والواقع أنهم مجانين، ومن علامة هؤلاء أنه إذا حصل في جنونهم نوع من الصحو تكلموا بما كان في قلوبهم من الإيمان، ويهتدون بذلك في حال زوال عقلهم بخلاف من كان قبل جنونه كافرا أو فاسقا، لم يكن حدوث جنونه مزيلا لما ثبت من كفره أو فسقه، وكذلك من جن من المؤمنين المتقين يكون محشورا مع المؤمنين المتقين، وما يحصل لبعضهم -لبعض الصوفية- عند سماع الأنغام المطربة من الهذيان والتكلم ببعض اللغات المخالفة للسان المعروف عنه، فذلك شيطان يتكلم على لسانه، كما يتكلم على لسان المصروع، أو هو دجال يكذب على الناس، وذلك كله من الأحوال الشيطانية، بعض الصوفية يظن أن زوال العقل سبب أو شرط يقرب إلى ولاية الله، بعض الصوفية يقول: زوال العقل سبب أو شرط يقرب إلى ولاية الله من يظن هذا الظن، فهو من أهل الضلال حتى قال قائلهم يعني: يخاطب المجانين يعني: المجانين:
هم معشر حلوا النظام وخرقوا الـ *** ـسياج فلا فرض لديهم ولا نفل
يعني: المجانين هم معشر حلوا النظام، وخرقوا السياج، فلا فرض لديهم ولا نفل، مجانين إلا أن سر جنونهم عزيز على أبوابه يسجد العقل، هذا كلام هذا الكلام كلام ضال، بل كافر يظن أن في الجنون سرا، يسجد العقل على أبوابه، يقول: يعني: العقل ما يصل إلا إلى باب المجانين، لما رآه من بعض المجانين من نوع المكاشفة، أو تصرف عجيب خارق للعادة، ويكون سبب ذلك ما اقترن به من الشياطين، كما يكون للسحرة والكهان، فيظن هذا الضال أن كل من خبل أو خرق العادة كان وليا لله.
حكم من اعتقد هذا فهو كافر، فقد قال الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) } فكل من تنزل عليه الشياطين لا بد أن يكون عنده كذب وفجور وزوال العقل بجنون أو غيره سواء سمي صاحبه مولها أو ولها، لا يوجب مزيد حال، بل حال صاحبه المجنون ما عنده زيادة، انقطع العمل، وقف العمل، بل حال صاحبه من الإيمان والتقوى يبقى على ما كان عليه من خير أو شر، لعله يزيده أو ينقصه، ولكن جنونه يحرمه من الزيادة من الخير، كما أنه يمنع عقوبته عن الشر، ولا يمحو عنه ما كان قبله، ولكن جنونه من المصائب التي تكفر بها الخطايا.
حكم الذين يتعبدون بالرياضات والخلوات، ويتركون الجمع والجماعات؟ في طائفة يسمون أنفسهم الخلوتية، وهو الذي يجلس في خلوة صغيرة في غرفة صغيرة، يتعبدون بها على قدر ما يسع الإنسان، ويجلس فيها مدة طويلة، ثم بعد ذلك يخرج هزيلا ضعيفا، وبعضهم يستدلون بعبادة النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء، ولا يتم لهم ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث قبل ذلك، كان يتعبد بغار حراء قبل البعثة.
حكم الذين يتعبدون بالرياضات والخلوات، ويتركون الجمع والجماعات؟ هؤلاء جماعة من الصوفية يسمون خلوتية، وهم هؤلاء ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، قد طبع الله على قلوبهم.
والدليل ما ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه) هناك طائفة من الصوفية يجوزون الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني ويستدلون بقصة الخضر مع موسى، بعضهم يقول: أنا أستغني عن الوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة؛ لأني يأتيني علم لدني من الله بذهاب يأتيني وحي ملهم يأتيني، وحي بإلهام يعرفني الله مباشرة، وما أحتاج إلى محمد، ولا أحتاج إلى شريعة محمد.
ما حكم هذا؟ حكم من يجوز يقول: أنا عندي دليل، الدليل الخضر ما تبع موسى الخضر يأتيه علم من الله، ولا يتبع موسى، وخالف موسى فدل على الذي يأتيه علم وتعريف، يعرفه الله لا يحتاج إلى محمد، كما أن الخضر ما احتاج إلى موسى، فالخضر خرج عن شريعة الله ولا عمل بشريعة موسى اكتفاء بالعلم اللدني، وهو يزعم أنه لا يحتاج إلى شريعة محمد، ويكتفي بالعلم اللدني، فما حكم من يجوز الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني، ويستدل بقصة موسى مع الخضر.
العلم اللدني هو الذي يحصل للعبد من غير واسطة، بل بإلهام من الله وتعريف منه لعبده، كما حصل للخضر -عليه الصلاة والسلام- بغير واسطة موسى.
حكم من جوز ذلك: ملحد زنديق، ملحد زنديق مفارق لدين الإسلام بالكلية، فضلا عن أن يكون من أولياء الله، يقول: هذا ولي هذا ليس من أولياء الله، بل هو ملحد زنديق مفارق لدين الإسلام بالكلية، فضلا عن أن يكون من أولياء الله، بل هو من أولياء الشيطان، فعليه أن يجدد إسلامه، ويتشهد شهادة الحق، وإن مات على ذلك، فهو من الملاحدة الزنادقة الذين في الدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله.(1/396)
شبهته: يقول: إنه يأخذ من اللوح المحفوظ، ولا يجب عليه اتباع الرسول، وأنه مع محمد صلى الله عليه وسلم كالخضر مع موسى، وهذا يكون مثل ابن عربي رئيس الاتحادية، والرد عليهم أن نقول: هناك فرق بين موسى والخضر وبين محمد وأمته بعد البعثة، الخضر أولا: الخضر ليس من أمة موسى، ولا هو من قومه، وموسى -عليه الصلاة والسلام- لم يكن مبعوثا إلى الخضر، ولم يكن الخضر مأمورا بمتابعته، فلا يجب على الخضر اتباع موسى.
ولهذا لما جاء يتعلم منه قال له: أنت موسى بني إسرائيل. قال: نعم. هذا في مكان، وهذا في مكان، موسى ما أرسل إلى الثقلين، وإنما هو مرسل إلى بني إسرائيل، والخضر ليس من بني إسرائيل لم يرسل إليه، ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين، ونحن من أمته ومأمورون باتباعه، فيجب علينا اتباعه، ولو كان موسى وعيسى حيين لكانا من أتباعه -عليه الصلاة والسلام-.
وقد أخذ الله على كل نبي العهد والميثاق؛ لئن بعث محمد وأنت حي لتتبعنه {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) }
ثانيا: فموسى وعيسى لو كانا حيين لكانا من أتباعه، وإذا نزل عيسى إلى الأرض في آخر الزمان، فيحكم فإنه يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ويكون فردا من أفراد الأمة المحمدية، وهو أفضل هذه الأمة، فأفضل هذه الأمة بعد نبيها عيسى؛ لأنه نبي وفرد من أفراد الأمة، ثم يليه أبو بكر الصديق.
هذه فائدة: أفضل هذه الأمة بعد نبيها عيسى -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه ينزل في آخر الزمان، ويحكم بشريعة محمد، ويكون فردا من أفراد الأمة المحمدية، فهو نبي ومن أمة محمد، ثم يليه أبو بكر الصديق، فهو أفضل الناس بعد الأنبياء.
ثانيا: الخضر نبي يوحى إليه على الصحيح، كما قال الله -تعالى- عنه أنه قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} لما فعل الأمور الثلاثة قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} يعني: على أمر الله، وعنده من العلم ما ليس عند موسى، ولهذا لما نقر عصفور في البحر قال له الخضر: يا موسى قال الخضر لموسى: إني على علم من علم الله علمنيه ما تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، وما ينقص علمي وعلمك في علم الله إلا كما ينقص ماء هذا العصفور بهذه النقرة من البحر.
الخضر نبي يوحى إليه، على الصحيح، الخضر نبي يوحى إليه، فإذا الرد عليهم: أولا: هناك فرق بين موسى والخضر، ثانيا: الخضر نبي يوحى إليه على الصحيح، كما قال تعالى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} وعنده من العلم ما ليس عند موسى، أما نحن فلا يوحى إلينا، وليس عندنا من العلم ما ليس عند محمد صلى الله عليه وسلم.
آخر فقرة في هذا المبحث هناك بعض الصوفية بعض الملاحدة يقول: إن الكعبة تتطوف برجال من أرباب الكشوف المستغنين بالعلم اللدني يقول: الخواص ما يحتاج إلى أن يذهب إلى مكة يطوف، هي الكعبة تأتي إليه، ويطوف بها، تأتي إليه في مكانه، ويطوف بها.
حكم من يقول: إن الكعبة تطوف برجال من أرباب الكشوف المستغنين بالعلم اللدني، حكمه: ملحد زنديق كافر، وله شبه بالذين وصفهم الله -تعالى- بقوله: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) } والرد عليهم أن نقول ... ومن الرد عليهم أن نقول: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله سيد الخلق وأفضلهم أحصر عن البيت يوم الحديبية، ولم تخرج الكعبة، وتطوف به مع فضله وشرفه وكماله، ولم ير الكعبة منذ ست سنين، فهلا خرجت الكعبة إلى الحديبية، فطافت برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أحصر عنها، وهو يود منها نظرة، ولم يرها منذ ست سنوات، فمن قال: إن الكعبة تطوف برجال من أرباب الكشوف فهو ملحد ملحد زنديق خارج من الملة، نسأل الله السلامة والعافية، وفق الله الجميع إلى طاعته، وصلى الله على محمد وآله وسلم نعم.(1/397)
ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيعا وعذابا
___________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الطحاوي -رحمه الله تعالى- ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيعا وعذابا. يعني: نعتقد أن الجماعة حق، وأنه يجب على الأمة أن تجتمع على الحق وعلى إمام واحد، وأن يتبعوا ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يعتصموا بحبل الله، كما قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} وقد ذم الله تعالى الاختلاف والتفرق، فالحق هذه الأمة الإسلامية أن تجمتع، وهذا هو الصواب، فالأمة الإسلامية عليها أن تجتمع على الحق وعلى كتاب الله وعلى سنة رسوله، وأن تعتصم بحبل الله ودينه، وليس لها أن تتفرق، فالفرقة زيع وانحراف، فالزيع هو الانحراف عن الصراط المستقيم، قد ذم الله المتفرقين والمختلفين {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) } .
والأدلة كثيرة حثت على الاجتماع والنهي عن التفرق والاختلاف عليكم بالجماعة والعامة والمسجد، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
والاختلاف والافتراق في الأمة الإسلامية ينقسم إلى قسمين: اختلاف محمود مرحوم أهله، وهو أن يقر المختلفون بعضهم بعضا في المسائل النظرية الاجتهادية، ولا يبغي بعضهم على بعض.
ومثاله: التنازع الذي حصل للصحابة في خلافة عمر وعثمان في بعض مسائل الاجتهاد في بعض مسائل الاجتهاد، فيقر بعضهم بعضا، ولا يعتد ولا يعتد عليه.
أما الاختلاف المذموم، فهو ألا يقر المختلفون بعضهم بعضا، بل يبغي بعضهم على بعض، إما بالقول مثل تكفيره وتفسيقه، وإما بالفعل مثل حبسه وضربه، مثل حبسه أو ضربه أو قتله، ومثال ذلك الذين امتحنوا الناس في خلق القرآن، فإنهم ابتدعوا بدعة وكفروا من خالفهم فيها، واستحلوا منع حقه وعقوبته.
والناس تجاه من خفي عليهم مما بعث الله به رسوله قسمان: عادلون وظالمون، فالعادلون يعملون بما وصلوا إليه من آثار الأنبياء، ولا يظلمون غيرهم لا بكفره ولا بتكفيره ولا بتفسيقه ولا بحبسه ولا بضربه ولا بقتله، بل يقر بعضهم بعضا في المسائل النظرية الاجتهادية، وكالمقلدين لأئمة العلم، وهم عاجزون عن معرفة الحكم، فجلعوا أئمتهم نوابا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فالعادل منهم لا يظلم الآخر، ولا يعتدي عليه لا بقول ولا بفعل كأن يدعي أنه قول مقلده، هو الصحيح بلا حجة يبديها، ويذم من خالفها، مع أنه معذور، والظالمون الذين يعتدون على غيرهم في قول أو فعل وأكثرهم يظلمون مع علمهم بذلك.
وهؤلاء ذمهم الله في كتابه، فقال: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}
أنواع الافتراق والاختلاف: في الأصل أنواع الافتراق والاختلاف، في الأصل ينقسم إلى قسمين: القسم الأول اختلاف تنوع، والقسم الثاني: اختلاف تضاد، فاختلاف التنوع ضابطه هو ألا يوجد في الاختلاف تناف أو تناقض بين الأقوال أو القولين أو بين الأفعال والفعلين، هذا يسمى اختلاف تنوع، والثاني اختلاف تضاد، وهو أن يوجد في الاختلاف تناف أو تناقض بين الأقوال أو القولين أو بين الأفعال أو الفعلين.
النوع الأول اختلاف تنوع، وهو الذي لا يحصل لا يوجد اختلاف ولا تناف ولا تناقض بين الأقوال أو القولين أو بين الأفعال أو الفعلين.
له أمثلة: من أمثلته ... أو له أنواع: الأول ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا مشروعا، مثاله: القراءات التي اختلف فيها الصحابة حتى زجرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: كلاكما محسن.
ثانيا: اختلاف الأنواع في صفة الأذان والإقامة والاستفتاح ومحل سجود السهو والتشهد وصلاة الخوف وتكبيرات العيد ونحو ذلك مما قد شرع جميعه، وإن كان بعض أنواعه أرجح وأفضل.(1/398)
الثاني: ما يكون كل من القولين هو في معنى القول الآخر، لكن العبارتان مختلفتان، مثال ذلك: الاختلاف في مرجع الضمير في قول الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} إلى قوله: {لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} ففيه أراء ثلاثة: مرجع الضمير، قيل: الضمير راجع إلى الله، وقيل: راجع إلى الكتاب، وقيل: راجع إلى الرسول، والمعنى واحد، أي: ليحكم الله أو الرسول بما جاء عن الله، أو ليحكم الكتاب المنزل من عند الله.
ثانيا: اختلاف كثير من الناس في ألفاظ الحدود وصوغ الأدلة، والتعبير عن المسميات. هذا أيضا مثال.
النوع الثالث من اختلاف التنوع: الاختلاف في الفروع الاجتهادية والظنية مثاله اختلاف سليمان ودواد -عليهما الصلاة والسلام- في الحكم في الحرث الذي رعته غنم، كما قال الله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ثم أثنى عليهما، وقال: {وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}
ثانيا: الاختلاف في قطع الأشجار لبني النضير لما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير -وهم طائفة من اليهود- اختلف الصحابة في قطع الأشجار، فبعضهم قطع بعض النخيل، وبعضهم أبقاه، قال: نبقيها، فقطع قوم إغاظة للعدو حتى نغيظهم، وترك آخرون؛ لأنه مال سيعود إلى المسلمين، فالله تعالى أقر هؤلاء، وهؤلاء فأنزل: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} لينة يعني: النخلة {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قائمةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}
ومثال آخر: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة لمن صلى العصر في وقتها، ولمن أخرها حتى وصل إلى بني قريظة إلى بني قريظة، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة) فأدركتهم الصلاة في الطريق، فاختلفوا، فقال بعضهم: نصلي، الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا الحث، وقد حضر الوقت، فصلى قوم، وقال آخرون: لا نصلي حتى نصل إلى بني قريظة، فلا نصل إلا بعد الغروب، ولم يصلوا العصر إلا بعد الغروب، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء وهؤلاء.
ومثال آخر: حديث: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) أما اختلاف التضاد، وهو أن يوجد تناف وتناقض بين الأقوال أو القولين أو بين الأفعال أو الفعلين.
فهذا نوعان: ينقسم إلى قسمين: قسم في الأصول والقطعيات، وقسم في الفروع والظنيات في الأصول كالتوحيد، وهو نوعان: أحدهما لا يعذر فيه الإنسان، وهو ما علمه الشخص، كما في قول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ}
الاختلاف يؤدي إلى الإيمان والكفر، وقوله سبحانه: {* هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) } ثم ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
والثاني: مثال آخر مما يعذر فيه الإنسان: وهو ما لم يعلم الشخص حكمه، أو يشتبه عليه الأمر، وإن كان قطعيا كتحريم الخمر -مثلا- فهذا يلحق باختلاف التنوع.
ومثاله: الرجل الذي استحل الخمر في زمن عمر، فناقشه عمر حتى أقنعه، وهذا القسم لا يكون مذموما بالعصبية والهوى، أما النوع الثاني، وهو في الفروع كالمسائل الفقهية عند الجمهور، الذين يقولون: المصيب واحد، والخطب في هذا أشد؛ لأن القولين يتنافيان، الفرق بين اختلاف التنوع بأقسامه واختلاف التضاد بقسميه، الفرق بينهما أن اختلاف التنوع هو ما حمد فيه كل واحدة من الطائفتين، إذا لم يحصل بغي من إحداهما والذم فيه واقع على من بغى على الآخر.
وقد دل القرآن على حمد كل واحدة من الطائفتين إذا لم يحصل منهما أو أحدهما بغي على الأخرى كما في الأمثلة السابقة: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قائمةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا} .
إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بمن صلى العصر في وقتها أو في بني قريظة.
حديث: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) .
وأما اختلاف التضاد فهو ما حمد فيه إحدى الطائفتين وذمت الأخرى، كما في الأمثلة السابقة {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا} {* هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ}
متى يكون كل من أنواع اختلاف التنوع مذموما؟ ومتى يكون محمودا؟ .(1/399)
يكون مذموما إذا حصل فيه بغي على الآخر ظلما بسبب العصبية والهوى، أو بسبب الجهل، إما بالقول مثل التفكير والتفسيق أو بالفعل مثل حبسه وضربه وقتله، ويكون محمودا إذا لم يحصل بغي.
فالخلاصة: أنه يذم إذا حمل الهوى والعصبية والظلم على التشاحن والقتال، فاختلاف التنوع الذم فيه واقع على من بغى على الآخر ظلما بسبب العصبية أو الجهل بالقول أو الفعل أي القسمين، الاختلاف فيه يئول إلى البدع بين الأمة، وإلى سفك الدماء واستباحة الأموال والعدواة والبغضاء، وما ... سبب ذلك القسم الأول، وهو اختلاف التنوع، وهو الذي آل بالأمة إلى سفك الدماء وإلى الاختلاف.
وسبب ذلك البغي والهوى والعصبية والظلم، وذلك أن إحدى الطائفتين لا تعترف بالأخرى فيما معها من الحق، ولا تنصفها، بل تزيد ما معها من الحق على ما معها من الحق زيادات من الباطل، والأخرى كذلك قال تعالى ... الدليل: قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} .
والبغي مجاوزة الحد، ومن السنة حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (ذروني ما تركتم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء، فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فأمرهم بالإمساك عما لم يؤمرا، معللا بأن سبب هلاك الأولين إنما كان بكثرة السؤال، ثم الاختلاف على الرسل بالمعصية.
أنواع الاختلاف في الكتاب العزيز من الذين يقرءونه من الذين يقرون به مع التمثيل، ومن أي أنواع الاختلاف اختلاف أهل البدع واختلاف الأئمة الاختلاف في الكتاب العزيز على نوعين:
اختلاف في تنزيله واختلاف في تأويله، وكلاهما فيه إيمان ببعض دون بعض، الاختلاف في تنزيله، مثاله: اختلافهم في تكلم الله بالقرآن وتنزيله، فطائفة قالت: هذا الكلام حصل بقدرة الله ومشيئته، لكنه مخلوق في غيره، لم يقم به وهم الجهمية والمعتزلة، وطائفة قالت: بل هو صفة له قائمة بذاته، ليس بمخلوق، لكنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، وهم الكلابية، وكل من الطائفتين جمعت في كلامها بين حق وباطل.
والمذهب الثالث: مذهب أهل السنة مأخوذ من الحق الذي مع كل من الطائفتين، وهو أن كلام الله صفة قائمة بذاته ليس بمخلوق، وهو حاصل بقدرته ومشيئته.
ثانيا: الاختلاف في تأويله يكون في الأصول، ويكون في المسائل الفقهية، ويكون في القدر، يكون في المسائل الفقهية، كالاختلاف في قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) } هل المراد بها تطهير النفس أو زكاة المال؟ .
وكذلك والاختلاف في القدر، مثاله: اختلاف في نصوص القدر، كحديث عامر بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم وهم يختصمون في القدر هذا ينزع بآية وهذا ينزع بآية فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان من شدة الغضب فقال: (أبهذا أمرتهم أم بهذا بعثتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض)
أما الاختلاف بين الأئمة في المعنى كاختلافهم في الأقراء، هل هي الحيض أو الأطهار، فليس ضربا لكتاب الله، وأما اختلاف أهل البدع فهو اختلاف في تأويله موقف أهل البدع مما يوافق رأيهم من الآيات، ومما يخالفه، وما الذي يحكم به عليهم مع الاستدلال، وهل يشارك أهل البدع في ذلك من عمل بما فهم من القرآن، وتوقف فيما اشتبه عليه مع التوجيه والاستدلال، أهل البدع يقرون بما يوافق رأيهم من الآيات، وما يخالفه فلهم فيه طريقان:
أحدهما أن يتأوله تأويلا يحرفون به الكلم عن مواضعه، الثاني: أن يقولوا هذا متشابه لا يفهمه أحد، ويجحد ما أنزل الله الحكم عليهم تأويلهم للمعنى، أو جحدهم له بناء على أنه متشابه، هو في معنى الكفر به، أي: المعنى أي في معنى الكفر به، أي: المعنى، إذ الإيمان باللفظ بدون معنى هو من جنس إيمان أهل الكتاب.
الاستدلال: قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} يعني: في عدم الفهم والعمل، أو بعدم العمل فقط، وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} أي إلا تلاوة من غير فهم معناه، ولا يشارك أهل البدع في هذا المؤمن الذي عمل بما فهم من القرآن، ووكل علم ما اشتبه عليه إلى الله؛ لأنه ما نفى أن يفهمه العالم، ولأنه امتثل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فما عرفتم به فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه) نعم.(1/400)
ودين الله في الأرض والسماء واحد، وهو دين الإسلام، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} وقال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وهو بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل وبين الجبر والقدر وبين الأمن والإياس
___________________________________________
نعم هذا في بيان بين المؤلف -رحمه الله- توسط دين الإسلام، وأن دين الإسلام وسط بين الأديان، وبين الملل الأخرى، ودين الإسلام وسط بين اليهودية وبين النصرانية حق، وهو عام لكل زمان، فالدليل على عموم دين الإسلام لكل زمان قول الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} وقوله: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وقوله عز وجل {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} .
ومن السنة ما في الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد) فدين الإسلام واحد، ودين الأنبياء واحد، دين الإسلام هو دين آدم، هو دين نوح، وهو دين هود، وهو دين صالح، ودين شعيب، ودين إبراهيم ولوط وموسى وعيسى ومحمد وجميع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
والمراد بدين الله الذي هو عام في كل زمان ومكان، معناه العام الشامل لجميع أديان الأنبياء، وذلك راجع لأصول العبادات، فدين الإسلام هو دين الأنبياء جميعا؛ لأن أصوله واحدة، وهو توحيد الله في أفعاله وفي أفعال العباد، والإيمان به -سبحانه- بإسمائه وصفاته ونفي الشرك والبعد عنه، فالأنبياء كلهم اتفقوا في أصول العبادات في توحيد الله في ألوهيته وربوببيته وأسمائه وصفاته والإيمان بالأنبياء وتعظيم الأنبياء وتعظيم الأوامر والنواهي، هذا هو دين الإسلام.
أما بمعناه العام أما دين الإسلام بمعناه الخاص، فهو خاص بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الشريعة إذا اختلفت الفروع، فالأنبياء دينهم واحد، كما قال: إنا معاشر الأنبياء ... كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنا معاشر الأنبياء إخوة لعلات ديننا واحد)
فدين الأنبياء واحد، بمعنى أن الأنبياء كلهم جاءوا بالتوحيد، كلهم جاءوا أمروا بالتوحيد، بتوحيد الله في أسمائه وصفاته وربوبيته، كل الأنبياء جاءوا بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، كل الأنبياء نهوا عن الشرك، كل الأنبياء أمروا بطاعة الله ورسوله، بل بطاعة الله كل الأنبياء أمروا بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، كل الأنبياء أمروا بطاعة الأنبياء والرسل.
أما الشرائع فإنها تختلف، كل شريعة تختلف عن الأخرى في الحلال والحرام.
مثلا: في شريعة آدم تختلف الشرائع في شريعة آدم يجوز للإنسان أن يتزوج أخته التي جاءت في بطن غير البطن الذي جاء فيه أخته التي تحرم عليه؛ لأن حواء كانت تأتيه بذكر وأنثى، فأخته التي جاءت معه في بطن واحدة هذه حرام عليه، لكن أخته التي في بطن سابق أو لاحق حلال له، حتى تكاثر الناس، ثم بعد ذلك حرم زواج الأخت، في شريعة يعقوب يجوز الجمع بين الأختين في شريعتنا لا يجوز.
إذن الشرائع تختلف {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً} قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} لكن أصول الأصول واحدة أصول الدين واحدة، كل الأنبياء جاءوا بالتوحيد، أمروا بالتوحيد، كل الأنبياء نهوا عن الشرك كل الأنبياء جاءوا بتعظيم الأوامر وترك النواهي، فدين الإسلام في زمن نوح توحيد الله والبعد عن الشرك والعمل بما جاء به آدم من الشريعة، دين الإسلام في زمن نوح توحيد الله والنهي عن الشرك وتعظيم الأوامر والعمل بشريعة نوح دين الله في زمن هود توحيد الله وطاعة الأنبياء وتعظيم الأوامر والنهي عن الشرك والعمل بشريعة هود، وهكذا كل حتى ختموا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فصار دين الإسلام بمعناه العام توحيد الله والنهي عن الشرك وتعظيم الأوامر، وبمعناه الخاص ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الشريعة، فمعنى تنوع الشرائع معناه أن تفاصيل الدين من التكاليف ومن الأوامر والنواهي تختلف من شريعة لأخرى كالاختلاف في بعض الواجبات أو المحرمات، ودليل ذلك قول الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} .
أصل هذا الدين وسنده وفروعه: الدين هو ما شرعه الله تعالى لعباده على ألسنة الرسل، وأصل هذا الدين وفروعه روايته عن الرسل بالوحي ولا يكون بالعقل ظهور دين الإسلام وسهولة تعلمه وإمكان الدخول فيه بأقصر زمان ودليل ذلك من الكتاب والسنة الإسلام ظاهر غاية الظهور، يمكن لكل مميز من صغير وكبير وفصيح وأعجمي وذكي وبليد أن يدخل فيه بأقصر زمان.
الأدلة قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) } وقال سبحانه: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} .(1/401)
ومن السنة قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إن هذا الدين يسر) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (بعثت بالحنفية السمحة) وقال -عليه الصلاة والسلام-: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها) وكان الوفد الوافد إلى رسول صلى الله عليه وسلم يتعلم الدين، ثم يولي في وقته، فالدين يتعلمه الإنسان في أقصر وقت يتشهد شهادة الحق ويشهد لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة فيدخل في الإسلام ويلتزم، ويدخل الإنسان في هذا الدين في أقصر وقت في لحظة كما أنه يخرج من الدين بأقصر زمان ولذلك أمثلة كثيرة منها:
إنكار كلمة من القرآن ككلمة التوحيد يخرج من الإسلام، أو تكذيب لله، أو لرسوله، أو لما جاء به الله ورسوله يخرج عن الإسلام، أو معارضة لله، أو لرسوله، أو لما جاء به الله، أو رسوله، أو ارتياب في قول الله، أو قول رسوله، أو كذب على رسوله، أو رد لما أنزل الله، أو لما جاء به رسوله، أو شك فيما نفى الله عنه الشك فيخرج من الإسلام في أقصر زمان.. يدخل فيه في أقصر زمان ويخرج منه في أقصر زمان.
والحكمة في اختلاف تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للناس في بعض الألفاظ مراعاة الأحوال، مراعاة حال من يتعلم، فإن كان الشخص الذي يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعيد الوطن كضمام بن ثعلبة النجدي ووفد عبد القيس علمهم ما لا يسعهم جهله، ويرسل إليهم من يفقهم فيما يحتاجون إليه مع علمه بأن دينه سينتشر في الآفاق.
ومن كان قريب الوطن يمكنه الإتيان كل وقت بحيث يتعلم على التدريج، أو كان قد علم منه أنه عرف ما لا بد منه أجابه بحسب حاله وحاجته على ما تدل قرينة حال السائل كقوله: (قل آمنت بالله ثم استقم) .
ويخاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم بحسب حالهم من كان عاقا لوالديه أوصاه ببر الوالدين؛ لأنه يحتاج إليه من كان يكذب في الحديث أجابه بصدق الحديث، الدين الذي شرع ولم يأذن الله به لا يجوز أن تكون أصوله مستلزمة له منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من المرسلين؛ لأنه باطل وملزوم الباطل باطل كما أن لازم الحق حق، ودين الإسلام وسط بين الغلو والتقصير.(1/402)
وهو بين الغلو والتقصير
___________________________________________
نعم وبيان كون دين الإسلام وسطا بين الغلو والتقصير مثال ذلك غلو النصارى في عيسى، النصارى غلوا في عيسى حتى جعلوه إلها، وقالوا: ابن الله هذا غلو قابلهم اليهود جَفَوْا وقصروا حتى قالوا: إن عيسى ابن زنا والعياذ بالله.
دين الإسلام وسط بين هؤلاء وهؤلاء، لا يقولون بقول اليهود ولا بقول النصارى بل يقولون: هو عبد الله ورسوله، نعم.
ومثال ذلك أيضا: شخص يغلو في العبادة ويرهق نفسه في فعل النوافل، وآخر يفرط في العبادة، ويضيعها فلا يصوم لله ولا يصلي. دين الإسلام وسط وهو الإتيان بالعبادة كما أمر الله من غير إرهاق ولا تفريط.
والأدلة على تحريم الغلو من الكتاب قول الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) } .
ومن السنة حديث الرهط الذين سألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السر فتقالُّوها فقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم، وقال: (لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) . نعم.(1/403)
وبين التشبيه والتعطيل
___________________________________________
دين الإسلام وسط بين التشبيه والتعطيل، توضيح ذلك مثلا المشبه ويتزعمهم داود الجواربي وجماعته وهشام بن الحكم الكندي وهشام بن سالم الجواليقي غلوا في التشبيه فقالوا: سمع الله كسمعنا وبصره كبصرنا، حتى قال داود: إن الله بكى واشتكت عيناه فعادته الملائكة -والعياذ بالله-.
وقابلهم المعطلة من المعتزلة والجهمية بالغوا في التنزيه فعطلوا الله من صفاته وأسمائه، فنفت المعتزلة الصفات، ونفت الجهمية الأسماء والصفات، والحق الوسط مذهب أهل السنة وهو: أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تشبيه كما تقول المشبهة ومن غير تعطيل كما تقول المعطلة، إثبات من غير غلو وتنزيه من غير غلو، إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل، ومما يرد به على الطائفتين قول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد على المشبهة، وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } رد على المعطلة. نعم.(1/404)
وبين الجبر والقدر
___________________________________________
دين الإسلام وسط بين الجبر والقدر بيان ذلك أن الجبرية يقولون: إن العبد مجبور على أفعاله وأقواله وهي بمنزلة حركات مرتعشة وحركات الأشجار بالرياح وهذا قول الجهم وأتباعه والقدرية قالوا: إن أفعال العبد مخلوقة له وإن الله لم يقدرها ولم يردها. والحق الوسط مذهب أهل السنة: أن الأفعال هي فعل العبد وكسبه وهي خلق الله تعالى فما نسب إلى الله فهو من خلقه وإيجاده، فالذي ينسب إلى الله الخلق والإيجاد، والذي ينسب إلى العبد الكسب والاختيار والمباشرة. نعم.(1/405)
وبين الأمن والإياس
___________________________________________
بيان كون الإسلام وسطا بين الأمن والإياس، توضيح ذلك الأمن من مكر الله هو عدم الخوف من الله ومن عقوبته فيسترسل في المعاصي ويأمن مغبتها وإثمها وشرها، واليأس من روح الله هو القنوط من رحمة الله، وإساءة الظن بالله، وهو لا يرجو ثواب الله ومغفرته ورحمته بل هو يائس قانط متشائم مسيء الظن بالله عز وجل.
ودين الإسلام يحكم بكفر من يئس من روح الله، قال تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) } والآمن من مكر الله خاسر خسران كفر، قال الله تعالى: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) } .
والحق الوسط وهو دين الإسلام بين الأمن واليأس وهو أن يكون العبد خائفا من عذاب الله راجيا رحمته، وأن الخوف والرجاء بمنزلة الجناحين للطائر، وأن الخوف والرجاء للعبد بمنزلة الجناحين للطائر في سيره لله -تعالى- والدار الآخرة.
إذن دين الإسلام وسط بين الأمن واليأس، فالأمن ليس من دين الإسلام، واليأس ليس من دين الإسلام. نعم.(1/406)
فهذا ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا
___________________________________________
نعم، هذا يعني ما سبق هو ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا، ما قرر معتقد أهل السنة والجماعة وما دلت عليه النصوص يقول نعتقده ظاهرا وباطنا ما يكون لنا باطن ولنا ظاهر كما يفعل الباطنية، الباطنية لهم ظاهر ولهم باطن، فيفسرون النصوص بشيء يخالف ظاهرها.
فمثلا الباطنية يقولون: الصلوات الخمس الصلاة لها باطن ولها ظاهر فظاهرها الصلوات الخمس التي يصليها الناس، وباطنها تعداد أسماء خمسة من الحسن والحسين وعلي وفاطمة، والصيام يقول ظاهره له ظاهر وهو ما يصومه الناس العامة، ولكن الخاصة معناه كتمان سر المشايخ هذا الصيام، والحج له باطن وظاهر، ظاهره حج الناس إلى بيت الله الحرام وباطنه الحج إلى قبور المشايخ.
هذا أهل الباطنية لهم باطن ولهم ظاهر، هذا اعتقادنا باطن وظاهر ما عندنا باطن يخالف الظاهر فالظاهر يوافق الباطن، والباطن يوافق الظاهر هذا ديننا واعتقادنا، ليس لنا باطن يخالف الظاهر كما تفعله الباطنية، أي نعم.(1/407)
ونحن برآء إلى الله من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه
___________________________________________
يقول: ما خالف كل ما قررناه في هذه العقيدة الطحاوية من خالفه نبرأ إلى الله منه فنحن برآء منه لا نعتقده ولا نعمل به. نعم.
الدعاء بالثبات على الإيمان(1/408)
ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به
___________________________________________
آمين، دعاء عظيم ونسأل الله نعم.
ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به، ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة.
نعم. يقول: نسأل الله أن يعصمنا من الفتن والضلال، ونسأل الله أن يثبتنا على دينه وأن يجنبنا الأهواء والبدع والأهواء المردية المضلة نعم.(1/409)
ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة والمذاهب الردية مثل المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية وغيرهم
___________________________________________
نعم. هذه خمس طوائف، ونسأل الله أن يعصمنا من طريقتهم، وهم المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية، فالمشبهة هم الذين شبّهوا الله تعالى بالخلق في صفاته، ورءوس المشبهة هم داود الجواربي وهشام بن الحكم الكندي وهشام بن سالم الجواليقي كان وقتهم في منتصف المائة الثالثة.
وتشبيه المشبهة عكس تشبيه النصارى، تشبيه المشبهة عكس تشبيه النصارى، فإن النصارى شبهوا المخلوق وهو عيسى -عليه الصلاة والسلام- بالخالق وجعلوه إلها، والمشبهة شبهوا الخالق بالمخلوق فانتقصوا الخالق وجعلوه مثل المخلوق، يقول أحدهم: لله يد كيدي وسمع كسمعي، وبصر كبصري، واستواء كاستوائي.
أما المعتزلة فرءوسهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء الغزال وأصحابهما سُمُّوا المعتزلة؛ لأنهم اعتزلوا الجماعة من بعد موت الحسن البصري، أو لاعتزال شيخهم واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري فكانوا يجلسون معتزلين وقتهم، كان ذلك في أوائل المائة الثانية.
والذي وضع أصول الاعتزال وأسسه وهو واصل بن عطاء، وتابعه عمرو بن عبيد تلميذ الحسن البصري، فالمؤسس للمذهب واصل بن عطاء والذي شرحه ووضحه هو أبو هزيل العلاف شيخ المعتزلة فهو مجدد المذهب والمُفَرِّع له حيث صنَّف لهم كتابين، وبيَّن مذهبهم وبناه على الأصول الخمسة، وكان ذلك في زمن هارون الرشيد.
أصول المعتزلة والمعاني التي ستروها تحت كل أصل والرد عليها.
أصول المعتزلة التي بنوا مذهبهم عليها، التي بنى مذهبهم عليها أبو هزيل العلاف خمسة وهي: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه أصول الدين.
أصول الدين عند أهل الحق ما هي؟ أصول الدين عندنا الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، عند المعتزلة بدلوا أصول الدين عندنا قالوا: لا، عندنا أصولنا: التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل أصل ستروا تحته معنًى باطنا العدل ستروا تحته نفي القدر، وقالوا: إن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به إذ لو خلقهم، ثم يعذبهم عليه يكون ذلك جورا والله عادل لا يجور.
الرد عليهم نقول: يلزمكم على هذا الأصل الفاسد أن الله يكون في ملكه ما لا يريد، ويريد الشيء ولا يكون، ولازمه وصف الله بالعجز تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
الأصل الثاني: التوحيد ستروا تحته نفي الصفات والقول بخلق القرآن هذا معنى التوحيد، التوحيد معناه ينفون الصفات والقول بخلق القرآن، إذ لو كان غير مخلوق للزم تعدد القدماء.
الرد عليهم نقول: يلزمكم على هذا القول الفاسد أحد أمرين: الأول نفي بقية الصفات عن الله كالعلم والقدرة وسائر صفاته، والقول بأنها مخلوقة فتلزمهم الشناعة والزور حيث نفوا ما أثبته الله لنفسه في القرآن والثاني: التناقض، ونفي صفة الكلام وجعلها مخلوقة وإثبات بقية الصفات.
الأصل الثالث: إنفاذ الوعيد ستروا تحتها القول بخلود أهل الكبائر في النار.
الأصل الرابع: المنزلة بين المنزلتين ستروا تحتها القول بأن مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر، فكان في منزلة بين الإيمان والكفر.
الرد عليهم في الأصلين الآخرين بحديث الشفاعة: (أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) فهذا الحديث يدل على أمرين:
الأول: أن معهم إيمان ففيه رد على الأصل الأخير، وهو قولهم بخروجهم من الإيمان بالمعصية.
الثاني: أنهم أخرجوا من النار، ففيه رد على الأصل الثالث وهو قولهم بخلود العصاة في النار، كما يُرَدُّ عليهم بقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وأما الأمر بالمعروف وهو الأصل الخامس ستروا تحته القول بأنه يجب عليهم أن يأمروا غيرهم ويلزموه بما وصلوا إليه باجتهادهم في الأمور النظرية الاجتهادية.
الرد عليهم بحديث: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة) فاختلف الصحابة في اجتهادهم في فهم مراد الرسول صلى الله عليه وسلم فصلى بعضهم العصر في الطريق قبل الوصول، وقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد الحث على الإسراع، وقد فعلنا وصلى بعضهم بعد الوصول وخروج الوقت فلم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم أحد الفريقين؛ لأنها أمور نظرية يشتبه أمرها.
وأما النهي عن المنكر فستروا تحته جواز الخروج على الأئمة بالقتال إذا جاروا وظلموا. الرد عليهم بحديث عوف بن مالك الأشجعي (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم. قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة) أخرجه مسلم.(1/410)
المعتزلة مشبهة في الأفعال، معطلة في الصفات فهم قاسوا أفعال الله على أفعال العباد، وجعلوا ما يحسن من العباد يحسن منه وما يقبح من العباد يقبح منه، وقالوا: يجب على الله أن يفعل كذا، ولا يجوز له أن يفعل كذا بمقتضى ذلك القياس الفاسد، فالعباد خالقون لأفعالهم إذ يقبح منه أن يخلقها، ثم يعذبهم عليها.
الرد عليهم نقول: إن السيد من بني آدم لو رأى عبيده تزني بإمائه ولا يمنعهم من ذلك لعد إما مستحسنا للقبيح وإما عاجزا فكيف يصح قياس أفعاله سبحانه على أفعال عباده، لو كان العباد خالقون لأفعالهم للزم عليه أن يكون الله مستحسنا للقبيح من أفعالهم، أو عاجزا وكلاهما محال على الله المعتزلة يقولون عندهم الأصل الأول والأصل الثاني هذه من الأصول العقلية، والثلاثة الأخيرة أصول شرعية.
فالأصل الأول والثاني وهما العدل والتوحيد يقولون من الأصول العقلية التي لا يعلم صحة الصنع إلا بعدها؛ لأنها عرفت قبل الشريعة بالعقل يقولون لا حاجة للشريعة في أصل التوحيد والعدل، ما في حاجة إلى الشريعة ولا حاجة إلى الكتاب والسنة، والشريعة جاءت مطمئنة وموضحة وموافقة لما جاء به العقل. وأما العقل فهو كافٍ في المطلوب وإذا استدلوا على ذلك بأدلة سمعية فإنما يذكرونها للاعتراض لا للاعتماد عليها، قالوا: والقرآن والحديث بمنزلة الشهود الزائدين على النصاب وبمنزلة المدد اللاحق بعسكر مستغنٍ عنه، وبمنزلة من يتبع هواه واتفقوا أن الشرع ما يهواه.
ويرد عليهم بأن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، والعمل يتبع قصد صاحبه وإرادته، وصلاح العمل متوقف على صلاح النية وصلاح النية متوقف على العلم بالله والتصديق به، فلا يثاب الإنسان على ما وافق من الحق بدون نية إذا كان تابعا لهواه ويعاقب على ما تركه من الحق إذا كان متبعا لهواه.
أما الجهمية، الجهمية الذي أسس عقيدة نفي الصفات والأسماء هو الجعد بن درهم وقاتله خالد بن عبد الله القسري أمير العراق ومشرق بن واصل ضحى به يوم الأضحى وسبب قتله أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، وكان ذلك بعد استفتاء علماء زمانه وهم من السلف الصالح الذي أظهر مقالة الجعد بعده هو الجهم بن صفوان وسبب ذلك مناظرته قوما من المشركين يقال لهم السمانية من فلاسفة الهند، وهم الذين ينكرون من العلم ما سوى الحسيات وبعدها نفى الصفات.
واتصل بالجعد يعني الجهم اتصل بالسمانية وشككوه في الله، وقالوا له: إلهك هذا الذي تعبد هل تراه بعيونك؟ قال: لا، قالوا هل تسمع بإذنك؟ قال: لا، قالوا: هل تشمه بأنفك؟ قال: لا، قالوا: هل تذوقه بلسانك؟ قال: لا، قالوا: له هل تحسه بيدك؟ قال: لا، قالوا: إذن هو معدوم.
فشك في ربه وترك الصلاة أربعين يوما فجهم، ثم بعد الأربعين نقش الشيطان في ذهنه أن الله موجود وجودا ذهنيا فأثبت وجودا لله في الذهن وسلب عنه جميع الأسماء والصفات، نسأل الله السلامة والعافية فنسبت الجهمية إلى الجهم؛ لأنه هو الذي أظهر المذهب ونشره ودافع عنه والذي قتله هو سالم بن أحوذ أمير خراسان آخر ولاة بني أمية بعد أن فشت مقالته في الناس.
ثم تقلد نفي الصفات بعد الجهم المعتزلة ولكن الجهم أكثر في التعطيل منهم؛ لأنه ينكر الأسماء والصفات وهم لا ينكرون الأسماء بل الصفات فقط.
العقائد الذي اشتهر بها الجهم، الجهم اشتهر بأربع عقائد خبيثة:
العقيدة الأولى: عقيدة نفي الصفات، وورثها عنه المعتزلة.
العقيدة الثانية: عقيدة الجبر وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على سبيل المجاز، وورثها عنه الجبرية.
العقيدة الثالثة: عقيدة الإرجاء، عقيدة الإرجاء، وأن الإيمان هو معرفة الرب بالقلب، والكفر هو جهل الرب بالقلب وورثها عنه المرجئة.
العقيدة الرابعة: القول بفناء الجنة والنار.
اشتهرت مقالة الجهمية حين امتُحن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- وغيره من علماء السنة في فتنة القول بخلق القرآن وذلك في إمارة المأمون وخلافته، فإنهم قووا وكثروا فإنه أقام بخراسان مدة واجتمع بهم، ثم كتب في المحنة من طراسوس بسبب بشر بن غياث المردي وطبقته.
سند مذهب الجهم: أصل مذهب الجهم مأخوذ عن المشركين والصابئة واليهود، إذ إن الجهم أخذ عن الجعد بن درهم، والجعد كان قد اتصل بالصابئة الفلاسفة من أهل حران، وأخذ شيئا من بعض اليهود المحرفين لدينهم المتصلين بلبيد فأخذ الجعد عن أبان بن سمعان، وأبان أخذ عن طالوس وطالوس أخذ عن خاله لبيد بن أعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم فصار سند المذهب يتصل باليهود.(1/411)
نزاع العلماء في الجهمية: هل هم من فرق الأمة الإسلامية أم لا؟ قد تنازع العلماء في الجهمية هل هم من الثنتين والسبعين فرقة فيكونون من المبتدعة أم ليسوا منها فيكونون كفرة من فرق الكفرة؟ قيل: منهم وقيل: ليسوا منهم، وقيل غلاة الحهمية كفرة وغير الغلاة مبتدعة، وذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله- أنه كفَّر الجهميةَ خمسمائة عالم، خمسمائة عالم كفروا الجهمية قال في الكافية الشافية:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في
عشر من العلماء في البلدان
خمسين في عشرة كم؟ خمسمائة، ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان
ولا لك أي الإمام حكاه عنهم
بل قد حكاه قبله الطبراني
الفرقة الرابعة الجبرية، أصل قول الجبرية ورئيسهم، أصل قول الجبرية من الجهم بن صفوان؛ إذ إنه رئيسهم فورثوه عنه، وهو نظير واصل بن عطاء في الاعتزال، مذهبهم أن فعل العبد بمنزلة طوله ولونه وهم عكس القدرية نفاة القدر، وإطلاق اسم القدرية عليهم، وإطلاق اسم القدرية عليهم؛ لأنهم غلو في إثبات القدر.
المبحث الخامس القدرية، أول من تكلم بالقدر معبد الجهني بالبصرة، وأخذ ذلك عنه غيلان الدمشقي، وكان ذلك في أواخر عهد الصحابة ومذهبهم أن الله لم يقدر أفعال العباد ولا شائها بل العباد هم الخالقون لأفعالهم والموجدون للكفر والمعاصي والطاعات والإيمان.
والأحاديث في ذمهم قد وردت أحاديث كثيرة في ذمهم منها حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم) .
والتحقيق في الأحاديث في ذم القدرية والفرق بينها وبين الأحاديث في ذم الخوارج الصحيح أن الأحاديث التي هي في ذم القدرية كلها موقوفة بخلاف الأحاديث الواردة في ذم الخوارج فإن فيهم في الصحيح وحده عشرة أحاديث، أخرج البخاري منها ثلاثة وأخرج مسلم سائرها، والقدرية يشبهون بالمجوس؛ لأن كلا من الطائفتين قالت بتعدد الخالق ولكن قول القدرية أردأ وأسوأ من قول المجوس فإن المجوس اعتقدوا وجود خالقين واحدا للشر وآخر للخير والقدرية اعتقدوا وجود خالقين على عدد من يوجد فعله باختياره.
سبب ضلال هذه الفرق ومنشأ حدوث هذه البدع، منشأ حدوث هذه البدع، هذه البدع المتقابلة حدثت من الفتن المفرقة بين الأمة كما ذكر البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب قال: "وقعت الفتنة يعني مقتل عثمان فلم تُبْقِ من أصحاب بدر أحدا، ثم وقعت الفتنة الثانية فلم تُبْقِ من أصحاب الحديبية أحدا، ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع للناس طباح، أي عقل وقوة".
فالخوارج والشيعة حدثوا في الفتنة الأولى والقدرية والمرجئة في الفتنة الثانية، والجهمية ونحوهم بعد الفتنة الثالثة، وهذه البدع، هؤلاء المبتدعة يقابلون البدعة بالبدعة، فالشيعة غلو في علي والخوارج كفروه، والمعتزلة غلو في الوعيد حتى خلدوا بعض المؤمنين في النار، والمرجئة غلو في الوعد حتى نفوا بعض الوعيد، والمشبهة غلو في الإثبات حتى وقعوا في التشبيه، والجهمية والمعتزلة غلو في التنزيه حتى نفوا صفات الله تعالى، أو صفاته وأسمائه.
سبب ضلال هذه الفرق عدولهم عن الصراط المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه فقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} وقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فلما عدلوا عن الصراط المستقيم أحاطت بهم الفتن فنشئت هذه الآراء المتضاربة والعبد مضطر إلى سؤال الله الهداية، اضطراره إلى سؤال الهداية فوق كل ضرورة، ولهذا شرع الله في الصلاة قراءتهم للقرآن في كل ركعة لاحتياج العبد إلى هذا الدعاء العظيم بالقدر المشتمل على أشرف المطالب وأجلها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) } .
تشبيه من انحرف من العلماء ومن العباد، قال طائفة من السلف: من انحرف من العلماء ففيه شبه من اليهود، ولهذا تجد أكثر المنحرفين من أهل الكلام من المعتزلة ونحوهم فيهم شبه من اليهود، حتى أن علماء اليهود يقرءون كتب شيوخ المعتزلة ويستحسنون طريقتهم ويستحسنون طريقتهم، وكذا شيوخ المعتزلة يميلون إلى اليهود ويرجحونهم على النصارى.
ومن انحرف من العباد ففيه شبه من النصارى، ولهذا تجد أكثر المنحرفين من العباد من المتصوفة ونحوهم فيه شبه من النصارى، ولهذا يميلون إلى نوع من الرهبانية والحلول والاتحاد ونحو ذلك، ولهذا نرى شيوخ الصوفية ومن انحرف من العباد عموما يذمون الكلام وأهله، وشيوخ أرباب الكلام يعيبون طريقة العباد والصوفية، ويصنفون في ذم السماع والوجد وكثير من الزهد والعبادة التي أحدثها الصوفية.(1/412)
طريقة فرق الضلال في الوحي، هذا المبحث آخر مبحث وهو مهم وهي طريقة فرق الضلال في الوحي فرق الضلال المنحرفين لهم طريقة في الوحي، ما هو الوحي؟ ما أنزله الله على رسوله من القرآن والسنة ما هي طريقتهم في الوحي، طريقة الضلال في الوحي لهم طريقتان، انتبهوا وكل طريقة تتفرع، الطريقة الأولى طريقة فرق الضلال في الوحي وهو الكتاب والسنة ما أنزله الله على رسوله من الوحي من القرآن ومن السنة، السنة وحي ثان, أهل الضلال لهم طريقتان في هذا الوحي وهو الكتاب العزيز والسنة المطهرة، طريقتان:
الطريقة الأولى: طريقة التبديل.
والطريقة الثانية: طريقة التجهيل طريقة التبديل، والثانية طريقة التجهيل.
أهل التبديل نوعان أهل التبديل نوعان:
النوع الأول ل أهل الوهم والتخييل.
والنوع الثاني أهل التحريف والتأويل، هذا تقسيم الطريقة الأولى. والطريقة الثانية يأتي تقسيمها.
أهل الوهم والتخييل هم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف ومتفقه مذهبهم في الله واليوم الآخر يقولون: إن ما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر، إنما هو تخيل للحقائق لينتفع الجمهور به لا أنه بيَّن به الحق ولا هدى به الخلق، ولا أوضح به الحق هذا خيال، هذا خيال الذي ذكره الرسول من الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والبعث والنشور والجنة والنار فهذا خيال قاله للناس يخيل للناس حتى ينتفعوا وحتى يتعايش الناس ولا يعتدي بعضهم على بعض دون لا حقيقة له، فالجنة والنار والبعث والجزاء هذا كله خيال يقولون: إنما تخيل للحقائق لينتفع الجمهور به لا أنه بين به الحق ولا هدى به الخلق ولا أوضح به الحقائق.
وهم طائفتان أهل التخييل: الأولى يقولون: إن الرسول، أو الرسل لم يعلموا الحقائق على ما هي عليه، ما يعلمون الحقائق التي جاءت في الكتاب والسنة قالوا: إن الرسل، أو الرسول لم يعلموا الحقائق على ما هي عليه واعتقدوا خلاف الحقائق ويقولون: إن من المتفلسفة الإلهية من علمها، وكذلك من الأشخاص الذين يسمونهم الأولياء من علمها، ويزعمون أن من الفلاسفة والأولياء من هو أعلم بالله واليوم الآخر من المرسلين.
وهذه مقالة غلاة الملحدين من الفلاسفة والباطنية باطنية الشيعة وباطنية الصوفية الثانية يقولون: إن الرسول علم الحقائق لكن لم يبينها وإنما تكلم بما يناقضها قالوا الرسول يعرف الحقائق لكن تكلم بضدها وإنما تكلم بما يناقضها وأراد من الخلق فهم ما يناقضها لأن مصلحة الخلق في هذه الاعتقادات التي لا تطابق الحق فهم يقولون: إن الرسل بينوا للناس النصوص من العبادات واليوم الآخر والجنة والنار ليعملوا بها ولا واقع لها، ولكنهم قصدوا إيهام الجمهور والتخييل عليهم بأن الله شيء عظيم كبير، وأن الأبدان تعاد، وأن لهم نعيما محسوسا وعقابا محسوسا ليحملوهم على ما يصلح حالهم، وإن كان كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور.
يقولون: الأنبياء كذبوا للناس، كذبوا للناس ما كذبوا عليهم، كذبوا لهم ولا يكذبوا عليهم لمصلحتهم، وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم على هذا الأصل كالقانون الذي ذكره في رسالته الأضحوية خلاصة مذهبهم يقولون: إن الرسل يعرفون الحقائق لكنهم مَوَّهُوا على الناس لمصلحتهم أما الأعمال فمنهم من يقرها، ومنهم من يجريها هذا المجرى، ويقولون: إنما يؤمر بها بعض الناس دون بعض ويؤمر بها العامة دون الخاصة فهذه طريقة الباطنية الملاحدة الإسماعلية، ونحوهم.
النوع الثاني من أهل التبديل: أهل التحريف والتأويل، النوع الثاني من أهل التبديل يسمون أهل التحريف والتأويل مذهبهم يقولون: إن الأنبياء لم يقصدوا بنصوص المعاد واليوم الآخر، والصفات ما هو في نفس الأمر حق، وأن الحق هو ما علموه، قالوا: إن الأنبياء لم يقصدوا بنصوص المعاد واليوم الآخر وبنصوص الصفات ما هو في نفس الأمر حق، وأن الحق هو ما علموه بعقولهم، ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات، ولهذا أكثرهم لا يجزمون بالتأويل بل يقولون: يجوز أن يراد كذا، وغاية ما معهم إنكار احتمال اللفظ.
خلاصة مذهبهم يقولون: إن الأنبياء أتوا بنصوص ظاهرها باطل غير مراد والمقصود المعاني المجازية، وهي المعاني الباطلة ولم يبينوها للناس الأنبياء ما بينوها للناس بل تركوها إلي العقول فالرسول لم يقصد بها أن يعتقد الناس الباطل ولكن قصد بها معاني لم يبينها لهم ولا دلهم عليها لامتحانهم ليجتهدوا بعقولهم في صرفها عن مدلولها، وهذا القول قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة والكلابية والسالمية والكرامية والشيعة بنصوص الصفات.(1/413)
الطريقة الثانية طريقة التجهيل والتضليل، انتهينا من التقسيم الأول طريقة التبديل بأنواعه، الطريقة الثانية طريقة التجهيل والتضليل أهل التجهيل والتضليل سموا بذلك؛ لأنهم يُجَهِّلُون الرسل بالمعاني التي جاءوا بها من عند الله يقولون الرسل جاهلون بالمعاني التي جاءوا بها من عند الله، حقيقة مذهبهم أن الأنبياء وأتباع الأنبياء جاهلون ضالون لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء، ويقولون: يجوز أن يكون للنص تأويل لا يعلمه إلا الله لا يعلمه جبريل ولا محمد ولا غيره من الأنبياء فضلا عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ويقولون: إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) } {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وهو لا يعرف معاني هذه الآيات بل معناها الذي دلت عليه لا يعرفه إلا الله، ويظنون أن هذه طريقة السلف. وهذا مذهب الفلاسفة والباطنية وهم أخبث ممن مضى وهم يساوون الطائفتان.
الطائفة الثانية من أهل التخييل القائلة الأنبياء اعتقدوا خلاف الحقائق ويقولون إن قوله -عليه الصلاة والسلام- (لأنا أغير من سعد والله أغير مني) أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف معنى كلمة "أغير" وهم طائفتان: الطائفة الأولى، وهم طائفتان الطائفة الأولى يقولون: إن المراد بهذا خلاف مدلولها الظاهر المفهوم، ويقولون: نقطع بأن المعنى الحقيقي غير مراد، بل المراد خلاف مدلولها المراد، إن المراد بهذا خلاف مدلولها الظاهر المفهوم، ولا يعرفه أحد كما لا يعلم وقت الساعة.
وهؤلاء هم المفوضة الذين يفوضون معاني نصوص الصفات إلى الله. الثانية يقولون بل تجرى النصوص على ظاهرها وتحمل على ظاهرها، ومع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلا يخالف ظاهرها، وقالوا مع هذا: إنها تحمل على ظاهرها.
ما تشترك فيه الطائفتان أهل التضليل، وأهل التجهيل يشتركون في القول بأن الرسول، انتبه، الطائفتان أهل التضليل وأهل التجهيل يشتركون في القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين المراد بالنصوص التي يجعلونها مشكلة، أو متشابهة، ولهذا يجعل كل فريق المشكل من نصوصه غير ما يجعله الفريق الآخر مشكلا، فهم مشتركون في أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يأت بها على ما يوافق معقولنا وأن الأنبياء وأتباعهم لا يعرفون العقليات ولا يفهمون السمعيات.
السمعيات الأدلة من النصوص فهم مشتركون في أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم معناها بل جهل معناها، أو جهَّلَهَا الأمة من غير أن يقصدوا، يعني يعتقدوا جهل المركب.
وأما أولئك الطائفتين من أهل التجهيل والمجهلة فيقولون بل قصد الرسول من الناس أن يعلم الجهل المركب والاعتقادات الفاسدة وهؤلاء مشهرون عند الأمة بالإلحاد والزندقة، ثم انقسموا إلى فرقتين بعد اشتراكهما في المقالة السابقة من هاتين الطائفتين أهل التضليل وأهل التجهيل من يقول: لم يعلم الرسول معانيها، ومنهم من يقول: علمها ولم يبينها بل أحال في بيانها على الأدلة العقلية، وعلى من يجتهد في العلم بتأويل تلك النصوص.
وكل ذلك ضلال وتضليل عن سواء السبيل، نسأل الله السلامة والعافية من هذه الأقوال الواهية المفضية بقائلها إلى الهاوية، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على صراطه المستقيم حتى نلقاه وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
عندي أيضا بعض الفرق كان بودي أن نتكلم عنها من الفرق المعاصرة: عن القاديانية، وعن البهائية والبابية وعن اليزيدية لكن لعل الله أن ييسر في وقت آخر.
من الفرق المعاصرة القاديانية والبابية والبهائية واليزيدية، الحركة القاديانية أسسها تنسب الطائفة القاديانية إلى مدينة قديان بالهند وأحيانا يطلق عليهم اسم الأحمدية لانتسابهم في مذهبهم لانتسابهم في مذهبهم إلى رجل اسمه غلام أحمد عبد النبي، ولد غلام أحمد سنة ألف ومائتين واثنين وخمسين هجرية في مدينة قديان، وانكب منذ الصغر على دراسة القرآن والحديث والتعبد والتفكير في أمور الدين.
ثم بعد ذلك ادعى غلام أحمد أنه المسيح الموعود والمهدي الموعود في وقت واحد ويستند أتباعه في الإيمان به إلى ما روي في صحيح البخاري: أن المهدي يظهر في شرقي منارة دمشق، وأن المسيح يصلي خلفه مع قول النبي صلى الله عليه وسلم (كيف بكم وبابن مريم فيكم) ويقول إن غلام أحمد وإن كان هنديا إلا أنه إيراني الأصل هاجر أباه إلى الهند منذ مئات السنين.(1/414)
رسالته إلى علماء الهند وغيرهم في سنة ألف ثلاثمائة وأربع وأربعين، وجه غلام أحمد رسالة إلى علماء الهند وغيرها من البلاد الإسلامية جاء فيها "إن الله قد بعثني مجددا على رأس هذه المائة واختصني عبدا لمصالح العامة وأعطاني علوما ومعارف تجب لإصلاح هذه الأمة، ووهب لي من لدنه علما حيا لإتمام الحجة على الكفرة الفجرة وجعلني من المكلمين الملهمين وأكمل عليَّ نعمه، وأتم تفضله وسماني المسيح ابن مريم بالفضل والرحمة وقدر بيني وبينه تشابه الفطرة كالجوهرين من المادة الواحدة.
إلى أن قال: ومن أجل آلائه أنه استودعني سره الذي يكشف للأولياء والروح الذي لا ينفق إلا في أهل الاصطفاء، إلى أن قال ومن آلائه أنه خاطبني وقال: أنت وجيه في حضرتي اخترتك لنفسي، وقال: أنت مني بمنزلة لا يعلمها الخلق.
إلى أن قال: أيها الكرام إن الفتن اشتدت والأرض فسدت والمفاسد كثرت وعلا في الأرض الحزب المنتصر.
إلى أن قال: فكلمني وناداني وقال إني مرسلك إلى قوم مفسدون وإني جاعلك للناس إماما.
إلى أن قال: فلما أخبرت عن هذا قومي قامت علمائهم للعني ولومي وكفروني قبل أن يحيطوا بقولي ويزنوا حولي، وقالوا دجال، وقال كبيرهم الذي أفتى وأغوى الناس ما أغرى: إن هؤلاء كفرة فجرة فلا يسلم عليهم أحد ولا يتبع جنازتهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين إلى أن قال: وبعزة ربي وجلاله نفسي لست بكافر ولا معتد من أقواله ولا مرتد ولا من الملحدين بل جاءكم الحق فلا تعرضوا عن الحق كارهين.
وقد تقوى مذهبنا بتظاهر الأحاديث والفرقان، ثم بشهادة الأئمة وأهل العرفان، ثم بالعقل الذي هو مدار التكاليف الشرعية، ثم بالإلهام المتواتر اليقيني عن حضرة العزة، فكيف ترجع إلى الظن بعد اليقين إلى أن قال: وقد تفردت بفضل الله بكشوف صادقة ورؤيا صالحة ومكالمات إلهية وكلمات إلهامية وعلوم نافعة وزادني ربي بسطة في العلم والدين وأرسلني مجددا لهذه المائة وسماني عيسى.
إلى أن قال: وجعلني ربي عيسى ابن مريم على طريق الموازاة الروحانية …. إلى أن قال: اعلموا أن فضل الله معي وأن روح الله ينطق في نفسي فلا يعلم سري ودخيلة أمري إلا ربي هو الذي أنزل علي وجعلني من المنوَّرَين هو الذي أنزل علي وجعلني من المنورين.
خلاصة الدعوى نقول: ادعى غلام أحمد أنه المسيح الموعود بمعنى أنه جاء بقوة وروح عيسى -عليه الصلاة والسلام- وادعى أنه هو النبي الذي تنبأت بظهوره أغلب الديانات وأن مهمته هي إطالة العلاقة بين الإنسان وخالقه كما أنه جاء ليفسر القرآن وتعاليم الإسلام في ضوء الوحي الإلهي فيما يطابق العصر الحاضر، وليكون هو نفسه مثالا يبين الحياة الإسلامية الكاملة وادعى أنه يستغني بالعلم اللدني عن الوحي، وللقديانية رئيس ديني يلقبونه بلقب أمير المؤمنين وخليفة المسيح الموعود والمهدي المعضود.
انتشارها: انتشرت الدعوة القاديانية وصادفت نجاحا في بعض الجهات الإفريقية وأخذوا يبشرون بها في أوربا وأمريكا وآسيا وشيدوا بعض المساجد في إنجلترا ولكنهم لم يجدوا من يقبل دعوتهم في البلاد العريقة في الإسلام كشمال إفريقية ومصر والجزيرة العربية والسودان والعراق والشام فقد قل نشاطهم الآن وضعفت حماستهم.
مذهب القاديانية في الجهاد أنه كان فرضا، ثم نسخ وأنه بعث بعد محمد أحمد القدياني وقبلته قديان في الهند، ومذهب البهائية أنه بعث بعد محمد البهاء وأنه نزل عليه القرآن سماه البهاء وقبلتهم مدينة عكا، والجهاد كان فرضا، ثم نسخ وكلا من البهائية والقاديانية تزعم أن الجهاد كان فرضا، ثم نسخ، فالمحاربة بالجهاد عندهم فالجهاد عندهم خروج عن دين الإسلام وعلى المسلمين أن ينضموا إلى دولة من الدول الكبرى لتحميهم، كما أن صلاة الجمعة نسخت، وكذا الحج؛ وذلك لأن كلا منهما مواطن قوة المسلمين فقالوا بالنسخ؛ لأجل أن يخدروا أعصاب المسلمين؛ لئلا يكون فيهم القوة التي كانت في آبائهم وأجدادهم.
البابية، أو البهائية وهذه القاديانية التي تسمى البهائية فرقة كافرة كما أجمع العلماء في العصر الحاضر على أنها فرقة خارجة عن دائرة الإسلام.
البابية، أو البهائية تنسب البابية إلى مؤسس الديانة البابية الذي سمى نفسه بالباب وتسمى البهائية نسبة إلى خليفة الباب وهو علي حسن الملقب بالبهاء مؤسس الديانة البهائية هو علي بن محمد رضا الشيرازي، ولد علي بن محمد بن رضا الشيرازي بشيراز في إيران سنة ألف ومائتين وخمس وثلاثين كان أبو محمد رضا الشيرازي ينتسب إلى بيت النبوة توفي والده قبل أن يبلغ سن الفطام فكفله خاله علي الشيرازي الذي كان يشتغل بالتجارة لم يكن للغلام ميل إلي الدراسة إلا أنه تحت ضغط خاله تعلم قليلا من اللغة العربية ومن النحو الفارسي، وقد أظهر براعة مدهشة في الخط فكان أعجوبة أهل عصره في هذا الفن.(1/415)
ثم أشركه خاله معه في التجارة وانتقلا معا إلى ميناء أبي شهب وهو إذ ذاك في السابعة عشرة من عمره وما لبث أن اظهر براعة في التجارة فاستقل عن خاله وكسب شهرة تجارية وكان إلى جانب اشتغاله بالتجارة ينفق وقتا طويلا في دراسة العلوم الدينية والرياضيات، ثم اشتغل بالروحانيات وأخذ يعمل على إذلال نفسه فكان يسهر الليل وفي النهار يقف تحت أشعة الشمس المحرقة فاعتراه بسبب ذلك وجوم وذهول وتأثرت قواه العقلية من الخلوة وما فيها من العزلة، ومن فرط السهر وإدمان الوقوف في مواجهة قرص الشمس وتحمل حرارتها التي تبلغ في مدينة أبي شهب اثنين وأربعين درجة، ولاحظ عليه خاله شذوذا في تفكيره وداخله الشك فيما يصدر منه من أقواله وأفعاله فنصحه مرة بعد أخرى إشفاقا عليه من أن تتطور الحال إلى نتيجة لا تحمد عقباها.
أشار عليه الأطباء بالسفر إلى كربلاء والنجف به حيث الهواء النقي وعسى أن ينقطع عن التفكير فيما كان بصدده فرحل وعمره عشرين سنة كانت الأفكار الباطنية منتشرة بين فريق النازلين بتلك المدينة فأخذ بعد وصوله يدرس آراء بعض علمائها ومن أشهرهم أحمد الإحسائي وتلميذه كاظم الرشدي وظل يتردد على دروس كاظم الرشدي مؤسس المنطقة الكشفية انقطع فجأة وتغيب ردحا من الزمن بعد أن اتفق مع بعض أصحابه على السفر إلى الكوفة والإقامة في مسجد الإمام علي منقطعين للرياضة مدة أربعين يوما.
بعد انقضاء المدة غادر المسجد وهو في حالة غير طبيعية وعاد لمجلس الرشدي وهو شارد الذهن وفي حالة ذهول وأخذ يتكلم بألفاظ عدها تلامذة الرشدي خارجة عن منهج الشريعة ومخالفة لقواعد السنة النبوية فلاطفوه وجاملوه أولا وجفوه وهجروه ثانيا فإذا به يدعو الناس إلى نفسه ويوصي بالزهد والتقشف مع ما أمال إليه كثيرا من بسطاء القول وضعفاء الأحلام كان يخاطب المقربين إليه بأقوال غامضة مثل فادخلوا البيوت من أبوابها، ومثل أنا مدينة العلم وعلي بابها يعني أن الطريق إلى الله مسدود إلا عن طريق الرسالة والنبوة والولاية إلا بواسطة إلا بواسطة، وأنا تلك الواسطة.
وكما أنه لا يجوز دخول البيت إلا من الباب فأنا ذلك الباب فعندئذ سمى نفسه الباب وما كان بعد ذلك يشير لنفسه ألا بلقب الباب وترك اسمه الأصلي وهذا هو سر تسميته بالباب وأتباعه بالبابية، بدء دعوته، بدأ دعوته عام ألف ومائتين وستين جهر الباب بدعوته في ليلة الخامس من جمادى الأولى عام ألف ومائتين وستين أول المؤمنين به كان أول المؤمنين به هو الملا حسين المشهوري الذي لبى دعوته في الليلة الخامسة من جمادى الأولى واعتبروا هذا العام عيدا سموه عيد المبعث إذ أظهر فيه الباب دعوته ورفع به الصوت جهارا وكان عمره إذ ذاك خمس وعشرين سنة وأربعة أشهر وأربعة أيام.
وما زال البابيون يحترمون ذلك اليوم ويقدسونه ويحرمون فيه تعاطي الأشغال.
حروف حي: استطاع الباب علي أن يجمع حوله ثمانية عشر شخصا سماهم حروف حي فحرف الحاء يعادل رقم ثمانية في الحروف الأبجدية والياء يساوي عشرة ومجموع الحرفين ثمانية عشرة، ثم ألقى على هؤلاء مبادئه وتعاليم دعوته والمشهوري أول من آمن بالباب نسبة إلى مدينة مشهورية من أعمال خراسان التفت إليه الباب وقال يا من هو أول من أمن بي حقا إنني أنا باب الله وأنت باب الباب ولا بد أن يؤمن بي ثمانية عشر نفسا بكامل رغبتهم دون ضغط، أو إكراه ويعترفون برسالتي وسينشدني كل منهم على انفراد.
ولما لم تكن هذه الحركة تناسب والمركز الديني لعلماء إيران إذ إن تعاليم الباب مخالفة لأصول الدين عندهم قامت قيامة العلماء علماء إيران في وجه هذه الدعوة فنشرت الرسائل وألفت الكتب وألقيت الخطب ونتج عن هذه المقاومة أن مال إليه الجهلة من العوام فلما رأى الباب ذلك أعلن أنه المهدي المنتظر بعد أن كان دعوته أنه واسطة، أو باب للوصول إلى الإمام المنتظر.
وقال: إن جسم المهدي اللطيف قد حل في جسمه المادي، وأنه يظهر الآن ليملأ الأرض قسطا وعدلا وهذا ما دعا الباب أن يظهر بمظهر أرقى من الدعوة السابقة، فيدعي أنه أفضل من محمد صاحب الدعوة الإسلامية الأمة صلى الله عليه وسلم وأن تعاليمه التي جمعها في بيانه أفضل من تعاليم نبي المسلمين في قرآنه، وأن محمدا إذا كان قد تحدى الناس في الإتيان بسورة من سور الفرقان المبين فإن الباب يتحدى الجميع بالإتيان بباب من أبواب الأرض.
مقتله: دعي الباب لمناظرة علماء إيران وانتهت المناظرة بغير نتيجة، ثم ازدادت الاضطربات في جميع أنحاء إيران وانتشرت الفتنة وساعدت الدسائس الأجنبية على امتدادها فقرر الشاه ناصر الدين ضرورة القضاء على هذه الفتن فأصدر أمره بإعدام الباب ونفذ فيه حكم الإعدام في سنة ألف ومائتين وخمس وستين هجرية، وقد تبرأ منه كاتب وحيه حسين التبريزي وهال على الباب بالشتائم والسباب وأطلق سراحه وأتى الحراس بوتدين من الحديد ودقوهما في جدارين متقابلين وربطوا فيهما الباب وصاحبه محمد على الذنروزي وأطلقوا عليهما الرصاص.(1/416)
وربط الجند جثتهما وألقوهما في خندق حتى أكلتها الطيور الجارحة وكان عمر الباب يوم إعدامه إحدى وثلاثين سنة قمرية وسبعة أشهر وسبعة وعشرين يوما من يوم ميلاد ميلاده بشيراز، ولما قتل الباب زادت تعاليمه اشتهارا وعظم الاضطهاد على أتباعه وأظهر بعض رؤسائهم دعاوى مختلفة من قبيل النبوة والوصاية والولاية والمرآتية اختلفت آرائهم وتشتت أهوائهم.
كتب الباب: من أهمها البيان العربي والبيان الفارسي وهو صورة من البيان العربي وفيه أنه يستغني بالعلم اللدني عن الوحي.
عقائد الباب تقوم الديانة البهائية والبابية على أساس الاعتقاد بوجود إله واحد أزلي نظير ما يعتقده المسلمون إلا أن البابيين يستمدون صفات الخالق من أساس العقيدة الباطنية التي ترى أن لكل شيء ظاهرا وباطنا وأن هذا الوجود مظهر من مظاهر الله، وأن الله هو النقطة الحقيقة، وكل ما في هذا الوجود مظهر له. وعلى هذا فلا يؤمنون بالله كما يؤمن به المسلمون.
ثانيا عقيدتهم في النبي والإيمان مستمدة من عين العقيدة بالخالق فالنبي، أو الإمام مظهر من مظاهر الله في الأرض وارتقاء هذه المنزلة إنما هو باستكمال صفات أخلاقية جعلته يعبر عن الأمر الواقع ويصل إلى الحقيقة دون غيره لهذا صح للباب أن يكون مظهرا من مظاهر الله في الأرض بعد النبي.
عبادات البهائيين: والبابين ومعاملاتهم وردت في كتاب البيان الذي نسخه خليفة الباب علي حسين الملقب بالبهاء في كتابه الأقدس الصوم هو الشهر التاسع الذي يلي أيام الضيافة، والسنة البهائية تسعة عشرة شهرا، كل شهر تسعة عشر يوما.
ثانيا: الصلاة، فرضت الصلاة على كل بهائي بالغ وهم يؤدونها على انفراد تسعة في تسع ركعات تسع ركعات في ثلاث أوقات حين الزوال وفي البكور والآصال متوجهين شطر مدينة عكا حيث يرقد بهاء الله.
ثالثا: الحج إلى الدار التي ولد فيها مؤسس ديانتهم علي محمد بشيراز، أو إلى الدار التي نزل بها بهاء الله حسين خلال إقامته بالعراق.
رابعا: الزكاة سئل عبد البهاء عباس عنها فأجاب: الزكاة في البهائية كالزكاة في الإسلام.
خامسا: الزواج بواحدة فقط وفي كتابهم الأقدس التصريح بزوجتين إذا عدل بينهما وهم يزوجون البهائي بغير البهائية وبالعكس بشرط تحرير عقد بهائي إلى جانب العقد الغير بهائي.
سادسا: الطلاق مكروه عندهم.
سابعا: الميراث تتساوى الابن مع البنت في الميراث وفي كافة الحقوق وسن الرشد لهما واحد.
ثامنا: أعيادهم عيد النيروز وعيد الرضوان وعيد ميلاد مؤسس الديانة وعيد ميلاد البهاء وعيد إعلان دعوة الباب.
تاسعا: الجهاد منسوخ
انقسام البهائية:
وبعد وفاة حسين علي الملقب بالبهاء انقسم البهائيون إلى فرق هي:
أولا: البهائية.
ثانيا: الإزارية نسبة إلى أحد أصحاب الباب.
ثالثا: البابية الخلاص الذين لم يرضخوا لأوامر من قام بعد الباب علي محمد.
رابعا: البابية البهائية العباسية أتباع عبد البهاء عباس وابن الحسين علي الملقب بالبهاء، وقد أطلق على نفسه عبد البهاء.
الناقرون: أتباع محمد علي العباس ويطلق المؤرخون أسم المارقين على أتباع المرزا عباس وأسم الناقرين على أتباع محمد علي وكل فريق يؤيد دعواه ويكفر من عداه فاعتزلوا المعاشرة وحرموا معاملة بعضهم بعضا، وكان عداوة كل منهم للأخر أشد من عداوتهم جميعا لمن طعن في معتقداتهم، وقال ببطلان دعوتهم.
بهذا يتبين أن البهائية والبابية فرقة خارجة من عداد المسلمين ليست من المسلمين في شيء ليست من الإسلام في شيء بل هي فرقة من فرق الكفر والضلال نسأل الله السلامة والعافية.
ثالثا اليزيدية: طائفة اليزيدية اختلف الباحثون في اليزيدية ويسمون بعبدة الشيطان، اختلف الباحثون في تعليل تسميتهم بعبدة الشيطان فبين أن بين اليزيدية أنفسهم من يعتقد أنهم دعوا بهذا الاسم، اختلف الباحثون في تعليل تسميتهم باليزيدية، فبين اليزيدية أنفسهم من يعتقد أنهم دعوا بهذا الاسم نسبة إلى الخليفة الأموي إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية الذي أحيا دينهم القديم وأطلق عليهم اسمه.
ثانيا: بعض الباحثين نسبهم إلى يزيد بن أنيس الخارجي الذي قال بتولي المحكمة الأولى قبل الأزال وتبرأ من بعدهم إلى الأباضية فإنه يواليهم.
ثالثا: ويميل بعض الباحثين إلى القول بأن اليزيدية ينتسبون إلى مدينة يزد، أو يزدان الفارسية وهي بمعنى الله، أو إزد ومعناها خليق بالعباد وتطلق في دين المجوس على الملائكة التي تتوسط بين الله والبشر وتنقل مشيئته إليهم، واختلفوا في أصل دينهم في رواية لليزيدية تصريح بأنهم من نسل آدم فقط لا نتيجة لاجتماعه من حواء.
والحق اختلفوا في أصلهم يعني في رواية لليزيدية تصريح بأنهم من أصل آدم لا نتيجة لاجتماعه من حواء والحق أن اليزيدية خليط من عناصر وثنية قديمة وعناصر إيرانية ذردشتية وأخرى يهودية ونصرانية وإسلامية.
عقائد اليزيدية:(1/417)
وعبادتهم يؤمنون بوجود إله أكبر خالق لهذا الكون إلا أنه الآن لا يعنى بشئونه بعد أن فوض أمر تدبيره وإدارته إلى مساعده ومنفذ مشيئته ملك طاووس الذي يرتفع في أذهان اليزيدية إلى مرتبة الألوهية الذي يدعى عند أهل الديانة الأخرى الشيطان.
نبي هذه الديانة:
هو الشيخ عادي الذي يروي عنه اليزيدية أخبارا وروايات عديدة ويرفعونه إلى ما فوق درجة النبوة ومن هذه الروايات ما ينطبق على أحد شيوخ المسلمين والمتصوفين وهو الشيخ عدي بن مسفر، ومن الشخصيات المقدسة عندهم منصور الحلاج وعبد القادر الكيلاني والحسن البصري، ومن عقائدهم أنهم لا يأكلون الخس زعما منهم أن الشيخ عدي طلب صاحب بستان شيئا من الخس فلم يعطه، ولا يأكلون لحم الغزال لزعمهم أن عيونه تشبه عيون الشيخ عدي.
ومن واجب كل يزيدي أن يزور ضريح الشيخ عدي مرة في كل سنة.
رابعا: يجب على كل يزيدي كل يوم وقت طلوع الشمس أن يقف في موضع شروقها بشرط أن لا يراه مسلم.
خامسا: ينبغي على اليزيدي ألا يسمع صلاة المسلم لأن فيها ما يتعارض مع العقيدة اليزيدية وهي الاستعاذة من الشيطان؛ لأن الشيطان اسم لملك طاووس.
سادسا: الصلاة بالقلب وبالسر لذلك لا يحددون مواعيد وفرائض للصلاة.
سابعا: يحللون شرب الخمر.
ثامنا: لا يصح صيام اليزيدي خارج موطنه؛ لأنه ينبغي عليه أن يذهب صباح يومه إلى شيخه ليعلن أمامه أنه صائم.
تاسعا: إذا سافر اليزيدي إلي خارج بلده وأمضى في غيابه نحو سنة، أو أزيد فأن امرأته تحرم عليه ولا يسمح للزواج من غيرها.
عاشرا: غير مرخص لليزيدي أن يلبس ثوبا كحليا فقط.
إحدى عشر: الزيدية يؤمنون بالتناسخ وبالحلول.
ولهم كتابان مقدسان: أحدهما يسمى الجلوة فيه وعد ووعيد وترهيب وترغيب. والثاني اسمه مصحف رهش أي الكتاب الأسود فيه قصة خلق العالم وعقائد اليزيدية وما حلل لهم وما حرم عليهم.
الأماكن التي يقطن فيها اليزيدية، اليزيدية طائفة ينتمي معظمها إلى الجنس الكردي ويكثر أتباعها في بعض نواحي الشرق الأدنى وخاصة في المناطق التالية: طرائف الشيحان في الشمال الشرقي من الموصل، قواسنجار الواقع في الشمال الغربي من العراق على الحدود بينه وبين سوريا وهي منطقة جبلية منيعة وموقع حصين
ثالثا: ديار بني بكر وماردين وجبل الطور.
رابعا: منطقة حلب حول كلس ومنيساب.
خامسا: البلاد الأرمينية الواقعة على الحدود بين تركيا وروسيا وخاصة في منطقتي قرص وإيران وحول تنفيس من بلاد القوقاز.
سادسا بعض اليزيدية في إيران، ورئيس اليزيدية إسماعيل جون المتوفى سنة ألف ثلاثمائة وواحد وثمانين هجرية ألف تسعمائة وثلاثين ميلادية وبهذا يتبين أن الفرقة اليزيدية فرقة وثنية تعبد الشيطان وتعبد الأوثان، نسأل الله السلامة والعافية.(1/418)
(ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويختم لنا به، ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة والمذاهب الردية مثل المشبهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية وغيرهم من الذين خالفوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة)
يعني هؤلاء الفرق خالفوا السنة والجماعة، وحالفوا الضلالة، خالفوا الكتاب والسنة وحالفوا يعني وافقوا الضلالة، وافقوا الهوى والضلالة، حالفوا تقابل خالفوا، خالفوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة.
من الذين خالفوا السنة والجماعة وحالفوا الضلالة.
يعني السنة والجماعة خالفوها والضلالة وافقوها، حالفوا بمعنى وافقوا، خالفوا السنة والجماعة ووافقوا الضلالة، حالفوا بمعنى وافقوا. نعم.(1/419)
ونحن منهم براء
___________________________________________
يعني نتبرأ إلى الله من طريقتهم طريقة أهل البدع من طريقة الجهمية طريقة المعتزلة، طريقة الجبرية طريقة القدرية طريقة الشيعة طريقة المشبهة نتبرأ إلى الله منهم نحن برآء، نتبرأ من طريقتهم ومن مذهبهم واعتقادهم نعم.(1/420)
وهم عندنا ضلال وأردياء
___________________________________________
وهم عندنا نعتقد أنهم ضلال، يعني منحرفون عن الصراط المستقيم، وأردياء جمع ردي ضد الجيد، هم أردياء فهم عندنا ضلال منحرفون عن الصراط المستقيم وأردياء يعني أقوالهم وأعمالهم رديئة سيئة ليست حسنة نعم.(1/421)
وبالله العصمة والتوفيق
___________________________________________
وبالله العصمة نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه، ونسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح، ونسأله سبحانه أن يثبتنا على صراطه المستقيم، وأن يميتنا عليه، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا إنه على كل شيء قدير.(1/422)