القول السديد
في
وجوب الاهتمام بالتوحيد
كتبه : إسلام محمود دربالة
تم إدخال الكتاب على شبكة الإنترنت بواسطة موقع المستقبل للإسلام www.future-i.org
بسم الله الرحمن الرحيم
فلا ريب أن التوحيد هو أصل الإسلام وأساسه، كما أن أحب الأعمال إلى الله وأعظمها وزنًا هو توحيده وعبادته وحده لا شريك له، وأن أعظم العمل وزرًًا وشناعة هو فعل ما يضاد التوحيد وهو الشرك بالله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مبينًا هذا الأصل: (( وهذا الأصل _ أي توحيد الله_ هو أصل الدين الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين دينًا غيره، وبه أرسل الرسل، وأنزل الكتب.
كما قال تعالى {واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} [الزخرف : 45].
وقا تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى : {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة} [النحل: 36].)) اهـ من قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة.
هذا جانب من جوانب فضل التوحيد، بينما الناظر في أحوال مجتمعاتنا يرى تزهيد بعض الناس في التوحيدد وتقليلهم من شأن بعض مسائله، وعزوفهم عن تعلمه.
بينما نرى جموعًا عريضة ممن ينتسبون إلى الإسلام يأتون بما يناقضه، ويدعون إلى ما يضاده ويخالفه.
وسيمر معك في ثنايا هذا الكتاب طرفًا من هذه الأمور، وهذه الانحرافات العقدية والتزهيدات المتعمدة في تعلم التوحيد وتعليمه، والتي تقلق كل موحد رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً.
إضافة إلى الحرب الشعواء على عقيدة التوحيد، لتحطيمها وتمييع مفهوم الولاء والبراء، والإجهاز على كل من يحمل رايتها ويدعوا إليها.
ولأجل هذا رأيت أن أسطر هذا الكتاب براءة للذمة وذودًا عن حياض الملة، وتنبيهًا للغافلين، وشحذا لهمم الموحدين.(1/1)
وقد جعلته في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: تعريف التوحيد وبيان أقسامه.
الفصل الثاني: لماذا يجب علينا أن نهتم بالتوحيد.
الفصل الثالث: كيف نهتم بالتوحيد.
هذا: (( وأسأل الله المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها، المديمها علينا مع تقصيرنا في الإتيان على ما أوجب من شكره بها الجاعلنا في خير أمة أخرجت للناس: أن يرزقنا فهمًا في كتابه ثم سنة نبيه، وقولاً وعملاً يؤدي به عنا حقه، ويوجب لنا نافلة مزيده))1
وكتبه
إسلام بن محمود دربالة
عفا الله عنه
الفصل الأول
مدخل لفهم التوحيد
تعريف التوحيد :
التوحيد لغة : الإفراد .
ولا يكون الشيء مفرداً إلا بأمرين :
أ - الإثبات التام .
ب - النفي العام .
فلو قلت : زيد قائم . لم تفرده لاحتمال أن يكون غيره قائماً أيضاً .
لكن إن قلت : ما قائم إلا زيد ، فقد أفردته ، بإثباتك القيام التام له ، ونفيك العام للقيام عن غيره .
وكلمة التوحيد ، لا إله إلا الله اشتملت على نفي وإثبات ، فنفت الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى ، فكل ما سواه من الملائكة والأنبياء فضلاً عن غيرهم ليس بإله ، ولا له من العبادة شيء ، وأثبتت الإلهية لله وحده بمعنى أن العبد لا يأله غيره ، أي لا يقصد بشيء من التأله وهو تعلق القلب الذي يوجب قصده بشيء من أنواع العبادة .
والتوحيد شرعاً : إفراد الله بحقوقه .
ولله سبحانه وتعالى ثلاثة حقوق
1- حقوق عبادة .
2- حقوق أسماء وصفات .
ويمكن أن يقال : التوحيد : هو إفراد الله عز وجل بالخلق والرزق والتدبير وعدم صرف شيء من أنواع العبادة إلا له، والإيمان بما وصف وسمى به نفسه ، ووصفه وسماه به رسوله صلى الله عليه وسلم .
أقسام التوحيد :
ذكر أهل العلم - رحمهم الله تعالى - بعد استقراء نصوص الكتاب والسنة أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- توحيد الربوبية .
2- توحيد الألوهية .
3- توحيد الأسماء والصفات .(1/2)
قال الشيخ بكر أبو زيد - نفع الله به - : " هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف أشار إليه ابن منده وابن جرير الطبري وغيرهما وقرره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، وقرره الزبيدي في " تاج العروس " وشيخنا الشنقيطي في " أضواء البيان " في آخرين رحم الله الجميع .
وهو استقراء تام لنصوص الشرع ، وهو مطر لدى أهل كل فن ، ما في استقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف ، والعرب لم تفه بهذا ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب ، وهكذا من أنواع الاستقراء " (1) وقال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله " وقد دل استقراء القرآن العظيم على أن توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : توحيده في ربوبيته ، وهذا النوع جبلت عليه فطر العقلاء قال تعالى ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) [الزخرف:87] وقال ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ) [يونس:31] .
وإنكار فرعون لهذا النوع من التوحيد في قوله ( قال فرعون وما رب العالمين ) [الشعراء:23] تجاهل من عارف أن عبد مربوب ، بدليل قوله تعالى ( قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر ) [الإسراء:102] .
وقوله ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا ) [النمل:14] وهذا النوع من التوحيد لا ينفع إلا بإخلاص العبادة لله ، كما قال تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) [يوسف:106] والآيات الدالة على ذلك كثيرة جداً .
الثاني : توحيده جل وعلا في عبادته . وضابط هذا النوع من التوحيد هو تحقيق معنى " لا إله إلا الله " وهي متركبة من نفي وإثبات .
فمعنى النفي منها خلع جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة ما كانت في جميع أنواع العبادات كائنة ما كانت .(1/3)
ومعنى الإثبات منها ، إفراد الله جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادات بإخلاص ، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام .
وأكثر آيات القرآن في هذا النوع من التوحيد ، وهو الذي فيه المعارك بين الرسل وأممهم ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ) [ص:5] .
ومن الآيات الدالة على هذا النوع من التوحيد قوله تعالى ( فاعلم انه لا إله إلا الله واستغفره لذنبك ) الآية .
وقوله : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) [النحل:36] وقوله ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) وقوله ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) [الزخرف:45]
وقوله ( قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون ) [الأنبياء:108] فقد أمر في هذه الآية أن يقول أن ما أوحى إليه محصور في هذا النوع من التوحيد لشمول كلمة لا إله إلا الله لجميع ما جاء في الكتب لأنها تقتضي طاعة الله بعبادته وحده . فيشمل ذلك جميع العقائد والأوامر والنواهي ، وما يتبع ذلك من ثواب وعقاب . والآيات في هذا النوع من التوحيد كثيرة .
النوع الثالث : توحيد الله جل وعلا في أسمائه وصفاته . وهذا النوع من التوحيد ينبني على أصلين :
الأول : تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة المخلوقين في صفاتهم ، كما قال تعالى ( ليس كمثله شيء ).
والثاني : الإيمان بما وصف الله به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بكماله وجلاله ، كما قال بعد قوله : (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) مع قطع الطمع عن إدراك كيفية الإتصاف بهذه الصفات قال تعالى ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ) [طه:110] .
ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافه بربوبيته جل وعلا وجوب توحيده في عبادته ، ولذلك يخاطبه في توحيد الربوبية باستفهام التقرير .(1/4)
فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه هو المستحق لأنه يعبد وحده ووبخهم منكراً عليهم شركهم به غيره ، مع اعترافهم بأنه هو المستحق لأن يعبد وحده .
ومن أمثله ذلك قوله تعالى ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار) [يونس:31] إلى قوله ( فسيقولون الله ) فلما أقروا بربوبيته وبخهم منكراً عليهم شركهم به غير بقوله ( فقل أفلا تتقون ) .
ومنها قوله تعالى : ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ، سيقولون لله ) فلما اعترفوا وبخهم منكراً عليهم شركه بقوله : ( قل أفلا تذكرون ) ثم قال ( قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، سيقولون لله ) فلما أقروا وبخهم منكراً عليهم شركهم بقوله ( قل أفلا تتقون ) ثم قال ( قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون ، سيقولون لله ) فلما أقروا ، وبخهم منكراً عليك شركهم بقوله : ( قل فأنى تسحرون ) [المؤمنون:84-89]
ومنها قوله تعالى ( قل من رب السموات والأرض قل الله ) فلما صح الاعتراف وبخهم منكراً عليهم شركهم بقولهم : ( قل أفاتخذتم من دونه اولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ) [الرعد:16] .
ومنها قوله تعالى ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) ، فلما صح إقرارهم وبخهم منكراً عليهم بقوله ( فأنى يؤفكون ) [الزخرف:87].
ومنها قوله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله ) فلما صح إقرارهم وبخهم منكراً عليهم بقوله : ( فأنى يؤفكون ) .
ومنها قوله تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله)
فلما صح إقراره وبخهم منكراً عليهم شركهم بقوله : ( قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون ) [العنكبوت:61].(1/5)
إلى أن قال الشيخ الأمين رحمه الله ( والآيات بنحو هذا كثيرة جداً ولأجل ذلك ذكرنا في غير هذا الموضع : أن كل الأسئلة المتعلقة بتوحيد الربوبية استفهامات تقرير ، يراد منها أنهم إذا أقروا رتب لهم التوبيخ والإنكار على ذلك الإقرار ، لأن المقر بالربوبية يلزم الإقرار بالألوهية ضرورة نحو قوله تعالى : ( أفي الله شك ) [إبراهيم:10] .
وقوله ( قل أغير الله أبغي رباً ) وإن زعم بعض العلماء أن هذا استفهام إنكار ، لأن استقراء القرآن دل على أن الاستفهام المتعلق بالربوبية استفهام تقرير وليس استفهام إنكار لأنهم لا ينكرون الربوبية كما رأيت كثرة الآيات الدالة عليه " (1) .
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله - رحمه الله - موضحاً تلازم أنواع التوحيد الثلاثة : " والتوحيد مصدر وحد يوحد توحيداً ، أي جعله واحداً .
سمى دين الإسلام توحيداً ، لأن مبناه على أن الله واحداً في ملكه وأفعاله لا شريك له ، وواحد في ذاته لا نظير له ، وواحد في إلهيته وعبادته لا ند له .
وإلى هذه الأنواع الثلاثة ينقسم توحيد الأنبياء والمرسلين الذين جاءوا به من عند الله ، وهي متلازمة ، كل نوع منها ينفك عن الآخرة .
فمن أتى بنوع منها ولم يأت بالآخر ، فما ذاك إلا لأنه لم يأت به على وجه الكمال المطلوب " (2)
ومن أهل العلم من قسم التوحيد إلى قسمين :
1 - توحيد في المعرفة والإثبات ، وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات .
2 - توحيد في الطلب والقصد : وهو توحيد الإلهية والعبادة .
قال ابن القيم " رحمه الله " :
" واعلم أن التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ، ونزلت به كتبه ، نوعان :
1- توحيد في المعرفة والإثبات .
2- توحيد في الطلب والقصد .
فالأول هو حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله وعلوه فوق سمواته على عرشه ، وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده ، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمه .(1/6)
وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الإفصاح ، كما في أول سورة الحديد ، وسورة طه ، وآخر سورة الحشر ، وأول سورة تنزيل السجدة وأول سورة آل عمران ، وسورة الإخلاص بكاملها وغير ذلك .
النوع الثاني : مثل ما تضمنته سورة ( قل يأيها الكافرون ) وقوله ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) الآية ، وأول سورة تنزيل الكتاب وآخرها ، وأول سورة يونس ووسطها وآخرها ، وأول سورة الأعراف وآخرها ، وجملة سورة الأنعام ، وغالب سور القرآن بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد (1)
التوضيح والبيان لأقسام التوحيد
(1) توحيد الربوبية
هو الاعتقاد بأن الله سبحانه هو الرب المتفرد بالخلق والرزق والتدبير ، وأنه المحيي المميت النافع الضار ، المتفرد بإجابة الدعاء عند الضراء ، فهو سبحانه وتعالى المتفرد بربوبية خلقه إيجاداً وإمداداً ، وخلقاً وتدبيراً .
ويمكن أن نقول : هو إفراد الله بالخلق ، والملك والتدبير .
وكذلك هو : توحيد الله بأفعاله سبحانه .
ودليل إفراده بالخلق قوله تعالى ( هل من خالق غير الله ) [فاطر:3]
وقوله : ( أفمن يخلق كمن لا يخلق ) [النحل:17] .
ودليل إفراده بالملك قوله تعالى : ( تبارك الذي بيده الملك ) [الملك:1].
وقوله تعالى ( قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ) [المؤمنون:88] .
ودليل التدبير قوله تعالى : ( ألا له الخلق والأمر ) [الأعراف:54] . والمراد بالأمر هنا التدبير .
وربوبية الله عز وجل لخلقه على نوعين :
الأول : ربوبية عامة ، شاملة لجميع المخلوقات ، وهي : أن الله هو المنفرد بخلقها ورزقها وتدبيرها .
الثاني : ربوبية خاصة ، وهي خاصة بأولياء الله وأصفيائه ، وهي تربيته لهم بهدايتهم للدين والإيمان.
قال العلامة السعدي : " وتربيته تعالى لخلقه نوعان : عامة وخاصة " .
فالعلامة : هي خلقه للمخلوقات ، ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا.(1/7)
والخاصة : تربيته لأوليائه ، فيربيهم بالإيمان ويوفقهم له ويكملهم ، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه .
وحقيقتها : تربية التوفيق لكل خير ، والعصمة من كل شر .
ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ ( الرب ) فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبية خاصة " (1)
ويقول ابن القيم في بيان معنى هذا القسم من أقسام التوحيد : " أن يشهد صاحبه قيومية الرب تعالى فوق عرشه ، يدبر أمر عباده وحده ، فلا خالق ولا رازق ، ولا معطي ولا مانع ، ولا مميت ولا محيي ، ولا مدبر لأمر المملكة - ظاهراً وباطناً - غيره : فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ، ولا يجري حادث إلا بمشيئته ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا أحصاها علمه ، وأحاطت بها قدرته ونزلت بها مشيئته واقتضتها حكمته " (2)
تنبيه : هذا القسم من أقسام التوحيد لا يكفي العبد في حصول إسلامه ، بل لابد من أن يأتي بلازمة ، من توحيد الألوهية ، لأن الله تعالى حكى عن المشركين أنهم مقرون بهذا التوحيد وحده ، ولم ينفعهم ذلك الإقرار .
قال تعالى : ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) [الزخرف:87] .
وقال ( ولئن سألتهم من نزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله)[العنكبوت:63]. (3)
(2) توحيد الألوهية
وهو إفراد الله بالعبادة ومبناه على إخلاص التأله لله تعالى في العبادات كلها ظاهرها وباطنها ، لا يجعل فيها شيء لغيره ، لا لملك مقرب ، ولا لنبي مرسل ، فضلاً عن غيرهما (4)
ويمكن أن يقال : هو إفراد الله عز وجل بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة قولاً وعملاً ، ونفى العبادة عن كل ما سواه سبحانه كما قال تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) [الإسراء:23] (5) .(1/8)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " إن حقيقة التوحيد أن نعبد الله وحده . فلا يدعى إلا هو ، ولا يخشى إلا هو ، ولا يتقى إلا هو ، ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يكون الدين إلا له ، لا لأحد من الخلق وأن لا نتخذ الملائكة والنبيين أرباباً ، فكيف بالأئمة والشيوخ والعلماء والملوك وغيرهم(1)
ويبين ابن القيم حاجة البشرية إلى توحيد الله ، وإلى هذا القسم من أقسامه خاصة فيقول : "اعلم أن حاجة العبد أن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً في محبته ولا في خوفه ولا في رجائه ولا في التوكل عليه ، ولا في العمل له ولا في الحلف به ، ولا في النذر له ، ولا في الخضوع له ، ولا في التذلل والتعظيم والسجود والتقرب ، أعظم من حاجة الجسد إلى روحه والعين إلى نورها ، بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به .
فإن حقيقة العبد وروحه قلبه لا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو ، فلا تطمئن الدنيا إلا بذكره ، وهي كادحة إليه كدحاً فملاقيته ، ولابد لها من لقائه ، ولا صلاح لها إلا بمحبتها وعبوديتها له ، ورضاه وإكرامه لها " (2)
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : " وهذا التوحيد هو أول الدين وآخره وباطنه وظاهره وهو أول دعوة الرسل وآخرها وهو معنى قول : لا إله إلا الله ، فإن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة ، والخشية ، والإجلال ، والتعظيم ، وجميع أنواع العبادة ، ولأجل هذا التوحيد خلقت الخليقة ، وأرسلت الرسل ، وأنزلت الكتب ، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار ، وسعداء أهل الجنة ، وأشقياء أهل النار " (3).(1/9)
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي " رحمه الله " : " أعظم الأصول التي يقررها القرآن ويبرهن عليها توحيد الألوهية والعبادة ، وهذا الأصل العظيم أعظم الأصول على الإطلاق ، وأكملها وأفضلها ، وأوجبها وألزمها لصالح الإنسانية ، وهو الذي خلق الله الجن والإنس لأجله ، وخلق المخلوقات وشرع الشرائع لقيامه ، وبوجوده يكون الصلاح ، وبفقده يكون الشر والفساد وجميع الآيات إما أمر به أو بحق من حقوقه ، أو نهى عن ضده ، أو إقامة حجة عليه أو بيان جزاء أهله في الدنيا والآخرة ، أو بيان الفرق بينهما وبين المشركين .
ويقال له : توحيد الإلهية فإن الإلهية وصفه تعالى الذي ينبغي أن يؤمن به كل بني آدم ، وهو مستلزم جميع صفات الكمال .
ويقال له توحيد العبادة باعتبار وجوب ملازمة وصف العبودية بكل معانيها للعبد بإخلاص العبادة لله تعالى ، وتحقيقها في العبد أن يكون عارفاً بربه مخلصاً له جميع عبادته محققاً ذلك بترك الشرك صغيره وكبيره " (4)
تعريف العبادة :
فالعبادة :الطاعة مع الخضوع - قال الراغب : العبودية : إظهار التذلل ، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل (4)
وقال الزجاج " ومعنى العبادة في اللغة : الطاعة مع الخضوع " (1) وقال الجوهري " أصل العبودية " الخضوع والتذلل " (2)
ومن التعريف اللغوي السابق يمكن أن يقال عن العبادة الشرعية إنها : الانقياد والخضوع لله تعالى على وجه التقرب إليه بما شرع مع المحبة .
بيان إطلاقات العبادة :
للعبادة معاني بحسب ما تتعلق به ، وبحسب كونها مصدراً أو اسماً ، وبحسب المتوجه به إليه ، وبحسب ما يلاحظ فيها من حق ، فهذه أربعة إطلاقات .
الإطلاق الأول : إطلاقات العبادة بحسب ما تتعلق به .
فالعبادة من حيث تعلقها بعموم الخلق وخصوصهم تنقسم إلى عبادة عامة كونية وإلى خاصة شرعية (3) .(1/10)
فالعبادة العامة : هي عبادة القهر والملك وهي تشمل أهل السموات والأرض كلهم مؤمنهم وكافرهم فالجميع عبيد مربوبون لله قال الله تعالى : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ، لقد جئتم شيئاً إدا ، تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ، أن دعوا للرحمن ولدا ، وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ، إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ) [مريم:88-93] .
وقد ذكر ابن القيم أن هذا النوع يأتي على خمسة أوجه (4) وهي :
1- إما منكراً كما في الآية المذكورة سابقاً .
2- أو معرفاً باللام ، كقوله تعالى : ( وما الله يريد ظلماً للعباد ) [غافر:31] .
3- أو مقيداً بإشارة أو نحوها ، كقوله تعالى ( ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول ءأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل )[الفرقان:17]. .
4- أو أن يذكروا في عموم عباده فيندرجوا مع أهل طاعته في الذكر كقوله تعالى : (أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ) [الزمر:46] .
5- أن يذكروا موصوفين بفعلهم كقوله تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) [الزمر:53] .
وهذا المثال المذكور في الوجه الخامس لا يسلم من اعتراض كما قال ابن القيم نفسه : " وقد يقال : " إنما سماهم عباده إذا لم يقنطوا من رحمته وأنابوا إليه واتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم فيكونون من عبيد الإلهية والطاعة (5) أهـ
وأما العبادة الخاصة الشرعية فهي ، عبادة الطاعة والخضوع والذل والمحبة الاختيارية ، وهي خاصة لمن وفقه الله من المكلفين من الأنبياء والمرسلين وعامة المؤمنين بهم .
ومن الآيات الواردة فيها قول الله تعالى : ( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ) [الزخرف:68] وقوله ( فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) [الزمر:17-18] والآيات في هذا المعنى كثيرة .
الإطلاق الثاني : إطلاقات العبادة بحسب الإسمية والمصدرية .(1/11)
فالعبادة باعتبارها مصدراً تعني التعبد ، وهو فعل العابد (1) وتعريفها " التذلل لله محبة وتعظيماً بفعل أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه " (2) اهـ
وأما باعتباره اسماً فهي تعني : المتعبد به (3) وتعريفها : " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة " (4) .
ومن التعريف المذكور في معنى العبادة باعتبارها اسماً يتضح أن للعبادة أربع مراتب وهي : قول القلب ، وقول اللسان ، وعمل القلب ، وعمل الجوارح وهذا معنى قوله : " من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة " وقد فصل ابن القيم هذه المراتب فقال :
" قول القلب : هو اعتقاد ما أخبر الله سبحانه به عن نفسه وعن أسمائه وصفاته وأفعاله ، وملائكته ولقائه على لسان رسله .
وقول اللسان : الإخبار عنه بذلك والدعوة إليه والذب عنه وتبيين بطلان البدع المخالفة له ، والقيام بذكره وتبليغ أوامره .
وعمل القلب : كالمحبة له والتوكل عليه والإنابة إليه والخوف منه والرجاء له ، وإخلاص الدين له ، والصبر على أوامره ونواهيه وعلى أقداره والرضى به عنه ، والموالاة فيه والمعاداة فيه ، والذل له ، والخضوع ، والإخبات إليه والطمأنينة به ، وغير ذلك من أعمال القلوب ، التي فرضها من أعمال الجوارح ومستحبها أحب إلى الله من مستحبها ، وعمل الجوارح بدونها إما عديم المنفعة أو قليل المنفعة .
وأعمال الجوارح : كالصلاة والجهاد ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات ، ومساعدة العاجز والإحسان على الخلق ، ونحو ذلك " (5) اهـ
فظهر من هذا أن جميع أمور الديانة من الاعتقادات والإرادات والأقوال والأعمال داخلة في مسمى العبادة .
ولما جهل كثير من المتأخرين حقيقة العبادة على الوجه المذكور أعلاه كان من الأفضل زيادة البيان لبعض أنواع العبادة بذكر أمثلة لها - خاصة المتنازع فيها - مع نقل أقوال الأئمة الأعلام وبيانهم أنها من العبادة وأن صرفها لغير الله لا يجوز .(1/12)
ومن هذه الأمثلة : الاستعاذة والاستغاثة والحلف .
فالاستعاذة : طلب العوذ - وهي الالتجاء إلى الله تعالى من الشر لإزالته أو دفعه (1) والاستغاثة : طلب الغوث وهي : إزالة الشدة ، كالاستنصار وهو طلب النصر . ولا خلاف في أنه تجوز الاستغاثة بالمخلوق فيما كان قادراً عليه من الأمور (2) ومنه قول الله تعالى (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) [الأنفال:72] وقوله : ( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ) [القصص:15] وأما ما لا يقدر عليه إلا الله كغفران الذنوب وإنزال الرزق وكل ما هو من خصائص الربوبية فلا يستغاث فيه إلا بالله جل وعلا . قال الله تعالى : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ) وقال تعالى ( يأيها الناس إذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ) [فاطر:3] . .
والاستعاذة والاستغاثة نوعان من أنواع الدعاء والدعاء عبادة كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " الدعاء هو العبادة " (3) ثم تلا قول الله تعالى : ( قال ربكم ادعوني استجب لكم) [غافر:60] ومن أقوال أهل العلم في أن الدعاء عبادة : " قال نعيم بن حماد في كتابه الرد على الجهمية (4) دلت هذه الأحاديث (5) على أن القرآن غير مخلوق ، إذ لو كان مخلوقاً لم يستعذ به ، إذً لا يستعاذ بمخلوق قال الله تعالى ( فاستعذ بالله ) . (6) اهـ
وهذا الكلام ساقه نعيم بن حماد ليدلل على أن القرآن غير مخلوق وحجته في ذلك ما ورد في الاستعاذة بكلمات الله وأسمائه الحسنى ، فلو كانت مخلوقة لما جازت الاستعاذة بها وهذا يؤكد أن هذه المسألة وهي عدم جوز الاستعاذة بغير الله - كانت معلومة عند الموافق والمخالف ، وإلا لما أوردها عليهم .(1/13)
ونظير هذا الاستدلال وهذا القول : قول ابن خزيمة : فإنه قال : " أفليس العلم محيطاً يا ذوي الحجا أنه غير جائز أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ بخلق الله من شر خلقه ؟ هل سمعتم عالماً يجيز أن يقول الداعي : أعوذ بالكعبة من شر خلق الله ؟ أو يجيز أن يقول الداعي : أعوذ بالصفا والمروة ، أعوذ بعرفات ومنى من شر ما خلق الله؟ هذا لا يقوله ولا يجيز القول به مسلم يعرف دين الله ، محال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه (1) .
وقد أورد الإمام البخاري في كتابه الصحيح باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها ضمن كتاب التوحيد ، ثم ساق فيه تسعة أحاديث ، ومقصوده بهذه الترجمة : إثبات أن أسماء الله تعالى غير مخلوقة ، لأنه قد وردت الاستعاذة بها والسؤال بها ، لأن المخلوق لا يستعاذ به ولا يسأل به .
ويؤكد صحة هذا المعنى الذي تدل عليه ترجمته هو أنه أورد في الباب تسعة أحاديث وتاسعها لفظه : " لا تحلفوا بآبائكم ومن كان حالفاً فليحلف بالله " (2) وقد قال في كتابه خلق أفعال العباد (3) " وليس لأحد أن يحلف بالخواتيم والدراهم البيض وألواح الصبيان التي يكتبونها ثم يمحونها مرة بعد مرة وإن حلف فلا يمين عليه لقول الله عز وجل ( فلا تجعلوا لله أنداداً ) [البقرة:22].
فهذا نص واضح من الإمام البخاري يفيد أن الحلف بغير الله يعتبر شركاً وإيراده حديث الأمر بالحلف بالله وحده في باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها يدل على أنه يرى عدم جواز السؤال والاستعاذة بغير الله تعالى ، وهذا واضح .
والإطلاق الثالث للعبادة هو باعتبار المتوجه بها إليه :(1/14)
فمن توجه بعبادته لله تعالى كانت هذه العبادة توحيداً ، ومن توجه بها إلى غير الله كانت شركاً ، فعن الثاني يقول الله جل وعلا فيمن دعا غيره : ( ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ) [فاطر:13،14] فدعاؤهم لغير الله عبادة لهم ، وسماها الله تعالى شركاً ، وهكذا كل عبادة من صلاة وصيام وزكاة وحج وغير ذلك إذا توجه بها صاحبها إلى الله تعالى كان ذلك توحيداً ، وإذا صرفها إلى الله غير الله تعالى كانت شركاً .
الإطلاق الرابع للعبادة : باعتبار ما يلاحظ فيها من حلق :
فإن العبادة قد تطلق على معنى أخص وهو ما يقابل المعاملات ولذلك فإن الفقهاء في كتب الفقه يدرجون أبواباً في قسم العبادات وهي : الصلاة والزكاة والصيام والحج ، وما عداها في باب المعاملات وهذا لا يعني أن العبادات منحصرة في المذكورات فقط بل تشمل غيرها ، بل إن المعاملات نفسها داخلة في مسمى العبادة العام وذلك من جهة التزامها وفق الشرع .
أركان وشروط العبادة :
من التعريف الشرعي السابق لكلمة العبادة يتضح أن لها ركنين وهما : كما الخضوع والذل ، وكمال المحبة وشرطها : الاتباع
الركن الأول وهو : كمال الخضوع والذل وهو أن يستكين العبد لله تعالى ويخضع له ويذل . والذل أربع مراتب كما ذكر ابن القيم
"المرتبة الأولى " مشتركة بين الخلق ، وهي ذل الحاجة والفقر إلى الله ، فأهل السموات والأرض جميعاً محتاجون إليه فقراء إليه ، وهو وحده الغني عنهم وكل أهل السموات والأرض يسألونه وهو لا يسأل أحداً .
المرتبة الثانية : ذل الطاعة والعبودية ، وهو ذل الاختيار وهذا خاص بأهل طاعته وهو سر العبودية .
والمرتبة الثالثة : ذل المحبة ، فإن المحب ذليل بالذات ، وعلى قدر محبته له يكون ذله .(1/15)
والمرتبة الرابعة : ذل المعصية والجناية : فإذا اجتمعت هذه الأربع : كان الذل لله والخضوع له أكمل وأتم ، إذ يذل له خوفاً وخشية ، ومحبة وإنابة وطاعة وفقراً وفاقة " (1) اهـ .
وأما الركن الثاني وهو : كمال المحبة .
فإن الذي يدل على اعتبار كمال الحب مع كمال الذل هو أن أصل التأله : العبد وهو كما يقول ابن القيم : " العبد آخر مراتب الحب ، يقال : عبده الحب وتيمه إذا ملكه ، وذلك لمحبوبه " (2)اهـ
وقال شيخ الإسلام بن تيمية : " والعبادة تجمع كمال المحبة وكمال الذل ، فالعابد محب خاضع ، بخلاف من يحب من لا يخضع له ، بل يحبه ليتوسل به إلى محبوب آخر ، وبخلاف من يخضع لمن لا يحبه كما يخضع للظالم فإن كلاً من هذين ليس عبادة محضة " (3) .
ومما يدل على أن هذا الحب ركن لا بد منه قول الله تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العقاب ) [البقرة:165] قال ابن القيم " فأخبر أن من أحب من دون الله شيئاً كما يحب الله تعالى فهو ممن اتخذ من دون الله أنداداً ، فهذا ند في المحبة لا في الخلق والربوبية ، فإن أحداً من أهل الأرض لم يثبت هذا الند في الربوبية بخلاف ند المحبة " (4) اهـ .
فإذا تبين هذا علم أن إفراد الله بالمحبة أصل العبادة ، وهذا يستلزم أن يكون الحب كله لله
ولأجله وفيه (1) .
ويوضح شيخ الإسلام بن تيمية حقيقة حب الله وما يحب لله فيقول : " وكل ما أمر الله أن يحب ويعظم فنما محبته وتعظيمه لله ، فالله هو المحبوب المعظم في المحبة والتعظيم ، والمقصد المستقر الذي إليه المنتهى ، وأما ما سوى ذلك فيحب لأجل الله ، أي لأجل محبة العبد لله يحب ما أحبه الله ، فمن تمام محبة الشيء محبة محبوب المحبوب وبغض بغيضه ، ويشهد لهذا الحديث " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله (2) " (3) اهـ.(1/16)
وشرط صحة المحبة : المتابعة التي لابد فيها من الصدق والإخلاص . ومما يدل على أن اتباع أمر المحبوب واجتناب نهي لازم للمحبة قول الله تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) [آل عمران:31] . فجعل الله تعالى اتباعهم لرسوله صلى الله عليه وسلم علامة على صدق محبته لله ، وجعل حبه لهم مشروطاً باتباعهم له ، فعلهم بهذا استحالة ثبوت محبتهم لله وثبوت محبة الله لهم بدون المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن المحبة مستلزمة للمتابعة (4)
فإن لم تتحقق المتابعة والطاعة يكون مدعى المحبة كاذباً في دعواه محبة الله ويكون من الكافرين ، وهذا المعنى هو ما قررته الآية التي تلي الآية التي تقدم ذكرها ، وهي قول الله تعالى : ( قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ) [آل عمران:32] .
ومن العرض السابق يعلم أن للعبادة بمعنى التعبد شرطين هما : معرفة المعبود ، ومعرفة دينه
فأما الشرط الأول وهو : معرفة المعبود سبحانه وتعالى فهو واضح جداً فإنه حتى يتحقق الذل والخضوع للمعبود فإن يشترط أن تتحقق معرفته والسبيل إلى ذلك هو العلم بما للمعبود سبحانه من الأسماء والصفات ومعاني الربوبية فإنه " لا تكون العبادة إلا مع المعرفة للمعبود " (5)(1/17)
وأما الشرط الثاني : وهو معرفة دينه - فإن واضح من البيان المتقدم في شرط المحبة - فإن شرطها هو متابعة أوامر المعبود واجتناب نواهيه ، وأوامره ونواهيه هي دينه الذي أنزله ، ولا يمكن أن تتحقق المتابعة لدينه إلا بعد معرفته ولذلك كانت معرفة دين الله شرطاً في التعبد. وقد بين ابن القيم مراتب العلم بالله وبدينه بقوله : " فأما العلم به سبحانه فخمس مراتب " العلم بذاته ، وصفاته وأفعاله ، وأسمائه ، وتنزيهه عما لا يليق به . العلم بدينه مرتبتان : إحداهما : دينه الأمري الشرعي وهو الصراط المستقيم الموصل إليه ، والثانية : دينه الجزائي المتضمن ثوابه وعقابه ، وقد دخل في هذا العلم : العلم بملائكته وكتبه ورسله " (1) اهـ
بيان مستحق العبادة :
الذي يستحق العبادة هو الله جل وعلا وحده دون غيره ، فإن العبادة لا تكون إلا للخالق المنعم ، وسيأتي بيان السبب الذي استحق الله به العبادة دون ما سواه إن شاء الله .(1/18)
قال الله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وهذا أسلوب يفيد الحصر والاختصاص (2) ومعنى هذه الآية مركب من أمرين : نفى وإثبات ، فالنفي : خلع جميع المعبودات بغير حق في جميع أنواع العبادات . والإثبات : إفراد الله تعالى وحده بجميع أنواع العبادات على الوجه المشروع ، فقوله : (إياك) يفيد الحصر : أي لا أحداً سواك ، وهذا هو النفي ، أما الإثبات ففي قوله : (نعبد ) أي وحدك ، وهذا المعنى يستفاد من آيات كثيرة في القرآن ، منها قوله تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن ابعدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) [النحل:36] وقوله : (يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم ) [البقرة:210] فهذا إثبات ، ثم ذكر النفي في آخر الآية التالية : ( فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون ) [البقرة:22] ومنها قوله : ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) [البقرة:256] فالنفي في قوله : " فمن يكفر " والإثبات في قوله : " ويؤمن بالله " (3) .
ومن الآيات الدالة على استحقاق الله للعبادة وحده دون ما سواه قول الله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون) [الزخرف:87] .
والمعنى كما قال ابن جرير : "فأي وجه يصرفون عن عبادة الذي خلقهم ويحرمون إصابة الحق في عبادته (4)!
وبالجملة فإن العبادة " لا يستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى " (5)
بيان سببها الذي تستحق به :(1/19)
وأما سببها الذي تستحق به فهو الاتصاف بصفات المال والتنزه عن النقص فالله هو الخالق لجميع الخلق والمسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة ، وكلهم مفتقرون إليه ويرغبون نعمته وفضله فالحاجة والرغبة في نعمته وفضله يبعثان على الانقياد لله والخضوع له (6)وبه يعلم أن العبادة : " لا تستحق إلا بغاية الإنعام " (1)وقال ابن كثير " إنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم ، فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره ، ولهذا قال : ( فلا تجعلوا مع الله أنداداً وأنتم تعلمون ) [ البقرة : 22 ] (2)اهـ
فلما كان هو المالك المتصرف في الأمور كيف شاء ، كان له سبحانه أن يأمر بما يشاء وينهى ، وإنه سبحانه قد أمر بعبادته وحده لا شريك له ونهى عن عبادة غيره .
ويدل على صحة ما ذكرته من السبب الذي تستحق به العبادة ما يذكره الله تعالى من أدلة دالة على استحقاقه وحده العبادة دون غيره ، ومن ذلك : بيان أنه الخالق الرازق المنعم ، وبيان أن غيره عاجز ضعيف لا يملك شيئاً وبيان أن الأمر كله له شرعاً وجزاءً.
وبهذا يتضح سبب وقوع بعض الناس في الشرك بالله تعالى ، وذلك لظنهم أن غير الله تعالى يكون منعماً بشيء استقلالاً أو له تأثير في التصرف ونحو ذلك فيقع في تعظيمه والخوف منه ورهبته ورجائه ، وتلك هي عبادته .
والأدلة الدالة على استحقاق الله تعالى العبادة والسبب الذي استحق به العبادة كثيرة ، وسأكتفي بذكر دليلين فقط - الأول : في أفضل سورة في القرآن والثاني : في أعظم آية في القرآن .(1/20)
فالدليل الأول وهو سورة الفاتحة : فغن قول الله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) جاء بعد آيات تضمنت الحمد لله والثناء الحسن له ، وأنه رب العالمين المنعم عليهم بأنواع النعم التي لا تحصى ، وأنه الرحمن الرحيم بعباده ، والمجازي لهم يوم الدين ، فمجئ تلك الآية بعد هذه الآيات يدل على أن ما ذكر قبله السبب في استحقاق الله جل وعلا للعبادة وحده دون سواه ، فإنه قد حمد نفسه بما له من الصفات العظيمة ، وبين أنه رب العالمين أي سيدهم وخالقهم ومربيهم ومدبر أمرهم ، فله أن يأمرهم بما يشاء ، وبين أنه الرحمن الرحيم ، فهذان اسمان يبعثان على الرغبة فيما عند الله ، ويدفعان توهم بعض المشركين من أنه لا يمكن التقرب إلى الله إلا بواسطة لكثرة الذنوب والمعاصي ، ثم بين ملكه ليوم الدين ، فيبعث هذا على عبادة الله وحده لأنه هو المجازي وحده ، وهو الذي يملك الشفاعة ولا يشفع عنده أحد إلا بعد إذنه للشافع ورضاه عن المشفوع له .(1/21)
وأما الدليل الثاني وهو : آية الكرسي التي هي أعظيم آية في القرآن - فإن فيها بيان استحقاق الله تعالى وحده للعبادة والسبب الذي استحق به العبادة - وبيان ذلك : أن الله تعالى بدأها بأنه هو المستحق للعبادة فقال : ( الله لا إله إلا هو ) ثم ذكر بعد ذلك من الصفات ما يدل على أنه بها قد استحق العابدة فقال : (الحي القيوم ) فالحي اسم دال على حياة الله الكاملة المقتضية كمال علمه وعزته وقدرته وغير ذلك من صفاته الذاتية ، و ( القيوم ) اسم دال على قيام الله بنفسه وقيامه بخلق الموجودات وإحكامها ورزقها وتدبيرها ثم قال : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) فنفى هذه النقائص ليؤكد كمال ما ذكره من اسميه ( الحي القيوم ) وهذا يقتضي الاعتماد على الله جل وعلا وحده كما قال ( وتوكل على الحق الذي لا يموت ) [الفرقان : 58] وقال : (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم ) [ الرعد:33] والمعنى كما قال بان جرير : " أفالرب الذي هو دائم لا يبيد ولا يهلك قائم بحفظ أرزاق جميع الخلق ، متضمن لها ، عالم بهم وبما يسكبونه من الأعمال ، رقيب عليهم لا يعزب عنه شيء أينما كانوا كمن هو هالك بائد لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم شيئاً ولا يدفع عن نفسه ولا عمن يعبده ضراً ولا يجلب إليهما نفعاً كلاهما سواء ؟! " (1) اهـ والمقصود هنا ذم من أشرك بالله غيره وهو يعلم أن غيره لا يستحق العبادة ، وقد بين الله أنه هو وحده المستحق للعبادة بما ذكره من صفاته سبحانه . ثم بين الله ملكه لكل شيء في آية الكرسي فقال : ( له ما في السموات وما في الأرض ) قال ابن جرير : " وإنما يعني بذلك أنه لا تنبغي العبادة لشيء سواه ، لأن المملوك إنما هو طوع يد مالكه وليس له خدمة غيره إلا بأمره " (2) اهـ(1/22)
ثم قال الله تعالى بعدها ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) وفيه رد على زعم المشركين بعد إقرارهم ما تقدم في أول آية الكرسي من أن الله هو الخالق والمالك فزعموا : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) [ الزمر:3] فبين الله تعالى أنه لا يشفع عنده أحد لأحد إلا بعد تخليته إياه من العذاب وإذنه بالشفاعة لمن يشفع من رسله وأوليائه وأهل طاعته (3) ثم قال تعالى (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) والمقصود بيان وجوب إخلاص الدين لله تعالى الذي هو محيط بكل شيء علماً . ثم بين الله تعالى أن ما سواه لا يعلم شيئاً إلا إذا شاء تعليمه فقال ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) والمقصود بيان أن العبادة لا تنبغي لمن كان جاهلاً (4) وهكذا سياق الآية إلى آخرها ...
وعليه فإنه يعلم مما تقدم أن لاستحقاق الله وحده للعبادة دون سواه سببين :
الأول : اتصاف الله جل وعلا بصفات الكمال وتنزهه عن صفات النقص ، ومن صفاته : إنعامه وإفضاله على خلقه الباعثان على الرغبة فيما عند الله والقيام بعبادته وشكره ، والخوف منه .
الثاني : أمره الشرعي ، فالله جل وعلا له الملك وله الأمر فهو مالك لخلقه يتصرف فيهم بأمره ، وقد أمرهم بعبادته وترك عبادة غيره (5)
(3)
توحيد الأسماء والصفات
هو الإقرار بأن الله بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، وأنه الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم . له المشيئة النافذة والحكمة البالغة . وأنه سميع بصير ، رؤوف رحيم ، على العرش استوى ، وعلى الملك احتوى ، وأنه الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، سبحان الله عما يشركون ، إلى غير ذلك من الأسماء الحسنى والصفات العلى(1) .
ويمكن أن يقال : هو إفراد الله عز وجل بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه ، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل (2) .(1/23)
الأركان التي يقوم عليها توحيد الأسماء والصفات :
يقوم توحيد الأسماء والصفات على أسس ، من حاد عنها لم يكن موحداً لربه في الأسماء والصفات .
الركن الأول : تنزيه الله عن مشابهته الخلق ، وعن أي نقص.
الركن الثاني : الإيمان بالأسماء والصفات الثابتة في الكتاب والسنة ، دون تجاوزها بالنقص منها أو الزيادة عليها أو تحريفها أو تعطيلها .
الركن الثالث : قطع الطمع عن إدراك كيفية هذه الصفات (3) .
ويجمع هذه الأركان قول الإمام مالك حين سئل عن الاستواء ، فقد دعاه رجل فقال له : يا أبا عبد الله : ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء (أي العرق) ثم قال : الاستواء غير مجهول والكيف غير مقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعاُ ثم أمر به أن يخرج .
فقوله : "الاستواء غير مجهول".
أي غير مجهول المعنى في اللغة ، فإن معناه العلو الاستقرار .
وقوله : "والكيف غير معقول " .
معناه : أنا لا ندرك كيفية استواء الله على عرشه بعقولنا ، وإنما طريق ذلك السمع ، ولم يرد السمع بذكر الكيفية ، فإذا انتفى عنها الدليلان العقلي والسمعي كانت مجهولة يجب الكف عنها .وقوله : "الإيمان به واجب" معناه : أن الإيمان باستواء الله على عرشه على الوجه اللائق واجب ، لأن الله أخبر به عن نفسه ، فوجب تصديقه والإيمان به .
وقوله :"والسؤال عنه بدعة " معناه : أن السؤال عن كيفية الاستواء بدعة ، لأنه لم يعهد السؤال عن كيفية الاستواء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين .
هذا الذي ذكره الإمام مالك رحمه الله في الاستواء ميزان عام لجميع الصفات التي أثبتها الله لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .(1/24)
فإن معناه معلوم لنا ، وأما كيفيتها فمجهولة لنا لأن الله أخبرنا عنها ولم يخبرنا عن كيفيتها ، ولأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ، فإذا كنا نثبت ذات الله تعالى من غير تكييف لها ، فكذلك يكون إثبات صفاته من غير تكييف (1) .
قواعد وضوابط هامة في إثبات صفات الله عز وجل وأسمائه .
أهل السنة يثبتون لله ما أثبته لنفسه في كتابه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه .
التحريف :
لغة : التغيير ، وفي الاصطلاح تغيير النص لفظاً أو معنى ، والتغيير اللفظي قد يتغير معه المعنى وقد لا يتغير ، فهذه ثلاثة أقسام :
1- تحريف لفظي ، لا يتغير معه المعنى كفتح الدال من قوله تعالى (وكلم الله موسى تكليما ) إلى نصب لفظ الجلالة ليكون التكليم من موسى .
2- تحريف لفظي ؛ لا يتغير معه المعنى ، كفتح الدال من قوله تعالى ( الحمد لله رب العالمين ) وهذا - في الغالب - لا يقع إلا من جاهل ؛ إذ ليس فيه غرض مقصود لفاعله غالباً .
3- تحريف معنوي ؛ وهو صرف اللفظ عن ظاهره بلا دليل ، كتحريف معنى اليدين المضافتين إلى الله إلى القوة والنعمة ونحو ذلك .
التعطيل:
لغة : التفريغ والإخلاء . وفي الاصطلاح هنا : إنكار ما يجب لله تعالى من الأسماء والصفات ، أو إنكار بعضها ، فهو نوعان :
1- تعطيل كلي ؛ كتعطيل الجهمية الذين أنكروا الصفات ، وغلاتهم ينكرون الأسماء أيضاً.
2- تعطيل جزئي ؛كتعطيل الأشعرية الذين ينكرون بعض الصفات دون بعض ، وأولو من عرف بالتعيطل من هذه الأمة هو الجعد بن درهم .
التكييف :
أي حكاية كيفية الصفة ، كقول القائل : كيفية يد الله أو نزوله إلى السماء الدنيا كذا وكذا .
التمثيل والتشبيه :
التمثيل : إثبات مثيل لشيء .
والتشبيه : إثبات مشابه له .
فالتمثيل يقتضي المماثلة وهي المساواة من كل وجه .(1/25)
والتشبيه يقتضي المشابهة وهي المساواة في أكثر الصفات ، وقد يطلق أحدهما على الآخر.
والفرق بينهما وبين التكييف من وجهين :
أحدهما : أن التكييف أن يحكي كيفية الشيء ، سواء كانت مطلة أم مقيدة بشبيه ، وأما التمثل والتشبيه فيدلان على كيفية مقيدة بالمماثل والمشابه .
ومن هذا الوجه يكون التكييف أعم لأن كل ممثل مكيف ولا عكس .
ثانيها : أن التكييف يختص بالصفات ، أما التمثل فيكون في القدر والصفة والذات ، ومن هذا الوجه يكون أعم لتعلقه بالذات والصفات والقدر .
ثم التشبيه الذي ضل به من ضل من الناس على نوعين:
أحدهما : تشبيه المخلوق بالخالق .
والثاني : تشبيه الخالق بالمخلوق .
فأما تشبيه المخلوق بالخالق ؛ فمعناه إثبات شيء للمخلوق ما يختص به الخالق من الأفعال والحقوق والصفات فالأول : كفعل من أشرك في الربوبية ، ممن زعم ا، مع الله خالقاً ، والثاني : كفعل المشركين بأصنامهم ، حيث زعموا أن لها حقاً في الألوهية فعبدوها مع الله ، والثالث : كفعل الغلاة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره .
وأما تشبيه الخالق بالمخلوق ، فمعناه أن يثبت لله تعالى في ذاته أو صفاته من الخصائص مثل ما يثبت للمخلوق من ذلك .
كقول القائل : إن يدي الله مثل أيدي المخلوقين واستواءه على عرشه كاستوائهم ونحو ذلك (1)
أهمية توحيد الأسماء والصفات :
يقول الإمام أحمد - رحمه الله - عن أحاديث الصفات : " فعليه الإيمان بها والسليم ؛ مثل أحاديث الرؤية كلها ، وإن نبت عن الأسماع واستوحش مها والمستمع ، وإنما عليه الإيمان بها ، وأن لا يرد منها حرفاً واحداً ، وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات " (2) .
ويقول ابن القيم : " لا يستقر للعبد قد م في المعرفة - بل ولا في الإيمان - حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله . ويعرفها معرفة تخرج عن حد الجهل بربه ، فالإيمان بالصفات وتعرفها هو أساس الإسلام والإيمان ، وثمرة شجرة الإحسان " (1) .(1/26)
ويقول أيضاً : "والرسل من أولهم إلى خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أرسلوا بالدعوة إلى الله ...، فعرفوا الرب المدعو إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله تعريفاً مفصلاً ، حتى كأن العباد يشاهدونه سبحانه وينظرون إليه فوق سماواته على عرشه ، يكلم ملائكته ، ويدبر أمر مملكته ، ويسمع أصوات خلقه ، ويرى أفعالهم حركاتهم ...، ويرضى ويغضب ، ويحب ويسخط ، ويميت ويحيي ، ويمنع ويعطي ، ويغفر ذنباً ، ويفرج كرباً ... وهذا مقصود الدعوة وزبدة الرسالة " (2) .
ثمرات الإيمان بصفات الله عز وجل :
اعلم - وفقني الله وإياك - أن العلم بصفات الله عز وجل ، والإيمان بها على ما يليق به سبحانه ، وتدبرها : يورث ثمرات عظيمة وفوائد جليلة ، تجعل صاحبها يذوق حلاوة الإيمان ، وقد رحمها قوم كثيرون من المعطلة والمؤولة والمشبهة ، وإليك بعضاً منها:
1- فمن ثمرات الإيمان بصفات الله عز و جل : أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلي بها على ما يليق به ؛ لأنه من المعلوم عند أرباب العقول أن المحب يحب أن يتصف بصفات محبوبة ؛ كما ، المحبوب يحب أن يتحلى محبة بصفاته ؛ فهذا يدعو العبد المحب لأن يتصف بصفات محبوبه ومعبوده كل ما يليق . فالله كريم يحب الكرماء ، رحيم يحب الرحماء ، رفيق يحب الرفق . فإذا علم العبد ذلك ؛ سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق ، وهكذا في سائر الصفات التي يحب الله أن يتحلى بها العبد على ما يليق بذات العبد.
2- ومنها : أنه إذا آمن العبد بصفات " العلم ، والإحاطة ، والمعية " ؛ أورثه ذلك الخوف من الله عز وجل المطلع عليه الرقيب الشهيد . فإذا آمن بصفة "السمع" ؛ علم أن الله يسمعه ؛ فلا يقول إلا خيراً .(1/27)
فإذا آمن بصفات " البصر ، والرؤية ، والنظر ، والعين " ؛ علم أن الله يراه ؛ فلا يفعل إلا خيراً ، فما بالك بعبد يعلم أ، الله يسمعه ، ويراه ويعلم ما هو قائله وعامله ، أليس حرى بهذا العبد أن لا يجده الله حيث نهاه ، ولا يفتقده حيث أمره ؟! فإذا علم هذا العبد وآمن أن الله " يحب ويرضى " ؛ عمل ما يحبه معبوده ومحبوبه وما يرضيه . فإذا آمن أن من صفاته " الغضب ، والكره ، والسخط ، المقت ، واللعن " ؛ عمل بما لا يغضب مولاه ولا يكرهه حتى لا يسخط عليه ويقمته ثم يلعنه ويطرده من رحمته . فإذا آمن بصفات "الفرح ، والبشبشة ، والضحك "؛ أنس لهذا الرب الذي يفرح لعباده ويتبشبش لهم ويضحك لهم ؛ ما عدمنا خيراً من رب يضحك.
3- ومنها : أنه إذا علم العبد وآمن بصفات الله من " الرحمة ، والرأفة ، والتوب ، واللطف ، والعفو ، والمغفرة ، والستر ، وإجابة الدعاء " ؛ فإنه لكما وقع في ذنب ؛ دعا الله أن يرحمه ويغفر له ويتوب عليه ، وطمع فيما عند الله من ستر ولطف بعباده المؤمنين ، فأكسبه هذا رجعة وأوبه إلى الله كلما أذنب ولا يجد اليأس إلى قلبه سبيلاً ؛ كيف ييأس من يؤمن بصفات " الصبر ، والحلم " ؟! كيف ييأس من رحمة الله من علم أن الله يتصف بصفة " الكرم ، والجود ، والعطاء " ؟!. .
4- ومنها : أن العبد الذي يعلم أن الله منتصف بصفات " القهر ن والغلبة ، والسلطان ، والقدرة والهيمنة ، والجبروت " ؛ يعلم أن الله لا يعجزه شيء ؛ فهو قادر على أن يخسف به الأرض ، وأن يعذبه في الدنيا في الدنيا قبل الآخرة ؛ فهو القاهر فوق عباده ، وهو الغالب عن غالبه ، وهو المهيمن على عباده ، ذو الملكوت والجبروت والسلطان القديم . فسبحان ربي العظيم .(1/28)
5- ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عز وجل أن يظل العبد دائم السؤال لربه ، فإن أذنب ؛ سأله بصفات " الرحمة ، والتوب ، والعفو ، والمغفرة " أن يرحمه ويتوب عليه ويعفو عنه ويغفر له ، وإن خشي على نفسه من عدو متجهم جبار ؛ سأل الله بصفات " القوة ، والغلبة ، والسلطان ، والقهر والجبروت " ؛ رافعاً يديه إلى السماء قائلاً : يا رب ! يا ذا القوة والسلطان والقهر والجبروت ! اكفنيه . فإن آمن أن الله " كفيل ، حفيظ ، حسيب ، وكيل " ؛ قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، وتوكل على " الواحد ، الأحد ، الصمد " ، وعلم ا، الله ذو " العزة ، والشدة والمحال ، والقوة ، والمنعة " مانعه من أعدائه ، ولن يصلوا إليه بإذنه تعالى .
فإذا ما أصيب بفقر ؛ دعاء الله بصفات " الغني ، والكرم ، والجود ، والعطاء " فإذا أصيب بمرض ؛ دعاه لأنه هو " الطبيب ، الشافي ، الكافي " ، فإن منع الذرية ؛ سأل الله أن يرزقه ويهبه الذرية الصالحة؛ لأنه هو ( الرزاق الوهاب ) ... وهكذا ، فإن من ثمرات العلم بصفات الله والإثمان بها دعاؤه بها .
6- ومنها : أن العبد إذا تدبر صفات الله من " العظمة ، والجلال ، والقوة، والجبروت ، والهيمنة " ؛ استصغر نفسه ، وعلم حقارتها . وإذا علم أن الله مختص بصفة " الكبرياء" ؛ لم يتكبر على أحد ، ولم ينازع الله فيما خص نفسه من الصفات . وإذا علم أن الله متصف بصفة "الغني ، والملك والعطاء " ؛ استشغر افتقاره إلى مولاه الغني ، مالك الملك ، الذي يعطي من يشار ومنع من يشاء ..
7- ومنها :أنه إذا علم أن الله يتصف بصفة "القوة ، والعزة ، والغلبة " ، وآمن بها ؛ علم انه إنما يكتسب قوته من قوة الله ، وعزته من عزة الله ؛ فلا يذل ولا يخنع لكفار ، وعلم أنه إن كان مع الله ؛ كان الله معه ، ولا غالب لأمر الله .(1/29)
8- ومن ثمرات الإيمان بصفات الله : أن لا ينازع العبد الله في صفة "الحكم ، والألوهية"؛ فلا يحكم إلا بما أنزل الله ، ولا يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله .
9- ومنها : أن صفات " الكيد ، والمكر ، والاستهزاء ، والخداع " إذ آمن بها العبد على ما يليق بذات الله وجلاله وعظمته ؛ علم أن لا أحد يستطيع أن يكيد لله أو يمكر به ، وهو خير الماكرين سبحانه ، كما أنه لا أحد من خلقه قادر على أن يستهزئ به أو يخدعه ؛ لأنه الله سيستهزئ به ويخادعه . ومن أثر استهزاء الله بالعبد أن يغضب عليه ويمقته ويعذبه ، فكان الإيمان بهذه الصفات وقاية للعبد من الوقوع في مقت الله وغضبه .
10- ومنها : أن العبد يحرص على ألا ينسى ربه ويترك ذكره ، فإن الله متصف بصفة "النسيان ، والترك " ؛ فالله قادر على أن ينساه - أي : يتركه - ، ( نسوا الله فنسيهم) [التوبة:67] فنجده دائم الذكر لله ، ودائم التذكر لأوامره ونواهيه .
11- ومنها : أن العبد الذي لا يعلم أن الله متصف بصفة " السلام ، المؤمن ، والصدق " ؛فإن يشعر بالطمأنينة والهدوء النفسي ؛ فالله هو السلام ، ويحب السلام ، وينشر السلام بين المؤمنين ، وهو المؤمن الذي أمن الخلق من ظلمه .
وإذا اعتقد العبد أن الله متصف بصفة " الصدق " ، وأنه وعده إن هو عمل صالحاً جنات تجري من تحتها الأنهار ؛ علم أن الله صادق في وعده ، لن يخلقه ، فيدفعه هذا لمزيد من الطاعة ؛ طاعة من يثق أنه إن جد وجد ، وإن زرع حصد .(1/30)
12- ومنها : أن صفات الله الخبرية كـ "الوجه ، واليدين ، والأصابع ، والأنامل ، والقدمين، والساق ، وغيرها " تكون كالاختبار الصعب للعباد ، فمن آمن بها وصدق بها عل وجه يليق بذات الله عز وجل بلا تمثيل ولا تحريف ولا تكييف ، وقال : كل منه عند ربنا ، ولا فرق بين إثبات صفة العلم والحياة والقدرة وبين هذه الصفات ، ومن هذا إيمانه ومعتقده ؛ فقد فاز فوزاً عظيماً . ومن قدم عقله السقيم على النقل الصحيح ، وأول هذه الصفات ، وجعلها من المجاز ، وحرف فيها ، وعطلها ؛ فقد خسر خسراناً مبيناً ؛ إذ فرق بين صفة وصفة ، وكذب الله فيما وصف به نفسه ، وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلو لم يكن من ثمرة الإيمان بهذه الصفات إلا أن تدخل صاحبها في زمرة المؤمنين ؛ لكفى بها ثمرة .
ولو لم يكن من ثمراتها إلا أنها تميز المؤمن الحق الموحد المصدق لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبين ذاك الذي تجرأ عليهما ، وحرف نصوصهما ، واستدرك عليهما ؛ فكيف إذا علمت أن هناك ثمرات أخرى عظيمة للإيمان بهذه الصفات الخبرية ؛ منها أنك إذا آمنت لله وجهاً يليق بجلاله وعظمته ، وأن النظر غليه من أعظم ما ينعم الله على عبده يوم القيامة ، وقد وعد به عباده الصالحين ؛ سألت الله النظر إلى وجهه الكريم ، فأعطاكه ، وأنك إذا آمنت أن لله يداً ملأى لا يعيضها نفقة ، وأن الخير بين يديه سبحانه ؛ سألته مما بين يديه . وإذا علمت أن قلبك بين أصبعين من أصابع الرحمن ؛ سألت الله أن يثبت قلبك على دينه ... وهكذا .
13- ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عز وجل : تنزيه الله وتقديسه عن النقائض ، ووصفه بصفات الكمال ، فمن علم أن من صفاته "القدوس ، السبوح " ؛ نزه الله من كل عيب ونقص ، وعلم أن الله ( ليس كمثله شيء ) .
14- ومنها : أن العبد الذي يؤمن أن من صفات الله الخاصة به "المصور" ؛ فإنه لا يحاول مضاهاة الله في ذلك ، ولا منازعته فيه ، فيبتعد عن التصوير المحرم من ذوات الأرواح .(1/31)
15- ومنها : أن من علم أن من صفات الله " الحياة ، والبقاء " ؛ علم أن يعبد إلهاً لا يموت ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، أورثه ذلك محبة وتعظيماً وإجلالاً لهذا الرب الذي هذه صفته .
16- ومن ثمرات الإيمان بصفة " العلو ، والفوقية ، والاستواء على العرش ، والنزول ، والقرب ، والدنو "؛ أن العبد يعمل ا، الله منزه - عز وجل - عن الحلو بالمخلوقات ، وأنه فوق كل شيء ، بائن عن خلقه ، مستو على عرشه وهو قريب من عبده بعلمه . فإذا احتاج العبد إلى ربه ؛ وجده قريباً منه ، فيدعوه ، فيستحب دعاءه . وينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الآخر من الليل - كما يليق به سبحانه - فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، فيورث ذلك حرصاً عند العبد بتفقد هذه الأوقات التي يخلو فيها مع ربه القريب منه . فهو سبحانه قريب في علوه ، بعيد في دنوه .
17- ومنها : أن الإيمان بصفة "الكلام" وأن القرآن كلام الله يجعل العبد يستشعر وهو يقرأ القرآن أنه يقرأ كلام الله . فإذا قرأ : لا ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم)؛ أحس أن الله يكلمه ويتحدث إليه ، فيطير قلبه وجلا ، وأنه إذا آمن بهذه الصفة ، وقرأ في الحديث الصحيح أن الله سيكلمه يوم القيامة ، ليس بينه وبينه ترجمان ؛ استحى أن يعصي الله في الدنيا ، وأعد لذلك الحساب والسؤال جواباً .
وهكذا ؛ فما من صفة لله تعالى ؛ إلا وللإيمان بها ثمرات عظيمة وآثار كبيرة مترتبة على ذلك الإيمان . فما أعظم نعم الله على أهل السنة والجماعة الذين آمنوا بكل ذلك على الوجه الذي يليق بالله تعالى (1)
كلمة التوحيد " لا إله إلا الله ممد رسول الله "
معناها وشروطها
ومعناها : لا معبود بحق إلا الله ، وبذلك تنفي الإلهية عما سوى الله وتثبتها لله وحده (2) .(1/32)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله ، والتقرب غليه بما يحبه ، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه ، وهذا حقيقة "لا إله إلا الله " وهي ملة إبراهيم الخليل عليه السلام وسائر الأنبياء والمرسلين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين " (3) أما شقها الثاني "محمد رسولا لله" فمعناه تجريد متابعة صلى الله عليه وسلم فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر .
ومن هنا كانت "لا إله إلا الله " ولاء وبراءة ، نفياً وإثباتاً .
ولاء لله ولدينه وكتابه وسنة نبيه وعبادة الصالحين .
وباء من كل طاغوت عبد من دون الله (4) ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) [البقرة:256].
وفي هذا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب : " واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمناً بالله إلا بالكفر بالطاغوت والدليل هذه الآية (5) يعني الآية السابقة 256 سورة البقرة.
وكلمة التوحيد ولاء لشرع الله : ( اتبعوا ما أنزل غليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون ) [3:الأعراف]
( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها ) [30:الروم]
وبراء من حكم الجاهلية : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) [50:المائدة] .
وبراء من كل دين غير دين الإسلام : ( ومن يبغ غير الإسلام ديناً فلن يقيل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) [85:آل عمران]
ثم هي نفي وإثبات تنفي أربعة أمور . وتثبت أربعة أمور .
"تنفي : الآلهة ، والطواغيت ، والأنداد ،و الأرباب " .
فالآلهة : ما قصدته بشيء من جلب خير أو دفع ضر ، أنت متخذه إلهاً.
والطواغيت : من عبد وهو راض ، أو رشح للعبادة .
والأنداد : ما جذبك عن دين الإسلام ، من أهل ، أو مسكن ، أو عشيرة ، أو مال : فهو ند ، لقوله تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ) [165:البقرة].(1/33)
والأرباب : من أفتاك بمخالفة الحق وأطعته ، مصداقاً لقوله تعالى : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) [31:التوبة] .
وتثبت أربعة أمور : القصد ك وهو كونك ما تقصد إلا الله .
والتعظيم والمحبة : لقوله تعالى : ( والذين ءامنوا أشد حباً لله ) [165:البقرة] .
والخوف والرجاء : لقوله تعالى : ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله ويصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم ) [107:يونس].
فمن عرف هذا قطع العلاقة مع غير الله ولا تكبر عليه جهامة الباطل ، كما أخبر تعالى عن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بتكسير الأصنام ، وتبرية من قومه : (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) [4:الممتحنة] (1).
ولقد جاء القرآن من أوله إلى آخره يبين معنى لا إله إلا الله ، بنفى الشرك وتوابعه ، ويقرر الإخلاص وشرائعه ، فكل قول وعمل صالح يحبه الله ويرضاه هو من مدلول كلمة الإخلاص ، لأن دلالتها على الدين كله إما مطابقة وإما تضمناً وإما التزاماً(2) ، يقرر ذلك أن الله سماها كلمة التقوى .
والتقوى : أن يتقي سخط الله وعقابه بترك الشرك والمعاصي ، وإخلاص العبادة لله ، وإتباع أمره على ما شرعه . كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه - " أن تعمل بطاعة الله ، على
نور من الله ، ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله ، تخاف عقاب الله" (1)(1/34)
أما كيف تم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة هذه الكلمة والتزام أحكامها والعمل بمقتضياتها ولوازمها فيشرح ذلك الإمام الجليل سفيان بن عيينة : حدث محمد بن عبد الملك المصيصي قال : كنا عند سفيان بن عيينة في سنة سبعين ومائة ، فسأله رجل عن الإيمان ظ فقال : قول وعمل . قال : يزيد وينقص ؟ قال : يزيد ما شاء الله ، ويقنص حتى لا يبقى منه مثل هذه ، وأشار سفيان بيده . قال الرجل : كيف نصنع بقوم عندنا يزعمون : إن الإيمان قول بلا عمل ؟ قال سفيان : كان القول قولهم قبل أ، تقرر أحكام الإيمان وحدوده .
إن الله عز وجل بعث نبيناً محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كلهم كافة أن يقولوا : لا إله إلا الله ، وأنه رسول الله . فملا قالوها عصموا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل ، فلما علم الله عز وجل صدق ذلك من قلوبهم ، أمره أن يأمرهم بالصلاة ، فأمرهم ففعلوا فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم .(1/35)
فلما علم الله جل وعلا صدق ذلك من قلوبهم أمرهم أن يأمرهم بالهجرة إلى المدينة فأمرهم ففعلوا ، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ، فلما علم الله تبارك وتعالى صدق ذلك من قلوبهم أمرهم بالرجوع إلى مكة ليقاتلوا آباءهم وأبناءهم حتى يقولوا كقولهم ، ويصلوا صلاتهم ويهاجروا هجرتهم ، فأمرهم ففعلوا ، حتى أتى أحدهم برأس أبيه فقال : يا رسول الله : هذا رأس شيخ الكافرين ، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ولا هجرتهم ، ولا قتالهم ، فلما علم الله عز وجل صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالطواف بالبيت تعبداً ، وأن يحلقوا رؤوسهم تذللاً ففعلوا، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ، ولا صلاتهم ، ولا هجرتهم ولا قتلهم آباءهم ، فلم علم الله عز وجل صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم بها ، فأمرهم ففعلوا حتى أتوا بها قليلها وكثيرها ، والله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ، ولا هجرتهم ، ولا قتلهم آباءهم ولا طوافهم . فلما علم الله تبارك وتعالى الصدق من قلوبهم فيما تتابع عليهما من شرائع الإيمان وحدوده قال عز و جل : قل لهم : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) [3:المائدة].
قال سفيان : فمن ترك خلة من خلال الإيمان كان بها عندنا كافراً ، ومن تركها كسلاً أو تهاوناً بها ، أدبناه وكان بها عندنا ناقصاً . هكذا السنة أبلغها عني من سألك من الناس (2)
شروط " لا إله إلا الله " :
ذكر العلماء رحمهم الله شروطاً سبعة لـ "لا إله إلا الله " لا تنفع صاحبها إلا باجتماع هذه الشروط فيه . وإليك شرحها :
ينبغي أن نعلم أن " ليس المراد من هذا عد ألفاظها وحفظها ، فكم من عامي اجتمعت فيه والتزمها ، ولو قيل له أعددها لم يحسن ذلك ، وكم حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم ، وتراه يقع كثيراً فيما يناقضها والتوفيق بيد الله" (1) .(1/36)
وقد قال وهب بن منبه لمن سأله : أليس " لا إله إلا الله " مفتاح الجنة ؟ قال : بلى . ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك (2) .
وأسنان هذا المفتاح هي شروط " لا إله إلا الله " الآتية :-
الشرط الأول : العلم بمعناه المراد منها نفياً وإثباتاً ، المنافي للجهل بذلك قال تعالى : (فاعلم أنه لا إله إلا الله ) [19:محمد] .
وقال : (إلا من شهد بالحق ) [86:الزخرف].
أي : بلا إله إلا الله : "وهم يعلمون " بقلوبهم ما نطقوا به ألسنتهم .
وقال تعالى : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) [18:آل عمران] .
وفي الصحيح عن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة" (3)
الشرط الثاني : اليقين المنافي للشك . ومعنى ذلك : أن يكون قائلها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة ، يقينا جازماً ، فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن (4)قال تعالى : (إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) [15:الحجرات] .
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة " (5) وفي رواية " لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة ". وعن أبي هريرة أيضاً من حديث طويل " من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة "(6) .(1/37)
وقال القرطبي : في " المفهم على صحيح مسلم " : " باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين ، بل لابد من استيقان القلب . وهذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان ، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده . بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها ، ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق ، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح وهو باطل قطعاً " (1).
الشرط الثالث : القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه ، وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء من قبلها ، وانتقامه ممن ردها وأباها كما قال تعالى : ( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على ءاثارهم مفتدون ، قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه ءاباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ). [23:25الزخرف] .
وقال تعالى : ( ثم ننجي رسلنا والذين ءامنوا كذلك حقاً علينا ننج المؤمنين ) [103:يونس]
ويقول تعالى : ( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ، ويقولون أءنا لتاركوا ءالهتنا لشاعر مجنون ) (2) [35-36 الصافات] .
الشرط الرابع : الانقياد لما دلت عليه ، المنافي لترك ذلك .
قال تعالى : ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ) [54 الزمر] .
قوال : ( ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن ) [125 النساء].
وقال : ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ) [22:لقمان] أي بلا إله إلا الله .
وقال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) [65:النساء].(1/38)
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها : يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً ، ولهذا قال : " ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما " أي : إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حجراً مما حكمت به ، ويناقدون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ، ولا منازعة (3) .
الشرط الخامس : الصدق المنافي للكذب ، وهو أن يقولها صدقاً من قلبه ، يواطئ قلبه لسانه ، قال تعالى : ( ألم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا بالله وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) [العنكبوت 1-3] (1)
وقال تعالى : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ، يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ، وفي قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ) [1-8 البقرة] .
وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا اله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار " (2)
قال العلامة ابن القيم : " والتصديق بلا إله إلا الله يقتضي الإذعان والإقرار بحقوقهم وهي شرائع الإسلام التي هفي تفضيل هذه الكلمة بالتصديق بجميع أخباره وامتثال أوامره واجتناب نواهيه .. فالمصدق بها على الحقيقة هو الذي يأتي بذلك كله ، ومعلوم أن عصمة المال والدم على الإطلاق لم تحصل إلا بها وبالقيام بحقها ، وكذلك النجاة من العذاب على الإطلاق لم تحصل إلا بها وبحقها " (3) .
وفي الحديث : قال صلى الله عليه وسلم "شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه "(4) .(1/39)
وقال ابن رجب : " من قال لا إله إلا الله بلسانه ، ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله ومخالفته فقد كذب فعله قوله ، ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى " .
( أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) [القصص:50].
( ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) (5) [ص:26] .
الشرط السادس : الإخلاص ، وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك (6) قال تعالى ( ألا لله الدين الخالص ) [3 الزمر] .
وقال تعالى : ( وما أمرو إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) [5 البينة] .
وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أسعد الناس بشفاعتي من قال : لا إله إلا الله خالصاً من قلبه " : أو نفسه (7) .
وفي الصحيح عن عتبان بن مالك عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل " (1)
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله : " إن العمل إن العمل إذا كان خالصاً لله ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً . والخاص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة " (2) .
ولقد ضرب الله سبحانه في القرآن العظيم مثلاً واضحاً للمخلص في توحيده وللمشرك قال تعالى : ( ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً) [29:الزمر] .(1/40)
" فهذا مثل يضرب الله للعبد الموحد والعبد المشرك ، بعبد يملكه شركاء يخاصم بعهم بعضاً فيه ، وهو بينهم موزع ، ولكل منهم فيه توجيه ، ولكل منهم عليه تكليف ، وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج ولا يستقيم على طريق ولا يملك أن يرضى أهواءهم المتنازعة المتشاكسة.. وعبد يملكه سيد واحد ، وهو يعلم ما يطلبه منه ، ويكلفه به ، فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح " ( هل يستويان ) ؟ لا . لأن الذي يخضع لسيد واحد ينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين ، وتجمع الطاقة ووحدة الاتجاه ، ووضع الطريق والذي يخضع لسادة مشتركين معذب مقلقل ، لا يستقر على حال ، ولا يرضى واحداً منهم فضلاً عن أن يرضى الجميع . وهذا المثل يصور حقيقة التوحيد ، وحقيقة الشرك في جميع الأحوال . فالقلب المؤمن بحقيقة التوحيد هو القلب الذي يسير على هدى من الله يستمد منه وحده ويتجه إليه وحده".
ويقول الشيخ القاسمي رحمه الله : " إن القصد هو توحيد المعبود في توحيد الوجهة ، ودرء الفرقة كما قال تعالى : ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) (3) [39:يوسف].
إن الإسلام لابد فيه من الاستسلام لله وحده ، وترك الاستسلام لما سواه وهذا حقيقة "لا إله إلا الله" فمن أسلم لله ولغير الله فهو مشرك ، والله لا يغفر أن يشرك به ، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر عن عبادته وقد قال تعالى : ( إن الذين يستكبرون عن عباداتي سيدخلون جهنم داخرين) (4) [60:غافر] .
العاملين بها الملتزمين لشروطها ، وبعض ما ناقض ذلك ، قال تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين ءامنوا أشد حباً لله ) (5) [165:البقرة] .
وقال تعالى : ( يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبونهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) [54:المائدة].(1/41)
وفي الحديث : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب غليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذ الله منه كما يكره أن يقذف في النار " (1) .
قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله : " وعلامة حب العبد ربه : تقديم محابه وإن خالفت هواه ، وبغض ما يبغض ربه وإن مال غليه هواه ، وموالاة من والى الله ورسوله . ومعاداة من عاداه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، واقتفاء أثره وقبول هداه " (2)
ويقول ابن القيم في النونية :
شرط المحبة أن توافق من تحب على محبته بلا عصيان فإذا دعيت له المحبة مع خلافك ما يحب فأنت ذو بهتان أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له ما ذاك في إمكان وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان ليس العبادة غير توحيد المحبة مع خضوع القلب والأركان إلى أن يقول :
ولقد رأينا من فرق يدعى سلام شركا ظاهر التبيان جعلوا له شركاء والوهم وسو وهم في الحب لا السلطان (3)
آثار الإقرار بلا إله إلا الله في حياة الإنسان :
(1) إن المؤمن بهذه الكلمة لا يكون ضيق النظر ، بخلاف من يقول بآلة متعددة ، أو من يجحدها.
(2) إن الإيمان بهذه الكلمة ينشيء في النفس من الأنفة وعزة النفس ما لا يقوم دونه شيء ؛ لأنه لا نافع إلا الله ولا ضار إلا الله ، وهو المحيي المميت ، وهو صاحب الحكم والسلطة والسيادة . من ثم ينزع من القلب كل خوف إلا منه سبحانه فلا يطأطيء الرأس أمام أحد من الخلق ، ولا يتضرع إليه ، ولا يتكفف له ، ولا يرتعب من كبريائه وعظمته ؛ لن الله هو العظيم القادر ، وهذا بخلاف المشرك والكفار والملحد .(1/42)
(3) ينشأ من الإيمان بهذه الكلمة مع أنفة النفس وعزتها : تواضع من غير ذلك ، وترفع من غير كبر ، فلا يكاد ينفخ أوداجه شيطان الغرور ويزهيه بقوته وكفاءته ؛ لأنه يعلم ويستيقن أن الله الذي وهبه كل ما عنده قادر على سلبه إياه إذا شاء ، أما الملحد فإنه يتكبر ويتبطر إذا حصلت له نعمة عاجلة .
(4) المؤمن بهذه الكلمة : يعلم علم اليقين أنه لا سبيل على النجاة والفلاح إلا بتزكية النفس والعمل الصالح ، أما المشركون والكفار فإنهم يقضون حياتهم على أماني كاذبة . فمنهم من يقول . إن ابن الله قد أصبح كفارة عن ذنوبنا ، عند أبيه ، ومنهم من يقول ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) فلن يعذبنا بذنوبنا . منهم من يقول : إنا سنستشفع عند الله بكبرائنا وأتقيائنا . ومنهم من يقدم النذور والقرابين إلى آلهته زاعماً أنه قد نال بذلك رخصة في العمل بما يشاء . أما الملحد الذي لا يؤمن بالله يعتقد أنه حر في هذه الدنيا غير مقيد بشرع الله ، وإنما إلهه هواه وشهوته وهو عبدهما .
(5) قائل هذه الكلمة لا يتسرب إليه اليأس ، ولا يقعد به القنوط ؛ لأنه يؤمن أن الله له خزائن السموات والأرض . ومن ثم فهو على طمأنينة وسكينة وأمل ، حتى ولو طرد وأهين وضاقت عليه سبل العيش .
إن عين الله لا تغفل عنه ولا تسلمه إلى نفسه ، وهو يبذل جهده متوكلاً على الله ، بخلاف الكفار الذي يعتمدون على قواهم المحدودة ، وسرعان ما يدب لهم اليأس ، ويساورهم القنوط عند الشدائد ؛ مما يفضي بهم أحياناً إلى الانتحار.
(6) الإيمان بهذه الكلمة يربي الإنسان على قوة عظيمة من العزم والإقدام والصبر والثبات والتوكل ، حينما يضطلع بمعالي الأمور إبتغاء مرضاة الله .
إنه يشعر أن وراءه قوة مالك السماء والأرض ؛ فيكون ثباته ورسوخه وصلابته التي يستمدها من هذا التصور ، كالجبال الراسية ، وأني للكفر والشرك بمثل هذه القوة والثبات ؟! .(1/43)
(7) هذه الكلمة تشجع الإنسان وتملأ قلبه جرأة ؛ لأن الذي يجبن الإنسان ويوهن عزمه شيئاً: حبه للنفس والمال والأهل ، أو اعتقاده أن هناك أحداً غير الله يميت الإنسان . فإيمان المرء بلا غله إلا الله ينزع عن قلبه كلا من هذين السببين ؛ فيجعله موقناً أن الله هو المالك الوحيد لنفسه وماله ، فعندئذ يضحي في سبيل مرضاة ربه بكل غال ورخيص عنده . وينزع الثاني بأن يلقى في روعه أن لا يقدر على سلب الحياة منه إنسان ولا حيوان ولا قنبلة ولا مدفع ، ولا سيف ولا حجر ، وإنما يقدر على ذلك الله وحده .
من أجل ذلك لا يكون في الدنيا أشجع ولا أجرأ ممن يؤمن بالله تعالى ، فلا يكاد يخيفه أو ثبت في وجهه زحف الجيوش ، ولا السيوف المسلولة ، ولا مطر الرصاصات والقنابل ، فإنه عندما يتقدم في سبيل الله للجهاد ، يهزم قوة تزيد على قوته بعشر مرات ، وأني بمثل هذا للمشركين الكفار والملحدين ؟!.
(8) الإيمان بلا إله إلا الله يرفع قدر الإنسان وينشىء فيه الترفع والقناعة والاستغناء ، ويطهر قلبه من أوساخ الطمع والشره والحسد والدناءة واللؤم ، وغيرها من الصفات القبيحة .
(9) وأهم شيء وأجدره في هذا الصدد : أن الإيمان بـ "لا إله إلا الله " يجعل الإنسان مقتدياً بشرع الله ومحافظاً عليه ، فإن المؤمن يعتقد بيقين أن الله خبير بكل شيء ، وهو أقرب إليه من حبل الوريد وأنه إن كان يستطيع أن يفلت من بطش أي كان ؛ فإنه لا يستطيع أن يفلت من الله عز وجل . وعلى قدر ما يكون هذا الإيمان راسخاً في ذهن الإنسان يكون متبعاً لأحكام الله ، قائماً عند حدوده ، لا يجرؤ على اقتراف ما حرم الله ، ويسارع إلى الخيرات والعمل بما أمر الله .(1/44)
ومن أجل ذلك جعل الإيمان بلا إله إلا الله أول ركن وأهمه ؛ ليكون الإنسان مسلماً والمسلم هو : العبد المطيع المنقاد لله تعالى ، ولا يكون كذلك إلا إذا كان مؤمناً من قلبه بأن لا إله إلا الله ، وهذا هو أصل الإسلام ، ومصدر قوته ، وكل ما عداه من معتقدات الإسلام وأحكامه إنما هي مبنية عليه ، ولا تستمد قوتها إلا منه ، والإسلام لا يبقى منه شيء لو زال هذا الأساس .
(10) ومن فضائلها ما ذكره ابن رجب ، حيث أورد قول سفيان بن عيينة : ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله ، وأن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا ، ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب ، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد ، فمن قالها عصم ماله ودمه ، ومن أباها فماله ودمه هدر ، وهي مفتاح الجنة ، ومفتاح دعوة الرسل (1)
الفصل الثاني
س: لماذ يجب أن نهتم بالتوحيد؟
1- التوحيد هو الغاية من خلق الجن والإنس: قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
((قال شيخ الإسلام ابن تيمية: العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسنة الرسل.
وقال أيضًا: العبادة اسمُ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه؛ من الأقوال والأعمال الباطنة و الظاهرة.
وقال ابن كثير: العبادة في اللغة من الذلة. يقال: طريق معبد وغير معبد، أي مذلل. وفي الشرع: عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف)) (2) .
وقال السعدي: ))هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها. وهي عبادته؛ المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه.
وذلك متوقف على معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله.
بل كلما ازداد العبد معرفة بربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم))(3) .
2- التوحيد هو الغاية من إرسال الرسل:(1/45)
قال عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
قال صاحب ((تيسير العزيز الحميد)):
((أخبر تعالى أنه بعث في كل أمة؛ أي في كل طائفة وقرن من الناس رسولاً بهذه الكلمة: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} أي اعبدوا الله وحده، واتركوا عبادة ما سواه؛ فلهذا خلقت الخليقة، وأرسلت الرسل، كما قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
وهذه الآية هي معنى : لا إله إلا الله؛ فإنها تضمنت النفي والإثبات، كما تضمنته لا إله إلا الله؛ ففي قوله: {اعْبُدُوا اللَّهَ} إثبات، وفي قوله {اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} النفي.
فدلت الآية على أنه لابد في الإسلام من النفي و الإثبات، فيثبت العبادة لله وحده، وينفي عبادة ما سواه، وهو التوحيد الذي تضمنته سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} )).
إلى أن قال: ((ودلت الآية على أن الحكمة في إرسال الرسل هو عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه؛ وأن أصل دين الأنبياء واحد، وهو الإخلاص في العبادة لله))(4).
3- التوحيد هو معنى لا إله إلا الله:
قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ: ((التوحيد هو معنى لا إله إلا الله، الذي مضمونه أن لا يعبد إلا الله؛ لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهما))(5) .
((قال ابن عباس في معنى الإله: ((الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين)) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الإله هو المعبود المطاع)).(1/46)
وقال أيضًا: ((في لا إله إلا الله إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد، هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع.
وقال ابن رجب: ((الإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالاً ومحبة وخوفًا ورجاء وتوكلاً عليه وسؤالاً منه ودعاءً له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل. فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، و نقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك)).
وقال البقاعي: ((لا إله إلا الله ، أي انتفي انتفاءً عظيمًا أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علمًا إذا كان نافعًا، وإنما يكون نافعًا إذا كان الإذعان والعمل بما يقتضيه، وإلا فهو جهل صرف)).
وقال الوزير أبو المظفر السمعاني في ((الإفصاح)): ((قوله شهادة أن لا إله إلا الله)) يقتضي أن يكون الشاهد عالمًا بأن لا إله إلا الله، كما قال الله عز وجل {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ}[محمد:19]، وينبغي أن يكون الناطق بها شاهدًا فيها، فقد قال الله عز وجل ما أوضح به أن الشاهد بالحق إذا لم يكن عالمًا بما شهد به، فإنه غير بالغ من الصدق به مع من شهد من ذلك بما يعلمه، في قوله تعالى: {إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[الزخرف: 86].
قال: واسم الله تعالى مرتفع بعد ((إلا)) من حيث إنه الواجب له الإلهية، فلا يستحقها غيره سبحانه.(1/47)
قال: واقتضى الإقرار بها أن تعلم أن كل ما فيه أمارة للحدث، فإنه لا يكون إلهًا، فإذا قلت: لا إله إلا الله، فقد اشتمل نطقك هذا على أن ما سوى الله ليس بإله، فيلزمك إفراده سبحانه بذلك وحده.
قال: وجملة الفائدة في ذلك أن تعلم أن هذه الكلمة هي مشتملة على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، فإنك لمَّا نفيت الإلهية وأثبتَّ الإيجاب لله سبحانه، كنت ممن كفر بالطاغوت وآمن بالله)) (6).
4- التوحيد سببٌ لدخول العبد الجنة ونجاته من النار:
عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبد الله ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)) (7).
وفي حديث عتبان قال صلى الله عليه وسلم : ((فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)) (8) .
((اعلم أنه قد وردت أحاديث ظاهرها أنه من أتى بالشهادتين حرم على النار كهذا الحديث وغيره من الأحاديث...
وأحسن ما قيل في معناه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: إن هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها كما جاءت مقيدة، وقالها خالصًا من قلبه مستيقنًا بها قلبه، غير شاك فيها بصدق ويقين.
فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة، فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصًا من قلبه؛ دخل الجنة؛ لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى؛ بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحًا، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك)) (9) .
((والحاصل أن ((لا إله إلا الله)) سبب لدخول الجنة، والنجاة من النار، ومقتضي لذلك، ولكن المقتضى لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه، أو لوجود مانع .
ولهذا قيل للحسن: إن ناسًا يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.(1/48)
وقال وهب بن منبه لمن سأله : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان؛ فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح(10))).
5- التوحيد سببٌ للأمن والسعادة في الدنيا والآخرة:
قال تعالى: {الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 81].
قال السعدي: {الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا} أي يخلطوا {إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} الأمن من المخاوف، والعذاب والشقاء، والهداية إلى الصراط المستقيم فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقًا، لا بشرك ولا بمعاصى، حصل لهم الأمن التام، والهداية التامة وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها.
ومفهوم الآية الكريمة، أن الذين لم يحصل لهم الأمران، لم يحصل لهم هداية، ولا أمن بل حظهم الضلال والشقاء(11).
6- خطورة الشرك الذي هو ضد التوحيد، فوجب الاهتمام بالتوحيد حتى لا يقع الإنسان في الشرك:
قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48].
قال ابن كثير: ((أخبر تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به، أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به، ويغفر ما دون ذلك، أي من الذنوب لمن يشاء من عباده)) (12) .
((فتبين بهذا أن الشرك أعظم الذنوب. لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره، أي إلا بالتوبة منه، وما عداه، فهو داخل تحت مشيئة الله، إن شاء غفره بلا توبة، وإن شاء عذب به.(1/49)
وهذا يوجب للعبد شدة الخوف من هذا الذنب، الذي هذا شأنه عند الله وإنما كان كذلك؛ لأنه أقبح القبح وأظلم الظلم؛ إذ مضمونه تنقيص رب العالمين، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به، كما قال تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]ولأنه مناقض للمقصود بالخلق والأمر، مناف له من كل وجه، وذلك غاية المعاندة لرب العالمين، والاستكبار عن طاعته والذل له، والانقياد لأوامره، الذي لا صلاح للعالم إلا بذلك، فمتى خلا منه خرب وقامت القيامة، كما قال صلى الله عليه وسلم : ((لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله)) رواه مسلم .
ولأن الشرك تشبيه للمخلوق بالخالق تعالى وتقدس في خصائص الإلهية؛ من مِلك الضر والنفع والعطاء والمنع، الذي يوجب تعلق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل وأنواع العبادة كلها بالله وحده.
فمن علق ذلك لمخلوق فقد شبهه بالخالق، وجعل من لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولاحياة ولا نشورًا فضلاً عن غيره شبيهًا بمن له الخلق كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله. فأزمة الأمور كلها بيديه سبحانه، ومرجعها إليه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، الذي إذا فتح للناس رحمة، فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وهو العزيز الحكيم.(1/50)
فأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقير بالذات، بالقادر الغني بالذات، ومن خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده والتعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء والإنابة والتوكل والتوبة والاستعانة وغاية الحب مع غاية الذل، كل ذلك يجب عقلاً وشرعًا وفطرة أن يكون لله وحده، ويمتنع عقلاً وشرعًا وفطرة أن يكون لغيره، فمن فعل شيئًا من ذلك لغيره، فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا مثل له ولا ند له، وذلك أقبح التشبيه وأبطله، فلهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه أنه لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة، هذا معنى كلام ابن القيم)) (13) .
وقد خشي نبي الله إبراهيم الشرك ودعى ربه أن يجنبه إياه فقال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:35].
((وإنما دعا إبراهيم عليه السلام بذلك... لأن كثيرًا من الناس افتتنوا بها ... فخاف من ذلك ودعا الله أن يعافيه وبنيه من عبادتها، فإذا كان إبراهيم عليه السلام يسأل الله أن يجنبه ويجنب بنيه عبادة الأصنام، فما ظنك بغيره؟!
كما قال إبراهيم التيمي: ((ومن يأمن من البلاء بعد إبراهيم؟ ))رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وهذا يوجب للقلب الحي أن يخاف من الشرك، لا كما يقول الجهال: إن الشرك لا يقع في هذه الأمة، ولهذا أمنوا الشرك فوقعوا فيه)) (14).
7- مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى توحيد الله وحده لا شريك له وأوذي وعودي على أن يترك الدعوة إلى التوحيد، فماكان منه إلا أن قال: والله لو
8- القرآن من أوله إلى آخره دعوةٌ إلى التوحيد:
يقول ابن القيم: ((إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري.(1/51)
وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع كل ما يُعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي.
وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته ونهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحل بهم في العقبي من العذاب، فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد.
فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم)) (15)
9- كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه -رضي الله عنهم- على التوحيد منذ الصغر:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف)) (16) .
10- كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن يبدءوا دعوتهم للناس بالتوحيد:
فقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن، قال: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله)) (17) وفي رواية: ((إلى أن يوحدوا الله)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمة: ((وقد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم ، و أتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام، وأول ما يؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله)) (18).
11- أن شرك مشركي زماننا أشد من شرك أهل الجاهلية الأولى.
…قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتابه ((القواعد الأربع)) :
…((القاعدة الرابعة: أن مشركي زماننا أغلظ شركًا من الأولين؛ لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة)) (19) .(1/52)
ويقول صاحب ((تيسير العزيز الحميد)) : بعد أن وصف ما كان عليه أهل الجاهلية الأولى من الشرك وأنهم كانوا يشركون في الرخاء، فإذا كانوا في الشدة دعوا الله مخلصين { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65].
قال: فهذه حال المشركين الأولين. وأما عباد القبور اليوم فلا إله إلا الله، كم ذا بينهم وبين المشركين الأولين من التفاوت العظيم في الشرك، فإنهم إذا أصابتهم الشدائد برًا وبحرًا أخلصوا لآلهتهم وأوثانهم التي يدعونها من دون الله، وأكثرهم قد اتخذ ذكر إلهه وشيخه ديدنه وهجيراه، إن قام وإن قعد وإن عثر. هذا يقول: يا علي، وهذا يقول: يا عبد القادر، وهذا يقول: يا بن علوان، وهذا يدعو البدوي، وهذا يدعو العيدروس.
وبالجملة ففي كل بلد في الغالب أناس يدعونهم ويسألونهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات بل بلغ الأمر إلى أن سألوهم مغفرة الذنوب، وترجيح الميزان، ودخول الجنة و النجاة من النار، والتثبيت عند الموت والسؤال، وغير ذلك من أنواع المطالب التي لا تطلب إلا من الله.
وقد يسألون ذلك من أناس يدعون الولاية، و ينصبون أنفسهم لهذه الأمور وغيرها من أنواع النفع والضر التي هي خواص الإلهية، ويلفقون لهم من الأكاذيب في ذلك عجائب منها أنهم يدعون أنهم يخلصون من التجأ إليهم ولاذ بحماهم من النار والعذاب، فيقول أحدهم: إنه يقف عند النار، فلا يدع أحدًا ممن يرتجيه ويدعوه يدخلها أو نحو هذا، وقد قال تعالى لسيد المرسلين صلى الله عليه وعليهم أجمعين: { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ} [الزمر: 19] فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقدر على تخليص أحد من النار، فكيف بغيره، بل كيف بمن يدعي نفسه أنه هو يفعل ذلك؟(1/53)
ومنها أن أكثرهم يلفق حكايات في أن بعض الناس استغاث بفلان فأغاثه، أو دعا الولي الفلاني فأجابه، أو في كربة ففرج عنه، وعند عباد القبور من ذلك شيء كثير، من جنس ما عند عباد الأصنام، الذين استولت عليهم الشياطين، ولعبوا بهم لعب الصبيان بالكرة.
ويوجد شيء من ذلك في أشعار المادحين لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، الذين جاوزوا الحد في مدحه صلى الله عليه وسلم و عصوه في نهيه من الغلو فيه، وإطرائه كما أطرت النصارى ابن مريم، وصار حظهم منه صلى الله عليه وسلم هو مدحه بالأشعار والقصائد، والغلو الزائد، مع عصيانهم له في أمره ونهيه؛ فتجد هذا النوع من أعصى الخلق له صلوات الله عليه وسلامه.
ويقع من ذلك كثير في مدح غيره، فإن عباد القبور لا يقتصرون على بعض من يعتقدون فيه الضر والنفع، بل كل من ظنوا فيه ذلك بالغوا في مدحه وأنزلوه منزلة الربوبية، وصرفوا له خالص العبودية، حتى إنهم إذا جاءهم رجل وادعى أنه رأى رؤيا مضمونها أنه دفن في المحل الفلاني رجل صالح، وبادروا إلى المحل وبنوا عليه قبة وزخرفوها بأنواع الزخارف، وعبدوها بأنواع من العبادات.
وأما القبور المعروفة أو المتوهمة، فأفعالهم معها وعندها لا يمكن حصره ، فكثير منهم إذا رأوا القباب التي يقصدونها كشفوا الرءوس فنزلوا عن الأكوار، فإذا أتوها طافوا بها واستلموا أركانها، وتمسحوا بها، وصلوا عندها ركعتين، وحلقوا عندها الرءوس ووقفوا باكين متذللين متضرعين سائلين مطلبهم، وهذا هو الحج.
وكثير منهم يسجدون لها إذا رأوها، ويعفرون وجوههم في التراب تعظيما لها، وخضوعا لمن فيها، فإن كان للإنسان منهم حاجة من شفاء مريض أو غير ذلك، نادى صاحب القبر، يا سيدي فلان جئتك قاصدا من مكان بعيد، لا تخيبني .(1/54)
وكذلك إذا قحط المطر، أو عقرت المرأة عن الولد، أو دهمهم عدو أو جراد، فزعوا إلى صاحب القبر، وبكوا عنده، فإن جرى المقدور بحصول شيء مما يريدون، استبشروا وفرحوا، و نسبوا ذلك إلى صاحب القبر، فإن لم يتيسر شيء من ذلك اعتذروا عن صاحب القبر بأنه إما غائب في مكان آخر، أو ساخط لبعض أعمالهم، أو أن اعتقادهم في الولي ضعيف، أو أنهم لم يعطوه نذره، ونحو هذه الخرافات .
ومن بعض أشعار المادحين لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم قول البوصيري:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلى باسم منتقم
فإن لي ذمة منه بتسميتي محمدًا وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم يكن في معادي آخذا بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
فتأمل ما في هذه الأبيات من الشرك.
منها: أنه نفى أن يكون له ملاذًا إذا حلت به الحوادث، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو.
الثاني: أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله، وذلك هو الشرك في الإلهية.
الثالث: سؤاله منه أن يشفع له في قوله: ولن يضيق رسول الله ... البيت
…وهذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوه، وهو الجاه و الشفاعة عند الله، وذلك هو الشرك، أيضا فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله، فلا معنى لطلبها من غيره، فإن الله تعالى هو الذي يأذن للشافع أن يشفع؛ لأن الشافع يشفع ابتداء.
الرابع : قوله: فإن لي ذمة... إلى آخره.
…كذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فليس بينه وبين من اسمه محمد ذمة إلا بالطاعة ، لا بمجرد الإشراك في الاسم مع الشرك.
الخامس: قوله: إن لم يكن في معادي ... البيت
…تناقض عظيم وشرك ظاهر، فإنه طلب أولاً أن لا يضيق به جاهه، ثم طلب هنا أن يأخذ بيده فضلاً وإحسانًا، وإلا فيا هلاكه.(1/55)
…فيقال: كيف طلبت منه هنا أن يتفضل عليك، فإن كنت تقول: إن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله، فكيف تدعو النبي صلى الله عليه وسلم و ترجوه وتسأله الشفاعة؟ فهلا سألتها من له الشفاعة جميعًا الذي له ملك السموات والأرض الذي لا تكون الشفاعة إلا من بعد إذنه، فهذا يبطل عليك طلب الشفاعة من غير الله.
…وإن قلتَ ما أريد إلا جاهه وشفاعته بإذن الله.
…قيل : فكيف سألته أن يتفضل عليك ويأخذ بيدك في يوم الدين، فهذا مضاد لقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ} [الانفطار: 17-19] فكيف يجتمع في قلب عبد الإيمان بهذا وهذا.
…وإن قلت : سألته أن يأخذ بيدي، ويتفضل علي بجاهه وشفاعته.
…قيل: عاد الأمر إلى طلب الشفاعة من غير الله، وذلك هو محض الشرك.
السادس: في هذه الأبيات من التبري من الخالق - تعالى وتقدس. الاعتماد على الملخوق في حوادث الدنيا والآخرة ما لا يخفى على مؤمن(20) .
12- انتشار أهل البدع التي قد تقدح في التوحيد أوفي كماله ونشاطهم في دعوتهم.
…ومن هذه البدع بدعة الروافض، والمعتزلة، والأشاعرة وهي منتشرة اليوم ولها مصادرها التي تمولها و تشجعها وتساندها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والرافضة كفرَّت أبا بكر وعمر وعثمان وعامة المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفروا جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المتقدمين والمتأخرين...(1/56)
ويكفرون أعلام الملة ... ويستحلون دماء من خرج عنهم، ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور ... ويرون أن كفرهم أغلظ من كفر اليهود والنصارى؛ لأن أولئك عندهم كفار أصليون، وهؤلاء مرتدون، وكفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي... ولهذا السبب يعاونون الكفار على الجمهور من المسلمين... فهم أشد ضررًا على الدين وأهله، وأبعد عن شرائع الإسلام من الخوارج الحروية، ولهذا كانوا أكذب فرق الأمة... وقد أشبهوا اليهود في أمور كثيرة، لا سيما السامرة من اليهود... ويشبهون النصارى في في الغلو في البشر والعبادات المبتدعة، وفي الشرك وغير ذلك))(21).
ولعل قائلٌ يقول: وأين أولئك النفر من الروافض، الذين حكي معتقدهم شيخ الإسلام ابن تيمية اليوم، فأقول: اقرأ أخا التوحيد حتى لا تخدع، وإليك البيان:
جاء في ((الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة)): ((الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، من معتقداتهم: يعتقدون بوجود مصحف لديهم اسمه مصحف فاطمة : ويروى الكليني في كتابه ((الكافي)) في صفحة 57 طبعة 1278هـ عن أبي بصير - أي جعفر الصادق-: ((وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، قال: قلت : و ما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه حرف واحد من قرآنكم)) .
البراءة: إنهم يتبرءون من الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان وينعتونهم بأقبح الصفات لأنهم - كما يزعمون- اغتصبوا الخلافة دون علي الذي هو أحق منهم بها، كما يبدءون بلعن أبي بكر وعمر بدل التسمية في كل أمر ذي بال، وهم ينالون كذلك من كثير من الصحابة باللعن.
ولا يتورعون عن نيل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالطعن واللعن.
المغالاة: بعضهم غالي في شخصية على رضي الله عنه، والمغالون من الشيعة رفعوه إلى مرتبة الألوهية كالسبئية، وبعضهم قالوا بأن جبريل قد أخطأ في الرسالة؛ فنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، بدلاً من أن ينزل على علي(22).(1/57)
قلت: هذا أخا العقيدة بعض معتقداتهم الضالة الباطلة التي تقشعر منها الأبدان.
أما مناطق نفوذهم وانتشارهم:
فـ ((تنتشر فرقة ((الإثنا عشرية)) من الإمامية الشيعة الآن في إيران وترتكز فيها، ومنهم عدد كبير في العراق، ويمتد وجودهم إلى باكستان، كما أن لهم طائفة في لبنان، أما في سوريا فهناك طائفة قليلة منهم، لكنهم على صلة وثيقة بالنصيرية الذين هم من غلاة الشيعة)) (23) .
((وهم يتطلعون إلى نشر مذهبهم ليعم العالم الإسلامي)) (24).
أما المعتزلة فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
((وأما المعتزلة فهم ينفون الصفات، ويقاربون قول جهم، لكنهم ينفون القدر، فهم وإن عظموا الأمر والنهي، والوعد والوعيد وغلوا فيه، فهم يكذبون بالقدر، ففيهم نوع من الشرك من هذا الباب، والإقرار بالأمر والنهي والوعد والوعيد مع إنكار القدر خير من الإقرار بالقدر مع إنكار الأمر والنهي والوعد والوعيد... فهؤلاء المتصفون الذين يشهدون الحقيقة الكونية مع إعراضهم عن الأمر والنهي شر من القدرية المعتزلة ونحوهم، أولئك يشبهون المجوس، وهؤلاء يشبهون المشركين)) (25).
ويقول رحمه الله: ((المشهور من مذهب الإمام أحمد، وعامة أئمة السنة تكفير الجهمية؛ وهم المعطلة لصفات الرحمن، فإن قولهم صريح في مناقضة ما جاءت به الرسل من الكتاب، وحقيقة قولهم جحود الصانع، ففيه جحود الرب وجحود ما أخبر به عن نفسه على لسان رسله؛ ولهذا قال عبدالله بن المبارك: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية.
وقال غير واحد من الأئمة : إنهم أكفر من اليهود والنصارى؛ يعنون من هذا الجهمية، ولهذا كفروا من يقول: إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة، وإن الله ليس على العرش، وإن الله ليس له علم، ولا قدرة، ولا رحمة، ولاغضب، ونحو ذلك من صفاته)) (26) .(1/58)
قلت: لا يهو لنك الأمر أخا العقيدة، وكأني بك تقول: وأين من يعتقد مذهب المعتزلة اليوم ويدين بدينهم، وكأني بك تقول: إنها فرقةٌ بائدة مندثرة.
أقول لك: رويدك حتى تقرأ ما سأنقله لك:
جاء في ((الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة)):
((الإباضية فرقةٌ... من فرق الخوارج... )) (27).
((من أفكارهم ومعتقداتهم:
- لا يقولون برؤية الله تعالى في الآخرة.
- يؤولون بعض مسائل الآخرة تأويلاً مجازيًا كالميزان والصراط.
- صفات الله ليست زائدة على ذات الله، ولكنها هي عين الذات.
- القرآن لديهم مخلوق.
- مرتكب الكبيرة كافر، ولا يمكن في حال معصيته وإصراره عليها- أن يدخل الجنة إذا لم يتب منها)) (28) .
هذه بعض معتقداتهم الباطلة فقارنها بما ذكر شيخ الإسلام من عقائد المعتزلة ... و أنت الحكم.
أما عن تواجدهم وأما كن نفوذهم: فقد ((كانت لهم صولة وجولة في جنوبي الجزيرة العربية، حتى وصلوا إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، أما في الشمال الأفريقي فقد كانت لهم دولة عرفت باسم ((الدولة الرستمية)) وعاصمتها تاهرت.
لقد حكموا الشمال الأفريقي حكمًا متصلاً مستقلاً زهاء مائة وثلاثين سنة حتى أزالهم الفاطميون.
- لقد قامت للإباضية دولة مستقلة في عمان، وتعاقب على الحكم فيها إلى العصر الحديث أئمة إباضيون.
من حواضرهم التاريخيه جبل نفوسة بليبيا؛ إذ كان معقلاً لهم، ينشرون منه المذهب الإباضي، ومنه يديرون شئون الفرقة الإباضية.
ما يزال لهم وجود إلى وقتنا الحاضر، في كل من: عُمان وحضرموت واليمن وليبيا وتونس و الجزائر، وفي واحات الصحراء الغربية)) (29) .
ها هي المعتقدات وها هي الدعوات لها أعوان وأنصار فأين أنتم يا أنصار التوحيد، وأين الاجتهاد في نصر معتقد أهل السنة والتوحيد.
أما الأشاعرة، وهم منتشرون في كثير من أنحاء العالم الإسلامي وجامعاته.(1/59)
((عرف كثير من الأشعرية كلة (إله) بأنه القادر على الاختراع، فمن ذلك ما نسبه البغدادي إلى أبي الحسن الأشعري فقال: ((واختلف أصحابنا في معنى الإله: فمنهم من قال إنه مشتق من الإلهية، وهي قدرته على اختراع الأعيان، وهو اختيار أبي الحسن الأشعري))(30) .
قارن تعريفهم هذا بكلام أهل السنة في تعريف (الإله):
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الإله هو المعبود المطاع.
وقال ابن القيم : الإله هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وإنابة وإكرامًا وتعظيمًا وذلاً وخضوعًا وخوفًا ورجاءً وتوكلاً.
والجواب عن تعريف الأشاعرة للإله أن يقال:
لو كان معنى الإله: القادر على الاختراع كان معنى لا إله إلا الله ولا قادر على الاختراع إلا هو، وهذا المعنى كان يقول به المشركون، ولذلك يحتج الله عليهم بمعرفتهم هذه بقوله {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] أي تعلمون أنه لا رب لكم غيره، كما نُقل ذلك عن جمع من المفسرين.
وقال عز وجل
فلو كان المعنى ما ذكره هؤلاء المتكلمون لما استقام الإنكار على المشركين الذين يقرون بأن الله هو خالقهم وخالق كل شيء، وإنما كان شركهم في الألوهية.
ويقال أيضًا ردًا على تعريفهم هذا: إن هذا القول غير معروف عند أهل اللغة، ولذلك لم يحتج من قال بهذا القول بشاهد من شواهد لغة العرب ولا بنقل إمام معتبر من أئمة اللغة.
وقال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب بعد أن ذكر أقوال أهل السنة في معنى الإله: ((وهو إجماع منهم أن الإله هو المعبود، خلافًا لما يعتقده عباد القبور وأشباههم في معنى الإله أنه الخالق أو القادر على الاختراع أو نحو هذه العبارات ويظنون أنهم إذا قالوها بهذا المعنى فقد أتوا من التوحيد بالغاية القصوى، ولو فعلوا ما فعلوا من عبادة غير الله، كدعاء الأموات، والاستغاثة بهم في الكربات)).(1/60)
ويمضى الشيخ فيبين أن مشركي قريش قد فهموا معنى كلمة (إله) على أنه لا معبود بحق إلا الله، ويرد على أولئك الذين زعموا أن معناها لا خالق إلا الله أو لا قادر على الاختراع إلا الله: ((لو كان معناها ما زعمه هؤلاء الجهال، لم يكنى بين الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبينهم نزاع، بل كانوا يبادرون إلى إجابته ويلبون دعوته إذ يقول لهم: قولوا: لا إله إلا الله، بمعنى أنه لا قادر على الاختراع إلا الله، فكانوا يقولون: سمعنا وأطعنا قال الله تعالى {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[الزخرف:9] {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ} [يونس: 32] إلى غير ذلك من الآيات
لكن القوم أهل اللسان العربي فعلوا أنها تهدم عليهم دعاء الأموات والأصنام من الأساس، تكسب بناء سؤال الشفاعة من غير الله، وصرف الإلهية لغيره لأم الرأس، فقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ}[يونس: 19] ))(31).
فقارن بين معنى (الإله) عند الأشاعرة ومعناه عند السلف الأبرار، وما يلزم من تعريفهم من أن ((لا إله إلا الله)) ، فلا يصلح تعريفهم هذا للاعتراض على عباد القبور والمشركين في الألوهية.
وأول واجبٌ على المكلف عند أهل السنة هو إفراد الله بالعبادة المتضمن إفراده سبحانه بالخلق والرزق والتدبير.
((أما الأشاعرة فقد اختلفت عباراتهم في أول واجب على المكلف بعد أن اتفقوا على أن الأمر بعبادته ليس أول واجب
فحكى الأشاعرة عن الأشعري القول بأن أول واجب على المكلف هو المعرفة(32) والمعرفة عندهم معناها معرفة وجود الله وتفرده بخلق العالم.(1/61)
وعند الباقلاني أول واجب: النظر فقال: ((أول ما فرض الله عز وجل على جميع العباد النظر في آياته....))(33)
وأول واجب على المكلف عند الجويني القصد إلى النظر فقال: ((أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ أو الحلم شرعًا، القصد إلى النظر الصحيح... ))(34)
وقال شارح الجوهرة محاولاً الجمع بين هذه الأقوال: ((والأصح أن أول واجب قصدًا: المعرفة، وأول واجب وسيلة قريبة: النظر، ووسيلة بعيدة: القصد إلى النظر))(35)
فقولهم إن أول واجب على الملكف هو النظر الصحيح المفضي إلى معرفة الله يناقض أمرين:
أولهما:أن الإقرار بمعرفة الله أمر مركوز في الفطر.
قال عزوجل {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم: 30]
وقال صلى الله عليه وسلم : ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمحسانه أو ينصرانه))(36)
قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تعريف الفطرة: ((هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها وجعلهم مفطورين عليها وعلى محبة الخير وإيثاره وكراهية الشر ودفعه، وفطرهم حنفاء مستعدين لقبول الخير والإخلاص لله والتقرب إليه))(37)
وأما الأمر الثاني الذي ناقضوه بقولهم هذا فهو أن المعروف بالكتاب والسنة والإجماع أن أول ما يجب على المكلفين هو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وقد تقدم الكلام على ذلك(38) )).
والأشاعرة بيخالفون أهل السنة أيضًا في الإيمان ، والقرآن، والقدر، والصفات، والتحسين والتقبيح، بل وفي مادر التلقي وغيرها كثير.
وإليك البيان:
- مصدر التلقي:
((مصدر التلقي عند الأشاعرة هو العقل وقد صرح الجويني والرازي والبغدادي والغزالي والأمدي والإيجي وابن فورك والسنوسي وشراح الجوهرة، وسائر أئمتهم بتقديم العقل على النقل عند التعارض)) (39)
- الإيمان:(1/62)
الأشاعرة في الإيمان مرجئة جهية أجمعت كتبهم قاطبة على أن الإيمان هو التصديق القلبى، واختلفوا في النطق بالشهادتين أيكفي عنه تصديق القلب أم لا بد منه، قال صاحب الجوهرة:
وفسر الإيمانه بالتصديق…والنطق فيه الخلف بالتحقيق.
... وقد أو لوا كل آية أو حديث ورد فيه زيادة الإيمان ونقصانه أو وصف بعض شعبه بأنها إيمان أو من الإيمان(40) .
وقد أطال شيخ الإسلام -رحمه الله- الرد عليهم بأسمائهم(41) كالأشعري، والباقلاني والجويني وشراح كتبهم وقرر أنهم على مذهب جهم بعينه(42).
القرآن:
ومنهج الأشاعرة فيه -كما في غيره- قائمٌ على التلفيق الذي يسميه الأشاعرة المعاصرون ((التوفيقية)) حيث انتهج التوسط بين أهل السنة والجماعة وبين المعتزلة في كثير من الأصول فتناقض واضطرب.
فمذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة، وسمعه جبريل، وسمعه موسى -عليه السلام- ويسمعه الخلائق يوم القيامة.
ومذهب المعتزلة أنه مخلوق.
أما مذهب الأشاعرة فمن منطلق التوفيقية -التي لم يحالفها التوفيق- فرقوا بين المعنى واللفظ فالكلام الذي يثبتونه لله تعالى هو معنى أزلي أبدي قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالخبر ولا الإنشاء.
أما الكتب المنزلة ذات الترتيب والنظم والحروف -ومنها القرآن- فليست هي كلامه تعالى على الحقيقة بل هي عبارة عن كلام الله النفسي شيء واحد في ذاته لكن إذا جاء التعبير عنه بالعبرانية فهو توراة وإن جاء بالسريانية فهو إنجيل، وإن جاء بالعربية فهو قرآن، فهذه الكتب كلها مخلوقة ووصفها بأنها كلام الله مجازًا لانها تعبيرٌ عنه.(1/63)
واختلفوا في القرآن خاصة فقال بعضهم: ((إن الله خلقه أولاً في اللوح المحفوظ ثم أنزله في صحائف إلى سماء الدنيا)) فكان جبريل يقرأ هذا الكلام المخلوق ويبلغه لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقال آخرون: إن الله أفهم جبريل كلامه النفسي وأفهمه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم فالنزول نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال -لأنهم ينكرون علو الله ثم اختلفوا في الذي عبر عن الكلام النفسي بهذا اللفظ والنظم العربي من هو؟ فقال بعضهم: هو جبريل، وقال بعضهم: بل هو محمد صلى الله عليه وسلم واستدلوا بمثل قوله تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} في سورتي الحاقة والإنشقاق حيث أضافه في الأولى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وفي الأخرى إلى جبريل بأن اللفظ لأحد الرسولين ((جبريل أو محمد)) وقد صرح الباقلاني بالأول وتابعه الجويني.
قال شيخ الإسلام: ((وفي إضافته تعالى إلى هذا الرسل تارة وإلى هذا تارة دليل على أنه إضافة بلاغ وأداء لا إضافة إحداث لشيء منه وإنشاء كما يقول بعض المبتدعة الأشعرية من أن حروفه ابتداء من جبريل أو محمد مضاهاة في نصف قولهم لمن قال أنه قول البشر من مشركين العرب))(43) .
القدر:
أراد الأشاعرة هنا أن يوفقوا بين الجبرية والقدرية فجاءوا بنظرية الكسب وهي في مالها جبرية خالصة لأنها تنفي أي قدرة للعبد أو تأثير ما حقيقتها النظرية الفلسفية فقد عجز الأشاعرة أنفسهم عن فهمها فضلاً عن إفهامها لغيرهم ولهذا قيل:
مما يقال ولا حقيقة تحته ……معقولة تدنوا إلى الأفهام
الكسب عند الأشعري والحال…عند البهشمي وطغرة النظام(44).
الصفات:
مسالة الصفات من أعظم المسائل التي خالف فيها الأشاعرة أهل السنة والجماعة، ومنهجهم في هذا الباب مضطرب، وهم متفاوتون فيه متقدميهم ومتأخريهم.
يقول اللقاني في الجوهرة:
وكل نص أوهم التشبيها……أوله أو فوض ورم تنزيها
يقول البيجوري في شرحه:(1/64)
(((أوله) أي إجمله على خلاف ظاهره مع بيان المعنى المراد، فالمراد: أوله تأويلاً تفصيليًا بأن يكون فيه بيان المعنى المراد كما هو مذهب الخلف: وهم من كانوا بعد الخمسمائة، وقيل من بعد القرون الثلاثة.
وقوله: (أوفوض) أي بعد التأويل الإجمالي الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، فبعد هذا التأويل فوض المراد من النص الموهم إليه تعالى على طريقة السلف(45)
يقول: وطريقة الخلف أعلم وأحكم، لما فيها من مزيد الإيضاح والرد على الخصوم، وهي الأرجح، ولذلك قدمها الناظم، وطريقة السلف أسلم: لما فيها من السلامات من تعيين معنى(46) قد يكون غير مراد))(47).
التحسين والتقبيح:
ينكر الأشاعرة أن يكون للعقل والفطرة أي دور في الحكم على الأشياء بالحسن والقبح، ويقولون مرد ذلك إلى الشرع وحده، وهذا رد فعل مغال: لقول البراهمة والمعتزلة أن العقل يوجب حسن الحسن وقبح القبيح، وهو مع منافقاته للنصوص مكابرة للعقول(48) .
هذه بعض المسائل التي خالف فيها الأشاعرة أهل السنة والجماعة وهي بعضٌ من كل(49)
فليت شعري ماذا يقول المزهدون في دراسة التوحيد، والزهدون في بيان بطلان عقائد الفرق المخالفة لمنهج السلف.
13- وجود من يزهد في دراسة التوحيد أو في بعض مسائل التوحيد:
وهذا أمرٌ خطير فتجد بعض الناس يقول دعوكم من أمور الأسماء والصفات، واهتموا بالمذاهب الكفرية المعاصرة من علمانية وشيوعية.
وتجد آخر يقول: نريدأن نقاتل اليهود أولاً، ثم ادرسوا ما شئتم من أمور العقيدة.
وثالث يقول: أنتم تشغلون الناس بأمور تفرق بينهم وتوقع العداوة والبغضاء.
ونحن نقول: بل نحن على دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم ، حيث أمره ربه أن يوضح سبيله وسبيل من اتبعه من المؤمنين: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [ ].
فاثبت أخا التوحيد على نهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام،
وليكن أول ماتدعو إليه الناس ((أن يوحدوا الله)).(1/65)
وإليكم مثال من كلام أولئك المزهدين، كتب بعض الأفاضل تحت عنان: ((إهالة التراب على المشكلات التاريخية، قال: ((نُريد من الفكر الجديد أن يهيل التراب على المشكلات التاريخية التي شغلت الفكر الإسلامي في وقت من الأوقات، وبددت طاقته في غير طائل ؛ مشكلة الذات والصفات، هل الصفات عين الذات أو غيرها؟ أوهي لا عين ولا غير؟
- مشكلة خلق القرآن، ما ترتب عليها من محنة لأئمة الإسلام.
- المبالغة في الكلام حول التأويل وعدمه بين السلف والخلف، والطعن على الأشاعرة والماتريدية ومن وافقهم على نهجهم.
كل هذا لا ينبغي أن يكون مشغلة الفكر الذي نعده للمرحلة القادمة؛ ليواجه الصهيونية والصلبية والماركسية، والفلسفات الهدامة القادمة من الغرب والشرق)) (50).
14- وجود خلل في فهم التوحيد وقصره على بعض أجزائه:
بعض الدعاة الذين يدعون إلى دين الله عز وجل، تتوجه عنايتهم بدراسة نوع معين من أقسام التوحيد، ويعتنون به أشد العناية على حساب أقسام التوحيد الأخرى.
بل وصل الأمر ببعض أولئك أنهم إذا وجدوا أحدًا يتكلم في بعض المسائل المتعلقة بالتوحيد - ولكنها ليست من تلك المسائل التي يهتمون بها ويتكلمون فيها- عابوا على ذلك المتكلم، وقد ينكرون عليه.
فمثلاً هناك من يهتم بتوحيد الأسماء والصفات، وما يتفرع عنه من الحديث عن الفرق المنحرفة، ويهمل بقية أنواع التوحيد.
وآخرون يهتمون ببعض توحيد الألوهية كالذبح لغير الله، أو دعاء الأموات والنذر لهم، والرياء، والحلف بغير الله، ونحوه، أماما عداه فلا يهتمون به، ولا يكاد يذكر عندهم، وإن ذكر فلا يعيره اهتمامه .
ومن تلك الأقسام التي يهملونها وجوب الخضوع لذي الجلال والإكرام، والتحاكم إلى شريعة الله، وما يترتب على ترك الحكم بما أنزل الله من عبادة الطاغوت .(1/66)
وقسمٌ ثالث يقصرون التوحيد على إفراد الله بالحكم، ووجوب التحاكم إليه وحده، ويحذرون من الطواغيت والأرباب من دون الله، ولا يعنون ببقية أقسام التوحيد؛ من شرك الأموات، والحديث عن الفرق الضالة وانحرافها، وكذلك لا يعنون بتوحيد الأسماء والصفات .
وأزيد الأمر وضوحًا وأفصِّل فيه؛ لخطورة هذه المسألة وانتشارها بين كثير من الدعاة والهداة.
فمثلاً في بعض البلاد الإسلامية، وفي بعض المناطق، إذا تحدث أحد أو ألف فيما يتعلق بالبناء على القبور، وحكم من استغاث بغير الله أو نذر لغير الله قيل له : إن هذا يتحدث في أمور ذوقية. فإن تحدث متحدث عن الفرق وضلالها قالوا إنك تبث الفُرقة والخلاف.
أما إن تحدث عن وجوب تحكيم شريعة الله ونبذ ما سواها، قالوا: هذا يتكلم عن التوحيد، أما يعرفون أن من تحكيم شرع الله خضوع الإنسان في عبادته وحياته كلها لله سبحانه.
وآخرون: يصفون من يتحدث عن الأسماء والصفات، وخطورة الفرق على الأمة بأنه من دعاة التوحيد ومهتم بالتوحيد فضاف غيرها.
والخلاصة: أنك تجد كل فريق قد أخذ بقسم من أقسام التوحيد، وقصر التوحيد عليه، وفسره به ، وأخرج عنه ما عداه .
أو صرف اهتمامه إلى جزء معين من أقسام التوحيد، وأهمل بقية أقسامه .
والمطلوب: هو فهمٌ شمولي للتوحيد؛ يهتم بجميع مسائله وأقسامه.
وقد سقت لكم آنفًا شيئًا من كلام أئمتنا في وجوب الإهتمام بكل قسم من أقسام التوحيد وأزيد هنا:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ((إن حقيقة التوحيد أن نعبد الله وحده، فلا يُدعى إلا هو ، ولا يخشى إلا هو ولا يتقى إلا هو ولا يُتوكل إلا عليه، ولا يكون الدين إلا له، لا لأحد من الخلق، وأن لا نتخذ الملائكة والنبيين أربابًا، فكيف بالأئمة والشيوخ والعلماء والملوك وغيرهم)) (51).(1/67)
وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في وصيةٍ له: ((فالله يا إخواني، تمسكوا بأصل دينكم، وأوله وآخره، وأسُهِ، ورأسه؛ شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناها، وأحبوها، وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين عنكم، واكفروا بالطواغيت، وعادوهم، وأبغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم أو لم يكفرهم، أو قال: ما علي منهم، أو قال: ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى، فقد كلفه الله تعالى بهم، وافترض عليه الكفر بهم، والبراءة منهم، ولو كانوا إخوانهم وأولادهم.
فالله الله تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئًا، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين)) (52).
ويقول الشيخ عبدالعزيز بن باز (( رحمه الله)) : ((والعبودية لله وحده، والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله.
فالله سبحانه وتعالى هو رب الناس وإلههم، وهو الذي خلقهم، وهو الذي يأمرهم وينهاهم ويحييهم ويميتهم، ويحاسبهم ويجازيهم، وهو المستحق للعبادة دون كل ما سواه، قال تعالى {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}[الأعراف:54] فكما أنه الخالق وحده، فهو الآمر سبحانه، والواجب طاعة أمره)) (53).
وقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله يفهمون التوحيد فهمًا شاملاً متكاملاً، وصنفوا وتكلموا في كل الأقسام والأنواع.
فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية ((رحمه الله)) نجده في كتبه وفتاويه يؤكد وجوب التمسك بتوحيد الله عز وجل، والبعد عن الشرك، ووجوب التزام منهج السلف في الصفات، و يرد على الصوفية والمعتزلة والأشاعرة، ويتكلم عن التتار والمغول وتبديلهم شرع الله وما جاءوا به من أنظمة وياسق ونحوها، ووجوب تحكيم شريعة الله.
وهذا ابن القيم في كتابه ((مدارج السالكين)) يقول: ((الاعتراض على الله على ثلاثة أنواع سارية بين الناس
1- الاعتراض على أسمائه وصفاته بالشُبه الباطلة.
2- الاعتراض على شرعه وأمره.(1/68)
3- الاعتراض على أفعاله وقضائه وقدره.
ثم يبين كيفية هذا الاعتراض... وكان مما قال تحت القسم الثاني:
((ومنهم أهل الاعتراض بالسياسات الجائرة، التي لأرباب الولايات التي قدموها على حكم الله ورسوله. و حكموا بها بين عباده، وعطلوا لها وبها شرعه وعدله وحدوده .
وقال أصحاب السياسة: إذا تعارضت السياسة والشرع قدمنا السياسة.
فجعلت كل طائفة قبالة دين الله وشرعه طاغوتًا يتحاكمون إليه))(54) . اهـ.
ونجد ابن أبي العز الحنفي في ((شرح العقيدة الطحاوية)) قد بين أنواع التوحيد، ولم يقتصر على نوع دون الآخر .
وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب عقد أبوابًا في جميع أنواع التوحيد في كتابه الفريد ((كتاب التوحيد)) : ومن ذلك:
- باب تفسير التوحيد وشهادة لا إله إلا الله.
- باب ما جاء في الذبح لغير الله.
- باب ما جاء في الغلو في قبور الصالحين يصيرها أو ثانًا.
- باب ما جاء في السحر
- باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات
- باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أربابًا من دون الله.
- باب قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ} [النساء:60].
- باب ما جاء في منكر القدر.
إلى غير ذلك من الأبواب والمسائل التي تكلم عليها في كتابه.
15- ضعف أثر عقيدة التوحيد عند بعض المسلمين.
كل أمر معرفي يجب أن يمر بثلاث دوائر:
الأولى : الدائرة العلمية المعرفية.
الثانية: الوجدان والتفاعل.
الثالثة: العمل والتطبيق.
ولنأخذ مثالاً يوضح ذلك:
رجل جاءه خبر بوفاة عزيز لديه، فإنه يتأثر وينفعل ولو داخليا، ثم يقوم بما يجب عليه تجاه هذا الأمر، من صلاة عليه، وتعزية لأهله، والقيام ببعض حقوقه إن لزم الأمر.(1/69)
فعلمه بالوفاة هو الدائرة الأولى وتأثره وتفاعله هو الدائرة الثانية. وقيامه بما يجب عليه الدائرة الثالثة.
وعلم التوحيد يجب أن يمر بهذه المراحل جميعًا.
فمثلا: يجب أن يعلم أن الله شديد العقاب، ثم يتفاعل مع هذا العلم فيخاف الله، ومن ثم يبتعد عن المعاصي، ويأتي بالأوامر خوفا من عقابه.
وعند التأمل في واقع كثير من المسلمين يجد الإنسان أنه لا ينقصهم العلم المعرفي، فقد تجد الكثير منهم يعرف التوحيد بأقسامه و تفصيلاته، ولكن عندما نبحث في مدى تأثره وجدانيًا لا نلمس أي أثر لذلك، أو قد نجد أثرًا ضعيفًا لا يتناسب مع علمه ومعرفته.
فإذا انتقلنا إلى مرحلة التطبيق والعمل ندرك الخلل الكبير والفرق بين علمه وعمله، وهكذا كان بنو إسرائيل فمعهم علم غزير، ولكنهم لم يتأثروا ولم يعملوا.
ومن خلال ما سبق نستطيع أن نفسر كثيرًا من الظواهر السلبية في حياة بعض المسلمين، فإنه لا ينقصهم العلم المعرفي، ولكن ينقصهم التفاعل والتأثر والعمل.
ولنضرب أمثلة من الواقع: فلو جئت إلى أحد المسلمين وقلت له من يرزقك لأجابك: إنه الله -جل وعلا-.
فإذا سألته: وما دليك؟ أجابك على الفور: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]، وقد يزيد دليلا آخر فيقول: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6].
ثم تأمل حال هذا الإنسان: يكد ليلاً ونهارًا وكأنه خلق لهذه الدنيا، فعبادته ضعيفة، وحقوق الأهل والأقارب مقطوعة، بل وحقوق النفس مضيعة.
ثم قد يقول لك أو لغيرك: إن فلانا يريد أن يقطع رزقي، وأخشى أن أموت من الجوع، ومن لأولادي من بعدي، ونحو هذه العبارات التي تدل على أن علمه المعرفي لم يتحول إلى حقيقة يتعامل معها في وجدانه وسلوكه، وإنما بقي علما معرفيًّا نظريًّا.(1/70)
ومثال آخر: حب الله ورسوله: لا تجد مسلمًا إلا ويقول لك : إنه يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بل إن حبها أغلى لديه من كل محبوب.
ولكن انظر إلى تصرفه ومعاملاته وحياته لا تجد مصداق ذلك، فهو يقدم محبوب نفسه وشهوته على حب الله وأمره؛ ولذلك جاء قوله تعالى يعالج هذه القضية وهذا الخلل بين التصور والسلوك فقال سبحانه: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، وصور هذه الحقيقة الإمام الشافعي فقال:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمرك في القياس شنيع
لو كان حبُّك صادقًا لأطعته إن المحبَّ لمن يحبّ مطيعُ
وقل مثل ذلك في سائر مسائل الاعتقاد، وخصوصا لوازم الأسماء والصفات.
ومن هنا فإنه يجب على العلماء وطلاب العلم العناية بهذه القضية، وخصوصًا من يدرسون التوحيد، فلا يكتفون بتدريسها علما معرفيا نظريا، وإنما يجب أن يعنوا بأن يتفاعل معها المسلم وجدانيا {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2].
وكذلك عليهم أن يولوا جانب التطبيق أهمية قصوى؛ لأن العمل هو الثمرة من العلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ءَامِنُوا} [النساء:136]، {قَالَتِ الأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات:14].(1/71)
وبهذا يتكامل التوحيد ويؤتي ثماره، وهذا معنى قول أبي عبدالرحمن السلمي: ما كنا نتجاز عشر آيات حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل، ولنتأمل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 2،3].
16- جهل كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام بمعنى لا إله إلا الله ومقتضياتها ولوازمها.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: ((ليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه: لا خالق إلا الله، وأن الله رب كل شيء ومليكه، كما كان عباد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون، بل التوحيد يتضمن من محبة الله، والخضوع له، والذل له، وكمال الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال، والمنع والعطاء، والحب والبغض، ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي و الإصرار عليها.
ومن عرف هذا عرف قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))(55) وقوله ((لا يدخل النار من قال لا إله إلا الله))(56) . وما جاء من هذا الضرب من الأحاديث، التي أشكلت على كثير من الناس، حتى ظنها بعضهم منسوخة! وظنها بعضهم قيلت قبل ورود الأوامر والنواهي واستقرار الشرع، وحملها بعضهم على نار المشركين والكفار، وأول بعضهم الدخول بالخلود، وقال: المعنى لا يدخلها خالدًا، ونحو ذلك من التأويلات المستكرهة. فإن النبي صلوات الله وسلامه عليه لم يجعل ذلك حاصلا بمجرد قول اللسان فقط، فإن هذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام؛ لأن المنافقين يقولونها بألسنتهم، وهم تحت الجاحدين لها في الدرك الأسفل من النار.
بل لا بد من قول القلب، وقول اللسان.(1/72)
وقول القلب: يتضمن من معرفتها والتصديق بها، ومعرفة حقيقة ما تضمنته من النفي و الإثبات، ومعرفة حقيقة الألهية المنفية عن غير الله، المختصة به، التي يستحيل ثبوتها لغيره، وقيام هذا المعنى بالقلب علما ومعرفة ويقينا وحالا: ما يوجب تحريم قائلها على النار.
وتأمل حديث البطاقة(57) التي توضع في كفةٍ، ويقابلها تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة و تطيش السجلات، فلا يعذب صاحبها، ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة، .. ولكن السر الذي ثقل بطاقة ذلك الرجل هو أنه حصل له ما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات.
وتأمل أيضًا ما قام بقلب قاتل المائة(58) من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية فجعل ينوء بصدره، ويعالج سكرات الموت؛ لأن ذلك كان أمرًا آخر، وإيمانا آخر، ولذلك أُلحِق بأهل القرية الصالحة.
وقريب من هذا ما قام بقلب البغي(59) التي رأت ذلك الكلب وقد اشتد به العطش، يأكل الثرى - فقام بقلبها ذلك الوقت - مع عدم الآلة، وعدم المعين، وعدم من ترائيه بعملها ما حملها على أن غررت بنفسها في نزول البئر وملء الماء في خفها، ولم تعبأ بتعرضها للتلف وحملها خفها بفيها وهو ملأن حتى أمكنها الرقي من البئر، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذي جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو منه جزاء ولا شكورًا. فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء فغفر لها ))(60).
وقد ورد في ((صحيح مسلم)) قوله صلى الله عليه وسلم : ((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله(61))).(1/73)
يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-: وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه(62) .
ومن هنا نعلم فساد عقيدة المرجئة(63) : الذين يقولون: إن الإيمان هو المعرفة فقط، والكفر هو الجهل فقط، وأخروا العمل عن الإيمان.
ومن المعلوم أن كفار مكة قد علموا مراد النبي صلى الله عليه وسلم من كلمة لا إله إلا الله، فأبوا واستكبروا، ولم يك ينفعهم إيمانهم بأن الله واحد رازق يحيى مميت. ولما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا : لا إله إلا الله قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5].
((فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام، وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب بشيء من المعاني، والحاذق من يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق ولا يحيى ولا يميت ولا يدبر الأمر كله إلا الله، فلا خير في رجل، جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله))(64) .
ويتابع الإمام محمد بن عبدالوهاب رده عليهم فيقول: وهنا شُبهُةٌ: وهي قول من يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال: ((لا إله إلا الله))(65) .
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ((أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله))(66) . وأحاديث أُخر، في الكف عمن قالها؟!.
ومراد هؤلاء الجهلة: أن من قالها لا يكفر، ولا يقتل ولو فعل ما فعل(67).(1/74)
فيقال لهؤلاء المشركين الجهال: معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل اليهود وسباهم، وهم يقولون:((لا إله إلا الله)) ، وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويصلون ويدعون الإسلام، وكذلك الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار(68) .
وهؤلاء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال لا إله إلا الله، وأن من جحد شيئا من أركان الإسلام كفر وقتل ولو قالها.
فكيف لا تنفعه إذا جحد فرعًا من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أصل دين الرسل ورأسه؟!
ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث . فمعلوم أن الرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} [النساء:94] أي فتثبتوا، فدلت الأية على وجوب الكف حتى يتثبت منه، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله تعالى: {فَتَبَيَّنُوا} ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى.
وأيضًا أمره صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج: ((أينما لقيتموهم فاقتلوهم لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)) (69) مع كونهم من أكثر الناس عبادة وتهليلاً وتسبيحًا، حتى إن الصحابة يحقرون صلاتهم عندهم. وقد تعلموا العلم من الصحابة، فلم تنفعهم ((لا إله إلا الله)) ، ولا كثرة العبادة، ولا ادعاء الإسلام؛ لما ظهر منهم مخالفة الشريعة(70).هـ
ويعلم كل ذي لب أنها لو كانت كلمة -مجرد كلمة- لكان أمرها على قريش سهلا فتنطقها، وتتخلص من هذا العناء وتسفيه الآلهة!
ولكنها تعلم أن هذه الكلمة لها مدلولها الذي يغير أوضاع قريش الجاهلية ولها مقتضياتها التي تحطم طغيان قريش واستعبادها للناس.(1/75)
ولها أهميتها في تحرير الناس من عبودية بعضهم لبعض إلى عبودية الواحد القهار، وجعل التقوى هي الميزان والفخار الذي ينشده الناس، وليس العادات والتقاليد الجاهلية التي توارثها الأبناء عن الأباء والأجداد.
فحري بكل مسلم جاد في إسلامه أن يقدر لهذه الكلمة قدرها، حتى يكون ممن عبد الله على بصيرة وعلم ويقين .
17- انتشار كثير من نواقض التوحيد في هذه الأزمان، مع جهل كثير من المسلمين بهذه النواقض.
((إن نواقض الإيمان أعظم الذنوب على الإطلاق. فمن ارتكب ناقضًا من تلك النواقض فقد خرج من الملة، فلا يبقى إيمان مع وجود أحد هذه النواقض، فهي تحبط جميع الطاعات إضافة إلى أن الله تعالى لا يغفر لمن مات عليها، بل صاحبها مخلد في نار جهنم، كما جاء ذلك في كتاب الله تعالى قال عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}[آل عمران: 91] {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[المائدة:5] {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}[محمد:34].
ولما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مسألة التكفير وما يترتب عليها من نتائج وتبعات كان مما قاله:
((اعلم أن مسائل التكفير والتفسيق هي من مسائل الأسماء والأحكام التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة، وتتعلق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمة وغير ذلك في الدار الدنيا، فإن الله سبحانه أوجب الجنة للمؤمنين، وحرم الجنة على الكافرين، وهذا من الأحكام الكلية في كل وقت ومكان)) (71) .(1/76)
ونظرًا لخطورة هذه النواقض، فإنه يتعين علينا العلم بها، ومعرفة أنواعها، فينبغي استبانة سبل الكافرين، مخافة الوقوع فيها.
قال عز وجل {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55].
يقول ابن القيم - في هذا المقام-: ((والله تعالى قد بين في كتابه سبيل المؤمنين مفصلة، وسبيل المجرمين مفصلة، وعاقبة هؤلاء مفصلة، وعاقبة هؤلاء مفصلة.
فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية، فاستبانت لهم السبيلان، كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده، والطريق الموصل إلى الهلكة، فهؤلاء أعلم الخلق و أنفعهم للناس وأنصحهم لهم، وبذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة؛ فإنهم نشئوا في سبيل الضلال و الكفر والشرك، وعرفوها مفصلة، ثم جاء الرسول صلى الله عليه وسلم فأخرجهم من الظلمة الشديدة إلى النور التام، ومن الشرك إلى التوحيد... فعرفوا مقدار ما نالوه، ومقدار ما كانوا فيه، فإن الضد يُظهر حسنه الضد، وإنما تتبين الأشياء بأضدادها.
فاللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما، كما قال عمر رضي الله عنه: ((إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية))
وهذا من كمال علم عمر رضي الله عنه... ، فمن لم يعرف سبيل المجرمين، ولم تستبن له، أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين، كما وقع في هذه الأمة في أمور كثيرة))(72) .
ويقول حذيفة رضي الله عنه: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ...))(73) .(1/77)
ويبين الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمهم الله- أهمية هذا الموضوع قائلاً: ((أعلم أن هذه المسائل من أهم ما ينبغي للمؤمن الاعتناء بها؛ لئلا يقع في شيء منها وهو لا يشعر، وليتبين له الإسلام والكفر، حتى يتبين له الخطأ من الصواب، ويكون على بصيرة في دين الله، ولا يغتر بأهل الجهل والارتياب وإن كانوا هم الأكثرين عددًا، فهم الأقلون عند الله. وعند رسوله والمؤمنين قدرًا))(74) .
ومع ظهور هذه النواقض، ووجوب الحذر منها، إلا أن الناظر إلى واقع بلاد المسلمين عمومًا، يرى أن هذه النواقض قد عمت وطمت الكثير من تلك الديار؛ فيشاهد ويسمع ويقرأ مظاهر متنوعة و أنماطًا مختلفة لما يناقض الإيمان، كما صارت هذه النواقض أمرًا مألوفًا، بل تجاوز الأمر ذلك...، فسميت تلك النواقض بأسماء محببة للنفوس، ترويجًا لها وتضليلاً للناس.
((ومما يؤكد أهمية هذا الموضوع، أن موقف الكثير من المسلمين أمام تلك النواقض لا يخلو من غلو، أو جفاء، فهناك من غلا وتشدد أمام تلك النواقض، فأدخل في النواقض ما ليس منها.
وفي المقابل نجد أقوامًا قد تساهلوا في أمر هذه النواقض، فجعلوها مجرد محرمات لا تخرج من الملة.
وهدى الله تعالى أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فقرروا هذه المسألة بعلمٍ وعدل))(75)
18- ضعف الولاء والبراء.
قال عز وجل: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51].
وقال سبحانه: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22]
وقال سبحانه: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:113].(1/78)
وقال تعالى {تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة:80-81].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الآية: ((فُذَكَر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط، وجد المشروط بحرف ((لو)) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} فدل على أن الإيمان المذكور ينفي إتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه ...))(76).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله))(77).
ويقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب: ((فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله و البغض في الله، والمعاداة في الله و الموالاة في الله، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقانًا بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان))(78).
ويقول الشيخ حمد بن عتيق: ((فأما معاداة الكفار والمشركين: فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى إنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم، بعد وجوب التوحيد، وتحريم ضده))(79) .
ومن مظاهر الموالاة لأعداء دين الله:(1/79)
أ- طاعة الكفار في التشريع و التحليل والتحريم، وإظهار موافقتهم على ذلك.
…قال عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران:149].
…يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب -عند هذه الآية-: ((أخبر تعالى أن المؤمنين إن أطاعوا الكفار فلا بد أن يردوهم على أعقابهم عن الإسلام، فإنهم لا يقنعون منهم بدون الكفر، وأخبر أنهم إن فعلوا ذلك صاروا من الخاسرين في الدنيا والآخرة، ولم يرخص في موافقتهم وطاعتهم خوفًا منهم، وهذا هو الواقع؛ فإنهم لا يقتنعون ممن وافقهم إلا بشهادة أنهم على حق، وإظهار العداوة و البغضاء للمسلمين))(80) .
ب- التشبه المطلق بهم، أو التشبه بهم فيما يوجب الكفر والخروج عن الملة.
…قال صلى الله عليه وسلم ((من تشبه بقوم فهو منهم))(81) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51].
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم، في القدر المشترك الذي شابههم فيه . فإن كان كفرًا، أو معصية أو شعارًا لهم كان حكمه كذلك، وبكل حال يقتضي تحريم التشبه ))(82) .
ومن صور التشبه بالكفار المنتشرة بين المسلمين:
- مشاركة الكفار في أعيادهم، هي محرمة على أقل الأحوال.
قال عزوجل مثنيًا على عباده المؤمنين، فوصفهم بقوله {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 71].
قال بعض السلف: الزور: أعياد المشركين(83).(1/80)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((إن الأعياد من جملة الشرع و المناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج:67]، كالقبلة والصلاة، و الصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد، وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، و أظهر شعائره. ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه))(84).
ويقول أيضًا: ((إنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك، أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس، وتناسوا أصله حتى يصير عادةً للناس، بل عيدًا، حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزاد عليه، حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر، كما قد سوله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام، فيما يفعلونه في أواخر صوم النصارى من الهدايا والأفراح، والنفقات وكسوة الأولاد، وغير ذلك مما يصير به مثل عيد المسلمين)).
ويقول الإمام الذهبي: ((قد أوجب الله عليك -ياهذا المسلم- أن تدعو الله تعالى كل يوم وليلة سبع عشرة مرة بالهداية إلى الصراط المستقيم؛ صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
فكيف تطيب نفسك بالتشبه بقوم هذه صفتهم، وهم حطب جهنم؛ ولو قيل لك: تشبه بمسخرة؛ لأنفت من ذلك وغضبت؛ وأنت تتشبه بأقلف عابد صليب في عيده، وتكسوه صغارك، وتفرّحهم، وتصبغ لهم البيض، وتشتري البخور، وتحتفل بعيد عدوك؟!...
فأين يُذهب بك، إن فعلت ذلك، إلا إلى مقت الله وسخطه- إن لم يغفر الله لك- إن علمت أن نبيك محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يحض على مخالفة أهل الكتاب، في كل ما اختصوا به))(85) .(1/81)
ج- ومن الموالاة التي تناقض الإيمان الدعوة إلى وحدة الأديان: وخلاصة هذه الدعوة : إزالة الخلاف العقدي، وإسقاط الفوارق الأساسية فيما بين تلك الديانات؛ ذلك من أجل توحيد هذه الملل المختلفة، على أساس الاعتراف بعقائدهم وصحتها.
وقد يطلقون على هذه الوحدة المزعومة بين الديانات الثلاث ((الإسلام والنصرانية واليهودية)) ما يسمى بالديانة الإبراهيمية، أو الديانة العالمية.
وقد نشأت هذه الدعوات المضللة في أحضان التنصير، والصهيونية العالمية(86).
أقسام الناس في الموالاة والمعاداة:
القسم الأول: من عبدالله ووحده، ولكنه لم ينكر الشرك ولم يعاد أهله فهو وإن وحد الله فتوحيده فاسد، لعدم كفره بالطاغوت، فالإنسان لا يصير مؤمنًا إلا بالكفر بالطاغوت، قال تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}(87).
القسم الثاني: من عادى المشركين ولم يكفرهم.
فهذا النوع لم يأت بما دلت عليه (لا إله إلا الله) من نفي الشرك وما تقتضيه من تكفير من فعله، وهذا الأمر هو مضمون سورة الإخلاص، وسورة الكافرون، وآيات من سورة الممتحنة، فمن لم يكفر من صرح القرآن الكريم بكفره، فقد خالف ما جاءت به الرسل من التوحيد، وما يوجبه في حق الناس من حب وعداوة وإيمان وكفر(88) .
القسم الثالث: من لم يحب التوحيد ولم يبغضه:(1/82)
وهذا الصنف للأسف الشديد هو الغالب وجوده بين المسلمين في هذا العصر، ومثل هذا الصنف من الناس لم يكن موحدا لله تعالى حق التوحيد لأن التوحيد الحقيقي هو الرضا بالدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، قال تعالى {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}(89) . فلو رضي بما رضي الله به، وعمل به لأحبه، فلا إسلام إلا بمحبة التوحيد والعمل به، ومحبة أهله، فالإخلاص لله إنما يكون في محبة الله، وإرادة وجهه، فمن أحب الله أحب دينه، لأن المحبة يترتب عليها تنفيذ ما تقتضيه كلمة الإخلاص وشروط التوحيد التي منها المحبة لله وفي الله(90) .
فمن عرف الشرك وأبغضه، لابد أن يعرف ما يريد الله من خلقه من محبة وإجلال وتعظيم له سبحانه وتعالى، فذكر هذه الحال عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى {فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(91) .
فالذي يبغض الكافرين وأعمالهم، ولكنه لم يدخل في جماعة المسلمين ويعمل لصالح الإسلام معهم، فإن إيمانه ناقص، نظرا لعدم موالاته لله ورسوله والمؤمنين، فالمؤمن الحق هو الذي يكون مع المؤمنين كالعضو من الجسم كما وضح ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم . وفي ذلك يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- إنه لا بد للمسلم من التصريح بأنه من هذه الطائفة المؤمنة، حى يقويها ويتقوى بها ويفزع الطواغيت، الذين لا يبلغون الغاية في العداوة حتى يصرح لهم أنه من هذه الطائفة المجاربة لهم(92). هـ.
القسم الرابع: من لم يبغض الشرك ولم يحبه:(1/83)
فهذا لم ينف ما نفته (لا إله إلا الله) من الشرك والكفر بما يعبد من دون الله، والبراءة منه، فهذا ليس من الإسلام في شيء أصلا ولم يعصم ماله ودمه، لأنه لم يحقق معنى (لا إله إلا الله)(93) . ولأنه خالف ما ذكر الله عن أبينا إبراهيم -عليه السلام- في قوله تعالى: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}(94) . ولحديث: ((من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله))(95).
القسم الخامس: من عمل بالتوحيد، ولم يبغض من تركه ولم يكفرهم: فهذا لم يصحح توحيده بنفي الشرك والبراءة منه ومعاداة أهله، فهو لم يوحد الله توحيدًا كاملاً، لأن التوحيد الحقيقي يقتضي نفي الشرك والبراءة من المشركين، وتكفير أهله بعد قيام الحجة عليهم، وهذا النوع من الناس من أشدأنواع المخالفين خطرا على التوحيد، لأنه قد يغتر بحالهم، فيقلدهم غيرهم في مداهنة الكفار والمشركين والمرتدين وهم في الحقيقة لم يأتوا بالأمور التي دلت عليها كلمة الإخلاص نفيًا وإثباتًا(96). فهم يظنون أنهم إذا أصلحوا أنفسهم، فلهم مطلق الحرية في التعامل مع الآخرين، بلا تمييز بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل، وهؤلاء يخشى أن يكونوا من الداخلين تحت قول الله تعالى {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }(97).(1/84)
وفي ذلك يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-: فالله الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم، وأوله وآخره وأسه ورأسه، شهادة أن لا إله إلا الله، واعرففوا معناها وأحبوها، وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم، ولو كانوا بعيدين منكم نسبًا واكفروا بالطواغيت وعادوهم وابغضوهم، وابغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم، أو لم يكفرهم، أو قال ما عليَّ منهم، أو قال ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى عليه إثمًا مبينًا، فقد كلف الله كل مسلم ببغض الكفار، وافترض عليه عداوتهم، وتكفيرهم والبراءة منهم، ولو كانوا آبءهم أو أبناءهم أو إخوانهم،فالله الله تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئا(98). اهـ.
القسم السادس: من ترك الشرك، ولم يعاد أهله، ولم يكفرهم:
فهذا الصنف داخل تحت ما ذكر في الصنف الأول، إلا أنه يزيد عليه أن الصنف الأول يعمل بالتوحيد، وهذا الصنفجمع بين سيئتين، الأولى ترك الواجبات الشرعية، والثانية مداهنة الكفار، وعدم معاداتهم، فهو لم يؤمن بالله إيمانًا حقيقيًا ولم يعمل بأوامره التي أنزل على عباده، ولم يجتنب الطاغوت كما نهى الله عن ذلك فهو ليس من الإسلام في شيء(99).
القسم السابع: من لم يشرك بالله، ولكنه عرف التوحيد ولم يعمل به ولا أحب ولا أبغض فيه:
فهذا وأمثالهمن الذين يستحقون عذاب الله، ولو لم يكن قد حصل الشرك منهم، لأن فائدة ترك الشرك تصحيح التوحيد لله، ومن أعظم ما ينبني على التوحيد التضرع عند الله، والالتجاء إليه وحده، ومحبة ما يحب وعداوة ما يعادي(100).
ومن ادعى الإسلام ونطق بشهادة ((أن لا إله إلا الله)) وأحبها وانتسب إلى أهلها، ولكنه لم يفرق بين أوليائها وأعدائها، ولم يحب في الله، ولم يبغض في الله، فهذا عين الكفر وصريحه، لأن حق التوحيد ليس مجرد الإقرار به، ثم الإعراض عن أحكامه التي أهمها الحب في الله والبغض في الله، كما سبق بيان ذلك من الكتاب والسنة(101).(1/85)
القسم الثامن : من عرف التوحيد وأحبه واتبعه، وعرف الشرك وتركه، ولكنه مع ذلك يكره من دخل في التوحيد وانضم إلى جماعة المسلمين ويحب من بقي في مناصرة وتأييد الكفار:
فهذا النوع من الاعتقاد والتعامل كفر(102)، يخرج به المسلم من مسمى الإسلام لأن الإنسان إذا أحب نصرة الكافرين وخذلان المسلمين فهو داخل تحت قول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}(103).
فالذين يؤيدون أحزاب الكفر وأحزاب الشيطان، التي تتخذ مظاهر متعددة في البلاد الإسلامية، بحبهم لمن ينتمي إليها، ويضهم لمن ينتمي إلى حزب الله الممثل في الجماعة المسلمة، هؤلاء داخلون تحت هذا الحكم، وهذا الحكم ينطبق تمامًا على دعاة الشيوعية والاشتراكية أو الدعاة إلى حزب البعث، أو الأحزاب الماسونية، أو دعاة العلمانية، فالذين يؤيدون من ينضم إلى تلك الأحزاب الكافرة، هم كفار وإن ادعوا الإسلام، حيث لا يدعو أحد من المسلمين إلى الخروج من حزب الله إلى أحزاب الكفار، ومن فعل ذلك فليس بمسلم، حيث لم يرض بالإسلام دينا ولم يتخذ شريعته منهجا في الحياة.
القسم التاسع: من عرف التوحيد وأنه الحق، ولكنه لم يلتفت إليه، ولم يتعلمه ولا دخل فيه، ولا انضم إلى جماعة المسلمين، وبقي مع الشرك وأهله:
فهذا العمل، وهذا الموقف كفر، يقاتل عليه من فعله، لأن صاحبه عرف الحق فلم يتبعه، وعرف الشرك فلم يتركه، مع أنه قد لا يبغض دين الله، ولا رسوله، ولا المؤمنين، ولا يمدح الشرك أو يزينه للناس، ولكنه مقبل على الكافرين بفعله مدبر عن المؤمنين.(1/86)
وقد يتخذ لذلك التصرف حجة وهي حبه لأهله ووطنه ومنافعه، فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده من الكفار، فيجاهد بنفسه وماله ورأيه، أهل الحق مع أهل الباطل، وهذا الموقف كفر مخرج عن الإسلام، لأن ذلك هو غاية التولي للكفار، وحتى لو ادعى الإكراه في ذلك، فإن الإكراه في ذلك، فإن الإكراه مهما يكن، لا يجوز معه أن يحمل المسلم سلاحه، ضد أهل الحق من المسلمين(104) .
ومن يقف مثل هذا الموقف من أهل الإسلام، يكون داخلا تحت قول الله تعالى: {سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولائِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا}(105).
القسم العاشر: من تساوى لديه الإسلام والكفر في الحب والبغض، أو من يحبهما من وجه، ويبغضها من وجه آخر.
فهذا الذي يقف من الإسلام مثل هذا الموقف، لم يتحقق فيه معنى الإسلام وهو الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة، التي من أركانها موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، فهو كأنه يعارض الله فيما فرض وشرع، قال الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(106).(1/87)
يقول الشيخ عبدالله بن حمد الحجازي(107) -رحمه الله- اعلموا -رحمكم الله- أن أكبر الذنوب وأعظمها الشرك بالله، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}(108). وهذا الذنب القبيح له وسائل وذرائع توصل إليه، وأعظمها موالاة أعداء الله على اختلاف أنواها، فيا عباد الله، انتبهوا من هذه البلية العظيمة، التي صيرت أهل الإسلام وأهل الردة والضلال عند كثير من الجهال جماعة واحدة إلا من عصم الله برحمته(109) ا.هـ.
فمن كمال الإيمان، وتمام العبودية لله محبة الله، ومحبة رسوله وأنبيائه وعباده المؤمنين، وإن كانت المحبة التامة لا يستحقها غير الله ((تبارك وتعالى)) فغير الله يحب في الله، لا مع الله.
فإن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض، ويوالي من يواليه، ويعادي من يعاديه، ويرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به، وينهى عما ينهى عنه، فهو موافق لمحبوبه فيما يأمر به وما ينهي عنه(110). والله تعالى يحب المحسينين، ويحب المتقين، ويحب التوابين ويحب المتطهرين(111)، ونحن ملزمون شرعًا بحب ما يحبه الله تعالى كما أننا ملزمون بعدم حب ما لا يحبه الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى، لا يحب الخائنين، ولا يحب المفسدين، ولا يحب المستكبرين(112).
ونحن أيضا يجب أن لا نحبهم، وأن نبغضهم، موافقة له سبحانه وتعالى في حب ما يحب وبغض ما يبغض.(1/88)
فالمحبة التامة لله، مستلزمة الموافقة للمحبوب في محبوبه ومكروهه، وولاية من يواليه، وعداوة من يعاديه، ومن المعلوم أن من أحب الله المحبة الواجبة، فلا بد أن يبغض أعداءه، ولا بد أن يحب ما يحبه الله من الأقوال والأفعال فيحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذكر وتلاوة القرآن ونحو ذلك، ويحب الجهاد في سبيل الله وما دونه من أعمال الخير(113)، لأن كل ذلك من الأمور المحبوبة عند الله تعالى، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ}(114).
فلا بد للمسلم أن يحب الله عز وجل أولا. ثم هذه المحبة لله تجعله يكون متواضعًا مع المؤمنين، ذا غلظة وعزة على الكافرين، فإذا أصبح بهذه الحال، أحبه الله عز وجل لهذه الصفة التي اتصف بها. قال تعالى {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}(115).
وقد سئل ابنا الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- وهما حسين وعبدالله عن رجل دخل هذا الدين وأحبه وأحب أهله، ويبغض الشرك وأهله، ولكن أهل بلده يصرحون بعداوة أهل الإسلام، ويقاتلون أهله، هو يعتذر بأن مقاتلته لهؤلاء الكفار وترك وطنه من أجلهم يشق عليه ذلك، فهو لا يستطيع مفارقة الأهل والأموال والأولاد والعشيرة.
فهل يكون كافرا أم مسلمًا؟
فأجابا بأن في ذلك تفصيل:(1/89)
أولاً: أن ينظر إلى هذا الشخص المقيم مع الكفار، هل يقدر على إظهار دينه عندهم، ويتبرأ منهم ومما هم عليه من كفر وشرك؟ وهل يقدر على إظهار عداوته لهم، أو أن يظهر لهم أنهم كفار؟ وهل يأمن على أن لا يفتنوه عن دينه، لأجل أهله وماله وولده؟ فن كانت الإجابات على هذه الأسئلة بنعم فهذا لا يحكم بكفره ولكنه إذا قدر على الهجرة ولم يهاجر، ومات بين أظهرهم فيخشى أن يكون داخلاً في أهل هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا }(116) .(1/90)
ثانيًا: أما إذا أظهر الموافقة للكفار على دينهم، وأن بدعتهم وكفرهم أصوب من الإسلام، واتهم الإسلام بالباطل والقصور، وقاتل معهم أهل التوحيد، بنفسه وماله ورأيه فهذا كافر مرتد، ولو عرف الدين بقلبه وكره الكفر بقلبه، لأن الأمر الذي يمنعه من الهجرة محبة الدنيا على الآخرة، ويتكلم بكلام الكفر من غير إكراه ملجئ فهو داخل في قوله تعالى: {وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(117)(118) اهـ.وحتى المكره إكراها ملجئًا لا يجوز له أن يحمل على أخيه السلاح فيقتله من أجل سلامة نفسه -هو-(119) فالإكراه يجوز معه التلفظ بكلمة الكفر ترضية للكفار أما من يحارب المسلمين بقوله وفعله ويناصر الكافرين من أجل أنه يشق عليه فراق أهله وأولاده وبلاده، فيقتل المسلمين، ويرمل نساءهم، وييتم أطفالهم، ويخفض الإسلام وأهله، ويظهر الكفر ويجاري أهله، مقابل أن يسلم -هو- بنفسه، فهذا ظلم وإعانة على الظلم، قال تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}(120) .
قال القرطبي في معنى هذه الآية، أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى، أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، بل كل نفس مأخوذة بجرمها ومعاقبة بإثمها(121).(1/91)
وفي مختصر تفسير الطبري: أي لا تجترح نفس إثما فيؤخذ به غيرها(122). وعلى هذا إذا وجد حاكم ظالم يطارد أهل الحق ويبطش بهم، وينصر أهل الباطل ويدعم باطلهم، فلا يجوز لمن يلتزم بالإسلام قولا وفعلا، أن يعين هذا الالم على ظلمه، لأنه حينئذ يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)). فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أرأيت إن كان ظالما، كيف أنصره؟ قال: (تحجزه -أو تمنعه- من الظلم، فإن ذلك نصره)(123).
والذي يعين الظالم على المظلوم إنما يعمل ضد مفهوم الحديث تمامًا، وهذا إثم عظيم وذنب كبير، وتلك هي الموالاة الظالمة حيث ينصر من يجب عليه خذلانه، وبخذل من تجب عليه نصرته.(1/92)
ونود أن نذكِّر في هذا المقام الذين يوالون الكفار ويطلبون رضاهم، بأن رضا الكفار لن يتم بما هو دون الكفر، قال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(124) . فالكفار إذا أحسوا أن لدى المسلم إمكانية المتابعة لهم والموالاة لهم على كفرهم، فإنهم يتدرجون به رويدا رويدا حتى يخرجوه من الإسلام. فإذا أرادوا إقرار منكر -ما- فأول خطوة في ذلك هي أن يشتروا بعض العلماء الذين يبيعون دينهم بعرض من الدنيا، ثم يستصدرون الفتاوى التي هم أول من يعلم ببطلانها، ثم يطلبون التأييد على هذا المنكر الذي فعلوه بحجة أنه لا يعارض الشرع، ثم يطلبون ممن يوافقهم مطاردة من ينكر عليهم تصرفهم هذا، وأن يحمل السلاح ويدفع المال لقتال المعارضين لهم، وإن كان المعارض هو صاحب الحق والذي مع الحق، وهكذا يفعل الكفار في مدعي الإسلام ترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات تدريجيا حتى ينسلخ المسلم من دينه ويخرج من مسمى الإسلام وهو لا يشعر(125) . ومما تقدم يتضح أنه يجب على المسلم أن يقف موقفًا صلبًا من أعداء الإسلام والمسلمين وأن لا يتنازل عن شيء من واجبات الإسلام مهما كانت الدوافع والأسباب، وأن يقاطع أهل الشرك ويتبرأ منهم ومن شركهم ويجاهدهم ويكفرهم، ويقر بإباحة دمائهم وأموالهم ما داموا على الكفر. فلا يكون المؤمن موحدا إلا بهذا وهو مقتضى كلمة الإخلاص ((لا إله إلا الله)) حيث يقول الله عز وجل {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}(126) . فهذا شأن كل مؤمن مع المؤمنين، ويقول الله تعالى عن الكفار {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}(127).(1/93)
فلا يصح للمؤمن دين إلا بموالاة أهل التوحيد، ومعاداة أهل الضلال وبغضهم والبراءة منهم، كما تبرأ إبراهيم والذين معه من الكفار، وكما تبرأ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه من كفار قريش ومن حذا حذوهم، وهذه هي الموالاة للمؤمنين، المعاداة للمشركين التي هي أصل عرى الإيمان وأوثقها(128).
فمعاداة الكفار واجبة وإن كان فيهم أخلاق طيبة، وصفات حميدة. فمن لم يعاد الكفار ويتبرأ منهم لم يدخل في الإسلام، وإن كان يتعامل مع المسلمين معاملة حسنة ويقدم لهم دعمًا سخيًا.
فإن في قصة أبي طالب درسا وغيره وعظة، أنه لا موالاة إلا بمعاداة فهذا الرجل قد بذل عُمُره وماله وأولاده وعشيرته في نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن مات على ذلك، وصبر على المشقة العظيمة، العداوة البالغة له من قومه، وكان يحب من أسلم وينتقص أعمال المشركين، وكان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حق وصواب كما يظهر ذلك من قوله في النونية:
ولقد علمت بأن دين محمد ……من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة……لوجدتني سمحا بذاك مبينا(129)
ويقول في قصيدة أخرى:
ولقد علموا أن ابننا لا مُكَذَّبٌ لدينا ولا يعني بقول الأباطل
حدبتُ(130) بنفس دونه وحميتُه… ودافعتُ عنه بالذرى(131) والكلاكل(132)(133)(1/94)
ولكنه لما لم يتبرأ من دين أبيه عبدالمطلب ويعلن عداوته لذلك، ولم يعلن موالاته لله ثم لرسوله والمؤمنين في الله، ما نفعه ذلك شيئا، وقد استغفر له النبي صلى الله عليه وسلم نظرًا لنصرته له ودفاعه عنه، فأنزل الله قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}(134) . لو كان هناك رجل من أهل الشرق أو أهل الغرب، يحب الدين الإسلامي، وينصر المسلمين باليد والمال والسلاح، ولكنه لم يعلن دخوله في الإسلام وانضمامه إلى جماعة المسلمين، وبراءته وانفصاله وعداوته للمشركين، لم يكن مسلمًا ولم تصح موالاته من قبل المسلمين، وإنما يعامل على أساس البر والصلة بالمعروف، دون محبة القلب كمحبة أحد المسلمين، فهو وإن كان يُحَبُّ لما فيه من صفات طيبة وأخلاق كريمة، كالكرم، والأمانة، والصدق والوفاء، فإن تلك الصفات لا تطغى ولا تنسينا صفة الكفر التي هي أسوأ صفة وأقبحها في الوجود، فمثل الكفار وصفاتهم الطيبة كمثل امرأة جميلة كريمة متواضعة ولنها مع تلك الصفات عاهر بغي، فإن تلك الصفة القبيحة تطغى على جميع صفاتها الحسنة وتذهب أثرها عند ذوي العقول السليمة والفطرة المستقيمة وتجعلهم يمقتونها ويعادونها وينظرون إليها نظرة احتقار وأزدراء(135).(1/95)
إن موقف المسلم من الكفار، ليس مجرد العداء لهم، بل المطلوب منه جهادهم، والحرص على مراغمتهم، وإدخال الحزن عليهم(136)، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}(137). فمن جهاد الكفار السعي إلى كسر شوكتهم ومراغمتهم، وإدخال الهزيمة عليهم بكل الوسائل والأسباب المباحة، والتضييق عليهم، والوقوف في وجه مكائدهم، بكل ثبات وإصرار، وكشف أباطيلهم، وعورات نظمهم، وتعرية مفاسدهم لكل ذي عينين، حتى يحصل الإقبال على الإسلام والإدبار عن الكفر، نتيجة للفهم والوعي الصحيح. فإن لم يحصل من المسلم جهاد ومراغمة للكفار، فلا أقل من مقاطعتهم وعداوتهم، وترك تبادل الأقوال والأفعال التي لا يقصد بها تقريبهم إلى الإسلام، وإنما يقصد بها التقرب إلى دنيا الكفار وما هم فيه من كفر.
ومما تقدم نخلص إلى القول بأنه لا صحة لإسلام المسلم إلا بموالاة أهل الإسلام ومعاداة أهل الكفر، فلو والى المسلم المسلمين ولم يعاد الكافرين لم يصح إسلامه، ولو عادى الكافرين ولم يوال المسلمين لم يصح إسلامه إلا بالجمع بين موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، وحول هذا المعنى يقول الشيخ سليمان بن سحمان شعرا:
ومن كان ذا حب لمولاه إنما……يتم بحب الدين دين محمد
فعاد الذي عاد لدين محمد ……ووال والاه من كل مهتد
وأحبب رسول الله أكمل من دعا…إلى الله والتقوى وأكمل مرشد
وما الدين إلا الحب والبغض والولاء كذاك البرا من كل غاو ومعتد(138)
ويقول أيضا:
نعم لو صدقت الله فيما زعمته…لعاديت من بالله ويحك يكفر
وواليت أهل الحق سرًّا وجهرة…ولما تهاجيهم وللكفر تنصر
فما كل من قد قال ما قلت مسلم…ولكن بأشراط هنالك تذكر
مباينة الكفار في كل موطن……بذا جاءنا النص الصحيح المقرر
وتكفيرهم جهرا وتسفيه رأيهم…وتضليلهم فيما أتوه وأظهروا
وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم…وتدعوهموا سرا لذاك وتجهر(1/96)
فهذا هو الدين الحنيفي والهدى…وملة إبراهيم لوكنت تشعر(139) .
19- انتشار كثير من المصطلحات الأفكار والدعوات والنظريات والجميعات المضادة للتوحيد والوحدانية.
فمن المصطلحات التي يلبس بها على الناس وظاهرها فيه الرحمة وباطنها من العذاب ((الحداثة مصطلح أدبي يطلق الآن على اتجاه يسود العالم العربي كله، مع اختلاف من قطر إلى آخر في درجة التحمس له... هذا الاتجاه الحداثي صار غطاء وهيًا لدى أنصاره الذين يشغلون مساحات واسعة من القطاعات ... وبخاصة القطاع الصحفي، والقطاع الأدبي والفني، ويعمل من خلاله الشيوعيون والماركسيون والعلمانيون في حرية تامة، ويساعدهم في العمل المناصب التي يعتليها بعضهم، وهي مناصب حساسة جدًا ومؤثرة جدًا في مجال تكوين الرأي العام، والعبث بقيم الأمة في وضح النهار.
وتقوم الحداثة العربية المعاصرة على مبدأ عام، هو كراهية التراث العربي الإسلامي، وكراهية ما أنزل وما قال رسوله الكريم، أو بعبارة أخرى هم يكرهون النظام العام الذي جاء به الإسلام لينضوي تحته المسلمون جماعةً وأفرادًا ويحاولون محوه من الوجود تحت مصطلح لهم يدعونه ((محو القَبْلِيَّة))، أي محو كل ما كان من قبل أيًا كان، دينًا أو تراثًا، أو ما يتصل بالدين والتراث ولو من بعيد، فالحداثة بهذا المعنى إتجاه عميل يعمل ضد مقومات الأمة لحساب أعدائها من الصهيونية العالمية، والصليبية العالمية، والإلحاد العالمي الأحمر))(140).
((الإبداع)) يعرف أحد سدنة الإلحاد الإبداع فيقول: ((هو عبارة عن قدرة العقل على اكتشاف علاقات جديدة استنادًا إلى عقل ناقد يسمح باستحداث تغيير في الطبيعة، ومعنى ذلك أن الإبداع ليس مجرد عملية عقلية، وإنما هو عملية عقلية لابد أن تنتهي إلى إحداث تغيير في الواقع.
وإذا لم يحدث هذا التغيير في الواقع فلا يمكن القول، في هذه الحالة، بأن ثمة إبداعًا)) (141) .(1/97)
ويعلل ندرة الإبداع فيقول: ((الإبداع نادر ليس بسبب عوامل ذاتية عند الإنسان، ولكن بسبب عوامل موضوعية، وعلى الأخص ما يمكن تسميته بالمحرمات الثقافية. فالمحرمات الثقافية تشل العقل الناقد وبالتالي تشل عمليه الإبداع. علينا أن نقتحم هذه المحرمات الثقافية حتى يمكن أن نسمح للإنسان بممارسة الإبداع، وهذا محدث في أوربا، كانت فيها محرمات ثقافية، ومع ذلك اقتحمت هذه المحرمات ونشأ ما هو معروف بعصر النهضة، وعصر الإصلاح بالذات إذ معناه إعمال العقل في كل النصوص الدينية بلا أستثناء. وعندما انشغل العقل بفهم كل نص أمكنه أن يقتحم مجالات عديدة بدون حساسية))(142) .
هذا هو مفهوم الإبداع عندهم الذي لا يمكن أن يوجد إلا من جلال العبث الفكري بالنص الشرعي ((التنوير)) يقول أحد دعائه: ((وما يعنيه التنوير... هو منح الأولوية للعقل في إدراك الوجود وإبداع العالم، والنظر إلى العقل البشري بوصفه النور الذي يهتدي به الإنسان، ويصوغ به عالمه، متحررًا من أشكال الوصاية التي تحجر على العقل أو تقيد انطلاقه، وكان منح الأولوية للعقل في السياق نفسه، شعار طوائف متعددة في تراثنا العربي الإسلامي اقترن لديها نور العقل بحرية الإنسان وحقه في اختيار فعله الخلاق وممارساته في كل مجالات الفعل المعرفي والإجتماعي والسياسي والأقتصادي وذلك في مواجهة طوائف أخرى استبدلت بالعقل النقل، وبالحرية العبودية، وبالاختيار الجبر، وبالعدل الظلم، وبالمعنى العقلاني للتوحيد المعنى القمعي للإذعان المفروض على الجماعة))(143).
ويقول آخر: ((التنوير هو أنه لاسلطان على العقل إلا العقل نفسه))(144).(1/98)
((الأصولية)) يقول أحد المُضللين موضحًا ما يريده الملاحدة الجدد بمصطلح الأصولية: ((الأصولية الدينية أعني بها؛ رفض إعمال العقل في النص الديني ورفض بعض النظريات العلمية، وبالأخص نظرية دارون عن التطور بدعوى أنها مناقضة لما جاء به الدين، وكراهية منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية باعتبار أنها تؤدي إلى اغتراب الإنسان المعاصر، وأنها تغير من نسق القيم التقليدي))(145).
ويقول آخر من أولئك المضللين: ((نستطيع أن نقول أن ((الأصولية)) مصطلح من المصطلحات المعاصرة التي شاعت في حياتنا الفكرية مؤخرًا للإشارة إلى أبعاد سلبية من الدلالة والمصطلح في هذه الإشارة السلبية بدأ من دلالة كانت أقرب إلى الترجمة التي قصد بها أداء معنى لا يفارق دلالة التعصب والتطرف والتقليد والاتباع، والفهم الجامد لنصوص أولية بوصفها مباديء مطلقةن لا يمكن الخروج عليها أو تعديدها أو مراجعتها أووضعها موضع المساءلة))(146) .
((حرية الفكر)) أو ((الحرية الفكرية)) وحقيقتها ((حرية الكفر))، والحرية والأحرار أو أحرار الفكر هي ترجمة للكلمات الإنجليزية
Thinke rs, Liberals, Liberalisn Free
وهي كلمات اصطلاحية، يراد بها إطلاق الفكر من كل قيد، ومن العقائد الدينية على وجه الخصوص(147) .
((والحرية اسم جميل براق محبب إلى القلوب في كل أشكاله وألوانه، ولكن المقصود به هنا هو حماية الأزاء التي تخدم الأفكار الدخيلة المعارضة لما تواضع عليه الناس من أراء، وما استقر في مجتمعهم من نُظم))(148).
((وهذه الحرية الفكرية التي لا تلتزم فيها الدولة بحماية النظم الدينية في جانبيها الفكري والسلوكي، ولا تتقيد بها هي ما يسمونه أحيانًا بالتقدمية، وذلك في مقابل الرجعية التي تدعوا إلى أن تلتزم الدولة بحماية النظم الدينية، وتقيد نفسها بها، وهي ما يسمونه في أحيان أخرى المدنية أو العلمانية، فيقولون ((حكومة مدنية وعلمانية)) في مقابل ((حكومة دينية))(149).(1/99)
((وهكذا قد تتداخل الاصطلاحات أو تلتقي ولكنها مؤداها شيء واحد وهو اللادينية)).
((ويمكن أن نقول إن ((التقدمية والرجعية)) من الاصطلاحات المرنة في هذه الأيام التي لا تتفق عليها وجهات النظر المختلفة باختلاف المذاهب والنظريات السياسية والاجتماعية، ولكن من الواضح أن التقدمية هي ما يوافق الحضارة الغربية، والرجعية هي ما يتمسك بالتراث الإسلامي)) (150) .
وهكذا تجد مصطلحاتهم مقتضبة وتعريفاتهم غامضة ومؤداها محاربة سلطان الدين وتمجيد العقل وتقديمه على الشرع ووصف الدين بالتخلف والجمود والتقاليد الباليه إلى غير ذلك.
وينادون بالتنوير والتحرر وحرية الإبداع، وحرية الفكر .
وخلاصة دعواتهم التحررية هي التحرر من من العبودية، والحرية هي صد العبودية، والإسلام قد جاء.
ومن الألفاظ والكلمات المنتشرة على الألسنة وهي مخالفة للعقيدة.(1/100)
((الدين لله والوطن للجميع)) هي خطة شركية ابتدعها أهل أوربا للهروب من حكم الكنيسة الظالم المحارب للعلم؛ ثم أرادوا بها إبعاد أهل الإسلام عن دينهم، فكأنهم قالوا: ((الدين لله يُطرح ظهريًا))، ليس له حق في شؤننا الوطنية من سياسة وعلم واقتصاد وغيره، فالمستعمرون قصدوا بهذه الكلمة المزوقة البدعية إفكًا وتضليلاً ليبعدوا حكم الله ويفصلوه عن جميع القضايا والشئون بحجة الوطن الذي جعلوه ندًا لله، وفصلوا بسببه الدين عن الدولة، وقد أمرنا القرآن بعدم طاعتهم في مثل هذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران:149] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100] وهذه الدعوة فتحت الأبواب للدعاية النصرانية وبث الإلحاد على حساب المسلمين وفي عُقر بيوتهم، وأخرت دعوة الإسلام، وأوقفت زحفه إرضاءً لأقلية نصرانية انتحلوا هذه النحلة فإذا ما رفضها المسلم قالوا: ((فتنة طائفية))!!!(151).
((الدين سبب الطائفية والشقاق)) قال الشيخ بكر أبو زيد -حفظه الله- كلمة شيوعية توجبُ الردة(152) اهـ.
والدين الإسلامي الصحيح مصدر الوحدة الصحيحة، وتحقيقة يسبب العز والتمكين والتضامن والتراجم والبذل والإثيار وحماية غير المسلمين وأي طائفية في دين يقول لأهله: {قُلْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:84](153).(1/101)
((الدين أفيون الشعوب)) هي مقالةٌ لليهودي ((كارل ماركس)) الذي نبش الشيوعية المزدكية اليهودية بعدما قبرها الإسلام، فاخترع هذه المقالة يزعم أن الدين مُخدر ومُبَلِّد للشعوب، وهذا قد يصدق على الأديان المزعومة من لا هوتيه وثنية لتقيد أهلها بالخرافات، أما الدين الصحيح الحنيف ملة إبراهيم الذي أمر خلقه بإقامته، دين يلهب القلوب والمشاعر، محرك لجميع الأحاسيس والقوى، دافعٌ بها إلى الأمام لا يقبل من أهله الذل والاستكانة والخضوع للظم، بل يوجب عليهم الجهاد بشتى صوره وأشكاله لإعلاء كلمة الله وقمع المفتري عليه والبراءة ممن جانب دينه وتنكر لحكم شريعته(154).
ومن الدعوات
إحياء الدعوات القومية المحلية، والعرقية والوطنية مما يجعل الولاء والبراء على تلك القوميات لا على أساس الدين والشرع يقول المستشرق الإنجليزي هـ.أ.ر. جب في كتابه ((إلى أين يتجه الإسلام)) : ((وقد كان من أهم مظاهر سياسة التغريب في العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة التي يشغلها المسلمون الآن، فمثل هذا الاهتمام موجود في تركيا وفي مصر، وفي أندونسيا وفي العراق وفي إيران)) (155).
وصحب هذه الدعوة نشاط البعوث الأجنبية في التنقيب عن الآثار والدعاية لما يكتشف منها فملئوا الدنيا كلامًا عما ظهر منها وقتذاك في مصر والشام والعراق.
وأخذوا يدعون إلى بعث التاريخ القديم في كل جزء من أجزاء الوطنى العربين وهو التاريخ السابع على استعرابها بدخولها في الإسلام واتخاذها لغته.
فأطلت النعرة الفرعونية في مصر، والغينقية في سوريا، والأشورية في العراق، والطورانية في تركيا، وهكذا.(1/102)
ولقي هذا الاتجاه تشجيعًا -بل تحريضًا- من دول الاستعباد الغربي في كل أجزاء الوطن العربي، بل في كل بلاد المسلمين، وكان هدفهم من ذلك واضحًا، وهو تدعيم سياسة التجزئة التي نفذوها حين قطعوا أوصال العرب، وذلك بتلوين الحياة المحلية في كل بلد من هذه البلاد بلون خاص يستند في مقوماته إلى أصوله الجاهلية الأولى، وبذلك تعود هذه البلاد التي توحدت منذ استعربت إلى مظاهر الغرقة والانشعاب التي سبقت ذلك التاريخ، فيستريح المستغلون من احتمال تكتلها الذي يؤدى إلى تحررها، ثم تكون هذه المدنيات الجديدة أكثر قبولاً لأصول المدنيات الغربية ويصبح كل شعب من هذه الشعوب أطوع لما يراد حمله عليه وزجه فيه من الصداقات ومناطق النفوذ بعد أن تتفكك عرى الأخوة العربية والإسلامية(156) .
((القومية العربية)) : ((اختلف الدعاة إليها في عناصرها فمن قائل إنها الوطن، والنسب، واللغة العربية، ومن قائل إنها اللغة فقط، ومن قائل غير ذلك، أما الدين فليس من عناصرها عند إساطينهم والصرحاء منهم، وقد صرح بعضهم بأن الدين لا دخل له في القومية...
ومن خبر أحوال القوميين وتدبر مقالاتهم وأخلاقهم وأعمالهم عرف أن غرض الكثيرين منهم من الدعوة إلى القومية أمور يعرفها من له أدنى بصيرة بالواقع وأحوال المجتمع، ومن تلك الأمور:
فصل الدين عن الدولة، وإقصاء أحكام الإسلام عن المجتمع، والاعتياض عنها بقوانين وضعية ملفقة من قوانين شتى، وإطلاق الحرية للنزعات الجنسية والمذاهب الهدامة -لا بلغهم الله مناهم-.
ولا ريب أن دعوة تفضي إلى هذه الغايات يرقص لها الاستعمار طربًا، ويساعد على وجودها ورفع مستواها- وإن تظاهر بخلاف ذلك- تعزيرًا للعرب عن دينهم، وتشجيعًا لهم على الاشتغال بقوميتهم، والدعوة إليها والإعراض عن دينهم...(1/103)
واعلم أن هذه الدعوة أحدثها الغربيون من النصارى لمحاربة الإسلام والقضاء عليه في داره بزخرف من القول وأنواع من الخيال، وأساليب من الخداع فاعتنقها كثير من العرب من أعداء الإسلام، واغتربها كثير من الأغمار ومن قلدهم من الجهال، وفرح بذلك أرباب الإلحاد وخصوم الإسلام في كل مكان ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات، دعوة باطلة، وخطأ عظيم ومنكر ظاهر وجاهلية نكراء وكيد سافر للإسلام وأهله)) (157) .
ومن الاتجاهات ((الاتجاه العقلاني)) ((اللاديني)).
يمكن أن يقال في تعريفها هي: ((التفسير العقلاني لكل شيء في الوجود، أو تمرير كل شيء في الودود من قناة العقل لإثباته أو نفيه أو تحديد خصائصه)) (158).
ويمكن أن تعرف أيضًا بأنها: ((المذهب الفلسفي الذي يرى أن كل ما هو موجود يُرد إلى مبادئ عقلية، وخصوصًا الاعتداد بالعقل ضد الدين))(159) .
فالعقلانية في حقيقتها: ((إلغاء النص أمام النظر العقلي المجرد- أو الهوى المجرد- الذي يستقبح اليوم ما كان حسنًا بالأمس، ويستقبح في وقتٍ ما كان حسنًا عنده في وقتٍ سابق))(160).
والذي يستمع للفظة ((عقلانية)) ولا يدري حقيقة الأمر يقول ومالكم تحاربون العقل وتذمونه، ونحن نقول إننا لا نذم العقل، ولا نحقر من شأنه ولكن نطالب بإنزاله منزلته الصحيحة مع شرع الله عز وجل.
والذي يسمع لفظة ((العقلانية)) لأول وهلة يظن أنها نهجٌ سديد، لتمسحها بلفظة شريفة، ولكن هكذا أهل الباطل يكسون مذاهبهم ألفاظًا براقة لامعة ليجذبوا الرعاع إلى أقوالهم، ويسمون الأشياء بغير اسمها ظنًا منهم أن في ذلك تسويغًا لباطلهم، ولكنه بريق سرعان ما يزول وينطفيء أمام حجج الشرع الساطعة وبراهينه القاطعة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية مبينًا مكانه العقل وفضله ومنزلته الحقيقية:(1/104)
((العقل شرطٌ في معرفة العلوم، وكمال وصلاح الأعمال، وبه يكمل العلمُ والعَمل، ولكنه ليس مستقلاً بذلك، لكونه غريزة في النفس، وقوة فيها، فهو بمنزلة قوة البصر التي في العين، فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار.
وإن انفرد بنفسه لم يُبصر الأمور التي يَعجزُ وحده عن دَرْكها. وإن عُزل بالكلية: كانت الأقوال والأفعال مع عدمه: أمورًا حيوانية، قد يكون فيها محبة، ووجدٌ، وذوقٌ كما يحصل للبهيمة.
فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة، والأحوال المخالفة للعقل باطلة.
والرسل جاءت بما يعجز العقل عن دَرْكه، لم تأت بما يُعلم بالعقل امتناعه، لكن المسرفون فيه قضوا بوجوب أشياء، وجوازها، وامتناعها، لحج عقلية بزعمهم اعتقدوها حقًا، وهي باطلة، وعارضوا بها النبوات))(161).
وقد يفهم البعض من ذمنا لقتديم العقل على النقل دم العقل بإطلاق، فليس معنى ترتيب منزلة العقل وجعلها بعد النقل ((إلقاء العقل جانبًا... لأن البحث العقلي ليس مذمومًا على الإطلاق بل يُذم إذا اكتُفي به عن الأدلة الشرعية، أو قُدم عليها، أو عورض به نصوص الدين.
كما أنه لا دخل للعقل في مجال الغيب -السمعيات التفصيلية- من أمور العقيدة؛ لأن المجال مجال تسليم واستسلام.
أما أبحاث العقيدة التي يُستدل بها على وحدانية الله تعالى وعلمه وقُدرته وحِكمته والبعث والجزاء، فقد طلب القرآن العقل البشري أن يهتدي إليها فهي أدلة تدعم النصوص وتزيد في تثبيت الاعتقاد، ولهذا يجد المتأمل في كتاب الله تعالى الآيات الكثيرات، التي تحثُ العقلَ البشري على التأمل والتفكر والتبصر والتدبر.
إن فتح المجال أمام العقل البشري لينطلق في مجالات الكون فيُذلل الصعاب، ويُرشد الإنسان إلى طُرق الحضارة مما يعود على البشرية بالخير العميم، أمرٌ حسن وجميل بل هو طريقه الطبيعي ومساره الاعتيادي.(1/105)
أما أن يُسمح للعقل أن يتدخل في مجالات الغيب ويُلاقي منا كل تشجيع واستحسان فهذا خطأ فادح وحماقةٌ كبرى تُرتكب في حق حاضرِ الإنسان ومستقبله وإهانةٌ صريحة للعقل بتوريطه بالانزلاق في مسارب لا دخلَ له بها، بل هي بعيدة جدًا عن مطلبه ومُحالٌ أمام تصورة.
لقد ابتدأ المعتزلة هذه المهزلة، حيث جعلوا العقل هو الحكم والفيصل، وأسندوا إليه مهمة الكشف في عالم الغيب وملكوت الآخرة.
وتدخل العقل باحثًا في خصائص اليوم الآخر، فأثبت ما أراد، ونفي ما شاء، واعتدى على مقام الألوهية العظيمة، فتناول صفات الله تعالى بالتبديل والتحوير، والطمس والتزوير، منتهكًا حرمة النصوص، غير مبال ولا ملتفت لأي وعيد أو عقاب، فتناقض أيما تناقُض، ونفى عن الذات الإلهية صفات أثبتها الله لنفسه، زعم أنها أوصاف للأجسام ونعوتٌ للمخلوقات.
إن العقل البشري قاصرٌ كل القصور في عالم الغيب ونتائجه وتوقعاته كلها تخرمات سكرى وظنون بَلهاء.
وقد بينت النصوص النبوية المباركة عدم الركون إلى هذه الأوهام بعبارات ((وجيزة)) فقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تفكروا في خلق الله، ولا تتفكروا في ذاته فتهلكوا))(162)
إن العقل إذا م ينطلق من وحي النصوص المعصومة فإنه سرعان ما يُخطيء، ولما كان من مهمام العقيدة تنظيم سلوك الإنسان، فإن نتائجه أنذاك تكون خطيرة ونسبب اختلافًا بين الناس، وهل يتعارض الناس ويختلفون في أمور الدين إلا بسبب استخدام عقولهم بمعزل عن نصوص الكتاب والسنة.
إن العقل مخلوق من مخلوقات الله تعالى؛ شأنه كشأنها، له قُدراته المحدودة، وخصائصه الثابتة، فهل يُطلبُ من العين أن تبصر ما يعبد عنها الآف الأميال؟
وهل يُطلبُ من الأذن أن تسمع ما يدورُ بين الطيور في السماء من مناجاة؟
وهل يطلب من اليد أن تحمل جَبلاً؟
ومن القدم أن تُزَعزِع بركلة منها ناطحة سحاب؟(1/106)
أو غير ذلك من الأمور المغرقة في المحال، وكذلك الشأن نفسه بالنسبة للعقل البشري، عندما يتعرض لمسائل الغيب فيُثبت وينفي.
نعم إنه يباح للعقل أن يتعرف على المخلوقات لأنه مخلوقٌ مثلها، أما أن يتطاول هذا المخلوق المغرور ليتدخل في مهام الخالق العظيم، ويُنصِّبَ نفسه الحَكم العدل الذي لا يُرجَعُ عن حُكمه، ولا يُعترضُ على قراره فتلك بلية البلايا وأعجوبة الأساطير.
فهل يقع الإنسان في ضلالٍ أبعد من هذا الضلال؟))(163).
وقد عظم المعتزلة قديمًا مكانة العقل وجعلوه حاكمًا على النقل لا محكومًا، فقد آمن المعتزلة بالعقل، ورفعوا شأنه، ونوهوا به أيماتنويه ، وصَدعوا بمبادئه.
قال القاضي عبدالجبار في ((فضل الاعتزال)) عند سرده الأدلة الشرعية حسب ترتيبه: ((أولها العقل))(164) .
ويقول الزمخشري المعتزلي في ((تفسير الكشاف)): مفسرًا قوله تعالى: {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} قال: ((... يحتاجُ إليه في الدين، لأن القانون الذي تستند إليه السنة والإجماع والقياس بعد أدلة العقل))(165). فجعل أدلة العقل هي الأساس.
ويقول الجاحظ وهو من مشاهير المعتزلة: ((فما الحكم القاطع إلا للذهن وما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل))(166).
((ولقد التقى هذا التيار المعظم للعقل الذي دخل على أمة الإسلام من علوم اليونان العقلية التي اهتم بها المعتزلة وترجموها إلى العربية وأقبلوا عليها يستلهمونها، وأعلام يونان يترسمون خُطاهم، وينسجون على منوالهم، وعلى كتب يونان يتفهمونها ويهضمونها فحكموا العقل أكثر من تحكيمهم للشرع))(167) .
فالتقي هذا التيار المعظم للعقل المتأثر بفلسفة اليونان في عصرنا الحديث مع.
وقد أذكى المستشرقون المخربون في كيان الأمة الإسلامية النزعة العقلية في الدراسات كلها فضلاً عن الدراسات العقدية.
((إذ أن الاستعمار الصليبي والصهيوني، فَشِلَ حين فَرَضَ العَلمانية بجنوده؛ فقد أحس المسلمون به، فتحصنوا منه.(1/107)
وحين فرض العلمانية بعملائه الذين رباهم في مدارسه، وربطهم بفلكه، واستعبدهم بالجاه والمال؛ رفض المسلمون ذلك، فما استطاعوا أن يصلوا إلى قلوبهم.
والمحاولة اليوم خَطرةٌ حقًا، فإن العلمانية تُفرضُ بحقٍّ يَدَّعي لنفسه العمل للإسلام، ويَنسِب إلى نفسه الريادة، ويَصف حرَكته بالبَعث، ويُهياء له المناخ ليكون إمامًا، ولتكون دعوته نهضة.
وهي في حقيقتها عَلمانية... أو عصرية... أو تغريب... أو ما شئت من الأسماء))(168).
فخرج في بلادنا الإسلامية نبتٌ شيطاني خبيث نبت في تربة الاعتزال القديم وسقي بماء الاستشراق المادي الحديث.
فكانت الثمار أمشاجٌ فكرية مختلطة، لا ضابط لها، ولا رابط بينها منتهاهًا النخُر في معتقد أهل الإسلام وإليك بعضُ أقوالهم ليحذر منها ويُحذر، ويُنظر فيما يؤخذ عن قائليها ويُتوقف.
يقول قائلهم: ((اتفق أهل الملل الإسلامية -إلا قليلاً ممن لا يُنظرُ إليه -على أنه إذا تعارض العقل والنقل أُخذ بما دل عليه العقل))(169).
ويقول آخر: ((لقد انقضت المعتزلة كفرته، ولكنها استمرت نزعةً عقلية وفكرًا قوميًا، وأصولاً فكرية، من خلال فريقٍ أخرى تأثرت بها، ومن خلال البصمات التي طبعتها على المجرى العام الخالد والمتدفق والمتطور لفكر الغرب والمسلمين)).
ثم قال: ((وهكذا كان المعتزلة: كوكبة من أهل الفكر والنظر والدين والثورة اتخذوا من الفلسفة والفكر والرقي في المعرفة بدلاً عن الأحساب والأنساب)).
ثم أخذ يتحدث عن نظريته التي يدعوا إليها وطريقته التي يمشي عليها إنها ((تعلي من شأن العقل، وتجعله معيارًا وميزانًا، حتى بالنسبة للنصوص والمأثورات حتى لنستطيع أن نقول: إن موقفها من العقل والفلسفة يجعلها الامتداد المتطور لمدرسة المعتزلة، فُرسان العقلانية في تراثنا القديم))(170) .(1/108)
ويقول آخر من سدنة العقلانية: ((إن البشرية لم تعد في حاجة إلى من يتولى قيادتها في الأرض باسم السماء فلقد بلغت سن الرشد، وأن لها أن تُباشر شؤنها بنفسها))(171) .
ويقول: ((فلقد حرر الإسلام العقل البشري من سُلطان النبوة من حيث إعلانه إنهاءها كُليةً، وتخليص البشرية منها))(172) .
ويقول آخر من أحلاس هذه المدرسة: ((أما المصدر الذي يتعين علينا أن نُعيد إليه اعبتاره كأصلٍ له فهو العقل...))(173).
وقال أيضًا: ((أنا لا أنا قش الحديث من حيث سنده، وإنما أراه يتعارض مع العقل، ويُقدم العقلُ على النقل عند العارض))(174).
هذه بعض أقوال أولئك المفتونين المعاصرين المقدمين للعقل على النقل الذين رضعوا لبان الفكر الغربي الحديث ونشئوا في قلبِ بلاد الإسلام الذبيح، مع تفاوتٍ في شططهم واختلاف أقدارهم وعقولهم.
((فعجبًا للعصريين في هذا العصر، إنهم مصرون على أن يصنعوا الإسلام في ذمة التاريخ، على رُفوف التراث، يُشار إليه ولا يُعمل به، فالإسلام يصبح اسمًا لكل من يؤمن بالله واليوم الآخر؛ أيًا كان إيمانه، فيندرج تحته الصهيونيون والصليبيون في صور تجعل إرسال الرسل بالبيان الحق المنهج الصواب عبثًا)) (175).
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول: ((ومألهم في تلك الأقيسة العقلية إلى السفسطة، التي هي جحود الحقائق الموجودة بالتمويه والتلبيس، ومألهم في تلك التأويلات إلى القرمطة، التي هي تَحريفُ الكلم عن مواضعه وإفساد الشَرع واللغة والعقل، بالتمويه التلبيس))(176).
ومن النظريات المضادة للتوحيد وهي كثيرة ونمثل لهاب ((الداروينية))
في سنة 1859م- نشر الباحث الإنجليزي ((تشارلز داروين)) كتابه ((أصل الأنواع))، فأحدث ضجة لم يحدثها أي مؤلف آخر في التاريخ الأوربي قاطبة، وكان له من الآثار في المجالات الفكرية والعملية ما لم يكن في الحسبان.(1/109)
والغرض الذي يدور حوله الكتاب هو افتراض تطور الحياة في الكائنات العضوية من السهولة وعدم التعقيد إلى الدقة والتعقيد، وتدرجها من الأحط إلى الأرقى، وأن الفروق الخلقية داخل النوع الواحد تنتج أنواعًا جديدة مع مرور الأحقاب الطويلة، ولذلك يفترض داروين أن أصل الكائنات العضوية ذات الملايين من الخلايا كائن حقير ذو خلية واحدة.
وحسب قانون((الانتقاء الطبيعي وبقاء الأنسب)) نمت الأنواع التي استطاعت التكيف مع البيئة الطبيعية ومصارعة الكوارث المفاجئة، وتدرجت في سلم الرقي في حين هلكت الأنواع التي لم يخالفها الحظ في ذلك.
وعلة ذلك أن الطبيعة -حسب تعبير داروين- وهبت بعض الكائنات عوامل البقاء ومؤهلات حفظ النوع بإضافة أعضاء أوصفات جديدة تستطيع بواسطتها أن تتواءم مع الظروف الطارئة، وقد أدى ذلك إلى تحسن نوعي مستمر نتج عنه أنواع جديدة راقية كالقردة ونوع أرقى هو الإنسان، أما البعض الآخر فقد حرمته الطبيعة من ذلك فتعثر وسقط، والطبيعة إذ تَهب هذا وتحرم ذاك لاتنتهج خطة مرسومة، بل تخبط خبط عشواء -على حد قوله- كما أن خط التطور ذاته متعرج ومضطرب لا يسير على قاعدة منطقية مطردة.
ذلك بإيجاز شديد هو لب النظرية التي طلع بها داروين في ذلك الكتاب وهي في جوهرها فرضية بيولوجية أبعد شيء عن أن تكون نظرية فلسفية عامة كما أنها بعيدة عن أن تكون حقيقة علمية ثابتة(177)
((وهكذا بدأت الداروينية سنة 1859م ، وانتشرت في أوربا، وانتقلت بعدها إلى جميع بقاع العالم، وما نزال هذه النظرية تدرس في كثير من الجامعات العالمية، كما أنها قد وجدت أتباعًا لها في العالم الإسلامي بين الذين تربوا تربية غربية، ودرسوا في جامعات أوربية وأمريكيه))(178).
وللأسف الشديد فقد تأثر ببعض أفكارها بعض من المنتسبين إلى الإسلام وينعتون أنفسهم بمفكرين إسلاميين، وإن لم يتبنوها برمتها ولكن أصابهم دخانها.
من آثار الداروينية:(1/110)
- سيطرت الأفكار المادية على عقول الطبقة المثقفة وأوحت كذلك بمادية الإنسان وخضوعه لقوانين المادة.
- نخلت جموع غفيرة من الناس عن إيمانها بالله تخليًا تامًا أو شبه تام.
- عبادة الطبيعة، فقد قال داروين: ((الطبيعة تخلق كل شيء ولا حد لقدرتها على الخلق)).
…وقال: ((إن تفسير النشوء والارتقاء بتدخل الله هو بمثابة إدخال عنصر خارق للطبيعة في وضع ميكانيكي بحت)).
- لم يعد هناك جدوى من البحث في الغاية والهدف من وجود الإنسان لأن داروين قد جعل بين الإنسان والقرد نسبًا بل زعم أن الجدَّ الحقيقي للإنسان هو خلية صغيرة عائشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين.
- طغت على الحياة فحضى عقائدية.
- كانت نظرية داروين إيذانًا وتمهيدًا لميلاد نظرية فرويد في التحليل النفسي، وميلاد نظرية برجسون في الروحية الحديثة، وميلاد نظرية سارتر في الوجودية، وميلاد نظرية ماركس في المادية. وقد استفادت هذه النظريات جميعًا من الأساس الذي وضعه داروين واعتمدت عليه في منطلقاتها وتفسيراتها للإنسان والحياة والسلوك.
نظرية التطور البيولوجية انتقلت لتكون فكرة فلسفية داعية إلى التطور المطلق في كل شيء تطور لاغياة له ولا حدود، وانعكس ذلك على الدين والقيم والتقاليد، وساد الاعتقاد بأن كل عقيدة أو نظام أو خُلق هو أفضل وأكمل من غيره ما دام تاليًا له في الوجود الزمني(179).
وللاسف الشديد فإن هذه النظرية تدرس في مدارس المسلمين للناشئة هكذا دون انتقاد لها ودون تقيد وإنما تدرس ولها كل احترام وهيبة وتبجيل فكيف تكون الآثار النفسية على دارس هذه النظرية لا سيما الناشئة الصغار الذين هم في دور التكوين الفكري والعقدي والثقافي.(1/111)
ومنها: نظرية السيادة فمن قائل السيادة للأمة، ومن قائل السيادة للشعب ومن قائل السيادة للشعب ((السيادة للأمة)) تتمثل نظرية سيادة الأمة في أن السيادة للأمة باعتبارها شخصًا متميزًا عن الأفراد المكونين لها، وليست السيادة ملكًا لأفراد الأمة مستقلين، فليس لكل منهم جزء من السيادة وإنما للسيادة صاحب واحد هو الأمة التي هي شخص جماعي مستقل عن الأفراد الذين يكونونها فالإرادة العامة للأمة التي صارت مستقرًا ومستودعًا لهذه السيادة هي ذلك الوجود المعنوي، أو المجازي الذي انبثق عن مجموع الإرادات الفردية واستقل عنها.
لقد نشأت نظرية سيادة الأمة كرد فعل عنيف للأوضاع السياسية التي عاشتها أوربا قبل عصر الثورة الفرنسية حيث كان الملك يستحوذ على السيادة في مملكته.
ولذلك كان لويس الرابع عشر يقول: ((أنا الدولة)) فلما قامت الثورة الفرنسية انتزعت السيادة من يد الملك وجعلتها ملكًا للأمة ، وجاء الدستور الفرنسي ليؤكد على هذا في المادة الثالثة من إعلان حقوق الإنسان الصادر عام (1879م) على أن السيادة للأمة حيث جاء فيه ((مبدأ السيادة الكاملة هو أساسًا من حق الأمة فلا يجوز لأي جماعة أو فرد أن يمارس السلطة ما لم تكن نابعة بجلاء من الأمة)) كما تم النص في الماة السادسة من الإعلان نفسه على أن القانون هو التعبير عن إرادة الأمة.
ورغم النداء الصاعق بتطبيق نظرية سيادة الأمة في الغرب يجد الكثيرين من مفكري الغرب لا يرون هذه النظرية إلا ضربًا من الخيال لأن كيان الأمة ينشأ عن تجمع عدد من الأفراد يشتركون في بضعة عوامل كاللغة والدين والتاريخ والحضارة، وسلطة هؤلاء الأفراد مجتمعين هي السيادة الحقيقية لهذا الكيان، وهذه السلطة لا يمكن أن يشارك فيها أحد من الأجيال السابقة (الموتى) أو الأجيال اللاحقة التي لم يولد أبناؤها بعد.(1/112)
وخروجًا من الخيال إلى الحقيقة أقرساسة الديمقراطية المعاصرة الحق في مشاركة السلطة للمعاصرين دون غيرهم، وبذلك اعبتر رأيهم ممثلاً لإرادة الأمة....
((سيادة الشعب)) هناك ارتباط وثيق بين نظريتي سيادة الأمة وسيادة الشعب، فقد قامت الثانية لتلافي أخطاء الأولى وإزالة عيوبها، فكانت نقطة البداية في نظرية سيادة الشعب ((أنها تقرر انتقال السيادة إلى الجماعة بوضعها مكونة من عدد من الأفراد وليست باعتبارها وحدة مستقلة عن الأفراد المكونين لها...))
((سيادة القانون)) إلى جانب النظريات السابقة للسيادة، ظهرت سيادة القانون، القائمة على أساس الاعتراف للقانون بحق الرياسة والقداسة، مما يجعله مصدر السيادة الذي لا منازع له، وهناك وحدة فلسفية ظاهرة بين سيادة الأمة وسيادة القانون حيث أن القانون هو التعبير عن إرادة الأمة، فسيادته تعني سيادة الأمة من جهة أن الأمة تحتكم إلى القانون صاغته أو شاركت في صياغته أو أقرته على الأقل، فهي لا تخضع لسيادة خارجية، ولكنها تخضع لسيادة المجموع من خلال القانون.
أما السيادة التي تنسب للقانون فلا يتمتع بها في الحقيقة إلا المجلس التشريعي للأمة وليس أفراد الأمة أحادًا كما تشير الأصول الفلسفية على ما أسلفت، بل إن المتمتع بهذه السيادة هو ((الشخص أو الهيئة التي يخولها القانون سلطة ممارسة السيادة أي سلطة إصدار الأوامر النهائية في الدولة فالسلطة العليا التي تمتلك حق إصدار هذه القوانين هي صاحبة السيادة القانونية)).
هذه هي بعض نظريات السيادة التي يتداول الناس شعاراتها اليوم(180) .(1/113)
والحق الذي لا يحيد عنه كل موحد أن من مقتضيات التوحيد سيادة الشرع، فإن الإسلام الذي يقر بالوحدانية لله ويوجب على المسلمين الإقرار بوحدانية الله حتى يكونوا مسلمين، لم يقيد الوحدانية في ميدان دون ميدان، بل لابد من توحيد الله تعالى وإفراده بكل صفة من صفات الكمال فمن استسلم لله ظاهرًا وما انقاد له باطنًا فليس بموحد لأن التوحيد كلٌ لا يتجزأ كما أن من استسلم وانقاد لله تعالى في عبادته ثم انقاد لغيره فجعله سيدًامطاعصا في أي أمر من أمور دينه أو دنياه التي مردها إلى الله فقد أشرك مع الله غيره، لأن التوحيد يقتضى إفراد الرب سبحانه بجميع صفات الكمال ومنها السيادة أو السلطة العليا المطلقة على الخلائق أجمعين كما أن صفات الكمال التي يجب صرفها لله تعالى ودره كثيرة فمنها: الخلق، والرزق، والأمر ، والملك، وغير ذلك مما وصف الله تعالى به نفسه أوصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم ، فمن وحد الله تعالى ووصفه بالخلق أو الرزق ونسب صفة الأمر لغيره فهو كافرٌ بالله مشركٌ به وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ((فمنازعة الله في شيء من الأمر كمنازعته في شيء من الخلق ولا فرق، ولا شك أن إفراد الله بالأمر كإفراده بالخلق، وأن إفراده بالأمر الشرعي كإفراده بالأمر الكوني ولا فرق، وأن الخروج على أحدهما إشراكٌ بالله عزوجل، ومنازعةٌ له في إظهر خصائص الربوبية قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف:40]، وقال تعالى {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} [الأنعام:114] فدلت الآية الأولى على أن إفراد الله بالحكم من عبادته وأن عبادته وحده هي الدين القيم، وأنكرت الآية الثانية أن يبتغي غير الله حكمًا وهو الذي أنزل الكتاب مفصلاً(1/114)
فهل يسوغ بعد هذا لأحد أن يزعم الإيمان ويدعى الإسلام وهو يصرف إحدى خصائص الألوهية لغيره.
وليس بخاف أن الإقرار لله تعالى بالسيادة هو مقتضى التوحيد بأقسامه الثلاثة.
فتوحيد الألوهية وهو توحيد الله بأفعال العباد يلزم أهل الإسلام بإفراد الله عز وجل بالسيادة، إذ له الحكم، وله الأمر، وليس لأحد سواه شيء من ذلك )).
وتوحيد الربوبية وهو توحيد الله بأفعاله يلزم أهل الإسلام بإفراد الله عزوجل بالسيادة، إذ إن الحكم والأمر له وهما من أفعاله سبحانه، فوجب الإقرار بهما على كل مقر بتوحيد الربوبية.
وتوحيد الأسماء والصفات يقتضي أيضًا وصف الله تعالى بما وصف به نفسه، وهو كما قال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] في تقريرٍ يقطع دابر كل شك وريب ومن لم يصف الله تعالى بما وصف به نفسه من الحكم والأمر وما في معناهما وسائر صفاته تعالى فهو كافرٌ مشرك، ومثله في الحكم من نسب شيئًا من صفاته تعالى لغيره من الخلائق(181).
ومن الجمعيات والمنظمات:
((الماسونية)) وهي منظمة يهودية سرية إرهابية غامضة محكمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم وتدعو إلى الإلحاد والإباحية والفساد.
من أفكارهم ومتقداتهم:
-يكفرون بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات ويعتبرون ذلك فزعبلات وخرافات.
- يعلمون على تفويض الأديان.
- إباحة الجنس واستعمال المرأة كوسيلة للسيطرة.
- تهديم المبادئ الأخلاقية والفكرية والدينية ونشر الفوضى والانحلال والإرهاب والإلحاد(182).
((الليونز)) هي مجموعة نواد ذات طابع خيري اجتماعي في الظاهر، لكنها لا تعدوا أن تكون واحدة من المنظمات العالمية التابعة للماسونية التي تديرها أصابع يهودية بغية إفساد العالم وإحكام السيطرة عليه.
وفي أفكارهم:
- الدعوة إلى الإخاء والحرية والمساواة.
- تنمية روح الصداقة بين الأفراد بعيدًا عن الروابط الدينية.
- يرددون دائمًا شعار ((الدين لله والوطن للجميع)).(1/115)
- الإسلام لديهم يقف على قدم المساواة مع الديانات الأخرى سماوية كانت أم بشرية هذا من حيث الظاهر، أما الحقيقة فإنهم يكيدون له أكثر مما يكيدون لسواه.
((الروتاري)) منظمة ما سونيه تسيطر عليها اليهودية العالمية، تعرف باسم ((نادي الروتاري)).
من أفكارهم:
- عدم اعتبار ((الدين)) مسالة ذات قيمة لا في اختيار العضو، ولا في العلاقة بين الأعضاء، ولا يوجد أي اعتبار لمسألة الوطن.
- إسقاط اعتبار ((الدين)) يوفر الحماية لليهود ويسهل تغلغلهم في الأنشطة الحياتية حافة.
- هناك تشابه كبير بين الماسونية والروتاري في مسألة ((الدين والوطن)).
- القيم والروح التي يُصبَغ بها الفرد واحدة في الماسونية والروتاري مثل فكرة المساواة والإخاء والروح الإنسانية والتعاون العالمي، وهذه روح خطيرة تهدف إلى إذابة الفوارق بين الأمم، وتفتيت جميع أنواع الولاءات، حتى يصبح الناس أفرادًا ضائعين تائهين، ولا تبقى قوة متماسكة إلا اليهود الذين يريدون السيطرة على العالم.
- تتظاهر بالعمل الإنساني من أجل تحسين الصلاة بين مختلف الطوائف وتتظاهر بأنها تحصر نشاطها في المسائل الاجتماعية والثقافية وتحقق أهدافها عن طريق الحفلات الدورية والمحاضرات والندوات التي تدعو إلى التقارب بين الأديان.
- أما الغرض الحقيقي وهو أن يمتزج اليهود بالشعوب الأخرى باسم الود والإخاء وعن طريق ذلك يصلون إلى جمع المعلومات التي تساعدهم في تحقيق أغرضهم الاقتصادية والسياسية وتساعدهم على نشر عادات معينة تعين على التفسخ الاجتماعي(183) .
هذه أخا التوحيد بعض الأمور التي تدعوا إلى الاهتمام بالتوحيد، وجعله على قائمة أولويات الدعوة الإسلامية.
وكأني بك قد استبان لك الخطر الداهم على عقيدة التوحيد، وبعض المخططات التي ترادُ بأهله، فهل من نصرة لعقيدة التوحيد وهل من همة للذب عنها والذود عن حياضها.
الفصل الثالث
كيف نهتم بالتوحيد(1/116)
بعد أن بينا في الفصل السابق أهمية التوحيد وفضله والخطر الداهم على دعوة التوحيد ووجوب الاهتمام به والذود عنه.
وبعد شحذ الهمم واستنفارها؛ وتوضيح المسائل وتجليتها، نوضح في هذا المبحث كيف نهتم بالتوحيد، وكيف نجعله أول أولويات الدعوة، وكيف نقوم بتأدية واجبنا تجاه الدعوة التي بعث بها رسل الله صلوات ربي وسلامه عليهم.
وهذه المقترحات والوسائل التي من شأنها الاهتمام بالتوحيد ما هي إلا اجتهادات وأفكار وربما كان لدى غيرى ما هو مثلها أو يزيد عليها، فلنجتهد جميعًا في الاهتمام بالتوحيد، ولنشمر عن ساعد الجر في سبيل نشر دعوة التوحيد والذود عنها.
1- تعلم التوحيد وتدارسه وضبط مسائله
قال عز وجل {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18].
قال القرطبي: في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم، فإنه لو كان أحدٌ أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته، كما قرن اسم العلماء(184) .
وقال سبحانه: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
قال ابن عباس: ((العالم بالرحمن من عباده من لم يشرك به شيئًا، وأحل حلاله، وحرم حرامه، وحفظ وصيته وأيقن أنه ملافيه ومحاسبٌ بعمله))(185).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((العلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به الرسول))(186).
وقال في موضع آخر: ((والعلم الممدوح الذي دل عليه الكتاب والسنة هو العلم الذي ورثته الأنبياء)) (187) .
وقال أيضًا: ((والخير والسعادة والكمال والصلاح منحصر في نوعين: في العلم النافع والعمل الصالح وقد بعث الله محمدًا بأفضل ذلك وهو الهدى ودين الحق))(188).(1/117)
وقال ابن حجر -رحمه الله- في أول شرحه لكتاب العلم من صحيح البخاري: ((والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عبادته ومعاملاته والعلم بالله وصفاته، وما يجبُ له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص))(189) .
وقال ابن القيم -رحمه الله- : ((إن العبد لو عرف كل شيء ولم يعرف ربه فكأنه لم يعرف شيئًا))(190).
ولطلب العلم أصول وقواعد ذكرها أهل العلم -رحمهم الله- في غير ما كتاب ومن هذه الأصول والقواعد:
((من لم يتقن الأصول؛ حُرم الوصول))(191) .
((ومن رام العلم جُملة ذهب عنه جُملة))(192).
وعليه فلا بد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه، بضبط أصله ومختصره على شيخ متقن، لا بالتحصيل الذاتي وحده، وآخذًا الطلب بالتدرج.
قال الله تعالى: {وَقُرْءَانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً } [الإسراء:106].
وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } [الفرقان:32].
فأمامك أمورٌ لابد من مراعاتها في كل فن تطلبه ومن ذلك علم العقيدة.
1- حفظ مختصر فيه.
2- ضبطه على شيخ متقن.
3- عدم الاشتغال بالمطولا وتفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله.
4- لا تنتقل من مختصر إلى آخر بلا موجب، فهذا من باب الضجر.
5- إقتباص الفوائد والضوابط العلمية.
6- جمع النفس للطلب والترقي فيه، والاهتمام والتحرق للتحصيل والبلوغ إلى ما فوقه حتى تفيض إلى المطولات بسابلةٍ مُوثقة(193).
يقول الشيخ بكر أبو زيد -نفع الله به- حول طريقة تدريس التوحيد وغيره من العلوم: ((وقد كان الطَّلَبُ في قطرنا بعد مرحلة الكتاتيب والأخذ بحفظ القرآن الكريم يمر بمراحل ثلاث لدى المشايخ في دروس المساجد: للمتبدئين، ثم المتوسطين، يم المتمكنين(1/118)
ففي التوحيد: ((ثلاثة الأصول وأدلتها))، ((والقواعد الأربعة))، ثم ((كشف الشبهات))، ثم ((كتاب التوحيد))، أربعتها للشيخ محمد بنعبدالوهاب رحمه الله، هذا في توحيد العبادة.
وفي توحيد الأسماء والصفات: ((العقيدة الواسطية))، ثم ((الحَمَوية))، والتدميرية، ثلاثتها لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ، فالطحاوية مع شرحها))(194).
جرد المطولات:
((الجرد للمطولات من أهم المهمات، لتعدد المعارف وتوسيع المبارك، واستخراج مكننها من الفوائد والفرائد، والخبرة في مظان الأبحاث والمسائل، ومعرفة طرائق المصنفين في تأليفهم واصطلاحهم فيها))(195) .
ومن الكتب الموسعة في مسائل المعتقد الأجزاء المتعلقة بالعقيدة في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، وكذلك في ((الدرر السنية في الفتاوى النجدية)) وكذلك في ((مجموعة الرسائل والمسائل لبعض علماء نجد)).
ومن ذلك ((منهاج السنة النبوية)).
و((درء تعارض العقل والنقل)).
ولا تنس كتب المعتقد المسندة: ((كالشريعة)) للآجري و((السنة)) لعبد الله بن أحمد و((السنة)) للخلال، و((الإبانة)) لابن بطة العكبري وغيرها فيمر عليها وتقرأ وتقيد الفوائد.
وتلخص المسائل، وتسأل عما يشكل حتى يكون عندك مراس ودربة، ولقراءة المطولات فوائد تربوية حيث ترى مواقف أهل العلم في تعاملهم مع المسائل النازلة وإلحاقهم الأشباه بنظائرها وتخريجهم المسائل على قواعدها.
2- تربية النفس على التوحيد
جاء في ((لسان العرب)): ((ربا الشيء يَربوا ورِباء)): زاد ونما - وأربيته: نميته.
وفي ((مفردات الراغب)): ((الرَّبُّ في الأصل التربية؛ وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام)).
وقال الدكتور محمد عبدالله دراز: ((التربية تفعلة من ربا؛ إذا زاد ونما فهي تعهد الشيء ورعايته بالزيادة والتنمية والتقوية، والاخذ به في طريق النضج والكمال الذي تؤهله له طبيعته))(196).(1/119)
ما من مولود إلا ويولد على الفطرة كما في الحديث، ولكن مجتمعات اليوم قد تغير من تلك الفطرة بما شابها من شوائب.
فينبغي لمن هداه الله إلى فطرة التوحيد أن ينتشل نفسه من المجتمعات المشوبة بما يخال التوحيد، ويربيها على التوحيد الخالص حتى يسطيع فيما بعد أن يكون مؤثرًا في مجتمعه مرشدًا الناس إلى توحيد الله.
فمثلاً إذا نزلت به النازلة فإنه يجد نفسه تضطرب وقد يضيق به الحال وقد يرشده من حوله إلى الطرق الشركية أو المشوبة بالشرك من النذر للأولياء أو الاستغاثة بغير الله أو غير ذلك من الأمور فينبغي أن يربي الموحد نفسه في تلك الشدائد فيقرأ الآيات والأحاديث التي فيها الأمر بالتوكل على الله ويتدبرها ويملأ قلبه بالإيمان بالله وبالأعمال الصالحة ويتضرع ويلجأ إلى الله عزوجل، ويصبر ويحتسب حتى يرفع الله عنه البلاء، وقد لا يرفع البلاء فيكون ذلك زيادة في الاختيار فيزداد في اللجوء إلى الله ويصبر فإن في ذلك له أجر قال صلى الله عليه وسلم : ((ما من مصيبة تصيب المؤمن ))(1/120)
ومن التربية على التوحيد أن يتدبر العبد أسماء الله وصفاته فإنه إذا آمن بصفات ((العلم، والإحاطة، والمعية)) أورثه ذلك الخوف من الله عزوجل المطلع عليه الرقيب الشهيد، فإذا أمن بصفة ((السمع))، علم أن الله يسمعه؛ فلا يقول إلا خيرًا، فإذا أمن بصفات ((البصر، والرؤية، والنظر، والعين)) علم أن الله يراه فلا يفعل إلا خيرًا، فما بالك بعبد يعلم أن الله يسمعه، ويراه، ويعلم ما هو قائله وعامله، أليس مري بهذا العبد أن لا يجده الله حيث نهاه، ولا يفتقده حيث أمره؟! فإذا علم هذا العبد وآمن أن الله (يحب، ويرضى)؛ عمل ما يحبه معبوده ومحبوبه وما يرضيه، فإذا آمن أن من صفاته ((الغضب والكره، والسخط، والمقت، والأسف، واللعن)) عمل بما لا يُغضب مولاه ولا يكرهه حتى لا يسخط عليه ويمقته ثم يلعنه ويطرده من رحمته، فإذا آمن بصفات ((الفرح، والبشبشة، والضحك)) أنس لهذا الرب الذي يفرح لعباده ويتبشبش لهم ويضحك لهم؛ ما عد منا خيرًا من رب يضحك.
وهكذا الحال في بقية الصفات(197) فنحن لا نريد أن تكون دراسة أسماء الله وصفاته دراسة نظرية فحسب بل دراسة تربوية أيضًا لها وقعها على النفس وأثرها في سلوك الفرد.
وكذا الحال في دراسة بقية أقسام التوحيد أقصد توحيد الربوبية والألوهية لا نريدها دراسة نظرية فحسب وإنما لها واقعها العملي وأثرها في سلوك الفرد ومنهج حياته.
3- الدعوة إلى التوحيد والحرص على نشره
الدعوة لغة: الصياح والنداء والطلب: تقول: دعوت فلانًا أي صحتُ به واستدعيته... وقد تتعدى بحرف الجر ((إلى)) فيراد بها الحثُ على فعل الشيء . تقول: دعاه إلى الشيء تعني حثه على قصده(198) .
((وفي لسان العرب: دعا الرجل دعوا ودعاء: ناداه ، والاسم الدعوة... ودعوة الحق شهادة أن لا إله إلا الله...)) (199).(1/121)
ورسل الله هم أعظم من دعوا إلى الله فلا تقف مهمة الرسل عند بيان الحق وإبلاغه، بل هم حريصون على دعوة الناس إلى الأخذ بدعوتهم، والاستجابة لها، وتحقيقها في أنفسهم اعتقادًا وقولاً وعملاً، وهم في ذلك ينطلقون من منطلق واحد، فهم يقولون للناس أنتم عباد لله، والله هو ربكم وإلهكم، والله أرسلنا لنعرفكم كيف تعبدوه، ولأننا رسلٌ لله مبعوثون من عنده فيجب عليكم أن تطيعونا وتتبعونا {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] وكل رسول قال لقومه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء: 108،136،144،150، 163،179] وقد بذل رُسل الله في سبيل دعوة الناس جهودصا عظيمة، وحسبك في هذا أن تقرأ أيات سورة نوح لترى الجهد الذي بذله واحدٌ من أنبياء الله على مدار تسعمائة وخمسين عامًا، فقد دعاهم ليلاً ونهارًا. سرًا وعلانية، واستعمل أساليب الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وحاول أن يستثير عقولهم وفطرهم، وأن يوجهها إلى ما في الكون من آيات وهكذا الدعاة إلى الله لهم قدوة في أنبياء الله ورسله وقد قال الله عز وجل أمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم .
قال عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].
قال الشيخ السعدي رحمه الله: ((يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل للناس هذا سبيلي أي طريقي ، التي أدعوا إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله، وإلى دار كرامته، المتضمنة للعلم بالحق، والعمل به، وإيثاره وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له.(1/122)
{أدعو إلى الله} أي أحث الخلق والعباد، على الوصول إلى ربهم، وأرغبهم في ذلك، وأرهبهم مما يبعدهم عنه.
ومع هذا فأنا {على بصيرة} من ديني، أي على علم ويقين، ومن غير شك ولا امتراء، ولا مرية.
{أنا و} كذلك {من اتبعني} يدعو إلى الله، كما أدعو، على بصيرة من أمره.
{وسبحان الله} عما ينسب إليه، مما لا يليق بجلاله، أو ينافي كماله.
{وما أنا من المشركين} في جميع أموري، بل أعبد الله مخلصًا له الدين)) (200).
وقال سبحانه {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ((هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولاً أي كلامًا وطريقةً، وحالة {ممن دعا إلى الله} بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها، والحث عليها، وتحسينها معما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه.
خصوصًا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ومن الدعوة إلى الله تحبيبه إلى عباده، بذكر تفاصيل نعمه، وسعة جوده، وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله.
ومن الدعوة إلى الله الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله، وسنة رسوله، والحث على ذلك بكل طريق موصل إليه.
ومن ذلك الحث على مكارم الأخلاق، والإحسان إلى عموم الخلق، ومقابلة المسيء بالإحسان، والأمر بصلة الأرحام، وبر الوالدين ومن ذلك الوعظ لعموم الناس، في أوقات المواسم، والعوارض، والمصائب، بما يناسب ذلك الحال، إلى غير ذلك، مما لا تنحصر أفراده، بما تشمله الدعوة إلى الخير كله، والترهيب من جميع الشر.
ثم قال تعالى: {وعمل صالحًا} أي مع دعوته الخلق إلى الله، بادر هو بنفسه، إلى امتثال أمر الله، بالعمل الصالح، الذي يُرضي ربه.(1/123)
{وقال إنني من المسلمين} أي المنقادين لأمره السالكين في طريقه، وهذه المرتبة، تمامها للصديقين، الذين عملوا على تكميل أنفسهم، وتكميل غيرهم، وحصلت لهم الوراثة التامة من الرسل.
كما أن من أشر الناس قولاً من كان من دعاة الضلال السالكين لسبله.
وبين هاتين المرتبتين المتباينتين، اللتين ارتفعت إحدهما إلى أعلى عليين، ونزلت الأخرى إلى أسفل سافلين مراتب لا يعلمها إلا الله، وكلها معمورة بالخلق، {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}))(201) .
ومن سبل الدعوة إلى التوحيد:
1- إقامة الدروس المستمرة في المساجد والبيوت.
2- الإكثار من المحاضرات والندوات حول التوحيد.
3- نشر كتب التوحيد في جميع أنحاء العالم فحاجة الناس إليها أشر من حاجتهم إلى الطعام والشراب.
4- استثمار جميع الفرص الناسخة لنشر عقيدة أهل السنة والجماعة وسلف الأمة.
جاء في رسالة وجهها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله إلى القضاة ليحثوا الناس على أداء الصلاة جماعة في المساجد ويذاكروا العامة أصول دينهم ما نصه:
((يتعين على إمام كل مسدد أن يقوم بعد صلاة فجر كل يوم بتعليم ثلاثة أشخاص من جماعة مسجده أو أكثر حسب الاستطاعة أصول الدين، كمختصر ثلاثة الأصول، وشروط الصلاة، وأن يتعاهد جماعة مسجده بالنصيحة والتذكير والدرس، ويعقد لهم مجلسًا يوميصا يسألهم فيه عن أمور دينهم، ويعلمهم ما يخفى عليهم فيها، ومن طلب مهلة لتذكرها وتحفظها فيمسهل، ومن امتنع من ذلك يلزم به من قبل الإمام والمؤذن والهيئة ، وإن لم يمتثل فيرفع باسمه إليكم لتقوموا حوله بما يلزم براءة الذمة ونصحًا للأمة))(202) .
4- الصبر على الأذى في سبيل التوحيد(1/124)
((إن الصبر وهو حبس النفس على طاعة الله تعالى حتى لا تفارقها، وعن معصية الله تعالى حتى لا تقربها، وعلى قضاء الله تعالى حتى لا تجزع له ولا تسخط عليه، هذا هو الصبر في مواطنه الثلاثة وهو خلق من أشرف الأخلاق وأسماها، وهو خلق مكتسب يحمل العاقل عليه نفسه ويروضها شيئًا فشيئًا حتى يصبح ملكة لها ثابتة عفوًا بدون طلب يدل على ذلك أمره تعالى رسوله به في غير موطن من كتابه العزيز، وذك كقوله تعالى {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35] وقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ}، وقوله في أمر كافة المؤمنين به: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] وقد صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصابر طيلة عهد إبلاغ رسالته الذي دام ثلاثًا وعشرين سنة، فلم يجزع يومًا، ولم يتخل عن دعوته وإبلاغ رسالته حتى بلغ بها الآفاق التي شاء الله تعالى أن تبلغها، وباستعراضنا المواقف التالية تتجلى لنا حقيقة الصبر المحمدي الذي هو فيه أسوة كل مؤمن وداعية إلى التوحيد في معترك هذه الحياة.
صبره صلى الله عليه وسلم على أذى قريش طيلة ما هو بين ظهرانيها بمكة، فقد ضربوه، وألقوا سلى الجزور على ظهره، وحاصروه ثلاث سنوات مع بني هاشم في شعب أبي طالب، وحكموا عليه بالإعدام، وبعثوا رجالهم لتنفيذه فيه إلا أن الله سلمه وعصم دمه، كل هذا لم يرده عن دعوته، ولم يثن عزمه عن بيانها وعرضها على القريب والبعيد.
صبره صلى الله عليه وسلم عام الحزن، حيث ماتت خديجة الزوجة الحنون ومات العم الحاني الحامي المدافع أبو طالب، فلم تفتّ هذه الرزايا من عزمه، ولم توهن من قدرته؛ إذ قابل ذلك بصبر لم يعرف له نظير.(1/125)
صبره في كافة حروبه في بدر وفي أحد وفي الخندق وفي الفتح وفي حنين وفي الطائف وفي تبوك، فلم يجبن ولم ينهزم، ولم يفشل، ولم يكل ولم يمسل حتى خاض حروبًا عدة، وقاد سرايا عديدة، فقد عاش من غزوة إلى أخرى طيلة عشر سنوات، فأي صبر أعظم من هذا الصبر.
صبره على تأمر اليهود عليه بالمدينة وتحزيبهم الأحزاب لحربه والقضاء عليه وعلى دعوته.
صبره على الجوع الشديد فقد مات ولم يشبع من خبز شعير مرتين في يوم واحد قط.(203)
إلى غير ذلك من صور صبره صلى الله عليه وسلم طيلة حياته وفي خلال دعوته، فلم يكل ولم يمل، ولم يضجر حتى أذن الله بنصرة هذا الدين وانتشاره، وإظهاره على جميع الأديان)).
إن الابتلاء في سبيل الله تعالى سنة الأنبياء والرسل عليهم السلام، قال صلى الله عليه وسلم : ((أشد الناس بلاء)) الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا أشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة(204)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مبينًا أن من سنة الله عز وجل في خلقه أن من جمع بين الصبر والإيمان عند الشدائد والمحن ينصره الله وينتقم له من حزب الشيطان: قال -رحمه الله-: ((والله محقق ذلك ومنجز وعده في السر والإعلان، ومنتقم من حزب الشيطان لعباد الرحمن.
لكن بما اقتضته حكمته، ومضت به سننه من الابتلاء والامتحان، الذي يخلص الله به أهل الصدق والإيمان من أهل النفاق والبهتان، إذ قد دل كتابه على أنه لابد من الفتنة لكل من الداعي إلى الإيمان والعقوبة لذوي السيئات والطغيان.(1/126)
قال الله تعالى: {الم(1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }[العنكبوت:1-4]
فأنكر سبحانه على من يظن أن أهل السيئات يَفُتون الطالب وأن مدعي الإيمان يتركون بلا فتنة تميز بين الصادق والكاذب))(205).
كم تعب العلماء في أداء أمانة العلم عبر التاريخ الإسلامي الطويل؟
وكم أوذوا لأجل صمودهم على الحق رغم أنوف خصومهم عن أهل البدع والأهواء؟
وكم خاضوا أفضل جهاد بقولهم الحق وصدعهم بالهدى أمام قوى الطغيان والبغي؟
((إن من خصائص الداعية إلى التوحيد أنه كبير الهمة، ولا يترخص في السكوت عند غلبة أهل الأهواء والضلالات وعند قوة أهل الفجور واشتداد أذاهم، لأنه يرى أن الترخص هنا من شأن العامة من المستضعفين أما دعاة التوحيد أصحاب الهمم العالية فيتمسكون بالعزيمة، ويصدعون بالحق وإن لحقهم الأذى والعذاب والموت، وقد تجسد هذا المعنى جليًا في موقف إمام أهل السنة أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله تعالى من محنة القول بخلق القرآن)) (206) .(1/127)
وهذا طرفٌ من محنته رحمه الله ورضي عنه كما يرويه ابنه صالح: قال صالح: قال أبي: (( لم جيء بالسياط نظر إليها المعتصم وقال: ائتوني بغيرها ثم، ثم قال للجلادين: ((تقدموا))فجعل يتقدم إلى الرجل منهم فيضربني سوطين، فيقول له: ((شد قطع الله يدك))، ثم ينتحي، ويقوم الآخر، فيضربني سوطين وهو يقول في كل ذلك شد قطع الله يدك)) فلما ضُربت تسعة عشر سوطًا قام إلي، يعني المعتصم: وقال: ((يا أحمد علام تقتل نفسك؟ إني والله عليك لشفيق)) قال: فجعل عُجيف ينخسني بقائمة سيفه، وقال: ((أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم))، وجعل بعضهم: ((يا أمير المؤمنين، دمه في عنقي، اقتله)) ، وجعلوا يقولون: ((يا أمير المؤمنين، أنت صائم، وأنت في الشمس قائم)) فقال ليس: ((ويحك يا أحمد، ما تقول))، فأقول: ((أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول به)) ، فرجع وجلس، وقال للجلاد: ((تقدم أوجع، قطع الله يدك)) ثم قام الثانية، فجعل يقول: ((ويحك يا أحمد أجبني)) ، فجعلوا يقبلون علي ويقولون: ((يا أحمد إمامك على رأسك قائم)) وجعل عبدالرحمن يقول: من صنع من أصحابك في هذا الأمر ما تصنع وجعل المعتصم يقول: ((ويحك أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أُطلق عنك بيدي))، فقلت: ((يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئًا من كتاب الله)) ، فيرجع، وقال للجلادين : ((تقدموا)) فجعل الجلاد يتقدم ويضربني سوطين ويتنحى، وهو في خلال ذلك يقول: ((شد قطع الله يدك)) قال أبي : فذهب عقلي، فأفقت بعد ذلك فإذا الأقياد قد أطلقت عني، فقال لي رجل ممن حضر: ((إنا كببناك على وجهك وطرحنا على ظهرك بارية ودُسناك)) قال أبي : فما شعرتُ بذلك، وأتوني بسويق فقالوا لي: اشرب وتقيأ، فقلت: ((لا أفطر))، ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم فحضرت صلاة الظهر، فتقدم ابن سَماعة فصلى، فلما تمفنل كم تلصلتو قتل لي: ((صليت والدم يسيل في ثوبك)) فقلت: قد صلى عمر وجرحه يَثعبُ دمًا)).(1/128)
قال صالح: ((ثم خُلي عنه فصار إلى منزله، وكان مكثه في السجن منذ أخذ وحمل إلى أن ضرب وخلي عنه، ثمانيةً وعشرين شهرًا.
ولقد أخبرني أحد الرجلين اللذين كانا معه، قال: يا ابن أخي، رحمة الله على أبي عبدالله، والله ما رأيتُ أحدًا يشبهه، ولقد جعلتُ أقول له في وقت ما يُوجه إلينا بالطعام: ((يا أبا عبدالله، أنت صائم، وأنت في موضع تَسقية))(207) ، ولقد عطش فقال: لصاحب الشراب: ((ناولني ))، فناوله قدحًا فيه ماء وثلج، فأخذه ونظر إليه هنيَّة، ثم رده ولم يشرب! فجعلتُ أعجب من صبره على الجوع والعطش، وهو فيما هو فيه من الهول))(208) اهـ.
وقد علق الإمام أبو الفرج بن الجوزي على موقف الإمام أحمد -رحمه الله- قائلاً: ((هذا رجل هانت عليه نفسه في الله تعالى فبذلها، كما هانت على بلال نفسه، وقد روينا عن سعيد بن المسيب: ((أنه كانت نفسه عليه في الله تعالى أهون من نفس ذباب))، وإنما تهون أنفسهم عليهم لتلمحهم العواقب، فعيون البصائر ناظرةٌ إلى المال، لا إلى الحال، قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يبتلى المرء على حسب دينه))، فسبحان من أيده و بصَّره وقواه ونصره))(209) .
ومن هؤلاء الأبطال الذين أوذوا في سبيل الله وكانت دعوتهم نبراسًا للدعاة إلى الله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-
يقول تلميذه الإمام الذهبي: ((لقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية، واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يُسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون، وهابوا وجسر هو عليها، حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قيامًا لا مزيد عليه، وبدعوه وناظروه، وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي، بل يقول الحق المر الذي أداه إليه اجتهاده، وحدة ذهنه، وسعة دائرته في السنن والأقوال، مع ما اشتهر منه من الورع، وكمال الفكرة، وسرعة الإدراك والخوف من الله العظيم.(1/129)
فجرى بينه وبينهم من حملات حربية، ووقعات شامية ومصرية، وكم من نوبة قد رموه عن قوس واحدة، فينجيه الله تعالى، فإنه دائم الابتهال كثير الاستغاثة قوي التوكل، ثابت الجأش، له أوراد وأذكار يدمنها بكيفية وجمعية))(210) .
وإليكم دعاة التوحيد الخطوط العريضة لحياة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في السجون والمعتقلات مع بيان الأسباب التي سجن لأجلها(211).
(1) سنة 693هـ:
اعتلقله نائب السلطان أول مرة لمدة قليلة، بسبب قيامه على عساف النصراني الذي شتم النبي صلى الله عليه وسلم ثم أطلقه مكرمًا ومعززًا.
وقد نسب أعداؤه أنه استغل هذا الحادث لإثارة العامة من الناس.
وعلى إثر ذلك كتب كتابه ((الصارم المسلول على شاتم الرسول)) (212) .
(2) سنة 705هـ:
سعى قوم من الجهمية، والاتحادية، والرافضة وغيرهم من ذوي الأحقاد الموالين للتتار سرًا إلى السلطان، فورد كتاب منه من الديار المصرية إلى نائبة أمير البلاد: أن يسأل ابن تيمية عن أمر الاعتقاد فناقشوه في ثلاثة مجالس حول العقيدة الواسطية(213).
واشترك في هذه المجالس الثلاثة المعقودة لمناظرته كبار قضاة الدولة وفقهائها، أمثال:
- صفي الدين الهندي الذي كان شيخ الموجودين كلهم.
- وكمال الدين الزملكاني الشافعي.
- وصدر الدين بن الوكيل وغيرهم (4).
قال ابن رجب: ((... ووقع الاتفاق على أن هذه عقيدة سنية سلفية.
وورد بعد ذلك كتاب من السلطان فيه: إنما قصدنا براءة ساحة الشيخ وتبين لنا أنه على عقيدة السلف)) (214)
(3) سنة 707هـ:
شكر الصوفية من شيخ الإسلام أمورًا إلى الدولة، لم يثبت عليه شيء منها، وفوضت الدولة أمره إلى الفقهاء والقضاء.
فبعض الفقهاء، قال ليس على ابن تيمية شيء فيها قال في ابن عربي ورأى ابن جماعة أن ذلك فيه سؤ أدب.
ثم خيرته الدولة بين أمور: إما أن يسير إلى الإسكندرية، أو إلى دمشق بشروط، إما أن يودع في السجن، ففضل حياة السجن على البقاء خارجه مكمم الأفواه.(1/130)
ولكن بالحاح بعض أحبائه رضي أن يسير إلى دمشق، فلما كان في الطريق ردوه إلى مصر ثانية، فحضر عند ابن جماعة، وعنده جمع من الفقهاء، فقال بعضهم: إن الدولة لا ترضى إلا بحبس ابن تيمية.
وطلب ابن جماعة من القاضي المالكي أن يحكم عليه بالسجن، فامتنع القاضي وقال: كيف أحكم عليه بالسجن ولم يثبت ضده شيء.
فطلب من القاضي نور الدين الزواوي المالكي، فتوصف أيضًا، ولما رأى شيخ الإسلام هذه المهزلة تقدم بنفسه إلى السجن قائلاً ((أنا أمضي إلى السجن بنفسي وأتبع ما فيه المصلحة)) (215) .
(4) سنة 708هـ:
بقى الشيخ في الاسكندرية وحيدًا بدون أن يرافقه أحد فخيف على حياته، حيث تأثر كثير من الناس بدعوته هناك، وحاول الصوفية اغتياله فنجا من مؤامرتهم، ولكنهم نجحوا في إيداعه السجن في الإسكندرية وأوذي كثيرًا.
ولما تولى الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 709هـ مرة ثانية، أفرج عن شيخ الإسلام(216) .
(5) سنة 718هـ:
ورد مرسوم من السلطان بمنعه من الفتوى في مسألة الحلف بالطلاق بأنه يمين يُكفر عنه، ثم عقد له مجلس بدار السعادة، ومنع من ذلك، ثم عقد له مجلس في سنة 719هـ تأكيدًا للمنع، ولكنه لم ينته عما رآه حقًا، حتى عقد له مجلس ثالث بسبب ذلك وحكم عليه بالسجن، وحبس بالقلعة(217).
(6) سنة 720هـ:
حبس لأجل إفتائه في مسألة الطلاق مرة أخرى ومنع بسببه من الفتيا مطلقًا فأقام مدة بفتي بلسانه ويقول: ((لا يسعني كتم العلم)).
وحكم عليه بالسجن في هذه المرة القاضي نجم الدين بن صلى الله عليه وسلم رَّى فقال له: حكمك باطل، لأنك عدو لي.
فلم يقبل منه وزُجَّ في السجن(218).
(7) سنة 722هـ:
ورد مرسوم باعتقال شيخ الإسلام في مسألة شد الرجال إلى الأضرحة والقبور، بعد ما وشى به إلى السلطان أهل البدع والأهواء(219).
(8) سنة 726هـ:
هذا آخر ماوقع لشيخ الإسلام من الحكم بالسجن، وسبه في هذه المرة أيضًا هو مسألة شد الرحال إلى الأضرحة والقبور.(1/131)
حيث استغل أعدائه فتواه التي أفتى بها قبل سبع عشرة سنة، وحرفوا كلمه، وغيروا ألفاظه، وشعوا عليه بما لم يقل به فأفتى بحبسه طائفة من أهل الأهواء وعلى رأسهم: القاضي الإخنائي المالكي(220).
وعومل شيخ الإسلام معاملة سيئة في السجن في هذه المرة، وأخرج ما كان عنده من الكتب والأوراق والدواة والقلم، ومع من الكتابة والمطالعة. غير أن هذه الحالة لم تدم طويلاً، إذا جاءه أجله المحتوم ولق بالرفيق الأعلى في ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة سنة 728هـ، بالقاعة التي كان محبوسًا بها في قلعة دمشق(221) .
وهكذا توفي شيخ الإسلام (661-728هـ) في السجن بعد جهادٍ طويل، وكفاح مرير ضد كل فتنة داهمت بلاد الإسلام في عصره، وقد أقض مضاجع أهل البدع والأهواء من الفلاسفة والمتكلمين، والصوفية والرافضة، والنصيرية والنصارى وغيرهم، بقلمه وبيانه، وسيفه وسنانه.
ورحمه الله إذ يقول لأعدائه: ((... فأنا على أي شيء أخاف؟ إن قُتلت كنتُ من أفضل الشهداء! وكان علي الرحمة والرضوان إلى يوم القيامة! وكان على من قتلني اللعنة الدائمة في الدنيا و العذاب في الآخرة! ليعلم كل من يؤمن بالله ورسوله أني إن قتلت لأجل دين الله، وإن حبست فالحبسُ في حقي من أعظم نعم الله علي. ووالله ماأطيق أن أشكر نعمة الله عليّ في هذا الحبس، وليس لي ما أخاف الناس عليه!لا إقطاعي، ولا مدرستي، ولا مالي، ولا رياستي وجاهي.
وإنما الخوف عليكم إذا ذهب ما أنتم فيه من الرياسة والمال وفسد دينكم الذي تنالون به سعادة الدنيا والآخرة))(222) .
5- محبة أهل التوحيد وموالاتهم وبغض أهل الكفر ومعاداتهم:
قال عز وجل : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55-56].(1/132)
قال السعدي: ((ولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى، فكل من كان مؤمنًا تقيًا، كان لله وليًا، ومن كان لله وليًا، فهو ولي لرسوله.
ومن تولى الله ورسوله، كان تمام ذلك، تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان، ظاهرًا وباطنًا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة، بشروطها، وفروضها، ومكملاتها، وأحسنوا للخلق بشروطها، وفروضها، ومكملاتها، وأحسنوا للخق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم.
وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي : خاضعون لله ذليلون.
فأداة الحصر في قوله { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا } تدل على أنه يجب قصر الولاية على المذكورين، والتبري من ولاية غيرهم.
ثم ذكر فائدة هذه الولاية فقال: { وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.
أي فإنه من الحزب المضافين إلى الله، إضافة عبودية وولاية، وحز به الغالبون، الذين لهم العاقبة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}
وهذه بشارة عظيمة لمن قام بأمر الله، وصار من حزبه وجنده، أن له الغلبة.
وإن أديل عليهم في بعض الأحيان، لحكمة يريدها الله تعالى، فأخر أمره، الغلبة والانتصار، ومن أصدق من الله قيلا)) (223) .
ومن لوازم موالاة الله ورسوله والمؤمنين معادة أهل الشرك والكفر والباطل.
يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-: ((اعلم رحمك الله تعالى أن أول ما فرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله والدليل قوله تعالى {بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: 36].
فأما صفة الكفر بالطاغوت، أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها وتكفر أهلها وتعاديهم.(1/133)
وأما معنى الإيمان بالله أن تعتقد أن الله هو المعبود وحده، دون سواه، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه، وتحب أهل الإخلاص وتواليهم وتبغض أله الشرك وتعاديهم وهذه ملة إبراهيم التي سفه نفسه من رغب عنها، وهذه هي الأسوة الحسنة التي أخبر الله بها في قوله: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4]))(224) .
وقال عزوجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 57].
قال العلامة السعدي -رحمه الله-: ((ينهى الله عباده المؤمنين عن اتخاذ أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ومن سائر الكفار؛ أولياء يحبونهم، ويتولونهم، ويبدون لهم أسرار المؤمنين ويعاونونهم على بعض أمورهم التي تضر الإسلام والمسلمين.
وأن ما معهم من الإيمان يوجب عليهم ترك موالاتهم، ويحثهم على معاداتهم.
وكذلك التزامهم لتقوى الله، التي هي امتثال أوامره واجتناب زواجره مما يدعوهم إلى معاداتهم)) (225) .
6- غرس التوحيد في نفوس الناشئة وتلقينهم مسائلة وتربيتهم عليه(1/134)
وفي حديث ابن عباس المشور أكر دليل على ذلك قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقالك يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقالام وجفت الصحف . رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسن صحيح.
وفي رواية غير الترمذي: ((احفظ الله تجده أمامك، تَعرف إلى الله في الرخاء يَعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليُصيبك ، وما أصابك لم يكن ليُخطئك، وأعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا))(226) .
فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يخص ابن عباس بهذه الموعظة والنصيحة بل يغرس فيه أسس وركائز العقيدة، وهو ما زال غلامًا حدثًا.
قال ابن رجب: ((وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين)) (227) .
فقوله صلى الله عليه وسلم : ((احفظ الله)) يعني احفظ حدوده وحقوقه، وأوامره ونواهيه، وحفظُ ذلك: هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به، وأذن فيه إلى ما نهي عنه، فمن فعل ذلك، فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله في كتابه...)).
وقوله: ((احفظ الله تجده تجاهك)) معناه: أن من حفظ حدود الله، وراعى حقوقه، وجد الله معه في كل أحواله حيث توجه يحوطه وينصره ويحفظه ويوفقه ويسدده فـ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128] قال قتادة: من يتق الله يكنى معه...
وهذه المعية الخاصة هي المذكورة في قوله تعالى لموسى وهارون: {لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46].(1/135)
وقول موسى: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وهما في الغار ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا))(228).
فهذه المعية الخاصة تقتضي النصر والتأييد والحفظ والإعانة بخلاف المعية العامة المذكورة في قوله تعالى : {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]... فإن هذه المعية تقتضي علمه واطلاعه ومراقبته لأعمالهم، فهي مقتضية لتخويف العباد منه، والمعية الأولى تقتضي حفظ العبد وحياطته ونصره، فمن حفظ الله، وراعى حقوقه، وجده أمامه وتُجاهه على كل حال، فاستأنس به، واستغنى به عن خلقه.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ((تعرف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة)).
يعني أن العبد إذا اتقى الله، وحفظ حدوده، وراعى حقوقه في حال رفائه، فقد تعرف بذلك إلى الله وصار بينه وبين ربه معرفةٌ خاصة، فعرفه ربه في الشدة، ورعى له تعرفه إليه في الرخاء فنجاه من الشدائد بهذه المعرفة، وهذه معرفة خاصة تقتضي قرب العبد من ربه ومحبته له، وإجابته لدعائه.
فمعرفة العبد لربه نوعان:
أحدهما المعرفة العامة، وهي معرفة الإقرار به والتصديق والإيمان وهذه عامة للمؤمنين.
والثاني: معرفة خاصة تقتضي ميل القلب إلى الله بالكلية، والانقطاع إليه والأنس به، والطمأنينة بذكره، والحياء منه، والهيئة له ، وهذه المعرفة الخاصة.
ومعرفة الله أيضًا لعبده نوعان:
معرفة عامة، وهي علمه سبحانه بعباده، واطلاعه على ما أسروه وما أعلنوه كما قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:16] وقال: {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم: 32].(1/136)
والثاني: معرفة خاصة وهي تقتضي محبته لعبده وتقريبه إليه وإجابة دعائه، وإنجاءه من الشدائد.
وهي المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه: ((ولايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به،وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فلئن سألني، لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)) (229).
وقوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت، فاستعنى بالله)) هذا منتزعٌ من قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فإن السؤال لله هو دعاؤه والرغبة إليه،والدعاء هو العبادة، كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان بن بشير، وتلا قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60] خرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي وابن ماجه(230) .
فأما السؤال، فقد أمر الله بمسألته، فقال: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ} [النساء: 32].
والله سبحانه يحب أن يُسأل ويُرغب إليه في الحوائج، ويلح في سؤاله ودُعائه ويَغضب على من لا يسأله، ويستدعي من عباده سؤاله، وهو قادر على إعطاء خلقه كلهم سؤلهم من غير أن يَنقص من ملكه شيء، والمخلوق بخلاف ذلك كله: يكره أن يُسأل، ويُحبُ أن يُسأل لعجزه وفقره وحاجته...
وأما الاستعانة بالله عز وجل دون غيره من الخلق فلأن العبد عاجزٌ عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ونياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله، فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول.. ومن ترك الاستعانة بالله، واستعان بغيره، وكله الله إلى من استعان به فصار مخذولاً، كتب الحسنى إلى عمر بن عبدالعزيز: ((لا تستعنى بغير الله فيكلك الله إليه)) .(1/137)
وقوله صلى الله عليه وسلم : ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلابشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)).
والمراد: أن ما يُصيب العبدَ في دنياه مما يضره أو ينفعه، نكله مقدَّر عليه، ولا يصيب العبد إلا ما كُتب له من ذلك في الكتاب السابق، ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعًا.
وقد جل القرآن على مثل هذا في قوله عز وجل: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51] وقوله : {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22].(1/138)
واعلم أن مدار جميع هذه الوصية على هذا الأصل، وما ذُكر قبله وبعده، فهو متفرعٌ عليه، وراجعٌ إليه، فإن العبد إذا علم أنه لن يُصيبه إلا ما كتب الله له من خير وشر، ونفع وضر ، وأن اجتهاد الخلق كلهم على خلاف المقدور غير مغير البتة، علم حينئذ أن الله وحده هو الضار النافع، المعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه عز وجل، وإفراده بالطاعة، وحفظ حدوده فإن المعبود إنما يقصد بعبادته جلب المنافع ودفع المضار، ولهذا ذم الله من يعبد من لا ينفع ولا يضر، ولا يُغني عن عباده شيئًا، فمن علم أنه لا ينفع ولا يضر، ولا يعطي ولا يمنع غير الله، أوجب له ذلك إفراده بالخوف والرجاء والمحبة والسؤال والتضرع والدعاء، وتقديم طاعته على طاعة الخلق جميعصا، وأن يتقي سخطه، ولو كان فيه سخط الخلق جميعًا، وإفراده بالاستعانة به، والسؤال به، وإخلاص الدعاء له في حال الشدة وحال الرخاء، بخلاف ما كان المشركون عليه من إخلاص الدعاء له عند الشدائد، ونسيانه في الرخاء ودعاء من يرجون نفعه من دونه قال الله عز وجل {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُون} [الزمر: 38].
قوله صلى الله عليه وسلم : ((رُفعت الأقلام وجفت الصحف)) .
هو كناية عن تقدُّم كتابة المقادير كلها، والفراغ منها من أمدٍ بعيد.
وقد دل الكتاب والسنن الصحيحة الكثيرة على مثل هذا المعنى، قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22].(1/139)
وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلُقَ السموات والأرض بخمسين ألف سنة))(231)
هذه بعض الخطوط الرئيسية في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس وقد كان غلامًا لم يناهز الاحتلام.
فحريٌ بنا أن نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ونغرس هذه الأسس في نفوس الناشئة، ونزرع في قلوبهم أسسا العقيدة الصحيحة حتى إذا ما شبوا وكانوا رجلاً كانت عندهم أسس وقواعد راسخة يرتكزون عليها، ويواجهون بها زحف العقائد الباطلة والمذاهب الضالة والنحل المنحرفة(232).
7- جمع الأمة على أساس التوحيد
فمن سمات أهل السنة الجماعة أنهم يدعون إلى اجتماع الكلمة ووحدة الصف ونبد الفرقة والخلاف، والله -عزوجل- يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
وقال ابن مسعود: ((الخلاف شر))
ومن ذلك يتضح أن جمع الكلمة وتأليف القلوب مطلب شرعي وهدف سام، ولكن مما يلحظ في هذا الجانب أن هناك من اعتبر هذا الاجتماع مراد لذاته، بغض النظر عما ينتج عنه، وهذا خطأ في الفهم وقصور في التصور، لأن الهدف هو الاجتماع على كلمة الحق، والتعاون على البر والتقوى، وذلك لأن الاجتماع والاتفاق إن لم يكنى على التقوى والطاعة سيكون على الإثم والعدوان، ولذلك أمر الله بالتعاون على البر والتقوى فقال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].
والذين جعلوا الاجتماع هو الغاية والهدف؛ تساهلوا في أمر التوحيد، ولم يجعلوه من الأصول التي يجتمعون عليها بل تجد بعضهم يمنع أتباعه من إثارة قضايا العقيدة بحجة أن هذا الأمر سيكون عائقًا أمام وحدة كلمة المسلمين.
بل تجد بعض أولئك يقول: إن طرح مسائل العقيدة تؤدي إلى الفرقة والخلاف.(1/140)
يقول الشيخ عبدالعزيز القاري موضحًا هذه المسألة: ((إننا وجدنا أنفسنا أمام طوائف تنتسب إلى العلم والدعوة والتوجيه تخالفنا وتنازعنا في هذا المبدأ فقتول: إن قضية التوحيد في هذا العصر ليست هي القضية الأولى، وإن كانت قضية مهمة أساسية، إننا في عصر نحتاج فيه إلى التأليف بين كل من يقول لا إله إلا الله لنواجه التحديات والأخطار من إلحاد وغير ذلك.
وآخرون وإن كانوا يتفقون معنا على هذا المبدأ، ولكنك تراهم يناقضونه ويضادونا عمليًا، فإذا اكشفت عن اعتقاد أحدهم وجدته أحوج ما يكون إلى تصحيح اعتقاده هو أولاً، وهذه مصيبة كبرى إذا كانت فيمنى يتصدر للتعليم والدعوة والتوجيه، فكيف يصحح عقائد الناس من هو أحوج منهم إلى تصحيح عقيدته)) (233) .
فإلي ماذا يدعوا أولئك وهم مخالفون لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبدء بالدعوة إلى التوحيد.(1/141)
وإلى ماذا يدعون وهم مخالفون لهدي أنبياء الله جميعًا في دعوتهم وإلى هؤلاء وأمثالهم نسوق كلام الإمام ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية يقول -رحمه الله-: ((اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [الأعراف:59]. وقال هود عليه السلام لقومه اعبدوا الله مالكم من إله غيره}[الأعراف: 85]. وقال صالح عليه السلام لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف: 73] وقال شعيب عليه السلام لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 85] وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله))(234) .
ولهذا كان الصحيح أن أول واجبٌ يجب على الملكف شهادة ألا إله إلا الله، لا النظر ولا القصد إلى النظر ولا الشك كماهي أقوال لأرباب الكلام المذموم، بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبر الشهادتان... فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)) (235) وهو أول واجب وآخر واجب)) (236) .(1/142)
ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه لاله- في نصيحةٍ له: ((أوجه خطابي هذا إلى كافة المسلمين... نصيحة لهم وبراءة للذمة، ورجاء أن يتنبهوا من غفلتهم ويستيقظوا من رقدتهم، ويصير أكبرهمهم وجل بحوثهم وعامة كتاباتهم وإرشاداتهم حول تحقيق معرفة ما هم إليه أشد شيء ضرورة من بيان حقيقه ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل ضرورتهم إلى ذلك أعظم من ضرورتهم إلى الطعام والشراب، بل أعظم وأكبر من ضرورتهم إلى النفس، فإن المتكلمين من الكتاب والمرشدين وسواهم ممن يلم بجنس هذه الأمور قد اختلفت وجهتهم وافترقت مغازيهم في كتاباتهم وإرشاداتهم، ذلك بحسب أختلاف وافتراق ما يدور في أفكارهم ويستقر في تصوراتهم، ويحسن في أنظارهم من حيث المهمات والأهميات لا فرق في ذلك بين المتكلم والمرشد الديني والمتكلم خلافه.
وأجد من يتكلم عن الأمور الدينية أكثرهم أوكلهم إلا من شاء الله لا يكتبون ولا يرشدون إلا في أمور هي في الحقيقة من الفورع والمكملات، فتجد الكاتب، وتجد المرشد لا يتكم إلا حول فرضية الصلاة مثلاً ووجوب فعلها في جماعة أو الحج، أو صيام رمضان، أو الزكاة وأشباه ذلك. أو في أشياء من المحرمات كالربا والتعدي على الأنفس والأموال والأعراض وغير ذلك من المعاصي والمخالفات، ونعم ما فعلوا وحسن طريقًا ما سلكوا، ولكنهم كانوا عن أهم الأهم في بعد إلى الغاية، فقد كان خير الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول بعثته ومبدأ دعوته يبدأ بالأهم فالأهم، وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنوات من بعثته قبل فرض الصلاة التي هي عمود الإسلام وما بعدها من الأركان كل ذلك في بيان التوحيد والدعوة إليه، وبيان الشرك وتهجينه والتحذير منه.(1/143)
وأول سورة أنزلت عليه صلى الله عليه وسلم في رسالته سورة: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:1-7].
وكان صلى الله عليه وسلم يسلك في الإنذار عن الشرك والدعوة إلى التوحيد شتى الطرق ويسعى في حثه الناس لإبلاغهم ذلك بكل ما يمكنه حتى إنه مرة صعد على الصفا صلى الله عليه وسلم رافعًا صوته وأصباحاه فلما أجتمعوا إليه قال: يا أهيا الناس إني نزيرٌ لكم بين يدي عذابٌ شديد فحقيقٌ بالمسلمين ولا سيما العلماء أن يجعلوا كبير عنايتهم ومزيد اهتمامهم بمعرفة حقيقة ما بعث الله به الرسل من أولهم إلى آخرهم وخاتمهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وتعليمهم ذلك والعمل به ظاهرًا وباطنًا والموالاة والمحبة والتناصح فيه، والتواصي به: من توحيد الله تبارك وتعالى في ربوبيته، وفي ذاته تبارك وتعالى، وأسمائه وصفاته وأفعاله، وفي إلهيته وما يستحق من عبادته وحده لا شريك له، وأنه ما في العالم علويه وسفليه من ذات أوصفة أو حركة أوسكون إلا الله خالقه لا خلاق غيره، ولا رب سواه، وأن يوجد سبحانه وتعالى في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، بأن يؤمن أنه تعالى واحد أحد فردٌ صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وأنه حي قيوم، على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وأنه تبارك وتعالى سميع بصير، يرضى ويسخط، ويحب وَيُحب، إلى غير ذلك مما ورد في الكتاب والسنة من هذا الباب إثباتًا بريئًا من تشبيه المشبهين، كما نزهه تبارك وتعالى عن جميع ما لا يليق بجلاله وعظمته تنزيهًا بريئًا من تعطيل المعطلين، وأن يوحد تبارك وتعالى في ألوهيته بأن يُفرد بجميع أنواع العبادة، فلا يعبد إلا إياه، ولا يدعى أحدٌ سواه، ولا يسجد إلا له ولا يتوكل إلا عليه، ولا يرغب إلا إليه ، ولا يستعان ولا يستغاث إلا(1/144)
به، ولا ينحر ولا ينذر إلا له، ولا يخشى ولا يخاف أحدٌ سواه، ولا يرجى إلا إياه، حتى يكون سبحانه وتعالى هو المفزع في المهمات، والملجأ في الضرورات، ومحط رحل أرباب الحاجات في الرغبات والرهبات وفي جميع الحالات، فهذا هو مضمون أصل الدين وأساسه المتين شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأصله الثاني شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم نطقًا واعتقادًا وعملاً، وهو طاعته فيما أمر وتصديقه في جميع ما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الرب تبارك وتعالى إلا بما شرعه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن تقدم محبته صلى الله عليه وسلم على النفس والولد والوالد والناس أجمعين، وأن يحكم صلى الله عليه وسلم في القليل والكثير والنقير والقطمير كما قال تعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
ومن المهم جدًا اتصال المسلمين بعضهم ببعض اتصالاً خاصًا وأن يتذاكر بعضهم مع بعض في هذه هذه الأصول العظيمة، وأن يبذلوا جميعًا غاية جهودهم ونهاية قدرهم في البحث الدقيق في تفاصيلها، ويحرصوا كل الحرص في تطبيق اعتقاداتهم ومساعيهم وأعمالهم عليها، وأن يتبادلوا النصائح الصادقة فيما بينهم، وأن يعتصموا بحبل الله جميعًا ولا يتفرقوا، وأن يكونوا شيئًا واحدًا في العمل بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، يدًا واحدةً في الذب عن حوزة الدين، ومناوأة أعدائه من الكفار والمشركين فإن الأخذ بذلك هو سبب السعادة والسيادة والفوز والنجاة في الدنيا والآخرة))(237) .
سئل الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- عن معنى هذا البيت:
أول واجب على الإنسان…معرفة الإله باستيقان
فقال رحمه الله:(1/145)
المسألة المسئول عنها وهي معرفة الإله، ما هي؟ ينبغي التفطنى لها، فإنها أصل الدين؛ وهي الفارقة بين المسلم والكافر، وأصل هذا قوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36] وذكرُ الرحمن هو القرآن؛ فلما طلبوا الهداية من غيره أضلهم الله، وقيض لهم الشيطان، فصدهم عن أصل الأصول؛ ومع هذا يحسبون أنهم مهتدون.
وبيان ذلك: أنه ليس المراد معرفة الإله الإجمالية، يعني معرفة الإنسان، أن له خالقًا، فإنها ضرورية فطرية، بل معرفة الإله: هل هذا الوصف مختص بالله؛ لا يشركه فيه ملك مقرب، ولا نبي مرسل؟ أم جعل لغيره قسط منه؟!.
فأما المسلمون، أتباع الأنبياء، فإجماعهم على أنه مختص ، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] .
والكافرون يزعمون أنه هو الإله الأكبر، ولكن معه آلهة أخرى تشفع عنده(238) .
8- ربط قضايانا المعاصرة بالتوحيد
فمن أهم ما يجب أن يعني به العلماء وطلاب العلم والدعاة أن يربطوا قضايانا المعاصرة وكل ما يجد على الساحة المحلية أو الدولية بالتوحيد، ويبين حالها من حيث الموافقة أو المخالفة وبخاصة أن هناك كثير من المستجدات المتعلقة بالولاء والبراء، والتي تهدف إلى تمييع العقيدة.
ونذكر هنا بعض الأمثلة من تلك المستجدات:
دراسة القوانين الوضعية وتدريسها والتي أدخلت مناهجها ضمن العديد من المعاهد والكليات في العديد من بلاد العالم الإسلامي.
وقد تكلم حول هذه المسألة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وفصل القول فيها، وأقسام الدارسين وبين حكم كل قسم من الأقسام.
قال الشيخ رحمه الله:
((أما الدارسون للقوانين والقائمون بتدريسها فهم أقسام:(1/146)
القسم الأول: من درسها أو تولى تدريسها ليعرف حقيقتها أو ليعرف فضل أحكام الشريعة عليها أو ليستفيد منها فيما لا يخالف الشرع المطهر أو ليفيد غيره في ذلك فهذا لا حرج عليه فيما يظهر ليس من الشرع بل قد يكون مأجورًا ومشكورًا إذا أراد بيان عيوبها وإظهار فضل أحكام الشريعة عليها، والصلاة خلف هذا القسم لا شك في صحتها وأصحاب هذا القسم حكمهم حكم من درس أحكام الربا وأنواع الخمر وأنواع القمار ونحوها كالعقائد الفاسدة أو تولي تدريسها ليعرفها ويعرف حكم الله فيها ويفيد غيره، مع إيمانه بتحريمها كإيمان القسم السابق بتحريم الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشرع الله عز وجل وليس حكمه حكم من تعلم السحر أو علمه غيره لأن السحر محرمٌ لذاته لما فيه من الشرك وعبادة الجن عن دون الله فالذي يتعلمه أو يعلمه غيره لا يتوصل إليه إلا بذلك أي بالشرك بخلاف من يتعلم القوانين ويعلمها غيره لا للحكم بها ولا باعتقاد حلها ولكن لغرضٍ مباح أو شرعي كما تقدم.(1/147)
القسم الثاني: من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها ليحكم بها أو ليعين غيره على ذلك مع إيمانه بتحريم الحكم بغير ما أنزل الله ولكن حمله الهوى أو حب المال على ذلك فأصحاب هذا القسم لاشك فساق وفيهم كفر وظلم وفسق لكنه كفر أصغر وظلم أصغر وفسق أصغر لا يخرجون به من دائرة الإسلام وهذا القول هو المعروف بين أهل العلم وهو قول ابن عباس وطاووس وعطاء ومجاهد وجمع من السلف والخلف كما ذكر الحافظ ابن كثير والبغوي والقرطبي وغيرهم وذكر معناه العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب الصلاة، وللشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن رحمه الله رسالة جيدة في هذه المسألة مطبوعة في المجلد الثالث من مجموعة الرسائل الأولى، ولا شك أن أصحاب هذا القسم على خطر عظيم ويخشى عليهم الوقوع في الردة، أما صحة الصلاة خلفهم وأمثالهم من الفساق فقيها خلافٌ مشهور والأظهر من الأدلة الشرعية صحتها خلف جميق الفساق الذين لم يصل فسقهم إلى حد الكفر الأكبر، وهو قول جم غفير من أهل العلم واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية...
القسم الثالث: من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها مستحلاً للحكم بها سواء اعتقد أن الشريعة أفضل أم لم يعتقد ذلك فهذا القسم كافر بإجماع المسلمين كفرًا أكبر لأنه باستحلاله الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله يكون مستحلاً لما علم من الدين بالضرورة أنه محرم فيكون في حكم من استحل الزنا والخمر ونحوهما ولأنه بهذا الاستحلال يكون قد كذَّب الله ورسوله وعاند الكتاب والسنة وقد أجمع علماء الإسلام على كفر من استحل ما حرمه الله وأحرم ما أحله الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة ومن تأمل كلام العلماء في جميع المذاهب الأربعة في باب حكم المرتد اتضح له ما ذكرنا.
... فالقسم الثاني: لا شك في فسقهم ، وأما القسم الثالث فإنه لا شك في كفر أهله وعدم صحة الصلاة خلفهم(239))).
وحدة الأديان أو التقريب بينها(1/148)
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد:
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليه من تساؤلات، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى وحدة الأديان؛ دين الإسلام، ودين اليهود، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء؛ مسجد، وكنيسة، ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد.. إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب، وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي:
أولاً: أن من أصول الاعتقاد في الإسلام -المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون - أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران:85]؛ والإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان.(1/149)
ثانيًا: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام أن كتاب الله تعالى - القرآن الكريم- هو آخر كتب الله نزولا وعهدا برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى القرآن الكريم، قال الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة:48].
ثالثا: يجب الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد نسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم؛ منها قول الله تعالى {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} [المائدة:13]، وقوله جل وعلا: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79]، وقوله سبحانه: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:78].(1/150)
ولهذا فما كان منها صحيحًا فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل؛ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: ((أفي شك أنت يابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلا أتباعي)). رواه أحمد والدارمي وغيرهما.
رابعًا: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام أن نبينا ورسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، كما قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40].
فلم يبق رسول يجب أتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم ، ولو كان أحد من أنبياء الله ورسله حيًّا لما وسعه إلا أتباعه صلى الله عليه وسلم - وأنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك- كما قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81].
ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعًا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وحاكمًا بشريعته، وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ} [الأعراف: 157].(1/151)
كما أن من أصول الاعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عامة للناس أجمعين، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [سبأ:28]، وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158] وغيرها من الآيات.
خامسًا: من أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وتسميته كافرًا، وأنه عدو لله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار، كما قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:1]، وقال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6]، وغيرها من الآيات، وثبت في ((صحيح مسلم)) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أهل النار)).
ولهذا؛ فمن لم يكفر اليهود والنصارى فهو كافر، طردًا لقاعدة الشريعة: ((من لم يُكفر الكافر فهو كافر)).
سادسًا: وأمام هذه الأصول الاعتقادية والحقائق الشرعية، فإن الدعوة إلى وحدة الأديان والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد دعوة خبيثة ما كرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجرُّ أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]،وقوله جل وعلا: { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89].(1/152)
سابعًا: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة؛ إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جل وعلا يقول: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، ويقول جل وعلا: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:36].
ثامنًا: أن الدعوة إلى وحدة الأديان إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام، لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل،وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعًا، محرمة قطعًا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع.
تاسعًا: وتأسيسا على ما تقدم:
1- فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولا، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها وتسليكها بين المسلمين، فضلا عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها والانتماء إلى محافلها.
2- لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين ، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد؟! فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد، لما في ذلك من الجمع بين الحق -القرآن الكريم- والمحرف أو الحق المنسوخ - التوراة والإنجيل.(1/153)
3- كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة بناء مسجد وكنيسة ومعبد في مجمع واحد؛ لما في ذلك من الاعتراف بدين يعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن السلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك أو اعتقاده أوالرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله؛ تعالى الله عن ذلك، كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس بيوت الله،وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله؛ لأنها عبادة على غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]، بل هي بيوت يكفر فيها بالله، نعوذ بالله من الكفر وأهله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله تعالى، في ((مجموع الفتاوى))(22/162): (ليست -أي؛ البيع والكنائس- بيوت الله،وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يُكفر فيها بالله وإن كان قد يذكر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها وأهلها كفار فهي بيوت عبادة الكفار).(1/154)
عاشرًا: ومما يجب أن يُعلم أن دعوة الكفار بعامة، وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن ذلك لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]، أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عُرى الإسلام وعاقد الإيمان؛ فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون، والله المستعان على ما يصفون، قال تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:49].
وإن اللجنة إذ تقرر ذلك وتبينه للناس، فإنها توصي المسلمين بعامة، وأهل العلم بخاصة يتقوى الله تعالى ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعائه، والكفر وأهله، وتحذرهم من هذه الدعوة الكفرية الضالة؛ وحدة الأديان، ومن الوقوع في حبائلها، ونعيذ بالله كل مسلم أن يكون سببا في جلب هذه الضلالة إلى بلاد المسلمين وترويجها بينهم.
نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا جميعًا من مضلات الفتن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، حماة للإسلام على هدى ونور من ربنا حتى نلقاه وهو راش عنا، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينًا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التطبيع:(1/155)
هو مصطلح من مبتكرات الصراع العربي الصهيوني يقصد به تحويل آليات الصراع إلى آليات للمسالمة والمهادئة والتقارب بين الأطراف المتصارعة وهو يعني التبادل السلمي النشط في كافة المجالات ومن أهدافه:
1- مراجعة العقل العربي المسلم الذي يناصب اليهود العداء.
2- تصحيح تصورات المسلمين عن اليهود -حسب زعم اليهود- وإفهام المسلمين أن اليهود شعب وديع محب للسلام.
3- إحداث تغيير في نمط السلوك الإسلامي رحيال اليهود وحولتهم.
4- التسليم بالمطالب الإقليمية والسياسية.
يشمل التطبيع مجالات عدة.
وهو بالدرجة الأولى يشمل المجال الديني والثقافي والغني أي مجالات تغيير العقليات العربية والإسلامية للقبول وبإسرائيل كواقع لابد من الاعتراف به وإزالة خلقيات الصراع في العقل العربي المسلم.
العولمة:
يعرفها بعض الباحثين بأنها: ((التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يُذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون الحاجة إلى إجراءات حكومية.
هذا تعريف شامل للعولمة، وكل جانب من جوانب العولمة سواء الجانب السياسي، أو الأقتصادي، أو الثقافي له أنشطته وجهود تحقيقه التي يتبناها دعاة العولمة.
وخلاصتها: إزالة الحدود والحواجز في جميع المجالات بما فيها الثقافية (أي الدينية والعقدية) والاجتماعية وغير ذلك. مما له خطره على المجتمعات الإسلامية)).
9- الاستفادة من دعوات الأنبياء، ومن تبعهم على سبيل الهدى من المصلحين والدعاة
وفي دعوات أنبياء الله صلوات ربي وسلامه عليهم أسوةٌ وقدوة .
فقد ألقي إبراهيم عليه السلام في النار لأجل دعوته إلى التوحيد.(1/156)
{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلايَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا(1/157)
لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ } [الأنبياء: 51-73].
ودعا يوسف عليه السلام إلى التوحيد وهو في ظلمات السجن والاعتقال: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ(1/158)
تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف:36-41].
دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية(240) (661-728):
لم يخل التاريخ الإسلامي على مداره الطويل من أئمة الهدى، ورجالا التجديد والإصلاح، وأعلام الدعوة إلى الله تعالى الذين اقتدوا بالسلف الصالح عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، في العقيدة والعمل، والدعوة والإرشاد، والهمة والإرادة، والبطولة والشجاعة، والمخاطرة والمغامرة، والجهاد والكفاح، والاستهانة بالحياة الدنيا والتفاني في سبيل الله تعالى.
ومن هؤلاء الأعلام البارزين في ساحة الدعوة الذين تتجمل صفحات التاريخ الإسلامي بأعمالهم الخالدة، ومآثرهم الجليلة: العلامة المجاهد، الإمام الرباني شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني رحمه الله تعالى.
وقد ساعدت عوامل عدة على تكوين شخصيته الناردة ومنها:
قوة ذاكرته التي يقل نظيرها باعتراف كبار معاصريه.
قوة حجته عند مناقشة المسائل.
استحضاره نصوص الكتاب والسنة في استنباط الأحكام.
استقلاله من رواسب التعصب المذهبي، وترجيحه المسائل في ضوء الأدلة.
إخلاصه في تنقية العقائد من شوائب الشرك والوثنية وتفانيه في إنقاذ المسلمين من غياهب البدع والخرافات.
شجاعته النادرة في تبيان الحق، وصراحته في القول بدون خوف لومة لائم.
شخصيته المحببة لدى العامة من الناس لأجل قيامه بالنصح لهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بينهم.
وإذا توفرت هذه المواهب الإلهية في عالم من علماء الإسلام لا ريب أنه يفعل الأفاعيل ويأتي بالأعاجيب، ويقوم بما يتقاصر دونه كبار الدعاة ويكون حقًا أشبه رجل بني في دنيا الرجال(241) .
أعماله وجهوده:(1/159)
لقد قام شيخ الإسلام ابن تيمية، بكل قوة وهمة، وثقة واعتماد، لمواجهة الأخطار التي داهمت البلاد الإسلامية من الداخل والخارج فشن حملة شعواء على أهل الأهواء والبدع من الزنادقة والملاحدة، والروافض والشيعة، والصوفية والمشعوذين، وحارب العقائد الشركية والمعتقدات الوثنية ونقد المسيحية واليهودية نقدًا علميًا، وفند المغالطات العلمية، والألغاز المنتشرة في الطوائف الدينية، ورد على التقليد الجامد، والتعصب الأعمى للمذاهب ، ونقى العقائد الإسلامية من الشوائب، ودعا إلى الدين الخالص، وأفتى بالجهاد ضد التتار، وحرض العامة من الناس على قتالهم فضلاً عن الجنود والأمراء، وخرج بنفسه مع الجيش لملاقاتهم(242) .
منهجه في الدعوة والتجديد:
كان منهج شيخ الإسلام في الدعوة والتجديد، والتوجيه والإرشاد، هو منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من أعلام هذه الأئمة.
ومن مميزات هذا المنهج أنه يخلو من سوابق الأنانية وحب الذات، ورواسب التعصب والتحيز، ومفاسد الجمود والاتحاد، وينبني على أتباع الأدلة من الكتاب والسنة، الذين يضمنان حياة سعيدة مستقيمة لا شقاء فيها ولا عناء ولا انحراف فيها ولا ضلال(243) .
آثار دعوته:
قال الأستاذ محمد خليل هراس: ((هذه هي دعوة ابن تيمية: إصلاح وإحياء وتجديد ، فهو بحق أبو النهضة الإسلامية الحديثة، وواضع أساسها وجميع دعاة الإسلام من بعده إنما بهدية اقتدوا، وعلى كتبه تخرجوا))(244) .
وقال الأستاذ أبو الحسن الندوي: ((كان القرن الثامن بحاجة إلى مثل هذا الرجل الكامل الذي يسع نشاطه كل مجال من مجالات الحياة من غير أن تتروي جهوده وأعماله في زاوية واحدة، أو تتركز على جانب واحد.
كان ذلك الرجل هو: شيخ الإسلام الحافظ ابن تيمية الذي ملأ العالم الإسلامي بنشاط وحياة وتحركات علمية وعملية، لا تزال آثارها خالدة باقية على مر القرون والأجيال))(245) .(1/160)
وقال الأستاذ مالك بن نبي : ((إن تراث ابن تيمية يكون الترسانة الفكرية التي لا زالت تمد الحركات الإصلاحية بالأفكار النموذجية إلى اليوم))(246).
دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب(247) (1115-1206هـ):
كان الإمام العلامة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- من الأئمة المهتدين، والدعاة المخلصين الذين تتحكم فيها البدع والخرافات، والعادات والتقاليد.
ولقد جدد إمام الدعوة محمد بن عبدالوهاب ما أندرس من معالم الإسلام في القرن الثاني عشر الهجري، وكان مخلصًا في الدعوة إلى الكتاب والسنة وموفقًا في نشرها رغم أنوف خصومه، فبارك الله فيها، وانتشرت في مشارق الأرض ومغاربها كالنار في الهشيم.
وتتلخص مباديء هذه الدعوة في النقاط التالية:
-توحيد الله تعالى في عبادته، وتوحيده في ربوبيته وتوحيده في أسمائه وصفاته، وإقرار هذا المبدأ قولاً وعملاً، والبعد عن جميع مظاهر الشرك والوثنية، والرفض والتصوف والإلحاد والزندقة، التي تكدر نقاوة الإسلام وتشوه جماله.
التمسك بمنهج السلف المنبني على الكتاب والسنة في العقائد والأحكام مع تقرير مبدأ الاجتهاد، والرد على التقليد الأعمى.
الجهاد في سبيل الله، لنشر الدعوة حينًا ، ولحمايتها حينًا آخر.
مصادر هذه الدعوة:
اعتمد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في دعوته على ثلاثة مصادر هامة:
أولها: القرآن الكريم.
ثانيها: السنة النبوية.
ثالثها: آثار السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة الأعلام.
غاية هذه الدعوة:
غايتها إعادة الإسلام إلى نقاوته الأولى، وإزالة أنقاض البدع والخرافات التي غشت العقيدة الصحيحة.
آثر هذه الدعوة:
لقد انتشرت دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب انتشارًا واسعًا، وتأثر بها كثير من الدعاة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي شرقًا وغربًا.
وكانت لهم صلات وجولات صد مظاهر الشرك وضد البدع والتقاليد التي كانت تسود المجتمع المسلم.(1/161)
قال الزركلي في ((الإعلام)): ((وكانت دعوته الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله، تأثر بها رجال الإصلاح في الهند ومصر ، والعراق والشام وغيرها ... )) (248) .
وقال عبدالكريم الخطيب في كتابه ((محمد بن عبدالوهاب)): ((والذي لاشك فيه أن الدعوة الوهابية كانت أشبه بالقذيفة الصارخة تتفجر في جوف الليل والناس نيام.
كانت صوتًا قويًا راعدًا أيقظ المجتمع الإسلامي كله، وأزعج طائر النوم المحوم على أوطانهم منذ أمدٍ بعيد))(249) .
وقال محمد ضياء الدين الريس: ((وهذه الحركة كانت نهضة أخلاقية سالمة، ووثبة روحية جريئة، ودعوة إلى دين الحق والإصلاح والواقع أن كل حركات الإصلاح التي ظهرت في الشرق في القرن التاسع عشر ، كانت مدينة للدعوة الوهابية لتقرير هذه الأصول.
ويمكن تحديد الصلة بينها وبين كل من هذه الحركات إما عن طريق الاقتباس، أو المحاكاة، أو مجرد التأثر)) (250)
وهكذا كانت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب صحوةٌ عارمة مؤثرة ودعوةٌ تجديدية رائدة ينبغي أن تدرس وأن يستفاد منها في سبيل نشر المنهج الصحيح والدين القويم والعقيدة الصافية.
10- إنكار المنكرات المخالفة للتوحيد والتي قد تشيع أو تظهر في مجتمعاتنا الإسلامية
قال عز وجل {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
((فهذا تفضيل من الله لهذه الأمة بهذه الأسباب التي تميزوا بها وأفاقوا بها سائر الأمم وأنهم خير الناس للناس نصحًا، ومحبة للخير، ودعوة، وتعليمًا، وإرشادًا، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر، وجمعًا بين تكميل الخلق، والسعي في منافعهم، بحسب الإمكان، وبين تكميل النفس بالإيمان بالله، والقيام بحقوق الإيمان))(251) .(1/162)
وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه رضوان الله عليهم الشيء الكثير من صور إنكار المنكرات المخالفة للتوحيد ذلك علي سبيل المثال لا الحصر: عن أبي الهياج الأسدي قال قال لي علي -رضي الله عنه- : ((ألا أبعثك على ما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أن لا تدع صورةً إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته))(252).
قال صاحب تيسير العزيز الحميد: ((أما الصور، فلمضاهاتها لخلق الله، وأما تسوية القبور، فلما في تعليتها من الفتنة بأربابها وتعظيمها ، وهو من ذرائع الشرك ووسائله فصرف اللهم إلى هذا وأمثاله من مصالح الدين ومقاصده وواجباته، ولما وقع التساهل في هذه الأمور وقع المحذور، وعظمت الفتنة بأرباب القبور... )) (253) .
وعن أبي بشير الأنصاري -رضي الله عنه- : ((أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسولاً أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة إلا قُطعت))(254).
قال البغوي في شرح السنة: ((تأول مالك أمره عليه السلام بقطع القلائد على أنه من أجل العين، وذلك أنهم كانوا يشدون بتلك الأوتار والتمائم والقلائد، ويعلقون عليها العوذ، يظنون أنها تعصم من الأفات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها، وأعلمهم أنها لاترد من أمر الله شيئًا.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: كانوا يقلودون الإبل الأوتار لئلا تصيبها العين، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإزالتها إعلامًا لم بأن الأوتار لا ترد شيئًا)) .
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت ، فقال: ((أجعلتني لله ندًا؟ ما شاء الله وحده))(255).
ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأى رجلاً في يده خَيطًا من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف:106](1/163)
قال صاحب تيسير العزيز الحميد: ((فقطعه، فيه إنكار هذا، وإن كان يعتقد أنه سبب فإن الأسباب لا يجوز منها إلا ما أباحه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، مع عدم الاعتماد عليه، فكيف بما هو شرك كالتمائم والخيوط والخرزو الطلاسم ونحو ذلك مما يعلقه الجهال))(256).
وللعلماء الذين هم ورثة الأنبياء جهود مباركة ومواقف مشرفة في الذب عن عقيدة التوحيد، ورد كل ما يخالفها.
ومن العلماء العاملين الذين تصدوا لإنكار المنكرات المخالفة للشريعة وممن ذادوا عن حمى التوحيد العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله والمستعرض لمجموع فتاواه يجد الكثير والكثير من الرسائل والفتاوى والمراسلات في إنكار الكثير من المنكرات وبخاصة منكرات تمس التوحيد وتقرح في كماله ، ومن ذلك التحاكم إلى غير شرع الله وحول هذا الجانب المهم من جوانب التوحيد كتب رسالته المشهورة باسم ((تحكيم القوانين)) حيث كتبها مبينًا خطورة التحاكم إلى غير شرع الله وبين أقسام المتحاكم، والأحوال التي يكون فيها التحاكم كفرًا أكبر والأخرى التي يكون فيها التحاكم كفرًا أصغر حيث بدأها رحمه الله بقوله: ((إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين ، في الحكم به بين العالمين، والرد إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضةً ومعاندة لقول الله عز وجل {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].(1/164)
وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن من لم يحكموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم نفيًا مؤكدًا بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]
ولم يكتف تعالى وتقدس منهم بمجرد التحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم بقوله جل شأنه: {ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ} والحرج الضيق بل لابد من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب.
ولم يكتف تعالى أيضًا هنا بهذين الأمرين حتى يضموا إليهاما (التسليم) وهو كمال الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم بحيث يتخلوا هاهنا من أي تعلق للنفس بهذا الشيء، ويسلموا ذلك إلى الحكم الحق أتم تسليم، ولهذا أكد ذلك بالمصدر المؤكد وهو قوله جل شأنه { تَسْلِيمًا} المبين أنه لا يكتفي ها هنا بالتسليم. بل لابد من التسليم المطلق ...))(257).
وفي نصيحة له رحمه الله مع مجموعة من العلماء جاء فيها:(1/165)
((وإن من أقبح السيئات وأعظم المنكرات التحاكم إلى غير شريعة الله من القوانين الوضعية والنظم البشرية، وعادات الأسلاف والأجداد التي قد وقع فيها الكثير من الناس اليوم وارتضاها بدلاً من شريعة الله التي بعث بها رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم ، ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق، ومن أكبر شعائر الكفر والظلم والفسوق وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن وحذر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم . قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء: 60-61].
وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 49-50].
وقال عز وجل: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45].
{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47].(1/166)
وهذا تحذيرٌ شديد من الله سبحانه لجميع العباد من الإعراض عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحاكم إلى غيرهما، وحكم صريح من الرب عز وجل على من حكم بغير شر يعته بأنه كافر وظالم وفاسق ومتخلق بأخلاق المنافقين وأهل الجاهلية، فاحذروا أيها المسلمون ما حذركم الله منه، وحكموا شريعته قي كل شيء، واحذروا ما خالفها وتواصوا بذلك فيما بينكم وعادوا وابغضوا من أعرض عن شريعة الله أو تنقصها أو استهزا بها أو سهل في التحاكم إلى غيرها، لتفوزوا بكرامة الله وتسلموا من عقاب الله، وتؤدوا بذلك ما أوجب الله عليكم من موالاة أوليائه الحاكمين بشريعته الراضين بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعاداة أعدائه الراغبين عن شريعته المعرضين عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والله المسئول أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، وأن يعيذنا وإياكم من مشابهة الكفار والمنافقين، وأن ينصر دينه ويخذل إعلاءه إنه على كل شيء قدير)) (258).
وقد صنف الإمام محمود شكري الألوسي رسالةً ينكرُ فيها بعض معتقدات العامة المخالفة للتوحيد.
حيث صنف كتاب ((القول الأنفع في الردع عن زيادة المدفع))، وكان هذا المدفع في بغداد أمام الثكنة العسكرية، وهو مصنوع من النحاس، يسمى (طوب أبي خزامة) صنع في عهد السلطان مرادخان سنة (1047هـ).
وكانت العالمة تعتقد بهذا المدفع اعتقاد الجاهلية باللات والعزى ومناة الثالثة الآخرى، فتنذر له وتعلق عليه التمائم، وتقبله، وتتبرك به إلى غير ذلك من المنكرات.
فحمل ذلك الشيخ الألوسي على كتابة هذا الكتاب بحث فيه تاريخ المدفع، وما يعتقد الناس فيه من الاعتقادات الفاسدة، وقدمه إلى وإلى بغداد ليمنع العوام من زيادرته(259) .(1/167)
وممن كانوا يصدعون بكلمة الحق نصحًا لله ولرسوله وللمؤمنين الشيخ العلامة أحمد بن محمد شاكر -عليه رحمة الله- وقد كان هذا دأبه وديدنه في كثير من كتاباته ومقالاته وتعليقاته، ونسوق ها هنا نموذجًا من ذلك نشرة في مقاله الموسوم بكلمة حق وهو مقال كان ينشره في مجلة ((الهدي النبوي)) كتب رحمه الله -تحت عنوان: ما هذا؟ أدعوه سافرةٌ لعبادة العِجل؟
رأيتُ في مجلة الاثنين ، في العدد 855 الصادر يوم 30 أكتوبر سنة 1950 في الصفحة الثانية منه ، صورًا بشعة، لامرأة مع أوتان في المتحف الروماني التابع لبلدية الإسكندرية، وفي إحدى هذه الصور تقف المرأة أمام تمثال ((العجل أبيس)) ضامة كفيها، رافعتهما إلى قريب من وجهها أمام وجه العجل، على صورة المبتهل عند بعض الطوائف غير الإسلامية.
وقد كتبت مجلة الإثنين بجوار هذه الصورة الوثنية ما مثاله بالحرف الواحد: ((صلاة صامتة عند الإله الصامت أبيس ... إنها ترديد لصلوات الأقدمين))!!
وأظن أن ليس بد هذا الكلام كلامٌ في عبادة وثن عبادة صريحة، لا تحتمل تأويلاً ولا مجازًا ولا مغالطة.
وهذه المرأة التي تعبد العجل، لا ندري أمسلمة هي أصلاً أم نصرانية أم يهودية؟ وأيَّاما كانت فإنه هذه الأديان الثلاثة هي أديان التوحيد، التي جاء أنبياؤها مرسلين من الله سبحانه وتعالى حربصا على الوثنية والوثنيين، جاؤا بالدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
بل إن أولهم موسى عليه السلام جاء جربصا على الفراعين الوثنيين عُباد العجول وقد ارتد ناسٌ من أتباعه في حياته ، بعد خروجهم من مصر حين ذهب لمناجاة ربه، فاصطنعوا من حليهم {عجلاً جسدًا له خوار} كما أخبرنا الله عنهم في كتابه الكريم وقال الله عنهم: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف: 152] .(1/168)
وقص علينا ربنا عن موسى عليه السلام أنه قال لصانع العجل الذي أضل بعض قومه {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه: 97].
ولن يستطيع أحد ممن يؤمن بدين من أديان التوحيد أن يتأول أو يتمحل بالباطل لإجازة ((صلاة)) أمام العجل أبيس ((ترد يدًا لصلوات الأقدمين)) مهما يكن لديه من جرأة أو تهجم، حتى لو بلغ في ذلك الغاية.
ولتعلم هذه المرأة التي وقفت هذا الموقف السيء، أنها بما سنعت خرجت من كل دين من أديان التوحيد، جادةً كانت فيما ارتكبت أو هازلة، وأنها ارتكست في حمأة الوثنية المدمرة للأديان، وأنه لا منجاة لها مما تستتبعه الردة من آثار في الدنيا والآخرة، إلا أن تتوب توبة نصوحصا. وأني أقول ذلك مخلصًا ناصحًا لها، جاهلاً كل شيء عن شخصها وعن مركزها وعن بيئتها، وأني أقوله لها أيًاكانت هي من الناس وليعلم أهلوها هذا، ورجالها وولاة امرها، وليضربوا على يديها، وليحجزوها عن هذا العبث بالأديان، عالمة كانت أو جاهلة.
ثم إن لي كلمة -بعد هذا- مع مجلة ((الإثنين)) ، بل مع ((دار الهلال)) كلها. فما يخدع مثلي حتى يظن أن هذه الصورة البشعة جاءت عفوًا ومصادفة، إنما هي -فيما أرى- خطة مصطنعة، اصطنعها مصور الدار ليأتي بشيء فني ((رائع)) في نظره، تقليدًا وجهلاً، دون أن يفقه شيئًا مما وراء ذلك من أثر في دينه ودون أن يفقه أن ليس معنى ((حرية الأديان))- في هذا البلد المسلم أهله ودولته - أن تعلنى ((دار الهلال)) الدعوة الساخرة الصريحة إلى الوثنية وإلى عبادة العجل))(260) .
11- الرد على دعاوى المناوئين لدعوة التوحيد ورد شبهاتهم وبيان تلبيساتهم.
فإن الله عز وجل قد تعهد بحفظ دينه فقال عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9](1/169)
ومن حفظ الله لدينه قيام أهل العلم بدراسة علوم الشرع وتعليمها ونشرها.
ومن ذلك الرد على المخالفين للشرعة الجائرين عن مستقيم الملة، من أهل الإلحاد والابتداع.
والرد على المخالف والمناويء من ((حراسة الدين وحمايته من العاديات عليه ، وعلى أهله، من خلال هذه الوظيفة الجهادية)) التي دأبها الحنين إلى الدين والرحمة بالإنسانية؛ لتعيش تحت مظلته ، تكف العدوان، وتصد المعتدين، وتقيم سوق الأمر بالمعروف ورأسه ((التوحيد)) ، والنهي عن المنكر وأصله الشرك.
وتحافظ على وحدة الصف، وجمع الكلمة، ومد بشاشه الإيمان وسقيا ترقرق ماء الحياء.
وتقيم: طول الإسلام وقوته وظهوره على الدين كله ولو كره المشركون وتحطم الأهواء ولو كره المبتدعون.
والفجور ولو كره الفاسقون.
والجور ولو كره الظالمون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في بيان منزلة هذه الوظيفة:
((فالمرْصَدُوْن للعلم، عليهم للامة حفظ الدين، وتبليغه، فإذا لم يبلغوهم علم الدين، أو ضيعوا حفظه، كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين؛ ولهذا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} [البقرة:159] فإن ضرر كتمانهم تعدى إلى البهائم وغيرها، فلعنهم اللاعنون حتى البهائم)) (261) .
وقال ابن القيم -رحمه الله- في موقف أهل السنة من دفع البدعة: ((واشتد نكير السلف والأئمة لها، وصاحوا بأهلها، من أقطار الأرض وحذروا فتنتهم أشد التحذير، وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش، والظلم ، والعدوان؛ إذ مضرة البدع. وهدمها للدين، ومنافاتها له: أشد)) (262) .(1/170)
ويقول الشيخ بكر أبو زيد -حفظه الله-: في مقدمة كتابه الرد على المخالف من أصول الإسلام: ((فالرد من أهل السنة والجماعة، على المبتدعة، أهل الأهواء المتسبين إلى الملة، هو رأس في المراد لكن المراد هنا، ما هو أوسع من ذلك مما يحوي بيان ((مشروعية الرد على كل مخالف بمخالفته المذمومة)) التي يمليها الهوى الغالب، وتمتطيه إلى أنواع المهالك ، المعاطب، بما تحمله من شرك، أو كفر أو نفاق، أو بدعة مضلة، وقد تحمل: فسقًا ، أو رأيًا مصادمًا لنصوص الوحيين ويجمع هذه فتنتان: فتنة الشُبهات، وفتنة الشهوات، وهما المعبر عنهما باسم ((ألانحراف الفكري))، ((الأنحراف السلوكي))، ويقال: ((الغزو... ))، وقد تقع المخالفة بزلة عالم وفلتته بقول شاذ، أو فائل ، فارد، لاتجد له عليه تبيعًا، وهكذا من مسالك الشذوذ الأخرى، والمغادرة إلى مجاهل التَّلوُّن في دين الله، وضغط الإسلام للواقع، وتطويع الأحكام الشرعية للحياة الغربية...))(263) .
في مضارِّ السكوت عن المخالف
في السكوت عن المخالفين وتخذيل المصلحين: أمور مضرة بالدِّين، والدنيا، منها:
1- نزول أهل السنة درجات بتعطيل عنصر مهم من حياتهم الوظيفية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومجاهدة المبطلين.
…وإذا كان هذا من أبواب الجهاد، فمن لطيف ما يستحضر، تفسير أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- الإلقاء باليد إلى التهلكة: بترك الجهاد - في قوله تعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195](264) .
2- ارتفاع أهل الأهواء على أهل السنة. ومن الغبن الفاحش أن ترتفع منزلة الكفة الفارغة بالسجلات الطائشة، على منزلة الكفة الراجحة بكلمة التوحيد الخالص.
3- مد المخالفة، وامتدادرواقها، وانتشارها: في الاعتقاد، والأقوال، والأعمال. فإن الأهواء إذا كانت في متناول كل لا قط، آلت بالأمة إلى أسرها بأغلال ما أنزل الله بها من سلطان.(1/171)
4- فُشُوْ الشبهة، مداخلتها للاعتقاد الحق، وتلعبها بالقلوب كتلعب الأفعال بالأسماء.
5- وبالتالي تحريك العقيدة الحقة عن مكانتها، بعد ثباتها، فيضعف الاعتقاد السليم، ويضعف سلطانه(265) .
6- ظهور المبطلين في المجامع ، وعلى درجات المنابر،واحتباؤهم على أفواه السكك؛ لمشاغبة المصلحين، والتحريش بهم، وتحريض العامة عليهم، وتكميم أفواههم بعصا السلطان، فيزداد الأمر شدة ويزداد المخالف ظهورًا.
…إن المبطلين شخصيات قلقة، يورثون القلاقل بتصعيد الخلاف، وإيقاد الفتن، وإثارة المعارك، ولا يتركون أهل السنة إلا بجروح دامية، وعيون دامعة.
7- في السكوت والتخذيل: إسقاط للعقوبات الشرعية لأهل الأهواء وأهل الشهوات.
8- فيهما: إيالة المسلمين، إلى أمة ، مستسلمة، منهزمة ، مخدرة، يحتضنها أهل الأهواء، في وضع مكفهر، بظلمات متراكمة، يضل فيها الخريت، ويحار فيه الدليل.
…وهذه نهاية في إغراء الإزاة لاجتياح ديار الإسلام، وإطفاء جذوته، وما بقي له من صبابة في قلوب أهله.
9- كسر الحاجز النفسي، بين السُّنة والبدعة، والمعروف والمنكر، فيستمرىء الناس الباطل، وتموت الغيرة على حرمات الدِّين، ويستعصي إصلاح الدهماء على العلماء، ويجفلون من نصحهم، ويجفونهم...
10- في السكوت عن المخالف ومخالفته، تأثيم ذوي القدرة بترك واجب الرد، والتفريط في حراسة الدين. مع أن السكوت بغير حق، هو في نفسه مظاهرة المجرمين. وهذا وحده من مواطن الإثم.
…ومن وراء هذا: إثم الموالاة للمخالفين، وهذا أشد عامل ينقض بالنقض، على قاعدة الإسلام: الولاء والبراء.
11- تحجج العامة بالسكوت على نسبة الأهواء، والشهوات، إلى الدين.
12- من أنباء سقوط الدول، وحلول القوارع بها: ظهور أهل البدع والفجور، في لجج من أهوائهم وفجورهم، رامين إلى نثر بذور لانشقاقها، وعواضف لتمزيقها، وتقطيع وحدتها، وتصديع بنيانها.
…نهذا معلوم باستقراء الأحوال على تطاول الأزمان(266) .(1/172)
…وخذ من قريب: ما لاذي أخذ بتلابيب ((تل أبيب)) وأنزل الغاشية على ((كاظمة)) وعلى هذا فقس...
13- وبالجملة فلو ترك، أهل الأهواء، وهم عاكفون على أهوائهم، يحترفون الكيد لهذا الدين، بسطو عظيم، ولسان غليظ، بالمسخ، والتحريف، والغمز، والتبديل، وإن ترفقوا فبصوغ عبارات، لو عصرت، لتقاطرت منها الدعوة إلى غير سبيل المؤمنين، وهكذا في حالة زحف مؤلمة، وهجمة شرسة، ولا كحال اللعانين الصخابين، بل هم المضللون بنزف المحابر على سطور ((الدفاتر)) ، وألسنة غلاظ على أعواد المنابر.
نعم: لو تُرك كل مخالف ومخالفته، وضال وضلالته، ومبتدع وبدعته، وفاسق وفسقه؛ لتجرع أهل القبلة منهم سمومًا قاتلة، وأهواء ضالة، وحياة قائمة، خافضة للملة، رافعة لقتام الشبهة، ودنس الشهوة.
وحينئذ فلا تسأل - ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم- عن تبدل الكفر بالإيمان، والبدعة بالسنة، والمعصية بالطاعة، والذلة بالعزة ((ولفسد فينا أمر الكتاب كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا، بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر فيه على أهله))(267).
وهذه نتيجة حتمية لمن فرط في أمر السنة والكتاب، وورث علل أهل الكتاب من السكوت، والكتمان {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران: الآية 71].
ثمرات القيام بهذه الوظيفة الشرعية
القيام بهذا الواجب الكفائي، يحقق مطالب شرعية، وثمارًا مباركة تلتمع في حياة المسلمين، التماع البرق في طيات السحاب؛ منها:
1- اتقاء المضار -آنفا- الناجمة عن السكوت، والانحسار عن مواجهة الواقع.
2- هذا نشر للسنة، وإحياء لما تآكل منها، فكما يكون نشرها بالعمل بها، والدعوة إليها، فكذلك برد العدوان عليها.(1/173)
3- ومن أهلم المهمات: نصح للمخالف وضماد لجراحه، ونصح لجميع المسلمين، وكشف للغشاوة عنهم، وحماية لقيمهم من التحلل والإدغام، والدخولات وحياة الأنعام، وغيرها من رواسب الخلاف الطائش.
4- تنقية الساحة من المنكودين بالتعريف عليهم، بما خالفوا به أمر السنة والكتاب، فابتدعوا، وفجروا، ونابذوا السنة، وآذو المسلمين.
…وفي هذا تحذير بالغ من الوقوع في شراكهم وحيلولة بينهم وبين ما يشتهون.
5- إن الدفع في صدور المخالفات المذمومة، وأعجازها: كف لبأسها عن المسلمين، وتضييق على ساحات الخلاف والتدابر، وإلقاء بالأهواء كالدراهم الزيوف.
6- دفع الإثم عن المسلمين بالقيام بهذا الفرض الكفائي وإعانة لهم على دينهم الحق، ورحمة بهم. وهذا من كمال الشفقة والرفق بالمسلمين، والرحمة بهم، ولهذا ألمح العلماء إلى أفضلية فرض الكفاية على غيره، كما في ((تنبيه الغافلين))(268) لابن النحاس الدمشقي ، والله يتولى الصالحين من عباده.
7- نيل شرف الرتبة بالقيام بهذه الحسبة، للذب عن الشريعة وحملتها، وصيانتها من الدخولات وحراستها، وإنعاش الغيرة، وبعث مطلب الجهاد فيها.
وختامًا:
((فإن المراد من هذا المبحث حمل النفوس على إعمال هذه السنة الماضية)) ، في حياة المسلمين الجهادية الدفاعية، عن حرمات الإسلام، وأنها من حقوق الله التعبدية، من جنس الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لا سيما والحاجة إليها ملحة في هذه الأزمنة، فإن وطأة الأهواء شديدة، وسُبُلها متكاثرة، لكثرة المضلين، المفتونين، الرابضين بيننا ، والمنطوين على رَشح أصاب ضمائرهم، بآراء ساقطة، يُخزي بعضها بعضًا من علمنة و حداثة، وإباحية، ودعوة إلى عصبيات عرقية: شعوبية، وقومية نصرانية: ((القومية العربية)).(1/174)
وتلك الدعوة الفجة الفاجرة ، تحت غطاء : اقتلاع الحق الديني: حرية الأديان. مجمع الأديان. زمالة الأديان العالمية. النظرة الوحدوية للأديان. ((الإسلام، المسيحية، اليهودية)). ((الوحدة الإبراهيمية)). التقارب.
والتي سرت في ظلالها : الدعوة الفاشلة -ولله الحمد- للتقريب بين السنة والرافضة، إلى آخر تلك الدعوات التي تجتث من القلوب قاعدة الإسلام: ((الولاء والبراء)) ... (269) .
وقد قام أهل العلم بجزء من هذا الواجب في القديم وما زال بقيتهم يناضلون في هذا السبيل حاملين راية التوحيد الخفاقة، صامدين أمام هجمات أهل الباطل الزائفة البراقة.
وختامًا أخا العقيدة والتوحيد انظر مليًا وتدبر وانظر في حال من حولك، وما واجبك نحوهم وانظر ماذا قدمت في نصرة التوحيد ونشره ولا أقل من دراسة واعية لمسائله وفهم عميق لمقاصده وتطبيقٌ صادق لمقتضياته ، ثم دعوةٌ إلى سبيله، وتذكير الناس بأهميته ووجوب الأهتمام به والثبات على سبيل الأنبياء والمرسلين.
أسأله سبحانه أن يرزقنا الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأن يحفظنا على التوحيد والسنة وأن يجيرنا من سبل الغواية والبدعة وأن يغفر لوالدينا ومشايخنا وأن يبيض وجوههم ووجوهم يوم تبيض وجوه أهل السنة والتوحيد، وتسود وجوه أهل البدعة والتنديد.
1 اقتباس من مقدمة الرسالة للإمام الشافعي رحمه الله ص (19)
(1) " التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير " ص : (30 ) وانظر كتاب شيخنا عبد الرزاق العباد " القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد " ص (26 )
(1) "أضواء البيان " ( 3 / 410 - 414 )
(2) " تيسير العزيز الحميد " ص : ( 33 ) .
(1) " مدارج السالكين " ( 3 / 499 ) .
(1) " تفسير السعدي " ( 1 / 14 ).
(2) " مدارج السالكين " ( 3 / 510 ) .
(3) انظر " تيسير العزيز الحميد " ص : ( 35 ).
(4) انظر " تيسير العزيز الحميد " ص : ( 36 ).
(5) "أعلام السنة المنشورة " ص : ( 40 ) .(1/175)
(1) "منهاج السنة" (3/490)
(2) "طريق الهجرتين" ص(57 ، 58 )
(3) "تيسير العزيز الحميد " ص (36)
(4) "القواعد الحسان" ص: (192)
(4) " مفردات ألفاظ القرآن " ص : ( 542 )
(1) لسان العرب ( 3 / 273 ) مادة : " عبد "
(2) لسان العرب ( 3 / 271 ) ، مادة : " عبد "
(3) انظر مدارج السالكين ( 1 / 125 )
(4) انظر مدارج السالكين ( 1 / 126 )
(5) مدارج السالكين ( 1 / 127 )
(1) انظر " تقريب التدمرية " لابن عثيمين ص : 1290
(2) انظر " المجموع الثمين من فتاوى العثيمين " 2 / 25
(3) انظر " " تقريب التدمرية " لابن عثيمين 129
(4) هذا التعريف لشيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة " العبودية ضمن مجموعة التوحيد (2/454 )
(5) مدراج السالكين لابن القيم ( 1 / 120- 121 ) وانظر تطهير الاعتقاد ص : (11)
(1) انظر " فتح المجيد " ص ك ( 173 )
(2) انظر : فتح المجيد ص : ( 176 ) ، " والدر النضيد " للشوكاني ص : ( 144 )
(3) أخرجه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/267 ، 271 ، 276 ) وابو داود في سننه كتاب الصلاة ( 1479 ) - والترمذي في " سننه " في كتاب تفسير القرآن رقم : 3247 - وفي كاب الدعوات رقم ( 3372 ) - وقال في الموضعين : " هذا حديث حسن صحيح " وأخرجه بن ماجة في سننه كتاب الدعاء باب فضل الدعاء رقم : ( 3828 ) ولحاكم في مستدركه - كتاب الدعاء - رقم ( 1802 - 1803 - 1804 ) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي 0- ثم اخرج عن عباس موقوفاً قوله أفضل العبادة هو الدعاء ) وصححه ، ووافقه الذهبي .
(4) وقد أورد عنه الإمام البخاري في كتابه خلق أفعال العباد ص 143 كلاماً نحو هذا فقال : " وقال نعيم بن حماد الخزاعي : لا يستعاذ بالمخلوق وبكلام العباد والجن والإنس والملائكة وفي هذا دليل أن كلام الله غير مخلوق وأن سواه مخلوق " اهـ(1/176)
(5) ويعني بها أحاديث الاستعاذة بكلمات الله والسؤال بأسمائه كحديث " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق " وحديث " باسم الله ارقيك " فالأول عند أبي داود برمق 3898 وصححه النووي في الأذكار ص : 127 - والثاني عند مسلم برقم 2186 .
(6) ورد هذا الجزء من الآية في عدة آيات من السور : الأعراف : 200 ، النحل : 98 ، غافر : 56 ، فصلت 36
(1) التوحيد لابن خزيمة ( 1/401 - 402 )
(2) " صحيح البخاري " انظره مع شرح " فتح الباري " ( 13 / 390 - 391 )
(3) " خلق أفعال العباد " ص : 195
(1) مدارج السالكين ( 1 / 224)
(2) مدراج السالكين ( 3 / 28 )
(3) قاعدة في المحبة ضمن " جامع الرسائل " ( 2 م 284 )
(4) مدارج السالكين ( 3 / 21 )
(1) نظر " مدارج السالكين " ( 1 / 119 )
(2) قاعدة في المحبة ضمن " جامع الرسائل " 2 / 287 - 288
(3) أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث ابن مسعود وأحمد في المسند وابن أبي شيبة في الإيمان من حديث البراء وقد حسنه الشيخ الألباني
(4) انظر " جامع البيان " للطبري ( 3/3/232 ) و " مدارج السالكين " ( 1/119)
(5) " الفروق في اللغة " لأبي هلال العسكري ص 215
(1) " مدارج السالكين " ( 1/128)
(2) انظر " شرح الكوكب المنير " (3/521) - و " أضواء البيان " ( 1/41 - 42 ) .
(3) انظر : أضواء البيان (1/41 - 42 )
(4) " جامع البيان" لابن جرير الطبري (13/25/106 )
(5) "مفردات ألفاظ القرآن " للراغب ص ( 542)
(6) انظر : رسالة الشرك ومظاهره ص : (88)
(1) "الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري ص : (215)
(2) تفسير ابن كثير (1/75 )
(1) " جامع البيان " للطبري ( 8/13/158 - 159 )
(2) "جامع البيان" للطبري (3/3/8)
(3) أنظر : " جامع البيان " للطبري ( 3/3/8)
(4) انظر : "جامع البيان" للطبري (3/3/9)(1/177)
(5) ما تقدم من الكلام عن معنى العبادة وإطلاقها مستفاد من كتاب منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى - تأليف / خالد بن عبد اللطيف .
(1) "تيسير العزيز الحميد" ص (34 ، 35 )
(2) "فتاوى الشيخ العثيمين" (2/112 ، 113)
(3) انظر "منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات " للشيخ الأمين الشنقيطي ص : (3 - 5 )
(1) انظر "فتح رب البرية بتلخيص الحموية " لشيخنا محمد بن صالح العثيمين - سلمة رحمه الله ونفع به .
(1) " فتح رب البرية بتلخيص الحموية " ص (54 - 56 )
(2) "المسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيد " ( 1/277 )
(1) "مدارج السالكين" ( 3/347)
(2) "مدارج السالكين " (3/348/ ن 349 ) باختصار .
(1) نقلاً عن كتاب " صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة " لعلوي بن عبد القادر ص (31 - 36)
(2) انظر فتح المجيد ص : (36)
(3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 28/32
(4) عرف ابن القيم الطاغوت تعريفاً جامعاً فقال : " الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله ، أو يعبدونه من دون الله ، أو يتبعونه على غير بصير من الله ، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة الله".
انظر " فتح المجيد" لعبد الرحمن بن حسن ص : (16)
(5) الدرر السنية : (1/95) جمع عبد الرحمن بن قاسم .
(1) بضع رسائل في عقائد الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب .
(2) دلالة المطابقة : هي دلالة اللفظ على كل معناه .
دلالة التضمن : هي دلالة اللفظ على جزء من معناه .
دلالة الالتزام : هي دلالة اللفظ على معنى خارج عنه لكنه لازم له .
(1) انظر " المورد العذب الزلازل " ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية .
(2) كتاب "الشريعة" لأبي بكر محمد بن الحسين الأجري ص : (104)
(1) معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي (1/377) .(1/178)
(2) رواه البخاري تعليقاً في كتاب الجنائز باب من كان آخر كلامه لا إله إلا الله ص (3/109)
(3) معارج القبول (1/378) وانظر الجامع الفريد ص : (356) . والحديث مروي في "صحيح مسلم" : كتاب الإيمان (1/55)
(4) معارج القبول (1/378)
(5) صحيح مسلم كتاب الإيمان (1/56)
(6) صحيح مسلم كتاب الإيمان (1/60)
(1) فتح المجيد ص : (36) .
(2) معارج القبول : (1/380)
(3) تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير (2/306)
(1) معارج القبول (1/381) .
(2) صحيح البخاري / كتاب العلم ( 1/266)
(3) التبيان في أقسام القرآن لابن القيم ص : (43)
(4) أخرجه الحاكم في كتاب الإيمان من مستدركه (1/70) وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(5) كلمة الإخلاص : (28)
(6) معارج القبول (1/382) وانظر الجمع الفريد ص : )356) .
(7) صحيح البخاري كتاب العلم باب الحرص على الحديث ج 1/193 ج99
(1) صحيح مسلم كتاب المساجد (1/456)
(2) اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 451
(3) "محاسن التأويل" للشيخ محمد جمال الدين القاسمي (4/5138) .
(4) انظر "اقتضاء الصراط المستقيم " ص : 454 و"التحفة العراقية " لشيخ الإسلام ابن تيمة ص : (41 ) .
(5) "أعلام السنة المنشورة " لحافظ الحكمي ص : (14)
(1) "صحيح البخاري " كتاب الإيمان (1/60) و"صحيح مسلم" كتاب الإيمان (1/66).
(2) " معارج القبول" (1/383).
(3) "النونية" ص : (158)
(1) كلمة الإخلاص ص (53) لابن رجب وانظر حول آثار "لا إله إلا الله" ، "معنى لا إله إلا الله " . للشيخ صالح الفوزان ص(40) ومنهاج الفرقة الناجية للشيخ محمد جميل زينو ص : (35) والولاء والبراء - للشيخ محمد بن سعيد القحطاني .
(2) انظر ((تيسير العزيز الحميد)) (46، 47).
(3) ((تفسير السعدي)) (7/181).
(4) ((تيسير العزيز الحميد)) (50،51).
(5) ((تيسير العزيز الحميد)) ص(42).
(6) ما تقدم من النقول من ((تيسير العزيز الحميد)) (74-76).(1/179)
(7) أخرجه البخاري (4/139) ومسلم رقم (28).
(8) أخرجه البخاري (1/110)، ومسلم (1/455).
(9) ((تيسير العزيز الحميد)) ص (87).
(10) ((تيسير العزيز الحميد)) (90، 91).
(11) تيسير الكريم الرحمن (2/426).
(12) ((تفسير ابن كثير)) .
(13) نقله صاحب ((تيسير العزيز الحميد)) ص(115، 116).
(14) ((تيسير العزيز الحميد )) ص(117).
(15) ((مدارج السالكين)) (3/450) .
(16) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(17) رواه البخاري ( ) ومسلم ( ).
(18) نقله عنه صاحب ((تيسير العزيز الحميد )) ص(127).
(19) ((القواعد الأربع)) ص(46).
(20) تيسير العزيز الحميد ص(220-224).
(21) ((مجموع الفتاوى)) (28/477-483) باختصار وتصرف.
(22) ((الموسوعة الميسرة)) ص (301-303).
(23) المرجع السابق ص (304).
(24) المرجع السابق ص(299).
(25) ((مجموع الفتاوى)) (3/103-104).
(26) ((مجموع الفتاوى)) (12/ 486، 487)، وانظر شرح العقيدة الطحاوية (521)، وشرح لمعة الاعتقاد (124).
(27) ((الموسوعة الميسرة)) ص (15) قلت: وخوارج اليوم يدينون بعقائد المعتزلة في كثير من أبواب الدين، وكذا الشيعة الزيدية فإباضية اليوم جمعوا بين فرقتين الخوارج والمعتزلة، وهكذا أهل الباطل في كل زمان ومكان مخلطون مضطربون.
(28) المرجع السابق ص(16، 17).
(29) المرجع السابق ص (19).
(30) ((أصول الدين)) للبغدادي ص: 123.
(31) تيسير العزيز الحميد.
(32) انظر ((شرح جوهرة التوحيد)) ص:37.
(33) ((الإتصاف)) - للباقلاني ص: 33.
(34) ((الإرشاد)) ص:25.
(35) شرح الجوهرة للبيجوري ص:38.
(36) متفق عليه أخرجه البخاري رقم (1359)، ومسلم رقم (2658).
(37) بهجة قلوب الأبرار ص: 64.
(38) انظر ص:
(39) منهج الأشاعرة في العقيدة -للشيخ سفر الحوالي ص(18) وانظر درء التعارض-للإمام ابن تيمية- ((أساس التقديس)) - للرازي (168-173)، الشامل للجويني (561)، ((المواقف)) للإيجي (561).(1/180)
(40) انظر ((الإنصاف)) -للباقلاني (22)، ((الإرشاد)) -للجويني 397، المواقف- للإيجي (384).
(41) وذلك في كتاب ((الإيمان)) وغيره من مصنفاته.
(42) منهج الأشاعرة ص(22).
(43) مجموع الفتاوى، نقلاً عن منهج الأشاعرة ص24 وانظر حول مذهب الأشاعرة في القرآن: ((الإنصاف)) (96-97) ، الإرشاد (128-137)، ((أصول الدين)) (107) المواقف (293) وانظر الرد عليهم في التسعينية لشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرها من كتبه.
(44) انظر حول هذا المبحث: الإنصاف (45-46)، الإرشاد (187-203)، أصول الدين (133)، المواقف (311)، شفاء العليل (259-261).
(45) نسبة التفويض إلى مذهب السلف من الزور والبهتان الذي نسبه إليهم متأخري الأشاعرة فمذهب السلف إثبات معاني الصغات وتفويض كيفيتها لا تفويض المعنى، كما يزعم المخالفون.
وانظر فتح رب البرية بتلخيص الحوية (62) وما بعدها.
(46) قد تبين لك في التعليق السابق أن السلف يثبتون المعنى ويفوضون الكيف، فتأمل.
(47)
(48) منهج الأشاعرة (28) وانظر كلامهم في: نهاية الإقدام (370)، غاية المرام (234)، المواقف (323)، وانظر ردود شيخ الإسلام عليهم الفتاوى (8/432-436)، التسعينية (247).
(49) ومن أراد مزيد تفصيل وبيان فليرجع إلى:
- منهج الأشاعرة في العقيد- لشيخنا سفر بن عبدالرحمن الحوالي.
- منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله -لخالد نور.
- الرد الأثري المفيد على البيجوري في شرح جوهرة التوحيد -لعمر بن محمود أبو عمر.
(50) ((أولويات الحركة )) ص(100).
(51) ((منهاج السنة)) (3/490).
(52) ((تفسير كلمة التوحيد)) - ضمن ((مجموعة التوحيد)) (252).
(53) ((وجوب التحاكم إلى شرع الله ونبذ ما خالفه)).
(54) ((مدارج السالكين)) ص: ( ).
(55) سبق تخريجه ص37.
(56) سبق الكلام عليه في شروط لا إله إلا الله.
(57) أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/213) والترمذي في الإيمان (7/295) رقم (2641).(1/181)
(58) صحيح البخاري كتاب الأنبياء (ج6/512) رقم (3470) وصحيح مسلم كتاب التوبة (4/2118) رقم (2766).
(59) صحيح مسلم كتاب السلام (4/ 1761) رقم(2245).
(60) مدارج السالكين لابن القيم (1/330-332) بتصرف بسيط.
(61) صحيح مسلم كتاب الإيمان (1/53) رقم (23).
(62) كتاب التوحيد ص(115) مع فتح المجيد.
(63) المرجئة:من الارجاء. بمعنى التأخير، وهم يقولون أن الإيمان هو الاقرار فقط. انظر مقالات الاسلاميين للأشعري (1/ 214) والفرق بين الفرق لبغدادي ص(202).
(64) مؤلفات الإمام محمد بن عبدالوهاب (5/ 15 ط1).
(65) في صحيح مسلم كتاب الإيمان ج1/ 97 ح97.
(66) انظر صحيح مسلم كتاب الإيمان ج1 ص1/ ح20.
(67) وهذه هي دعوى المرجئة. إنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
(68) هم الغلاة الذين ادعوا ألوهية علي رضي الله عنه.
(69) صحيح مسلم كتاب الزكاة ج2/ 742 ح 1064.
(70) كشف الشبهات ص .
(71) ((مجموع الفتاوى )) (12/468).
(72) ((الفوائد)) (101، 102) باختصار.
(73) أخرجه البخاري، كتاب الفتن (3/35) ومسلم كتاب الإمارة (1847).
(74) ((الدرر السنية)) (8/118).
(75) ((نواقض الإيمان القولية و العملية)) ص(3-6).
(76) ((الإيمان)) لابن تيمية ص(14).
(77) أخرجه أحمد (4/286)، وابن أبي شيبة في كتاب الإيمان (110)، و الحاكم (2/480)، وحسنه الألباني في ((الصحيحة)) رقم (1728).
(78) ((رسالة أوثق عرى الإيمان)) ص:(38).
(79) ((النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك)) ضمن ((مجموعة التوحيد)) ص: (363).
(80) ((الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك)) ص(33).
(81) أخرجه أبو داود (4/314) وأحمد (2/50) وقال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/236): ((إسناده جيد)). وحسنه الألباني ((صحيح الجامع)) (6025).
(82) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/237، 238).
(83) انظر ((تفسير ابن جرير)) (19/29) و ((الدر المنثور)) (6/282).(1/182)
(84) ((اقتضاء الصراط المستقيم )) (1/471).
(85) ((تشبيه الخسيس بأهل الخميس)) للذهبي ص(21-23).
(86) انظر ((الاتجاهات الوطنية)) لمحمد محمد حسين (2/318-230) وانظر ما سيأتي ص( ).
(87) سورة البقرة آية (256).
(88) انظر الدرر السنية ج2 ص95-97 وانظر مجموعة التوحيد ص36.
(89) سورة المائدة آية (3).
(90) انظر الدرر السنية ج2 ص95097 وانظر مجموعة التوحيد ص36.
(91) سورة يونس آية : 104.
(92) انظر مجموعة التوحيد ص30.
(93) المصدر السابق ص37 وانظر الدرر السنية ج2 ص97-98.
(94) سورة الممتحنة آية: 4.
(95) رواه مسلم. انظر صحيح مسلم ج1 ص53.
(96) انظر مجموعة التوحيد ص37 وانظر الدرر السنية ج2 ص98.
(97) سورة الكهف الآيتان (103-104).
(98) انظر مجموعة التوحيد ص111.
(99) انظر مجموعة التوحيد ص10.
(100) انظر الدرر السنية ج1 ص99. س
(101) انظر المبحث الأول والثاني من الباب الأول من هذه الرسالة من صفحة 57 إلى 106.
(102) انظر الدرر السنية ج1 ص66.
(103) سورة محمد آية: 9.
(104) انظر الدرر السنية ج1 ص66.
(105) سورة النساء آية: 91.
(106) سورة النساء الآية: 65.
(107) الشيخ عبدالله بن حمد الحجازي من تلاميذ الشيخ محمد بن إبراهيم بن محمود. انظر مشاهير علماء نجد/ عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالله ص190.
(108) سورة النساء آية : 116.
(109) انظر الدرر السنية ج11 ص183.
(110) انظر شرح الطحاوية ص317-318.
(111) انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم/ محمد فؤاد عبدالباقي ص192.
(112) المصدر السابق المكان نفسه.
(113) انظر شرح الطحاوية ص318.
(114) سورة الصف آية:4.
(115) سورة المائدة آية : 54.
(116) سورة النساء الآيات 97-99.
(117) سورة النحل الآيتان: 106-107.
(118) انظر مجموعة التوحيد ص284-285 والدرر السنية ج8 ص:111-112.(1/183)
(119) انظر تفسير القرطبي ج10 ص182- 183 وانظر فتح الباري ج12 ص:316- . وانظر التشريع الجنائي الإسلامي/ عبد القادر عودة ج1 ص: 568.
(120) سورة الأنعام آية: 164.
(121) انظر تفسير القرطبي ج7 ص157. س
(122) انظر مختصر تفسير الطبري/ ابن صمادحالأندلسي/ على هامش المصحف المفسر ص: 165.
(123) رواه البخاري. انظر فتح الباري ج5 ص98 (باب المظالم).
(124) سورة البقرة آية: 120.
(125) انظر الدرر السنية ج1 ص66.
(126) سورة التوبة آية: 71.
(127) أنظر سورة الأنفال آية: 73.
(128) انظر الدرر السنية ج2 ص95.
(129) انظر البداية والنهاية لابن كثير ج3 ص42.
(130) أي تعطفت وأشفقت عليه. انظر لسان العرب لابن منظور ج1 ص581.
(131) الذُرى بالضم أعلى كل شيء: وذروة السنام والرأس أشرفهما. المصدر السابق ج1 ص1066.
(132) الكلاكل جمع كلكة: وهو الصدر من كل شيء، وقيل هو ما بين الترقوتين: وقيل هو باطن الزور وقيل القصير الغليظ الشديد. المصدر السابق ج3 ص290 وانظر المعجم الوسيط ج2 ص801.
(133) انظر البداية والنهاية لابن كثير ج3 ص:42.
(134) سورة التوبة آية: 113.
(135) انظر الدرر السنية ج10 ص101.
(136) انظر مدارج السالكين/ ابن القيم الجوزية ج1 ص226.
(137) سورة التوبة آية : 123.
(138) انظر الدرر السنية ج1 ص294.
(139) انظر ديوان عقود الجواهر المنضدة الحسان/ للشيخ سليمان بن سحمان. ص79.
(140) الحداثة... سرطان العصر -للدكتور عبدالعظيم المطعني ص:3.
(141) ((جرثومة التخلف)) لأحد سدنة الإلحاد المعاصرين ص:141.
(142) المرجع السابق ص: 143.
(143) ((أنوار العقل)) لأحد ضلال التنويريين ص: 6.
(144) جرثومة التخلف ص: 180.
(145) ((جرثومة التخلف)) ص:180.
(146) أنوار العقل ص: 137.
(147) انظر ((الإسلام والحضارة الغربية)) لمحمد محمد حسين ص:69.
(148) المرجع السابق ص:116.
(149) المرجع السابق ص:117.
(150) ((الإسلام والحضارة الغربية)) ص: 121.(1/184)
(151) ((الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة)) للشيخ عبدالرحمن الدوسري -بتصرف. وانظر معجم المناهي اللفظية للشيخ بكر أبو زيد ص: 164 حيث قال عنها: ((كلمة توجب الردة)).
(152) ((معجم المناهي اللفظية)) ص: 164.
(153) ((الأجوبة المفيدة لمهمات لعقيدة)).
(154) المرجع السابق.
(155) ص: (342) ط لندن 1932م.
(156) الإسلام والحضارة الغربية ص:236-237 بتصرف.
(157) من كتاب ((نقد القومية العربية)) لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- من ص: 8-13 بتصرف.
(158) ((مذاهب فكرية معاصرة)) -لمحمد قطب (ص: 50).
(159) ((معجم المصطلحات العلمية)) يوسف الخياط.
(160) ((في فقه الواقع)) عبدالسلام بسيوني ص: 29.
(161) ((مجموع الفتاوى)) (3/338-339).
(162)
(163) ((علاقة الإثبات والتفويض يصفات رب العالمين)) -لرضا معطي ص: (31-32).
(164) ((فضل الاعتزال)) ص: 139.
(165) رسائل الجاحظ ص:191.
(166) رسائل الجاحظ ص:191.
(167) ((منهج المدرسة العقلية الحديثة)) لفهد الرومي ص:(54) بتصرف.
(168) ((العصريون: معتزلة اليوم)) ليوسف كمال ص: (76).
(169) ((الإسلام والنصرانية)) لمحمد عبده ص:(59).
(170) من كلام الدكتور محمد عمارة في كتابه تيارات الفكر الإسلامي ص: (87-88).
(171) من كلام محمد أحمد خلف الله في كتابه ((العدل الإسلامي)) نقلاً عن كتاب ((غزو من الداخل)) لجمال سلطان ص(51).
(172) الأسس القرآنية للتقدم - لخلف الله ص:(44).
(173) ((تجديد الفكر الإسلامي)) لحسن الترابي ص: (26).
(174) نقلاً عن ((دراسات في السيرة النبوية)) لمحمد سرورزين العابدين ص:(308).
(175) ((العصريون معتزلة اليوم)) ص(115-116).
(176) بيان تلبيس الجهمية (1/150).
(177) ((العلمانية)) - لشيخنا سفر بن عبدالرحمن الحوالي ص (178-179).
(178) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ص (217).
(179) الموسوعة الميسرة ص: 213-214.(1/185)
(180) ((جلاء الظلمة في التحذير من سيادة الشعب والأمة)) - لأحمد الشريف ص:( ).
(181) جلاء الظلمة ص(68-69).
(182) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ص: (449-451).
(183) الموسوعة الميسرة ص(243-246).
(184) تفسير القرطبي (4/41).
(185) تفسير ابن كثير (3/553).
(186) مجموع الفتاوى (13/136).
(187) مجموع الفتاوى (11/369-397).
(188) مجموع الفتاوى (19/169-170).
(189) فتح الباري (1/141).
(190) إغاثة اللهفان (1/68).
(191) ((تذكرة السامع والمتكلم)) ص(144).
(192) ((فضل العلم)) لأرسلان ص: (144).
(193) حلية طالب العلم ص(25-26).
(194) حلية طالب العلم ص(27-28).
(195) حلية طالب العلم ص: (67).
(196) ((كلمات في مباديء علم الأخلاق)).
(197) انظر ما تقدم في ((ثمرات الإيمان بصفات الله عزوجل)).
(198) انظر ((الصحاح)) للجوهري (6/2336).
(199) ((لسان العرب)) لابن منظور (2/1386).
(200) تيسير الكريم المنان (4/63).
(201) تيسير الكريم المنان (6/575-576).
(202) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- (1/89-90).
(203) انظر ((هذا الحبيب يا محب)) للشيخ أبي بكر الجزائري ص(533-534).
(204) رواه الترمذي (2398) وقال: حسن صحيح ، وابن ماجه (4023)، وأحمد (1/172) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(205) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (3/212).
(206) علو الهمة -للشيخ محمد إسماعيل ص(274) تصرف .(1/186)
(207) علق العلامة أحمد شاكر رحمه الله هنا قائلاً: ((التقية إنما تجوز للمستضعفين الذين يخشون أن لا يثبتوا على الحق، والذين ليسوا بموضع القدوة للناس، هؤلاء يجوز لهم أن يأخذوا بالرخصة، أما أولو العزم من الأئمة الهداة، فإنهم يأخذون بالعزيمة ويحتملون الأذى وثبتون، وفي سبيل الله ما يلقون ولو أنهم أخذوا بالتقية الأذى وثبتون ، وفي سبيل الله ما يلقون ولو أنهم أخذوا بالتقية، واستساغوا الرخصة لضل الناس من ورائهم، يقتدون بهم، ولا يعلمون أن هذا تقية، وقد أتي المسلمون من ضعف علمائهم في مواقف الحق، لا يصدعون بما يؤمرون، يجاملون في دينهم وفي الحق، لا يجاملون الملوك والحكام فقط، بل يجاملون كل من طلبوا منه نفعًا، أو خافوا منه ضرًا، في الحقير والجليل من أمر الدنيا. وكل أمر الدنيا حقير. فكان من ضعف المسلمين بضعف علمائهم ما نرى.
…ولقد قال رجل من أئمة هذا العصر المهتدين، فيما كتب إلى أبي رحمه الله، في جمادى الأولى سنة 1337هـ، قال: كان المسلمين لم يبلغهم من هداية كتابهم فيما يغشاهم من ظلمات الحوادث غير قوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} ثم اصيبوا بجنون التأويل فيما سوى ذلك، ولستُ أدري وقد فهموا منها ما فهموا، كيف يقولون بوجوب الجهاد، وهو إتلاف للنفس والمال؟! وكيف يفهمون تعرضه صص لصنوف البلاء والإيذاء؟! ولماذا يؤمنون بكرامة الشهداء والصابرين في البأساء والضراء على الله)) ؟! اهـ. من تعليق الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- على ((ترجمة الإمام أحمد)) للذهبي ص(49-50).
(208) ((ترجمة الإمام أحمد)) للحافظ الذهبي ص(48-50).
(209)
(210) الرد الوافر (70-71).
(211) بينتُ ذلك باختصار ومتن أراد التوسع فليرجع إلى الدراسة القيمة التي كتبها الشيخ صلاح الدين مقبول بعنوان: ((دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها في الحركات الإسلامية المعاصرة)) ص(27).
(212) راجع البداية والنهاية (14/335).(1/187)
(213) راجع حول هذه المجالس الثلاثة مجموع فتاوى شيخ الإسلام (3/160-201).
(214) راجع الذيل على طبقات الحنابلة (396- 403).
(215) البداية والنهاية (14/53-54).
(216) العقود الدرية ص(296).
(217) البداية والنهاية (14/87، 93، 97).
(218) المصدر السابق (14/97).
(219) راجع كتاب الرد على الأخنائي -لشيخ الإسلام- حول هذه المسألة.
(220) البداية والنهاية (14/123).
(221) راجع البداةية والنهاية (14/137-140).
(222) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (3/215-216).
(223) تيسير الكريم الرحمن (2/310-311).
(224) الدرر السنية (1/161).
(225) تيسير الكريم المنان (2/311-312).
(226) رواه أحمد (1/293)، وأبو يعلى (2556)، والترمذي (2516).
(227) جامع العلوم والحكم (1/462).
(228) رواه من حديث أبي بكر أحمد (1/24) والبخاري (3653) و(3922)و (4663)، ومسلم (2381)، والترمذي (3096).
(229) رواه البخاري (6502).
(230) رواه أحمد (4/267) وأبو داود (1479)، والترمذي (3247)، وابن ماجه (3828)، والحاكم (1/490).
(231) صحيح مسلم (2653).
(232) انظر لما تقدم جامع العلوم والحكم - لابن رجب (1/459- 495).
(233) رسالة العقيدة أولاً لو كانوا يعلمون ص(8).
(234) متفق عليه.
(235) رواه الحاكم.
(236) شرح الطحاوي ص(77-78).
(237) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (1/85-88).
(238) الدرر السنية (1/110-112) باختصار وتصرف.
(239) مقال لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز في مجلة ((المجاهد)) عدد 26 -جمادى الثانية 1411هـ.
(240) انظر حول دعوته رحمه الله:
…-البداية والنهاية ((لابن كثير (14/132-141)))
- العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية -لابن عبدالهادي .
- ((الرد الوافر)) لابن ناصر الدين.
- الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية لمرعي الحنبلي .
- ((ابن تيمية السلفي)) لمحمد خليل هراس.(1/188)
(241) من كلام شيخنا أبي بكر جابر الجزائري في مجلة الجامعة الإسلامية ص(169).
(242) دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية ص(11).
(243) المرجع السابق ص(16).
(244) ابن تيمية السلفي -لهراس ص(198).
(245) الحافظ ابن تيمية شيخ الإسلام الندوي.
(246) ((لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية)) -للشيخ عبدالرحمن عبدالخالق ص(51).
(247) انظر حول دعوته رحمه الله :
… ((حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأثرها في العالم الإسلامي)) للدكتور محمد بن عبدالله السلمان .
((الشيخ محمد بن عبدالوهاب)) للشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي.
(248) الشيخ ((محمد بن عبدالوهاب)) لابن حجر آل بوطامي (102-107).
(249) المصدر السابق ص(136).
(250) المصدر السابق (134-135).
(251) تفسير السعدي (1/409).
(252) رواه مسلم (969)، وأبو داود (3218) والترمذي (1049) والنسائي (4/88).
(253)
(254) رواه البخاري (6/98)، ومسلم (2115)، وأبو داود (2552) وأحمد (5/216) ومالك (2/937).
(255) رواه النسائي في ((عمل اليوم والليلة)) رقم (988) بلفظ ((أجعلتني لله عدلاً)) ورواه أيضًا أحمد في المسند (1/214و 283و 347) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- ، ورواه ابن ماجة رقم (2117) في الكفارات، باب النهي أن يقال: شاء الله وشئت بلفظ: ((إذا حلف أحدكم فلا يقل: ما شاء الله وشئت ، ولكن ليقل: ما شاء الله ثم شئت)) ، ورواية ((أجعلتني لله ندًا)) من رواية ابن مردوية قال الشيخ عبدالقادرالأرناؤوط: حديث حسن.
(256) ص(161).
(257) انظر مجموع فتاواه (12/284-285).
(258) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (12/259-260).
(259) أعلام العراق.
(260) كلمة حق ص(81-83).
(261) مجموعه الفتاوى .
(262) مدارج السالكين (1/372).
(263) ((الرد على المخالف)) ص:(7-8).
(264) ((زاد المعاد)): (2/62)، ((تفسير ابن كثير)): (1/228)، و ((مشارع الأشواق)) لابن النحاس (1/526-527).
(265) انظر ((الفتاوى)): (28/232-235).(1/189)
(266) ((الفتاوى)): (12/511)، (2/132، 475).
(267) بنحوه في ((الفتاوى)) : (28/233).
(268) (ص/31).
(269) الرد على المخالف ص:(8،9).
ـــــــــــ
==>ـــــــــــ
?
??
??
القول السديد في وجوب الاهتمام بالتوحيد ----------------------------------
7(1/190)