الحفاظ (2/ 537 - 538) وتاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.258 - 261) والسير (12/ 102 - 107) ولسان الميزان (4/ 59 - 60) ومعجم المؤلفين (6/ 181 - 182).
(2) الصارم المسلول (571 - 572).(3/464)
موقفه من الجهمية:
قال رحمه الله: وفتنة القبر وعذابه عند أهل السنة والإيمان بالله قوي ليس عندهم فيه شك، ومن كذب بذلك فهو من أهل التكذيب بالله، وإنما يكذب به الزنادقة الذين لا يؤمنون بالبعث، وقد طلع من كلامهم طرف رأيته دب في الناس، خفت عليهم من الضلال في دينهم وإيمانهم، فاحذروهم، فهم الذين قالوا: إن الأرواح تموت بموت الأجساد، إرادة التكذيب بعذاب القبر وبما بعده. (1)
موقفه من الخوارج:
- جاء في أصول السنة: عن عبد الملك رحمه الله أنه قال: السنة أن يصلى على كل من وحد الله، وإن مات سرفا على نفسه بالذنوب وإن كانت كبائر، إذا كان مستمسكا بالتوحيد مقرا بما جاء من عند الله، فإنه يصلى عليه، وإثمه على نفسه وحسابه على ربه، وهو عندنا مؤمن "بذنبه" إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، ولا نخرجه بالذنوب من الإسلام ولا يوجب له بها النار حتى يكون الله الذي يحكم فيه بعلمه، ويصيره إلى حيث شاء من جنة أو نار، إلا أنا نرجو للمحسن ونخشى على المسيء المذنب. بهذا ندين الله وبه نوصي من اقتدى بنا وأخذ بهدينا، وهو الذي عليه أهل السنة وجمهور هذه الأمة. (2)
- وعنه أنه قال: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس بالجهاد مع الولاة
_________
(1) رياض الجنة بتخريج أصول السنة لابن أبي زمنين (157).
(2) رياض الجنة بتخريج أصول السنة لابن أبي زمنين (225).(3/465)
وإن لم يضعوا الخمس موضعه، وإن لم يوفوا بعهد إن عاهدوا، ولو عملوا ما عملوا، ولو جاز للناس ترك الغزو معهم بسوء حالهم لاستذل الإسلام، وتخيفت أطرافه، واستبيح حريمه، ولعلا الشرك وأهله. (1)
زهير بن عباد (2) (238 هـ)
زهير بن عَبَّاد الرؤاسي ابن عم وكيع وكان يكنى أبا محمد سمع من: مالك بن أنس، وحفص بن ميسرة، وفضيل بن عياض. وسمع منه: محمد بن أحمد العريبي، والحسن بن الفرج الغزي، وجماعة منهم: أبو حاتم الرازي. وقال: ثقة. مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين بمصر.
موقفه من الجهمية:
روى ابن أبي زمنين بسنده إلى زهير بن عباد أنه قال: كل من أدركت من المشايخ مالك وسفيان وفضيل وعيسى بن يونس وابن المبارك ووكيع ابن الجراح كانوا يقولون: الميزان حق. (3)
بشر بن الوليد (4) (238 هـ)
بشر بن الوليد بن خالد الإمام العلامة المحدث الصادق قاضي العراق
_________
(1) رياض الجنة بتخريج أصول السنة لابن أبي زمنين (289).
(2) ميزان الاعتدال (2/ 83) تاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.166 - 167) ولسان الميزان (2/ 492).
(3) رياض الجنة بتخريج أصول السنة لابن أبي زمنين (157).
(4) تاريخ بغداد (7/ 80 - 84) وميزان الاعتدال (1/ 32) وشذرات الذهب (2/ 89) والطبقات لابن سعد (7/ 355) والسير (10/ 673 - 676).(3/466)
أبو الوليد الكندي. روى عن عبد الرحمن بن الغسيل ومالك بن أنس وحماد ابن زيد وصالح المري والقاضي أبي يوسف وعدة. روى عنه الحسن بن علويه وحامد بن شعيب البلخي وموسى بن هارون وأبو يعلى الموصلي وأبو القاسم البغوي وطائفة. قال الذهبي: كان حسن المذهب وله هفوة لا تزيل صدقه وخيره إن شاء الله ... وبلغنا أنه كان إماما، واسع الفقه، كثير العلم، صاحب حديث وديانة وتعبد. توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
قال الخلال في السنة: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: سمعت بشر بن الوليد يقول: استتيب ابن أبي دؤاد من القرآن مخلوق في ليلة ثلاث مرات يتوب، ثم يرجع ليتوب ثم يرجع. (1)
داود بن رُشَيْد الخَوَارِزْمِي (2) (239 هـ)
الإمام الحافظ، الثقة داود بن رشيد الهاشمي مولاهم أبو الفضل الخوارزمي ثم البغدادي. سمع: أبا المليح الحسن بن عمر الرقي، وإسماعيل بن جعفر، وهشيم بن بشير، وإسماعيل بن عياش، وعدة. وحدث عنه مسلم، وأبو داود، وابن ماجه وأبو زرعة، وأبو حاتم، وعدد كثير. كان رحالا جوالا صاحب حديث. توفي في سابع شعبان سنة تسع وثلاثين ومائتين.
_________
(1) السنة للخلال (5/ 117) والسير (11/ 170).
(2) طبقات ابن سعد (7/ 349) وتاريخ بغداد (8/ 367 - 368) وتهذيب الكمال (8/ 388 - 392) والسير (11/ 133 - 135) وتهذيب التهذيب (3/ 184 - 185).(3/467)
موقفه من الجهمية:
جاء في الإبانة عنه قال: من زعم أن القرآن كلام الله وقال: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، فهذا يزعم أن الله عز وجل لم يتكلم ولا يتكلم. (1)
عثمان بن أبي شَيْبَة (2) (239 هـ)
عثمان بن محمد بن أبي شيبة، الإمام الحافظ أبو الحسن الكوفي. حدث عن شريك، وأبي الأحوص، وجرير بن عبد الحميد، وسفيان بن عيينة. روى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه. سئل عنه أحمد بن حنبل فأثنى عليه، وقال: ما علمت إلا خيرا. وقال يحيى بن معين: ثقة مأمون. توفي سنة تسع وثلاثين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
عن محمد بن محمد بن الصديق البزار سمعت عثمان بن أبي شيبة يقول: فساق أهل الحديث خير من عباد غيرهم. (3)
موقفه من الجهمية:
- جاء في السنة لعبد الله عن عثمان بن أبي شيبة قال: القرآن كلام الله وليس بمخلوق. وسمعت عثمان مرة أخرى يقول: من لم يقل القرآن كلام الله
_________
(1) الإبانة (2/ 12/314/ 114) والسنة للخلال (5/ 137).
(2) السير (11/ 151 - 154) وتهذيب الكمال (19/ 478 - 487) وتهذيب التهذيب (7/ 149) وتاريخ بغداد (11/ 283) وميزان الاعتدال (3/ 35 - 39) وشذرات الذهب (2/ 92).
(3) ذم الكلام (44).(3/468)
وليس بمخلوق فهو عندي شر من هؤلاء، يعني الجهمية. (1)
- جاء في الإبانة بالسند إلى محمد بن عبد الملك قال: سمعت عثمان بن أبي شيبة يقول: الواقفة شر من الجهمية بعشرين مرة، هؤلاء شكوا في الله. (2)
إبراهيم بن يوسف (3) (239 هـ)
إبراهيم بن يوسف بن ميمون الباهلي البلخي الماكياني أبو إسحاق الحافظ الكبير. حدث عن حماد بن زيد ومالك وشريك وهشيم وطبقتهم. وحدث عنه النسائي وجعفر بن محمد بن سوار ومحمد بن عبد الله الدويري وزكريا بن يحيى خياط السنة وخلق كثير.
قال ابن حبان: كان ظاهر مذهبه الإرجاء واعتقاده في الباطن السنة. قال الذهبي: قال أبو يعلى الخليلي: روى إبراهيم بن يوسف عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: كل مسكر خمر. ولم يسمع منه غيره. وذلك أنه حضر، وقتيبة حاضر، فقال لمالك: هذا مرجيء، فأقيم من المجلس، فوقع له بهذا عداوة مع قتيبة. إلا أنه مما عساه -إن شاء الله- أن يبرئه من إرجائه هذا ما رواه ابن حبان نفسه في الثقات قال: سمعت أحمد بن محمد بن الفضل يقول: سمعت محمد بن داود الفوعي يقول: حلفت ألا أكتب إلا عمن يقول:
_________
(1) السنة لعبد الله (33) وأصول الاعتقاد (2/ 293 - 294/ 458) والسنة للخلال (5/ 141).
(2) الإبانة (2/ 12/290 - 291/ 59) ونحوه في الشريعة (1/ 233/205).
(3) تهذيب الكمال (2/ 251 - 255) والميزان (1/ 72) وتذكرة الحفاظ (2/ 452 - 454) والسير (11/ 62 - 63) والوافي بالوفيات (6/ 172) والثقات لابن حبان (8/ 76).(3/469)
الإيمان قول وعمل، فأتيت إبراهيم بن يوسف فأخبرته. فقال: اكتب عني، فإني أقول: الإيمان قول وعمل.
مات في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
قال محمد بن محمد بن الصديق: سمعته يقول: القرآن كلام الله، من قال: مخلوق، فهو كافر. ومن وقف فهو جهمي. (1)
أبو ثَوْر (2) (240 هـ)
إبراهيم بن خالد الإمام الحافظ الحجة المجتهد مفتي العراق أبو ثور الكلبي البغدادي الفقيه ويكنى أيضا أبا عبد الله. روى عن ابن عيينة وابن مهدي والشافعي وأبي معاوية الضرير ووكيع بن الجراح وسعيد بن منصور ويزيد بن هارون وعدة. روى عنه أبو داود وابن ماجه وأبو حاتم الرازي ومسلم خارج الصحيح وقيل في المقدمة وأبو القاسم البغوي ومحمد بن إسحاق السراج وطائفة. قال أبو بكر الأعين: سألت أحمد بن حنبل عنه فقال: أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة، وهو عندي في مسلاخ سفيان الثوري. قال ابن حبان: كان أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وورعا وفضلا، صنف الكتب، وفرع على السنن
_________
(1) السير (11/ 63) وتذكرة الحفاظ (2/ 454).
(2) الجرح والتعديل (1/ 97 - 98) وتاريخ بغداد (6/ 65 - 69) ووفيات الأعيان (1/ 26) وتذكرة الحفاظ
(2/ 512 - 513) وميزان الاعتدال (1/ 29 - 30) والوافي بالوفيات (5/ 344) والبداية والنهاية (10/ 337) وتهذيب التهذيب (1/ 118 - 119) وشذرات الذهب (2/ 92 - 94) والسير (12/ 72 - 76).(3/470)
وذب عنها رحمه الله تعالى. توفي سنة أربعين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
عن أبي بكر بن الجنيد، سمعت أبا ثور يقول: لولا أن الله مَنَّ علي بالشافعي للقيت الله وأنا ضال. قدم علينا وأنا أظن الله لم يعبده أحد بغير مذهب الرأي، قال الشافعي: وضع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأهل دينه موضع الإبانة من كتاب الله مع ما أراد، وفرض طاعته فقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (1)، فليس لمفت أن يفتي ولا لحاكم أن يحكم حتى يكون عالما بهما ولا يخالفهما ولا واحدا منهما، وإلا فهو عاص وحكمه مردود، وإن لم يجدهما منصوصين فالاجتهاد أن يطلبهما. (2)
موقفه من الجهمية:
جاء في أصول الاعتقاد: سئل أبو ثور عن ألفاظ القرآن فقال: هذا مما يسعك جهله، والله لا يسألك عز وجل عن هذا. فلا تتكلموا فيه فإن من زعم أن كلامه بالقرآن مخلوق فقد وافق اللفظيين لأنه إذا سمع منك القرآن فزعمت أنه لفظك فقد زعمت أن القرآن مخلوق ولأنك تزعم أن لفظك بالقرآن مخلوق فقد أجبت القوم أنه مخلوق. (3)
موقفه من المرجئة:
عن إدريس بن عبد الكريم المقري قال: سأل رجل من أهل خراسان أبا
_________
(1) النساء الآية (80).
(2) ذم الكلام (110).
(3) أصول الاعتقاد (2/ 392 - 393/ 603).(3/471)
ثور عن الإيمان؟ وما هو؟ يزيد وينقص؟ وقول هو؟ أو قول وعمل؟ وتصديق وعمل؟ فأجابه أبو ثور بهذا، فقال أبو ثور: سألت رحمك الله، وعفا عنك عن الإيمان ما هو؟ يزيد وينقص؟ وقول هو؟ أو قول وعمل وتصديق وعمل؟.
فأخبرك بقول الطوائف واختلافهم: فاعلم يرحمنا الله وإياك أن الإيمان تصديق بالقلب والقول باللسان وعمل بالجوارح. وذلك أنه ليس بين أهل العلم خلاف في رجل لو قال: أشهد أن الله عز وجل واحد وأن ما جاءت به الرسل حق وأقر بجميع الشرائع، ثم قال: ما عقد قلبي على شيء من هذا ولا أصدق به؛ أنه ليس بمسلم، ولو قال المسيح هو الله وجحد أمر الإسلام، وقال لم يعتقد قلبي على شيء من ذلك أنه كافر بإظهار ذلك وليس بمؤمن، فلما لم يكن بالإقرار إذا لم يكن معه التصديق مؤمنا ولا بالتصديق إذا لم يكن معه الإقرار مؤمنا حتى يكون مصدقا بقلبه مقرا بلسانه. فإذا كان تصديق بالقلب وإقرار باللسان، كان عندهم مؤمنا، وعند بعضهم لا يكون حتى يكون مع التصديق عمل، فيكون بهذه الأشياء إذا اجتمعت مؤمنا. فلما نفوا أن الإيمان شيء واحد وقالوا: يكون بشيئين في قول بعضهم وثلاثة أشياء في قول غيرهم لم يكن مؤمنا إلا بما اجتمعوا عليه من هذه الثلاثة الأشياء. وذلك أنه إذا جاء بالثلاثة أشياء فكلهم يشهد أنه مؤمن، فقلنا بما اجتمعوا عليه من التصديق بالقلب والإقرار باللسان وعمل بالجوارح، فأما الطائفة التي زعمت أن العمل ليس من الإيمان، فيقال لهم: ما أراد الله عز وجل من العباد إذ قال(3/472)
لهم: {وأقيموا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزكاة} (1) الإقرار بذلك؟ أو الإقرار والعمل؟ فإن قالت: إن الله أراد الإقرار ولم يرد العمل فقد كفرت عند أهل العلم، من قال: إن الله لم يرد من العباد أن يصلوا ولا يؤتوا الزكاة.
فإن قالت: أراد منهم الإقرار والعمل، قيل: فإذا أراد منهم الأمرين جميعا لم زعمتم أن يكون مؤمنا بأحدهما دون الآخر؟ وقد أرادهما جميعا.
أرأيتم لو أن رجلا قال: أعمل جميع ما أمر الله، ولا أقر به، أيكون مؤمنا؟ فإن قالوا لا، قيل لهم: فإن قال: أقر بجميع ما أمر الله به ولا أعمل منه شيئا أيكون مؤمنا؟ فإن قالوا: نعم. قيل: لهم ما الفرق؟ وقد زعمتم أن الله عزوجل أراد الأمرين جميعا؟ فإن جاز أن يكون بأحدهما مؤمنا إذا ترك الآخر، جاز أن يكون بالآخر إذا عمل ولم يقر مؤمنا. لا فرق بين ذلك. فان احتج فقال: لو أن رجلا أسلم، فأقر بجميع ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، أيكون مؤمنا بهذا الإقرار قبل أن يجيء وقت عمل؟ قيل له: إنما نطلق له الاسم بتصديقه أن العمل عليه بقوله، أن يعمله في وقته إذا جاء وليس عليه في هذا الوقت الإقرار بجميع ما يكون به مؤمنا، وقال: أقر ولا أعمل لم نطلق له اسم الإيمان. (2)
موقفه من القدرية:
جاء في أصول الاعتقاد: عن إدريس بن عبد الكريم، أرسل رجل من أهل خراسان بكتاب يسأل أبا ثور فأجاب، سألتم رحمكم الله عن القدرية
_________
(1) البقرة الآية (43).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 931 - 933/ 1590).(3/473)
من هم؟ فالقدرية من قال: إن الله لم يخلق أفاعيل العباد وإن المعاصي لم يقدرها على العباد، ولم يخلقها، فهؤلاء قدرية لا يصلى خلفهم، ولا يعاد مريضهم، ولا تشهد جنائزهم، ويستتابون من هذه المقالة، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم، وذلك أن الله خالق كل شيء، وقال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بقدر} (1) فمن زعم أن شيئا ليس بمخلوق من أفاعيل العباد كان ذلك ضالا، وذلك يزعم أنه يخلق فعله. والأشياء على معنيين: إما عرض وإما جسم، فمن زعم أنه يخلق جسما أو عرضا فقد كفر. (2)
قُتَيْبَة بن سعيد (3) (240 هـ)
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف شيخ الإسلام، المحدث الإمام الثقة الجوال راوية الإسلام، أبو رجاء الثقفي مولاهم البلخي البغلاني، قيل إن جده جميلا كان مولى للحجاج بن يوسف الثقفي. روى عن حماد بن زيد وحاتم ابن إسماعيل وإسماعيل بن جعفر وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي وداود بن عبد الرحمن العطار وخلق سواهم. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والذهلي وأحمد بن حنبل وعدة. قال الخطيب: كان ثبتا
_________
(1) القمر الآية (49).
(2) أصول الاعتقاد (4/ 795 - 796/ 1331)
(3) طبقات ابن سعد (7/ 379) والجرح والتعديل (7/ 140) والسير (11/ 13 - 24) وتاريخ بغداد (12/ 464 - 470) وتهذيب الكمال (23/ 523 - 537) وتهذيب التهذيب (8/ 358 - 361) وشذرات الذهب (2/ 94 - 95) وتذكرة الحفاظ (2/ 446 - 447).(3/474)
فيما روى، صاحب سنة وجماعة. توفي سنة أربعين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- جاء في شرف أصحاب الحديث عن قتيبة بن سعيد قال: إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث مثل يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه -وذكر قوما آخرين- فإنه على السنة، ومن خالف هذا فاعلم أنه مبتدع. (1)
- وقال: أحمد بن حنبل إمامنا، من لم يرض به فهو مبتدع. (2)
" التعليق:
وكان من بعده شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ثم في هذا الزمان الشيخ حامد الفقي، والشيخ ناصر الألباني والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وغيرهم مما يكثر عده كثرهم الله وجعلنا من محبيهم.
موقفه من الجهمية:
- قال الخلال في السنة: أخبرنا سليمان، قال: سمعت قتيبة يقول: بشر المريسي كافر. (3)
- وقال أيضا: أخبرنا أبو داود السجستاني قال: سمعت قتيبة قال:
_________
(1) شرف أصحاب الحديث (71 - 72) وأصول الاعتقاد (1/ 74/59) وذم الكلام (261).
(2) طبقات الحنابلة (1/ 15).
(3) السنة للخلال (5/ 103) والإبانة (2/ 13/102/ 343) والميزان (1/ 323).(3/475)
الواقفة جهمية. وسمعت قتيبة قيل له الواقفة؟ فقال: الواقفة شر من هؤلاء (يعني: ممن قال القرآن مخلوق). (1)
- وفي ذم الكلام عنه قال: إذا قال الرجل: المشبهة، فاحذروه، فإنه يرى رأي جهم. (2)
" التعليق:
لقد تفطن السلف إلى حيل المبتدعة وعرفوها، فلذا حذروا منها وجعلوا لمن ينتحلها علامات إذا رأوها منه. وكما يقال: التاريخ يعيد نفسه، فمن قال الآن: وهابية أو أتباع ابن تيمية وابن القيم أو مجسمة وما أشبه ذلك، فاعلم أنه مبتدع ضال، قصده الطعن فيمن رد الناس إلى عقيدة السلف.
- وفي أصول الاعتقاد: عنه قال: قول الأئمة المأخوذ به في الإسلام والسنة، الإيمان بالرؤية والتصديق بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرؤية. (3)
- وفي السير واجتماع الجيوش الإسلامية: عن أبي العباس السراج قال: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: هذا قول الأئمة في الإسلام وأهل السنة والجماعة، نعرف ربنا عز وجل في السماء السابعة على عرشه. كما قال تعالى: {الرحمن على العرش استوى} (4). (5)
_________
(1) السنة للخلال (5/ 140) والإبانة (1/ 12/299/ 78) والشريعة (1/ 233/205).
(2) ذم الكلام (ص.257).
(3) أصول الاعتقاد (3/ 561/886).
(4) طه الآية (5).
(5) السير (11/ 20) واجتماع الجيوش الإسلامية (ص.212).(3/476)
موقفه من المرجئة:
جاء في السير: وقيل: كان سبب نزوح قتيبة من مدينة بلخ، وانقطاعه بقرية بغلان، أنه حضر عنده مالك، وجاءه إبراهيم بن يوسف البلخي للسماع، فبرز قتيبة، وقال: هذا من المرجئة، فأخرجه مالك من مجلسه -وكان لإبراهيم صورة كبيرة ببلده- فعادى قتيبة، وأخرجه. (1)
سُحْنُون (2) (240 هـ)
عبد السلام بن سعيد بن حبيب بن حسان الإمام العلامة فقيه المغرب أبو سعيد التنوخي الحمصي الأصل، المغربي القيرواني، قاضي القيروان، وصاحب 'المدونة' ويلقب بـ "سحنون" بفتح السين وضمها، وهو اسم طائر بالمغرب، يوصف بالفطنة والتحرز. سمع من سفيان بن عيينة وعبد الله بن وهب وابن القاسم ووكيع بن الجراح وأشهب والوليد بن مسلم وطائفة. أخذ عنه ولده محمد فقيه القيروان وأصبغ بن خليل القرطبي وبقي بن مخلد وعيسى بن مسكين وسعيد بن نمر الغافقي وعدة. قال يونس بن عبد الأعلى: سحنون سيد أهل المغرب. وقال أشهب: ما قدم علينا مثل سحنون. من أقواله: أكل بالمسكنة، ولا أكل بالعلم. محب الدنيا أعمى لم ينوره العلم. ما أقبح بالعالم أن يأتي الأمراء، والله ما دخلت على السلطان إلا وإذا خرجت
_________
(1) السير (11/ 20).
(2) وفيات الأعيان (3/ 180 - 182) وترتيب المدارك (1/ 339 - 363) ورياض النفوس (1/ 345 - 375) والديباج المذهب (2/ 30 - 40) والسير (12/ 63 - 69) وتاريخ الإسلام (حوادث 231 - 240/ص.247 - 249).(3/477)
حاسبت نفسي، فوجدت عليها الدرك، وأنتم ترون مخالفتي لهواه، وما ألقاه به من الغلظة، والله ما أخذت ولا لبست لهم ثوبا. توفي سنة أربعين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- وسئل سحنون: أيسع العالم أن يقول: لا أدري فيما يدري؟ قال: أما ما فيه كتاب أو سنة ثابتة فلا، وأما ما كان من هذا الرأي، فإنه يسعه ذلك لأنه لا يدري أمصيب هو أم مخطئ. (1)
- وعنه قال: إني لأخرج من الدنيا، ولا يسألني الله عن مسألة قلت فيها برأيي، وما أكثر ما لا أعرف. (2)
- قال سحنون بن سعيد: ما أدري ما هذا الرأي؟ سُفكت به الدماء، واستحلت به الفروج، واستحقت به الحقوق، غير أنا رأينا رجلا صالحا فقلدناه. (3)
- وعن يحيى بن عون: قال: دخلت مع سحنون على ابن القصار وهو مريض فقال: ما هذا القلق؟ قال له: الموت والقدوم على الله. قال له سحنون: ألست مصدقا بالرسل والبعث والحساب والجنة والنار، وأن أفضل هذه الأمة أبو بكر ثم عمر، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يرى يوم القيامة، وأنه على العرش استوى، ولا تخرج على الأئمة بالسيف، وإن جاروا. قال: إي والله، فقال: مت إذا شئت، مت إذا شئت. (4)
_________
(1) السير (12/ 65).
(2) السير (12/ 69).
(3) إعلام الموقعين (1/ 79).
(4) السير (12/ 67).(3/478)
موقفه من الرافضة:
قال العتبي وسئل سحنون عمن قال: إن جبريل أخطأ بالوحي، وإنما كان لعلي ابن أبي طالب إلا أن جبريل أخطأ الوحي، هل يستتاب أو يقتل ولا يستتاب؟ قال: بل يستتاب، فإن تاب وإلا قتل: قيل: فإن شتم أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر أو عثمان أو علي أو معاوية أو عمرو بن العاص؟ فقال لي: أما إذا شتمهم فقال إنهم كانوا على ضلال وكفر، قتل، وإن شتمهم بغير هذا كما يشتم الناس رأيت أن ينكل نكالا شديدا. (1)
موقفه من الجهمية:
لم تقف بدعة الجهمية في المشرق، بل تجاوزت إلى المغرب، وتبناها الكثير من ضعفاء العقول والجهلة بالأثر والفقه السلفي، وحكام مغرضون وافقت أهواءهم، وقاموا بنفس الامتحان الذي قام به حكام المشرق. ولكن وجدوا الجبال الراسيات، التي ثبتها الله، زيادة على مشربهم السلفي، فرحمة الله على الجميع. وقد ذكر القاضي عياض في 'ترتيب المدارك' جملة كبيرة من هذا النموذج، وكذلك الدباغ في 'معالم الإيمان في تاريخ القيروان' وأبو العرب والخشني وغيرهم، مما لو جمع لكان جيشا كبيرا سلفيا، وقد أخذت بعض النماذج في هذا البحث المبارك، ولعل الله يطيل في العمر ونكمل الباقي إن شاء الله. وإليكم الإمام الكبير سحنون بن سعيد.
- جاء في معالم الإيمان: قال غير واحد من العلماء بالأثر: كان
_________
(1) رياض الجنة بتخريج أصول السنة لابن أبي زمنين (308 - 309).(3/479)
سحنون قد حضر جنازة وهب -وكان أخاه من الرضاعة- فتقدم ابن أبي الجواد الذي كان قاضيا قبله -وكان يذهب إلى رأي الكوفيين، ويقول بالمخلوق- فصلى عليها، فرجع سحنون ولم يصل خلفه، فبلغ ذلك الأمير "زيادة الله"، فأمر أن يوجه إلى عامل القيروان أن يضرب سحنونا خمسمائة سوط، ويحلق رأسه ولحيته، فبلغ ذلك وزيره علي بن حميد فأمر الوزير أن يتوقف، وتلطف حتى دخل على الأمير وقت القائلة، وقد نام، فقال له: ما شيء بلغني في كذا؟ قال: نعم، قال: لا تفعل، فإن الغير إنما هلك بضربه البهلول بن راشد، فقال: وهذا مثل بهلول؟ قال: نعم، وقد حبست البريد شفقة على الأمير، فشكره ولم ينفذ أمره. وبينما سحنون يقرئ الناس إذ أتاه الخبر بما أراح الله منه، وقيل له: لو ذهبت إلى علي بن حميد فشكرته؟ قال: لا أفعل، قيل له: لو وجهت ابنك لذلك؟ فأبى، قال: ولكني أحمد الله الذي حرك ابن حميد لهذا، فهو أولى بالشكر، وأقبل على إسماعه، فقال له قوم من أصحابه: لهذا كتب والله اسمك بالحبر على الرقوق.
قال ابن وضاح: كنت عند سحنون فجاء إنسان فساره شيئا، فتغير لونه، ثم جاءه آخر فساره فرجعت إليه نفسه، ثم قال: لم أبلغ أنا مبلغ من ضرب، إنما يضرب مثل مالك وابن المسيب.
ولما ولي أحمد بن الأغلب الإمارة، وأخذ الناس بالمحنة بالقرآن، وخطب به بالقيروان، توجه سحنون إلى عبد الرحيم الزاهد بقصر زياد فارا، فكان عنده، فوجه في طلبه إلى هنالك رجلا يقال له:(3/480)
ابن السلطان، وكان مبغضا في سحنون بغضا عظيما، اختاره لذلك في خيل وجهها معه. فلما وصل إلى سحنون قال له ابن السلطان: وجهني الأمير إليك، وقصدني لبغضي فيك، لأبلغ منك، وقد حالت نيتي عن ذلك، وأنا أبذل دمي دون دمك، فاذهب حيث شئت من البلاد أو أقم، فأنا معك. فشكره سحنون وقال: ما كنت أعرضك لهذا، بل أذهب معك. فخرج وشيعه أصحابه، وقال عبد الرحيم للرسول: قل للأمير: أوحشتنا من صاحبنا وأخينا في هذا الشهر العظيم، -وكان شهر رمضان- سلبك الله ما أنت فيه وأوحشك. وفي رواية عارضتني في ضيفي، فوالله لأعرضنك على رب العالمين.
فلما وصل إلى الأمير، جمع له قواده وقاضيه ابن أبي الجواد وغيره، وسأله عن القرآن، فقال سحنون: أما شيء أبتدئه من نفسي فلا، ولكن سمعت من تعلمت منه وأخذت عنه كلهم يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، فقال ابن أبي الجواد: كفر اقتله، ودمه في عنقي، وقال غيره مثله ممن يرى رأيه وقال بعضهم: يقطع أرباعا ويجعل كل ربع بموضع من المدينة. ويقال هذا جزاء من لم يقل بكذا.
فقال الأمير لداود بن حمزة: ما تقول أنت؟ قال: قتله بالسيف راحة، ويقال إن قائل هذا علي بن حميد ومحمد بن أحمد الحضرمي ورجال السنة من أصحاب السلطان، ولكن اقتله قتل الحياة، تأخذ عليه الضمناء وينادى عليه بسماط القيروان أن لا يفتي ولا يسمع أحدا ويلزم داره ففعل ذلك وأخذ عليه عشرة حملاء، ويقال إن ابن أبي الجواد هو الذي أمر بأخذ الحملاء عليه.
قال سهل: فدخلت عليه ومعي دراهم أشتري بها ثيابي من الحرس إن أخذوني، فعافاني الله فقلت: البدعة فاشية، وأهلها أعزاء، فقال لي: أما علمت(3/481)
أن الله إذا أراد قطع بدعة أظهرها، وما كان إلا زمن قليل ومات الأمير. (1)
" التعليق:
هكذا يكرم الله عباده الصالحين بالنجاة من الظالمين، فيهيئ لذلك من الأسباب والأشخاص ما لا يدخل في حساب الناجي.
وهذا الإمام سحنون الذي خلد الله ذكره في الأولين والآخرين، يثبت على عقيدة السلف، ويقف سدا منيعا أمام دعاة الجهمية؛ حكام وعلماء سوء والكل يسبحون في بحر من الضلال والجهل، وسحنون هذا، كان في وقته بمنزلة الإمام أحمد وأمثاله، فلو أجاب إلى هذه البدعة لأجاب كل علماء السلف الذين بإفريقية، ولكن جعل نفسه فداء لعقيدة السلف كما سبقه إلى ذلك جبال راسيات من السلفيين الأخيار، رحمهم الله، وجعلهم في أعلى عليين، وجعلنا وشباب العالم الإسلامي على منهاجهم، إنه سميع مجيب.
- وفي نقض المنطق للحافظ ابن تيمية: قال سحنون: من العلم بالله السكوت عن غير ما وصف به نفسه. (2)
_________
(1) معالم الإيمان (2/ 93 - 95).
(2) نقض المنطق (ص.5).(3/482)
عبد العزيز بن يحيى الكِنَاني (1) (240 هـ)
عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم بن ميمون الكناني المكي الفقيه صاحب كتاب 'الحيدة' وكان يلقب بالغول لدمامة منظره. روى عن سفيان بن عيينة ومروان بن معاوية الفزاري وعبد الله بن معاذ الصنعاني والشافعي وهشام بن سليمان المخزومي. روى عنه أبو العيناء محمد بن القاسم والحسين بن الفضل البجلي وأبو بكر يعقوب بن إبراهيم التيمي. قال الخطيب: قدم بغداد زمن المأمون، وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن، وكان من أهل العلم والفضل. توفي سنة أربعين ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- آثاره في العقيدة السلفية:
1 - كتاب الحيدة:
هذا شخص مبارك يعرفه من قرأ له كتابه 'الحيدة' وهو من أروع الكتب التي حملت قوة علم السلفيين، وشجاعتهم، وقوة ثباتهم وعدم مبالاتهم بالسلطان المبتدع الضال، ومن قرأ الكتاب يتبين له جهل المبتدعة بالمعقول والمنقول، وأن سلاحهم الوحيد في نشر بدعهم هو الحيلة والمكر والروغان المستمر، وعدم معرفتهم بباطلهم والرجوع إلى الحق. ولما لهذا الكتاب من مكانة في العقيدة السلفية، حاول أعداء هذه المدرسة الطعن في الشخص والكتاب، ولكن كما قال الشاعر:
_________
(1) ميزان الاعتدال (2/ 639) وتاريخ بغداد (10/ 449 - 450) وشذرات الذهب (2/ 95) وتهذيب التهذيب (6/ 363 - 364).(3/483)
كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وكما قال آخر:
وهل حط قدر البدر عند طلوعه ... إذا ما الكلاب أنكرته فهرت
وما إن يضر البحر إن قام أحمق ... على شطه يرمي إليه بصخرة
2 - الرد على الجهمية:
نقل منه الإمام ابن القيم في اجتماع الجيوش، وذكره شيخ الإسلام في درء التعارض وغيره.
وهذا نموذج منه: باب قول الجهمي في قوله: {الرحمن على العرش استوى} (1)، زعمت الجهمية أن معنى استوى استولى، من قول العرب استوى فاطن على مصر، يريدون استولى عليها، قال: فيقال له: هل يكون خلق من خلق الله أتت عليه مدة ليس بمستول عليه؟ فإذا قال: لا، قيل له: فمن زعم ذلك فهو كافر، فيقال له: يلزمك أن تقول: إن العرش أتت عليه مدة ليس الله بمستول عليه، وذلك لأنه أخبر أنه سبحانه خلق العرش قبل السموات والأرض ثم استوى عليه بعد خلقهن، فيلزمك أن تقول المدة التي كان العرش قبل خلق السموات والأرض ليس الله تعالى بمستول عليه فيها، ثم ذكر كلاما طويلا في تقرير العلو والاحتجاج عليه. (2)
_________
(1) طه الآية (5).
(2) اجتماع الجيوش (ص.203).(3/484)
- مناظرته لبشر بن غياث المريسي:
عن عبد العزيز بن يحيى المكي الكناني: أرسل لي أمير المؤمنين المأمون فأحضرني، وأحضر بشر بن غياث المريسي فدخلنا عليه، فلما جلسنا بين يديه، قال: إن الناس قد أحبوا أن تجتمعا وتتناظرا، فأردت أن يكون ذلك بحضرتي، فَأَصِّلا فيما بينكما أصلا إن اختلفتما في فرع رجعتما إلى الأصل، فإن انقضى فيما بينكما أمره إلا كانت لكما عودة. قال عبد العزيز: قلت: يا أمير المؤمنين، إني رجل لم يسمع أمير المؤمنين كلامي قبل هذا اليوم، وقد سمع كلام بشر ودار في مسامعه، فصار دقيق كلامه جليلا عند أمير المؤمنين وفي بعض كلامي دقة، فإن رأى أمير المؤمنين أن أتكلم، فأقدم من كلامي شيئا يتبين به الكلمة التي تدق على سامعها ولا تغبى إذا طرت على أهل المجلس، قال: ونزهته أن أواجهه بها. فقال: قل يا عبد العزيز. قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إنه من ألحد في كتاب الله جاحدا أو زائدا، لم يناظر بالتأويل ولا بالتفسير ولا بالحديث. قال: فبم يناظر؟ قلت له: بالتنزيل. قال الله عزوجل لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} (1) وقال: {إِنَّمَا أنذركم بِالْوَحْيِ} (2) وقال لليهود حين ادعت تحريم أشياء لم
_________
(1) الرعد الآية (30).
(2) الأنبياء الآية (45).(3/485)
يحرمها: {قُلْ فَأْتُوا بالتوراة فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صادقين} (1) وإنما يكون التأويل والتفسير لمن قرأ التنزيل، فأما من ألحد في تنزيل القرآن وخالفه، لم يناظر بتأويله ولا بالحديث. قال عبد العزيز: فقال المأمون: أو يخالفك في التنزيل؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، يخالفني في التنزيل، أو ليتركن قوله.
قال: فقال: سله. قلت له: يا بشر: ما حجتك بأن القرآن مخلوق؟ انظر أَحَدَّ سهم في كنانتك فارمني به، ولا تكن بك حاجة إلى معاودة، فقال: قوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (2). قال: فقلت للمأمون: يا أمير المؤمنين من أخذ بمكيال فعليه أن يعطي به. فقال لي: ذاك يلزمه. فقلت له: أخبرني عن قوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (3)، هل بقي شيء لم يأت عليه هذا الخبر؟ فقال لي: لا. قلت له: أخبرني عن علم الله الذي أخبر عنه في خمسة مواضع، فقال في البقرة: {ولا يحيطون بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} (4) وقال في النساء: {لَكِنِ اللَّهُ يشهد بما أنزل إليك أنزله بِعِلْمِهِ} (5) وقال: {فَإِنْ لَمْ يستجيبوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أنزل بِعِلْمِ اللَّهِ} (6) وقال في فاطر: {وما
_________
(1) آل عمران الآية (93).
(2) الأنعام الآية (102).
(3) الأنعام الآية (102).
(4) البقرة الآية (255).
(5) النساء الآية (166).
(6) هود الآية (14).(3/486)
تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى ولا تضع إِلًّا بِعِلْمِهِ} (1) وقال في سجدة المؤمن: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى ولا تضع إِلًّا بِعِلْمِهِ} (2) أفمقر أنت أن لله علما كما أخبر عن علمه أو تخالف التنزيل؟
قال عبد العزيز: فحاد بشر عن جوابي وأبى أن يصرح بالكفر، فيقول: ليس لله علم، فأرجع بالمسئلة وعلم ما يلزمه فأقول له: أخبرني عن علم الله داخل في قوله: {خَالِقُ كُلِّ شيءٍ}، فلزم الحيدة واجتلب كلاما لم أسأله عنه، فقال: معنى ذلك لا يجهل، فقلت: يا أمير المؤمنين، فلا يكون الخبر عن المعنى قبل الإقرار بالشيء يقر أن لله علما، فإن سألته ما معنى العلم، وليس هذا مما أسأله عنه، فيجيب بهذا إن كان هذا جوابا حاد عن الجواب ولزم سبيل الكفار. فقال لي بشر: وتعرف الحيدة؟ قال: قلت: نعم، إني لأعرف الحيدة من كتاب الله وهي سبيل الكفار التي اتبعتها. فقال لي المأمون: والحيدة نجدها في كتاب الله؟ قلت: نعم، وفي سنة المسلمين وفي اللغة. فقال لي: فأين هي من كتاب الله؟
قال عبد العزيز: قلت: إن إبراهيم عليه السلام قال لقومه: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} (3) فكانوا بين أمرين: أن يقولوا: يسمعوننا حين ندعوا أو ينفعوننا أو يضروننا، فيشهد
_________
(1) فاطر الآية (11).
(2) فصلت الآية (47).
(3) الشعراء الآيتان (72و73).(3/487)
عليهم من يسمع قولهم أنهم قد كذبوا، أو يقولوا: لا يسمعوننا حين ندعوا ولا يضروننا ولا ينفعوننا، فينفوا عن آلهتهم المقدرة، فبأي الخبرين أجابوا كانت الحجة عليهم لإبراهيم عليه السلام فحادوا عن جوابه واجتلبوا كلاما من غير فن كلامه، فقالوا: {وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (1)، ولم يكن هذا جوابا عن مسألة إبراهيم. ويروى أن عمر بن الخطاب قال لمعاوية وقد قدم عليه فنظر إليه يكاد يتفقأ شحما، فقال: ما هذه الشحمة يا معاوية، لعلها من نومة الضحى ورد الخصم؟ فقال (2): يا أمير المؤمنين، إذا تصونني يرحمك الله، فقد صدق بشر أن الله لا يجهل، إنما سألته أن يقر بالعلم الذي أخبر الله عنه، فأبى أن يقر به وحاد عن جوابي إلى نفي الجهل، فليقل أن لله علما وأن الله لا يجهل، ثم التفت إلي بشر فقلت: يا بشر أنا وأنت نقول أن الله لا يجهل، وأنا أقول أن لله علما وأنت تأبى أن تقوله، فدع ما تقول وأقول، وما لا تقول ولا أقول، وإنما مناظرتي إياك فيما أقول ولا تقول، أو تقول ولا أقول، قال: وهو في ذلك يأبى أن يقر أن لله علما، ويقول: إن الله لا يجهل، فلما أكثر، قلت: يا أمير المؤمنين، إن نفي السوء لا يثبت المدحة، وكنت متكئا على أسطوانة، قلت: هذه الأسطوانة لا تجهل ولا تعلم، فليس نفي الجهل بإثبات للعلم، فإثباته ما أثبت الله أولى به، لأن على الناس أن يثبتوا ما أثبت الله، وينفوا ما نفى الله، ويمسكوا حيث أمسك الله.
ثم قلت: يا أمير المؤمنين: لم يمدح الله ملكا ولا نبيا ولا مؤمنا بنفي
_________
(1) الشعراء الآية (74).
(2) وقع هنا سقط في الإبانة وما بين المعقوفتين مثبت من كتاب الحيدة (ص.54 - 55) بتحقيق د. جيل صليبا).(3/488)
الجهل، بل دل على إثبات العلم، فقال تعالى للملائكة: {كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يعلمون مَا تَفْعَلُونَ} (1)، ولم يقل: لا يجهلون. وقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (2) وقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (3)، ولم يقل: الذين لا يجهلون، فمن أثبت العلم، نفى الجهل، ومن نفى الجهل، لم يثبت العلم، فما اختار بشر لله من حيث اختار الله لنفسه، ولا من حيث اختار لملائكته ولرسله وللمؤمنين.
فقال لي أمير المؤمنين: فإذا أقر أن لله علما يكون ماذا؟ قلت: يا أمير المؤمنين أسأله عن علم الله، أداخل هو في جملة الأشياء المخلوقة حين احتج بقوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (4)، وزعم أنه لم يبق شيء إلا وقد أتى عليه هذا الخبر، فإن قال: نعم، فقد شبه الله بخلقه الذين أخرجهم الله من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا، وكل من تقدم وجوده علمه فقد دخل عليه الجهل فيما بين وجوده إلى حدوث علمه، وهذه صفة المخلوقين الذين أخرجهم الله من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا، فيكون بِشر قد شبه الله بخلقه. فقال لي أمير المؤمنين: أحسنت أحسنت يا عبد العزيز، ثم التفت إلى بشر، فقال: يأبى
_________
(1) الانفطار الآيتان (11و12).
(2) التوبة الآية (43).
(3) فاطر الآية (28).
(4) الأنعام الآية (102).(3/489)
عليك عبد العزيز إلا أن تقر أن لله علما، ثم قال لي أمير المؤمنين: تقول إن الله عالم؟ قلت: نعم. قال: وتقول أن لله علما؟ قلت: نعم. قال: تقول إن الله سميع بصير؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فتقول أن لله سمعا وبصرا كما قلت أن لله علما؟ قال: قلت: لا يا أمير المؤمنين. فقال لي: فرق بين هذين. قال: فأقبل بشر، فقال: يا أمير المؤمنين يا أفقه الناس يا أعلم الناس يقول الله عز وجل: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (18) (1) قال: قلت: قد قدمت إلى أمير المؤمنين فيما احتججت به أن على المؤمنين أن يثبتوا ما أثبت الله وينفوا ما نفى الله، ويمسكوا عن ما أمسك الله، فأخبرني الله أنه عالم، فقلت: إنه عالم بقوله: {عَالِمُ الغيب والشهادة} (2) وأخبرني أن له علما بقوله: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أنزل بِعِلْمِ اللَّهِ} (3)، وأخبرني أنه سميع بصير، فقلت بالخبر ولم يخبرني أن له سمعا وبصرا، فأمسكت.
فقال المأمون: ما هو مشبها فلا تكذبوا عليه. فقال لي بشر: فما معنى العلم، لو أن رجلين وردا عليك فقالا ما معنى العلم؟ فحلف أحدهما بالطلاق أن العلم هو الله، وقال الآخر: أن العلم غير الله، ما كان جوابك؟ قلت: أما مسألتك إياي ما معنى العلم، فإنك تسألني عما لم يخبرني الله به ولم يخبر
_________
(1) الأنبياء الآية (18).
(2) الأنعام الآية (73).
(3) هود الآية (14).(3/490)
أحدا، فأمرتني أن أقول على الله ما لم أعلم كما أمر الشيطان، فأولى الأمرين بي أن أمسك عما حرم الله علي أن أقول به، وأمرني الشيطان أن أقوله. قال الله عزوجل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (1) وقال: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (2) ثم أقبلت على المأمون، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن بشرا قد علم أنه قد أفحم فلم يكن عنده جواب، فيسأل عما لم يكن له أن يسأل عنه ولا يكون لي أن أجيب عنه، فأراد أن يقول إن عبد العزيز سأل بشرا عن مسألة فلم يجبه، وسأل بشر عبد العزيز فلم يجبه، فأنا وبشر يا أمير المؤمنين من مسألتي ومسألته على غير السواء، سألته عما أعلمه الله به ووقعه عليه بالإعلام وتعبده بالإيمان به لقوله: {وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أنزل اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} (3)
فأبى أن يقر به، وسألني عن معنى العلم وقد ستر الله ذلك عني وعنه، وإنما يدخل النقص علي لو كان بشر يعلم أو أحد العلماء ما العلم، فأما ما نجتمع أنا وبشر والخلق في الجهل بمعرفته، فلم يكن الضرر داخلا علي
_________
(1) الأعراف الآية (33).
(2) البقرة الآيتان (168و169).
(3) الشورى الآية (15) ..(3/491)
دونه، وهذه مسألة لا يحل لمؤمن أن يسأل عنها ولمؤمن أن يجيب فيها، لأن الله عز وجل أمسك عن أن يخبر كيف علمه، فلم يكن لأحد أن يتكلفه ولا يخبر عنه ولا لسائل أن يسأل عنه، فلما كان علينا أن نقول سميعا بصيرا، قلنا، وليس لنا أن نقول: سمع وبصر.
قال عبد العزيز: وقلت لبشر: حين تسألني ما معنى العلم وتشير علي أن أقول على الله ما لم يقله، هل تجوز هذه المسألة في خلق من خلق الله؟ قد قال الله عز وجل: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (1)، فلو ورد علي ثلاثة نفر فحلف أحدهم أن الأقلام خشب، وحلف الآخر أنها قصب، وحلف الآخر أنها خوص، كان علي أن أميز بين قول هؤلاء؟ وقال الله عز وجل: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} (2)، فلو ورد علي رجلان فحلف أحدهما أنه الزهرة، وحلف الآخر أنه المشتري، أكان علي أن أنظر بين هذين أيهما المصيب من المخطئ؟ وقال عز وجل: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (3)، فلو أن ثلاثة نفر حلفوا فقال أحدهم: المؤذن ملك، وقال الآخر: هو إنسي، وقال الآخر: هو جني، كان علي أو على أحد من الناس أن يقضي بينهم إلا أن يكون الله أخبر في كتابه كيف ذلك وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -؟ وإذا لم يوجد شيء من هذا عن الله ولا عن
_________
(1) آل عمران الآية (44).
(2) الأنعام الآية (76).
(3) الأعراف الآية (44).(3/492)
رسوله، لم يكن لأحد أن يصل الخبر بتفسير من تلقاء نفسه، فإذا كان هذا لا يجوز في خلق من خلق الله، فكيف تجوز المسألة في الله، وقد حرم الله عز وجل على الناس أن يقولوا على الله ما لا يعلمون؟
قال عبد العزيز: ورأيته قد حار في يدي، فقلت: يا أمير المؤمنين احتج بشر بقوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (1) فليعط بالمكيال الذي أراد أن يأخذ به إن كان صادقا. قال الله عز وجل: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} (2)، {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (3) وقال: {ويحذركم اللَّهُ نَفْسَهُ} (4) وقال: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (5) فأخبر أن له نفسا. وقال: {كل نَفْسٍ ذائقة الْمَوْتِ} (6) فلو أن ملحدا ألحد علي وعلى بشر، فقال: قد أخبر الله أن كل نفس ذائقة الموت، وأن له نفسا، ما كانت الحجة لي وله عليه.
قال: فقال بشر: إن كنت تريد نفس ضمير أو توهم جارحة. فقلت: كم ألقي إليك أني أقول بالخبر وأمسك عن علم ما ستر عني، وإنما أقول: إن
_________
(1) الأنعام الآية (102).
(2) المائدة الآية (116).
(3) الأنعام الآية (54).
(4) آل عمران الآية (28).
(5) طه الآية (41).
(6) آل عمران الآية (185).(3/493)
لله نفسا كما قال، فليكن معناها عندك ما شئت، أهي داخلة في قوله: {كل نفس ذائقة الموت}؟ إلى كم تفر إلى المعاني؟ انظر هل أجري معك حيث تجري؟ قال: فقال المأمون: ويحك يا عبد العزيز كيف هذا؟ قلت: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل أنزل القرآن بأخبار خاصة وعامة، ففيها ما يكون مخرجها مخرج العموم ومعناها معنى العموم، ومنه خبر مخرج لفظه مخرج خاص ومعناه معنى خاص، منهما خبران محكمان لا ينصرفان بإلحاد ملحد، ومن القرآن خبر مخرج لفظه خاص ومعناه عام، وخبر مخرج لفظه عام ومعناه خاص، وفي هذه دخلت الشبه على من لم يعرف خاص القرآن وعامه، فأما الخبر الذي مخرجه عام ومعناه عام، فقوله: {وَلَهُ كل شَيْءٍ} (1) فجمع هذا الخبر الخلق والأمر فلم يبق شيء إلا وقد أخبر أنه له، فمخرجه عام ومعناه عام، وأما الخبر الذي مخرجه خاص ومعناه خاص فما قدم في عيسى عليه السلام أنه خلق من غير أب، وفي آدم عليه السلام. وقال: {يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذكرٍ وَأُنْثَى} (2)، فلم يتوهم مؤمن أن الله عز وجل عنى آدم وعيسى. وأما الخبر الذي مخرجه خاص ومعناه عام، فهو قوله: {وَأَنَّهُ هُوَ رب الشِّعْرَى} (3) فهو رب الشعرى وغير الشعرى.
_________
(1) النمل الآية (91).
(2) الحجرات الآية (13).
(3) النجم الآية (49).(3/494)
وأما الخبر الذي معناه خاص، فهو قوله: {إِلَّا آَلَ لُوطٍ نجيناهم بِسَحَرٍ} (1) إنما كان معناه خاصا، لأن امرأة لوط لم تعن، ولما أنزل الله عز وجل القرآن على معاني هذه الأخبار، لم يتركها أشباها على الناس، ولكن بيانها خاص لقوم يفقهون، وإذا أنزل الله خبرا مخرج لفظه خاص ومعناه عام، بين في أكثر ذلك ما بينه بأحد بيانين: إما أن يستثني من الجملة شيئا فيكون بيانا للناس أكملهم، أو يقدم فيهم خبرا خاصا فلا يعينه، فإذا أنزل خبرا عاما لم يتوهم عالم أنه عنى في خبره العام خلاف ما خصه ونصه.
وأما الخبر الذي بين له على العموم ثم يستثني ما لم يعنه، فهو قوله: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} (2) فعقل المؤمنون أن الألف السنة لم يستكملها نوح في قومه قبل الطوفان بقول الله عز وجل: {إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}، فكان ابتداء لفظه عاما ومعناه خاصا بالاستثناء.
وأما الخبر الخاص الذي لا يجري عليه الخبر العام، فهو كقوله في إبليس: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} (3)، وقال: {ورحمتي وسعت كُلَّ شَيْءٍ} (4)، فعقل أهل العلم عن الله أنه لم يعن إبليس
_________
(1) القمر الآية (34).
(2) العنكبوت الآية (14).
(3) ص الآية (85).
(4) الأعراف الآية (156).(3/495)
بقوله: {ورحمتي وسعت كُلَّ شَيْءٍ} لما قدم فيه من الخبر الخاص باليأس من رحمة الله لأن من سنته أن لا يترك الذي لا يعني حتى يخرجه بالاستثناء أو محاشاة، فيقدم فيه خبرا كقوله: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} (1) قال إبراهيم عليه السلام: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} (2)، فاستثنى لوطا من أهل القرية، واستثنى امرأة لوط من آل لوط.
وقال في موضع آخر: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} (3) وقال: {مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ} (4)، فخص المرأة بالهلاك، وأنزل خبرا مخرجه مخرج عام، ومعناه خاص، فقال: {إِلَّا آَلَ لُوطٍ نجيناهم بِسَحَرٍ} (5) فعقل المؤمنون عن الله أنه لم يعن امرأة لوط بالنجاة، لما قدم فيها من الخبر الخاص بالهلكة، وكذلك حين قدم في نفسه خبرا خاصا، فقال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} (6) ثم قال: {كل نَفْسٍ
_________
(1) العنكبوت الآية (31).
(2) العنكبوت الآية (32).
(3) النمل الآية (57).
(4) العنكبوت الآية (31).
(5) القمر الآية (34).
(6) الفرقان الآية (58).(3/496)
ذائقة الْمَوْتِ} (1)، فلم يكن لأحد أن يتوهم على الله أنه عنى نفسه، وكذلك حين قدم في قوله خبرا خاصا، فقال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (2)، فدل على قوله باسم معرفة وعلى الشيء باسم نكرة فكانا شيئين متفرقين، فقال: {إذا أردناه} ولم يقل إذا أردناهما ولم يقل أن نقول لهما ثم قال: {كُنْ فيكون}، ففرق بين القول والشيء المخلوق. ثم قال: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (3)، فعقل أهل العلم عن الله أنه لم يعن قوله في جملة الأشياء المخلوقة حين قدم فيه خبرا أنه خلق الأشياء بقوله، وإنما غلط بشر يا أمير المؤمنين ومن قال بقوله بخاص القرآن وعامه.
قال عبد العزيز: ثم أقبلت على المأمون، فقلت: يا أمير المؤمنين إن بشرا خالف كتاب الله وسنة رسوله، وإجماع أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -. فقال: أو فعل ذلك؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، أوقفك عليه الساعة. فقال لي كيف؟ قلت: إن اليهود ادعت تحريم أشياء في التوراة، فقال الله عز وجل: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (4) فإذا تليت التوراة فلم يوجد ما ادعوا، كان إمساك التوراة مسقطا لدعواهم، وكذلك يقال لبشر:
_________
(1) آل عمران الآية (185).
(2) النحل الآية (40).
(3) الأنعام الآية (102).
(4) آل عمران الآية (93).(3/497)
اتل بما قلت قرآنا وإلا فإن إمساك القرآن بما تدعي مسقط لدعواك، وكذلك تنظر في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن كانت معه سنة من رسول الله، وإلا كان إمساك سنة رسول الله مسقطا لدعواه، وأما خلافه أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن أصحاب محمد اختلفوا في الحلال والحرام ومخارج الأحكام، فلم يخطئ بعضهم بعضا، فهم من أن يبدع بعضهم بعضا أبعد، وهم من أن يكفر بعضهم بعضا بالتأويل أبعد، وبشر ادعى على الأمة كلها كلمة تأولها، ثم زعم أن من خالفه كافر، فهو خارج من إجماع أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال بشر: ما ادعيت إلا نص التنزيل.
قال: قلت له: هات، فأنا أول من يقول بقولك إن كان معك تنزيل، ومن خالف فكافر. قال: فقال محمد بن الجهم: أولا تقبل منه إلا نص القرآن؟ قلت: لا، لأنه إذا تأول فلخصمه أن يتأول معه. قال: فقال لي محمد بن الجهم: ومن أين لك من القرآن أن هذا الحصير مخلوق؟ قلت: هو في القرآن من حيث لا تعلم، وقد أخبر الله أنه خلق الأنعام وخلق الشجر، وهذا الحصير من الشجر ومن جلود الأنعام، فمعك أنت شيء تخبرني أن القرآن من ذلك الشيء الذي خلقه الله؟ قال بشر: معي نص القرآن.
قال: فقلت: فكيف لم تأتني به أولا حين قلت لك ارمني بأحدّ سهم في كنانتك؟ قال: فقال نعم، قول الله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (1) قلت: لا أعلم أحدا من المؤمنين لا يقول إن الله قد جعل القرآن عربيا وكل
_________
(1) الزخرف الآية (3).(3/498)
المؤمنين يقولون: إن الله قد جعل القرآن عربيا، فقد قالوا معك بالتنزيل ولم يخالفوا التنزيل، وأنت إنما كفرت القوم بمعنى جعل لأن معنى جعل عندك معنى خلق. قال بشر: ما بين جعل وخلق فرق. قلت لبشر: أخبرني عن جعل عندك حرف محكم لا يحتمل إلا معنى خلق؟ قال: نعم، لا يعقل جعل في لغة من اللغات إلا معنى خلق.
قلت: فأخبرني عن قول الله عز وجل: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} (1) معناه معنى خلقتم؟ أخبرني عن قول الله عز وجل: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} (2) معناه: لا تخلقوا؟ أخبرني عن قوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (3) معناه: لا تخلقوا؟ قال: فقال لي المأمون: فما معناه؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين هذا رجل جاهل بلغة قومك، إن "جعل" في كتاب الله يحتمل معنيين: معنى خلق، ومعنى تصيير غير خلق، فلما كان خلق حرفا محكما لا يحتمل معنيين، ولم يكن من صناعة العباد، لم يتعبد الله الخلق به، فيقول: اخلقوا أولا تخلقوا، إذ لم يكن الخلق من صناعة المخلوقين، ولما كان جعل يحتمل معنيين: معنى خلق، وهو معنى تفرد الله به دون الخلق، ويحتمل معنى غير الخلق، خاطب الخلق بالأمر به والنهي عنه، أفقال: اجعلوا ولا تجعلوا؟ ألم تسمع إلى قوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ
_________
(1) النحل الآية (91).
(2) البقرة الآية (224).
(3) النور الآية (63).(3/499)
الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (1)، وقوله: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} (2)، ولما كان جعل يحتمل معنيين من الله: معنى خلق، ومعنى تصيير غير خلق، لم يدع ذلك لبسا على المؤمنين حتى جعل على كل كلمة علما ودليلا، ففرق بين معنى جعل الذي يكون على معنى خلق، وبين جعل الذي معناه غير معنى خلق، فأما معنى جعل الذي هو على معنى خلق، فإن الله عز وجل أنزل القرآن به مفصلا وهو بيان لقوم يفقهون، وأنزل القول مفصلا يستغني السامع إذا أخبر عنه أن يوصل الكلمة بكلمة أخرى، من ذلك قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (3) فسواء قال: جعل أو خلق. وقوله: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} (4) وقوله: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} (5)، فهذا وما كان على مثاله على معنى خلق. وأما جعل الذي معناه على غير معنى الخلق، فهذا من القول الموصل. ألم تسمع إلى قوله: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (6)، كقوله: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي
_________
(1) النور الآية (63).
(2) يونس الآية (87).
(3) الأنعام الآية (1) ..
(4) النحل الآية (72).
(5) السجدة الآية (9).
(6) القصص الآية (51).(3/500)
الأرض} (1)، فلما قال: {جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً}، لم يدع الكلمة إذ لم تكن على معنى خلق حتى وصلها بقوله: {خَلِيفَةً}. وقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} (2)، فلم يأمرها أن تلقيه في اليم إلا وهو مخلوق، ثم قال: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (3) فقد كان في وقت مخلوقا ولم يكن مرسلا حتى جعله مرسلا. وقوله: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (4)، وقد كان الجبل مخلوقا قبل أن يجعله دكا، فهذا وما على مثاله من القول الموصل، فنرجع أنا وبشر -يا أمير المؤمنين- فيما اختلفنا فيه من قول الله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (5)، فما كان من القول الموصل، فهو كما قلت أنا: إن الله جعله عربيا، بأن صيره عربيا، وأنزله بلغة العرب، ولم يصيره أعجميا، فينزله بلغة العجم.
وإن كان الموصل كقوله: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (6) فهو كما
_________
(1) ص الآية (26).
(2) القصص الآية (7).
(3) القصص الآية (7).
(4) الأعراف الآية (143).
(5) الزخرف الآية (3).
(6) الأنعام الآية (1).(3/501)
قال بشر. وإنما دخل عليه الجهل لقلة معرفته بلغة أهل اللسان، فلو أن رجلا قال: اللهم اجعل لي ولدا، لكان يعقل من بحضرته أنه سأل ربه أن يخلق له ولدا، إذ لم يصل الكلمة بكلمة ثانية، ولو قال: اللهم اجعل ولدي، كان هذا الكلام لا يتم بهذا الإخبار عنه، حتى يقول: اجعله صالحا، اجعله بارا، اجعله تقيا، فيعقل عنه أنه إنما أراد أن يصيره بارا، ولم يرد أن يخلقه، لأن الله قد خلقه. ألم تسمع إلى قول الله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} (1)، ولم يرفعا القواعد إلا وهما مخلوقان، وحين قالا: {وَاجْعَلْنَا}، لم يدركا المسألة حتى قال: {مُسْلِمَيْنِ لَكَ} فهذا وما كان على أمثاله في القرآن على غير معنى الخلق. ثم أقبل المأمون على بشر، فقال: كلم عبد العزيز، فقال: يا أمير المؤمنين لم أكلمه؟ هذا رجل يقول بالأخبار وأنا أقول بالقياس.
فقال له المأمون: وهل ديننا إلا الأخبار؟ قال: فأردت أن أعلمه أن الكلام في القياس لم يفتني في الموضع الذي يجب لي القول به، وكان جلس أمير المؤمنين مجلس الحاكم من الخصم، فقلت: يا أمير المؤمنين، لو كان لبشر غلامان، وأنا لا آخذ علمهما عن أحد من الناس إلا عنه، يقال لأحدهما خالد والآخر يزيد، فكتب إلي ثمانية عشر كتابا يقول في كل كتاب منها:
_________
(1) البقرة الآيتان (127و128).(3/502)
ادفع هذا الكتاب إلى خالد غلامي، وكتب إلي مئة وأربعة وخمسين كتابا يقول في كل كتاب منها: ادفع هذا الكتاب إلى يزيد، ولا يقول: غلامي، وكتب إليَّ كتابا، فقال: ادفع هذا الكتاب إلى يزيد وإلى خالد غلامي، وكتب إلي كتابا واحدا يقول فيه: خالد غلامي ويزيد، ولم يقل: غلامي، فكتبت إليه: إني قد دفعت الكتاب إلى يزيد، وإلى خالد غلامك، فلقيني فقال: لم لم تكتب إلي أنك دفعت الكتاب إلى خالد ويزيد غلامي، فقلت له: قد كتبت إلي مئة كتاب وأربعة وخمسين كتابا تقول: ادفع هذا الكتاب إلى يزيد، ولا تقول فيها: غلامي، وكتبت إلي ثمانية عشر كتابا تقول فيها: إلى خالد غلامي. فقال لي بشر: فرطت، فحلفت أنا: إن بشرا فرط وحلف بشر أني فرطت، أينا كان المفرط يا أمير المؤمنين؟
فقال المأمون: إذا كان هكذا فبشر المفرط. فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل أخبرنا عن القرآن في أربعة وخمسين ومئة موضع، فلم يخبر عن خلقه في موضوع واحد، ثم جمع بين القرآن والإنسان في موضع واحد، فقال: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (1) ففرق بين القرآن والإنسان وزعم بشر أن الله فرط في الكتاب، إذ كان القرآن مخلوقا، وعليه أن يخبر بخلق القرآن. قال عبد العزيز: فأخبرني أبو كامل الخادم أن المأمون كان يقول: ما مر بكم مثل المكي قط في خالد ويزيد. فأمر له -يعني: لعبد العزيز- بعشرة آلاف درهم، وأمر أن تجرى له
_________
(1) الرحمن الآيات (1 - 4).(3/503)
الأرزاق، وجرت بينه وبين المأمون بعد أشياء لم تذكر في هذا الكتاب. (1)
- قال أبو أيوب -عبد الوهاب بن عمرو-: وأخبرني العطاف بن مسلم عن هؤلاء المسلمين في صدر هذا الكتاب، وعن غيرهم من أصحاب المكي: أن عبد العزيز قال: اجتمعت مع أمير المؤمنين بعد هذا المجلس، فجرت بيني وبينه مناظرات كثيرة، فقال لي بعدما جرى بيننا: ويحك يا عبد العزيز، قل القرآن مخلوق، فوالله لأوطئن الرجال عقبك، ولا نوهن باسمك، فإن لم تقل، فانظر ما ينزل بك مني. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن القلوب لا ترد بالرغبة ولا بالرهبة، ترغبني فتقول: قل حتى أفعل لك، وإن لم تفعل، انظر ماذا ينزل بك مني، فيميل إليك لساني ولا ينطق لك قلبي، فأكون قد نافقتك يا أمير المؤمنين. فقال: ويحك فبماذا ترد القلوب؟ قال: قلت: بالبصائر يا أمير المؤمنين، بصرني من أين القرآن مخلوق؟ فقال لي: صدقت. (2)
موقف السلف من أحمد بن أبي دؤاد (240 هـ)
ابتداعه وضلاله وتجهمه:
للسلف مواقف كثيرة من هذا الضال المبتدع ذكرت في ثنايا هذه المسيرة المباركة هذه بعضها:
- قال الذهبي في السير: قال عون بن محمد الكندي: لعهدي بالكرخ،
_________
(1) الإبانة (2/ 14/226 - 248/ 426).
(2) الإبانة (2/ 14/248/ 427).(3/504)
ولو أن رجلا قال: ابن أبي دؤاد مسلم، لقتل. ثم وقع الحريق في الكرخ، فلم يكن مثله قط. فكلم ابن أبي دُؤاد المعتصم في الناس، ورققه إلى أن أطلق له خمسة آلاف ألف درهم، فقسمها على الناس، وغرم من ماله جملة. فلعهدي بالكرخ، ولو أن إنسانا، قال: زر أحمد بن أبي دُؤاد وسخ، لقتل. (1)
- وقال: وقد كان ابن أبي دؤاد يوم المحنة إلبا على الإمام أحمد، يقول: يا أمير المؤمنين، اقتله، هو ضال مضل. قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي سمعت بشر بن الوليد يقول: استتبت أحمد بن أبي دؤاد من قوله: القرآن مخلوق في ليلة ثلاث مرات، ثم يرجع. (2)
- وقد كان ابن أبي دؤاد محسنا إلى علي بن المديني بالمال، لأنه بلديه ولشيء آخر، وقد شاخ ورمي بالفالج، وعاده عبد العزيز الكناني، وقال: لم آتك عائدا، بل لأحمد الله على أن سجنك في جلدك. (3)
- وفي تاريخ بغداد عن أحمد بن المعدل أنه قال: كتب ابن أبي دؤاد إلى رجل من أهل المدينة -يتوهم أنه عبد الله بن موسى بن جعفر بن محمد-: إن بايعت أمير المؤمنين في مقالته استوجبت منه حسن المكافأة، وإن امتنعت لم تأمن مكروهه. فكتب إليه: عصمنا الله وإياك من الفتنة، وكأنه إن يفعل فأعظم بها نعمة، وإلا فهي الهلكة، نحن نرى الكلام في القرآن بدعة، يشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس
_________
(1) السير (11/ 170).
(2) السير (11/ 170).
(3) السير (11/ 170).(3/505)
عليه، ولا يعلم خالقا إلا الله، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، فانته بنفسك ومخافتك إلى اسمه الذي سماه الله به، وذر الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون، ولا تسم القرآن باسم من عندك فتكون من الضالين. فلما وقف على جوابه أعرض عنه فلم يذكره. (1)
- وفيه أيضا: من شعر أبي الحجاج الأعرابي:
نكست الدين يا ابن أبي دؤاد ... فأصبح من أطاعك في ارتداد
زعمت كلام ربك كان خلقا ... أما لك عند ربك من معاد
كلام الله أنزله بعلم ... وأنزله على خير العباد
ومن أمسى ببابك مستضيفا ... كمن حل الفلاة بغير زاد
لقد أظرفت يا ابن أبي دؤاد ... بقولك أنني رجل إيادي (2)
أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد الجزري (3) (من الطبقة العاشرة)
عبد الله بن محمد بن إسحاق الجزري أبو عبد الرحمن الأذرمي الموصلي، روى عن إسحاق بن يوسف الأزرق، وحكام بن سلم الرازي وداود بن عطاء المديني وسفيان بن عيينة وغيرهم. وروى عنه أبو داود والنسائي وأبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، وأبو حاتم الرازي وخلق. قال أبو حاتم والنسائي: ثقة. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان الواثق بالله أشخص
_________
(1) تاريخ بغداد (4/ 151).
(2) تاريخ بغداد (4/ 152 - 153).
(3) تاريخ بغداد (10/ 74) وتهذيب الكمال (16/ 42 - 43) وتهذيب التهذيب (6/ 4) وتقريب التهذيب (1/ 528).(3/506)
شيخا من أهل أذنة للمحنة وناظر ابن أبي دؤاد بحضرته واستعلى عليه الشيخ بحجته فأطلقه الواثق ورده إلى وطنه، ويقال إنه كان أبا عبد الرحمن الأذرمي. قال ابن حجر: ثقة من العاشرة.
موقفه من الجهمية:
عن أبي الفضل صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور الهاشمي، وكان من وجوه هاشم وأهل الجلالة والسن منهم، قال: حضرت المهتدي بالله -أمير المؤمنين- رحمة الله عليه وقد جلس ينظر في أمور المسلمين في دار العامة، فنظرت إلى قصص الناس تقرأ عليه من أولها إلى آخرها فيأمرنا بالتوقيع فيها وإنشاء الكتب لأصحابها، وتختم وتدفع إلى صاحبه بين يديه، فيسرني ذلك، وجعلت أنظر إليه ففطن ونظر إلي، فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مرارا ثلاثا، إذا نظر إلي غضضت وإذا اشتغل نظرت، فقال لي: يا صالح، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، وقمت قائما، فقال: في نفسك منا شيء تريد (1) أن تقوله، أو قال: تحب أن تقوله؟ قلت: نعم يا سيدي يا أمير المؤمنين، فقال: عد إلى موضعك، فعدت. وعاد في النظر حتى إذا قام قال للحاجب: لا يبرح صالح.
فانصرف الناس، ثم أذن لي وقد همتني نفسي، فدخلت فدعوت له، فقال لي: اجلس فجلست. فقال: يا صالح تقول لي ما دار في نفسك أو أقول أنا ما دار في نفسك أنه دار في نفسك؟ قلت: يا أمير المؤمنين ما تعزم عليه وما تأمر به؟ فقال: وأقول أنا كأني بك وقد استحسنت ما رأيت منا،
_________
(1) في الإبانة: (تحب) والتصحيح من تاريخ بغداد.(3/507)
فقلت: أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول: القرآن مخلوق، فورد على قلبي أمر عظيم، وهمتني نفسي ثم قلت: يا نفس هل تموتين إلا مرة واحدة، وهل تموتين قبل أجلك، وهل يجوز الكذب في جد أو هزل؟ فقلت: والله يا أمير المؤمنين ما دار في نفسي إلا ما قلت. أطرق مليا، ثم قال: ويحك، اسمع مني ما أقول لك، فوالله لتسمعن الحق، فسري عني وقلت: يا سيدي ومن أولى بالحق منك وأنت خليفة رب العالمين، وابن عم سيد المرسلين من الأولين والآخرين؟ فقال لي: ما زلت أقول إن القرآن مخلوق صدرا من خلافة الواثق حتى أقدم علينا ابن أبي دؤاد شيخا من أهل الشام -من أهل أذنة- فأدخل الشيخ على الواثق وهو جميل الوجه، تام القامة، حسن الشيبة، فرأيت الواثق قد استحيا منه ورق له، فمازال يدنيه (1) ويقربه حتى قرب منه، فسلم الشيخ فأحسن السلام، ودعا فأبلغ وأوجز، فقال له الواثق: اجلس، ثم قال له: يا شيخ ناظر ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ابن أبي دؤاد يقل ويضعف عن المناظرة، فغضب الواثق وعاد مكان الرقة له غضبا عليه، فقال أبو عبد الله: ابن أبي دؤاد يصبو ويقل ويضعف عن مناظرتك أنت؟
فقال الشيخ: هون عليك يا أمير المؤمنين ما بك، وائذن لي في مناظرته. فقال الواثق: ما دعوتك إلا لمناظرته. فقال الشيخ: يا أحمد إلى ما دعوت الناس ودعوتني إليه؟ فقال: إلى أن تقول القرآن مخلوق. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تحفظ علي وعليه ما نقول. قال: أفعل. فقال الشيخ: يا
_________
(1) في الأصل (يدينه) ولعل الصواب ما أثبتناه.(3/508)
أحمد أخبرني عن مقالتك هذه، واجبة داخلة في عقدة الدين، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه ما قلت؟ قال: نعم. قال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بعثه الله عز وجل إلى عباده، هل ستر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أمره الله به في دينه؟
قال: لا. قال الشيخ: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمة إلى مقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دؤاد. فقال الشيخ: تكلم. فسكت، فالتفت الشيخ إلى الواثق، فقال: يا أمير المؤمنين واحدة. فقال الواثق: واحدة. فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن الله سبحانه حين أنزل القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1) كان الله عز وجل الصادق في إكمال دينه أم أنت الصادق في نقصانه، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه بمقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دؤاد، فقال الشيخ: أجب يا أحمد فلم يجبه.
فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين اثنتان. فقال الواثق: اثنتان. فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه، علمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم جهلها؟ فقال ابن أبي دؤاد: علمها. قال الشيخ: فدعا الناس إليها؟ فسكت ابن أبي دؤاد. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ثلاث. فقال الواثق: ثلاث. فقال الشيخ: يا أحمد فاتسع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ علمها كما زعمت، ولم يطالب أمته بها؟ قال: نعم. قال الشيخ: واتسع لأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان،
_________
(1) المائدة الآية (3).(3/509)
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم؟ فقال ابن أبي دؤاد: نعم. فأعرض الشيخ عنه، فأقبل على الواثق، فقال: يا أمير المؤمنين قدمت القول أن أحمد يصبو ويقل ويضعف عن المناظرة، يا أمير المؤمنين إن لم يتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم من ذلك.
فقال الواثق: نعم، إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فلا وسع الله علينا، اقطعوا قيد الشيخ. فلما قطع، ضرب الشيخ بيده إلى القيد ليأخذه، فجاذبه الحداد عليه، فقال الواثق: دع الشيخ ليأخذه، فأخذه الشيخ فوضعه في كمه، فقال الواثق: لم جاذبته عليه؟ قال الشيخ: لأني نويت أن أتقدم إلى من أوصي إليه إذا أنا مت أن يجعله بيني وبين كفني حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة، وأقول: يا رب سل عبدك هذا لم قيدني؟ وروع أهلي وولدي وإخواني بلا حق أوجب ذلك علي؟ وبكى الشيخ، فبكى الواثق فبكينا، ثم سأله الواثق أن يجعله في حل وسعة مما ناله، فقال الشيخ: والله يا أمير المؤمنين لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ كنت رجلا من أهله.
فقال الواثق: لي إليك حاجة، فقال الشيخ: إن كانت ممكنة فعلت. فقال الواثق: تقيم قبلنا، فينتفع بك فتياننا. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إن ردك إياي إلى الموضع الذي أخرجني منه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عليك، وأخبرك بما في ذلك أصير إلى أهلي وولدي، فأكف دعاءهم، فقد(3/510)
خلفتهم على ذلك. فقال الواثق: فتقبل منا صلة تستعين بها على دهرك. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين لا تحل لي أنا عنها غني، وذو مرة سوي، قال: فاسأل حاجتك. قال: أو تقضيها يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: تخلي سبيلي الساعة وتأذن لي فيه. قال: لقد أذنت لك. فسلم عليه الشيخ وخرج. قال صالح: قال المهتدي بالله: فرجعت عن هذه المقالة من ذلك اليوم، وأظن الواثق بالله كان رجع عنها من ذلك الوقت. (1)
- قال ابن بطة في الإبانة: رأيت في كتب بعض شيوخنا بخطه: حدثنا أبو موسى -محمد بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى بن منصور- قال: أخبرنا صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور، قال: كنت يوما بين يدي أمير المؤمنين المهتدي بالله رحمة الله عليه، وقد جلس للنظر في المظالم للعامة، فجعلت أنظر إليه، فذكر نحو القصة الأولى أو شبيها بها حتى بلغ منها قوله: يا أحمد أخبرني عن الله عز وجل حين نزل على رسوله في القرآن: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (2)، وقلت أنت: الدين لا يكون كاملا حتى يقال بمقالتك، أكان الله الصادق في إكماله، أم أنت الصادق في نقصانه؟ فسكت أحمد، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين هذه ثنتان.
ثم قال الشيخ: يا أحمد الكلمة التي يكون الله تعالى بها الأشياء من أي شيء خلقها؟ فسكت أحمد، فقال الشيخ: ثلاث يا أمير المؤمنين. ثم قال
_________
(1) الإبانة (2/ 14/269 - 274/ 452) وتاريخ بغداد (10/ 75 - 78).
(2) المائدة الآية (3).(3/511)
الشيخ: يا أحمد أخبرني حيث كان الله في وحدانيته قبل أن يخلق الخلق كان تاما أو ناقصا؟ قال: بل تاما. قال: فكيف يكون تاما من لا كلام له؟ فسكت أحمد فقال: أربع يا أمير المؤمنين. قال الشيخ: يا أحمد أكان الله عالما تام العلم، أم كان جاهلا؟ فسكت أحمد. فقال: خمس يا أمير المؤمنين. ثم قال الشيخ: يا أحمد قوله: {ولكن حق القول مني} (1) الكلمة منه أم خلقها من غيره؟ فأمسك أحمد، فقال: ست يا أمير المؤمنين.
وذكر من القصة في القيد وغيرها شبيها بما مضى في الخبر الأول وزاد فيه: قال الواثق: يا شيخ زد أحمد من هذه الحجج لعله يرجع عن هذه المقالة. قال: يا أمير المؤمنين عليكم نزل العلم، ومنكم اقتبسناه، ثم قال الشيخ: يا أحمد قد علمنا وعلمت أن الله عز وجل قال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (2) أليس ما أنزل الله على رسوله؟ قال: نعم. قال: فهل تقدر أن تقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغنا هذا الذي تدعونا إليه؟ أم هذه المقالة في كتاب الله أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - حتى نتابعك عليها، وإن قلت: إنه لم يبلغنا، فقد نسبت رسول الله إلى التقصير في أمر الله، وأنه كتم أمرا أمره الله إبلاغنا إياه، فسكت أحمد فلم يجبه بشيء. قال الشيخ: يا أحمد قول الله عز وجل: يا
_________
(1) السجدة الآية (13).
(2) المائدة الآية (67).(3/512)
موسى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} (1) أفيجوز أن يكون هذا مخلوقا؟ فسكت أحمد. قال الواثق: يا شيخ سلني حاجة. قال: حاجتي أن تردني الساعة إلى منزلي الذي أخرجت عنه، فأمر برده مكرما. قال صالح: فقال أمير المؤمنين المهتدي بالله: فرجعت في ذلك اليوم عن تلك المقالة، ورجع أمير المؤمنين الواثق، ولم نسمعه يناظر في شيء من ذلك القول حتى مات. (2)
_________
(1) طه الآية (14).
(2) الإبانة (2/ 14/275 - 277/ 453).(3/513)
أحمد بن حنبل (1) (241 هـ)
أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الإمام حقا وشيخ الإسلام صدقا أبو عبد الله الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي أحد الأئمة الأعلام. روى عن الشافعي ومعتمر بن سليمان ومحمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق بن همام ووكيع بن الجراح وعدة. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وإبراهيم الحربي وابناه صالح وعبد الله وأبو حاتم وأبو زرعة وطائفة. قال أبو عبيد: إني لأتدين بذكر أحمد، ما رأيت رجلا أعلم بالسنة منه. قال المزني: أحمد بن حنبل يوم المحنة، وأبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم الجمل وصفين. وقال الشافعي: خرجت من العراق، فما تركت رجلا أفضل ولا أعلم ولا أورع ولا أتقى من أحمد بن حنبل. وقال أبو الحسن الطرخاباذي الهمداني: أحمد ابن حنبل محنة به يعرف المسلم من الزنديق.
ومناقبه كثيرة، قد أفردها العلماء بالتأليف كابن الجوزي والبيهقي وغيرهما. توفي رحمه الله سنة إحدى وأربعين ومائتين.
موقفه من المبتدعة:
- عن إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثت عن أحمد بن حنبل، وذكر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تفترق الأمة على نيف وسبعين فرقة، كلها في النار
_________
(1) طبقات ابن سعد (7/ 354 - 355) والجرح والتعديل (1/ 292 - 313) والحلية (9/ 161 - 233) وتاريخ بغداد (4/ 412 - 423) ووفيات الأعيان (1/ 63 - 65) وتهذيب الكمال (1/ 437 - 470) وتذكرة الحفاظ (1/ 431 - 432) والوافي بالوفيات (6/ 363 - 369) والبداية والنهاية (10/ 340 - 358) والسير (11/ 177 - 358).(4/1)
إلا فرقة" (1)، فقال: إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم. (2)
- جاء في طبقات الحنابلة: عن أحمد بن حنبل -في تفسير حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا " (3)؟ - قال: هم أصحاب الحديث. (4)
- وفيها: رأى أحمد بن حنبل أصحاب الحديث، وقد خرجوا من عند محدث والمحابر بأيديهم. فقال أحمد: إن لم يكن هؤلاء الناس، فلا أدري من الناس؟. (5)
- وفيها: حدثنا أحمد بن مروان الخزاعي، حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: ما الناس إلا من يقول: حدثنا، وأخبرنا، وسائر الناس لا خير فيهم. (6)
- وفيها بالسند إلى أبي إسماعيل الترمذي قال: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، فقال له أحمد بن
_________
(1) أحمد (4/ 102) وأبو داود (5/ 5 - 6/ 4597) والحاكم (1/ 128) من حديث معاوية بن أبي سفيان وقال: "هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث" ووافقه الذهبي. وقال العراقي في تخريج الأحياء (4/ 1879): "ورواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه، ولأبي داود من حديث معاوية وابن ماجه من حديث عوف وأنس ابن مالك وأسانيدها جياد". والحديث صححه غير واحد من أهل العلم. انظر الصحيحة (1/ 204).
(2) شرف أصحاب الحديث (25) وتلبيس إبليس (400).
(3) أخرجه: أحمد (4/ 200) وابن ماجه (1/ 5/8 المقدمة) وابن حبان (الإحسان 2/ 32 - 33/ 326) عن أبي عنبة الخولاني وقال البوصيري في الزوائد (1/ 44): "هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات".
(4) طبقات الحنابلة (1/ 391).
(5) طبقات الحنابلة (1/ 426).
(6) طبقات الحنابلة (3/ 136).(4/2)
الحسن: يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه ويقول: زنديق زنديق زنديق فدخل البيت. (1)
- وفيها قال أحمد: من كذَّب بالرواية فهو زنديق. (2)
- وفيها: قال المروذي سئل أحمد: أمر في الطريق فأسمع الإقامة: ترى أن أصلي؟ فقال: قد كنت أسهل، فأما إذ كثرت البدع (3) فلا تصل إلا خلف من تعرف. (4)
- وفيها: حدثنا الفضل قال: سمعت أبا عبد الله وسئل عن الرجل يسأل عن الشيء من المسائل، فيرشد صاحب المسألة إلى رجل يسأله عنها، هل عليه شيء في ذلك؟ فقال: إذا كان الرجل متبعا أرشده إليه فلا بأس، قيل له فيفتي بقول مالك وهؤلاء؟ قال: لا، إلا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآثاره وما روي عن أصحابه، فإن لم يكن روي عن أصحابه شيء فعن التابعين. (5)
" التعليق:
لله در هذا الإمام ما أعظم حرصه على السنة، ماذا يقول مقلدة الحنابلة وغيرهم في هذا إذا ظهر لهم الدليل؟ فهذا الإمام يشترط في الفتوى
_________
(1) طبقات الحنابلة (1/ 38) وشرف أصحاب الحديث (ص.74) وذم الكلام (78) وتلبيس إبليس (400) ومجموع الفتاوى (4/ 96).
(2) طبقات الحنابلة (1/ 95).
(3) المقصود: البدع التي تصل بأصحابها إلى الكفر.
(4) طبقات الحنابلة (1/ 59).
(5) طبقات الحنابلة (2/ 15).(4/3)
أن تكون مصحوبة بسنة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو آثار عن الصحابة أو التابعين. أما الذي يفتي الفتوى مجردة عن الدليل فلم يأذن الإمام في استفتائه.
- وفي فتح الباري: عن أحمد: يؤخذ العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عن الصحابة فإن لم يكن فهو في التابعين مخير. (1)
- وفي طبقات الحنابلة: قال أبو عبد الله: إنما على الناس اتباع الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة صحيحها من سقيمها ثم يتبعها إذا لم يكن لها مخالف، ثم بعد ذلك قول أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأكابر وأئمة الهدى يتبعون على ما قالوا وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك لا يخالفون إذا لم يكن قول بعضهم لبعض مخالفا، فإذا اختلفوا نظر في الكتاب بأي قولهم كان أشبه بالكتاب أخذ به أو كان أشبه بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ به، فإن لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، نظر في قول التابعين فأي قولهم كان أشبه بالكتاب والسنة أخذ به وترك ما أحدث الناس بعدهم. (2)
- وقال قتيبة: خير أهل زماننا ابن المبارك، ثم هذا الشاب، يعني: أحمد ابن حنبل، وإذا رأيت رجلا يحب أحمد، فاعلم أنه صاحب سنة. ولو أدرك عصر الثوري، والأوزاعي، والليث، لكان هو المقدم عليهم. فقيل لقتيبة: يضم أحمد إلى التابعين؟ قال: إلى كبار التابعين. وقال قتيبة: لولا الثوري،
_________
(1) الفتح (3/ 29).
(2) طبقات الحنابلة (2/ 15 - 16).(4/4)
لمات الورع، ولولا أحمد لأحدثوا في الدين، أحمد إمام الدنيا. (1)
- قال حنبل صليت بأبي عبد الله العصر، فصلى معنا رجل يقال له محمد بن سعيد الختلي، وكان يعرفه بالسنة. فقعد أبو عبد الله بعد الصلاة، وبقيت أنا وهو والختلي في المسجد ما معنا رابع. فقال لأبي عبد الله: نهيت عن زيد بن خلف أن لا يكلم؟ قال: كتب إلي أهل الثغر يسألوني عن أمره، فكتبت إليهم، فأخبرتهم بمذهبه وما أحدث، وأمرتهم أن لا يجالسوه، فاندفع الختلي على أبي عبد الله، فقال: والله لأردنك إلى محبسك، ولأدقن أضلاعك ... في كلام كثير. فقال لي أبو عبد الله: لا تكلمه ولا تجبه. وأخذ أبو عبد الله نعليه وقام فدخل وقال: مر السكان أن لا يكلموه ولا يردوا عليه. فما زال يصيح، ثم خرج. فلما كان بعد ذلك، ذهب هذا الختلي إلى شعيب، وكان قد ولي على قضاء بغداد، وكانت له في يديه وصية، فسأله عنها، ثم قال له شعيب: يا عدو الله، وثبت على أحمد بالأمس، ثم جئت تطلب الوصية، إنما أردت أن تتقرب إلي بذا، فزبره، ثم أقامه. فخرج بعد إلى حسبة العسكر. (2)
- عن أحمد بن شهاب الإسفراييني: سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عمن نكتب في طريقنا؟ فقال: عليكم بهناد، وبسفيان بن وكيع، وبمكة ابن أبي عمر، وإياكم أن تكتبوا، يعني: عن أحد من أصحاب الأهواء، قليلا ولا
_________
(1) السير (11/ 195).
(2) السير (11/ 221).(4/5)
كثيرا. عليكم بأصحاب الآثار والسنن. (1)
- جاء في سير أعلام النبلاء: ثم إن رافعا رفع إلى المتوكل: إن أحمد رَبَّص علويا في منزله، يريد أن يخرجه ويبايع عليه. قال: ولم يكن عندنا علم، فبينا نحن ذات ليلة نيام في الصيف، سمعنا الجلبة، ورأينا النيران في دار أبي عبد الله، فأسرعنا، وإذا به قاعد في إزار، ومظفر بن الكلبي صاحب الخبر، وجماعة معهم، فقرأ صاحب الخبر كتاب المتوكل: ورد على أمير المؤمنين أن عندكم علويا ربصته لتبايع له، وتظهره، في كلام طويل. ثم قال له مظفر: ما تقول؟ قال: ما أعرف من هذا شيئا، وإني لأرى له السمع والطاعة في عسري ويسري، ومنشطي ومكرهي، وأثرة علي، وإني لأدعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار، في كلام كثير. فقال مظفر: قد أمرني أمير المؤمنين أن أحلفك، قال: فأحلفه بالطلاق ثلاثا، أن ما عنده طلبة أمير المؤمنين. ثم فتشوا منزل أبي عبد الله والسرب والغرف والسطوح، وفتشوا تابوت الكتب، وفتشوا النساء والمنازل، فلم يروا شيئا، ولم يحسوا بشيء، ورد الله الذين كفروا بغيظهم، وكتب بذلك إلى المتوكل، فوقع منه موقعا حسنا، وعلم أن أبا عبد الله مكذوب عليه. وكان الذي دس عليه رجل من أهل البدع. ولم يمت حتى بين الله أمره للمسلمين، وهو ابن الثلجي. (2)
- قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: من مات على الإسلام والسنة،
_________
(1) السير (11/ 231).
(2) السير (11/ 266 - 267).(4/6)
مات على الخير؟ فقال: اسكت، بل مات على الخير كله. (1)
- قال أبو مزاحم الخاقاني: قال لي عمي عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان: أمر المتوكل بمسألة أحمد عمن يقلد القضاء، فسألت عمي أن يخرج إلي جوابه، فوجه إلي نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم نسخة الرقعة التي عرضتها على أحمد بن محمد ابن حنبل بعد أن سألته، فأجابني بما قد كتبته. سألته عن أحمد بن رباح، فقال فيه: جهمي معروف، وإنه إن قلد شيئا من أمور المسلمين، كان فيه ضرر عليهم. وسألته عن الخلنجي، فقال فيه: كذلك. وسألته عن شعيب بن سهل، فقال: جهمي معروف بذلك. وسألته عن عبيد الله بن أحمد، فقال: كذلك. وسألته عن المعروف بأبي شعيب، فقال: كذلك. وسألته عن محمد ابن منصور قاضي الأهواز، فقال: كان مع ابن أبي دؤاد، وفي ناحيته وأعماله، إلا أنه كان من أمثلهم. وسألته عن علي بن الجعد، فقال: كان معروفا بالتجهم، ثم بلغني أنه رجع. وسألته عن الفتح بن سهل، فقال: جهمي من أصحاب المريسي. وسألته عن الثلجي، فقال: مبتدع صاحب هوى. وسألته عن إبراهيم بن عتاب، فقال: لا أعرفه إلا أنه كان من أصحاب بشر المريسي، وفي الجملة أن أهل البدع والأهواء، لا ينبغي أن يستعان بهم في شيء من أمور المسلمين مع ما عليه رأي أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه، من التمسك بالسنة والمخالفة لأهل البدع. يقول أحمد بن محمد بن
_________
(1) السير (11/ 296).(4/7)
حنبل: قد سألني عبد الرحمن بن يحيى عن جميع من في هذا الكتاب، وأجبته بما كتب، وكنت عليل العين ضعيفا في بدني، فلم أقدر أن أكتب بخطي، فوقع هذا التوقيع في أسفل القرطاس عبد الله ابني بأمري، وبين يدي. (1)
- قال الخلال: بلينا بقوم جهال، يظنون أنهم علماء. فإذا ذكرنا فضائل أبي عبد الله، يخرجهم الحسد، إلى أن قال بعضهم فيما أخبرني ثقة عنه: أحمد ابن حنبل نبيهم. (2)
- قال صالح ابن الإمام أحمد: وجاء جار لنا قد خضب، فقال أبي: إني لأرى الرجل يحيي شيئا من السنة فأفرح به. (3)
- قال السلمي: حضرت جنازة أبي الفتح القواس مع الدارقطني، فلما نظر إلى الجمع، قال: سمعت أبا سهل بن زياد، يقول: سمعت عبد الله بن أحمد، يقول: سمعت أبي يقول: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز. (4)
- عن الخلال: سمعت عبد الوهاب الوراق: يقول: أظهر الناس في جنازة أحمد بن حنبل السنة والطعن على أهل البدع، فسر الله المسلمين بذلك على ما عندهم من المصيبة لما رأوا من العز وعلو الإسلام، وكبت أهل الزيغ. (5)
- عن أبي العباس الفضل بن زياد قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن
_________
(1) السير (11/ 297 - 298).
(2) السير (11/ 305).
(3) السير (11/ 335) ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص.403).
(4) السير (11/ 340).
(5) السير (11/ 342).(4/8)
محمد بن حنبل يقول: نظرت في المصحف فوجدت فيه طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة وثلاثين موضعا ثم جعل يتلو: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1). وجعل يكررها ويقول: وما الفتنة؟ الشرك لعله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلكه. وجعل يتلو هذه الآية: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (2). (3)
- قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: من رد حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو على شفا هلكة. (4)
" التعليق:
قال ابن بطة: فالله الله إخواني، احذروا مجالسة من قد أصابته الفتنة فزاغ قلبه وعشيت بصيرته واستحكمت للباطل نصرته، فهو يخبط في عشواء ويعشو في ظلمة أن يصيبكم ما أصابهم، فافزعوا إلى مولاكم الكريم فيما أمركم به من دعوته وحضكم عليه من مسألته فقولوا: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ
_________
(1) النور الآية (63).
(2) النساء الآية (65).
(3) الإبانة (1/ 1/260/ 97) وطبقات الحنابلة (1/ 97 - 98).
(4) الإبانة (1/ 1/260/ 97) والفقيه والمتفقه (1/ 289) وطبقات الحنابلة (2/ 15) والسير (11/ 297).(4/9)
الْوَهَّابُ} (1).اهـ (2)
- قال أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل: كتب رجل إلى أبي عبد الله رحمه الله كتابا يستأذنه فيه أن يضع كتابا يشرح فيه الرد على أهل البدع، وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم ويحتج عليهم، فكتب إليه أبو عبد الله: بسم الله الرحمن الرحيم، أحسن الله عاقبتك ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم أنهم كانوا يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمور في التسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله، لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم، فإنهم يلبسون عليك وهم لا يرجعون. فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم، فليتق الله امرؤ وليصر إلى ما يعود عليه نفعه غدا من عمل صالح يقدمه لنفسه، ولا يكن ممن يحدث أمرا فإذا هو خرج منه أراد الحجة فيحمل نفسه على المحال فيه وطلب الحجة لما خرج منه، بحق أو بباطل ليزين به بدعته وما أحدث، وأشد من ذلك أن يكون قد وضعه في كتاب قد حمل عنه، فهو يريد أن يزين ذلك بالحق والباطل وإن وضح له الحق في غيره ونسأل الله التوفيق لنا ولك والسلام عليك. (3)
- عن إسحاق بن إبراهيم بن هانيء قال: سألت أبا عبد الله عن رجل
_________
(1) آل عمران الآية (8).
(2) الإبانة (1/ 1/260 - 261).
(3) الإبانة (2/ 3/471 - 472/ 481).(4/10)
مبتدع داعية يدعو إلى بدعته يجالس؟ قال أبو عبد الله: لا يجالس ولا يكلم لعله يتوب. (1)
- عن حنبل بن إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله يقول: أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم. (2)
- عن أبي بكر المروذي، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ينكر على أصحاب القياس ويتكلم فيهم بكلام شديد. (3)
- عن أبي بكر الأثرم، قال: سمعت أبا عبد الله: أحمد بن حنبل، يقول: إنما هو السنة والاتباع، وإنما القياس أن نقيس على أصل، فأما أن تجيء إلى الأصل فتهدمه، ثم تقول هذا قياس، فعلى أي شيء كان هذا القياس؟.
قيل لأبي عبد الله، فلا ينبغي أن يقيس إلا رجل عالم كبير، يعرف كيف يشبه الشيء بالشيء. فقال: أجل، لا ينبغي. (4)
- عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قلت لأبي: رجل وقعت له مسألة وفي البلد رجل من أهل الحديث فيه ضعف، وفقيه من أهل الرأي، أيهما يسأل، قال: لا تسأل أهل الرأي، ضعيف الحديث خير من قوي الرأي. (5)
- وكتب إلى أبي سليمان الجوزجاني: إن أمسكت عن كتب الرأي
_________
(1) الإبانة (2/ 3/475/ 494).
(2) الإبانة (2/ 3/475/ 495).
(3) الفقيه والمتفقه (1/ 463).
(4) الفقيه والمتفقه (1/ 500).
(5) ذم الكلام (98).(4/11)
سمعنا منك كتب الحديث. وأرسل إلى يحيى بن صالح الوحاظي الحمصي، إن تركت الرأي أتيناك فسمعنا منك. (1)
- وسئل أحمد بن حنبل عن النظر في الرأي فكرهه ونهى عنه. (2)
- وحكي عن أحمد بن حنبل: أنه قال: إذا رأيت الرجل يبغض مالكا، فاعلم أنه مبتدع. (3)
- قال أحمد: من دل على صاحب رأي ليفتنه، فقد أعان على هدم الإسلام. (4)
- قال زياد بن أيوب: سألت أحمد بن حنبل عن أبي ثور؟ فقال: لا يجالس. (5)
- قال أبو داود السجستاني: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلا من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة، أَتْرُكُ كلامَه؟ قال: لا، أو تُعلِمَه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة. فإِنْ تَركَ كلامه فكلمه، وإلا فألحقه به. قال ابن مسعود: المرء بخدنه. (6)
- عن عبد الله بن أحمد حدثنا أبي قال: قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة. وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة، فساق أهل السنة أولياء الله.
_________
(1) ذم الكلام (296).
(2) ذم الكلام (110).
(3) الاعتصام (2/ 631).
(4) طبقات الحنابلة (1/ 54) والسير (12/ 485).
(5) طبقات الحنابلة (1/ 158).
(6) طبقات الحنابلة (1/ 160).(4/12)
وزهاد أهل البدعة أعداء الله. (1)
- عن عبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي قال: قال لي أحمد: إذا سلم الرجل على المبتدع فهو يحبه. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم (2) ". (3)
- عن عبد السلام قال: قلت لأبي عبد الله: إن بطرسوس رجلا قد سمع رأي عبد الله بن المبارك يفتي به. قال: هذا من ضيق علم الرجل، يقلد دينه رجلا، لا يكون واسعا في العلم. (4)
- عن علي بن أبي خالد قال: قلت لأحمد: إن هذا الشيخ -لشيخ حضر معنا- هو جاري وقد نهيته عن رجل، ويحب أن يسمع قولك فيه: حرث القصير -يعني حارثا المحاسبي- وكنت رأيتني معه منذ سنين كثيرة، فقلت لي: لا تجالسه، ولا تكلمه. فلم أكلمه حتى الساعة. وهذا الشيخ يجالسه، فما تقول فيه؟ فرأيت أحمد قد احمر لونه، وانتفخت أوداجه وعيناه. وما رأيته هكذا قط. ثم جعل ينتفض، ويقول: ذاك؟ فعل الله به وفعل. ليس يعرف ذاك إلا من خبره وعرفه، أويه، أويه، أويه. ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره وعرفه. ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان. فأخرجهم إلى رأي جهم. هلكوا بسببه. فقال له الشيخ: يا أبا عبد الله، يروي الحديث، ساكن خاشع،
_________
(1) طبقات الحنابلة (1/ 184).
(2) أخرجه: أحمد (2/ 291) ومسلم (1/ 74/54) وأبو داود (5/ 378/5193) والترمذي (5/ 50/2688) وابن ماجه (1/ 26/68) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) طبقات الحنابلة (1/ 196).
(4) طبقات الحنابلة (1/ 217) وتلبيس إبليس (101) وإعلام الموقعين (2/ 200 - 201).(4/13)
من قصته ومن قصته؟ فغضب أبو عبد الله، وجعل يقول: لا يغرك خشوعه ولينه، ويقول: لا تغتر بتنكيس رأسه. فإنه رجل سوء، ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره. لا تكلمه، ولا كرامة له. كل من حدث بأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مبتدعا تجلس إليه؟ لا، ولا كرامة، ولا نعمى عين. وجعل يقول: ذاك. ذاك. (1)
- عن الفضل بن مهران أبي العباس قال: سألت أحمد، قلت: إن عندنا قوما يجتمعون فيدعون، ويقرءون القرآن، ويذكرون الله. فما ترى فيهم؟ فقال لي أحمد: يقرأ في المصحف، ويذكر الله في نفسه، ويطلب حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: فأخ لي يفعل هذا، فأنهاه؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يقبل؟ قال: بلى، إن شاء الله. فإن هذا محدث: الاجتماع والذي تصف. (2)
- عن الفضل بن نوح قال: قلت لأحمد: أريد الخروج إلى الثغر، وإني أسأل عن هذين الرجلين: عن الكرابيسي، وأبي ثور؟ فقال: احذرهما. (3)
- عن محمد بن بندار السباك الجرجاني قال: قلت لأحمد بن حنبل رضي الله عنه: إني ليشتد علي أن أقول: فلان ضعيف، فلان كذاب. قال أحمد: إذا سكت أنت وسكت أنا، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟ (4)
_________
(1) طبقات الحنابلة (1/ 233 - 234).
(2) طبقات الحنابلة (1/ 255).
(3) طبقات الحنابلة (1/ 255).
(4) طبقات الحنابلة (1/ 287).(4/14)
- عن محمد بن يسر بن بشر بن أبي طاهر البلدي أحد الأصحاب قال أبو بكر الخلال: سمعته يقول: سألت أبا عبد الله عن النظر في الرأي؟ فقال: عليك بالسنة. فقلت له: يا أبا عبد الله، صاحب حديث ينظر في الرأي إنما يريد أن يعرف رأي من خالفه؟ فقال: عليك بالسنة. (1)
- قال أبو طالب: أخبروني عن الكرابيسي أنه ذكر قول الله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (2) قال: لو أكمل لنا ديننا ما كان هذا الاختلاف. فقال: -يعني أحمد بن حنبل- هذا الكفر صراحا. (3)
- سألت أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- عن الكرابيسي، وما أظهر، فكلح وجهه، ثم قال: إنما جاء بلاؤهم من هذه الكتب التي وضعوها، تركوا آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأقبلوا على هذه الكتب. (4)
- وجاء في طبقات الحنابلة: قرأت في كتاب أبي جعفر محمد بن أحمد ابن صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل حدثني عمي زهير بن صالح قال: قرأ علي أبي صالح بن أحمد هذا الكتاب وقال: هذا كتاب عمله أبي رضي الله عنه في مجلسه، ردا على من احتج بظاهر القرآن، وترك ما فسره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودل على معناه، وما يلزم من اتباعه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رحمة الله عليهم. قال
_________
(1) طبقات الحنابلة (1/ 327).
(2) المائدة الآية (3).
(3) طبقات الحنابلة (1/ 40).
(4) شرف أصحاب الحديث (6).(4/15)
أبو عبد الله: إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه بعث محمدا نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لمن اتبعه. وجعل رسوله - صلى الله عليه وسلم - الدال على معنى ما أراد من ظاهره وبالسنة، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما قصد له الكتاب.
فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المعبر عن كتاب الله، الدال على معانيه. شاهده في ذلك أصحابه، من ارتضاه الله لنبيه واصطفاه له. ونقلوا ذلك عنه. فكانوا هم أعلم الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وبما أخبر عن معنى ما أراه الله من ذلك بمشاهدتهم ما قصد له الكتاب. فكانوا هم المعبرين عن ذلك بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال جابر بن عبد الله: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا. فقال قوم: بل نستعمل الظاهر، وتركوا الاستدلال برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقبلوا أخبار أصحابه. وقال ابن عباس للخوارج: أتيتكم من عند أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين والأنصار، ومن عند ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصهره، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله منكم. وليس فيكم منهم أحد. وذكر تمام الكتاب بطوله. (1)
- قال المروذي: قلت لأبي عبد الله -يعني إمامنا أحمد- ترى للرجل أن يشتغل بالصوم والصلاة، ويسكت عن الكلام في أهل البدع؟ فكلح وجهه، وقال: إذا هو صام وصلى واعتزل الناس، أليس إنما هو لنفسه؟ قلت: بلى. قال: فإذا تكلم كان له ولغيره. يتكلم أفضل. (2)
_________
(1) طبقات الحنابلة (2/ 65).
(2) طبقات الحنابلة (2/ 216).(4/16)
- عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: ما تقول في أصحاب الحديث يأتون الشيخ لعله أن يكون مرجئا أو شيعيا أو فيه شيء من خلاف السنة، أيسعني أن أسكت عنه أم أحذر عنه؟ فقال أبي: إن كان يدعو إلى بدعة وهو إمام فيها ويدعو إليها قال: نعم تحذر عنه. (1)
- عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج، قال حدثني جدي قال: سألت أحمد ابن حنبل، قلت: يا أبا عبد الله أيهما أحب إليك: الرجل يكتب الحديث أو يصوم ويصلي؟ قال: يكتب الحديث. قلت: فمن أين فضلت كتابة الحديث على الصوم والصلاة؟ قال: لئلا يقول قائل: إني رأيت قوما على شيء فاتبعتهم.
" التعليق:
قال الخطيب قلت: طلب الحديث في هذا الزمان أفضل من سائر أنواع التطوع لأجل دروس السنن وخمولها، وظهور البدع واستعلاء أهلها. (2)
هذا التعليق من إمام المحدثين الخطيب البغدادي يدل على حراسة كبيرة لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومراقبة لسيرها وانتشارها وكثرة وقلة حملتها وبروز أئمة في علومها، وظهور ما يضادها من مخالفين ومدافعين لها ومزاحمين لها بمناهج ضالة واسعة تستغرق الأعمار والأجيال، ويرى في ظاهرها اللمعان والانجذاب، ويرى رحمه الله أن الغفلة عن هذا التصوير الصحيح يعرض الإسلام تماما للزوال، إلا أن الله ضمن بقاءه على يد الطائفة المنصورة،
_________
(1) الكفاية (46).
(2) شرف أصحاب الحديث (85 - 86).(4/17)
ويعرض الإسلام إلى كثير من التلبيسات والتحريفات المقصودة وذوبانه باسمه وتحت شعاره هذا في زمن الخطيب، فكيف بزماننا نحن الذي انتشرت فيه كل المذاهب الهدامة الكفرية الخارجة عن دائرة الإسلام، ولها أنصار ودول تعضدها وتنفق عليها وتخصص لها أعظم الميزانيات المالية. وأما المخالفون في دائرة الإسلام، فلا تسأل عن تمردهم عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وازدراء أهلها واحتقارهم ووصفهم بكل الأوصاف المشينة ومتابعتهم في كل خطواتهم للزج في كل متاهة سوء لعلهم ينحرفون عن منهاجهم ويرتدون عن أصولهم، ويوافقون كل منافق وناعق في كل ما يريده من انحراف وتحريف. اللهم هيئ للأمة الإسلامية أمر رشد يعز فيها أهل السنة ويذل فيها أهل البدعة والضلالة.
- قال يحيى بن منده في مناقب الإمام: وجدت بخط المؤتمن البغدادي الشيخ الصالح الثقة المتدين رحمه الله، قال: قال أبو يعلى الحنبلي البغدادي: أخرج إلي أبو الفتح عبد الوهاب بن أحمد الحراني صاحبنا هذه الأبيات، قال: وجدتها في كتاب المصباح، قال: أنشدني أبو منصور الفقيه لأحمد بن محمد ابن حنبل رحمه الله:
يا طالب العلم، صارم كل بطال ... وكل غاد إلى الأهواء ميال
واعمل بعلمك سرا أو علانية ... ينفعك يوما على حال من الحال
ولا تميلن -يا هذا- إلى بدع ... تضل أصحابها بالقيل والقال
خذ ما أتاك به ما جاء من أثر ... شبها بشبه وأمثالا بأمثال(4/18)
ألا فكن أثريا خالصا فهما ... تعش حميدا ودع آراء ضلال (1)
- عن أحمد بن حنبل قال: أصول الإيمان ثلاثة: دال، ودليل، ومستدل. فالدال: الله تبارك وتعالى، والدليل: القرآن، والمستدل: المؤمن. فمن طعن على حرف من القرآن فقد طعن على الله تعالى وعلى كتابه وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -. (2)
- وقال أبو عمر بن عبد البر: أنشدني عبد الرحمن بن يحيى قال: أنشدني أبو علي الحسن بن الخضر الأسيوطي بمكة قال: أنشدنا أبو القاسم محمد بن جعفر الأخباري قال: أنشدنا عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه:
دين النبي محمد أخبار ... نعم المطية للفتى الآثار
لا ترغبن عن الحديث وأهله ... فالرأي ليل والحديث نهار
ولربما جهل الفتى أثر الهدى ... والشمس بازغة لها أنوار (3)
- قال الإمام أحمد في خطبته فيما صنفه من 'الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله'، قال: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس
_________
(1) طبقات الحنابلة (3/ 44).
(2) طبقات الحنابلة (3/ 135).
(3) جامع بيان العلم (1/ 782).(4/19)
عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مخالفون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن الضالين. (1)
- عن أبي عبد الرحمن عبيد الله بن أحمد الحلبي قال: سألت أحمد بن حنبل عن محدث كذب في حديث واحد ثم تاب ورجع، قال توبته فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يكتب حديثه أبدا. (2)
- عن الحسين بن منصورقال: سئل أحمد بن حنبل عمن يكتب العلم؟ فقال عن الناس كلهم، إلا عن ثلاثة، صاحب هوى يدعو إليه، أو كذاب فإنه لا يكتب عنه قليل ولا كثير، أو عن رجل يغلط فيرد عليه فلا يقبل. (3)
- قال أحمد: أصول السنة عندنا هي التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء بهم وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات، والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين والسنة عندنا آثار ... وترك الهوى. (4)
- وكان يقول: لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي ولا الثوري،
_________
(1) الرد على الجهمية والزنادقة (ص.85).
(2) الكفاية (117).
(3) الكفاية (144).
(4) أصول الاعتقاد (1/ 176/317).(4/20)
وتعلموا كما تعلمنا. وكان يقول: من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال، وقال: لا تقلد دينك الرجال فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا. (1)
موقفه من المشركين:
- قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: كل من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - أو تنقصه -مسلما كان أو كافرا- فعليه القتل، وأرى أن يقتل ولا يستتاب. قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: كل من نقض العهد وأحدث في الإسلام حدثا مثل هذا رأيت عليه القتل، ليس على هذا أعطوا العهد والذمة، وكذلك قال أبو الصفراء: سألت أبا عبد الله عن رجل من أهل الذمة شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ماذا عليه؟ قال: إذا قامت البينة عليه يقتل من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، مسلما كان أو كافرا. رواهما الخلال. (2)
- عن علي بن عبد الله الطيالسي قال: مسحت يدي على أحمد بن حنبل، ثم مسحت يدي على بدني وهو ينظر، فغضب غضبا شديدا، وجعل ينفض نفسه، ويقول: عمن أخذتم هذا؟ وأنكره إنكارا شديدا. (3)
- جاء في غاية الأماني ردا على القبورية: وأما الإمام أحمد، فذكر الثناء عليه بلفظ الشهادة له بذلك مع الدعاء له بغير الصلاة، ومع دعاء الداعي لنفسه أيضا لم يذكر أن يطلب منه شيئا ولا يقرأ عند القبر: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إذ
_________
(1) الفتاوى (20/ 211 - 212).
(2) الصارم (10).
(3) طبقات الحنابلة (1/ 228) والسير (11/ 225).(4/21)
{ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} (1). (2)
- جاء في طبقات الحنابلة: وكان أحمد إذا نظر إلى نصراني غمض عينيه، فقيل له في ذلك؟ فقال: لا أقدر أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه. (3)
موقفه من الرافضة:
- قال الإمام أحمد: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. إلى أن قال: ومن ولي الخلافة فأجمع عليه الناس ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، فدفع الصدقات إليه جائز برا كان أو فاجرا. (4)
- وجاء في البداية والنهاية: قال أحمد حين اجتاز بحمص وقد حمل إلى المأمون في زمن المحنة، ودخل عليه عمرو بن عثمان الحمصي فقال له: ما تقول في الخلافة؟ فقال: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ومن قدم عليا على عثمان فقد أزرى بأصحاب الشورى لأنهم قدموا عثمان رضي الله عنه. (5)
_________
(1) النساء الآية (64).
(2) غاية الأماني (1/ 179).
(3) الطبقات (1/ 12).
(4) المنهاج (1/ 529).
(5) البداية (10/ 342) ونحوه في المنهاج (1/ 533 - 534).(4/22)
- وجاء في أصول الاعتقاد: عن حنبل قال: سمعت أبا عبد الله يعني أحمد أيضا سئل عن التفضيل فقال: أبو بكر وعمر وعثمان وأما الخلافة فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الخلافة في أمتي ثلاثون سنة وقال ابن عمر: كنا نفاضل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقول أبو بكر ثم عمر ثم عثمان. قال أبو عبد الله: ولا نتعدى الأثر والاتباع، فالاتباع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده لأصحابه إذا رضي أصحابه بذلك، وكانوا هم يفاضلون بعضهم على بعض، هو ذا فلا يعيب بعضهم على بعض فعلينا أن نتبع ما مضى عليه سلفنا ونقتدي بهم رضي الله عنهم. (1)
- وفيه عن محمد بن يزيد المستملي قال: كنت أسأل أحمد بن حنبل عن الخلفاء الراشدين، فيقول: دع هذا، فلززته يوما إلى حائط فسألته عن الخلفاء الراشدين المهديين كأنه جزم عليه فقال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز رحمة الله عليهم. (2)
- وعن إبراهيم بن سويد الأرمني قال: قلت: لأحمد بن حنبل: من الخلفاء؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. قلت: فمعاوية؟ قال: لم يكن أحد أحق بالخلافة في زمن علي من علي رضي الله عنه. ورحم الله معاوية. (3)
- روى ابن عبد البر بسنده إلى أبي علي الحسن بن أحمد بن الليث
_________
(1) أصول الاعتقاد (8/ 1453/2625).
(2) أصول الاعتقاد (8/ 1475/2669).
(3) طبقات الحنابلة (1/ 95).(4/23)
الرازي قال: سألت أحمد بن حنبل فقلت: يا أبا عبد الله. من تفضل؟ فقال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهم الخلفاء، فقال: يا أبا عبد الله. إنما أسألك عن التفضيل من تفضل؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهم الخلفاء الراشدون المهديون، ورد الباب في وجهي. (1)
- وفي السنة للخلال عن أحمد بن حنبل قال: من قال: أبو بكر وعمر وعثمان فهو صاحب سنة، ومن قال: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان فهو رافضي، أو قال: مبتدع. (2)
- وفي السنة لعبد الله أنه قال: سمعت أبي يقول: السنة في التفضيل الذي نذهب إليه إلى ما روي عن ابن عمر يقول: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، وأما الخلافة فنذهب إلى حديث سفينة فيقول: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي في الخلفاء، نستعمل الحديثين جميعا ولا نعيب من ربع بعلي، لقرابته وصهره وإسلامه القديم وعدله. (3)
- وفي السنة للخلال عن محمد بن أبي حسان قال: قلت يا أبا عبد الله كان علي إماما، قال: نعم كان إماما عدلا رحمه الله، وكان عمه حاضرا فقال لي عمه -بحضرة أبي عبد الله وأبو عبد الله يسمع-: هؤلاء الفساق الفجار الذين لا يثبتون إمامة علي: رجل كان يقسم الفيء ويرجم ويقيم الحدود ويسمى أمير المؤمنين فكان خارجي يكذب؟ وأصحاب رسول الله
_________
(1) جامع بيان العلم (2/ 1172).
(2) السنة للخلال (1/ 381).
(3) السنة لعبد الله (243).(4/24)
- صلى الله عليه وسلم - يكذبون، وأبو عبد الله ساكت يتبسم. (1)
- وفي السنة لعبد الله قال: قلت لأبي إن قوما يقولون إنه ليس بخليفة -يعني علي- قال: هذا قول سوء رديء وقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون له: يا أمير المؤمنين، أفنكذبهم؟ وقد حج بالناس وقطع ورجم فيكون هذا إلا خليفة. قلت لأبي: من احتج بحديث عبيدة أنه قال لعلي: رأيك في الجماعة أحب إلي من رأيك في الفرقة، فقال أبي: إنما أراد أمير المؤمنين بذلك أن يضع نفسه بتواضع. قوله -أي علي رضي الله عنه-: خبطتنا فتنة، تواضع بذلك. (2)
- وفي أصول الاعتقاد: عن محمد بن سليمان بن داود قال: نا وزيره ابن محمد قال: دخلت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل حين أظهر التربيع بعلي، فقلت يا أبا عبد الله إن هذه اللفظة توجب الطعن على طلحة والزبير فقال لي: بين ما قلت وما نحن وحرب القوم نذكرها؟ فقلت أصلحك الله إنما ذكرناها حين ربعت وأوجبت له الخلافة وما يجب للأئمة قبله قال: وما يمنعني من ذلك؟ قال: قلت حديث ابن عمر فقال لي: عمر حين طعن، قد رضي عليا للخلافة على المسلمين وأدخله في الشورى وعلي بن أبي طالب قد سمى نفسه أمير المؤمنين فأقول أنا ليس للمؤمنين بأمير! فانصرف عنه. (3)
- قال شيخ الإسلام في المنهاج: وقال أحمد: من لم يربع بعلي في
_________
(1) السنة للخلال (1/ 427).
(2) السنة لعبد الله (243 - 244).
(3) أصول الاعتقاد (8/ 1475/2670) وطبقات الحنابلة (1/ 393).(4/25)
الخلافة فهو أضل من حمار أهله. (1)
- جاء في طبقات الحنابلة: عنه قال: من لم يربع بعلي بن أبي طالب في الخلافة فلا تكلموه ولا تناكحوه. (2)
- وفي المنهاج أنه رحمه الله قال: السيد الحليم (يعني معاوية (، وكان معاوية كريما حليما. (3)
- وفي السنة للخلال عن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت لأحمد ابن حنبل: أليس قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي" (4)؟ قال: بلى، قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم له صهر ونسب، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: ما لهم ولمعاوية، نسأل الله العافية. (5)
- وفيها عن هارون بن عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله: جاءني كتاب من الرقة أن قوما قالوا: لا نقول معاوية خال المؤمنين، فغضب وقال: ما اعتراضهم في هذا الموضع، يجفون حتى يتوبوا. (6)
- وفيها عن محمد بن جعفر أن أبا الحارث حدثهم قال: وجهنا رقعة إلى أبي عبد الله: ما تقول رحمك الله فيمن قال: لا أقول إن معاوية كاتب
_________
(1) المنهاج (4/ 402).
(2) طبقات الحنابلة (1/ 45).
(3) المنهاج (4/ 445).
(4) أحمد (4/ 323) والبيهقي في السنن (7/ 64) وصححه الحاكم (3/ 158) ووافقه الذهبي. من حديث المسور بن مخرمة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 203): "وفيه أم بكر بنت المسور ولم يجرحها أحد ولم يوثقها، وبقية رجاله وثقوا". وللحديث شواهد انظرها في التلخيص الحبير (3/ 143).
(5) السنة للخلال (1/ 432) والصارم (570).
(6) السنة للخلال (1/ 434).(4/26)
الوحي ولا أقول إنه خال المؤمنين، فإنه أخذها بالسيف غصبا؟ قال أبو عبد الله: هذا قول سوء رديء، يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ونبين أمرهم للناس. (1)
- وفيها: عن أبي بكر المروذي قال: قلت لأبي عبد الله: أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز فقال: معاوية أفضل، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خير الناس قرني الذي بعثت فيهم". (2)
- وفيها عن الفضل بن زياد حدثهم قال: سمعت أبا عبد الله وسئل عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص، أيقال له رافضي؟ فقال: إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء، ما انتقص أحد أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا له داخلة سوء. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير الناس قرني" (3). (4)
- وفيها عن يوسف بن موسى أن أبا عبد الله سئل عن رجل شتم معاوية، يصيره إلى السلطان؟ قال: أخلق أن يتعدى عليه. (5)
- وفيها عن أبي بكر بن سندي قال: كنت أو حضرت أو سمعت أبا عبد الله وسأله رجل: يا أبا عبد الله لي خال ذكر أنه ينتقص معاوية وربما
_________
(1) السنة للخلال (1/ 434).
(2) السنة للخلال (1/ 434).
(3) أحمد (1/ 434) والبخاري (5/ 324/2652) ومسلم (4/ 1963/2533 (212) والترمذي (5/ 652/3859) وابن ماجه (2/ 791/2362) عن ابن مسعود.
(4) السنة للخلال (1/ 447).
(5) السنة للخلال (1/ 448).(4/27)
أكلت معه، فقال أبو عبد الله مبادرا: لا تأكل معه. (1)
- وفيها عن أبي بكر المروذي قال: قيل لأبي عبد الله ونحن بالعسكر وقد جاء بعض رسل الخليفة وهو يعقوب فقال: يا أبا عبد الله ما تقول فيما كان من علي ومعاوية رحمهما الله؟ فقال أبو عبد الله: ما أقول فيهما إلا الحسنى رحمهم الله أجمعين. (2)
- وفيها عن أحمد بن الحسن الترمذي قال: سألت أبا عبد الله قلت: ما تقول فيما كان من أمر طلحة والزبير وعلي وعائشة وأظن ذكر معاوية؟ فقال: من أنا، أقول في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بينهم شيء الله أعلم. (3)
- وفيها عن إسحاق بن منصور حدثهم أنه قال لأبي عبد الله: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمار: "تقتلك الفئة الباغية" (4)، قال: لا أتكلم فيه. زاد الطيالسي: تركه أسلم. (5)
- وفيها: سئل أحمد عن أبي بكر وعمر فقال: ترحم عليهما، وتبرأ ممن يبغضهما. (6)
- وفيها: أن الفضل حدثهم: سمع أبا عبد الله وذكر نوح بن حبيب فقال: إن كان الذي قيل في نوح بن حبيب أنه يقدم عليا على عثمان، فهذا
_________
(1) السنة للخلال (1/ 448).
(2) السنة للخلال (1/ 460).
(3) السنة للخلال (2/ 460).
(4) أحمد (2/ 161) والبخاري (1/ 712/447) ومسلم (4/ 2236/2916) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(5) السنة للخلال (1/ 462).
(6) السنة للخلال (1/ 313).(4/28)
أيضا بلاء أو نحو هذا، ثم قال: كيف يقدم عليا على عثمان؟ وهل كانت بيعة أوثق من بيعته ولا أصح منها؟ وخليفة قتل ظلما لم يبهش إليهم بقصبه، فجعل يقول هذا الكلام، وهو مغضب شديد الغضب. (1)
- وفيها عن محمد بن عوف الحمصي قال: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن التفضيل فقال: من قدم عليا على أبي بكر فقد طعن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن قدمه على عمر، فقد طعن على رسول الله وعلى أبي بكر، ومن قدمه على عثمان فقد طعن على أبي بكر وعلى عمر وعلى أهل الشورى وعلى المهاجرين والأنصار. (2)
- وفيها عن أبي عبد الله قال: من زعم أن عليا أفضل من أبي بكر فهو رجل سوء، لا نخالطه ولا نجالسه. (3)
- وفيها عن إسحاق بن إبراهيم أنه حدثهم قال سألت أبا عبد الله عمن قدم عليا على عثمان؟ فقال: هذا رجل سوء، نبدأ بما قال -أصحاب- النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن فضله النبي - صلى الله عليه وسلم -. (4)
- جاء في أصول الاعتقاد عن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما لهم ولنا، اسأل الله العافية. وقال لي: يا أبا الحسن إذا رأيت أحدا يذكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوء فاتهمه على
_________
(1) السنة للخلال (1/ 321).
(2) السنة للخلال (1/ 374).
(3) السنة للخلال (1/ 377).
(4) السنة للخلال (1/ 378).(4/29)
الإسلام. (1)
- وفيه عن عبد الله بن أحمد قال: سألت أبي عن رجل سب رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: أرى أن يضرب. فقلت له: حد. فلم يقف على الحد إلا أنه قال: يضرب وما أراه على الإسلام. (2)
- وجاء في طبقات الحنابلة: عن أبي القاسم إسحاق بن إبراهيم بن آزر الفقيه، قال حدثني أبي قال: حضرت أحمد بن حنبل وسأله رجل عما جرى بين علي ومعاوية فأعرض عنه. فقيل له: يا أبا عبد الله، هو رجل من بني هاشم؟ فأقبل عليه، وقال: اقرأ {تِلْكَ أُمَّةٌ قد خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ} (3). (4)
- وفيها عن إسحاق بن إبراهيم قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الذي يشتم معاوية، نصلي خلفه؟ قال: لا، ولا كرامة. (5)
- وفيها عن سعيد بن أبي سعيد أبي نصر الأرطائي قال: سمعت أحمد ابن حنبل، وسئل عن الصلاة خلف المبتدعة؟ فقال: أما الجهمية: فلا، وأما الرافضة الذين يردون الحديث: فلا. (6)
- وفي السنة للخلال عن أبي يعقوب ابن العباس قال: كنا عند أبي عبد الله سنة سبع وعشرين أنا وأبو جعفر ابن إبراهيم فقال له أبو جعفر:
_________
(1) أصول الاعتقاد (7/ 1326/2359).
(2) أصول الاعتقاد (7/ 1341/2386) والصارم (570).
(3) البقرة الآية (134).
(4) طبقات الحنابلة (1/ 97).
(5) طبقات الحنابلة (1/ 108).
(6) طبقات الحنابلة (1/ 168).(4/30)
أليس نترحم على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم: معاوية، وعمرو بن العاص، وعلى أبي موسى الأشعري، والمغيرة؟ قال: نعم كلهم وصفهم الله في كتابه فقال: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] (1). اهـ (2)
- وفيها عن إسحاق أنه حدثهم قال سألت أبا عبد الله: قلت: الشراة يأخذون رجلا فيقولون له: تبرأ من علي وعثمان وإلا قتلناك، كيف ترى له أن يفعل؟ قال أبو عبد الله: إذا عذب وضرب فليصر إلى ما أرادوا، والله يعلم منه خلافه. (3)
- وفيها عن أبي طالب قال: سألت أبا عبد الله: البراءة بدعة، والولاية بدعة، والشهادة بدعة؟ قال: البراءة أن تتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والولاية أن تتولى بعضا وتترك بعضا، والشهادة أن تشهد على أحد أنه في النار. (4)
- وفيها عن عبد الملك بن عبد الحميد قال: سمعت أبا عبد الله قال: من شتم، أخاف عليه الكفر مثل الروافض، ثم قال: من شتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نأمن أن يكون قد مرق عن الدين. (5)
- وفيها عن أبي بكر المروذي قال: سألت أبا عبد الله عن من يشتم أبا
_________
(1) الفتح الآية (29).
(2) السنة للخلال (1/ 476 - 477).
(3) السنة للخلال (1/ 479).
(4) السنة للخلال (1/ 479).
(5) السنة للخلال (1/ 493).(4/31)
بكر وعمر وعائشة؟ قال: ما أراه على الإسلام. (1)
- وفيها عن أبي طالب أنه قال لأبي عبد الله: الرجل يشتم عثمان؟ فأخبروني أن رجلا تكلم فيه فقال: هذه زندقة. (2)
- وفيها عن إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري أن أبا عبد الله سئل عن رجل له جار رافضي يسلم عليه؟ قال: لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه. (3)
- وفيها عن الحسن بن علي بن الحسن أنه سأل أبا عبد الله عن صاحب بدعة يسلم عليه؟ قال: إذا كان جهميا أو قدريا أو رافضيا داعية، فلا يصلي عليه ولا يسلم عليه. (4)
- وفي السنة لعبد الله قال: سألت أبي من الرافضة؟ فقال الذين يسبون أو يشتمون أبا بكر وعمر. (5)
- وجاء في الصارم المسلول: قال أبو طالب: سألت أحمد عمن شتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: القتل أجبن عنه، ولكن أضربه ضربا نكالا. (6)
- وفيه قال في الرسالة التي رواها أبو العباس أحمد بن يعقوب الإصطخري وغيره: وخير الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان، ووقف قوم، وهم خلفاء راشدون
_________
(1) السنة للخلال (1/ 493) وهو في الصارم (573).
(2) لسنة للخلال (1/ 493) وهو في الصارم (573).
(3) السنة للخلال (1/ 494) وهو في طبقات الحنابلة (2/ 14).
(4) السنة للخلال (1/ 494).
(5) السنة لعبد الله (222) وهو في الصارم (570).
(6) الصارم (570).(4/32)
مهديون، ثم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص، فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه، فإن تاب قبل منه، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت أو يراجع. (1)
- وفيه قال أحمد في رواية أبي طالب في الرجل الذي يشتم عثمان: هذا زندقة. (2)
موقفه من الصوفية:
- جاء في السير: عن إسماعيل (3) بن إسحاق السراج قال: قال أحمد بن حنبل يوما: يبلغني أن الحارث هذا -يعني: المحاسبي- يكثر الكون عندك، فلو أحضرته، وأجلستني من حيث لا يراني، فأسمع كلامه. قلت: السمع والطاعة. وسرني هذا الابتداء من أبي عبد الله، فقصدت الحارث، وسألته أن يحضر، وقلت: تسأل أصحابك أن يحضروا. فقال: يا إسماعيل، فيهم كثرة فلا تزدهم على الكسب (4) والتمر، وأكثر منهما ما استطعت. ففعلت ما أمرني، وأعلمت أبا عبد الله فحضر بعد المغرب، وصعد غرفة، واجتهد في ورده، وحضر الحارث وأصحابه، فأكلوا ثم قاموا إلى الصلاة، ولم يصلوا بعدها،
_________
(1) الصارم (570).
(2) الصارم (573).
(3) وقع في المطبوع من السير: إبراهيم، وهو خطأ.
(4) الكسب: عصارة الدهن كما في اللسان.(4/33)
وقعدوا بين يدي الحارث وهم سكوت إلى قريب من نصف الليل، وابتدأ واحد منهم، وسأل عن مسألة، فأخذ الحارث في الكلام وهم يسمعون. وكأن على رؤوسهم الطير، فمنهم من يبكي، ومنهم من يزعق. فصعدت لأتعرف حال أبي عبد الله، وهو متغير الحال، فقلت: كيف رأيت؟ قال: ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاء القوم، ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا، وعلى ما وصفت، فلا أرى لك صحبتهم، ثم قام وخرج. (1)
- وجاء في التلبيس عن أحمد بن حنبل أنه قال: حذروا من الحارث أشد التحذير، الحارث أصل البلية -يعني في حوادث كلام جهم- ذاك جالسه فلان وفلان، وأخرجهم إلى رأي جهم، ما زال مأوى أصحاب الكلام، حارث بمنزلة الأسد المرابط، انظر أي يوم يثب على الناس. (2)
- وقد حكي لأحمد بن حنبل أن بعض الغلاة الجهال بحقيقة التوكل، كان إذا وضع له الطعام لم يمد يده حتى يوضع في فمه، وإذا وضع يطبق فمه حتى يفتحوه ويدخلوا فيه الطعام، فأنكر ذلك أشد الإنكار، ومن هؤلاء من حرم المكاسب. (3)
- وقال الإمام أحمد: ليست السياحة من الإسلام في شيء، ولا من فعل النبيئين ولا الصالحين. (4)
_________
(1) السير (11/ 326 - 327) وتاريخ بغداد (8/ 214 - 215).
(2) تلبيس إبليس (207).
(3) الفتاوى (8/ 530).
(4) الاقتضاء (1/ 287).(4/34)
- وقد سأل إبراهيم الحربي أحمد بن حنبل عن تعمير الخضر وإلياس، وأنهما باقيان يريان ويروى عنهما، فقال الإمام أحمد: من أحال على غائب لم ينصف منه، وما ألقى هذا إلا شيطان. (1)
- وعنه قال: الغناء ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني. (2)
- وسئل عن استماع القصائد فقال: أكرهه، هو بدعة، ولا يجالسون. (3)
- عن الحسين الرازي قال: شهدت أحمد بن حنبل وجاءه رجل من أهل خراسان فقال له: يا أبا عبد الله معي درهم أحج بهذا الدرهم؟ فقال له أحمد: اذهب إلى باب الكرخ فاشتر بهذا الدرهم حبا، واحمل على رأسك حتى يصير عندك ثلاثمائة درهم فحج. قال يا أبا عبد الله أما ترى مكاسب الناس؟ قال أحمد لا تنظر إلى هذا، فإنه من رغب في هذا يريد أن يفسد على الناس معايشهم، قال يا أبا عبد الله: أنا متوكل. قال: فتدخل البادية وحدك أو مع الناس؟ قال: لا، مع الناس، قال: كذبت إذن، لست بمتوكل، فادخل وحدك وإلا فأنت متوكل على جراب الناس. (4)
- وقد سئل عن الوساوس والخطرات، فقال: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون. (5)
_________
(1) الفتاوى (4/ 337).
(2) التلبيس (280).
(3) التلبيس (281).
(4) التلبيس (369).
(5) التلبيس (206).(4/35)
" التعليق:
وهل الصوفية إلا وسوسة وخزعبلات وأحلام ورؤى يكذبها شيوخهم حتى عبدوهم من دون الله، نسأل الله العافية.
موقفه من الجهمية:
- الموقف العظيم الذي وقفه إمام أهل السنة:
قال الله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (2) {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (3).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الرجل لتكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها" وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
_________
(1) العنكبوت الآيات (1 - 3).
(2) آل عمران الآية (142).
(3) البقرة الآية (214).(4/36)
قال: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط". (1)
وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة". (2)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة". (3)
وعن عبد الله قال: كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. (4)
_________
(1) أخرجه من حديث أنس: الترمذي (4/ 519/2396) وقال: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه". وابن ماجه (2/ 1338/4031)، البغوي في شرح السنة (5/ 245/1435)، وقال الشيخ الألباني في الصحيحة (رقم 146): "سنده حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن سنان هذا وهو صدوق له أفراد كما في التقريب".
(2) أخرجه من حديث سعد: أحمد (1/ 173 - 174و180) والترمذي (4/ 520/2398) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". وابن ماجه (2/ 1334/4023) والحاكم (1/ 40 - 41) وصححه على شرط الشيخين. وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه: ابن ماجه (2/ 1334 - 1335/ 4024) والبخاري في الأدب المفرد (رقم510) والحاكم (1/ 40) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي. وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه: "إسناده صحيح رجاله ثقات".
(3) أخرجه: أحمد (2/ 287) والترمذي (4/ 520/2399) وقال: "حديث حسن صحيح". والحاكم (1/ 346) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي. ابن حبان (7/ 176/2913 الإحسان).
(4) أحمد (1/ 456 - 457) والبخاري (12/ 349/6929) ومسلم (3/ 1417/1792) وابن ماجه (2/ 1335/4025).(4/37)
وعنه قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك، فقلت يا رسول الله، إنك توعك وعكا شديدا. قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذلك بأن لك أجرين. قال: أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى -شوكة فما فوقها- إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. (1)
وعن خباب قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة -وقد لقينا من المشركين شدة- فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: "لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه - وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ما يخاف إلا الله". (2) وعن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أحب الجهاد إلى الله كلمة حق تقال لإمام جائر". (3)
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنعن أحدكم هيبة الناس
_________
(1) أحمد (1/ 381و441) والبخاري (10/ 137/5648) ومسلم (4/ 1991/2571).
(2) أحمد (5/ 109) والبخاري (7/ 209/3852) وأبو داود (3/ 108/2649) والنسائي (8/ 592/5335).
(3) أخرجه من حديث أبي أمامة: أحمد (5/ 251) وابن ماجه (2/ 1330/4012). قال البوصيري في الزوائد: "في إسناده أبو غالب وهو مختلف فيه، ضعفه ابن سعد وأبو حاتم والنسائي، ووثقه الدارقطني. وقال ابن عدي: لا بأس به، وراشد بن سعيد، قال فيه أبو حاتم: صدوق، وباقي رجال الإسناد ثقات".
وللحديث شواهد: من حديث أبي سعيد الخدري: أخرجه أحمد (3/ 19) وأبو داود (4/ 514/4344) والترمذي (4/ 409/2174) وقال: "حسن غريب من هذا الوجه". وابن ماجه (2/ 1329/4011). ومن حديث طارق بن شهاب: أخرجه أحمد (4/ 314 - 315) والنسائي (7/ 181/4220).
قال الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة (1/ 888) تعليقا على حديث أبي أمامة: "وهذا إسناد حسن، وفي أبي غالب خلاف لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، وحديثه هذا صحيح بشاهده المتقدم والآتي" -يعني حديث أبي سعيد وطارق بن شهاب-.(4/38)
أن يقول في حق، إذا رآه أو شهده أو سمعه". (1)
هذا نموذج قليل من النصوص التي وردت في القرآن والسنة؛ ولقد ضرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة بعده والتابعون بعدهم المثل الأعلى في هذا الباب، وكانوا خير سلف لخلف يأتي بعدهم، وإذا كان الإمام أحمد وهو إمام أهل الحديث والسير والتواريخ، ويعتبر كتابه أجمع كتاب في هذا الباب، وقلما يخرج عنه حديث للرسول - صلى الله عليه وسلم - على اختلاف الأنواع، فكل يجد في مسند الإمام أحمد بغيته؛ المفسر له فيه ما يشبع رغبته، والمؤرخ ودارسو سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الأخيار لهم ما يكفيهم فيه، إلى غير ذلك من الفنون والعلوم التي جمعها هذا الإمام، والكتاب أحق أن يقال فيه الإمام، فهو مرجع المسلمين الكبير يجدون فيه حاجتهم.
وإذا كان كذلك؛ فما صدر من الإمام أحمد فليس بغريب، فإن هذا الأمر جاء على بابه، فإن الله يعلم حيث يجعل رسالته؛ فلا يحمل رسالته منافقا أو ضعيفا، معاذ الله أن يكون كذلك، ولكن يحملها من جمع أمرين: الأمر الأول: القوة، والأمر الثاني: الإخلاص.
_________
(1) أحمد (3/ 19) والترمذي (4/ 419 - 420/ 2191) وقال: "وهذا حديث حسن صحيح". وابن ماجه (2/ 1328/4007) والحاكم (4/ 506). كلهم من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا، وعلي بن زيد ضعيف إلا أن حديثه يحسن في المتابعات، وقد تابعه جماعة منهم:
سليمان بن طرخان التيمي عن أبي نضرة بهذا الإسناد. أخرجه أحمد (3/ 5و53).
المستمر بن الريان عن أبي نضرة به. أخرجه أحمد (3/ 46 - 47) وأبو يعلى في مسنده (2/ 419/1212).
قتادة عن أبي نضرة به. أخرجه: الطيالسي في مسنده (2151) أحمد (3/ 92) وابن حبان (1/ 511 - 512/ 278).
وهذه المتابعات الثلاث كلها صحح الشيخ الألباني رحمه الله أسانيدها في الصحيحة (رقم 168) وبالله التوفيق.(4/39)
فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام، والقوي بلا إخلاص يخذل. ولقد جمع الله هذا للأنبياء بالدرجة الأولى، فكانوا في القمة قوة وإخلاصا، وأتباعهم يتفاوتون في ذلك. وقد كان -ولله الحمد- الإمام أحمد مثلا في ذلك، قوة وإخلاصا وتوفيقا. لقد صمد الإمام أمام قوة عظمى عزمت على مداهمته ومصارعته بفكرها الباطل. حكومة بأكملها ملكها ووزراؤها وعلماؤها وسجانها، وجميع قواها التعذيبية، والمجاهد إذا كان في المعركة ومعه أصحابه تجده قويا بهم مرفوع الحس والمعنى.
ولكن إمامنا تولى عنه أصحابه وخافوا من سطوة السيف فبقي في الميدان وحيدا فريدا، وحتى من كان عن يمينه استشهد إلى رحمة الله.
والمعركة عادة تكون فترتها قصيرة، فتسفر عن هزيمة أحد الفريقين أو على الأقل يحصل تعادل، ولكن في مقامنا هذا، لقد طال الأمد -تناوله ثلاثة من الحكام- وفي أغلب الأحيان بنوع أو نوعين. ولكن إمامنا هذا، جمع له كل الأنواع، زيادة في الأجر ورفعا لدرجاته في الجنة إن شاء الله. سجن، وقيود، وجوع، وتهديدات متكررة، وكثرة المناظرة بالباطل، واحتقار لشأن الإمام، وتحريض من بيده الأمر على تعذيبه، وقتله، ووقوف الحاكم على رأسه، ومشاهدة تعذيبه في وقاحة كاملة، ونفي من مكان إلى مكان، وإقامة جبرية، لا جمعة، ولا جماعة، ولا اتصال للتحديث، ضعف مادي في الأسرة لا تجد ما تنفقه ... كل هذا على ماذا؟ إنه على العقيدة السلفية، عقيدة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة بعده، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ولقد برأ الله الإمام أحمد من التسابق على المناصب السياسية. فهو لم(4/40)
يسابق حكومة المأمون ولا المعتصم ولا الواثق على وزارة أو أي منصب سياسي، لم ينازعهم في هذه الأمور التي يتطاحن عليها أهل الدنيا. وقد حاول المعتصم إغراءه بالقرب إليه، ولكن إمامنا لم يعبأ به. ولقد حاول المتوكل -وهو الذي رفع المحنة جزاه الله خيرا- أن يتقرب إليه بكل وسائل التواضع ولكن الإمام لم يرض أن يدنس دينه وسيرته بالقرب منهم. فالإمام لم ينله ما ناله -ولله الحمد- في جريمة ارتكبها أو منازعة أو مغالبة سياسية أو حزبية. فإن هذا مما طهره الله منه وإخوانه من السلف السابقين واللاحقين منهم.
وإذا كان لكم شيء تفتخرون به يا أصحاب عقيدة السلف، فليكن بالإمام أحمد وبأمثاله، وكم لكم من أمثاله إن كنتم تقرأون تاريخ عقيدتكم السلفية.
وبعد هذه التوطئة نذكر ملخص المحنة، وإلا فقد أفردت بالتأليف، وقد أطال المؤرخون للإمام في سياقها، وذكر رواياتها، ومن أعظمهم الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء، وفي تاريخ الإسلام، وابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد بن حنبل، وغيرهم مما هو معروف عند من يتتبع سيرته العطرة.
- قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: قد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل، وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل. قال البيهقي: ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلا على مذهب السلف ومنهاجهم، فلما ولي هو الخلافة، اجتمع به هؤلاء فحملوه(4/41)
على ذلك وزينوا له، واتفق خروجه إلى طرسوس لغزو الروم، فكتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن، واتفق له ذلك آخر عمره قبل موته بشهور من سنة ثماني عشرة ومائتين، فلما وصل الكتاب كما ذكرنا، استدعى جماعة من أئمة الحديث، فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا، فتهددهم بالضرب وقطع الأرزاق، فأجاب أكثرهم مكرهين واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل ومحمد ابن نوح الجنديسابوري فحملا على بعير وسيرا إلى الخليفة عن أمره بذلك، وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد، فلما كانا ببلاد الرحبة، جاءهما رجل من الأعراب من عبادهم يقال له جابر بن عامر، فسلم على الإمام أحمد وقال له: يا هذا، إنك وافد الناس فلا تكن شؤما عليهم، وإنك رأس الناس اليوم، فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه فيجيبوا، فتحمل أوزارهم يوم القيامة، وإن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه، فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل وإنك إن لم تقتل تمت وإن عشت عشت حميدا. قال أحمد: وكان كلامه مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع من ذلك الذي يدعونني إليه، فلما اقتربا من جيش الخليفة ونزلوا دونه بمرحلة، جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول: يعز علي يا أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفا لم يسله قبل ذلك، وأنه يقسم بقرابته (1)
من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف. قال: فجثى
_________
(1) لا يجوز الحلف إلا بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، أما الحلف بغيرها فهو من قبيل الشرك، فليتنبه ..(4/42)
الإمام أحمد على ركبتيه، ورمق بطرفه إلى السماء وقال: سيدي: غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته. قال: فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل. قال أحمد: ففرحنا، ثم جاء الخبر بأن المعتصم قد ولي الخلافة وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد وأن الأمر شديد، فردونا إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسارى، ونالني منهم أذى كثير وكان في رجليه القيود، ومات صاحبه محمد بن نوح في الطريق، وصلى عليه أحمد، فلما رجع أحمد إلى بغداد دخلها في رمضان، فأودع في السجن نحوا من ثمانية وعشرين شهرا، وقيل: نيفا وثلاثين شهرا، ثم أخرج إلى الضرب بين يدي المعتصم. وقد كان أحمد وهو في السجن هو الذي يصلي في أهل السجن والقيود في رجليه.
- ذكر ضربه -رضي الله عنه- بين يدي المعتصم:
لما أحضره المعتصم من السجن، زاد في قيوده، قال أحمد: فلم أستطع أن أمشي بها، فربطتها في التكة وحملتها بيدي، ثم جاءوني بدابة فحملت عليها، فكدت أن أسقط على وجهي من ثقل القيود، وليس معي أحد يمسكني، فسلم الله حتى جئنا دار المعتصم، فأدخلت في بيت وأغلق علي، وليس عندي سراج، فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا إناء فيه ماء فتوضأت منه ثم قمت ولا أعرف القبلة فلما أصبحت إذا أنا على القبلة ولله الحمد والحمد لله. ثم دعيت فأدخلت على المعتصم، فلما نظر إلي وعنده ابن أبي دؤاد قال: أليس قد زعمتم أنه حدث السن، وهذا شيخ مكهل؟ فلما دنوت(4/43)
منه وسلمت قال لي: ادنه؟ فلم يزل يدنيني حتى قربت منه، ثم قال: اجلس، فجلست وقد أثقلني الحديد، فمكثت ساعة، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، إلام دعا إليه ابن عمك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، قلت: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، قال: ثم ذكرت له حديث ابن عباس في وفد عبد القيس (1)، ثم قلت: فهذا الذي دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ثم تكلم ابن أبي دؤاد بكلام لم أفهمه، وذلك أني لم أتفقه كلامه، ثم قال المعتصم: لولا أنك كنت في يد من كان قبل لم أتعرض إليك. ثم قال: يا عبد الرحمن: ألم آمرك أن ترفع المحنة؟ قال أحمد: فقلت، الله أكبر، هذا فرج للمسلمين، ثم قال: ناظره يا عبد الرحمن، كلمه، فقال لي عبد الرحمن: ما تقول في القرآن؟ فلم أجبه، فقال المعتصم: أجبه؟ فقلت: ما تقول في العلم؟ فسكت، فقلت: القرآن من علم الله، ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر بالله. فسكت فقالوا فيما بينهم: يا أمير المؤمنين، كفرك وكفرنا، فلم يلتفت إلى ذلك. فقال عبد الرحمن: كان الله ولا قرآن.
فقلت: كان الله ولا علم؟ فسكت، فجعلوا يتكلمون من هاهنا وهاهنا. فقلت: يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أقول به، فقال ابن أبي دؤاد: وأنت لا تقول إلا بهذا وهذا؟ فقلت: وهل يقوم الإسلام إلا بهما؟ وجرت مناظرات طويلة واحتجوا عليه بقوله: مَا {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} (2) وبقوله: {اللَّهُ
_________
(1) أخرجه أحمد (1/ 228) والبخاري (1/ 172/53) ومسلم (1/ 46/17) وأبو داود (4/ 94/3692) والترمذي (5/ 9 - 10/ 2611) والنسائي (8/ 495/5046).
(2) الأنبياء الآية (2).(4/44)
خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (1) وأجاب بما حاصله: أنه عام مخصوص بقوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (2) فقال ابن أبي دؤاد: هو والله يا أمير المؤمنين ضال مضل مبتدع، وهنا قضاتك والفقهاء فسلهم؟ فقال لهم ما تقولون؟ فأجابوا بمثل ما قال ابن أبي دؤاد، ثم أحضروه في اليوم الثاني وناظروه أيضا في اليوم الثالث، وفي ذلك كله يعلو صوته عليهم، وتغلب حجته حججهم. قال: فإذا سكتوا فتح الكلام عليهم ابن أبي دؤاد، وكان من أجهلهم بالعلم والكلام، وقد تنوعت بهم المسائل في المجادلة، ولا علم لهم بالنقل، فجعلوا ينكرون الآثار ويردون الاحتجاج بها، وسمعت منهم مقالات لم أكن أظن أن أحدا يقولها، وقد تكلم معي ابن غوث بكلام طويل -ذكر فيه الجسم وغيره- مما لا فائدة فيه، فقلت: لا أدري ما تقول، إلا أني أعلم أن الله أحد صمد ليس كمثله شيء. فسكت عني، وقد أوردت لهم حديث الرؤية في الدار الآخرة (3)، فحاولوا أن يضعفوا إسناده، ويلفقوا عن بعض المحدثين كلاما يتسلقون به إلى الطعن فيه، وهيهات، وأنى لهم التناوش من مكان بعيد. وفي غضون ذلك كله يتلطف به الخليفة ويقول: يا أحمد، أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي. فأقول يا أمير المؤمنين: يأتوني بآية من كتاب الله أو سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أجيبهم عليها.
_________
(1) الرعد الآية (16).
(2) الأحقاف الآية (25).
(3) انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز الماجشون سنة (164هـ).(4/45)
واحتج أحمد عليهم حين أنكروا الآثار بقوله تعالى: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} (1) وبقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (2) وبقوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدني} وبقوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (4) ونحو ذلك من الآيات. فلما لم يقم لهم معه حجة، عدلوا إلى استعمال جاه الخليفة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذا كافر ضال مضل. وقال له إسحاق بن إبراهيم، نائب بغداد: يا أمير المؤمنين، ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين، فعند ذلك حمي واشتد غضبه، وكان ألينهم عريكة، وهو يظن أنهم على شيء. قال أحمد: فعند ذلك قال لي: لعنك الله، طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني، ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه، قال أحمد: فأخذت وسحبت وخلعت وجيء بالعقابين والسياط وأنا أنظر، وكان معي شعرات من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - مصرورة في ثوبي، فجردوني منه وصرت بين العقابين، فقلت: يا أمير المؤمنين، الله، الله إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل دم
_________
(1) مريم الآية (42).
(2) النساء الآية (164).
(3) طه الآية (14).
(4) النحل الآية (40).(4/46)
امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث" (1)
وتلوت الحديث، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" (2) فبم تستحل دمي ولم آت شيئا من هذا؟ يا أمير المؤمنين: اذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك، فكأنه أمسك، ثم لم يزالوا يقولون له: يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر، فأمر بي، فقمت بين العقابين، وجيء بكرسي، فأقمت عليه، وأمرني بعضهم أن آخذ ناتئ الخشبتين، فلم أفهم، فتخلعت يداي، وجيء بالضرابين، ومعهم السياط، فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له يعني المعتصم: شد قطع الله يديك ويجيء الآخر فيضربني سوطين، ثم الآخر كذلك فضربوني أسواطا، فأغمي علي وذهب عقلي مرارا، فإذا سكن الضرب يعود علي عقلي، وقام المعتصم إلي يدعوني إلى قولهم، فلم أجبه، وجعلوا يقولون: ويحك! الخليفة على رأسك، فلم أقبل. وأعادوا الضرب، ثم عاد إلي فلم أجبه، فأعادوا الضرب، ثم جاء إلي الثالثة، فدعاني، فلم أعقل ما قال من شدة الضرب، ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب وأرعبهم ذلك من أمري، وأمر بي فأطلقت، ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجلي، وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة
_________
(1) أحمد (1/ 382،428،444) والبخاري (12/ 247/6878) ومسلم (3/ 1302/1676) وأبو داود (4/ 522/4352) والترمذي (4/ 12 - 13/ 1402) وقال: "حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح". والنسائي (7/ 90 - 91/ 4027) وابن ماجه (2/ 847/2534) ..
(2) أخرجه: البخاري (13/ 311/7284و7285) ومسلم (1/ 51 - 52/ 20) وأبو داود (2/ 198/1556) والترمذي (5/ 5 - 6/ 2607) والنسائي (7/ 88/3980) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.(4/47)
إحدى وعشرين ومائتين، ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله، وكان جملة ما ضرب نيفا وثلاثين سوطا، وقيل ثمانين سوطا لكن كان ضربا مبرحا شديدا جدا، وقد كان الإمام أحمد رجلا طوالا رقيقا أسمر اللون كثير التواضع رحمه الله.
ولما حمل من دار الخلافة إلى دار إسحاق بن إبراهيم وهو صائم، أتوه بسويق ليفطر من الصوم، فامتنع من ذلك وأتم صومه وحين حضرت صلاة الظهر صلى معهم، فقال له ابن سماعة القاضي: وصليت في دمك! فقال له أحمد: قد صلى عمر وجرحه يثعب دما، فسكت ... ولما رجع إلى منزله جاءه الجرايحي، فقطع لحما ميتا من جسده وجعل يداويه، والنائب في كل وقت يسأل عنه، وذلك أن المعتصم ندم على ما كان منه إلى أحمد ندما كثيرا، وجعل يسأل النائب عنه والنائب يستعلم خبره، فلما عوفي فرح المعتصم والمسلمون بذلك، ولما شفاه الله بالعافية بقي مدة وإبهاماه يؤذيهما البرد، وجعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة، وكان يتلو في ذلك قوله تعالى: {وليعفوا وليصفحوا} (1) الآية، ويقول ماذا ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك؟ وقد قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ على اللَّهِ إِنَّهُ لا يحب الظَّالِمِينَ} (2) وينادي المنادي يوم القيامة: (ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول
_________
(1) النور الآية (22).
(2) الشورى الآية (40).(4/48)
الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، ومن تواضع لله رفعه الله" (1). (2)
- محنته أيام الواثق:
جاء في السير: قال حنبل لم يزل أبو عبد الله بعد أن برئ من الضرب يحضر الجمعة والجماعة، ويحدث ويفتي حتى مات المعتصم، وولي ابنه الواثق فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى أحمد بن أبي دؤاد وأصحابه، فلما اشتد الأمر على أهل بغداد وأظهرت القضاة المحنة بخلق القرآن وفرق بين فضل الأنماطي وبين امرأته، وبين أبي صالح وبين امرأته، كان أبو عبد الله يشهد الجمعة ويعيد الصلاة إذا رجع، ويقول: تؤتى الجمعة لفضلها والصلاة تعاد خلف من قال بهذه المقالة. وجاء نفر إلى أبي عبد الله وقالوا: هذا الأمر قد فشا وتفاقم، ونحن نخافه على أكثر من هذا، وذكروا ابن أبي دؤاد وأنه على أن يأمر المعلمين بتعليم الصبيان في المكاتب القرآن كذا وكذا، فنحن لا نرضى بإمارته فمنعهم من ذلك وناظرهم.
وحكى أحمد قصده في مناظرتهم، وأمرهم بالصبر، قال: فبينا نحن في أيام الواثق، إذ جاء يعقوب ليلا برسالة الأمير إسحاق بن إبراهيم إلى أبي عبد الله يقول لك الأمير: إن أمير المؤمنين قد ذكرك، فلا يجتمعن إليك أحد، ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها، فاذهب حيث شئت من أرض الله قال: فاختفى أبو عبد الله بقية حياة الواثق، وكانت تلك الفتنة، وقتل أحمد بن
_________
(1) أخرجه من حديث أبي هريرة: أحمد (2/ 235،386) ومسلم (4/ 2001/2588) والترمذي (4/ 330/2029).
(2) البداية والنهاية (10/ 346 - 349).(4/49)
نصر الخزاعي، ولم يزل أبو عبد الله مختفيا في البيت لا يخرج إلى صلاة ولا إلى غيرها، حتى هلك الواثق. وعن إبراهيم بن هانئ قال: اختفى أبو عبد الله عندي ثلاثا، ثم قال: اطلب لي موضعا. قلت: لا آمن عليك، قال: افعل، فإذا فعلت أفدتك، فطلبت له موضعا فلما خرج قال: اختفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الغار ثلاثة أيام ثم تحول. (1)
- عبر المحنة:
1 - مكائد المبتدعة لأهل السنة في كل زمان ومكان ومهما كان نوع المكيدة، المهم القضاء على أتباع العقيدة السلفية.
2 - ضعف حجج المبتدعة مهما كانت منزلتهم من القرآن والسنة، وسعة علم السلفيين واطلاعهم الواسع.
3 - الحجة عند السلفيين في الكتاب والسنة وما وافقهما من المعقول.
4 - العاقبة الحميدة لأهل الحق، وأما أهل الباطل فعاقبتهم الخيبة والخسران، فابن أبي دؤاد يصاب بالفالج، وكل واحد أصيب بمصيبة أعظم من الأخرى.
5 - رفع الله بها ذكر الإمام أحمد في الأولين والآخرين، فلا يذكر إلا بلفظ الإمام.
6 - جعله الله قدوة لمن جاء بعده، فلعل من جاء بعده يتذكر مواقفه فيقفها، فيكون من باب من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها.
_________
(1) السير (11/ 263 - 264).(4/50)
- عقيدة الإمام أحمد ورسائله السلفية:
لم يكن للإمام أحمد ذلك الموقف العظيم الذي وقفه والذي شكره عليه الأولون والآخرون فحسب، بل ترك تراثا سلفيا ذكر فيه أصول السلف في العقيدة السلفية، وقد ذكر ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة جملة منها. ولولا خشية الإطالة لشرفت بحثى بنقلها كلها وأتكلم على كل واحدة بما يتيسر من التحليل والتعليق، وإن يجعل الله في العمر فسحة فسأفعل إن شاء الله، وهاكم أرقام الصفحات من طبقات الحنابلة التي ذكرت فيها الرسائل والعقائد السلفية.
1 - رسالة الإصطخري من ص.24 إلى 36/ 1.
2 - رسالة عبدوس بن مالك العطار من ص 241 إلى 246/ 1 وذكرها شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (4/ 102).
3 - رسالة محمد بن حبيب الأندراني من ص 294 إلى 295/ 1.
4 - رسالة محمد بن يونس السرخسي من ص 329 إلى 330/ 1.
5 - رسالته إلى أمير المؤمنين المتوكل، وقد ذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء، وقال إسنادها كالشمس من ص 281 إلى 286/ 11.
وقد ذكرها شيخ الإسلام في كثير من كتبه، انظر درء التعارض7/ 155
6 - الرد على الزنادقة والجهمية: طبع ولله الحمد، ذكره شيخ الإسلام في كثير من كتبه، وقد شرحه وحلله كله. انظر درء التعارض (1/ 18 - 44 - 221 - 249) (2/ 75 - 291 - 301) (3/ 23) (5/ 157 - 167 -(4/51)
175 - 177 - 282 - 302) (6/ 137 - 148) (7/ 257 - 259). وذكره ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (195).
7 - التفسير، ذكره شيخ الإسلام في درء التعارض (2/ 22).
8 - الإيمان، ذكره غير واحد، ومن أشهرهم الإمام الذهبي، انظر السير (11/ 301).
9 - فضائل الصحابة، وقد حقق رسالة علمية في جامعة أم القرى، وطبعه المجلس العلمي بنفس الجامعة.
10 - رسالة مسدد، ذكرها في الطبقات (1/ 341 إلى 345).
- جاء في طبقات الحنابلة: قال أحمد بن سعد الجوهري: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أحد على أهل الإسلام أضر من الجهمية، ما يريدون إلا إبطال القرآن وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (1)
" التعليق:
وقد تكرر هذا من كثير من السلف رضوان الله عليهم، ففهموا قصد المبتدعة ومرادهم من أن إحداث هذه البدع ليس القصد منها القربة إلى الله، وإنما القصد منها إبطال الرسالة بالكلية بطريق غير مباشر، والله المستعان.
- وروى الآجري في الشريعة عن إسحاق بن منصور الكوسج، قال: قلت لأحمد يعني ابن حنبل: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة، حين يبقى
_________
(1) طبقات الحنابلة (1/ 47) والسنة للخلال (5/ 123).(4/52)
ثلث الليل الأخير إلى سماء الدنيا" (1)، أليس تقول بهذه الأحاديث؟ ويراه أهل الجنة -يعني ربهم عز وجل؟ و"لا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته" (2) و"اشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه" (3) و"إن موسى لطم ملك الموت" (4) قال أحمد: كل هذا صحيح؛ قال إسحاق: هذا صحيح، ولا يدفعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي. (5)
- وفيها: عن أبي بكر المروذي، قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الأحاديث التي يردها الجهمية في الصفات والإسراء والرؤية وقصة العرش؟ فصححها وقال: قد تلقتها العلماء بالقبول، تسلم الأخبار كما جاءت. قال أبو بكر المروذي: وأرسل أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة إلى أبي عبد الله يستأذنانه أن يحدثا بهذه الأحاديث التي تردها الجهمية، فقال: أبو عبد الله: حدثوا بها، قد تلقتها العلماء بالقبول، وقال أبو عبد الله: تسلم الأخبار كما جاءت. (6)
_________
(1) انظر تخريجه في مواقف حماد بن سلمة سنة (167هـ).
(2) انظر تخريجه في مواقف البربهاري سنة (329هـ).
(3) أخرجه من حديث أبي هريرة بلفظ: "تحاجت الجنة والنار فقالت النار ... " الحديث أحمد (2/ 276) والبخاري (13/ 533/7449) ومسلم (4/ 2186/2846) والترمذي (4/ 598 - 599/ 2561) دون ذكر موضع الشاهد. والنسائي في الكبرى (6/ 468/11522).
(4) أخرجه من حديث أبي هريرة موقوفا: أحمد (2/ 209) والبخاري (6/ 544/3407) ومسلم (4/ 1842/2372 [157]) والنسائي (4/ 424 - 425/ 2088). وأخرجه مرفوعا: أحمد (2/ 533) والبخاري (6/ 544/3407) ومسلم (4/ 1843/2372 [158]).
(5) الشريعة (2/ 94/741).
(6) الشريعة (2/ 114/771) وطبقات الحنابلة (1/ 5699).(4/53)
- قال الحافظ في الفتح: وقال الإمام أحمد في 'كتاب السنة' قالت الجهمية لمن قال: إن الله لم يزل بأسمائه وصفاته، قلتم بقول النصارى حيث جعلوا معه غيره، فأجابوا بأنا نقول إنه واحد بأسمائه وصفاته، فلا نصف إلا واحدا بصفاته كما قال تعالى: {ذرني وَمَنْ خَلَقْتُ وحيدًا} (1) وصفه بالوحدة مع أنه كان له لسان وعينان وأذنان وسمع وبصر ولم يخرج بهذه الصفات عن كونه واحدا ولله المثل الأعلى. (2)
- وقال: وحكى حنبل بن إسحق في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال ردا على من أنكر الميزان ما معناه: قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (3) وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الميزان يوم القيامة فمن رد على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد رد على الله عز وجل. (4)
- قال عبد الله بن أحمد وجدت في كتاب أبي بخط يده مما يحتج به على الجهمية من القرآن. قال الله تعالى في سورة البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا
_________
(1) المدثر الآية (11).
(2) الفتح (13/ 381).
(3) الأنبياء الآية (47).
(4) الفتح (13/ 538) وأصول الاعتقاد (6/ 1245/2211).(4/54)
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1) وقال في يس: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (2) وقال في سورة البقرة: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} (3) وقال الله في آل عمران: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (4) وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (5)
وقال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (6) وقال: {يا أهل
__________
(1) البقرة الآية (174).
(2) يس الآيتان (82و83).
(3) البقرة الآيتان (117و118).
(4) آل عمران الآية (45).
(5) آل عمران الآية (77) ..
(6) القيامة الآيتان (22و23).(4/55)
الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} (1) وقال في سورة الأنعام: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2) وقال في سورة النمل: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} (3) وقال في سورة الأعراف: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (4) وقال في القصص: {كل شَيْءٍ هَالِكٌ إِلًّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وإليه تُرْجَعُونَ} (5) وقال في الرحمن: {كل
_________
(1) النساء الآية (171).
(2) الأنعام الآية (115).
(3) النمل الآيات (8 - 10).
(4) الأعراف الآية (54).
(5) القصص الآية (88).(4/56)
مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (1)
وقال في طه: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ} (2) وقال في البقرة: {مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ} (3) وقال في آل عمران: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (4) وقال في سورة النساء: {وَكَلَّمَ اللَّهُ موسى تكليمًا} (5) وقال: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} (6) وقال في الأنعام: {حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} (7) وقال في طه: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ
_________
(1) الرحمن الآيتان (26و27) ..
(2) طه الآيتان (39و40).
(3) البقرة الآية (174).
(4) آل عمران الآية (39).
(5) النساء الآية (164).
(6) النساء الآية (171).
(7) الأنعام الآية (34).(4/57)
{إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (1) وقال في الكهف: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} (2) وقال: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (3)
وقال في التوبة: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} (4) وفي حم عسق: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (5) وفي لقمان: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (6) وفي القصص: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (7) وفي
_________
(1) طه الآيات (11 - 14).
(2) الكهف الآية (27).
(3) الكهف الآية (109) ..
(4) التوبة الآية (6).
(5) الشورى الآية (51).
(6) لقمان الآية (27).
(7) القصص الآية (30).(4/58)
الأعراف: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (1) وفي الفتح: {يد الله فوق أيديهم} (2)
وفي البقرة: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (3) وفي الكهف: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (4) وفي الأعراف: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ... وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} (5) وفي الأنفال: {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ
_________
(1) الأعراف الآيتان (143و144).
(2) الفتح الآية (10) ..
(3) البقرة الآية (115).
(4) الكهف الآية (28).
(5) الأعراف الآيات (137 - 143).(4/59)
الْكَافِرِينَ} (7) (1) وفي التوبة: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (2) وفي هود: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} (3) وفي يونس: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (4) {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} (5) وقال: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (6) وقال: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} (7) وفي فصلت: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} (8)
وفي هود: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (9) وفي الكهف: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ
_________
(1) الأنفال الآية (7).
(2) التوبة الآية (40).
(3) هود الآية (110).
(4) يونس الآية (33).
(5) يونس الآية (64).
(6) يونس الآية (82).
(7) يونس الآية (96).
(8) فصلت الآية (45) ..
(9) هود الآية (119).(4/60)
مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} (1) وفي طه: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا} (2) وفي الصافات: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} (3) وفي المؤمن (غافر): {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} (4) وفي حم عسق: {وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (5)، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (6) وفي الفتح: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا} (7) وفي التحريم: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} (8) وفي المؤمن: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (9) وفي النحل: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ
_________
(1) الكهف الآية (27).
(2) طه الآية (129).
(3) الصافات الآية (171).
(4) غافر الآية (6).
(5) الشورى الآية (24).
(6) الشورى الآية (51).
(7) الفتح الآية (15).
(8) التحريم الآية (12).
(9) غافر الآية (15).(4/61)
{بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا} (1)، {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (2)
وفي الإسراء: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (3) وفي حم عسق: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} (4) وفي الشعراء: {نزل به الروح الْأَمِينُ (193) على قلبك لتكون من المنذرين} (5) وفي عم يتساءلون: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} (6) وفي الواقعة: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} (7) وقال: {أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} (8) وقال: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)
_________
(1) النحل الآية (102).
(2) النحل الآية (2) ..
(3) الإسراء الآية (85).
(4) الشورى الآية (52).
(5) الشعراء الآيتان (193و194).
(6) النبأ الآية (28).
(7) الواقعة الآيات (63 - 65).
(8) الواقعة الآيتان (69و70).(4/62)
{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} (1) وفي الروم: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} (2) وفي ن والقلم: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} (3) وفي المرسلات: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} (4)
وفي الأنعام: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} (6) {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (7) وفي الأعراف: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (8)، {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} (9)، {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ
_________
(1) الواقعة الآيتان (81و82).
(2) الروم الآية (48).
(3) ن الآية (35).
(4) المرسلات الآيات (20 - 23) ..
(5) الأنعام الآية (39).
(6) الأنعام الآية (136).
(7) الأنعام الآية (100).
(8) الأعراف الآية (47).
(9) الأعراف الآية (69).(4/63)
مِنْ بَعْدِ عَادٍ} (1)، {يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} (2)، {فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (3). وفي الرعد: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} (4)، {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ} (5). وفي هود: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} (6) وقال في الشعراء: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} (7)،
{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} (8) وفي فصلت: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (9) وفي النمل: {ويكشف السُّوءَ ِ
_________
(1) الأعراف الآية (74).
(2) الأعراف الآية (138).
(3) الأعراف الآية (150).
(4) الرعد الآية (16).
(5) الرعد الآية (33).
(6) هود الآية (82).
(7) الشعراء الآية (29) ..
(8) الشعراء الآيتان (84و85).
(9) فصلت الآية (9).(4/64)
{وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} (1) {إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} (2) وفي القصص: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} (3) وفي الذاريات {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} (4) وقال: {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (5) وفي القصص: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (6) وقال: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (7) وقال: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا} (8)، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} (9)
وقال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ
_________
(1) النمل الآية (62).
(2) النمل الآية (34).
(3) القصص الآية (4).
(4) الذاريات الآية (41).
(5) الذاريات الآية (51).
(6) القصص الآية (5).
(7) القصص الآية (7).
(8) القصص الآية (38).
(9) القصص الآية (41) ..(4/65)
الْقِيَامَةِ} (1) وفي إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} (2)، {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} (3)، {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} (4)، {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} (5) وفي الحجر: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ} (6)، {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} (7)، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} (8) وفي النحل: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا} (9)، {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} (10)، {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} (11)، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا}،
_________
(1) القصص الآية (71).
(2) إبراهيم الآية (35).
(3) إبراهيم الآية (37).
(4) إبراهيم الآية (40).
(5) إبراهيم الآية (30).
(6) الحجر الآية (91).
(7) الحجر الآية (96).
(8) الحجر الآية (73).
(9) النحل الآية (56).
(10) النحل الآية (57).
(11) النحل الآية (62).(4/66)
تَسْتَخِفُّونَهَا} (1)، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} (2)، {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} (3) وفي الإسراء: {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} (4)، {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} (5) وفي الفرقان: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (6)، {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} (7)، {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (8)، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} (9)، وفي العنكبوت: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ
_________
(1) النحل الآية (80).
(2) النحل الآية (81).
(3) النحل الآية (91).
(4) الإسراء الآية (6) ..
(5) الإسراء الآية (22).
(6) الفرقان الآية (23).
(7) الفرقان الآية (37).
(8) الفرقان الآية (54).
(9) الفرقان الآية (35).(4/67)
{السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} (1)، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} (2) وفي سبأ: {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} (3) {وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} (4) وفي إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} (5) وفي المائدة: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ} (6) وفي التوبة: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (7) وفي يونس: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} (8)، {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (9) وفي الزخرف: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}
_________
(1) العنكبوت الآية (15).
(2) العنكبوت الآية (10).
(3) سبأ الآية (19).
(4) سبأ الآية (33).
(5) إبراهيم الآية (35).
(6) المائدة الآية (103).
(7) التوبة الآية (19).
(8) يونس الآية (73) ..
(9) يونس الآية (85).
(10) الزخرف الآية (56).(4/68)
(1)، {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} (2)، وفي الفيل: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} (3) وفي سورة الأنبياء: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} (4)، {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} (5) {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} (6) وفي الصافات: {فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} (8)، {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} (9) وفي ص: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا
_________
(1) الزخرف الآية (60).
(2) الفيل الآية (5).
(3) الأنبياء الآيتان (57و58).
(4) الأنبياء الآية (70).
(5) الأنبياء الآيتان (72و73).
(6) الأنبياء الآية (15).
(7) الصافات الآيتان (97و98).
(8) الصافات الآية (158).(4/69)
{الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (1) وفي الزمر: {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا} (2) وفي يوسف: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} (3)،
وقال: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} (4)، {لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} (5) وفي الأعراف: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (6) وفي الإسراء: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (7) في النساء: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} (8) وفي الواقعة: {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ} (9) وفي البروج: {بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مجيدٌ} (10) وفي الزخرف: {وَإِنَّهُ في أُمِّ
_________
(1) ص الآية (28).
(2) الزمر الآية (21).
(3) يوسف الآية (55) ..
(4) يوسف الآية (70).
(5) يوسف الآية (62).
(6) الأعراف الآية (180).
(7) الإسراء الآية (110).
(8) النساء الآية (174).
(9) الواقعة الآية (77).
(10) البروج الآية (21).(4/70)
{الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (1) وفي فصلت: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عزيزٌ} (2) وفي سورة الدخان: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} (3) وفي يس: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} (4) وفي الفرقان: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (5). وفي الحجر: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} (6) وفي فصلت: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (7) وفي الأنعام: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (8) وفي فصلت: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي
_________
(1) الزخرف الآية (4).
(2) فصلت الآية (41).
(3) الدخان الآيتان (1و2).
(4) يس الآيتان (1و2).
(5) الفرقان الآية (59).
(6) الحجر الآية (1) ..
(7) الآيتان (41و42).
(8) الأنعام الآية (155).(4/71)