5 ـ وقوة حرها إذا حميت.
وقيل: المراد بالحجارة الأصنام لقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} 1 أي: حطب وهو ما يلقى في النار مما تذكى به" اهـ2.
__________
1- سورة الأنبياء آية: 98.
2- التذكرة ص407.(1/637)
المبحث الخامس: صفات أهل النار
لقد ذكر في السورة بعض صفات أهل النار، وكما هو معلوم أنه ينبغي للمسلم أن يكون على علم ومعرفة لصفاتهم حتى يجتنبها ويبتعد عن التخلق بها حتى لا يقع فيها دون أن يدري ومن صفات أهل النار التي ذكرت في السورة:
أـ شدة ظلمهم واختلاقهم الكذب على الله والإفتراء عليه بنسبة الولد إليه، أو يجعلون له الأنداد والشركاء، أو يعبدون معه غيره من المخلوقين بدعوى أنه يقربهم إلى الله زلفى.
قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} .
فهذه الآية من السورة إلى جانب أنها بينت صفات يتخلق بها أهل النار إلا أنها أيضاً:
تضمنت التحذير والإخبار بأنه لا أظلم ممن كذب على ربه بنسبته إلى ما لا يليق بجلاله، أو بادعاء النبوة أو الإخبار بأنه ـ تعالى ـ قال: كذا: أو أخبر بكذا: وهو كاذب فهذا يدخل في عموم قوله ـ تعالى ـ {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 1 إن كان جاهلاً أما إن كان عالماً فهو أشنع وأفظع.
كما بينت أن من يرد الحق المؤيد بالبينات بتكذيبه فإنه ظلم عظيم لأنه رد للحق بعد تبينه، والذي يجمع بين الكذب على الله والتكذيب بالصدق كان ظلماً على ظلم، وجزاء من يتسم بذلك جهنم ولذلك ختم الله الآية بقوله: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} فهي مقام ومستقر كل ظالم وكافر ينال جزاءه على عمله بها.
__________
1- سورة الأعراف آية: 33.(1/638)
وجاء في زاد المسير: قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ} بأن ادعى له ولداً وشريكاً {وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} وهو التوحيد والقرآن {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} أي: مقام للجاحدين وهذا استفهام بمعنى التقرير يعني إنه كذلك اهـ1.
وقال ابن كثير: حول قوله ـ تعالى ـ {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} .
يقول ـ عز وجل ـ مخاطباً للمشركين الذين افتروا على الله وجعلوا معه آلهة أخرى وادعوا أن الملائكة بنات الله وجعلوا لله ولداً ـ تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ـ، ومع هذا كذبوا بالحق إذ جاءهم على ألسنة رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولهذا قال ـ عز وجل ـ {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} أي لا أحد أظلم من هذا لأنه جمع بين طرفي الباطل كذب على الله وكذّب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: الباطل وردوا الحق ولهذا قال جلت عظمته متوعداً لهم: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} ؟ وهم الجاحدون المكذبون" اهـ2
ب ـ ومن صفات أهل النار القبيحة التي ورد ذكرها في السورة.
أنهم حينما يذكر ـ الباري جل وعلا ـ تشمئز قلوبهم، وتتقزز نفوسهم وتنقبض صدورهم، وينفرون من التذكير لأنهم لا يؤمنون بالمعاد ولا يخافون سوء الحساب.
قال تعالى مبيناً هذه الصفة الذميمة: {وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} .
فهذه الآية الكريمة من السورة أوضحت أن أهل النار حينما يذكر عندهم الباطل وأهله من الأصنام والطواغيت فإنهم يبتهجون ويفرحون وتطفح وجوههم بالبشر والسرور والبهجة، وتجدهم يغضبون على من يتنقصها وينتقمون منه بأنواع الإيذ اء.
قال ابن جرير رحمه الله تعالى حول هذه الآية:
"يقول تعالى ذكره: وإذا أفرد الله جل ثناؤه بالذكر، فدعي وحده وقيل "لا إله إلا الله" اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات وعنى بقوله {اشْمَأَزَّتْ} :
__________
1- 7/182.
2- تفسير القرآن العظيم 6/92 ـ 93.(1/639)
نفرت من توحيد الله {وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} يقول: وإذا ذكر الآلهة التي يدعونها من دون الله مع الله فقيل: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى1 إذا الذين لا يؤمنون بالآخرة يستبشرون بذلك ويفرحون" اهـ2.
جـ ـ ومن صفات أهل النار التي ذكرت في السورة الإستكبار عن الإيمان بآيات الله والترفع عنها، وعدم الإذعان والإنقياد لها.
قال تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} .
وهاتان الآيتان من السورة بين الله ـ تعالى ـ فيهما أن الإستكبار عن الحق، والتكبر على الخلق من موجبات النار.
قال ابن رجب رحمه الله ـ تعالى ـ: "وأما المستكبر فهو الذي يتعاطى الكبر على الناس والتعاظم عليهم، وقد قال تعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} اهـ3.
فقوله ـ تعالى ـ: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} تضمنت ثلاث صفات كلها بلغت النهاية في القبح، وتدل على شناعة الإستكبار، فالمستكبر يقع بين أقبح الجرائم على الإطلاق، وهما التكذيب بآيات الله وهو كفر، ثم الكفر الصريح دل على ذلك قوله تعالى {وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} .
وأما قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} .
فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ} كلمة شاملة يدخل فيها من كذب على الله بادعاء الولد، أو الشريك، أو الصاحبة، أو المعبود الذي يزعمون أنه يقرب إلى الله أو يشفع عنده، أو يزعم أن الله حرم شيئاً، أو أحل شيئاً ـ خلاف ما جاء به دينه الحنيف كتحريم البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحامي التي كان يفتريها المشركون على الله بغير علم.
__________
1- كأنه يشير إلى قصة الغرانيق وهي قصة باطلة انظر كتاب "نصب المنجانيق لنسف قصة الغرانيق" للألباني.
2- جامع البيان 24/10.
3- التخويف من النار ص198.(1/640)
قال أبو عبد الله القرطبي: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} أي: مما أحاط بهم من غضب الله ونقمته1.
فوجوه أهل النار يوم القيامة تسود وتكون مغطاة بالسواد كما قال تعالى في موضع آخر: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} 2.
وكقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 3.
وقوله تعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} بين ـ سبحانه ـ أن الكبر من أقبح الصفات الذميمة التي تجعل من جهنم مثوى ومستقراً لمن تخلق به وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم معنى الكبر بقوله: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" 4.
قال النووي: "بطر الحق: دفعه ورده على قائله، وغمط الناس: احتقارهم" اهـ5.
وصفات أهل النار التي تقدم ذكرها كما قلنا سابقاً إنما هي بعض صفاتهم التي وردت في السورة، وإلا فلهم صفات أخرى ذكرت في غيرها من سور القرآن وفي السنة المطهرة. مثل النفاق فإنه صفة من صفات أهل النار.
قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا} 6.
ومثل ترك الصلاة وعدم إطعام المساكين والتكذيب بالرجوع إلى الله ـ تعالى ـ ولقد أخبر ـ تعالى ـ أن أهل الجنة يسألون أهل النار عن السبب الذي دخلوا به النار بقوله تعالى:
__________
1- الجامع لأحكام القرآن 15/275.
2- سورة آل عمران آية: 106.
3- سورة يونس آية: 27.
4- رواه مسلم في صحيحه 1/93 من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
5- رياض الصالحين ص285.
6- سورة النساء آية: 145.(1/641)
{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} 1.
ومثل الطغيان، وحب الدنيا وإيثارها على الآخرة، فإن ذلك من صفات أهل النار.
قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} 2. إلى غير ذلك من الصفات الذميمة الكثيرة التي يصعب حصرها هنا، وكما بين القرآن صفات أهل النار كذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم صفاتهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام "وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعاً لا يتبعون أهلاً ولا مالاً، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك" وذكر البخل أو الكذب و"الشنظير الفحاش"3. ففي هذا الحديث قسم النبي صلى الله عليه وسلم أهل النار خمسة أصناف.
الصنف الأول:
الضعيف الذي لا زبر له، ويعني بالزبر القوة والحرص على ما ينتفع به صاحبه في الآخرة من التقوى والعمل الصالح.
الصنف الثاني:
الخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه، أي يعني لا يقدر على خيانة ولو كانت حقيرة يسيرة إلا بادر إليها واغتنمها، ويدخل في ذلك التطفيف في المكيال والميزان وكذلك الخيانة في الأمانات القليلة كالودائع وأموال اليتامى وغير ذلك وهو خصلة من خصال النفاق، ويدخل في الخيانة من خان الله ورسوله في ارتكاب المحارم سراً مع إظهار اجتنابها.
الصنف الثالث:
المخادع الذي دأبه صباحاً ومساءاً مخادعة الناس على أهليهم وأموالهم، والخداع
__________
1- سورة المدثر آية: 42 ـ 46.
2- سورة النازعات آية: 37 ـ 39.
3- رواه مسلم في صحيحه من حديث عياض بن حمار المجاشعي 4/2198 ـ 2199.(1/642)
من أوصاف المنافقين كما وصفهم الله ـ تعالى ـ بذلك، والخداع معناه إظهار الخير وإضمار الشر لفصد التوصل إلى أموال الناس وأهاليهم والانتفاع بذلك، وهو من جملة المكر والحيل المحرمة، بنص الشارع.
الصنف الرابع:
الكذب والبخل، ولم يحفظ الراوي ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حفظاً جيداً، والكذب والبخل خصلتان.
والكذب والبخل كلاهما ينشأ عن الشح، والشح هو شدة حرص الإنسان على ما ليس له من الوجوه المحرمة، وينشأ عنه البخل وهو إمساك الإنسان ما في يده والامتناع عن إخراجه في وجوهه التي أمر بها، فالمخادع الذي سبق ذكره هو الشحيح وهذا الصنف هو البخيل، فالشحيح أخذ المال بغير حقه والبخيل منعه من حقه، وينشأ عن الشح أيضاً: الكذب والمخادعة، والتحيل على ما لا يستحقه الإنسان بالطرق الباطلة المحرمة قال صلى الله عليه وسلم: "إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار" 1.
وفي مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما عمل أهل النار؟ قال: "الكذب، إذا كذب ـ العبد ـ فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل النار" 2.
الصنف الخامس:
الشنظير: وقد فسر بالسيء الخلق، والفحاش هو الفاحش المتفحش وفي حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه"3.
وروى الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله ليبغض الفاحش البذيء" 4.
والبذيء الذي يجري لسانه بالسفه ونحوه من لغو الكلام.
__________
1- رواه البخاري في صحيحه 4/65، ورواه مسلم أيضاً في صحيحه 4/2013، كلاهما من حديث ابن مسعود.
2- 2/176.
3- رواه البخاري في صحيحه 4/70، ومسلم 4/2002، كلاهما من حديث عائشة رضي الله عنها.
4- السنن 3/244.(1/643)
وروى الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حسب الرجل أن يكون فاحشاً بذيئاً بخيلاً جباناً" 1 فالفاحش هو الذي يفحش في منطقه ويستقبل الرجال بقبيح الكلام من السب ونحوه ويأتي في كلامه بالسخف وما يفحش ذكره"اهـ2.
ومن صفات أهل النار التي وضحها النبي صلى الله عليه وسلم مخالفتهم الحق بعد معرفتهم له، وقد يأمرون به ولا يفعلونه، ويرتكبون المنكر وهم يعرفون أنه منكر، وقد ينهون عنه مراءاة للناس وتعمية لأفعالهم روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله ـ تعالى ـ عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: "يجاء برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاء فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت آمر بالمعروف ولا أفعله، وأنهى عن المنكر وأفعله" 3.
وفيهما من حديث حارثة بن وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر" 4.
قال النووي: العتل: الغليظ الجافي، والجواظ: هو الجموع المنوع وقيل: الضخم المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين. أ. هـ5.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله ـ عز وجل ـ العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته" 6.
فالمستكبر يعرض نفسه للذل والهوان فالذي يتعالى على الناس ويتعاظم عليهم فعاقبة عمله ذلك أنه يذل ويهان بسبب تعاظمه وتعاليه على الناس، ومنازعته ربّه فيما
__________
1- 4/145 من حديث عقبة بن عامر رضي الله ـ تعالى عنه ـ.
2- التخويف من النار لابن رجب ص204.
3- صحيح البخاري مع الفتح 13/48، ومسلم 4/2290 ـ 2291.
4- صحيح البخاري مع الفتح 8/ 662، ومسلم 4/2190.
5- رياض الصالحين ص: 131.
6- 4/2023.(1/644)
يختص به من الصفات كما قال تعالى: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} 1.
هذه عقوبة المتكبر الشنيعة التي يجازى بها بعد الرجوع إلى الله ـ جل وعلا ـ.
ومن صفات أهل النار التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم اتباعهم الشهوات روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حجبت الجنة بالمكاره وحجبت النار بالشهوات" 2.
وعند مسلم "حفت الجنة بالمكاره وحجبت النار بالشهوات" 3.
"المكاره كل ما يشق على النفس فعله ويصعب عليها عمله كالطهارة في السبرات وغيرهما من أعمال الطاعات، والصبر على المصائب وجميع المكروهات.
"والشهوات كل ما يوافق النفس ويلائمها وتدعو إليه ويوافقها وأصل الحفاف الدائر بالشيء المحيط به الذي لا يتوصل إليه إلا بعد أن يتخطى فمثّل صلى الله عليه وسلم المكاره والشهوات بذلك، فالجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره، والصبر عليها، والنار لا ينجو منها إلا بترك الشهوات وفطام النفس عنها" 4.
وروى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم" 5.
قال الله ـ عز وجل ـ للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها.
وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع عليها رجله فتقول: "قط6، قط، فهنالك تمتلئ
__________
1- سورة الأحقاف آية: 20.
2- صحيح البخاري مع الفتح 11/320.
3- 4/2174.
4- التذكرة للقرطبي ص359 ـ 360.
5- سقطهم: أي ضعفاؤهم والمحتقرون منهم. شرح النووي 17/181.
6- قط قط: بمعنى: حسب وتكرارها للتأكيد. النهاية لابن الأثير 4/78.(1/645)
ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم من خلقه أحداً، وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقاً"1.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت2 المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا" 3.
وأعمال أهل النار وصفاتهم كثيرة جداً وقد استوفى الكثير منها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى4.
__________
1- صحيح البخاري مع الفتح 13/434، صحيح مسلم 4/2186، واللفظ له.
2- معناه: "أنهن يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرأس حتى تشبه أسنمة الإبل البخت" شرح النووي 17/191.
3- صحيح مسلم 4/2192.
4- مجموع الفتاوى 10/423 ـ 424.(1/646)
المبحث السادس: أبدية النار ودوام عذابها
لقد دلت السورة على أبدية النار ودوام عذابها في قوله ـ تعالى ـ {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} .
وقال تعالى: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} .
هذه الآيات من السورة فيها دلالة واضحة على أن عذاب جهنم دائم ومستمر لا انقطاع له، وأن أهلها خالدون مخلدون فيها.
فالآية الأولى: من هذه الآيات وهي قوله ـ تعالى ـ: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} فيها أمر من الله ـ تعالى ـ لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يهدد المشركين ويتوعدهم بالعذاب إن هم استمروا على شركهم وكفرهم بالله تعالى.
ويخبرهم بأنه ثابت ومستمر على طريقته وملته ودينه وأنه لن يحيد عن التوحيد والإيمان بالله ـ تعالى ـ وأن المستقبل سيكشف لهم عمن ينزل به عذاب الله في الدنيا فيخزيه، ثم في الآخرة يحل به العذاب الدائم الذي لا انقطاع له وهو عذاب جهنم.
قال ابن جرير عند قوله تعالى: {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} .
وقوله: {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ} يقول تعالى ذكره: من يأتيه عذاب يخزيه، ما أتاه من ذلك العذاب، يعني يذله ويهينه {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} يقول: ينزل عليه عذاب دائم لا يفارقه" ا. هـ1.
__________
1- جامع البيان 24/8.(1/647)
قال العلامة ابن كثير: " {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} أي: في الدنيا {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} أي: دائم مستمر لا محيد له عنه وذلك يوم القيامة" اهـ1.
وجاء في تفسير روح المعاني: "قوله تعالى: {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} فإن الأول إشارة إلى العذاب الدنيوي وقد نالهم يوم بدر والثاني إشارة إلى العذاب الأخروي فإن العذاب المقيم عذاب النار" اهـ2.
وجاء في فتح القدير: " {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} أي: يهينه ويذله في الدنيا فيظهر عند ذلك أنه المبطل وخصمه المحق، والمراد بهذا العذاب عذاب الدنيا وما حل بهم من القتل والأسر والقهر والذلة.
ثم ذكر عذاب الآخرة فقال: " {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} أي: دائم مستمر في الدار الآخرة وهو عذاب النار" اهـ3.
وأما قوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} .
فقد قال ابن جرير حول هذه الآية: "يقول تعالى ذكره: "فتقول خزنة جهنم للذين كفروا حينئذ: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} السبعة على قدر منازلكم فيها {خَالِدِينَ فِيهَا} يقول: ماكثين فيها لا ينقلون إلى غيرها {فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} يقول: فبئس مسكن المتكبرين على الله في الدنيا، أن يوحدوه ويفردوا له الألوهة جهنم يوم القيامة" اهـ4.
وقال ابن كثير: "وقوله تبارك وتعالى ههنا: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} : أي: كل من رآهم وعلم حالهم يشهد عليهم بأنهم مستحقون للعذاب ولهذا لم يسند هذا القول إلى قائل معين بل أطلقه ليدل على أن الكون شاهد عليهم بأنهم يستحقون ما هم فيه بما حكم العدل الخبير عليهم به ولهذا قال ـ جل وعلا ـ: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} أي: ماكثين فيها لا خروج لكم منها ولا زوا لكم عنها {فَبِئْسَ مَثْوَى
__________
1- تفسير القرآن العظيم 6/95.
2- 24/7.
3- 4/465.
4- جامع البيان 24/34.(1/648)
الْمُتَكَبِّرِينَ} أي: فبئس المصير وبئس المقيل لكم بسبب تكبركم في الدنيا وإبائكم عن اتباع الحق فهو الذي صيركم إلى ما أنتم فيه فبئس الحال وبئس المآل" اهـ1.
ومن أقوال العلماء التي سقناها حول الآيات الثلاث المتقدمة من السورة يتبين وجه دلالة السورة على أبدية النار ودوامها وعدم فنائها وخلود أهلها فيها وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة تدل على أبدية النار ودوام عذاب الكفار فيها.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً} 2.
وقال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} 3.
وقال تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} 4 قال عبد الله بن عمرو: أهل النار يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً ثم يقول: إنكم ماكثون، ثم يدعون ربهم فيقولون: ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فلا يجيبهم مثل الدنيا ثم يقول: إخسأوا فيها ولا تكلمون ثم ييأس القوم فما هو إلا الزفير والشهيق تشبه أصواتهم أصوات الحمير أولها شهيق وآخرها زفير"5.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 6.
وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} 7.
فهذه الآيات القرآنية دلت على أن عذاب جهنم لا انقطاع له، وأن أهلها من الكفار
__________
1- تفسير القرآن العظيم 6/112.
2- سورة النساء آية: 168 ـ 169.
3- سورة الأحزاب آية: 64 ـ 65.
4- سورة الزخرف آية: 77.
5- انظر مجمع الزوائد 10/396، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
6- سورة الأعراف آية: 36.
7- سورة الجن آية: 23.(1/649)
والمشركين والجاحدين خالدون مخلدون فيها "أي: لا يخرجون منها ولا هي تفنى بهم، فيزولوا بزوالها، وإنما هي حياة أبدية لا نهاية لها"1.
"فإذا جاء مع لفظ خلود الكفار في النار وصف بتأييده كان ذلك تأكيداً للخلود الذي لا نهاية له ولا أمد لانقضائه"2.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل النار خالدون فيها أبداً.
فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وصار أهل النار إلى النار، أتي بالموت حتى يجعل بين الجنة، والنار ثم يذبح ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم" 3.
"فهذا الحديث نص صريح في خلود أهل النار فيها، لا إلى غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد من غير موت ولا حياة، ولا راحة، ولا نجاة، بل كما قال تعالى في كتابه الكريم وأوضح فيه عن عذاب الكافرين: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} 4 ... فمن قال إن أهل النار يخرجون منها وأن النار تبقى خالية بجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى، وتزول فهو خارج عن مقتضى المعقول، ومخالف لما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهل السنة، والأئمة العدول.
قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 5، وإنما تخلى جهنم وهي الطبقة العليا التي فيها العصاة من أهل التوحيد"6.
والخلاصة مما تقدم أنه يجب على المسلم أن يؤمن بما دل عليه كتاب الله وسنة
__________
1- انظر تفسير المنار 1/234.
2- انظر كتاب "الإنسان في القرآن الكريم لعبد الكريم الخطيب ص470".
3- 4/2189.
4- سورة فاطر آية: 36.
5- سورة النساء آية: 115.
6- انظر التذكرة للقرطبي ص436 ـ 437.(1/650)
رسوله بأن أهل الكفر والشرك والإلحاد خالدون في النار خلوداً مؤبداً، دائماً بلا انقطاع، ولا فتور وعلى هذا أجمع علماء الإسلام، وأئمته العدول.
قال أبو الحسن الأشعري:
"قال أهل الإسلام جميعاً ليس للجنة والنار آخر، وأنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون وأهل النار لا يزالون في النار يعذبون وليس لذلك آخر ولا لمعلوماته ومقدوراته غاية ولا نهاية"1.
وقال ابن حزم في معرض حكايته الأمور التي أجمع عليها المسلمون: "وأن النار حق وأنها دار عذاب أبداً لا تفنى، ولا يفنى أهلها أبداً بلا نهاية وأنها أعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام ولمن خالف الأنبياء السالفين قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم الصلاة والتسليم وبلوغ خبره إليه"2.
وقال العلامة السيوطي مصرحاً بعدم فنائها:
ثمانية حكم البقاء يعمها ... من الخلق والباقون في حيز العدم
هي العرش والكرسي ونار وجنة ... وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم3
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: "وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله ـ تعالى ـ يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعض ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس إلا خبيث، ولما كان الناس على ثلاث طبقات، طيب لا يشوبه خبث، وخبيث لا طيب فيه وآخرون فيهم خبث وطيب كانت دورهم ثلاثة:
دار الطيب المحض.
دار الخبث المحض.
وهاتان الداران لا تفنيان.
__________
1- انظر المقالات 1/244.
2- مراتب الإجماع ص173.
3- ذكره في توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم 1/96.(1/651)
ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنهم إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبث المحض1.
وقال الطحاوي: "والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان ولا تبيدان2".
وقال السفاريني: بعد أن ساق كثيراً من الأدلة الدالة على أبدية الجنة والنار "فثبت بما ذكرنا من الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة خلود أهل الدارين خلوداً مؤبداً كل بما هو فيه من نعيم وعذاب أليم وعلى هذا إجماع أهل السنة والجماعة، فأجمعوا على أن عذاب الكفار لا ينقطع كما أن نعيم أهل الجنة لا ينقطع ودليل ذلك الكتاب والسنة، وزعمت الجهمية أن الجنة والنار يفنيان، وقال هذا إمامهم جهم بن صفوان إمام المعطلة، وليس له في ذلك سلف قط لا من الصحابة ولا من التابعين ولا أحد من أهل أئمة الدين، ولا قال به أحد من أهل السنة3".
هذا ما يجب على المسلم أن يعتقده في الجنة والنار وهو أنهما مخلوقتان لا يتطرق إليهما الفناء ولا الإبادة وأن أهلهما كل خالد فيما هو فيه من نعيم، وعذاب، فأهل الجنة منعمون فيها، وأهل النار معذبون بلا فتور ولا إنقطاع وهذا هو معتقد الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة4 جعلنا الله منهم.
__________
1- الوابل الصيب ص18.
2- العقيدة الطحاوية مع شرحها ص476.
3- لوامع الأنوار البهية 2/234.
4- وقد عد بعض العلماء الأقوال في أبدية النار إلى سبعة أقوال. انظر "حادي الأرواح" ص248 ـ 249، شرح الطحاوية ص483، فتح الباري 11/421 ـ 422، لوامع الأنوار البهية 2/234 ـ 235، يقظة أولي الاعتبار لصديق خان ص41، جلاء العينين ص420 ـ 421.(1/652)
الفصل الثالث: الجنة دار المتقين
المبحث الأول: كيفية دخول أهل الجنة الجنة
...
تمهيد:
إن الجنة دار الذي أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهي دار جنانها تجري من تحتها الأنهار قصورها لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها1 المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران وخيامها اللؤلؤ المجوف، وهي نور يتلألأ، وريحانة تهتز، ونهر مطرد وفاكهة وخضرة وزوجات حسان فيها السدر المخضود، والطلح المنضود، والظل الممدود، والماء المسكوب، أهلها يأكلون فيها ويتنعمون، ولا يمتخطون، ولا يبولون بل مسك يرشح، ويحيون ولا يموتون وجوههم مسفرة ضاحكة مستبشرة فيها الجمال المبين فيها الأزواج من الحور العين، كل نعيمها دائم، وكل شيء فيها باسم، فيها يرفع الحجاب، وينظرون إلى وجه العزيز الوهاب، ومهما عبرنا عن صفاتها فإن تعبيرنا لا يحيط بما هي عليه، ولا يمكن أن يصفها أحد كما هي عليه حقيقة إلا شخص واحد ذلكم هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تلقى صفاتها عن ـ الباري جل وعلا ـ وأيضاً جاءت الأحاديث الصحيحة أنه عليه الصلاة والسلام رآها مرتين، مرة في اليقظة2، ومرة مناماً3 فلنستمع إليه وهو يصفها.
روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله ـ عز وجل ـ أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن
__________
1- أي: طينها.
2- انظر الحديث الطويل الذي جاء في صلاة الكسوف وفيه أنه صلى الله عليه وسلم رأى الجنة وهمَّ أن يتناول منها عنقوداً وهذه الرؤية كانت يقظة. الحديث في صحيح البخاري 1/187، صحيح مسلم 2/619.
3- رؤيته لها مناماً جاء ذلك في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر ... الحديث. صحيح البخاري 2/216، صحيح مسلم 4/1863.(1/655)
سمعت ولا خطر على قلب بشر فاقرؤوا إن شئتم {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} "1.
فهذا الحديث القدسي بين الله ـ تعالى ـ فيه أنه أعد لعباده الصالحين من النعيم في الجنة ما تقصر عقول البشر عن الإحاطة به. وقد ورد في سورة "الزمر" آيات تضمنت ذكر مباحث تتعلق بالجنة وهي ما سنتحدث عنها فيما يأتي:
__________
1- صحيح البخاري 2/217، صحيح مسلم 4/2174، والآية رقم (17) من سورة السجدة.(1/656)
المبحث الأول: كيفية دخول أهل الجنة الجنة
لقد بين الله في سورة "الزمر" الكيفية التي يدخل بها المتقون الجنة بقوله ـ تعالى ـ {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} 1 فقد بين تعالى أن دخولهم الجنة يكون على هيئة جماعات متتابعة، وأفواج متتالية كما يفهم ذلك من قوله ـ عز وجل ـ {زُمَراً} ودخولهم الجنة على هذا النحو يجعلهم فرحين مستأنسين بعضهم ببعض.
ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم صفة كل زمرة على حدة.
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون فيها. آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم من الألوة2 ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشياً" 3.
وهذه الصفات في هذا الحديث هي صفات السابقين الذين كانوا في دنياهم سبّاقين إلى فعل الخيرات فكان جزاؤهم في الآخرة أن سبقوا إلى الجنات، إذ سبقهم في الآخرة كان على قدر سبقهم إلى الطاعات في هذه الحياة الدنيا.
__________
1- جاء في اللسان: "والزمرة الفوج من الناس والجماعة من الناس وقيل: الجماعة في تفرقة، والزمر الجماعات" اهـ. 4/328.
2- الألوة: في النهاية: "هو العود الذي يتبخر به" 1/63.
3- صحيح البخاري 2/217، صحيح مسلم 4/2180.(1/657)
وأما صفة الزمرة التي تلي أولئك المقربين في دخول الجنة فقد جاء أن أحدهم يرى كأشد الكواكب إضاءة في السماء.
روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب درّي في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يتفلون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد. على صورة أبيهم آدم. ستون ذراعاً في السماء" 1.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل..... الحديث" 2.
وروى الشيخان أيضاً من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً، أو سبعمائة ألف ـ لا يدري أبو حازم أيّهما قال ـ: متماسكون، آخذ بعضهم بعضاً لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم وجوههم على صورة القمر ليلة البدر "3.
فلله ما أعظم هذا النعيم، وما أجل هذا التكريم الذي يناله أولئك المتقون المؤمنون، ويا ذلة من حرمه ولم يظفر به وذلك هو الخسران المبين.
__________
1- صحيح البخاري 2/217. صحيح مسلم 4/2179.
2- صحيح مسلم 4/2179.
3- صحيح البخاري مع الفتح 11/416، صحيح مسلم 1/198 ـ 199.(1/658)
المبحث الثاني: أبواب الجنة
ورد ذكر أبواب الجنة في السورة من غير نص على عددها، أو تسميتها قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} .
قال العلامة ابن القيم بعد أن ذكر هذه الآية مبيناً أسرارها العجيبة ومعانيها الدقيقة.
قال رحمه الله: "وقال في صفة النار {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} بغير واو فقالت طائفة: هذه واو الثمانية دخلت في أبواب الجنة لكونها ثمانية وأبواب النار سبعة فلم تدخلها الواو، وهذا قول ضعيف لا دليل عليه، ولا تعرفه العرب، وإنما هو من استنباط بعض المتأخرين".
وقالت طائفة أخرى: الواو زائدة والجواب الفعل الذي بعدها كما هو في الآية الثانية، وهذا أيضاً ضعيف فإن زيادة الواو غير معروف في كلامهم ولا يليق بأفصح الكلام أن يكون فيه حرف زائد لغير معنى ولا فائدة.
وقالت طائفة ثالثة: الجواب محذوف، وقوله: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} عطف على قوله {جَاءُوهَا} وهذا اختيار أبي عبيدة والمبرد1 والزجاج وغيرهم. قال المبرد: وحذف
__________
1- هو: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي أبو العباس المعروف بالمبرد إمام العربية ببغداد في زمنه. ولد سنة عشر ومائتين وتوفي سنة ست وثمانين ومائتين هجرية. بغية الوعاة 1/269، وفيات الأعيان 1/495، تاريخ بغداد 3/380.(1/659)
الجواب أبلغ عند أهل العلم، قال أبو الفتح ابن جني1 وأصحابنا يدفعون زيادة الواو ويرون أن الجواب محذوف للعلم به.
قال ابن القيم: "بقي أن يقال: فما السر في حذف الجواب في آية أهل الجنة، وذكره في آية "أهل النار"؟ فيقال: هذا أبلغ في الموضعين فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم فيفجأهم العذاب بغتة فحين انتبهوا إليها فتحت أبوابها بلا مهلة، فإن هذا شأن الجزاء المرتب على الشرط أن يكون عقيبه فإنها دار الإهانة والخزي فلم يستأذن لهم في دخولها، ويطلب إلى خزنتها أن يمكنوهم من الدخول".
وأما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته، ومحل خواصه وأوليائه فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله، وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم، وأفضلهم فيقول أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجداً لربه فيدعه ما شاء الله أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه وأن يسأله حاجته فيشفع إليه ـ سبحانه ـ في فتح أبوابها فيشفعه ويفتحها تعظيماً لخطرها، وإظهاراً لمنزلة رسوله وكرامته عليه، وإن مثل هذه الدار التي هي دار ملك الملوك ورب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها، وما ركبه من الأطباق طبقاً بعد طبق وقاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله ـ تعالى ـ لخاتم أنبيائه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم، وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور مما يقدر بخلاف ذلك لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء، فجنة الله عالية غالية، بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار مالا تنال إلا به، فما لمن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار فلبعد عنها إلى ما هو أولى به، وقد خلق له وهيئ له، وتأمل ما في سوق الفريقين إلى الدارين زمراً من فرحة هؤلاء بإخوانهم وسيرهم معهم كل زمرة على حدة كل مشتركين في عمل متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم مستبشرين أقوياء القلوب كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير، كذلك يؤنس بعضهم بعضاً ويفرح بعضهم
__________
1- هو: عثمان بن جني الموصلي أبو الفتح من أئمة الأدب والنحو. توفي سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة. انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان 1/313، بغية الوعاة 2/132، شذرات الذهب 3/140".(1/660)
ببعض وكذلك أصحاب الدار الأخرى يساقون إليها زمراً يلعن بعضهم بعضاً، ويتأذى بعضهم ببعض وذلك أبلغ في الخزي والفضيحة والهتيكة من أن يساقوا واحداً واحداً فلا تهمل تدبر قوله {زُمَراً} وقال خزنة الجنة لأهلها {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} فبدؤهم بالسلام المتضمن للسلامة من كل شر ومكروه أي: سلمتم فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون، ثم قالوا لهم {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} أي: سلامتكم، ودخولها بطيبكم فإن الله حرمها إلا على الطيبين فبشروهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود.
وأما أهل النار فإنهم لما انتهوا إليها على تلك الحال من الهم والغم والحزن وفتحت لهم أبوابها وقفوا عليها وزيدوا على ما هم عليه توبيخ خزنتها وتكبيتهم لهم بقولهم {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} فاعترفوا وقالوا {بَلَى} فبشروهم بدخولها والخلود فيها وأنها بئس المثوى لهم، وتأمل قول خزنة الجنة لأهلها "ادخلوها" وقول خزنة النار لأهلها "ادخلوا أبواب جهنم" تجد تحته سراً لطيفاً ومعنى بديعاً لا يخفى على المتأمل وهو أنها لما كانت دار العقوبة وأبوابها أفظع شيء وأشده حراً وأعظمه عما يستقبل فيها الداخل من العذاب ما هو أشد منها ويدنوا من الغم والخزي والحزن والكرب بدخول الأبواب فقيل: ادخلوا أبوابها صغاراً لهم وإذلالاً وخزياً، ثم قيل لهم: لا يقتصر بكم على مجرد دخول الأبواب الفظيعة ولكن وراءها الخلود في النار، وأما الجنة فهي دار الكرامة والمنزل الذي أعده الله لأوليائه فبشروا من أول وهلة بالدخول إلى المقاعد والمنازل والخلود فيها، وتأمل قوله سبحانه {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} 1. كيف تجد تحته معنى بديعاً وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما هي، وأما النار فإذا دخلها أهلها أغلقت عليهم أبوابها كما قال تعالى {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} 2 أي مطبقة مغلقة ومنه سمي الباب "وصيداً" وهي {مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قد جعلت العمد ممسكة للأبواب من خلفها كالحجر العظيم الذي يجعل خلف الباب.
قال مقاتل: "يعني أبوابها عليهم مطبقة فلا يفتح لها باب ولا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح آخر الأبد".
__________
1- سورة ص آية: 50، 51.
2- سورة الهمزة آية: 8.(1/661)
وأيضا: فإن في تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وتبوئهم في الجنة حيث شاؤوا ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف والألطاف من ربهم ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت وأيضا إشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب كما كانوا يحتاجون إلى ذلك في الدنيا" اهـ1.
ولقد اقتبست هذا النص بطوله من كلام ابن القيم لما فيه من تجلية وبيان لمعاني الآية المتقدمة ذلك أن هذا التنقيب لإخراج تلك المعاني الدقيقة والأسرار العجيبة في تلك الآية لم أجده بهذه الصورة البديعة عند غير ابن القيم رحمة الله ـ تعالى ـ عليه ثم إني قلت قريباً إن ذكر أبواب الجنة في السورة قد ورد مطلقاً من غير نص على عددها، أو تسميتها، وكذلك غيرها من سور القرآن التي ورد فيها ذكر أبواب الجنة فإنه لم يرد فيها التنصيص على العدد أو التسمية لتلك الأبواب.
قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} 2.
وقال عز وجل ـ: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ} 3.
أما السنة النبوية الشريفة فقد بينت أن عدد أبواب الجنة ثمانية، كما بينت أسماء بعضها، وأن أعلى تلك الأبواب هو باب الجهاد، ولها باب يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون، فإذا دخلوا أغلق، فلا يدخل منه أحد غيرهم ولكل نوع من الأعمال الصالحة باب يدخل منه أهله المبرزون فيه وقد يدعى العبد من تلك الأبواب الثمانية جميعها إذا قام بجميع شعب الإيمان، ووفى بجميع شرائع الإسلام، ومن هذا النوع صدِّيق هذه الأمة وأفضل الناس جميعاً بعد النبيّين أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضي الله عنه وأرضاه.
روى الشيخان بإسنادهما من حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال:
__________
1- حادي الأرواح ص38 ـ 40.
2- سورة الرعد آية: 23.
3- سورة ص آية: 50.(1/662)
أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد"1.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق زوجين في شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام" فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة؟ فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ فقال: "نعم وأرجو أن تكون منهم"2.
"لما سمت همة الصديق إلى تكميل مراتب الإيمان، وطمعت نفسه أن يدعى من تلك الأبواب كلها سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يحصل ذلك لأحد من الناس ليسعى في العمل الذي ينال به ذلك فخبّره بحصوله، وبشّره بأنه من أهله، وكأنه قال: هل تكمل لأحد هذه المراتب فيدعى يوم القيامة من أبوابها كلها؟ فلله ما أعلى وأكبر هذه النفس"3.
وقال الحافظ ابن حجر: "في الحديث إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها بخلاف التطوعات فقلّ من يجتمع له العمل بجميع أنواعها، ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه ... والله أعلم" اهـ4.
وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبالغ، أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيّها شاء" 5.
__________
1- صحيح البخاري 1/324، صحيح مسلم 2/808.
2- صحيح البخاري 1/325، صحيح مسلم 2/712.
3- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص: 75 ـ 76.
4- الفتح 7/28 ـ 29.
5- 1/210.(1/663)
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث لقيط بن عامر عندما خرج وافداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: "وإن للجنة لثمانية أبواب ما منهما بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً" 1.
وقال عليه الصلاة والسلام: "ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيّها شاء دخل"2.
وهكذا نرى أن السنة المطهرة أوضحت أن أبواب الجنة ثمانية كما عينت بعض أبوابها بأسمائها.
وأما سعة أبوابها وهي المسافة التي تكون بين مصراعي الباب فقد وردت بشأنها أحاديث عدة منها:
حديث الشفاعة الطويل المتفق على صحته وهو المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بلحم فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه فنهس3 منه نهسة فقال: "أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر...." إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: "فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي، ثم يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد. إرفع رأسك سل تعطه، إشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول: يا رب. أمتي، أمتي. فيقال: يا محمد. أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى".
وفي لفظ آخر "والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة إلى عضادتي الباب4 لكما بين مكة وهجر، أو هجر ومكة. هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري:
__________
1- 4/14.
2- رواه ابن ماجة من حديث عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه. السنن 2/512.
3- النهس: أخذ اللحم بأطراف الأسنان، النهاية 5/136.
4- عضادتا الباب: هما خشبتاه من جانبيه، شرح النووي على مسلم 3/70.(1/664)
"إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، أو كما بين مكة وبصرى"1.
وروى الإمام أحمد من حديث حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ" 2.
وأما مقدار المسافة التي تكون بين كل بابين:
فقد قدرت بمسيرة سبعون عاماً. روى الطبراني3 في معجمه والإمام أحمد في مسنده من حديث لقيط بن عامر رضي الله عنه أنه خرج وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت يا رسول الله فما الجنة والنار؟ قال: لعمر إلهك أن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً، وأن للجنة ثمانية أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاماً ... الحديث4.
وهذا الحديث الظاهر منه أن هذه المسافة بين الباب، والباب لأن ما بين مكة وبصرى لا يحتمل التقدير بسبعين عاماً، ولا يمكن حمله على باب معين لقوله "ما منهن بابان" والله أعلم5.
وبعد أن ذكرنا أبواب الجنة وما يتعلق بهما من حيث سعتها والمسافة التي تكون بين كل بابين من أبوابها يحسن بنا أن نتبع ذلك بالمفتاح الذي تفتح به تلك الأبواب.
فنقول: إن تلك الأبواب لا تفتح إلا لمن يملك مفتاحها ولا بد لهذا المفتاح من أسنان حتى يكون صالحاً للفتح، ومفتاح تلك الأبواب هي كلمة التوحيد، وشهادة
__________
1- صحيح مسلم 1/185 ـ 186، صحيح البخاري 3/150.
2- المسند 5/3، وانظر خطبة عتبة بن غزوان في صحيح مسلم 4/2278 ـ 2279، ومسند أحمد 4/174.
3- هو: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم من كبار المحدثين أصله من طبرية الشام وإليها نسبته. ولد "بعكا" سنة ستين ومائتين، وتوفي سنة ستين وثلاثمائة هجرية. انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 1/215، النجوم الزاهرة 4/59، تهذيب دمشق لابن عساكر 6/240.
4- الحديث بطوله في "معجم الطبراني الكبير" 19/211 ـ 214، والمسند 4/14.
5- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص96.(1/665)
الإخلاص التي هي "لا إله إلا الله". وأما أسنان هذا المفتاح فهي شرائع الإسلام كلها، من الصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة والجهاد وبر الوالدين وأداء الأمانة والإحسان إلى الجار وغير ذلك مما حض عليه دين الإسلام الحنيف والمفتاح لا يكمل إلا بأسنانه أما بدونها فلا فقد ذكر البخاري في صحيحه عن وهب1 بن منبه أنه قيل له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى. ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك"2.
وجاء في عمدة القارئ أن أبا نعيم الأصبهاني قال في كتابه "أحوال الموحدين": "إن أسنان هذا المفتاح هي الطاعات الواجبة من القيام بطاعة الله ـ تعالى ـ وتأديتها والمفارقة لمعاصي الله ومجانبتها" اهـ3.
وفي الحقيقة أن هذا المثال الذي ضربه وهب بن منبه يجب اعتباره إذ أنه متضمن الإشارة إلى حل الإستشكال في بعض أحاديث الوعد التي علق فيها دخول الجنة على قول "لا إله إلا الله" أو الموت على التوحيد، فالواجب أن لا يفهم من تلك الأحاديث أن مجرد النطق بقول: "لا إله إلا الله" كاف في دخول الجنة والنجاة من النار، بل لا بد من القيام معها بحقوقها التي هي شرائع الإسلام والحرص قولاً وعملاً على تكميل مراتب الإيمان فكلمة لا إله إلا الله، سبب لدخول الجنة والنجاة من النار، ومقتضٍ لذلك، ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه، أو لوجود مانع.
قال الحسن للفرزدق4 وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن
__________
1- هو: وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني روى عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس وابن عمر وغيرهم. قال العجلي: تابعي ثقة وكان على قضاء صنعاء ووثقه أيضاً: أبو زرعة والنسائي وابن حبان كان مولده سنة أربع وثلاثين وتوفي سنة عشر ومائة هجرية. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" 11/166 ـ 168".
2- 1/215.
3- عمدة القارئ 8/3.
4- هو: همام بن غالب التميمي الدارمي أبو فارس الشهير بالفرزدق شاعر بليغ من أهل البصرة عظيم الأثر في اللغة من الطبقة الأولى في الإسلاميين كانت وفاته في بادية البصرة سنة عشر ومائة هجرية، وكلمة الحسن له تعريض بما كان الفرزدق يقوله في شعره من هجر القول. انظر ترجمته في: "خزانة الأدب للبغدادي 1/105 ـ 108، وفيات الأعيان 2/196، الأعلام 9/96 ـ 97".(1/666)
لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. قال الحسن: نعم العدة لكن ل"لا إله إلا الله" شروط فإياك وقذف المحصنة، وقيل للحسن: إن ناساً يقولون من قال: "لا إله إلا الله" دخل الجنة؟ فقال: "من قال: لا إله إلا الله، فأدى حقها وفرضها دخل الجنة"1.
__________
1- كلمة الإخلاص وتحقيق معناها لابن رجب ص13 ـ 14.(1/667)
المبحث الثالث: خزنة الجنة
قال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} .
والخزنة: جمع خازن مثل حفظة وحافظ وهو المؤتمن على الشيء الذي قد استحفظه1.
ففي هذه الآية الكريمة من السورة بين ـ جل وعلا ـ بأن للجنة خزنة، وهم القائمون عليها من الملائكة، وأنهم يقولون لأهل الجنة وهم المتقون إذا انتهوا إليها: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} .
فيبدؤون الكلام معهم بالسلام الذي هو متضمن للسلامة من كل مكروه وشر، وكأنهم يقولون لهم: سلمتم فلا يلحقنكم بعد اليوم ما تكرهون، ثم يقولون لهم: إن دخولكم الجنة كان بطيبكم إذ الجنة حرمها الله على غير الطيبين، فبشروهم بالسلامة، والطيب والدخول والخلود فيها أبداً، وهذه النتيجة النهائية لأهل الإيمان. روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما بإسنادهما من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب: أي فل2 هلمّ" فقال أبو بكر: يا رسول الله ذلك الذي لا توى عليه3 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن تكون منهم"4.
__________
1- حادي الأرواح ص75.
2-فل: معناه: أي فلان فرخم ونقل إعراب الكلمة على إحدى اللغتين في الترخيم، وقيل: فل: لغة في فلان في غير النداء والترخيم كذا نقله النووي عن القاضي عياض شرح النووي 7/117.
3- لا توى عليه: أي: لا ضياع ولا خسارة وهو من التوى: الهلاك. النهاية 1/201، هدي الساري ص94.
4- البخاري: 2/212، صحيح مسلم 2/712. ومسند أحمد 2/366.(1/668)
وروى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول محمد. فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك"1.
قال ابن القيم: "قد سمى الله ـ سبحانه وتعالى ـ كبير هذه الخزنة رضوان وهو اسم مشتق من الرضا" اهـ2.
__________
1- 1/188.
2- حادي الأرواح ص76، وانظر: البداية: 1/53.(1/669)
المبحث الرابع: أرض الجنة
لقد بينت السورة أن المتقين هم الذين يرثون أرض الجنة، وأنهم ينزلون منها حيث يشاؤون ويسكنون منها منازل حيث يحبون ويشتهون وأنهم عندما يشاهدون الجنة وما فيها من النعيم يحمدون ربهم ويثنون عليه، وينوهون بصدق وعده لهم.
قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لله الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} .
فالمراد بالأرض في قوله {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ} هي: أرض الجنة.
قال مجاهد في قوله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ} قال: أرض الجنة وبهذا قال السدي وابن زيد وقتادة وأبو العالية1 وأبو صالح2.
وقال البغوي: {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ} أي: أرض الجنة وهو قوله ـ عز وجل ـ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} 3.
"وقال ابن قتيبة4: " {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ} أي: "أرض الجنة"5.
__________
1- أبو العالية: رفيع بن مهران الرياحي البصري عالم بالقرآن توفي سنة إحدى عشرة ومائة هجرية. انظر ترجمته في: "طبقات الحفاظ للسيوطي ص29، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/61، تهذيب التهذيب 3/284".
2- جامع البيان 24/37، تفسير القرآن العظيم 6/116.
3- تفسير البغوي على حاشية تفسير الخازن 6/72 والآية رقم 150 من سورة الأنبياء.
4- هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري أبو محمد من أئمة الأدب، ومن المصنفين المكثرين. ولد ببغداد وسكن الكوفة، ثم ولي قضاء الدينورة مدة فنسب إليها. ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين وتوفي سنة ست وسبعين ومائتين هجرية. انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 1/251، الميزان 2/503، الأعلام 4/280.
5- تفسير غريب القرآن ص 384.(1/670)
وقال القرطبي: {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ} أي: أرض الجنة1.
وبعض أهل العلم يرى أن المراد بالأرض أرض الجنة التي كانت لأهل النار لو دخلوها.
وقال ابن جرير {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ} يقول: "وجعل أرض الجنة التي كانت لأهل النار لو كانوا أطاعوا الله في الدنيا فدخلوها ميراثاً لنا"2.
ولعل مستندهم في حمل الآية على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} 3.
قال الحافظ بعد أن ذكر هذا الحديث: "وقال جمهور المفسرين: في قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لله الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ} الآية. المراد بأرض الجنة التي كانت لأهل النار لو دخلوا الجنة وهو موافق لهذا الحديث"4.
أقول:
كون الحديث دل على أن لكل أحد منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار هذا مما لا نزاع فيه بل يجب على كل امرئ الإيمان بذلك إلا أن حمل الآية عليه غير صواب لأن أهل الجنة يرثون من الجنة منازلهم المعدة لهم بسبب أعمالهم وتقواهم كما قال ـ عز وجل ـ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون} 5.
وعلى سبيل الفرض أن أهل الجنة يرثون منازل أهل النار وأن قصر الآية على ذلك يوهم أنهم ليس لهم في الجنة إلا ما أورثوا من منازل أهل النار والواقع من خلال النصوص يخالف ذلك. قال تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} 6.
__________
1- الجامع لأحكام القرآن 15/287.
2- جامع البيان 24/37.
3- رواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 2/1453.
4- الفتح 11/442.
5- سورة الأعراف آية: 43.
6- سورة مريم آية: 63.(1/671)
وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 1.
فهذه صفات وشروط الإرث للفردوس الأعلى فمن أحرز هذه الصفات وتمثل بها كان من سكانها بعد رحمة الله تعالى.
وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 2.
فهذه الآيات وأشباهها بينت أن سبب إرث أهل الجنة للجنة هو تقواهم لربهم وما قدموا من الأعمال الصالحة في دنياهم ومما ينبغي أن يعلم أن العمل لا يكفي مستقلاً في دخول الجنة بل لابد من رحمة الله ـ تعالى ـ بعد ذلك.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة" قالوا: ولا أنت يا رسول الله. قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضله ورحمته".
وفيه أيضاً: من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يدخل الجنة أحداً عمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، واعلموا إن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ".
ومن حديث جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل أحداً منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا أنا إلا برحمة من الله" 3.
فهذه الأحاديث تدل على أن العمل لا يكفي وحده لدخول الجنة بل الدخول فيها يكون برحمة الله ـ تعالى ـ وفضله مع مراعاة جانب العمل.
__________
1- سورة المؤمنون آية: 1 ـ 10.
2- سورة الزخرف آية: 72.
3- انظر هذه الأحاديث الثلاثة في "صحيح مسلم" 4/2170 ـ 2171.(1/672)
قال النووي: "وفي ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعة وأما قوله ـ تعالى ـ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 1 {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 2 ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يدخل بها الجنة فلا يعارض هذه الأحاديث بل معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها وقبولها برحمة الله ـ تعالى ـ وفضله فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل وهو مراد الأحاديث، ويصح أنه دخل بالأعمال أي: بسببها وهي من الرحمة والله أعلم"3.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله ـ تعالى ـ: "الأعمال أسباب لا أعواض وأثمان والذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم في الدخول بالعمل هو نفي استحقاق العوض ببذل عوضه فالمثبت باء السببية والمنفي باء المعاوضة والمقابلة وهذا فصل الخطاب في هذه المسألة" اهـ4.
وهكذا جمع أهل العلم بين الآيات القرآنية التي ظاهرها أن الإنسان يدخل الجنة بعمله وبين الأحاديث التي دلت على أن الجنة لا يدخلها أهلها إلا برحمة الله وبمعرفة هذا الجمع بين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة يتضح الرد على القدرية النفاة الذين يثبتون الأحكام بالعقل، ويوجبون على الله ثواب الأعمال، كما يوجبون أن يفعل الأصلح للعباد، ويمنعون خلاف هذا، وقولهم هذا صادر عن اختراعاتهم الباطلة التي مضمونها نبذ نصوص الشرع وراء ظهورهم وتحكيمهم عقولهم الفاسدة5.
كما يتضح من الجمع السابق الرد على القدرية الجبرية الذين يلغون دور العمل في دخول الجنة، وينكرون أن يكون سبباً في النجاة من النار وكلا القولين باطلان بشهادة النقل والعقل والفطرة، وقول كل من الطائفتين مشتمل على خطأ وصواب.
فالقدرية النفاة: أصابوا في إثبات السببيّة وحالفهم الخطأ في إثبات المعاوضة.
__________
1- سورة النحل آية: 32.
2- سورة الزخرف آية: 72.
3- شرح النووي على صحيح مسلم 17/160 ـ 161.
4- مفتاح دار السعادة 2/92، وانظر حادي الأرواح ص 61.
5- انظر المغني لعبد الجبار بن أحمد 14/172 وما بعدها، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم 17/160، وانظر مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/92.(1/673)
وأما القدرية الجبرية: فقد أصابوا في نفي المعاوضة ولازمهم الخطأ في نفي السببية والحق في هذه المسألة بين ذلك وهو أن المثبت في الآيات باء السببية والمنفي في الأحاديث باء المعاوضة والمقابلة كما تقدم في كلام ابن القيم رحمه الله ـ تعالى ـ فقد وفق الله أهل السنة لما اختلف فيه من الحق بإذنه حيث جمعوا ما مع الطائفتين من الحق والصواب فكانوا أسعد بالحق منهما وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم1.
وبعد هذا الاستطراد اليسير الذي تحتم الإتيان به هنا ليتناسب مع الآيات والأحاديث التي تقدم ذكرها نعود إلى ما نحن بصدد البحث حوله من بيان صفة أرض الجنة التي يرثها عباد الله المتقون فنقول: إنه لا يستطيع أحد أن يصفها لنا كما هي عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنستمع إلى ما جاء عنه في ذلك.
روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ... قال في حديث الإسراء "ثم انطلق بي جبرائيل حتى أتى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي قال: ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ2 اللؤلؤ وإذا ترابها المسك"3.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة؟ فقال: "درمكة بيضاء مسك خالص"4.
قال النووي: "قوله في تربة الجنة "هي درمكة بيضاء مسك خالص" قال العلماء: معناه أنها في البياض درمكة وفي الطيب مسك والدرمك هو الدقيق الحواري الخالص البياض" اهـ5.
وروى الإمام أحمد وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: "لبنة ذهب، ولبنة فضة، وملاطها6 المسك
__________
1- مستفاد من كتاب مفتاح دار السعادة 2/92.
2- جنابذ اللؤلؤ: قباب اللؤلؤ شرح النووي 2/222، فتح الباري 1/463 ـ 364.
3- صحيح البخاري 2/232، صحيح مسلم 1/149.
4- 4/2243.
5- شرح النووي 18/52.
6- الملاط: الطين الذي يجعل بين ساقي البناء يملط به الحائط. أي يخلط" اهـ ... النهاية لابن الأثير 4/357.(1/674)
الأذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه"1.
وفي المصنف لابن أبي شيبة2 أن ابن عمر قال: قيل يا رسول الله كيف بناء الجنة؟ قال: "لبنة من فضة ولبنة من ذهب ملاطها مسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران" 3.
وفي سنن الترمذي من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لناس من اليهود: "ما تربة الجنة؟ " قال: فسكتوا هنيهة ثم قالوا: خبزة يا أبا القاسم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الخبز من الدرمك" 4.
والحاصل من الأحاديث المتقدمة في صفة أرض الجنة وتربتها أن بعضها أفاد أن ترابها الزعفران، والبعض الآخر أفاد أن ترابها المسك ولا تعارض بينهما إذ يجوز أن تكون تربتها متضمنة للنوعين، ويجوز أن يكون التراب من زعفران فإذا عجن بالماء صار مسكاً، والطين يسمى تراباً ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "ملاطها المسك" 5 والملاط الطين.
"ويحتمل أن يكون زعفراناً باعتبار اللون ومسكاً باعتبار الرائحة وهذا من أحسن شيء يكون البهجة والإشراق لون الزعفران، والرائحة رائحة المسك، وكذلك ورد تشبيهها بالدرمكة، وهي الخبزة الصافية التي يضرب لونها إلى الصفرة مع لينها ونعومتها"6 والله أعلم.
__________
1- المسند 2/305، سنن الترمذي 4/79 ـ 80.
2- هو: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي مولاهم، الكوفي أبو بكر حافظ للحديث له فيه كتب منها: "المصنف". انظر ترجمته في: "تذكرة الحفاظ" 2/432، تهذيب التهذيب 6/2، تاريخ بغداد 10/66.
3- المصنف 13/95 ـ 96.
4- 5/102 قال في مجمع الزوائد "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير مجالد ووثقه غير واحد 10/399.
5- تقدم تخريجه قريباً.
6- انظر حادي الأرواح ص 94.(1/675)
المبحث الخامس: صفات أهل الجنة
إن للمتقين الذين يدخلون دار السلام ويتبؤون منها منازل حيث يشاؤون صفات يتميزون بها عن غيرهم، وصفاتهم كثيرة جداً، وقد ذكر في سورة "الزمر" بعضها في عدد من آياتها.
قال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} .
وقال تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ... } الآية.
وقال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} .
وقال تعالى: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
وقال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} .
هذه المجموعة من الآيات من سورة "الزمر" تضمنت صفات عدة للمتقين الذين يساقون إلى الجنة "زمراً" وتلك الصفات هي:
1 ـ أنهم يسمعون كلام الله سماع قبول وإجابة وفهم وإدراك فيعملون بأوامره، ويبتعدون عن نواهيه التي نهى عنها. 2 ـ أنهم عندما يسمعون القرآن يتلى تقشعر جلودهم خوفاً من الله ـ جل وعلا ـ لما يفهمون من الوعيد الذي توعد به الكفار والمشركين.(1/676)
3 ـ أنهم عند سماعهم كلام الله تلين جلودهم وقلوبهم إلى العمل بما في كتاب الله والتصديق به.
4 ـ التصديق لما جاءهم من الحق.
قال مجاهد: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} قال: أصحاب القرآن المؤمنون يجيئون يوم القيامة فيقولون: "هذا ما أعطيتمونا فعملنا فيه بما أمرتمونا"1.
5 ـ تقواهم لربهم ـ جل وعلا ـ بامتثال الأوامر واجتناب النواهي وفي مقدمة ذلك إخلاصهم العبادة لله وحده لا شريك له، فلم يشركوا بعبادة ربهم أحداً.
6 ـ الصفة السادسة: أنهم طيبوا أعمالهم في الدنيا فلم يدنسوها بشرك ولا معصية، فطاب مأواهم في الدار الآخرة، وهو أنهم صاروا من سكان الجنة التي عرضها السموات والأرض ونجاهم الله من جهنم، وأمنهم من عذابها.
قال ابن كثير: عند قوله تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ} أي: هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار المهيمن العزيز الغفار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد والتخويف والتهديد تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه فهم مخالفون لغيرهم من الفجار من وجوه:
أحدها:
أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات وسماع أولئك نغمات الأبيات من أصوات القينات.
الثاني:
أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم. كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً} 2 أي: لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها بل مصغين إليها فاهمين بصيرين بمعانيها فلهذا إنما يعملون بها ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومتابعة لغيرهم.
__________
1- تفسير القرآن العظيم 6/93.
2- سورة الفرقان آية: 73.(1/677)
الثالث:
أنهم يلزمون الأدب عند سماعها كما كان الصحابة رضي الله عنهم عند سماعهم كلام الله تعالى من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقشعر جلودهم ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله لم يكونوا يتصارخون ولا يتكلفون ما ليس فيهم بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية ما لا يلحقهم أحد في ذلك ولهذا فازوا بالمدح من الرب الأعلى في الدنيا والآخرة.
وقال قتادة: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ} قال: "هذا نعت أولياء الله، نعتهم الله ـ عز وجل ـ بأن تقشعر جلودهم وتبكي أعينهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما هذا في أهل البدع وهذا من الشيطان"1.
وقال ابن جرير عند قوله تعالى: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} يقول تعالى ذكره: وينجي الله من جهنم وعذابها الذين اتقوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه في الدنيا {بِمَفَازَتِهِمْ} يعني: بفوزهم.
قال السدي: في قوله تعالى: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} قال: بفضائلهم.
وقال ابن زيد: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} قال: بأعمالهم. وقوله: {لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} يقول تعالى ذكره: لا يمس المتقين من أذى جهنم شيء وهو السوء الذي أخبر ـ جل ثناؤه ـ أنه لن يمسهم، ولا هم يحزنون: يقول: ولا هم يحزنون على ما فاتهم من آراب الدنيا إذا صاروا إلى كرامة الله ونعم الجنان" اهـ2.
قال البغوي: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر {بِمَفَازَاتِهِمْ} بالألف على الجمع أي: بالطرق التي تؤديهم إلى الفوز والنجاة.
__________
1- تفسير القرآن العظيم 6/88 ـ 89.
2- جامع البيان 24/22 ـ 23.(1/678)
وقرأ الآخرون: {بِمَفَازَتِهِمْ} على الواحد لأن المفازة بمعنى الفوز أي: "ينجيهم بفوزهم من النار بأعمالهم الحسنة" اهـ1.
وجاء في زاد المسير حول قوله ـ تعالى ـ {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} فيها للمفسرين ثلاثة أقوال:
أحدها: بفضائلهم قاله السدي.
والثاني: بأعمالهم قاله ابن السائب.
والثالث: بفوزهم من النار.
قال المبرد: "المفازة مفعلة من الفوز وإن جمع فحسن كقولك السعادة، والسعادات، والمعنى: ينجيهم الله بفوزهم أي: بنجاتهم من النار وفوزهم بالجنة" اهـ2.
وقال ابن كثير: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} أي: بما سبق لهم من السعادة، والفوز عند الله {لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ} أي: يوم القيامة، {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي: لا يحزنهم الفزع الأكبر بل هم آمنون من كل فزع مزحزحون عن كل شر نائلون كل خير" اهـ3.
وأما قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} .
فقد قال ابن جرير: حول هذه الآية: "يقول تعالى ذكره: وحشر الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في الدنيا، وأخلصوا له فيها الألوهة، وأفردوا له العبادة، فلم يشركوا في عبادتهم إياه شيئاً إلى الجنة زمراً يعني: جماعات" اهـ4.
وقال العلامة ابن القيم: بعد سياقه لهذه الآية: عقَّب دخولها على الطيب بحرف الفاء الذي يؤذن بأنه سبب للدخول، أي بسبب طيبكم قيل لكم: ادخلوها ـ فإنها دار الطيبين لا يدخلها إلا طيب" اهـ5.
__________
1- معالم التنزيل على حاشية تفسير الخازن 6/69.
2- 7/194.
3- تفسير القرآن العظيم 6/105.
4- جامع البيان عن تأويل آي القرآن 24/34.
5- الوابل الصيب ص18.(1/679)
وقال ابن كثير: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} "وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفداً إلى الجنة. زمراً أي: جماعة بعد جماعة. المقربون، ثم الأبرار، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كل طائفة مع من يناسبهم: الأنبياء مع الأنبياء، والصديقون مع أشكالهم، والشهداء مع أضرابهم، والعلماء مع أقرانهم، وكل صنف مع صنف كل زمرة يناسب بعضها بعضاً {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} أي: وصلوا إلى أبوب الجنة بعد مجاوزة الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة"1.
ثم إن المراد بسوق المتقين في قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} سوق مصحوب بالتكريم والتشريف والإعزاز مشيعين بما يشرح الصدور ويسر النفوس كتشييع المحبوب إلى أمر محبوب2، وهو سوق يغاير سوق الإهانة والذل الذي تقدم ذكره في حق الكافرين، وصفات المتقين الطيبة في القرآن كثيرة، وخصالهم الحميدة وفيرة.
قال تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 3.
وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} 4.
ففي هذه الآيات "أخبر تعالى أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم، ثم ذكر أوصاف المتقين فذكر بذلهم للإحسان في حالة العسر واليسر، والشدة والرخاء، فإن من الناس من
__________
1- تفسير القرآن العظيم 6/113.
2- انظر فتح الباري 11/381.
3- سورة البقرة آية: 1 ـ 4.
4- سورة آل عمران آية: 133 ـ 136.(1/680)
يبذل في حال اليسر والرخاء، ولا يبذل في حال العسر والشدة، ثم ذكر كف أذاهم عن الناس بحبس الغيظ بالكظم، وحبس الانتقام بالعفو، ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم، وأنها إذا صدرت منها قابلوها بذكر الله والتوبة والإستغفار، وترك الإصرار فهذا حالهم مع الله، وذاك حالهم مع خلقه" 1.
فينبغي للمسلم أن يتدبر كتاب الله، وأن يتميز عن غيره من أهل المعاصي بصفات المتقين الذين يحبون لقاء الله ويطلبون الفوز برضاه.
أما صفاتهم في السنة فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم عنها الشيء الكثير.
فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد حتى مرّوا على رجل فقالوا: فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا إني رأيته في النار في بردة2 غلّها3 أو عباءة" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن الخطاب. إذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون". قال: فخرجت فناديت ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون"4.
فبين عليه الصلاة والسلام أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإيمان الذين قاموا بشرائع الإسلام كلها، وأنه لا حظ فيها لغيرهم.
وروى أيضاً بإسناده في حديث طويل من حديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ":.... وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم عفيف ذو عيال ... " الحديث5.
قال القرطبي مبيناً معنى هذا الحديث: "فصل" قوله ذو سلطان مقسط وما بعده مرفوع على أنها صفات "لذو" وهي بمعنى صاحب، والمقسط العادل، والمتصدق
__________
1- حادي الأرواح ص82.
2- البردة: الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربّع فيه صفر تلبسه الأعراب، النهاية 1/116.
3- غلّها: أي سرقها خفية: الإغلال: الخيانة أو السرقة الخفية، النهاية 3/380.
4- 1/107 ـ 108.
5- 4/2198.(1/681)
المعطي الصدقات والموفق: المسدد لفعل الخيرات، ورقيق القلب: ليّنه عند التذكر والموعظة ويصلح أن يكون بمعنى الشفيق"اهـ1.
وفي صحيح مسلم أيضاً: من حديث حارثة بن وهب الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره" 2.
"وقوله: "ضعيف متضعف" يعني: ضعيف في أمور الدنيا قوي في أمر دينه كما قال عليه الصلاة والسلام: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير" 3 ...
فإن كان ضعيفاً في أمور دينه لا يعنى بها فمذموم، وذلك من صفات أهل النار كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ "وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زبر له"4 أي لا عقل ومن لا عقل له ينفك به عن المفاسد، ولا ينزجر عنها فحسبك به ضعفاً وخسارة في الدين.5
وروى الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مرَّ بجنازة فأثني عليها خيراً فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبت" ومرَّ بجنازة فأثني عليها شراً فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبت" قال عمر: فدى لك أبي وأمي. مرّ بجنازة فأثني عليها خيراً فقلت: "وجبت وجبت وجبت"، ومرّ بجنازة فأثني عليها شراً فقالت: "وجبت وجبت وجبت" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض. أنتم شهداء الله في الأرض. أنتم شهداء الله في الأرض" 6.
وقال عليه الصلاة والسلام: "يوشك أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار" قالوا: بم
__________
1- التذكرة ص362 ـ 363.
2- 4/2190.
3- رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 4/2052.
4- رواه مسلم من حديث عياض بن حماد المجاشعي 4/2198.
5- التذكرة ص 363.
6- صحيح البخاري 2/237، صحيح مسلم 2/655، واللفظ له.(1/682)
ذاك يا رسول الله؟ قال: "بالثناء الحسن والثناء السيئ أنتم شهداء الله بعضكم على بعض" 1.
وبالجملة فأهل الجنة أربعة أصناف تضمنهم قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} 2 جعلنا الله منهم بفضله ومنه وكرمه إنه أرحم الراحمين3.
__________
1- رواه ابن ماجة في سننه 2/1411، وأحمد في مسنده 3/416، من حديث أبي زهير الثقفي.
2- سورة النساء آية: 69.
3- للزيادة في معرفة صفات أهل الجنة يراجع "مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية فإنه أوجز الكثير منها 10/422 ـ 423".(1/683)
المبحث السادس: غرف الجنة، وقصورها وأنهارها
قال تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ} .
هذه الآية الكريمة من السورة بين الله ـ تعالى ـ فيها ما أعده للمتقين من عوالي الغرف في الجنة.
والمتقون الذين ينالون هذه الغرف هم الذين اتقوا سخط الله وعقابه بترك الشرك والمعاصي، وإخلاص العبادة لله باتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه.
فهؤلاء لهم محالّ إقامة رفيعة، مستعلية بعضها فوق بعض درجات ثابتة ثبات البناء المستقر، والأنهار تجري من تحت تلك الغرف والقصور العالية، وأنهار الجنة ليس بينها وبين أنهار الدنيا تشابه إلا في الإسم فقط، وجريان الأنهار من تحت تلك الغرف والقصور مما يزيدها بهجة وجمالاً، وهي حاصلة، ومتحققة لعباد الله المؤمنين لأن الله وعدهم بتلك الغرف المتعالية التي تجري من تحتها الأنهار وعداً صادقاً لا يتخلف لأنه من الله الذي لا يخلف وعده.
قال ابن جرير: وقوله {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} يقول تعالى ذكره: لكن الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه، واجتناب محارمه، لهم في الجنة غرف من فوقها غرف مبنية علالي بعضها فوق بعض {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} .
يقوله تعالى ذكره: تجري من تحت أشجار جناتها الأنهار وقوله: {وَعْدَ اللهِ} يقوله جل ثناؤه: وعدنا هذه الغرف التي من فوقها غرف مبنية في الجنة هؤلاء المتقين.(1/684)
{لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ} يقول جل ثناؤه: والله لا يخلفهم وعده ولكنه يوفي وعده اهـ1.
وقال البغوي: " {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} أي: منازل في الجنة رفيعة وفوقها منازل أرفع منها {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ} أي: وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعداً لا يخلفه" اهـ2.
وقال العلامة ابن القيم: قال الله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} .
فأخبر أنها غرف فوق غرف، وأنها مبنية بناءاً حقيقة لئلا تتوهم النفوس أن ذلك تمثيل، وأنه ليس هناك بناء بل تتصور النفوس غرفاً مبنية كالعلالي بعضها فوق بعض حتى أنها ينظر إليها عياناً، ومبنية صفة للغرف الأولى والثانية أي: "لهم منازل مرتفعة، وفوقها منازل أرفع منها" اهـ3.
وقال العلامة ابن كثير: "أخبر ـ عز وجل ـ عن عباده السعداء أن لهم غرفاً في الجنة وهي القصور أي: الشاهقة {مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} طباق فوق طباق مبنيات محكمات مزخرفات عاليات" اهـ4.
وقد بين الله ـ تعالى ـ في كتابة وصف غرف الجنة في مواضع كثيرة.
قال تعالى بعد أن بين الكثير من صفات عباد الرحمن منوهاً بجزائهم الذين ينتظرهم:
{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً} 5.
قال ابن القيم:
"والغرفة جنس كالجنة، وتأمل كيف جعل جزاءهم على هذه الأقوال المتضمنة
__________
1- جامع البيان 23/208.
2- "معالم التنزيل" على حاشية تفسير الخازن 6/60.
3- حادي الأرواح ص 96.
4- تفسير ابن كثير 6/85.
5- سورة الفرقان آية: 75.(1/685)
للخضوع والذل والإستكانة لله الغرفة، والتحيّة والسلام في مقابلة صبرهم على سوء خطاب الجاهلين لهم فبدلوا بذلك سلام الله وملائكته عليهم" اهـ1.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} 2.
وقال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} 3.
فهاتان الآيتان بين الله ـ تعالى ـ فيهما أن غرف الجنات لا تنال إلا بالإيمان والعمل الصالح وذلك هو الذي يقرب العبد إلى الله زلفى. أما كثرة الأموال والأولاد عند الإنسان فإنها لا تدل على أن الله يحب صاحبها، لا. ليس الأمر كذلك، وليست بمقياس عند الله ـ تعالى ـ وإنما المقياس الحقيقي هو الإيمان والعمل الصالح فمن حقق الإيمان وعمل صالحاً يكون من الذين تضاعف حسناتهم ومن الذين هم في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى، ومن كل شيء يحذر منه.
هذه أوصاف غرف الجنة في القرآن الكريم.
أما ما جاء في شأن وصفها في السنة النبوية فقد وردت أحاديث توضح صفة هذه الغرف وعلوها.
فقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدرّي4 الغابر من الأفق من المشرق، أو المغرب لتفاضل ما بينهم" قالوا: يا رسول الله
__________
1- حادي الأرواح ص 96، وقد فسرت "الغرفة" بالجنة. انظر: المصنف لابن أبي شيبة 13/126.
2- سورة العنكبوت آية: 58.
3- سورة سبأ آية: 37.
4- قيل سمي درياً لبياضه، وقيل لإضاءته، وقيل لشبهه بالدر في كونه أرفع من باقي النجوم كالدر أرفع الجواهر، شرح النووي على مسلم 17/168. أما الغابر: فهو الذاهب الماشي الذي تدلى للغروب، وبعد عن العيون شرح النووي 17/ 169.(1/686)
تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين"1.
قال أبو عبد الله القرطبي: "وقوله والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" ولم يذكر عملاً ولا شيئاً سوى الإيمان والتصديق للمرسلين ذلك ليعلم أنه عنى الإيمان البالغ وتصديق المرسلين من غير سؤال آية ولا تلجلج، وإلا فكيف تنال الغرفات بالإيمان والتصديق الذي للعامة، ولو كان كذلك كان جميع الموحدين في أعالي الغرفات، وأرفع الدرجات وهذا محال، وقد قال الله تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} 2.
والصبر بذل النفس والثبات له وقوفاً بين يديه بالقلوب عبودية وهذه صفة المقربين.
وقال في آية أخرى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} 3.
فذكر شأن الغرفة وأنها لا تنال بالأموال والأولاد وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، ثم بين لهم جزاء الضعف وأن محلهم الغرفات، يعلمك أن هذا إيمان طمأنينة وتعلق قلب به مطمئناً به في كل ما نابه وبجميع أموره وأحكامه، فإذا عمل عملاً صالحاً فلا يخلطه بضده وهو الفاسد، فلا يكون العمل الصالح الذي لا يشوبه فساد إلا مع إيمان بالغ مطمئن صاحبه بمن آمن وبجميع أموره وأحكامه، والمخلط ليس إيمانه وعمله هكذا، فلهذا كانت منزلته دون غيره" اهـ4.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة يتراؤون الغرفة في الجنة كما تراؤون الكوكب في السماء" 5.
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة يتراؤون في الجنة كما تراؤون الكوكب الدريّ الغارب في الأفق
__________
1- صحيح البخاري 2/218، صحيح مسلم 4/2177.
2- سورة الفرقان آية: 75.
3- سورة سبأ آية: 37.
4- التذكرة للقرطبي ص: 461 ـ 462.
5- صحيح مسلم 4/2177، المسند 5/340.(1/687)
والطالع في تفاضل الدرجات قالوا: يا رسول الله أولئك النبيون؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" 1.
وروى أيضاً بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المتحابين لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي فيقال من هؤلاء؟ فيقال هؤلاء المتحابون في الله ـ عز وجل ـ" 2.
وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة بإسنادهما إلى علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لغرفاً يرى ظهورها من بطونها، وبطونهما من ظهورها" قال: فقام أعرابي فقال: هي لمن يا رسول الله؟ فقال: "هي لمن طيّب الكلام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام" 3.
فهذا الحديث بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم صفة غرف الجنة كما بين فيه بعض صفات سكان أهل تلك الغرف، وهو أنهم طيبوا الكلام، ويطعمون الطعام، ويفشون السلام، ويقومون في ليلهم يصلون لله ـ تعالى ـ والناس نيام.
وما تقدم من اختلاف غرف الجنة في العلو والصفة إنما هو بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال وتفاوتهم فيها، وكما تقدم في الأحاديث من أن بعض غرف الجنة أعلى من بعض وأرفع.
وأما عن قصور الجنة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصفها أحاديث كثيرة.
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله ـ تعالى ـ عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر؟ فقالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبراً" فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟ 4.
وروى الترمذي بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت
__________
1- 2/339 قال ابن كثير: قال الضياء: "وهذا على شرط البخاري". النهاية 2/2350.
2- المسند 3/87.
3- المسند 1/156، والمصنف لابن أبي شيبة 31/101، ورواه الترمذي في سننه 4/80.
4- صحيح البخاري 2/216، صحيح مسلم 4/1863.(1/688)
الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت لمن هذا القصر؟ قالوا: لشاب من قريش فظننت أني أنا هو فقلت ومن هو؟ قالوا: عمر بن الخطاب" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح1.
وروى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله. خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام، أو طعام، أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ـ عز وجل ـ ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب2.
قال العلامة ابن القيم: "والقصب ههنا قصب اللؤلؤ المجوف"3.
وقال الحافظ: "قوله من قصب" ... قال ابن التين: "المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف" ... إلى أن قال: وعند الطبراني في "الأوسط" من حديث فاطمة قالت: قلت يا رسول الله أين أمي خديجة؟ قال "في بيت من قصب" قلت: أمن هذا القصب؟ قال: "لا. من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت"4.
أما صفة بناء قصور الجنة:
فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلنا: يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: لبنة ذهب، ولبنة فضة وملاطها المسك الأذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه"5.
وروى ابن أبي شيبة بإسناده إلى ابن عمر قال: قيل يا رسول الله كيف بناء الجنة؟ قال: "لبنة من فضة، ولبنة من ذهب ملاطها مسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران"6.
__________
1- سنن الترمذي 5/282.
2- صحيح البخاري 2/315 ـ 316، صحيح مسلم 4/1887.
3- حادي الأرواح ص 97.
4- فتح الباري 6/138.
5- رواه أحمد والترمذي المسند 2/305، سنن الترمذي 4/79 ـ 80، ثم قال: هذا حديث ليس إسناده بذلك القوي، وليس هو عندي بمتصل وقد روي هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي هريرة.
6- المصنف 13/95 ـ 96.(1/689)
هذا وصف قصور الجنة وبناؤها التي ينبغي المسابقة المسارعة إلى الأعمال التي تكون سبباً في الحصول على ذلك بعد رحمة الله ـ تعالى ـ قال ابن كثير بعد أن ذكر كثيراً من الأحاديث الواردة في وصف قصور الجنة وغرفها.
"وقد ورد في بعض الأحاديث أن القصر يكون من لؤلؤة واحدة أبوابه ومصارعه، وسقفه، وفي حديث آخر أن بعض سقوف الجنة نور يتلألأ كالبرق اللامع لولا أن الله يثبت أبصارهم لأوشك أن يخطفها" اهـ1.
وأما أنهار الجنة فقد جاء وصفها في السورة بأنها تجري من تحت غرف الجنة وقصورها كما هو ظاهر الآية التي صدرنا بها هذا المبحث وهي قوله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فهذه الآية من السورة وصفت أنهار الجنة بأنها تجري من تحت تلك الغرف التي بعضها فوق بعض درجات.
قال ابن كثير: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} أي: تسلك الأنهار بين خلال ذلك كما شاؤوا وأين أرادوا2.
ولقد تكرر ذكر أنهار الجنة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة وكلها مقترنة بحرف "من" ما عدا موضعاً واحداً من كتاب الله فإنه جاء بدون حرف "من" وهو قوله تعالى: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} 3. قال مسروق رحمه الله تعالى: "أنهار الجنة في غير أخدود"4.
وقال ابن جرير الطبري: عند قوله تعالى: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} 5 "يعني: مصبوب سائل في غير أخدود كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا مهران عن سفيان {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} قال يجري في غير أخدود" اهـ6.
__________
1- النهاية 2/240.
2- تفسير القرآن العظيم 6/86.
3- سورة التوبة آية: 100.
4- المصنف لابن أبي شيبة 13/97.
5- سورة الواقعة آية: 31.
6- جامع البيان 27/184.(1/690)
وقال العلامة ابن القيم؛ بعد أن ذكر آيات من القرآن الكريم التي تصف أنهار الجنة بأنها جارية:
"وهذا يدل على أمور":
أحدها: وجود الأنهار فيها حقيقية.
الثاني: أنهار جارية لا واقفة.
الثالث: أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم كما هو المعهود في أنهار الدنيا، وقد ظن بعض المفسرين أن معنى ذلك جريانها بأمرهم وتصريفهم لها كيف شاؤوا، وكأن الذي حملهم على ذلك أنه لما سمعوا أن أنهارها تجري في غير أخدود فهي جارية على وجه الأرض حملوا قوله {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} على أنها تجري بأمرهم إذ لا يكون فوق المكان تحته وهؤلاء أوتوا من ضعف الفهم، فإن أنهار الجنة وإن جرت في غير أخدود فهي تحت القصور والمنازل والغرف وتحت الأشجار وهو ـ سبحانه ـ لم يقل من تحت أرضها.
وقد أخبر ـ سبحانه ـ عن جريان الأنهار تحت الناس في الدنيا فقال: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ} 1. فهذا على ما هو المعهود والمتعارف وكذلك ما حكاه من قول فرعون {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِيْ} 2.
وقال تعالى مبيناً أنواع أنهار الجنة: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} 3.
قال ابن جرير: موضحاً معنى الآية "يقول تعالى ذكره: صفة الجنة التي وعدها المتقون وهم الذين اتقوا في الدنيا عقابه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ
__________
1- سورة الأنعام آية: 6.
2- حادي الأرواح ص121 والآية رقم 51 من سورة الزخرف.
3- سورة محمد آية 15.(1/691)
مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} يقول تعالى ذكره: في هذه الجنة التي ذكرها: أنهار من ماء غير متغير الريح، يقال منه "قد أسن ماء هذه البئر إذا تغيرت ريح مائها فأنتنت ... ".
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} يقول: غير متغير.
وقال قتادة: في قوله: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} من ماء غير منتن ... وقوله {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} . يقول تعالى ذكره: وفيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه لأنه لم يحلب من حيوان فيتغير طعمه بالخروج من الضرع ولكنه خلقه الله ابتداء في الأنهار فهو بهيئته لم يتغير عما خلقه عليه ... وقوله {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} يقول: وفيها أنهار من عسل قد صفي من القذى وما يكون في عسل أهل الدنيا قبل التصفية، وإنما أعلم ـ تعالى ـ ذكره عباده بوصفه ذلك العسل بأنه مصفى أنه خلق في الأنهار ابتداء سائلاً جارياً سيل الماء واللبن المخلوقين فيها فهو من أجل ذلك مصفى، قد صفاه الله من الأقذاء التي تكون في عسل أهل الدنيا الذي لا يصفو من الأقذاء إلا بعد التصفية لأنه كان في شمع فصفي منه" اهـ1.
قال العلامة ابن القيم: بعد أن ذكر الآية السابقة: "فذكر ـ سبحانه ـ هذه الأجناس الأربعة، ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه، وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة، وأن يصير قارصاً، وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذة شربها، وآفة العسل عدم تصفيتة وهذا من آيات ـ الرب تعالى ـ أن تجري أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها ويجريها في غير أخدود وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها كما ينفي عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغول واللغو والإنزاف وعدم اللذة فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا فتغتال العقل ويكثر اللغو على شربها بل لا يطيب لشرابها ذلك إلا باللغو وتنزف في نفسها، وتنزف المال وتصدع الرأس وهي كريهة المذاق وهي رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين الناس وتصد عن ذكر الله، وعن الصلاة وتدعو إلى الزنا، وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم، وتذهب الغيرة، وتورث الخزي والندامة، والفضيحة، وتلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان، وهم المجانين، وتسلبة أحسن الأسماء
__________
1- جامع البيان 26/49 ـ 50.(1/692)
والسمات وتكسوه أقبح الأسماء والصفات، وتسهل قتل النفس، وإفشاء السر الذي في إفشائه مضرته، أو هلاكه ومؤاخاة الشياطين في تبذير المال الذي جعله الله قياماً له ولم يلزمه مؤنته، وتهتك الأستار، وتظهر الأسرار، وتدل على العورات، وتهون ارتكاب القبائح والمآثم وتخرج من القلب تعظيم المحارم، ومدمنها كعابد وثن، وكم أهاجت من حرب وأفقرت من غنى، وأذلت من عزيز، ووضعت من شريف وسلبت من نعمة وجلبت من نقمة، وفسخت مودة، ونسجت عداوة، وكم فرقت بين رجل وزوجته، فذهبت بقلبه وراحت بلبه، وكم أورثت من حسرة، وأجرت من عبرة وكم أغلقت في وجه شاربها باباً من الخير، وفتحت له باباً من الشر، وكم أوقعت في بلية وعجلت من منية، وكم أورثت من خزية وجرت على شاربها من محنة وجرت عليه من سفلة فهي جماع الإثم ومفتاح الشر وسلابة النعم وجالبة النقم، ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة" 1 لكفى وآفة الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا وكلها منتفية عن خمر الجنة، فإن قيل فقد وصف ـ سبحانه ـ الأنهار بأنها جارية ومعلوم أن الماء الجاري لا يأسن فما فائدة قوله {غَيْرِ آسِنٍ} 2.
قيل الماء الجاري وإن كان لا يأسن فإنه إذا أخذ منه شيء وطال مكثه أسن، وماء الجنة لا يعرض له ذلك ولو طال مكثه ما طال، وتأمل اجتماع هذه الأنهار الأربعة التي هي أفضل أشربة الناس فهذا لشربهم، وطهورهم، وهذا لقوتهم وغذائهم، وهذا للذتهم وسرورهم، وهذا لشفائهم ومنفعتهم والله أعلم"اهـ3.
وما تقدم من الآيات كلها تصف أنهار الجنة وهي تجري من تحت غرفها وقصورها وبساتينها وجريان الأنهار من تحت تلك الغرف والقصور والبساتين مما يزيدها بهجة وجمالاً وكل ذلك حاصل ومتحقق لعباد الله المتقين لأن ـ الباري سبحانه ـ وعدهم بذلك ووعده ـ سبحانه ـ حق لا يخلف.
__________
1- رواه ابن ماجة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما 2/1119، رواه أبو داود 2/293، ورواه النسائي في سننه 8/318، ورواه أحمد في المسند 2/22، كلهم من حديث ابن عمر.
2- سورة محمد آية: 15.
3- حادي الأرواح ص122 ـ 123.(1/693)
ولنستمع بعد وصف القرآن لأنهار الجنة، إلى بعض ما جاء في وصفها في السنة المطهرة:
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقاً على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها" فقالوا: يا رسول الله أفلا نبشر الناس؟ قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة أراه فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة" 1.
فلقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر أنهار الجنة بأنها تتفجر من أعلى درجة الجنة، ثم تنحدر نازلة إلى أقصى درجة فيها فيا له من منظر رائع، ويا له من تكريم لمن نزل تلك الدرجات العلى.
وروي أيضاً من حديث أنس رضي الله عنه قال:
لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: "أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوفاً فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر" 2.
وفي لفظ آخر: "فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب يده فإذا هو مسك أذفر قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربّك" 3.
ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج" 4.
__________
1- صحيح البخاري 2/136.
2- المصدر السابق 3/221.
3- صحيح البخاري مع الفتح 13/478.
4- رواه الترمذي في سننه وقال: هذا حديث حسن صحيح 5/119 ـ 120.(1/694)
فالكوثر هو أحد أنهار الجنة المشهورة، وهو أعظمها وأحلاها، وأحسنها وهو كرامة وهداية من الله ـ عز وجل ـ أكرم به نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خصوصية له من بين سائر الأنبياء، وهو دليل على علوه قدره صلى الله عليه وسلم، وارتفاع منزلته عند الله ـ تعالى ـ وليس في وسعنا أن نصف هذه المنزلة غير أنه يكفينا أن نقول: إنه خير البشر وأفضلهم على الإطلاق كيف وقد قال عليه الصلاة والسلام: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة".
وظاهر الأحاديث التي تقدم ذكرها في بيان صفة الكوثر تدل دلالة واضحة على أن الكوثر غير الحوض المورود الذي يكون في عرصات القيامة وقبل الصراط.
ذلك هو وصف أنهار الجنة، كما هو واضح من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتقدمة.
__________
1- رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 4/1782.(1/695)
المبحث السابع: أبدية الجنة ودوام نعيمها
لقد دلت السورة على أبدية الجنة وخلود أهلها فيها ودوام نعيمها في قوله ـ تعالى ـ: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} .
فقوله ـ تعالى ـ في هذه الآية {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} فيه دلالة واضحة على أن أهل الجنة خالدون فيها بلا انقطاع.
قال ابن كثير: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} أي: ماكثين فيها أبداً لا يبغون عنها حولاً. اهـ1.
وقد أكد ـ تعالى ـ خلود أهل الجنة وأبديتها ودوام نعيمها في مواضع أخرى كثيرة في القرآن الكريم.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً} 2.
قال ابن كثير بعد هذه الآية: "هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها، ومحالها وأرجائها حيث شاؤوا، وأين أرادوا وهم خالدون فيها أبداً لا يحولون ولا يزولون ولا يبغون عنها حولاً" اهـ3.
__________
1- تفسير القرآن العظيم 6/116.
2- سورة النساء آية: 57.
3- تفسير القرآن العظيم 2/319.(1/696)
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} 1.
أخبر ـ تعالى ـ في هاتين الآيتين بأنه أعد لعباده السعداء وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات الفردوس نزلاً ـ "والنزل: هو ما يهيأ من الإكرام للضيف أو القادم ومعنى قوله ـ تعالى ـ: {خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} أي: خالدين في جنات الفردوس لا يبتغون عنها حولاً أي: تحولاً إلى منزل آخر، لأنها لا يوجد منزل أحسن منها يرغب في التحول إليه عنها بل هم خالدون فيها دائماً من غير تحول ولا انتقال"2.
قال ابن كثير: "وفي قوله: {لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} تنبيه على رغبتهم فيها وحبهم لها، مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائماً أنه قد يسأمه، أو يمله، فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولاً ولا انتقالاً ولا ظعناً ولا رحلة ولا بدلاً"اهـ3.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً} 4.
هذه الآية بين الله فيها أن الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا له بالوحدانية ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالنبوة، وأدوا مع ذلك فرائض الله التي فرضها عليهم، فإن جزاءهم أن يدخلهم يوم القيامة إذا صاروا إلى الله جنات يعني: بساتين تجري من تحتها الأنهار {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} أي: باقين في هذه الجنات التي هذا وصفها أبداً دائماً"5.
وقال تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 6.
__________
1- سورة الكهف آية: 108.
2- أضواء البيان 4/197.
3- تفسير القرآن العظيم 4/431.
4- سورة النساء آية: 122.
5- جامع البيان 5/287.
6- سورة المائدة آية: 119.(1/697)
وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} 1.
بشّر الله ـ تعالى ـ "عباده المؤمنين الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيله برحمة منه لهم، وأنه قد رحمهم من أن يعذبهم، وبرضوان منه لهم، بأنه قد رضي عنهم بطاعتهم إياه، وأدائهم ما كلفهم، وجنات يعني: بساتين لهم فيها نعيم مقيم لا يزول ولا يبيد، ثابت دائم أبداً لهم لا نهاية لذلك ولا حد"2.
وقال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} 3.
بين الله ـ تعالى ـ في هاتين الآيتين أنه يُخرج ما في صدور المتقين من عداوة وبغضاء وحقد من بعضهم لبعض، ويجعلهم إخواناً على سرر متقابلين، وأنه لا يمسهم في الجنة تعب، ولا يخرجون من الجنة ونعيمها وما أعطاهم الله فيها من النعيم بل ذلك دائم أبداً.
وقال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} 4.
هذه الآيات نوه الله ـ تعالى ـ فيها بأصحاب اليمين، وأن شأنهم عظيم وحالهم جسيم، كما نوّه بما يؤولون إليه من النعيم من فواكه لذيذة، وظل ظليل، وكثير من العيون والأنهار السارحة والمياه المتدفقة، ثم بين ـ تعالى ـ أن فاكهة الآخرة ليست كفاكهة الدنيا تنقطع في وقت من الأوقات وتكون ممتنعة متعسرة على مبتغيها بل هي على الدوام موجودة وجناها قريب يتناوله العبد على أي حال كان.
وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ
__________
1- سورة التوبة آية: 20 ـ 22.
2- جامع البيان 10/97.
3- سورة الحجر آية: 47 ـ 48.
4- سورة الواقعة آية: 27 ـ 34.(1/698)
وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} 1.
وهذه الآيات بين الله ـ تعالى ـ فيها أن المتقين في الجنة خالدون، لا يذوقون فيها الموت أبداً، ولا يخرجون من الجنة أبداً.
ويكفينا من الآيات ما تقدم في الإستدلال على أبدية الجنة ودوامها، وأما الأدلة من السنة على ذلك فكثيرة جداً.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس2 لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه" 3.
ومنها حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبتئسوا أبداً فذلك قوله ـ عز وجل ـ {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} " 4.
ومنها ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح" 5 فيوقف بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم. هذا الموت قال ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ قال فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم. هذا الموت قال فيؤمر به فيذبح قال ثم يقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} 6
وفيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل
__________
1- سورة الدخان آية: 51 ـ 56.
2- البأس: هو شدة الحال والبأس، والبؤس، والبأساء، والبؤساء بمعنى واحد شرح النووي 17/174.
3- رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 4/2181 ـ 2182.
4- صحيح مسلم 4/2182، من حديث أبي سعيد وأبي هريرة معاً والآية رقم 43 من سورة الأعراف.
5- الأملح: من الكباش الذي يكون فيه بياض وسواد والبياض أكثر، التذكرة ص438.
6- صحيح البخاري 3/157، صحيح مسلم 4/2188، واللفظ له والآية رقم 39 من سورة مريم.(1/699)
الله أهل الجنة الجنة، ويدخل أهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه" 1.
والأحاديث الواردة في أبدية الجنة ودوام نعيمها كثيرة جداً، وكلها دلت على أن نعيم الجنة لا يفنى ولا ينقطع، وأنه نعيم أبدي سرمدي، وهذا هو اعتقاد أهل السنة وعامة المسلمين.
قال النووي: "مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، يتنعمون بذلك وبغيره من ملاذ وأنواع نعيمها تنعماً دائماً لا آخر له ولا انقطاع أبداً، وأن تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا يشارك نعيم الدنيا إلا في التسمية وأصل الهيئة، وإلا في أنهم لا يبولون، ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبصقون، وقد دلت دلائل القرآن والسنة ... أن نعيم الجنة دائم لا انقطاع له أبداً" أهـ2.
والذي نخلص إليه مما تقدم من الآيات والأحاديث التي سقناها للاستدلال على أبدية الجنة ودوام نعيمها أنه يجب على كل إنسان أن يصدق التصديق الجازم بوجود الجنة وأنها مخلوقة الآن وأنها باقية بإبقاء الله لها لا تفنى أبداً، ويدخل في ذلك كل ما اشتملت عليه من النعيم"3.
__________
1- صحيح البخاري 4/136، صحيح مسلم 4/2189.
2- شرح النووي على صحيح مسلم 17/173 ـ 174 وانظر: مراتب الإجماع لابن حزم ص 173".
3- ولم يخالف في هذا الاعتقاد الحق إلا "الجهم بن صفوان" فإنه زعم "أن الجنة والنار تفنى وليس له سلف ألبتة في هذا الاعتقاد الباطل وتبعه على هذا الاعتقاد "أبو الهذيل العلاف" فإنه زعم: أن حركات أهل الجنة تفنى ويصيرون في سكون دائم". أنظر: مذهب الجهم في "حادي الأرواح" ص244 ـ 245، شرح الطحاوية ص 480 ـ 481، لوامع الأنوار البهية 2/234. وانظر "مقالات الإسلاميين" 1/243، وانظر الفرق بين الفرق ص211، 212، وانظر "الملل والنحل" 1/51، وانظر مذهب "محمد بن الهذيل العلاف" في "الملل والنحل" 1/51، التبصير في الدين ص108، ص 70، ولقد كفر السلف الصالح من قال بفناء الجنة لأن ذلك تكذيب للقرآن وكفر به. انظر كتاب "السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ص20".(1/700)
المبحث الثامن: وجوب الإيمان بالعرش، وهو سقف الجنة
لقد دلت السورة على وجوب الإيمان بالعرش، وهو من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها، وهو أعظم المخلوقات، خلقه ـ الرب جل وعلا ـ قبل أن يخلق السموات والأرض، واختصه بالعلو والارتفاع، ثم استوى عليه.
وقد جاء ذكر العرش في آخر آية من سورة "الزمر" وذلك في قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
فهذه الآية من السورة أوضحت لنا مشهداً رائعاً لعباد الله المكرمين وهم محدقون حول هذا المخلوق العظيم ـ العرش ـ يسبحون بحمد ربهم، ويعظمونه وينزهونه عن النقائص ويثنون عليه الثناء الطيب الذي يليق بجلاله وعظيم سلطانه، فإذا ما تم القضاء بين الخلائق بالعدل، والقول الفصل على أتم وجه وأكمله، نطق كله بالثناء والتحميد لله الحكم العدل الذي لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى {وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
قال العلامة ابن القيم: "فحذف فاعل القول، لأنه غير معين بل كل أحد يحمده على ذلك الحكم الذي حكم به، فيحمده أهل السموات، وأهل الأرض، الأبرار والفجار، والإنس والجن، حتى أهل النار".
قال الحسن وغيره: "لقد دخلوا النار، وإن حمده لفي قلوبهم، وما وجدوا لهم عليه سبيلاً، وهذا ـ والله أعلم ـ هو السر الذي حذف لأجله الفاعل في قوله: {قِيلَ ادْخُلُوا(1/701)
أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} . وفي قوله: {وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} 1كأن الكون كله نطق بذلك، وقال لهم ذلك والله أعلم بالصواب"2.
وقال البغوي رحمه الله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} أي: "محدقين محيطين بحافته وجوانبه" أ. هـ3.
وقال ابن كثير حول قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} الآية: "لما ذكر تعالى حكمه في أهل الجنة والنار، وأنه نزل كلاً من المحل الذي يليق به ويصلح له، وهو العادل في ذلك الذي لا يجور، أخبر عن ملائكته أنهم محدقون حول العرش المجيد يسبحون بحمد ربهم ويمجدونه، ويعظمونه ويقدسونه، وينزهونه عن النقائص والجور، وقد فصل القضية، وقضي الأمر وحكم بالعدل {وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: نطق الكون أجمعه ناطقه وبهيمه لله ـ رب العالمين ـ بالحمد في حكمه وعدله ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد.
قال قتادة: افتتح الخلق بالحمد في قوله: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} 4. واختتم بالحمد في قوله ـ تبارك وتعالى ـ {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 5.
وبعد بيان معنى الآية نقول: إنها دلت على وجوب الإيمان بالعرش وهو مقصودنا الذي نريد التوصل إليه، وذكرناه هنا عقب ذكر الجنة لأمرين:
1 ـ الأمر الأول: أن هذه الآية التي نصت على وجوب الإيمان بالعرش جاءت عقب الآيات الدالة على الإيمان بالجنة.
2 ـ الأمر الثاني: ثبت في السنة الصحيحة أن العرش سقف الجنة. فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في
__________
1- سورة التحريم آية: 10.
2- روضة المحبين ص 65.
3- تفسير البغوي على حاشية الخازن 6/72.
4- سورة الأنعام آية: 1.
5- تفسير القرآن العظيم 6/118.(1/702)
الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة"1.
ولا بد لنا هنا من بيان معنى العرش في اللغة، ومفهومه عند العرب الذين بلغتهم نزل القرآن وخاطبنا الله بها فنقول: العرش في اللغة:
هو عبارة عن سرير الملك ومنه قوله تعالى: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} 2 وعرش البيت سقفه، ومنه قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} 3 أي: على سقوفها، ويأتي لمعنى الملك يقال: ثل عرشه على ما لم يسم فاعله أي: زال ملكه وذهب عزه.
قال زهير:
تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها ... وذبيان إذ زلت بأحلامها النعل4
والمراد بالعرش في الآيات والأحاديث النبوية هو المعنى الأول وهو: السرير وهذا المعنى معروف عند العرب.
جاء في تهذيب اللغة: "العرش في كلام العرب، سرير الملك يدلك على ذلك سرير ملكة سبأ سماه الله ـ جل وعز ـ عرشاً فقال: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} 5.
وما جاء في كلام بعض أهل اللغة من أن المراد بالعرش الملك لا يعني أن الملك يكون بدون عرش، فالملك تبع للعرش فإذا ذهب العرش ذهب الملك.
وقال في القاموس: "العرش عرش الله ولا يحد"6، لعل قصد صاحب القاموس بقوله: "لا يحد" أي: لا يوصف بغير ما وصفه الله به في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
__________
1- 2/136.
2- سورة النمل آية: 23.
3- سورة البقرة آية: 259.
4- الصحاح 3/1010، لسان العرب 6/313، القاموس 2/288.
5- تهذيب اللغة 1/414، والآية رقم 23 من سورة النمل.
6- القاموس 2/288.(1/703)
وأما عرش الله تعالى:
فهو سرير ذو قوائم خلقه الله واستوى عليه وأمر الملائكة بحمله وهو كالقبة على العالم وهو سقف المخلوقات ومنه قول: أمية بن أبي الصلت:
مجدوا الله فهو للمجد أهل ... ربنا في السماء أمسى كبيراً
بالبناء العالي الذي سبق النا ... س وسوى فوق السماء سريراً
مرجعاً لا يناله بصر العين ... ترى دونه الملائكة صوراً1
وثبوت العرش من أوضح الأمور عند جميع الأمم، وفي جميع الأديان.
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي: "باب الإيمان بالعرش وهو أحد ما أنكرته المعطلة ثم قال: "وما ظننا أن نضطر إلى الإحتجاح على أحد ممن يدعي الإسلام في إثبات العرش والإيمان به حتى ابتلينا بهذه العصابة الملحدة في آيات الله فشغلونا بالاحتجاج لما لم تختلف فيه الأمم قبلنا"2.
قال أحمد بن الحسين البيهقي في كتابه "الأسماء والصفات" بعد أن ذكر آيات العرش: "اتفقت أقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير، وأنه جسم خلقه الله وأمر ملائكته بحمله وفي أكثر هذه الآيات دلالة على صحة ما ذهبوا إليه وفي الأخبار والآثار الواردة في معناه دليل على صحة ذلك"3 أ. هـ.
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة الدالة على إثبات العرش كثيرة جداً فقد أخبر ـ الباري جل وعلا ـ عن نفسه بأنه استوى على عرشه في مواضع سبعة من كتابه وقد تقدم ذكرها.
وقال تعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 4.
وقال تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} 5.
__________
1- الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة ص 240 ضمن عقائد السلف.
2- الرد على الجهمية ص12.
3- ص497.
4- سورة البروج آية: 15 ـ 16.
5- سورة غافر آية: 15.(1/704)
وقال تعالى: {الَهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 1.
وقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} 2.
وةقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} 3.
وقال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 4.
وأما الأحاديث والآثار التي دلت على ثبوت العرش ووجوب الإيمان به فكثيرة جداً ومنها ما يلي:
1 ـ فقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب لا إله إلا الله العليم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات، ورب الأرض ورب العرش الكريم"5.
2 ـ ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض ـ أو القبض ـ يرفع ويخفض" 6.
قال الإمام الذهبي رحمه الله ـ تعالى ـ "فالقرآن مشحون بذكر العرش، وكذلك الآثار بما يمنع أن يكون المراد به الملك، فدع المكابرة والمراء فإن المراء في القرآن كفر، وما أنا قلت: بل المصطفى صلى الله عليه وسلم قاله"7.
__________
1- سورة النمل آية: 26.
2- سورة غافر آية: 7.
3- سورة الحاقة آية: 17.
4- سورة التوبة آية: 129.
5- صحيح البخاري 4/282، صحيح مسلم 4/2092 ـ 2093.
6- صحيح البخاري 4/281.
7- كتاب العلو للذهبي ص58.(1/705)
أما الجهمية وأفراخهم المعتزلة، وطائفة من الخوارج وبعض الأشاعرة فقد أنكروا العرش بطريقة التأويل الفاسد، فقد زعموا: أن المراد بالعرش في الآيات والأحاديث هو عبارة عن سعة الملك والسلطان، وليس العرش الذي هو سقف المخلوقات وزعم بعضهم أن عرشه سماواته وأرضه، وجميع خلقه وهذا هو عين التحريف لنصوص الكتاب والسنة"1.
وقد بين محمد بن عثمان2 بن أبي شيبة مذهب الجهمية في العرش فقال: "ذكروا أن الجهمية يقولون: أن ليس بين الله ـ عز وجل ـ وبين خلقه حجاب وأنكروا العرش، وأن يكون هو فوقه وفوق السموات وقالوا: إن الله في كل مكان وأنه لا يتخلص من خلقه شيء ولا يتخلص الخلق منه إلا أن يفنيهم أجمع فلا يبقى من خلقه شيء ـ تبارك وتعالى ـ عما يقولون علواً كبيراً" اهـ3.
وقد عبر عبد الجبار بن أحمد عن مذهب إخوانه المعتزلة في العرش فقال بعد أن ذكر آيات الاستواء على العرش: "إن العرش ههنا بمعنى الملك وذلك ظاهر في اللغة يقال:
ثل عرش بني فلان أي إذا زال ملكهم، ثم استدل على هذا بقول الشاعر:
إذا ما بنوا مروان ثُلَّتْ عروشهم ... وأودت كما أودت إياد وحمير4
وأما الأشاعرة وأفراخ المعتزلة فقد عبر عن مذهبهم في العرش أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي حيث قال: "والصحيح عندنا تأويل العرش في هذه الآية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 5 على معنى الملك كأنه أراد أن الملك ما استوى لأحد
__________
1- انظر: التنبيه والرد على أهل الأهواء ص95، التوحيد للمعتزلي ص599، الاختلاف في اللفظ ص242، الرد على الجهمية للدارمي ص13، العلو للعلي الغفار ص58، مختصر الصواعق المرسلة 2/140، شرح الطحاوية ص312.
2- هو محمد بن عثمان بن محمد بن أبي شيبة العبسي من عبس غطفان أبو جعفر الكوفي مؤرخ لرجال الحديث من الحفاظ، توفي سنة سبع ومائتين هجرية. انظر ترجمته في: الميزان 3/642، تاريخ بغداد 3/42، الأعلام 7/142.
3- كتاب العرش 51 ق "مخطوط".
4- شرح الأصول الخمسة ص227.
5- سورة طه آية: 5.(1/706)
غيره، وهذا التأويل مأخوذ من قول العرب "ثل عرش بني فلان" إذا ذهب ملكهم، وقال متمم بن نويرة في هذا المعنى:
عروش تفانوا بعد عز وأمة
هَوَوْ بعد ما نالوا السلامة والبقاء
وأراد بالعروش ملوكاً انقرضوا، وقال سعيد بن زائدة الخزاعي في النعمان بن المنذر:
قد نال عرشاً لم ينله خائل
جن ولا إنس ولا ديار
وأراد بالعرش الملك والسلطان. وقال النابغة:
بعد ابن جفنة وابن هاتك عرشه
والحارثين يؤملون فلاحا
"وأراد بهاتك عرش ابن جفنة سالب ملكه فصح بهذا التأويل العرش على الملك في آية الاستواء على ما بيناه والله الموفق للصواب"1.
وهذه التأويلات الفاسدة التي انتحلها الجهمية والمعتزلة والأشاعرة للعرش الذي استوى عليه الرب جل جلاله استواءً يليق بجلاله يقصدون منها التوصل إلى نفي صفة العلو والفوقية ولكنهم باءوا بالفشل في مسعاهم ذلك لأن الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة تكذبهم فيما قالوا وتثبت لله ـ تعالى ـ صفة العلو والفوقية، وأن المراد من العرش المخلوق العظيم الذي هو سقف المخلوقات وأنه ذو قوائم ويحمله ثمانية من الملائكة الكرام البررة.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: "فمن أنكر عرشه، وأنكر استواءه أو أنكر تدبيره فقد قدح في ملكه" اهـ2.
وقال شارح الطحاوية: رداً على المعطلة "وأما من حرف كلام الله وجعل العرش عبارة عن الملك كيف يصنع بقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} 3 وقوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} 4 أيقول: "ويحمل ملكه يومئذ ثمانية؟ وكان ملكه على
__________
1- أصول الدين ص 113 ـ 114.
2- مختصر الصواعق المرسلة 2/140.
3- سورة الحاقة آية: 17.
4- سورة هود آية 7:.(1/707)
الماء ويكون موسى عليه السلام آخذاً بقائمة من قوائم الملك؟ هل يقول هذا عاقل يدري ما يقول؟ " 1 اهـ.
والذي نخلص إليه مما تقدم من الآيات والأحاديث النبوية السابقة أن العرش من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها كما أخبر الله ورسوله بذلك، وأن العرش أعظم مخلوقات الله خلقه قبل خلقه للسموات والأرض، واختصه ـ سبحانه ـ بالعلو والارتفاع على سائر المخلوقات، ثم استوى عليه استواء يليق بجلاله ـ سبحانه ـ وتعالى وهذا ما يجب على الإنسان أن يعتقده في العرش، كما يجب عليه أن ينآى بنفسه من الاعتقادات المنحرفة المخالفة للكتاب والسنة في عرش الرحمن، وقد تقدم ذكر بعضها 2.
__________
1 - شرح الطحاوية ص312.
2- "وهناك طائفة من الفلاسفة والمتكلمين ذهبوا إلى أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه محيط بالعالم من كل جهة وهو عندهم الفلك التاسع.
جاء في رسائل إخوان الصفا "وأما الفلك التاسع المحيط بهذه الأفلاك الثمانية فهو العرش العظيم الذي يحمله فوقهم يومئذ ثمانية كما قال ـ عز وجل ـ. انظر: رسائل إخوان الصفا 2/26، تفسير روح المعاني 11/53، شرح الطحاوية ص310، "وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية قولهم هذا ورد عليه وبين بأنه قول لم يثبت بدليل عقلي ولا شرعي". انظر الرسالة العرشية ضمن مجموعة الرسائل الكبرى 1/261 ـ 264.(1/708)
"الخاتمة"
وأوجز في هذه الخاتمة النتائج التي اشتمل عليها هذا البحث المتعلق بمباحث العقيدة في "سورة الزمر" وذلك فيما يلي:
1 ـ الإيمان بالله يتضمن: الاعتقاد الجازم بأنه تعالى رب كل شيء ومليكه وأنه الخالق الرازق المحيي المميت، وأنه ـ وحده ـ الذي يستحق أن يفرده العباد بالعبودية والطاعة، والذل والخضوع وغير ذلك من أنواع العبادة، وأنه ـ تعالى ـ المتصف بصفات الكمال المنزه من كل عيب ونقصان، وهذا ما يجب على كل إنسان أن يعتقده في الله ـ عز وجل ـ حتى يحقق عبوديته للخالق ـ سبحانه وتعالى ـ.
2 ـ الإيمان بأن الله ـ تعالى ـ عالٍ على جميع المخلوقات مستو على عرشه بائن من خلقه، وأنه لا يحل بشيء ولا يتحد به.
3 ـ القرآن كلام الله منزل غير مخلوق في جميع أحواله سواء كان مقروءاً، أو مسموعاً، أو مكتوباً فهو كلامه ـ تعالى ـ على كل حال لأن الكلام ينسب إلى من قاله مبتدئاً لا إلى من قاله مبلغاً، ومن ثم لا يكون مخلوقاً.
4 ـ ثبوت صفة العزة ـ للباري جل وعلا ـ بنص الكتاب والسنة فلا عزة لأحد إلا والله مالكها، ومن يريد العزة فليطلبها منه ـ جل وعلا ـ ولا سبيل إلى نيلها إلا بطاعته والخضوع له ـ وحده لا شريك له.
5 ـ إن صفة الحكمة من الصفات التي أثبتها لنفسه ـ سبحانه ـ فله حكمة تتعلق به يحبها ويرضاها، ويفعل لأجلها فهو ـ تعالى ـ يفعل ما يفعل لحكمة يعلمها، والنافون للحكمة والتعليل مخالفون للكتاب والسنة والإجماع والعقل الصحيح والفطرة المستقيمة التي فطر الله الناس عليها.
6 ـ بطلان زعم اليهود والنصارى ومشركي العرب مما ادعوه من نسبتهم الولد إلى(1/710)
الله ـ تعالى ـ فقد نفى ـ سبحانه ـ عن نفسه الولادة، ونفى اتخاذ الولد جميعاً فهو المنزه ـ جل وعلا ـ من كل نقص وعيب ـ تعالى الله ـ عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
7 ـ اتصاف الباري ـ سبحانه وتعالى ـ بصفتي الرحمة والمغفرة حقيقة لا مجازاً، وأن صفة الرحمة تنقسم إلى قسمين رحمة عامة يشترك فيها المؤمنون والكافرون كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} 1 ورحمة خاصة بالأنبياء والرسل وعباده المؤمنين كما قال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} 2 فهما صفتان حقيقيتان ثابتتان لله ـ عز وجل ـ حقيقة على ما يليق بجلاله وعظيم سلطانه.
8 ـ صفة الغنى من صفات الكمال التي أثبتها الباري ـ سبحانه ـ لنفسه فلا يحتاج إلى شيء، والخلائق جميعهم محتاجون إليه وفقراء إليه في كل أمر من أمورهم فلا قوام لهم إلا به تعالى ـ في كل حركاتهم وسكناتهم وفي كل لحظة من لحظاتهم، وفي كل نفس من أنفاسهم فلا غنى لهم عنه طرفة عين.
9 ـ إن صفة الرضا من الصفات الفعلية التي أثبتها ـ الباري سبحانه ـ لنفسه على ما يليق بجلاله يفعلها متى شاء وكيف شاء وأن الإرادة نوعان إرادة قدرية كونية، وإرادة شرعية دينية، والشرعية هي المتضمنة للمحبة والرضا والقدرية الكونية هي الشاملة لجميع الموجودات فما شاءه ـ سبحانه ـ كان وما لم يشأه لم يكن، والأمر الشرعي إنما تلازمه الإرادة الشرعية الدينية، ولا تلازم بينه وبين الإرادة الكونية القدرية، فالكافر أمره الله بالإيمان، وأراده منه شرعاً وديناً ولم يرده منه كوناً وقدراً، ولو أراده كوناً لحصل لأن الإرادة الكونية القدرية لا يتخلف عنها المراد بخلاف الإرادة الشرعية قد يتخلف المراد بها.
10 ـ صفة العلم من صفات الكمال التي أثبتها ـ الباري سبحانه ـ لنفسه فقد علم ـ جل وعلا ـ أزلاًً ما يكون من عبده المختار من سعادة وشقاوة، وما يحصل له من الغنى والفقر، ومن ناحية تحديد عمره وانقضاء أجله، ثم كتب ما يعمله في اللوح المحفوظ فهو ـ سبحانه ـ كتب لا ليجبر أحداً من عباده على حسب ما كتب في الأزل ما يكون من العبد بمحض اختياره، وإرادته فعلمه ـ تعالى صفة انكشاف للماضي والحاضر والمستقبل وهو
__________
1- سورة الأعراف آية:156.
2- سورة الأحزاب آية: 43.(1/711)
معنى قول أهل العلم علم ما كان وعلم ما يكون، وعلم ما لم يكن إن لو كان كيف كان يكون.
11 ـ لله تعالى يدان حقيقيتان وهما من صفات الكمال التي اتصف بها ـ سبحانه ـ وأنهما كما يليق بجلاله، وما ورد في شأنهما من الإمساك والطي، والقبض والبسط والحثيات والخلق باليدين وكتب التورراة بيده وغرس جنة عدن بيده، وكون المقسطين عن يمينه وتخيير آدم بين ما في يديه، وأخذ الصدقة بيمينه يربيها لصاحبها، وأنه مسح ظهر آدم بيده إلى غير ذلك مما ورد في شأنها مما يدل دلالة واضحة على أنها يد حقيقة كما أخبر بذلك ـ جل وعلا ـ وأن تأويلها بالقدرة أو النعمة أو القوة تأويل ظاهر البطلان.
12 ـ لا يستحق العبادة بجميع أنواعها الاعتقادية والقولية والعملية إلا الله ـ جل وعلا ـ فأنواع العبادة مثل الدعاء والخوف والرجاء والإنابة، والتوكل والخشية وغيرها من أنواع العبادة لا يستحق أي أحد كائناً من كان أي شيء منها.
13 ـ الإخلاص روح العبادة وعمودها الذي تقوم عليه، وأي عبادة بدون إخلاص عبادة مردودة على صاحبها لأنها لم توجه إلى الله ـ وحده لا شريك له ـ ومتى شاب العبادة قصد غير الله ـ تعالى ـ اعتبرت لاغية لا قيمة لها ولا فائدة منها سوى التعب لصاحبها لأن الله ـ تعالى ـ لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، وقد تضافرت الأدلة من كتاب وسنة، وأقوال الأئمة في إشتراط الإخلاص للأعمال والأقوال الدينية، وأن الله لا يقبل منها إلا ما كان خالصاً له وابتغي به وجهه.
14 ـ العبودية: تنقسم إلى عامة، وخاصة، والعامة هي عبودية أهل السموات والأرض جميعهم عبيده ـ تعالى ـ برهم وفاجرهم، ومؤمنهم وكافرهم، وهذه العبودية هي عبودية القهر والملك، وأما العبودية الخاصة فهي عبودية الطاعة والمحبة واتباع الأوامر والبعد عن النواهي فعلى العبد أن يتحلى بتحقيق العبودية الخاصة إذ السعادة في الدارين لا تنال إلا بها.
15 ـ الإسلام دين الأولين والآخرين من بني آدم، وأن أول المسلمين في جميع الشرائع الإلهية هم الرسل لأنهم أول من يعرف الشرائع فالخير كل الخير بالإلتزام بدين الإسلام الذي رضيه الله ديناً لعباده المؤمنين.(1/712)
16 ـ الطاغوت اسم عام يشمل كل ما عبد من دون الله وكل رأس ضلال يدعو إلى الباطل ويزينه لمتبعيه، كما أنه يشمل كل من نصبه الناس للحكم بينهم فحكم بأحكام الجاهلية المنتنة المضادة لحكم رب العالمين وحكم رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، فالحاكم بغير ما أنزل الله طاغوت لأنه نصب نفسه منصب الإله المشرع. وهنا يظهر معنى مجاوزة الحد في معنى الطاغوت، فإن الحاكم ملزم بأن يتقيد بأحكام الرب ـ سبحانه ـ التي أنزلها لعبيده وأوضحها لهم، بل إن معنى الطاغوت يتناول كل ما صرف الناس عن عبادة ربهم كالأوثان والأشجار والقباب التي تعبد من دون الله لأنها تصرف من يعبدها عن عبادة الإله الحق ـ سبحانه تعالى ـ.
17 ـ المطلوب من الإنسان أن يجمع في حياته بين الخوف والرجاء ولا ينبغي له أن يغلب أحدهما على الآخر، فإنه لو غلب جانب الرجاء وإنهمك في العصيان لربه ـ تبارك وتعالى ـ فإن ذلك قد يؤدي إلى أن يمكر الله به، وإذا غلب جانب الخوف ربما جرّه ذلك إلى اليأس فالغرض من الرجاء أن الإنسان لو وقع في تقصير فعليه أن يحسن الظن بالله ـ تعالى ـ ويرجو منه أن يغفر له ذنبه، وكذلك إذا وفقه الله ـ تعالى ـ للإتيان بالطاعة يرجو من الله أن يقبلها منه، ويخاف أن لا تقبل.
18 ـ التوكل على الله لا ينافي اتخاذ الأسباب، بل إن التوكل لا يتم إلا إذا اتخذ الإنسان لكل عمل يريده الأسباب التي توصله إلى تحقيقه ـ فلله تعالى ـ ربط الأسباب بمسبباتها، والتوكل من أعظم الأسباب وأنفعها في دفع المضار، وجلب المنافع، فلا بد من الأخذ بالأسباب التي توصل الإنسان إلى تحقيق حاجاته والحصول على مطالبه، ومن قال بنفي الأسباب فتوكله مشوب ومدخول.
19 ـ أرسل الله الرسل من أجل توحيد العبادة، وهو التوحيد المطلوب الذي أمر الله عباده أن يفردوه به دون سواه ولذلك كان أساس دعوة الرسل جميعاً وهو المطلوب في فاتحة دعوة كل نبي من الأنبياء من لدن نوح عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
20 ـ الشفاعة نوعان منفية، ومثبتة، فالمنفية هي التي إدعاها المشركون لإلهتهم والمثبتة هي التي أثبتها الله ورسوله بشرطيها الإذن، والرضا، والشفاعة لأهل الكبائر ثابتة بنص الكتاب والسنة خلافاً لأهل البدع النافين لها، والممنوع منها إنما هو الشفاعة لأهل الكفر والشرك(1/713)
21 ـ الإقرار بالرب ـ جل وعلا ـ أمر فطري مركوز في كل نفس ولهذا كانت دعوة الرسل إنما كانت إلى عبادة الله ـ وحده لا شريك له ـ وللتذكير بالربوبية لأن عامة الخلق مقرون به ـ سبحانه ـ حتى الكفار يقرون بأنه ـ تعالى ـ الخالق الرازق النافع الضار المحيي المميت، ولكن هذا الإقرار لم يجد شيئاً، ولم ينقذهم من النار.
22 ـ تظهر أهمية الإقرار بتوحيد الربوبية في أنه مقدمة لنتيجة، فإذا أقر العبد بأن الله ـ تعالى ـ هو الرب المتفرد بالربوبية وخصائصها استلزم ذلك حتماً أن ينتج عن إقراره هذا إقرار بتفرد الرب ـ جل وعلا ـ بالعبادة فيفرده بها وحده لا شريك له ولا يصرف منها شيئاً لغير الله ـ تعالى ـ إذ أنه لا يصلح أن يعبد إلا من كان رباً سيداً خالقاً بارئاً مصوراً، مالكاً رازقاً، معطياً نافعاً، محيياً مميتاً مدبراً لأمر الكون كله وذلك كله لا يثبت إلا لله ـ وحده ـ لا شريك له فوجب أن يكون هو المعبود وحده دون سواه.
23 ـ أصل الشرك في بني الإنسان والدافع إليه عند جميع فرق المشركين قديماً وحديثاً إنما هو تعلقهم بأذيال الشفاعة الباطلة وزعمهم اتخاذ الأولياء والشفعاء إنما هو لأجل يقربوهم إليه زلفى، وإلا فهم يعتقدون أنها لا تخلق ولا ترزق، ولا تملك من الأمر شيئاً، وهذا من أقبح الأعذار لإقدامهم على أشد الذنوب وأقبحها حرمة عند الله تعالى.
24 ـ الشرك بالله أظلم الظلم وهو أشد ذنب عصي الله به ولذلك رتب الله عليه من العقوبات الدنيوية والأخروية ما لم يرتبه على ذنب سواه من إباحة دماء أهله وأموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم وعدم مغفرته من بين الذنوب إلا بالتوبة منه، وإذا وقع فيه الإنسان أحبط عمله وصار من الخاسرين.
25 ـ الإيمان بالملائكة يتضمن التصديق والاعتقاد الجازم بأن لله ـ تعالى ـ ملائكه موجودون، مخلوقون من نور، وأنهم كما وصفهم الباري ـ سبحانه ـ عباد مكرمون يسبحون الله الليل والنهار لا يفترون، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأنهم قائمون بوظائفهم التي أسندها الله إليهم، ويجب الإيمان بمن ورد تعيينه باسمه الخاص به كهاروت وماروت، وجبريل وميكائيل على التفصيل، أما من لم يرد تعيينه باسمه الخاص، أو لم يشتهر بعمل معين، فيجب الإيمان بهم إجمالاً، ولا يعلم عددهم إلا الله ـ سبحانه وتعالى ـ.(1/714)
26 ـ الإيمان بالكتب يتضمن التصديق الجازم بأن للباري ـ سبحانه ـ كتباً أنزلها على أنبيائه، وهي كلامه حقيقة وأنها نور وهدى وأن ما تضمنته حق وصدق وعدل، ولا يعلم عددها إلا هو ـ سبحانه ـ، وأنه يجب الإيمان بها جملة إلا ما سمي منها وهي التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف إبراهيم وموسى فهذه يجب الإيمان بها تفصيلاً.
27 ـ الإيمان بالرسل يتضمن التصديق الجازم بأن ـ الرب جل وعلا ـ أرسل رسلاً وأنبياء ليرشدوا الخلق في معاشهم ومعادهم، وقد اقتضت حكمة اللطيف الخبير أن لا يترك خلقه سدى، ولا هملاً بل أرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين، فيجب الإيمان بمن سمى الله منهم في كتابه على التفصيل، والإيمان إجمالاً بأن له ـ تعالى ـ رسلاً غيرهم وأنبياء لا يحصيهم إلا هو ـ سبحانه وتعالى ـ ويختص آخرهم وسيدهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باعتقاد عموم رسالته وشمولها لكل أحد دون تطرق النقص إليها وبقائها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
28 ـ الإيمان بالقدر يتضمن التصديق الجازم بأن كل خير وشر فهو بقضاء الله تعالى وقدره، وأنه ـ جل وعلا ـ الفعال لما يريد لا يكون شيء في هذا الكون إلا بإرادته، ولا يخرج عن مشيئته وليس في العالم شيء يخرج عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن قدره، ولا يتجاوز الإنسان ما خط له في اللوح المحفوظ، وهو الذي خلق العباد وأفعالهم من طاعات ومعاصي، ومع ذلك أمرهم ونهاهم وجعلهم مختارين لجميع أفعالهم وليسوا مجبورين عليها، بل تقع بقدرتهم وإرادتهم يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته لا يسأل عما يفعل وهم يُسألون.
29 ـ الإيمان باليوم الآخر يتضمن التصديق الجازم بكل ما أخبر الله به عن هذا اليوم الذي توفى فيه كل نفس ما كسبت، وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به مما يكون بعد الموت من الحشر والنشر والصحف والميزان والحساب والجزاء والصراط والحوض والشفاعة، وفتنة القبر وعذابه ونعيمه، والجنة والنار، وما أعد الله لأهلهما فيهما.
30 ـ القول الراجح أن عدد النفخات ثلاث: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث، كما صرح بذلك القرآن، فيجب الإيمان بالنفخ في الصور الذي جعله الله سبب الفزع، والصعق والقيام من القبور، كما يجب الاعتقاد الجازم بأن الذي يعيده الله عند البعث هو هذا الجسد بعينه الذي أطاع وعصى، فينعمه ويعذبه، كما ينعم الروح التي(1/715)
آمنت بعينها، ويعذب التي كفرت بعينها لا أنه ـ سبحانه ـ يخلق روحاً أخرى غير هذه فينعمها ويعذبها كما قال من لم يعرف المعاد الذي أخبرت به الرسل حيث زعم أن الله ـ سبحانه ـ يخلق بدناً غير هذا البدن من كل وجه عليه يقع النعيم والعذاب، والروح عنده عرض من أعراض البدن فيخلق روحاً غير هذه الروح وبدناً غير هذا البدن وهذا غير ما اتفقت عليه الرسل، ودل عليه القرآن والسنة وسائر كتب الله تعالى" 1.
31 ـ الجنة والنار مخلوقتان أبديتان لا تفنيان ولا تبيدان ومن زعم أنهما يفنيان فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
تلك هي نتائج البحث والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________
1- الفوائد لابن القيم ص8.(1/716)
مصادر ومراجع
...
ثبت المصادر والمراجع
"أ"
القرآن الكريم:
1 ـ الإبانة عن أصول الديانة:
أبو الحسن الأشعري ت "330" ط: الجامعة الإسلامية 1975 م.
2 ـ اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية.
أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ـ ابن قيم الجوزية ت "751" هـ دار المعرفة ـ بلا تاريخ.
3 ـ الاحتجاج بالقدر.
لشيخ الإسلام ـ أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ـ ت "728" هـ ـ المكتب الإسلامي.
4 ـ أحكام القرآن:
أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف ـ بابن العربي ـ ت "543" هـ ـ دار المعرفة ـ بيروت لبنان.
5 ـ أحكام القرآن:
أبو بكر أحمد بن علي الرازي المعروف بالجصاص ـ ت "370" هـ ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت لبنان ـ.
6 ـ إحياء علوم الدين:
أبو حامد محمد بن الغزالي ت "505" هـ ـ دار المعرفة ـ بيروت لبنان ـ 1383 هـ.
7 ـ الاختلاف في اللفظ:
عبد الله بن مسلم الدينوري ـ ابن قتيبة ـ ت "276" هـ ـ منشأة المعارف بالإسكندرية 1971م.
8 ـ إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات:
محمد بن علي الشوكاني ت "1250" هـ ـ ط: ب ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان ـ 1404 هـ.
9 ـ أساس البلاغة:
محمود بن عمر الزمخشري الخوازمي ت "358" ـ دار صادر بيروت ـ 1399 هـ.
10 ـ أساس التقديس في علم الكلام:
محمد بن عمر بن الحسن الرازي ت "606" ـ القاهرة مطبعة الحلبي ـ 1354 هـ.
11 ـ أسباب النزول:
علي بن أحمد الواحدي ت "468" ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان ـ.(1/721)
12 ـ الأسماء والصفات.
أحمد بن الحسين البيهقي ـ ت "458" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان.
13 ـ الإشارات والتنبيهات.
أبو الحسين عبد الله ـ المعروف بابن سينا ـ ت "427" هـ تحقيق سليمان دنيا القاهرة ـ دار المعارف ـ 1950م.
14 ـ الإصابة في تمييز الصحابة.
احمد بن علي بن حجر العسقلاني ت "852" هـ ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت لبنان.
15 ـ الأصنام.
أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي ت "204" هـ تحقيق أحمد زكي ـ الدار القومية القاهرة ـ 1343 هـ.
16 ـ أصول الدين.
عبد القاهر البغدادي ت "429" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان.
17 ـ أصول الدين.
محمد بن عبد الكريم البزدوي ت "493" هـ تحقيق ـ هانز بيترلنس ـ دار إحياء الكتب العربية 1383 هـ.
18 ـ الأصول الثلاثة.
الشيخ محمد بن عبد الوهاب "1206" هـ ـ المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة.
19 ـ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن.
محمد الأمين بن محمد المختار ـ ط: 1 ـ مطبعة المدني ـ 1384 هـ.
20 ـ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين.
محمد بن عمر بن الحسن الرازي ت "606" هـ تحقيق علي سامي النشار ـ دار الكتب العلمية ـ.
21 ـ الاعتقاد إلى سبيل الرشاد.
أحمد بن الحسين البيهقي ت "458" هـ تصحيح أحمد مرسي ـ المطبعة العربية باكستان ـ.
22 ـ أعلام الموقعين عن رب العالمين:
أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ت "751" هـ ـ مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة ـ 1388 هـ.
23 ـ أعلام النبوة:
أبو الحسن علي بن محمد الماوردي ت "450" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان.
24 ـ الأعلام. قاموس ترجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين خير الدين الزركلي ط: 3 ـ بيروت ـ 1389 هـ.(1/722)
25 ـ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان.
أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير ـ بابن قيم الجوزية ـ "751" تحقيق محمد حامد الفقي ـ دار المعرفة ـ بيروت لبنان.
26 ـ الاقتصاد في الاعتقاد.
أبو حامد محمد بن محمد الغزالي ت "505" هـ ـ مكتبة الجندي القاهرة ـ تحقيق محمد مصطفى أبي العلاء.
27 ـ اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم.
لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ ت "728" هـ تحقيق محمد حامد الفقي ـ ط: 2 مطبعة السنة المحمدية1369 هـ.
28 ـ الإكليل في استنباط التنزيل.
عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت "911" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان ـ ط: 1 سنة 1401 هـ.
29 ـ الأمثال في القرآن الكريم.
محمد بن أبي بكر ـ الشهير بابن قيم الجوزية ـ ت "751" هـ ط: 2 ـ دار الفكر للطباعة والنشر ـ 1403 هـ:
30 ـ إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن.
أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري ت "616" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان.
31 ـ الأم للشافعي.
محمد بن إدريس الشافعي ت "204" هـ ـ المطبعة الأميرية القاهرة ـ 1321 هـ.
32 ـ الإنسان في القرآن الكريم من البداية إلى النهاية.
عبد الكريم الخطيب ط: 1 ـ دار الفكر العربي ـ 1979م.
33 ـ أنوار التنزيل وأسرار التأويل "المسمى تفسير البيضاوي".
عبد الله بن عمر الشيرازي البيضاوي ت "685" هـ ـ دار الفكر ـ 1402 هـ.
34 ـ إيثار الحق على الخلق.
أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الوزير ت "840" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان.
35 ـ الإيمان.
لشيخ الإسلام ابن تيمية ت "728" هـ ط: 2 ـ المكتب الإسلامي ـ.
"ب"
36 ـ البحر المحيط.
محمد بن يوسف الشهير ـ بأبي حيان ـ الأندلسي الغرناطي ـ ت "754" هـ ـ دار الفكر ـ لبنان 1403 هـ.(1/723)
37 ـ بدائع الفوائد.
محمد بن أبي بكر ـ الشهير بابن القيم ـ ت "751" هـ ـ المطبعة المنيرية ـ.
38 ـ البدر الطالع بمحاسن القرن التاسع.
محمد بن علي الشوكاني ت "1250" هـ ط: 1 ـ مطبعة السعادة مصر ـ 1348 هـ.
39 ـ البداية والنهاية.
أبو الفداء ـ إسماعيل بن عمر الشهير بابن كثير ـ ت "774" هـ ط: 2 ـ مكتبة المعارف ـ بيروت 1977م.
40 ـ بذل المجهود في حل أبي داود.
الشيخ خليل أحمد السهاري نفوري ت "1346" هـ شركة الطباعة العربية ـ الرياض.
41 ت بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز.
مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ت "817" هـ ـ المكتبة العلمية ـ بيروت لبنان.
42 ـ بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة.
جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ت "911" هـ ـ مطبعة البابي الحلبي ـ 1384 هـ.
43 ـ بين الفلاسفة والكلاميين.
محمد عبده ـ تحقيق سليمان دنيا ـ دار إحياء الكتاب العربي ـ.
"ت"
44 ـ تأويل مختلف الحديث.
عبد الله بن مسلم الدينوري ـ الشهير بابن قتيبة ت "276" هـ ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
45 ـ تاج العروس من جواهر القاموس.
محمد مرتضى الزبيدي ت "1205" هـ ـ منشورات دار الآفاق الجديدة ـ بيروت لبنان.
46 ـ تاريخ الأمم والملوك.
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ت "310" هـ تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم ـ دار سويدان بيروت ـ لبنان.
47 ـ تاريخ بغداد.
أبو بكر أحمد بن علي الخطيب ت "463" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
48 ـ تاريخ ابن خلدون.
عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المغربي ت "808" هـ ـ مؤسسة جمال للطباعة والنشر ـ بيروت.
49 ـ تاريخ الجهمية والمعتزلة.
محمد جمال الدين القاسمي ت "1332" هـ ط؛ 1 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت لبنان.(1/724)
50 ـ التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين.
أبو المظفر الاسفراييني ت "471" هـ ط: 1 تحقيق كمال يوسف الحوت ـ عالم الكتب ـ بيروت ـ 1403 هـ.
51 ـ التبيان في أقسام القرآن.
للعلامة ابن القيم ت "751" هـ ـ دار المعرفة والنشر ـ بيروت لبنان.
52 ـ تبيين كذب المفتري.
علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر ت "571" هـ ـ دمشق مطبعة التوفيق ـ 1347 هـ.
53 ـ تجريد التوحيد المفيد.
أحمد بن على المقريزي ت "854" هـ ـ المطبعة المنيرية ـ 1373 هـ.
54 ـ تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي.
محمد عبد الرحيم بن عبد الرحيم المباركفوري ت "1253" هـ القاهرة ـ مطبعة الفجالة ـ.
55 ـ تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد.
إبراهيم بن محمد البيجوري ت "1277" هـ ط: 1 ـ دار الكتب العربية ـ بيروت ـ لبنان 1403 هـ.
56 ـ التحفة المهدية شرح التدمرية.
الشيخ فالح بن مهدي آل مهدي ـ مطابع القصيم ـ الرياض ط: 1 سنة 1385 هـ.
57 ـ تحكيم القوانين.
الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ت "1389" هـ ـ مطابع الجامعة الإسلامية ـ 1404 هـ.
58 ـ التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار.
عبد الرحمن بن رجب الحنبلي ت "795" هـ ـ مكتبة دار البيان ـ ط: 1 سنة 1399 هـ.
59 ـ تذكرة الحفاظ.
أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي ت "748" هـ ـ دار إحياء التراث العربي بدون تاريخ ـ.
60 ـ التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة.
أبو عبد الله محمد بن أحمد فرج الأنصاري القرطبي ت "671" هـ ـ دار الفكر بدون تاريخ ـ.
61 ـ التسهيل لعلوم التنزيل.
محمد بن أحمد بن جزي الكلبي ت "741" هـ ط: 4 ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت لبنان.
62 ـ تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد.
محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني ت "1182" هـ ـ مطبعة دار نشر الثقافة بالإسكندرية ـ 1397 هـ.
63 ـ التعريفات "للجرجاني".
علي بن محمد الجرجاني ت "816" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.(1/725)
64 ـ تفسير أبي السعود.
محمد بن محمد العمادي ت "951" هـ ـ مكتبة ومطبعة عبد الرحمن محمد ـ القاهرة.
65 ـ تفسير أسماء الله الحسنى.
أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج ت "311" هـ تحقيق أحمد يوسف الدقاق.
66 ـ تفسير غريب القرآن.
أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ت "276" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان ـ تحقيق أحمد صقر.
67 ـ تفسير القرآن العظيم:
عماد الدين ابن كثير ت "774" هـ ط: 2 ـ دار الفكر للطباعة والنشر ـ بيروت ـ لبنان 1389هـ.
68 ـ تفسير القرآن الحكيم ـ الشهير بتفسير المنار.
محمد رشيد رضا ـ دار المعرفة ـ بيروت.
69 ـ التفسير القيم.
للإمام ابن القيم ـ جمعه محمد أويس الندوي ـ تحقيق محمد حامد الفقي ـ دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان.
70 ـ التفسير الكبير.
للفخر الرازي ت "606" هـ ـ دار إحياء التراث العربي ـ.
71 ـ تفسير النسفي.
عبد الله بن أحمد بم محمود النسفي ت "710" هـ ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت لبنان.
تقريب التهذيب.
للحافظ ـ ابن حجر العسقلاني ـ ت "852" هـ تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ـ مطابع دار الكتاب العربي مصرـ.
73 ـ تكملة شرح الصدور في ذكر أحوال البعث والقبور.
محمد بن محمد البرديسي "مخطوط" في مكتبة ـ محمد نمر الخطيب ـ برقم "1402".
74 ـ تلبيس إبليس.
عبد الرحمن بن الجوزي ت "597" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
75 ـ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد.
أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر ت "463" هـ تحقيق سعيد أحمد أعراب ـ الشؤون الإسلامية المغرب ـ 1401 هـ.
76 ـ التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع.
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي ت "377" هـ ط: القاهرة 1368 هـ.
77 ـ التوحيد للنيسابوري.
سعيد محمد النيسابوري ـ مطبعة دار الكتب والوثائق القومية ـ 1968م.
78 ـ التوسل أنواعه وأحكامه.
محمد ناصر الدين الألباني ط: 2 ـ المكتب الإسلامي ـ 1397 هـ.(1/726)
79 ـ التوصل إلى حقيقة التوسل.
محمد نسيب الرفاعي ط: 2 ـ دار البيان للطباعة والنشر ـ 1399 هـ.
80 ـ توضيح المقاصد وتصحيح القواعد ـ شرح قصيدة ابن القيم.
أحمد بن إبراهيم بن عيسى ط: 2 ـ المكتب الإسلامي ـ 1392 هـ.
81 ـ تهذيب تاريخ دمشق.
للحافظ على بن الحسن بن هبة الله ـ المعروف بابن عساكر ـ ت "571" هـ ـ دار المسيرة ـ بيروت ـ بلا تاريخ.
82 ـ تهذيب التهذيب.
للحافظ ابن حجر العسقلاني ت "852" هـ ـ طبع مجلس دائرة المعارف ـ الهند حيدر آباد الدكن 1325 هـ.
83 ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال.
للحافظ أبي الحجاج المزي ت "772" هـ تحقيق بشار عواد ـ مؤسسة الرسالة ـ ط: 2 سنة 1403 هـ.
84 ـ تهذيب اللغة.
أبو منصور الأزهري محمد بن أحمد ت "370" هـ ـ الدار المصرية للتأليف والترجمة ـ.
85 ـ تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد.
الشيخ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب ت "1233" هـ ـ مكتبة الرياض الحديثة ـ.
86 ـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ت "1376" هـ ـ مطبوعات الجامعة الإسلامية ـ.
"ج"
87 ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن.
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ت "310" هـ ط: 2 ـ البابي الحلبي ـ 1388هـ.
88 ـ جامع العلوم والحكم.
ابن رجب الحنبلي ت "795" هـ ـ مكتبة الرياض الحديثة ـ.
89 ـ الجامع لأحكام القرآن.
محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ت "671" هـ ـ دار الكتب القاهرة ـ 1384 هـ.
90 ـ الجرح والتعديل.
للحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ت "327" هـ ـ ط: 2 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان.(1/727)
91 ـ جلاء العينين في محاكمة الأحمدين.
نعمان خير الدين الشهير بابن الألوسي ـ ت "1317" هـ ـ دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان.
92 ـ الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي.
لعلامة ابن القيم ت "751" هـ ط: 3 ـ دار المطبعة السلفية ـ 1400 هـ.
"ح"
93 ـ حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
للعلامة ابن القيم ت "751" هـ ـ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ.
94 ـ الحسنة والسيئة.
لشيخ الإسلام ابن تيمية ت "728" هـ تحقيق محمد جميل غازي ـ مكتبة المدني ومطبعتها ـ.
95 ـ حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة.
جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ت "911" هـ ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه ـ 1967م.
96 ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء:
أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني ت "430" هـ ـ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ.
97 ـ الحيدة.
عبد العزيز الكناني ت "240" تعليق إسماعيل الأنصاري ـ نشر إدارة البحوث العلمية بالرياض ـ.
"خ"
98 ـ خلق أفعال العباد.
للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ت "256" هـ ـ مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة بمكة ـ.
"د"
99 ـ درء تعارض العقل والنقل.
لشيخ الإسلام ابن تيمية "728" هـ تحقيق محمد رشاد سالم ـ ط: 1 ـ جامعة الإمام محمد بن سعود ـ 1402 هـ.
100 ـ الدرر السنية في الأجوبة النجدية.
جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم ط: 2 سنة 1385 هـ ـ دار الإفتاء الرياض ـ.
101 ـ دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب.
الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار ـ مطبعة المدني ـ مصر ـ وهو مطبوع مع الجزء التاسع من أضواء البيان.
102 ـ دقائق التفسير ـ لابن تيمية.
جمع وتحقيق محمد السيد الحليند ط: 1 سنة 1398 هـ ـ دار الأنصار بالقاهرة ـ.(1/728)
103 ـ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.
أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت "852" هـ ط: 2 مجلس ـ دائرة المعارف العثمانية الهند ـ 1373 هـ.
104 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور.
جلال الدين السيوطي ت "911" هـ.
105 ـ دلائل النبوة:
أحمد بن الحسين البيهقي ت "458" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
106 ـ الديباج المذهب في معرفة علماء المذهب:
إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون ت "799" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان.
107 ـ الدين الخالص.
محمد صديق حسن القنوجي ت "1307" هـ ـ مطبعة المدني مصر ـ 1397 هـ.
108 ـ ديوان أبي العتاهية.
تأليف كرم البستاني ـ دار صادر ـ.
109 ـ ديوان ذي الرمة.
كارليل هيس مكارتني ـ طبع كمبردج ـ 1919م.
110 ـ ديوان جرير بن عطية الخطفي.
كرم البستاني ـ دار صادر ـ.
111 ـ ديوان عنترة.
تأليف كرم البستاني ـ دار بيروت للطباعة والنشر ـ 1398 هـ.
"ذ"
112 ـ ذيل تذكرة الحفاظ.
أبو المحاسن محمد بن علي الدمشقي البغدادي "765" هـ ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان.
"ر"
113 ـ الرد على الجهمية.
عثمان بن سعيد الدارمي ت "280" هـ ط: 3 تحقيق زهير الشاويش ـ المكتب الإسلامي ـ.
114 ـ الرد على الجهمية والزنادقة.
الإمام أحمد بن حنبل ت "241" هـ تحقيق عبد الرحمن عميرة ـ دار اللواء الرياض ـ.
115 ـ الرد على المنطقيين.
لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ ت "728" هـ ـ دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت ـ لبنان.(1/729)
116 ـ رسائل إخوان الصفا وخلان الوفاء ـ دار صادر ـ بيروت.
117 ـ رسالة أبي الحسن الأشعري إلى أهل الثغر ـ مصور الجامعة الإسلامية رقم "2018":
118 ـ رسالة في الاعتقاد.
لمحمد بن عبد الله بن أبي زمنين ت "378" هـ مصور الجامعة الإسلامية رقم 938".
119 ـ الروح لابن القيم ت "751" هـ تحقيق محمد إسكندر يلدا ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
120 ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم.
محمود الألوسي البغدادي ت "1270" هـ ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان.
121 ـ روضة المحبين لابن القيم ت "751" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
122 ـ الرسالة القشيرية.
أبو القاسم القشيري ت "465" هـ ـ مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح ـ القاهرة.
123 ـ الرسالة العرشية.
لشيخ الإسلام ابن تيمية ت "728" هـ ضمن مجموعة الرسائل الكبرى ـ دار إحياء التراث العربي ـ.
124 ـ الرسالة المستطرفة.
محمد بن جعفر الكتاني ت "1345" هـ ـ دار الفكر ـ بيروت ـ لبنان (1400) هـ.
125 ـ رياض الصالحين.
أبو زكريا يحيى بن شرف النووي "676" هـ تحقيق عبد العزيز رباح ـ دار المأمون للتراث ـ 1402 هـ.
"ز"
126 ـ زاد المسير في علم التفسير:
عبد الرحمن بن الجوزي ت "596" هـ ط: 1 المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ـ 1385 هـ.
127 ـ زاد المعاد في هدي خير العباد:
للإمام ابن القيم ت "751" هـ ـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر ـ 1390 هـ.
"س"
128 ـ سنن أبي داود.
سليمان بن الأشعث السجستاني ت "275" هـ ط: 1 سنة 1371 هـ.
129 ـ سنن الترمذي.
أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ت "279" هـ ـ مطبعة المدني ـ مصر.
130 ـ سنن الدارمي.
أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ت "255" هـ ـ دار إحياء السنة النبوية ـ.
131 ـ سنن ابن ماجة.(1/730)
أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني ت "275" هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ـ دار إحياء التراث العربي ـ 1395 هـ.
132 ـ سنن النسائي:
أحمد بن شعيب بن علي النسائي ت "303" هـ ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان.
133 ـ السنة ـ لعبد الله بن الإمام أحمد ت "290" هـ.
تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
134 ـ السيرة النبوية:
أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري ت "218" هـ تحقيق جماعة من العلماء ـ دار الكتب المصرية ـ.
135 ـ سير أعلام النبلاء.
محمد بن أحمد الذهبي ت "748" هـ تحقيق شعيب الأرنؤوط وحسين الأسدي ـ طبعة مؤسسة الرسالة ـ 1401 هـ.
"ش"
136 ـ شجرة النور الزكية في طبقات المالكية.
محمد بن محمد مخلوف ـ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ لبنان.
137 ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب.
138 ـ شذرات البلاتين من طيبات كلمات سلفنا الصالحين.
تحقيق محمد حامد الفقي ـ مطبعة السنة المحمدية ـ القاهرة 1375 هـ.
139 ـ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.
أبو القاسم: هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي ت "418" هـ ـ دار طيبة الرياض ـ.
140 شرح الأصول الخمسة.
عبد الجبار بن أحمد الهمذاني ت "415" هـ ط: 1 ـ مطبعة الاستقلال الكبرى ـ القاهرة 1384 هـ.
141 ـ شرح حديث النزول.
لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ ت "728" هـ المكتب الإسلامي ط: 5 سنة 1397 هـ.
142 ـ شرح الطحاوية.
للعلامة ابن أبي العز الحنفي ت "792" هـ المكتب الإسلامي ط: 4 سنة 1391 هـ.
143 ـ شرح العقيدة الأصفهانية.
لشيخ الإسلام ابن تيمية "728" هـ ط: 1 القاهرة ـ دار الكتب الحديثة ـ 1385 هـ.
144 ـ شرح العقائد النسفية.
سعد الدين التفتازاني ت "793" هـ ـ المطبعة الخيرية بمصر ـ بلا تاريخ.(1/731)
145 ـ شرح الفقه الأكبر.
لملا علي القاري ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان ط: 1 سنة 1404 هـ.
146 ـ شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر.
للعلامة ابن القيم ـ ت "751" هـ ـ دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت ـ لبنان.
147 ـ شرح المواقف:
علي بن محمد الجرجاني ت " 816" هـ طبع ـ دار السعادة بجوار محافظة مصر ـ 1325 هـ.
148 ـ شرح سنن أبي داود.
للعلامة ابن القيم ت "751" هـ وهو مطبوع على حاشية عون المعبود ط: 2 سنة 1388 هـ ـ الناشر عبد المحسن صاحب المكتبة السلفية.
149 ـ شرح النووي على صحيح مسلم.
يحيى بن شرف النووي ت "676" هـ ـ دار الفكر ـ بيروت ـ لبنان.
150 ـ الشريعة.
لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري ت "360" هـ ط: ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان.
"ص"
151 ـ صحيح البخاري.
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري "256" هـ ـ دار إحياء الكتب العربية البابي الحلبي ـ وشركاه.
152 صحيح مسلم.
أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ت " 261" هـ تحقيق فؤاد عبد الباقي ـ طبع البابي الحلبي ـ 1374 هـ.
153 ـ صحيح ابن خزيمة.
محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي ت "311" هـ تحقيق محمد مصطفى الأعظمي طبع المكتب الإسلامي ـ الطبعة الأولى ـ 1395 هـ.
154 ـ صحيح الجامع الصغير.
محمد ناصر الدين الألباني ـ المكتب الإسلامي ـ 1392 هـ.
155 ـ الصحاح للجوهري.
إسماعيل بن حماد الجوهري ت "393" تحقيق أحمد عبد الغفور عطار ط: 2 سنة 1399 هـ ـ طبع على نفقة حسن عباس الشربتلي ـ.
156 ـ صفة الصفوة.
أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ت "597" هـ ط: 1 تحقيق محمد فاخر ـ محمد قلعه جي ـ مطبعة النهضة الحديثة ـ القاهرة سنة 1390 هـ.(1/732)
157 ـ صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان.
محمد بشير الشهسواني الهندي ت "1326" هـ ط: 3 ـ المطبعة السلفية ومكتبتها ـ سنة 1378 هـ.
"ض"
158 ـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع.
محمد عبد الرحمن السخاوي ت "902" هـ ـ منشورات مكتبة الحياة ـ بيروت ـ لبنان.
"ط"
159 ـ طبقات الحفاظ للسيوطي.
عبد الرحمن بن أبي بكر "911" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
160 ـ طبقات الحنابلة.
محمد بن أبي يعلى ت "526ط هـ ـ دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت ـ لبنان.
161 ـ طبقات الشافعية الكبرى.
عبد الوهاب بن عبد الكافي السبكي ت "771" هـ ط: 1 تحقيق محمود محمد الطناجي وعبد الفتاح محمد الحلو ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه ـ 1384 هـ.
162 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد.
محمد بن سعد ت "230" هـ ـ دار صادر ـ بيروت ـ لبنان بدون تاريخ.
163 ـ طريق الهجرتين وباب السعادتين.
للعلامة ابن القيم ت "751" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
"ع"
164 ـ عارضة الأحوذي بشرح الترمذي.
للعلامة ابن العربي المالكي ت "543" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
165 ـ العبودية.
لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ ت "728" هـ ـ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ـ.
166 ـ العقيدة الواسطية:
لشيخ الإسلام ابن تيمية مع شرحها لمحمد خليل هراس ـ طبع الجامعة الإسلامية ـ.
167 ـ عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة:
للشيخ محمد بن عبد الوهاب ت "1206" هـ ـ المكتب الإسلامي ـ ط: 2 سنة 1391 هـ.
168 ـ عقيدة السلف وأصحاب الحديث:
أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني ت "449" هـ "ضمن مجموعة الرسائل المنبرية" ـ الناشر محمد أمين دمج ـ بيروت ـ لبنان ـ بدون تاريخ.(1/733)
169 ـ العقائد الإسلامية:
السيد سابق ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ لبنان.
170 ـ العلو للعلي الغفار:
للإمام الذهبي ت "748" هـ ـ مطبعة العاصمة بالقاهرة ـ بدون تاريخ.
171 ـ علماء نجد خلال ستة قرون.
عبد الله بن عبد الرحمن البسام ط: 1 سنة 1398 هـ ـ مكتبة النهضة مكة المكرمة.
172 ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري:
أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى العيني ت "855" هـ ـ دار الفكر ـ سنة 1399 هـ.
173 ـ عمل اليوم والليلة:
أبو بكر بن السني ت "364" هـ دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت ـ لبنان 1399 هـ.
174 ـ عنوان المجد في تاريخ نجد:
تأليف عثمان بن بشر النجدي الحنبلي ت "1288" هـ ـ مكتبة الرياض الحديثة.
175 ـ عون المعبود شرح سنن أبي داود:
أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ط: 2 سنة 1388 هـ ـ الناشر محمد عبد المحسن الكتبي.
"غ"
176 ـ غاية المرام في علم الكلام.
تأليف سيف الدين الآمدي ت "631" هـ تحقيق حسن محمد عبد اللطيف ـ مطابع الأهرام التجارية القاهرة ـ 1391 هـ.
"ف"
177ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري.
لابن حجر العسقلاني ت "582" هـ ـ المطبعة السلفية ومكتبتها ـ القاهرة 1380 هـ.
178 ـ الفتح الرباني مع شرحه بلوغ الأماني:
أحمد عبد الرحمن البناء ـ دار الشهاب ـ القاهرة ـ بدون تاريخ.
179 ـ فتح القدير:
محمد بن علي الشوكاني ت "1250" هـ ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان.
180 ـ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد:
عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ت "1285" هـ ـ طبع إدارات البحوث العلمية ـ بالرياض 1403 هـ,(1/734)
181 ـ الفرق بين الفرق:
عبد القاهر البغدادي ت "429" هـ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ـ مكتبة محمد علي صبيح ـ القاهرة.
182 ـ الفروق في اللغة:
الحسن بن عبد الله بن سهل ـ المعروف بأبي هلاب العسكري ت "بعد 395" هـ ط: 1 سنة 1393 هـ منشورات دار الآفاق ـ بيروت ـ لبنان.
183 ـ الفتوى الحموية الكبرى:
لشيخ الإسلام ابن تيمة ت "728" هـ ط: 3 سنة 1398 هـ ـ المطبعة السلفية ومكتبتها ـ القاهرة.
184 ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل.
أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري ت "456" هـ ط: 2 ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان.
185 ـ الفوائد:
للعلامة ابن القيم ت "751" هـ ـ المكتبة القيمة ـ بدون تاريخ.
186 ـ الفوائد البهية في تراجم الحنفية:
محمد عبد الحي اللكنوي الهندي ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان.
187 ـ فوات الوفيات والذيل عليها.
محمد بن شاكر الكتبي ت "764" تحقيق د. إحسان عباس ـ دار صادر ـ بدون تاريخ 1880 ـ.
188 ـ الفهرست:
لابن النديم ت "385" هـ ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان.
"ق"
189 ـ قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين.
الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ت "1285" هـ ـ مكتبة الرياض الحديثة.
190 ـ القاموس المحيط.
مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ت "817" هـ ـ دار الجيل ـ بيروت لبنان.
191 ـ قواعد الأحكام في مصالح الأنام:
للعلامة العز بن عبد السلام ت "660" هـ ـ مكتبة الكليات الأزهرية ـ 1388 هـ.
"ك"
192 ـ الكبائر.
للإمام الذهبي ت "748" هـ ـ مطبعة الاستقامة ـ القاهرة ـ 1381 هـ.
193 ـ كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل.
لابن خزيمة ت "311" هـ تحقيق محمد خليل هراس ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان.(1/735)
194 ـ كتاب الزهد:
للإمام أحمد بن محمد بن حنبل ت "241" هـ ـ مكتبة وهبة ـ 1400 هـ.
195 ـ كتاب العرش وما ورد فيه:
محمد بن عثمان بن أبي شيبة ت "297" هـ ـ مصور الجامعة الإسلامية ـ رقم "559" ممجموع 1.
196 ـ الكشاف عن حقائق التنزيل:
محمود بن عمر الزمخشري ت "538" هـ البابي الحلبي ـ الطبعة الأخيرة ـ 1392 هـ.
197 ـ كشف الشبهات "ضمن مجموعة التوحيد":
للشيخ محمد بن عبد الوهاب ت "206" هـ ـ مكتبة الرياض الحديثة.
198 ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون:
مصطفى عبد الله الشهير بحاجي خليفة ـ المثنى ـ بيروت.
199 ـ الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية:
للعلامة ابن القيم ت "751" هـ ـ مطبعة التقدم العلمية ـ مصر ـ 1344 هـ.
200 ـ كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ـ المشهور بالخطط المقريزية:
أحمد بن علي المقريزي ت "845" هـ ـ دار صادر ـ بيروت ـ بدون تاريخ.
201 ـ كلمة الإخلاص ـ لابن رجب ـ ت "795" هـ ط: 4 ـ المكتب الإسلامي.
202 ـ الكتاب المقدس المتضمن كتب العهد القديم والجديد.
دار الكتاب المقدس ـ القاهرة.
203 ـ الكامل في ضعفاء الرجال.
عبد الله بن عدي الجرجاني ت "365" هـ ـ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
204 ـ الكامل في التاريخ.
أبو الحسن علي بن محمد ـ الشهير بابن الأثير ـ ت "630" هـ ـ دار صادر ـ بيروت.
205 ـ الكواشف الجلية عن معاني الواسطية.
عبد العزيز المحمد السلمان ط: 4 ـ بدون تاريخ.
206 ـ الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة:
نجم الدين الغزي ت "1061" هـ تحقيق جبرائيل سليما جبور ـ منشورات دار الآفاق الجديدة ـ ط: 2 سنة 1979م.
"ل"
207 ـ اللباب في تهذيب الأنساب:
أبو الحسن علي بن محمد ـ الشهير بابن الأثير ـ ت "630" هـ ـ دار صادر ـ بيروت.
208 ـ لباب التأويل في معاني التزيل ـ المشتهر بتفسير الخازن.
علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي ت "725" هـ ـ المكتبة التجارية بمصر.(1/736)
209 ـ لباب النقول في أسباب النزول.
جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت "911" هـ ـ دار إحياء العلوم ـ بيروت.
210 ـ لسان العرب:
جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور ت "711" هـ ـ دار صادر ـ بيروت.
211 ـ لسان الميزان:
للعلامة ابن حجر العسقلاني ت "852" هـ ـ منشورات مؤسسة الأعلمي ـ بيروت لبنان.
212 ـ لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد:
أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي "620" هـ ـ المطبعة السلفية ومكتبتها القاهرة ـ 1370 هـ.
213 ـ لوامع الأنوار البهية:
محمد بن أحمد السفاريني ت "1188" هـ ـ طبع المنار ـ 1325 هـ.
"م"
214 ـ مبادئ الإسلام:
أبو الأعلى المودودي ـ مؤسسة الرسالة ـ 1397 هـ.
215 ـ متشابه القرآن:
عبد الجبار بن أحمد ت "415" هـ تحقيق عدنان زرزور ـ القاهرة ـ دار التراث ت 1969م.
216 ـ مجاز القرآن:
أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي ت "210" هـ ط: 2 مكتبة الخانجي ـ دار الفكر.
217 ـ مجموعة التوحيد ـ لابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ المكتبة السلفية.
218 ـ مجموعة التوحيد:
للشيخ محمد بن عبد الوهاب ت "1206" هـ ـ مكتبة الرياض الحديثة.
219 ـ مجموعة الرسائل الكبرى:
لشيخ الإسلام ابن تيمية ت "728" هـ ـ دار إحياء التراث العربي.
220 ـ مجموعة الرسائل المنبرية:
إدارة الطباعة المنبرية سنة 1343 هـ الناشر محمد أمين دمج ـ بيروت.
221 ـ مجموعة الرسائل والمسائل:
لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ مطبعة المنار ـ مصر ـ الطبعة الأولى ـ 1341 هـ.
222 ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:
علي بن أبي بكر الهيثمي ت "807" هـ ط: 3 دار الكتاب العربي ـ بيروت لبنان 1402 هـ.(1/737)
223 ـ محاسن التأويل:
محمد جمال الدين القاسمي ت "1332" هـ ـ دار الفكر ـ بيروت.
224 ـ محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين:
محمد بن عمر الرازي ت "606" مكتبة الكليات الأزهرية ـ القاهرة ـ مراجعة طه عبد الرؤوف.
225 ـ مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:
عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ط: 2 القاهرة ـ المطبعة السلفية ـ 1396 هـ.
226 ـ مختصر الصواعق المرسلة:
للعلامة ابن القيم ـ ت "751" هـ ـ مكتبة الرياض الحديثة.
227 ـ مختصر منهاج السنة:
أبو عبد الله محمد بن عثمان الذهبي ت "748" هـ ـ مكتبة دار البيان ـ تحقيق محب الدين الخطيب.
228 ـ مختار الصحاح:
محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ت "666" هـ ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت لبنان.
229 ـ المخصص لابن سيدة:
أبو الحسن علي بن إسماعيل النحوي ت "733" هـ ـ مطبعة دار الكتاب المصرية ـ القاهرة.
230 ـ مدارج السالكين:
للعلامة ابن القيم ت "751" هـ ـ دار الفكر ـ تحقيق محمد حامد الفقي.
231 ـ مراتب الإجماع:
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ت "456" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان.
232 ـ المستدرك على الصحيحين.
أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ت "405" هـ.
233 ـ المصباح المنير.
أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي ت "770" هـ المكتبة العلمية ـ بيروت لبنان.
234 ـ المصنف:
عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ت "235" هـ ـ الدار السلفية بومباي ـ الهند ـ ط: 1 سنة 1403 هـ.
235 ـ معجم البلدان:
شهاب الدين ـ ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي ت "1229" هـ ـ دار صادر ـ بيروت.
236 ـ معجم الأدباء:
أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت لبنان.
237 ـ المعجم الصغير للطبراني:
سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ت "360" هـ ـ المكتبة السلفية ـ ط: 1.(1/738)
238 ـ المعجم الكبير:
سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ت "360" هـ ـ مطبعة الأمة بغداد ـ تحقيق عبد الحميد السلفي.
239 ـ المعجم الوسيط:
إخراج إبراهيم أنيس وآخرين ط: 2 ـ القاهرة الهيئة العامة للكتاب ـ 1391 هـ.
240 ـ معجم مقاييس اللغة:
أبو الحسين أحمد بن فارس ت "395" هـ ط: 2 ـ البابي الحلبي ـ 1390 هـ.
241 ـ معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية:
عمر رضا كحالة ـ دار إحياء التراث العربي ـ لبنان بيروت.
242 ـ معارج الألباب في مناهج الحق والصواب:
حسين بن مهدي النعمي ت "1187" هـ ـ مكتبة المعارف الرياض.
243 ـ معارج القبول:
الشيخ حافظ بن أحمد حكيم ت " " ـ المطبعة السلفية ومكتبتها.
244 ـ معالم التنزيل "المسمى تفسير البغوي":
أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي ت "516" ـ المكتبة التجارية الكبرى مصر.
245 ـ معالم السنن:
للخطابي حمد بن محمد بن إبراهيم الخطاب ت "388" هـ ـ دار الحديث للطباعة ـ بيروت ـ لبنان 1388 هـ.
246 ـ المعلقات السبع مع شرحها:
الحسين بن أحمد الزوزني ـ دار صادر ـ بيروت ـ لبنان.
247 ـ المغني في أبواب التوحيد والعدل:
عبد الجبار بن أحمد ت "415" هـ ـ طبع المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة ـ بلا تاريخ.
248 ـ المفردات في غريب القرآن:
الحسين بن محمد ـ المعروف بالراغب الأصفهاني ت "502" هـ ـ مصطفى البابي الحلبي.
249 ـ مفتاح دار السعادة:
للعلامة ابن القيم ت "751" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
250 ـ مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين:
أبو الحسن الأشعري ت "330" هـ ـ مكتبة النهضة المصرية.
251 ـ المنظم في أخبار الملوك والأمم:
لأبي الفرج بن الجوزي ت "597" ـ دار الثقافة بيروت ـ لبنان.
252 ـ منهاج السنة النبوية:
لشيخ الإسلام ابن تيمية ت "728" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.(1/739)
253 ـ المنجد في اللغة والأعلام:
دار المشرق بيروت ـ ط: 26 تاريخ 1973م.
254 ـ المنهاج في شعب الإيمان:
أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي ت "403" هـ ط: 1 سنة 1399 هـ.
255 ـ موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان:
نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
256 ـ الموطأ:
للإمام مالك بن أنس ـ "179" هـ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان 1405 هـ.
257 ـ المواقف في علم الكلام:
عبد الرحمن الإيجي ت "756" هـ ـ عالم الكتب ـ بيروت.
258 ـ ميزان الاعتدال:
محمد بن أحمد الذهبي ت "748" هـ تحقيق علي محمد البجاوي ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان.
"ن"
259 ـ النبوات:
لشيخ الإسلام ابن تيمية ت "728" هـ ـ دار القلم بيروت ـ لبنان.
260 ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة.
جمال الدين يوسف بن تعري بردي ت "1174" هـ ـ دار الكتب ـ 1391 هـ.
261 ـ نقض تأسيس الجهمية لابن تيمية ت "728" هـ ط: 1 ـ مطبعة الحكومة بمكة ـ 1391 هـ.
262 ـ نقض المنطق لشيخ الإسلام ابن تيمية:
مكتبة السنة المحمدية ـ تصحيح ـ محمد حامد الفقي.
263 ـ نهاية الأرب في فنون الأدب:
أحمد بن عبد الوهاب النويري ت "733" هـ ـ دار الكتب المصرية ـ 1342 هـ.
264 ـ النهاية في غريب الحديث والأثر:
لابن الأثير الجزري ت "606" هـ ـ المكتبة الإسلامية.
265 ـ النهاية لابن كثير:
ت "774" هـ ط: 1 مؤسسة النور ـ الرياض ـ 1388 هـ.
266 ـ نيل الوطر من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر:
محمد بن محمد زبارة ـ المطبعة السلفية ومكتبتها ـ القاهرة ـ 1342 هـ.
"هـ"
267 ـ هدي الساري مقدمة فتح الباري:
للحافظ ابن حجر العسقلاني ت "852" هـ ـ المطبعة السلفية ومكتبتها.(1/740)
268 ـ الهدية السنية التحفة الوهابية النجدية:
جمع وترتيب "الشيخ سليمان بن سحمان النجدي" ـ مكتبة التوفيق.
269 ـ هدية العارفين:
إسماعيل باشا البغدادي ـ منشورات مكتبة المثنى ـ بيروت.
"و"
270 ـ الوابل الصيب من الكلم الطيب:
للعلامة ابن القيم ت "751" هـ ـ ط: 4 ـ المطبعة السلفية ومكتبتها ـ 1398 هـ.
271 ت وفيات الأعيان وأنباء الزمان.
أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان ت "681" هـ ـ البابي الحلبي ـ سنة 1310 هـ.
272 ـ الوفاء بأحوال المصطفى:
عبد الرحمن بن الجوزي ت "597" هـ تحقيق مصطفى عبد الواحد ـ مطبعة السعادة مصر ـ 1386 هـ.
"ي"
273 ـ يقظة أولي الاعتبار:
صديق حسن خان ت "1307" هـ ـ مطبعة الامتياز ط: 1 سنة 1398 هـ.(1/741)