المتعة
في
خَوَاصّ يَوْمِ الْجُمْعَةِ
أبو يوسف محمد زايد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الأيام وفضل يوم الجمعة على باقيها ، وهدى إليه أمة الإسلام فجعلت منه يوم عيدها ... فهو اليوم الأغر ، خير يوم طلعت عليه الشمس ... فضائله وافرة كثيرة ، ونفحات الرحمة فيه غزيرة ... والسعيد من تفرغ لها وأتى بفرضها ونفلها، فنال حظه منها...
الحمد لله الذي خص المومنين بنداء من نداءاته لعباده ، قال :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * ) - الجمعة 9 . 10 -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، النبي الأكرم خير الأنام ، وعلى آله وصحبه أولي النهى والأحلام ...
أما بعد :
? قال ابن قيم الجوزية رحمه الله ، في زاد المعاد في هدي خير العباد :
كَانَ مِنْ هَدْيِ رسول الله صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَعْظِيمُ هَذَا الْيَوْمِ ، وَتَشْرِيفُهُ ، وَتَخْصِيصُهُ بِعِبَادَاتٍ يَخْتَصّ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ ...
- وعقد رحمه الله فصلا ، عنوانه : خَوَاصّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وقال : وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ ...وكلما ذكر خاصة منها ضمنها حديثا مما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أشار إليه ... فتتبعتها وحاولت - وما توفيقي إلا بالله -أن أضيف إليها ما يسر الله لي من الحديث مع تخريجه كلما أسعفني ذلك ، مع زيادة جملة من الفوائد..وسميت الكتاب : المتْعة في خواص يوم الجمْعة .... أسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به...إنه هو السميع العليم *(1/1)
1 * الْخَاصّةُ الأولى :كَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ فِي فَجْرِهِ بِسُورَتَيْ ( الم تَنْزِيلُ ) وَ ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ) . وَيَظُنّ كَثِيرٌ مِمّنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ أَنّ الْمُرَادَ تَخْصِيصُ هَذِهِ الصّلَاةِ بِسَجْدَةٍ زَائِدَةٍ وَيُسَمّونَهَا سَجْدَةَ الْجُمُعَةِ ، وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ أَحَدُهُمْ هَذِهِ السّورَةَ اسْتَحَبّ قِرَاءَةَ سُورَةٍ أُخْرَى فِيهَا سَجْدَةٌ ، وَلِهَذَا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ مِنْ الْأَئِمّةِ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى قِرَاءَةِ هَذِهِ السّورَةِ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ دَفْعًا لِتَوَهّمِ الْجَاهِلِينَ... وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيّة َ يَقُولُ: إنّمَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ السّورَتَيْنِ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ لِأَنّهُمَا تَضَمّنَتَا مَا كَانَ وَيَكُونُ فِي يَوْمِهَا فَإِنّهُمَا اشْتَمَلَتَا عَلَى خَلْقِ آدَمَ وَعَلَى ذِكْرِ الْمَعَادِ وَحَشْرِ الْعِبَادِ وَذَلِكَ يَكُونُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَكَانَ فِي قِرَاءَتِهِمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ تَذْكِيرٌ لِلْأُمّةِ بِمَا كَانَ فِيهِ وَيَكُونُ... وَالسّجْدَةُ جَاءَتْ تَبَعًا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً حَتّى يَقْصِدَ الْمُصَلّي قِرَاءَتَهَا حَيْثُ اتّفَقَتْ .(1/2)
? ? ? كَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ فِي فَجْرِ يوم الجمعة بِسُورَتَيْ ( الم تَنْزِيلُ ) وَ ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ) ... =متفق عليه =، ومن ألفاظ مسلم : حدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِ ( الم تَنْزِيلُ ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) =
? قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله - في الفتح :(1/3)
- والمراد أن يقرأ في كل ركعة بسورة ، وكذا بينه مسلم من طريق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه بلفظ : ألم تنزيل في الركعة الأولى ،وفي الثانية هل أتى على الإنسان ... وفيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذه الصلاة من هذا اليوم لما تشعر الصيغة به من مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك أو اكثاره منه ، بل ورد من حديث بن مسعود التصريح بمداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك ، أخرجه الطبراني ولفظه: يديم ذلك ... وأصله في ابن ماجة بدون هذه الزيادة ورجاله ثقات ، لكن صوب أبو حاتم إرساله ، وكأن ابن دقيق العيد لم يقف عليه فقال في الكلام على حديث الباب: ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائما اقتضاء قويا ... وهو كما قال بالنسبة لحديث الباب فإن الصيغة ليست نصا في المداومة ، لكن الزيادة التي ذكرناها نص في ذلك ؛ وقد أشار أبو الوليد الباجي في رجال البخاري إلى الطعن في سعد بن إبراهيم لروايته لهذا الحديث وأن مالكا أمتنع من الرواية عنه لأجله وأن الناس تركوا العمل به لا سيما أهل المدينة. أهـ.... وليس كما قال ، فإن سعدا لم ينفرد به مطلقا فقد أخرجه مسلم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله ... وكذا ابن ماجة والطبراني من حديث بن مسعود ، وابن ماجة من حديث سعد بن أبي وقاص ، والطبراني في الأوسط من حديث علي ... وأما دعواه أن الناس تركوا العمل به فباطلة لأن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين قد قالوا به كما نقله بن المنذر وغيره حتى إنه ثابت عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والد سعد وهو من كبار التابعين من أهل المدينة أنه أم الناس بالمدينة بهما في الفجر يوم الجمعة، أخرجه بن أبي شيبة بإسناد صحيح ... وكلام بن العربي يشعر بأن ترك ذلك أمر طرأ على أهل المدينة لأنه قال: وهو أمر لم يعلم بالمدينة فالله أعلم بمن قطعه كما قطع غيره. أهـ ... وأما امتناع مالك من الرواية عن سعد فليس لأجل هذا الحديث بل لكونه طعن في(1/4)
نسب مالك ، كذا حكاه بن البرقي عن يحيى بن معين ، وحكى أبو حاتم عن علي بن المديني قال :كان سعد بن إبراهيم لا يحدث بالمدينة فلذلك لم يكتب عنه أهلها ...وقال الساجي: أجمع أهل العلم على صدقه ...وقد روى مالك عن عبد الله بن إدريس عن شعبة عنه فصح أنه حجة باتفاقهم ، قال : ومالك إنما لم يرو عنه لمعنى معروف فأما أن يكون تكلم فيه فلا أحفظ ذلك . أهـ ... وقد اختلف تعليل المالكية بكراهة قراءة السجدة في الصلاة فقيل لكونها تشتمل على زيادة سجود في الفرض... قال القرطبي : وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث وقيل لخشية التخليط على المصلين ومن ثم فرق بعضه بين الجهرية والسرية لأن الجهرية يؤمن معها التخليط لكن صح من حديث بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة فيها سجدة في صلاة الظهر فسجد بهم فيها ، أخرجه أبو داود والحاكم ، فبطلت التفرقة ... ومنهم من علل الكراهة بخشية اعتقاد العوام أنها فرض ،قال بن دقيق العيد : أما القول بالكراهة فيأباه الحديث ، لكن إذا انتهى الحال إلى وقوع هذه المفسدة فينبغي أن تترك أحيانا لتندفع ، فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة ، وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات . أهـ ... وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله: ينبغي أن يفعل ذلك في الأغلب للقدوة ويقطع أحيانا لئلا تظنه العامة سنة . أهـ ... وهذا على قاعدتهم في التفرقة بين السنة والمستحب... وقال صاحب المحيط من الحنفية : يستحب قراءة هاتين السورتين في صبح يوم الجمعة بشرط أن يقرأ غير ذلك أحيانا لئلا يظن الجاهل أنه لا يجزئ غيره ... وأما صاحب الهداية منهم فذكر أن علة الكراهة هجران الباقي وإيهام التفضيل ... وقول الطحاوي يناسب قول صاحب المحيط فإنه خص الكراهة بمن يراه إحتمالا يجزئ غيره أو يرى القراءة بغيره مكروهة .... فائدتان : الأولى لم أر في شيء من الطرق التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم سجد لما قرأ سورة تنزيل السجدة في هذا المحل إلا في كتاب(1/5)
الشريعة لابن أبي داود من طريق أخرى عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال غدوت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في صلاة الفجر فقرأ سورة فيها سجدة فسجد الحديث.. وفي إسناده من ينظر في حاله .... وللطبرانى في الصغير من حديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة ..لكن في إسناده ضعف.... الثانية قيل الحكمة في اختصاص يوم الجمعة بقراءة سورة السجدة قصد السجود الزائد حتى أنه يستحب لمن لم يقرأ هذه السورة بعينها أن يقرأ سورة غيرها فيها سجدة وقد عاب ذلك على فاعله غير واحد من العلماء ونسبهم صاحب الهدى إلى قلة العلم ونقص المعرفة لكن عند ابن أبي شيبة بإسناد قوي عن إبراهيم النخعي أنه قال: يستحب أن يقرأ في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة ؛ وعنده من طريقه أيضا أنه فعل ذلك فقرأ سورة مريم ، ومن طريق ابن عون قال كانوا يقرؤون في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة ، وعنده من طريقه أيضا قال: وسألت محمدا يعني ابن سيرين عنه فقال: لا أعلم به بأسا أهـ ... فهذا قد ثبت عن بعض علماء الكوفة والبصرة فلا ينبغي القطع بتزييفه ...وقد ذكر النووي فى زيادات الروضة هذه المسألة وقال : لم أر فيها كلاما لاصحابنا ، ثم قال: وقياس مذهبنا أنه يكره في الصلاة إذا قصده . أهـ ... وقد أفتى بن عبد السلام قبله بالمنع ويبطلان الصلاة بقصد ذلك .... قال صاحب المهمات : مقتضى كلام القاضي حسين الجواز... وقال الفارقي في فوائد المهذب: لا تستحب قراءة سجدة غير تنزيل ، فإن ضاق الوقت عن قراءتها قرأ بما أمكن منها ولو بآية السجدة منها ... ووافقه بن أبي عصرون في كتاب الانتصار ، وفيه نظر ... تكملة = قال الزين بن المنير: مناسبة ترجمة الباب لما قبلها أن ذلك من جملة ما يتعلق بفضل يوم الجمعة لاختصاص صبحها بالمواظبة على قراءة هاتين السورتين، وقيل إن الحكمة في هاتين السورتين الإشارة إلى ما فيهما من ذكر خلق آدم وأحوال يوم(1/6)
القيامة لأن ذلك كان وسيقع يوم الجمعة ذكره بن دحية في العلم المشهور وقرره تقريرا حسنا ...
2 * الْخَاصّةُ الثّانِيَةُ: اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ الصّلَاةِ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِ وَفِي لَيْلَتِهِ لِقَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : أَكْثِرُوا مِنْ الصّلَاةِ عَلَيّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ... وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدُ الْأَنَامِ ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ سَيّدُ الْأَيّامِ ، فَلِلصّلَاةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَزِيّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ ، مَعَ حِكْمَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنّ كُلّ خَيْرٍ نَالَتْهُ أُمّتُهُ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنّمَا نَالَتْهُ عَلَى يَدِهِ فَجَمَعَ اللّهُ لِأُمّتِهِ بِهِ بَيْنَ خَيْرَيْ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَأَعْظَمُ كَرَامَةٍ تَحْصُلُ لَهُمْ فَإِنّمَا تَحْصُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنّ فِيهِ بَعْثُهُمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ وَقُصُورِهِمْ فِي الْجَنّةِ ، وَهُوَ يَوْمُ الْمَزِيدِ لَهُمْ إذَا دَخَلُوا الْجَنّةَ ، وَهُوَ يَوْمُ عِيدٍ لَهُمْ فِي الدّنْيَا ، وَيَوْمٌ فِيهِ يُسْعِفُهُمْ اللّهُ تَعَالَى بِطَلَبَاتِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ وَلَا يَرُدّ سَائِلَهُمْ ... وَهَذَا كُلّهُ إنّمَا عَرَفُوهُ وَحَصَلَ لَهُمْ بِسَبَبِهِ وَعَلَى يَدِهِ فَمِنْ شُكرِه وَحَمدِه وَأَدَاءِ الْقَلِيلِ مِنْ حَقّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ نُكْثِرَ مِنْ الصّلَاةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَيْلَتِهِ .(1/7)
? ? ? أَكْثِرُوا مِنْ الصّلَاةِ عَلَيّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ = رواه أبو داود ، ولفظه : ... عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ قُبِضَ ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ... قَالَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ ؟ يَقُولُونَ بَلِيتَ... فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ ...= ورواه البيهقي في السنن الكبرى:... عن انس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكثروا الصلاة على يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا ... وفي شعب الإيمان : عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثروا علي الصلاة في يوم الجمعة ، وليلة الجمعة ، فمن فعل ذلك كنت له شهيدا ، أو شافعا يوم القيامة " ... وفيه أيضا : عن أنس بن مالك ، خادم النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أقربكم مني يوم القيامة في كل موطن أكثركم علي صلاة في الدنيا ...من صلى علي في يوم الجمعة وليلة الجمعة ، قضى الله له مائة حاجة ، سبعين من حوائج الآخرة ، وثلاثين من حوائج الدنيا ، ثم يوكل الله بذلك ملكا يدخله في قبره كما يدخل عليكم الهدايا ، يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه إلى عشيرته فأثبته عندي في صحيفة بيضاء " ... وفي مسند الشافعي ... عن صفوان بن سليم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة علي " =
*** فوائد من كشف الخفا(1/8)
(أكثروا الصلاة علي في الليلة الزهراء واليوم الأغر فإن صلاتكم تعرض علي) قال في الأصل رواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي مودود عن أبي هريرة مرفوعا وقال تفرد به أبو مودود عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة ، وله شواهد ، ... ، منها ما رواه ابن بشكوال بسند ضعيف عن عمر ابن الخطاب مرفوعا بزيادة : فادعو لكم واستغفر... والليلة الزهراء ليلة الجمعة ، واليوم الأغر يومها ، وعزاها في الدرر للبيهقي في الشعب والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة بلفظ: أكثروا الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر فإن صلاتكم تعرض علي ، قال النجم ورواه البيهقي أيضا عن ابن عباس بزيادة : ليلة الجمعة ويوم الجمعة ، وعند أحمد وأبي داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه عن أوس بن أوس : من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي ...قالوا : يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ قال : إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ، ورواه البيهقي بإسناد جيد عن أبي أمامة : أكثروا علي من الصلاة في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزله ...، وله عن أنس: أكثروا من الصلاة علي في يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن فعل ذلك كنت له شهيدا أو شافعا يوم القيامة ...، ورواه الطبراني بلفظ: أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه أتاني جبريل آنفا عن ربه فقال ما على الأرض من مسلم يصلي عليك واحدة إلا صليت أنا وملائكتي عليه عشرا ، ورواه ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي الدرداء : أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة وأن أحدا لم يصل علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها ، قلت : وبعد الموت ؟ قال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ، ورواه الدارقطني عن ابن المسيب قال أظنه عن(1/9)
أبي هريرة بلفظ : من صلى علي يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين سنة.. قيل : يا رسول الله كيف الصلاة عليك ؟ قال : تقول : اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي.... وتعقد مرة واحدة ، وهو حسن كما قاله العراقي....
** قلت : وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا . = رواه مسلم وأحمد والثلاثة = عام في سائر الأيام ... وكذلك قوله : من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات ورفع له عشر درجات . = رواه أحمد والنسائي والبخاري في الأدب المفرد والحاكم - وقال الألباني رحمه الله : صحيح . وقوله : إن جبريل عليه السلام قال لي ألا أبشرك أن الله عز وجل يقول لك من صلى عليك صلاة صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه .. = أخرجه أحمد من رواية عبد الرحمن بن عوف ؛وحسنه الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح.... والترغيب والترهيب = وفي رواية لأحمد والنسائي وابن حبان والحاكم ، عن أبي طلحة ،: أتاني جبريل فقال يا محمد أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول إنه لا يصلي عليك من أمتك أحد صلاة إلا صليت عليه بها عشر ولا يسلم عليك أحد من أمتك تسليمة إلا سلمت عليه عشرا فقلت بلى أي رب . صححه الألباني رحمه الله في تحقيقه لجامع السيوطي.
3 * الْخَاصّةُ الثّالِثَةُ : صَلَاةُ الْجُمُعَةِ الّتِي هِيَ مِنْ آكَدِ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ وَمِنْ أَعْظَمِ مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ كُلّ مَجْمَعٍ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَأَفْرَضُهُ سِوَى مَجْمَعِ عَرَفَةَ وَمَنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللّهُ عَلَى قَلْبِهِ ، وَقرْب أَهْلِ الْجَنّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَبقهمْ إلَى الزّيَارَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ بِحَسْبِ قُرْبِهِمْ مِنْ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَبْكِيرِهِمْ .(1/10)
? ? ? قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (الجمعة : 9 ) ...
قال القرطبي رحمه الله: خاطب الله المؤمنين بالجمعة دون الكافرين تشريفا لهم وتكريما فقال: "يا أيها الذين آمنوا" ثم خصه بالنداء، وإن كان قد دخل في عموم قوله تعالى: "وإذا ناديتم إلى الصلاة" (المائدة: 58) ليدل على وجوبه وتأكيد فرضه . وقال بعض العلماء: كون الصلاة الجمعة ها هنا معلوم بالإجماع لا من نفس اللفظ. قال ابن العربي: وعندي أنه معلوم من نفس اللفظ بنكتة وهي قوله: "من يوم الجمعة" وذلك يفيده؛ لأن النداء الذي يختص بذلك اليوم هو نداء تلك الصلاة. فأما غيرها فهو عام في سائر الأيام. ولو لم يكن المراد به نداء الجمعة لما كان لتخصيصه بها وإضافته إليها معنى ولا فائدة.(1/11)
فائدة : أول جمعة جمعها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ؛ قال أهل السير والتواريخ: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا حتى نزل بقباء، على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى. ومن تلك السنة يعد التاريخ. فأقام بقباء إلى يوم الخميس وأسس مسجدهم. ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة ؛ فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا ؛ فجمع بهم وخطب. وهي أول خطبة خطبها بالمدينة، وقال فيها: ( الحمد لله. أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفر به. واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسول، أرسله بالهدى ودين الحق، والنور والموعظة والحكمة على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل. من يطع الله ورسوله فقد رشد. ومن يعص الله ورسول فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا. أوصيكم بتقوى الله، فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله. واحذروا ما حذركم الله من نفسه؛ فإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة. ومن يصلح الذي بينه وبين ربه من أمره في السر والعلانية، لا ينوي به إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره، وذخرا فيما بعد الموت، حين يفتقر المرء إلى ما قدم. وما كان مما سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا. "ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد" ( آل عمران: 30). وهو الذي صدق قول ، وأنجز وعده ، لا خلف لذلك ؛ فإنه يقول تعالى: "ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد" ( ق: 29 ). فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية ؛ فإنه "ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا" ( الطلاق: 5 ) . ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما. وإن تقوى الله(1/12)
توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه. وإن تقوى الله تبيض الوجوه، وترضي الرب، وترفع الدرجة. فخذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله، فقد علمكم كتابه، ونهج لكم سبيله؛ ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين. فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده؛ هو اجتباكم وسماكم المسلمين. ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة. ولا حول ولا قوة إلا بالله. فأكثروا ذكر الله تعالى، واعملوا لما بعد الموت؛ فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس. ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه . الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ). وأول جمعة جمعت بعدها جمعة بقرية يقال لها: "جواثي" من قرى البحرين. وقيل: إن أول من سماها الجمعة كعب بن لؤي بن غالب لاجتماع قريش فيه إلى كعب ؛ والله اعلم....(1/13)
? ? ? وَمَنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللّهُ عَلَى قَلْبِهِ = رواه أبو داود ... عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ... وراه الترمذي ، ومتنه : مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ... وفي سنن النسائي : مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ... وعند ابن ماجه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ... وفي مسند أحمد : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ... ورواه ابن حبان والبيهقي وابن أبي شيبة والحاكم والدارمي والطبراني .... =
** قلت : عزاه السيوطي في الجامع الصغير لأحمد والأربعة والحاكم ؛ وقال الألباني رحمه الله : صحيح ... كما صحح حديث الطبراني عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين ....وفي الطحاوية : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ترك ثلاث جمع تهاونا من غير عذر طبع الله على قلبه " .(1/14)
? ? ? ...قُرْبِهِمْ مِنْ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَبْكِيرِهِمْ = في الدنو من الإمام ، روى البيهقي في سننه الكبرى والحاكم في مستدركه ... عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غسل واغتسل يوم الجمعة وغدا وابتكر ودنا واقترب واستمع وانصت كان له بكل خطوة يخطوها اجر قيام سنة وصيامها .... ؛ ورواه الطبراني في الكبير ...عن أبي طلحة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غسل واغتسل وغدا وابتكر ودنا من الإمام وأنصت ولم يلغ في الجمعة كتب الله له بكل خطوة خطاها إلى المسجد صيام سنة وقيامها .قال في مجمع الوائد : فيه إبراهيم بن محمد بن جناح ولم أجد من ذكره وبقية رجاله ثقات .
- وفي التبكير ، أخرج الشيخان ومالك وأحمد والنسائي وأبو داود و الترمذي وابن حبان والبيهقي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ - هذا لفظ البخاري -(1/15)
4 * الْخَاصّةُ الرّابِعَةُ : الْأَمْرُ بِالِاغْتِسَالِ فِي يَوْمِهَا وَهُوَ أَمْرٌ مُؤَكّدٌ جِدّا وَوُجُوبُهُ أَقْوَى مِنْ وُجُوبِ الْوِتْرِ وَقِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ فِي الصّلَاةِ وَوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسّ النّسَاءِ وَوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسّ الذّكَرِ وَوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصّلَاةِ وَوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ الرّعَافِ وَالْحِجَامَةِ وَالْقَيْءِ وَوُجُوبِ الصّلَاةِ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي التّشَهّدِ الْأَخِيرِ وَوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ ....وَلِلنّاسِ فِي وُجُوبِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: النّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ وَالتّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ بِهِ رَائِحَةٌ يَحْتَاجُ إلَى إزَالَتِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ فَيُسْتَحَبّ لَهُ وَالثّلَاثَةُ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ .(1/16)
? ? ? الْأَمْرُ بِالِاغْتِسَالِ فِي يَوْمِهَا = روى الشيخان وأصحاب السنن وأحمد وغيرهم ... عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ... وروى البخاري و مسلم وغيرهما : عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ .... وعين النسائي وابن حبان وابن خزيمة هذا اليوم فيما رووه من حديث جابر قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ؛ وروى البخاري ... عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ...وله : مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ ...ومن ألفاظ مسلم : إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ ...
+ فائدة : في صحيح البخاري = كتاب الجمعة - باب: فضل الغسل يوم الجمعة
- حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال: أخبرنا جويرية، عن مالك، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر، رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب، بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة، إذا دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فناداه عمر: أية ساعة هذه ؟ قال: إني شغلت، فلم انقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأت. فقال: والوضوء أيضا، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل.(1/17)
? ? ? قال ابن حجر :... وقد سمي بن وهب وابن القاسم في روايتهما عن مالك في الموطأ الرجل المذكور عثمان بن عفان وكذا سماه معمر في روايته عن الزهري عند الشافعي وغيره وكذا وقع في رواية بن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع عن بن عمر قال بن عبد البر لا أعلم خلافا في ذلك ... وقد سماه أيضا أبو هريرة في روايته لهذه القصة عند مسلم ... قوله : فناداه أي قال له يا فلان ، قوله : أية ساعة هذه ؟ أيَّة بتشديد التحتانية تأنيث أي، يستفهم بها ، والساعة اسم لجزء من النهار مقدر وتطلق على الوقت الحاضر وهو المراد هنا ...وهذا الاستفهام استفهام توبيخ وانكار ..كأنه يقول، لم تأخرت إلى هذه الساعة ؟ وقد ورد التصريح بالإنكار في رواية أبي هريرة ، فقال عمر : لم تحتبسون عن الصلاة ؟ وفي رواية مسلم فعرض عنه عمر فقال : ما بال رجال يتأخرون بعد النداء ؟ والذي يظهر أن عمر قال ذلك كله ، فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر ...ومراد عمر التلميح إلى ساعات التبكير التي وقع الترغيب فيها وأنها إذا انقضت طوت الملائكة الصحف ... وهذا من أحسن التعريضات وأرشق الكنايات وفهم عثمان ذلك فبادر إلى الاعتذار عن التأخر... قوله: إني شُغلت بضم أوله وقد بين جهة شغله في رواية عبد الرحمن بن مهدي حيث قال :انقلبت من السوق فسمعت النداء والمراد به الأذان بين يدي الخطيب ... قوله : فلم أزد على أن توضأت ، لم اشتغل بشيء بعد أن سمعت النداء إلا بالوضوء ، وهذا يدل على أنه دخل المسجد في ابتداء شروع عمر في الخطبة ...قوله :والوضوء أيضا ؟ فيه إشعار بأنه قبل عذره في ترك التبكير لكنه استنبط منه معنى آخر اتجه له عليه فيه إنكار ثان مضاف إلى الأول ...وقوله : والوضوء ؟ في روايتنا بالنصب وعليه اقتصر النووي في شرح مسلم ؛ أي والوضوء أيضا اقتصرت عليه أو اخترته دون الغسل ؟ والمعنى : ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء... وجوز القرطبي(1/18)
الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي والوضوء أيضا يقتصر عليه... وأغرب السهيلي فقال اتفق الرواة على الرفع لأن النصب يخرجه إلى معنى الإنكار يعني والوضوء لا ينكر ؛ وجوابه ما تقدم والظاهر أن الواو عاطفة ، ...، وقوله : أيضا ، أي ألم يكفك أن فاتك فضل التبكير إلى الجمعة حتى أضفت إليه ترك الغسل المرغب فيه؟ ولم أقف في شيء من الروايات على جواب عثمان عن ذلك ، والظاهر أنه سكت عنه اكتفاء بالاعتذار الأول لأنه قد أشار إلى أنه كان ذاهلا عن الوقت وأنه بادر عند سماع النداء وإنما ترك الغسل لأنه تعارض عنده إدراك سماع الخطبة والاشتغال بالغسل وكل منهما مرغب فآثر سماع الخطبة ... ولعله كان يرى فرضيته فلذلك آثره والله أعلم. قوله :كان يأمر بالغسل... كذا في جميع الروايات لم يذكر المأمور إلا أن في رواية جويرية عن نافع بلفظ :كنا نؤمر ... وفي حديث بن عباس عند الطحاوي في هذه القصة أن عمر قال له : لقد علمت أنا أمرنا بالغسل ...قلت أنتم المهاجرون الأولون أم الناس جميعا ؟ قال :لا أدرى ... رواته ثقات إلا أنه معلول ؛ وقد وقع في رواية أبي هريرة في هذه القصة أن عمر قال : ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل؟ كذا هو في الصحيحين وغيرهما ...وهو ظاهر في عدم التخصيص بالمهاجرين الأولين ...
5 * الْخَاصّةُ الْخَامِسَةُ : التّطَيّبُ فِيهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التّطَيّبِ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَيّامِ الْأُسْبُوعِ .(1/19)
? ? ? روى البخاري ... عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ... وفي رواية أخرى : حدثنا علي قال: حدثنا حرمي بن عمارة قال: حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن المنكدرقال: حدثني عمرو بن سليم الأنصاري قال: أشهد على أبي سعيد قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، أن يمس طيبا إن وجد) . قال عمرو: أما الغسل فأشهد أنه واجب، وأما الاستنان والطيب فالله أعلم، أواجب هو أم لا؟ ولكن هكذا في الحديث.... وأخرج أحمد : عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِنْ الْحَقِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَحَدُهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَنْ يَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَ أَهْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ طِيبٌ فَإِنَّ الْمَاءَ أَطْيَبُ ...
? قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله - في الفتح :(1/20)
قوله: ( وأن يمس ) بفتح الميم على الأفصح ، قوله :( إن وجد ) متعلق بالطيب أي إن وجد الطيب مسه ، ويحتمل تعلقه بما قبله أيضا ... وفي رواية مسلم ( ويمس من الطيب ما يقدر عليه ) ، وفي رواية : ( ولو من طيب المرأة )... قال عياض : يحتمل قوله : ( ما يقدر عليه ) إرادة التأكيد ليفعل ما أمكنه ، ويحتمل إرادة الكثرة ...والأول أظهر ويؤيده قوله : (ولو من طيب المرأة ) لأنه يكره استعماله للرجل ، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه، فإباحته للرجل لأجل عدم غيره يدل على تأكد الأمر في ذلك ، ويؤخذ من اقتصاره على المس الأخذ بالتخفيف في ذلك ... قال الزين بن المنير: فيه تنبيه على الرفق وعلى تيسير الأمر في التطيب بأن يكون بأقل ما يمكن حتى إنه يجزئ مسه من غير تناول قدر ينقصه تحريضا على امتثال الأمر فيه ...
? وقال في شرحه لحديث : ( لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى).= باب: الدهن للجمعة ...(1/21)
- قوله : ( ويتطهر ما استطاع من الطهر ) في رواية الكشميهني : ( من طهر ) والمراد به المبالغة في التنظيف ، ويؤخذ من عطفه على الغسل أن إفاضة الماء تكفى في حصول الغسل، أو المراد به التنظيف بأخذ الشارب والظفر والعانة ، أو المراد بالغسل غسل الجسد وبالتطهير غسل الرأس... قوله: ( ويدهن ) المراد به إزالة شعث الشعر به وفيه إشارة إلى التزين يوم الجمعة... قوله: ( أو يمس من طيب بيته ) أي إن لم يجد دهنا ، ويحتمل أن يكون أو بعنى الواو وإضافته إلى البيت تؤذن بان السنة أن يتخذ المرء لنفسه طيبا ويجعل استعماله له عادة فيدخره في البيت ، كذا قال بعضهم بناء على أن المراد بالبيت حقيقته ، لكن في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود:( أو يمس من طيب امرأته ) فعلى هذا فالمعنى إن لم يتخذ لنفسه طيبا فليستعمل من طيب امرأته وهو موافق لحديث أبي سعيد الماضي ذكره عند مسلم حيث قال فيه : ( ولو من طيب المرأة ) وفيه أن بيت الرجل يطلق ويراد به امرأته ...
6 * الْخَاصّةُ السّادِسَةُ : السّوَاكُ فِيهِ وَلَهُ مَزِيّةٌ عَلَى السّوَاكِ فِي غَيْرِهِ .(1/22)
? ? ? روى مالك في الموطأ ... حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي جُمُعَةٍ مِنْ الْجُمَعِ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا فَاغْتَسِلُوا وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ ... ومما جاء في السواك : عن عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ... (البخاري وأحمد والنسائي وابن ماجه) .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ . ((البخاري ومسلم ، ومالك، وأحمد ، والترمذي ،وابن ماجه، وابن حزيمة ) -ورواه أحمد وأبو داود والنسائي عن زيد بن خالد الجهني..)
وأخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى ولفظه = عن ابى هريرة قال ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا ان اشق على امتى لفرضت عليهم السواك مع الوضوء ... وفي معجم الطبراني : عَنْ سَهْلِ بن ُنَيْفٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"مِنْ حَقِّ الْجُمُعَةِ السِّوَاكُ، وَالْغُسْلُ، وَمَنْ وَجَدَ طِيبًا فَلْيَمَسَّ مِنْهُ" ....(1/23)
- قال في المنتقى شرح الموطأ : وَقَوْلُهُ وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ أَمَرَ بِهِ وَنَدَبَ إِلَيْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ السِّوَاكُ وَاجِبٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَنْظِيفٌ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَغَسْلِ الْفَمِ مِنْ الذَّفَرِ وَالْغَمَرِ...( قلت : الذفر = حِدَّةُ رائحةِ الشيءِ خَبيثاً كانَ أو طَيِّباً ؛ والغمر = رائحة اللحم .
- وقال في تنوير الحوالك شرح موطأ مالك :(1/24)
قوله :( وعليكم بالسواك ) ، قال الرافعي في شرح المسند : السواك فيما حكى بن دريد من قولهم سكت الشئ إذا دلكته سوكا وذكر أنه يقال ساك فاه فإذا قلت استاك لم يذكر الفم وعن الخليل أنه من قولهم تساوكت الابل أي اضطربت أعناقها من الهزال وذلك لان اليد تضطرب عند السواك قال والسواك العود نفسه والسواك استعماله وعن أبي حنيفة الدينوري أنه يقال سواك ومسواك ويجمع مساويك وسوكا انتهى... ( لولا أن أشق على أمتي ) قال الرافعي: أي اثقل عليهم ، يقول شققت عليه إذا أدخلت عليه المشقة أشق شقا بالفتح ( لامرتهم بالسواك ) قال الرافعي: أي أمر إيجاب... وقال بن دقيق العيد : استدل به بعض أهل الاصول على أن الامر للوجوب ووجه الاستدلال أن كلمة لولا تدل على انتفاء الشئ لوجود غيره فتدل على انتفاء الامر لوجود المشقة والمنفي لاجل المشقة إنما هو الوجوب لا الاستحباب فان استحباب السواك ثابت عند كل صلاة فيقتضي ذلك أن الامر للوجوب. انتهى.. وفي مسند أحمد من حديث فتم بن العباس أو تمام بن العباس : ( لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء )... ولابن ماجة من حديث أبي أمامة : ( ما جاء في جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي لولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم )...تنبيه في الحديث اختصار من أثنائه وآخره ، وقد أخرجه الشافعي في الام عن سفيان عن أبي الزناد بسنده بلفظ :( لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بتأخير العشاء والسواك عند كل صلاة )... عن أبي هريرة أنه قال : لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء... قال بن عبد البر هذا الحديث يدخل في المسند لاتصاله من غير ما وجه ولما يدل عليه اللفظ قال وبهذا اللفظ رواه أكثر الرواة عن مالك وممن رواه كما رواه يحيى أبو مصعب وابن بكير والقعنبي وابن القاسم وابن وهب وابن نافع ورواه معن بن عيسى وأيوب بن صالح وعبد الرحمن بن مهدي وجويرية وأبو قرة موسى(1/25)
بن طارق وإسماعيل بن أبي أويس ومطرف بن عبد الله اليساري الأصم وبشر بن عمر وروح بن عبادة وسعيد بن عفير وسحنون عن بن القاسم عن مالك بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لولا أن يشق على أمتي لامرتهم بالسواك مع كل وضوء ) ...
7 * الْخَاصّةُ السّابِعَةُ : التّبْكِيرُ لِلصّلَاةِ .
? ? ? عن أوس بن أوس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها . رواه أحمد ولترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه ... وقال الألباني رحمه الله : صحيح ... وزاد الطبراني في معجمه الكبير : وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. وفي رواية له : منْ غَسَّلَ وَغَدَا فَابْتَكَرَ ، ثُمَّ جَلَسَ قَرِيبًا مِنَ الإِمَامِ ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ ، صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا ...
-ومعنى بكَّر : أتى الصلاة في أول وقتها ... وابتَكر : أدْرَك أوَّل الخُطبة ( حاشية الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم) .
-- وقريبا مر حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ...(1/26)
- وروى الشيخان والنسائي وابن ماجة ؛ عن أبي هريرة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول. فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر. ومثل المهجر الذي يهدي البدنة. ثم كالذي يهدي بقرة. ثم كالذي يهدي الكبش. ثم كالذى يهدي الدجاجة. ثم كالذي يهدي البيضة"....واللفظ لمسلم في كتاب الجمعة، باب باب فضل التهجير يوم الجمعة .
? قال المناوي رحمه الله - في فيص القدير :(1/27)
(إذا كان) هي هنا تامة وفيما مر فلا تحتاج إلى خبر ، والمعنى إذا وجد (يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد) لامه للجنس أو للاستغراق....فالمراد جميع المساجد ، وخصها لأن الغالب إقامة الجمعة في مسجد (ملائكة) بالتنكير للتكثير لمناسبة المصلين أي جمع كثير من الملائكة ، وهم هنا غير الحفظة كما يفيده قوله الآتي ( طووا الصحف ) فوظيفة هؤلاء كتابة من يحضر الجمعة أولا فأولا واستماع الذكر ... (يكتبون الناس) أي أجور المجتمعين على قدر منازلهم أي مراتبهم في المجئ. ... ولهذا قال (الأول) أي ثواب من يأتي في الوقت الأول (فالأول) أي يكتبون ثواب من يجئ بعده في الوقت الثاني سماه أولا لأنه سابق على من يجئ في الوقت الثالث فالأول هنا بمعنى الأسبق وقال في شرح المصابيح : الأول فالأول نصب على الحال وجاءت معرفة وهو قليل ، وقال الزركشي : الأول فالأول نصب على الحال : أي مرتبين وجاز مجيئهما معرفة على الشذوذ ، ( فإذا جلس الإمام) أي صعد المنبر وجلس عليه للخطبة (طووا) أي الملائكة (الصحف) صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة لاغيرها من أعمالها ، فإنه إنما يكتبها الحافظان ، وهي جمع صحيفة ، أي الورقة التي يكتب فيها ... وفي استماع الملائكة الخطبة حث على استماعها لنا وهو سنة وإن كان سماعها واجبا (وجاؤوا يستمعون الذكر) أي الخطبة ، فلا يكتبون ثواب من يجئ في ذلك الوقت ... (ومثل المهجر) أي وصلاة الآتي في أول ساعة ، وهو اسم فاعل من هجر يهجر : إذا بكر وأتى الأمر من أوله ، أو من هجر منزله إذا تركه أي وقت كان وكيفما كان ليس من الهاجرة التي هي شدة الحر كما زعمه المالكية (كمثل) بزيادة الكاف أو مثل (الذي يهدي) بضم أوله : أي يقرب (بدنه) أي يتصدق ببعير ذكرا أو أنثى متقربا إلى الله : فالهاء للوحدة لا للتأنيث ، قال في الكشاف : سميت به لعظم بدنها ، وهي للإبل خاصة ، وقال غيره للتبدن وللبدانة : السمن ... وفي رواية ابن جريج(1/28)
عن عبد الرزاق فله من الأجر مثل الجزور ، وظاهره أن الثواب لو تجسد كان قدره (ثم كالذي يهدي بقرة) ذكرا أو أنثى ، فالهاء للوحدة ، سميت به لأنها تبقر الأرض : أي تشقها ، وهذا خبر مبتدأ محذوف تقديره ثم الثاني ، أي الآتي في الساعة الثانية كالذي يهدي بقرة ، وليس معطوفا على الخبر الأول لئلا يقعا معا مع عدم اجتماعهما خبرا عن واحد ، وهو ممتنع وكذا يقدر في الثلاثة الآتية ، وانحطاط رتبة البقرة هنا عن البدنة موافق لما في الأضحية من حيث الأفضلية المناسبة لما هنا ومخالف له من حيث إجزاء كل منهما عن سبعة ، ثم وفرق بأن المعتبر هنا كبر الجسم في البدنة مع كونها أحب أموال العرب وأنفسها عندهم وثم كثرة اللحم وأطيبته وهو في البدنة أكثر وفي البقرة أطيب فيعتدلان فسوى بينهما (ثم كالذي يهدي الكبش) فحل الضأن في أي سن كان أو إذا أربع أو إذا أثنى ووصفه في رواية بكونه أقرن لكماله وحسن صورته ولأن قرنه ينتفع به ... وفي صحيح ابن خزيمة شاة بدل كبش وهي محمولة عليه (ثم كالذي يهدي الدجاجة) بتثليث الدال والفتح أفصح... وفي صحيح ابن خزيمة طائر بدل دجاجة وهي محمول عليها ... واستشكل التعبير بالهدي في دجاجة وبيضة بأنه لا يكون منهما ، وأجيب بأنه من باب المشاكلة أي من تسمية الشئ باسم قرينه ... والمراد بالهدي هنا التصدق (ثم كالذي يهدي البيضة) بيضة دجاجة كما هو المتبادر ... وفي النسائي بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة ... وفي رواية بعد الكبش دجاجة ثم عصفورا ثم بيضة وإسنادهما صحيح ... وبذلك يتضح استيعاب الست ساعات التي هي نصف النهار وليس المراد بها الفلكية كما في الروضة تبعا للنص لئلا يستوي الإتيان في طرفي ساعة بل أوقات تترتب فيها درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة ... لكن في المجموع وشرح مسلم المراد الفلكية ، لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الأخير وبدنة المتوسط متوسطة ... وفي إعتناء الملائكة بكتابه السابق دلالة على ندب(1/29)
التبكير إليها وهو ما عليه الأئمة الثلاثة وذهب مالك وبعض الشافعية كإمام الحرمين إلى أفضلية تأخير الذهاب إلى الزوال ...وأشعر قوله : ( فإذا خرج الإمام طويت الصحف ) أنه مستثنى من ندب التبكير لدلالته على أنه لا يخرج إلا بعد انقضاء وقت التبكير فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة اتباعا للمصطفى وخلفائه ...
8 * الْخَاصّةُ الثّامِنَةُ : أَنْ يَشْتَغِلَ بِالصّلَاةِ وَالذّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ حَتّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ .
? ? ? روى البخاري في صحيحه ...عن سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ أَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ...
ـ وروى الإمام أحمد في مسنده : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتَاكَ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ ثُمَّ رَكَعَ مَا شَاءَ أَنْ يَرْكَعَ ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا قَالَ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ زِيَادَةٌ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ....(1/30)
ـ ومتن هذا الحديث في معرفة السنن والآثار للبيهقي : " من اغتسل يوم الجمعة واستاك ولبس أحسن ثيابه ، وتطيب بطيب إن وجده ، ثم جاء ولم يتخط الناس فصلى ما شاء الله أن يصلي ، فإذا خرج الإمام سكت ، فذلك كفارة إلى الجمعة الأخرى... " ومعنى الكفارة : الماحية للخطأ والذنب .
? قال ابن حجر رحمه الله - في الفتح :
قَوْلُهُ : ( ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ) فِي حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء " ثُمَّ يَرْكَع مَا قُضِيَ لَهُ " وَفِي حَدِيث أَبِي أَيُّوب " فَيَرْكَع إِنْ بَدَا لَهُ " ....قال : وفيه مشروعية النافلة قبل صلاة الجمعة لقوله ك ( صلى ما كتب له ) ثم قال : (ثم ينصت ) إذا تكلم الإمام ... فدل على تقدم ذلك على الخطبة ؛ وقد بينه أحمد من حديث نبيشة الهذلي بلفظ : ( فإن لم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له ) وفيه جواز النافلة نصف النهار يوم الجمعة واستدل به على أن التبكير ليس من ابتداء الزوال لأن خروج الإمام يعقب الزوال فلا يسع وقتا يتنفل فيه... وتبين بمجموع ما ذكرنا أن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميع ما تقدم من غسل وتنظف وتطيب أو دهن ولبس أحسن الثياب والمشى بالسكينة وترك التخطى والتفرقة بين الإثنين وترك الأذى والتنفل والإنصات وترك اللغو ...
9 * الْخَاصّةُ التّاسِعَةُ : الْإِنْصَاتُ لِلْخُطْبَةِ إذَا سَمِعَهَا وُجُوبًا فِي أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ لَاغِيًا وَمَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ وَفِي " الْمُسْنَدِ " مَرْفُوعًا : وَاَلّذِي يَقُولُ لِصَاحِبِهِ أَنْصِتْ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ .
? ? ? وَمَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ(1/31)
- روى الشيخان ومالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان وابن خزيمة والطبراني والبيهقي وابن أبي شيبة والشافعي وأبو يعلى والدرمي ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْتَ ...
- وفي مسند الإمام أحمد : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ مَوْلَى امْرَأَتِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ خَرَجَ الشَّيَاطِينُ يُرَبِّثُونَ النَّاسَ إِلَى أَسْوَاقِهِمْ وَمَعَهُمْ الرَّايَاتُ وَتَقْعُدُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ يَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ مَنَازِلِهِمْ السَّابِقَ وَالْمُصَلِّيَ وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ فَمَنْ دَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَأَنْصَتَ أَوْ اسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلَانِ مِنْ الْأَجْرِ وَمَنْ نَأَى عَنْهُ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْ الْأَجْرِ وَمَنْ دَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَلَغَا وَلَمْ يُنْصِتْ وَلَمْ يَسْتَمِعْ كَانَ عَلَيْهِ كِفْلَانِ مِنْ الْوِزْرِ وَمَنْ نَأَى عَنْهُ فَلَغَا وَلَمْ يُنْصِتْ وَلَمْ يَسْتَمِعْ كَانَ عَلَيْهِ كِفْلٌ مِنْ الْوِزْرِ وَمَنْ قَالَ صَهٍ فَقَدْ تَكَلَّمَ وَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ ... ثُمَّ قَالَ هَكَذَا سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
- وفي مصنف عبد الرزاق : ومن قال : صه والامام يخطب فقد لغا ، ومن لغا فلا جمعة له ، أو قال : فلا شئ له.(1/32)
-- قال ابن حجر : قَوْلُهُ : ( فَقَدْ لَغَوْت )...قَالَ الْأَخْفَش : اللَّغْو الْكَلَام الَّذِي لَا أَصْل لَهُ مِنْ الْبَاطِل وَشَبَهه ، وَقَالَ اِبْن عَرَفَة : اللَّغْو السَّقْط مِنْ الْقَوْل ، وَقِيلَ : الْمَيْل عَنْ الصَّوَاب ، وَقِيلَ : اللَّغْو الْإِثْم كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) . وَقَالَ الزَّيْن ابْن الْمُنِير اِتَّفَقَتْ أَقْوَال الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ اللَّغْو مَا لَا يَحْسُن مِنْ الْكَلَام . وَأَغْرَبَ أَبُو عُبَيْد الْهَرَوِيُّ فِي " الْغَرِيب " فَقَالَ : مَعْنَى لَغَا تَكَلَّمَ ، كَذَا أَطْلَقَ . وَالصَّوَاب التَّقْيِيد . وَقَالَ النَّضْر بْنُ شُمَيْلٍ : مَعْنَى لَغَوْت خِبْت مِنْ الْأَجْر ، وَقِيلَ بَطَلَتْ فَضِيلَة جُمُعَتك ، وَقِيلَ صَارَتْ جُمُعَتك ظُهْرً ..... قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ لَا جُمُعَة لَهُ كَامِلَة لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إِسْقَاط فَرْض الْوَقْت عَنْهُ.
-- قال ابن بطال : قوله : " لا جمعة له " ، أى لا جمعة كاملة مثل جمعة المنصت؛ لأن جماعة الفقهاء مجمعون أن جمعته مجزئة عنه، ولا يصلى أربعًا. وقال ابن وهب: من لَغَا كانت صلاته ظهرًا ولم تكن له جمعة وحُرِمَ فضلها.
وقال ابن جريج: قلت لعطاء: هل تعلم شيئًا يقطع جمعة الإنسان حتى يجب عليه أن يصلى أربعًا من كلام أو تخطى رقاب الناس أو غير ذلك؟ قال: لا...
10 * الْخَاصّةُ الْعَاشِرَةُ : قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَطَعَ لَهُ نُورٌ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ إلَى عَنَانِ السّمَاءِ يُضِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَغُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ.. وَذَكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ قَوْل ِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي ّ وَهُوَ أَشْبَهُ .(1/33)
? ? ? قال ابن كثير رحمه الله : ذكر ما ورد في فضل سورة الكهف والعشر الاَيات من أولها وآخرها وأنها عصمة من الدجال ...
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: قرأ رجل الكهف وفي الدار دابة, فجعلت تنفر, فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " اقرأ فلان, فإنها السكينة تنزل عند القرآن أو تنزلت للقرآن" أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به, وهذا الرجل الذي كان يتلوها هو أسيد بن الحضير ... وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, أخبرنا هشام بن يحيى عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد, عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال" رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث قتادة به, ولفظ الترمذي "من حفظ ثلاث آيات من أول الكهف" وقال: حسن صحيح.(1/34)
(طريق أخرى) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج, حدثنا شعبة عن قتادة, سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث عن معدان عن أبي الدرداء, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " فيحتمل أن سالماً سمعه من ثوبان ومن أبي الدرداء. وقال أحمد: حدثنا حسين, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا زبان بن فايد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني, عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قرأ أول سورة الكهف وآخرها, كانت له نوراً من قدمه إلى رأسه, ومن قرأها كلها كانت له نوراً ما بين السماء والأرض" انفرد به أحمد ولم يخرجوه, وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره بإسناد له غريب عن خالد بن سعيد بن أبي مريم, عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين " وهذا الحديث في رفعه نظر, وأحسن أحواله الوقف....وهكذا روى الإمام سعيد بن منصور في سننه عن هشيم بن بشير عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق. هكذا وقع موقوفاً, وكذا رواه الثوري عن أبي هاشم به من حديث أبي سعيد الخدري وقد أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي بكر محمد بن المؤمل, حدثنا الفضيل بن محمد الشعراني, حدثنا نعيم بن حماد, حدثنا هشيم, حدثنا أبو هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد, عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين" ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد, ولم يخرجاه, وهكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في سننه عن الحاكم, ثم قال البيهقي: ورواه يحيى بن كثير عن شعبة عن أبي هاشم بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم(1/35)
قال: "من قرأ سورة الكهف كما نزلت, كانت له نوراً يوم القيامة" وفي المختارة للحافظ الضياء المقدسي من حديث عبد الله بن مصعب عن منظور بن زيد بن خالد الجهني, عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي مرفوعاً: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة, فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة, وإن خرج الدجال عصم منه....
11 * الْخَاصّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : إنّهُ لَا يُكْرَهُ فِعْلُ الصّلَاةِ فِيهِ وَقْتَ الزّوَالِ عِنْدَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ وَمَنْ وَافَقَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا أَبِي الْعَبّاسِ ابْنِ تَيْمِيّةَ وَلَمْ يَكُنْ اعْتِمَادُهُ عَلَى حَدِيثِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي قَتَادَة عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَرِهَ الصّلَاةَ نِصْفَ النّهَارِ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ . وَقَالَ : إنّ جَهَنّمَ تُسْجَرُ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ - وَإِنّمَا كَانَ اعْتِمَادُهُ عَلَى أَنّ مَنْ جَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ يُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يُصَلّيَ حَتّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ ... وَفِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمّ يُصَلّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمّ يَنْصِتُ إذَا تَكَلّمَ الْإِمَامُ إلّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى = رَوَاهُ الْبُخَارِيّ... فَنَدَبَهُ إلَى الصّلَاةِ مَا كُتِبَ لَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ عَنْهَا إلّا فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السّلَفِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : خُرُوجُ الْإِمَامِ يَمْنَعُ الصّلَاةَ وَخُطْبَتُهُ تَمْنَعُ الْكَلَامَ(1/36)
فَجَعَلُوا الْمَانِعَ مِنْ الصّلَاةِ خُرُوجَ الْإِمَامِ لَا انْتِصَافَ النّهَارِ ....
وَأَيْضًا فَإِنّ النّاسَ يَكُونُونَ فِي الْمَسْجِدِ تَحْتَ السّقُوفِ وَلَا يَشْعُرُونَ بِوَقْتِ الزّوَالِ وَالرّجُلُ يَكُونُ مُتَشَاغِلًا بِالصّلَاةِ لَا يَدْرِي بِوَقْتِ الزّوَالِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ وَيَتَخَطّى رِقَابَ النّاسِ وَيَنْظُرَ إلَى الشّمْسِ وَيَرْجِعُ وَلَا يُشْرَعُ لَهُ ذَلِكَ .
وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَة هَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد : هُوَ مُرْسَلٌ لِأَنّ أَبَا الْخَلِيلِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي قَتَادَة وَالْمُرْسَلُ إذَا اتّصَلَ بِهِ عَمِلَ وَعَضّدَهُ قِيَاسٌ أَوْ قَوْلُ صَحَابِيّ أَوْ كَانَ مُرْسِلُهُ مَعْرُوفًا بِاخْتِيَارِ الشّيُوخِ وَرَغْبَتِهِ عَنْ الرّوَايَةِ عَنْ الضّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمّا يَقْتَضِي قُوّتَهُ عُمِلَ بِهِ . وَأَيْضًا فَقَدْ عَضّدَهُ شَوَاهِدُ أُخَرُ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشّافِعِيّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ رُوِيَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَى عَنْ الصّلَاةِ نِصْفَ النّهَارِ حَتّى تَزُولَ الشّمْسُ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَة هَكَذَا رَوَاهُ رَحِمَهُ اللّهُ فِي كِتَابِ " اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ " وَرَوَاهُ فِي " كِتَابِ الْجُمُعَةِ " : حَدّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ إسْحَاقَ وَرَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي " الْمَعْرِفَةِ " مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَن ْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ(1/37)
قَالَا : كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْهَى عَنْ الصّلَاةِ نِصْفَ النّهَارِ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ . وَلَكِنّ إسْنَادَهُ فِيهِ مَنْ لَا يُحْتَجّ بِهِ قَالَهُ الْبَيْهَقِيّ قَالَ وَلَكِنْ إذَا انْضَمّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ إلَى حَدِيثِ أَبِي قَتَادَة أَحْدَثَتْ بَعْضَ الْقُوّةِ .
قَالَ الشّافِعِيّ : مِنْ شَأْنِ النّاسِ التّهْجِيرُ إلَى الْجُمُعَةِ وَالصّلَاةُ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ ... قَالَ الْبَيْهَقِيّ : الّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشّافِعِيّ مَوْجُودٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصّحِيحَةِ وَهُوَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَغّبَ فِي التّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ وَفِي الصّلَاةِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَذَلِكَ يُوَافِقُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الّتِي أُبِيحَتْ فِيهَا الصّلَاةُ نِصْفَ النّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَوَيْنَا الرّخْصَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ و َطَاوُوسٍ و َالْحَسَنِ وَمَكْحُولٍ .
قُلْت : اخْتَلَفَ النّاسُ فِي كَرَاهَةِ الصّلَاةِ نِصْفَ النّهَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا : أَنّهُ لَيْسَ وَقْتَ كَرَاهَةٍ بِحَالٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ . الثّانِي : أَنّهُ وَقْتُ كَرَاهَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَة وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَب ِ أَحْمَدَ . وَالثّالِثُ أَنّهُ وَقْتُ كَرَاهَةٍ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَيْسَ بِوَقْتِ كَرَاهَةٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الشّافِعِيّ .(1/38)
? ? ? حديث أبي قتادة : أخرجه أبو داود في سننه ، ولفظه : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ نِصْفَ النَّهَارِ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ إِنَّ جَهَنَّمَ تُسَجَّرُ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ... قَالَ أَبُو دَاوُد هُوَ مُرْسَلٌ مُجَاهِدٌ أَكْبَرُ مِنْ أَبِي الْخَلِيلِ وَأَبُو الْخَلِيلِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ .
+ وفي مصنف ابن أبي شيبة : من رخص في الصلاة نصف النهار يوم الجمعة :
1* حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع بن الجراح عن ثور عن سليمان بن موسى عن عمرو بن العاص قال كان يكره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة.
2* حدثنا حفص عن ليث عن طاوس قال يوم الجمعة صلاة كله.
3* حدثنا علي بن مسهر عن أشعث عن الحكم قال تكره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة.
4* حدثنا غندر عن شعبة قال سألت معاوية بن قرة عن الصلاة قبل أن تزول الشمس يوم الجمعة فلم ير بها بأسا.
5* حدثنا محمد بن بشر عن مبارك عن الحسن قال تكره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة.
6* حدثنا سفيان عن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه قال يوم الجمعة صلاة كله.
7* حدثنا عبد الاعلى عن هشام عن الحسن قال لا بأس بالصلاة يوم الجمعة نصف النهار.
++ ويأتي 'ن شاء الله قول البيهقي في حديث أبيي قتادة ( الخاصة 19 )(1/39)
12 * الْخَاصّةُ الثّانِيَةَ عَشْرَةَ : قِرَاءَةُ ( سُورَةِ الْجُمُعَةِ ) وَ ( سُورَةِ الْمُنَافِقِون ) أَوْ ( سَبّحْ ) و (الْغَاشِيَةِ ) فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ... فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ بِهِنّ فِي الْجُمُعَةِ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " . وَفِيهِ أَيْضًا : أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا ب ( الْجُمُعَةِ ) وَ ( هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ) ثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ كُلّهُ . وَلَا يُسْتَحَبّ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ كُلّ سُورَةٍ بَعْضَهَا أَوْ يَقْرَأُ إحْدَاهُمَا فِي الرّكْعَتَيْنِ فَإِنّهُ خِلَافُ السّنّةِ وَجُهّالُ الْأَئِمّةِ يُدَاوِمُونَ عَلَى ذَلِكَ .
? ? ? روى الإمام مسلم في صحيحه ، كتاب الجمعة - باب ما يقرأ في صلاة الجمعة.
1- حدثنا عبدالله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا سليمان (وهو ابن بلال) عن جعفر، عن أبيه، عن ابن أبي رافع ؛ قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة. وخرج إلى مكة. فصلى لنا أبا هريرة الجمعة... فقرأ بعد سورة الجمعة ، في الركعة الآخرة : ( إذا جاءك المنافقون ). قال فأدركت أبا هريرة حين انصرف. فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما بالكوفة . فقال أبو هريرة: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة.
2- حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق. جميعا عن جرير. قال يحيى: أخبرنا جرير عن إبراهيم بن محمد ابن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير، عن النعمان بن بشير ؛ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ، في العيدين وفي الجمعة، ب ( سبح اسم ربك الأعلى ) و ( هل أتاك حديث الغاشية ). قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة، في يوم واحد، يقرأ بهما أيضا في الصلاتين.(1/40)
? قال النووي رحمه الله : قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة سورة الجمعة وفي الثانية المنافقين" فيه استحباب قراءتهما بكمالهما فيهما وهو مذهبنا ومذهب آخرين. قال العلماء: والحكمة في قراءة الجمعة اشتمالها على وجوب الجمعة وغير ذلك من أحكامها وغير ذلك مما فيها من القواعد، والحث على التوكل والذكر وغير ذلك، وقراءة سورة المنافقين لتوبيخ حاضريها منهم وتنبيههم على التوبة، وغير ذلك مما فيها من القواعد لأنهم ما كانوا يجتمعون في مجلس أكثر من اجتماعهم فيها.
قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية" فيه استحباب القراءة فيما بهما. وفي الحديث الاَخر القراءة في العيد بقاف واقتربت وكلاهما صحيح، فكان صلى الله عليه وسلم في وقت يقرأ في الجمعة الجمعة والمنافقين، وفي وقت سبح وهل أتاك، وفي وقت يقرأ في العيد قاف واقتربت، وفي وقت سبح وهل أتاك ...(1/41)
13 * الْخَاصّةُ الثّالِثَةَ عَشْرَةَ أَنّهُ يَوْمُ عِيدٍ مُتَكَرّرٍ فِي الْأُسْبُوعِ وَقَدْ رَوَى أَبُو عَبْدِ اللّهِ بْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : إنّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيّدُ الْأَيّامِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللّهِ وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ فِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ خَلَقَ اللّهُ فِيهِ آدَمَ وَأَهْبَطَ فِيهِ آدَمَ إلَى الْأَرْضِ وَفِيهِ تَوَفّى اللّهُ آدَمَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا وَفِيهِ تَقُومُ السّاعَةُ مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرّبٍ وَلَا سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا رِيَاحٍ وَلَا جِبَالٍ وَلَا شَجَرٍ إلّا وَهُنّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
? ? ? رواه أيضا أحمد والطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب والشافعي والبخاري في التاريخ ؛ وروى ابن خزيمة طرفاً منه عن أبي هريرة : سيد الأيام يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة ... وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ ابن ماجه ، وله في رواية أخرى :(1/42)
- حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ليث عن عثمان عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتاني جبريل وفي يده كالمراة البيضاء فيها كالنكتة السوداء ، فقلت : يا جبرئيل ما هذه ؟ قال الجمعة ...قلت: وما الجمعة ؟ قال: لكم فيها خير ... قلت : وما لنا فيها ؟ قال: يكون عيدا لك ولقومك من بعدك ، ويكون اليهود والنصارى تبعا لك .. قلت : وما لنا فيها ؟ قال : لكم فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا من الدنيا والاخرة هو له قسم إلا أعطاه إياه أو ليس بقسم إلا ادخر له عنده ما هو أفضل منه أو يتعوذ به من شر هو عليه مكتوب إلا صرف عنه من البلاء ما هو اعظم منه... قلت له : وما هذه النكته فيها ؟ قال :هي الساعة ، هي تقوم يوم الجمعة ، وهو عندنا سيد الايام ، ونحن ندعوه يوم القيامة ،ويوم المزيد ... قلت: مم ذاك ؟ قال: لان ربك تبارك وتعالى اتخذ في الجنة واديا من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين على كرسيه تبارك وتعالى ثم حف الكرسي بمنابر من ذهب مكللة بالجواهر ثم يجئ النبيون حتى يجلسوا عليها وينزل أهل الغرف حتى يجلسوا على ذلك الكثيب ثم يتجلى لهم ربك تبارك وتعالى ثم يقول : سلوني أعطكم ... قال: فيسألونه الرضى ...فيقول : رضائي أحلكم داري وأنيلكم كراسي فسلوني أعطكم ...قال: فيسألونه... قال فيشهدهم أنه قد رضي عنهم ...قال : فيفتح لهم ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولا يخطر على قلب بشر ... قال : وذلكم مقدار انصرافكم من يوم الجمعة ... ثم قال: يرتفع ويرفع معه النبيون والصديقون والشهداء ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم وهي درة بيضاء ليس فيها فصم ولا قصم أو درة حمراء أو زبرجدة خضراء فيها غرفها وأبوابها مطرئة وفيها أنهارها وثمارها متدلية ...قال: فليسوا إلى شئ أحوج منهم إلى يوم القيامة الجمعة ليزدادوا إلى ربهم نضرا وليزدادوا منه كرامة....( وهذا ذكره ابن بطة في الإبانة الكبرى ...)(1/43)
+ ومعنى مشفقون : خائفون.... والنكتة : القطة أو البقعة الصغيرة...
+ ومن أطرافه في بعض كتب الحديث :
1* خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياه ...= ( أبو داود من رواية أبي هريرة )
2* إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قال قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت يقولون بليت فقال إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء = (أحمد والنسائي ووابن ماجه وابن حبان والحاكم وأبو داود من رواية أوس بن أوس )
3* يوم الجمعة ثنتا عشرة يريد ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئا إلا أتاه الله عز وجل فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر .. = ( أبو داود من رواية جابر )
4* خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة =( الترمذي من رواية أبي هريرة ) ... وله عنه أيضا : خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط منها وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي فيسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه ...
5* لا تطلع الشمس ولا تغرب على أفضل من يوم الجمعة وما من دابة إلا وهي تفزع يوم الجمعة إلا هذين الثقلين الجن والإنس = ( المنذري في الترغيب... من رواية أبي هريرة ) .(1/44)
6* حديث الموطأ : حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ فَحَدَّثَنِي عَنْ التَّوْرَاةِ وَحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ أَنْ قُلْتُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ مَاتَ ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ...(1/45)
قَالَ كَعْبٌ : ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ... فَقُلْتُ : بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ...فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ ، فَقَالَ : صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ ، فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ ؟ فَقُلْتُ : مِنْ الطُّورِ ...فَقَالَ : لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا ، وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَشُكُّ ...قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَمَا حَدَّثْتُهُ بِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقُلْتُ : قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ ... قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : كَذَبَ كَعْبٌ ..فَقُلْتُ: ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ : بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ... فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: صَدَقَ كَعْبٌ ...ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ :قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ... قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتَ لَهُ : أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضَنَّ عَلَيَّ ...فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ... قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ : وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي ... وَتِلْكَ السَّاعَةُ سَاعَةٌ لَا يُصَلَّى فِيهَا ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ :(1/46)
أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ ...قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ : بَلَى قَالَ فَهُوَ ذَلِكَ...
7* وفي مسند الطيالسي : حدثنا أبو داود قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه تقوم الساعة ، وفيه ساعة لا يسأل الله عز وجل فيها عبد يصلي خيرا إلا أعطاه الله " وقللها، وقال بيده هكذا أنها قليلة ...
+ معنى قللها بيده : أشار بيده أنها وقت قصير...(1/47)
14 * الْخَاصّةُ الرّابِعَةَ عَشْرَةَ : إنّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يُلْبَسَ فِيهِ أَحْسَنُ الثّيَابِ الّتِي يَقْدِرُ عَلَيْهَا فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيّوبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسّ مِنْ طِيبٍ إنْ كَانَ لَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمّ خَرَجَ وَعَلَيْهِ السّكِينَةُ حَتَى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ ثُمّ يَرْكَعَ إنْ بَدَا لَهُ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا ثُمّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتّى يُصَلّيَ كَانَتْ كَفّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا ... وَفِي" سُنَنِ أَبِي دَاوُد " عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ : مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ ... وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَطَبَ النّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَأَى عَلَيْهِمْ ثِيَابَ النّمَارِ فَقَالَ : مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ ..(1/48)
? ? ? الحديث الأول أخرجه أيضا البيهقي في السنن الكبرى وفي شعب اشغيمان ، وابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما ...ومن ألفاظه عند البيهقي في السنن : من اغتسل يوم الجمعة واستن ومس من طيب ان كان عنده ولبس احسن ثيابه ثم جاء إلى المسجد ولم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله ان يركع ثم انصت إذا خرج امامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي كانت قبلها ... وفي رواية : ولبس من صالح ثيابه ... وعند ابن خزيمة : من اغتسل يوم الجمعة واستن ومس من الطيب إن كان عنده ، ولبس من أحسن ثيابه ، ثم جاء إلى المسجد ، ولم يتخط رقاب الناس ، ثم ركع ما شاء الله أن يركع ، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي كانت قبلها " . يقول أبو هريرة : وثلاثة أيام زيادة ، إن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها ...
? ? ? الحديث الثاني : مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ ... رواه أبو داود ولفظه : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَعَمْرٌو أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ أَوْ مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدْتُمْ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ .. = قال الألباني رحمه الله : صحيح =(1/49)
-* قَالَ عَمْرٌو وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
+ وأخرجه ابن ماجه من رواية عبد الله بن سلام ، ومن رواية عائشة قالت : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَأَى عَلَيْهِمْ ثِيَابَ النِّمَارِ ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ ...
+ ورواه أيضا والطبراني وعبد الرزاق ، البيهقي في السنن، ولفظه في الشعب : عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع : " يا معشر المسلمين ما على أحدكم أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته ويمس من طيب إن كان لأهله ، وعليكم بالسواك "(1/50)
? قال ابن بطال رحمه الله في شرح حديث ابن عمر : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ تَلَبِسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ " . ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتَنِيهَا، وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا " ، فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا.
قوله فى الحلة: " فتلبسها للجمعة " ، يدل أنه كان عندهم معهود أن يلبس الرجل أفضل ثيابه وأحسنها لشهود الجمعة، وقد روى عنه عليه السلام، أنه قال: " ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبى مهنته " ، من بلاغات مالك عن يحيى بن سعيد.
وذكر أهل السير: أن النبى عليه السلام، كان يلبس برده الأحمر يوم الجمعة وأحسن ثيابه، ويمس من الطيب، وكذلك فى العيدين.....قال عبد الرحمن بن أبى ليلى: أدركت أصحاب محمد من أصحاب بدر، وأصحاب الشجرة إذا كان يوم الجمعة لبسوا أحسن ثيابهم وإن كان عندهم طيب مسُّوا منه، ثم راحوا إلى الجمعة.
والسيراء: ثياب يخالطها حرير، يقال: سيرت الثوب والسهم: جعلت فيه خطوطًا، من كتاب " العين " .(1/51)
? وقال المناوي رحمه الله في فيض القدير : (ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة) وفي رواية بدل ليوم الجمعة لجمعته (سوى ثوبي مهنته) أي ليس على أحدكم في اتخاذ ثوبين غير ثوبي مهنته أي بذلته وخدمته أي اللذين يكونان عليه في سائر الأيام ... قال الطيبي : ما بمعنى ليس واسمه محذوف وأن يتخذ متعلق به وعلى أحدكم خبره وإن وجد معترضة ويجوز أن يتعلق على بالمحذوف والخبر أن يتخذ كقوله تعالى * (ليس على الأعمى حرج) * إلى قوله * (أن تأكلوا من بيوتكم) * والمعنى ليس على أحد حرج في أن يتخذ ثوبين ، وقوله مهنته يروى بكسر الميم وفتحها قال الزمخشري : والكسر عند الأثبات خطأ ، قال ابن القيم : وفيه أنه يسن أن يلبس فيه أحسن ثيابه التي يقدر عليها ، قال الطيبي : وإن ذلك ليس من شيمة المتقين لولا تعظيم الجمعة ورعاية شعار الدين ، وقال ابن بطال : كان معهودا عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه للجمعة ، وأخذ منه الشافعية أنه يسن للإمام يوم الجمعة تحسين الهيئة واللباس.
- رواه أبو داود في الصلاة من حديث محمد بن يحيى ين حبان عن موسى بن سعد (عن) أبي يعقوب (يوسف بن عبد الله بن سلام) بالتخفيف الإسرائيلي المدني صغير أجلسه المصطفى صلى الله عليه وسلم في حجره وسماه ، وذكره العجلي في ثقات التابعين وأخذ عنه خلق وبقي إلى سنة مائة ؛ ورواه ابن ماجه في الصلاة أيضا (عن عائشة) قالت : خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الجمعة فرأى عليهم ثياب النمار أي نمرة كساء فيه خطوط بيض وسود فذكره ... وذكر البخاري أن ليوسف صحبة وقال غيره : له رؤية وقد رمز المصنف لحسنه وليس كما قال فقد جزم الحافظ ابن حجر في التخريج بأن فيه انقطاعا وفي الفتح بأن فيه نظرا ، نعم رواه ابن السكن من طريق مهدي عن هشام عن أبيه عن عائشة بلفظ ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوب مهنته لجمعته أو عيده ؟ وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طريقه .(1/52)
15 * الْخَاصّةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ : أَنّهُ يُسْتَحَبّ فِيهِ تَجْمِيرُ الْمَسْجِدِ فَقَدْ ذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْمُجْمِرِ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَمَرَ أَنْ يُجَمّرَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ كُلّ جُمُعَةٍ حِينَ يَنْتَصِفُ النّهَارُ قُلْتُ وَلِذَلِكَ سُمّيَ نَعِيمَ الْمُجَمّرَ .
? ? ? روى البيهقي في السنن الكبرى وابن حبان في صحيحه وابن ماجه في سننه - بَاب تَطْهِيرِ الْمَسَاجِدِ وَتَطْيِيبِهَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ وَأَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ قَالَا حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْمَسَاجِدِ أَنْ تُبْنَى فِي الدُّورِ وَأَنْ تُطَهَّرَ وَتُطَيَّبَ ... وفي رواية أخرى قالت : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُتَّخَذَ الْمَسَاجِدُ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُطَهَّرَ وَتُطَيَّبَ ...= قال الألباني رحمه الله : صحيح .
+ في حاشية السندي على ابن ماجه : ( أَنْ تُبْنَى فِي الدُّور ) قِيلَ أَرَادَ بِالدُّورِ الْقَبَائِل...وَأَنْ تُطَهَّر وَتُطَيَّب هُمَا عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُول أَمَرَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا مَحَالًّا لِحُضُورِ الْمَلَائِكَة ....
+ قال في الوافي بالوفيات : نعيم بن عبد الله المجمّر مولى آل عمر رضي الله عنه، كان يبخر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ...جالس أبا هريرةَ مدة، وسمع من ابن عمر وجابر وطائفة، وثَّقة أبو حاتم وغيره، وتوفي في حدود العشرين والمائة وروى له الجماعة كلهم.
+ وفي تهديب الكمال : وسمعت في ذلك أن عمر نعيما على أجمار المسجد فسمي المجمر(1/53)
+ وفي مغاني الأخيار : نعيم بن عبد الله المجمر: أبو عبد الله المدنى، مولى آل عمر بن الخطاب، سمى المجمر؛ لأنه كان يجمر المسجد، والمجمر صفة لعبد الله على الصحيح، وبه جزم ابن حبان. وقال النووى: ويطلق على ابنه نعيم مجازًا.
16 * الْخَاصّةُ السّادِسَةَ عَشْرَةَ أَنّهُ لَا يَجُوزُ السّفَرُ فِي يَوْمِهَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ قَبْلَ فِعْلِهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَأَمّا قَبْلَهُ فَلِلْعُلَمَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَهِيَ رِوَايَاتٌ مَنْصُوصَاتٌ عَنْ أَحْمَد َ أَحَدُهَا : لَا يَجُوزُ وَالثّانِي : يَجُوزُ وَالثّالِثُ يَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصّةً .
وَأَمّا مَذْهَبُ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ فَيَحْرُمُ عِنْدَهُ إنْشَاءُ السّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الزّوَالِ وَلَهُمْ فِي سَفَرِ الطّاعَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا : تَحْرِيمُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ النّوَوِيّ وَالثّانِي : جَوَازُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الرّافِعِيّ
وَأَمّا السّفَرُ قَبْلَ الزّوَالِ فَلِلشّافِعِيّ فِيهِ قَوْلَانِ الْقَدِيمُ جِوَازُهُ وَالْجَدِيدُ أَنّهُ كَالسّفَرِ بَعْدَ زَوَالٍ . وَأَمّا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَقَالَ صَاحِبُ " التّفْرِيعِ " : وَلَا يُسَافِرُ أَحَدٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الزّوَالِ حَتّى يُصَلّيَ الْجُمُعَةَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ الزّوَالِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُسَافِرَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ حَاضِرٌ حَتّى يُصَلّيَ الْجُمُعَةَ .(1/54)
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى جَوَازِ السّفَرِ مُطْلَقًا وَقَدْ رَوَى الدّارَقُطْنِيّ فِي " الْإِفْرَادِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ : مَنْ سَافَرَ مِنْ دَارِ إقَامَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ أَلّا يَصْحَبَ فِي سَفَرِهِ.... وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ . وَفِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَد َ " مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَم عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي سَرِيّةٍ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ فَغَدَا أَصْحَابُهُ وَقَالَ أَتَخَلّفُ وَأُصَلّي مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ أَلْحَقُهُمْ فَلَمّا صَلّى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَآهُ فَقَال: مَا مَنَعَك أَنْ تَغْدُوَ مَعَ أَصْحَابِك ؟ فَقَالَ أَرَدْتُ أَنْ أُصَلّيَ مَعَكُ ثُمّ أَلْحَقُهُمْ فَقَالَ " لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ مَا أَدْرَكْتَ فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ " وَأُعِلّ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَنّ الْحَكَمَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مِقْسَم ... هَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ الْمُسَافِرُ فَوْتَ رُفْقَتِهِ فَإِنْ خَافَ فَوْتَ رُفْقَتِهِ وَانْقِطَاعَهُ بَعْدَهُمْ جَازَ لَهُ السّفَرُ مُطْلَقًا لِأَنّ هَذَا عُذْرٌ يُسْقِطُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ . وَلَعَلّ مَا رُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيّ - أَنّهُ سُئِلَ عَنْ مُسَافِرٍ سَمِعَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ أَسْرَجَ دَابّتَهُ فَقَالَ لِيَمْضِ عَلَى سَفَرِهِ - مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ لَا تَحْبِسُ عَنْ السّفَرِ .(1/55)
وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ جَوَازَ السّفَرِ مُطْلَقًا فَهِيَ مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ . وَالدّلِيلُ هُوَ الْفَاصِلُ عَلَى أَنّ عَبْدَ الرّزّاقِ قَدْ رَوَى فِي " مُصَنّفِهِ " عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذّاءِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَوْ غَيْرِهِ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيَابُ سَفَرٍ بَعْدَ مَا قَضَى الْجُمُعَةَ فَقَال: مَا شَأْنُك ؟ قَالَ أَرَدْتُ سَفَرًا فَكَرِهْتُ أَنْ أَخْرُجَ حَتّى أُصَلّيَ ، فَقَالَ عُمَرُ إنّ الْجُمُعَةَ لَا تَمْنَعُك السّفَرَ مَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُهَا فَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَمْنَعُ السّفَرَ بَعْدَ الزّوَالِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ قَبْلَهُ .
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الرّزّاقِ أَيْضًا عَنْ الثّوْرِيّ عَنْ الْأُسُودِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَبْصَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَجُلًا عَلَيْهِ هَيْئَةُ السّفَرِ وَقَالَ الرّجُلُ إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَخَرَجْت فَقَالَ عُمَرُ : إنّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ مُسَافِرًا فَاخْرُجْ مَا لَمْ يَحِنْ الرّوَاح
وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ الثّوْرِيّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ الزّهْرِيّ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسَافِرًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ضُحًى قَبْلَ الصّلَاةِ
وَذَكَرَ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سَأَلْت يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ : هَلْ يَخْرُجُ الرّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ؟ فَكَرِهَهُ فَجَعَلْت أُحَدّثُهُ بِالرّخْصَةِ فِيهِ فَقَالَ لِي : قَلّمَا يَخْرُجُ رَجُلٌ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلّا رَأَى مَا يَكْرَهُهُ لَوْ نَظَرْت فِي ذَلِكَ وَجَدْتَهُ كَذَلِكَ .(1/56)
وَذَكَر َ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ حَسّانَ بْنِ أَبِي عَطِيّةَ قَالَ إذَا سَافَرَ الرّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَا عَلَيْهِ النّهَارُ أَنْ لَا يُعَانَ عَلَى حَاجَتِهِ وَلَا يُصَاحَبُ فِي سَفَرِهِ .
وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ قَالَ السّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصّلَاةِ . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : قُلْت لِعَطَاءٍ أَبَلَغَك أَنّهُ كَانَ يُقَالُ إذَا أَمْسَى فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ مِنْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ فَلَا يَذْهَبُ حَتّى يَجْمَعَ ؟ قَالَ إنّ ذَلِكَ لَيُكْرَهُ . قُلْتُ فَمِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ ؟ قَالَ لَا ، ذَلِكَ النّهَارُ فَلَا يَضُرّهُ .
? ? ? قال في تحفة الأحوذي :
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي سَرِيَّةٍ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَغَدَا أَصْحَابُهُ فَقَالَ أَتَخَلَّفُ فَأُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ فَلَمَّا صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَغْدُوَ مَعَ أَصْحَابِكَ فَقَالَ أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ ثُمَّ أَلْحَقَهُمْ قَالَ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَدْرَكْتَ فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ(1/57)
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَقَالَ شُعْبَةُ لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ إِلَّا خَمْسَةَ أَحَادِيثَ وَعَدَّهَا شُعْبَةُ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا عَدَّ شُعْبَةُ فَكَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بَأْسًا بِأَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي السَّفَرِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الصَّلَاةُ و قَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَصْبَحَ فَلَا يَخْرُجْ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ ...(1/58)
-َوْلُهُ : ( بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ ) الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ أَحَدَ النُّقَبَاءِ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَالْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا إِلَّا الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ شَهِيدًا أَمِيرًا فِيهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَهُوَ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ الْمُحْسِنِينَ ، رَوَى عَنْهُ اِبْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ ..( فِي سَرِيَّةٍ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ طَائِفَةٌ مِنْ الْجَيْشِ أَقْصَاهَا أَرْبَعُمِائَةٍ ( فَوَافَقَ ذَلِكَ )أَيْ زَمَنُ الْبَعْثِ _( غَدًا صِحَابُهُ ) أَيْ ذَهَبُوا أَوَّلَ النَّهَارِ( فَقَالَ ) أيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي نَفْسِهِ وَنَوَى أَنْ يَتَخَلَّفَ فَيُصَلِّيَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ ( فَضْلُ غَدْوَتِهِمْ )بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا أَيْ فَضِيلَةُ إِسْرَاعِهِمْ فِي ذَهَابِهِمْ إِلَى الْجِهَادِ . قَالَ الطِّيبِيُّ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ غَدْوَتُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِك هَذِهِ فَعَدَلَ إِلَى الْمَذْكُورِ مُبَالَغَةً كَأَنَّهُ قِيلَ لَا يُوَازِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْخَيْرَاتِ وَذَلِكَ أَنَّ تَأَخُّرَهُ ذَاكَ رُبَّمَا يُفَوِّتُ عَلَيْهِ مَصَالِحَ كَثِيرَةً ، وَلِذَلِكَ وَرَدَ : لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا .(1/59)
- وْلُهُ : ( وَكَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ ) ...وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ اِنْفَرَدَ بِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ اِنْتَهَى كَذَا فِي التَّلْخِيصِ . قُلْت : وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ مُدَلِّسٌ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْحَكَمِ بِالْعَنْعَنَةِ .
قَوْلُهُ : ( فَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بَأْسًا بِأَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الصَّلَاةُ ) لحَدِيثِ الْبَابِ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ فَسَمِعَهُ يَقُولُ : لَوْلَا أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ جُمْعَةٍ لَخَرَجْت فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : اُخْرُجْ فَإِنَّ الْجُمْعَةَ لَا تَحْبِسُ عَنْ السَّفَرِ . وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَلَمْ يَنْتَظِرْ الصَّلَاةَ . ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ . وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْمَنْعُ عَنْ السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ(1/60)
( وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَصْبَحَ فَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمْعَةَ ) لِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنْ الْمَنْعِ . قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ فِي الْإِفْرَادِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا : " مَنْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ دَعَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا يُصْحَبَ فِي سَفَرِهِ " . قَالَ الْحَافِظُ : وَفِيهِ اِبْنُ لَهِيعَةَ . وَفِي مُقَابِلِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ ضَحْوَةً فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَثَرَ عُمَرَ وَأَثَرَ أَبِي عُبَيْدَةَ الْمَذْكُورَيْنِ . وَفِي اِخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجُمْعَةِ وَأَرَادَ السَّفَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يَجُزْ لَهُ إِلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ صَلَاةُ الْجُمْعَةِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ يَتَضَرَّرْ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ ، وَهَلْ يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ : قَالَ إِمَامُنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ : يَجُوزُ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ . قَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِأَنَّ وَقْتَهَا عِنْدَهُ مِنْ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ إِلَى آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ ، قَالَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَفَرَ الْجِهَادِ اِنْتَهَى .(1/61)
17 * الْخَاصّةُ السّابِعَةَ عَشْرَةَ : أنّ لِلْمَاشِي إلَى الْجُمُعَةِ بِكُلّ خُطْوَةٍ أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامَهَا وَقِيَامَهَا قَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ : عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلابة عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصّنْعَانِيّ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : مَنْ غَسّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَكّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا صِيَامُ سَنَةٍ وَقِيَامُهَا وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ ...وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ غَسّلَ بِالتّشْدِيدِ جَامَعَ أَهْلَهُ وَكَذَلِكَ فَسّرَهُ وَكِيعٌ .
? ? ? حديث أوس بن أوس مر في الخاصة السابعة ... رواه أحمد ولترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه ... وقال الألباني رحمه الله : صحيح ... وزاد الطبراني في معجمه الكبير : وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. وفي رواية له : منْ غَسَّلَ وَغَدَا فَابْتَكَرَ ، ثُمَّ جَلَسَ قَرِيبًا مِنَ الإِمَامِ ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ ، صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا...
- قال ابن رجب في شرحه للبخاري : (من اغتسل يوم الجمعة وغسل، وبكرٍ وابتكر ، ودنا واستمع كان له بكل خطوة يخطوها اجر سنة صيامها وقيامها ).
خرَّجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه . وحسنه الترمذي .وله طرقٌ متعددةٌ ، وفي رواية للنسائي : ((وغدا وابتكر )) . في بعض رواياته : ( ومشى ولم يركب ) ...(1/62)
قلت : الخطا إلى المساجد في سائر الأيام لأداء الصلوات في جماعة من المكفرات كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ ) ...= رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي...من حديث أبي هريرة رضي الله عنه = كما أن لبعد المسافة أثر في زيادة الأجر ، فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ ) = رواه مسلم =
+ وروى الترمذي في بَاب مَا ذُكِرَ فِي فَضْلِ الْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ فِي خُطَاهُ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( إِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ لَا يُخْرِجُهُ أَوْ قَالَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا إِيَّاهَا لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً )...
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ...
وبما أن يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس وأن له مزية علىغيره من الأيام فإن الأجور تضاعف فيه ...قال النووي رحمه الله :( وَرَفْع الدَّرَجَات ) إِعْلَاء الْمَنَازِل فِي الْجَنَّة ..(1/63)
+ ورد قوله صلى الله عليه وسلم ( ومشى ولم يركب ) في الحديث الذي أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه لأحمد والأربعه و ابن حبان والحاكم ؛ وصححه الألباني ؛ ومتنه : ( من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع وأنصت ولم يلغ كان له بكل خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد عمل سنة أجر صيامها وقيامها . )
+ في حاشية السندي على ابن ماجه : قَوْله ( وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَب ) فِيهِ تَأْكِيد وَدَفْع لِمَا يُتَوَهَّم مِنْ حَمْل الْمَشْي عَلَى مُجَرَّد الذَّهَاب وَلَوْ رَاكِبًا أَوْ حَمْله عَلَى تَحَقُّق الْمَشْي وَلَوْ فِي بَعْض الطَّرِيق ...وذكر صاحب عون المعبود قول الخطابي : : ( وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَب ) مَعْنَاهُمَا وَاحِد ، وَإِنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ وَهُوَ قَوْل الْأَثْرَم صَاحِب أَحْمَد ...
18 * الْخَاصّةُ الثّامِنَةَ عَشْرَةَ : أَنّهُ يَوْمُ تَكْفِيرِ السّيّئَاتِ فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْ سَلْمَان َ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : أَتَدْرِي مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ ؟ " قُلْت : هُوَ الْيَوْمُ الّذِي جَمَعَ اللّهُ فِيهِ أَبَاكُمْ آدَمَ قَالَ " وَلَكِنّي أَدْرِي مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَا يَتَطَهّرُ الرّجُلُ فَيُحْسِنُ طُهُورَهُ ثُمّ يَأْتِي الْجُمُعَةَ فَيُنْصِتُ حَتّى يَقْضِيَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ إلّا كَانَتْ كَقّارَةً لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ مَا اُجْتُنِبَتْ الْمَقْتَلَةُ .(1/64)
وَفِي " الْمُسْنَدِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيّ عَنْ نُبيشة الْهُذَلِيّ أَنّهُ كَانَ يُحَدّثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : إنّ الْمُسْلِمَ إذَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمّ أَقْبَلَ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يُؤْذِي أَحَدًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْإِمَامُ خَرَجَ صَلّى مَا بَدَا لَهُ وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامَ قَدْ خَرَجَ جَلَسَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ حَتّى يَقْضِيَ الْإِمَامُ جُمُعَتَهُ وَكَلَامَهُ إنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فِي جُمُعَتِهِ تِلْكَ ذُنُوبُهُ كُلّهَا أَنْ تَكُونَ كَفّارَةً لِلْجُمُعَةِ الّتِي تَلِيهَا .
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيّ " عَنْ سَلْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمّ يُصَلّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلّمَ الْإِمَامُ إلّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى .
وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمّ لَبِسَ ثِيَابَهُ وَمَسّ طِيبًا إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثُمّ مَشَى إلَى الْجُمُعَةِ وَعَلَيْهِ السّكِينَةُ وَلَمْ يَتَخَطّ أَحَدًا وَلَمْ يُؤْذِهِ وَرَكَعَ مَا قُضِيَ لَهُ ثُمّ انْتَظَرَ حَتّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ ...(1/65)
? ? ? قال النووي رحمه الله : قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى الْمَغْفِرَة لَهُ مَا بَيْن الْجُمُعَتَيْنِ وَثَلَاثَة أَيَّام أَنَّ الْحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا ، وَصَارَ يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي فَعَلَ فِيهِ هَذِهِ الْأَفْعَال الْجَمِيلَة فِي مَعْنَى الْحَسَنَة الَّتِي تُجْعَل بِعَشْرِ أَمْثَالهَا ، قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : وَالْمُرَاد بِمَا بَيْن الْجُمُعَتَيْنِ مِنْ صَلَاة الْجُمُعَة وَخُطْبَتهَا إِلَى مِثْل الْوَقْت مِنْ الْجُمُعَة الثَّانِيَة حَتَّى تَكُون سَبْعَة أَيَّام بِلَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَيُضَمّ إِلَيْهَا ثَلَاثَة فَتَصِير عَشْرَة .
+ وجاء في تحفة الأحوذي : ( غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمْعَةِ ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمْعَةِ الْأُخْرَى ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ . قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : الْمُرَادُ بِالْأُخْرَى الَّتِي مَضَتْ ، بَيَّنَهُ اللَّيْثِ عَنْ اِبْنِ عَجْلَانَ فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ اِبْنِ خُزَيْمَةَ وَلَفْظُهُ ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ...اِنْتَهَى . قَالَ مَيْرك : وَكَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ : كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ... اِنْتَهَى
( وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) أَيْ بَيْنَ يَوْمِ الْجُمْعَةِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مَعَ زِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى السَّبْعَةِ لِتَكُونَ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا .(1/66)
19 * الْخَاصّةُ التّاسِعَةَ عَشْرَةَ : أَنّ جَهَنّمَ تُسَجّرُ كُلّ يَوْمٍ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ . وَقَدْ تَقَدّمَ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَة فىِ ذَلِكَ وَسِرّ ذَلِكَ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - أَنّهُ أَفْضَلُ الْأَيّامِ عِنْدَ اللّهِ وَيَقَعُ فِيهِ مِنْ الطّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالدّعَوَاتِ وَالِابْتِهَالِ إلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا يَمْنَعُ مِنْ تَسْجِيرِ جَهَنّمَ فِيهِ . وَلِذَلِكَ تَكُونُ مَعَاصِي أَهْلِ الْإِيمَانِ فِيهِ أَقَلّ مِنْ مَعَاصِيهِمْ فِي غَيْرِهِ حَتّى إنّ أَهْلَ الْفُجُورِ لَيَمْتَنِعُونَ فِيهِ مِمّا لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْهُ فِي يَوْمِ السّبْتِ وَغَيْرِهِ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ الظّاهِرُ مِنْهُ أَنّ الْمُرَادَ سَجْرُ جَهَنّمَ فِي الدّنْيَا وَأَنّهَا تُوقَدُ كُلّ يَوْمٍ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَمّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنّهُ لَا يَفْتُرُ عَذَابُهَا وَلَا يُخَفّفُ عَنْ أَهْلِهَا الّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا يَوْمًا مِنْ الْأَيّامِ وَلِذَلِكَ يَدْعُونَ الْخَزَنَةَ أَنْ يَدْعُوَا رَبّهُمْ لِيُخَفّفَ عَنْهُمْ يَوْمًا مِنْ الْعَذَابِ فَلَا يُجِيبُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ .
? ? ? حَدِيثُ أَبِي قَتَادَة ... ( ذكره في الخاصة 11 ) وهو: عَنْ أَبِي قَتَادَة عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَرِهَ الصّلَاةَ نِصْفَ النّهَارِ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ . وَقَالَ : إنّ جَهَنّمَ تُسْجَرُ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ...(1/67)
? قال البيهقي في السنن الكبرى :رواه أبو داود وقال هذا مرسل * أبو الخليل لم يلق ابا قتادة * قال الشيخ وله شواهد وان كانت اسانيدها ضعيفة * (منها) ما انبأ أبو زكريا بن ابى اسحاق المزكى ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب انبأ الربيع بن سليمان انبأ الشافعي انبأ ابراهيم بن محمد عن اسحاق بن عبد الله عن سعيد المقبري عن ابى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس الا يوم الجمعة * (وانبأ) أبو بكر بن الحارث الفقيه انبأ أبو محمد بن حيان أبو الشيخ الاصبهاني ثنا محمد بن يحيى ثنا أبو كريب ثنا أبو خالد الاحمر عن شيخ من اهل المدينة يقال له عبد الله عن سعيد عن ابي هريرة رضى الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم : تحرم - يعنى الصلاة - إذا انتصف النهار كل يوم الا يوم الجمعة * وروى في ذلك عن ابى سعيد الخدرى وعمرو ابن عبسة وابن عمر مرفوعا ... والاعتماد على ان النبي صلى الله عليه وسلم استحب التبكير إلى الجمعة ثم رغب في الصلاة إلى خروج الامام من غير تخصيص ولا استثناء ... * (انبأ) أبو عبد الله الحافظ وابو سعيد بن ابى عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الخضر بن ابان ثنا سيار ثنا بشر بن غالب قال سمعت الحسن يقول يوم الجمعة صلاة كله ان جهنم لا تسجر يوم الجمعة * وروينا الرخصة في ذلك عن طاوس ومكحول...(1/68)
? ? ? قول ابن القيم رحمه الله : ( وَهَذَا الْحَدِيثُ الظّاهِرُ مِنْهُ أَنّ الْمُرَادَ سَجْرُ جَهَنّمَ فِي الدّنْيَا وَأَنّهَا تُوقَدُ كُلّ يَوْمٍ إلّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَمّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنّهُ لَا يَفْتُرُ عَذَابُهَا وَلَا يُخَفّفُ عَنْ أَهْلِهَا الّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا يَوْمًا مِنْ الْأَيّامِ وَلِذَلِكَ يَدْعُونَ الْخَزَنَةَ أَنْ يَدْعُوَا رَبّهُمْ لِيُخَفّفَ عَنْهُمْ يَوْمًا مِنْ الْعَذَابِ فَلَا يُجِيبُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ .) يشير رحمه الله إلى قوله تعالى :
( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * ) (الزخرف :74 - 75 ) ؛ وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) (فاطر : 36 ) ؛ وقوله :( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (( (غافر : 49 - 50 ) ...
+ نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار ........................................................................(1/69)
20 * الْخَاصّةُ الْعِشْرُونَ : أَنّ فِيهِ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ وَهِيَ السّاعَةُ الّتِي لَا يَسْأَلُ اللّهَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِيهَا شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ فَفِي " الصّحِيحَيْن " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : إنّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي يَسْأَلُ اللّهَ شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ إيّاهُ ... وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلّلُهَا .
وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ : سَيّدُ الْأَيّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللّهِ وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى وَفِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ خَلَقَ اللّهُ فِيهِ آدَمَ وَأَهْبَطَ اللّهُ فِيهِ آدَمَ إلَى الْأَرْضِ وَفِيهِ تَوَفّى اللّهُ عَزّ وَجَلّ آدَمَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إلّا آتَاهُ اللّهُ إيّاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا وَفِيهِ تَقُومُ السّاعَةُ مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرّبٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا رِيَاحٍ وَلَا بَحْرٍ وَلَا جِبَالٍ وَلَا شَجَرٍ إلّا وَهُنّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ...
فَصْلٌ : بَيَانُ اخْتِلَافِ النّاسِ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ(1/70)
وَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي هَذِهِ السّاعَةِ هَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ أَوْ قَدْ رُفِعَتْ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ وَغَيْرُهُ وَاَلّذِينَ قَالُوا : هِيَ بَاقِيَةٌ وَلَمْ تُرْفَعْ اخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ أَمْ هِيَ غَيْرُ مُعَيّنَةٍ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . ثُمّ اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ تَعْيِينِهَا : هَلْ هِيَ تَنْتَقِلُ فِي سَاعَاتِ الْيَوْمِ أَوْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضًا وَاَلّذِينَ قَالُوا بِتَعْيِينِهَا اخْتَلَفُوا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا .
الأول = قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ هِيَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشّمْسِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشّمْسِ .
الثّانِي= أَنّهَا عِنْدَ الزّوَالِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ وَأَبِي الْعَالِيَةِ .
الثّالِثُ= أَنّهَا إذَا أَذّنَ الْمُؤَذّنُ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ عَائِشَة َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا .
الرّابِعُ= أَنّهَا إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ حَتّى يَفْرُغَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَاهُ عَنْ الْحُسْنِ الْبَصْرِيّ .
الْخَامِسُ =قَالَهُ أَبُو بُرْدَةَ هِيَ السّاعَةُ الّتِي اخْتَارَ اللّهُ وَقْتَهَا لِلصّلَاةِ .
السّادِسُ= قَالَهُ أَبُو السوار الْعَدَوِيّ وَقَالَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنّ الدّعَاءَ مُسْتَجَابٌ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشّمْسِ إلَى أَنْ تَدْخُلَ الصّلَاةُ
السّابِعُ =قَالَهُ أَبُو ذَر ّ إنّهَا مَا بَيْنَ أَنْ تَرْتَفِعَ الشّمْسُ شِبْرًا إلَى ذِرَاعٍ .(1/71)
الثّامِنُ أَنّهَا مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشّمْسِ قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٌ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامٍ وَطَاوُوسٌ حَكَى ذَلِكَ كُلّهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ .
التّاسِعُ أَنّهَا آخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الصّحَابَةِ وَالتّابِعِينَ .
الْعَاشِرُ= أَنّهَا مِنْ حِينِ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى فَرَاغِ الصّلَاةِ حَكَاهُ النّوَوِيّ وَغَيْرُهُ .
الْحَادِيَ عَشَرَ= أَنّهَا السّاعَةُ الثّالِثَةُ مِنْ النّهَارِ حَكَاهُ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " فِيهِ . وَقَالَ كَعْبٌ لَوْ قَسّمَ الْإِنْسَانُ جُمُعَةً فِي جُمَعٍ أَتَى عَلَى تِلْكَ السّاعَةِ . وَقَالَ عُمَرُ إنْ طَلَبَ حَاجَةً فِي يَوْمٍ لَيَسِيرٌ .
وَأَرْجَحُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلَانِ تَضَمّنَتْهُمَا الْأَحَادِيثُ الثّابِتَةُ وَأَحَدُهُمَا أَرْجَحُ مِنْ الْآخَرِ.
- دَلِيلُ مَنْ قَالَ بِأَنّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ مِنْ جُلُوسِ الْإِمَامِ إلَى انْقِضَاءِ الصّلَاةِ
الْأَوّلُ أَنّهَا مِنْ جُلُوسِ الْإِمَامِ إلَى انْقِضَاءِ الصّلَاةِ وَحُجّةُ هَذَا الْقَوْلِ مَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ أَسَمِعْتَ أَبَاك يُحَدّثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ شَيْئًا ؟ قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ " هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلَى أَنْ تُقْضَى الصّلَاةُ " .(1/72)
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالتّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ إنّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إلّا آتَاهُ اللّهُ إيّاهُ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ أَيّةُ سَاعَةٍ هِيَ ؟ قَالَ " حِينَ تُقَامُ الصّلَاةُ إلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا .
? تَرْجِيحُ الْمُصَنّفِ بِأَنّهَا بَعْدَ الْعَصْرِ مَعَ أَدِلّتِهِ
وَالْقَوْلُ الثّانِي : أَنّهَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَهَذَا أَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ
وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَخَلْقٍ . وَحُجّةُ هَذَا الْقَوْلِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ : إنّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللّهَ فِيهَا خَيْرًا إلّا أَعْطَاهُ إيّاهُ وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْر
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنّسَائِيّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ : يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَا عَشَرَ سَاعَةً فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللّهَ فِيهَا شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ .
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا السّاعَةَ الّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَتَفَرّقُوا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ .(1/73)
وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " : عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ قُلْتُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ إنّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللّهِ ( يَعْنِي التّوْرَاةَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يُصَلّي يَسْأَلُ اللّهَ عَزّ وَجَلّ شَيْئًا إلّا قَضَى اللّهُ لَهُ حَاجَتَهُ قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَأَشَارَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْ بَعْضَ سَاعَةٍ . قُلْت : صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْ بَعْضَ سَاعَةٍ . قُلْت : أَيّ سَاعَةٍ هِيَ ؟ قَالَ : هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النّهَارِ " . قُلْتُ إنّهَا لَيْسَتْ سَاعَةَ صَلَاةٍ... قَالَ : بَلَى إنّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إذَا صَلّى ثُمّ جَلَسَ لَا يُجْلِسُهُ إلّا الصّلَاةُ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ
وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَيّ شَيْءٍ سُمّيَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ: لِأَنّ فِيهَا طُبِعَتْ طِينَةُ أَبِيك آدَمَ وَفِيهَا الصّعْقَةُ وَالْبَعْثَةُ وَفِيهَا الْبَطْشَةُ وَفِي آخِرِ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ مِنْهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا اللّهَ فِيهَا اُسْتُجِيبَ لَهُ .(1/74)
وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُد " وَالتّرْمِذِيّ وَالنّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمَ وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَفِيهِ تَقُومُ السّاعَةُ وَمَا مِنْ دَابّةٍ إلّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ شَفَقًا مِنْ السّاعَةِ إلّا الْجِنّ وَالْإِنْسَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلّي يَسْأَلُ اللّهَ عَزّ وَجَلّ حَاجَةً إلّا أَعْطَاهُ إيّاهَ ا قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلّ سَنَةٍ يَوْمٌ ؟ فَقُلْتُ بَلْ فِي كُلّ جُمُعَةٍ ، قَالَ فَقَرَأَ كَعْبٌ التّوْرَاةَ فَقَالَ صَدَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمّ لَقِيتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدّثْته بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبٍ ، فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامٍ وَقَدْ عَلِمْتُ أَيّةَ سَاعَةٍ هِيَ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ أَخْبِرْنِي بِهَا فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامٍ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقُلْت : كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلّي " وَتِلْكَ السّاعَةُ لَا يُصَلّى فِيهَا ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامٍ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتّى يُصَلّيَ " ؟ قَالَ فَقُلْت : بَلَى . فَقَالَ هُوَ ذَاكَ . قَالَ التّرْمِذِيّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَفِي "(1/75)
الصّحِيحَيْنِ " بَعْضُه
? رَدّ الْمُصَنّفُ عَلَى بَقِيّةِ الْأَقْوَالِ
- وَأَمّا مَنْ قَالَ إنّهَا مِنْ حِينِ يَفْتَتِحُ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ الصّلَاةِ فَاحْتَجّ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَبَاك يُحَدّثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَى شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ : هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الْإِمَامُ الصّلَاةَ .
- وَأَمّا مَنْ قَالَ هِيَ سَاعَةُ الصّلَاةِ فَاحْتَجّ بِمَا رَوَاهُ التّرْمِذِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ : إنّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إلّا آتَاهُ اللّهُ إيّاهُ " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ أَيّةُ سَاعَةٍ هِيَ ؟ قَالَ " حِينَ تُقَامُ الصّلَاةُ إلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا . وَلَكِنّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ هُوَ حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ فِيمَا عَلِمْتُ إلّا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ وَلَيْسَ هُوَ مِمّنْ يُحْتَجّ بِحَدِيثِهِ .
- وَقَدْ رَوَى رَوْحُ بْنُ عُبادَة عَنْ عَوْفٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرّةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ هِيَ السّاعَةُ الّتِي يَخْرُجُ فِيهَا الْإِمَامُ إلَى أَنْ تُقْضَى الصّلَاةُ . فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَصَابَ اللّهُ بِك .(1/76)
- وَرَوَى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ حُجَيْرَةَ عَنْ أَبِي ذَرّ أَنّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ عَنْ السّاعَةِ الّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ لَهَا : هِيَ مَعَ رَفْعِ الشّمْسِ بِيَسِيرٍ فَإِنْ سَأَلْتنِي بَعْدَهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَاحْتَجّ هَؤُلَاءِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي " وَبَعْدَ الْعَصْرِ لَا صَلَاةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَوْلَى . قَالَ أَبُو عُمَرَ يَحْتَجّ أَيْضًا مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِحَدِيثِ عَلِيّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ "إذَا زَالَتْ الشّمْسُ وَفَاءَتْ الْأَفْيَاءُ وَرَاحَتْ الْأَرْوَاحُ فَاطْلُبُوا إلَى اللّهِ حَوَائِجَكُمْ فَإِنّهَا سَاعَةُ الْأَوّابِينَ ...ثُمّ تَلَا : ( فَإِنّهُ كَانَ لِلأَوّابِبنَ غَفُورًا ) الْإِسْرَاءُ : 25 "
- وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ السّاعَةُ الّتِي تُذْكَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشّمْسِ .
- وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إذَا صَلّى الْعَصْرَ لَمْ يُكَلّمْ أَحَدًا حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ... وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السّلَفِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ . وَيَلِيهِ الْقَوْلُ بِأَنّهَا سَاعَةُ الصّلَاةِ وَبَقِيّةُ الْأَقْوَالِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا .
? سَاعَةُ الصّلَاةِ سَاعَةٌ تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ وَلَكِنّهَا لَيْسَتْ السّاعَةَ الْمَخْصُوصَةَ(1/77)
وَعِنْدِي أَنّ سَاعَةَ الصّلَاةِ سَاعَةٌ تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ أَيْضًا فَكِلَاهُمَا سَاعَةُ إجَابَةٍ وَإِنْ كَانَتْ السّاعَةُ الْمَخْصُوصَةُ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَهِيَ سَاعَةٌ مُعَيّنَةٌ مِنْ الْيَوْمِ لَا تَتَقَدّمُ وَلَا تَتَأَخّرُ وَأَمّا سَاعَةُ الصّلَاةِ فَتَابِعَةٌ لِلصّلَاةِ تَقَدّمَتْ أَوْ تَأَخّرَتْ لِأَنّ لِاجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلَاتِهِمْ وَتَضَرّعِهِمْ وَابْتِهَالِهِمْ إلَى اللّهِ تَعَالَى تَأْثِيرًا فِي الْإِجَابَةِ فَسَاعَةُ اجْتِمَاعِهِمْ سَاعَةٌ تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ وَعَلَى هَذَا تَتّفِقُ الْأَحَادِيثُ كُلّهَا وَيَكُونُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ حَضّ أُمّتَهُ عَلَى الدّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ إلَى اللّهِ تَعَالَى فِي هَاتَيْنِ السّاعَتَيْنِ .
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْمَسْجِدِ الّذِي أُسّسَ عَلَى التّقْوَى فَقَالَ : هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا وَأَشَارَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ . وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ مَسْجِدَ قُباء الّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ مُؤَسّسًا عَلَى التّقْوَى بَلْ كُلّ مِنْهُمَا مُؤَسّسٌ عَلَى التّقْوَى ...
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ " هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصّلَاةُ " لَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْر .
وَيُشْبِهُ هَذَا فِي الْأَسْمَاءِ قَوْلَهُ : مَا تَعُدّونَ الرّقُوبَ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : مَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ قَالَ " الرّقُوبُ مَنْ لَمْ يُقَدّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا .(1/78)
فَأَخْبَرَ أَنّ هَذَا هُوَ الرّقُوبُ إذْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ وَلَدِهِ مِنْ الْأَجْرِ مَا حَصَلَ لِمَنْ قَدّمَ مِنْهُمْ فَرَطًا وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يُسَمّى مَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ رَقُوبًا .
- وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : مَا تَعُدّونَ الْمُفْلِسَ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : مَنْ لَا دِرْهَمٌ لَهُ وَلَا مَتَاعٌ . قَالَ " الْمُفْلِسُ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ وَيَأْتِي وَقَدْ لَطَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ الْحَدِيثَ .
- وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطّوّافِ الّذِي تَرُدّهُ اللّقْمَةُ وَاللّقْمَتَانِ وَالتّمْرَةُ وَالتّمْرَتَانِ وَلَكِنّ الْمِسْكِينَ الّذِي لَا يَسْأَلُ النّاسَ وَلَا يُتَفَطّنُ لَهُ فَيُتَصَدّقَ عَلَيْه
? آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يُعَظّمُهَا جَمِيعُ أَهْلِ الْمِلَلِ
وَهَذِهِ السّاعَةُ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ يُعَظّمُهَا جَمِيعُ أَهْلِ الْمِلَلِ . وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ هِيَ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ وَهَذَا مِمّا لَا غَرَضَ لَهُمْ فِي تَبْدِيلِهِ وَتَحْرِيفِهِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِهِ مُؤْمِنُهُمْ .
? مُتَابَعَةُ الْمُصَنّفِ لِرَدّ بَقِيّةِ الْأَقْوَالِ
- وَأَمّا مَنْ قَالَ بِتَنَقّلِهَا فرام الْجَمْع بِذَلِكَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ كَمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيّ فَإِنّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَدْ قَالَ فِيهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : فَالْتَمِسُوهَا فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى . وَلَمْ يَجِئْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ .(1/79)
وَأَيْضًا فَالْأَحَادِيثُ الّتِي فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لَيْسَ فِيهَا حَدِيثٌ صَرِيحٌ بِأَنّهَا لَيْلَةُ كَذَا وَكَذَا بِخِلَافِ أَحَادِيثِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا .
- وَأَمّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنّهَا رُفِعَتْ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ رُفِعَتْ وَهَذَا الْقَائِلُ إنْ أَرَادَ أَنّهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً فَرَفَعَ عِلْمَهَا عَنْ الْأُمّةِ فَيُقَالُ لَهُ لَمْ يُرْفَعْ عِلْمُهَا عَنْ كُلّ الْأُمّةِ وَإِنْ رُفِعَ عَنْ بَعْضِهِمْ وَإِنْ أَرَادَ أَنّ حَقِيقَتَهَا وَكَوْنَهَا سَاعَةَ إجَابَةٍ رُفِعَتْ فَقَوْلٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصّحِيحَةِ الصّرِيحَةِ فَلَا يُعَوّلُ عَلَيْهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ .(1/80)
21-الخاصة الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنّ فِيهِ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ الّتِي خُصّتْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ بِخَصَائِصَ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَالْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ وَاشْتِرَاطِ الْإِقَامَةِ وَالِاسْتِيطَانِ وَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ . وَقَدْ جَاءَ مِنْ التّشْدِيدِ فِيهَا مَا لَمْ يَأْتِ نَظِيرُهُ إلّا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَفِي السّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْجَعْدِ الضّمْرِيّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ :( مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا طَبَعَ اللّهُ عَلَى قَلْبِهِ ) قَالَ التّرْمِذِيّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ...وَسَأَلْت مُحَمّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ اسْمِ أَبِي الْجَعْدِ الضّمْرِي ّ فَقَالَ لَمْ يُعْرَفْ اسْمُهُ وَقَالَ لَا أَعْرِفُ لَهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا هَذَا الْحَدِيثَ... وَقَدْ جَاءَ فِي السّنَنِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَمْرُ لِمَنْ تَرَكَهَا أَنْ يَتَصَدّقَ بِدِينَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ قُدامة بْنِ وَبَرَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ . وَلَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ : قُدامة بْنُ وَبَرَةَ لَا يُعْرَفُ . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : ثِقَةٌ وَحُكِيَ عَنْ الْبُخَارِيّ أَنّهُ لَا يَصِحّ سَمَاعُهُ مِنْ سَمُرَةَ .(1/81)
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ إلّا قَوْلًا يُحْكَى عَنْ الشّافِعِيّ أَنّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهَذَا غَلَطٌ عَلَيْهِ مَنْشَؤُهُ أَنّهُ قَالَ : وَأَمّا صَلَاةُ الْعِيدِ فَتَجِبُ عَلَى كُلّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ ؛ فَظَنّ هَذَا الْقَائِلُ أَنّ الْعِيدَ لَمّا كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَانَتْ الْجُمُعَةُ كَذَلِكَ . وَهَذَا فَاسِدٌ بَلْ هَذَا نَصّ مِنْ الشّافِعِيّ أَنّ الْعِيدَ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ فَرْضَ عَيْنٍ كَالْجُمُعَةِ وَأَنْ يَكُونَ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَإِنّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ كَفَرْضِ الْأَعْيَانِ سَوَاءٌ وَإِنّمَا يَخْتَلِفَانِ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْبَعْضِ بَعْدَ وُجُوبِهِ بِفِعْلِ الْآخَرِينَ .
? ? ? الجمعة فرض عين = قال صاحب أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية ؛ المسألة الأولى : حكم صلاة الجمعة بالمسجد :
فرض الله - سبحانه وتعالى - الصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بلا واسطة ، حين عرج به إلى السماء ، وشرع إقامة الجمعة والجماعة بالمساجد ، فصلاة الجمعة على من توفرت فيه شروطها فرض عين ، واعتاد المسلمون صلاتها بالمساجد ، فيكون أداؤها على من وجبت عليه بالمسجد فرض عين ؛ وذلك باتفاق العلماء - رحمهم الله تعالى... ومن زعم أنها فرض كفاية تجب بحيث يظهر الشعار ، فقد أخطأ وخالف إجماع الأئمة ، وعمل الأمة من عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا ، وقد نسب هذا القول إلى الشافعي . قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - : " ونسبته إليه خطأ ؛ لأنه لم يقل به "(1/82)
قال النووي : " حكى القاضي أبو الطيب في تعليقه ، وصاحب الشامل ، وغيرهما عن بعض الأصحاب ، فقال : هي فرض كفاية ، وهو غلط ، واتفق القاضي أبو الطيب وسائر من حكى هذا الوجه على غلط قائله . قال القاضي أبو إسحاق المروزي : لا يحل أن يحكى هذا عن الشافعي ، ولا يختلف أن مذهب الشافعي أن الجمعة فرض عين
وقال الشافعي في الأم : " ودلت السنة من فرض الجمعة على ما دل عليه كتاب الله - تبارك وتعالى - " . وقال : " والتنزيل ثم السنة يدلان على إيجاب الجمعة " . وقال : " ومن كان مقيما ببلد تجب فيه الجمعة من بالغ حر لا عذر له وجبت عليه الجمعة " . فهذه النصوص من الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - واضحة الدلالة في أنه لم يخالف إجماع المسلمين .
والأدلة على وجوب الجمعة ما يلي :
1 - قال الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (4) .الشاهد : قولة : " فاسعوا " .وجه الدلالة : حيث أمر الله - عز وجل - المؤمنين بالسعي للصلاة من يوم الجمعة ، وأمره للوجوب ؛ فدل ذلك على أن صلاة الجمعة واجبة .
2 - قال الله تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } .الشاهد : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ } .وجه الدلالة :حيث إن الله - سبحانه وتعالى - أمر بالمحافظة على الصلوات ، والمراد بها الصلوات الخمس ، والجمعة إحداها . فجميع الأدلة الدالة على فرضية الصلوات الخمس تشمل الجمعة .(1/83)
3 - عن أبي هريرة وابن عمر - رضي الله عنهم - أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواد منبره : " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين " . رواه مسلم ، والنسائي .الشاهد : " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم " .وجه الدلالة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذر المتخلفين والتاركين لصلاة الجمعة بختم القلوب المؤدي إلى النار ، والعياذ بالله ، وهذا يدل على أن صلاة الجمعة واجبة ..
4 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لقوم يتخلفون عن الجمعة : " لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم " . رواه مسلم . الشاهد : " ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة " .وجه الدلالة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدد الذين يتركون الجمعة بأن يعاقبهم بإحراق منازلهم بالنار ؛ عقوبة لهم .
فتبين أن حضور المساجد لصلاة الجمعة واجب ؛ حيث إنها لا تقام إلا في المساجد ، فالجمعة واجبة عليهم ...
22 - الخاصة الثّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنّ فِيهِ الْخُطْبَةَ الّتِي يُقْصَدُ بِهَا الثّنَاءُ عَلَى اللّهِ وَتَمْجِيدِهِ وَالشّهَادَةُ لَهُ بِالْوَحْدَانِيّةِ وَلِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالرّسَالَةِ وَتَذْكِيرِ الْعِبَادِ بِأَيّامِهِ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ بَأْسِهِ وَنِقْمَتِهِ وَوَصِيّتِهِمْ بِمَا يُقَرّبُهُمْ إلَيْهِ وَإِلَى جِنَانِهِ وَنَهْيِهِمْ عَمّا يُقَرّبُهُمْ مِنْ سُخْطِهِ وَنَارِهِ فَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْخُطْبَةِ وَالِاجْتِمَاعِ لَهَا .
? ? ? روى مسلم ،وأحمد ، والنسائي في السنن الكبرى ، وابن ماجة في سننه ،و ابن خزيمة في صحيحه(1/84)
ولفظ مسلم :... عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ... وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ، وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ... ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ...
- وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ ...ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ ...
- وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَخَيْرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ ... ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ...(1/85)
+ في رواية أحمد : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ.
+ في رواية النسائي : مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ أَوْ عَلَيَّ وَأَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ ...
+ في صحيح ابن خزيمة : وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ...
شرح :
- البدعة بِدْعَتَان : بدعة هُدًى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمَر اللّه به ورسوله صلى اللّه عليه وسلم فهو في حَيِّز الذّم والإنكار، وما كان واقعا تحت عُموم ما نَدب اللّه إليه وحَضَّ عليه اللّه أو رسوله فهو في حيز المدح، وما لم يكن له مثال موجود كنَوْع من الجُود والسخاء وفعْل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما وَردَ الشرع به
- الوجنة : أعلى الخد(1/86)
23 - الثّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنّهُ الْيَوْمُ الّذِي يُسْتَحَبّ أَنْ يُتَفَرّغَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ وَلَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَيّامِ مَزِيّةٌ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَاجِبَةٌ وَمُسْتَحَبّةٌ فَاَللّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لِأَهْلِ كُلّ مِلّةٍ يَوْمًا يَتَفَرّغُونَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ وَيَتَخَلّوْنَ فِيهِ عَنْ أَشْغَالِ الدّنْيَا فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِبَادَةٍ وَهُوَ فِي الْأَيّامِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ فِي الشّهُورِ وَسَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِيهِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ . وَلِهَذَا مَنْ صَحّ لَهُ يَوْمُ جُمُعَتِهِ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ جُمْعَتِهِ وَمَنْ صَحّ لَهُ رَمَضَانُ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ سَنَتِهِ وَمَنْ صَحّتْ لَهُ حَجّتُهُ وَسَلِمَتْ لَهُ صَحّ لَهُ سَائِرُ عُمْرِهِ فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ مِيزَانُ الْأُسْبُوعِ وَرَمَضَانُ مِيزَانُ الْعَامِ وَالْحَجّ مِيزَانُ الْعُمْرِ . وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ .(1/87)
? ? ? قلت : أول العبادات الواجبة يوم الجمعة السعي لها امثتالا لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( الجمعة 9 ) ... ومن المستحبات : تحسين الهيئة ويشمل الغسل وتوابعه من حلق وقص وتقليم ، ولبس أحسن الثياب ، ومس الطيب أو الدهن ، والسواك ، ثم التبكير مع السكينة في المشي ، ثم بعد دعاء دخول المسجد وركعتي التحية الإشتغال بالصلاة والذكر والصلاة على النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم حتى يخرج الإمام ، ثم الإنصات للخطبة مع حضور القلب، ثم الركوع ، ومتى قضيت الصلاة صلى المسلم ركعتين أو أربعاً في بيته، ويستمر الذكر ... والدعاء ... والمسألة ... قال تعالى :( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( الجمعة - 10 ) ... فضائل خير يوم طلعت عليه الشمس كثيرة ، ونفحات الرحمة فيه غزيرة ، فمن أراد حرث الآخرة فليتفرغ لعبادة ربه في هذا اليوم الأغر...(1/88)
24 - الرّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنّهُ لَمّا كَانَ فِي الْأُسْبُوعِ كَالْعِيدِ فِي الْعَامِ وَكَانَ الْعِيدُ مُشْتَمِلًا عَلَى صَلَاةٍ وَقُرْبَانٍ وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ صَلَاةٍ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ التّعْجِيلَ فِيهِ إلَى الْمَسْجِدِ بَدَلًا مِنْ الْقُرْبَانِ وَقَائِمًا مَقَامَهُ فَيَجْتَمِعُ لِلرّائِحِ فِيهِ إلَى الْمَسْجِدِ الصّلَاةُ وَالْقُرْبَانُ كَمَا فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهَ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ : مَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنّمَا قَرّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الثّانِيَةِ فَكَأَنّمَا قَرّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الثّالِثَةِ فَكَأَنّمَا قَرّبَ كَبْشًا أَقْرَن ...
? ? ? رواه البخاري في كتاب الجمعة -باب: فضل الجمعة. ومسلم في كتاب الجمعة - باب الطيب والسواك يوم الجمعة. ولفظهما :
-...عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله قال: ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر).
قال ابن القيم رحمه الله :
الْمَقْصُودُ بِالسّاعَةِ فِي قَوْلِهِ مَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الْأُولَى ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ السّاعَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
1* أَحَدُهُمَا : أَنّهَا مِنْ أَوّلِ النّهَارِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي مَذْهَبِ الشّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا .(1/89)
2 *وَالثّانِي : أَنّهَا أَجْزَاءٌ مِنْ السّاعَةِ السّادِسَةِ بَعْدَ الزّوَالِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشّافِعِيّةِ وَاحْتَجّوا عَلَيْهِ بِحُجّتَيْنِ . إحْدَاهُمَا : أَنّ الرّوَاحَ لَا يَكُونُ إلّا بَعْدَ الزّوَالِ وَهُوَ مُقَابِلُ الْغُدُوّ الّذِي لَا يَكُونُ إلّا قَبْلَ الزّوَالِ قَالَ تَعَالَى : ( وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ) [ سَبَأٌ 1ُ2 ] . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَلَا يَكُونُ إلّا بَعْدَ الزّوَالِ . الْحُجّةُ الثّانِيَةُ أَنّ السّلَفَ كَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ وَلَمْ يَكُونُوا يَغْدُونَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الشّمْسِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ التّبْكِيرَ إلَيْهَا فِي أَوّلِ النّهَارِ وَقَالَ لَمْ نُدْرِكْ عَلَيْهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ .
أَدِلّةُ مَنْ قَالَ بِأَنّ السّاعَةَ الْأُولَى مَنْ أَوّلِ النّهَارِ وَتَرْجِيحُ الْمُصَنّفِ لَه ُ
وَاحْتَجّ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوّلِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " يَوْمُ الْجُمُعَة ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَة " . = رواه أبو داود والنسائي والحاكم (يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا آتاه الله إياه.. فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر . )(1/90)
قَالُوا : وَالسّاعَاتُ الْمَعْهُودَةُ هِيَ السّاعَاتُ الّتِي هِيَ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً وَهِيَ نَوْعَانِ : سَاعَاتٌ تَعْدِيلِيّةٌ وَسَاعَاتٌ زَمَانِيّةٌ، قَالُوا : وَيَدُلّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا بَلَغَ بِالسّاعَاتِ إلَى سِتّ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَتْ السّاعَةُ أَجْزَاءً صِغَارًا مِنْ السّاعَةِ الّتِي تُفْعَلُ فِيهَا الْجُمُعَةُ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي سِتّةِ أَجْزَاءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهَا السّاعَاتِ الْمَعْهُودَةَ فَإِنّ السّاعَةَ السّادِسَةَ مَتَى خَرَجَتْ وَدَخَلَتْ السّابِعَةُ خَرَجَ الْإِمَامُ وَطُوِيَتْ الصّحُفُ وَلَمْ يُكْتَبْ لِأَحَدٍ قُرْبَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا جَاءَ مُصَرّحًا بِهِ فِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُد " مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ :إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ غَدَتْ الشّيَاطِينُ بِرَايَاتِهَا إلَى الْأَسْوَاقِ فَيَرْمُونَ النّاسَ بِالتّرَابِيثِ أَوْ الرّبَائِثِ وَيُثَبّطُونَهُمْ عَنْ الْجُمُعَةِ وَتَغْدُو الْمَلَائِكَةُ فَتَجْلِسُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فَيَكْتُبُونَ الرّجُلَ مِنْ سَاعَةٍ وَالرّجُلَ مِنْ سَاعَتَيْنِ حَتّى يَخْرُجَ الْإِمَام = أبو داود والبيهقي =
- قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ : اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تِلْكَ السّاعَاتِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَرَادَ السّاعَاتِ مِنْ طُلُوعِ الشّمْسِ وَصَفَائِهَا وَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُمْ التّبْكِيرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ وَأَبِي حَنِيفَة َ وَالشّافِعِيّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بَلْ كُلّهُمْ يُسْتَحَبّ الْبُكُورُ إلَيْهَا .(1/91)
- قَالَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ وَلَوْ بَكّرَ إلَيْهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ كَانَ حَسَنًا .
- وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ قَالَ قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل ٍ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ لَا يَنْبَغِي التّهْجِيرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَاكِرًا فَقَالَ هَذَا خِلَافُ حَدِيثِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَالَ سُبْحَانَ اللّهِ إلَى أَيّ شَيْءٍ ذَهَبَ فِي هَذَا وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ " كَالْمُهْدِي جَزُورًا " .
- قَالَ وَأَمّا مَالِكٌ فَذَكَرَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ عَنْ حَرْمَلَةَ أَنّهُ سَأَلَ ابْنَ وَهْب ٍ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ السّاعَاتِ أَهْوَ الْغُدُوّ مِنْ أَوّلِ سَاعَاتِ النّهَارِ أَوْ إنّمَا أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ سَاعَاتِ الرّوَاحِ ؟ فَقَالَ ابْنُ وَهْب ٍ : سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَذَا فَقَالَ: أَمّا الّذِي يَقَعُ بِقَلْبِي فَإِنّهُ إنّمَا أَرَادَ سَاعَةً وَاحِدَةً تَكُونُ فِيهَا هَذِهِ السّاعَاتُ مَنْ رَاحَ مَنْ أَوّلِ تِلْكَ السّاعَةِ أَوْ الثّانِيَةِ أَوْ الثّالِثَةِ أَوْ الرّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ أَوْ السّادِسَةُ . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مَا صُلّيَتْ الْجُمُعَةُ حَتّى يَكُونَ النّهَارُ تِسْعَ سَاعَاتٍ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ .(1/92)
- وَكَانَ ابْنُ حَبِيبٍ يُنْكِرُ قول مَالِكٌ هَذَا وَيَمِيلُ إلَى الْقَوْلِ الْأَوّلِ وَقَالَ: قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا تَحْرِيفٌ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ وَمُحَالٌ مِنْ وُجُوهٍ . وَقَالَ يَدُلّك أَنّهُ لَا يَجُوزُ سَاعَاتٌ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ أَنّ الشّمْسَ إنّمَا تَزُولُ فِي السّاعَةِ السّادِسَةِ مِنْ النّهَارِ وَهُوَ وَقْتُ الْأَذَانِ وَخُرُوجُ الْإِمَامِ إلَى الْخُطْبَةِ فَدَلّ ذَلِكَ عَلَى أَنّ السّاعَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ سَاعَاتُ النّهَارِ الْمَعْرُوفَاتِ فَبَدَأَ بِأَوّلِ سَاعَاتِ النّهَارِ فَقَالَ : مَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنّمَا قَرّبَ بَدَنَةً ثُمّ قَالَ فِي السّاعَةِ الْخَامِسَةِ بَيْضَةً ثُمّ انْقَطَعَ التّهْجِيرُ وَحَانَ وَقْتُ الْأَذَانِ فَشَرْحُ الْحَدِيثِ بَيّنٌ فِي لَفْظِهِ وَلَكِنّهُ حُرّفَ عَنْ مَوْضِعِهِ وَشُرِحَ بِالْخُلْفِ مِنْ الْقَوْلِ وَمَا لَا يَكُونُ وَزَهّدَ شَارِحُهُ النّاسَ فِيمَا رَغّبَهُمْ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ التّهْجِيرِ مِنْ أَوّلِ النّهَارِ وَزَعَمَ أَنّ ذَلِكَ كُلّهُ إنّمَا يَجْتَمِعُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ قُرْبَ زَوَالِ الشّمْسِ... قَالَ وَقَدْ جَاءَتْ الْآثَارُ بِالتّهْجِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ فِي أَوّلِ النّهَارِ وَقَدْ سُقْنَا ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ وَاضِحِ السّنَن ِ بِمَا فِيهِ بَيَانٌ وَكِفَايَةٌ .(1/93)
هَذَا كُلّهُ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ ثُمّ رَدّ عَلَيْهِ أَبُو عُمَرَ وَقَالَ هَذَا تَحَامُلٌ مِنْهُ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَى فَهُوَ الّذِي قَالَ الْقَوْلَ الّذِي أَنْكَرَهُ وَجَعَلَهُ خُلْفًا وَتَحْرِيفًا مِنْ التّأْوِيلِ وَاَلّذِي قَالَهُ مَالِكٌ تَشْهَدُ لَهُ الْآثَارُ الصّحَاحُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَئِمّةِ وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا الْعَمَلُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَهُ وَهَذَا مِمّا يَصِحّ فِيهِ الِاحْتِجَاجُ بِالْعَمَلِ لِأَنّهُ أَمْرٌ يَتَرَدّدُ كُلّ جُمُعَةٍ لَا يَخْفَى عَلَى عَامّةِ الْعُلَمَاءِ .
فَمِنْ الْآثَارِ الّتِي يَحْتَجّ بِهَا مَالِكٌ مَا رَوَاهُ الزّهْرِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّب ِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ : إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَامَ عَلَى كُلّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ النّاسَ الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ فَالْمُهَجّرُ إلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً ثُمّ الّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً ثُمّ الّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي كَبْشًا حَتّى ذَكَرَ الدّجَاجَةَ وَالْبَيْضَةَ فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصّحُفُ وَاسْتَمَعُوا الْخُطْبَةَ ... = سبق تخريجه =(1/94)
قَالَ أَلَا تَرَى إلَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنّهُ قَالَ: يَكْتُبُونَ النّاسَ الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ فَالْمُهَجّرُ إلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً ثُمّ الّذِي يَلِيهِ ...فَجَعَلَ الْأَوّلَ مُهَجّرًا وَهَذِهِ اللّفْظَةُ إنّمَا هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْهَاجِرَةِ وَالتّهْجِيرِ وَذَلِكَ وَقْتُ النّهُوضِ إلَى الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ وَقْتَ طُلُوعِ الشّمْسِ لِأَنّ ذَلِكَ الْوَقْتُ لَيْسَ بِهَاجِرَةٍ وَلَا تَهْجِيرٌ وَفِي الْحَدِيثِ " ثُمّ الّذِي يَلِيهُ ثُمّ الّذِي يَلِيهِ " . وَلَمْ يَذْكُرْ السّاعَةَ . قَالَ وَالطّرُقُ بِهَذَا اللّفْظِ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي " التّمْهِيدِ " وَفِي بَعْضِهَا " الْمُتَعَجّلُ إلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً " . وَفِي أَكْثَرِهَا " الْمُهَجّرُ كَالْمُهْدِي جَزُورًا " الْحَدِيثُ . وَفِي بَعْضِهَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ جَعَلَ الرّائِحَ إلَى الْجُمُعَةِ فِي أَوّلِ السّاعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً وَفِي آخِرِهَا كَذَلِكَ وَفِي أَوّلِ السّاعَةِ الثّانِيَةِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً وَفِي آخِرِهَا كَذَلِكَ . - وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشّافِعِيّ لَمْ يُرَدّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِهِ : الْمُهَجّرُ إلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً ، النّاهِضُ إلَيْهَا فِي الْهَجِيرِ وَالْهَاجِرَةِ وَإِنّمَا أَرَادَ التّارِكَ لِأَشْغَالِهِ وَأَعْمَالِهِ مِنْ أَغْرَاضِ أَهْلِ الدّنْيَا لِلنّهُوضِ إلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْهِجْرَةِ وَهُوَ تَرْكُ الْوَطَنِ وَالنّهُوضُ إلَى غَيْرِهِ وَمِنْهُ سُمّيَ الْمُهَاجِرُونَ ... وَقَالَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ أُحِبّ التّبْكِيرَ إلَى الْجُمُعَةِ وَلَا تُؤْتَى إلّا مَشْيًا ....(1/95)
هَذَا كُلّهُ كَلَامُ أَبِي عُمَرَ . قُلْت : وَمَدَارُ إنْكَارِ التّبْكِيرِ أَوّلُ النّهَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ أَحَدُهَا : عَلَى لَفْظَةِ الرّوَاحِ وَإِنّهَا لَا تَكُونُ إلّا بَعْدَ الزّوَالِ وَالثّانِي : لَفْظَةُ التّهْجِيرِ وَهِيَ إنّمَا تَكُونُ بِالْهَاجِرَةِ وَقْتَ شِدّةِ الْحَرّ وَالثّالِثُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَأْتُونَ مِنْ أَوّلِ النّهَارِ....
- قَدْ يَأْتِي الرّوَاحَ بِمَعْنَى الذّهَابِ
فَأَمّا لَفْظَةُ الرّوَاحِ فَلَا رَيْبَ أَنّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْمُضِيّ بَعْدَ الزّوَالِ وَهَذَا إنّمَا يَكُونُ فِي الْأَكْثَرِ إذَا قُرِنَتْ بِالْغُدُوّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( غُدُوّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ) [ سَبَأٌ 1ُ2 ] وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : مَنْ غَدَا إلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدّ اللّهُ لَهُ نُزُلًا فِي الْجَنّةِ كُلّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ .. = متفق عليه =
وَقَوْلُ الشّاعِرِ .
نَرُوحُ وَنَغْدُو لِحَاجَاتِنَا
وَحَاجَةُ مَنْ عَاشَ لَا تَنْقَضِي
وَقَدْ يُطْلَقُ الرّوَاحُ بِمَعْنَى الذّهَابِ وَالْمُضِيّ وَهَذَا إنّمَا يَجِيءُ إذَا كَانَتْ مُجَرّدَةً عَنْ الِاقْتِرَانِ بِالْغُدُوّ .
وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ فِي " التّهْذِيبِ " : سَمِعْت بَعْضَ الْعَرَبِ يَسْتَعْمِلُ الرّوَاحَ فِي السّيْرِ فِي كُلّ وَقْتٍ يُقَالُ رَاحَ الْقَوْمُ إذَا سَارُوا وَغَدَوْا كَذَلِكَ وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ لِصَاحِبِهِ تَرَوّحْ وَيُخَاطِبُ أَصْحَابَهُ فَيَقُولُ رُوحُوا أَيْ سِيرُوا وَيَقُولُ الْآخَرُ أَلَا تَرُوحُونَ ؟ وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ الصّحِيحَةِ الثّابِتَةِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُضِيّ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْخِفّةِ إلَيْهَا لَا بِمَعْنَى الرّوَاحِ بِالْعَشِيّ .(1/96)
قَدْ يَأْتِي التّهْجِيرُ بِمَعْنَى التّبْكِيرِ وَأَمّا لَفْظُ التّهْجِيرِ وَالْمُهَجّرُ فَمِنْ الْهَجِيرِ وَالْهَاجِرَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيّ : هِيَ نِصْفُ النّهَارِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرّ تَقُولُ مِنْهُ : هَجّرَ النّهَارُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْس ِ
فَدَعْهَا وَسَلّ الْهَمّ عَنْهَا بِجَسْرَةٍ
ذَمُولٍ إذَا صَامَ النّهَارُ وَهَجّرَا
وَيُقَالُ أَتَيْنَا أَهْلَنَا مُهَجّرِينَ أَيْ فِي وَقْتِ الْهَاجِرَةِ وَالتّهْجِيرُ وَالتّهَجّرُ السّيْرُ فِي الْهَاجِرَةِ فَهَذَا مَا يُقَرّرُ بِهِ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ الْآخَرُونَ الْكَلَامُ فِي لَفْظِ التّهْجِيرِ كَالْكَلَامِ فِي لَفْظِ الرّوَاحِ فَإِنّهُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ التّبْكِيرُ .
قَالَ الْأَزْهَرِي ّ فِي " التّهْذِيبِ " : رَوَى مَالِكٌ عَنْ سُمَيّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة َ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ مَا فِي التّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْه ... = متفق عليه ، ومتنه : لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا =(1/97)
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مَرْفُوعٍ :( الْمُهَجّرُ إلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً ) قَالَ وَيَذْهَبُ كَثِيرٌ مِنْ النّاسِ إلَى أَنّ التّهْجِيرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَفْعِيلٌ مِنْ الْهَاجِرَةِ وَقْتَ الزّوَالِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصّوَابُ فِيهِ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد المصاحفي عَنْ النّضْرِ بْن شُمَيْلٍ أَنّهُ قَالَ التّهْجِيرُ إلَى الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا : التّبْكِيرُ وَالْمُبَادَرَةُ إلَى كُلّ شَيْءٍ قَالَ سَمِعْتُ الْخَلِيلَ يَقُولُ ذَلِكَ قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ .
قَالَ الْأَزْهَرِيّ : وَهَذَا صَحِيحٌ وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ مِنْ قَيْسٍ قَالَ لَبِيد :
رَاحَ الْقَطِينُ بِهَجْرٍ بَعْدَ مَا ابْتَكَرُوا
فَمَا تُوَاصِلُهُ سَلْمَى وَمَا تَذَر
فَقَرَنَ الْهَجْرَ بِالِابْتِكَارِ وَالرّوَاحُ عِنْدَهُمْ الذّهَابُ وَالْمُضِيّ يُقَالُ رَاحَ الْقَوْمُ إذَا خَفَوْا وَمَرّوا أَيّ وَقْتٍ كَانَ .
وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ مَا فِي التّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْه ِ... أَرَادَ بِهِ التّبْكِيرَ إلَى جَمِيعِ الصّلَوَاتِ وَهُوَ الْمُضِيّ إلَيْهَا فِي أَوّلِ أَوْقَاتِهَا قَالَ الْأَزْهَرِيّ وَسَائِرُ الْعَرَبِ يَقُولُونَ : هَجّرَ الرّجُلُ إذَا خَرَجَ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ وَرَوَى ٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ : هَجّرَ الرّجُلُ إذَا خَرَجَ بِالْهَاجِرَةِ . قَالَ وَهِيَ نِصْفُ النّهَارِ .
ثُمّ قَالَ الْأَزْهَرِيّ : أَنْشَدَنِي الْمُنْذِرِيّ فِيمَا رَوَى لِثَعْلَبٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيّ فِي " نَوَادِرِهِ " قَالَ قَالَ جِعْثِنَةُ بْنُ جوّاس الرّبْعِي فِي نَاقَتِهِ :
هَلْ تَذْكُرِينَ قَسَمِي وَنَذْرِي
أَزْمَانَ أَنْتِ بِعُرُوضِ الْجَفْر
إذْ أَنْتِ مِضْرَارٌ جَوَادُ الْحُضْر
عَلَيّ إنْ لَمْ تَنْهَضِي بِوَقْرِي(1/98)
بِأَرْبَعِينَ قُدّرَتْ بِقَدْرِ
بِالْخَالِدِيّ لَا بِصَاعِ حَجْرِ
وَتَصْحَبِي أَيانِقًا فِي سَفْر
يُهَجّرُونَ بِهَجِيرِ الْفَجْر
ثُمّتَ تَمْشِي لَيْلَهُمْ فَتَسْرِي
يَطْوُونَ أَعْرَاضَ الْفِجَاجِ الْغُبْرِ
طَيّ أَخِي التّجْرِ بُرُودَ التّجْرِ
قَالَ الْأَزْهَرِيّ يُهَجّرُونَ بِهَجِيرِ الْفَجْرِ أَيْ يُبَكّرُونَ بِوَقْتِ السّحَرِ .
- وَأَمّا كَوْنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُونُوا يَرُوحُونَ إلَى الْجُمُعَةِ أَوّلَ النّهَارِ فَهَذَا غَايَةُ عَمَلِهِمْ فِي زَمَانِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللّهُ وَهَذَا لَيْسَ بِحُجّةٍ وَلَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجّةٌ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ إلّا تَرْكُ الرّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوّلِ النّهَارِ وَهَذَا جَائِزٌ بِالضّرُورَةِ .(1/99)
- وَقَدْ يَكُونُ اشْتِغَالُ الرّجُلِ بِمَصَالِحِهِ وَمَصَالِحِ أَهْلِهِ وَمَعَاشِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ أَفْضَلَ مِنْ رَوَاحِهِ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوّلِ النّهَارِ وَلَا رَيْبَ أَنّ انْتِظَارَ الصّلَاةِ بَعْدَ الصّلَاةِ وَجُلُوسَ الرّجُلِ فِي مُصَلّاهُ حَتّى يُصَلّيَ الصّلَاةَ الْأُخْرَى أَفْضَلُ مِنْ ذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِلثّانِيَةِ كَمَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : وَاَلّذِي يَنْتَظِرُ الصّلَاةَ ثُمّ يُصَلّيهَا مَعَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ الّذِي يُصَلّي ثُمّ يَرُوحُ إلَى أَهْلِهِ ... وَأَخْبَرَ " أَنّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ تَزَلْ تُصَلّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلّاهُ " ... وَأَخْبَرَ أَنّ انْتِظَارَ الصّلَاةِ بَعْدَ الصّلَاةِ مِمّا يَمْحُو اللّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدّرَجَاتِ وَأَنّهُ الرّبَاطُ "... وَأَخْبَرَ " أَنّ اللّهَ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ بِمَنْ قَضَى فَرِيضَةً وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ أُخْرَى " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ مَنْ صَلّى الصّبْحَ ثُمّ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الْجُمُعَةَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمّنْ يَذْهَبُ ثُمّ يَجِيءُ فِي وَقْتِهَا وَكَوْنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ مَكْرُوهٌ فَهَكَذَا الْمَجِيءُ إلَيْهَا وَالتّبْكِيرُ فِي أَوّلِ النّهَارِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .(1/100)
? وَاَلّذِي يَنْتَظِرُ الصّلَاةَ ثُمّ يُصَلّيهَا مَعَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ الّذِي يُصَلّي ثُمّ يَرُوحُ إلَى أَهْلِهِ = روى الشيخان : عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ ...
? أَنّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ تَزَلْ تُصَلّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلّاهُ = روى الشيخان : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ.. قُلْتُ :مَا يُحْدِثُ ؟ قَالَ يَفْسُو أَوْ يَضْرِطُ . ( لفظ مسلم )
? انْتِظَارَ الصّلَاةِ بَعْدَ الصّلَاةِ مِمّا يَمْحُو اللّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدّرَجَاتِ وَأَنّهُ الرّبَاطُ = رواه مسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالُوا : بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ... قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ ...(1/101)
? " أَنّ اللّهَ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ بِمَنْ قَضَى فَرِيضَةً وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ أُخْرَى =رواه أحمد وابن ماجه ، وصححه الألباني رحمه الله ، ولفظ أحمد : حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ نَوْفًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَعْنِي ابْنَ الْعَاصِي اجْتَمَعَا فَقَالَ نَوْفٌ: لَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِمَا وُضِعَ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى لَرَجَحَتْ بِهِنَّ ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ كُنَّ طَبَقًا مِنْ حَدِيدٍ... فَقَالَ رَجُلٌ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَخَرَقَتْهُنَّ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ... فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ فَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ وَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ فَجَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَادَ يَحْسِرُ ثِيَابَهُ عَنْ رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: أَبْشِرُوا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ عِبَادِي قَضَوْا فَرِيضَةً وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى ...
25 - الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنّ لِلصّدَقَةِ فِيهِ مَزِيّةً عَلَيْهَا فِي سَائِرِ الْأَيّامِ وَالصّدَقَةُ فِيهِ بِالنّسْبَةِ إلَى سَائِرِ أَيّامِ الْأُسْبُوعِ كَالصّدَقَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِالنّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الشّهُورِ .(1/102)
وَشَاهَدْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيّةَ قَدّسَ اللّه رَوْحهُ إذَا خَرَجَ إلَى الْجُمُعَةِ يَأْخُذُ مَا وَجَدَ فِي الْبَيْتِ مِنْ خُبْزٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَتَصَدّقُ بِهِ فِي طَرِيقِهِ سِرّا وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إذَا كَانَ اللّهُ قَدْ أَمَرَنَا بِالصّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاةِ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَالصّدَقَةُ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاتِهِ تَعَالَى أَفْضَلُ وَأَوْلَى بِالْفَضِيلَةِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ : حَدّثَنَا أَبِي حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ اجْتَمَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَعْبُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : إنّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي صَلَاةٍ يَسْأَلُ اللّهَ عَزّ وَجَلّ شَيْئًا إلّا آتَاهُ إيّاهُ فَقَالَ كَعْبٌ : أَنَا أُحَدّثُكُمْ عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إنّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَزِعَتْ لَهُ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْبَرّ وَالْبَحْرُ وَالْجِبَالُ وَالشّجَرُ وَالْخَلَائِقُ كُلّهَا إلّا ابْنَ آدَمَ وَالشّيَاطِينَ وَحَفّتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَيَكْتُبُونَ مَنْ جَاءَ الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ حَتّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ فَمَنْ جَاءَ بَعْدُ جَاءَ لِحَقّ اللّهِ لِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ وَحَقّ عَلَى كُلّ حَالِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ يَوْمئِذٍ كَاغْتِسَالِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالصّدَقَةُ فِيهِ أَعْظَمُ مِنْ الصّدَقَةِ فِي سَائِرِ الْأَيّامِ وَلَمْ تَطْلُعْ الشّمْسُ وَلَمْ تَغْرُبْ عَلَى مَثَلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ... فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : هَذَا حَدِيثُ كَعْبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَا أَرَى إنْ كَانَ لِأَهْلِهِ طِيبٌ يَمَسّ مِنْهُ .(1/103)
? ? ? روى هذا اللفظ عبد الرزاق في مصنفه ، وأخرج الحديث مالك في الموطأ - وأبو داود والترمذي والنسائي في السنن - وأحمد - والحاكم - والبيهقي في الشعب ، وابن حبان في صحيحه - كلهم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهذا لفظ الحاكم : ... عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه أهبط ، وفيه تيب عليه ، وفيه مات ، وفيه تقوم الساعة ، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين يصبح حتى الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس ، وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه " قال كعب : ذلك في كل سنة يوم ؟ فقلت : بل في كل جمعة ، قال فقرأ كعب التوراة ، فقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أبو هريرة : ثم لقيت عبد الله بن سلام ، فحدثته بمجلسي مع كعب فقال عبد الله بن سلام : " قد علمت أية ساعة هي ؟ " قال أبو هريرة : فقلت له فأخبرني بها . فقال عبد الله بن سلام : " هي آخر ساعة في يوم الجمعة " . فقلت : كيف هي آخر ساعة في يوم الجمعة ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي " وتلك الساعة لا يصلى فيها ؟ فقال عبد الله بن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي " " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه إنما اتفقا على أحرف من أوله " " في حديث الأعرج ، عن أبي هريرة : ( خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ) ، وقد تابع محمد بن إسحاق يزيد بن الهاد على روايته ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي بالزيادات فيه "
شرح : المطي : جمع مطية وهي الدابة التي يركب مطاها أي ظهرها ، أو هي التي تمط في سيرها أي تمدُّ
تِيب على فلان : قبل الله رجوعه وإنابته وعاد عليه بالمغفرة
مصيخة : مستمعة مصغية(1/104)
شفقا : خوفا
26 - السّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنّهُ يَوْمٌ يَتَجَلّى اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنّةِ وَزِيَارَتهمْ لَهُ فَيَكُونُ أَقْرَبُهُمْ مِنْهُمْ أَقْرَبَهُمْ مِنْ الْإِمَامِ وَأَسْبَقُهُمْ إلَى الزّيَارَةِ أَسْبَقَهُمْ إلَى الْجُمُعَةِ . وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَمَانِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي الْيَقْظَان ِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ فِي قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ : ( وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) [ ق : 35 ]... قَالَ يَتَجَلّى لَهُمْ فِي كُلّ جُمُعَةٍ ...
= قال ابن كثير رحمه الله : وقوله تعالى: {ولدينا مزيد} كقوله عز وجل: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} وقد تقدم في صحيح مسلم عن صهيب بن سنان الرومي أنها النظر إلى وجه الله الكريم. وقد روى البزار وابن أبي حاتم من حديث شريك القاضي عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله عز وجل: {ولدينا مزيد} قال: يظهر لهم الرب عز وجل في كل جمعة, وقد رواه الإمام أبو عبد الله الشافعي مرفوعاً فقال في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد, حدثني موسى بن عبيدة, حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عمير أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: أتى جبرائيل عليه الصلاة والسلام بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذه ؟" فقال: هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك, فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ولكم فيها خير, ولكم فيها ساعة لا يوافقها مؤمن, يدعو الله تعالى فيها بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد.(1/105)
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل وما يوم المزيد ؟" قال عليه السلام: إن ربك تبارك وتعالى اتخذ في الفردوس وادياً أفيح فيه كثب المسك, فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله تعالى ما شاء من ملائكته, وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين, وحفت تلك المنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون, فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب, فيقول الله عز وجل: أنا ربكم قد صدقتكم وعدي فسلوني أعطكم, فيقولون: ربنا نسألك رضوانك, فيقول: قد رضيت عنكم ولكم علي ما تمنيتم ولدي مزيد. فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم تبارك وتعالى من الخير, وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة. هكذا أورده الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الجمعة من الأم, وله طرق عن أنس بن مالك رضي الله عنه,...( قلت : يأتي قريباً )
- وَذَكَرَ الطّبَرَانِي ّ فِي " مُعْجَمِهِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي نُعَيْمٍ الْمَسْعُودِي ّ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ : سَارِعُوا إلَى الْجُمُعَةِ فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَبْرُزُ لِأَهْلِ الْجَنّةِ فِي كُلّ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ فَيَكُونُونَ مِنْهُ فِي الْقُرْبِ عَلَى قَدْرِ تَسَارُعِهِمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَيُحْدِثُ اللّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ مِنْ الْكَرَامَةِ شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا قَدْ رَأَوْهُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمّ يَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ فَيُحَدّثُونَهُمْ بِمَا أَحْدَثَ اللّهُ لَهُمْ . قَالَ ثُمّ دَخَلَ عَبْدُ اللّهِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ رَجُلَانِ وَأَنَا الثّالِثُ إنْ يَشَأْ اللّهُ يُبَارِكْ فِي الثّالِثِ ...(1/106)
- وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ فِي " الشّعَبِ " عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ رُحْت مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ إلَى جُمُعَةٍ فَوَجَدَ ثَلَاثَةً قَدْ سَبَقُوهُ فَقَالَ رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ . ثُمّ قَالَ إنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ" إنّ النّاسَ يَجْلِسُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ اللّهِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إلَى الْجُمُعَةِ الْأَوّلُ ثُمّ الثّانِي ثُمّ الثّالِثُ ثُمّ الرّابِعُ . ثُمّ قَالَ وَمَا أَرْبَعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ...
- قَالَ الدّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِ " الرّؤْيَةِ " : حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَن ِ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمّدٍ حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ جَعْفَر ٍ حَدّثَنَا نَافِعٌ أَبُو الْحَسَنِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَة َ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك ٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ : إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رَأَى الْمُؤْمِنُونَ رَبّهُمْ فَأَحْدَثُهُمْ عَهْدًا بِالنّظَرِ إلَيْهِ مَنْ بَكّرَ فِي كُلْ جُمُعَةٍ وَتَرَاهُ الْمُؤْمِنَاتُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النّحْرِ ...(1/107)
حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ نُوحٍ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ مُوسَى بْنُ سُفْيَانَ السّكّرِيّ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْجَهْمِ الرّازِيّ حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنْ أَبِي طِيبَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ : أَتَانِي جِبْرِيْلُ وَفِي يَدِهِ كَالْمِرْآةِ الْبَيْضَاءِ فِيهَا كَالنّكْتَةِ السّوْدَاءِ فَقُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ هَذِهِ الْجُمُعَةُ يَعْرِضُهَا اللّهُ عَلَيْكَ لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِك... قُلْتُ: وَمَا لَنَا فِيهَا ؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ، أَنْتَ فِيهَا الْأَوّلُ ، وَالْيَهُودُ وَالنّصَارَى مِنْ بَعْدِك ، وَلَكَ فِيهَا سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَبْدٌ فِيهَا شَيْئًا هُوَ لَهُ قَسْمٌ إلّا أَعْطَاهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ قَسْمٌ إلّا أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِنْهُ وَأَعَاذَهُ اللّهُ مِنْ شَرّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ وَإِلّا دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : قُلْتُ وَمَا هَذِهِ النّكْتَةُ السّوْدَاءُ ؟ قَالَ هِيَ السّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ عِنْدَنَا سَيّدُ الْأَيّامِ وَيَدْعُوهُ أَهْلُ الْآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ ... قَالَ : قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ وَمَا يَوْمُ الْمَزِيدِ ؟ قَالَ : ذَلِكَ أَنّ رَبّكَ عَزّ وَجَلّ اتّخَذَ فِي الْجَنّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ عَلَى كُرْسِيّهِ ثُمّ حُفّ الْكُرْسِيّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيَجِيءُ النّبِيّونَ حَتّى يَجْلِسُوا عليها ، ثُمّ حُفّ الْمَنَابِرُ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ فَيَجِيءُ الصّدّيقُونَ والشُهَدَاءُ حَتّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا ، وَيَجِيءُ(1/108)
أَهْلُ الْغُرَفِ حَتّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكُثُبِ ، قَالَ : ثُمّ يَتَجَلّى لَهُمْ رَبّهُمْ عَزّ وَجَلّ ، قَالَ: فَيَنْظُرُونَ إلَيْهِ ، فَيَقُولُ: أَنَا الّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَهَذَا مَحَلّ كَرَامَتِي فَسَلُونِيُ ...فَيَسْأَلُونَهُ الرّضَى.. قَالَ :رِضَايَ أُنْزِلُكُمْ دَارِي وَأَنَالُكُمْ كَرَامَتِي فَسَلُونِي فَيَسْأَلُونَهُ الرّضَى ... قَالَ: فَيَشْهَدُ لَهُمْ بِالرّضَى ثُمّ يَسْأَلُونَهُ حَتّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ ثُمّ يُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ . قَالَ ثُمّ يَرْتَفِعُ رَبّ الْعِزّةِ وَيَرْتَفِعُ مَعَهُ النّبِيّونَ وَالشّهَدَاءُ وَيَجِيءُ أَهْلُ الْغُرَفِ إلَى غُرَفِهِمْ . قَالَ كُلّ غُرْفَةٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ لَا وَصْلَ فِيهَا وَلَا فَصْمٌ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ وَغُرْفَةٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ أَبْوَابُهَا وَعَلَالِيّهَا وَسَقَائِفُهَا وأغْلاقُها مِنْهَا أَنْهَارُهَا مُطّرِدَةٌ مُتَدَلّيَةٌ فِيهَا أَثْمَارُهَا فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا . قَالَ فَلَيْسُوا إلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا مِنْ كَرَامَةِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَالنّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ فَذَلِكَ يَوْمُ الْمَزِيدِ ...
وَلِهَذَا الْحَدِيثِ عِدّةُ طُرُقٍ ذَكَرَهَا أَبُو الْحَسَنِ الدّارَقُطْنِي ّ فِي كِتَابِ " الرّؤْيَة ِ " .(1/109)
27 - السّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنّهُ قَدْ فُسّرَ الشّاهِدُ الّذِي أَقْسَمَ اللّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ حُميد بْن زَنْجُوَيْهِ : حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَى أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَيّوبَ بْن خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة َقَالَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ : الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ ، وَالشّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللّهَ فِيهَا بِخَيْرٍ إلّا اسْتَجَابَ لَهُ أَوْ يَسْتَعِيذُهُ مِنْ شَرّ إلّا أَعَاذَهُ مِنْهُ ... وَرَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْ رَوْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ . =
- وَفِي " مُعْجَمِ الطّبَرَانِيّ " مِنْ حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيّاشٍ حَدّثَنِي أَبِي حَدّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زَرْعَةَ عَنْ شُريح بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ : الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَالشّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ ذَخَرَهُ اللّهُ لَنَا وَصَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ ...(1/110)
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ . قُلْت : وَالظّاهِرُ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - أَنّهُ مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي هُرَيْرَة َ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدّثْنَا شُعْبَةُ سَمِعْت عَلِيّ بْنَ زَيْدٍ وَيُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ يُحَدّثَانِ عَنْ عَمّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة َ أَمّا عَلِيّ بْنُ زَيْدٍ فَرَفَعَهُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَمّا يُونُسُ فَلَمْ يَعْدُ أَبَا هُرَيْرَة َ أَنّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ( وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ) قَالَ : الشّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ ، وَالْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ...(1/111)
28 - الثّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنّهُ الْيَوْمُ الّذِي تَفْزَعُ مِنْهُ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالْبِحَارُ وَالْخَلَائِقُ كُلّهَا إلّا الْإِنْسَ وَالْجِنّ... فَرَوَى أَبُو الْجَوّابِ عَنْ عَمّارِ بْنِ زُرَيْق ٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: اجْتَمَعَ كَعْبٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ : إنّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللّهَ فِيهَا خَيْرَ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلّا أَعْطَاهُ إيّاهُ ...فَقَالَ كَعْبٌ : أَلَا أُحَدّثُكُمْ عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ؟ إنّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَزِعَتْ لَهُ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالْبِحَارُ وَالْخَلَائِقُ كُلّهَا إلّا ابْنَ آدَمَ وَالشّيَاطِينَ وَحَفّتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فَيَكْتُبُونَ الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ حَتّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَمَنْ جَاءَ بَعْدُ جَاءَ لِحَقّ اللّهِ وَلِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ وَيَحِقّ عَلَى كُلّ حَالِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهِ كَاغْتِسَالِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالصّدَقَةُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الصّدَقَةِ فِي سَائِرِ الْأَيّامِ وَلَمْ تَطْلُعْ الشّمْسُ وَلَمْ تَغْرُبْ عَلَى يَوْمٍ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ ... قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : هَذَا حَدِيثُ كَعْبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَا أَرَى مَنْ كَانَ لِأَهْلِهِ طِيبٌ أَنْ يَمَسّ مِنْهُ يَوْمئِذٍ . = سبق تخريجه - الخاصة 25 =(1/112)
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة َ : عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَطْلُعُ الشّمْسُ وَلَا تَغْرُبُ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا مِنْ دَابّةٍ إلّا وَهِيَ تَفْزَعُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ إلّا هَذَيْنِ الثّقَلَيْنِ مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْسِ ... وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
? ? ? رواه أحمد ، وعبد الرزاق ، والطبراني ، وأبو يعلى ، وابن حبان ، ولفظ أحمد : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَلَا تَغْرُبُ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا تَفْزَعُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَّا هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَكَانِ يَكْتُبَانِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَكَرَجُلٍ قَدَّمَ بَدَنَةً وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ بَقَرَةً وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ شَاةً وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ طَائِرًا وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ بَيْضَةً فَإِذَا قَعَدَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصُّحُفُ ...
وَذَلِكَ أَنّهُ الْيَوْمُ الّذِي تَقُومُ فِيهِ السّاعَةُ وَيُطْوَى الْعَالَمُ وَتَخْرَبُ فِيهِ الدّنْيَا وَيُبْعَثُ فِيهِ النّاسُ إلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ الْجَنّةِ وَالنّار(1/113)
29 - التّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنّهُ الْيَوْمُ الّذِي ادّخَرَهُ اللّهُ لِهَذِهِ الْأُمّةِ وَأَضَلّ عَنْهُ أَهْلَ الْكِتَابِ قَبْلَهُمْ كَمَا فَيَ " الصّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ : مَا طَلَعَتْ الشّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ خَيْرٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ هَدَانَا اللّهُ لَهُ وَضَلّ النّاسَ عَنْهُ فَالنّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ هُوَ لَنَا وَلِلْيَهُودِ يَوْمُ السّبْتِ وَلِلنّصَارَى يَوْمُ الْأَحَد ... وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ " ذَخَرَهُ اللّهُ لَنَا " .
? ? ? رواه أحمد ، وابن خزيمة - ولفظ أحمد : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ خَيْرٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ وَأَضَلَّ النَّاسَ عَنْهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ هُوَ لَنَا وَلِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ وَلِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ إِنَّ فِيهِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا مُؤْمِنٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ ...
وقوله : " ذَخَرَهُ اللّهُ لَنَا " ورد في حديث للطبراني : وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ ذَخَرَهُ اللَّهُ لَنَا ....
? ? ? وطرفه : يَوْمِ الْجُمُعَةِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ وَأَضَلَّ النَّاسَ عَنْهُ ... ورد في حديث عند مسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ(1/114)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَحْنُ الْآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُمَّ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا هَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ ... وفي رواية أخرى له : نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَالْيَوْمَ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى... وفي رواية للبخاري :عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ.(1/115)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ فَأَذِنَ لَهُ ، فَقَالَ: السّامُ عَلَيْك... قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ : وَعَلَيْكَ .... قَالَتْ : فَهَمِمْتُ أَنْ أَتَكَلّمَ .. قَالَتْ : ثُمّ دَخَلَ الثّانِيَة فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَعَلَيْك ...قَالَتْ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَتَكَلّمَ ...ثُمّ دَخَلَ الثّالِثَةَ فَقَالَ :السّامُ عَلَيْكُمْ ..قَالَتْ فَقُلْتُ : بَلْ السّامُ عَلَيْكُمْ وَغَضَبُ اللّهِ ،إخْوَانَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ، أَتُحَيّونَ رَسُولَ اللّهِ بِمَا لَمْ يُحَيّهِ بِهِ اللّهُ عَزّ وَجَلّ ؟. قَالَتْ: فَنَظَرَ إلَيّ فَقَالَ : مَهْ إنّ اللّهَ لَا يُحِبّ الْفُحْشَ وَلَا التّفَحّشَ ، قَالُوا قَوْلًا فَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِمْ ، فَلَمْ يَضُرّنَا شَيْئًا وَلَزِمَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إنّهُمْ لَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى الْجُمُعَةِ الّتِي هَدَانَا اللّهُ لَهَا وَضَلّوا عَنْهَا ، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الّتِي هَدَانَا اللّهُ لَهَا وَضَلّوا عَنْهَا ، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ آمِينَ ...(1/116)
? ? ? رواه بهذا اللفظ : الطبراني في الأوسط وفي مسند الشاميين ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وابن خزيمة في صحيحه ... وأخرج الشيخان أطرافه : روى البخاري : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ يَهُودَ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمْ اللَّهُ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ قَالَ مَهْلًا يَا عَائِشَةُ عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ قَالَتْ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ ... وهذا رواه مسلم من رواية جابر عن عائشة : عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَلَّمَ نَاسٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ... فَقَالَ : وَعَلَيْكُمْ ...فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَغَضِبَتْ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ بَلَى قَدْ سَمِعْتُ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّا نُجَابُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُجَابُونَ عَلَيْنَا...
وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ : نَحْنُ الْآخِرُونَ السّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الّذِي فَرَضَ اللّهُ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللّهُ لَهُ فَالنّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنّصَارَى بَعْدَ غَدٍ ...(1/117)
? ? ? هذا لفظ البخاري في كتاب الجمعة - باب فرض الجمعة ، ولفظ مسلم في باب هداية خذخ الأمة ليوم الجمعة : عنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ فَالْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ... وفي رواية أخرى: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَالْيَوْمَ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى.
وَفِي " بَيْدَ " لُغَتَانِ بِالْبَاءِ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ وَمَيْدَ بِالْمِيمِ حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدٍ . وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا : أَنّهَا بِمَعْنَى " غَيْرِ " وَهُوَ أَشْهَرُ مَعْنَيَيْهَا وَالثّانِي : بِمَعْنَى " عَلَى " وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدٍ شَاهِدًا لَه
عَمْدًا فَعَلْتُ ذَاكَ بَيْدَ أَنّي
إخَالُ لَوْ هَلَكْتُ لَمْ تَرِنّي
تَرِنّي : تَفْعَلِي مِنْ الرّنِينِ(1/118)
30 - الخاصة الثّلَاثُونَ : أَنّهُ خِيرَةُ اللّهِ مِنْ أَيّامِ الْأُسْبُوعِ كَمَا أَنّ شَهْرَ رَمَضَانَ خِيرَتُهُ مِنْ شُهُورِ الْعَامِ وَلَيْلَةَ الْقَدْرِ خِيرَتُهُ مِنْ اللّيَالِيِ وَمَكّةُ خِيرَتُهُ مِنْ الْأَرْضِ وَمُحَمّدٌ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ خِيَرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ .
قَالَ آدَمُ بْنُ أَبِي إيَاسٍ : حَدّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النّجُودِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ : إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ اخْتَارَ الشّهُورَ وَاخْتَارَ شَهْرَ رَمَضَانَ ، وَاخْتَارَ الْأَيّامَ وَاخْتَارَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَاخْتَارَ اللّيَالِيَ وَاخْتَارَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، وَاخْتَارَ السّاعَاتِ وَاخْتَارَ سَاعَةَ الصّلَاةِ ... وَالْجُمْعَةُ تُكَفّرُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَتَزِيدُ ثَلَاثًا ، وَرَمَضَانُ يُكَفّرُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانَ ، وَالْحَجّ يُكَفّرُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجّ ، وَالْعُمْرَةُ تُكَفّرُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ ... وَيَمُوتُ الرّجُلُ بَيْنَ حَسَنَتَيْنِ حَسَنَةٍ قَضَاهَا وَحَسَنَةٍ يَنْتَظِرُهَا يَعْنِي صَلَاتَيْنِ ، وَتُصَفّدُ الشّيَاطِينُ فِي رَمَضَانَ وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ النّارِ وَتُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنّةِ ، وَيُقَالُ فِيهِ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ هَلُمّ .... رَمَضَان أَجْمَع ، وَمَا مِنْ لَيَالٍ أَحَبّ إلَى اللّه الْعَمَلُ فِيهِنّ مِنْ لَيَالِي الْعَشْر ..
? ? ? أطراف هذا الحديث من كلام كعب، المتعلقة بالجمعة :
? وَاخْتَارَ الْأَيّامَ وَاخْتَارَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ = عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ... ) . رواه مسلم في كتاب الجمعة - باب فضل يوم الجمعة ...(1/119)
? وَالْجُمْعَةُ تُكَفّرُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَتَزِيدُ ثَلَاثًا =بمعتى أن خير الأيام وأفضلها يوم الجمعة ؛ روى أحمد والنسائي : عن سلمان قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتدري ما يوم الجمعة ؟ قلت : الله ورسوله أعلم... قال :لكني أنا أحدثك عن يوم الجمعة ، لا يتطهر رجل ثم يمشي إلى الجمعة ثم ينصت حتى يقضي الامام صلاته إلا كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها ما اجتنب المقتلة ... وفي الأوسط للطبراني : عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا اغتسل الرجل يوم الجمعة ، ومس طيبا ، وأنصت ولم يلغ حتى يقضي الإمام خطبته ، وركع شيئا إن بدا له ، كفر عنه ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ...(1/120)
31 - الخاصة الْحَادِيَةُ وَالثّلَاثُونَ : إنّ الْمَوْتَى تَدْنُو أَرْوَاحُهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَتُوَافِيهَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيَعْرِفُونَ زُوّارَهُمْ وَمَنْ يَمُرّ بِهِمْ وَيُسَلّمُ عَلَيْهِمْ وَيَلْقَاهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ بِهِمْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيّامِ ، فَهُوَ يَوْمٌ تَلْتَقِي فِيهِ الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ... فَإِذَا قَامَتْ فِيهِ السّاعَةُ الْتَقَى الْأَوّلُونَ وَالْآخِرُونَ ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ وَأَهْلُ السّمَاءِ ،وَالرّبّ وَالْعَبْدُ، وَالْعَامِلُ وَعَمَلُهُ ، وَالْمَظْلُومُ وَظَالِمُهُ ، وَالشّمْسُ وَالْقَمَرُ وَلَمْ تَلْتَقِيَا قَبْلَ ذَلِكَ قَطّ ...وَهُوَ يَوْمُ الْجَمْعِ وَاللّقَاءِ وَلِهَذَا يَلْتَقِي النّاسُ فِيهِ فِي الدّنْيَا أَكْثَرَ مِنْ الْتِقَائِهِمْ فِي غَيْرِهِ فَهُوَ يَوْمُ التّلَاق . قَالَ أَبُو التّيّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُميدٍ : كَانَ مُطَرّفُ بْنُ عَبْدِ اللّه ِ يُبَادِرُ فَيَدْخُلُ كُلّ جُمُعَةٍ فَأَدْلَجَ حَتّى إذَا كَانَ عِنْدَ الْمَقَابِرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ فَرَأَيْت صَاحِبَ كُلّ قَبْرٍ جَالِسًا عَلَى قَبْرِهِ فَقَالُوا : هَذَا مُطَرّفٌ يَأْتِي الْجُمُعَةَ قَالَ فَقُلْت لَهُمْ وَتَعْلَمُونَ عِنْدَكُمْ الْجُمُعَةَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ وَنَعْلَمُ مَا تَقُولُ فِيهِ الطّيْرُ قُلْت : وَمَا تَقُولُ فِيهِ الطّيْرُ ؟ قَالُوا : تَقُولُ رَبّ سَلّمْ سَلّمْ يَوْمٌ صَالِحٌ .(1/121)
- وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدّنْيَا فِي كِتَابِ " الْمَنَامَاتِ " وَغَيْرِهِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ عَاصِمٍ الْجَحْدَرِيّ قَالَ رَأَيْت عَاصِمًا الْجَحْدَرِي ّ فِي مَنَامِي بَعْدَ مَوْتِهِ لِسَنَتَيْنِ فَقُلْتُ أَلَيْسَ قَدْ مِتّ ؟ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَأَيْنَ أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا وَاَللّهِ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ أَنَا وَنَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِي نَجْتَمِعُ كُلّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ وَصَبِيحَتِهَا إلَى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْمُزَنِيّ فَنَتَلَقّى أَخْبَارَكُمْ . قُلْت : أَجْسَامُكُمْ أَمْ أَرْوَاحُكُمْ ؟ قَالَ هَيْهَاتَ بَلِيَتْ الْأَجْسَامُ وَإِنّمَا تَتَلَاقَى الْأَرْوَاحُ قَالَ قُلْتُ فَهَلْ تَعْلَمُونَ بِزِيَارَتِنَا لَكُمْ ؟ قَالَ نَعْلَمُ بِهَا عَشِيّةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ كُلّهُ وَلَيْلَةَ السّبْتِ إلَى طُلُوعِ الشّمْسِ . قَالَ قُلْتُ فَكَيْفَ ذَلِكَ دُونَ الْأَيّامِ كُلّهَا ؟ قَالَ لِفَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَعَظْمَتِهِ .
- وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدّنْيَا أَيْضًا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ وَاسِعٍ أَنّهُ كَانَ يَذْهَبُ كُلّ غَدَاةِ سَبْتٍ حَتّى يَأْتِيَ الْجَبّانَةَ فَيَقِفُ عَلَى الْقُبُورِ فَيُسَلّمُ عَلَيْهِمْ وَيَدْعُو لَهُمْ ثُمّ يَنْصَرِفُ . فَقِيلَ لَهُ لَوْ صَيّرْت هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ . قَالَ بَلَغَنِي أَنّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُوّارِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ .
- وَذَكَرَ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ قَالَ بَلَغَنِي عَنْ الضّحّاكِ أَنّهُ قَالَ مَنْ زَارَ قَبْرًا يَوْمَ السّبْتِ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ عَلِمَ الْمَيّتُ بِزِيَارَتِهِ . فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ لِمَكَانِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ .(1/122)
32 - الخاصة الثّانِيَةُ وَالثّلَاثُونَ : أَنّهُ يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصّوْمِ هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ قَالَ الْأَثْرَمُ : قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ صِيَامُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ؟ فَذَكَرَ حَدِيثَ النّهْيِ عَنْ أَنْ يُفْرَدَ ثُمّ قَالَ إلّا أَنْ يَكُونَ فِي صِيَامٍ كَانَ يَصُومُهُ وَأَمّا أَنْ يُفْرَدَ فَلَا . قُلْتُ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَوَقَعَ فِطْرُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَصَوْمُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِطْرُهُ يَوْمَ السّبْتِ فَصَارَ الْجُمُعَةُ مُفْرَدًا ؟ قَالَ هَذَا إلّا أَنْ يَتَعَمّدَ صَوْمَهُ خَاصّةً إنّمَا كُرِهَ أَنْ يَتَعَمّدَ الْجُمُعَةَ .
- وَأَبَاحَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَة َ صَوْمَهُ كَسَائِرِ الْأَيّامِ قَالَ مَالِكٌ : لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصِيَامُهُ حَسَنٌ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرّاهُ . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ : اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ مِنْ كُلّ شَهْرٍ وَقَالَ قَلّمَا رَأَيْته مُفْطِرًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَر َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ قَالَ مَا رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَطّ . ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَر َ .(1/123)
- َرَوَى ابْنُ عَبّاسٍ أَنّهُ كَانَ يَصُومُهُ وَيُوَاظِبُ عَلَيْهِ . وَأَمّا الّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فَيَقُولُونَ إنّهُ مُحَمّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ . وَقِيلَ : صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ .
- وَرَوَى الدّرَاوَرْدِيّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي جُشَم َ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ صَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُتِبَ لَهُ عَشَرَةُ أَيّامٍ غُرَرٌ زُهْرٌ مِنْ أَيّامِ الْآخِرَةِ لَا يُشَاكِلُهُنّ أَيّامُ الدّنْيَا
وَالْأَصْلُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنّهُ عَمَلٌ بَرّ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ إلّا بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ .
-- قُلْتُ قَدْ صَحّ الْمُعَارِضُ صِحّةً لَا مَطْعَنَ فِيهَا الْبَتّةَ فَفِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبّاد ٍ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا : أَنَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ نَعَمْ . وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبّاد ٍ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ : أَنَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ نَعَمْ وَرَبّ هَذِهِ الْبِنْيَةِ
? ? ? رواه البخاري في كتاب الصيام - بَاب صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، ومسلم في كتاب الصيام -باب كَرَاهَةِ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا
- وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ : لَا يَصُومَنّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ وَاللّفْظُ لِلْبُخَارِيّ .(1/124)
? ? ? ولفظ مسلم : لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ
- وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَة َ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ : لَا تَخُصّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللّيَالِيِ وَلَا تَخُصّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَيّامِ إلّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ
- وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيّ " عَنْ جُوَيْرِيَة بِنْتِ الْحَارِثِ " أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ : أَصُمْتِ أَمْسِ ؟ قَالَتْ لَا . قَالَ: فَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا ؟ قَالَتْ لَا . قَالَ: فَأَفْطِرِي...
- وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَد َ " عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَه .
- وَفِي " مُسْنَدِهِ " أَيْضًا عَنْ جُنادة الْأَزْدِيّ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فِي سَبْعَةٍ مِنْ الْأَزْدِ أَنَا ثَامِنُهُمْ وَهُوَ يَتَغَدّى ،فَقَالَ: " هَلُمّوا إلَى الْغَدَاءِ " فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا صِيَامٌ . فَقَالَ: أَصُمْتُمْ أَمْسِ ؟ قُلْنَا : لَا . قَالَ: فَتَصُومُونَ غَدًا ؟ قُلْنَا : لَا . قَالَ: فَأَفْطِرُوا . قَالَ فَأَكَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَلَمّا خَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ دَعَا بِإِنَاءِ مَاءٍ فَشَرِبَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ،وَالنّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ يُرِيهِمْ أَنّهُ لَا يَصُومُ يَوْمَ الْجُمُعَة ...(1/125)
- وَفِي " مُسْنَدِهِ " أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة َ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ ، فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ إلّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ...
- وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَطَوّعًا مِنْ الشّهْرِ أَيّامًا فَلْيَكُنْ فِي صَوْمِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَلَا يَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنّهُ يَوْمُ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَذِكْر فَيَجْمَعُ اللّهُ لَهُ يَوْمَيْنِ صَالِحَيْنِ يَوْمَ صِيَامِهِ وَيَوْمَ نُسُكِهِ مَعَ الْمُسْلِمِين .
عِلّةُ كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
- وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ إنّهُمْ كَرِهُوا صَوْمَ الْجُمُعَةِ لِيَقْوَوْا عَلَى الصّلَاةِ .
- قُلْتُ الْمَأْخَذُ فِي كَرَاهَتِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ هَذَا أَحَدُهَا وَلَكِنْ يَشْكُلُ عَلَيْهِ زَوَالُ الْكَرَاهِيَةِ بِضَمّ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إلَيْهِ .
وَالثّانِي : أَنّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَهُوَ الّذِي أَشَارَ إلَيْهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا التّعْلِيلِ إشْكَالَانِ . أَحَدُهُمَا : أَنّ صَوْمَهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَصَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ حَرَامٌ . وَالثّانِي : إنّ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ بِعَدَمِ إفْرَادِهِ وَأُجِيبُ عَنْ الْإِشْكَالَيْنِ بِأَنّهُ لَيْسَ عِيدُ الْعَامِ بَلْ عِيدُ الْأُسْبُوعِ وَالتّحْرِيمُ إنّمَا هُوَ لِصَوْمِ عِيدِ الْعَامِ .(1/126)
وَأَمّا إذَا صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ قَدْ صَامَهُ لِأَجْلِ كَوْنِهِ جُمُعَةً وَعِيدًا فَتَزُولُ الْمَفْسَدَةُ النّاشِئَةُ مِنْ تَخْصِيصِهِ بَلْ يَكُونُ دَاخِلًا فِي صِيَامِهِ تَبَعًا وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ فِي " مُسْنَدِه ِ " وَالنّسَائِيّ وَاَلتّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ إنْ صَحّ قَالَ قَلّمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُفْطِرُ يَوْمَ جُمُعَهٍ " . فَإِنْ صَحّ هَذَا تَعَيّنَ حَمْلُهُ عَلَى أَنّهُ كَانَ يَدْخُلُ فِي صِيَامِهِ تَبَعًا لَا أَنّهُ كَانَ يُفْرِدُهُ لِصِحّةِ النّهْيِ عَنْهُ .
- وَأَيْنَ أَحَادِيثُ النّهْيِ الثّابِتَةُ فِي " الصّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْجَوَازِ الّذِي لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الصّحِيحِ وَقَدْ حَكَمَ التّرْمِذِيّ بِغَرَابَتِهِ فَكَيْفَ تُعَارَضُ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصّحِيحَةُ الصّرِيحَةُ ثُمّ يُقْدِمُ عَلَيْهَا ؟(1/127)
- وَالْمَأْخَذُ الثّالِثُ سَدّ الذّرِيعَةِ مِنْ أَنْ يُلْحِقَ بِالدّينِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَيُوجِبَ التّشَبّهَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِ الْأَيّامِ بِالتّجَرّدِ عَنْ الْأَعْمَالِ الدّنْيَوِيّةِ وَيَنْضَمّ إلَى هَذَا الْمَعْنَى : أَنّ هَذَا الْيَوْمَ لَمّا كَانَ ظَاهِرَ الْفَضْلِ عَلَى الْأَيّامِ كَانَ الدّاعِي إلَى صَوْمِهِ قَوِيّا فَهُوَ فِي مَظِنّةِ تَتَابُعِ النّاسِ فِي صَوْمِهِ وَاحْتِفَالِهِمْ بِهِ مَا لَا يَحْتَفِلُونَ بِصَوْمِ يَوْمٍ غَيْرِهِ وَفِي ذَلِكَ إلْحَاقٌ بِالشّرْعِ مَا لَيْسَ مِنْهُ . وَلِهَذَا الْمَعْنَى - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - نُهِيَ عَنْ تَخْصِيصِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِالْقِيَامِ مِنْ بَيْنِ اللّيَالِيِ لِأَنّهَا مِنْ أَفْضَلِ اللّيَالِيِ حَتّى فَضّلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَحُكِيَتْ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فَهِيَ فِي مَظِنّةِ تَخْصِيصِهَا بِالْعِبَادَةِ فَحَسَمَ الشّارِعُ الذّرِيعَةَ وَسَدّهَا بِالنّهْيِ عَنْ تَخْصِيصِهَا بِالْقِيَامِ . وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
? ? ? - وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَة َ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ : لَا تَخُصّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللّيَالِيِ وَلَا تَخُصّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَيّامِ إلّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ(1/128)
- فَإِنْ قِيلَ مَا تَقُولُونَ فِي تَخْصِيصِ يَوْمٍ غَيْرِهِ بِالصّيَامِ ؟ قِيلَ أَمّا تَخْصِيصُ مَا خَصّصَهُ الشّارِعُ كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ فَسُنّةٌ وَأَمّا تَخْصِيصُ غَيْرِهِ كَيَوْمِ السّبْتِ وَالثّلَاثَاءِ وَالْأَحَدِ وَالْأَرْبِعَاءِ فَمَكْرُوهٌ . وَمَا كَانَ مِنْهَا أَقْرَبُ إلَى التّشَبّهِ بِالْكُفّارِ لِتَخْصِيصِ أَيّامِ أَعْيَادِهِمْ بِالتّعْظِيمِ وَالصّيَامِ فَأَشَدّ كَرَاهَةً وَأَقْرَبُ إلَى التّحْرِيمِ...(1/129)
33 -الثّالِثَةُ وَالثّلَاثُونَ : إنّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعِ النّاسِ وَتَذْكِيرِهِمْ بِالْمَبْدَإِ وَالْمَعَادِ وَقَدْ شَرَعَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِكُلّ أُمّةٍ فِي الْأُسْبُوعِ يَوْمًا يَتَفَرّغُونَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ وَيَجْتَمِعُونَ فِيهِ لِتَذَكّرِ الْمَبْدَإِ وَالْمَعَادِ وَالثّوَابِ وَالْعِقَابِ وَيَتَذَكّرُونَ بِهِ اجْتِمَاعَهُمْ يَوْمَ الْجَمْعِ الْأَكْبَرِ قِيَامًا بَيْنَ يَدَيْ رَبّ الْعَالَمِينَ ، وَكَانَ أَحَقّ الْأَيّامِ بِهَذَا الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ الْيَوْمَ الّذِي يَجْمَعُ اللّهُ فِيهِ الْخَلَائِقَ ،وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فَادّخَرَهُ اللّهُ لِهَذِهِ الْأُمّةِ لِفَضْلِهَا وَشَرَفِهَا ... فَشَرَعَ اجْتِمَاعَهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِطَاعَتِهِ، وَقَدّرَ اجْتِمَاعَهُمْ فِيهِ مَعَ الْأُمَمِ لِنَيْلِ كَرَامَتِهِ، فَهُوَ يَوْمُ الِاجْتِمَاعِ شَرْعًا فِي الدّنْيَا وَقَدَرًا فِي الْآخِرَةِ ، وَفِي مِقْدَارِ انْتِصَافِهِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ وَالصّلَاةِ يَكُونُ أَهْلُ الْجَنّةِ فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَهْلُ النّارِ فِي مَنَازِلِهِمْ كَمَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنّهُ قَالَ : لَا يَنْتَصِفُ النّهَارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتّى يَقِيلَ أَهْلُ الْجَنّةِ فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَهْلُ النّارِ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَقَرَأَ : ( أَصْحَابُ الْجَنّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ) [ الْفُرْقَانُ : 24 ] وَقَرَأَ : ثُمّ إنّ مَقِيلَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ ...وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَتِهِ. .(1/130)
وَلِهَذَا كَوْنُ الْأَيّامِ سَبْعَةً إنّمَا تَعْرِفُهُ الْأُمَمُ الّتِي لَهَا كِتَابٌ فَأَمّا أُمّةٌ لَا كِتَابَ لَهَا فَلَا تَعْرِفُ ذَلِكَ إلّا مَنْ تَلَقّاهُ مِنْهُمْ عَنْ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنّهُ لَيْسَ هُنَا عَلَامَةٌ حِسّيّةٌ يُعْرَفُ بِهَا كَوْنُ الْأَيّامِ سَبْعَةً بِخِلَافِ الشّهْرِ وَالسّنَةِ وَفُصُولِهَا وَلَمّا خَلَقَ اللّهُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ...
عِلّةُ قِرَاءَةِ سُورَتَيْ السّجْدَةِ وَالدّهْرِ فِي صَلَاةِ فَجْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
وَتَعَرّفَ بِذَلِكَ إلَى عِبَادِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ ، شَرَعَ لَهُمْ فِي الْأُسْبُوعِ يَوْمًا يُذَكّرُهُمْ فِيهِ بِذَلِكَ ، وَحِكْمَةِ الْخَلْقِ وَمَا خُلِقُوا لَهُ ، وَبِأَجَلِ الْعَالَمِ ، وَطَيّ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَعَوْدُ الْأَمْرِ كَمَا بَدَأَهُ سُبْحَانَهُ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا ، وَقَوْلًا صِدْقًا.. وَلِهَذَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ فِي فَجْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سُورَتَيْ ( الم تَنْزِيلُ ) وَ ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ) لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَاتَانِ السّورَتَانِ مِمّا كَانَ وَيَكُونُ مِنْ الْمَبْدَإِ وَالْمَعَادِ وَحَشْرِ الْخَلَائِقِ وَبَعْثِهِمْ مِنْ الْقُبُورِ إلَى الْجَنّةِ وَالنّارِ ، لَا لِأَجْلِ السّجْدَةِ كَمَا يَظُنّهُ مَنْ نَقَصَ عِلْمُهُ وَمَعْرِفَتُهُ فَيَأْتِي بِسَجْدَةٍ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى وَيَعْتَقِدُ أَنّ فَجْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فُضّلَ بِسَجْدَةٍ وَيُنْكَرُ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا.(1/131)
وَهَكَذَا كَانَتْ قِرَاءَتُهُ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمَجَامِعِ الْكِبَارِ كَالْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا بِالسّورَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التّوْحِيدِ وَالْمَبْدَإِ وَالْمَعَادِ وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ مَعَ أُمَمِهِمْ وَمَا عَامَلَ اللّهُ بِهِ مَنْ كَذّبَهُمْ وَكَفَرَ بِهِمْ مِنْ الْهَلَاكِ وَالشّقَاءِ ، وَمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَصَدّقَهُمْ مِنْ النّجَاةِ وَالْعَافِيَةِ .
كَمَا كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ بِسُورَتَيْ ( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وَ ( اقْتَرَبَتْ السّاعَةُ وَانْشَقّ الْقَمَرُ )... وَتَارَةً ب ( سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الْأَعْلَى ) وَ ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ )... وَتَارَةً يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ لِمَا تَضَمّنَتْ مِنْ الْأَمْرِ بِهَذِهِ الصّلَاةِ ، وَإِيجَابِ السّعْيِ إلَيْهَا وَتَرْكِ الْعَمَلِ الْعَائِقِ عَنْهَا ، وَالْأَمْرِ بِإِكْثَارِ ذِكْرِ اللّهِ لِيَحْصُلَ لَهُمْ الْفَلَاحُ فِي الدّارَيْنِ، فَإِنّ فِي نِسْيَانِ ذِكْرِهِ تَعَالَى الْعَطَبَ وَالْهَلَاكَ فِي الدّارَيْنِ... وَيَقْرَأُ فِي الثّانِيَةِ بِسُورَةِ ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ) تَحْذِيرًا لِلْأُمّةِ مِنْ النّفَاقِ الْمُرْدِيّ ، وَتَحْذِيرًا لَهُمْ أَنْ تَشْغَلَهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَعَنْ ذِكْرِ اللّهِ ، وَأَنّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ خَسِرُوا وَلَا بُدّ ، وَحَضّا لَهُمْ عَلَى الْإِنْفَاقِ الّذِي هُوَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ سَعَادَتِهِمْ ، وَتَحْذِيرًا لَهُمْ مِنْ هُجُومِ الْمَوْتِ وَهُمْ عَلَى حَالَةٍ يَطْلُبُونَ الْإِقَالَةَ وَيَتَمَنّوْنَ الرّجْعَةَ وَلَا يُجَابُونَ إلَيْهَا ...وَكَذَلِكَ كَانَ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَفْعَلُ عِنْدَ قُدُومِ وَفْدٍ يُرِيدُ أَنْ يُسْمِعَهُمْ الْقُرْآنَ ...(1/132)
- وَكَانَ يُطِيلُ قِرَاءَةَ الصّلَاةِ الْجَهْرِيّةِ لِذَلِكَ كَمَا صَلّى الْمَغْرِبَ ب ( الْأَعْرَافِ ) وب ( الطّورِ ) وَ ( ق ) . وَكَانَ يُصَلّي الْفَجْرَ بِنَحْوِ مِائَةِ آيَةٍ .
? ? ? - الأعراف = حدثنا الحسن بن علي ثنا عبد الرزاق عن بن جريج حدثني بن أبي مليكة عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم قال قال لي زيد بن ثابتحدثنا الحسن بن علي ثنا عبد الرزاق عن بن جريج حدثني بن أبي مليكة عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم قال قال لي زيد بن ثابتما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولي الطوليين قال قلت ما طولى الطوليين قال الأعراف والأخرى الأنعام قال وسألت أنا بن أبي مليكة فقال لي من قبل نفسه المائدة والأعراف = أبو داود والنسائي- وصححه الألباني
? ? ? - الطور = البخاري ومسلم- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ.
كَانَتْ خُطْبَتُهُ تَقْرِيرًا لِأُصُولِ الْإِيمَانِ(1/133)
وَكَذَلِكَ كَانَتْ خُطْبَتُهُ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا هِيَ تَقْرِيرٌ لِأُصُولِ الْإِيمَانِ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَلِقَائِهِ وَذِكْرِ الْجَنّةِ وَالنّارِ وَمَا أَعَدّ اللّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ وَمَا أَعَدّ لِأَعْدَائِهِ وَأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ فَيَمْلَأُ الْقُلُوبَ مِنْ خُطْبَتِهِ إيمَانًا وَتَوْحِيدًا وَمَعْرِفَةً بِاَللّهِ وَأَيّامِهِ لَا كَخُطَبِ غَيْرِهِ الّتِي إنّمَا تُفِيدُ أُمُورًا مُشْتَرِكَةً بَيْنَ الْخَلَائِقِ وَهِيَ النّوْحُ عَلَى الْحَيَاةِ وَالتّخْوِيفُ بِالْمَوْتِ فَإِنّ هَذَا أَمْرٌ لَا يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ إيمَانًا بِاَللّهِ وَلَا تَوْحِيدًا لَهُ وَلَا مَعْرِفَةً خَاصّةً بِهِ وَلَا تَذْكِيرًا بِأَيّامِهِ وَلَا بَعْثًا لِلنّفُوسِ عَلَى مَحَبّتِهِ وَالشّوْقِ إلَى لِقَائِهِ فَيَخْرُجُ السّامِعُونَ وَلَمْ يَسْتَفِيدُوا فَائِدَةً غَيْرَ أَنّهُمْ يَمُوتُونَ وَتُقَسّمُ أَمْوَالُهُمْ وَيُبْلِي التّرَابُ أَجْسَامَهُمْ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي أَيّ إيمَانٍ حَصَلَ بِهَذَا ؟ وَأَيّ تَوْحِيدٍ وَمَعْرِفَةٍ وَعِلْمٍ نَافِعٍ حَصَلَ بِهِ ؟(1/134)
وَمَنْ تَأَمّلَ خُطَبَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخُطَبَ أَصْحَابِهِ وَجَدَهَا كَفِيلَةٍ بِبَيَانِ الْهُدَى وَالتّوْحِيدِ وَذِكْرِ صِفَاتِ الرّبّ جَلّ جَلَالُهُ وَأُصُولِ الْإِيمَانِ الْكُلّيّةِ وَالدّعْوَةِ إلَى اللّهِ وَذِكْرِ آلَائِهِ تَعَالَى الّتِي تُحَبّبُهُ إلَى خَلْقِهِ وَأَيّامِهِ الّتِي تُخَوّفُهُمْ مِنْ بَأْسِهِ وَالْأَمْرِ بِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ الّذِي يُحَبّبُهُمْ إلَيْهِ فَيَذْكُرُونَ مِنْ عَظْمَةِ اللّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ مَا يُحَبّبُهُ إلَى خَلْقِهِ وَيَأْمُرُونَ مِنْ طَاعَتِهِ وَشُكْرِهِ وَذِكْرِهِ مَا يُحَبّبُهُمْ إلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ السّامِعُونَ وَقَدْ أَحَبّوهُ وَأَحَبّهُمْ ثُمّ طَالَ الْعَهْدُ وَخَفِيَ نُورُ النّبُوّةِ وَصَارَتْ الشّرَائِعُ وَالْأَوَامِرُ رُسُومًا تُقَامُ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ حَقَائِقِهَا وَمَقَاصِدِهَا فَأَعْطَوْهَا صُوَرَهَا وَزَيّنُوهَا بِمَا زَيّنُوهَا بِهِ فَجَعَلُوا الرّسُومَ وَالْأَوْضَاعَ سُنَنًا لَا يَنْبَغِي الْإِخْلَالُ بِهَا وَأَخَلّوا بِالْمَقَاصِدِ الّتِي لَا يَنْبَغِي الْإِخْلَالُ بِهَا فَرَصّعُوا الْخُطَبَ بِالتّسْجِيعِ وَالْفِقَرَ وَعِلْمَ الْبَدِيعِ فَنَقَصَ بَلْ عَدِمَ حَظّ الْقُلُوبِ مِنْهَا وَفَاتَ الْمَقْصُودُ بِهَا .(1/135)
فَمِمّا حُفِظَ مِنْ خُطَبِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَخْطُبَ بِالْقُرْآنِ وَسُورَةِ ( ق) . قَالَتْ أُمّ هِشَامٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ النّعْمَانِ : مَا حَفِظْت ( ق ) إلّا مِنْ فِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا يَخْطُبُ بِهَا عَلَى الْمِنْبَرِ وَحَفِظَ مِنْ خُطْبَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَفِيهَا ضَعْفٌ " يَا أَيّهَا النّاسُ تُوبُوا إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا ، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تَشْغَلُوا ،وَصِلُوا الّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ وَكَثْرَةِ الصّدَقَةِ فِي السّرّ وَالْعَلَانِيَةِ تُؤْجَرُوا وَتُحْمَدُوا وَتُرْزَقُوا . وَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةً مَكْتُوبَةً فِي مَقَامِي هَذَا فِي شَهْرِي هَذَا فِي عَامِي هَذَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ وَجَدَ إلَيْهَا سَبِيلًا فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَمَاتِي جُحُودًا بِهَا أَوْ اسْتِخْفَافًا بِهَا وَلَهُ إمَامٌ جَائِرٌ أَوْ عَادِلٌ فَلَا جَمَعَ اللّهُ شَمْلَهُ وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ أَلَا وَلَا وُضُوءَ لَهُ أَلَا وَلَا صَوْمَ لَهُ أَلَا وَلَا زَكَاةَ لَهُ أَلَا وَلَا حَجّ لَهُ أَلَا وَلَا بَرَكَةَ لَهُ حَتّى يَتُوبَ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِ أَلَا وَلَا تَؤُمّنّ امْرَأَةٌ رَجُلًا أَلَا وَلَا يَؤُمّنّ أَعْرَابِيّ مُهَاجِرًا أَلَا وَلَا يَؤُمّنّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إلّا أَنْ يَقْهَرَهُ سُلْطَانٌ فَيَخَافَ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ(1/136)
وَحُفِظَ مِنْ خُطْبَتِهِ أَيْضًا : الْحَمْدُ لِلّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَلَا مُضِلّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَلّا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيْ السّاعَةِ مَنْ يُطِعْ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنّهُ لَا يَضُرّ إلّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى ذِكْرُ خُطَبِهِ فِي الْحَجّ ...
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي خُطَبِهِ
كَانَ إذَا خَطَبَ احْمَرّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدّ غَضَبُهُ حَتّى كَأَنّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبّحَكُمْ وَمَسّاكُمْ وَيَقُولُ بُعِثْتُ أَنَا وَالسّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَيُقْرِنُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السّبّابَةِ وَالْوُسْطَى..
وَيَقُولُ: أَمّا بَعْدُ فَإِنّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ وَشَرّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة ،
ثُمّ يَقُولُ : أَنَا أَوْلَى بِكُلّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ ،وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيّ وَعَلَيّ ... رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
- وَفِي لَفْظٍ يَحْمَدُ اللّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ يَقُولُ : مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَلَا مُضِلّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَخَيْرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللّهِ وَفِي لَفْظٍ لِلنّسَائِيّ وَكُلّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلّ ضَلَالَةٍ فِي النّارِ(1/137)
-وَكَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ بَعْدَ التّحْمِيدِ وَالثّنَاءِ وَالتّشَهّدِ " أَمّا بَعْدُ " . وَكَانَ يُقَصّرُ الْخُطْبَةَ وَيُطِيلُ الصّلَاةَ وَيُكْثِرُ الذّكْرَ وَيَقْصِدُ الْكَلِمَاتِ الْجَوَامِعَ ...
? ? ? روى مسلم = حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ .. وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ ...
- وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ(1/138)
- وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ : مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَخَيْرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّه...ِ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ
- وَفِي لَفْظٍ كَانَتْ خُطْبَةُ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ ثُمّ يَقُولُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ فَذَكَرَهُ ...
- وَكَانَ يَقُولُ إنّ طُولَ صَلاَةِ الرّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنّةٌ مِنْ فِقْهِه ...
? ? ? روى مسلم =حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ قَالَ أَبُو وَائِلٍ خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ
فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا.
-وَكَانَ يُعَلّمُ أَصْحَابَهُ فِي خُطْبَتِهِ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعَهُ وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ فِي خُطْبَتِهِ إذَا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ كَمَا أَمَرَ الدّاخِلَ وَهُوَ يَخْطُبُ أَنْ يُصَلّيَ رَكْعَتَيْنِ . وَنَهَى الْمُتَخَطّيَ رِقَابَ النّاسِ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ .(1/139)
? ? ? روى مسلم ولفظه : عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ ؟ قَالَ : لَا ...قَالَ : قُمْ فَارْكَعْهُمَا ...
? ? ? أخرج النسائي في سننه وفي الكبرى، ورواه أحمد ، وأبو داود ،والبيهقي ،وابن حبان ، وابن خزيمة... كما أخرجه الحاكم في مستدركه : عن أبي الزاهرية ، قال : كنت جالسا مع عبد الله بن بسر يوم الجمعة فما زال يحدثنا حتى خرج الإمام فجاء رجل يتخطى رقاب الناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له : " اجلس فقد آذيت وآنيت " " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه "
شرح: آنيت : تأخرت
- وَكَانَ يَقْطَعُ خُطْبَتَهُ لِلْحَاجَةِ تَعْرِضُ أَوْ السّؤَالِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيُجِيبُهُ ثُمّ يَعُودُ إلَى خُطْبَتِهِ فَيُتِمّهَا . وَكَانَ رُبّمَا نَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ لِلْحَاجَةِ ثُمّ يَعُودُ فَيُتِمّهَا كَمَا نَزَلَ لِأَخْذِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللّه عَنْهُمَا فَأَخَذَهُمَا ثُمّ رَقِيَ بِهِمَا الْمِنْبَرَ فَأَتَمّ خُطْبَتَهُ .(1/140)
? ? ? في مسند أحمد ،وفي سنن أبي داود والترمذي ...- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ حُبَابٍ حَدَّثَهُمْ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَصَعِدَ بِهِمَا الْمِنْبَرَ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ } رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ ثُمَّ أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ ...
- وَكَانَ يَدْعُو الرّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ تَعَالَ يَا فُلَانُ اجْلِسْ يَا فُلَانُ صَلّ يَا فُلَانُ . وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِمُقْتَضَى الْحَالِ فِي خُطْبَتِهِ فَإِذَا رَأَى مِنْهُمْ ذَا فَاقَةٍ وَحَاجَةٍ أَمَرَهُمْ بِالصّدَقَةِ وَحَضّهُمْ عَلَيْهَا .(1/141)
? ? ? في سنن النسائي = أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ... ثُمَّ جَاءَ الْجُمُعَةَ الثَّانِيَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ : صَلِّ رَكْعَتَيْنِ... ثُمَّ جَاءَ الْجُمُعَةَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: تَصَدَّقُوا ... فَتَصَدَّقُوا فَأَعْطَاهُ ثَوْبَيْنِ ،ثُمَّ قَالَ : تَصَدَّقُوا ... فَطَرَحَ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى هَذَا أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِهَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَرَجَوْتُ أَنْ تَفْطِنُوا لَهُ فَتَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَلَمْ تَفْعَلُوا فَقُلْتُ تَصَدَّقُوا فَتَصَدَّقْتُمْ فَأَعْطَيْتُهُ ثَوْبَيْنِ... ثُمَّ قُلْتُ : تَصَدَّقُوا فَطَرَحَ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ ... قال : خُذْ ثَوْبَكَ وَانْتَهَرَهُ .
- وَكَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ السّبّابَةِ فِي خُطْبَتِهِ عِنْدَ ذِكْرِ اللّهِ تَعَالَى وَدُعَائِهِ.(1/142)
? ? ? أخرج النسائي في السنن ، وروى أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ،والبيهقي في الكبرى ،وابن حبان، وابن خزيمة ... ولفظ الترمذي : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ قَالَ سَمِعْتُ عُمَارَةَ بْنَ رُوَيْبَةَ الثَّقَفِيَّ وَبِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ يَخْطُبُ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ فَقَالَ عُمَارَةُ قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيُدَيَّتَيْنِ الْقُصَيَّرَتَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَأَشَارَ هُشَيْمٌ بِالسَّبَّابَةِ...
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .. وصححه الشيخ الألباني رحمه الله. أخرجه النسائي في السنن
- وَكَانَ يَسْتَسْقِي بِهِمْ إذَا قَحَطَ الْمَطَرُ فِي خُطْبَتِه
? ? ? روى الشيخان: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَحَطَ الْمَطَرُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا ...فَدَعَا فَمُطِرْنَا فَمَا كِدْنَا أَنْ نَصِلَ إِلَى مَنَازِلِنَا ... فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، قَالَ فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا ...فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا ...قَالَ : فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَقَطَّعُ يَمِينًا وَشِمَالًا يُمْطَرُونَ وَلَا يُمْطَرُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ = لفظ البخاري =(1/143)
- وَكَانَ يُمْهِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتّى يَجْتَمِعَ النّاسُ فَإِذَا اجْتَمَعُوا خَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ شَاوِيشٍ يَصِيحُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا لَبِسَ طَيْلَسَانًا وَلَا طُرْحَةً وَلَا سَوَادًا فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَلّمَ عَلَيْهِمْ فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ اسْتَقْبَلَ النّاسَ بِوَجْهِهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَدْعُ مُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ ثُمّ يَجْلِسُ وَيَأْخُذُ بِلَالٌ فِي الْأَذَانِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ قَامَ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَطَبَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ لَا بِإِيرَادِ خَبَرٍ وَلَا غَيْرِهِ .
? ? ? روىالبيهقي ، وابن أبي شيبة = حدثنا مجالد عن الشعبي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس بوجهه فقال السلام عليكم ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل وكان أبو بكر وعمر يفعلانه.
- وَلَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ سَيْفًا وَلَا غَيْرَهُ وَإِنّمَا كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا قَبْلَ أَنْ يَتّخِذَ الْمِنْبَرَ ،وَكَانَ فِي الْحَرْبِ يَعْتَمِدُ عَلَى قَوْسٍ ، وَفِي الْجُمُعَةِ يَعْتَمِدُ عَلَى عَصًا . وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ أَنّهُ اعْتَمَدَ عَلَى سَيْفٍ ، وَمَا يَظُنّهُ بَعْضُ الْجُهّالِ أَنّهُ كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى السّيْفِ دَائِمًا وَأَنّ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنّ الدّينَ قَامَ بِالسّيْفِ فَمِنْ فَرْطِ جَهْلِهِ فَإِنّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْهُ بَعْدُ اتّخَاذُ الْمِنْبَرِ أَنّهُ كَانَ يَرْقَاهُ بِسَيْفٍ وَلَا قَوْسٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا قَبْلَ اتّخَاذِهِ أَنّهُ أَخَذَ بِيَدِهِ سَيْفًا الْبَتّةَ وَإِنّمَا كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ .(1/144)
? ? ? روى ابن ماجه = حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَطَبَ فِي الْحَرْبِ خَطَبَ عَلَى قَوْسٍ وَإِذَا خَطَبَ فِي الْجُمُعَةِ خَطَبَ عَلَى عَصًا
? ? ? وفي حديث لأحمد عن الْحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ الْكُلَفِيُّ... قَالَ فَلَبِثْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ قَالَ عَلَى عَصًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ ثُمَّ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَنْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تُطِيقُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا ..
- وَكَانَ مِنْبَرُهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ وَكَانَ قَبْلَ اتّخَاذِهِ يَخْطُبُ إلَى جِذْعٍ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فَلَمّا تَحَوّلَ إلَى الْمِنْبَرِ حَنّ الْجِذْعُ حَنِينًا سَمِعَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَنَزَلَ إلَيْهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَضَمّهُ قَالَ أَنَسٌ : حَنّ لَمّا فَقَدَ مَا كَانَ يَسْمَعُ مِنْ الْوَحْيِ وَفَقَدَهُ الْتِصَاقُ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَلَمْ يُوضَعْ الْمِنْبَرُ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ وَإِنّمَا وُضِعَ فِي جَانِبِهِ الْغَرْبِيّ قَرِيبًا مِنْ الْحَائِطِ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَائِطِ قَدْرُ مَمَرّ الشّاةِ .(1/145)
? ? ? روى أحمد وابن ماجه : عَنْ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ هَلْ لَكَ أَنْ نَجْعَلَ لَكَ شَيْئًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَرَاكَ النَّاسُ وَتُسْمِعَهُمْ خُطْبَتَكَ قَالَ نَعَمْ فَصَنَعَ لَهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ فَهِيَ الَّتِي أَعْلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا وُضِعَ الْمِنْبَرُ وَضَعُوهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ..
? ? ? روى البخاري : عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ... ومن طريق أخرى : عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ فَحَنَّ الْجِذْعُ فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ ...وفي رواية أخرى عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاقال : كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ ..(1/146)
- وَكَانَ إذَا جَلَسَ عَلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَوْ خَطَبَ قَائِمًا فِي الْجُمُعَةِ اسْتَدَارَ أَصْحَابُهُ إلَيْهِ بِوُجُوهِهِمْ وَكَانَ وَجْهُهُ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قِبَلَهُمْ فِي وَقْتِ الْخُطْبَةِ .
الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ
- وَكَانَ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمّ يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً ثُمّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ الثّانِيَةَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا أَخَذَ بِلَالٌ فِي الْإِقَامَةِ . وَكَانَ يَأْمُرُ النّاسَ بِالدّنُوّ مِنْهُ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْإِنْصَاتِ وَيُخْبِرُهُمْ أَنّ الرّجُلَ إذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا . وَيَقُولُ مَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ
? ? ? روى الشيخان ومالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان وابن خزيمة والطبراني والبيهقي وابن أبي شيبة والشافعي وأبو يعلى والدرمي ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْتَ ...
- وفي مصنف عبد الرزاق : ومن قال : صه والامام يخطب فقد لغا ، ومن لغا فلا جمعة له ، أو قال : فلا شئ له.
- وَكَانَ يَقُولُ : مَنْ تَكَلّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا وَاَلّذِي يَقُولُ لَهُ أَنْصِتْ لَيْسَتْ لَهُ جُمُعَةٌ ... رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ .
? ? ? وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا ابن نمير عن مجالد عن عامر عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تكلم يوم الجمعة والامام يخطب فهو كالحمار يحمل اسفارا والذي يقول له انصت ليست له جمعة .(1/147)
- وَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ : قَرَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ :( تَبَارَكَ ) وَهُوَ قَائِمٌ ، فَذَكّرَنَا بِأَيّامِ اللّهِ ؛ وَأَبُو الدّرْدَاءِ أَوْ أَبُو ذَرّ يَغْمِزُنِي، فَقَالَ : مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السّورَةُ ؟ فَإِنّي لَمْ أَسْمَعْهَا إلا الْآنَ... فَأَشَارَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُتْ، فَلَمّا انْصَرَفُوا قَالَ: سَأَلْتُك مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السّورَةُ فَلَمْ تُخْبِرْنِي.. فَقَالَ: إنّهُ لَيْسَ لَك مِنْ صَلَاتِك الْيَوْمَ إلّا مَا لَغَوْت. فَذَهَبَ إلَى رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ وَأَخْبَرَهُ بِاَلّذِي قَالَ لَهُ أُبَيّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ " صَدَقَ أُبَيّ " . ذَكَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ... وَأَصْلُهُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ
? ? ? رواية ابن ماجه = بهذا اللفظ ، وسنده : حَدَّثَنَا مُحْرِزُ بْنُ سَلَمَةَ الْعَدَنِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ... والأصل الذي أشار إليه في المسند، قال فيه الإمام أحمد : عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَرَاءَةٌ ...ثم ساقه.
وفي الكبري للبيهقي : عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَرَاءَةٌ ..(1/148)
- وَقَالَ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ : رَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو وَهُوَ حَظّهُ مِنْهَا ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللّهَ عَزّ وَجَلّ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ وَلَمْ يَتَخَطّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفّارَةٌ لَهُ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ وَذَلِكَ أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَقُولُ :( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) =ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ....
? ? ? وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى... والحديث في المسند : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ يُوسُفَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ حَضَرَهَا بِدُعَاءٍ وَصَلَاةٍ فَذَلِكَ رَجُلٌ دَعَا رَبَّهُ إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِسُكُوتٍ وَإِنْصَاتٍ فَذَلِكَ هُوَ حَقُّهَا وَرَجُلٌ يَحْضُرُهَا يَلْغُو فَذَلِكَ حَظُّهُ مِنْهَا ...
لَا سُنّةَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ(1/149)
- وَكَانَ إذَا فَرَغَ بِلَالٌ مِنْ الْأَذَانِ أَخَذَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْخُطْبَةِ وَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ الْبَتّةَ ، وَلَمْ يَكُنْ الْأَذَانُ إلّا وَاحِدًا ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْجُمُعَةَ كَالْعِيدِ لَا سُنّةَ لَهَا قَبْلَهَا ، وَهَذَا أَصَحّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَعَلَيْهِ تَدُلّ السّنّةُ... فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ فَإِذَا رَقِيَ الْمِنْبَرَ أَخَذَ بِلَالٌ فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ فَإِذَا أَكْمَلَهُ أَخَذَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْخُطْبَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ،وَهَذَا كَانَ رَأْيَ عَيْنٍ فَمَتَى كَانُوا يُصَلّونَ السّنّةَ ؟ وَمَنْ ظَنّ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا فَرَغَ بِلَالٌ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ الْأَذَانِ قَامُوا كُلّهُمْ فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ فَهُوَ أَجْهَلُ النّاسِ بِالسّنّةِ وَهَذَا الّذِي ذَكّرْنَاهُ مِنْ أَنّهُ لَا سُنّةَ قَبْلَهَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشّافِعِيّ .
- وَاَلّذِينَ قَالُوا : إنّ لَهَا سُنّةً مِنْهُمْ مَنْ احْتَجّ أَنّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فَيَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ الظّهْرِ وَهَذِهِ حُجّةٌ ضَعِيفَةٌ جِدّا فَإِنّ الْجُمُعَةَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلّةٌ بِنَفْسِهَا تُخَالِفُ الظّهْرَ فِي الْجَهْرِ وَالْعَدَدِ وَالْخُطْبَةِ وَالشّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ لَهَا وَتُوَافِقُهَا فِي الْوَقْتِ وَلَيْسَ إلْحَاقُ مَسْأَلَةِ النّزَاعِ بِمَوَارِدِ الِاتّفَاقِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهَا بِمَوَارِدِ الِافْتِرَاقِ بَلْ إلْحَاقُهَا بِمَوَارِدِ الِافْتِرَاقِ أَوْلَى لِأَنّهَا أَكْثَرُ مِمّا اتّفَقَا فِيهِ .(1/150)
وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ السّنّةَ لَهَا هُنَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الظّهْرِ وَهُوَ أَيْضًا قِيَاسٌ فَاسِدٌ فَإِنّ السّنّةَ مَا كَانَ ثَابِتًا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ سُنّةِ خُلَفَائِهِ الرّاشِدِينَ وَلَيْسَ فِي مَسْأَلَتِنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ السّنَنِ فِي مِثْلِ هَذَا بِالْقِيَاسِ لِأَنّ هَذَا مِمّا انْعَقَدَ سَبَبُ فِعْلِهِ فِي عَهْدِ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَمْ يَشْرَعْهُ كَانَ تَرْكُهُ هُوَ السّنّةُ وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يُشْرَعَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ سُنّةٌ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا بِالْقِيَاسِ فَلِذَلِكَ كَانَ الصّحِيحُ أَنّهُ لَا يُسَنّ الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَة َ وَلَا لِرَمْيِ الْجِمَارِ وَلَا لِلطّوَافِ وَلَا لِلْكُسُوفِ وَلَا لِلِاسْتِسْقَاءِ لِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَغْتَسِلُوا لِذَلِكَ مَعَ فِعْلِهِمْ لِهَذِهِ الْعِبَادَاتِ .(1/151)
وَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجّ بِمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي " صَحِيحِهِ " فَقَالَ بَابُ الصّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا : حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنْبَأَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ : كَانَ يُصَلّي قَبْلَ الظّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَقَبْلَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلّي رَكْعَتَيْن وَهَذَا لَا حُجّةَ فِيهِ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الْبُخَارِيّ إثْبَاتَ السّنّةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَإِنّمَا مُرَادُهُ أَنّهُ هَلْ وَرَدَ فِي الصّلَاةِ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا شَيْءٌ ؟ ثُمّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْ أَنّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِعْلُ السّنّةِ إلّا بَعْدَهَا وَلَمْ يَرِدْ قَبْلَهَا شَيْءٌ .
وَهَذَا نَظِيرُ مَا فَعَلَ فِي كِتَابِ الْعِيدَيْنِ فَإِنّهُ قَالَ بَابُ الصّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا وَقَالَ أَبُو الْمُعَلّى : سَمِعْت سَعِيدًا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ كَرِهَ الصّلَاةَ قَبْلَ الْعِيدِ . ثُمّ ذَكَرَ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَصِلْ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا وَمَعَهُ بِلَالٌ الْحَدِيثَ . فَتَرْجَمَ لِلْعِيدِ مِثْلَ مَا تَرْجَمَ لِلْجُمُعَةِ وَذَكَرَ لِلْعِيدِ حَدِيثًا دَالّا عَلَى أَنّهُ لَا تُشْرَعُ الصّلَاةُ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فَدَلّ عَلَى أَنّ مُرَادَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ .(1/152)
وَقَدْ ظَنّ بَعْضُهُمْ أَنّ الْجُمُعَةَ لَمّا كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الظّهْرِ - وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ السّنّةَ قَبْلَ الظّهْرِ وَبَعْدَهَا - دَلّ عَلَى أَنّ الْجُمُعَةَ كَذَلِكَ وَإِنّمَا قَالَ : وَكَانَ لَا يُصَلّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتّى يَنْصَرِفَ ، بَيَانًا لِمَوْضِعِ صَلَاةِ السّنّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَأَنّهُ بَعْدَ الِانْصِرَافِ وَهَذَا الظّنّ غَلَطٌ مِنْهُ لِأَنّ الْبُخَارِيّ قَدْ ذَكَرَ فِي بَابِ التّطَوّعِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّه عَنْهُ : صَلّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الظّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَة
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنّ الْجُمُعَةَ عِنْدَ الصّحَابَةِ صَلَاةٌ مُسْتَقِلّةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرَ الظّهْرِ وَإِلّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهَا لِدُخُولِهَا تَحْتَ اسْمِ الظّهْرِ فَلَمّا لَمْ يَذْكُرْ لَهَا سُنّةً إلّا بَعْدَهَا عُلِمَ أَنّهُ لَا سُنّةَ لَهَا قَبْلَهَا .
وَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجّ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِر ٍ قَالَ جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيّ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ : أَصَلّيْتَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ ؟ " قَالَ لَا . قَالَ " فَصَلّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوّزْ فِيهِمَا وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ .(1/153)
قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ ابْنُ تَيْمِيّة َ : وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ تَجِيء يَدُلّ عَنْ أَنّ هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ سُنّةُ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَتَا تَحِيّةَ الْمَسْجِدِ . قَالَ شَيْخُنَا حَفِيدُهُ أَبُو الْعَبّاسِ وَهَذَا غَلَطٌ وَالْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ أَصَلّيْتَ ؟ قَالَ لَا . قَالَ : فَصَلّ رَكْعَتَيْن .
- وَقَالَ: إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوّزْ فِيهِمَا ... فَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَفْرَادُ ابْنِ مَاجَهْ فِي الْغَالِبِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ .
- وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجّاجِ الْحَافِظُ الْمِزّيّ : هَذَا تَصْحِيفٌ مِنْ الرّوَاةِ إنّمَا هُوَ أَصَلّيْتَ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ فَغَلِطَ فِيهِ النّاسِخُ
- وَقَالَ وَكِتَابُ ابْنِ مَاجَهْ إنّمَا تَدَاوَلَتْهُ شُيُوخٌ لَمْ يَعْتَنُوا بِهِ بِخِلَافِ صَحِيحَيْ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِمٍ فَإِنّ الْحُفّاظَ تَدَاوَلُوهُمَا وَاعْتَنَوْا بِضَبْطِهِمَا وَتَصْحِيحِهِمَا قَالَ وَلِذَلِكَ وَقَعَ فِيهِ أَغْلَاطٌ وَتَصْحِيفٌ .(1/154)
? ? ? روى الشيخان := حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ : إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ...وفي لفظ لمسلم عن جابر وذكر فيه سليك الغطفاني : إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ...
قُلْت : وَيَدُلّ عَلَى صِحّةِ هَذَا أَنّ الّذِينَ اعْتَنَوْا بِضَبْطِ سُنَنِ الصّلَاةِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَصَنّفُوا فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْأَحْكَامِ وَالسّنَنِ وَغَيْرِهَا لَمْ يَذْكُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سُنّةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا وَإِنّمَا ذَكَرُوهُ فِي اسْتِحْبَابِ فِعْلِ تَحِيّةِ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَاحْتَجّوا بِهِ عَلَى مَنْ مَنَعَ مِنْ فِعْلِهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ فَلَوْ كَانَتْ هِيَ سُنّةَ الْجُمُعَةِ لَكَانَ ذِكْرُهَا هُنَاكَ وَالتّرْجَمَةُ عَلَيْهَا وَحِفْظُهَا وَشُهْرَتُهَا أَوْلَى مِنْ تَحِيّةِ الْمَسْجِدِ .
وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِهَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ إلّا الدّاخِلَ لِأَجْلِ أَنّهَا تَحِيّةُ الْمَسْجِدِ .(1/155)
وَلَوْ كَانَتْ سُنّةَ الْجُمُعَةِ لَأَمَرَ بِهَا الْقَاعِدِينَ أَيْضًا وَلَمْ يَخُصّ بِهَا الدّاخِلَ وَحْدَهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجّ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي " سُنَنِهِ " قَالَ حَدّثَنَا مُسَدّدٌ قَالَ حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُطِيلُ الصّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَيُصَلّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَحَدّثَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ .
وَهَذَا لَا حُجّةَ فِيهِ عَلَى أَنّ لِلْجُمُعَةِ سُنّةٌ قَبْلَهَا وَإِنّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ إنّ رَسُولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَنّهُ كَانَ يُصَلّي الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ لَا يُصَلّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ وَهَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِيهِمَا كَمَا ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْن ِ " عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُصَلّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ ...
? ? ? رواه الشيخان ، البخاري : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، ومسلم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ وَصَفَ تَطَوُّعَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ ...(1/156)
وَفِي " السّنَنِ " عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ إذَا كَانَ بِمَكّة َ فَصَلّى الْجُمُعَةَ تَقَدّمَ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ ثُمّ تَقَدّمَ فَصَلّى أَرْبَعًا وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلّى الْجُمُعَةَ ثُمّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلّ بِالْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ .
? ? ? وفي رواية لأبي داود : عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مَقَامِهِ فَدَفَعَهُ وَقَالَ أَتُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا ؟ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَيَقُولُ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَأَمّا إطَالَةُ ابْنِ عُمَرَ الصّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَإِنّهُ تَطَوّعٌ مُطْلَقٌ وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى لِمَنْ جَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالصّلَاةِ حَتّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ كَمَا تَقَدّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ونُبيشة الْهُذَلِيّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلّى مَا قُدّرَ لَهُ ثُمّ أَنْصَتَ حَتّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمّ يُصَلّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ ...(1/157)
? ? ? روى البخاري = حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ وَدِيعَةَ حَدَّثَنَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ أَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى...
+ وأخرجه أبو داود = عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا... قَالَ وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةِ : وَزِيَادَةٌ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَيَقُولُ إِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ...
قَالَ أَبُو دَاوُد وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَتَمُّ وَلَمْ يَذْكُرْ حَمَّادٌ كَلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ(1/158)
وَفِي حَدِيثِ نُبيشة الْهُذَلِيّ : إنّ الْمُسْلِمَ إذَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمّ أَقْبَلَ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يُؤْذِي أَحَدًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْإِمَامَ خَرَجَ صَلّى مَا بَدَا لَهُ وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامَ خَرَجَ جَلَسَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ حَتّى يَقْضِيَ الْإِمَامُ جُمُعَتَهُ وَكَلَامَهُ إنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فِي جُمُعَتِهِ تِلْكَ ذُنُوبُهُ كُلّهَا أَنْ تَكُونَ كَفّارَةً لِلْجُمُعَةِ الّتِي تَلِيهَا ... هَكَذَا كَانَ هَدْيُ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ .
? ? ? رواه أحمد؛ وفي آخره : إِنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فِي جُمُعَتِهِ تِلْكَ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا أَنْ تَكُونَ كَفَّارَةً لِلْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا
- قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنّهُ كَانَ يُصَلّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً .وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ كَانَ يُصَلّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ .
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ بَابِ التّطَوّعِ الْمُطْلَقِ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِي الْعَدَدِ الْمَرْوِيّ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ التّرْمِذِيّ فِي " الْجَامِعِ " : وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنّهُكَانَ يُصَلّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالثّوْرِيّ .
? ? ? في سنن الترمذي -
- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا ...قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(1/159)
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ ثَبْتًا فِي الْحَدِيثِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرُوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ إِلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ...وقَالَ إِسْحَقُ إِنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى أَرْبَعًا وَإِنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ... وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا ... قَالَ أَبُو عِيسَى : وَابْنُ عُمَرَ هُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ ، وَابْنُ عُمَرَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّى بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ أَرْبَعًا ...- حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ -- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعًا(1/160)
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَنَصَّ لِلْحَدِيثِ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْهُ إِنْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَعْرِ قَالَ أَبُو عِيسَى سَمِعْت ابْنَ أَبِي عُمَرَ قَال سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ كَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَسَنَّ مِنْ الزُّهْرِيِّ...اهـ.
-وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ النّيْسَابُورِيّ : رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يُصَلّي إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنّ الشّمْسَ قَدْ قَارَبَتْ أَنْ تَزُولَ فَإِذَا قَارَبَتْ أَمْسَكَ عَنْ الصّلَاةِ حَتّى يُؤَذّنَ الْمُؤَذّنُ فَإِذَا أَخَذَ فِي الْأَذَانِ قَامَ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِالسّلَامِ فَإِذَا صَلّى الْفَرِيضَةَ انْتَظَرَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمّ يَخْرُجُ مِنْهُ فَيَأْتِي بَعْضَ الْمَسَاجِدِ الّتِي بِحَضْرَةِ الْجَامِعِ فَيُصَلّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمّ يَجْلِسُ وَرُبّمَا صَلّى أَرْبَعًا ثُمّ يَجْلِسُ ثُمّ يَقُومُ فَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ فَتِلْكَ سِتّ رَكَعَاتٍ عَلَى حَدِيثِ عَلِيّ وَرُبّمَا صَلّى بَعْدَ السّتّ سِتّا أُخَرَ أَوْ أَقَلّ أَوْ أَكْثَرَ .(1/161)
وَقَدْ أَخَذَ مِنْ هَذَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ رِوَايَةً أَنّ لِلْجُمْعَةِ قَبْلَهَا سُنّةً رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا وَلَيْسَ هَذَا بِصَرِيحٍ بَلْ وَلَا ظَاهِرٍ فَإِنّ أَحْمَدَ كَانَ يَمْسِكُ عَنْ الصّلَاةِ فِي وَقْتِ النّهْيِ فَإِذَا زَالَ وَقْتُ النّهْيِ قَامَ فَأَتَمّ تَطَوّعَهُ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ فَرُبّمَا أَدْرَكَ أَرْبَعًا وَرُبّمَا لَمْ يُدْرِكْ إلّا رَكْعَتَيْنِ . وَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجّ عَلَى ثُبُوتِ السّنّةِ قَبْلَهَا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبّهِ حَدّثَنَا بَقِيّةُ عَنْ مُبَشّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَجّاجِ بْنِ أَرَطْأَةَ عَنْ عَطِيّةَ الْعَوْفِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْكَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا...
قَالَ ابْنُ مَاجَه :بَابُ الصّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَذَكَرَهُ . وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ عِدّةُ بَلَايَا إحْدَاهَا : بَقِيّةُ بْنُ الْوَلِيدِ : إمَامُ الْمُدَلّسِينَ وَقَدْ عَنْعَنَهُ وَلَمْ يُصَرّحْ بِالسّمَاعِ .
الثّانِيَةُ مُبَشّرُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُنْكَرُ الْحَدِيثُ . وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ شَيْخٌ كَانَ يُقَالُ لَهُ مُبَشّرُ بْنُ عُبَيْدٍ كَانَ بِحِمْصَ أَظُنّهُ كُوفِيّا رَوَى عَنْهُ بَقِيّةُ وَأَبُو الْمُغِيرَةِ ... أَحَادِيثُهُ أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ كَذِبٌ . وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ : مُبَشّرُ بْنُ عُبَيْدٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ أَحَادِيثُهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا .
الثّالِثَةُ : الْحَجّاجُ بْنُ أَرَطْأَةَ الضّعِيفُ الْمُدَلّسُ .(1/162)
الرّابِعَةُ عَطِيّةُ الْعَوْفِيّ قَالَ الْبُخَارِيّ : كَانَ هُشَيْم يَتَكَلّمُ فِيهِ وَضَعّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .
ذِكْرُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمَقْلُوبَةِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ : عَطِيّةُ الْعَوْفِيّ لَا يُحْتَجّ بِهِ وَمُبَشّرُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحِمْصِيّ مَنْسُوبٌ إلَى وَضْعِ الْحَدِيثِ وَالْحَجّاجُ بْنُ أَرَطْأَةَ لَا يُحْتَجّ بِهِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَعَلّ الْحَدِيثَ انْقَلَبَ عَلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ الضّعَفَاءِ لِعَدَمِ ضَبْطِهِمْ وَإِتْقَانِهِمْ فَقَالَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَإِنّمَا هُوَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ " وَنَظِيرُ هَذَا : قَوْلُ الشّافِعِيّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيّ : لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرّاجِلِ سَهْمٌ قَالَ الشّافِعِيّ : كَأَنّهُ سَمِعَ نَافِعًا يَقُولُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلرّاجِلِ سَهْمٌ فَقَالَ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرّاجِلِ سَهْمٌ . حَتّى يَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللّهِ قَالَ وَلَيْسَ يَشُكّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَقْدِيمِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى أَخِيهِ عَبْدِ اللّهِ فِي الْحِفْظِ .
- قُلْت : وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيّةَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ : لَا تَزَالُ جَهَنّمُ يُلْقَى فِيهَا وَهِيَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ؟ حَتّى يَضَعَ رَبّ الْعِزّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَيَزْوِي بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ قَطْ قَطْ . وَأَمّا الْجَنّةُ فَيُنْشِئُ اللّهُ لَهَا خَلْقًا فَانْقَلَبَ عَلَى بَعْضِ الرّوَاةِ فَقَالَ أَمّا النّارُ فَيُنْشِئُ اللّهُ لَهَا خَلْقًا .(1/163)
- قُلْت : وَنَظِيرُ هَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ إنّ بِلَالًا يُؤَذّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يُؤَذّنَ ابْنُ أُمّ مَكْتُوم وَهُوَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " فَانْقَلَبَ عَلَى بَعْضِ الرّوَاةِ فَقَالَ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ يُؤَذّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يُؤَذّنَ بِلَال
- وَنَظِيرُهُ أَيْضًا عِنْدِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إذَا صَلّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ وَلِيَضَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ وَأَظُنّهُ وَهِمَ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - فِيمَا قَالَهُ رَسُولُهُ الصّادِقُ الْمَصْدُوقُ " وَلِيَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ " . كَمَا قَالَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْه
وَقَالَ الْخَطّابِيّ وَغَيْرُهُ وَحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ . وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً فِي هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلّهِ .
السّنّةُ بَعْدَ الْجُمُعَة
وَكَانَ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا صَلّى الْجُمُعَةَ دَخَلَ إلَى مَنْزِلِهِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ سُنّتَهَا وَأَمَرَ مَنْ صَلّاهَا أَنْ يُصَلّيَ بَعْدَهَا أَرْبَعًا .
قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبّاسِ ابْنُ تَيْمِيّة َ : إنْ صَلّى فِي الْمَسْجِدِ صَلّى أَرْبَعًا وَإِنْ صَلّى فِي بَيْتِهِ صَلّى رَكْعَتَيْنِ . قُلْتُ وَعَلَى هَذَا تَدُلّ الْأَحَادِيثُ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ كَانَ إذَا صَلّى فِي الْمَسْجِدِ صَلّى أَرْبَعًا وَإِذَا صَلّى فِي بَيْتِهِ صَلّى رَكْعَتَيْنِ .
وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُصَلّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِه .(1/164)
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا صَلّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلّ بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ ..
انتهى .
وكان الفراغ منه والحمد لله رب العالمين
14 - 7 - 1427
أبو يوسف محمد زايد(1/165)