إطلالة
إلى أولئك ... أصحاب الكرامات المزعومة ، والحضرات الموهومة ، والولايات المذمومة ، والموالد المشؤمة.
إلى أولئك ... أصحاب القلوب اللاهية ،والحجج الواهية ، والأدلة الفاهية ، والشُبه الزائفة التي لا تروج بضاعتها إلا في سوق الجهال والرعاع وعميان البصائر .
إلى أولئك ... الذين اتخذوا البدع والخرافات ، ديناً لهم يتقربون بها إلى ساداتهم وأئمتهم أئمة الضلال ، ولو على حساب غضب الله عز وجل وسخطه .
إلى أولئك ... (الّذِينَ اتّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا) [الأعراف : 51] .
إطلالة
إلى أولئك ... أصحاب الكرامات المزعومة ، والحضرات الموهومة ، والولايات المذمومة ، والموالد المشؤمة.
إلى أولئك ... أصحاب القلوب اللاهية ،والحجج الواهية ، والأدلة الفاهية ، والشُبه الزائفة التي لا تروج بضاعتها إلا في سوق الجهال والرعاع وعميان البصائر .
إلى أولئك ... الذين اتخذوا البدع والخرافات ، ديناً لهم يتقربون بها إلى ساداتهم وأئمتهم أئمة الضلال ، ولو على حساب غضب الله عز وجل وسخطه .
إلى أولئك ... (الّذِينَ اتّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا) [الأعراف : 51] .
إلى أولئك ... الذين يدّعون محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بإماتة سنته ومحاربتها ومحاربة من يدعو إليها .
إلى أولئك ... الذين يدّعون محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكذبهم المولى جل وعلا من فوق سبع سماوات على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ) [آل عمران : 31]
إلى أولئك ... الذين تجرؤوا على ربهم جل وعلا ، ونبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، وصحابة نبيهم رضوان الله عليهم ، ودينهم الحنيف .(1/1)
إلى أولئك ... الذين أصبحت قلوبهم وصدورهم مرتعاً خصباً لزرع كل شر وفساد .
أقول لهم :
اجعلوا نصب أعينكم دائماً وأبداً ، قوله تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الّذِينَ ضَلّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [الكهف :103 - 104]
وقوله - صلى الله عليه وسلم - (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )(1)
إن كنتم حقاً تخشون الله عزوجل ، وتحبون رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى من سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين ، وبعد :
فإن من أنكى المصائب والابتلاءات التي أصيبت بها الأُمة الإسلامية في عقردارها هي : انتشار تلك البدع المضلة بشتى صورها وأشكالها.
ومن المعلوم أن من أعظم الأسباب التي أدت إلى انتشارها بهذه الصورة المكثفة ، التي لم يسبق لها مثيل ، هي تلك الفرقة الضالة المنحرفة المسماة بـ (الصوفية) والتي فرح بها أعداء الإسلام من الكفرة والملاحدة أيما فرح ، لأنها تهدم الإسلام من داخله باسم الإسلام .
وإن من جملة تلك البدع التي قامت بترويجها في المجتمعات الإسلامية هي تلك البدعة الظلماء المسماة بـ (ذكرى المولد النبوي) ظلماً وزوراً وبهتاناً ، ولا يخفى أن هذه البدعة المحدثة لم يأمر بها المولى جل وعلا ، ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا فعلها الصحابة رضوان الله عليهم ولا التابعون من بعدهم ، بل لم تأت إلا من قبل أعداء الإسلام (الباطنية الملاحدة ) عليهم من الله ما يستحقون .
__________
(1) البخاري : (2697) مسلم : (4492) واللفظ للبخاري .(1/2)
ولما كان الأمر كذلك ، وانغر بتلك البدعة من انغر من أبناء المسلمين ، كان لا بد من بيان الحق في هذه المسألة ، البيان الشافي الوافي الذي يكشف زيفها ويبيّن زيغها وما تحمل في طياتها من المفاسد الباطلة ، التي لو ظهرت لكثير من الناس لتبرؤا منها ، ولحصل لهم من الخير الشيء الكثير الذي ربما لم يخطر ببال أحد منهم بإذن الله تعالى .
ولقد قام عساكر الإيمان ، وحراس العقيدة ، وجنود السنة أولئك الأئمة الأعلام ، أئمة الهدى ومصابيح الدجى جزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء ، ببيان كذبها ، وفضح دجلها، وكشف زيفها وزيغها ، وصاحوا بأهلها في أقطار الدنيا ورشقوهم بنبال الكتاب والسنة حتى غدوا أذلة صاغرين (وَمَن يُهِنِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِن مّكْرِمٍ) [الحج : 18] .
ودونك أخي الحبيب ، بين دفتي هذه الرسالة ، قبسات من مشكاة الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة ، تبيّن بياناً شافياً بعض ما تحمله هذه البدعة في بطنها من مفاسد مضلة ، وانحرافات بالدين مخلة.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، وأن يجعلنا من أنصار سنة النبي الكريم ، وأن يجنبنا سبيل المبتدعين الزائغين ، كما أسأله جل وعلا أن يغفر لوالديّ ويرحمهما برحمته ويسكنهما فسيح جناته وجميع المسلمين ، كما أسأله جل وعلا أن يهدي ضال المسلمين إلى ما فيه رضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه / أبو ربيع:
محسن بن عوض بن أحمد القليصي الهاشمي
غفر الله له ولوالديه وزوجه وأبنائه وجميع المسلمين
غرة ربيع الأول لعام 1429هـ
اعلم أخى المسلم يارعاك الله :
أن الاحتفال بالمولد النبوي فيه مفاسد عظيمة وعواقب وخيمة ومن أعظمها :
1) أنه من البدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان .(1/3)
وذلك لأن الاحتفال بالمولد النبوي، لم يشرعه الله عز وجل في كتابه الكريم ، ولا لرسوله الحليم - صلى الله عليه وسلم - ، ولا لعباده المؤمنين ، ولم يأمر به لا أمر إيجاب ولا استحباب ، ولم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه وهو أحق بذلك من غيره ، ولم يأمر به أمته من بعده ، ولم يفعله الصحابة رضوان الله عليهم وهم أشد الناس حباً وتعظيماً وإجلالاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يفعله التابعون رحمهم الله من بعدهم ، ولم يعرف في تلك القرون المفضلة ، بل إن أول من أحدث هذه البدعة المحدثة والسنة المنكرة هم (العبيديون) الذين ينتسبون لفاطمة عليها السلام ظلماً وزوراً وبهتاناً ويتسمون بـ (الفاطميين) ، وفاطمة بريئة منهم ومن أعمالهم ، وهم في الحقيقة من (اليهود) وقيل من (المجوس) وقيل من (الملاحدة)، وهم باطنية محضة.
ثم حمل راية هذه البدعة من بعدهم (الصوفية) الذين وجدوا في إحياء هذه البدعة متنفساً لنشر باطلهم وخرافاتهم ، وممن يتولى نشر هذه البدعة المنكرة وغيرها من البدع والخرافات ، أولئك أئمة الصوفية الضُلال زعماء الخرافات وسادات الإنحراف سواءً في الحديدة أو تهامة بأسرها .
وللأسف الشديد أن هؤلاء الضُلال غدوا عند الصوفية وعند كثير من الجهال والرعاع ، ( من أئمة الدين ومرجعيتها في الفتوى) ، وهم والله من أئمة الضلال والخرافات ، ويصدق عليهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون )(1).
ولله در من قال :
ضلال الرئيس المقتدى بفعاله ... ضلال ألوف لا ضلالة واحد
2) أن فيه تشبهاً بأعداء الإسلام .
وذلك لأن (النصارى) يحتفلون بذكرى مولد المسيح عليه السلام ، ويتخذونه عيداً، وذلك بإيقاد الشموع وصنع الطعام وفعل الموبقات وغير ذلك من قبائحهم ، ومما لا شك فيه ولا ريب :
__________
(1) السلسلة الصحيحة : (1582) للإمام الألباني .(1/4)
أن التشبه بالكفار أمر محرم شرعاً ، وهو من كبائر الذنوب ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - ( من تشبه بقوم فهو منهم ).(1)
وما هذه الموالد المحدثة والبدع المنكرة ، إلا مضاهاة صريحة لشعائر دين أعداء الإسلام ، ومشاقة واضحة لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعدم القناعة بهما وبما فيهما من النور(وَمَن لّمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ) [النور : 40] ..
ومن المعلوم : أن الله عز وجل ، قد نهى أشد النهي عن موالاة أعدائه فقال : (يََأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلّهُمْ مّنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ) [المائدة:51] .
ولا شك أن هذه الآية عامة وشاملة لكل ما فيه موالاة لهم ، ألا وإن من أعظم الموالاة لهم : (التشبه بهم) لاسيما فيما هو من شعائر دينهم .
وكذلك أيضاً فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حث أمته وأمرهم بمخالفتهم في كل صغيرة وكبيرة ، سواءً كانت ظاهرة أو باطنه فقال : ( خالفوا المشركين ... ) (2) .
وكل ذلك حرصاُ منه - صلى الله عليه وسلم - على أُمته ، كي لا تدنس وتلوث بأخلاق أعداء الله وسلوكهم ، سواء الدينية أو الدنيوية .
__________
(1) أحمد : (5114) وصححه الإمام الألباني في صحيح الجامع : (6149) .
(2) البخاري : (8592) مسلم : (602) .(1/5)
ولما أعرض المسلمون عن الالتزام بأوامر ربهم سبحانه وتعالى ، وأوامر رسولهم - صلى الله عليه وسلم - ، وأخذوا يلهثون وراء الدنيا وحطامها الفاني ، ووراء البدع والخرافات ، والتشبه بأعداء الإسلام ، مع تجاهلهم التام لأمور دينهم ، سلط الله عليهم الأعداء من كل حدب وصوب ، وأنزل عليهم من الذل والهوان ما أصبحوا به محطاً للضحك والسخرية للعالم بأسره، إلا من رحم ربي ، وهذا مصداق لقوله تعالى (إِنّ الّذِينَ يُحَآدّونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلََئِكَ فِي الأذَلّينَ)[المجادلة:20].
3) أنه من أعظم الوسائل المفضية للشرك بالله عز وجل .
وذلك لأنهم في تلك الليلة التي يقيمون فيها الاحتفال بالمولد المحدث، يقومون بالاستغاثة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ودعائه من دون الله عزوجل وطلبُ منه مالا يطلب إلا من الله وحده سبحانه وتعالى وغير ذلك من الشركيات العمياء ، بل وينشدون القصائد التي تحمل في طياتها الشرك بالله عز وجل والغلو في جناب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والبدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وتسمى عندهم (بالمدائح النبوية )!!! .
ومن أعظم الأدلة الشاهدة على ذلك ، هي تلك القصيدة المشهورة لدى جميع الصوفية على اختلاف مشاربهم ونحلهم ، المسماة عندهم (بالبُردة) لصاحبها : محمد بن سعيد البوصيري ، الذي كان مشتغلاً بالتصوف ، وناشراً للطريقة الشاذلية حتى أنه غدى عند بعضهم من أئمة الدين ، وهو من أئمة الضلال والخرافات ولا حولا ولا قوة إلا بالله العظيم .
ودونك أخي الحبيب ، بعض ما جاء في هذه القصيدة ، من الشركيات ، والبدع ، والغلو ، والانحرافات .
يقول البوصيري عامله الله بما يستحق :
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة ... من لولاه لم تخرج الدنيا من العدم(1)
__________
(1) ديوان البوصيري:(240ـ248 ) وهذه الأبيات منتقاة من قصيدته المعروفة بـ(البردة).(1/6)
قلت : ولا يخفى ما في هذا البيت من الغلو الشنيع في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حيث زعم أن هذه الدنيا لم توجد إلا لأجله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا شك أن هذا غلو وضلال مبين ، بل كل ما في هذه الدنيا لم يخلق إلا لعبادة الله سبحانه وتعالى ، كما قال جل وعلا: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56] . وكما في قوله تعالى (وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلََكِن لاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء: 44].
وربما عوّل أولئك الصوفية الضُلال على ذلك الخبر الموضوع : (لولاك لما خلقت الافلاك).(1)
وقال البوصيري :
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ... فضلاً وإلا فقل يازلة القدم
قلت : وفي هذا البيت ينزل الشاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزلة رب العالمين ، إذ مضمونه : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو المسئول لكشف أعظم الشدائد في اليوم الآخر ، فهل بعد هذا الشرك من شرك ، وهل بعد هذا الضلال من ضلال ؟!! وأين هو من قول الله عز وجل على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - : (قُلْ إِنّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)[الأنعام: 15] ؟!!.
وقال البوصيري :
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حدوث الحادث العمم
قلت : وهذا عين الشرك الأكبر .
قال العلامة سليمان بن عبدالله رحمه الله :
(فتأمل ما في هذا البيت من الشرك :
منها : أنه نفى أن يكون له ملاذ إذا حلت به الحوادث إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له ، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلاهو .
ومنها : أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه ، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله ، وذلك هو الشرك في الألوهية ).(2)
وقال البوصيري :
__________
(1) انظر: السلسلة الضعيفة : (282) للإمام الألباني .
(2) تيسير العزيز الحميد : (219ـ 220).(1/7)
ولن يضيق رسول الله جاهك بي ... إذا الكريم تحلى باسم منتقم
قلت : وهذا عين الشرك الأكبر .
قال العلامة سليمان بن عبدالله رحمه الله :
(سؤاله منه أن يشفع له في قوله : ولن يضيق رسول الله ....الخ .
هذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوهم وهو : (الجاه والشفاعة عند الله) ، وذلك هو الشرك ، وأيضاً فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله ، فلا معنى لطلبها من غيره، فإن الله تعالى هو الذي يأذن للشافع أن يشفع لا أن الشافع يشفع ابتداءً ).(1)
وقال البوصيري :
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
قلت : وهذا الكلام في غاية الضلال والإنحراف ، لأنه جعل الدنيا والآخرة من عطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوده .
ولا شك أن هذا فيه مصادمة صريحة لقوله تعالى : (وَإِنّ لَنَا لَلاَخِرَةَ وَالاُولَىَ) [الليل : 13] .
وأما قوله : ومن علومك علم اللوح والقلم :
ففيه تصريح بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم الغيب، وهذا أيضاً يقتضي التكذيب لله عز وجل حيث قال : (قُل لاّ يَعْلَمُ مَن فِي السّمَاواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللّهُ) [النمل : 65] ، بل وفيه تكذيب للرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه ، حيث قال عن نفسه : (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسّنِيَ السّوَءُ إِنْ أَنَاْ إِلاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف : 188]. ولا شك أن هذا شرك أكبر مخرج من الملة .
وإذا كان الأمر كذلك ، وأن الدينا والآخرة من عطاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه يعلم الغيب ، فماذا بقي إذاً لله عز وجل ؟ : (فَإِنّهَا لاَ تَعْمَى الأبْصَارُ وَلََكِن تَعْمَىَ الْقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ) [الحج : 46].
__________
(1) المصدر السابق : (220).(1/8)
ومن تلك القصائد أيضاً التي لها الحظ الأوفر ، لدى جميع الصوفية، والتى شرّقت وغرّبت في أقطار الدنيا مع ما تنضح به من الشرك والخرافات ، وما تحمله في طياتها وبين دفتيها من البدع والخزعبلات ، قصائد المدعو الضال المضل:(عبد الرحيم البرعي اليمني ) داعية الشرك والخرافات .
وللأسف الشديد أنها على ما فيها من الشركيات والبدع ، إلا أنها تعد لدى الصوفية ، من أمهات القصائد في مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وما من مناسبة من مناسباتهم الشركية ، أو البدعية ، إلا ويتغنون بها ويتهزهزون لها هزهزة السكارى في خماراتهم .
وهاك أخي بعضاً منها :
قال عبد الرحيم البرعي عامله الله بما يستحق :
فخذ بيدي وجد بالعفو يامن ... إذا ناديته لبى سريعا
وقل عبدالرحيم غداً رفيقي ... وما يخشى رفيقك أن يضيعا
ياسيدي يارسول الله خذ بيدي ... في كل هول من الأهوال ألقاه
إن كان زارك قوم لم أزر معهم ... فإن عبدك عاقته خطاياه
والعفو أوسع عن تقصير من قعدت ... به الذنوب فلم تنهض مطاياه
يا صاحب القبر المقيم بيثرب ... يا منتهى أملي وغاية مطلبي
يامن نرجيه لكشف عظيمة ... ولحل عقد ملتو متصعب
يامن يجود على الوجود بأنعم ... خضر تعم عموم صوب الصيب
ياغوث من في الخافقين وغيثهم ... وربيعهم في كل عام مجدب
يارحمة الدنيا وعصمة أهلها ... وأمان كل مشرق ومغرب(1)
قلت : وكل ما في هذه الأبيات من الشعر ، ينضح غاية النضح بالشرك الصريح الذي لا يكاد يخفى حتى على أجهل الناس .
ومن هذه الشركيات الصريحة التي صرح بها البرعي في هذه الأبيات :
(1) توجهه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء والاستغاثة به .
(2) طلبه منه أن يأخذ بيده .
(3) تصريحه بأنه ينفذ له مطلوبه .
(4) طلبه منه أن ينجيه من كل الأهوال التي تصيبه في هذه الدنيا .
(
__________
(1) ديوان عبدالرحيم البرعي : (14) وانظر : مظاهر الإنحرافات العقدية عند الصوفية : (1/425ـ 426) للدكتور : إدريس محمود .(1/9)
5) وصفه بأنه الذي يجود بالنعم لكل ما في هذا الكون .
(6) وصفه بأنه مغيث كل من في الخافقين .
(7) وصفه بأنه أمان لكل من في المشرق والمغرب .
ولا شك أن جميع هذه الأوصاف لا تليق إلا بالله وحده سبحانه وتعالى ، ولكن الغلو الزائد في المخلوق هكذا يفعل بأهله ، بل وما هو أعظم من ذلك ، فكم من مخلوق ضعيف انزل منزلة الخالق القوي سبحانه وتعالى في ليلة الاحتفال بالمولد النبوي!!!!! ، نسأل الله العافية والسلامة، قال تعالى: (فَلَمّا زَاغُوَاْ أَزَاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف : 5].
وممن اعتنق هذه المدائح النبوية (الشيطانية) ، وتأثر بها ، واقتفى أثرها ، زعيم الإخوان المسلمين (حسن البنا ) حيث كان هو الآخر صوفياً غالياً على الطريقة الحصافية ، وكان إذا أهلّ هلال ربيع الأول يخرج كل ليلة في موكب إلى ليلة الثاني عشر من الشهر ، وهو ينشد القصائد في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يزعم ، وقد وصف أخوه عبد الرحمن البنا هذا الموكب بقوله :
(وذلك أنه حين يهل هلال ربيع الأول ، كنا نسير في موكب مسائي كل ليلة حتى ليلة الثاني عشر ، ننشد القصائد في مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وكان من قصائده المشهورة في هذه المناسبة المباركة :
صلى الإله على النور الذي ظهرا ... للعالمين ففاق الشمس والقمرا
كان هذا البيت تردده المجموعة بينما ينشد أخي وأنشد معه :
هذا الحبيب مع الأحباب قد حضرا ... وسامح الكل في ما قد مضى وجرى
لقد أدار على العشاق خمرته ... صرفاً يكاد سناها يذهب البصرا)(1)
قلت : وتأمل أخي الحبيب ما تحمله هذه الأبيات في طياتها من الشرك والبدع والخرافات:
(1) قوله : (هذا الحبيب مع الأحباب قد حضرا) أي : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحضر بنفسه معهم المولد!!.
__________
(1) 10) دعوة الإخوان المسلمين في ميزان الشريعة : (66-67).(1/10)
ولا شك أن هذا من أعظم الدجل والإفتراء فإن الذي يحضر معهم الشيطان ، وليس الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قبره وروحه في أعلى عليين .
(2) قوله : (وسامح الكل في ما قد مضى وجرى ) أي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غفر لهم ذنوبهم، وسامحهم في معاصيهم .
وهذا بلاشك أنه ( شرك أكبر ) ، لأن هذه من خصوصيات الرب جل وعلا ، قال تعالى : (وَمَن يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلاّ اللّهُ) [ آل عمران:135]. ولا يزال الاخوان المسلمين ، وهم الذين يتسمون في اليمن بـ (حزب الإصلاح) يحتفلون بالمولد النبوي إلى يومنا هذا ، ويقومون بإحياء ليلة المولد في بعض البلدان بمشاركة إخوانهم الصوفية في آن واحد ، بل وفي بعض المناطق زعماؤهم من رؤوس الصوفية.
فأُمة هذا حالها ، غارقة بين الشرك والبدع والخرافات والأهواء إلا من رحم ربي ، كيف تستطيع أن تقف وتصمد في وجه أعدائها ؟
فإذا كانت لم تصمد مع نفسها وتخرج نفسها من ظلمات الشرك ، وأوحال البدع والخرافات ، فكيف تصمد أمام أعدائها الذين يكيدون لها ليلاً ونهاراً ، بينما هم غارقون في هذه المستنقعات المزرية ؟ قال تعالى: (إِنّ الّذِينَ يُحَآدّونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلََئِكَ فِي الأذَلّينَ)[المجادلة:20]، و قال تعالى: (وَمَن يُهِنِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِن مّكْرِمٍ)[الحج : 18].
4 - أن فيه فتحاً لباب الكذب والدجل والإفتراء على الأمة :
وذلك لأنهم يدّعون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحضر معهم في ليلة الاحتفال بمولده ، إما بجسده وإما بروحه ، ولذلك يقومون له محيين ومرحبين .(1/11)
ولاشك أن هذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ، والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع وأول مشفع)(1) ، بل ولا يتصل بأحد من الناس ، ولا يحضر عند أحد ، بل هو مقيم في قبره وروحه في أعلى عليين عند ربه جل وعلا ، وليس هناك أي دليل شرعي يثبت حضوره - صلى الله عليه وسلم - ، بل غاية ما دلت عليه النصوص إمكانية رؤيته في المنام ، ولكن أهل البدع والزيغ حملوا ذلك على الرؤية البصرية ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
ولو على فرض الجدل أنه يحضر - صلى الله عليه وسلم - مولدهم المحدث ، فإن ذلك يقتضي لوازم باطلة ومن أهمها وأعظمها :
(1) أن يخلو قبره من جسده ، فيكون من يزوره في ذلك الوقت إنما يزور مجرد القبر، وإن سلم فإنما يُسلم على غائب لا وجود له .
... ولا شك أن هذا من أبطل الباطل وأجهل الجهل .
(2) أنه يخرج من الحياة البرزخية ويحيا حياة حقيقية ، ثم يعود لحياته البرزخية ، وإذا كان الأمر كذلك ، فالمسألة أصبحت بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست بيد الله عزوجل ، ولا شك أن هذا أيضاً من أبطل الباطل وأقبحه ، بل ومسألة البرزخ أصبحت مسألة هزلية ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
(3) أن من رآه حقيقة فله حكم الصحابة رضوان الله عليهم .
... وهذا بلا شك ولا ريب أنه من أعظم المستحيلات ، بأن يصبح الصوفي الخرافي ، ومن يتمشى على نهجه وعقيدته، ما بين عشية وضحاها ، له حكم الصحابي ، وفي منزلته ، بل لو اجتمع أئمة الصوفية وساداتهم بأسرهم ، فإنهم لا يُقدرون بقيمة التراب الذي وطأت عليه قدم صحابي واحد من أصغر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .
(4) أن الكلام الذي يتكلم به أثناء حضوره لتلك الموالد المحدثة، فيه تشريع جديد لأمته .
__________
(1) 11) مسلم : (5940) .(1/12)
... ولا شك أن هذا فيه تكذيب صريح لقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً) [المائدة : 3].
(5) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرهم على بدعة المولد ، وغيرها من الضلالات والخرافات التي تحصل في تلك الليلة .
ولا شك أن هذا من أعظم القدح في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(6) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أصحاب الموالد المحدثة أكثر من حبه لأهل السنة وأنصارها ، ودليل ذلك أنه يحضر عندهم في تلك الليلة ، ولا يحضر عند أهل السنة لا من قريب ، ولا من بعيد ، ولا حتى يمر عليهم مرور الكرام !! .
ولا شك أن هذا أيضاً فيه من القدح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فيه .
ومما لا شك فيه ولا ريب أن جميع هذه الأمور آنفة الذكر لهي من أبطل الباطل وأجهل الجهل وأفرى الفرى وأقبحها وأسخفها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ، ولا يشك في ذلك إلا من طبع الله على قلبه ، ( كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبّارٍ) [غافر:35].
5) أن فيه فتحاً لأبواب الشر والمنكرات على مصراعيها .(1/13)
وذلك لِما يحصل في تلك الليلة غالباً من اختلاط الرجال بالنساء ، واستعمال الأغاني والمعازف ، وما يكون فيها من الرقص والتمايل والهزهزة ، وما يحصل فيها أيضاً من إنشاد القصائد التي تحمل في طياتها الشرك والخرافات بشتى أنواعها وصورها ، وما يحصل فيها أيضاً من السهر ، حتى أن غالبهم لا يصلون الفجر، بل وما يحصل عند بعضهم من تخزين القات وشرب الشيشة ، ناهيك عن تلك الأذكار التي على هيئة نباح الكلاب ، وهي ذكرهم (الله) بصيغة (هُو هُو) وتسمى عندهم ، بذكر (خاصة الخاصة) حتى أن إمامهم ابن عربي صنف كتاباً سماه : (كتاب الهُو) وغير ذلك من المنكرات القبيحة والمهازل السخيفة ، التي تقشعر منها الجلود ويندى لها الجبين ، وعلم الله كم من دينهم يذهب في تلك الليلة وكم يبقى منه في قلوبهم ونفوسهم ، حتى أصبحوا بتلك الخرافات والخزعبلات ، أضحوكة للعالم بأسره ، ومن كان هذا حاله لهو والله من أولئك : (الّذِينَ اتّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا) [ الأعراف:51]. نسأل الله العافية والسلامة .
قال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله :
( ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة ، إلا أنها لا تخلو من اشتمالها على منكرات أُخرى ، كاختلاط النساء بالرجال ، واستعمال الأغاني والمعازف ، وشرب المسكرات والمخدرات ، وغير ذلك من الشرور ، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك ، وهو (الشرك الأكبر) وذلك بالغلو في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو غيره من الأولياء ، ودعائه والاستغاثة به، وطلبه المدد ، واعتقاد أنه يعلم الغيب ونحو ذلك ، من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره ممن يسمونهم بالأولياء).(1)
6) أنه من أعظم الأسباب المفضية لموت السنن وإحياء البدع.
__________
(1) 12) الفتاوى : (1/181) .(1/14)
وذلك لأنهم في تلك الليلة التي يحتفلون فيها بالمولد النبوي ، يحيون فيها كثيراً من البدع والخرافات المضلة ، كتخصيص تلك الليلة بالاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - ، وكالرقص على طرقهم الخاصة بهم ، وكإنشادهم تلك القصائد التي تحمل بين جنبيها الشرك والبدع، وكقيامهم للحضرة النبوية (الشيطانية) ، وغير ذلك من الخرافات والمحدثات التي تحيا في تلك الليلة .
ومن المعلوم :
أن ما من بدعة تحيا إلا وتموت محلها سنة ، وما من سنة تندثر إلا وتحل محلها بدعة.
قال التابعي الجليل حسان بن عطية رحمه الله:
( ما ابتدع قوم بدعة في دينهم ، إلا نزع من سنتهم مثلها )(1).
قلت : فتباً لمن ادعى محبته - صلى الله عليه وسلم - بموت سنته ، وقبحاً لمن ادعى أن محبته - صلى الله عليه وسلم - لا تتحقق إلا بهذه الطريقة السخيفة .
قال شيخنا العلامة صالح الفوزان حفظه الله :
( إن احياء بدعة المولد : يفتح الباب للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن ، ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدعة ويكسلون عن السنن ويبغضونها ويعادون أهلها ، حتى صار دينهم كله ذكريات بدعية وموالد ، وانقسموا إلى فرق كل فرقة تحيي ذكرى موالد أئمتها ، كمولد البدوي ، وابن عربي ، والدسوقي، والشاذلي ، وهكذا لا يفرغون من مولد إلا ويشتغلون بآخر ، ونتج عن ذلك : الغلو بهؤلاء الموتى وبغيرهم ودعائهم من دون الله ، واعتقاد أنهم ينفعون ويضرون ، حتى انسلخوا من دين الإسلام ، وعادوا إلى دين أهل الجاهلية ، الذين قال الله عزوجل فيهم: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هََؤُلآءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ) [يونس: 18])(2) .
7) أن فيه فتحاً لباب الجرأة على الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والتهاون بأوامرهم ونواهيهم .
__________
(1) 13) الدارمي : (1/45) .
(2) 14) حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - : (142ـ 143) .(1/15)
وذلك لأن الذين يحتفلون بهذه الليلة ، ليس لهم أي دليل ولا مستند يثبت شرعية الاحتفال بها ، وإنما دليلهم ومستندهم : إتباعهم الأعمى لأئمتهم أئمة الضلال وساداتهم الضُلال بغير دليل ولا برهان .
ولا شك أن هذا هو عين ما كان عليه أسلافهم الأولون ، قال تعالى مبينناً ذلك الإتباع الأعمى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) [البقرة : 170]، هذا من جهة .
ومن جهة أُخرى إتباعهم لأهوائهم الضالة المضلة بلا حجة ولا محجة ، ولا شك أن هذا هو عين الضلال ، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلّ مِمّنْ اتّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ اللّهِ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ) [القصص:50].
وهذا من أعظم الأسباب التي جعلتهم يتجرؤون على ربهم سبحانه وتعالى القائل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً)[المائدة:3].
ومع ذلك فلم يقتنعوا بهذه الآية ، ولم يجعلوها نصب أعينهم كي تكون قاعدة لهم في أُمور دينهم ، بل طغوا وبغوا وتجرؤوا على ربهم سبحانه وتعالى فعاقبهم بأن أعمى قلوبهم ، فأصبحوا لايفرقون بين الشرك والتوحيد ، والسنة والبدعة ، والحق والباطل ، والنافع والضار ، كما قال تعالى: (مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [ الأعراف : 186] .
وأما جرأتهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأنه قال : ( وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )(1) ،
__________
(1) 15) أبو داود : (4607) الترمذي : (2676) ابن ماجة : (43) الأسماء والصفات للبيهقي : (137) بسند صحيح .(1/16)
ومع ذلك فلم ينزجروا ولم يتعظوا ، بل أخذتهم العزة بالإثم فحسنوا البدع ، وزينوها وروجوها ونشروها باسم الدين ، وحرفوا الكلم عن مواضعه وأولوه بما تشتهيه نفوسهم وما تهواه قلوبهم ، حتى ظنوا أنفسهم أنهم يحسنون صنعاً ، وهم والله يسيئون صنعاً ويفسدون ديناً ، قال تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الّذِينَ ضَلّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [الكهف :103 - 104]. وهذه من أعظم العقوبات التي يعاقب الله عزوجل بها كل من خالف أمره سبحانه وتعالى ، أو أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، قال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63] .
ألا وإن من أعظم الفتن التي يعاقب الله عزوجل بها من يتجرأ عليه سبحانه وتعالى ، أو على كتابه ، أو على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، أو على أوليائه ، هي تلك الفتنة التي تكون مبطنة ، ويكون محلها القلب ، فإذا أعمى الله عزوجل قلبه وختم عليه ، فإنه حينئذٍ يصاب بالإنتكاسة ، فيصبح يرى التوحيد شركاً ، والشرك توحيداً ، والسنة بدعة ، والبدعة سنة، والحق باطلاً ، والباطل حقاً .. وهكذا .
ومن وقع في شراك هذه الفتنة العظيمة ، فقد وقع في أعظم الضلال فمن يهديه من بعد الله ؟ قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ إِلََهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلّهُ اللّهُ عَلَىَ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىَ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىَ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللّهِ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ) [الجاثية : 23].(1/17)
ومن نظر لأهل البدع الذين يحتفلون بهذه الموالد المحدثة وغيرها ، لرأى بعين اليقين وعين البصيرة صدق هذا الكلام ، وإلا هل يعقل أن يصبح هذا الدين الذي سفكت لأجله الدماء ، وأزهقت لأجله الأرواح ، وضحي لأجله بكل غالٍ ونفيس ما بين عشية وضحاها عبارة عن رقص ، وهزهزة بالرؤوس ، ونباح كنباح الكلاب ، ومجمعاً للاختلاط بين الرجال والنساء والمردان ، ومرتعاً خصباً لشرب المسكرات والمخدرات وغير ذلك من المنكرات ؟
فأي دين هذا ؟ وأي ملة هذه ؟ وما هذه والله إلا المهزلة والسخرية بعينها.
والله إن بعض الأديان الكافرة الملحدة لا يرتضون هذه المنكرات أثناء أدائهم لشعائرهم الضالة الشركية ، ويرون أن ذلك يعد استهزاء بشعائرهم واستنقاصاً لها ، فكيف إذا كانت هذه المنكرات والخرافات في ديننا الحنيف الذي ارتضاه لنا ربنا من فوق سبع سماوات ؟ بل والأقبح من ذلك أن تعد هذه المنكرات والموبقات ، من أعظم القربات التي يُتقرب بها إلى الله عزوجل ومن أعظم العلامات والسمات التي تدل على صدق محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهل هذا إلا من عمى البصيرة وانتكاسة القلب ؟ !!.
وهذا والله مصداق لقوله - صلى الله عليه وسلم - ( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً ، فأي قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض ، والآخر أسوداً مرباداً ، كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب من هواه)(1).اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
8) أن الاحتفال بالمولد النبوي يقتضي لوازم باطلة كثيرة ، ومن أعظمها:(2)
(1) القدح في رب العالمين جل وعلا .
__________
(1) 16) مسلم : (369) .
(2) 17) انظر رسالتي (اللوازم القوية المقتضية لأصحاب الموالد البدعية ) يسر الله إتمامها.(1/18)
وذلك لأنه لم يشرع الاحتفال بيوم مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فإما أن يكون : لم يكمل الدين ، وإما أن يكون : لا يحب رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما يحبه أصحاب المولد!!!.
(2) القدح في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
وذلك لأنه لم يبين لأمته شرعية الاحتفال بيوم مولده ، فإما أن يكون : خان رسالة ربه عز وجل ، وإما أن يكون : لا يحب نفسه كما يحبه أصحاب المولد!!! .
(3) القدح في القرآن الكريم :
وذلك لأن القرآن الكريم لم يبين شرعية الاحتفال بيوم المولد ، فإما أن يكون: ناقصاً وإما أن يكون : فيه خلل!!!.
(4)
القدح في الصحابة رضوان الله عليهم:
وذلك لأنهم لم يحتفلوا بيوم المولد ، فإما أن يكونوا : خونة لم يبينوا للأمة شرعية الاحتفال بيوم المولد ، وإما أن يكون : حبهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتريه من النقص ما يعتريه وليس كاملاً كأصحاب المولد !!!.
(5) القدح في الشريعة الإسلامية :
وذلك لأن الشريعة الإسلامية ، لم تبين جواز شرعية الاحتفال بيوم مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإما أن تكون : ناقصة ، وإما أن يكون : فيها من الخلل ما فيها!!!.
(6) القدح في كل مسلم لم يحتفل بالمولد :
وذلك لأن المسلم الذي لا يحتفل بيوم مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإما أن يكون : لا يحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإما أن يكون : من (الوهابيين) الذين لا هم لهم سوى تكفير المسلمين وتبديعهم!!!.
ولا شك أن هذه اللوازم باطلة وخطيرة جداً جداً من جميع الوجوه ، وهي إن لم تكن بلسان مقالهم إلا أنها مقتضية لهم بلسان حالهم (فتنبه) .
*****
الخاتمة(1/19)
فهذا جهد المقل ، وهو عمل بشري يعتريه ما يعتري البشر، ويطرأ عليه ما يطرأ على البشر ، وليس منزلاً من عند الله عزوجل : (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) [النساء : 82] ، فما كان فيه من إصابة للحق ودحض للباطل فمن الله وحده ، فله الحمد من قبل ومن بعد ، وما كان فيه من خطأ أو نسيان أو زلل أو سبق قلم فمن نفسي ومن الشيطان ، وأعوذ بالله من نفسي ومن الشيطان وأستغفر الله من ذلك ، وأكون شاكراً ومقدراً وداعياً لكل من نبهني على أي خطأ أو زلل ، ويعتبرني أني متراجع عنه قبل أن يتفوه هو بذلك ، فالحق ضالة المؤمن أينما وجده أخذ به ، ولسنا من أولئك الذين ينبَّهون على أخطائهم فيصرون عليها ويُعرضون عنها ، كبراً وحسداً من عند أنفسهم ، فإن الذي لا يتواضع للحق يُبتلى بمحبة الباطل ، عقوبة له من الله ، قال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الّذِينَ يَتَكَبّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَإِن يَرَوْاْ كُلّ آيَةٍ لاّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرّشْدِ لاَ يَتّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيّ يَتّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف:146]
اللهم يا مقلب القلوب
ثبت قلوبنا على دينك
اللهم يا مصرف القلوب
صرف قلوبنا على طاعتك
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
*****
الفهرس
إطلالة ...................................................... 3
مقدمة ............................................................. 5
مفاسد الاحتفال بيوم مولد الرسول.............................. 8
أنه من البدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان.......... 8
أن فيه تشبهاً بأعداء الإسلام ..................................... 9
أنه من أعظم الوسائل المفضية للشرك بالله عز وجل............ 11(1/20)
وقفة مع قصيدة البُردة ..................................... 12 ــ 15
وقفة مع قصيدة البرعي ..................................... 16 ــ 17
وقفة مع صوفية حسن البنا.................................. 18 ــ 19
أن فيه فتحاً لباب الكذب والدجل والإفتراء على الأمة ......... 20
أن فيه فتحاً لأبواب الشر والمنكرات على مصراعيها .......... 23
أنه من أعظم الأسباب المفضية لموت السنن وإحياء البدع.... 24
أن فيه فتحاً لباب الجرأة على الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ...........26
أن الاحتفال بالمولد النبوي يقتضي لوازم باطلة كثيرة ..........30
الخاتمة ............................................................ 32(1/21)