العلماء يردون
على أسطورة
هرمجدون
هل انتهى
عمر أمة الإسلام؟
المهدى المنتظر والرضاع من القمر
صدام حسين هل هو السفيانى؟!
ظهور المسيح الدجال فى باكستان
……………… بقلم : حمدى شفيق
رئيس تحرير جريدة النور الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد.. فقد إبتلينا فى هذا العصر بنفر من الباحثين عن المال والشهرة، لم يتقوا الله، ولم يلتزموا الأمانة العلمية فيما ينشرون على الناس من كتب وبرامج ومقالات وتحقيقات فى الصحف وغيرها من وسائل الإعلام..
…وهكذا إمتلات الأسواق بسيل من الكتب التى تبحث موضوعات مثيرة مثل: علاقات الحب والغرام بين الإنس والجان، وحكايات المجنون عن هرمجدون، والسفيانى الأثيم صدام حسين، ثم برامج تلفزيونية عن المهدى المنتظر والرضاع من القمر، وتخصص الجان فى ركوب الإنسان..
…وأبت الصحف إلا أن تدلى بدلوها فى بئر الإثارة وتضليل العامة، فرأينا موضوعات على غرار: "هدة أمريكا" و"ظهور الدجال فى باكستان" ونبؤات العراف اليهودى نوستر أداموس" !!!
…شغلوا الناس بهذه الأمور فى ذات الوقت الذى احتلت فيه أمريكا أفغانستان ثم العراق والبقية آتية !!كما تواصلت المذابح ضد المسلمين فى فلسطين والشيشان وكشمير والفلبين واندونيسيا... إلخ.
…ولم يكن هناك مفر من ان يصدع كبار علماء الأمة بكلمة حق فى مواجهة هذه الموجة العاتية من الأباطيل والتضليل الذى شغل الناس حيناً من الدهر.. وكان لزاماً علينا أن ننشر على الكافة أراء أهل الحل والعقد من علماء المسلمين فى حكايات هرمجدون والسفيانى والدجال وغيرها من القضايا المثارة على الساحة.. فإن يكن ما جئنا به حقاً فمن الله وحده، وأن يكن خطأ فمن نفسى ومن الشيطان.. والله وحده المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
حمدى شفيق
الفصل الأول
حكاية هرمجدون(1/1)
…هرمجدون كلمة عبرية تعنى إما : تل مجيدون شمال فلسطين وهو موجود هناك ويعرفه الأهالى باسم: تل المجيدية، أو أن معناها جبل مجيدو وهو موجود بفلسطين أيضاً وأهم كتاب دينى أمريكي يكشف خلفية الأمريكان المؤمنين بحكاية هرمجدون هذه فى حربهم المقبلة مع المسلمين وعقيدتهم الشيطانية بجدارة يمكن أن يعد كتاب (Forcing of God's Hand) - ترجمة حسام تمام - وهو أهم ما صدر فى الشأن الدينى الأمريكي فى العام الماضي، وربما كان من أهم الكتب التى عالجت باقتدار قضية التوظيف السياسي الذى يصل إلى حد الإبتزاز - للنبوءات الدينية فى العقد الأخير من القرن العشرين. والمؤلفة هى الكاتبة الأمريكية المعروفة غريس هالسل التى عملت محررة لخطابات الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون، وهى صحفية مشهورة ومرموقة صدرت لها عدة كتب، أهمها وأكثرها شهرة (النبوءة والسياسة). والكتاب عبارة عن إجابات على اسئلة جمعتها المؤلفة من سلسلة مقابلات شخصية مع مسئولين من مراجع كنسية أمريكية مختلفة وتتصدى فيه غريس هالسل - ربما لأول مرة - لظاهرة المنصرين التوراتيين التلفزيونيين، الذين يمثلون اليمين المسيحي المتطرف فى الولايات المتحدة الأمريكية، والذى يعرف إعلاميا بـ (الصهيونية المسيحية). وهى الظاهرة التى تجسد أغرب وأسوأ أشكال الدجل السياسي الدينى فى العقد الأخير ربما على مستوى العالم كله، والتى صنعها عدد من المنصرين التوراتيين الذين احترفوا تقديم برامج تليفزيونية عن النبوءات التوراتية التى تبشر بقرب نزول المسيح المخلص ونهاية العالم فيما يعرف بمعركة (الهرمجدون)، واستطاعوا من خلال نشاطهم - الذى يعد أكبر وأهم حركة تنصير فى تاريخ المسيحية - إقامة ما يعرف بـ (حزام التوراة)، والذى يتكون من مجموعة ولايات الجنوب والوسط الأمريكي، والتى تكونت فيها قطاعات واسعة من المسيحيين المتشددين دينياً والمؤمنين بنبوءة (الهرمجدون)، أو نهاية العالم الوشيكة والمرتبطة(1/2)
بنزول المسيح المخلص من الشر والخطيئة. ويعتمد خطاب المنصرين التوراتيين على رؤية سهلة للحياة، مفادها أن العالم أصبح تملؤه الشرور والخطايا، وهو ما سيعجل بظهور (المسيح الدجال) وجيوش الشر، ولن يصبح هناك حل لإنقاذ البشرية والخلاص من الشرور إلا عودة المسيح المخلص لانتزاع المسيحيين المؤمنين من هذا العالم الملئ بالخطيئة والشر، وهذا الخلاص - عندهم - رهين بعودة المسيح فقط، أما المطلوب عمله من هؤلاء المؤمنين فهو السعى لتحقيق هذه النبوءة أو الإسراع بإجبار يد الله على تحقيق (النبوءة)! وتحقق النبوءة عندهم رهن بقيام إسرائيل الكبرى وتجميع كل يهود العالم بها، ومن ثم فلا بد من تقديم وحشد كل التأييد المادى والمعنوى، المطلق وغير المحدود أو المشروط للكيان الصهيوني؛ لأن ذلك هو شرط نزول المسيح المخلص.(1/3)
والطريف أن هذا التأييد لا يعنى الإيمان باليهود أو حتى مبادلتهم مشاعر الحب أو التعاطف معهم، لأن هؤلاء التوراتيين يعتقدون أن المسيح المخلص سيقضى على كل اليهود أتباع المسيح الدجال الذين سيرفضون الإيمان به، أى انهم يدعمون الكيان الصهيونى باعتبارها وسيلة تحقق النبوءة فقط هذه العقيدة تلقفها كبار القادة اليهود فى أمريكا والكيان الصهيونى، وخاصة من اليمين الديني المتطرف الذى يسيطر على مجريات ومقاليد اللعبة السياسية فى الكيان الصهيوني واستغلوها جيداً للحصول على كافة اشكال الدعم والتأييد، وهم لا يعنيهم محبة اليمين المسيحي المتطرف فى أمريكا أو إيمانه بهم بقدر ما يعنيهم ما يدره عليهم الإيمان بهذه النبوءة من أموال ودعم سياسي واقتصادي غير محدود. فبفضلها تتدفق. الرحلات السياحية الأمريكية على الكيان الصهيوني، وتنظم مظاهرات التأييد وحملات جمع التبرعات، وتسخر الإدارة والسياسة الأمريكية لخدمة المصالح الصهيونية، خاصة مع تزايد إيمان الشعب الأمريكي بهذه النبوءة والاعتقاد بها، حتى أن استطلاعا أجرته مجلة (تايم) الأمريكية سنة 1998 أكد أن 51% من الشعب الأمريكي يؤمن بهذه النبوءة ومن هؤلاء عدد كبير من أعضاء النخبة الحاكمة فى الولايات المتحدة، بعضهم وزراء وأعضاء فى الكونجرس وحكام ولايات، بل ويؤكد الكتاب أن جورج بوش، وجيمي كارتر، ورونالد ريجان كانوا من المؤمنين بهذه النبوءة، بل إن الأخير كان يتخذ معظم قراراته السياسية أثناء توليه الرئاسة الأمريكية على أساس النبوءات التوراتية .. وتكشف جريس هالسل فى كتابها عن أن هناك اقتصاديات ضخمة تقوم على هذه النبوءة التى تدر مليارات الدولارات سنوياً على نجوم التنصير التوراتي، الذين يمتلكون عشرات المحطات التلفزيونية والإذاعية فى أمريكا وأنحاء العالم، وأبرزهم بات روبرتسون الذى يطلق عليه لقب (الرجل الأخطر فى أمريكا).. فقد أسس وحدة شبكة البث المسيحية (CBN)، وشبكة المحطة(1/4)
العائلية إحدى أكبر الشبكات الأمريكية، كما أسس التحالف المسيحي الذى يعد الأوسع نفوذاً وتأثيراً فى الانتخابات الأمريكية بفضل ملايين الدولارات التى يحصل عليها كتبرعات من إتباعه ومشاهدى نبوءاته التلفزيونية، وكذلك بات بيوكاتن الذى كان مرشحاً لانتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة عن حزب الاصلاح.
وتعد برامج هؤلاء المنصرين التوراتيين من أمثال هالويل، وجيري فالويل، وتشارلز تايلور، وبول كرواسي، وتشال سميث، وروبرتسون، وبيوكاتن، من أكثر البرامج جماهيرية فى الولايات المتحدة كما تشهد أشرطة الفيديو والكاسيت التى تحمل هذه البرامج رواجاً رهيباً فى أوساط الطبقة المتوسطة الأمريكية (ومعظم المؤمنين بهذه النبوءة منها وهم بالملايين)، وكذلك الكتب الخاصة بها والتى صارت تباع كالخبز؛ حتى أن كتاب (الكرة الأرضية العظيمة المأسوف عليها) للمنصر التوراتى هول ليفدسى بيعت منه أكثر من 25 مليون نسخة بعد أيام من طرحه فى الأسواق. وينتشر المنصرون التوراتيون فى معظم أنحاء الولايات المتحدة فى عدة آلاف من الكنائس التى يعملون فى كهانتها، عبر مؤسسة الزمالة الدولية لكنائس الكتاب المقدس. ويؤمن أتباع هذه النبوءة بأنهم شعب نهاية الزمن، وإنهم يعيشون اللحظة التى كتب عليهم فيها تدمير الإنسانية، ويؤكدون قرب نهاية العالم بمعركة الهرمجدون التى بشرت بها التوراة، والتى سيسبقها إندلاع حرب نووية تذهب بأرواح أكثر من 3 مليارات انسان! وتبدأ شرارتها من جبل الهرمجدون الذى يبعد مسافة 55 ميلاً عن تل أبيب بمسافة 15 ميلاً من شاطئ البحر المتوسط، وهو المكان الذى أخذ أكبر حيز من اهتمام المسيحيين بعد الجنة والنار! وتحلل جريس هالسل كيف أفرزت هذه الحركة المسيحية أكثر من ألف ومائتى حركة دينية متطرفة، يؤمن أعضاؤها بنبوءة نهاية العالم الموشكة فى الهرمجدون، وترصد سلوك وأفكار هذه الحركات الغريبة التى دفعت ببعضها الى القيام بانتحارات جماعية من أجل(1/5)
التعجيل بعودة المسيح المخلص وقيام القيامة، ومنها جماعة (كوكلوكس كلان) العنصرية، والنازيون الجدد وحليقو الرؤوس، وجماعة (دان كورش) الشهيرة والتى قاد فيها (كورش) إتباعه لانتحار جماعى قبل عدة سنوات بمدينة (أكوا) بولاية تكساس من أجل الإسراع بنهاية العالم، وكذلك القس (جونز) الذى قاد انتحاراً جماعياً لإتباعه أيضاً فى (جواينا) لنفس السبب، وقد كان (ماك تيموثى) الذى دبر انفجار (أوكالاهوما) الشهير من المنتمين لهذه الجماعات.(1/6)
ويكشف الكتاب عن العلاقة العنصرية الغريبة التى تربط بين اليمين المسيحي المتطرف فى أمريكا ونظيره اليهودى فى الكيان الصهيونى على الرغم من التناقض العقائدى بينهما. العلاقة التى تقوم على استمرار الدعم والتأييد المطلق رغم الكراهية المتبادلة! فتؤكد هالسل أن اللاسامية نوعان: نوع يكره اليهود ويريد التخلص منهم وإبعادهم بكل الوسائل، ونوع آخر يكرههم، ولكن يريد تجميعهم فى فلسطين مهبط المسيح فى مجيئه الثانى المنتظر. وتشرح هالسل كيف يستفيد الكيان الصهيونى من هذه النبوءة التى تمنع المسيحي الأمريكي المؤمن بها من التعامل الراشد مع الواقع، وتجبره على رؤية الواقع والمستقبل فى إطار محدد ومعروف سلفاً، وهو ما يؤدى إلى الوقوع فى انتهاكات أخلاقية فاضحة تأتى من تأييد المشروع الصهيوني العنصرى الذى يقوم على الاستيطان، وتهجير الآخرين، وطردهم من أرضهم، والاستيلاء عليها، بل والقيام بمذابح جماعية ضدهم، وهو ما يظهر فى التعاطف الذى يبديه المسيحيون التوراتيون مع السفاحين اليهود إلى حد المشاركة فى المجازر التى يرتكبونها ضد الفلسطينيين، كما فعل بات روبرتسون الذى شارك فى غزو لبنان مع إريل شارون والمذابح الوحشية التى ارتكبها وشارك معه متطوعون من المسيحيين التوراتيين الذين حاربوا مع الجيش الصهيوني، وهى المعلومات التى حرصت هالسل على ذكرها رغم الحظر المفروض عليها إعلامياً فى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. كما تكشف هالسل عن أن معظم المحاولات التى جرت لحرق المسجد الأقصى أو هدمه وبقية المقدسات الإسلامية فى القدس من أجل إقامة الهيكل مّولها وخطط لها مسيحيون توراتيون من المؤمنين بنبوءة الهرمجدون إن لم يشاركوا فيها !!. وفى فكر المنصرين التوراتيين تغيب كل معانى المحبة والتسامح المقترنة بالمسيحية، ويبدو المسيح فى أحاديثهم فى صورة جنرال بخمسة نجوم يمتطي جواداً، ويقود جيوش العالم كلها، مسلحاً برؤوس نووية ليقتل مليارات(1/7)
البشر فى معركة الهرمجدون.
تعليق :
…بطبيعة الحال فإن المستفيد الأوحد من ترويج خرافة هرمجدون هو الكيان الصهيونى الإجرامي "رجسة الخراب" كما وصفها النبى دانيال عليه السلام، وبالتالى فليس من المقبول أن ينساق البعض وراء هذه المزاعم اليهودية، فينشر أكاذيبهم بين المسلمين إما جهلاً أو طمعاً فى مال وفير وشهرة من وراء كتب الخرافات ... وفى الفصول التالية ننشر ردود علماء المسلمين على هذه المزاعم .
وعن البعد الدينى والسياسي فى "هرمجدون" تقول الدكتورة أميمة أحمد الجلاهمة:
…"إن غالبية مواطنى الولايات المتحدة الأمريكية من أتباع (الكنيسة الإنجيلية) ذات الجذور البروتستانتية، وتعاليم هذه الكنيسة تؤكد أن خلف التأييد اليمينى المسيحي المتشدد للدولة الصهيونية دوافع دينية عميقة الجذور، استغلتها الدولة الصهيونية، بشكل مكن لوجودها فى وجدان المسيحيين المتدينين التابعين لتلك الكنيسة. لقد ضمنت هذه الدولة الغاصبة اعتراف (الكنيسة الإنجيلية) بوجودها الصهيوني، كما ضمنت تأييدها لهذا التوجه الصهيوني، فهذه الكنيسة تؤمن بحرفية وقدسية كتاب اليهود (العهد القديم)، الذى ينص على وجوب قيام دولة إسرائيل قبل نهاية العالم.
…وعليه لم يكن مستغرباً للمتابع أن لا يجد أى مقاومة أو رفض للسياسة الصهيونية، من قبل التابعين لهذه الكنيسة، التى مع تعدد فروعها تعتقد فى مجملها اعتقادا جازماً أن مساندة اليهود فى احتلالهم لأرض فلسطين مطلب مقدس.(1/8)
…أما كيف ذاك؟ فإليكم نظرية (هرمجدون) المقدسة، أو ما يطلق عليها (المعركة الأخيرة) التى تعلن قرب نهاية العالم، وذلك بنشوب حرب عالمية ذات طابع ذري، تقع بين إسرائيل - المحتلة - وأعدائها الرابضين لها، وهم - كما يروي بعضهم - روسيا، وأضاف آخرون دول أخرى، وهى إيران، العرب والمسلمين والأفارقة، وخلال هذه الحرب سيقضى على ملايين من الإسرائيليين، أما المتبقي من اليهود فسيتم - حسب زعمهم - رفعهم ليتم توحدهم والمسيحيين مع المسيح كما تؤكد هذه النظرية أنه سيتم القضاء على جيوش الغزاة بواسطة قنبلة ذرية... ليعود بعدها المسيح - كما يدعون - إلى الأرض بجيش من القديسين لمعاقبة غير المؤمنين، وتحطيم قوى الشيطان المعادية له، فى معركة الخير والشر، المسماة بـ (هرمجدون) نسبة إلى سهل (المجدل) فى فلسطين... لتنتهى هذه الكارثة كما يزعمون بعصر الألف عام السعيدة.
…وإتباع (الكنيسة الإنجيلية) يؤمنون أن تفاصيل هذه النظرية واردة فى (التوراة) كتاب اليهود المقدس، انظر سفر الرؤيا، الإصحاح 20: 1-6، الأساس التوراتى لهذه النظرية، أنظر كذلك حزقيال الإصحاحيين 38 و 39، ويؤمنون أيضاً أن واجبهم الديني يحتم عليهم المساهمة الفعالة فى التعجيل لظهور المسيح.. وهو ما يتطلب منهم ابتداء المساندة الفعلية للاحتلال الصهيوني.. بل ويجعلون ذلك نوعاً من العبادة.
…إن إنتشار هذه النظرية فى أمريكا بدأ مع النصف الأول من القرن التاسع عشر، مع قيام (جون نلسون داربي) القسيس فى كنيسة إنجلترا، بعدة زيارات إلى كندا والولايات المتحدة الأمريكية، وفى إحدى زياراته لأمريكا التقى بـ (سايروس انجيرزون سكوفليد) الأمريكى الجنسية، وعلى يد هذا الأخير بدأت نظرية (هرمجدون) فى الانتشار فى معظم الولايات المتحدة الأمريكية..(1/9)
…وقد قاما بوضع (النبوءة) كمعتقد أساسي للمسيحية كما فهماها، وفى أواخر القرن التاسع عشر عقد (سوكفيلد) عدة مؤتمرات، حول النبوءات الواردة فى الكتاب المقدس، مع تركيزه على ما تعلمه من (داربي) من اعتقاده بوجود مخططين، الأول منهما مخطط الله على الأرض من أجل اسرائيل، والثانى مخطط الله فى السماء من أجل خلاص المسيحيين، مع سعيه الحثيث لإدخال ملاحظاته تلك فى مرجع إنجيلي معتمد.
…ويؤمن المسيحيون المخلصون (للكنيسة الإنجيلية) بـ (هرمجدون، لأنها بمثابة إعلان خلاصهم على يد المسيح، الذى بزعمهم كما ذكرت أنفاً، سوف يرفعهم إلى السحاب وينقذهم من المعاناة التى تلحق بأعدائه وأعدائهم فى نهاية العالم.
…تكمن الخطورة القصوى لهذه الكنيسة الصهيونية ليس فى تنامى نفوذها فى الغرب فقط، بل وفى تزايد نفوذها يوماً بعد يوم فى منطقة الشرق الأوسط، وعلى الراغب فى الإطلاع على نشاطها فى الشرق، النظر لتقرير مجلس كنائس الشرق الأوسط والمعنون بـ (الحرب بين الكنائس الأمريكية والعربية، عن دار الوحدة، لبنان، 1988م) ففي هذا التقرير الكثير مما ينبغى علينا الوقوف عليه.. لعل الرأى العام العربى يدرك خطورة أهداف هذه الكنيسة الإنجيلية... ويسعى لإيقاف نشاطها الصهيونى.
…وإليكم نموذجاً لنشاط هذه الكنيسة فى الشرق الأوسط ففى عام 1980م، تم إعلان تأسيس منظمة أطلق عليها (سفارة المسيحية الدولية) وذلك فى القدس الغربية، وبحضور ألف رجل من رجال الدين المسيحى يمثلون 23 دولة، حضر هذه المناسبة وباركها بطبيعة الحال عدد كبير من المسئولين فى دولة صهيون..
…لقد أعلن مؤسس هذه السفارة ومديرها هولندى الجنسية، (جان فان هوفين) الهدف من تأسيس هذه السفارة بقوله: (إننا صهاينة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، وإن القدس هى المدينة الوحيدة التى تحظى باهتمام الله، وأن الله قد أعطى هذه الأرض لإسرائيل إلى الأبد).(1/10)
…ويلاحظ أن لهذه السفارة عدة قنصليات منتشرة فى (37) دولة، فى أوروبا الغربية واستراليا وكندا وإفريقيا، كما يوجد لها (20) فرعا فى الولايات المتحدة فقط.
…هذه المنظمة حلقة واحدة من سلسلة طويلة لمنظمات مسيحية صهيونية عالمية، تهدف إلى تعبئة الرأي العام، وممارسة الضغط على الحكومات الموالية والمعادية لوجود إسرائيل، والاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية لها.
…لقد آن الأوان أن ندرك أن سعي الكثيرين من الشعب الأمريكي لنصرة دولة صهيون الغاصبة، نابع من إيمانهم .. لعلنا بذلك نقف على الداء.. فنتمكن بعده من وصف الدواء...
هرمجدون أسطورة صهيونية(1/11)
…ويرى فريق من العلماء والباحثين المسلمين أن معركة هرمجدون المزعومة لن تقع أبداً لأنها ببساطة شديدة قد وقعت بالفعل .. ويرون أنها هى بعينها معركة "اليرموك" المشهورة فى تاريخنا الإسلامى، والتى وقعت عام 13 هـ - 638 ميلادية فى عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وكان قائد جيش المسلمين هو خالد بن الوليد رضى الله عنه وانتصر فيها المسلمون على الروم إنتصاراً ساحقاً وكان من نتائج هذه المعركة الظافرة خروج الروم من الشام إلى الأبد وفتح بيت المقدس ودمشق وغيرها من مدن الشام .. وعلى رأس من يقول بأن هرمجدون هى موقعة "اليرموك" الدكتور أحمد حجازى السقا أستاذ مقارنة الأديان والكاتب الإسلامى السيد محمد عاشور والكاتب عبد الله المنشاوى والباحث أحمد على أحمد (أنظر كتاب "هرمجدون حقيقة أم خيال" وكتاب "معركة هرمجدون وتأسيس مملكة الرب" فى قائمة المراجع نهاية هذا الكتاب).. ويؤكد أصحاب هذا الرأى أن الصهيونية العالمية هى التى تشيع فى العالم أن معركة هرمجدون لم تحدث، وأنها سوف تقع قريباً بين المسيح وأنصاره ضد المسلمين والوثنيين فى سهل مجيدو بفلسطين، ولذلك كان من الضرورى قيام دولة إسرائيل ودعمها بكل السبل ضد العرب والمسلمين، والإستمرار فى ذلك تحقيقاً لإرادة الرب (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) سورة الكهف الآية (5).
الفصل الثانى
تنزيل الأحاديث على الوقائع
…من الأخطاء الفادحة التى إرتكبها هواة الإثارة لترويج بضاعتهم المغشوشة بين الناس، تنزيل النصوص على حوادث بعينها أو أشخاص معروفين من المعاصرين، لكى يضمنوا جذب الناس لشراء كتبهم ولو بالتلفيق ولى أعناق النصوص لتنطبق على ما يريدون ومن يريدون.. وسوف نورد هنا مثالاً صارخاً لذلك - لأن المقام لن يتسع لإيراد كل النصوص والرد على ما أثير بشأنه وإلا احتجنا إلى مجلدات - وهذا المثال هو :(1/12)
…حديث أبى هريرة - رضى الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم"، شهد على ذلك لحم أبى هريرة - رضى الله عنه - ودمه، وقد قرأ البعض فى شرح هذا الحديث أن بلاد العراق سوف تحتل وقد احتلت بالفعل ولهذا يصاب الناس بالحزن الشديد والإحباط عند قراءة مثل هذا الحديث، حيث يستنتج أن كلاً من مصر والشام سوف تحتل أيضاً .. فما مدى صحة ذلك؟
يجيب الدكتور فهد بن عبد الرحمن اليحيي عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قائلاً :
…أولاً: أن تنزيل أمثال هذه الأحاديث؛ وهى الأحاديث الواردة فى الفتن وأشراط الساعة تنزيلها على حوادث بعينها أو أشخاص بأعيانهم فيه خطورة، حيث لا يمكن الجزم بذلك.
…ثانياً: إن الانشغال بهذا التنزيل لا حاجة إليه، ولا فائدة منه، بل ربما جر إلى التعجل فى أمور قد كان للمسلم فيها أناة. وقد تأملت أمثال هذه الأحاديث فلم أجد فيها طلب التحري والبحث عنها، بل الظاهر أنها إذا وقعت تبينت، وعرف حينها من كان على علم بما ورد فيها أن تلك هى التى حدث عنها النبى - صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي الاشتغال بمثل هذا التنزيل، فلربما شغل عما هو أهم.
…ثالثاً: ما يبين خطأ التنزيل المشار إليه وخطورته أن من يقم حديث أبى هريرة - رضى الله عنه - الذى فى مسلم (2896) على الواقع المعين وهو حالة العراق، ويستنتج شيئاً آخر هو احتلال الشام يحزن حزناً شديداً، بلا حاجة إلى ذلك، إذ الجزم بهذا لا يستند إلى منهج صحيح دال عليه.(1/13)
…رابعاً: أن تنزيل مثل هذه الأحاديث إن ادعى أحد تحققه فى هذا الزمن فقد وجد فى الأزمان المتقدمة ما يشبه ذلك، وربما وجد من الناس من ظن تحقيق الحديث فيها ثم تبين بعد خلاف ذلك. وربما أتى أيضاً فى أزمان لاحقة ما يظن تحقق الحديث فيه إلى أن يتحقق تماماً، وانظر فى شرح الحديث، فقد قال النووي (مسلم بشرح النووي 18/20): وهذا قد وجد فى زماننا فى العراق وهو الآن موجود (والنووي قد توفى عام 676هـ) وقال القنوجى (من علماء القرن الماضي) فى السراج الوهاج (11/368) بعدما نقل كلام النووي: وقد وجد ذلك كله فى هذا الزمان الحاضر فى العراق والشام ومصر واستولى الروم - يعني النصارى - على أكثر البلاد. أ.هـ. فالاحتلال للعراق والشام قد حدث فى حملات الاستعمار الشاملة لكثير من بلاد الإسلام بعد سقوط الخلافة، كما أشار صديق حسن القنوجى آنفاً.
…ومن الأمثلة الخطيرة ما مر فى التاريخ فى دعاوي المهدى، والتى قد يكون المدعى فيها وقع فى لبس حتى مع نفسه، ثم تبين بعد ذلك أنه ليس المهدى الوارد فى الأحاديث، وهذا مما تتضح به خطورة تنزيل مثل هذه الأحاديث.
…خامساً: أن تفسير الحديث باحتلال العراق والشام قول من عدة أقوال فى تفسير الحديث وشرحه، فقد ذكر من شرحه أن من معانيه أن يسلم من كان فى العراق والشام من الكفار الذين كانوا يؤدون الجزية فتسقط عنهم الجزية، وقيل : إنه تقوى شوكتهم فيمنعون الجزية، ويمكن مراجعة شرح الحديث فى المصادر السابقة.
…وبدوره يحذر الدكتور عوض بن محمد القرنى العالم السعودى المعروف من التأويلات الخاطئة لأخبار وأحاديث الفتن والملاحم والتعبيرات الباطلة للروئ والأحلام والتحذير من تعليق القلوب والأذهان بتفسيرات وهمية وتأويلات فاسدة وتحديدات وتعيينات ما أنزل الله بها من سلطان مما يؤدى إلى أعمال تهورية خاطئة أو يأس وقنوط وإنتكاس.
تنبيه المفتون بكتاب "هرمجدون"(1/14)
وقد أفتى الشيخ حامد بن عبد الله العلى بحرمة بيع كتاب "هرمجدون ... آخر بيان يا أمة الإسلام" والكتب المشابهة.. وقال الشيخ العلى وهو من أكبر علماء الكويت فى فتواه : اطلعت على كتاب بعنوان (هرمجدون) آخر بيان ... يا أمة الإسلام، لمؤلفه أمين محمد جمال الدين، فوجدت فيه مما يقتضى التوجه بالرد عليه ما يلى:
أولاً :
…قد أكثر المؤلف من النقل عن كتاب الفتن لنعيم بن حماد رحمه الله، ويشير إليه فى غير موضع أنه شيخ البخارى، ليظن القارئ الذى يجد إقترانه بالإمام البخارى، وهو الإمام الذى قد عرفت جلالته فى علم الحديث، أن كل ما رواه نعيم هو أيضاً موثوق به، وفى هذا الصنيع، تدليس لا يليق بالباحث - هداه الله - ذلك أن نعيم بن حماد إنما روى له البخارى مقرونا بغيره، ولم يخرج له فى الصحيح سوى موضع، أو موضعين أيضاً، وروى له مسلم فى المقدمة موضعا واحدا فقط، كما ذكر الحافظ بن حجر فى مقدمة فتح البارى (447).
…هذا مع أن ذكر الرجل فى طبقة الشيوخ عند المحدثين، قد لا يعنى سوى أنه ممن روى عنه المحدث، ولا يقتضى ذلك أن يكون ثقة عنده، فضلاً عن أن يكون قد أخذ عنه علمه، ولهذا فربما ذكر فى طبقة شيوخ بعض الحفاظ، أكثر من ألف شيخ كالحافظ الطبرانى.
…وأما نعيم فهو ثقة فى نفسه، ولكنه كما قال الإمام الناقد الذهبي: لكنه لا تركن النفس إلى رواياته (السير 10/600).
…وقال يحي بن معين: يروى عن غير الثقات (سير أعلام النبلاء 10/597)
…وقال الإمام المحدث صالح جزرة عن نعيم: (وكان يحدث من حفظه، ولديه مناكير كثيرة لا يتابع عليها، سمعت يحيى بن معين سئل عنه فقال: ليس فى الحديث بشئ، ولكنه صاحب سنة).
…وقال الإمام الذهبي: قلت لا يجوز لأحد أن يحتج به، وقد صنف كتاب (الفتن) فأتى به بعجائب ومناكير. (10ش/609).(1/15)
…وبهذا يعلم أن كتاب (هرمجدون) قد بني على مصدر ملئ بالمناكير، دون تحقيق لما فيه، ولا انتقاء لما يحتويه، ولا يحل فى دين الإسلام، أن يكون مثل هذا مصدراً شرعياً، فى الأخبار والأحكام.
ثانياً : تندرج المؤاخذات على الكتاب المذكور فى ثلاثة أنواع:
النوع الأول:
إيراده - غفر الله له - أحاديث ضعيفة، وأخرى لا أصل لها، واعتماده عليها فيما يدعيه من وقوع أمور مستقبلية، وأحيانا يعزو ما يذكره إلى مصادر مجهولة، لا يعرفها العلماء، بزعم أنها مخطوطات مخبأة فى بعض المكتبات، فينسب إليها بعض الأقوال عن الصحابة، ويجعلها أساسا لما يقوله ويزعمه من الإخبار بالمستقبل.
النوع الثانى:
…إيراده تخاريف الكهنة مثل الكاهن المشهور (نوستراداموس).
النوع الثالث:
…تنزيله الأحاديث الصحيحة المخبرة عن أمور مستقبلية على واقع يحدده، بغير دليل واضح، مع الجزم بأن ما أنزلها عليه هو معناها ومقتضاها، حتى قال هداه الله (لولا أننى على يقين من أمرى ما تورطت فى أمر كهذا)!! ويتعسف - عفا الله عنه - فى تأويل الأحاديث الصحيحة - والضعيفة أيضاً - لتوافق توهماته.
فأما النوع الأول:(1/16)
…فمن أمثلته حديث يزعم أنه من كلام أبى هريرة رضى الله عنه، وهو كلام عجيب وغريب، ادعى أن مصدره مخطوط بدار الكتب الإسلامية فى كتبخانة إسطانبول، يقول الحديث المزعوم: (حرب آخر الزمان حرب كونية، المرة الثالثة بعد اثنين كبريين يموت فيهما خلائق كثيرة، الأول أشعلها رجل كنيته السيد الكبير، وتناديه الدنيا باسم (هتلر)، قال: وهذا مما رواه أبو هريرة وابن عباس وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهم، فى رواية خاف أن يحدث بها أبو هريرة، ولما أحس الموت خاف أن يكتم علما فقال لمن حوله: (فى نبأ علمته عما هو كائن فى حروب آخر الزمان، فقالوا: أخبرنا ولا بأس جزاك الله خيرا، فقال: فى عقود الهجرة بعد ألف وثلاثمائة، واعقدوا عقودا يرى ملك الروم أن حرب الدنيا كلها يجب أن تكون، فأراد الله له حربا، ولم يذهب طويل زمن، عقد وعقد فسلط رجل من بلاد اسمها جرمن، له اسم الهر، أراد أن يملك الدنيا، ويحارب الكل، فى بلاد ثلج وخير، فأمسى فى غضب الله بعد سنوات نار، أرداه قتيلا سر الروس ، وفى عقود الهجرة بعد ألف وثلاثمائة عد خمسا أو ستا، يحكم مصر رجل يكنى ناصر، يدعوه العرب شجاع العرب، وأذله الله فى حرب وحرب وما كان منصورا، ويريد الله لمصر نصرا له حقا فى أحب شهوره، وهو له، فأرضى مصر رب البيت، والعرب باسمر سادا، أبوه أنور منه، لكنه صالح لصوص المسجد الأقصى بالبلد الحزين، وفى عراق الشام...).
وهذا الخبر لا يعرف له أصل، ولا تحل روايته، دون بيان درجته.
وكيف يحل لأحد أن يورد مثل هذه الخرافات، وينسبها إلى صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، لاسيما وهى فى أخبار الغيب، التى لا يقال فيها بالرأى ، فهى فى حكم المرفوع الى النبى صلى الله عليه وسلم ، مع ما فيها من الكلام الركيك الذى يشبه هذيان المحموم .(1/17)
كما قال المؤلف ( هذا من الآثار العجيبة والتى حدث بها الصحابى الجليل أبو هريرة ) فهو يجزم بأن أبا هريرة رضى الله عنه ، قد حدث بهذا الكلام الذى يبدو وكأنه حديث أعجمى، ملئ بفساد التركيب ، وضعف الصياغة .
* ومن ذلك استشهاده بحديث ( بين الملحمة وفتح القسطنطينية ست سنوات ويخرج الدجال فى السابعة ) وهو حديث ضعيف بين العلامة الألبانى رحمه الله ضعفه فى مشكاة المصابيح 5426 فليرجع إليه ، ولا حاجة لدراسته دراسة حديثية هنا إذ كان المقصد هو الإختصار .
* من ذلك حديث ( ليغزون الهند لكم جيش يفتح الله عليهم، حتى يأتوا بملوكهم مغللين بالسلاسل يغفر الله ذنوبهم فينصرفون حين ينصرفون فيجدون ابن مريم بالشام ) . وهذا الحديث لم أجد له خطاما ولا زماما .
* ومن ذلك هذان الحديثان المنكران : ( يكون صوت فى رمضان ، ومعمعة فى شوال ، وفى ذى القعدة تجاذب القبائل ، وعامئذ ينتهب الحاج وتكون ملحمة عظيمة بمنى تكثر فيها القتلى ، وتسيل فيها الدماء ، وهم على جمرة العقبة ) .
وحديث ( إذا كانت الصيحة فى رمضان فإنه يكون معمعة فى شوال .. قلنا : وما الصيحة يا رسول الله ؟ قال : هدة فى النصف من رمضان ، ليلة جمعة ، فتكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من خدورهن فى ليلة جمعة فى سنة كثيرة الزلازل .. الحديث) .(1/18)
ومن ذلك ما أورده ناسبا إياه الى نسخة خطية فى دار الكتبخانة فى تركيا ، كتبها - فيما ادعى الناقل عنها - كلدة بن زيد بن بركة المدنى ، وجاء فيه (وحرب فى بلد أصغر من عجب الذنب يجمع أهل الدنيا لها، كأنها أغنى بلد أولم عليها الوالمون، وأمير فيها سلم رايته لزعيمة الشر الآتية من الشواطئ البعيدة ، بداية آخر الزمان ، فتجمع له صريخها من كل الدنيا ، وترد له عرش الملك ويخرب عراق فى ملاحم بداية آخر الزمان ، ويحارب أمير الذنب الصغير جيوش المهدى ، وحان خراب البلد مرة أخرى ، لأن أميرها سر الفساد ... المهدى يقتله ويعود الذنب الى جسد ... ) .
فهل هذا كلام النبى صلى الله عليه وسلم، أم هو كلام بعض الصحابة، وأين إسناده إن كان كذلك، مع أنه فى غاية الركاكة، بعيد بعد المشرقين عن فصاحة اللفظ النبوى، وكل من يعرف كلام العرب، يجزم بأن هذا التركيب لا يمكن أن يقوله النبى صلى الله عليه وسلم، كما يقطع بأنه ليس من كلام العرب الأوائل أيضا.
ثم إن قوله: إن أمير الذنب الصغير - ويقصد الكويت - يحارب جيوش المهدى ،أمر يثير الضحك ، فالمعلوم أن الكويت دولة صغيرة ، وجيشها قليل العدد ، غير قادر على مجابهة جيوش المهدى ، وليس من عادة حكامها الطغيان ، ولا البدء بالعدوان ، بل هم قوم مسالمون، وذلك معلوم لدى الناس كلهم ، فهو لم يحاربوا قط أصغر دولة ، فكيف يحاربون جيوش المهدى ؟!
أما النوع الثانى : فمنه إيراده ما ذكره نستراداموس فى إحدى رباعياته (فى عام القرن الجديد والشهر التاسع (سبتمبر 2001 ) من السماء سيأتى ملك الموت العظيم ، ستشتعل السماء فى درجة خمسة وأربعين ، وتقترب النيران من المدينة العظيمة وهى مدينة يورك ...) .(1/19)
فمتى كان المسلمون يستشهدون بكلام الكهنة والمشعوذين مما تأتيهم به الشياطين، وقد قال صلى الله عليه وسلم عنهم: إنهم ليسوا بشئ، كما روى: ( عن عائشة رضى الله عنها سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس عن الكهان فقال ليس بشئ فقالوا يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشئ فيكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فيقرها فى أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة )، وما أدرانا أن مع خبر هذا الكاهن مائة كذبة، هذا إن كان هذا الكاهن اليهودى، قد ذكر ما نقله مؤلف كتاب هرمجدون، ولم ينسبه بعض الدجالين المعاصرين إليه، طمعا فى الربح المادى من وراء نشر كتب الغرائب والعجائب !
أما النوع الثالث:
فمن ذلك إنزاله حديث ( كنا قعودا عند النبى صلى الله عليه وسلم فذكر الفتن، فأكثر من ذكرها حتى ذكر فتنة السراء، دخنها من تحت قدمى رجل من أهل بيتى، يزعم أنه منى، وليس منى .. الحديث ) وهو حديث صحيح رواه أبو داود وأحمد والحاكم وصححه .
إنزاله هذا الحديث على أن فتنه السراء هى فتنة غزو صدام للكويت، وجزمه بذلك وترجيحه أن أمير الكويت هو المقصود بقوله (دخنها تحت قدمى رجل من أهل بيتى) ص 20 الحاشية.
ومعلوم أن الحديث ذكر أن فتنة السراء، دخنها من تحت قدمى رجل من أهل بيته صلى الله عليه وسلم، وأن أسرة الصباح التى تحكم الكويت، ليست من أهل البيت، ولاهم يدعون ذلك، ولا أنهم من قريش أيضا، فإنزال الحديث على غزو صدام للكويت فيه تعسف واضح .
وتتميما للفائدة تذكر ما قاله العلماء فى بيان معانى هذا الحديث :
روى أبو داود من حديث عبد الله بن عمر قال :(1/20)
كنا قعودا عند رسول الله فذكر الفتن فأكثر فى ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل يا رسول الله وما فتنة الأحلاس قال هى هرب وحرب ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمى رجل من أهل بيتى يزعم أنه منى وليس منى وأنما أوليائى المتقون ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة فإذا قيل انقضت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا حتى يصير الناس الى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده .
فتنه الأحلاس : قال فى النهاية : الأحلاس جمع حلس وهو الكساء الذى يلى ظهر البعير تحت القتب، شبهها به للزومها ودوامها، انتهى ، وقال الخطابى : إنما أضيفت الفتنة الى الأحلاس لدوامها وطول لبثها أو لسواد لونها وظلمتها . قال القاري: والمراد بالسراء النعماء التى تسر الناس من الصحة، والرخاء، والعافية من البلاء والوباء ، وأضيفت إلى السراء ، لأن السبب فى وقوعها ارتكب المعاصى بسبب كثرة التنعم أو لأنها تسر العدو انتهى.
دخنها : يعنى ظهورها ، وإثارتها ، شبهها بالدخان المرتفع ، والدخن بالتحريك مصدر دخنت النار تدخن إذا ألقى عليها حطب رطب ، فكثر دخانها ، وقيل أصل الدخن أن يكون فى لون الدابة كدورة إلى سواد قاله فى النهاية . ( من تحت قدمى رجل من أهل بيتى ) : تنبيها على أنه هو الذى يسعى فى إثارتها أو إلى أنه يملك أمرها.
ثم يصطلح الناس على رجل: أى يجتمعون على بيعة رجل
( كورك): بفتح وكسر قاله القارى(1/21)
(على ضلع) : بكسر ففتح ، ويسكن ، واحد الضلوع أو الأضلاع قاله القارى ، قال الخطابى: هو مثل ومعناه الأمر الذى لا يثبت ولا يستقيم وذلك أن الضلع لا يقوم بالورك ، وبالجملة يريد أن هذا الرجل غير خليق للملك ولا مستقل به انتهى . وفى النهاية : أى يصطلحون على أمر واه لا نظام له ، ولا استقامة لأن الورك لا يستقيم على الضلع، ولا يتركب عليه، لاختلاف ما بينهما وبعده ، والورك ما فوق الفخذ انتهى .
وقال القارى: هذا مثل والمراد أنه لا يكون على ثبات، لأن الورك لثقله لا يثبت على الضلع لدقته، والمعنى أنه يكون غير أهل للولاية لقلة عمله وخفة رأيه انتهى .
ثم فتنة ( الدهيماء ) : وهى بضم ففتح ، والدهماء السوداء ، والتصغير للذم أى الفتنة العظماء، والطامة العمياء . قاله القارى .
وفى النهاية : تصغير الدهماء ، الفتنة المظلمة ، والتصغير فيها للتعظيم ، وقيل أراد بالدهيماء الداهية ، ومن أسمائها الدهيم ، زعموا أن الدهيم اسم ناقة كان غزا عليها سبعة إخوة فقتلوا عن آخرهم، وحملوا عليها حتى رجعت بهم فصارت مثلا فى كل داهية .
( لا تدع ) : أى لا تترك تلك الفتنة .
( إلا لطمته لطمه ) : أى أصابته بمحنة ومسته ببلية ، وأصل اللطم هو الضرب على الوجه ببطن الكف ، والمراد أن أثر تلك الفتنه يعم الناس ويصل لكل أحد من ضررها.
( فإذا قيل انقضت ): أى فمهما توهموا أن تلك الفتنة انتهت.
( تمادت ) : بتخفيف الدال أى بلغت المدى أى الغاية من التمادى وبتشديد الدال من التمادد تفاعل من المد أى استطالت واستمرت واستقرت قاله القارىء.
هذا ما ذكره أهل العلم فى معانى الحديث ، وما علمت أدب العلماء مع حديث النبى صلى الله عليه وسلم إلا أنهم لا يفسرونه على واقع ليس لهم عليه برهان واضح، فيظنون فيه ظنا ولاهم بمستيقنين ، بل يكلون علم ذلك الى الله تعالى قائلين: سبحانك اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا .(1/22)
فمن ذلك استدلاله بحديث ( سيكون من بنى أمية رجل أخنس بمصر يلى سلطانا يغلب على سلطانه أو ينزع منه فيفر الى الروم فيأتى بالروم إلى أهل الإسلام فذلك أول الملاحم ) وهو حديث ضعيف، وبين ضعفه العلامة الألبانى فى تحقيقه للجامع الصغير 3306 .
استدلاله به على أن المقصود به أمير الكويت، مع أن المقصود بمصر، مصر نفسها، ولهذا فقد ورد الحديث بلفظ ( فيفر إلى الروم فيأتى بهم إلى الإسكندرية ) مع أنه ضعيف أيضا، ولكن المؤلف لم يذكر هذه اللفظة، ثم إن أمير الكويت من أسرة الصباح، وهى ليست من بنى أمية، ولا من قريش أصلا، لا هم يدعون ذلك، ولا أهل الأنساب ينسبونهم الى بنى أمية، فإنزال هذا الحديث الضعيف على الكويت، فيه تكلف وتعسف ظاهر.
وتأمل كيف جعل أمير الكويت من بنى أمية تارة، ومن بنى هاشم تارة أخرى ، وإنما حصل له هذه التناقض، دون أن يشعر، لان همه متوجه لتركيب الأحاديث، على واقع تخيله فى مخيلته، فلما صارت الأحاديث تبعا لما فى مخيلته ، لم يشعر بتناقض ما يقوله .
ومن ذلك إنزاله حديث ( يوشك أهل الشام ألا يجبى إليه دينار ولا مدى: قلنا من أين ذلك، قال: من قبل الروم ) رواه مسلم، على أن المقصود الحصار على فلسطين وأنه واقع الآن، مع أن الحديث ذكر أن الحصار يقع على الشام كلها، وليس على فلسطين لوحدها، وأيضا فإن فلسطين الآن لا يمنع عنها الدينار ولا الطعام بل تدخلها التحويلات الخارجية إلى البنوك فى فلسطين ويدخلها الطعام من خارج فلسطين إليها، وهو أمر مشهود معلوم .
ومن ذلك إنزاله حديث لا تعرف صحته ( إذا اختلفت الرايات السود فيما بينهم أتاهم الرايات الصفر) على أن الرايات السود هم الأفغان، والرايات الصفر هم جيوش الغرب، فمن أين ليت شعرى جعل الأصفر هو لون رايات الأمريكيين !! .(1/23)
ومن العجائب أيضا إنزاله حديث لا تعرف صحته ( علامة خروج المهدى ألوية تقبل من المغرب عليها رجل أعرج من كنده ) على أن المقصود به الجنرال ريتشارد مايرز قائد القوات المشتركة الأمريكية، لأنه كان يمشى على عكازين، مع أن كندة قبيلة عربية مشهورة، أبوهم كندة بن ثور، وقيل حى من اليمن، فما دخل قائد القوات المشتركة الأمريكية بها ؟!
ومن ذلك جزمه أن الهرمجدون - وهى من مزاعم أهل الكتاب - هى حرب قادمة بين روسيا مع الصين من جهة (وأطلق عليه المعسكر الشرقى )، وأمريكا وبريطانيا معهم المسلمون مكرهين على ذلك من جهة أخرى، ثم اقترح عدة (سيناريوهات) كما سماها ، لحدوث معركة الهرمجدون ، ولم يعلم أنه لا يوجد الآن ما يسمى المعسكر الشرقى، وأنه انتهى بانتهاء الحرب الباردة، وأن روسيا اليوم لا يتحمل اقتصادها وحالها المتردى، أن تتماسك فى زمن السلم، فكيف تخوض حربا، ولهذا طلبت من الغرب أن يمدها بالمال لتحارب المجاهدين فى الشيشان، وهذا المعلوم لدى الخاص والعام، لا يجهله أى متابع لما يحدث فى العالم .
والخلاصة:
… أن الكتاب ليس مبنيا على أصول العلم المحقق، بل هو أشبه بعمل حاطب ليل، قد استحوذت عليه أفكار مسبقة، فهو يسعى لأن يجمع لها ما هب ودب، ويتكلف المعانى البعيدة يستخرجها من نصوص غالبها لا يصح مما لا أصل له، أو هو منكر، أو موضوع، أو ضعيف، وجل اعتماده على كتاب الفتن لنعيم بن حماد، وهو كتاب ملئ بالأحاديث المنكرة.
…وإذا اعتمد على الصحيح حرف معناه ليوافق فكرته، وقد حشر فى كتابه خرافات، وقصص تشبه حكايات الكهنة، وأسوأ ما فيه أنه يقول فى معانى كلام النبوة، بغير علم، ولا هدى ، ولا كتاب منير ،ويجزم أن معناها كذا وكذا مما يقع فى زماننا ، بجرأة عجيبة فى الجزم بما ليس عليه دليل ظاهر ,(1/24)
…والواجب منع هذا الكتاب ، ولا يجوز بيعه، وأنصح مؤلفه بالتوبة الى الله تعالى ، والرجوع عما اشتمل عليه الكتاب ، وأن يلتزم بما عليه أهل العلم من التورع عن القول فى الدين، بغير هدى من الوحى الثابت فى الإسناد، المحقق المعانى.
ولو أنه اعتمد على الأحاديث الصحيحة فقط، ثم أورد الاحتمالات التى قد يصدق عليها الواقع، مما هو قريب ملائم، من غير جزم بشئ ، لكن الخطب أيسر وأهون ، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
الفصل الثالث
ردود العلماء
…هل صحيح ما أوردته بعض الكتب المتداولة فى الأسواق من قرب انتهاء عمر أمة الإسلام واقتراب الساعة خلال بضع سنين وما يسبقها من فتن وملاحم؟!]
…حول كتاب (هرمجدون) تأليف أمين محمد جمال. وغيره من الكتب الشبيهة، صدرت تعليقات كثيرة من كبار العلماء فى مختلف البلاد الإسلامية فيما يلى أهمها:
…إن مما يلفت الانتباه هذه الموجة من الكتب، أنها تجمع بين التفاهة والتضليل. وكتاب (هرمجدون) هو مثال صارخ يصلح للتعريف بهذه الكتب، والتى يجمع بينها الأمور الآتية:
1- الإيحاء للأمة بأن الخلاص قريب جداً، من غير استناد إلى دليل مقنع.
2- الاستناد إلى مراجع مجهولة.
3- توظيف الآيات والأحاديث توظيفاً سيئاً.
4- الاستناد إلى نبوءات أهل الكتاب، وتأويلات الشارحين لها منهم، وكأنها مسلّمات.
5- استخدام أساليب التضليل المختلفة للسيطرة على القارئ البسيط.
6- الانحياز إلى حاكم من الحكام المعاصرين.
…ولنأخذ كتاب (هرمجدون) كمثال صارخ يمثل هذه الكتب. ويكفى القارئ هنا أن يلاحظ الآتى:
أ - يستند الكاتب إلى أحاديث ظاهرة البطلان، ثم يعزوها إلى مخطوطات نادرة ومجهولة، ويستخدم أساليب الخداع لإيهام القارئ أن المخطوطة قديمة، فقد يقوم بوضع نقاط فى النص ثم يقول فى الهامش إن المخطوطة متآكلة. وهذا مسلك يفقدنا الثقة بالكاتب.(1/25)
ب- يقوم بذكر أسماء لحكام معاصرين، وينسب ذلك إلى الأحاديث الشريفة، بطريقة يقبلها البسطاء، ويَمُجُّها أهل الثقافة والعلم.
ج- يتحدث الكاتب عن حرب وشيكة ضد العراق، تهزم فيها أمريكا وينتصر العراق. وهذا مسلك مشبوه؛ لأنّ إتيان النتائج على خلاف التوقعات يؤدى إلى مزيد من الإحباط، وتفوح منه رائحة التواكل والاسترخاء وهو ما حدث فعلاً إذ إنهزم صدام حسين خلافاً لما زعمه المؤلف وإحتلت القوات الغازية العراق وخلعت صدام من الحكم.
د - يصر الكاتب على بطلان القول بقيام الخلافة قبل مجئ المهدى، وهذا الإصرار مشبوه ولا يقوم على أساس نقلى ولا عقلى.
هـ- يفتعل الكتاب الخلافات بين الشيعة والسنة.
و - يركز الكتاب على التبشير بهزيمة قريبة لأمريكا خلال أشهر، وأن ذلك من مقدمات ظهور المهدى، بل ويبشر بظهور المهدى فى رمضان المقبل (نُشر هذا الكلام فى عام 2001م وقد مضى عامان على النشر ولم يظهر أحد !!) وكل هذا لم يحدث للأسف فماذا يقول هذا المؤلف الآن بعد إنكشاف خداعه وتضليله للقراء؟!!.
ز - يزعم أن صاحباً له رأى الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى المنام وأن الرسول عليه السلام أعطى كتابه هذا لصاحبه، وبطبيعة الحال هذا الزعم لا تقوم به حجة وليس دليلاً علمياً، لأن رؤيا الأنبياء وحدهم هى الوحى.
…قد يكون الدافع وراء بعض هذه الكتب الكسب المادى السريع، إلا أن خطورة هذا الكتاب تتمثل فى تزوير فكر الأمة، وفى الاستهانة بقدسية النص الشرعى، وفى استغلال العوام، والعمل على تخدير الأمة. ولا يبعد أن تقف أجهزة مخابرات بعض الدول وراء مثل هذه الكتب، التى منها هذا الكتاب، وكتب أخرى، وإن كان الجهل والرغبة فى الشهرة والكسب السريع من أهم الدوافع لمثل هذه الموجة من التفاهات الممجوجة.(1/26)
…ويقول فضيلة الشيخ عبد الخالق الشريف - أحد علماء مصر : هذا الكتاب مما لُبِّس فيه الحق بالباطل، وهو كتاب يدعو إلى الزيغ والضلال، لا إلى الهداية والرشاد، وعفا الله عنا وعن كاتبه، وفى هذه الإجابة السريعة أبين أن كتاب الفتن لأبى عبد الله نعيم بن حماد، كتاب جرح صاحبه عند أهل الحديث بسببه، ولا يقبل، وأما باقى الكتب فهى تحوى من الأحاديث ما يقبل وما لا يقبل عند أهل هذا العلم.
…ولقد أتى هذا المؤلف بأحاديث مجملة وهى صحيحة، عن بعض الأمور الغيبية التى أشار إليها النبى - صلى الله عليه وسلم، مثل حديث حذيفة أنه حدثهم يوماً حديثاً طويلاً عما هو كائن، ثم يقول حذيفة: فحفظنا ما حفظناه، وجهلنا ما جهلناه.
…فإذا كان حفظ من حفظ ما قال النبى - صلى الله عليه وسلم، ونسى من نسى، فما دليل ذلك على التفاصيل التى أوردها فى ورقة لا نعلم لها قدماً من ساق، ولا وجهاً من ظهر؟! فما سند هذه الورقة؟! ولماذا ظهرت فى هذه الأيام تحديدا؟!
…والمتتبع لأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى الصحاح وكتب السنة وغيرها من الدواوين المعتمدة عند أهل الحديث، لا يجد أحاديث مفصلة على مثل ما جاء فى هذه الورقة السحرية العجيبة، التى تحدد اسم الرئيس واسم والده، وتبين صفة عينه ولون بشرته .
…إننا نرى دائماً أحاديث رسول الله ترشدنا فى أمور الغيبيات إلى إجماليات، ويأمرنا بأن نتعامل معها كأنها واقع حالاً، فكان يقول: يا أبا هريرة إذا لقيت ابن مريم فاقرئه منى السلام، وكان يقول عن الدجال: فإن يظهر وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيجكم، وإن يظهر بعدى فكل حجيج نفسه.
…وعلامات الوضع والكذب الصريح على رسول الله واضحة فى هذه الورقة التى لا يصدق نسبها لرسول الله إلا رجل أبله، مختل العقل، لا يفقه شيئاً عن الأحاديث وضوابط روايتها.
ومن الأمور المهمة التى أحب أن أشير إليها الآتى:
1- أن الإسلام حين يحدثنا عن الغيبيات يأتى حديثه عنها دائماً فى صفات مجملة.(1/27)
2- الإخبار عن الغيبيات إنما هو تحذير وتنبيه للأمة جميعاً؛ لتبقى الأمة فى يقظة للحفاظ على دينها، والحذر من عدوها.
3- أن أى أمر غيبى يجب ألا يدعو إلى السكون والراحة والدعة، بل يدعو إلى مزيد من العمل لمنع شر يأتى، فإن النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة يريد أن يغرسها، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها".
4- أن أحاديث الغيبيات يجب أن يتحرى الإنسان الدقة فى معرفتها، فتؤخذ من كتب الأئمة الثقات شأنها فى ذلك شأن باقى أحاديث النبى - صلى الله عليه وسلم.
5- أننا نعرف بأننا أمة السند، أى إن الكلام لا يصير عندنا دليلا إلا إذا روى بسند متصل من الراوى إلى حضرة النبى - صلى الله عليه وسلم، وهذه الورقة العجيبة النادرة التى وجدت فى مكتبة بإستانبول ليس لها قدم تقف عليها، بل جميع علامات الوضع ظاهرة فيها.
6- أن كلمة هرمجدون لم تعرف إلا فى الكتب اليهودية، وهو الذى يسمونه العهد القديم. وهو كتاب نعلم أنه قد دخل عليه من التحريف ما كشف عنه القرآن العظيم "يحرفون الكلم عن مواضعه" "ويشترون به ثمناً قليلاً" فلا أدرى أكاتب هذا الكتاب راغب فى إظهار الفكر اليهودى بيننا بعد أن يلبسه لباس الإسلام؟!
7- أما السعى لتحديد عمر ومدة وزمان هذه الأمة، فما هو الأساس الذى يستند إليه؟ القرآن منذ أُنزل قال: "اقتربت الساعة وانشق القمر"، والنبى يقول: "بعثت فى نفس الساعة"، وفى حديث آخر: "بُعثت أنا والساعة كهاتين وجمع بين إصبعيه السبابة والوسطى" وقال : "إن كادت لتسبقنى". فمن أين حددوا المدة بألف أو بألفين أو بثلاث أو بأى عدد من السنوات؟! أم أنهم أيضاً فى هذا التحديد تأثروا بالفكر التورانى الصهيونى الذى يخبر أن الدنيا سبعة آلاف عام؟! أم بفكر الدجالين الذى جمعوا الحروف المقطعة فى أوائل بعض سور القرآن الكريم وعملوا على طريقة المنجمين فى احتساب ما لديهم لكل حرف؟!(1/28)
8- ومن العجب أيضاً أن كثيرا من الناس ينظرون إلى القضية الفلسطينية والصراع بيننا وبين اليهود بما ورد فى صدر سورة الإسراء، أعنى قوله تعالى : "وقضينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين"، وواقع الأمر أن أهل التفسير جلهم على أن الكتاب هذا هو ما أنزل على موسى بن عمران عليه السلام من التوراة، وينسون أن الآيات التى فى سورة الإسراء تضمنت قوله تعالى: "وإن عدتم عدنا" مع عدم تحديد عدد هذه المرات بما لا يُعلم لأحد، وبدلاً من العمل على إزالة هذا الكيان الصهيونى فإذا بقوم يركنون ويلتمسون لأنفسهم العذر.
9- إن الإسلام يربى المسلم على أن يحتاط لنفسه قبل موته، بادروا بالأعمال سبعاً كما قال - صلى الله عليه وسلم - وأخبرنا بسرعة هذا الأمر، ويقول أيضاً: "عش فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وكان ابن عمر رضى الله عنهما إذا روى هذا الحديث قال: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء"، فقيامة كل واحد منا ونهاية الدنيا له إنما تكون بموته، حيث سيضمه القبر وحيداً فريداً يحاسب على ما كسبت يداه.
10- أن سبب انتشار مثل هذه الكلمات التى لا تستند إلى دليل شرعى صحيح، ويلبس فيها الباطل بالحق، إنما هو كثرة الجهل (قلة العلم) كما أخبر النبى - صلى الله عليه وسلم أنه علامة من العلامات الغيبية التى ستكون فى الأمة.
…ويقول الدكتور الشريف حاتم عونى عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بالسعودية: تعليقاً على ما جاء بالكتاب: إنه كتاب فيه حق قليل وباطل كثير، فضاع حقه فى باطله، وشوهه المؤلف بتفسيراته وتأويلاته البعيدة.
…(1/29)
…فنحن إذ نقرر صحة بعض ما أورده الكاتب من علامات الساعة وأخبار الملاحم، من خلال الأحاديث الثابتة فى ذلك، إلا أن القسم الأكبر من تفاصيل ذلك مما أورده الكاتب باطل مكذوب، وقد استغل الكاتب تلك التفاصيل المكذوبة لينزلها على الواقع، وليفسر بها إجمال الأحاديث الصحيحة وهذا منهج خطأ؛ لأنه يوهم أن تلك الأحاديث لا تعنى إلا ذلك المعنى الذى أخذه من الأحاديث المكذوبة، وأنها تمثل الحديث عن واقعنا المعاصر فعلاً.
…ومن أشنع ما اعتمد عليه الكاتب ذلك الكلام السمج الذى نسبه إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - نقلاً عن كتاب لمؤلف أفاك أثيم، ادعى أنه اطلع على مخطوط فى تركيا يتضمن الحديث عن المهدى.
…ولا يشك كل من شم رائحة العلم، أن هذا الكتاب المدعى كذب وإفك، جازى الله واضعه أسوأ الجزاء، وجلله بالفضيحة والخزى فى الدنيا والآخرة.(1/30)
…إن أدلة وضع تلك النقول على رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أكثر من أن تحصى: منها انفراد ذلك الكاتب المجهول بها، وانفراد ذلك المخطوط المزعوم بها، وانفراد مؤلفه المجهول بها مع كثرة ما كتبه أئمة الإسلام فى جميع عصوره عن المهدى وعلامات الساعة، وجمعهم ما صح فى ذلك وما ضعف وما بطل، وليس فيها تلك النقول، ثم أين إسناد ذلك المؤلف المزعوم أنه من علماء القرن الثالث؟ حتى ننظر فى إسناد خبره ذاك، وهذه هى فضيلة الإسناد! إذ (لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)، كما كان يقول عبد الله بن المبارك وغيره من أئمة الإسلام، ثم من يخفى عليه ما تضمنته تلك النقول من الركاكة والسماجة فى الألفاظ والأسلوب، التى هى أبعد ما تكون عن بيان وجلالة الأحاديث النبوية، فمن أمثلة سماجة هذه النقول النص التالي، وهو فى كتاب هرمجدون (ص:22): وفى عراق الشام متجبر... و ... وسفيانى، فى إحدى عينيه كسل قليل، واسمه من الصدام، وهو صدام لمن عارضه، الدنيا جمعت له فى (كوت) صغير، دخلها وهو مدهون، ولا خير فى السفيانى إلا بالإسلام، وهو خير وشر، والويل لخائن المهدى الأمين". إلى غير ذلك من النقول كما فى ص: 39 ، 40 مما لا يخفى كذبه على عاقل، فضلاً عن عالم !!.
…إن اعتماد مؤلف كتاب (هرمجدون) على مثل هذه النقول، يدل على أحد أمرين: إما على جهل بالغ بالسنة، لا يجوز معه أن يتفوه فيها إلا بما صححه الأئمة المعتبرون، أو أنه ضم مع الجهل السابق غرضاً دنيوياً فاسدا، أراد من ورائه الشهرة والمال، أو إفساد دين الأمة وتصوراتها.(1/31)
…المقصود أن المؤلف جاهل - ولا شك - بالسنة، وواضح كل الوضوح أنه ليس من أهل التخصص فيها، لا من قريب ولا من بعيد، ومثله لا يجوز أن يقرأ فى العلم الذى يجهله، ولا أن نسمح له أن يكتب فيه، وأولى بالحكومة الإسلامية أن تقوم بتأديبه وردعه، حتى لا يعود إلى مثل هذا التجرؤ على دين الأمة وإلى مثل هذا التلاعب بعقول المسلمين الجهلة بعلوم دينهم، وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم.
…والكتاب مشحون بالأباطيل والمناكير، مما نقله عن كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد، وإن كان نعيم بن حماد عالماً صادقاً، لكن كتابه هذا أكثره باطل أو من الإسرائيليات وعذر نعيم بن حماد فى ذكره لها: أنه كان يذكرها باسانيدها، ليحيل قارئ كتابه (من أهل العلم) إلى تلك الأسانيد، ليميز صحيحها من ضعيفها، وهذا العذر غير مبسوط لمؤلف كتاب (هرمجدون)؛ لأنه حذف الأسانيد، بل تجاوز ذلك إلى إيهام القراء بصحة ما ينقله من كتاب (الفتن)، بثنائه على نعيم بن حماد بأنه شيخ البخارى؛ وكأن ذلك وحده كافياً لقبول كل ما أورده فى كتابه دون النظر فى إسناد !!! بل لقد تجاوز المؤلف ذلك كله إلى اعتماد نصوص كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد، وكأنها نصوص فى القرآن أو صحيح السنة.
…لقد حذر العلماء من الاغترار بأحاديث الملاحم وأشراط الساعة؛ لأن أكثرها لا يصح كما قال الإمام أحمد "ثلاثة كتب ليس لها أصول.. وذكر منها: "الملاحم". وكتاب "الفتن" لنعيم بن حماد أوضح مثال لهذا الذى ذكره الإمام أحمد.
…وأضيف إلى ذلك بأن أحاديث (الرايات السود) و (السفيانى) لا يصح منها شئ، وحديث (الرايات السود) له طرق وألفاظ بالغة الكثرة، وقد امتلأ بها كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد. لكنى لم أجد فيها حديثاً صالحاً للاحتجاج، لا مرفوعاً، ولا موقوفاً على أحد الصحابة(1/32)
…وأحاديث هاتين العلامتين هما ركيزتا الكتاب المسئول عنه، وقد جلب لها المؤلف من بواطل الروايات ومناكير الأحاديث ما استطاع جمعه، وأظهر شأنها، وكأنها من أصح علامات الساعة وأثبتها!! مع أن الواقع أبعد ما يكون عن ذلك، ومن تلاعب المؤلف واستخفافه بالقراء: أنه مع إيراده للأحاديث الموضوعة المكذوبة، فإنه ينزلها على الواقع متجاهلاً ما يبطل تنزيله وتفسيره من الرواية المكذوبة التى اعتمد عليها نفسها، ومن ذلك اعتباره (السفيانى) أنه حاكم العراق، مع أنه أورد أن (السفيانى) أموي، وحاكم العراق لا يعرف بـ (السفيانى)، ولا ادعى هو ولا غيره أنه من بنى أمية، هذا مع بطلان ذلك كله، كما سبق.
…ولما أورد عن كعب الأحبار أنه قال: "علامة خروج المهدى ألوية تقبل من المغرب عليها رجل أعرج من كندة" [ص:35 من كتاب هرمجدون]. يقول المؤلف: "فلما رأيت الجنرال (ريتشارد ما يرز) يقبل على عكازين ليعلن للشعب الأمريكى بدء عمليات القوات المشتركة... "ونسى الكاتب أن الرجل الاعرج المذكور فى النص عربى من كندة !! فما باله تجاهل هذه العلامة ؟!! هذا لو صح الخبر، وهو لا يصح !!!.
…ولما أورد المؤلف (ص: 54 -55) أن السفيانى يهزم الجماعة مرتين، وفسر الجماعة بالجيوش الغربية، رأى أنه لابد أن يجعل السفيانى منتصراً هازماً للجيوش الغربية حتى لا ينتقض عليه تنزيله السفيانى على أنه حاكم العراق.
…لقد جاء الكتاب بأمثال هذه البلايا التى لا تنطلى على عاقل فضلاً عن عالم!!!(1/33)
…قال مؤلف كتاب (هرمجدون): "ونقول إن ما جاء به (نوستراداموس) هو من تراثنا المنهوب وميراثنا المسلوب، الذى سقط منا فالتقطوه، وجهلناه وعلموه" (ص:14) هذا ما يقوله مؤلف (هرمجدون) عن كتاب هذا الكاهن، لقد جعله مما استفاده هذا الكاهن من النبى - صلى الله عليه وسلم - ومن الأحاديث النبوية، التى اطلع عليها هذا الكاهن، وغابت عن جميع علماء المسلمين!!! أى طعن فى دين المسلمين أعظم من هذا الطعن؟!!! وأى تشكيك فى حفظه وبقائه أشد من هذا التشكيك؟!!
ثم هو بذلك زكى كلام هذا الكاهن الدجال أجل تزكية، أو جعله متلقى من مشكاة السنة النبوية!!!
والخلاصة:
…إن الكتاب المذكور كتاب خطير، ملئ بالجهل والافتراءات على نبينا - صلى الله عليه وسلم - ومنهجه مبنى على تحريف كل شئ، وعلى لى أعناق النصوص لتوافق الواقع.... إلى غير ذلك من أنواع الخطأ الكبير والضلال المبين.
…ويجب الحذر من هذا الكتاب، والتحذير من كاتبه ومقاطعة كل ما يكتبه ويؤلفه بعدم الشراء؛ لأن ذلك يردعه هو وأمثاله من أن يتاجر بدين الأمة، ومن أن يستخف بعقول المسلمين.
الفصل الرابع
رد هادئ على مزاعم هرمجدون
…من أفضل وأشمل الردود على كتاب "آخر بيان يا أمة الإسلام" ذلك الرد العلمى الرصين الذى كتبه الدكتور عبد العزيز دخان فى مجلة "الفقه السياسى" ولأهمية هذا الرد الثرى الرائع نورده فيما يلى :- إن أخطر ما يمكن ملاحظته من سلبيات مثل هذا الكتاب هى:
1- المبالغة والتهويل والإثارة وإستغلال العواطف فى قضايا تحتاج إلى دراسة علمية هادئة وليس المناداة بالويل والثبور وعظائم الأمور، فهذا منهج لم يخدم قضايانا بالأمس ولن يخدمها فى الحاضر أو المستقبل.
2- الاعتداء على قواعد المحدثين فى توثيق النصوص ونقد الأقوال وتصحيح الأحاديث وتوثيقها، والتلبيس على المسلمين فى بعض هذه القواعد وتقريرها بشكل غير صحيح.(1/34)
3- الاعتماد على مراجع نبه العلماء المعتمدون على ضعف ما فيها من الأحاديث والأخبار.
4- الخطأ فى الاستدلال ببعض مواقف الصحابة فى هذه المسائل والقضايا.
5- نشر روح التواكل بين أبناء المسلمين انتظارا للقادم الذى يخلصهم مما هم فيه.
6- الدعوة إلى العزلة المذمومة السلبية التى لا تعنى فى النهاية سوى الهروب من الواقع وإفساح المجال لأهل الفساد ليعيثوا فى الأرض فساداً.
قاعدة هامة:
…لقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يكون الإيمان بالغيب جزءاً من عقيدة المسلم، ومن هذا الغيب الذى أمر المسلم أن يؤمن به ويعتقده ما جاءت به الأحاديث الصحيحة مما سيكون من الفتن والملاحم قبل قيام الساعة، ولكن هذه الأحاديث جاءت مجملة ليس فيها تفصيل فى الزمان والمكان لحكمة أخرى أيضاً هى حكمته - عز وجل - فى إخفاء عمر كل إنسان فلا أحد يعلم كم يعيش ولا متى يموت، ولا أين سيموت، وهذا من أجل أن ينشغل الناس بالعمل ويقبلوا على عمارة الأرض وتحقيق سنن الله فى التغيير، دون أن يعلموا إن كانوا سوف يعيشون ليشهدوا شيئاً من هذه الحوادث الكبيرة والملاحم العظيمة والفتن المدلهمة، أو أنهم سيقضون ويمضون قبل أن يحدث شئ من ذلك.
…ولذلك فإن محاولة تنزيل هذه الأحاديث على وقائع وحوادث محددة مما لم يقع بعد، واستصدار الأحكام بناء على ذلك يعتبر خطأ كبيرا ومزلقا خطيرا لا تحمد عواقبه ولا تقدر مصائبه. وكان هذا أول مزلق وقع فيه مؤلف هذا الكتاب. إن الكلام عن ظهور المهدى بعد سنتين أو ثلاث لهو جرأة عظيمة لا يقدم عليها إلا مجازف أو جاهل، ولا أدرى كيف أباح هذا الرجل لنفسه أن يقول هذا القول ويحلف عليه وينشره بين أبناء المسلمين ويدعوهم إلى إعداد الطعام دون أن يقدر عواقب هذا القول ونتائجه. انتهى.
تعليق من المؤلف(1/35)
…نشر صاحب كتاب هرمجدون أن المهدى سيظهر بعد حركة طالبان بست سنوات وقد مضت السنوات الست منذ ظهور طالبان فى 1996 م ولم يظهر المهدى فى عام 2002 م كما زعم ونحن الآن نقترب من نهاية 2003م ولم يأت أحد!! ولعل المانع خيراً!!
…ويواصل الدكتور عبد العزيز دخان تعليقه على الكتاب المشبوه قائلاً :
…فلتهنأ أمة الإسلام ولتسترح، فإن فينا من يريد أن يختصر صراعها مع أعدائها فى سنتين أو ثلاث، ثم يظهر المهدى المخلص وعندئذ ينتهى كل شئ، وأخشى ما أخشاه أن يضيق الزمان على هذا الأستاذ المؤلف فيدعى أنه هو المهدى حتى يكمل السيناريو الذى يعيش فى رأسه!
قاعدة أخرى:
…إن محاولة تنزيل نصوص حديثية - بعد ثبوت صحتها - على وقائع معينة لم تتضح معالمها ولم تستبن ملامحها أمر من الخطورة والجسامة بمكان عظيم، بحيث لا يجوز لأحد أن يقتحمه وحده ويقرر ويجزم فى أمور كثيرة دون الرجوع إلى هيئات العلماء فى كل بلاد المسلمين وطرح الموضوع عليهم واستشارتهم فى ذلك.
…إنه يكفينا ما عانته الأمة فى تاريخها وحاضرها من استبداد بالرأى واعتداد به جر إلى فتن ودماء وحروب لم تحصد منها الأمة إلا تأخرا وتخلفا وضعفا وفرقة وانقساماً.
…إنه ليس من حق أحد مهما أوتى من العلم والفهم أن يقرر مصير الأمة أو يحملها على أمر رآه أو مذهب ارتآه أو فكرة وافقت هواه. إن الأمة أوسع من أن تحمل على رأى أو فكر أو مذهب أو نظرة مهما حسنت نيات أصحابها. لقد سجل تاريخنا كثيراً من هذه الاجتهادات الفردية والنظرات القاصرة التى جرت الأمة كلها أو كثيرا منها إلى مستنقع الخلاف والفرقة، وحفرت فى فكر أبناء المسلمين كثيرا من الانحرافات وأنتجت كثيراً من التشوهات الفكرية والخلقية.
…إن هذا الكلام يجب أن يقال عند كل حادثة ويكرر عند كل نازله:(1/36)
…إنه ليس من حق أحد مهما علا كعبه فى العلم أن يقرر مصير هذه الأمة. إن الأمة بمجموعها ممثلة فى علمائها ودعاتها وأعيانها وساستها وأهل الرأى فيها هى التى تقرر ما ينفعها وما يضرها وفق قواعد الشريعة وأصولها.
…أما إذا كان هناك قضية جزئية تخص فردا من أفراد هذه الأمة فلا حرج على العالم أو من آنس من نفسه فهما فى هذه القضية أو غلب على ظنه أنه عرف حكم الله فيها فلا حرج أن يفتى فيها بما وصل إليه اجتهاده وعلمه.
…وهذه المسألة التى نحن بصدد الكلام عليها أمر جلل يتعلق بكل فرد فى هذه الأمة ويقتضى منه سلوكا شرعيا، وينبنى على ذلك كثير من التصرفات والأفعال، بعضها يتعلق بالأفراد كل على حدة، وبعضها يتعلق بالأمة كلها، فلابد من اجتماع كلمة علماء هذه الأمة ودعاتها وأهل الرأى فيها، حتى يكون التصرف بعد ذلك سديدا ينطلق من فهم جماعى لهذه الأمة وليس لفرد من أفرادها.
ونأتى الآن إلى جملة ملحوظات حول مادة الكتاب:(1/37)
…أولاً : لقد أشار المؤلف فى ص110 إلى أن كثيرا من أحاديث الفتن وملاحم آخر الزمن وردت فى كتب غير مشهورة ومخطوطات ليست سهلة المنال، ولذلك خفيت على أكثر الناس قديما وحديثاً إلا من اختصه الله بعلمها حتى يبثها وينشرها إذا جاء وقتها وحان أوانها !!.. وأنا لا أدري: هل يقصد الأستاذ أن كل العلماء السابقين غابت عنهم هذه الكتب وما تضمنته من الأحاديث، واستطاع هو أن يعرفها ويكشفها ويبينها للناس؟. إن كان هذا هو المقصود فقليلا من التواضع والإنصاف أيها الرجل، فإن العلماء السابقين لم تفتهم هذه الكتب وهذه الأحاديث، بل كثر التنبيه عليها إجمالا وتفصيلا. ولو كان شيئ منها يثبت أمام موازين النقد العلمى لأدرجوه فى كتبهم واحتفوا به واحتفلوا به، تماما كالأحاديث التى صحت عن أبى هريرة وحذيفة وغيرهما من الصحابة فى شأن الفتن والملاحم. ومن الأقوال المشهورة ما جاء عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - : "ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازى والملاحم والتفسير".
…قال الخطيب البغدادى بعد أن ساق قول الإمام أحمد هذا :"فأما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة، وليس يصح فى ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجوه مرضية وطرق واضحة جليه".
…وقال الحافظ ابن حجر فى لسان الميزان بعد أن أورد قول الإمام أحمد هذا :" ينبغى أن يضاف إليها الفضائل، فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة، إذ كانت العمدة فى المغازى على مثل الواقدى [وهو مشهور بالوضع ومتهم بالكذب]، وفى التفسير على مثل مقاتل والكلبى [وهما على شاكلة الواقدى]، وفى الملاحم على الإسرائيليات...".
…وقال يحيى بن معين:"وهذه الأحاديث كلها التى يحدثون بها فى الفتن، وفى الخلفاء، تكون كلها كذبا، ولا يعلم هذا أحد إلا بوحى من السماء".
…وهذا القدر يكفى فى تقرير هذه المسألة وبيان خطأ هذا المتجرئ على مقام الحديث وأهله.(1/38)
…وأما فيما يتعلق بالمخطوطة التى زعم هذا المؤلف أنه اعتمد عليها واعتبرها نصا نادراً وساق منها ذلك الحديث الغريب الذى فيه هتلر وأمريكا وصدام وجمال عبدالناصر وغير ذلك من العجائب والغرائب فلا يضارعها ويضاهيها إلا قصة ذلك الحديث الذى أخرجه بعضهم من الكتب القديمة أثناء حرب الخليج الأخيرة وروج له وطبقه على تلك الأيام وجعله يبشر بنهاية لتلك الحرب تكون فيها نهاية أمريكا وحلفائها.
…إن تحقيق المخطوطات وتوثيقها يجب أن يخضع للقواعد التى وضعها المحدثون لذلك، ولا يسلم بما ورد فى هذه المخطوطات إلا بعد دراسة أسانيدها ومعرفة درجتها العلمية، ولو كان شئ من ذلك صحيحاً لذكره العلماء القدامى الذين كان الكثير منهم يحيط علما بمعظم هذه المخطوطات وما تضمنتها من الأحاديث والروايات.
…ثانياً: جعل المؤلف من ترخيص وتساهل بعض العلماء فى رواية الحديث الضعيف والاستدلال به فى الترغيب والترهيب مدخلا ومنطلقا وحجة ليستدل به هو فى قضايا وأحداث الفتن والملاحم، وهذا فى الحقيقة خطأ كبير، إذ يجب أن نفرق بين ما عرف عن العلماء من الترخيص فى إيراد الأحاديث الضعيفة فى باب الترغيب والترهيب وبين الاستدلال بها فى تقرير قضايا على جانب كبير من الخطورة، وتنبنى عليها كثير من الأحكام والتصرفات فى واقع المسلمين.
…فأما الأول فيمكن أن نوافق المؤلف عليه، رغم أن هناك من العلماء من منع الاستدلال بالحديث الضعيف مطلقا كما هو معروف فى كتب علوم الحديث، إضافة إلى هذا فإن الحديث الضعيف الذى يتساهلون فى إيراده إنما هو ما كان ضعفه ليس شديدا، يعنى ليس سببه فسق الراوى أو كذبه أو إتهامه بالكذب، وهو الأمر الذى يبدو غير واضح عند هذا الأستاذ من خلال التعميم الذى جزم به، ومن خلال استدلاله بأحاديث من هذا النوع الشديد الضعف، فإن أكثر الأحاديث التى استدل بها هذا المؤلف هى من هذا النوع الذى لم يقل العلماء بجواز الاستدلال به حتى فى الترغيب والترهيب.(1/39)
…أما الاستدلال بها على وقائع معينة وتنزيلها على حوادث محددة فلم يقل أحد إن هذا من باب الترغيب والترهيب. إن الترغيب والترهيب هنا هو فقط فى تحذير الناس من الفتن ودعوتهم إلى العمل الصالح والاعتصام بالكتاب والسنة والدوران معهما حيث دارا، وهذا الأمر يغنى فيه ويكفى أحاديث صحيحة كثيرة، فلا حاجة بنا إلى الأحاديث الضعيفة، فضلاً عن الضعيفة جداً أو الموضوعة، والله أعلم.
…وقد توسع المؤلف فى إيراد الأحاديث الضعيفة والاستدلال بها مما يدل على جهله بقواعد المحدثين وما وضعوه من الضوابط لتمييز صحيح الأحاديث من سقيمها، لأنه لا يكفى أن يكون الحديث مرويا فى بعض كتب الحديث ليجوز الاحتجاج والعمل به، بل لا يعمل بالحديث حتى تثبت صحته، وقد أراد المؤلف أن يلبس على الناس الذين ليس لهم علم بالحديث وقواعده، فذهب يستدل بجملة أحاديث من كتاب الفتن لنعيم بن حماد، بل جعله عمدته فى ذلك، وكان يشير فى أكثر من موضع إلى أن نعيم بن حماد شيخ البخارى، وكأنه أراد أن يجعل ذلك سببا لتوثيقه، وفى هذا الكلام من الأخطاء ما يلى:
1- اعتماده على كتاب الفتن لنعيم بن حماد، فهو كتاب غير معتمد، وقد نبه العلماء إلى أن غالب أسانيده ضعيفة، بل إن بعضها من الضعف الشديد بحيث لا يجوز الاحتجاج بها بحال من الأحوال.(1/40)
2- ثم إن نعيم بن حماد نفسه ضعيف، رغم أنه أحد شيوخ البخارى، فشيوخ البخارى ليسوا كلهم ثقات، فقد كانت عادة العلماء قديماً أن يأخذوا عن جميع الشيوخ لأغراض متعددة مذكورة فى كتب العلماء، ولكنهم إذا أرادوا أن يحدثوا عنهم تخيروا من حديثهم ما ثبتت صحته، ولذلك لم يرو البخارى شيئا من هذه الأحاديث فى صحيحه. وقد راح المؤلف غفر الله له يستدل بأحاديث غاية فى الضعف، بل لو قلنا إنها موضوعة ما جانبنا الصواب. من ذلك حديث نعيم بن حماد فى كتاب الفتن: "يكون صوت فى رمضان ومعمعة فى شوال وفى ذى القعدة تجاذب القبائل..." الخ. وحديث آخر" إذا كانت صيحة فى رمضان فإنه يكون معمعمة فى شوال..." (ص80). وقد تطوع بعض المغفلين - إذا أحسنا الظن بهم- فكتبوا هذين الحديثين وراحوا ينشرونهما على الناس فى رمضان الماضى، بل وخطب بها بعض الواعظين فى المساجد، وانتظر العامة ذلك فلم يقع شيئ من ذلك، لا فى رمضان ولا فى شوال ولا فيما بعده. وكنت قد سئلت يومها من بعض طلاب العلم عن قيمة هذه الأحاديث فقلت لهم: هذه أحاديث ضعيفة جداً أو موضوعة لا ينبغى التعلق بها والتعريج عليها والإلتفات إليها، ولا ينشغل بها إلا حاطب ليل جاهل بعلم الحديث يهرف بما لا يعرف ويحسب كل مدور رغيفا، فأسانيد هذه الأحاديث لا تخلو من كذاب أو متروك، لا يصح الاحتجاج بحديثه بحال من الأحوال، فليحذر المسلمون من مثل هذا.
ويكفى للتدليل على حقيقة وقيمة هذه الأحاديث التى أوردها المؤلف - غفر الله له - أن نبين - على سبيل التمثيل - درجة هذا الحديث الذى أورده. فقد روى هذا الحديث الحاكم فى المستدرك وأبو نعيم فى ذكر أخبار إصبهان، وفى إسناده مسلمة بن على الخشنى أبو سعيد الدمشقى البلاطي، وهو راو ساقط متروك، وإليك بعض كلام العلماء فيه:(1/41)
قال الذهبى: " ساقط، متروك" ، وقال النسائى والدار قطنى والبرقانى والجوزقانى والأزدي وابن حجر: "متروك" وقال الحاكم أبو احمد: "ذاهب الحديث " . وقال يعقوب بن سفيان " لا ينبغى لأهل العلم أن يشغلوا أنفسهم بحديثه". وقال ابن حبان: "كان يقلب الأسانيد، ويروى عن الثقات ما ليس عندهم ولا من حديثهم، فلما فحش ذلك بطل الاحتجاج به".
…قلت: ومن كان ذا شأنه، فحديثه موضوع ولا ريب، ولذلك روى ابن الجوزى هذا الحديث فى كتاب الموضوعات من طرق، ثم قال:"هذا حديث موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ثم بين تساقط تلك الطرق، فلا يخلو طريق منها من كذاب أو متروك أو مجروح ضعيف أو انقطاع فى السند.
…وإن من الدقة والأمانة العلمية والنصيحة لهذه الأمة عند الحديث عن الفتن والملاحم ألا نعتمد على أحاديث ليس لها أسانيد صحيحة أو مخطوطات قديمة لا يعرف أحد قيمتها العلمية. إن من شأن هذا كله التلبيس على الأمة ودفع أبناء الإسلام إلى أعمال ارتجالية لا تؤمن عواقبها أو زرع روح التواكل، انتظارا لمجئ المهدى الذى لم يعد يفصلنا عنه إلا سنتان أو ثلاث كما جزم بذلك المؤلف غفر الله له.(1/42)
…ثالثاً : لقد أراد المؤلف أن يستدل على مشروعية وصحة ما فعله من تنزيل هذه الأحاديث على وقائع معينة فذكر أنه سوف يسوق أثرا واحداً - ولعله لم يجد غيره - يبين جواز تنزيل الأحاديث على الواقع المعين وجواز الحلف على غلبة الظن، ثم ذكر الحديث الذى رواه مسلم فى صحيحه بسنده عن محمد بن المنكدر (انظر ص48 من الكتاب) والجواب على هذا اننا لا ننازع المؤلف فى جواز تنزيل الأحاديث على واقع معين إذا توفرت شروط ذلك، رغم أن هذا كله مسائل اجتهادية ، والرأى فيها يصيب ويخطئ ويحمد ويذم، ولكن هذا يكون مقبولا - أو محترما على الأقل - عندما تكون هذه الأحاديث صحيحة، والأمر ليس كذلك، فإن جميع الأحاديث التى فيها التصريح بتحديد أزمنة أو أمكنة لفتن الملاحم والفتن مما بنى عليه المؤلف أحكامه هى أحاديث لا تصح. أما ما ورد عن عمر بن الخطاب وحلفه على أن ابن صياد هو الدجال فقد كان ذلك أمام المعصوم - صلى الله عليه وسلم - فالحديث الذى نزله عمر بن الخطاب على واقع ابن صياد صحيح، ورغم ذلك فقد تبين فيما بعد أن ابن صياد ليس هو الدجال.
…ومن وجهة أخرى فقد كانت بعض استدلالات المؤلف تعوزها الدقة العلمية والنظرة الفقهية السليمة. ومن الأمثلة على ذلك الاستدلال بحديث: "ستصالحكم الروم صلحا آمنا فتغزون أنتم وهو عدواً من ورائهم فتنصرون وتغنمون وتسلمون..."إلخ.(1/43)
…وهذا الحديث صحيح، وهو خبر المعصوم - صلى الله عليه وسلم - عن القتال الذى سيكون بين المسلمين والروم قبل قيام الساعة، ولكن الأستاذ يريد أن يستعجل الساعة، لذلك يأبى إلا أن ينزله على أوضاعنا اليوم، فيذهب إلى أن الروم (أمريكا) سوف يستعينون بالمسلمين ويصالحونهم ويرغمونهم على المشاركة معهم فى حرب العراق، ولا يجد المسلمون بدا من ذلك، لأنهم ضعفاء لا يملكون أن يعارضوا أمريكا فى ذلك. وهذا الاستدلال من المؤلف ضعيف واه، بل فى الحديث ما يدفعه ويرده. فما قيمة هؤلاء المسلمين الذى يقادون فى كل مرة إلى الحروب دون أن يستطيعوا فعل شئ؟ وكيف ينتصر هؤلاء على أمريكا فيما بعد كما فى نص الحديث وهم على هذا المستوى من الضعف؟ ثم إن الحديث يدل على أن المسلمين حين عقدهم الصلح مع الروم يكونون أقوياء، لأن الروم هم الذين سيصالحونهم وليس العكس، ويؤكد ذلك أيضاً أنه نسب النصر والغنيمة والسلامة للمسلمين.
…رابعاً: هل يعقل أن يكون من أهم استدلالات المؤلف فى تقريره هذه المسائل الكبيرة اعتماده على رؤيا امرأة مجهولة لا يعرفها أحد، وقديما قال عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - :"لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة..."، وهى صحابية معروفة، فكيف يريد هذا المؤلف أن يقنعنا بسلامة عقله فضلا عن سلامة أدلته واجتهاداته؟ وقد تكرر منه هذا مرتين (ص15/ص56)، مما يدل على أنه لا يرى مانعا من الاستدلال بالرؤى والأحلام والأوهام لتقرير هذه الحقائق الخطيرة التى تتعلق بنهاية الدنيا، ومن المضحك أن رجلا مجهولا اتصل به عبر الهاتف وأثنى على كتابه فأعجبه هذا الثناء فجعله من ضمن أدلته. أليس هذا منتهى السذاجة؟ أن تذكر رؤيا رجل لا تعرفه ولا يعرفك؟!!(1/44)
…خامسًا : ويستمر المؤلف فى هذه الجرأة على تفسير مضمون أخبار وردت فى بعض الكتب وإسقاطها على أحداث اليوم. ومن ذلك ما ذكره عن كعب الأحبار: "علامة خروج المهدى ألوية تقبل من المغرب عليها رجل أعرج من كندة" فعلاوة على أن هذا الخبر عن كعب الأحبار وهو من علماء أهل الكتاب الذين أسلموا، فهو ليس حديثا مرفوعا، بل هو من الإسرائيليات، فإنه قد رواه نعيم بن حماد فى كتاب الفتن وقد سبق الكلام على قيمة ما فى هذا الكتاب، ومع ذلك فإن المؤلف يستدل به على جيوش أمريكا التى جاءت من الغرب وعليها الجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة أركان القوات المشتركة، ودليله أن هذا الجنرال كندى (من كندا)، وأنه أعرج؟! وهذا فى الحقيقة عبث من القول واستهتار بعقول الناس. فالخبر - على ما فيه - يقول "من كندة" وهى قبيلة عربية معروفة، فكيف ساغ لهذا المؤلف أن ينسبه إلى كندا، وهى لم تكن معروفة ولا مسماة ثم إن الكلام عن أمريكا فما دخل كندا فى هذا الأمر؟! وكون الرجل أعرج ليس فيه أى وجه لهذا الاستنتاج والاستدلال. والخبر لا قيمة له كما عرفنا فلا يليق برجل يحترم عقله أن يستنبط منه أو يرتب عليه كل هذه الأحداث الكبيرة.(1/45)
…سادساً: ثم يتطوع الأستاذ (مخلصا!) فيدعو المسلمين فى أمريكا وأوربا إلى الفرار والرجوع، ولم يحدد لهم طبعا المكان الذى يتعين عليهم أن يرتحلوا إليه وينزلوا فيه، وأجزم أنه يريدهم أن يأتوا إلى البلاد العربية والإسلامية! ولا أدري الآن هل مازال هذا الأستاذ يحتفظ بعقله؟ ولا يضاهى هذه الفتوى إلا الفتوى التى صدرت منذ سنوات تحرم على المسلمين الإقامة فى أرض فلسطين وتأمرهم بالهجرة منها لأنها أصبحت دار كفر! وأجزم أن هذا الأستاذ يعيش فى عالم خاص ولا يعرف شيئا عن أمريكا أو غيرها. إذ كيف يدعو عاقل المسلمين الأمريكيين والأوربيين وهم يعدون بالملايين أن يتركوا أمريكا وأوربا بعد أن انتشر فيهما الإسلام وامتدت جذوره بعيدا فى تلك الأرض وانتشرت المساجد والمدارس والجامعات والمراكز الإسلامية ودخل كثير من أبناء تلك البلاد فى دين الله عز وجل وأصبح الإسلام الدين الأكثر والأسرع انتشارا فى العالم، وأصبح يقض مضاجع اليهود وحلفائهم؟ كيف يريد هذا الأستاذ من المسلمين بعد كل هذا أن يخلوا أمريكا وأوربا ويتركوهما لقمة سائغة لليهود والنصارى، اعتمادا على ظنون وتوقعات لا تنطلق من أدلة شرعية صحيحة، ولا تعتمد على واقع صحيح ولا تستند إلى إجماع علماء الأمة ودعاتها وساستها وأهل الرأى فيها؟!
…سابعاً : وأخيرا يخلص الأستاذ وهو ينصح أبناء المسلمين إلى وجوب العزلة ولزوم البيوت وإعداد الطعام انتظارا لقدوم الفتن والأزمات ومجئ المهدى المنتظر، وأظن أن هذا الكلام لو بلغ مسامع عامة المسلمين وفهموه لأحدثوا أزمة اقتصادية خانقة ولحدث من الاضطراب والفوضى ما لم يعلم آثاره إلا الله تعالىّ!(1/46)
…وإن المؤلف يكرس بهذا الكلام - للأسف الشديد - عقلية التواكل والسلبية التى نعانى منها أصلاً، فما على أبناء المسلمين فى رأى حضرة الأستاذ إلا أن يمارسوا العزلة فى البيوت والجبال، ويفسحوا المجال لأهل الفساد ليعيثوا فى الأرض فسادا، حتى إذا جاء المهدى لم يجد أحدا! ونحن نقول للمسلمين جميعاً: بل الواجب فى مثل هذه الأحوال هو الاتصال بالعلماء وسؤالهم ومرافقتهم فإنهم صمام الأمان بإذن الله تعالى عند كل فتنة، والواجب أيضاً هو الانطلاق فى رحاب المجتمع لنشر الخير والفضيلة وتعليم الناس وإرشادهم فإن هذا هو الواجب المتعين، وهو الذى كلفنا به شرعا، فمن مات فى هذا السبيل فقد وقع أجره على الله تعالى، ومن عاش حتى يدرك المهدى كان من أنصاره وأعوانه. أما العزلة التى يدعو إليها الأستاذ فهى سبب من أسباب الشر وحظ من حظوظ النفس وعذر أقبح من ذنب ووسيلة الشيطان للاستحواذ على قلب المؤمن. ولم يعهد فى علمائنا السابقين على مر العصور وكر الدهور أن مارسوا هذا النوع من العزلة التى يدعو إليها حضرة الأستاذ، وهذه مآثرهم وأمجادهم وسجلهم الحافل وتراثهم الماثل يشهد بذلك، فلم يزالوا مختلطين بالناس فيحصلون منافع الاختلاط من حضور الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وتعليم الناس وإرشادهم وبذل النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، وغير ذلك من المصالح التى يكون بعضها من فروض الكفاية، وكثير منها من فروض الأعيان.(1/47)
…إن العزلة الحقيقية إنما تكون عن الشر وأسبابه ودواعيه وما يؤدى إليه ويوقع فيه، وهى عزلة شرعية تقيدها الضوابط الشرعية وتفرضها المصالح المرعية: عندما لا يجد المسلم فرصة لقول كلمة أو تعليم جملة أو نشر خير أو دفع شر، وليس زماننا بهذا السوء الذى يريد الأستاذ أن يصوره لنا، فما زال الخير يتدفق فى جوانب المجتمع وما زال أهل الخير حكاما ومحكومين يسهرون على نشر الخير ورعاية الفضيلة، وما زال المجتمع يحب ذلك ويقبله، رغم كل الظواهر السلبية التى نراها ونعيشها.
…والمقصود هنا أن يحذر المسلم من إسقاط أحاديث الفتن والملاحم على واقعة إسقاطا يمنعه من العمل ويدفعه إلى العزلة المذمومة، بل الواجب عليه أن يستقبل كل حوادث دهره ونوازل عصره باعتبارها جزءا من قضاء الله وقدره فيغالبها بقضاء الله وقدره، تماما كما يفعل فى مواجهة الأمراض والمحن والابتلاءات التى يقدرها الله على عباده.
…وأخيراً فإن ما قلناه هو نصيحة لله ورسوله وللمؤمنين، ولم نقصد من ذلك إلا بيان ما نراه حقاً، وتوضيح ما وقع فى هذا الكتاب من أخطاء حتى يحذر الناس منه، ولو ترك العلماء مثل هذا الأستاذ وأمثاله يتطاولون على النصوص ويهدمون قواعد علوم الشريعة لما بقى شيئ يرجع الناس إليه ويصدرون عنه.
الفصل الخامس
هل صدام حسين هو السفيانى ؟
…
…لقد ورد فى السفيانى أحاديث كثيرة، وكلها بين ضعيف جداً وموضوع.
قال الشيخ: سلمان بن فهد العودة من علماء السعودية:
…هذا الموضوع (موضوع السفيانى) لا يصح فيه حديث وإنما هى روايات ضعيفة منقطعة خرجها نعيم بن حماد فى كتاب الفتن وغيره. انتهى.
…
…ولقد كان للشيخ الغزالى رحمه الله منهج فى التعامل مع أحاديث الفتن الواردة، وخلاصته ألا تكون هذه الأحاديث سببا فى انهزام الأمة، وتسليمها أعداءها قيادة أمرها، وهذا خيانة لله ورسوله قبل أن يكون خيانة لنفسها وللإنسانية جميعاً.
يقول الشيخ الغزالى رحمه الله:(1/48)
…كلما قرأت أبواب الفتن فى كتب السنة شعرت بانزعاج وتشاؤم، وأحسست أن الذين أشرفوا على جمع هذه الأحاديث قد أساؤوا - من حيث لا يدرون ومن حيث لا يقصدون - إلى حاضر الإسلام ومستقبله، لقد صوروا الدين وكأنه يقاتل فى معركة انسحاب، يخسر فيها على امتداد الزمن أكثر مما يربح، ودونوا الأحاديث مقطوعة عن ملابساتها القريبة، فظهرت وكأنها تغري المسلمين بالاستسلام للشر والقعود عن الجهاد، واليأس من ترجيح كفة الخير؛ لأن الظلام المقبل قدر لا مهرب منه، وماذا يفعل المسلم المسكين وهو يقرأ حديث أنس بن مالك الذى رواه البخارى عن الزبير بن عدى، قال: شكونا إلى أنس بن مالك ما نلقى من الحجاج فقال: "اصبروا فإنه لا يأتى عليكم زمان إلا الذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم" سمعته من نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وظاهر الحديث أن أمر المسلمين فى إدبار. وأن بناء الأمة كلها إلى انهيار على اختلاف الليل والنهار، وهذا مع أن الحديث يخالف أحاديث صحاحاً كثيرة تحمل مبشرات بظهور الإسلام واتساع دولته وانتشار دعوته، كما يخالف الأحداث التى وقعت فى العصر الأموى نفسه... (يعنى انتشار الإسلام فى الصين وأوروبا).
ومن الروايات التى وردت فى شأن السفيانى:
…ما أخرجه الحاكم عن ابن مسعود رضى الله عنه، ولفظه: "أحذركم سبع فتن فتنة تقبل من المدينة وفتنة من مكة وفتنة من اليمن وفتنة تقبل من الشام وفتنة تقبل من المشرق وفتنة تقبل من المغرب وفتنة من بطن الشام وهى من السفيانى". قال الشيخ الألبانى: ضعيف جداً.(1/49)
وأخرج الحاكم فى المستدرك عن ابى هريرة - رضى الله عنه-، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يخرج رجل يقال له السفيانى فى عمق دمشق، وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس، فيقتلها، حتى لا يمنع ذئب تلعة (يعنى كثرة القتل)، ويخرج رجل من أهل بيتى فى الحرة، فيبلغ السفيانى، فيبعث إليه جنداً من جنده، فيهزمهم، فيسير إليه السفيانى بمن معه، حتى إذا صار ببيداء من الأرض، خسف بهم، حتى لا ينجو منهم إلا المخبر عنهم"..
…قال الدكتور الشريف حاتم بن عارف العونى: تعقيبا على هذا الحديث: لم أجد فيه حديثاً ظاهر إسناده القبول، إلا حديثاً واحداً، (ثم ذكر هذا الحديث) ثم قال:
وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ولم يتعقبه الذهبى. ولكن تدليس الوليد بن مسلم تدليس التسوية، مع نكارة حديثه هذا الذى لم أجده إلا من طريقه، يجعلنى أتوقف فى حديثه، إذ لعله أسقط ضعيفاً بين الأوزاعى ويحيي بن أبى كثير، وهذا هو تدليس التسوية.
…وأخرج نعيم عن على فى وصف السفيانى: قال:
السفيانى من ولد خالد بن يزيد بن أبى سفيان، رجل ضخم الهامة، بوجهه آثار جدرى، وبعينه نكتة بيضاء يخرج من ناحية مدينة دمشق فى واد يقال له وادى اليابس يخرج فى سبعة نفر مع رجل منهم لواء معقود يعرفون فى لوائه النصر يسير بين يديه على ثلاثين ميلا لا يرى ذلك العلم أحد يريده إلا انهزم.
…وأخرج نعيم عن على قال: إذا خرجت خيل السفيانى إلى الكوفة بعث فى طلب أهل خراسان ويخرج أهل خراسان فى طلب المهدى فيلتقى هو والهاشمى برايات سود على مقدمته شعيب بن صالح، فيلتقى هو وأصحاب السفيانى بباب إصطخر، فتكون بينهم ملحمة عظيمة، فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفيانى، فعند ذلك يتمنى الناس المهدى ويطلبونه.(1/50)
…واخرج نعيم أيضاً عن على قال: إذا بعث السفيانى إلى المهدى جيشاً فخسف بهم بالبيداء وبلغ ذلك أهل الشام قالوا لخليفتهم: قد خرج المهدى فبايعه وادخل فى طاعته وإلا قتلناك، فيرسل إليه الخزائن، وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم فى طاعته من غير قتال، حتى تبنى المساجد بالقسطنطينية وما دونها، ويخرج قبله رجل من أهل بيته بالمشرق ويحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس، فلا يبلغه حتى يموت. وقد روى السيوطى فى اللآلئ المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة أحاديث عن السفيانى، وكلها موضوعة.
…
…ومن هذا النقل مع تأكيد عدم صحة الأحاديث الواردة فيه، فإن تفسير السفيانى بأنه صدام حسين تعسف غير مقبول، ليس له من الشرع سند ولا دليل. كما أن الروايات على ضعفها تذكر ارتباط السفيانى بالمهدى المنتظر، ووقت المهدى لم يظهر، ولا يعلم وقته إلا الله تعالى، مع الاختلاف الوارد حول المنتظر.
…ومع كل هذا، فالأمة مطالبة بالعمل، وعدم البحث فى الغيب الذى لا يعلمه إلا الله، فإن كان واقعا تعاملت معه، لا أن تأخذ من الغيب بما لا تعرفه عن طريق القطع واليقين، وتستسلم بناء عليه، بل الواجب عليها أن تعمل ليومها، وتخطط لغدها، وأن تجابه الفتن الواقعية لا الخيالية، فالإكثار من الإغراق فى الفتن والغيب دليل على هروب الأمة وانسحابها من معركة يطلب فيها أن يكون أبناؤها جنوداً أقوياء، لا يفرون من الميدان "يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل". سورة التوبة (38)
…وإن واجب الأمة تجاه الإنسانية أن تكون فى مناى عن الخيال والغوص فى أمور الغيب التى لا يوقن بصحتها، بل عليها أن تستنهض هممها، وتبذل قصارى جهدها، لتحتل مكانتها الريادية، وما ذلك على الله بعزيز.(1/51)
…وخلاصة الأمر أن تفسير السفيانى بأنه صدام حسين خطأ لا يقره الشرع، فضلا عن أن السفيانى أقرب إلى الكذب منه إلى الحقيقة. انتهى.
ويقول الدكتور عبد العزيز دخان: لم أعرف الصلة التى ربطها المؤلف بين أمير الكويت وبين حديث : "سيكون من بنى أمية رجل أخنس "؟ هل يقصد أن سلالة أمراء الكويت اليوم تعود إلى بنى أمية؟ حبذا لو تفضل الأستاذ فذكر لنا ما يثبت ذلك ويدل عليه؟! وهل أمير الكويت من أبناء الجبابرة؟ إنى أراك تضرب يمينا وشمالا، وكلما ضاق عليك لفظ الحديث ذهبت تخترع المعانى التى تريدها، دون حجة أو دليل، وسنراك بعد ذلك تصف صدام حسين باعتباره السفيانى فى نظرك بأنه رجل عليه أثر العبادة!
أنا أقول ما أعتقده ولا أجامل أحدا: أظن أنك لو عكست المعانى التى ذكرتها لكنت اقتربت من الحقيقة أكثر أليس الذى يحارب المهدى وهو صدام كما ذكرت أنت أولى بأن يكون جباراً من أبناء الجبابرة؟ وهو بعض الواقع الذى نراه ونشهده.
والغريب العجيب أن المؤلف ذكر فى (ص49) أن صدام حسين أيضاً ينحدر من سلالة خالد بن يزيد بن أبى سفيان على اعتبار أنه هو السفيانى، فهو أيضاً من بنى أمية، وهذا لعمرى اكتشاف كبير وعظيم لعله يعيد اللحمة بين أمير الكويت وصدام عندما يكتشفان أنهما من أسرة واحدة، وعندئذ لا داعى لكل هذا الشجار والنزاع، وعندها لا بأس أن تكون الكويت جزءا من العراق أو يكون العراق جزءا من الكويت !!
…ثم دعوى المؤلف أن العراق لم يهزم لأن نظامه ما زال باقياً، وأن الشعب العراقى لم يزده هذا إلا حبا لرئيسه! ليست هذه هى مظاهر النصر أيها الأستاذ، ولو أنك جشمت نفسك مشقة الذهاب إلى العراق لرأيت ما يدعوك إلى أن تغير رأيك وحكمك الذى اصدرته. ثم لماذا نذهب بعيدا وهذه أوضاع أهل العراق فى كل مكان تنبئ عما وراءها، ولك أن تسالهم وستعرف جوابهم الصحيح عندما يتحررون من آثار الخوف والرعب الذى يسكن عقولهم وقلوبهم.(1/52)
…ثم يدعى المؤلف أن صدام حسين يتكلم باسم الإسلام السني وليس الشيعي فهو على هذا خير، ولكنه - كما يقول هو - شر أيضاً لأنه ليس على النهج السليم والسنة القويمة. هذا الادعاء الذى ذكره هو مجرد تفسير ليس عليه دليل، بل هو محض تقول وتخرص، ولا أظن الواقع إلا خلاف ما ذكر، ولعل صداما لا يفرق بين الإسلام السنى والإسلام الشيعي، وإن كنا نخالفك أصلاً فى هذه العبارة فليس هناك إلا إسلام واحد وهو الذى نفهمه من كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه سلفنا الصالح من القرون المفضلة من العلم النافع والعمل الصالح.
ويقول الشيخ حامد العلى ومن أخطاء مؤلف "هرمجدون" أنه جمع أحاديث ليس لها زمام ولا خطام فى شأن السفيانى وادعى أنه صدام، وتعسف فى تركيب وصف صدام على ما ذكر فى تلك الأحاديث.
فقال : روى نعيم بن حماد عدة آثار فى صفة السفيانى منها (السفيانى من ولد خالد بن يزيد بن أبى سفيان رجل ضخم الهامة ، بوجهه آثار جدرى، وبعينه نكتة بياض).
وصدام ليست هامته خارجة عن العادة بحيث يوصف بأنه ضخم الهامة، ولا فى وجهه أثر الجدرى، ولا فى عين نكتة بياض، ومع ذلك يصر المؤلف على أن صدام هو من يزعم أنه السفيانى الذى لم يصح فى ذكره حديث أصلا.
ومن الطرائف قوله فى وصف السفيانى الذى هو صدام كما زعم ( دقيق الساعدين والساقين ) قال المؤلف: (وأخبرنى من رآه أن ساعديه دقيقان مفتولان ) !!
وأطرف منها أنه أورد هذا الحديث ( يخرج ولد من ولد أبى سفيان فى الوادى اليابس فى رايات حمر، دقيق الساعدين والساقين ، طويل العنق ، شديد الصفرة به أثر العبادة ) فأين هذه الصفات من صدام حسين ، وأعجب شئ قوله : (به أثر العبادة)(1/53)
كما أن استشهاده بحديث لا تعرف صحته ( يهزم السفيانى الجماعة مرتين ثم يهلك ) وقد جعل السفيانى هو صدام حسين، وادعى أنه فى الحقيقة هو المنتصر فى حرب الخليج ، وأن التحالف الدولى الذى حاربه هم الجماعة ، قال : ( لم يهزموا العراق ، فنظامه باق، وشعبه ما إزداد لرئيسه إلا حبا ) والعجب من أن يدعى أن العراق انتصر فى حرب الخليج إثر غزو الكويت ، وقد قتل التحالف العالمى من جنوده ما لا يحصى ، وجعلوا جيشه قاعا صفصفا، وانسحب ما تبقى من جيشه مهزوما لا يلوى على شئ، وقد فرض عليه المنتصرون، شروطا قبلها فى هوان، فكيف تكون الهزيمة إذن إن لم تكن هذه هزيمة ؟! .. انتهى .
تعليق من المؤلف
…نلاحظ أن مؤلف كتاب هرمجدون قد زعم أن صدام هو السفيانى وأنه سوف ينتصر على الجماعة - أمريكا وحلفائها - مرتين، وزعم أنه انتصر أولاً عام 1991 - رغم تدمير جيشه وخراب العراق والكويت - حيث أنهم لم يتمكنوا من عزله من منصبه (!!!) وزعم أنه سينتصر على أمريكا مرة ثانية... والآن بعد دمار العراق للمرة الثانية واحتلاله بالكامل وانهيار حكم صدام حسين هل يمكن للمؤلف المخبول أن يظل مصراً على موقفه وأن يؤكد انتصار صدام على أمريكا وأنه هو السفيانى المزعوم..
نترك التعليق للقراء.
الفصل السادس
المهدى المنتظر والرضاع من القمر
…أذيع فى أحد البرامج التلفزيونية التى تفسر الرؤى أن سائلة رأت أن طفلاً يرضع من القمر فلما سألت الشيخ عن هذا استحلفها على ذلك فحلفت، ثم بكى الشيخ فلما سئل عن سبب بكائه قال: إن المهدى المنتظر قد ولد فى هذه الليلة فهل هذا صحيح؟(1/54)
* أكد العلماء أنه لا ينبغى للمسلمين أن يرتبوا أوضاعهم، ويكيفوا أحوالهم على التعلق بمثل هذه الرؤى، فهذا مزلق خطير أن يتواكل المسلمون، وينتظروا المهدى حتى يخلصهم من واقعهم الذى يحيونه، فلن يخلصهم من هذا إلا الله بعد أن يأخذوا بالأسباب الموصلة إلى هذا، كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.
يقول العلامة المحدث الشيخ نصر الدين الألبانى - رحمه الله-:
…إن كثيراً من المسلمين قد انحرفوا عن الصواب فى هذا الموضوع فمنهم من استقر فى نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدى، وهذه خرافة وضلال ألقاه الشيطان فى قلوب كثير من العامة، وليس فى شيئ من أحاديث المهدى ما يشعر بذلك مطلقاً بل هى كلها لا تخرج عن أن النبى صلى الله عليه وسلم بشر برجل من أهل بيته ووصفه بصفات بارزة من أهمها أنه يحكم بالإسلام وينشر العدل بين الأنام فهو فى الحقيقة من المجددين الذى يبعثهم الله فى رأس كل مائة سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم. انتهى كلام الشيخ.
…وتفسير رؤيا الطفل الذى يرضع من القمر على أنه قد ولد المهدى المنتظر هو نوع من الاجتهاد فى الرؤيا الذى يحتاج إلى بحث ومراجعة، وخاصة أن الرؤيا تختلف من شخص إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى، فإن تأويل المرئى يختلف باختلاف الرائين، وإن كان المرئي واحداً، ولا ينبغى أن يقف تأويل الرؤيا عند حد معرفة الرموز بما هو مكتوب فى كتب الرؤى كابن سيرين والنابلسى وغيرهما، فتحقيق تأويل الرؤيا موهبة من الله تعالى، مع صلاح الحال ظاهراً وباطناً، فيكون التوفيق من الله تعالى.
وتأويل الرؤيا الصحيح يكون بمعرفة الملابسات المحيطة بالرؤيا، حتى يتسنى إتيان التأويل على الوجه الصحيح.
…وإن كانت الرؤيا لا ينبنى عليها حكم شرعى، من حل أو حرمة، أو غيرهما، فإنه لا ينبنى على الرؤيا شيئ من العقائد.(1/55)
…والمهدى المنتظر جاءت به أحاديث كثيرة، منها الصحيح والضعيف والموضوع، والراجح أنه حقيقة لا تنكر، والخلاف حول ماهية هذا المهدى، ولكن ليس كل من يدعى أنه المهدى يكون هو المهدى المنتظر، وعلى الجملة فالإيمان به واجب ولكن من أنكره لا يمكن الحكم عليه بالكفر أو الخروج عن الملة. ورسالة المهدى من إقامة العدل بين الناس فى الأرض هى رسالة المسلمين التى يجب أن يسعوا لإقامتها.
…ونحذر المسلمين جميعاً من أن يتواكلوا على هذه الرؤيا سواء صحت أن لم تصح، ولكن عليهم أن يعملوا حتى يحققوا النصر بأنفسهم، لأن الصحابة كان بينهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى الرغم من هذا لم يتواكلوا ولكن اجتهدوا معه حتى يحقق الله النصر على أيديهم.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
…هذه القضية فيها خلاف كبير بين العلماء، فهناك من أنكر المهدى، وقد ضعف ابن خلدون الأحاديث التى وردت فى المهدى، ولم يرد فى الصحيحين شيئ عنه، لا فى البخارى ولا فى مسلم، ولا فى السنن، بحيث لا يخالف فيها أحد، وقد أنكر الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية الأسبق فى قطر قيام المهدى، وألف كتابا فى هذا فى مطلع القرن الخامس عشر الهجرى، وقد راجعته أنا والشيخ ناصر الدين الألبانى فى هذا الأمر، فأصر الشيخ عبد الله على رأيه فى أنه لا يوجد مهدى منتظر، وأنا أقول:
…ما هو المهدى؟ لنفترض أن الأحاديث عنه صحيحة، ليس هناك دعوة تسمى الدعوة المهدوية، إنما المهدى حسب ما تشير إليه الأحاديث فى هذه القضية هو رجل يحكم بشريعة الإسلام، ويقيم العدل فى الأرض، يملأ الأرض عدلا، كما ملئت ظلما وجورا.
…فإذا وجد الناس هذه الحقيقة، فإن هذا هو المهدى الذى بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه لن يأتى ويقول: أنا المهدى. لا المهدى حينما يظهر ويملأ الدنيا عدلا يقول الناس: هذا الذى بشرت به الأحاديث. انتهى.(1/56)
ويقول الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله:
…خبر ظهور المهدى جاءت به نصوص السنة الصريحة، وأنه سيكون أول ظهوره بمكة المكرمة، وسيكون قبل نزول المسيح عيسى بن مريم، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وسيظل قائماً بأمر المسلمين يتولى شئونهم ويقودهم فى جهاد عدوهم، حتى ينزل المسيح ابن مريم حاكماً بشريعة. سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - منفذا لقواعد الإسلام.
…والمفهوم من جو الأحاديث الخاصة بالمهدى أنه قائد عربى مناضل مجاهد، يحاول نشر العدالة ورفع الظلم، كما جاء فى الأحاديث الخاصة فى أسلوب صريح واضح. وأنه ينزل سيدنا عيسى عليه السلام وقد أقيمت الصلاة فيتنحى المهدى للمسيح عن إمامة المسلمين فى تلك الصلاة، فيدفعه المسيح عيسى ابن مريم بين كتفيه ويقول له: لك أقيمت فصل. فيصلى بالمسلمين تلك الصلاة، ثم يتسلم سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام القيادة منه، ثم يذهب إلى الدجال فيقتله. ونفهم من الأحاديث الواردة فيه أنه ليس خاصاً ببقعة من الأرض كنيجيريا مثلاً أو غيرها وإنما قائد للمسلمين، بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم: "يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.
…والجو العام لأحاديث المهدى يبشر بتحقيق الدولة العالمية التى تضم جميع أقطار الأرض تحت راية واحدة، وهى راية العدل والخير والحق، وهو أمل يسعى له كثير من الذين يريدون للإنسانية خيراً ويظنون بها خيراً، وهو حلم راود الكثير من الفلاسفة، خطط له الفارابى مثلاً حينما كتب عن عالمية الحكم بمناسبة كتابته عن "المدينة الفاضلة". انتهى
ويقول الشيخ عبد الله الصديق القمارى من علماء المغرب العربى:
…حديث المهدى متواتر أيضاً؛ لأنه ورد عن النبى - صلى الله عليه وسلم - من طريق ثلاثين صحابياً باسانيد وطرق متعددة مخرجة فى كتب السنة الصحاح والسنن والجوامع والمصنفات وغيرها.(1/57)
…ونص على تواتره الحافظ أبو الحسين السجزى والقرطبى صاحب التفسير والحافظ ابن حجر والحافظ السخاوي وغيرهم.
…وgأنتمنتمنتمنتمنتهن قيبلبيليبلسيلسيليبليبليبليبليبليبليببيلبيليبيبيبل
ألف الإمام الشوكانى: فى بيان تواتر حديث المهدى والدجال ونزول عيسى كتاباً خاصاً سماه التوضيح لبيان تواتر حديث المنتظر والدجال والمسيح أطال فيه وأطاب، وهو كتاب جيد، وقد طبع بالهند. وقد نص على هذا فى كتب العقائد المتداولة المشهورة.
…والأحاديث عن المهدى أيضاً تذكير للمسلمين بأن من رسالتهم إزالة الظلم والجور من العالم اجمع، ونشر الحق والخير وتحقيق العدالة. انتهى.
وفى فتوى مطولة للشيخ عطية صقر
من كبار علماء الأزهر ، هذه خلاصتها:
…إن ظهور المهدى ليس له دليل صريح فى القرآن الكريم، وقد رأى ابن خلدون عدم ظهوره كما جاء فى الفصل الذى عقده فى مقدمته خاصاً بذلك والشوكانى ألف كتابا سماه "التوضيح فى تواتر ما جاء فى المنتظر والدجال المسيح "جاء فيه أن الأحاديث الواردة فى المهدى التى أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهى متواترة بلا شك ولا شبهة.
…ومهما يكن من شيئ فإن ظهوره ليس ممنوعاً عقلاً ، ولم تثبت استحالته بدليل قاطع كما أن أدلة ظهوره لم تسلم من المناقشة، والعقائد لا تثبت بمثل هذه الأدلة على ما رآه المحققون. فمن أثبت فهو حر فيما يرى، لكن لا يجوز أن يفرض رأيه على غيره، ومن نفى لم يخرج من الإيمان إلى الكفر.
…وأولى لنا أن نناقش فى أمر عملى يعيد لنا قوتنا الأولى، أو على الأقل يخلص المسلمين من الوضع الذى هم فيه الآن والعقائد الأساسية واضحة، وأدلتها موفورة. انتهى.
ويقول الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه وأصوله
بجامعة القدس بفلسطين:
…لابد من التنبيه على بعض الأمور المتعلقة بالمهدى:(1/58)
1- أن المهدى رجل يعود نسبه على آل البيت رضى الله عنهم ويحكم بشرع الله كما وردت بذلك الأحاديث، قال الإمام أبو الحسن السجستانى: "وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله بذكر المهدى وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلاً".
2- إن المهدى الذى يعتقد به أهل السنة والجماعة هو غير المهدى المنتظر عند الشيعة الإمامية فالشيعة يعتقدون أن المهدى هو محمد بن الحسن العسكرى الذى دخل السرداب وعمره تسع سنين وذلك سنة (265هـ) وهم ينتظرون خروجه وهذه عقيدة باطلة فاسدة وخرافة لا حقيقة لها.
3- لا يصح الاعتقاد بانه لن تقوم للإسلام قائمة ولا دولة إلا بظهور المهدى المنتظر ولا يجوز للمسلمين ترك العمل لقيام دولة الإسلام اعتماداً على ظهور المهدى فهذا أمر باطل. والله أعلم.
ويقول الدكتور سلمان بن فهد العودة من كبار علماء السعودية:
…ورد فى شأن المهدى أحاديث كثيرة، منها الموضوع، والضعيف، والحسن، وأقلها الصحيح، ومن هذه الأحاديث استخلص فقهاء المسلمين ما يجب اعتقاده تجاه هذه القضية، وهو أن المهدى حقيقة لا تنكر حيث يخرج آخر الزمان خروجا عاديا من يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا من قبل، وخروج المهدى بهذه الصورة لا يوجب على المسلمين أن ينتظروه، أو يتربصوا به السنين، فظهوره لا يلغى الشرائع، ولا ينسخ الأحكام، ومن تباطأ فيما وجب عليه متذرعاً بانتظار المهدى فقد خالف نهج المسلمين.
ويضيف الشيخ سلمان بن فهد العودة:
ورد فى شأن المهدى أحاديث، ربما تزيد على مائة، ما بين موضوع، وضعيف، وحسن. وربما يكون فيها الصحيح وهو قليل جداً منها:-
1- حديث على بن أبى طالب، مرفوعا (المهدى مِنا- أهل البيت - يصلحه الله فى ليلة) رواه أحمد، وابن ماجة، وحسنه بعضهم لكن سنده ضعيف. ففيه: ياسين بن يبان العجلى، قال البخارى: فيه نظر؛ وهذه من ألفاظ الجرح عنده وقال الذهبى: ضعيف، وقال أبو زرعة، وابن معين: ليس به بأس.(1/59)
2- وأحاديث ابى سعيد الخدرى، جاء عنه ثلاثة أحاديث فى هذا الباب، خرجها الحاكم، وخرج بعضها أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وغيرهم. ومن هذه الأحاديث مما جاء عند الترمذي (إن فى أمتى المهدى يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا فيجئ إليه الرجل فيقول: يا مهدى أعطنى أعطنى فيحثى له فى ثوبه ما استطاع أن يحمله).
3- ومنها حديث: "يخرج فى آخر أمتى المهدى"؛ وهو عند الحاكم، وصححه ووافقه الذهبى، وفى سنده اختلاف.
4- ومنها حديث: "المهدى منى أجلى الجبهة، أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما يملك سبع سنين" رواه أبو داود.
5- ومنها حديث: (الرايات السود) عن ثوبان - رضى الله عنه - مرفوعاً "إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبوا، فإن فيها خليفة الله المهدى"؛ رواه الحاكم (وأحمد، وهذا الحديث جاء من طرق كلها ضعيفة، ولا يصح فيه شيئ، وإن كان بعضهم تسامح، وصححه بمجموع طرفه.
وقد تمسك بهذا الحديث أقوام فى دعوى أن المهدى من ولد العباس، وأن الدولة العباسية كان فيها المهدى، وكان هناك من تسمى بهذا من خلفائهم، وليس ببعيد أن يكون هذا الحديث الضعيف قد وضع برمته؛ أو حرف لفظه بسبب التعصب لدولة بنى العباس.
6- وهناك أحاديث كثيرة ثابتة فى جملتها، وإن كان غالبها لا يصل إلى درجة الصحيح، بل ربما لا يصل إلى درجة الصحيح منها إلا حديث واحد، والحسن فيها قليل - أيضاً - وغالبها ضعيف.
…وقد كتب كثير من العلماء فى موضوع المهدى، منهم نعيم بن حماد فى كتاب:
(الفتن) ونعيم - وإن كان إماماً فى السنة - إلا أنه كثير الوهم، وقد ذكر هذا الدارقطنى، والذهبى، وابن حجر، بل قال مسلمة بن القاسم : له أحاديث منكرة فى الملاحم، تفرد بها.(1/60)
…وصنف أبو نعيم الأصفهانى كتاباً فى المهدى، ويوسف بن يحيى السلمي كتابا مطبوعا اسمه: "عقد الدار" وصنف ابن كثير، والسيوطي، والسخاوي، والصنعاني، والشوكاني، وغيرهم، وخلق من المعاصرين فى هذا.
…وقد ذكر ابن خلدون فى المقدمة: أن المشهور بين الكافة من المسلمين إثبات المهدى، وهذا لا شك أنه هو الصحيح؛ فإن جماهير أهل العلم والأئمة قالوا بثبوت أحاديث المهدى، من حيث الجملة، وإن كان غالب الأحاديث فيها لا يخلو من مقال.
…وهناك من نص على تواتر هذه الأحاديث - أيضاً - ، خصوصا من المتأخرين، كما أن هناك من نقل عنه إنكار أحاديث المهدى كلها. فقد نقل عن مجاهد إنكار هذا، وادعاء أن المهدى هو المسيح ابن مريم، وجاء فى هذا حديث (لا مهدى إلا عيسى ابن مريم) عند ابن ماجة، والحاكم وهو ضعيف، وكذلك نقل عن الحسن البصرى، كما أن ابن خلدون ممن أنكر هذا ونفاه.
…وأما من المتأخرين، فالشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ومحمد محي الدين عبد الحميد وغيرهم.
…وخلاصة ما مضى: أنه جاء فى السنة أحاديث كثيرة جداً، مترددة ما بين الموضوع والضعيف، والحسن، ويقل فيها الصحيح، وأن الإيمان بخروج المهدى وظهوره أمر ثابت فى الجملة.
…وأهل السنة يؤمنون برجل من آل بيت النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - يخرج فى آخر الزمان خروجا طبيعياً، يولد كما يولد غيره، ويعيش كما يعيش غيره، وربما يقع منه الخطأ، ويحتاج إلى إصلاح مثل غيره من الناس، ثم يكتب الله على يديه خيراً كثيراً، وبراً، وصلاحاً للأمة، وعدلاً، ويجمع الله به شمل المسلمين. ليس هناك أكثر من هذا؛ كما هو وارد ولم يرد فى أى نص من النصوص أننا متعبدون بانتظاره، أو ترقبه، بل لا ينبغى لأى مسلم أن يقبل مثل هذا الإدعاء بمجرد الاشتباه؛ حتى تقوم الأدلة الكافية فإن المدعين كثير، منذ فجر التاريخ.
…والمسلم مطالب بالتثبت، والتحرى، والأناة، وألا يستعجل الأمور بمجرد الرغبة أو الهوى النفسى.(1/61)
…ولا يتوقف على خروج المهدى أى شعيرة شرعية نقول إنها غائبة حتى يأتى الإمام المهدى، فلا صلاة الجمعة، ولا الجماعة، ولا الجهاد، ولا تطبيق الحدود، ولا الأحكام، ولا شيئ من ذلك مرهون بوجوده؛ بل المسلمون يعيشون حياتهم، ويمارسون عباداتهم، وأعمالهم، ويجاهدون، ويصلحون، ويتعلمون، ويعلمون، فإذا وجد هذا الإنسان الصالح، وظهرت أدلته القطعية - التى لا لبس فيها - اتبعوه.
…وعلى هذا درج الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وتتابع على هذا أئمة العلم على تعاقب العصور. ففكرة سيطرة الترقب، والانتظار، والمبالغة بهذا أمر حادث.
الفصل السابع
ظهور المسيح الدجال فى باكستان
…تناقلت الصحف والمجلات وشبكات الإنترنت قصة مثيرة نشرتها بعض الصحف الباكستانية عن ظهور المسيح الدجال فى منطقة لاهور فقد كشفت الصحيفة أنه فى منطقة لاهور بباكستان ولد طفل لأم فقيرة أرملة توفى زوجها فى معركة بين إحدى القبائل.. وقد كان الطفل أعور بعين واحدة فوق الأنف، فلما رأت الأم صورة ولدها البشعة قامت بإخفائه عن الناس حتى لا يراه أحد وإذا أرادت الخروج تلبسه ملابس النساء وتضع غطاء على وجهه.
…وعندما بلغ الولد "معصوم" مبلغ الرجل وظهرت عليه علامات الذكاء تولى تربيته أحد الروحانيين فأصبح الولد يتعامل مع الجن وذاع صيته فى باكستان.. فقد كان "معصوم" يعالج الأمراض الغريبة والمستعصية وله خوارق عدة منها أن يضع يده فى النار دون أن تحترق ويأكل الزجاج والحصى ويشرب من ماء البحر وعندما يشير بيده إلى جماد يحركه ليأتى إليه مسرعا، وحينما يضع التراب فى يده ويغلقها ويتمتم ثم يفتحها يتحول التراب إلى ذهب.. وكان الناس يصابون بحالة من الفزع الرهيب عندما يكشف لهم فى بعض المرات عن وجهه..وكان حارسه الشخصى قط أسود.(1/62)
…ولما ذاع صيته بين الناس بهذه الصورة ألقت الشرطة القبض عليه وأودعته فى السجن لكن شيئاً غريباً قد حدث أفزع كل من كان موجوداً فى قسم الشرطة، فكلما أغلق رجال الشرطة باب السجن عليه يفتح الباب وحده دون أن يلمسه أحد .. وعندما تكرر هذا الأمر عدة مرات خاف رجال الشرطة من "معصوم" وأطلقوا سراحه.. لتستعين الشرطة فى أمره بعد ذلك برجال الدين فلم يستطيعوا فعل شئ معه ثم حاولوا اغتياله دون جدوى.
…وقد صرح أحد اللصوص بعد القبض عليه بأنه دخل إلى بيت "الأعور" .. كما سموه وأراد سرقته وقتله، فلما دخل البيت وجده فى انتظاره يحدق به بعينه الوحيدة ويضحك، فأشهر اللص سلاحه بوجهه، فصرخ فيه "الأعور الدجال" قائلاً "انتظر حتى لا تموت" ثم أشار الدجال إلى دجاجة كانت تتمشى فى فناء بيته قائلاً للص "اقتلها إن استطعت" فما كان من اللص إلا أن أطلق النار على الدجاجة فأصابها بعدة طلقات لكن المفاجأة إنه مع كل طلقة كان ريش الدجاجة يتطاير لكنها لم تصب بأى أذى.. وهنا يصف اللص حالته بقوله "فاستغربت" وبدأ الخوف يسرى فى قلبى وأصبحت ارتعد" وبعد فشل محاولات اللص لقتل الدجاجة نظر إليه "الأعور الدجال" نظرة حادة مخيفة قائلاً له "سوف ألقنك درساً ستتذكره طوال حياتك" وأخذ الدجال يتمتم. وهنا لم يجد اللص مفرا إلا أن فعل كما قال "صرخت، ووضعت المسدس فى فخذى ورميت بنفسى وهربت منه إلى منزلى، وقد أصابتنى حالة فزع لعدة أيام".(1/63)
…وتستكمل الجريدة تفاصيل الخرافة التى بدأت الناس ترددها مؤكدة إصابة الناس بحالة من الهلع بسبب هذا الدجال ولجأوا إلى دائرة الشرطة فى باكستان معبرين عن خوفهم ومستنجدين بهم ليخلصوهم منه، لكن الشرطة وقفت مكتوفة الأيدى أمام خوارق "الأعور الدجال" .. ولجأت الشرطة إلى علماء الدين فأرسلت تطالبهم بالمساعدة فى مواجهة هذا الدجال، وعندما حضر علماء الدين وسمعوا قصة الدجال أكدوا أنه هو المسيح الدجال بعينه وأنه سيختفى وسيذهب إلى منطقة "خراسان" ليخرج فى آخر الزمان.
…لكن لم يصدق أحد هؤلاء العلماء وأجمعوا على أن الأعور ساحر ولابد أن يتعاونوا عليه حتى يتخلصوا منه، واتفق علماء الدين على ذلك فى اجتماعهم، وفى اليوم التالى نشرت إحدى الصحف الباكستانية صورة "الأعور الدجال" وصور العلماء والمشايخ الذين توعدوه مع بعض أحاديثهم عنه.. لكنهم لما ذهبوا إلى بيت "معصوم" لم يجدوه حيث كان قد اختفى وذهب إلى جهة غير معلومة، فأصبح الكل فى باكستان يتساءل: هل هو فعلاً الأعور الدجال؟ وهل ذهب فعلاً إلى خراسان فى إيران؟ كما قال أحد العلماء من قبل.
…أما الصورة التى نشرتها الصحيفة الباكستانية للأعور الدجال "معصوم" فهى بالفعل صورة بشعة بمعنى الكلمة لا يمكن أن يتخيلها إنسان أو ينسج ملامحها من وحى خياله، ومواصفات وجه "الأعور الدجال" هى نفسها المواصفات التى ذكرتها الروايات المتعددة عن "المسيح الدجال" لكن حينما حاول بعض الرسامين تخيل صورة له كانوا يرسمونه كأعور بعين واحدة إما اليمنى أو اليسرى فلم يكن أحد يتخيل موقع العين الواحدة الذى وضعها فيه الخالق عز وجل.(1/64)
…فعين "الأعور الدجال" كما فى الصورة المنشورة بالصحيفة هى عين واحدة واسعة فوق الأنف مباشرة وعليها حاجب كثيف الشعر أعلى العين والجبهة عريضة، وشعر الرأس كثيف، ولون البشرة أقرب إلى البشرة الخمرية.. فملامح الوجه وتركيبته بصفة عامة مخيفة وتوحى بالشر يفزع من يشاهدها فما بالنا بمن رأوه وجها لوجه.. أما من ناحية السن فالواضح أن عمر "الأعور الدجال" حينما التقطت له هذه الصورة يتراوح ما بين 25 إلى 30 عاماً أو ما يزيد قليلاً لكن الصحيفة لم تذكر تاريخ التقاط الصورة له ولا تاريخ ميلاده، حيث إن الصحيفة لم تهتم بالبعد الزمانى أو ربما لم تعرفه.. انتهى كلام الصحيفة.
تعليق من المؤلف
…ويمكننا إبداء الملاحظات الآتية على ما نشرته الصحف بشأن ظهور الدجال:
…أولاً : ما تنشره وسائل الإعلام المختلفة ليس من مصادر العلم الشرعية ولا يصح الإعتماد عليه لتقرير أمر من أمور العقيدة مثل ظهور الدجال بإعتباره من علامات الساعة.
…ثانياً : بعض الصحف تلجأ إلى نشر موضوعات تتسم بالإثارة لرفع معدلات التوزيع، ولو اضطرها ذلك إلى "الفبركة" وتلفيق قصص وهمية تخدع بها القراء وتجذب إهتمامهم على حساب الحقيقة.
…ثالثاً : أكد بعض العلماء - موقع هرمجدون على النت - عدم صحة الصورة التى نشرتها الصحيفة الباكستانية للدجال المزعوم.
…رابعاً : ما قاله كبار العلماء عن خطأ تنزيل الأحاديث على وقائع أو أشخاص بعينهم بلا دليل مؤكد ينطبق هنا أيضاً على حكاية الدجال المزعوم فى باكستان.
…خامساً : ورد فى الأحاديث الصحيحة المتواترة عن أوصاف الدجال أنه مكتوب بين عينيه كلمة : كافر يراها كل مؤمن كاتب أو غير كاتب...والصورة التى نشرتها الصحيفة الباكستانية لا تظهر هذه الكلمة، كما أن كل من رآه فى باكستان لم يذكر أنه رأى فى وجهه هذه الكلمة، وبالتالى فليس هو الدجال الأكبر.(1/65)
…سادساً: لم يرد فى الأحاديث التى أخبرت عن الدجال أنه سيظهر ثم يختفى، كما حدث للمزعوم المذكور ظهوره فى باكستان"
…سابعاً : الحديث الشريف أخبرنا أنه سيظهر حوالى 30 دجالاً قبل قيام الساعة سوى الدجال الأكبر الذى يقتله سيدنا عيسى عليه السلام، فمن المحتمل أن هذا الباكستانى هو أحد الدجالين لكنه ليس الدجال الأكبر.
…ثامناً : إذا راجعنا الأحاديث الصحيحة عن إبن صياد الذى نص كثير من الصحابة على أنه هو الدجال، نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن قتله، ولم يقطع بأنه الدجال أو ينفى هذه الصفة عنه، بل أخبره فقط أنه إن كان ابن صياد هو الدجال فلن يتمكن من قتله سوى عيسى عليه السلام، وإن لم يكنه فلا خير فى قتله.
…ونستخلص من هذا أن تحديد شخص الدجال بعينه لا نص فيه من الشرع وإنما أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم بصفاته المؤكدة التى تجعل كل مسلم يعرفه إذا رآه... ولم يهتم عليه السلام بإخبار أصحابه على وجه القطع بحقيقة إبن صياد، هل هو الدجال الأكبر أم لا لأنه لم يجد فائدة فى النص على إسمه وشخصه ووقت خروجه بالضبط.
والخلاصة:
إنه ليس من الصواب أن نشغل الناس بحكايات وقصص صحفية مثيرة لا دليل على صدقها من الشرع، والأفضل ألا يضيع الوقت فى أمور ثانوية ونترك ما هو أهم وأخطر.. إن أعداء الإسلام يلتهمون البلاد العربية والإسلامية قطعة قطعة، ويقومون بتنفيذ مخططاتهم الإجرامية ضد الإسلام وأهله الغافلين عما يراد بهم، والمنشغلين بأحلام "هرمجدون" "والرضاع من القمر" و"السفيانى" و "دجال باكستان"... فهل هذا من الدين أو العقل فى شيئ ؟!!!
…يعلق على ذلك الدكتور فهد بن عبد الرحمن عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود قائلاً:(1/66)
…لقد وردت فى الدجال أحاديث كثيرة صحيحة فى التحذير منه ولكن ليس فيها تحرى خروجه والإجتهاد فى تنزيل صفاته على أحد بعينه. بل الظاهر أنه إذا خرج تبين للمؤمن أنه الدجَّال حتى قد ثبت فى أكثر من حديث أنه مكتوب بين عينه كافر يقرؤها كل مؤمن حتى لو كان أمياً لا يعرف القراءة (انظر مثلاً ما رواه البخارى 7131) وكذلك (ما رواه مسلم 2933) من حديث أنس رضى الله عنه، مع أن هذا التحذير إنما ورد فى الدجال، ولم يرد فى غيره .. انتهى.
…يقول العلامة بن عثيمين : أعظم فتنة على وجه الأرض منذ خلق آدم إلى قيام الساعة هى فتنة الدجال كما قال ذلك النبى، صلى الله عليه وسلم، ولهذا ما من نبى من نوح إلى محمد، صلوات الله عليهم وسلم، إلا أنذر قومه به تنويهاً بشأنه، وتعظيماً له، وتحذيراً منه، وإلا فإن الله يعلم أنه لن يخرج إلا فى آخر الزمان، ولكن أمر الرسل أن ينذروا قومهم إياه من أجل أن تتبين عظمته وفداحته، وقد صح ذلك عن النبى، عليه الصلاة والسلام، وقال : "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم - صلوات الله وسلامه عليه يعنى أكفيكم إياه - وإلا فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتى عل كل مسلم" مسلم 5228 نعم الخليفة ربنا - جل وعلا -
…فهذا الدجال شأنه عظيم بل هو أعظم فتنة كما جاء فى الحديث منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، فكان حرياً بأن يخص من بين فتن المحيا بالتعوذ من فتنته فى الصلاة "أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال".
…وأما الدجال فهو مأخوذ من الدجل وهو التمويه؛ لأن هذا مموه بل أعظم مموه وأشد الناس دجلاً.
…إن خروج المسيح الدجال من علامات الساعة ولكنه غير محدد، لأنه لا يعلم متى تكون الساعة إلا الله فكذلك أشراطها ما نعلم منها إلا ما ظهر ، فوقت خروجه غير معلوم لنا لكننا نعلم أنه من أشراط الساعة.(1/67)
…وأما جهة خروجه فإنه يخرج من المشرق من جهة الفتن والشر كما قال النبى، صلى الله عليه وسلم : "الفتنة ها هنا" وأشار إلى المشرق (البخاري 3279، ومسلم 5167)، فالمشرق منبع الشر والفتن، يخرج من المشرق من خراسان ماراً بأصفهان داخلاً الجزيرة من بين الشام والعراق ليس له هم إلا المدينة، لأن فيها البشير النذير، عليه الصلاة والسلام، فيحب أن يقضى على أهل المدينة، ولكنها محرمة عليه كما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم : "على كل باب منها ملائكة يحفظونها" رواه البخارى 1880 ومسلم 2449، هذا الرجل يخرج بين الشام والعراق، ويتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفاً لأنهم جنوده (رواه مسلم 5237)، فاليهود من أخبث عباد الله وهو أضل عباد الله فيتبعونه ويؤوونه وينصرونه، ويكونون مسالح له - أي جنوداً مجندين - هم وغيرهم ممن يتبعهم، قال النبى ، عليه الصلاة والسلام: "يا عباد الله فاثبتوا يا عباد الله فاثبتوا" رواه مسلم 5228، يثبتنا عليه الصلاة والسلام، لأن الأمر خطير وقال عليه الصلاة والسلام: "من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات" رواه أبو داود 3762 وصححه الألباني فى صحيح أبى داود.
يأتيه الإنسان ويقول : لن يضلنى ولن أتأثر به، ولكن لا يزال يلقى عليه من الشبهات حتى يتبعه والعياذ بالله. "نسأل الله أن يحفظنا بحفظه والحمد لله رب العالمين....
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله ... 2/13
الفصل الثامن
الرايات السوداء
…(1/68)
من أقوى الأدلة على الجريمة البشعة التى يرتكبها طالبو الثراء والشهرة على حساب العوام والبسطاء من الناس، إستدلالهم بأحاديث الرايات السوداء التى يسوقونها لتأكيد مزاعمهم بقرب انتهاء عمر أمة الإسلام وإنتصار السفيانى صدام على الأمريكان... إلخ.. ولن نصفع هؤلاء بأقوى من ردود العلماء العاملين الذين يتقون الله فى علمهم وأنفسهم ولا يخدعون الناس بما لم يصح نقله عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وفيما يلى نعرض رأى عالم جليل متخصص هو الدكتور الشريف حاتم بن عارف العوني الأستاذ بجامعة أم القرى فى أحاديث الرايات السود المذكورة:
…أحاديث وروايات ظهور (الرايات السود) من الأحاديث التى تعددت طرقها وألفاظها فى كتب الملاحم وأشراط الساعة، حتى إن طرقها لتكاد تملأ مصنفاً كاملاً ، وقد فرح بها فرق وطوائف، فزادوا فيها، وما زالوا !!
…ومن طالع تلك الأحاديث تذكر قول الإمام أحمد "ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير" (الجامع) للخطيب رقم (1536)، وهو يعنى بذلك : كثرة الكذب والروايات المردودة فى هذه الأبواب الثلاثة، وقلة ما يصح فيها من الأحاديث.
فحديث (الرايات السود) له طرق وألفاظ بالغة الكثرة، وقد امتلأ بها كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد.
لكنى لم أجد فيها حديثاً صالحاً للاحتجاج، لا مرفوعاً، ولا موقوفاً على أحد الصحابة.
وأقوى ما ورد فيها من المرفوع - وليس فيها قوي - ، الأحاديث التالية:
أولاً: حديث ثوبان - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من خراسان فأتوها، فإن فيها خليفة الله المهدي"، وله ألفاظ أخرى مطولة.
…وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد (5/277) من طريق شريك بن عبد الله، عن على بن زيد بن جدعان، عن أبى قلابة، عن ثوبان به.(1/69)
…وهذا إسناد منقطع، حيث إن أبا قلابة لم يسمع من ثوبان شيئاً، كما قال العجلى رقم (888). وقد ذكره ابن الجوزي من هذا الوجه فى (العلل المتناهية رقم 1445)، وأعله بعلي بن زيد بن جدعان. وأخرجه ابن ماجه رقم (4084)، والبزار فى مسنده (المخطوط - النسخة الكتانية - 223)، من طرق صحيحة عن عبد الرازق الصنعاني، عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، بنحوه مطولاً مرفوعاً.
وقال البزار عقبه: "إسناده إسناد صحيح".
وقال البيهقى عقبه فى (الدلائل 6/515):" تفرد به عبد الرازق عن الثوري".
قلب: إسناده أقل أحواله الحُسن فى الظاهر، وحتى التفرد الذى ذكره البيهقى منتقض بما أخرجه الحاكم فى (المستدرك 4/463 - 464)، قال: "أخبرنا أبو عبد الله الصفار: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أورمة: حدثنا الحسين بن حفص: حدثنا سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبى قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان..."، وقال الحاكم عقبه: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين".
…وقد نقل هذا الإسناد - كما ذكرته - الحافظ ابن حجر فى (إتحاف المهرة 3/53 رقم 2513)، مما يُبعد احتمال وقوع خطأ مطبعي فيه.
…وإسناد الحاكم رجاله ثقات، إلا محمد بن إبراهيم بن أورمة، فلم أجد له ذكراً، إلا فى هذا الإسناد الذى صححه الحاكم.
…لكن للحديث وجه آخر أخرجه الحاكم (4/502)، وعنه البيهقى فى (الدلائل 6/516)، من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان موقوفاً عليه غير مرفوع إلى النبى - صلى الله عليه وسلم-.
…قلت: فمع هذا الإضطراب فى إسناده، مع نكارة متنه، وعدم قيام إسناد من أسانيده، بتحمل هذا الحد من التفرد لا أستطيع أن أطمئن إلى قبول هذا الحديث، خاصة مع عبارات لبعض أئمة النقد، تدل على تضعيف الحديث من جميع وجوهه.(1/70)
بل قد وقفت على إعلال خاص واستنكار خاص لهذا الحديث على خالد الحذاء ( مع ثقته) فقد جاء فى العلل للإمام أحمد برواية ابنه عبد الله رقم (2443): "حدثني أبى، قال : قيل لابن علية فى هذا الحديث: كان خالد يرويه، فلم يلتفت إليه، ضعف ابن علية أمره. يعنى حديث خالد عن أبى قلابة عن أبى أسماء عن ثوبان عن النبى - صلى الله عليه وسلم - فى الرايات" وانظر الضعفاء للعقيلي - ترجمة خالد بن مهران الحذاء - (2/351 رقم 403) والمنتخب من علل الخلال لابن قدامة (رقم 170).
ثانياً : حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتى سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً، حتى يأتى قوم من قبل المشرق، معهم رايات سود، فيسألون الخير، فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتى، فيملؤها قسطاً، كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم ولو حبواً على الثلج".
أخرجه ابن ماجه (رقم 4082)، والبزار فى مسنده (رقم 1556 - 1557)، والعقيلي فى (الضعفاء) ترجمة يزيد بن أبى زياد (4/1494)، وابن عدي، ترجمة يزيد بن أبى زياد (7/276)، من طريق يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس النخعي، عن عبد الله بن مسعود به مرفوعاً.
وقال عنه ابن كثير فى (البداية والنهاية 9/278): "إسناده حسن" ، وحسنه الألبانى أيضاً فى (سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 85)
قلت: وهو كما قالا عن إسناده، فى الظاهر قابل للتحسين.
لكن أول ما يلفت الإنتباه إلى ما فى هذا الإسناد من النكارة هو ما قاله البزار عقب الحديث، حيث قال: "وهذا الحديث رواه غير وأحد عن يزيد بن أبى زياد، ولا نعلم روى يزيد بن أبى زياد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود إلا هذا الحديث".(1/71)
ومع هذا التفرد الذى صرح به ابن عدي أيضاً عقب الحديث، فإن المتفرد به - وهو يزيد بن أبى زياد - لئن رجحنا حسن حديثه، فإن مثله لا يحتمل التفرد بمثل هذا الإسناد والمتن.
ولذلك ضعف هذا الحديث جماعة، وعدوه فى مناكير يزيد بن أبى زياد.
فقد قال وكيع بن الجراح - وذكر هذا الحديث -: "ليس بشئ".
وقال الإمام أحمد: "ليس بشئ" أيضاً.
وبلغ إنكار أبى أسامه حماد بن أسامة لهذا الحديث أن قال عن يزيد بن أبى زياد بخصوص روايته لهذا الحديث : "لو حلف عندى خمسين يميناً قسامة ما صدقته !! أهذا مذهب إبراهيم؟!
أهذا مذهب علقمة؟! أهذا مذهب عبد الله ؟! " (الضعفاء ) للعقيلي (4/1493 - 1495).
ولما أنكر الإمام الذهبي هذا الحديث فى (السير 6/131 - 132)، قال بعد كلام أبى أسامة: "قلت: معذور والله أبو أسامة! وأنا قائل كذلك، فإن من قبله ومن بعده أئمة أثبات، فالآفة منه: عمداً، أو خطاً". لذلك فإن الراجح ضعف هذا الحديث بل إنه منكر.
…ومع هذه الأحكام من هؤلاء النقاد، لا يصح الإعتماد على المتابعة التى أوردها الدارقطنى فى (العلل) معلقة (5/185 رقم 808)، وأنه قد رواه، عمارة بن القعقاع عن إبراهيم، موافقاً يزيد بن أبى زياد.
وللحديث أوجه أخرى عن ابن مسعود - رضى الله عنه -، كلها ضعيفة، ومرجعها إلى حديث يزيد بن أبى زياد، كما يدل عليه كلام الدار قطنى فى العلل - الموطن السابق-.
وانظر : الأحاديث الواردة فى المهدى للدكتور: عبد العليم البستوي (قسم الصحيحة: 158 - 162، وقسم الضعيفة: 30-39).
…ثالثاً: حديث أبى هريرة - رضى الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "تخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء ، حتى تنصب بإيلياء" أخرجه الإمام أحمد (رقم 8775) والترمذي (رقم 2269) والطبراني فى (الأوسط رقم 3560)، والبيهقى فى (الدلائل 6/516)، كلهم من طريق رشدين بن سعد، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب، عن أبي هريرة به.(1/72)
وأشار الترمذي إلى ضعفه بقوله عقبه: "غريب".
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا يونس، تفرد به رشدين".
قلت: ورشدين بن سعد اختلف فيه بين الضعف والترك، وانفراده بهذا الحديث يقتضى نكارة حديثه.
ولذلك تعقبه البيهقى بقوله: "ويروى قريب من هذا اللفظ عن كعب الأحبار، ولعله أشبه" ثم أسند رواية كعب الأحبار موقوفة عليه.
وبهذا تبين أن أصل هذا الحديث من الإسرائيليات.
وللحديث بعد ذلك روايات أشد ضعفاً من التى سبقت فإني اخترت أمثل الروايات، ليقاس عليها ما هو دونها.
وبذلك يُعلم أنه لم يصح فى الرايات السود حديث مرفوع، ولا حديث موقوف على الصحابة - رضى الله عنهم -.
الفصل التاسع
دمار أمريكا وزوال إسرائيل !!
…من أمثلة ما تروجه وسائل الإعلام أيضاً ما نشرته صحيفة (النهار) اللبنانية بعنوان ("هدة" أمريكا!!) قالت الصحيفة:
…"الهدة" فى اللغة من هد البناء يهده هدا، أي يهدمه هدماً شديداً ويضعضعه محدثا صوتا غليظا مفزعا أما "الهدة" التى ينتظر المصريون حدوثها يوم الجمعة من رمضان الحالي (2002م)، فهي كارثة ستحل بالولايات المتحدة. وهذه الكارثة قد تكون لها علاقة بالسماء، أو بتفجير نووي يحدث نتيجة لقصف أمريكا من الجو. والحديث عن هذه "الهدة" مع المؤمنين بها من العامة لا يحمل الكثير من التفاصيل، فهم يتحدثون عن شهر رمضان تأتى بدايته يوم جمعة، يسبقه نشاط يهودي محموم لإعادة بناء الهيكل. أما بالنسبة للمهتمين وخصوصاً المؤمنين أيماناً شديداً بقدرات الإمام على بن أبى طالب على معرفة أحداث القرون. فإن الأمر مختلف، فهم يتحدثون من خلال ما يؤمنون بأنه ورد ذكره فى "الجفر" المنسوب إلى الإمام على، والمكتوب بالرموز التى يقولون أن القدرة على تفسيرها مقصورة على المطهرين من آل البيت.(1/73)
…ويوردون هذا المقطع من "الجفر": يهبط من السماء على بلاد الأمريك فى الحائط الغربي من الأرض كويكب العذاب عندما تكتفى المرأة بالمرأة، والرجل بالرجل، ويرضى الحاكم هناك بالدم البرئ يسأل فى القدس.... فيرسل الله عذاب الرجفة على الأمريك، وتمطر السماء ويلاً لهم، وتشب نار بالحطب الجزل غربي الأرض، فيرون معهن موتات وحصد نبات وآيات بينات، فابشروا بنصر من الله عاجل وفتح فتوح إمام عادل".
…لكن من المؤمنين بـ "الهدة" من لا يميلون تماماً إلى حدوثها فى شهر رمضان الحالى، لأن علامتها من وجهة نظرهم لم تكتمل. والحديث عن "الهدة" بدأ فى مصر قبل أحداث واشنطن ونيويورك، لكنه لم يأخذ هذا الاهتمام الشعبى إلا بعدها، وبخاصة عندما أولت بعض الصحف اهتماماً ملحوظاً بنبوءات المنجم الشهير "نوستراداموس" الذى يتهمه فريق من المهتمين المصريين بالنصب والدجل، وبأنه وأباه قد سرقا مخطوطات إسلامية نادرة من بيت المقدس وبغداد ومن العديد من البلدان العربية والإسلامية، ومن بين هذه المخطوطات: أحاديث القرون للإمام على بن أبي طالب، والتى تسرد وقائع الزمان إلى يوم القيامة كما يقول كاتب أصدر كتاباً قبل أسابيع من أحداث الولايات المتحدة، ولم يتعد توزيعه المعدلات الطبيعية المعتادة، لكنه قفز قفزة هائلة بعد الحادى عشر من أيلول بسبب ما جاء فيه من نبوءات منسوبة إلى الإمام على. فالكاتب يعتمد على ما يعرف بعلم "الجفر" الذى قال عنه الإمام الجرجاني: "الجفر والجامعة كتابان لعلى بن ابى طالب كرم الله وجهه.... ذكر فيهما على علم الحروف والحوادث التى سوف تحدث والوقائع التى ستقع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكان الأئمة المعروفون من أولاده يعرفونها ويحكمون بها".(1/74)
…أما الكاتب المشار إليه فيصف "الجفر" بأنه: "العلم الإجمالى المحتوى على كل ما كان وما هو كائن وما سيكون، حيث يؤمن الكثير من المسلمين بأن الإمام على بسط حروف العربية بسطا عظيماً، بحيث يمكن بقواعد سرية وبشروط معينة امتلاك القدرة على استنباط بعض الأحداث التى ستقع فى المستقبل، أما الحقيقة الكاملة التى يحتويها الجفر - كما يقول- فلا يمكن أن يدركها إلا المهدى المنتظر" .
…ومن أعجب ما يورده عن الإمام على فى الجفر، ذلك الكلام عن بلاد "الأمارك" و"الأمريك" و"أرض الحمر المسروقة" التى سيخضعها المهدى ويحولها إلى ولايات متحدة إسلامية، بعدما يرفع قوم من مصر وبيت المقدس منارة فى أمة يحمل اسمها حروف اسم كندة العربية (كندا)، وهذه الأمة صاحبة كنوز عظيمة ومقطعة أرضها مثل قواطع بلاد الأمريك...
…لكن ورود لفظ "الأمريك" أو الأمارك" ليس هو الغريب الوحيد فى حديث الجفر الذى جاء على ذكر ما نسميه اليوم بالنظام العالمى الجديد أو وصفه، "قائل يقول: العالم الجديد، وما هو بجديد، وداع من أرض يقال لها بالجديدة وما هى بجديدة لكنها قديمة سكنها أصحاب الوجوه الحمراء، واسم الرجل منهم أحمر".
…وفى موضع آخر يذكر "الجفر" حسبما يقول الكاتب المشار إليه كلاما يبدو تفصيليا عن الولايات الخمسين التى تشكل منها الولايات المتحدة:
…".... لكن الكذاب الدجال يدجل تدجيلا ويزين القواطع الخمسين بزهرة الحياة، ويربط المدائن الخمسين بحبل بنى إسرائيل الآتى من حبل صهيون، يبغي الفساد فى الأرض وعلوا للظالمين، ويسمونها بلاد الأمارك".
وإذا أردنا وصفًا آخر فلنطالع ما يلى:(1/75)
…"..... فهم حكام على أطراف الأرض، يعرفون ما يجرى فيها فى مسارات الطول والعرض، وتكون لهم عيون تتلصص من فوق السحاب، وجوار بالبحار كالأعلام يخزنون النار بها بهيئة ماء وتراب، تنشر نشرا، وترمى كالقصر لهبا، وتفرق الأمر فرقا، وتطمس الخير طمسا، فتنة وقدراً، تهلك بشرا، وتهدد غضبا المستضعفين فى الأرض غير مسلم أو مسلما حقاً، ويجعل الله حجته على بلاد الأمريك، فيلعنهم بما عصوا وكانوا يعتدون، ولا عن منكر يتناهون، وفى الأرض يفرحون، عتوا وغلوا ولا ينتهون، وتعلو إسرائيل برجال منهم يملكون (العرش الأبيض) - لاحظ وصف العرش الأبيض - يبغون الفساد فى الأرض".
…ويتوعد "الجفر" بلاد "الأمريك" بـ "الهدة"، وتعنى الهدم الشديد والضعضعة والتكسير، ويفسر الكاتب قائلاً: "إن بلاد الأمريك ستكون مسرحًا لحدث عظيم، لكنها لن تفنى لكن قواها ستضعف للغاية، وستعلن فى الدنيا بلاد كارثة عظمى، وستكون للهدة علاقة بالسماء كما حدد الإمام على الذى وضع إشارات وعلامات ترسم زمن وقوع الكارثة، ومن هذه العلامات: شيوع فاحشة اللواط فيها، ورضا الحاكم بإسالة الدم البرئ فى القدس، والطير الدسم الذى يساوى حجم الواحد فيه أضعاف حجم الجمل (يقول المؤلف: إنها الطائرات الحربية)، والبيض المكنوز بالسم والنار" (والمؤلف يفسره بالقنابل الكيماوية والذرية وغير الذرية).(1/76)
…وتبعاً لدراسات هذا الكاتب، وتفسيره لحديث أورده عن النبى محمد عليه الصلاة والسلام (دون سند) فإن هذه "الهدة" ستحدث فى منتصف أحد شهور رمضان المبارك يأتى فى بدايات قرن جديد، تالياً لقرن تكثر فيه الزلازل والكوارث، وتقوم فيه لليهود دولة، أما الحديث فيقول عن الرسول كما يورد فى كتابه : "إذا كانت صيحة فى رمضان فإنه يكون معمعة فى شوال وتميز القبائل فى ذى القعدة، وتسفك الدماء فى ذى الحجة والمحرم وما المحرم، يقولها ثلاثا هيهات هيهات هيهات يقتل الناس هرجا ومرجا، وعندما سألوا رسول الله، وما الصيحة؟ قال: هدة فى النصف من رمضان ليل جمعة، وتكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من خدورهن ليلة جمعة من سنة كثيرة الزلازل، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة، فأدخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم، وسدوا كواكم ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم، فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله تعالى سجداً وقولوا سبحان القدوس، فإنه من فعل ذلك نجا ومن لم يفعل ذلك هلك". البعض فى القاهرة فى الموجة الحالية من "النبوءات" استوقفه التفسير الرقمى لأحداث الحادي عشر من ايلول والذى تناقلته وسائل الإعلام وشبكات الانترنت، وقد قدم ذلك التفسير عرضا مثيرا لقصة الرقم 11 وعلاقته بالهجوم على واشنطن ونيويورك، فالحادث وقع فى اليوم الحادي عشر من الشهر التاسع من السنة .... وفإذا جمع الرقم 9 مع مكونى الرقم، 11 فإن 9+1+1=11 واليوم الحادي عشر من الشهر التاسع هو اليوم الرقم 254 فى السنة، فإذا جمعنا 4+5+2 يكون الناتج أيضاً 11.(1/77)
…ويضيف التفسير علاقات اخرى لا تقل غرابة، فمجموع حروف نيويورك باللغة الانجليزية 11 حرفاً ، وكلمة البنتاجون 11 حرفاً ، ونيويورك هى الولاية 11 فى الترتيب الفيديرالى الأميركي والطائرة الأولى التى صدمت مركز التجارة كانت فى رحلة تحمل الرقم 110 وعدد ركابها 92 وهذا الرقم مكون من 2+9=11 أما عدد ركاب الطائرة الثانية فكان 65 ومجموعه 5+6= 11.
…وإذا كان الرقم 11 يخص الأميركيين وحدهم فى انتظار الرقم الآخر الذى قد يحتاج إلى تفسير أفغانى، فإن المنجم الأشهر نوستراداموس يجمع كل المؤمنين بالتنجيم وما وراء الإدراك سواء فى أمريكا أو فى أى بقعة أخرى من العالم. بل إن بعض المؤشرات ربما تدل على دخول بعض كبار الساسة فى العالم إلى دائرة المصدقين بالتنجيم والتنبؤ.
كوكب يضرب أمريكا
وضاعف من انتشار الشائعة ما تناقلته وسائل الإعلام عن قرب مرور جرم سماوي "نيبيرو" بجوار الأرض .. واحتمال اصطدامه بأمريكا هذا الكويكب (نيبيرو) الذى يتراوح حجمه بين 4 أضعاف حجم الأرض وبين مرتين ونصف حجم المشترى! ..
ويقترب بسرعة فائقة من الأرض قادما من خلف الشمس سالكا مداره الذى يبلغ 3600 سنة..
…حيث أنه وعند اقترابه من الأرض ستبدأ عملية الشد والجذب بين الكوكبين وبالطبع وبما أن كثافته تعادل 20 ضعف كثافة الأرض ويفوقهما حجماً فإن محتوى باطنها سيخرج إلى السطح ويبقى منجذباً لمركزها مما يسبب تقلبات فى القشرة الأرضية وتختفى بعض القارات نتيجة حوادث خسف رهيبة (ولعلها أمريكا إن شاء الله) كما تنفجر البراكين فى كل مكان ويستمر هذا الوضع من ستة أشهر إلى بضع سنين والله أعلم... انتهى.
تعليق :(1/78)
…مثل هذه الشائعات والخرافات إما أنها تعبر عن أحلام اليقظة أو أمنيات العقل الباطن لدى أغلب العرب والمسلمين الساخطين على جرائم أمريكا وحلفائها ضد المسلمين والعرب فى كل مكان خاصة العراق وفلسطين وأفغانستان، وإما أنها لعبة إجرامية من بعض الجهات لتخدير الرأى العام وشغله عن العمل الجاد والجهاد لتغيير واقع الأمة الأليم، إنتظاراً لدمار أمريكا بفعل معجزة إلهية خارقة، وهكذا فلا داعى للعمل أو التعب فالله سوف يحارب أمريكا ويقضى عليها ونحن مستريحون آمنون !!! "والجفر" المنسوب إلى الإمام على رضى الله عنه أكد العلماء عدم صحة إلصاقه بالإمام على كما أن كل ما به لا يصح موضوعه ولا إسناده.
…وينطبق هنا ما ذكره العلماء من قبل، فلا يجوز الإستناد إلى خرافات عراف يهودى ولا غيره ولا دليل من الشرع على صحة تحديد موعد معين لأحداث غيبية فلا يعلم الغيب إلا الله، ولابد من وحى ثابت على أى حدث غيبى، ونكتفى هنا بذكر ما قاله مجدى بن سعد فى كتابه "الحقائق المطموسة فى كتاب هرمجدون" صـ 46، 47 : "وكل الأحاديث التى فيها ذكر الصيحات والهدات فى الشهور المعينة قد طعن فيها العلماء، ومنهم من اعتبرها من الموضوعات " وقال الإمام العجلونى رضى الله عنه فى كتابه كشف الخفاء "وباب ظهور آيات القيامة فى الشهور المعينة ما ثبت فيه شيئ ومجموعه باطل"، وذكر ابن الجوزى بعضاً منها ثم قال : "هذا حديث موضوع على الرسول صلى الله عليه وسلم". انتهى .
تعليق : وقد مر الآن عامان على نشر هذا الموضوع بجريدة النهار ولم يقع شيئ مما ورد به وهذا يقطع بكذب العرافين تماماً كما حدث عندما ادعوا نزول السيد المسيح بعد ألف سنة من الميلاد ولم يحدث، فاضطروا إلى تعديل النبوءة إلى الألفية الثانية، ومر عام 2000م أيضاً ولم يحدث ما زعموه، وهكذا طوال التاريخ، وحقاً: كذب المنجمون ولو صدقوا.
زوال إسرائيل عام 2022(1/79)
هناك كتاب للشيخ بسام الجرار يتوقع فناء إسرائيل عام 2022 ميلادية:
ويمكن تلخيص النبوءة الرقمية بزوال إسرائيل فى النقاط التالية:
1) هناك بناء رياضي معجز يقوم على الرقم (19) ويتكرر بتواتر فى العلاقة بين الشمس والقمر والأرض. وقد ذكره الله تعالى بقوله [عَليْهَا تِسْعَة عَشَر] . سورة المدثر الآية (30).
2) نقل بعض الحاخامات، نقلاً عن توراتهم أن دولة إسرائيل هذه ستعمر (76) سنة هجرية ( 4 ×19) أى تنتهى عام (1443هـ) = 2022م.
3) عدد الكلمات النبوءة من بداية [وآتينا موسى الكتاب] حتى [فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا] يساوى 1443 كلمة وهو نفس الرقم: (1367 هـ قيام إسرائيل + 76 عمرها = 1443).
4) زمن حادثة الإسراء 621م قبل الهجرة بسنة، ونهاية إسرائيل كما فى السابق 1443هـ. فإن الزمن من الإسراء إلى نهاية إسرائيل يساوى 1444 وهو (76×19).
5) عندما توفى سليمان، انقسمت الدولة إلى: إسرائيل فى الشمال ودمرت عام 722 = (19×38) ق.م بعد أن حكمها 19 ملكاً و يهوذا فى الجنوب وقد دمرت عام 586ق.م وقد حكمها أيضاً 19 ملكاً. فهل سيكون عمر إسرائيل 19 كنيست؟! (19×4=76).
6) سورة يوسف تتحدث عن نشأة بنى إسرائيل وعدد آياتها 111 آية، وسورة الإسراء أو سورة بنى إسرائيل تتحدث عن آخر وجود لبنى إسرائيل فى الأرض المباركة أيضاً.. وتنتهى كلمات سورة الإسراء بكلمات مثل وكيلا، شكورا، نفيرا، لفيفا، وهكذا. فإذا حذفت الكلمات المكررة يبقى 76 كلمة - وهو عمر إسرائيل - (19×4).
7) وفى مذنب هالى المرتبط بعقائد اليهود له دورة مدتها 76سنة . بداية الدورة لهذا المذنب عندما يكون فى أبعد نقطة عن الشمس، وتسمى نقطة (الحضيض). هذا المذنب بدأ دورته عام 1948 عندما كان فى نقطة "الأوج" وسيكمل دورته عام 2022.(1/80)
8) حساب (الجمل) عرف عند اليهود والعرب قبل الإسلام، ووظفه بعض المسلمين فى تاريخ الأحداث - مع أنه لا يعتمد إسلامياً - فإذا حسبت الآية [فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا] يكون المجموع وفق حساب الجمل (2022).
9) تنبأ مناحيم بيغن عندما أعلن فى ذروة النجاح الإسرائيلي الظاهرى فى الحرب فى لبنان عام 1982 أن اسرائيل ستنعم بما نصت عليه التوراة وهو مدة (سنوات السلام الأربعين) إسرائيل اجتاحت لبنان عام 1982 + 40 = 2022
…وخلاصة هذا الكتاب وآراء أخرى أن إسرائيل لن تعمر إلا 76 سنة إن شاء الله تبارك وتعالى وهذا يعنى أنها ستنتهى نهائياً على يد المسيح فى عام 2022. وإذا جمعنا هذا مع ما كتبه البعض عن هزيمة إسرائيل واستعادة الأقصى عام 2004م فإنه يُستنتج المخطط الزمنى التالى:
* فى عام 1367هـ (1948م) بدأت دولة إسرائيل وبدأ معها الإفساد والعلو الأول.
* فى عام 1424 / 1425هـ (2004م) تنهزم إسرائيل أمام جيوش المسلمين (وهذا لا يعنى بالضرورة نهاية دولة إسرائيل بشكل كامل) ويدخل المسلمون المسجد الأقصى للمرة الأولى.
* فى عام 1436هـ (2015م) تبدأ الملحمة الكبرى بين المسلمين (ويحكمهم إمامهم المهدى) من جهة، وبين الروم (الأوربيين والأميركيين) النصارى.
* فى عام 1442/1443 هـ يخرج الأعور الدجال (وهو المسيح عند اليهود) فيقود اليهود لأكبر إفساد فى الأرض منذ زمن آدم.
* فى عام 1443 هـ (2022م) يقتل المسيح بن مريم المسيح الدجال. ثم يُسلط المسلمون على اليهود، فيقول الحجر يا مسلم ورائى يهودى فاقتله. ويدخل المسلمون المسجد الأقصى كما دخلوه أول مرة، وهذه نهاية اليهود فى الأرض.
…والغريب أن الدكتور سفر الحوالى العالم السعودى الكبير يتوقع أن تفنى اسرائيل عام 2012 (!!!) إذ يقول فى نهاية كتابه يوم الغضب انه حين حدد دانيال المدة بين الكرب والفرج وبين عهد الضيقة وعهد الطوبى كانت 45 سنة !!(1/81)
…وقد رأينا أن تحديده قيام دولة الرجس كان سنة 1967م وهو ما قد وقع عليه فتكون النهاية أو بداية النهاية سنة (1967+45=) 2012م أى سنة (1387+45) = 1433هـ.
…وهو ما نرجو وقوعه ولا نجزم - إلا إذا صدقه الواقع - لكن لو دخل معنا الأصوليون فى رهان كما دخلت قريش مع أبى بكر الصديق بشأن الروم فسوف يخسرون قطعاً وبلا أدنى ريب وبدون أن نلتزم بتحديد سنة معينة !! ... انتهى كلام الدكتور الحوالى.
تعليق من المؤلف
…نحن نؤمن بأن زوال إسرائيل أمر محتوم شرعاً ، ولكن لا دليل على تحديد موعد بذاته لوقوع ذلك...
…ويكفينا للرد على هذا الكلام أن قائليه تناقضوا فى تحديد موعد، فمنهم من تنبأ بزوال إسرائيل فى عام 2012م ومنهم من أكد أن الموعد هو عام 2022م، وفريق ثالث تنبأ بانتهاء اسرائيل سنة 2003 أو 2004 ميلادية.. وكل هذا رجم بالغيب لا دليل صحيح من الشرع عليه، وكما قال العلماء رضوان الله عليهم فمثل هذه الأمور لا سبيل إلى القطع بها إلا بوحى صريح من السماء، وليس بين يدى القائلين بزوال إسرائيل نص من القرآن الكريم أو السُنَّة الصحيحة. وسيأتى رد الدكتور يوسف القرضاوى العالم الجليل على مسألة استخدام حساب الجمل والأرقام فى إثبات وقائع غيبية .. طبعاً نحن نتمنى زوال إسرائيل اليوم وليس غداً ، ولكن كل ما جرى ويجرى فى الكون وسيجرى، هو بقدر الله وعلمه الأزلى وإرادته التى لا معقب عليها، وليس بأمانينا ولا بأمانى أهل الكتاب ..(تأسيس إسرائيل كان عام 1948 م وليس 1967 كما قالوا).. بالنسبة للكتاب المزعوم المنسوب إلى دانيال عليه السلام يكفينا ما أورده الإمام القرطبى المفسر المشهور رضى الله عنه فى كتابه "التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الآخرة" . (طبعة دار الريان للتراث ص695 -696):(1/82)
…قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: ودانيال نبي من أنبياء إسرائيل كلامه عبرانى وهو على شريعة موسى بن عمران، وكان قبل عيسى بن مريم بزمان، ومن أسند مثل هذا إلى نبى عن غير ثقة أو توقيف من نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد سقطت عدالته إلا أن يبين وضعه لتصح أمانته. وقد ذكر فى هذا الكتاب من الملاحم وما كان من الحوادث وسيكون، وجمع فيه التنافى والتناقض بين الضب والنون، وأغرب فيما أغرب فى روايته عن ضرب من الهوس والجنون، وفيه من الموضوعات ما يكذب آخرها أولها ويتعذر على المتأول لها تأويلها وما يتعلق به جماعة الزنادقة من تكذيب الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم، ومما جاء به أن فى سنة ثلاثمائة يظهر الدجال من يهودية أصبهان، وقد طعنا فى أوائل سبعمائة فى هذا الزمان وذلك شيء ما وقع ولا كان ومن الموضوع فيه المصنوع والمتهافت الموضوع الحديث الطويل الذى استفتح به كتابه، فهلا اتقى الله وخاف عقابه، وأن من أفضح فضيحة فى الدين نقل مثل هذه الإسرائيليات عن المتهودين، فإنه لا طريق فيما ذكر عن دانيال إلا عنهم ولا رواية تؤخذ فى ذلك إلا منهم.
…وقد روى البخارى فى تفسير سورة البقرة، عن أبى هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا".
…وقد ذكر فى كتاب الاعتصام أن ابن عباس قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذى أنزله الله على رسوله أحدث شيء تقرؤونه محضاً لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كلام الله وغيروه، وقد كتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً .. ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن سؤالهم ؟! لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذى أنزل عليكم. …
الفصل العاشر
حساب موعد القيامة بالأرقام(1/83)
كان المدعو رشاد خليفة من أوائل من زعم استخدام الأرقام لتحديد موعد قيام الساعة ثم تلاه كثيرون منهم الأخ مؤلف عمر أمة الإسلام وغيره وكان رشاد خليفة ممن ينكرون السُنة ويقول فى القرآن برأيه.. وفيما يلى نورد
مزاعم رشاد خليفة حول تحديد موعد نهاية العالم ثم رد فضيلة الدكتور/ يوسف القرضاوى عليه كاملاً :
يقول رشاد خليفة:
…(عندما نزل القرآن الكريم على خاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم - كان الله وحده يعلم موعد نهاية العالم ولذلك عندما سئل محمد - عليه السلام - عن موعد نهاية العالم أعطى نفس الإجابة: "الله وحده يعلم" (الأعراف: 187، الأحزاب: 63، النازعات: 44).
…يعلمنا خالقنا عز وجل أن هذا العالم سوف ينتهى لا محالة (يونس : 24، إبراهيم: 4، الكهف: 8، الحاقة: 14).
…كما نتعلم من الآية (15) من سورة طه أن موعد نهاية العالم سوف يتم الإزاحة عنه قبل حلول النهاية: (إن الساعة آتية أكاد أخفيها).
…ومن كلمة "أكاد "ندرك أن الكشف عن موعد نهاية العالم سوف يحتاج إلى بعض العمل أو بعض الحسابات. .
…وتعلمنا الآية (187) فى سورة الأعراف أن الله سبحانه سوف يكشف عن موعد نهاية العالم "فى الوقت المناسب": (لا يجليها لوقتها إلا هو).
…ومن البديهي أن يكشف المولى عز وجل عن موعد نهاية العالم فى رسالته الختامية إلى العالم وهو القرآن الكريم. دعنا الآن نلخص هذه الحقائق القرآنية:
1- هذا العالم سوف ينتهى (الكهف : 8) .
2- نهاية العالم لن تظل مخفاة: (أكاد أخفيها) (طه: 15.).
3- سوف يكشف الله سبحانه عن نهاية العالم فى الوقت المناسب (الأعراف: 187).
4- الكشف عن موعد نهاية العالم يحتاج إلى بعض العمل وبعض الحسابات (طه: 15).
…نظراً لحساسية وأهمية هذا الموضوع، شاء المولى عز وجل أن يعضد هذا الكشف بعلامات واضحة وبراهين دامغة . . بحيث تزول جميع الشكوك والريبة من قلوب المؤمنين. . هذه العلامات والبراهين تؤكد لنا أن الحسابات كلها صحيحة.(1/84)
…لقد أتضح أن موعد نهاية العالم يرتبط ارتباطا وثيقاً ومباشراً بالحروف القرآنية فواتح السور (الم، كهيعص، طسم، ن . . إلخ).
…منذ بداية الإسلام وموعد نهاية العالم مرتبط ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بالحروف القرآنية فواتح السور.
…هذه الحقيقة تتضح لنا من الحادثة التاريخية المشهورة التى التقى بموجبها يهود المدينة بالرسول - عليه السلام - هذا الحدث التاريخى نجده فى كثير من المراجع الهامة من بينها تفسيري المشهور الذى نجد صورة منه أدناه: يروى هذا الحدث أن يهود المدينة ذهبوا إلى الرسول - عليه السلام - لمناقشته. وكان يهود المدينة كغالبية اليهود ماهرين فى علم القبالة، أو حساب الجمل، وهو علم مبنى على أساس القيم العددية للحروف الإبجدية.
…ويلزم هنا تنبيه القارئ إلى أنه عندما نزل القرآن الكريم لم تكن هناك أرقام مكتوبة، كانت الحروف تستعمل كأرقام. فالحرف (1) قيمته (واحد)، والحرف (ل) قيمته (30)، والحرف (م) قيمته (40)، وبناء عليه فإن الحروف القرآنية "الم" مجموع قيمتها هو (1 + 30 + 40 = 71).
…ذهب يهود المدينة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قالوا: "كيف تتوقع منا أن نؤمن بدين سوف يعيش فى هذا العالم 71 سنة فقط؟؟
…فمن الواضح أن علماء اليهود قد ربطوا بين الحروف القرآنية (الم) الآية الأولى من سورة البقرة وهى أول سورة مدنية . . ربطوا بين هذه الحروف ومدة حياة الرسالة المحمدية.
…ومن أهم الملاحظات هنا أن الرسول - عليه السلام - وافقهم على حساباتهم، وعلى هذا الربط المباشر بين الحروف القرآنية وبين عمر الدين الإسلامى. . . فالرسول لم يعترض على طريقتهم فى الحساب. . بالعكس، لقد قال لهم الرسول كما تخبرنا مراجع التاريخ قال لهم: "ولكن "الم" ليست الحروف الوحيدة فى القرآن فعندنا: "المص، والر، والمر، ........ إلخ".(1/85)
…ولما كان محمد - صلى الله عليه وسلم - هو خاتم النبيين (سورة الأحزاب الآية: 40) فإن نهاية دينه هى ذاتها نهاية العالم.
…هذا الحدث التاريخى يعلمنا أن الحروف القرآنية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بنهاية العالم.
…ولقد بقى معنى الحروف القرآنية سراً إلهياً محفوظاً لمدة (14) قرناً. (سورة يونس الآية: 20).
…ثم تبين من دراسات الحاسب الإلكترونى للقرآن الكريم أن هذه الحروف تساهم فى نظام حسابى قرآنى فائق الدقة، بحيث يثبت للعالم بطريقة مادية ملموسة أن القرآن الكريم هو رسالة الله إلى العالم وأن كل كلمة فيه بل كل حرف قد حفظ على مدى السنين والقرون: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). سورة الحجر الآية (9)
…وهكذا فقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يثبت للعالم أصالة رسالته وأصالة هذه الحروف، قبل إزاحة الستار عن علاقة هذه الحروف بنهاية العالم.
…فالحروف القرآنية ليست فقط دليل أصالة وعظمة القرآن الكريم، ولكنها أيضاً تفيدنا بموعد نهاية العالم كما يشاء المولى عز وجل.
…إذ يعلمنا القرآن الكريم أن عمر الرسالة المحمدية الختامية يساوى مجموع القيمة الحسابية للحروف القرآنية.
…فعدد السنوات التى خصصها الله سبحانه للرسالة المحمدية يبينه القرآن الكريم فى السورة رقم (15) وهذه أول علامة على الطريق. فنحن نرى أن نهاية العالم لن تبقى خافية وذلك فى الآية رقم (15) من سورة طه . . بينما نجد عدد السنوات فى السورة رقم (15).
…إن عدد السنوات التى خصصها المولى - عز وجل - لدين محمد - عليه السلام - نجدها محدداً فى سورة الحجر، رقم (15) الآية 85 إلى 88.
…فالآية (85) تفتتح هذا الموضوع بالقول إن نهاية العالم آتية لا محالة: (وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل).
…والآية (86) ذكرنا أن الله سبحانه يعلم موعد الساعة لأنه هو الذى خلق السموات والأرض ويعلم نهايتها: (إن ربك هو الخلاق العليم).(1/86)
…ثم تحدد الآية (87) بالضبط عمر الرسالة المحمدية: (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم).
…فالقرآن الكريم عدد فواتح السور فيه هو بالضبط سبع من المثانى أي (14) فكلمة "مثنى" معناها "اثنين" أو "زوج" كما فى القول مثنى وثلاث ورباع من سورة النساء الآية (3) ، أي اثنين أو ثلاثة أو أربعة . . . وجمع مثنى هو المثانى . . سبعاً من المثانى.
…وهكذا يقول الله عز وجل: إن المدة التى خصصها لرسالة نبيه محمد تساوى مجموع السبع المثانى أي الـ 14 فاتحة قرآنية. فإذا تذكرنا أنه لم تكن هناك "أرقام" عندما نزل القرآن يمكننا النظر إلى الحروف القرآنية فواتح السور، باعتبارها (14) رقماً.
…ومما يزيد الأمر وضوحاً أن الآية التالية، وهى الآية (88) من سورة الحجر تقول للرسول عليه السلام: إن الفترة التى منحها الله إياه أطول من الفترة التى منحت لأى رسول آخر: (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ولا تحزن عليهم).
…فمن المعروف أن الفترة التى منحها الله سبحانه لرسالة موسى - عليه السلام - كانت 1463 سنة، والفترة التى منحها الله سبحانه لرسالة عيسى - عليه السلام - كانت 570 سنة. أما الفترة التى منحها الله عز وجل للرسالة المحمدية فهى السبع المثانى.
…ما هى القيمة العددية للسبع المثانى؟ . . إن هذه القيمة العددية تساوى عمر الدين الإسلامى أى عدد السنوات التى حددها الخالق سبحانه من بعثة محمد - عليه السلام - حتى نهاية العالم.
…فيما يلى قائمة "السبع المثانى" وقيمتها العددية:
1 - ق = 100.
2 - ن = 50.
3 -ص = 90 .
4 - حم = 8 + 40 = 84.
5 يس = 10 + 60 = 70.
6 - طه = 9 + 5 = 14 .
7 - طس = 9 + 60 = 69 .
8 - الم = 1 + 30 + 40 = 71.
9 - الر = 1 + 30 + 200 = 231.
10 - طسم = 9 + 60 + 40 = 109.
11- عسق = 70 + 60 + 100 = 230
12 - المص = 1 + 30 + 40 + 90 = 161.
13 المر = 1 + 30 + 40 + 200 = 271 .(1/87)
14 - كهيعص = 20 + 5 + 10 + 70 + 90 = 195.
…المجموع الكلى = 100 + 50 + 90 + 48 + 70 + 14 + 69 + 71 + 231 + 109 + 230 + 161 + 271 + 195 = (1709).
…إذن عمر الرسالة المحمدية كما حدده القرآن الكريم هو 1709 سنة قمرية .. نظراً لأن سنوات القرآن دائماً قمرية (سورة التوبة: 36)
وهذا الرقم (1709) يقدم لنا أربعة علامات جديدة على الطريق:
…أولاً : هذا الكشف شاء المولى - عز وجل - أن يظهره فى عام 1400هـ علماً بأن التواريخ السائدة فى العالم هى التواريخ التى يشاءها الله - عز وجل - بوصفه الملك الحاكم الحقيقى لهذا العالم. . هذا يعنى أن هذا الكشف قد ظهر قبل نهاية العالم بـ (1709 - 1400 = 309) 309 سنة . . وهذا الرقم (309) رقم قرآنى (ولبثوا فى كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً) (سورة الكهف: 25).
…ثانياً : الرقم (309) نجده مكتوباً فى القرآن بطريقة خاصة جداً: "ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً" . . ولقد اكتشف العلماء حديثاً أن الفرق بين ثلاثمائة سنوات شمسية وثلاثمائة سنوات قمرية هو بالضبط تسعة سنوات قمرية . . فكتابة الرقم (309) بهذه الطريقة يوفر علينا النقاش والجدل فيما إذا كانت السنوات قمرية أو شمسية .. فالحمد لله رب العالمين.. ونرى بوضوح أن نهاية العالم كما حددها القرآن سوف تأتى بمشيئة الله بعد 309 سنة قمرية أو 300 سنة شمسية وذلك بعد سنة الاكتشاف (1400هـ 1980م).(1/88)
…ثالثاً : طبقاً للآية (87) من سورة الحجر، فإن الفترة التى خصصها الله سبحانه للرسالة المحمدية هى مجموع السبع المثانى أى 1709 سنة . وهذا معناه أن السنة التالية لعام 1709هـ هى سنة انتهاء العالم وهى سنة 1710هـ . . وهذا الرقم من مضاعفات الرقم 19 . . ولعل القارئ يعلم الآن أن الرقم (19) عدد حروف البسملة هو الرقم القاسم المشترك الأعظم للنظام الحسابى القرآنى انظر التفاصيل فى كتابى بعنوان : "الكمبيوتر يتكلم "فالرقم 1710 عام انتهاء العالم من مضاعفات الرقم 19 . . وهذه من أهم العلامات على طريق هذا البحث.
…رابعاً : العام الهجرى 1710 هـ عام نهاية العالم يتفق مع العام الميلادى 2280 وهذا الرقم أيضاً (2280 من مضاعفات الرقم 19).
…كل هذه العلامات تؤكد لنا أن نهاية العالم التى لا بد من وقوعها قد كتبها الله سبحانه فى قرآنه العظيم . . وأن الموعد الصحيح لها هو العام الهجرى 1710 هـ الموافق للعام الميلادى 2280هـ.
…ملحوظة هامة : عندما ظهر هذا الاكتشاف ونشر لأول مرة اعترض بعض الناس على أساس أن الساعة لابد وأن تأتى "بغتة" كما يقول القرآن (لا تأتيكم إلا بغتة).
…والحقيقة أن القول (لا تأتيكم إلا بغتة) هو بالضبط مثل القول: (لا تقربوا الصلاة) وبالضبط مثل القول: (ويل للمصلين) ويكشف عن الجهل بالقرآن.
…ولقد حذرنا المولى - عز وجل - ألا نكون من المقتسمين الذين يجعلون القرآن عضين، أي يأخذون قسماً من القرآن دون القسم الآخر، ويأتى هذا التحذير للمقتسمين فى سورة الحجر عقب تحديد موعد الساعة مباشرة (الآية 90).(1/89)
…البغتة نجدها فى القرآن الكريم 13 مرة .. وفى كل مرة نجد البغتة (للكافرين فقط) آيات البغتة هذه نجدها فى الأنعام: 31، 44، 47، والأعراف : 95، 187، ويوسف : 107 والأنبياء : 40، والحج: 55، والشعراء 202، والعنكبوت: 53، والزمر: 55، والزخرف: 66، ومحمد 18، البغتة فى القرآن للكافرين فقط؛ لأنهم لن يصدقوا هذه التعليمات القرآنية الواضحة، ولذلك ستكون الساعة مفاجأة لهم) 1هـ مقال رشاد خليفة.
وتعليقاً على ذلك يقول الدكتور يوسف القرضاوى:
…بنى صاحب المقالة استنتاجه لموعد قيام الساعة من القرآن على أسس واهية، بل منهارة لا ثبات لها ولا صحة، ولا تقوم على ساقين من دين أو علم، أو منطق سليم.
…ومحورها جميعاً تفسير القرآن برأيه وهواه، دون أن يرجع إلى القرآن نفسه، فخير ما فسر القرآن بالقرآن. . ولا إلى السنة النبوية، فالرسول هو المبين للناس ما نزل إليهم. . ولا إلى سلف الأمة وخير القرون وأفقه الناس لحقيقة الإسلام ومقاصد القرآن . . ولا إلى خلفها من المفسرين والشراح والفقهاء والمتكلمين وغيرهم من نجوم الدراية، وبحور الرواية.
…وقد جهل أو تجاهل حديث النبى - صلى الله عليه وسلم - : "من فسر القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ، "من قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار "ولا غرو، فهو لا يؤمن بالسنة كلها.
أما هذه الأسس المنهارة فهى:
1- تفسيره المردود للآية (15) من سورة طه.
2- تفسيره الخاطئ للآية (187) من سورة الأعراف.
3- تفسيره الباطل المحض للآية (87) من سورة الحجر.
4- اختياره الرأى المضعف المردود فى تأويل الحروف المقطعة فى فواتح السور، وهو القائم على "حساب الجمل" الذى لا تعرفه لغة العرب، ولا يسنده عقل ولا علم ديني أو تجريبي.
5- اعتباره فواتح السور أربع عشرة، وهو اعتبار تحكمى لا يؤيده منطق.
وإليكم البيان:
خطأ الكاتب فى تفسير آية سورة طه:(1/90)
…زعم الكاتب أن الآية 15 من سورة طه: (إن الساعة آتية أكاد أخفيها) تعلمنا أن موعد نهاية العالم سوف يتم الإزاحة عنه قبل حلول النهاية. وأخذ من كلمة "أكاد" أن الكشف عن هذا الموعد سوف يحتاج إلى بعض العمل، أو بعض الحسابات !!
…ومن المعلوم الواضح أن هذه الآية جاءت فى سياق خطاب الله تعالى لموسى عليه السلام، فلو كان المعنى كما فهم لكشف الله هذا الموعد لموسى أو لنبى بعده من أنبياء بنى إسرائيل، أو للمسيح عيسى بن مريم عليهم السلام . . ولكن الواقع أنه لم يكشف لهم ولا لأحد من الأنبياء ولا لخاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام.
…ولو تواضع الكاتب قليلاً، ورجع إلى أئمة التفسير لفهم المراد من عبارة "أكاد أخفيها" يقول صاحب" روح المعانى" فى تفسيرها: أقرب أن أخفى الساعة ولا أظهرها بأن أقول: إنها آتية، ولولا أن فى الإخبار بذلك من اللطف وقطع الأعذار لما فعلت.
…وروى عن ابن عباس وجعفر الصادق: أن المعنى : أكاد أخفيها من نفسى. أى فكيف أظهرها لكم (قال الفراء: "أكاد أخفيها من نفسى، فكيف أطلعكم عليها" الدر المنثور للسيوطى 4/249، دار بيروت. وذكر صاحب "الدر" قول ابن عباس أيضاً وهو: "أكاد أخفيها من نفسي"). . وهذا محمول على ما جرت به عادة العرب من أن أحدهم إذا أراد المبالغة فى كتمان الشيئ قال: كدت أخفيه من نفسى. ويقرب من هذا ما جاء فى حديث السبعة الذين يظلهم الله فى ظله: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه".
ما فهمه الكاتب من آية الأعراف مردود عليه:
وزعم صاحب البحث كذلك أن الآية 187 من سورة الأعراف: (لا يجليها لوقتها إلا هو) تعلمنا أن الله سبحانه سوف يكشف عن موعد نهاية العالم فى الوقت المناسب ... ومن البديهى أن يكشف عنه فى رسالته الختامية على العالم، وهو القرآن، كما قال.
…وهذا فهم خاطئ للآية الكريمة، وسياق الآية بتمامها - لو تأمله الكاتب الجرئ - يبطل فهمه بوضوح.(1/91)
…يقول تعالى فى هذه الآية الكريمة : (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت فى السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفى عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
…فانظر كيف سأل السائلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن موعد الساعة . . وكيف كان جوابه عنها بأمر الله تعالى، أنه لا يعلم عن وقت قيامها شيئاً، وإنما علمه عند الله . وقد كرر هذا المعنى للتأكيد مرتين (قل إنما علمها عند ربى . . قل إنما علمها عند الله).
…وقد أتى صاحبنا من سوء فهمه للعربية، ومعنى اللام فى قوله: (لوقتها) واللام هنا بمعنى "فى" كما فى حديث: "أفضل الأعمال الصلاة لوقتها "أى فى وقتها. فهذه الجملة كما قال الألوسى بيان لاستمرار إخفائها إلى حين قيامها، وإقناط كلى عن إظهار أمرها بطريق الإخبار (روح المعانى 9/ 133، دار إحياء التراث العربى، بيروت).، وإنما يظهرها بأن يقيمها فى وقتها المعلوم، فيعلموها على أتم وجه حينئذ.
التفسير المبتدع لآية الحجر:
…اخترع صاحب هذا الرأى تفسيراً لقوله تعالى فى سورة الحجر: (ولقد آتيناك سبعاً من المثانى والقرآن العظيم) (الآية:87) جعله عمدته فيما ادعاه، وهو تفسير لا تدل عليه الآية لا بالتصريح ولا بالإشارة، ولم يخطر ببال أحد من المتقدمين ولا المتأخرين، ولم يقل به أحد من أهل الرواية، ولا من أهل الدراية، بل هو مخالف كل المخالفة لما صح به النقل، وما دل عليه العقل، وما يقتضيه السباق والسياق. وموجب أن الأمة كلها من الصحابة وتابعيهم ومن بعدهم طوال أربعة عشر قرناً، عاشوا وماتوا، ولم يفهموا ما أنزل إليهم من ربهم، مع أن الله أنزل كتابه بلسان عربى مبين، ووصفه بأنه (كتاب مبين) ويسره بلسانهم لعلهم يتذكرون، ومع هذا لم يتبينوا ولم يتذكروا حتى جاء صاحبنا من أمريكا، ليبين ما كان خافياً، ويذكر بما كان منسياً !(1/92)
…قال الإمام الشوكانى فى كتابه "فتح القدير الجامع بين الرواية والدراية فى التفسير" : اختلف أهل العلم فى السبع المثانى: ماذا هى؟ فقال جمهور المفسرين: إنها الفاتحة. قال الواحدي: وأكثر المفسرين على أنها فاتحة الكتاب، وهو قول عُمر وعلى وابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة والربيع والكلبى، وزاد القرطبى أبا هريرة وأبا العالية، وزاد النيسابورى الضحاك وسعيد بن جبير، وقد روى ذلك من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتى بيانه فيتعين المصير إليه.
…وقيل : هى السبع الطوال أى السور السبع الطوال: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف، والسابعة: الأنفال والتوبة لأنهما كسورة واحدة، إذ ليس بينهما تسمية. روى هذا عن ابن عباس. وقيل : المراد بالسبع أقسام القرآن، وهى الأمر، والنهى، والتبشير، والإنذار، وضرب الأمثال، وتعريف النعم، وأنباء القرون الماضية، قاله زياد ابن أبى مريم.
…ولا شك أن القول الأول هو الصحيح، فعند نزول هذه الآية وهى مكية لم تكن أكثر السبع الطوال نزلت، لأنها مدنية، وكذلك الأمر والنهى إنما نزل أكثرهما فى المدينة، وظاهر قوله تعالى : (ولقد آتيناك . . . ) تقدم إيتاء السبع على نزول هذه الآية.
…وحسبنا لصحة القول الأول أن الإمام البخارى روى فى ذلك حديثين فى صحيحه:
الأول: من حديث أبى سعيد بن المعلى، وفيه قال - صلى الله عليه وسلم -: (الحمد لله رب العالمين) هى السبع المثانى والقرآن العظيم الذى أوتيته".
…
…وثانيهما: من حديث أبى هريرة، قال : "أم القرآن يعنى الفاتحة هى السبع المثانى والقرآن العظيم".
…فأما كونها سبعاً؛ فلأنها سبع آيات، والبسملة آية منها. وأما كونها مثانى، فلأنها تثنى، أى تكرر فى كل صلاة وعطف القرآن عليها من باب عطف العام على الخاص، وهو معروف فى العربية.(1/93)
…فأما قول صاحب التفسير المبتدع: إن (سبعاً من المثانى) معناها: 14 لأن المثانى جمع "مثنى" ، ومثنى تعنى "اثنين" كأنه قال: يا محمد أعطيناك أربعة عشر !! فهذا من القول على الله بغير علم، ومن الإجتراء على كتاب الله بالرأى المحض والهوى الصرف، الذى جاء النهى عنه والوعيد عليه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهل لهذا نظير فى كلام العرب شعراً أو نثراً؟!
تحكمات لا دليل عليها:
…ولو افترضنا صحة ذلك، وما هو بصحيح، فما معنى أعطيناك أربعة عشر؟ وماذا تفيده هذه الكلمة، ولم يتبين منها المعدود ما هو؟ أهو إبل أم بقر أم غنم أم دراهم أم دنانير؟ أم أى شئ هو؟
وما الذى جعل صاحبنا يقول : إن الـ 14 تعنى فواتح السور فى القرآن؟
وأى دليل على هذا من الشرع أو من اللغة أو من العقل؟
على أن فواتح السور ليست أربعة عشر، بل هى تسعة وعشرون، فلماذا اكتفى بالأربعة عشرة؟
وإذا كان قد اكتفى بغير المكرر، فلماذا لم يحذف الحروف المكررة أيضاً ويقتصر على الحروف الأربعة عشر المذكورة فى فواتح السور؟
إن هذا كله تحكم من قائله لا يسنده دليل من دين أو علم.
ومن العجائب أن صاحب هذا التفسير المبتدع يقول مؤيداً بدعته:
ومما يزيد الأمر وضوحاً : أن الآية التالية وهى الآية 88 من سور الحجر تقول للرسول صلى الله عليه وسلم: إن الفترة التى منحها الله إياه أطول من الفترة التى منحت لأى رسول آخر: (لاتمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ولا تحزن عليهم)!!
…فسيادته يجعل الضمير فى (أزواجاً منهم) للمرسلين مثل موسى وعيسى!
…هذا مع أن ما تدل عليه الآية بوضوح هو النهى عن التطلع إلى أصناف من الناس متعوا بأشياء لم يمتع هو بها من متاع الحياة الدنيا، فأما إذا كان ما عنده فوق ما عندهم، فلماذا يمد عينيه إليهم؟
…وأين ذكر المرسلين فيما سبق حتى يعود الضمير إليهم؟(1/94)
ولو أن صاحبنا فسر القرآن بالقرآن، ورجع إلى سورة "طه" الآية (131) لوجد فيها آية شبيهة بهذه الآية توضح المقصود منها تماماً. قال تعالى: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى).
…يقول ابن كثير فى تفسير الآية: (أى استغن بما آتاك الله من القرآن العظيم عما هم فيه من المتاع والزهرة الفانية) (تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة، بيروت 2/557) .
…وقال الشوكانى: (لما بين لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ما أنعم عليه به من هذه النعمة الدينية نفره عن اللذات العاجلة فقال: (لا تمدن . . . ) الخ أى لا تطمح ببصرك إلى زخارف الدنيا طموح رغبة فيها وتمن لها) (فتح القدير 3/142).
قال : (لما نهاه عن الإلتفات إلى أموالهم وأمتعتهم، نهاه عن الإلتفات إليهم فقال: "ولا تحزن عليهم " حيث لم يؤمنوا، وصمموا على الكفر والعناد) (فتح القدير 3/143).
القصة التى ذكرها البيضاوى لا يحتج بها:
…على أن القصة التى ذكرها البيضاوى (حاشية الشهاب على البيضاوى، المكتبة الإسلامية، تركيا 1/172). وذكرها غيره أيضاً من المفسرين واستشهد بها صاحب المقال على أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أقر اليهود على ما فهموه من الحروف المقطعة فى فواتح السور، وأنها تشير إلى مدة الرسالة المحمدية على طريقة "حساب الجمل" لأنه - صلى الله عليه وسلم - تبسم عند سماع قولهم، وتبسمه يدل على إقراره لهم!
…هذه القصة من الناحية العلمية غير ثابتة، ولم ترو بسند صحيح أو حسن، بل بإسناد ضعيف لا يحتج به، ضعفه الحافظ ابن كثير فى تفسيره (تفسير القرآن العظيم 1/38) والسيوطى فى الدر المنثور (الدر المنثور 1/23).
والشوكانى فى فتح القدير (فتح القدير 1/31).، وأحمد شاكر فى تخريج تفسير الطبرى (تفسير الطبرى 1/218، مطبعة دار المعارف) . . فسقط إذن الاحتجاج بها، إذ لا يحتج بضعيف عند أهل العلم.(1/95)
…على أن هذه القصة لو سلمنا بصحتها ليست نصاً فى الدلالة على صحة ما يقوله اليهود فى حساب الجمل، وما استنتجوه من الحروف، وهذا ما ذكره البيضاوى نفسه الذى استشهد به الكاتب. فإنه ذكر هذا القول فى جملة أقوال أخرى فى تفسير هذه الحروف، مع ذكر ما استدل به كل قول، ومنها دليل هذا القول من القصة المذكورة، بزعم أن تقرير الرسول لهم على استنباطهم دليل على ذلك . . . ثم أخذ العلامة.
البيضاوى يرد على الأقوال التى حكاها واحداً واحداً، ومنها هذا القول اليهودى فى مصدره. فذكر أن هذه الحروف لم تستعمل لحساب الجمل فتلحق بالمعربات، قال: والحديث لا دليل فيه، لجواز أنه - عليه الصلاة والسلام - تبسم تعجباً من جهلهم. . أي لتفسيرهم النازل بلسان عربى بما ليس من معانى لغة العرب كما قال الشهاب فى حاشيته على البيضاوى (حاشية الشهاب المصدر السابق).
…فى موضعه حين قال فى التفسير: وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم، فقد ادعى ما ليس له، وطار فى غير مطاره!.
…قال: وقد ورد فى ذلك حديث ضعيف، وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته. ثم ذكر الحديث الذى يروي القصة المذكورة نقلاً عن الطبرى ثم قال: (فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبى، وهو ممن لا يحتج بما انفرد به) (تفسير الطبري 1/220).
…على أن هناك من العلماء قديماً وحديثاً من رفض الخوض فى تفسير هذه الحروف، ورجح ما نقل عن أبى بكر الصديق وسائر الخلفاء الأربعة: أنها سر استأثر الله بعلمه، فهى بهذا عندهم من المتشابه الذى لا يعلم تأويله إلا الله، ولهذا يقولون عندهم: الله أعلم بمراده.
…وقد أنكر الإمام الشوكاني في تفسيره على من زعم أن لها معنى مقطوعاً به. قال (إن من تكلم في بيان معاني هذه الحروف جازماً بأن ذلك هو ما أراده الله عز وجل، فقد غلط أقبح الغلط وركب في فهمه ودعواه أعظم الشطط.(1/96)
…فإن كان تفسيره لها بما فسرها به راجعاً إلى لغة العرب وعلومها، فهو كذب بحت، فإن العرب لم يتكلموا بشئ من ذلك. . . فلم يبق حينئذ إلا أحد أمرين: الأول: التفسير بمحض الرأى الذى ورد النهى عنه والوعيد عليه، وأهل العلم أحق الناس بتجنبه والصد عنه، والتنكب عن طريقه.
…وهم أتقى لله سبحانه من أن يجعلوا كتاب الله سبحانه ملعبة لهم يتلاعبون به، ويضعون حماقات أنظارهم، وخزعبلات أفكارهم عليه. الثانى: التوقيف عن صاحب الشرع، والسبيل القويم . . . فمن وجد شيئاً من هذا فغير ملوم أن يقول بملء فيه، ويتكلم بما وصل إليه علمه. ومن لم يبلغه شيئ من ذلك فليقل: لا أدري. أو: الله أعلم بمراده .. ) (فتح القدير 1/30 ، 31).
…ثم قال : (فإن قلت: هل ثبت عن رسول الله فى هذه الفواتح شئ يصلح للتمسك به؟ قلت (القائل الشوكاني) : لا أعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكلم فى شئ من معانيها) فتح القدير 1/31،32).
…وتساءل الشوكانى: هل يجوز تقليد أحد الصحابة فى تفسير هذه الفواتح إن صح إسناد القول إليه؟
وأجاب بالنفى؛ لأنه مجرد رأى له قاله باجتهاده، ثم أن المروي عن الصحابة هنا مختلف متناقض، فلو عملنا بما قاله أحدهم دون الآخر كان تحكماً لا وجه له، وإن عملنا بالجميع كان عملاً بما هو مختلف ومتناقض، ولا يجوز.
…على انه لو كان شيئ مما قالوه مأخوذاً عن النبى - صلى الله عليه وسلم - لا تفقوا عليه ولم يختلفوا، كسائر ما هو مأخوذ عنه . . . ثم لو كان عندهم شيئ من هذا لما تركوا حكايته عنه، ورفعه إليه، لاسيما عند اختلافهم.
…ثم قال : (والذى أراه لنفسي ولكل من أحب السلامة واقتدى بسلف الأمة: ألا يتكلم بشئ من ذلك، مع الإعتراف بأنه فى إنزالها حكمة لله عز وجل لا تبلغها عقولنا ولا تهتدى إليها افهامنا . . ) (فتح القدير 1/31، 32).
…هذا هو موقف من رأى السلامة فى عدم التعرض لهذه الفواتح بتفسير قد لا يكون هو مراد الله تعالى.(1/97)
…وأما من خاض فى تفسيرها من المتقدمين أو المتأخرين، فلم يرجح أحد منهم ما ذُكر من أنها إشارة إلى أرقام على طريقة حساب الجمل، الذى شاع عند اليهود، كما ذكرنا من قبل.
حساب الجمل لا يقوم على أساس منطقي:
…ثم إن "حساب الجمل" نفسه مجرد اصطلاح من جماعة من الناس، ولكنه اصطلاح تحكمى محض، لا يقوم على منطق من عقل أو علم.
…فمن الذى رتب الحروف على هذا النحو: ا ب جـ د هـ و ز ح ط ي ك ل م ن س ع ف ص ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ غ؟
…ولماذا لم تترتب هكذا : ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر إلخ؟ أو تترتب على أى نحو آخر؟
…ومن الذى جعل للألف رقم (1) والباء رقم (2) وهكذا آحاداً إلى حرف ط ، ثم أعطى للحرف "ي" رقم (20) وللحرف ك (30) وهكذا الزيادة بالعشرات إلى الحرف الذى يعادل (100) وبعده تكون الزيادة بالمئات.
لماذا لم تكن الزيادة آحاداً إلى آخر الحروف؟ ولماذا لم تبدأ بعشرة أو بمائة أو بألف؟ ولماذا لم تكن هكذا: 1، 10، 100، 1000 إلخ. . . ؟ ولماذا ولماذا؟
كل هذا تحكم من واضعيه المصطلحين عليه. صحيح أنه لا مشاحة فى الاصطلاح، ولكن هذا لا يلزم أحداً.
مخالفة هذا الرأى لصريح القرآن :
…ثم إن هذا الرأي الجرئ الذى حدد زمن قيام الساعة، يخالف صريح ما نطق به القرآن الكريم من كيفية قيام الساعة. فقد أثبت القرآن أن الساعة لا تأتى إلا بغتة، كما فى آية الأعراف: (ثقلت فى السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة) الآية: 187.
والقول بأن هذا بالنسبة للكفار، وليس للمؤمنين، غير صحيح، فالخطاب للجميع، وليس هناك دليل على اختصاص هذا الخطاب بالكفار.
على أن الساعة إذا علمت وعرف وقتها بالتحديد عند المؤمنين، فإن هذه المعرفة ستنتقل حتماً إلى الكفار، ولو على سبيل الظن والشك، وهنا تزول المباغتة والمفاجأة التى تحدث عنها القرآن.
دعوى صاحب هذا الرأي أنه علم من القرآن ما لم يعلمه رسول الله:(1/98)
وأمر آخر: إن صاحب هذا الرأى يزعم لنفسه أنه علم من القرآن ما لم يعلمه من أنزله الله عليه ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - المبلغ عن الله، لم يكن يعلم عن موعد الساعة شيئاً، وجبريل أمين الوحى الذى نزل عليه بالقرآن لم يكن يعلم عن موعدها شيئاً، وهذا ثابت بنص الحديث المشهور المتفق على صحته، المعروف لدى الخاص والعام من المسلمين، وهو الذى يروى قصة مجئ جبريل فى صورة رجل يسأل النبى - صلى الله عليه وسلم - عن أصول ومفاهيم أساسية، تعلم الناس دينهم، ومنها سؤال عن الساعة متى هى؟
…فكان الجواب الواضح الصريح من الرسول البشرى إلى الرسول الملكى: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل" وجاء فى هذا الحديث الصحيح فى رواية مسلم: "فى خمس لا يعلمهن إلا الله"، ثم تلا الآية الأخيرة من سورة لقمان: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام. . ) الآية (34).
…وإنما شددنا الإنكار على مثل هذا القول لما فيه من جرأة على كتاب الله ، وفتح الباب للمتلاعبين به، المحرفين للكلم عن مواضعه، فيصبح كتاب الله ملعبة لهواة الإغراب، وتصبح آياته الهادية الخالدة كأنها كرة يتقاذفها اللاعبون! ورحم الله أبا بكر الذى كان يقول: أي سماء تظلنى ، وأي أرض تقلنى إذا قلت فى كتاب الله ما لا أعلم؟.
والله أعلم.
بعض المراجع
1- القرآن الكريم
2- تفسير ابن كثير
3- تفسير القرطبى (الجامع لأحكام القرآن ) ط دار الشعب مصر.
4- تفسير الطبرى.
5- تفسير الجلالين.
6- فتح البارى بشرح صحيح البخارى لابن حجر العسقلانى كتاب الفتن نشر المكتبة السلفية.
7- صحيح مسلم بشرح النووى تحقيق الدكتور عبد المعطى أمين قلعجى نشر المكتبة القيمة - كتاب الفتن واشراط الساعة.
8- التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الآخرة للإمام محمد بن احمد القرطبى - نشر دار الريان للتراث - 1991 .(1/99)
9- النهاية فى الفتن والملاحم لإبن كثير - تحقيق أيمن صالح شعبان - المكتب الثقافى.
10- الفتن لنعيم بن حماد تحقيق ايمن محمد محمد عرفة - المكتبة التوفيقية.
11- المهدى وفقه أشراط الساعة تأليف الدكتور محمد أحمد إسماعيل المقدم - الدار العالمية - طبعة أولى 1423هـ - 2002م.
12- الصحيح المسند من أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة للدكتور مصطفى العدوى - مكتبة مكة.
13- عقيدة أهل السُنة والآثر فى المهدى المنتظر تأليف الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد مكتبة السنة 1416هـ - 1996م.
14- المسيح الدجال للحافظ ابن كثير - تحقيق أشرف بن عبد المقصود بن عبد الرحيم - مكتبة السنة - 1416 هـ - 1996م.
15- ……اقترب ظهور المهدى - جمع وترتيب محمود المصرى - مؤسسة قرطبة …1424هـ - 2003م.
16- …أشراط الساعة الصغرى والكبرى - جمع وترتيب محمود المصرى - مكتبة ……العلم.
17- …يوم الغضب للدكتور سفر الحوالى - طبعة المؤلف بنفسه.
18- ……معركة هرمجدون وتأسيس مملكة الرب - كارلوتاجيزن - ترجمة أحمد على …أحمد -…دار الكتاب العربى - 2002م.
19-… سلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى مكتبة المعارف بالرياض.
20- …صحيح الجامع الصغير للألبانى ط المكتب الإسلامى.
21- …حلية الأولياء لأبى نعيم طبعة دار الكتب العلمية - بيروت.
22- …سير أعلام النبلاء للإمام الذهبى طبعة مؤسسة الرسالة.
23- …الطبقات الكبرى لإبن سعد تحقيق حمزة النشرتى وعبد الحميد مصطفى وعبد ……الحفيظ فرغلى.
24- الإصابة فى معرفة الصحابة لابن حجر العسقلانى.
25- البداية والنهاية لابن كثير الدمشقى.
26- تاريخ الأمم والممالك للطبرى.
27- كشف الخفاء للعجلونى.
28- عون المعبود شرح سنن أبى داود للأبادى - دار الفكر.
29- تحفة الاحوذى شرح سنن الترمذى للمباركفورى ط دار الكتب العلمية.
30- مسند الإمام أحمد . ط مؤسسة قرطبة بمصر.
31- المستدرك للحاكم ط دار الكتب العلمية.
32- سنن الدارمى ط دار الكتاب العربى.(1/100)
33- معاجم الطبرانى الثلاثة ط دار الحرمين والمكتب الإسلامى ومكتبة العلوم …والحكم.
34- سنن إبن ماجه . ط دار الفكر بيروت.
35- سنن النسائى . ط دار الكتب العلمية بيروت.
36- سنن الترمذى . ط دار إحياء التراث العربى بيروت.
37- الحقائق المطموسة فى كتاب هرمجدون - مجدى سعد - دار الغد الجديد …بالمنصورة - مصر.
38- جريدة النبأ - مارس 2003
39- مجلة "البداية" الوفدية - 31 مارس 2003
40- هرمجدون حقيقة أم خيال - الدكتور احمد حجازى السقا وعبد الله المنشاوى …- مكتبة جزيرة الورد بالمنصورة - مصر.
41- جريدة النهار اللبنانية عدد 28 تشرين الثانى 2001.
مواقع إسلامية على الإنترنت
1- موقع صيد الفوائد ........................
2- موقع إسلام توداى .......................
3- موقع الشيخ حامد العلى ..................
4- موقع هرمجدون ..........................
5- موقع الشيخ بن عثيمين .................
6- الشبكة الإسلامية - مركز الفتوى .........
7- إسلام أون لاين نت .......................
8- موقع إسلام واى ..........................
9- مجلة الفقه السياسى .....................
10- موقع نيبرو ..............................
11 - موقع المأوى ...........................
12- موقع الإسلام سؤال وجواب ............
13- موقع الساحة ........................... www.saaid.net
www.islamtoday.net
www.h-alali.net
www.armageddon.host.sk
www.religionofislam.com
http://islamweb.net
www.islamonline.net
www.islamway.com
http://groups.yahoo.com/group/niburu
الفهرس
مقدمة
..........................................................2الفصل الأول:
حكاية هرمجدون ..........................................3الفصل الثانى:
تنزيل الأحاديث على الوقائع ...............................10الفصل الثالث:(1/101)
ردود العلماء ..............................................19الفصل الرابع:
رد هادئ على مزاعم هرمجدون ..........................25الفصل الخامس:
هل صدام حسين هو السفيانى؟ ............................34الفصل السادس:
المهدى المنتظر والرضاع من القمر .......................39الفصل السابع:
ظهور المسيح الدجال فى باكستان .........................45الفصل الثامن:
الرايات السوداء ...........................................49الفصل التاسع:
دمار أمريكا وزوال إسرائيل ...............................53الفصل العاشر:
حساب موعد القيامة بالأرقام ..............................60بعض المراجع:
...........................................................73
??
??
??
??
13(1/102)