السيل العريض
الجارف لبعض ضلالات الصوفي عمر بن حفيظ
تأليف:أبي عبد الرحمن
يحيى بن علي الحجوري
أما بعد:
أصل هذا الرد، أسئلة قدّمت من أهل حضرموت، لمعرفة أقوال عمر بن حفيظ، التي كثر رواجها على عوام الناس في حضرموت وغيرها.
فرأيت واجبًا عليّ الجواب عليها، المتضمن: بيان بعض انحرافات هذا الرجل تبرئة للذمة، ونصحًا للأمة، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} [لأنفال:42] .
وبعد تفريغ المادة من الشريط في هذه الرسالة، نظرت فيها، وأذنت بطبعها.
والله أسأل أن يجعلها تبصرة للمصتبصرين، وحجة على المعترضن.
وتلبية لقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] ، نقول:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:104].
ويقول سبحانه في كتابه الكريم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة:71].(1/1)
وإن عدم إنكار المنكر ضرر عظيم على الفرد والمجتمع، والراعي والراعية، والرجال والنساء، والصغار والكبار، والجن والإنس، فقد ثبت من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، عند الإمام البخاري رحمه الله أنه قال عن النبي ? قال: »مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا في سفينة، فكان بعضهم أعلاها، وبعضهم في أسفلها«، فقال الذين في أسفلها: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذي من فوقنا، فكانوا إذا استقوا من الماء يمرون على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤ من فوقنا، فلو تركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعاً، ولو أخذوا على أيديهم نجو، ونجو جميعاً«.
وإن المنكر ليتفشى عن طريق علماء السوء، أكثر من غيرهم، وأشد ما تنتشر المنكرات، وتفشو الضلالات، وتشاع الشبهات، عن طريق علماء السوء ودعاة الفتنة، الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة:75].
فهذه صفة علماء السوء من بني إسرائيل، ومن صفاتهم الذميمة ما أبانه الله عزوجل بقوله: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}[البقرة:79]، ومنها ما أبانه الله عزوجل بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[آل عمران:7].(1/2)
وفي »الصحيحين« من حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي ? قال: »إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاعلموا أنهم الذين سمى الله، فاحذروهم«، فكم لعلماء السوء، ودعاة السوء من الأضرار، وكم يزجون بالمجتمع إلى الشرور والأخطار، سواء في الملل الماضية، أو في هذه الملة، فدعاة السوء غواة ظلمة، قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}[الأعراف: 175-176]، {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الجمعة:5].
إن الناس لا يغترون في دينهم بأكبر مسئول، مثل ما يغترون بإنسان يقول قال الله، قال رسوله، فيلبس على الناس بالأباطيل والأكاذيب، وتراهات الأقاويل تحت ستار قال الله، قال رسوله، والمسلمون لما يعلمون من شرف العلم وأهله، كل من دعاهم إلى ذلك ربما أخذوا عنه، ولو كان نصاباً كذاباً على الله، وعل دينه الحق، لهذا أبان الله ذم من لم يعمل بعلمه، وذم من يضل الناس بغير علم، وحرم القول على الله بلا علم؛ لضررهم المتعدي على العباد، فكل لاعن يلعنهم قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:33].(1/3)
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} الآية: [البقرة:159].
وقال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:144].
وأكثر الناس تقولاً على الله، بالأقاويل الكاذبة، والاستحسانات الفارغة، والأحاديث المكذوبة، والتأويلات الفاسدة، دعاة السوء، ودعاة الفتنة، يجب على كل مسلم أن يحذرهم، وأن يحذّرهم من غش المسلمين.
فقد ثبت في »صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ? قال: «من غشنا فليس منا»، وإن من كبار الغشاشين، ورؤوس الدجالين في هذا العصر، لهو ذلك المدعو (عمر بن حفيظ)، فقد صعد بتلبيساته على الشاشة التلفزيونية، وأضاع كثيراً من الناس، وأضلهم عن الصراط المستقيم، والسكوت على ذلك يعتبر خطأ في حق كل إنسان يستطيع أن ينافح عن دين الله ويقول كلمة الحق، هذا الرجل أفشى المعتقد الباطل من تصوف وتمشعر، وشركيات وبدع، وخرفات، أما يكفي البلاد اليمنية، ما فيها من تلك الإذاعة التي صارت أضحوكة، بل صارت تشيع وتذيع الباطل، ويسمونها ببرنامج (أولو العلم)، ومن أراد أن يضحك أو يسخر يفتح على برنامج (أولي العلم)، وهو جدير بأن يمسى: (برنامج أولي الجهل)، مسخرة، وفتاوى لا تتقيد بكتاب ولا سنة.(1/4)
والله هذه فضائح، ويكمل الفضائح بن حفيظ، في الإذاعة، ويظن الظان في خارج البلاد أن اليمن على هذا الحال، لا وألف لا، اليمن فيها علماء سنة يقولون: قال الله، وقال رسوله، على فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم، وإن بلداً يشيد بهؤلاء الضلال، وإن مجتمعاً يسمع لهؤلاء الضلال، لمجتمع نخشى أن يكون أراد الله به سواءً من البدع والضلالات، والله أضر شيء على الإنسان في دينه، الشركيات، والبدع، والخرافات، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر:65]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:48]، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}[المائدة:72]، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النحل:105].
ويقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}[الأعراف:152].
وهنا بعض الأسئلة فيما يتعلق بهذا المنحرف، والأسئلة مأخوذة من أشرطته وكتبه بالنص، وربما احتيج إلى إسماع الناس بصوته، لكن ننزه هذه الحلقة أن تسمعوا فيها تلك الدفوف والرقصات، وسنعزو الأقوال إلى رسائله، وبعض أشرطته إن شاء الله تعالى، ومن شك في ذلك رجع إلى تلك المصادر، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس:32].(1/5)
قال ابن حفيظ: في شريط له بعنوان: (العقيدة الصحيحة) في الوجه الأول: ظهرت علوم وضلالات، وسموم وفتن، وتراهات، ناس كملوا كلامهم على العلماء، ثم تكلموا في حضرة النبوة؛ تكلموا على النبي قالوا: بشر.
رد الشيخ حفظه الله: انظر إلى تقليب الحقائق من هذا الرجل، ستسمعون كلامه الباطل، المخالف لكتاب وسنة رسوله ?، وهو يسمي ذلك الباطل (العقيدة الصحيحة)، وإن تقليب الحقائق من شأن اليهود، قال الله تعالى لهم: { ) وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ}[البقرة:58]، فدخلوا يزحفون على أستاههم، ويقولون: حنطة، وقال تعالى عنهم: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:71].
وإن تقليب الحقائق من شأن الزائغين، قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7]، وإن تقليب الحقائق من شأن المرتابين، قال النبي ? «الصدق طمأنينة، والكذب ريبة»، كيف تسمي تلك الأقاويل المكذوبة المنكرة، والجهالات المرتبكة المتكسرة، بالعقيدة الصحيحية، وفيها إنكار صفات الله رب العالمين، والتقول والتخرص على علماء السنة حملة هذا الدين، وفيها أقوال زائغة كما ستمر بنا:
والدعاوى ما لم يقيموا ... عليها بينات أهلها أدعياء
قال الله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}[النساء:123].
وقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف:108]، أين البصيرة (الدليل) على هذا القول، أنها عقيدة صحيحة، بل الثابت عكس ذلك، أنها عقيدة خربانة، عقيدة مدقدقة، عقيدة شركية وثنية، عقيدة خرافية بدعية.(1/6)
أناس أصحاب موالد وبدع وخرافات وشركيات، وكان ينصبّ عليه وأمثاله هذا القول أنهم أصحاب نشر هذه السموم والفتن والتراهات، ومن يعني بهذا الكلام؟، ومن هم العلماء الذين تكلم عليهم (بغير حق)؟، فليسمهم؛ من الذي تكلم في حضرة النبوة؟!، فإن هذا الكلام يدل على تكفيرهم، فالذي يطعن في نبي من الأنبياء يكفر، لقول الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:64-65].
وإذا نظرت إلى قوله: (أناس كملوا كلامهم على العلماء)، الرجل مجروح، وما يريد أن تفضح شركياته وخرافاته.
وعلم الجرح أجمع عليه المسلمون، على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ?، الجرح والتعديل يتنكر له هذا الرجل وأضرابه، من سائر الزائغين، ما من مجروح إلا ويتنكر لعلم الجرح؛ يريد أن يفشي سمومه بين الناس، ويغش الناس، ويخذل الناس، ويضيع الناس، وما يريد أن يقال: هذا زائغ، لا والله، »الدين النصيحة«، قلنا لمن يا رسول الله، قال: »لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم«.(1/7)
لقد ضل من لا ينصح لدين الله، إن بني إسرائيل أولئك ضرب الله قلوب بعضهم على بعض، ثم مسخهم قردة وخنازير، واقرأ سورة الأعراف: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[الأعراف: 163-165].
والجرح دل عليه مثل قول الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}[المسد: 1-2]، وقول النبي ?: »بئس أخو العشيرة«، هذا جرح أم لا ؟، وقول النبي ?: »إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه«، فكم في القرآن من جرح المشركين والمنافقين، واقرأ سورة المنافقين، و اقرأ آخر سورة النساء، وفي سورة الأحزاب، {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً}[الأحزاب: 60-61]، {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[المنافقون: 1-2].(1/8)
وهكذا قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا}[النساء:145]، وقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً}[النساء: 142-143].
كم في القرآن من جرح المنافقين، وجرح الظالمين، قال تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً}[طه:111]، وجرح الكاذبين، قال تعالى: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران:61]، وجرح الزائغين، قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[الصف:5]، {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران:8].
وكم جرح النبي ? الخوارج، فقال عنهم: »كلاب النار، كلاب النار، شر قتلى تحت أديم السماء، وخير قتلى من قتلوا«، كذا يقول النبي ?، يسميهم كلاب النار.
وهكذا قول النبي ? في القدرية: »القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودهم، وإن ماتوا فلا تشيعوهم«، وللحديث طرق عند ابن أبي عاصم في السنة وغير ذلك.(1/9)
وأخرج مسلم في «صحيحه» فقال: حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ? فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ، قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ».
ففيه: بيان حالهم والبراءة منهم، واقرأ في كتاب »الجرح والتعديل« لابن أبي حاتم، و»ميزان الاعتدال« للذهبي، و»تهذيب الكمال« للحافظ المزي، و»تهذيب التهذيب« للحافظ ابن حجر، و»المجروحين« لابن حبان، وغيرها من كتب الجرح.(1/10)
ونقل النووي في »رياض الصالحين« إجماع المسلمين على وجوب جرح المجروحين، وهكذا الحافظ ابن حجر في »فتح الباري«، والحافظ ابن رجب، كما في »شرح علل الترمذي«، نقل إجماع المسلمين على جرح أهل الباطل، هاتوا عالمًا تكلم فيه أهل السنة بباطل، إن أهل السنة يتكلمون نصيحة للمسلمين، ويتحرون الحق في أقوالهم، تكلموا في جماعة الجهاد بحق، ورجع الناس إلى قولهم، تكلموا في صدام حسين بحق، ورجع الناس إلى قولهم، فانظر الآن صدام وحال صدام الآن.
تكلموا في الخميني، وآل الأمر إلى قولهم، وتكلموا في الرافضة بحق وآل الأمر إلى قولهم، وانظروا الرافضة وما تصنع الآن، تكلموا في الصوفية بحق، والصوفية مفضوحون بشركهم وبدعهم، وسيفضح أمرهم إن شاء الله للناس أكثر، فربنا عزوجل يقول: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[هود:113]، يا أيها المسلمون لا تركنوا إلى الصوفية، والله أنهم خونة، والسلف يقولون: ما ابتدع أحد بدعة إلا استحل السيف، كما في «مقدمة سنن الدارمي» رحمه الله.
قال ابن حفيظ: في نفس الشريط المتقدم: وتكلموا على النبي، قالوا: بشر وإنه قده ميت.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: كلام أهل السنة: أنه ? بشر، مأخوذ من كلام الله، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[الكهف:110]، وقال تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [لأعراف:188].(1/11)
فأين الطعن في رسول الله ? إذا قالوا بشر؟!، وإذا قالوا: أنه مات؟! أيضًا مأخوذ من كلام الله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}[الزمر: 30-31].
وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً}[آل عمران:144].
وقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أما الموتة الأولى فقد ذقتها، ولن تذوق بعدها موتة أخرى.
وقال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[العنكبوت:57]، والرسول ? مما يشمله هذه الدليل، وقال الله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}[آل عمران:55]، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران:185]، وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الانبياء:34].
قال عمر بن حفيظ: كما في المصدر السابق يقولون: قده ميت ولا يسمعكم.(1/12)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: الرسول ? قد مات، وهذا القرآن، والسنة، والواقع يدل على ذلك، وإن كذبت القرآن فيا ويلك من الكفر، ومن عذاب الله، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} [العنكبوت:68].
وقوله: (يقولون: ولا يسمعكم)، قولهم: أن الرسول ? لا يسمع دعائهم بعد موته، قلت: هذا دل عليه القرآن، قال الله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}[فاطر:22]، وفي الحديث المتفق عليه، »إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك«.
وقال الله تعالى: {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}[الروم:52]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [لأعراف:194]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الاحقاف:6].
يابن حفيظ: ما عندك إلا الهوى، ولو كان رسول الله ? يسمع، فتلك القلاقل والفتن التي حصلت في زمن عثمان، ومن بعد عثمان في زمن علي بن أبي طالب، هل كانوا ينادوا رسول الله ? ويكلمهم، وانتهت القضية؟!، يا رسول الله ?، قلت كذا؟ يقول: ما قلت كذا، وافعلوا كذا، واتركوا كذا، ولكن يا أخي هؤلاء { لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}[النساء:78]، هؤلاء عُمي، قال الله تعالى: { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:46]، الصوفية عميان البصائر.(1/13)
قال عمر بن حفيظ كما في شريط: (العقيدة الصحيحة): وذلحين قدهم في الرب، يدورون له محل يحطونه فيه؟
رد الشيخ يحيى حفظه الله: انظروا على كذب، هل يجوز أن يقال هذا الكلام! يدورون له محل يحطونه فيه، هذا كلام استهتار، وكلام ما يليق بالله سبحانه وتعالى، ولكن الصوفي الخبيث معّطل، ما يريد أن يقال الله في السماء، كما قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:5]، فيعبئ عوام الناس، ويلبس عليهم بهذا الكلام، وأهل السنة، يقولون: الله في السماء، مستو على عرشه، وأدلتهم على ذلك القرآن والسنة وإجماع السلف، قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}[الأنعام:18]، وقال عزوجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر:10]، وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}[الملك:16]، وثبت أنه ? قال: »ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء«، وقال الله عزوجل: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}[المعارج:4]، وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر:1]، وثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ? قال: «إن الله كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي تغلب غضبي«، متفق عليه من حديث أبي هريرة.(1/14)
وقال الله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[الأعلى:1]، وقال: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة:255]، هذه بعض أدلة أهل السنة عل هذه العقيدة الصحيحية، أما كلام ابن حفيظ فمثل سوالف العجائز، وليس عند من خالف أهل السنة إلا الهوى والجهالات، والبدع والضلالات، الذين خالفوهم في هذه المسألة، الجاهليون أهدى سبيلاً فيها منهم؛ فقد نقل الإمام ابن القيم رحمه الله، في كتابه «اجتماع الجيوش الإسلامية» أقولًا للشعراء القداما، وأنهم كانوا يثبتون علوا الله على عرشه، ومما نقل في كتب النحو إن جاهلياً أتى إلى امرأته وقد زنت بعد أن سافر سفراً طويلاً، فقال:
لتقعدن مني مقعد القصي ... يا ذا القاذورة المقلي
أو تحلفي بربك العلي ... أني أبو ذيالك الصبي
جاهلي يقول هذا، ومن تلك الأشعار:
وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمين
فعلو الله ثابت له سبحانه، بأدلة القرآن والسنة، وتقر بذلك كل فطرة سليمة، فإن الداعي لله عزوجل يرفع يديه إلى السماء، والساجد يقول: سبحان ربي الأعلى، واستواؤه ثابت، وفوقيته ثابتة، علو ذات، وعلو صفات.
مساكين عوام الناس، ظلمهم هؤلاء الضلال، غشوهم، خدعوهم، يا أيها العامة، لو أن إنسانًا غشك في كيلو من العسل، أو غشك في كيلو من الطماط، والله تعتبره غشاشاً، فكيف بمن يغشك في عقيدة، عمر بن حفيظ وأمثاله من الصوفية غشاشون، يقررون على الناس الأقاويل الباطلة، والمعتقدات الباطلة، والإنسان إذا مات على عقيدة فاسدة، مات على ضلالة.
قال عمر بن حفيظ: كما في المصدر السابق: (ويشبهونه بالخلق، ويقسمونه، معاد دروا يصلحون له وجه).(1/15)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هذا هو وجه التشبيه عند هذا الرجل، أن أهل السنة يثبتون لله الوجه، والوجه ثابت لله عزوجل في القرآن، واقرأ قوله سبحانه: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى}[الليل:20]، وقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ}[الرحمن:27]، وقول الله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الانسان:9]، وقوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:28].
وحديث سعد بن أبي وقاص في الصحيحين، أن النبي ? قال: »إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة«، وفي حديث الثلاثة أصحاب الغار المتفق عليه، من حديث ابن عمر، وأحدهم يقول: »اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة«.
عشر آيات في القرآن، كلها تثبت صفة الوجه لله سبحانه وتعالى، كما يليق بجلاله، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى:11].
وهذا الرجل يعطّل هذه الأدلة، وينفي عن الله عزوجل ما أثبته لنفسه، وأثبته له أعلم الخلق به رسول الله ?، وما أحسن ما قاله نعيم بن حماد: من شبه الله بخلقه كفر، ومن عطل الله عن صفاته كفر، (نخشى عليك أن ينطبق عليك هذا الحكم)، قال: وليس فيما وصف الله به نفسه تشبيه. اهـ.
هذا كلام نعيم بن حماد، وعليه أهل العلم، بالسنة أن تشبيه الله بخلقه كفر، وهم الذين أفتوا بقتل داود الجواربي المشبه، لما شبه الله بخلقه، أفتى ابن لهيعة، وجماعة كثيرون من أهل الحديث والسنة، بقتل داود الجواربي.(1/16)
وهم الذين ردوا على المشبهة كمقاتل بن سليمان، وأمثاله، وعلى المعطلة من أمثالكم، تعطلون الله عن صفاته سبحانه وتعالى، ولا تثبتون صفاته كما أبان الله في كتابه، أنتم معطلة ضلال، عطلتم الله عن صفاته، وقلتم على الله بغير علم، والله عزوجل يقول: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [لأعراف:33].قال عمر بن حفيظ: كما في المصدر السابق: (ما عد دروا يصلحوا له يد أو يدين).
رد الشيخ يحيى حفظه الله: كلامه مثل كلام بعض عجائز حضرموت، أنت الآن تعتبر نفسك عالماً، أما تخجل من هذا الكلام؟!، مثل كلام عجائز بلدكم، ولا تعلم هذه العلوم اليسيرة، التي هي في كتاب الله وسنة رسوله ?.
أين أنت من قول الله عزوجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[المائدة:64]، وقال: { مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ}[صّ:75]، ومعنى ذلك: أن ابن حفيظ مشاق لله عزوجل؛ فالله سبحانه يثبت لنفسه اليدين، وابن حفيظ ينفيها، وربنا سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115]، فأنت يا ابن حفيظ تعرض نفسك، وتعرض من خدعتهم بهذا المعتقد الفاسد، لهذا الوعيد، فاتق الله، ما عذرك أمام الله عزوجل؛ في ردك القرآن وصحيح السنة.(1/17)
منها حديث: أبي موسى رضي الله عنه »إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل«، أخرجه مسلم.
وقد ضل من قال: يده نعمته بالليل والنهار يبسطها، ونِعم الله تترى، وتتاولى، قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}[النحل:18]، وقال تعالى: {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} [القمر:35]، وقال: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53]، وهؤلاء المعطلة يحصرونها في نعمتين فقط، ولا يقول ذلك من يفهم نصوص الوحي، فتأويل هذه الأدلة أن اليد بمعنى النعمة، مع أنه مخالف لأدلة الكتاب والسنة، أيضًا: لا يستساغ.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (وإلا أيادي كثير، وإلا عينين، وإلا أعين كثير).
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هذا كذب بطالٍ، وتلبيس دجالٍ، يُظهر أن أهل السنة يتأرجحون، أتحداه يثبت عن أهل السنة ذلك، بل جميع أهل السنة في أقطار العالم، من لدن الصحابة إلى هذا الزمن، وهم يثبتون لله عز وجل صفة اليدين، ويثبتون لله صفة العينين، وجميع الصفات الثابتة لله عزوجل بغير تردد، ولا تأرجح، ففي «الصحيحين» من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي ? قال: »إن الدجال أعور، وإن ربكم ليس بأعور«، وقد جاء الحديث صريحاً بإثبات العينين في كتاب «الرؤية» للدارقطني، وإن كان ما في «الصحيحين» أصح، وعلى ذلك إجماع سلف المسلمين.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (وتلخبطوا بالآيات والأحاديث).(1/18)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: وهذا كذب واضح، وجهل فاضح، الصوفية هم المتخبطون، والملبسون، ووالله ما يتخبط أهل السنة على ممر التاريخ، والواقع يشهد بذلك، أن أهل السنة سائرون على كتاب وسنة، في الزمن القديم، والحديث، وهم ثابتون على كتاب الله، وسنة رسوله ?، ومنهج الصحابة، ومن تبعهم بإحسان، في توحيد الربوبية، والألوهية والأسماء والصفات، فتجد الذي في المشرق والذي في المغرب، والذي قبل ألف سنة، والذي يعيش الآن، قولهم في ذلك واحد، مأخوذ من الوحيين، وهذا القول من هذا المتهوك طعن في السلف أنهم يتخبطون، فهو يتهم أتباع رسول الله ?، أبو بكر الصديق ومن دونه بالتخبط، فهذا معتقد الصحابة والتابعين، وتابعيهم، اقرأ كتاب «أصول السنة» للالكائي، هل تراهم يتخبطون، اقرأ كتاب «الشريعة» للآجري، اقرأ كتاب «السنة» للبربهاري، اقرأ كتاب «السنة» لمحمد بن نصر المروزي، اقرأ كتاب التوحيد من «صحيح البخاري»، وأقرأ التوحيد لابن خزيمة، و «التوحيد» لابن مندة، و «الواسطية» و «الحموية» لشيخ الإسلام ابن تيمية، وغير ذلك من دواوين السنة، هل ترى فيها شيئًا من التخبط في علم الكلام؟، كما يتخبط الصوفية، فالصوفية لا يستفيدون من قرآن ولا من سنة، يقرءون «صحيح البخاري» وفيه: (كتاب التوحيد)، ويثبت الأسماء والصفات فيها، ولا يستفيدون من ذلك، فهذا هو التخبط الذي هم فيه، ومن عجيب القول، أنهم يثبتون لله سبع صفات، مجموعة في قول بعضهم:
حي مريد قادر علام ... له السمع والبصر والكلام
كيف تثبتون سبع صفات، وما تثبتون نظيرها التي دلت عليها الأدلة، هذا تحكم في القرآن، وتحكم في الأدلة، إن الذي أثبت هذه الصفات، هو الذي أثبت صفات أخرى، إن الذي أثبت هذه الصفات هو أثبت لنفسه الأسماء، فإذاً أنتم أصحاب أهواء، وأنتم حقًا الذين تتخبطون في الأدلة، وما ذكرناه دليل على ذلك.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (وخبطوا بها عقول المؤمنين)؟(1/19)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: أبعد تخليطكم هذا للناس تخليط وتخبيط، تارة تجعلونهم ينكرون الصفات، وتارة تعلمونهم البدع والشركيات، فهذا شأن المبطلين، أنهم يقلبون الحقائق، ففرعون يقول: { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:26]، فهو يزعم أنه خائف من أن يظهر موسى الفساد، ويقول: { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29]، وما أشبه دعواكم هذه بدعوى فرعون، والمشركون أيضاً يقولون: أنحن أهدى أم محمد، هذا الصنبور المنبتر؟ نحن سقاة الحجيج، ونحن نقري الضيف، ونحن نفعل ونفعل، فقال لهم كعب بن الأشرف: أنتم خيرٌ وأهدى سبيلاً، فأنزل الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً}[النساء:51-52]، وأنزل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}[الكوثر: 1-3].
هذه دعاوى فرعون، ودعاوى المشركين، ودعاوى كل مبطل، وقد أخبر الله عن فرعون هذا المدعي أنه ما تقره نفسه على ذلك، قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}[النمل:14].
كفى غشاً للمجتمع، حرام الغش، حرام الظلم، حرام تقليب الحقائق، إن كنتم تعقلون، فهل بقي عندكم خوف من الله؟.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (خطبوا بها عقول المؤمنين أهل التوحيد، أهل اليقين، شوفوه حال في مكان من الأماكن).(1/20)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هل أهل السنة يقولون: شوفوه حال في مكان؟! سبحانك هذا بهتان عظيم، وإنما الحلولية منكم أنتم أصحاب الحلاج الذي يقول: (أنا الله بلا شك، فسبحانك سبحاني، فتوحيدك توحيدي، وعصيانك عصياني)، من الحلولية نحن أم أنتم؟ نعم وابن عربي منكم الذي يقول: ( ما في الجبة إلا الله)، ويقول: (العبد رب، والرب عبد، ياليت شعري من المكلّف) يعتقد أنه رب، وهكذا ابن سبعين الذي يقول وهو يسمع الكلب ينبح: (سبحانك يا رب العالمين).
وهكذا أبو يزيد البسطامي منكم الذي يقول: (سبحاني، سبحاني، ما أعظم شأني، الجنة لعبة صبياني).
من الذي رد على الحلولية إلا أهل السنة، القول بالحلول كفر، الذي يعتقد أن الله حالٌّ في البشر، كافر أكفر من اليهود والنصارى، والذي يعتقد أن الله متحد في البشر أو في المخلوقات كذلك كافر، أكفر من اليهود والنصارى كما أبان ذلك شيخ الإسلام رحمه الله، وغيره من أهل العلم، أن الحلولية كفار؛ فإن الاتحادية يعتقدون: أن المرأة هي الله، الذي يأتي أهله ماذا يأتي، وأن الحمار هو الله، وأن الذي يركب الحمار ماذا يركب، وأن المزابل هي الله، أو أن الله حالٌ في الأماكن القذرة، نسأل الله السلامة، هذا قول الكفرة، هذا قول كفر، ولا النصارى يعتقدون هذه العقيدة، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}[التوبة:30].
فالصوفية في هذا الباب كفرهم أشد كفر من اليهود والنصارى، لأن النصارى يعتقدون أن الله حال في المسيح، أما الصوفية فجعلوه حالًا في كل شيء.
قال عمر بن حفيظ: كما في المصدر السابق: وأنتم تعرفون ما جاء عليه وضع اللغة العربية في استعمال هذه المعاني، لا جسمية ولا خيالية؟(1/21)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هذا كلام محدث، كلام لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، يجب الإعراض عنه، والبعد عنه، وإثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله ?، {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الاسراء:36]، فالله أعلم بنفسه، ورسوله ? يعلم عن الله بالوحي، هذا كلام الفلاسفة، وهذا كلام الذين يقول فيهم الشافعي: حكمي فيهم أن يطاف بهم بين العشائر والقبائل ويضربون بالجريد والنعال،ويقال: هذا جزاء من أعرض عن كلام الله.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (ولا تتخيل بعقل الناس، ثم قال: ما هو بلحم ولا عظم، ولا دم، من اعتقد عظم أو لحم، أو دم أو أي جسم في الرب فهو عابد صنم)؟
رد الشيخ يحيى حفظه الله: وهذا التفسير الذي يقوله، هذه عقيدة المبتدعة، عقيدتهم.... ليس بكذا، ولا بكذا، ولا بكذا، وهذا مبتدع، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: القرآن جاء بإثبات مفصل، وبنفي مجمل.
إثبات مفصل، سميع، بصير، عليم، حكيم، أثبت الله لنفسه الأسماء والصفات بالتفصيل، وقال عن النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11]، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}[الإخلاص:3-4] وما ادعاه المشركون من النقائص لله عزوجل نفاه سبحانه وتعالى عن نفسه، فهذا الذي جاء به القرآن، وفعلهم هذا خلاف القرآن، وخلاف السنة، وخلاف فعل الصحابة، ومن بعدهم رضوان الله عليهم.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (وعادهم سموا أنفسهم أهل التوحيد، توحدون صنم، أو توحدون جسم)؟(1/22)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، ونحن نفرد الله بالعبادة، ولسنا مثلكم؛ نشرك معه مخلوقًا من خلقه، فصنيعكم هو عين صنيع مشركي قريش، وقد قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:103-104]، فأنتم تدعون غير الله، وإليك من الأدلة ما يبين وجه الشبة بين شرككم، وشرك أبي جهل وقومه، والله يقول: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون:117].
ويقول: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}[الاحقاف:5-6].
ويقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحج:73].
ويقول سبحانه: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}[الرعد:14].(1/23)
دعاء غير الله كفر، وهم يدعون غير الله، وينذرون ويبحون لغير الله، والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر:1-2]، ويقول تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:162-163]،
يذبحون لغير الله، والنبي ? يقول: »لعن الله من ذبح لغير الله«، أخرجه مسلم، من حديث علي رضي الله عنه، ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: { رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[آل عمران:35]
فكل البلاوي عندهم، من نذر لغير الله، ومن دعاء لغير الله، وأكل أتربة القبور، ويتوسلون بهم، ويطلبون منهم المدد، أي توحيد عندكم؟!، الشيطان يقر بتوحيد الربوبية، وأنتم تشركون في الربوبية، وتعتقدون أن الكون يتصرف فيه الولي، كما بيناه في: «الأدلة الزكية في بيان أقوال الجفري الشركية».
قال عمر بن حفيظ: في نفس المصدر السابق: (شيء عندكم رب ثاني تقفلون عليه في مكان، يا بلا عقول).
رد الشيخ يحيى حفظه الله: سبحان الله!، من الذي يعتقد إن الله حالٌّ في كل شيء؟!، فالذي يعتقد أنه حال فيه، فإنه إذا قفل على نفسه في مكان، فهو يعتقد أنه أقفل على الله، وأن الله حال في المرأة، كلام لا يستطيع الإنسان أن يتكلم به إلا من باب اليبيان، أليست هذه عقيدة الصوفية؟.
الرجل من خذلانه يرد على نفسه بنفسه، وأن الذين يقولون هذا القول، بلا عقول، وهذا صحيح، وقد حكم بذلك الشافعي رحمه الله، على الصوفية، كما ثبت في «صفوة الصفوة» لابن الجوزي، أنه قال: ما تصوف أحد أول النهار، إلا جاء وسط النهار وهو أبله.
قال عمر بن حفيظ: كما في الشريط السابق: (هو يحمل السماء والأرض، ويحمل كل شيء، يسع كل شيء ولا يسعه شيء).(1/24)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: أهل العلم يقولون: »قيوم السموات والأرض«، أي يقيمها، أما كلمة (يحملها)، من يستجيز هذا القول، أنه يحملها؟، فالتعبير الصحيح المؤيد بالأدلة أن يقال: يقبضها ويمسكها، ويقيمها، قال تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الزمر:67] وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا}[فاطر:41] وقال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[البقرة:255]، أي قيوم السموات والأرض، وفي حديث ابن عباس، عند البخاري ومسلم، أن النبي ? قال: »أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن«، أما يحملها فبأي دليل هذا الكلام؟، فهذا كلام باطل؛ فيه تنقصات لله سبحانه وتعالى.
قال عمر بن حفيظ: كما في الشريط السابق: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح:10]، قولوا لهم: هم كانوا عند العرش، أو في الأرض، إيش العقول القاصرة الفارغة.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: المسائل تثبت بالدليل، وهذه عقيدة فيها كتاب وسنة، ولا دخل للعقول فيها، قال الله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [المرسلات:50]، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}[العنكبوت:51]، ومن أعظم ما أنزل على العباد وما تعبدهم به هو معرفة صفات الله، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ? قال: »إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة«، وكل اسم يتضمن صفة، أما كلامك هذا فكلام بلداء، وكلام أصحاب الإعراض عن ذكر الله عزوجل، الكلام الذي يعتمد على أدلة هو الحق، والمحاجة تكون ببراهين، لا بالسفاسف والهذيان.
قال عمر بن حفيظ: كما في الشريط السابق: (أتى قوم يقولون: تفكر في ذات الله).(1/25)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: الصوفية وسائر أهل البدع محروقون من أهل السنة، جزاكم الله خيراً يا أهل السنة، وقوله: (أتى قوم)، أهل السنة من الصحابة ومن بعدهم هم الأصل الأصيل الذين أوصلوا هذا الدين إلى الناس، وإنما البدعة والمحدثة الذين أتوا في الآونة المتأخرة هم الصوفية، فهي ما حدثت إلا بعد القرون المفضلة، كما أبانه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وغيره من المؤرخين، وأئمة الإسلام، وبهذا تعلم من الذي أتى الناس بفكر محدث، بعض الأجداد الماضين خلقوا قبل حدوثه، وأتحدى ابن حفيظ أو غيره أن يثبت أن صحابيًا أو أحد أئمة التابعين كان صوفيًا، ويبرز برهانه الصحيح على ذلك، أما السلفيون فإمامهم رسول الله ?، وهو القائل لفاطة رضي الله عنها: «نعم السلف أنا لك» كما في البخاري (7/30) ومسلم (2403)، فأتباع رسول الله ?، وأتباع رجال السلف، هم الذين أتوا على هذه الأصناف الضليلة، العابثة بالإسلام وشعائره، ومبادئه، الصوفية خوالف الرهابيين؛ الذين صيروا المساجد عبارة عن مراقص، يتراقصون ويتمايلون فيها، والذين اتفقوا واندمجوا مع الاحتلال البريطاني، في المناطق الجنوبية، وشيدت بريطانيا لهم الأضرحة، واتفقوا واندمجوا مع الحزب الشيوعي في جنوب اليمن، ومنعت الشيوعية من الاعتداء عل مزارات الصوفية، واتفقوا مع فرنسا، لما دخلوا الجزائر، وجعلت فرنسا قطارات خاصة، تحمل الناس إلى مزارات الصوفية، وهذه حقائق يعرفها عموم أهل البلد، وأخبرنا من هو مغترب في أمريكا هذه الأيام، وهو الأخ: أحمد الشعيبي، أن أحد مستشاري بوش في البيت الأبيض صوفي، فأنتم أناس خدم لكل فكر دخيل على الإسلام والمسلمين.
جزى الله أهل السنة خيرًا.
من الدين كشف الستر عن كل كاذب ... وعن كل بدعي أتى بالعجائب
فلو لا رجال مؤمنون لهدمت ... صوامع دين الله من كل جانب(1/26)
هذا كتاب الله، وسنة رسوله ?، هو الحق، الذي به قامت السموات والأرض، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}[صّ:27] وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ}[الانبياء:16] .
هذا الحق الذي تعبدنا الله وتعبد جميع المسلمين به، {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81].
قال عمر بن حفيظ: كما في الشريط السابق: وهذه السنة لا مشى فيها رسول الله، ولا أصحابه من بعده، ولا التابعون بإحسان، يمسكون العيال الصغار يجئون يقولون: أين الله؟ أين الله.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل:105]، فهل القرآن ورسول الله والصحابة ما أثبتوا الصفات؟، فما معنى قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [لأعراف:180]، وما معنى قوله تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم:27] أي الوصف الأعلى، هل القرآن ورسول الله ? والصحابة ما أثبتوا علو الله على عرشه؟، فما معنى قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، وقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]، وقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:18]، وقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1].(1/27)
وقول النبي ? «إن الله كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش»، متفق عليه، من حديث أبي هريرة، وهكذا القول في سائر الأسماء والصفات، وقد امتلأت كتب السنة بذلك بما لا يخفى على مسلم، بصره الله بالحق، فما هذا الكذب على رسول الله ?؟!، وهو القائل: «من كذب علي، فليتبوأ مقعده من النار»، متفق عليه، وما هذا الكذب على الصحابة والتابعين؟، وقد زفرت دواوين الإسلام بتقريرهم ذلك، وقد أشرنا إلى جملة من كتبهم فيما مضى، وصدق رسول الله ?: «إذا لم تستح، فاصنع ما شئت».
ولا يجوز وصف رسول الله ?، وأصحابه ومن سلك مسلكهم بأنهم صغار.
فالصغار والأراذل، هم أهل البدع، من أمثالك كما ثبت ذلك في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام، يا رسول الله، متى ندع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: »إذا كان الملك في صغاركم، والعلم في رذالتكم، والفاحشة في كباركم«، قال زيد بن يحيى: الرذالة: هم علماء السوء.
وأما علماء السنة، فإنهم هم الذين ينطبق عليهم قول الله سبحانه وتعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران:18]،
ويقول ابن الأمير كما في كتاب »توضيح الأفكار«: كل حديث جاء في شرف أهل العلم، فيُعنى بذلك أهل الحديث.(1/28)
وأما الصوفية فأصحاب أهواء تتجارى بهم الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، والهوى يعمي ويصم، كما قال الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}[محمد:16]، والهوى بسببه قتل الأنبياء، قال تعالى: {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ}[المائدة:70]، والهوى يجعل الإنسان أضل الأنعام، قال تعالى: { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}[الأعراف:176]، وقال: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}[الفرقان:44]، وإليكم نص سؤال النبي ? للجارية، أين الله؟ وشهادته لها بالإيمان، في «صحيح مسلم» رقم: (537)، في كتاب الصلاة، (باب: تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته)، عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله ?، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله ? فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليما منه؛ فوالله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»، أو كما قال رسول الله ?، قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالًا يأتون الكهان قال: «فلا تأتهم»، قال: ومنا رجال يتطيرون، قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم» (قال ابن الصباح: فلا(1/29)
يصدنكم) قال: قلت: ومنا رجال يخطون، قال: «كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك» قال: وكانت لي جارية ترعى غنمًا لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم؛ آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله ?، فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: «ائتني بها» فأتيته بها فقال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة»
وابن حفيظ يتنقص رسول الله ? من حيث يشعر أو لا يشعر، ويعتبره من الاصاغر، مع ملاحظة أن ابن حفيظ ذكر هذا الحديث نفسه، في سياق كلامه، فقوله: (الأصاغر) يتناول به مبدئيًا رسول الله ?، لأنه هو القائل ذلك للجارية، ولما قالت: في السماء، أقرها على هذا القول، ولم يقل لها أخطأتِ، ولا يقر باطلاً ?، أولئك الذين قالوا: اجعل لنا ذات أنواط، قال: »الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: أجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون»، أنكر عليهم، الحديث أخرجه أحمد في «المسند»، والترمذي وغيرهما، من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه.
بل رأى رجلاً بيده خاتماً من ذهب، قال: »أنزعه، يعمد أحدكم إلى جمرة فيضعها في يده«.
قالت: في السماء، قال: »من أنا؟«، قالت: أنت رسول الله ?، قال: »اعتقها فإنها مؤمنة«، أثبت لها الإيمان بما قالت، وأن هذا من الإيمان، والصوفية يتنكرون لمسائل من الإيمان، فأي انحراف أشد من هذا؟!، أن تردوا على رسول الله ?، وتصفون قوله بأنه قول أصاغر!.
قال عمر بن حفيظ: كما في الشريط السابق: إن الخلفاء الأربعة والحسين وزين العابدين، والحسن البصري، وسائر التابعين ما مشوا، وتابع التابعين ما مشوا.(1/30)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: نسأل الله السلامة من هذا الكذب المفضوح، قال الله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[النمل:64]، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}[الأنعام:148]، وقال: { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[التوبة:42]، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل:105].
ولكي تعلم كذب هذا الرجل، فاقرأ هذا الفصل من «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة الجهمية» للإمام ابن القيم رحمه الله، (ص:62) ط:دار الكتب العلمية، قال رحمه الله: (فصل فيما حفظ عن رسول الله والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم من ذلك)، قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه،
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن فضيل، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لما قبض رسول الله ?، قال أبو بكر رضي الله عنه: أيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدونه فإن إلهكم قد مات، وإن كان إلهكم الله الذي في السماء فإن إلهكم لم يمت، ثم تلا {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}[آل عمران:144]، حتى ختم الآية، وهذا أثر حسن.
وقال البخاري في «تاريخه» قال محمد بن فضيل: عن فضيل بن غزوان، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما قبض رسول الله ? دخل أبو بكر رضي الله عنه عليه فأكب عليه وقبل جبهته، وقال: بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا، وقال: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت. تقدم قبله.(1/31)
وفي «صحيح البخاري» من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر رضي الله عنه فذكر الحديث، وفيه: أن رسول الله ? أشار إلى أبي بكر أن أمكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله على ما أمره به رسول الله ?، ثم استأخر فذكره.
قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
قال إسماعيل: عن قيس، قال: لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله الناس، وهو على بعيره، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونا ليلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر رضي الله عنه: ألا أراكم ههنا، إن الأمر من ههنا، وأشار بيده إلى السماء.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت أبا يزيد المزني قال: لقيت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقال لها خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، وهو يسير مع الناس، فاستوقفته فوقف لها، ودنا منها وأصغى إليها حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل يا أمير المؤمنين: حبست رجالًا من قريش على هذه العجوز!، قال: ويلك تدري من هذه؟ قال: لا، قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها، إلا أن تحضرني صلاة فأصليها، ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها.
قال ابن عبد البر: وحدثنا من وجوه، عن عمر بن الخطاب، أنه خرج ومعه الناس، فمر بعجوز فاستوقفته فوقف لها، وجعل يحدثها وتحدثه، فقال رجل: يا أمير المؤمنين حبست الناس على هذه العجوز، قال: ويحك تدري من هذه؟ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، الحديث.
قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:(1/32)
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتاب «الاستيعاب»: روينا من وجوه صحاح أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه مشى إلى أمة له فنالها، فرأته امرأته فلامته فجحدها، فقالت له: إن كنت صادقًا فاقرأ القرآن، فإن الجنب لا يقرأ القرآن، فقال:
شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شداد ... ملائكة الإله مسومينا
فقالت: آمنت بالله، وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن ولا تقرؤه.
قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
قال الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: ما بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله تعالى فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه.
قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب «السنة» من حديث سعيد بن جبير رضي الله عنه، قال: تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا في ذات الله؛ فإن بين السموات السبع إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك.
وفي مسند الحسن بن سفيان، وكتاب عثمان بن سعيد الدارمي، من حديث عبدالله بن أبي مليكة، أنه حدثه ذكوان قال: استأذن ابن عباس رضي الله عنهما على عائشة رضي الله عنها وهي تموت، فقال: كنت أحب نساء النبي إليه، ولم يكن رسول الله يحب إلا طيبًا، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات، جاء بها الروح الأمين، فأصبح ليس مسجد من مساجد الله يذكر فيها ألا وهو يتلى فيها آناء الليل وآناء النهار.(1/33)
وذكر الطبراني في «شرح السنة» من حديث سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد قال: قيل لابن عباس: إن ناسًا يكذبون بالقدر، قال: يكذبون بالكتاب، لئن أخذت شعر أحدهم لا ينبتونه، إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئًا، فخلق الخلق فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه.
قول عائشة رضي الله عنها:
قال الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جويرية بن أسماء قال: سمعت نافعًا يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: وأيم الله إني لأخشى لو كنت أحب قتله لقتلته -تعني عثمان- ولكن علم الله من فوق عرشه، إني لم أحب قتله(1).
قول زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها:
ثبت في «الصحيحين» من حديث أنس رضي الله عنه قال: كانت زينب تفتخر على أزواج النبي وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سموات، وفي لفظ غيرهما: كانت تقول: زوجنيك الرحمن من فوق عرشه، كان جبريل السفير بذلك، وأنا ابنة عمتك، رواه العسال.
قول أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه:
__________
(1) - الحديث رجاله ثقات، ورواية نافع عن عائشة، في «الصحيحين» كما في «جامع التحصيل» للعلائي.(1/34)
قال: لما لعن الله إبليس، وأخرجه من سمواته وأخزاه قال: رب أخزيتني ولعنتني وطردتني عن سمواتك وجوارك، فوعزتك لأغوين خلقك ما دامت الأرواح في أجسادهم، فأجابه الرب تبارك وتعالى فقال: وعزتي وجلالي وارتفاعي على عرشي لو أن عبدي أذنب حتى ملأ السموات والأرض خطايا، ثم لم يبق من عمره إلا نفس واحد فندم على ذنوبه لغفرتها وبدلت سيأته كلها حسنات، وقد روى هذا المتن مرفوعًا ولفظه: وعزتي وجلالي وارتفاعي لو أن عبدي وذكره، رواه ابن لهيعة، عن بني الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله ? قال: «إن الشيطان قال: وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر ما استغفروني»، الحديث فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، لكنه يصلح مع غيره في الباب.
قول الصحابة كلهم رضي الله عنهم:
قال يحيى بن سعيد الأموي في «مغازيه»: حدثنا البكائي، عن ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن سنان، عن سعيد بن الأجود الكندي، عن العرس بن قيس الكندي، عن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال: خرجت مهاجرًا إلى النبي ?، فذكر قصة طويلة وقال فيها: فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم، ويزعمون أن إلههم في السماء فأسلمت وتبعته.
ذكر أقوال التابعين رحمهم الله تعالى:
قال مسروق رحمه الله: قال علي بن الأقمر: كان مسروق إذا حدث عن عائشة رضي الله عنها قال: حدثني الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما، حبيبة رسول الله المبرأة من فوق سبع سموات.
قول عكرمة رحمه الله تعالى:(1/35)
قال سلمة بن شبيب: حدثنا إبراهيم بن الحكم قال: حدثني أبي عن عكرمة رحمه الله تعالى قال: بينما رجل مستلق على متنه في الجنة فقال: في نفسه لم يحرك شفتيه لو أن الله يأذن لي لزرعت في الجنة، فلم يعلم إلا والملائكة على أبواب جنته قابضين على أكفهم فيقولون: سلام عليك فاستوى قاعدًا، فقالوا له: يقول لك ربك: تمنيت شيئًا في نفسك قد علمته، وقد بعث معنا هذا البذر يقول لك: ابذر فألقى يمينًا وشمالًا وبين يديه وخلفه، فخرج أمثال الجبال، على ما كان تمنى وزاد، فقال له الرب من فوق عرشه: كل يا ابن آدم فإن ابن آدم لا يشبع.
إبراهيم بن الحكم ليس بثقة، وأصل القصة ثابت، أن أهل الجنة لهم فيها ما تشتهي أنفسهم ولهم فيها ما يدعون، كما في القرن.
قول سليمان التيمي رحمه الله تعالى:
قال ابن أبي خيثمة في «تاريخه»: حدثنا هارون بن معروف قال: حدثنا ابن ضمرة، عن صدقة التيمي، عن سليمان التيمي قال: لو سئلت أين الله؟ لقلت: في السماء.
قول كعب الأحبار رحمه الله تعالى:
قال الليث بن سعد: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن يزيد(1)بن أسلم، حدثه عن عطاء بن يسار قال: أتى رجل كعبًا وهو في نفر فقال: يا أبا إسحاق حدثني عن الجبار، فأعظم القوم قوله، فقال كعب: دعوا الرجل، فإن كان جاهلًا تعلم، وإن كان عالمًا ازداد علمًا، ثم قال كعب: أخبرك أن الله خلق سبع سموات، ومن الأرض مثلهن، ثم جعل ما بين كل سمائين كما بين سماء الدنيا والأرض، وكثفهن مثل ذلك، ثم رفع العرش فاستوى عليه فوقه.
__________
(1) صوابه: عن زيد بن أسلم، كما في «التهذيب».(1/36)
وقال نعيم بن حماد: أخبرنا أبو صفوان الأموي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن كعب قال: قال الله في التوراة: أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي أدبر أمور عبادي، لا يخفى علي شيء من أمر عبادي في سمائي ولا أرضي، وإلي مرجع خلقي، فأنبئهم بما خفي عليهم من علمي، أغفر لمن شئت منهم بمغفرتي، وأعاقب من شئت بعقابي.
شيخ نعيم بن حماد هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك، هو ومن بعده ثقات.
قول مقاتل رحمه الله تعالى:
ذكر البيهقي في «الأسماء والصفات» عن بكر بن معروف، عن مقاتل، بلغنا والله أعلم في قوله عز وجل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3]، الأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، والظاهر فوق كل شيء، والباطن أقرب من كل شيء، وإنما يعني القرب بعلمه وقدرته، وهو فوق عرشه، وهو بكل شيء عليم، وبهذا الإسناد عنه في قوله تعالى: {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:7]، يقول: بعلمه، وذلك قوله: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال:75]، فيعلم نجواهم، ويسمع كلامهم، ثم ينبئهم يوم القيامة بكل شيء، وهو فوق عرشه وعلمه معهم.
قول الضحاك رحمه الله تعالى:
روى بكر(1)بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عنه، {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة:7]، قال: هو الله على العرش وعلمه معهم.
قول التابعين جملة:
روى البيهقي بإسناد صحيح إلى الأوزاعي قال: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى جل ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته.
قال شيخ الإسلام: وإنما قال الإوزاعي ذلك بعد ظهور جهم؛ المنكر لكون الله عز وجل فوق عرشه، والنافي لصفاته، ليعرف الناس أن مذهب السلف كان بخلاف قوله.
__________
(1) - صوابه: بكير، كما في ترجمته من «التهذيب».(1/37)
وقال أبو عمر بن عبد البر في «التمهيد» وعلماء الصحابة، والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا: في تأويل قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة:7]، هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم أحد في ذلك يحتج به.
قول ربيعة بن عبد الرحمن رحمه الله، شيخ مالك بن أنس رحمة الله عليه:
قال يحيى بن آدم: عن أبيه، عن ابن عيينة قال: سئل ربيعة عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله تعالى الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق.
قول تابع التابعين جملة رحمهم الله تعالى:
ذكر قول عبد الله بن المبارك رحمه الله:
روى الدارمي، والحاكم، والبيهقي وغيرهم، بأصح إسناد إلى علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: نعرف ربنا بأنه فوق سبع سموات، على العرش استوى، بائن من خلقه، ولا نقول: كما قالت الجهمية، وفي لفظ آخر: قلت: كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة، على عرشه، ولا نقول كما قالت الجهمية.
وقال الدارمي: حدثنا الحسن بن الصباح البزار، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، عن ابن المبارك قال: قيل له: كيف نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه.
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي: ومما يحقق قول ابن المبارك، قول رسول الله ? للجارية: «أين الله؟» يمتحن بذلك إيمانها، فلما قالت في السماء، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة»، والآثار في ذلك عن رسول الله ? كثيرة، والحجج متظاهرة والحمد لله على ذلك، ثم ساقها الدارمي رحمه الله تعالى.(1/38)
وذكر ابن خزيمة، عن ابن المبارك، أنه قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن قد خفت من كثرة ما أدعوا على الجهمية، قال: لا تخف، فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء، وصح عن ابن المبارك أنه قال: إنا نستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية.
قول الأوزاعي رحمه الله تعالى:
قال أبو عبد الله الحاكم: أخبرني محمد بن علي الجوهري ببغداد، حدثنا إبراهيم بن الهيثم، حدثنا محمد بن كثير المصيصي قال: سمعت الأوزاعي يقول: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة، وهذا الأثر يدخل في حكاية مذهبه، ومذهب التابعين، فلذلك ذكرناه في الموضعين.
قول حماد بن زيد رحمه الله تعالى:
قال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: سمعت حماد بن زيد يقول: الجهمية إنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء شيء.
قال شيخ الإسلام: وهذا الذي كانت الجهمية يحاولونه قد صرح به المتأخرون منهم، وكان ظهور السنة وكثرة الأئمة في عصر أولئك يحول بينهم وبين التصريح به، فلما بعد العهد، وخفيت السنة وانقرضت الأئمة صرحت الجهمية النفاة بما كان سلفهم يحاولونه ولا يتمكنون من إظهاره.
قول سفيان الثوري رحمه الله تعالى:
قال معدان: سألت سفيان الثوري عن قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4]، قال: علمه، ذكره أبو عمر.
ذكر أقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى:
قول الإمام أبي حنيفة:(1/39)
قال البيهقي: حدثنا أبو بكر بن الحارث الفقيه قال: حدثنا أبو محمد بن حيان، أخبرنا أحمد بن جعفر بن نصر قال: حدثنا يحيى بن يعلى قال: سمعت نعيم بن حماد يقول: سمعت نوح بن أبي مريم أبا عصمة يقول: كنا عند أبي حنيفة أول ما ظهر، إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهميًا فدخلت الكوفة، فقيل لها: إن هاهنا رجلًا قد نظر في المعقول، يقال له: أبو حنيفة فأتيه فأتته، فقالت: أنت الذي تعلم الناس المسائل، وقد تركت دينك، أين إلهك الذي تعبده؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابًا إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد:4]، قال: هو كما تكتب للرجل إني معك، وأنت عنه غائب، قال البيهقي: لقد أصاب أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيما نفى عن الله تعالى وتقدس من الكون في الأرض، وفيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السمع في قوله: إن الله عز وجل في السماء.
قال شيخ الإسلام: وفي كتاب «الفقه الأكبر» المشهور عند أصحاب أبي حنيفة الذي رواه بإسناد عن أبي مطيع البلخي الحكم بن عبد الله قال: سألت أبا حنيفة عن الفقه الأكبر؟ قال: لا تكفر أحدًا بذنب، ولا تنفي أحدًا من الإيمان، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولا تتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله ?، ولا توالي أحدًا دون أحد، وأن ترد أمر عثمان وعلي رضي الله عنهما إلى الله تعالى.(1/40)
وقال أبو حنيفة رحمه الله: الفقه الأكبر في الدين خير من الفقه في العلم، ولأن يتفقه الرجل كيف يعبد ربه عز وجل، خير من أن يجمع العلم الكثير، قال أبو مطيع: قلت: فأخبرني عن أفضل الفقه؟ قال: يتعلم الرجل الإيمان والشرائع والسنن والحدود واختلاف الأئمة، وذكر مسائل في الإيمان، ثم ذكر مسائل في القدر، ثم قال: فقلت: فما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيتبعه على ذلك ناس فيخرج عن الجماعة، هل ترى ذلك؟ قال: لا، قلت: ولم؟ وقد أمر الله تعالى رسوله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو فريضة واجبة، فقال: كذلك لكن ما يفسدون أكثر ممن يصلحون؛ من سفك الدماء، واستحلال الحرام، وذكر الكلام في قتال الخوارج والبغاة، إلى أن قال: قال أبو حنيفة: ومن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر؛ لأن الله تعالى يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، وعرشه فوق سبع سموات.
قلت: فإن قال: إنه على العرش، ولكنه يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر؛ لأنه أنكر أن يكون في السماء، لأنه تعالى في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل.
وفي لفظ: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ قال: فقد كفر؛ لأن الله يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، وعرشه فوق سبع سموات، قال: فإنه يقول: على العرش استوى، ولكنه لا يدري العرش في الأرض أو في السماء؟ قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر، وروى هذا عن شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري في كتابه «الفاروق» بإسناده.(1/41)
قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد رحمه الله تعالى: ففي هذا الكلام المشهور عن أبي حنيفة رحمه الله عند أصحابه أنه كفر الواقف الذي يقول: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فكيف يكون الجاحد النافي الذي يقول: ليس في السماء ولا في الأرض، واحتج على كفره بقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، قال: وعرشه فوق سبع سموات، وبين بهذا أن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، بيّن في أن الله عز وجل فوق السموات فوق العرش، وأن الاستواء على العرش، ثم أردف ذلك بكفر من توقف في كون العرش في السماء أو في الأرض، قال: لأنه أنكر أن يكون في السماء وأن الله في أعلى عليين، وأن الله يدعى من أعلى لا من أسفل، واحتج بأن الله في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل، وكل من هاتين الحجتين فطرية عقلية، فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله عز وجل في العلو، وعلى أنه يدعى من أعلى لا من أسفل، وكذلك أصحابه من بعده كأبي يوسف وهشام بن عبيد الله الرازي.
كما روى ابن أبي حاتم، وشيخ الإسلام بأسانيدهما أن هشام بن عبيد الله الرازي صاحب محمد بن الحسن قاضي الري، حبس رجلًا في التجهم، فتاب فجيء به إلى هشام ليمتحنه، فقال: الحمد لله على التوبة، فامتحنه هشام فقال: أشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه، فقال: أشهد أن الله على عرشه ولا أدري ما بائن من خلقه فقال: ردوه إلى الحبس، فإنه لم يتب، وسيأتي قول الطحاوي عند أقوال أهل الحديث.
قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله تعالى:(1/42)
ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب «التمهيد» أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، حدثنا أحمد بن جعفر بن أحمد، أن ابن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس الله في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان، قال: وقيل لمالك: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:5]، كيف استوى؟ فقال مالك رحمه الله تعالى: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء، وكذلك أئمة أصحاب مالك من بعده.
قال يحيى بن إبراهيم الطيطلي في كتاب «سير الفقهاء»؛ وهو كتاب جليل غزير العلم، حدثني عبد الملك بن حبيب عن عبد الله بن المغيرة، عن الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون قول الرجل: يا خيبة الدهر، وكانوا يقولون: الله هو الدهر، وكانوا يكرهون قول الرجل: رغم أنفي لله، وإنما يرغم أنف الكافر، وكانوا يكرهون قول الرجل: لا والذي خاتمه على فمي، وإنما يختم على فم الكافر، وكانوا يكرهون قول الرجل: والله حيث كان، أو أن الله بكل مكان، قال أصبغ: وهو مستو على عرشه، وبكل مكان علمه وإحاطته، وأصبغ من أجل أصحاب مالك وأفقههم.
ذكر قول أبي عمر والطلمنكي:
قال في كتابه في «الأصول»: أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته، وقال في هذا الكتاب أيضا: أجمع أهل السنة على أنه تعالى استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز، ثم ساق بسنده عن مالك قوله: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، ثم قال في هذا الكتاب: وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد:4] ونحو ذلك من القرآن، بأن ذلك علمه، وأن الله فوق السموات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء، وهذه القصة في كتابه.
قول الإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البر، إمام السنة في زمانه رحمه الله تعالى:(1/43)
قال في كتاب «التمهيد»: في شرح الحديث الثامن لابن شهاب، عن ابن سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ? قال: «ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» هذا الحديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد، لا يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء، على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله في كل مكان، وليس على العرش، والدليل على صحة ما قال أهل الحق في ذلك، قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]. وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة:4]، وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت:11]، وقوله تعالى: {إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} [الاسراء:42]، وقوله تبارك اسمه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]، وقوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} [لأعراف:143]، وقوله تعال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك:16]، وقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1]، وها من العلو.
وكذلك قوله: {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255]، و {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:9]، و {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} [غافر:15]، و {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:50]، والجهمي يقول: إنه أسفل.
وقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:5].(1/44)
وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4]، والعروج هو: الصعود.
وقوله تعالى: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:55]، وقوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:158]، وقوله تعالى: {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ} [فصلت:38] وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:2-4]، والعروج هو: الصعود.
وأما قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]، فمعناه من على السماء؛ يعني على العرش، وقد يكون في بمعنى على، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة:2]، أي على الأرض.
وكذلك قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، وهذا كله يعضده قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4]، وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب، وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة، رد:
ادعائهم المجاز في الاستواء:(1/45)
وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم: في تأويل استوى استولى، فلا معنى له؛ لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة، والله تعالى لا يغالبه أحد، وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز إذ لا سبيل إلى أتباع ما أنزل إلينا من ربنا تعالى إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله عز وجل على الأشهر وإلا ظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبادات، وجل الله أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة مفهوم؛ وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه، قال أبو عبيدة في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، قال: علا، قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت، وقال غيره: استوى أي استقر، واحتج بقوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص:14]، انتهى شبابه واستقر، فلم يكن في شبابه مزيد، قال ابن عبد البر: الاستواء الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله تعالى في كتابه فقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف:13]، وقوله تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود:44]، وقال تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون:28]، وقال الشاعر:
فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة ... وقد حلق النجم اليماني فاستوى(1/46)
وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد استولى لأن النجم لا يستولي، وقد ذكر النضر بن شميل وكان ثقة مأمونًا جليلًا في علم الديانة واللغة، قال: حدثني الخليل وحسبك بالخليل قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم ما رأيت، فإذا هو على سطح فسلمنا فرد علينا السلام وقال: استووا فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال، فقال لنا أعرابي إلى جانبه: إنه أمركم أن ترفعوا، فقال الخليل: هو من قول الله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت:11]، فصعدنا إليه، قال: وأما من نزع منهم بحديث يرويه عبد الله بن داود الواسطي، عن إبراهيم بن عبد الصمد، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:5]، قال: استولى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان، فالجواب إن هذا حديث منكر على ابن عباس رضي الله عنهما، ونقلته مجهولة وضعفاء، فأما عبد الله بن داود الواسطي، وعبد الوهاب بن مجاهد، فضعيفان، وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف، وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا الحديث؟!، لو عقلوا وأنصفوا أما سمعوا الله سبحانه حيث يقول: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً} [غافر:36-37]، فدل على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يقول: إلهي في السماء، وفرعون يظنه كاذبًا وقال الشاعر:
فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ... ومن هو فوق العرش فرد موحد
مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تعنو الوجوه وتسجد
وهذا الشعر لأمية بن أبي الصلت، وفيه يقول في وصف الملائكة:
وساجدهم لا يرفع الدهر رأسه ... يعظم ربًا فوقه ويمجد(1/47)
قال: فإن احتجوا بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:84]، وبقوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام:3]، وبقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة:7].
وزعموا أن الله سبحانه في كل مكان بنفسه وذاته تبارك وتعالى جده، قيل: لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة؛ أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته، فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجمع عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذا قال أهل العلم بالتفسير، وظاهر هذا التنزيل يشهد أنه على العرش، فالاختلاف في ذلك ساقط، وأسعد الناس به من ساعده الظاهر.
وأما قوله في الآية الأخرى: {وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:84]، فالإجماع والاتفاق قد بين أن المراد أنه معبود من أهل الأرض، فتدبر هذا فإنه قاطع.(1/48)
ومن الحجة أيضا في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع: أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء، ونصبوا أيديهم رافعين مشيرين بها إلى السماء يستغيثون الله ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطراري لم يخالفهم فيه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم، وقد قال ? للأمة التي أراد مولاها عتقها إن كانت مؤمنة، فاختبرها رسول الله ? بأن قال لها: «أين الله؟» فأشارت إلى السماء، ثم قال لها: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «اعتقها فإنها مؤمنة» فاكتفى رسول الله ? منها برفع رأسها إلى السماء، واستغنى بذلك عما سواه، قال: وأما احتجاجهم بقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}[المجادلة:7]، فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية، لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله، وذكر سنيد، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك بن مزاحم في قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}[المجادلة:7]، قال: هو على عرشه وعلمه معهم أينما كانوا، قال: وبلغني عن سفيان الثوري مثله.(1/49)
قال سنيد: حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الله فوق العرش، وعلمه في كل مكان، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، ثم ساق من طريق يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء إلى الأخرى خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله على العرش، ويعلم أعمالكم، وذكر هذا الكلام أو قريبا منه في كتاب «الاستذكار».
قال عمر بن حفيظ: كما في شريط العقيدة الصحيحة، (الوجه الثاني): الذي في حديث الجارية إن أراد مريد: أن يجعله أن الله بذاته في السماء، فهذه الكلمة، وهذا المعنى بدعة حدثت تخالف أصول شريعتنا.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: البدعة تعريفها عند أهل العلم هي : ما حدثت بعد موت رسول الله ? ويراد بها التعبد، وهذه الكلمة قد ذكرت أنت أنها من كلام رسول الله ?!، وكما تقدم نصها في «صحيح مسلم» الذي هو من أصح الكتب المصنفة، ورسول الله ? هو الذي لا ينطق عن الهوى، وهو الذي جاءنا بالبينات والهدى، وهو الذي يقول الله سبحانه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:128]، ويقول له: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}[النحل:44]، ويقول: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:138].(1/50)
وهو الذي زكى الله فؤاده، وزكى الله لسانه، وزكى خلقه، وزكى عقله، فقال عزوجل: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: 1-4]، وقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [لنجم:3-4]، وزكى دعوته فقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]، فإلى أين يا عمر؟! أما تقرأ قول الله عزوجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115].
فأنت الذي تضل الناس، وأنت الذي تفسد عقائدهم، وأنت المبتدع؛ لأن هذا قول الرسول الله ?، ومعتقد السلف الصالح، فإن كان هذا بدعة فمعناه أن جميع السلف يصيرون مبتدعة.
قال عمر بن حفيظ: كما في الشريط السابق: تخالف معنى قول الله جل شأنه، {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}[فصلت:54]، وتخالف {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11]، وتخالف {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد:4].
رد الشيخ يحيى حفظه الله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد:4]، هو معهم بعلمه وإحاطته، {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}[فصلت:54]، هكذا فهم السلف رضوان الله عليهم، وفهم جميع الصحابة والتابعين، وأنظر ما تقدم نقله عن الإئمة من «اجتماع الجيوش الإسلامية» هذا فهمهم، أما فهمك فهم صوفي، وأشعري، لا دليل عليه، يجب عليك أن تتوب إلى الله عز وجل، أنت ومن كان على شاكلتك.(1/51)
فإذا كان يريد أن ينكر أن الله على عرشه، فأين توضع أدلة العلو، وأدلة الاستواء، وأدلة العروج، {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}[المعارج:4]، وأدلة نزول الأمر من عنده، ونزول حكمه، ونزول القرآن، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر:1]، والنزول يكون من أعلى إلى أسفل، أين توضع هذه الأدلة، فالذي أبان أنه على عرشه، أبان أنه بكل شيء محيط، والذي أبان أنه على عرشه، وأنه في السماء، هو الذي أبان أنه معهم، ولا تخفى عليه خافية، قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[المجادلة:7].
قال عمر بن حفيظ: كما في المصدر السابق: (فلنعم أن ذات ربنا لا تحصرها أرض ولا سماء.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: مستوٍ على عرشه كما تقدمت الأدلة، وانظروا كيف يرد على نفسه بنفسه، أليس الصوفية يقولون: إن الله في كل مكان بذاته، وليس على العرش؟!، فمعنى ذلك على قولكم: أن الله في البيت، والبيت يحصره، وأن الله في الأرض، والأرض تحصره، وأن الله حال في الإنسان، وجسم الإنسان يحصره، ولو قلتم قول أهل السنة الذي دلت عليه أدلة القرآن والسنة، لنجوتم من هذا الضلال، والتخبط والاضطراب، ولكن حالكم كما قال الله عزوجل: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5].
هذا: وإني لا أستبعد أن عمر بن حفيظ يكون حلوليًا، أو اتحاديا، واسمع إلى القصيدة التي ألقاها الجفري بين يدي ابن حفيظ، وعلى مرأى ومسمع من الناس، ولا ندري أيهما نضمها فقال فيها عن ابن حفيظ:
أنا اسمي عمر ... بالعلى معلنًا
من نال مثلي ... بلغ كل سؤال
ثم قال:(1/52)
أنا طفت بالعرش ... نلت الهناء
والأملاك ساعية بي أنا ... كذا الكون بي يجول
وموسى بن عمران نلته أنا ... أنا اسمي الفخر فحل الفحول
وعيسى بن مريم رفعته أنا ... لَمَّا السما بينال القبول
مريدي توسل وعيذ بي أنا ... وقل يا عمر لتنال القبول
هذه قصيدة تنصح بوحدة الوجود؛ في قوله: (وعيسى بن مريم رفعته أنا) وقوله: (توسل بي وعذ بي أنا) ولما قُرأت هذه القصيدة بتمامها على شيخنا العلامة مقبل بن هادي الوادعي –رحمه الله-، رد عليها في شريط، وقال ما معناه: هذه القصيدة إن كان قالها عمر بن حفيظ فهو كافر؛ لأنه ندد بنفسه الله عزوجل، وأشرك نفسه فيما هو من خصائص الله عزوجل، فالذي رفع عيسى بن مريم هو الله تعالى، قال سبحانه {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:157-158]،
قال ابن حفيظ: في رسالة دروس في التوحيد (ص6): والواجب في حق الله تعالى تفصيلاً، عشرون صفة، وهي الوجود، والقدم، والبقاء، ومخالفته للحوادث، وقيامه بنفسه، والوحدانية، والقدرة، والإرادة، والعلم والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، وكونه قادرًا، وكونه مريدًا، وكونه عالمًا، وكونه حيًا، وكونه سميعًا، وكونه بصيرًا، وكونه متكلمًا.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: فقط عشرون صفة، من أين لكم هذا التحديد، وقد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي ? قال: »اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، وجلاء همي، وذهاب حزني«، وأنتم تثبتون الأسماء الحسنى.(1/53)
وكل اسم يتضمن صفة؛ فاسم الرحيم يتضمن: صفة الرحمة، واسم العليم يتضمن: صفة العلم، واسم الحكيم يتضمن: صفة الحكمة، وهكذا سائر الأسماء لله سبحانه وتعالى، في «صحيح مسلم» (486) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: فقدت رسول الله ? ليلة من الفراش، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»، و{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[النحل:60]، قال السعدي رحمه الله، عند تفسير هذه الآية: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل:60]، قال: هو صفة كمال، ثم أيضاً:
أين صفة الغضب، قال الله تعالى: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ}[الفتح:6]، وقال تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا}[النور:9].
أين صفة القول؟ قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].
أين صفة الأصابع: وفي «الصحيح» من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء» ثم قال رسول الله ?: «اللهم مصرف القلوب، صرف قلوبنا على طاعتك».
أين صفة الغيرة؟ وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ? قال: «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه».
أين صفة الفرح: «لله أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن، من رجل في أرض دوية مهلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده طعامه وشرابه، فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته».(1/54)
وصفة المعية؟ قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4].
وغيرها من الصفات الثابتة لله عزوجل، ودونها الأئمة كابن خزيمة في كتابه «التوحيد» وابن مندة في كتابه «التوحيد» والبيهقي في «الأسماء والصفات» والبخاري في «صحيحه» (كتاب التوحيد)، وغيرهم.
أين صفة المحبة؟ قال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة:54].
أين صفة الوجه؟ قال الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ}[الرحمن:27].
أين صفة اليدين؟ قال الله عزوجل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة:64].
أين صفة القدم؟ »يضع قدمه على النار فتقول: قط، قط«، الحديث.
أين صفة الساق؟ قال الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ}[القلم:42].
أين صفة النفس؟ قال تعال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة:116].
أين صفة السخط؟ قال الله عز وجل: {أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}[المائدة:80].
أين صفة القبض، وصفة البسط، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة:245].
وصفة الكف، قال ?: »والميزان بكف الرحمن يضع القسط، ويبسطه ويرفعه«، كل هذه دلت عليها الأدلة الصحيحة من القرآن والسنة، كما دلت على تلك الصفات التي أثبتموها، فيلزمكم أن تثبتوها جميعًا، لأن القرآن والسنة الذين دلا عل تلك الصفات التي أثبتموها حق، والذي دل على هذه الصفات التي نفيتموها هو ذلك الحق القرآن والسنة، وليس عند من أثبت تلك الصفات، ونفى هذه وأدلتها كلها من القرن والسنة، ليس عند من فرق بينهما قي الإثبات إلا مجرد الهوى والتحكم.
صفات كثيرة لا يعلم حصرها إلا الله، بدليل حديث: «أو استأثرت به في علم الغيب عندك» وهؤلاء يحصرونها في عشرين صفة، هذا ضلال بعيد، تعطيل لصفات الله عز وجل.(1/55)
قال ابن حفيظ: في المصدر السابق: (ص22): وكلامه تعالى نفسي قديم، ليس بحرف، ولا بصوت، ولا لسان، ولا شفتين، ولا فم، ولا حلق، ولا يوصف بعربي، ولا سرياني، ولا غيرهما.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: عمدتهم في ذلك يا إخوان قول نصراني، وهو الأخطل، يعزى إليه أنه قال:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وهذا البيت مردود من ستة أوجه، أولها: أنه بيت مصنوع، ليس في ديوان الأخطل، ثانيًا: أنه محرف؛ قيل: معناه: (إن البيان لفي الفؤاد)، ثالثًا: أنه خبر واحد نصراني، لا يلتفت إلى قوله، رابعًا: أن النصارى قد ضلوا في كلام الله، فاعتبروه مخلوقًا، واعتبروا المخلوق عيسى بن مريم عليه السلام هو الله، خامسًا: أنه كلام بغير سند، سادسًا: أن معناه فاسد، كما سيأتي بيانه.
فمن أضل ممن يعرض عن أدلة كتاب الله وسنة رسوله ?، إلى قول نصراني هذا حاله.
والنصارى قد ضلوا في الكلام، والصوفية يعرضون عن كلام ذي العزة والجلال، ويتبعون الضلال، وحالهم كما قيل:
ومن جعل الغراب له دليلًا ... يمر به على جيف الكلاب
ويتبعون كلامًا باطلًا، فالكلام النفساني ما يعتبر كلاماً على هذا الإطلاق، ولو كان القرآن كلامًا نفسانياً بأي حجة، تقوم على الناس الحجة، الله أراد أن يبين للناس، وأراد إقامة الحجة عليهم، قال الله تعالى: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ}[ابراهيم:52]، وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل:44].(1/56)
القرآن كلام الله، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}[التوبة:6]، فلو كان نفسانياً، كيف يسمعونه، قال الله سبحانه وتعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه:43-44]، ولو أن موسى جعل الكلام في نفسه، لما قامت الحجة عل فرعون.
وقول الله تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} [لأعراف:144]، وهذا كلام سمعه موسى، وهو حرف وصوت، {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى}[المائدة:116]، الياء، حرف نداء، هذه معاندة للمعقول والمنقول، فالقرآن حرف وصوت سمعه موسى، {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ * هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى}[المرسلات: 1-22].
ناداه ربه، فهذه الأدلة تدل أنه ناداه، بقوله سبحانه وتعالى: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الأعراف:144].(1/57)
الشاهد من هذا أنه كلام سمعه موسى، وأنه حرف وصوت، وأنه من أنكر ذلك فقد أنكر القرآن، وأن من قال أن القرآن يعتبر نفسانياً فقد قال بأن الموجود في المصحف ليس بكلام الله، وأن كلام الله في نفسه، فإذا كان في نفسه، فمعناه أنه يجوز للجنب أن يمسه، وجمهور العلماء أنه لا يجوز مس الجنب للمصحف، ولو كان كذلك لجاز عندهم، وفي حديث أبي هريرة عند الإمام البخاري، عند قول الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سبأ:23]، قال النبي ?: «إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كالسلسة على صفوان» - قال علي: وقال غيره: صفوان ينفذهم ذلك- «{فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:23]»، الحديث.(1/58)
وهذا دليل أن الله يتكلم بحرف وصوت سمعه الملائكة: {قَالُوا الْحَقَّ}[سبأ:23]، وقول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}[الكهف:109]، ولو كان الكلام نفسانياً لما حسب على صاحبه، وفي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة أن النبي ? قال: »إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم«، فلو أن إنساناً وسوس في نفسه أنه سيطلق زوجته ولم يتلفظ بذلك بمجرد النية ما اعتبر طلاقاً، وإلا للزم الأشاعرة هذا، ولو إن إنساناً أراد أن يبيع بيته، ما باع بيته بمجرد ما يحصل في النفس، ولو أن إنساناً أراد أن يحج مجرد ما في النفس فقط، نوى أن يحج وحصل في نفسه أن يحج ولم يحج، ما حصل ذلك الحج منه، لمجرد ما في النفس، وفي حديث معاوية بن الحكم، »إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس«، ولو كان هذا القرآن مجرد كلام لما صلح في الصلاة، ولكنه كلام الله يختلف عن كلام الناس، وليس مجرد كلام نفساني، والاّ لكان المصلي يدخل الصلاة ولا يقرأ الفاتحة، ولا غيرها ، وتصح صلاته على حد قول الصوفية بمجرد ما يوسوس به في نفسه، يصح به الصلاة، وهذا قول باطل، أخرج الإمام البخاري رحمه الله في «صحيحه» رقم: (6614) من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنْ النَّبِيِّ ? قَالَ: «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنْ الْجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى»، وأخرجه مسلم: (2652)(1/59)
وفي حديث قصة الإفك عند الإمام البخاري رقم: (4141) ومسلم رقم (2770) قالت عائشة رضي الله عنها: ولشأني في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في بأمرٍ يتلى.. الحديث.
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ?: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا»، أخرجه البخاري (7518)، ومسلم (2829).
حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ? سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «هَذَا بَابٌ مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ»، أخرجه مسلم (806).
حديث حَدَّثَنَا أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ?: «يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ»، رواه البخاري (7483).
وإليك أقوال العلماء في ذلك:(1/60)
قال الإمام البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص:149): وإن الله عز وجل ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، فليس هذا لغير الله جل ذكره قال أبو عبد الله: وفي هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق؛ لأن صوت الله جل ذكره يسمع من بعد كما يسمع من قرب وأن الملائكة يصعقون من صوته فإذا تنادى الملائكة لم يصعقوا، وقال عز وجل: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً} [البقرة:22]، فليس لصفة الله ند ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين.
وقال أبو بكر الخلال: أخبرني علي بن عيسى أن حنبلًا حدثهم، قال: قلت لأبي عبد الله: الله يكلم عبده يوم القيامة؟ قال: نعم؛ فمن يقضي بين الخلائق إلا الله عزوجل، يكلم عبده ويسأله، الله متكلم، لم يزل الله متكلمًا؛ يأمر بما شاء، ويحكم بما يشاء، وليس له عدل ولا مثل، كيف شاء، وأين شاء. أنظر: «المسائل والرسالة المروية عن الإمام أحمد» (1288).
وقال عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله: سألت أبي رحمه الله عن قوم يقولون: لما كلم الله عزوجل موسى؛ لم يتكلم صوت؟ فقال أبي: بلى؛ إن ربك عزوجل تكلم بصوت، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت. المصدر السابق (1/302).
وقال ابن أبي عاصم في «السنة» (1/225): باب ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك.
وقال أبو الحسن الأشعري في «رسالة إلى أهل الثغر» (ص:214): وأجمعوا على إثبات حياة الله حياة الله عزوجل، لم يزل بها حيًا... وكلامًا لم يزل به متكلمًا...
وقال الأصبهاني في «الحجة» (1/331 و332): وخاطر أبو بكر رضي الله عنه -أي راهن قومًا من أهل مكة- فقرأ عليهم القرآن، فقالوا: هذا من كلام صاحبك، فقال: ليس بكلامي ولا بكلام صاحبي، ولكنه كلام الله تعالى، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
وقال عمر رضي على المنبر: إن هذا القرآن كلام الله.(1/61)
فهو إجماع الصحابة، وإجماع التابعين بعدهم، مثل سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن، والشعبي وغيرهم، ممن يطول ذكرهم، أشاروا إلى أن كلام الله هو المتلوّ في المحاريب والمصاحف.
وذكر صالح بن أحمد بن حنبل، وحنبل: أن أحمد رحمه الله قال: جبريل سمعه من الله، والنبي ? سمعه من جبريل، والصحابة سمعته من النبي ?.
وفي قول أبي بكر رضي الله عنه: ليس بكلامي، ولا كلام صاحبي، إنما هو هو كلام الله تعالى، إثبات الحرف والصوت؛ لأنه إنما تلا عليهم القرآن بالحرف والصوت، اهـ.
وبوب رحمه الله في «الحجة» (1/269): فصل إثبات النداء صفة لله عزوجل، ثم سرد جملة من الآيات والأحاديث.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (12/304): واستفاضت الآثار عن النبي ? والصحابة والتابعين، ومن بعدهم من أئمة السنة؛ أنه سبحانه ينادى بصوت، نادى موسى، وينادى عباده يوم القيامة بصوت، ويتكلم بالوحي بصوت، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إن الله يتكلم بلا صوت أو بلا حرف، ولا أنه أنكر أن يتكلم الله بصوت أو بحرف، وانظر: «مجموع الفتاوى (6/113-545).
وقال ابن القيم في «النونية» (1/80) على لسان معطل، يعترض على ما يثبته سني:
وزعمت أن الله كلم عبده ... موسى فأسمعه ندا الرحمن
أفتسمع ألآذان غير الحرف والـ ... ـصوت الذي خصت به الأذنان
وكذا النداء فانه صوت بإجمـ ... ـماع النحاة وأهل كل لسان
لكنه صوت رفيع وهو ضـ ... ـد للنجاء كلاهما صوتان
ثم إن هذا القول أن كلام الله بمعنى واحد، معناه: أن آية الدين بمعنى آية لا تقربوا الصلاة، ومعنى قول الله سبحانه وتعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى}[الإسراء:32]، بمعنى آية القصاص، وأصبح القرآن معناه واحد، وأن الأحكام ما عرفت من كتاب الله، هذا معناه، وما أحسن ما يقوله شيخ الإسلام: ما أشبه قول هؤلاء بقول النصارى، الذي يقولون: اتحد اللاهوت بالناسوت. أي اتحد الإله بالناس.(1/62)
هذا قول خطير جداً، ومن قال: إن القرآن ليس كلام الله، وإنما هو كلام غير الله سبحانه، فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه ووعده بسقر، كما في »الطحاوية«.
فإذا كان ليس بكلام الله، فما الذي تعظّمه أنت؟ قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج:32].
تعظم كلام البشر؟! إذا كان ليس بكلام الله، وقد قال النبي ?: »لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف«، وابن حفيظ يقول: ما هو حرف ولا صوت.
إذا كان ما هو صوت، فما الذي يتدبر؟ قال الله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}[النساء:82].
وأما قول ابن حفيظ: (أن كلام الله ليس بعربي).
فنترك الإمام الشافعي يرد عليه، قال الإمام الشافعي رحمه الله، في كتابه «الرسالة» (ص:45) بنحقيق أحمد شاكر رحمه الله: فإن قال قائل: ما الحجة في أن كتاب الله محض بلسان العرب لا يخلِطُه فيه غيره؟
فالحجة فيه كتابُ الله قال الله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [ابراهيم:4].
فإن قال قائل: فإن الرسل قبل محمد كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة، وإن محمداً بُعث إلى الناس كافة، فقد يحتمل أن يكون بُعث بلسان قومه خاصة، ويكونَ على الناس كافة أن يتعلموا لسانه، وما أطاقوا منه ويحتمل أن يكون بُعث بألسنتهم: فهل من دليل على أنه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم؟
فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض، فلا بد أن يكون بعضهم تبعاً لبعض، وأن يكون الفضل في اللسان المتَّبَع على التابِع.(1/63)
وأولى الناس بالفضل في اللسان مَن لسانُهُ لسانُ النبي ?، ولا يجوز -والله أعلم- أن يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسانٍ غيرِ لسانه في حرف واحد، بل كلُّ لسان تَبَع للسانه وكلُّ أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه، وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه، قال الله: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء 192-195]، وقال: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} [الرعد:37]، وقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى:7]، وقال: (حَمْ * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:1-3]، وقال: {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر:28].
قال الشافعي: فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه -جل ثناؤه- كلَّ لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه، فقال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103]، وقال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت:44].(1/64)
قال الشافعي: وعرَّفَنَا نعمه بما خصَّنا به من مكانه فقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، وقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2].
وكان مما عرَّف اللهُ نبيَّه من إنْعامه أنْ قال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف:44]، فخَصَّ قومَه بالذكر معه بكتابه.
وقال: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، وقال: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى: 7 ]، وأمُّ القرى: مكة، وهي بلده وبلد قومه، فجعلهم في كتابه خاصة، وأدخلهم مع المنذَرين عامة، وقضى أن يُنْذِروا بلسانهم العربي لسانِ قومه منهم خاصة.
فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يَشْهَد به أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، ويتلوَ به كتابَ الله، وينطق بالذكر فيما افتُرِض عليه من التكبير، وأُمر به من التسبيح والتشهد وغيرِ ذلك. اهـ. كلامه رحمه الله.
ألستم أيها الصوفية تقولون: إنكم شافعية؟ فها هو الشافعي يقول هذا القول، ولكن لا أنتم مع الرسول ?، ولا تأخذون بأقوال الشافعي فيما خالف أهواءكم، أنتم مع أفكار الشيطان، ولنا بحمد لله شريطان: في مخالفة الصوفية الشافعية للأدلة وللشافعي، الذين يزعمون أنهم أتباعه، وسنفرغها في رسالة عن قريب، إن شاء الله.
قول عمر بن حفيظ: في كتاب خلاصة المدد النبوي في أوراد آل باعلوي (ص39): تحت عنوان: (الدعاء بأسماء الله الحسنى، يا مقسط، يا نافع، يا جامع.(1/65)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: يقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف:180]، فكيف يدعو الله بأسماء لم تثبت لله عز وجل، مثل قوله: (يا نافع، إلخ)، وتسمية الله عز وجل بما لم يسم به نفسه، ولم يسمه به رسوله ? هذا من القول على الله بلا علم، ولو أردنا أن نسمي عمر بن حفيظ بغير اسمه لما ارتضى ذلك، ولاعتبره إساءة إليه؛ أن نسميه بغير اسمه، فكيف لا يرضى هذا لنفسه، ويرضاه لله عزوجل؟! وهو بصنيعه هذا خالف الأدلة، وإجماع الأمة.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: لله تعالى الأسماء والصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه ? لا يسع لأحد من خلق الله تعالى قامت عليه الحجة ردها. «ذم التأويل» ص (23).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه فهو صحيح بصير، ولا يبلغ الواصفون صفته ولا يتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه، ولا يتعدى ذلك. «المسائل والرسائل في العقيدة» للإمام أحمد (ج1ص277) و«اجتماع الجيوش الإسلامية» ص (83) و«الفتاوى» (ج5ص26).
وقال الإمام الدارمي أبوسعيد عثمان بن سعيد: ونصفه بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ?. «الرد على بشر المريسي» ضمن «عقائد السلف» (ص: 374).
وقال إمام الأئمة أبوبكر محمد بن إسحاق: فنحن وجميع السلف من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر، مذهبنا أن نثبت لله ما أثبته لنفسه. «التوحيد» لابن خزيمة (ج1 ص26).
وقال الإمام أبو بكر أحمد بن إسماعيل المعروف بالإسماعيلي: ويعتقدون أن الله مدعو بأسمائه الحسنى موصوف بصفاته التي سمى ووصفه بها نبيه ?. «اعتقاد أئمة أهل الحديث» ص (35).
وقال الإمام أبونصر عبيدالله بن سعيد السجزي: وقد اتفقت الأئمة على أن الصفات لا تؤخذ إلا توقيفية، ولا يجوز أن يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله ?. «الرد على من أنكر الحرف والصوت» ص (121).(1/66)
وقال الإمام ابن عبدالبر: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة والإيمان بها على الحقيقة لا على المجاز. «التمهيد» (ج7 ص145) «الفتاوى» (ج5 ص87).
وقال أبو القاسم القشيري: الأسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة والإجماع. «الفتح» (ج11 ص226).
وقال أبوالحسن القابسي: أسماء الله وصفاته لا تعلم إلا بالتوقيف من الكتاب والسنة أو الإجماع، ولا يدخل فيها بالقياس. «الفتح» (ج11 ص220).
وقال ابن مندة: وأسماء الله وصفاته توقيفية وأهل السنة والجماعة لا يثبتون لله إلا ما أثبته لنفسه في كتابه أو صح عن رسول الله ?. «التوحيد» لابن مندة (ج2 ص 135).
وقال ابن حزم: فصح أنه لا يحل أن يسمى الله تعالى إلا بما سمى به نفسه. «المحلى» (ج8 ص31).
وقال الإمام البغوي: أسماء الله تعالى على التوقيف. «معالم التنزيل» (ج3 ص307).
وقال السفاريني في «لوامع الأنوار»:
لكنها في الحق توقيفية ... لنا بذا أدلة وفية
.
ثم شرح ذلك فقال: لنا معشر أهل السنة واتباع السلف باعتبار ثبوت التوقيف في أسماء الباري جل وعلا من الشارع أدلة وفية عالية تفي بالمقصود، لأن ما لم يثبت من الشارع لم يكن مأذونا في إطلاقه عليه، والأصل المنع حتى يقوم دليل الإذن، فإذا ثبت كان توقيفي. «لوامع الأنوار» (ج1 ص 124-125).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وجماع القول في إثبات الصفات هو القول بما كان عليه سلف الأمة وأئمتها، وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله ?، ويصان ذلك عن التحريف والتمثيل والتكيف والتعطيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله. اهـ المراد من «مجموع الفتاوى» (ج6 ص515).
وقال تلميذه الإمام ابن القيم رحمه الله ضمن قواعد ذكرها في الصفات قال: السابع أن ما يطلق عليه من باب الأسماء والصفات توقيفي. اهـ من «بدائع الفوائد» (ج1 ص162).(1/67)
وعليه فلا يجوز إثبات اسم لله ولا صفة بغير دليل صحيح ينص عليها لقول الله سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [لأعراف:180]، وإثبات وصفات الله عزوجل، على غير دليل صحيح؛ قول على الله بلا علم، وقد قرن الله عز وجل القول عليه بغير علم بالشرك الأكبر، فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [لأعراف:33]، وقال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36]، والنبي ? كان يقول: «أعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».
قول عمر بن حفيظ (في المصدر السابق): يا جامع، يا بر، يا نافع، يا نور، يا باقي.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: بعض هذه الأسماء لم ثبت لله عزوجل؛ كالجامع، والباقي أثبته بعضهم، ولا دليل على إثباته من الأسماء الحسنى.
قول عمر بن حفيظ: يا وارث، يا رشيد، يا صبور.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: ما الدليل على الرشيد؟.
قول عمر بن حفيظ: في (ص40)، صلى الله وسلم في كل لحظة أبدا، بعدد معلوماتك؟
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هذا كلام مطلق، ويصلي في لحظة كلام باطل، فهناك حث على الصلاة على النبي ?: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:56]، »أكثروا من الصلاة عليّ فإن صلاتكم معروضة عليّ«، قالوا: يا رسول الله، كيف تعرض عليك وقد أرمت، -بليت- قال: »إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء«.(1/68)
الشاهد من هذا الإكثار، لكن ليس على هذا الإطلاق الباطل.
قول عمر بن حفيظ: في (ص44)، ثم تقرأ القصائد التالية بصوت واحد، مع تكرير الأبيات التي تحتها بعد الصلاة على النبي ?؟
رد الشيخ يحيى حفظه الله: معناه أنه يحث الناس على قراءة هذه الأبيات، التي سيأتي ذكرها.
قول عمر بن حفيظ في رسالة «خلاصة المدد» ص:45):
إلهي نسألك بالاسم الأعظم ... وجاه المصطفى فرج علينا
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هذا أيضاً دعاء غير مشروع، ولم يؤثر عن النبي ?، ولا أصحابه، ولا عن أحد ممن يعتمد قولهم من أهل العلم، ثبت عن بريدة رضي الله عنه: أن النبي ? سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال: «لقد سأل الله باسمه الأعظم» أما أنه يقول: أسألك باسمك الأعظم، هذا دعاء ليس عليه دليل، وهو محدث.
وقوله: (بجاه المصطفى فرج علينا)، التوسل بجاه النبي ?، من المحدثات، النبي ? له جاه، وموسى عليه السلام يقول الله عنه: {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً}[الأحزاب:69]، والنبي عليه الصلاة والسلام خير البشر، لكن التوسل بالجاه من المحدثات، »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد«.
قال تعالى: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}[فصلت:6]، وهو يتوسل إلى الله بجاهه، وبحقه، وكأنه حق على الله سبحانه لازم، كحق الإنسان على الإنسان.
ما للعباد عليه حق واجب ... كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا ... فبفضله وهو الكريم الواسع
وأما حديث: أن النبي ? قال: »أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله يا معاذ؟«، هو حق أوجبه الله على نفسه، { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]، وليس من جنس حق الإنسان على الإنسان، حتى يقول: أسألك بحق فلان أو بجاه فلان.(1/69)
وجاء في التوسل بالجاه حديث لا أصل له، مذكور في «السلسلة الضعيفة» للعلامة الألباني رحمه الله رقم (22)، وهكذا شيخ الإسلام يقول: حديث »توسلوا بجاهي فإن جاهي عظيم«، هذا حديث لا أصل له.
وحديث: »اللهم إني أسألك بحق السائلين إليك، وحق ممشاي إليك«، أخرجه أحمد، رقم: (11156) عن أبي سعيد، وفيه عطية العوفي ضعيف، ومدلس وقد عنعن، فهو حديث لم يثبت، ولو ثبت الحديث لكان من التوسل بالأعمال الصالحة، لأنه يتوسل بممشاه إلى الصلاة، وهو عمل صالح، ولكنه لم يثبت، ولا دلالة لهم في ذلك(1).
__________
(1) - أنواع التوسل المشروع ثلاثة، وهي:
التوسل بأسماء الله وصفاته، والدليل قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [لأعراف:180].
وقوله تعالى: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل:19].
توسل العبد إلى الله إلى تعالى بعمله الصالح، والدليل قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:16].
وقوله: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:53].
ومن السنة حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة، فسدت عليهم الغار، فتوسل كل واحد منهم بخالص عمله. متفق عليه.
التوسل بدعاء الرجل الصالح، والدليل حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما رسول الله ? يخطب إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله قحط المطر، فادع الله أن يسقينا، فدعا فمطرنا.
فهذا الحديث فيه أنهم توسلوا إلى الله عزوجل بدعاء أفضل الخلق، ولم يجلسوا في بيوتهم ويقولون: نسألك بجاه نبيك، أو بحق نبيك، ولو كان ذلك مشروعًا لفعلوه، ولكن لم يفعل هذا منهم أحد في حياته، ولا بعد موته ?، فقد استسقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد موت النبي ?، وطلب من العباس أن يدعو الله لهم؛ لأنه شيخ كبير صالح، كما هو مبين في «فتح الباري» (3/150) أن العباس دعا الله عزوجل، ولو توسلوا بجاهه لتوسلوا بجاه النبي ? وهو حي، فهو أعظم، ولم يفعلوا.
واستسقى معاوية رضي الله عنه ثم قال: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشي. يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فسقاهم الله، حت كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم. رواه ابن عساكر (65/112،113) بإسناد صحيح. وانظر «التوسل» للعلامة الألباني رحمه الله، (ص:45).(1/70)
ثم نرشد إخواننا المسلمين إلى قراءة تلك الرسالة المفيدة »قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة« لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال عمر بن حفيظ: في المصدر السابق: (ص:45): في هذه الآبيات:
توسلنا به في كل أمر ... غياث الخلق رب العالمينا
رد الشيخ يحيى حفظه الله: (توسلنا به في كل أمر)، معناه يتوسل به في سائر الكروب، والخطوب، وقوله: (غياث الخلق رب العالمين)، يعني: أحد أمرين: إما إنه توسل به -أي بالنبي ?- إلى غياث الخلق، أي الذي يغيث الخلق، وهو الله سبحانه وتعالى، وإما أنه يعني أنه توسل برسول الله، وأن رسول الله هو غياث الخلق، وهذا ليس للنبي ? في الدنيا، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف:110]، وقال: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [لأعراف:188]، وإما أنه يعني أنه غياث الخلق يوم القيامة، وهذا ليس لرسول الله ?، إنما يشفع بإذن الله، قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[البقرة:255]، وقال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الانبياء:28].
ولما ذكر ابن كثير في «البداية والنهاية» البوصيري الذي ادعى أن النبي ? ينقذ الناس من النار، بقوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... عند حدوث الحادث العمم
سواك
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ... وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
قال ما أبقى لله شيئًا، أي أنه أشرك رسول الله ? في جميع خصائص الربوبية.
قال عمر بن حفيظ كما في المصدر السابق ص:(45-46):
وبالعلماء بأمر الله طراً ... وكل الأولياء والصالحينا
أخص به الإمام القطب حقاً ... وجيه الدين تاج العارفينا
وذكر العيدروس في الخطب أجلى ... عن القلب الصدي لصادقينا(1/71)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: أسمعتم أنه يتوسل بالعلماء، ويقول: العيدروس يجلي عن القلب الصدى، من أي باب هذا؟، من باب الشرك بالله عز وجل، قال الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ}[النمل:62]، هو الله الذي يكشف السوء و يجلي عن القلوب صداها، ويقلّبها كيف شاء، أخرج مسلم في «صحيحه» أن النبي ? قال: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ»، وقال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[الأنعام:63]، وقال: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}[النمل:62].
هذه مبالغات ومجازفات وغلو، في العيدروس أنه يجلي ما في القلوب، وأنه يكشف الكروب، إلى آخر ما تتضمنه هذه الكلمة البطالة الضال صاحبها.
قول عمر بن حفيظ كما في المصدر السابق: (ص:46):
عفيف الدين محي الدين حقا ... له تحكيمنا وبه اقتدينا(1/72)
رد الشيخ يحيى حفظه الله: اقتد برسول الله ?، قاتلك الله، الله يقول: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف:3]، ويقول سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:7]، ويقول تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63]، ويقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]، ويقل عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً}[النساء: 60-63].
قدوتنا رسول الله ?، ومن اقتدى بغيره فعليه أن يرجع إلى الله، وأن يقتدي برسول الله ?، الله أمر بذلك، »تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك«.
»دعوني ما تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبياءهم«، أنت ممن يشمله هذا الحديث،(1/73)
وقوله: (له تحكيمنا) هذا كلام فيه نظر؛ الله عزوجل يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:57]، هذا شرك، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163].
قال عمر بن حفيظ كما في المصدر السابق: (ص:46):
ولا ننسى كمال الدين سعدًا ... عظيم الحال تاج العابدينا
رد الشيخ يحيى حفظه الله: انظر يا أخي على ألقاب!، كمال الدين، وتاج العابدين، وحالهم كما قال الصنعاني:
تسمى بنور الدين وهو ظلامه ... وهذا بشمس الدين وهو له خسف
فهي ألقاب، قال الله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ }[لنجم:23]، والله لا أنتم بتاج للدين، ولا بمجد للدين، ولا أنتم بنور للدين، بل أنتم {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور:40].
والصوفية والرافضة والإسماعيلية أشهر من عرف بهذه الألقاب، كبرًا منهم، ولتغطية فضائحهم بها.
قال عمر بن حفيظ كما في المصدر السابق: (ص:46):
بهم ندعو إلى الله تعالى ... بغفران يعم الحاضرينا
رد الشيخ يحيى حفظه الله: معناه يتوسل بهم، وهذا توسل بدعي كما بيناه قبل.
قال ابن حفيظ كما في المصدر السابق: (ص:199-201):
يا قابض يا باسط هبنا المنى ... يا حافظ يا رافع كن عوننا
يا واجد يا ماجد هبنا الأمل ... يا واحد يا أحد عز وجل
مقسط يا جامع اجمع لي الخيور ... غني يا مغني وضاع الأجور
رد الشيخ يحيى حفظه الله: هذا الرجل لا يتقيد بدليل، لا في أسماء الله، ولا في صفاته ولا غير ذلك، ولا يتأدب مع الله عز وجل بأدب شرعي، كما قد بينا ذلك في هذه الرسالة.(1/74)
ودين الصوفية، ودين الرافضة، مبني على قصائد وأناشيد، وعلى رقص بمثل رقص النصارى، يتمايلون، والله لو رأيت النصارى في الكنائس لا تكاد تفرق بين النصارى في الكنائس وبين الصوفية في مساجدهم، يرقصون حتى أحدهم يسيل لعابه على صدره، أف لتلك الحالة التي هم فيها، تخجل وتستحي لهم، فمن يرغب في هذه الحالة، هذه حالة رذيلة، يمسون يعوون: (هو هو هو)، ينبحون مثل الكلاب، يبيت ينبح حتى يغمى عليه، وقالوا: بلغ درجة اليقين، بل بلغ درجة الكفر والزندقة، فإنهم إذا بلغ عندهم درجة اليقين، معناه: أنه ارتفع عنه القلم ولا صلاة عليه، ولا صيام عليه، ولا زكاة عليه، ولا حج عليه، ولا شيء من الأركان والواجبات أبداً.
فمعناه أنه بلغ درجة الكفر المتيقن.
قال عمر بن حفيظ: في شريط (بيان مشروعية المولد النبوي ) الوجه الثاني، عند حديث النبي ?، أنه قال: »لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، وإنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله«.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: أقول: لو أنصف هذا المنحرف لقال: (ببدعية المولد)، لأن المولد بدعة، أحدثها العبيديون من الباطنية القرامطة، ولم يكن في زمن النبي ?، ولا في زمن أبي بكر، ولا عمر ولا عثمان، ولا علي ولا سائر الصحابة، ولا سائر التابعين، وأتباعهم، أمثل هذا يقال: عنه إنه مشروع، والنبي ? يقول: »من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد«.
وإليك بيان تاريخ هذه البدعة المنكرة، وقبح سيرة العبيدية الباطنية الذين أحدثوها، وخلفهم الصوفية فيها، فبئست البدعة، وبئس المخلف، وبئس الخلف.(1/75)
قال تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المعروف بالمقريزي، في الجزء الأول من كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» (ص:490) تحت عنوان ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً، ومواسم تتسع بها أحوال الرعية، وتكثر نعمهم، قال: وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد، ومواسم، وهي: مواسم رأس السنة، ومواسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي ?، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومولد الحسن والحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النوروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام الركوبات) اهـ.
ثم بعد إيضاحه غاية الإيضاح تلك الأعياد والمواسم، ذكر أن الموالد الستة كانت مواسم جلية، يعمل الناس فيها ميزات من ذهب، وفضة، وخشكنانج، وحلواء، وبسط في ذلك الجزء من الكتاب كتاب: «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» (ص:432-433) الكلام على وصف جلوس الخليفة في الموالد بالنظرة، علو باب الذهب، قال:(1/76)
قال ابن المأمون في أخبار سنة ست عشرة وخمسمائة : وفي الثاني عشر من المحرم كان المولد الآمري، واتفق كونه في هذا الشهر يوم الخميس، وكان قد تقرر أن يعمل أربعون صينية خشكنانج، وحلوى، وكعك، وأطلق برسم المشاهد المحتوية على الضرائح الشريفة لكل مشهد سكر، وعسل، ولوز، ودقيق، وشيرج، وتقدم بأن يعمل خمسمائة رطل حلوى، وتفرق على المتصدرين، والقراء، والفقراء للمتصدرين ومن معهم في صحون، وللفقراء على أرغفة السميذ، ثم حضر في الليل المذكورة: القاضي، والداعي، والشهود، وجميع المتصدرين، وقراء الحضرة، وفتحت الطاقات التي قبلي باب الذهب، وجلس الخليفة، وسلموا عليه، ثم خرج متولي بيت المال بصندوق مختوم ضمنه عينًا مائة دينار وألف وثمانمائة وعشرون درهمًا، برسم أهل القرافة وساكنيها وغيرهم، وفرقت الصواني بعدما حمل منها للخاص، وزمام القصر، ومتولي الدفتر خاصة، وإلى دار الوزارة، والأجلاء الأخوة والأولاد وكاتب الدست، ومتولي حجبة الباب، والقاضي، والداعي، ومفتي الدولة، ومتولي دار العلم والمقرئين الخاص، وأئمة الجوامع بالقاهرة، ومصر، وبقية الأشراف .(1/77)
قال : وخرج الآمر، يعني في سنة سبع عشرة وخمسمائة، بإطلاق ما يخص المولد الآمري برسم المشاهد الشريفة؛ من سكر، وعسل، وشيرج، ودقيق، وما يصنع مما يفرق على المساكين، بالجامعين: الأزهر بالقاهرة، والعتيق بمصر، وبالقرافة خمسة قناطير حلوى، وألف رطل دقيق، وما يعمل بدار الفطرة، ويحمل للأعيان والمستخدمين من بعد القصور، والدار المأمونية صينية خشكنانج، وحضر القاضي والداعي، والمستخدمون بدار العيد، والشهود في عشية اليوم المذكور؛ وقطع سلوك الطريق بين القصرين، وجلس الخليفة في المنظرة، وقبلوا الأرض بين يديه، والمقرئون الخاص جميعهم يقرؤون القرآن، وتقدم الخطيب وخطب خطبة وسع القول فيها، وذكر: الخليفة، والوزير، ثم حضر من أنشد، وذكر فضيلة الشهر والمولود فيه، ثم خرج متولي بيت المال ومعه صندوق من مال النجاوي خاصة مما يفرق على الحكم المتقدم ذكره .
قال : واستهل ربيع الأول، ونبدأ بما شرف به الشهر المذكور، وهو ذكر مولد سيد الأولين والآخرين محمد ? لثلاث عشرة منه، وأطلق ما هو برسم الصدقات من مال النجاوي خاصة: ستة آلاف درهم، ومن الأصناف من دار الفطرة: أربعون صينية فطرة، ومن الخزائن برسم المتولين والسدنة للمشاهد الشريفة، التي بين الجبل والقرافة التي فيها أعضاء آل رسول الله ?، سكر، ولوز، وعسل، وشيرج لكل مشهد، وما يتولى تفرقته : سنا الملك ابن ميسر أربعمائة رطل حلاوة، قال : (وكان الأفضل بن أمير الجيوش قد أبطل أمر الوالد الأربعة : النبوي، والعلوي، والفاطمي، والإمام الحاضر، وما يهتم به، وقدم العهد به، حتى نسي ذكرها، فأخذ الأستاذون يجددون ذكرها للخليفة الآمر بأحكام الله ويرددون الحديث معه فيها، ويحسنون له معارض الوزير بسببها وإعادتها، وإقامة الجواري والرسوم فيها، فأجاب إلى ذلك وعمل ما ذكر ).(1/78)
وقال بن الطوير : ذكر جلوس الخليفة في الموالد الستة، في تواريخ مختلفة، وما يطلق فيها، وهي مولد النبي ?، ومولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومولد فاطمة عليها السلام، ومولد الحسن، ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد الخليفة الحاضر، ويكون هذا الجلوس في المنظرة التي هي أنزل المناظر، وأقرب إلى الأرض، قبالة دار فخر الدين جهاركس، والفندق المستجد، فإذا كان اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، (وهو يوم مولده ?) تقدم بأن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارًا من السكر اليابس حلواء يابسة، من طرائفها، وتعبئ في ثلاثمائة صينية من النحاس، فتفرق تلك الصواني في أرباب الرسوم، من أرباب الرتب، وكل صينية في قوارة من أول النهار إلى ظهره ، فأول أرباب الرسوم، قاضي القضاة، ثم داعي الدعاة، ويدخل في ذلك القراء بالحضرة، والخطباء، والمتصدرون بالجوامع بالقاهرة، وقومة المشاهد، ولا يخرج ذلك مما يتعلق بهذا الجانب يدعو بخرج من دفتر المجلس كما قدمناه، فإذا صلى الظهر ركب قاضي القضاة والشهود بأجمعهم إلى الجامع الأزهر، ومعهم أرباب تفرقة الصواني، فيجلسون مقدار قراءة الختمة الكريمة، ثم يستدعي قاضي القضاة ومن معه؛ فإن كانت الدعوة مضافة إليه وإلا حضر الداعي معه بنقباء الرسائل، فيركبون ويسيرون إلى أن يصلوا إلى آخر المضيق من السيوفيين، قبل الابتداء بالسلوك بين القصرين، فيقفون هناك وقد سلكت الطريق على السالكين: من الركن المخلق، ومن سويقة أمير الجيوش عند الحوض هناك، وكنست الطريق فيما بين ذلك، ورشت بالماء رشًا خفيفًا، وفرش تحت المنظرة المذكورة بالرمل الأصفر ، ثم يستدعى صاحب الباب من دار الوزارة، ووالي القاهرة، ماض وعائد لحفظ ذلك اليوم من الازدحام على نظر الخليفة، فيكون بروز صاحب الباب من الركن المخلق؛ هو وقت استدعاء القاضي ومن معه، من مكان وقوفهم، فيقربون من المنظرة؛ يترجلون قبل الوصول إليها بخطوات، فيجتمعون تحت المنظرة دون الساعة(1/79)
الزمانية بسمت وتشوف؛ لانتظار الخليفة، فتفتح إحدى الطاقات فيظهر منها وجهه وما عليه من المنديل، وعلى رأسه عدة من الأستاذين المحنكين وغيرهم من الخواص منهم، ويفتح بعض الأستاذين طاقة ويخرج منها رأسه؛ ويده اليمنى في كمه ويشير به قائلًا : أمير المؤمنين يرد عليكم السلام، فيسلم بقاضي القضاة أولًا بنعوته، وبصاحب الباب بعده كذلك، وبالجماعة الباقية جملة جملة، من غير تعيين أحد فيستفتح قراء الحضرة بالقراءة، ويكونون قيامًا في الصدر: وجوههم للحاضرين، وظهورهم إلى حائط المنظرة، فيقدم خطيب الجامع الأنور المعروف بجامع الحاكم؛ فيخطب كما يخطب فوق المنبر إلى أن يصل إلى ذكر النبي ? فيقول : وإن هذا يوم مولده، إلى ما من الله به على ملة الإسلام من رسالته، ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة، ثم يؤخر، ويقدم خطيب الجامع الأزهر، فيخطب كذلك، ثم خطيب الجامع الأقمر فيخطب كذلك، والقراء في خلال خطابة الخطباء يقرؤون، فإذا انتهت خطابة الخطباء، أخرج الأستاذ رأسه ويده في كمه من طاقته، ورد على الجماعة السلام، ثم تغلق الطاقتان، فتنفض الناس، ويجري أمر الموالد الخمسة الباقية على هذا النظام، إلى حين فراغها على عدتها من غير زيادة ولا نقص، انتهى .(1/80)
وقال أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي، في الجزء الثالث من «صبح الأعشى في صناعة الانشاء» (ص:498-499) في كلام له طويل في جلوسات الخليفة الفاطمي، قال بعد أن ذكر جلوسه في المجلس العام، أيام المواكب وجلوسه ليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه للقاضي والشهود في الليالي الوقود الأربع من كل سنة، قال: الجلوس الثالث: جلوسه في مولد النبي ? في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وكان عادتهم فيه أن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطاراً من السكر الفائق، حلوى من طرائف الأصناف، وتعبئ في ثلاثمائة صينية نحاس، فإذا كان ليلة ذلك المولد، تفرق في أرباب الرسوم : كقاضي القضاة، وداعي الدعاة، وقراء الحضرة، والخطباء، والمتصدرين بالجوامع بالقاهرة ومصر، وقومه المشاهد وغيرهم ممن له اسم ثابت بالديوان، ويجلس الخليفة في منظرة قريبة من الأرض؛ مقابل الدار القطبية المتقدمة الذكر، وهي: بالبيمارستان، المنصوري الآن، ثم يركب القاضي بعد العصر، ومعه الشهود إلى الجامع الأزهر، ومعهم أرباب تفرقة الصواني المتقدمة الذكر، فيجلسون في الجامع مقدار قراءة الختمة الكريمة، وتسد الطريق تحت القصر، من جهة السيوفيين، وسويقة أمير الجيوش، ويكنس ما بين ذلك، ويرش بالماء رشاً، ويرش تحت المنظرة بالرمل الأصفر، ويقف صاحب الباب، ووالي القاهرة على رأس الطرق لمنع المارة، ثم يستدعي القاضي ومن معه، فيحضرون ويترجلون على القرب من المنظرة، ويجتمعون تحتها وهم متشوفون لانتظار ظهور الخليفة، فيفتح إحدى طاقات المنظرة، فيظهر منها وجهه، ثم يخرج أحد الأستاذين المحنكين يده، ويشير بكمه؛ بأن الخليفة يرد عليكم السلام، ويقرأ القراء، ويخطب الخطباء كما تقدم في ليالي الوقود، فإذا انتهت خطابة الخطباء، أخرج الأستاذ يده مشيراً برد السلام كما تقدم، ثم تغلق الطاقتان، وينصرف الناس إلى بيوتهم، وكذلك شأنهم في مولد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الخاص في أوقات(1/81)
معلومة عندهم من السنة .
وممن صرح من المتأخرين بأن أول من أحدث المولد المتسمون بالفاطميين، مفتي الديار المصرية، الشيخ: محمد بخيت المطيعي، والشيخ: علي محفوظ، والسيد: علي علي فكري، فقد قال العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي ،مفتي الديار المصرية سابقًا، في كتابه «أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام (ص:44-45)، مما أحدث، وكثر السؤال عنه.(1/82)
ثم قال المطيعي في «بيان ما كان يعمل في المولد النبوي من الفاطميين» (ص:45-47) وفي خلافة الأمر بأحكام الله، أعاد الموالد الستة المذكورة قبل، بعد أن أبطلها الأفضل، وكاد الناس ينسونها، وكان الخليفة يجلس في هذه الموالد في تواريخ مختلفة، ويكون جلوسه كما في الخطط للمقريزي، نقلًا عن عن ابن الطوير في المنظرة التي هي أنزل المناظر، وأقرب إلى الأرض، ففي المولد المولد النبوي إذا كان اليوم الثاني عشر الثاني من ربيع الأول، يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارًا من السكر اليابس حلواء يابسة، وتعبئ في ثلاثمائة صينية من النحاس، فتفرق تلك الصواني في أرباب الرسوم، من أرباب الرتب، من أول النهار إلى ظهره ، فأولهم: قاضي القضاة، ثم داعي الدعاة، وقراء حضرة الخليفة، والخطباء، والمتصدرون بالجوامع، فإذا صلى الظهر ركب قاضي القضاة والشهود بأجمعهم إلى الجامع الأزهر، ومعهم أرباب تفرقة الصواني، فيجلسون فيه مدة، ثم يستدعي قاضي القضاة ومن معه بالأزهر فيركبون؛ وقد وكنست الطريق، ورشت بالماء رشًا خفيفًا، وفرش ما تحت المنظرة بالرمل الأصفر ، ثم يستدعى صاحب الباب من دار الوزارة، كل ذلك ووالي مصر يغدو ويروح؛ لحفظ ذلك اليوم من الازدحام على نظر الخليفة، فيقرب جميع المدعوين من المنظرة؛ ويترجلون قبل الوصول إليها بخطوات، فيجتمعون تحتها دون الساعة الزمانية؛ لانتظار الخليفة، فتفتح إحدى الطاقات المنظرة فيظهر منها وجهه، وما عليه من المنديل، وفوق رأسه عدة رجال يسمون بالأستاذين وغيرهم من الخواص، ويفتح بعض الأستاذين طاقة أخرى ويخرج منها رأسه؛ ويده اليمنى في كمه ويشير به قائلًا : أمير المؤمنين يرد عليكم السلام، فيبدأ بقاضي القضاة أولًا فيسلم عليه بنعوته، ثم بعده بصاحب الباب ثم بالجماعة الباقية جملة جملة، من غير تعيين واحد، فيستفتح قراء الحضرة بالقراءة، ويكونون وقوفًا في الصدر: وجوههم وظهورهم إلى حائط المنظرة، فيتقدم خطيب الجامع(1/83)
الأنور المعروف بجامع الحاكم؛ فيخطب كما يخطب فوق المنبر إلى أن يصل إلى ذكر النبي ? فيقول : إن هذا اليوم مولده ?، وقد بعثه الله فيه برسالة عامة، ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة، ثم يتقدم خطيب الجامع الأزهر، فيخطب كذلك، ثم خطيب الجامع الأقمر فيخطب كذلك، والقراء في خلال خطابة الخطباء يقرؤون، فإذا انتهت الخطب، أخرج الأستاذ رأسه ويده في كمه من طاقته، ورد على الجماعة السلام، ثم تغلق الطاقتان، فينفض الناس، ويجري أمر الموالد الخمسة الباقية على هذا النظام، إلى حين فراغها، من غير زيادة ولا نقص، إلا فيما يتعلق بصاحب المولد في الخطب، فإنه يكون: في كل مولد بما يناسب صاحبه.
ذكر المطيعي هذا كله، ثم قال (ص:47): وقد استمر عمل الموالد إلى الآن، غير أن الناس تركوا بعض الموالد الخمسة، وزادوا موالد أخرى، حت كادت الموالد الآن لا تحصى، وزادوا على ما كان يعمل فيها من زمن الفاطميين أشياء، ونقصوا أشياء، وزادوا في أيامها، ثم بعد ما نقل المطيعي ما كان يعمله مظفر الدين، صاحب إربل بمولد النبي ?، عن ابن خلكان، ونقل عنه أيضًا قضية ابن دحية معه، وتأليفه له «التنوير في مولد السراج المنير» بعد ما نقل ذلك قال في (ص:52): من ذلك تعلم أن مظفر الدين إنما أحدث المولد النبوي في مدينته إربل، على الوجه الذي وصف، فلا ينافي ما ذكرناه، من أن أول من أحدثه القاهرة الخلفاء الفاطميون، من قبل ذلك، فإن دولة الفاطميين انقرضت بموت العاضد بالله أبي محمد عبد الله بن الحافظ بن المستنصر، في يوم الاثنين عاشر المحرم سنة: سبع وستين وخمسمائة هجرية، وما كانت الموالد تعرف في دولة الإسلام، من قل الفاطميين.(1/84)
وقال الشيخ علي محفوظ في «الإبداع في مضار الابتداع» (ص:126)، في فصل عقده لبدع الموالد، وأول من أحدثها، وأورادها التاريخية: أول من أحدثها ـ أي الموالد ـ بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي رضي الله عنه، ومولد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومولد الحسن، والحسين رضي الله عنهما، ومولد الخليفة الحاضر، وبقيت هذه الموالد على رسومها، إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش، ثم أعيدت في خلافة الحاكم بأمر الله، في سنة أربع وعشرين وخمسمائة، بعد ما كاد الناس ينسونها، وأول من أحدث المولد النبوي بمدينة إربل الملك: المظفر أبو سعيد، في القرن السابع، قال: وقد استمر العمل بالموالد إلى يومنا هذا، وتوسع الناس فيها، وابتدعوا بكل ما تهواه أنفسهم، ويوحيه إليهم الشيطان. اهـ(1).
قال الذهبي رحمه الله في «سير أعلام النبلاء» (570): المهدي وذريته. عبيد الله أبو محمد، أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية، الذين قلبوا الإسلام، وأعلنوا بالرفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية، وبثوا الدعاة، يستغوون الجبلية والجهلة، وادعى هذا المدبر، أنه فاطمي من ذرية جعفر الصادق، فقال: أنا عبيد الله بن محمد بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد.
والمحققون على أنه ادعى أن المعز منهم، لما سأله السيد ابن طباطبا عن نسبه، قال: غدًا أخرجه لك، ثم أصبح وقد ألقي عرمه من الذهب، ثم جب نصف سيفه من غمده، فقال: ها نسبي، وأمرهم بنهب الذهب، وقال: هذا حسبي.
وقد صنف ابن الباقلاني وغيره من الأئمة في هتك مقالات العبيدية، وبطلان نسبهم، فهذا نسبهم، وهذه نحلتهم، وقد سقت في حوادث «تاريخنا» من أحوال هؤلاء وأخبارهم في تفاريق السنين عجائب.
__________
(1) - أفاده الشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله، في كتابه «القول الفصل في حكم الإحتفال بمولد خير الرسل».(1/85)
وكان هذا من أهل سلمية له غور، وفيه دهاء ومكر، وله همة علية، فسرى على أنموذج علي بن محمد الخبيث، صاحب الزنج الذي خرب البصرة وغيرها، وتملك بضع عشر سنة، وأهلك البلاد والعباد، وكان بلاء على الأمة، فقتل سنة سبعين ومائتين.
ولهم البلاغات السبعة: فالأول للعلوم وهو الرفض، ثم البلاغ الثاني للخواص، ثم البلاغ الثالث لمن تمكن، ثم الرابع لمن استمر سنتين، ثم الخامس لمن ثبت في المذهب ثلاث سنين، ثم السادس لمن أقام أربعة أعوام، ثم الخطاب بالبلاغ السابع وهو الناموس الأعظم.
قال أبو الحسن القابسي، صاحب الملخص: إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه أربعة آلاف في دار النحر في العذاب من عالم وعابد ليردهم عن الترضي عن الصحابة، فاختاروا الموت، فقال سهل الشاعر:
وأحل دار النحر في أغلاله ... من كان ا تقوى وذا صلوات
وقال (15/574): وفي أيام المهدي، عاثت القرامطة بالبحرين، وأخذوا الحجيج، وقتلوا وسبوا، واستباحوا حرم الله، وقلعوا الحجر الأسود، وكان عبيد الله يكاتبهم، ويحرضهم -قاتله الله-.
وقد ذكرت في «تاريخ الإسلام» أن في سنة سبعين ومائتين ظهرت دعوة المهدي باليمن، وكان قد سير داعيين أبا القاسم بن حوشب الكوفي، وأبا الحسين، وزعم أنه ابن محمد بن إسماعيل بن الصادق جعفر بن محمد.(1/86)
ونقل المؤيد الحموي في «تاريخه»، أن المهدي اسمه فيما قيل: سعيد بن الحسين، وأن أباه الحسين قد سلمه، فوصفت له امرأة يهودي حداد، قد مات عنها. فتزوجها الحسين بن محمد بن أحمد بن عبد الله القداح، هذا وكان لها ولد من اليهودي، فأحبه الحسين وأدبه، ولما احتضر عهد إليه بأمور، وعرفه أسرار الباطنية، وأعطاه أموالًا، فبث له الدعاة، وقد اختلف المؤرخون، وكثر كلامهم في قصة عبيد الله القداح بن ميمون بن ديصان، فقالوا: إن ديصان هذا صاحب كتاب «الميزان في الزندقة»، وكان يتولى أهل البيت، وقال: ونشأ الميمون بن ديصان ابنه عبد الله، فكان يقدح العين، وتعلم من أبيه حيلًا ومكرًا.
وقال: (15/577): قال القاضي عياض: أجمع العلماء بالقيروان، أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة.
وقيل: أن عبيد الله تملك المغرب، فلم يكن يفصح بهذا المذهب إلا للخواص، فلما تمكن أكثر القتل جدًا، وسبى الحريم، وطمع في أخ مصر.
وقال (15/579): (المنصور، أبو الطاهر إسماعيل بن القائم بن المهدي، العبيدي الباطني، صاحب المغرب)، ولي بعد أبيه، وحارب رأس الإباضية أبا يزيد مخلد بن كيداد الزاهد، والتقى الجمعان مراتٍ، وظهر مخلد على أكثر المغرب، ولم يبقى لبني عبيد سوى المهدية.
وقال رحمه الله (15/611): قال أبو شامة .(1/87)
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في «البداية والنهاية» (15/37) حوادث سنة: (317): ذكر أخذ القرامطة الحجر الأسود إلى بلادهم، وما كان منهم إلى الحجيج، لعن الله القرامطة، فيها: خرج ركب العراق وأميرهم منصور الديلمي، فوصلوا إلى مكة سالمين، وتوافت الركوب هناك من كل جانب، فما شعروا إلا بالقرمطي قد خرج عليهم في جماعته يوم التروية، فانتهب أموالهم، واستباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها، حتى في المسجد الحرام، وفي جوف الكعبة، وجلس أميرهم أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي -لعنه الله- على باب الكعبة، والرجال تصرع حوله في المسجد الحرام، في الشهر الحرام، ثم في يوم التروية؛ الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول:
أنا بالله وبالله أنا ... أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا
فكان الناس يفرون، فيتعلقون بأستار الكعبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئا، بل يقتلون وهم كذلك، ويطوفون فيقتلون في الطواف، وقد كان بعض أهل الحديث يومئذ يطوف، فلما قضى طوافه أخذته السيوف، فلما وجب أنشد وهو كذلك:
ترى المحبين صرعى في ديارهم ... كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا(1/88)
ثم أمر القرمطي -لعنه الله- أن تدفن القتلى ببئر زمزم، ودفن كثيرًا منهم في أماكنهم وحتى المسجد الحرام، -ويا حبذا تلك القتلة وتلك الضجعة- ولم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصل عليهم؛ لأنهم شهداء في نفس الأمر، بل من خيار الشهدء، وهدم قبة زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة، ونزع كسوتها عنها، وشققها بين أصحابه، وأمر رجلًا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة؛ فأراد أن يقتلعه فسقط على أم رأسه فمات -لعنه الله- وصار إلى أمه الهاوية، فانكف اللعين عند ذلك عن الميزاب، ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود؛ فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده، وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود، شرفه الله وكرمه وعظمه، وأخذوه معهم حين راحوا إلى بلادهم، فكان عندهم ثنتين وعشرين سنة، حتى ردوه كما سنذكره في موضعه، في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما رجع القرمطي إلى بلاده، تبعة أمير مكة هو وأهل بيته وجنده، وسأله وتشفع إليه أن يرد الحجر الأسود ليوضع في مكانه، وبذل له جميع ما عنده من الأموال، فلم يفعل -لعنه الله- فقاتله أمير مكة فقتله القرمطي، وقتل أكثر أهل بيته وجنده، واستمر ذاهبًا إلى بلاده ومعه الحجر وأموال الحجيج.(1/89)
وقد ألحد هذا اللعين في المسجد الحرام إلحادًا لم يسبقه إليه أحد، ولا يلحقه فيه، وسيجاريه على ذلك الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد، وإنما حمل هؤلاء على هذا الصنيع؛ أنهم كانوا كفارًا زنادقة، وقد كانوا ممالئين للفاطميين الذين نبغوا في هذه السنة ببلاد إفريقية من أرض المغرب، ويلقب أميرهم بالمهدي، وهو أبو محمد عبيدالله بن ميمون القداح، وقد كان صباغًا بسلمية يهوديًا، فادعى أنه أسلم، ثم سافر من سلمية فدخل بلاد إفريقية، فادعى أنه شريف فاطمي، فصدقه على ذلك طائفة كثيرة من البربر وغيرهم من الجهلة، وصارت له دولة، فملك مدنية سجلماسة، ثم ابتنى مدينة وسماها: المهدية، وكان قرار ملكه بها، وكان هؤلاء القرامطة يراسلونه ويدعون إليه ويترامون عليه، ويقال: إنهم كانوا يفعلون ذلك سياسة ودولة لا حقيقة له.
وذكر ابن الأثير أن المهدي هذا كتب إلى أبي طاهر يلومه على ما فعل بمكة؛ حيث سلط الناس على الكلام فيهم، وانكشفت أسرارهم التي كانوا يبطنونها؛ بما ظهر من صنيعهم هذا القبيح، وأمره برد ما أخذه منها، وعوده إليها، فكتب إليه بالسمع والطاعة، وأنه قد قبل ما أشار إليه من ذلك.
وقد أسر بعض أهل الحديث في أيدي القرامطة، فمكث في أيديهم مدة ثم فرج الله عنه، وكان يحكي عنهم عجائب من قلة عقولهم، وعدم دينهم، وأن الذي أسره كان يستخدمه في أشق الخدمة، وأشدها، وكان يعربد عليه إذا سكر، فقال لي ذات ليلة وهو سكران: ما تقول في محمدكم؟ فقلت: لا أدري، فقال: كان سائسا، ثم قال: ما تقول في أبي بكر؟ فقلت: لا أدري، فقال: كان ضعيفًا مهينًا، وكان عمر فظًا غليظًا، وكان عثمان جاهلًا أحمق، وكان علي ممخرقا، أليس كان عنده أحد يعلمه ما ادعى أنه في صدره من العلم؟ أما كان يمكنه أن يعلم هذا كلمة وهذا كلمة، ثم قال: هذا كله مخرقة، فلما كان من الغد قال: لا تخبر بهذا الذي قلت لك أحدا. رواه ابن الجوزي في «منتظمه».(1/90)
وروى عن بعضهم أنه قال: كنت في المسجد الحرام يوم التروية، في مكان الطواف فحمل على رجل كان إلى جانبي فقتله القرمطي، ثم قال: يا حمير، ورفع صوته بذلك، أليس قلتم في بيتكم هذا: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران:97]، فأين الأمن؟ قال: فقلت له: أتسمع جوابًا؟ قال: نعم، قلت: إنما أراد الله فأمنوه، قال: فثنى رأس فرسه وانصرف.(1/91)
وقد سأل بعضهم ههنا سؤالًا فقال: قد أحل الله سبحانه بأصحاب الفيل وكانوا نصارى وهؤلاء شر منهم، ما ذكره في كتابه العزيز، حيث يقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:1-5]، ومعلوم أن القرامطة شر من اليهود والنصارى والمجوس، بل ومن عبدة الأصنام، فهلا عوجلوا بالعذاب والعقوبة، كما عوجل أصحاب الفيل؟، وقد أجيب عن ذلك: بأن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهارا لشرف البيت، ولما يراد به من التشريف والتعظيم؛ بإرسال النبي الكريم ? من البلد الذي كان هذا البيت فيه، ليعلم شرف هذا الرسول الكريم، الذي هو خاتم الأنبياء، فلما أرادوا إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها عما قريب، أهلكهم سريعًا عاجلًا، غير آجل، كما كر في كتابه، وأما هؤلاء: فكان من أمرهم ما كان بعد تقرير الشرائع، وتمهيد القواعد والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة والكعبة، وكل مؤمن يعلم أن هؤلاء من أكبر الملحدين الكافرين، بما تبين من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، فلهذا لم يحتج الحال إلي معاجلتهم بالعقوبة، بل أخرهم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار، والله سبحانه يمهل ويملي، ويستدرج ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، كما قال النبي ?: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102].
وقال رسول الله ?: «لا أحد أصبر على أى سمعه من الله؛ إنهم يجعلون له ولدًا، وهو يرزقهم ويعافيهم».(1/92)
وقال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم:42]، وقال تعالى: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196-197]، وقال تعالى: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان:24]، وقال: {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس:70].
وقال رحمه الله في حوادث سنة: (322): (15/83): (وفاة المهدي صاحب أفريقية أول خلفاء الفاطميين فيما زعموا)، وفيها مات أبو محمد عبيدالله المدعي أنه علوي -الملقب بالمهدي- باني المهدية، بمدينه المهدية، ومات بها، عن ثلاث وستين سنة، وكانت ولايته منذ دخل رقادة وادعى الإمامة، أربعًا وعشرين سنة وشهرًا وعشرين يومًا، وهو أول الخلفاء الفاطميين.
وقال في (15/84): قال ابن خلكان في «الوفيات»: وقد اختلف في نسب المهدي هذا اختلافًا كثيرًا جدًا، فقال صاحب «تاريخ القيروان»: هو عبيد الله بن الحسن بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقال غيره: هو عبيد الله بن التقي، وهو الحسين بن الوفي، أحمد بن الرضي عبد الله، وهؤلاء الثلاثة يقال لهم: المستورون؛ لخوفهم من خلفاء بني العباس، والرضى عبد الله هذا هو ابن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وقيل: غير ذلك في نسبه.
قال القاضي ابن خلكان: والمحققون ينكرون دعواه في النسب.(1/93)
قلت: قد كتب غير واحد من الأئمة، منهم الشيخ: أبو حامد الاسفراييني، والقاضي الباقلاني، والقدوري، أن هؤلاء أدعياء ليس لهم نسب صحيح فيما يزعمونه، وأن والد عبيد الله هذا كان يهوديًا صباغًا بسلمية، وقيل: كان اسمه سعيدًا، وإنما لقب بعبيد الله، وكان زوج أمه: الحسين بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن ميمون القداح، وسمي القداح؛ لأنه كان كحالًا يقدح العيون، وكان الذي وطأ له الأمر بتلك البلاد أبو عبد الله الشيعي كما قدمنا ذلك، ثم استدعاه فلما قدم عليه من بلاد المشرق، وقع في يد صاحب سجلماسة فسجنه، فلم يزل الشيعي يحتال له حتى استنقذه من يده وسلم إليه الأمر.
وقال رحمه الله (15/593): (ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وأربعمائة)، فيها جرت كائنة غريبة، ومصيبة عظيمة، وهي أن رجلًا من المصريين من أصحاب الحاكم، اتفق مع جماعة من الحجاج المصريين، على أمر سوء؛ وذلك أنه لما كان يوم الجمعة وهو يوم النفر الأول، طاف هذا الرجل بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر الأسود جاء ليقبله، فضربه بدبوس كان معه ثلاث ضربات متواليات، وقال: إلى متى نعبد هذا الحجر؟ ولا محمد، ولا علي يمنعني مما أفعله، فإني أهدم اليوم هذا البيت، وجعل يرتعد، فاتقاه أكثر الحاضرين، وتأخروا عنه؛ وذلك لأنه كان رجلًا طوالًا جسمًا، أحمر اللون، أشقر الشعر، وعلى باب الجامع جماعة من الفرسان وقوف ليمنعوه ممن أراده بسوء، فتقدم إليه رجل من أهل اليمن معه خنجر، فوجأه بها، وتكاثر عليه الناس، فقتلوه وقطعوه قطعا وحرقوه.(1/94)
وتتبعوا أصحابه فقتلوا منهم جماعة، ونهبت أهل مكة ركب المصريين، وتعدى النهب إلى غيرهم أيضًا، وجرت خبطة عظيمة وفتنة كبيرة جدًا، ثم سكن الحال بعد أن تُتُبع أولئك النفر الذين تمالئوا على الإلحاد في أشرف البلاد، غير أنه سقط من الحجر ثلاث فلق مثل الأظفار، وبدا ما تحتها أسمر يضرب إلى صفرة، محببًا مثل الخشخاش، فأخذ بنو شيبة تلك الفلق فعجنوها بالمسك واللك، وحشوا بها تلك الشقوق التي بدت، فاستمسك الحجر وأستمر على ما هو عليه الآن، وهو ظاهر لمن تأمله.
قال عمر بن حفيظ: قال عند هذا الحديث: فأهل البدعة، -يقصد بهم أهل السنة- يصورن للعامة أن هذا الحديث فيه: النهي عن مدحه عليه الصلاة والسلام.
رد الشيخ يحيى حفظه الله: رمتني بدائها وانسلت، وما من مبطل إلا ويدفع عن باطله، حتى فرعون يقول: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29]، وقد قال الله: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود:97]، يقولون: واحد كان يشرب الخمر، وبعد ذلك يريد أن يؤول القرآن إلى أن شرب الخمر طيب، وأن الصلاة ما هي طيبة فقال:
دع المساجد للعُبّاد تعمرها ... واعمد بنا حانة الخمار يسقينا
ما قال ربك ويل للأولى سكروا ... وإنما قال ويل للمصلينا(1/95)
فانظروا تقليب الحقائق عند هذا الذي يشرب الخمر، ومعناه: أن الذي يشرب الخمر، أحسن حالاً لأن الله قد توعد المصلي بالويل، ولم يكمل الآية، يقول: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}[الماعون: 4-5]، ولكن أهل الباطل بتارون قطاعون للأدلة، أصحاب لفلفة، { قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المنافقون:4]، والله ما لهم إلا الله، يجعل كيدهم في نحورهم، وإلا فهم أصحاب شبهات، وابتغاء الفتنة، ابن أبي دؤاد، كم ظلم من أناس، ومن عامة، ومن أمراء؟، بما فيهم الواثق، حتى أنقذ الله الأمة بدولة المتوكل، بعد جهاد عظيم من الإمام أحمد رحمه الله، وعرف شر ابن أبي دؤاد، ومات بذات الجنب بعد ذلك كانت عاقبة أمره خسرا.
لقد ركب الشيطان كواهل الصوفية، ونفخ في مناخرهم بالغلو، والنبي ? هو القائل: «أيها الناس، قولوا بقولكم الأول، ولا يستجرينكم الشيطان، إنما أنا عبد الله ورسوله، قولوا: عبد الله ورسوله«.
إنكم تشبهتم بالنصارى في الغلو، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30].
وقال عزوجل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة:77].(1/96)
وقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ}[النساء:171].
ما أشبه هؤلاء الناس بالنصارى، الرافضة قدوتهم عبد الله بن سبأ اليهودي، منهجهم مبني على معتقد يهودي، والصوفية منهجهم مبني على دين الرهابين والقساوسة من النصارى.
من إصداراتنا:
1) أحكام التيمم. ... ...
2) الإتحافات بتلخيص الحاوي للسيوطي رحمه الله ونقد ما فيه من الشطحات. ...
3) توضيح الإشكال في أحكام اللقطة والضوال.
4) الأدلة الزكية في بيان أقوال الجفري الشركية.
5) أضرار الحزبية على الأمة الإسلامية.
6) التحذير عن أهم الصوارف عن الخير.
7) جلسة ساعة في الرد على المفتين في الإذاعة.
8) الحث والتحذير على تعلم أحكام المريض.
9) السيل العريض الجارف لبعض ضلالات الصوفي عمر بن حفيظ.
10) فتوى في حكم الدراسة الإختلاطية.
11) الأجوبة السنية وكشف بعض أباطيل الصوفية.(1/97)