القول البرّاق
في
نازلة العراق
الانتصار لراية الجهاد
إعداد
الفقير إلى عفو ربه
أحمد آل عبدالعزيز
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله وليِ المؤمنين، الناصرِ لجُندِه المجاهدين، الموفيِ بعهدهِ لعبادهِ الموقنين، المُنْزِلِ السكينةَ على عبادهِ المقاتلين، المُمْدِدِ بالملائكةِ المُسَوِّمين، المستجيبِ لاستغاثةِ المستغيثين، الهازمِ للكفرةِ المتحزبين، القاصمِ لرقابِ الجبابرةِ المستكبرين، الفاضحِ للمنافقين المرجفين. ثم الصلاة والسلام على نبيه محمدٍ الهادى إلى النور المبين، والصراط المستقيم، المُرسَلِ رحمةً للعالمين، وبالكتاب الحكيم، ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور، ومن الشرك والشك إلى التوحيد واليقين، أيده الله بنصره وبالمؤمنين، وألقى الرعب في قلب عدوه القريب والبعيد. جعل أمته خير أمة أخرجت للناس، تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وتدعوهم إلى الخير والنعيم.
أمةٌ بُغضُها وعداوتُها وقتالُها في الله ولله، تُجاهدُ مَنْ حادَّ وكفر باللهَ، وكذب وعصى رسوله، مِن الذين سلكوا سُبلَ الشيطان وأعرضوا عن سبيل الرحمن. تصبر وتصابر لأجله ممتثلةً أمرَ ربها، مطيعةً أمرَ رسولها، وتحقيقاً للعبودية والاستسلام الواجب عليها لله تعالى، وجلباً للمصالحِ العظيمة، والآثار الحميدة، ودرءً للمفاسد الكبيرة، والآثار الوخيمة. أمةٌ محبتها وولائها، وبُغضها وبرائتها، تبعا لمحبة الله تعالى وبغضه. والله تعالى أخبر أنه يحب المؤمنين ويتولاهم، وأنه يبغض الكافرين ويبرأ منهم.
لم يعد خافياً اليوم على كل مسلم ما تتعرض له بلدان المسلمين قاطبة من غزو سافر وحرب شرسة على مختلف الأصعدة، وذلك من قبل أعدائها الكفرة وأذنابهم المنافقين، فعلى الصعيد العسكري ترزح بعض بلدان المسلمين تحت الاحتلال العسكري لجيوش الكفرة المعتدين التي غزت أهل هذه البلدان في عقر دارهم كما هي الحال في أفغانستان والشيشان والعراق وفلسطين وكشمير،(1/1)
وكما هو مقرر عند أهل العلم أن جهاد الكفار يصبح متعيناً على أهل كل بلد عندما يغزون في عقر دارهم ويجب على كل قادر أن ينفر لصد العدوان وقتال الكفار حتى يجلوا عن أرض المسلمين، والجهاد في هذه البلدان يكون بالنفس والمال، ويجب على بقية بلدان المسلمين أن ينصروا إخوانهم في بلدانهم المغزوة بأن يمدوهم بالمال والسلاح والبيان والدعاء، وإذا لم يكف المقاتلون في البلد المعتدى عليه في صد العدوان وجب على البلاد المجاورة لهم أن تمدهم بالرجال والمال حتى يكتفوا، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - حيث يقول: "وإذا دخل العدو بلاد المسلمين فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد المسلمين كلها بمنزلة البلدة الواحدة" [الاختيارات الفقهية ص 448]، كما يجب على من كان من المسلمين ذا خبرة عسكرية في فن من فنون القتال أن ينفر لنصرة إخوانه في البلدان المغزوة كما وضحه اهل العلم وسيأتي قول العلامة العثيمين رحمه الله في ذلك،وقد قال الله _عز وجل_: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } إلى قوله _تعالى_: { انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (التوبة:38-41) .(1/2)
وبعد فأنني في هذه الورقات سوف اذكر اقوال وفتاوى العلماء في جهاد الدفع ، ولطالما ترددت في كتابة هذا الكتاب ونشره لعلمي ان جهاد الدفع لا يختلف فيه احد ولم اكن اتوقع انه في يوم من الايام سوف ينكر اناس الجهاد القائم في افغانستان وفلسطين والشيشان ، واخيرا الجهاد المبارك في بلاد الرافدين ، فبدأنا نسمع وبعد دخول القوات الصليبية ارض العراق فتاوى ومقالات تستنكر جهاد اهل العراق للصليبيين واعوانهم ، وتصف تلك الفتاوى المجاهدين في العراق تارة بالخوارج ! وتارة بقطاع الطرق ! وتارة بالمتهورين ! ولو ان الذين اصدروا تلك الفتاوى هم قلة قليلة لكن بعض الناس قد فتنوا بتلك الفتاوى وناصبوا العداء للمجاهدين ولمن افتى لهم بالجهاد ، وليت اؤلئك الشباب الذين يطعنون في جهاد المجاهدين شغلوا انفسهم بالدعوة الى دين الله ، لكن المصيبة ان اؤلئك الشباب قد شغلوا انفسهم بأعراض المجاهدين واعراض العلماء المجاهدين الذين افتوا بمشروعية جهاد الكفار في ارض العراق ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .(1/3)
وقد اثيرت شبهات حول الجهاد في العراق وقد استحدثت هذه الايام ، لم نسمعها من قبل كبار علماء الامة كالامام سماحة الشيخ الوالد عبدالعزيز بن باز رحمه الله والامام العلامة محمد العثيمين رحمه الله او محدث العصر الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الالباني رحمه الله او العلامة الجبرين او العلامة صالح الفوزان أو العلامة البراك حفظهم الله اوغيرهم من علماء العصر او قبلهم من علماء السلف ، ومما اثير من شبهات اسقطوا فيها جهاد امة تقاتل لاعلاء كلمة الله سبحانه وليس هو جهاد طلب بل هو جهاد دفع ، اقول من تلك الشبهات : هو قلة العدد والعدة ووجوب وجود الامام ووجوب ان تكون الامة بقوة عدوها ! ومن الشبهات انه بسبب الجهاد سوف تهدم المدن ويموت الكثير وغيرها من الشبه التي اثيرت خاصة عند قيام الجهاد في العراق ، وسوف اذكر في مقدمة الكتاب اقوال كبار علماء الامة فيها اسقاط لتلك الشبه ، ومنها مقالات وفتاوى كبار علماء الامة في الجهاد في افغانستان والشيشان وفلسطين وحتى الفلبين! وبعدها سأذكر فتاوى علماء مشهود لهم بالعلم افتوى بوجوب جهاد المحتلين في العراق ووجوب نصرتهم بالمال والسلاح ، نسأل الله ان ينصر اخواننا اسود الجهاد في بلاد الرافدين وفي افغانستان والشيشان وفلسطين وكشمير وان يهزم اعدائهم انه على كل شيء قدير .
وكتبه
أحمد آل عبدالعزيز
1426 هـ
تمهيد
فضل الجهاد والمجاهدين
من كلام سماحة الامام عبدالعزيز بن باز رحمه الله
الحمد لله الذي أمر بالجهاد في سبيله , ووعد عليه الأجر العظيم والنصر المبين, واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم ( وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ )(1) .(1/4)
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله, أفضل المجاهدين , وأصدق المناضلين , وأنصح العباد أجمعين صلي الله علية وسلم , وعلى آله الطيبين الطاهرين , وعلي أصحابه الكرام الذين باعوا أنفسهم لله, وجاهدوا في سبيله حتى اظهر الله بهم الدين وأعز بهم المؤمنين وأذل بهم الكافرين , رضي الله عنهم وأكرم مثواهم وجعلنا من اتباعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات , ومن أعظم الطاعات , بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض , وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين و إعلاء كلمه الدين , وقمع الكافرين والمنافقين , وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين , و إخراج العباد من الظلمات إلى النور ونشر محاسن الإسلام و أحكامه العادلة بين الخلق أجمعين, وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين.
وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية , ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل, والصدق في جهاد أعداء رب العالمين .
وهو فرض كفاية علي المسلمين إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين , وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها إلا بعذر شرعي , كما لو استنفره الإمام أو حصر بلده العدو, أو كان حاضراً بين الصفين , و الأدلة علي ذلك من الكتاب والسنة معلومة .(1/5)
ومما ورد في فضل الجهاد والمجاهدين من الكتاب المبين قوله تعالى ( انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ * لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ )(2) ففي هذه الآيات الكريمات يأمر الله عباده المؤمنين أن ينفروا إلى الجهاد خفافاً وثقالاً , أي شيباً وشبابا وأن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله , ويخبرهم عز وجل بأن ذلك خير لهم في الدنيا و الآخرة , ثم يبين سبحانه حال المنافقين وتثاقلهم عن الجهاد وسوء نيتهم , وأن ذلك هلاك لهم بقوله عن وجل ( لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ... )(3) .(1/6)
ثم يعاتب نبيه صلي الله عليه وسلم عتابا لطيفا علي إذنه لمن طلب التخلف عن الجهاد بقوله سبحانه (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ )(4) ويبين عز وجل أن في عدم الإذن لهم تبيين للصادقين وفضيحة للكاذبين , ثم يذكر عز وجل أن المؤمن بالله واليوم و الآخر لا يستأذن في ترك الجهاد بغير عذر شرعي لان إيمانه الصادق بالله واليوم الآخر يمنعه من ذلك, ويحفزه إلى المبادرة إلى الجهاد والنفير مع أهله , ثم يذكر سبحانه أن الذي يستأذن في ترك الجهاد هو عادم الإيمان بالله واليوم الآخر المرتاب فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وفي ذلك أعظم حث وأبلغ تحريض علي الجهاد في سبيل الله , والتنفير من التخلف عنه .
وقال تعالى في فضل المجاهدين ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(5) .(1/7)
ففي هذه الآية الكريمة الترغيب العظيم في الجهاد في سبيل الله عز وجل وبيان أن المؤمن قد باع نفسه وماله علي الله عز وجل , أنه سبحانه قد تقبل هذا البيع وجعل ثمنه لأهله الجنة, أنهم يقاتلون في سبيله فيقتلون ويقتلون , ثم ذكر سبحانه أنه وعدهم بذلك في أشرف كتبه وأعظمها , التوراة , و الإنجيل والقرآن , ثم بين سبحانه أنه لا أحد أوفى بعهده من الله , ليطمئن المؤمنون إلى وعد ربهم ويبذلوا السلعة التي واشتراها منهم , وهي نفوسهم وأموالهم في سبيله سبحانه عن ( إخلاص ) وصدق وطيب نفس حتى يستوفوا أجرهم كاملا في الدنيا و الآخرة, ثم يأمر سبحانه المؤمنين أن يستبشروا بهذا البيع لما فيه من الفوز العظيم , والعاقبة الحميدة , والنصر للحق والتأييد لأهله , وجهاد الكفار والمنافقين وإذلالهم ونصر أوليائه عليهم, وإفساح الطريق لانتشار الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة.
وقال عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )(6) .(1/8)
في هذه الآيات الكريمات الدلالة من ربنا عز وجل على أن الإيمان بالله ورسوله والجهادَ في سبيله هما التجارة العظيمة المنجية من العذاب الأليم يوم القيامة , ففي ذلك أعظم ترغيب وأكمل تشويق إلى الإيمان والجهاد , ومن المعلوم أن الإيمان بالله ورسوله يتضمن توحيد الله و إخلاص العبادة له سبحانه, وكما يتضمن أداء الفرائض وترك المحارم ويدخل في ذلك الجهاد في سبيل الله لكونه من اعظم الشعائر الإسلامية ومن أهم الفرائض, ولكنه سبحانه خصه بالذكر لعظم وشأنه , وللترغيب فيه لما يترتب عليه من المصالح العظيمة والعواقب الحميدة التي سبق بيان الكثير منها, ثم ذكر سبحانه ما وعد الله به المؤمنين المجاهدين من المغفرة والمساكن الطيبة في دار الكرامة ليعظم شوقهم إلى الجهاد وتشتد رغبتهم فيه , وليسابقوا إليه , ويسارعوا في مشاركة القائمين به , ثم أخبر سبحانه أن من ثواب المجاهدين شيئا معجلا يحبونه وهو النصر على الأعداء , والفتح القريب علي المؤمنين , وفي ذلك غاية التشويق والترغيب .
والآيات في فضل الجهاد والترغيب فيه وبيان فضل المجاهدين كثيرة جداً , وفيما ذكر سبحانه في هذه الآيات التي سلف ذكرها ما يكفي ويشفي ويحفز الهمم , ويحرك النفوس إلى تلك المطالب العالية والمنازل الرفيعة , والفوائد الجليلة , والعواقب الحميدة , والله المستعان .
أما الأحاديث الواردة في فضل الجهاد والمجاهدين, والتحذير من تركه و الإعراض عنه فهي أكثر من أن تُحصر , وأشهر من أن تُذكر , ولكن نذكر منها طرفاً يسيراً ليعلم المجاهد الصادق شيئا مما قاله نبيه ورسوله الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم في فضل الجهاد ومنزلة أهله.(1/9)
ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها, وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها, والروحة ويروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها ) .
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم , وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة ) أخرجه مسلم في صحيحه , وفي لفظ له ( تضمَّن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي , و إيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة , أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلًا ما نال من أجر أو غنيمة ) .
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي , اللون لون الدم والريح ريح المسك ) متفق عليه .
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي العمل أفضل قال ( إيمان بالله ورسوله ) قيل ثم ماذا ؟ قال ( الجهاد في سبيل الله ) قيل ثم ماذا ؟ قال ( حج مبرور ) .
وعن أبي عبس بن جبر الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما اغبّرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار ) رواه البخاري في صحيحه .
وفيه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق ) .(1/10)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا تبايعتم بالعينة , وأخذتم أذناب البقر , ورضيتم بالزرع , وتركتم الجهاد , سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه شئ حتى ترجعوا إلى دينكم ) رواه أحمد و أبوداود وصححه ابن القطان , وقال الحافظ في البلوغ ( رجاله ثقات )
والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين وبيان ما أعد الله للمجاهدين الصادقين من المنازل العالية , والثواب الجزيل , وفي الترهيب من ترك الجهاد و الإعراض عنه كثيرة جداً , وفي الحديثين الآخرين , وما جاء في معناهما الدلالة علي أن الإعراض عن الجهاد وعدم تحديث النفس به من شعب النفاق , وأن التشاغل عنه بالتجارة والزراعة والمعاملة الربوية من أسباب ذل المسلمين وتسليط الأعداء عليهم كما هو الواقع , وأن ذلك الذل لا ينزع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم بالاستقامة علي أمره, والجهاد في سبيله .
فنسأل الله أن يمن علي المسلمين جمعيا بالرجوع إلى دينه , وأن يصلح قادتهم ويصلح لهم البطانة , ويجمع كلمتهم علي الحق , ويوفقهم جمعيا للفقه في الدين والجهاد في سبيل رب العالمين , حتى يعزهم ويرفع عنهم الذل , ويكتب لهم النصر علي أعدائه وأعدائهم إنّه وليّ ذلك والقادر عليه .( من كتاب فضل الجهاد والمجاهدين لسماحة الشيخ ابن باز )
مقدمة
كلام مهم حول جهاد الدفع(1/11)
فيما يلي اقوال علماء السلف في نوعي الجهاد ( الطلب والدفع ) وهو كلام مهم يجب تدبره وفيه اسقاط لشبه المانعين للجهاد في العراق وبيان الفرق بين نوعي الجهاد ، وان جهاد الدفع لم يمنعه ولم يسقطه احد من العلماء على مر العصور في حال القوة والضعف ، ففي اقوال العلماء الاتي الان انهم في حال ضعف الامة فانهم لم يسقطوا جهاد الدفع بل اوجبوا الجهاد مع القلة والكثرة وانه يدفع بحسب الإمكان وانه في حال العجز الشديد او التكاسل لاهل البلاد المحتلة فان الجهاد لا يسقط بل يجب على المسلمين ممن حولهم القيام بالجهاد الأقرب فالأقرب . وبعد ذلك سوف اذكر فتاوى وأقوال كبار علماء العصر تأكيدا في ان جهاد الدفع لا يسقط بل يدفع بحسب الامكان والله المستعان .
جهاد الطلب :الغزو: معناه الطّلب يقال : ما مغزاك من هذا الأمر أي ما مطلبك ، وسمّي الغازي غازياً , لطلبه الغزو : فقوله أغزوا بسم الله , دليل على أن ذلك في جهاد الطلب وغزو الكفار في عقر دارهم وهو فرض على الكفاية عند الجمهور قال ابن قدامة في المغني (8/345) [ وفرض الكفاية هو :الفرض الذي إذا قام به البعض سقط عن الآخرين , أي الذي إن لم يقم به من يكفي أثم الناس كلهم وإن قام به من يكفي سقط عن سائر الناس فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع كفرض العين ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له وفرض العين لا يسقط بفعل غيره ] ا.هـ
وقد قال ابن القيم في كتابه الفروسية " وجهاد الطلب وهو طلب العدو في دياره لا يقدم عليه إلا سادات المؤمنين (.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (فإذا كان ابتداء , فهو فرض على الكفاية , إذا قام به البعض سقط الفرض عن الباقين , وكان الفضل لمن قام به كما قال الله تعالى { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله }) (الفتاوى 28/359)(1/12)
وقال الإمام ابن حزم في المحلي (7/291) [ والجهاد فرض عين على المسلمين فإذا قام به من يدافع العدو ويغزوهم في عقر دارهم ويحمي ثغور المسلمين سقط فرضه عن الباقين , وإلا فلا ] ا.هـ
جهاد الدفع : وهو جهاد العدو الصائل على بلاد المسلمين أو أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم فهو فرض عين بالإجماع قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً ) . وقال ابن تيمية ( وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيراً لا طاقة للمسلمين به ؛ لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين . فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا . ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم , فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الانصراف عنه بحال , ووقعة أحد من هذا الباب .
وقال : جهاد الدفع للكفار يتعين على كل أحد , ويحرم فيه الفرار من مثليهم لأنه جهاد ضرورة لا اختيار , وثبتوا يوم أحد والأحزاب وجوبله , وكذا لما قدم التتار دمشق ) المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية لابن قاسم ( 3 / 218-219)
ولم يختلف أحد من السلف أن جهاد الدفع فرض عين لا يشترط له شرط كالزاد والراحلة وقد نقل الإجماع على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حزم وابن عبد البر بل الأئمة الأربعة مجمعون على ذلك بل قالوا لو سبيت امرأة أو أسر رجل أو دخل العدو بلاد المسلمين أو أخذ شبراً منها تعين الجهاد . قال ابن تيمية ( ويجب جهاد الكفار واستنقاذ ما بأيديهم من بلاد المسلمين وأسراهم ) المستدرك لابن قاسم (3/ 221 ((1/13)
ولم يسقط العلماء جهاد الدفع بسبب القلة او الضعف بل ان العلماء قرروا في حالة القلة او الضعف فان الجهاد لا يلغى ولا يمنع بل وجب الدفاع على الاقرب فالاقرب ، فأنه لو كانت القدرة شرطا في جهاد الدفع لأسقطوا الجهاد ومنعوه :
قال ابن عابدين وهو من علماء الحنفية ( وفرض عين إن هجم العدو على ثغر من ثغور الإسلام فيصير فرض عين على من قرب منه , فأما من وراءهم ببعد من العدو فهو فرض كفاية إذا لم يحتج إليهم , فإن احتيج إليهم - تأمل - بأن عجز من كان بقرب العدو عن المقاومة مع العدو أو لم يعجزوا ولكنهم تكاسلوا ولم يجاهدوا فإنه يفترض على من يليهم فرض عين كالصلاة والصوم لا يسعهم تركه , وثم وثم إلى أن يفترض على جميع أهل الإسلام شرقا وغربا على هذا التدرج ) ا.هـ حاشية ابن عابدين (3/238 (
وجاء في حاشية الدسوقي المالكي ( ويتعين الجهاد بفجئ العدو قال : أي توجه الدفع بفجئ ( مفاجأة ) على كل أحد وإن امرأة أو عبداً أو صبياً , ويخرجون ولو منعهم الولي والزوج ورب الدين ) ا.هـ حاشية الدسوقي (2/174)
وأما الشافعية ففي نهاية المحتاج للرملي ( فإن دخلوا بلدة لنا وصار بيننا وبينهم دون مسافة القصر فيلزم أهلها الدفع حتى من لا جهاد عليهم ) نهاية المحتاج (8/58)
وأما الحنابلة فقد ذكر ابن قدامة في المغني ( ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع :
1- إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان 2- إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم 3- إذا استنفر الإمام لزمهم النفير.المغني ( 8/345)
وقال أيضاً رحمه الله وإذا لم تحصل الكفاية في الثغور أثم الجميع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب , إذ بلاد الإ سلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة , وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم , ونصوص أحمد صريحة بهذا ) ا.هـ المستدرك لابن قاسم (3/218)(1/14)
ومن هنا يتبين لنا ويتضح جليا أن سبب الخلل الحاصل عند كثير من المتأخرين ممن كتب في الجهاد أو تحدث عنه, هو عدم التفريق بين أحكام جهاد الطلب وجهاد الدفع .
وقد نبه ابن تيمية رحمه الله على ذلك فإن زمانه مشابه لزماننا , فقد صال التتار على العراق والشام وغيرها من بلاد المسلمين وقام المتخاذلون في زمنه والمرجفون فقالوا لا مقام لنا بالشام وقال بعضهم لا طاقة لنا بالتتار .
ولما قابل القاعدين من العلماء في مصر وحرضهم على الجهاد تعللو بعللٍ ورثوها صاغراً عن صاغر بصق في وجوههم، وأنطلق مجاهداً ولم يقل نحن مستضعفون ونحتاج للتربية والإعداد مائة عام , وعلينا بالدعوة والحوار مع التتار , و قام لله قومةً صادقةً, وحرض الأمة وجيشها , وقاد المعارك تلوا المعارك , فنصره الله يوم علم صدقه , وأخرج التتار من بلاد المسلمين , وسطرت سيرته , وخلد ذكره , وذهب المخذلون , لأن التاريخ لا يسطر في صفحاته إلا العظماء ولا يخلد إلا ذكر الأبطال بل ويحفظ لهمم صدقهم وتضحياتهم ومواقفهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على اشتراط القاضي الزاد والراحلة في الجهاد إذا تعين فقال ( وما قاله القاضي من القياس على الحج لم ينقل عن أحمد , وهو ضعيف ؛ فإن وجوب الجهاد قد يكون لدفع ضرر العدو فيكون أوجب من الهجرة . ثم الهجرة لا تعتبر فيها الراحلة فبعض الجهاد أولى . وثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وأثرة عليه ) فأوجب الطاعة التي عمادها الاستنفار في العسر واليسر , وهذا نص في وجوبه مع الإعسار ؛ بخلاف الحج هذا كله في قتال الطلب .(1/15)
وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً . فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب من دفعه , فلا يشترط له شرط ؛ بل يدفع بحسب الإمكان , وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم , فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر , وبين طلبه في بلاده ) المستدرك لابن قاسم ( 3/ 215)
قال ابن تيمية (فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجباً على المقصودين كلهم وعلى غير المقصودين لإعانتهم كما قال الله تعالى { وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر} وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المسلم وسواء كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم يكن . وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحد بنفسه وماله ,مع القلة والكثرة , والمشي والركوب ,كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد , كما أذن في ترك الجهاد ابتداءً لطلب العدو , الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج , بل ذم الذين يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم { يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً} فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس , وهو قتال اضطرار, وذلك قتال اختيار(للزيادة ) في الدين وإعلائه , ولإرهاب العدو , كغزاة تبوك ونحوها ) الفتاوى (28/359) فمن علم بحالهم واستطاع نصرتهم لزمه ذلك كما قال ابن تيمية هنا .
وقال القرطبي أيضاً ( كل من علم بضعف المسلمين عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضاً الخروج إليهم) ا.هـ فتح الباري (6/30)..(1/16)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : بعد ما ذكر أصناف الكفار الذين يقاتلون من كفار أصليين أو مرتدين (هؤلاء كلهم يجب قتالهم بإجماع المسلمين . حتى يلتزموا شرائع الإسلام ، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ، وحتى تكون كلمة الله - التي هي كتابه وما فيه من أمره ونهيه وخبره - هي العليا . هذا إذا كانوا قاطنين في أرضهم فكيف إذا استولوا على أراضي الإسلام : من العراق ، وخراسان ، والجزيرة ، والروم ، فكيف إذا قصدوكم وصالوا عليكم بغياً وعدواناً : { ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم } .) ا.هـ وقال شيخ الإسلام كذلك لسلطان مصر الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو يستحثه وعساكره لقتال التتار: ( إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطان يحوطه ويحميه ويستغله في زمن الأمن .. ثم قال : لو قدر أنكم لستم حكام الشام ولا ملوكه واستنصركم أهله وجب عليكم النصر , فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه وهم رعاياكم وأنتم مسئولون عنه ). ا.هـ
قال العلامة حمود بن عقلا الشعيبي رحمه الله تعالى : (وحكم الجهاد في وقتنا الحاضر أنه فرض عين على كل قادر عليه وقد أجمع علماء الأمة قديما وحديثا على أن الجهاد يكون فرض عين في ثلاث حالات : الأولى : إذا حصر العدو بلدا من بلاد المسلمين أو احتلها .
والحالة الثانية : إذا حضر الصف في معركة بين المسلمين والكفار .
والحالة الثالثة : إذا استنفره الإمام الشرعي(1/17)
وفيما يلى اقوال كبار علماء العصر وحديثهم عن جهاد الدفع فليتدبرها كل عاقل ويقارنها بواقعنا اليوم ، فكل انسان عاقل لا ينكر ان الصليبيين اليوم قد احتلوا العراق وعاثوا فيه الفساد سجونهم ملئ بالمسلمين والمسلمات وقد انتهكوا الاعراض والحرمات فأنا لله وانا اليه راجعون ، وقد قام بعض طلاب العلم وافتى بحرمة الجهاد بالعراق لأنهم وصفوا المجاهدين بالخوارج !! وانه يجب عليهم طاعة ولي الامر !! المنصب من قبل الصليبيين ، وانا سأنقل لهم فتاوى وكلام ائمة العصر في الجهاد في افغانستان وغيرها ليتبين لنا الحق وبطلان اقوال اؤلئك الذين يدعون اتباعهم لكبار علماء الامة وقد قاموا بتحريف اقوالهم وبترها ليوافق اهوائهم فأنا لله وانا اليه راجعون .(1/18)
قال الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله : (والمجاهدون الأفغان والمهاجرون منهم - وفقهم الله جميعا - يعانون مشكلات في حياتهم عظيمة فيصبرون عليها رغم أن عدوهم وعدو الدين الإسلامي يضربهم بقوته وأسلحته وبكل ما يستطيع من صنوف الدمار وهم بحمد الله صامدون ومصرون على مواصلة الجهاد في سبيل الله ، كما تتحدث عنهم الأخبار والصحف ومن شاركهم في الجهاد من الثقات لم يضعفوا ولم تلن شكيمتهم إلا أن مشكلتهم نتجت من الدمار الذي حل بديارهم والتخريب الذي أحدثته أسلحة الروس وطائراتهم والفاقة التي حلت بأهليهم مما تسبب في هجرة جماعية إلى باكستان وغيرها ، فقد ذكرت الأنباء الأخيرة بأن عدد اللاجئين الأفغان قد وصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين في باكستان وحدها كلهم هربوا من ديارهم وأماكن رزقهم وأصبحوا بدون مأوى ولا مصدر رزق إلا ما يسره الله ممن أفاء الله عليه بنعمه ليجود بما يستطيع . وإنها لدعوة أوجهها لإخواننا المسلمين في كل مكان بأن يقدموا لإخوانهم الأفغان مما آتاهم الله من الرزق ، ومن ذلك الزكاة التي فرضها الله في أموالهم حقا لمن حددهم الله جل وعلا في سورة التوبة وهم ثمانية ، قد دخل إخواننا المجاهدين والمهاجرون الأفغان في ضمنهم . ) جريدة الرياض يوم الجمعة 7 / 5 / 1409 هـ .( مجموع فتاوى ومقالات ابن باز ) هذا كلام امام العصر ابن باز يرحمه الله فأين المانعون الذين يحتجون بأن القدرة شرط في جهاد الدفع والقدرة عندهم هي ان يتساوى المسلمون بالقوة مع اعدائهم !! فبذلك اسقطوا الجهاد ، وأين شبهتهم تلك التي يروجون بها كتبهم في ان الجهاد سبب الخراب والدمار والهجرة فأسقطوا الجهاد بذريعة القتل والهجرة والتشريد ، الا يعقل اؤلئك ان القتل والهجرة ودمار المدن تحدث حتى وان امتلك المسلمون القوة والامكانية ، ولو انه في حدوث الدمار للمدن سبب لترك الجهاد لكان سماحة الامام ابن باز رحمه الله قد اوصى المجاهدين في افغانستان(1/19)
بألقاء السلاح والتوقف عن القتال لان الملايين من المسلمين قد دمرت مدنهم وهاجروا كما قال سماحته ، بل ان الامام ابن باز رحمه الله قد حمد الله على صمود المجاهدين واصرارهم على القتال وحثهم على الصبر والجهاد وحث المسلمين على مساعدة المجاهدين هناك ، فرحم الله الشيخ ابن باز ماذا يقول لو انه سمع ما يقال اليوم عن الجهاد في افغانستان والعراق وفلسطين من التحريم ووصف المجاهدين بالمتهورين ، ماذا يقول لو سمع اؤلئك الذين يطعنون في العلماء المفتون بوجوب الجهاد اليوم فأنا لله وانا اليه راجعون .
قال سماحة السيخ عبدالعزيز بن باز يرحمه الله :( قضية الحرب الدائرة بين المجاهدين الأفغان ، وبين الحكومة الشيوعية العميلة في كابول . ودون شك في أن هذا الجهاد يهم المسلمين جميعا ، والواقع بحمد الله يبشر بخير ، وانتصارات المجاهدين المسلمين الأفغان متوالية ، لأنهم مظلومون في بلادهم ، ومضيق عليهم في دينهم ، فنرجو لهم النصر ، ونسأل الله لهم حسن العاقبة ، والبشائر الموجودة الآن كلها تدل على أن المستقبل في صالح المجاهدين ، وأن الله سينصرهم على عدوهم ، ويعيدهم إلى بلادهم غانمين منصورين ، مرفوعي الرأس ، وأن الله سيذل عدوهم العميل ، ومن قام بتأييده ومساعدته . ونسأل الله سبحانه أن ينصر دينه ، ويعلي كلمته ، ويصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، وينصرهم بالحق ، وينصر الحق بهم . ) (مجلة التضامن الإسلامي - مجموع فتاوى بن باز )(1/20)
ومن يتدبر الكلام السابق للشيخ رحمه الله يرى انه رحمه الله يحث المجاهدين على جهاد حكومة وصفها بالعميلة مع ان افغانستان في وقتها كانت الجوامع فيها يرفع فيها الاذان وتقام الصلاة ، أن الاحتلال السوفيتي لم يدخل في حرب أطاح فيها بنظام الحكم وأصبح قوة احتلال ، بل بناء على طلب " نجيب الله " وفق معاهدة من حكومته ، التي يسمّي هؤلاء المفتون مثلها في العراق " حكومة ولي الأمر " !! ـ قد كانت الجبهات الجهادية كلها تقاتل ضد نظام " نجيب الله " الموالي للسوفيت ، وضد الجيش السوفيتي في أفغانستان ، على حد سواء .
كما يحدث في العراق تماما ، وكانت الجبهات في الجهاد الأفغاني ، متعددة الاتجاهات ، مختلفة العقائد ، ففيهم حتى القبوريين ، وغلاة أهل الشرك والتصوف الفلسفي ، غير أن الفتاوى كلها ، كانت تدعوا إلى توحيد المواجهة مع العدو ، وأن اختلاف الجبهات لا ينبغي أن يشتت الهدف المشترك ، وهو طرد الروس من أفغانستان .
ولم يكن أحد في ذلك اليوم ، يتحدث عن تحريم قتال جنود ولي الأمر " نجيب الله " الذي كان يظهر في صور تنشرها بعض الصحف الاشتراكية آنذاك وهو يصلي ويدعو رافعا يديه ، وتصور تلك الصحف الخارجين عليه بأنهم خوارج بغاة ، يرضون سادتهم الأمريكيين بالقتال ضد من استنجد بالروس حلفاءه ليقمع المتمردين الإرهابيين الخوارج !! .
وكان الحكم الشرعي في الجهاد الأفغاني لا يختلف فيه اثنان ، فالاحتلال الكافر ، احتلال يجب جهاده ، ولا يغير هذا الحكم ، كونه نصب حكومة موالية له ، ولا تعدد جبهات القتال ضده ، واختلاف الرايات .
وكذلك كان الأمر في احتلال القرن الماضي لبلادنا الإسلامية ، كان الاحتلال ينصب الحكومات ، ويتخذ من أهل البلاد الجند والشرط من المسلمين ـ أو كانوا مسلمين قبل أن يوالوا المحتل ـ ولم يكن في علماء المسلمين من ينكر جهاد المحتل ومن والاه(1/21)
وسئل سماحة الشيخ ابن باز يرحمه الله :( ما هي المسئوليات التي تجب علينا نحو الجهاد الإسلامي في أفغانستان ، وما هي الجهود التي قمتم بها في هذا الصدد حتى الآن؟ فأجاب سماحته يرحمه الله :- الجواب : لا ريب أن الجهاد في أفغانستان جهاد إسلامي يجب أن يشجع ويدعم من المسلمين جميعا؛ لأنهم مسلمون يقاتلون عدوا شرسا خبيثا من أكفر الكفرة وأرذلهم ، ومن أقواهم فيما يتعلق بالقدرة الحسية فليس هناك تكافؤ بين القوتين ، ولكن نصر الله وتأييده لإخواننا المجاهدين ، فالواجب على أهل الإسلام جميعا أن يساعدوهم وأن يعينوهم بالمال والنفس والرأي والشفاعة وكل ما يعد دعما لهم وإعانة ، هذا هو الواجب على المسلمين جميعا ، وقد قامت الدولة وفقها الله بتشجيع الشعب السعودي على مساعدتهم ، وقد حصل من ذلك مساعدات كثيرة للمجاهدين عن طريق الشعب وغيره ، ولا نزال مستمرين في هذا الأمر مع إخواننا في هذه المملكة والدولة وفقها الله تشجع الشعب على ذلك وتعين على إيصال هذه المساعدات إلى المجاهدين والمهاجرين؛ لأنهم بحاجة شديدة إلى ذلك . وهذا حق على الجميع ، نسأل الله أن يعيننا على الاستمرار وأن ينصر إخواننا وأن يعينهم على ما فيه نجاتهم وسعادتهم ونصرهم على عدوهم ، وأن يذل أعداء الإسلام أينما كانوا ، وأن يكبتهم وأن يعين عليهم ، وأن يضاعف أجر كل من ساعدهم ، إنه خير مسئول . ) ( لقاء مجلة تكبير الباكستانية - مجموع فتاوى ومقالات بن باز )(1/22)
فالشيخ رحمه الله ذكر في فتواه : (لأنهم مسلمون يقاتلون عدوا شرسا خبيثا من أكفر الكفرة وأرذلهم ، ومن أقواهم فيما يتعلق بالقدرة الحسية فليس هناك تكافؤ بين القوتين ، ولكن نصر الله وتأييده لإخواننا المجاهدين ) فلم ينصح الشيخ المجاهدين في افغانستان او المهاجرين اليهم : لم ينصحهم بالتوقف عن الجهاد لأنهم قلة مستضعفة أو انهم بلا امام او ولي امر ، بل حث على الجهاد وهم يواجهون اعتى قوة في العالم انذاك وهم الروس ، ولا مقارنة بين قدرة المجاهدين في افغانستان وقدرة المجاهدين في العراق فالفرق شاسع وقدرة المجاهدين في العراق اكبر و أقوى هذا باعتراف المجاهدين أنفسهم في أفغانستان واعتراف دول الكفر وخبراء الحرب بذلك ، فلو كانت القدرة التي يريدها المانعون للجهاد في العراق وافغانستان والشيشان شرطا لكان الشيخ ابن باز والعثيمين أول من افتى بعدم الجهاد في افغانستان او الشيشان ، يقول احد تلاميذ العلامة العثيمين وهوالشيخ محمد عمر السيف :( فقد كان شيخنا رحمه الله تعالى - أي العثيمين - متابعاً لقضايا المسلمين ، كثير السؤال عن أحوالهم وأخبارهم ، ومن ذلك دوره البارز في الجهاد الشيشاني ، وهذا الجانب من شخصية شيخنا العلاَّمة رحمه الله لا يعرفه كثير من الناس ؛ فقد كان رحمه الله متأثراً بالغ الأثر بما أصاب المسلمين هناك ، محرضاً ومقوياً للمجاهدين في الشيشان ؛ فقد حزن حزناً شديداً عندما استمع إلى تقارير تفصيلية عن القضية الشيشانية ، ولا سيما عندما شاهد صوراً لجرائم القوات الروسية في حق النساء والرجال والأطفال في الشيشان ، فكان يتابع أخبار المجاهدين وأحوالهم أولاً بأول ، ويكثر من الاتصال بهم بنفسه ، ويسأل أسئلة تفصيلية تدل على حرص واهتمام ، ولا أعلم أحداً من العلماء المعاصرين سبقه في ذلك ؛ فقد بدأ اهتمامه رحمه الله بقضية الجهاد في الشيشان من الحرب الأولى ، فكان نعم المعين والمشير ، ولمّا انتهت الحرب وهدأت(1/23)
الأمور ، وقامت المحاكم الشرعية كان الشيخ هو مرجعنا فيما يشكل علينا من المسائل والمواقف ، وكنا نلقى منه كل تجاوب وتفاعل وصبر ؛ فقد كان يستقبل أسئلتنا في كل الأوقات بكل ترحيب وبشاشة وسعة صدر ، بل أعطانا رقم هاتفه الخاص ليتيسر لنا الحديث معه في أي وقت .
ولمَّا بدأت الحرب الشيشانية الثانية كان تفاعله أشد ، ومتابعته أكثر ، وأحسب أن له نصيباً وافراً من قول الله تعالى : ] وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ[ ( الأنفال : 72 ) ، ونصيباً وافراً من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله " [3] . وكنا نتعاهده بآخر الأخبار ، ونشرح له تفاصيل الواقع العسكري ، وكان يسأل عن قتلى العدو ، وعن السلاح المستخدم ، وعن الغنائم ، وعن حال المجاهدين وأسرهم ومعاناتهم . فإذا تأخرنا عنه اتصل بنا يسأل ويتابع ، وقد يتصل أحياناً في ساعة متأخرة بعد الثانية عشرة ليلاً ، وإذا تحدث معنا فإنك تشعر في كلامه بصدق التفاعل وبالحرقة والحزن والألم . كان يألم لألمنا ، ويفرح لفرحنا ، ويبشرنا بفضل الله تعالى وكرمه ، وكان يتأسف كثيراً من تقصير الأمة بكافة فئاتها في نصرة إخوانهم .
ومن أعظم وصاياه لنا : تذكيرنا بتقوى الله تعالى ، وإخلاص العمل لوجهه
عز وجل ، وكان يوصينا بالثبات والصبر ، ويذكرنا بفضل الجهاد في سبيل الله(1/24)
1- تعالى ، وبفضل الشهداء ، والمرابطين ، وكان يحثنا على التآلف والتعاون على البر والتقوى ، ويحذرنا من الفرقة والاختلاف . ومن جهة أخرى كان شيخنا رحمه الله يحث الناس على التبرع للمجاهدين في الشيشان ، ويدفع زكاة ماله للمجاهدين ، وقد حدثنا من نثق به من خاصة طلابه أنه كان يقرأ عليهم أخبار المجاهدين ، ويطلعهم على أحوالهم ، ويحثهم على نصرتهم والتعاون معهم .) (مجلة البيان العدد 160 ص65 ) فرحم الله العلامة العثيمين رحمة واسعة فالشيشان بأكملها لا تساوى محافظة من محافظات العراق ومع ذلك كان الشيخ رحمه الله يفتي ويحرض على الجهاد هناك ولم يكن هناك ولي امر ولم تكن هناك امكانية مقارنة بالروس فلماذا لم يفتي الشيخ بعدم الجهاد ، ولماذا لم يشترط وجود الامام والراية والقدرة كما يشترطها من يمنع الجهاد اليوم في العراق وافغانستان والشيشان !! فأين من يدعي اتباع العلماء الكبار واين من يصف المجاهدين في العراق بأنه لا مرجع لهم ولا يأخذون بفتاوى العلماء ولا حول ولا قوة إلا بالله .(1/25)
والحال نفسها عندما كان الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يفتي بالجهاد في افغانستان فلم يكن للأفغان ولى امر بل ان المجاهدين كانوا يقاتلون الروس والحكومة الموالية للروس ،وكان الافغان عندها في حال ضعف شديد قلة في الرجال والسلاح والمال وحتى الطعام ولم يكن للأفغان القوة الكبيرة والاسلحة فلماذا لم يفتي الشيخ العثيمين رحمه الله بعدم مشروعية الجهاد هناك ، وقد سئل العلامة العثيمين : (فضيلة الشيخ هذه الاسئلة امانة في عنقك الى يوم القيامة ( قال الشيخ لاحول ولا قوة الا بالله ) لحاجة لي فيها اذا لم تقرأها على الشيخ ، فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ما حكم الجهاد في افغانستان اليوم بصراحة ؟ ضحك الشيخ والحاضرون فقال الشيخ العثيمين رحمه الله وهو يضحك : ( والله السائل شديد اللهجة في سؤاله ما دام جعله قيدا في عنقك الى يوم القيامة ، والشيء الثاني يقول ماحكم جهاد الافغان اليوم بصراحة ؟ وانا لا ادري هل الجواب يكون من الانسان مرة بصراحة ومرة .. (كلمة غير واضحة ) وانا قد اجبت عن هذا السؤال وقلت انني اتوقف عن كونه فرض عين ولكنني لا اخذل ولا اقلل من شأنه وارى ان الجهاد فيه من افضل الاعمال ، لكن فرض العين امر صعب يحتاج فيه الى دليل واضح يقتنع به الانسان ، ويحتاج الى دراسة الموضوع من كل جانب والنظر فيه من كل جوانبه ...، وعلى كل حال فأنا رأي فيه ان الجهاد في افغانستان جهاد اسلامي احث عليه ولا اقلل من شأنه ولكنه فرض عين هذا الذي اتوقف فيه . ) ( محاضرة الجهاد للشيخ-موقع طريق الاسلام ) ،(1/26)
وسئل العلامة العثيمين رحمه الله في نفس المحاضرة (ما حكم الجهاد في افغانستان هل هو فرض عين ام فرض كفاية ؟ فأجاب الشيخ رحمه الله : جوابي على هذا انني اتوقف عن القول بأنه فرض عين ولكنني لا اقلل من قدره ولا اهون من امره ، انما فرض العين امر صعب ، لأنك اذا قلت انه فرض عين جعلت جميع المسلمين اثمين اذا لم يجاهدوا في افغانستان وهذا امر فيه صعوبة ولا يستطيع انسان ان يقدم عليه امام الله عز وجل ثم ان الله عز وجل قال في كتابه ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فقسم الله المؤمنين الى قسمين قسم ينفروا في سبيل الله وقسم يتفقه وهذا يدلنا على ان الله جعل العلم قسيما للجهاد ،) فتدبر رعاك الله كلام العلامة العثيمين رحمه الله فهو يفتي بالجهاد هناك وانه جهاد اسلامي يحث عليه ولا يخذل من جاهد هناك ، ولكنه رحمه الله كان متوقفا في هل هو فرض عين ام فرض كفاية ؟ أي هل هو فرض عين يجب على كل الامة الاسلامية ان تجاهد ، ام انه فرض كفاية اذا نفر اليه من يكفي يسقط عن الباقين ، فالشيخ لم يكن متوقفا في هل ان الجهاد مشروع ام محرم ، ورحم الله الشيخ ماذا يقول لو سمع ان الجهاد قد حرم اليوم في العراق وافغانستان وفلسطين ، وليت من افتى بحرمة الجهاد في تلك الاماكن قال اني متوقف لكان اهون فلا حول ولا قوة الا بالله ، فالشيخ العثيمين نفسه كان يخشى ان يقول انه فرض كفاية كما سئل رحمه الله ( فضيلة الشيخ قد سئلت عن الجهاد في افغانستان وقد اجبت بالتوقف فماذا تعني بالتوقف ؟ فقال الشيخ : التوقف معناه انني لا اجزم انه فرض عين ولا انه ليس فرض عين , لأن هناك امور لدي اوجب لي ان اتوقف عن كونه فرض عين ، فلذك اخشى ان قلت انه فرض عين ان اكون اثما ، واخشى ان(1/27)
قلت انه ليس بفرض عين ( فرض كفاية ) ان اكون اثما ولا يكلف الله نفسا الا وسعها ، فأذا كان الامر لم يتبين لي فان الواجب علي ان اتوقف واقول العلم عند الله ) ( محاضرة الجهاد للشيخ - موقع طريق الاسلام ) ، وهذه الفتوى هي ماذهب اليها معظم علماء بلاد الحرمين اليوم في مسألة الجهاد في العراق ، فكثير ممن افتي بمشروعية الجهاد في العراق اليوم افتى بأنه فرض عين على اهل العراق وكفاية على بقية المسلمين ، وكثير منهم افتى بمشروعية الجهاد في العراق ونصح شباب المسلمين الى التوقف حتى يتبين عجز اهل العراق عن الجهاد ، ومنهم من كان لا يمنع من الذهاب الى العراق لانه كالشيخ العثيمين كا يخشى ان منعه ان يكون اثما . فلم يفتى احد من علماء السلف ولا احد من كبار علماء العصر كألامام ابن باز أوالعلامة العثيمين رحمهما الله او العلامة الفوزان او سماحة العلامة ابن جبرين او العلامة عبد العزيز ال الشيخ حفظهم الله : لم يفتي احد من هؤلاء بحرمة جهاد الدفع ولا بعدم مشروعيته بل كان التوقف لديهم هل الجهاد فرض عين فقط على اهل البلد المحتلة ام يجب ان ينفر اليهم من يساعدهم ، فهذه مسألة مهمة يجب ان يتدبرها ويعلمها كل مسلم لانه حدث فيها الخلط لدى الكثير من الشباب بل وحتى بعض طلاب العلم ، نسأل الله الهداية والتوفيق للجميع ، وقد يسأل سائل اذا من يحدد هل المجاهدين في البلد المحتل يحتاجون الى رجال ام لا ؟ وهذا سؤال مهم اجاب عليه سماحة العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله فقد سئل رحمه الله : (فضيلة الشيخ من الذي يحدد ان المجاهدين لا يحتاجون الى رجال ، اهم قادة الجبهات ام الجالسون خلف الطاولات ؟ الشيخ يضحك ويقول لا حول ولا قوة الا بالله فقال الشيخ رحمه الله : الذي يحدد ان المجاهدين بحاجة الى الرجال والى المال هم الذين يواجهون هذه المشكلة سواء كانوا في ميدان القتال او كانوا خلف الطاولات بأبدانهم وهم في ميدان القتال بقلوبهم ، والجلوس(1/28)
خلف الطاولة كما قال الاخ ليس معناه التخلي عن مناصرة المسلمين والنظر في شأنهم فقد يكون الانسان خلف الطاولة ولكنه بتدبيره و توجيهه افضل بكثير ممن هم في ميدان القتال . ) ( محاضرة الجهاد للشيخ - موقع طرق الاسلام ) ، فتدبر كلام الشيخ رحمه الله فأنه يرى ان الذي يحدد ان المجاهدين بحاجة الى رجال ومال هم المجاهدين والعلماء الذين هم ممن افتى بالجهاد فهم بقلوبهم مع المجاهدين ، وهذه مسألة مهمة فيها فوائد من كلام العلامة العثيمين رحمه الله ،فمن هذه الفوائد :
- ان جهاد الدفع لا يسقط في حال العجز , فلو ان جهاد الدفع يسقط في حال العجز لما افتى الشيخ بأنه في حال الحاجة ( العجز ) للرجال والمال فأن المحدد هم المجاهدين و اهل البلد الذين يواجهون المشكلة ، وهذه نقطة مهمة ، فلو ان جهاد الدفع يسقط بحال الضعف لافتى الشيخ به و لقال لا جهاد لأنكم ماعندكم رجال ولا مال للسلاح .
- يتبين لنا من كلام الشيخ فائدة اخرى وهي الخلط الذي حدث عند بعض الشباب في هذه المسألة فهي مسألة حساسة أي مسألة هل اهل البلد المحتل بحاجة الى مساعدة ام لا ، فكثير من العلماء اليوم عندما افتى بأنه لا يرى ذهاب الشباب الى العراق للجهاد وان اهل العراق يقومون بواجب الجهاد فهم بعض الشباب ان العلماء يحرمون الجهاد في العراق وهذه مسألة واقعة عند كثير ممن لا يرى الجهاد في العراق فيأخذ هذا الكلام و يؤوله على ان العلماء تحرم الجهاد في العراق او فلسطين او افغانستان فهذه مسألة مهمة يجب فهمها وتدبرها .(1/29)
- المحدد للحاجة الى المساعدة هم اهل البلد الذين يواجهون مشكلة الاحتلال وهم المجاهدين والعلماء الذين افتوا بالجهاد . وليت هذه الفائدة من كلام العلامة العثيمين رحمه الله يتدبرها بعض من افتى بحرمة الجهاد في العراق وانكر على اهل العراق جهادهم ، فكثير ممن افتى بحرمة الجهاد في العراق سواء على اهل العراق او غيرهم قد بنى فتواه على واقع لا يعلمه ، بل ان احد هؤلاء غفر الله له ظهر على القنوات واتصل به شخص يدعى انه من العراق فوصف الواقع زورا وبهتانا فقام الشيخ بتاييده وشنع على المجاهدين ووصف الجهاد بالعراق بالفتنة ووصف المجاهدين بالخوارج وقطاع طرق ، وقال هذا الشيخ هذا هو الواقع في العراق ، وهذا الشيخ لا يعرف من اتصل به ولا يعلم هل هو مسلم ام غير مسلم ولا يعلم مذهبه و لا مقصده ولا صدقه من كذبه ، فبنى فتوى عظيمة على واقع مزيف نقله شخص مجهول ، ولم يشاهد واقع العراق وهذه السجون التى ملئت بنساء المسلمين والشيوخ وائمة المساجد وحتى الاطفال وحالات التعذيب والقتل وانتهاك الاعراض وحرمة المساجد التى لا ينكرها الا جاهل ، ثم لماذا لا يفتى عن واقع العراق الذي يتكلم به العلماء في العراق فقد اطبق علماء العراق جميعا على ان هدف الاحتلال هوضرب الاسلام ، مئات الشيوخ والخطباء سجنوا وقتلوا لماذا ؟ لأنهم تكلموا عن خطر هذا الاحتلال الصليبي الذي لا يقاوم الا بالجهاد والدعوة الصادقة ، فهذا الذي اردت ان ابينه والله سبحانه وتعالى اعلم واحكم .(1/30)
ويقول الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :( لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر.. فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع .. وإنما لم يجز ذلك؛ لأن الأمر منوط بالإمام، فالغزو بلا إذنه افتئات وتعد على حدوده، ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى"(7). ( الشرح الممتع 25/8) فتدبر كلام الشيخ رحمه الله فقد فرق بين نوعي الجهاد فاشترط الامام في جهاد الطلب ( الغزو ) ولم يشترط وجود الامام في جهاد الدفع ، وهنا حدث الخلط عند المانعين للجهاد في العراق وافغانستان اليوم ، فانهم بدأوا يخلطون بين النوعين فحدث عندهم اللبس والتلبيس على الناس .
وقال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في رده على الدكتور الدواليبي ، حيث قال الشيخ الفوزان :( الجهاد شرع في الإسلام دفاعًا وطلبًا , يكون دفاعًا فقط في حال ضعف المسلمين , ويكون طلبًا في حال قوة المسلمين؛ لأجل إعلاء كلمة الله , ونشر دينه؛ كما قال تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه } [ الأنفال : 39 ] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اغزوا في سبيل الله , وقاتلوا في سبيل الله ) ( في كتابه البيان لأخطاء بعض الكتاب / حكم الجهاد وقتل المرتد ) . فأنظر رعاك الله الى تفريق الشيخ الفوزان حفظه الله بين نوعي الجهاد دفاعا وطلبا ، ولم يقل الشيخ ان جهاد الدفع يسقط في حال الضعف ، لأنه هذا هو الاصل وهذا هو الذي عليه ائمة السلف وكبار علماء العصر .
وقال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الالباني رحمه الله في تعليقه على العقيدة الطحاوية (ص71-72): "اعلم أن الجهاد على قسمين: الأول فرض عين، وهو صد العدو المهاجم لبعض بلاد المسلمين، كاليهود الآن الذين احتلوا فلسطين: فالمسلمون جميعاً آثمون حتى يخرجوهم منها.(1/31)
والآخر فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وهو الجهاد في سبيل نقل الدعوة الإسلامية إلى سائر البلاد حتى يحكمها الإسلام، فمن استسلم من أهلها فبها، ومن وقف في طريقها قوتل حتى تكون كلمة الله هي العليا، فهذا الجهاد ماض إلى يوم القيامة فضلاً عن الأول ) فتدبر كلام الشيخ الالباني رحمه الله (كاليهود الآن الذين احتلوا فلسطين: فالمسلمون جميعاً آثمون حتى يخرجوهم منها. ) وقارنه بكلام من حرم الجهاد في العراق وافغانستان فأنه عكس الصورة فجعل الاثم على من جاهد المحتل في العراق وافغانستان والشيشان وفلسطين ولا حول ولا قوة الا بالله .(1/32)
وسئل سماحة الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله : ( نرجو من سماحتكم اعطاء كلمة الفصل حول فرضية الجهاد ؟ ) فأجاب سماحته : (الجهاد الأفغاني جهاد شرعي لدولة كافرة ، فالواجب دعمه ومساعدة القائمين به بجميع أنواع الدعم ، وهو على إخواننا الأفغان فرض عين للدفاع عن دينهم وإخوانهم ووطنهم ، وعلى غيرهم فرض كفاية ، لقول الله عز وجل (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )وقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وهي تعم إخواننا المجاهدين في أفغانستان وجميع المجاهدين في سبيل الله في فلسطين والفلبين وغيرهم . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) ونسأل الله أن يوفق إخواننا المجاهدين في سبيله في بلاد الأفغان وغيرها للنصر المؤزر وأن يعينهم على جهاد أعداء الله ويثبت قلوبهم وأقدامهم ويجمع كلمتهم على الحق وأن يخذل أعداء الله أين ما كانوا ويجعل الدائرة عليهم إنه ولي ذلك والقادر عليه) . (مجلة المجاهد ـ السنة الأولى ـ عدد 10 شهر صفر 1410 هـ . )
وسئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله :( ما تقول الشريعة الإسلامية في جهاد الفلسطينيين الحالي ، هل هو جهاد في سبيل الله ، أم جهاد في سبيل الأرض والحرية ؟ وهل يعتبر الجهاد من أجل تخليص الأرض جهادا سبيل الله ؟
فأجاب سماحته رحمه الله :( لقد ثبت لدينا بشهادة العدول الثقات أن الانتفاضة الفلسطينية والقائمين بها من خواص المسلمين هناك وأن جهادهم إسلامي؛ لأنهم مظلومون من اليهود؛ ولأن الواجب عليهم الدفاع عن دينهم وأنفسهم وأهليهم وأولادهم وإخراج عدوهم من أرضهم بكل ما استطاعوا من قوة .(1/33)
وقد أخبرنا الثقات الذين خالطوهم في جهادهم وشاركوهم في ذلك عن حماسهم الإسلامي وحرصهم على تطبيق الشريعة الإسلامية فيما بينهم ، فالواجب على الدول الإسلامية وعلى بقية المسلمين تأييدهم ودعمهم ليتخلصوا من عدوهم وليرجعوا إلى بلادهم عملا بقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) وقوله سبحانه : (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )الآيات وقوله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )، والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) ولأنهم مظلومون ، فالواجب على إخوانهم المسلمين نصرهم على من ظلمهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه )متفق على صحته ، وقوله صلى الله عليه وسلم (انصر أخاك ظالما أو مظلوما " قالوا يا رسول الله نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما قال تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه ) والأحاديث في وجوب الجهاد في سبيل الله ونصر المظلوم وردع الظالم كثيرة جدا . فنسأل الله أن ينصر(1/34)
إخواننا المجاهدين في سبيل الله في فلسطين وفي غيرها على عدوهم ، وأن يجمع كلمتهم على الحق ، وأن يوفق المسلمين جميعا لمساعدتهم والوقوف في صفهم ضد عدوهم ، وأن يخذل أعداء الإسلام أينما كانوا وينزل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين إنه سميع قريب ). (مجلة الدعوة الصادرة في 9 / 8 / 1409 هـ . مجموع فتاوى ومقالات ابن باز ) ،
وقال العلامة العثيمين ( ولكنني ابشركم انه في هذه الايام حصلت للفلسطينيين مظاهرات تدل على صدقهم في العزيمة وتحرير ارضهم وان هذه المظاهرات مظاهرات اسلامية يريدون فيها تحرير المسجد الاقصى من براثم اليهودية حتى اني سمعت رئيس دولتهم يقول : ( ان هذه المظاهرات حركة اسلامية فيجب الحذر منها ) فأذا ثبت هذا الامر وصدقوا الله عز وجل فهم الذين سيحررون بلادهم حقيقة . ( محاضرة الجهاد للشيخ - موقع طريق الاسلام )(1/35)
وقد سمعنا ولا حول ولا قوة الا بالله من يطعن بجهاد الفلسطينيين كما طعن بجهاد العراق والافغان ، فنقول لهم هذه هي اقوال كبار علماء الامة وهذا الامام بن باز وهو يفتي بالجهاد حتى في الفلبين ! وهذه فتوى العلامة ابن باز في الجهاد في فلسطين ومشروعيته مع اختلاف الرايات هناك وضعف المسلمين الشديد ومحاصرتهم وهدم مدنهم واعتقال الاف الشباب والشيوخ والنساء وهم الان ومنذ سنين في ظلمات السجون اليهودية نسأل الله ان يفرج عنهم ويرحمهم ، فهذه الشبهات التي اثارها اليوم من اثارها على جهاد اهل العراق من وجوب القوة ووجوب وجود الامام ووجوب اتحاد الرايات كلها سقطت في جهاد الدفع بمجرد قراءة الفتاوى والمقالات السابقة لكبار علماء العصر، فهذه ردود على تلك الفتاوى التي صدرت من طلاب علم فبأي الفتاوى نأخذ ؟ ومن أصاب اليوم في الفتوى من العلماء ؟ أهم من افتى بالجهاد كما افتى كبار علماء الامة ؟ أم من افتى بحرمته مع ان العلماء الكبار افتوا بمشروعيته ؟! فراجعوا انفسكم ياشباب الامة وقارنوا بين الاقوال نسأل الله الهداية للجميع .(1/36)
وسئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله : (لا يخفى على سماحتكم ما يمر به المسلمون في البوسنة والهرسك من تدمير يقصد به استئصال شأفة المسلمين في أوروبا ، فهل بعد ذلك التدمير والإبادة وهتك الأعراض نشك أن الجهاد في تلك الأرض هو فرض عين؟ فأجاب سماحته : ( سبق أن بينا أكثر من مرة أن الجهاد فرض كفاية ، لا فرض عين ، وعلى جميع المسلمين أن يجاهدوا في نصر إخوانهم بالنفس والمال ، والسلاح ، والدعوة والمشورة ، فإذا خرج منهم من يكفي سلم الجميع من الإثم ، وإذا تركوه كلهم أثموا جميعا ، فعلى المسلمين في المملكة ، وإفريقيا ، والمغرب ، وغيرها أن يبذلوا طاقتهم والأقرب فالأقرب ، فإذا حصلت الكفاية من دولة أو دولتين أو ثلاث أو أكثر سقط عن الباقين ، وهم مستحقون للنصر والتأييد ، والواجب مساعدتهم ضد عدوهم؛ لأنهم مظلومون ، والله أمر بالجهاد للجميع ، وعليهم أن يجاهدوا ضد أعداء الله حتى ينصروا إخوانهم ، وإذا تركوا ذلك أتموا وإذا قام به- من يكفي سقط الإثم عن الباقين ) . ( مجموع فتاوى ومقالات ابن باز )(1/37)
فتدبر اخي في الله كلام الامام ابن باز في وجوب الجهاد في البوسنة والهرسك مع ضعفهم الشديد جدا والذي لايوصف وهم هناك قلة من المسلمين محاطين بدول الكفر في اوربا ، فلا جيش ولا امام ولا سلاح وصعوبة وصول المجاهدين هناك ! فهل افتى الامام العلم ابن باز رحمه الله بوجوب الكف عن الجهاد وهل منع الجهاد بل افتى بالجهاد ووجوب مساعدة المجاهدين هناك بالنفس والمال والسلاح وفي حال العجز الشديد جدا افتى بوجوب الجهاد الاقرب فالاقرب ، لأن الشيخ رحمه الله كسلف هذه الامة لم يسقط جهاد الدفع ولم يشترط له شروطا بل افتى رحمه الله بجهاد المحتلين في كل مكان حسب الامكان فرحمه الله رحمة واسعة ، وهنا التنبيه المهم وهو ان من افتى بحرمه الجهاد اليوم في البلاد المحتلة سواء في العراق او افغانستان او فلسطين او غيرها قد اسقط جهاد الدفع ولم يفتي انه في حال الضعف تجب النصرة من المسلمين ! لا بل افتى بأثم من جاهد ! وهذا سمعناه وقرأناه فخرج علينا في القنوات الفضائية من افتى بحرمة الجهاد في العراق وفلسطين وافغانستان وقال : لأنه لا ولي امر لهم وانهم لا امكانية لهم وان مدنهم تدمرت !. وليت من افتى بذلك راجع كلام كبار علماء الامة فهم يبنون فتاواهم رحمهم الله على أصول لا تتبدل ولا تتغير . وتنبيه مهم اخر قد خلط به اؤلئك من افتى بحرمة الجهاد في البلاد الاسلامية المحتلة : وهو انهم ياتون بفتوى لكبار علماء الامة قد يمنعون بها الشباب من الذهاب الى البلدان المحتلة لأسباب منها ان الجهاد فرض كفاية وليس فرض عين أي ان الجهاد فرض عين على اهل البلاد المحتلة وكفاية على غير تلك البلاد ، فيبني اؤلئك المانعون للجهاد فتاواهم على هذا الكلام فيخلطون ويخرجون بنتيجة انه لا جهاد ،(1/38)
وقال سماحة الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله : (نظرا لما ابتلي به المسلمون في البوسنة والهرسك من تسلط الصرب على المسلمين هناك بأنواع القتل والأذى والظلم والعدوان ، ونظرا إلى صمود المسلمين هناك ضد عدوهم ، وصلابتهم في دينهم ، وحاجتهم إلى الدعم والمساعدة من إخوانهم المسلمين - حكومات وشعوبا - فإني أوصي المسلمين جميعا بالوقوف في صفهم والعناية بدعمهم ، ومساعدتهم بالسلاح والمال والدعاء؛ لأنهم في أشد الحاجة إلى ذلك ،.. فالله الله أيها المسلمون في نصر إخوانكم في البوسنة والهرسك بكل ما تستطيعون؛ من السلاح والمال والدعاء لعل الله يتقبل منكم وينصر بكم إخوانكم فإن الأعداء قد تكالبوا عليهم وخذلوهم وساعدوا أعداءهم ، والله سبحانه وتعالى أوجب على المسلمين أينما كانوا أن يتعاونوا على البر والتقوى ، وأن يعتصموا بحبلى الله جميعا ضد عدوهم ، وأن يسألوه النصر على الأعداء وحسن العاقبة .. ) نشرت في جريدة الشرق الأوسط في العدد ( 6095 ) بتاريخ 10 / 3 / 1416 هـ .مجموع فتاوى ومقالات ابن باز )(1/39)
وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله : (وإخوانكم في الشيشان : أيها المسلمون ، يقاسون آلام الجوع والجراح والقتل والتشريد ، فهم في أشد الضرورة إلى الكساء والطعام وفي أشد الضرورة إلى الدواء ، كما أنهم في أشد الضرورة إلى هذه الأشياء وإلى السلاح الذي يقاتلون به أعداء الله وأعداءهم ، فجودوا عليهم أيها المسلمون مما أعطاكم الله ، واعطفوا عليهم يبارك الله لكم ويخلف عليكم ويضاعف لكم الأجور ،... ونسأل الله عز وجل أن يضاعف أجر من ساهم في مساعدة إخوانه المجاهدين ويتقبل منه ، وأن يعين المجاهدين في الشيشان وسائر المجاهدين في سبيله في كل مكان على كل خير ، ويثبت أقدامهم في جهادهم ، ويمنحهم الفقه في الدين والصدق والإخلاص ، وأن ينصرهم على أعداء الإسلام أينما كانوا . إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وآله وصحبه إلى يوم الدين . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ) نشرت في جريدة اليوم في العدد ( 7974 ) ليوم السبت الموافق 15 / 11 / 1415 هـ - مجموع الفتاوى ) هذه هي فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله فالشيشان بأكملها لا تساوى محافظة من محافظات العراق ومع ذلك كان الشيخ رحمه الله يفتي ويحرض على الجهاد هناك ولم يكن هناك ولي امر ولم تكن هناك امكانية مقارنة بالروس فلماذا لم يفتي الشيخ بعدم الجهاد ، ولماذا لم يشترط وجود الامام والراية والقدرة كما يشترطها من يمنع الجهاد اليوم في العراق وافغانستان وفلسطين والشيشان !!(1/40)
وقد يتداول بعض الشباب شبه واهية يتناقلوها عندما تتساقط شبههم السابقة وهذه حاصلة وموجودة ، فمن هذه الشبه التي يثيرونها بين الشباب الملتزم هو ان المجاهدين كلهم جهلة لا علم لهم ولا دراية وانه يجب الدعوة اولا وليس الان وقت الجهاد ، ومع ان هذه الشبه غير صحيحة لأن في المجاهدين ولله الحمد طلبة علم بل ويقومون بالدعوة الى العقيدة السلفية وينشرون كتب العلم ويحثون على التعلم ، اقول وهم يثيرون هذه الشبه لينفروا الشباب عن مسألة الجهاد ، نقول ان هذه الشبهة تسقط بكلام العلامة العثيمين رحمه الله فقد سئل رحمه الله (هل الجهاد افضل من طلب العلم ؟ فأجاب الشيخ العثيمين رحمه الله : الناس يختلفون ، من الناس من يكون الجهاد في حقه افضل ومنهم من يكون طلب العلم في حقه افضل ، فالرجل القوي البدن الضعيف الذاكرة والفهم الشجاع نقول له : الجهاد بحقك افضل ، لأن ذلك انفع للمسلمين ، والرجل الاخر الذي يكون ضعيف البدن وعنده من الحفظ والذكاء والمعرفة ما ليس عند الاخر نقول له ان طلبك للعلم افضل ، ولكل مقام مقال ، هذا نقول له الجهاد في حقك افضل والثاني طلب العلم في حقك افضل .( محاضرة الجهاد للشيخ- موقع طريق الاسلام ) .
فتدبر كلام العلامة العلم ابن عثيمين رحمه الله وتفصيله للمسألة : فكون بعض المجاهدين لا علم لهم لا يقدح في الجهاد ولا يسقطه ولا يجوز الانكار عليهم لأنهم لا علم لهم ، مع ان معظم المجاهدين ولله الحمد ملتزمون سائرون على منهج السلف ، بل ان بوادر ظهور منهج السلف اهل السنة والجماعة في ازدياد وتأثر بعض المجاهدين بمنهج اهل السنة في ازدياد ولله الحمد والمنة هذا بفضل الله تعالى ثم ببركة هذا الجهاد القائم نسال الله الثبات والنصر .(1/41)
وبعض الشباب يثير شبها اخرى منها : ان المجاهدين بمختلف الجبهات قد يحدث بينهم خلافات وخصومات ، وهذا يقع ولا يخلو عمل من الخطأ ونحن لا ننزه المجاهدين سواء في العراق او فلسطين او افغانستان او الشيشان من الخطأ فكل ابن ادم خطاء ، ولكن هل الخطأ الذي يقع به بعض افراد المجاهدين سببا لكي نقول بعدم مشروعية الجهاد ؟ هذا لا يقول به احد من العلماء فلا تخلوا معركة من اخطاء ولا يخلوا جهاد من اخطاء ، ومما دفعني الى الكلام عن هذه المسألة هو ما يذهب اليه بعض طلاب العلم من جعل الخلاف الذي يحدث بين الجماعات المجاهدة سببا للطعن في جهاد المحتلين وهذا يحدث ، واكثر ما تعج به مجالس المانعين للجهاد هذه المسائل والتحدث بها ونشر ما يحدث من أخطاء للمجاهدين وترويجها وهم بذلك يتتبعون العثرات التي قد يقع بها بعض المجاهدين ويجعلونها سمة عامة لجميع جماعات المجاهدين وهذا خطأ فادح ، فكان الواجب على اؤلئك تقديم النصح لمن اخطأ وارشادهم الى الطريق الصحيح من الجهاد ، كما كان يفعل كبار علماء الامة ، فقد كان الشيخ العلم العلامة عبدالعزيز بن باز يرسل رسائل النصح عندما حدثت اخطاء من بعض جماعات الجهاد في افغانستان وكذلك العلامة العثيمين فقد كان يرسل النصح والارشاد للمجاهدين في الشيشان حين حدث الخلاف بين بعض المجاهدين ، ولم يجعل العلماء تلك الاخطاء سببا لأسقاط فريضة الجهاد ولا انكروا انكار المتشفي على اخوانهم المجاهدين بل نصحوهم وارشدوهم الى الصواب وحثوهم على الصبر والجهاد ، فكم نحن بحاجة الى مثل هذا التوجيه ، قال سماحة الامام ابن باز رحمه الله في رسالة الى المجاهدين في افغانستان : (أيها الإخوة في الله لقد جاهدتم جهادا عظيما وصبرتم كثيرا ، وضحيتم في سبيل ذلك بما لا يحصيه إلا الله من الأنفس والأموال فاتقوا الله في جهادكم وفي أنفسكم وفي شعبكم وفي المسلمين عامة أن تفرطوا في هذا الجهاد ، وأن تفرحوا الأعداء عليكم بالاختلاف(1/42)
والنزاع ، وابذلوا كلما استطعتم من الجهود في جمع الكلمة وتوحيد الصف والقضاء على أسباب الخلاف بالوسائل السلمية ، وتحكيم الشريعة في كل شيء والحذر من مكايد الأعداء وأطماعهم ، وأبشروا بالأجر العظيم والعاقبة الحميدة إذا أخلصتم لله وبذلتم الوسع في جمع الكلمة والتعاون على البر والتقوى ، ونبذ أسباب الخلاف )
وقال ايضا : ( فوصيتي لجميع المجاهدين : تقوى الله عز وجل ، وحل المشاكل بالتفاهم والوسائل السليمة ، مع وجوب المبادرة بترك القتال ، والتحاكم إلى الشرع المطهر فيما أشكل على الجميع بواسطة أهل العلم والبصيرة ، والله المسئول أن يوفق الجميع لما يرضيه ، وأن يجمع قلوبهم على التقوى ، وأن يحسن العاقبة للجميع ، وأن يعيذهم جميعا من طاعة الشيطان وطاعة الهوى ، إنه جواد كريم .) (مجموع الفتاوى والمقالات ) .
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في لقائه مع بعض المجاهدين الافغان :
( وقد بين لنا ايضا ما وقع لأخواننا المجاهدين في افغانستان من النصر المبين على قلة عددهم وعددهم وكثرة عدد اعدائهم وقوة عددهم وهذا بلا شك يبشر ولهذا اضن والله اعلم ان ما حصل في بعض الجمهوريات الروسية من الحركة سببه فشل الروس في تحقيق مأربهم في افغانستان لأنكم تعلمون ان الجهة او الشخص اذا اظهر ضعفه قام عليه ممن كان يهابه من قبل وهذا يدلنا على ان الكفر لا يمكن ابدا ان يقوم امام الاسلام اذا كان الانسان عنده قصد صحيح وعمل دؤوب ) .
فينبغي على كل مسلم ان ينصح اخوانه المجاهدين ويرشدهم اذا اخطأوا فهذا جانب من الجهاد بالكلمة والدعوة الى الله سبحانه ، وان يحرص كل مسلم ان لا يشغل مجلسه بالغيبة وتتبع الزلات والاخطاء نسأل الله سبحانه ان يوحد كلمة المسلمين ويخذل اعدائهم .(1/43)
وبعد فأني اختم هذا الكلام بحديث العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله عن نوعي الجهاد حيث قال رحمه الله : (واما جهاد الكفار فيكون بحسب السلاح الذي جاهدونا به فأذا جاهدونا بالسلاح فأننا نجاهدهم به اعني بالسلاح المحدد الذي يكون به القتل والهلاك البدني واذا جاهدونا بالسلاح الفكري فاننا نجاهدهم بالعلم الذي يفسد هذه الافكار التي يريدون بها علينا ،واذا جاهدونا بما يلهينا عن مصالحنا فأننا نفسد عليهم ذلك بالجد وطلب ما هو نافع في ديننا ودنيانا ، وجهاد الكفار ينقسم الى قسمين : احدهما جهاد طلب والثاني جهاد دفاع ، أما جهاد الدفاع فان الكفار اذا حاصروا بلدا من بلدان المسلمين او دخلوه عنوة وجب على جميع المسلمين ان يدافعوا عن هذا البلد وان يخرجوا هؤلاء الكفار منه لأن المسلمين في جميع اقطار الدنيا كلهم امة واحدة وكلهم بلد واحد ، فأذا حوصر بلد من بلدان المسلمين في أي بقعة من الارض فان الواجب على جميع المسلمين ان يقوموا بفك الحصار عنهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) والمسلمون يمكنهم ان يساعدوا اخوانهم المحتاجين اليهم اما بالمال واما بالرجال ، فان الجهاد بالمال هو قسيم الجهاد بالرجال كما قال الله تعالى في ايات كثيرة بل كما بدأ الله تعالى في ايات كثيرة بالجهاد بالمال قبل الجهاد قبل الجهاد بالنفس ولم يقدم الله تعالى الجهاد بالنفس على الجهاد بالمال الا في ايه واحدة هي قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي(1/44)
بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، فالدفاع عن بلاد المسلمين امر واجب وفرض كفاية على المسلمين اذا قام به من يكفي سقط عن الباقين واذا لم يقم به من يكفي وجب على الباقين ان يقوموا به حتى يزال الحصار عن بلاد المسلمين ، قال اهل العلم ويكون الجهاد فرض عين في احوال اربع : احدها ان يحضر الصف ففي هذه الحال يتعين عليه البقاء الى النصر لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) (لأنفال:15) ، الحال الثانية ان يستنفره الامام أي يطلب الامام النفير فيجب حينئذ الجهاد على كل انسان قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ. إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الحال الثالثة اذا احتيج اليه بحيث يكون هذا الرجل بعينه يعرف من اساليب الحرب مالا يعرفه غيره فانه في هذه الحال يتعين عليه ان يجاهد في سبيل الله لأنه الان لا يوجد الا هذا الرجل الذي احتيج اليه او من كان على صفته ممن يجيدون اساليب الحرب الحديثة فيتعين عليهم جميعا ان يقوموا بالجهاد لأعداء الله ، اما الامر الرابع فهو اذا حصر بلده العدو فأنه يجب عليه ان يدافع وذلك لوجوب الدفاع عن النفس وعن البلد بلد الاسلام باعتبار كونه بلدا اسلاميا ، في هذه الاحوال الاربع يكون الجهاد فرض عين وما عدا ذلك فأنه دائر بين فرض الكفاية والسنة ، ومع هذا فان الجهاد من افضل الاعمال حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم انه ذروة سنام الاسلام ) لما فيه من(1/45)
اعلاء كلمة الله ،. اما النوع الثاني من جهاد المشركين فهو جهاد الطلب : جهاد الطلب هو انه يجب علينا ان نجاهد المشركين بل ان نجاهد كل كافر سواء كان كفره بشرك او بجحود او بغير ذلك يجب علينا ان نجاهده حتى يقبل اما الاسلام واما بذل الجزية عن يد وهم صاغرون ) ( محاضرة الجهاد للشيخ- موقع طريق الاسلام ) . وفي شرح بلوغ المرام/ الجهاد قال الشيخ في الحالة الثالثة من جهاد الدفع ( اذا احتيج اليه من بلد اخر.... فانه يتعين عليه الجهاد ولو لم يستنفره الإمام ) . فهذا تفصيل مهم من العلامة العثيمين في جهاد الدفع وهنا الشيخ رحمه الله وضع حالة رابعة لجهاد الدفع وهي اذا احتيج اليه يتعين الجهاد فرحم الله الشيخ رحمة واسعة .
وبعد فأن الغاية من ذكري لأقوال السلف وكبار علماء العصر هنا عن جهاد الدفع هي لنعلم ان الجهاد هو الجهاد لم يتغير ولم يتبدل وهذه اصول علماءنا في الجهاد وهذه قواعده التي نسير عليها ان شاء الله ، وهذه الاصول هي التي سار عليها اليوم العلماء الاعلام عندما افتوا بمشروعية الجهاد في العراق وافغانستان وكل بلد مسلم محتل ، ولم يكن احد يتوقع ان تظهر لنا فتاوى جديدة بأصول وقواعد جديدة تحرم الجهاد في العراق وافغانستان والشيشان وفلسطين بل وفي كل بلد اسلامي يحتل ، لأنهم وضعوا لفتاواهم في الجهاد قواعد وشروط لم نجدها ولم نسمعها في كلام السلف ولا كبار علماء الامة قديما وحديثا وهذا امر خطير ينشأ عنه اسقاط فريضة هي ذروة سنام الاسلام .
هذه بعض اقوال وفتاوى كبار علماء العصر في جهاد الدفع ولو اردنا نقل كل ماقالوا لطال المقام ، واذكر ان العلماء جميعا سواء في بلاد الحرمين او غيرها قد اجمعوا في ذلك الوقت وهذا الوقت على مشروعية الجهاد في افغانستان والشيشان وفلسطين والفلبين وكشمير وكل بلد اسلامي محتل ، وانما لم اذكرهم جميعا لأنني اكتفيت بنقل اقوال وفتاوى علماء كبار مشهود لهم بالعلم وفيها الكفاية إن شاء الله .(1/46)
عبر وفوائد عظيمة من كلام
شيخ الاسلام ابن تيمية _رحمه الله _ في غزو التتار لبلاد المسلمين
قال شيخ الاسلام رحمه الله ( كتاب الجهاد/ مجموع الفتاوى ) :-
( وهكذا لما قدم هذا العدو كان من المنافقين من قال : ما بقيت الدولة الإسلامية تقوم، فينبغى الدخول فى دولة التتار . وقال بعض الخاصة : ما بقيت أرض الشام تسكن، بل ننتقل عنها، إما إلى الحجاز واليمن، وإما إلى مصر . وقال بعضهم : بل المصلحة الاستسلام لهؤلاء، كما قد استسلم لهم أهل العراق، والدخول تحت حكمهم . فهذه المقالات الثلاث قد قيلت فى هذه النازلة . كما قيلت فى تلك . وهكذا قال طائفة من المنافقين، والذين فى قلوبهم مرض، لأهل دمشق خاصة والشام عامة : لا مقام لكم بهذه الأرض . ونفى المقام بها أبلغ من نفى المقام . وإن كانت قد قرئت بالضم أيضًا . فإن من لم يقدر أن يقوم بالمكان، فكيف يقيم به ؟ !
قال الله تعالى : { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا } [ الأحزاب : 13 ] .(1/47)
وكان قوم من هؤلاء المذمومين يقولون ـ والناس مع النبى صلى الله عليه وسلم عند سَلْع داخل الخندق، والنساء والصبيان فى آطام المدينة : يا رسول الله، إن بيوتنا عورة، أى : مكشوفة ليس بينها وبين العدو حائل ـ وأصل العورة : الخالى الذى يحتاج إلى حفظ وستر . يقال : اعور مجلسك إذا ذهب ستره، أو سقط جداره . ومنه عورة العدو . وقال مجاهد والحسن : أى ضائعة تخشى عليها السراق . وقال قتادة : قالوا : بيوتنا مما يلى العدو، فلا نأمن على أهلنا، فائذن لنا أن نذهب إليها؛لحفظ النساء والصبيان . قال الله تعالى : { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } ؛ لأن الله يحفظها { إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا } فهم يقصدون الفرار من الجهاد، ويحتجون بحجة العائلة . وهكذا أصاب كثيرًا من الناس فى هذه الغزاة . صاروا يفرون من الثغر إلى المعاقل والحصون، وإلى الأماكن البعيدة، كمصر، ويقولون : ما مقصودنا إلا حفظ العيال، وما يمكن إرسالهم مع غيرنا، وهم يكذبون فى ذلك، فقد كان يمكنهم جعلهم فى حصن دمشق، لو دنا العدو، كما فعل المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد كان يمكنهم إرسالهم والمقام للجهاد، فكيف بمن فر بعد إرسال عياله ؟ قال الله تعالى : { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا } [ الأحزاب : 14 ] ، فأخبر أنه لو دخلت عليهم المدينة من جوانبها ثم طلبت منهم الفتنة ـ وهى الافتتان عن الدين بالكفر، أو النفاق لأعطوا الفتنة، ولجاؤوها من غير توقف .(1/48)
وهذه حال أقوام لو دخل عليهم هذا العدو المنافق المجرم . ثم طلب منهم موافقته على ما هو عليه من الخروج عن شريعة الإسلام ـ وتلك فتنة عظيمة ـ لكانوا معه على ذلك . كما ساعدهم فى العام الماضى أقوام بأنواع من الفتنة فى الدين والدنيا، ما بين ترك واجبات، وفعل محرمات، إما فى حق الله، وإما فى حق العباد . كترك الصلاة، وشرب الخمور، وسب السلف، وسب جنود المسلمين، والتجسس لهم على المسلمين، ودلالتهم على أموال المسلمين، وحريمهم . وأخذ أموال الناس، وتعذيبهم، وتقوية دولتهم الملعونة، وإرجاف قلوب المسلمين منهم، إلى غير ذلك من أنواع الفتنة .
ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا } [ الأحزاب : 15 ] ، وهذه حال أقوام عاهدوا ثم نكثوا ـ قديمًا وحديثًا ـ فى هذه الغزوة . فإن فى العام الماضى، وفى هذا العام ـ فى أول الأمر ـ كان من أصناف الناس من عاهد على أن يقاتل ولا يفر، ثم فر منهزمًا، لما اشتد الأمر .
ثم قال الله تعالى : { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا } [ الأحزاب : 16 ] ، فأخبر الله أن الفرار لا ينفع لا من الموت ولا من القتل . فالفرار من الموت كالفرار من الطاعون؛ ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم : ( إذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه ) . والفرار من القتل كالفرار من الجهاد . وحرف [ لن ] ينفى الفعل فى الزمن المستقبل . والفعل نكرة . والنكرة فى سياق النفى تعم جميع أفرادها . فاقتضى ذلك : أن الفرار من الموت أو القتل ليس فيه منفعة أبدًا . وهذا خبر الله الصادق . فمن اعتقد أن ذلك ينفعه فقد كذب الله فى خبره .(1/49)
والتجربة تدل على مثل ما دل عليه القرآن . فإن هؤلاء الذين فروا فى هذا العام لم ينفعهم فرارهم، بل خسروا الدين والدنيا، وتفاوتوا فى المصائب . والمرابطون الثابتون نفعهم ذلك فى الدين والدنيا، حتى الموت الذى فروا منه كثر فيهم . وقل فى المقيمين . فما منع الهرب من شاء الله . والطالبون للعدو والمعاقبون له لم يمت منهم أحد، ولا قتل، بل الموت قل فى البلد من حين خرج الفارون . وهكذا سنة الله قديمًا وحديثًا .
ثم قال تعالى : { وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا } [ الأحزاب : 16 ] ، يقول : لو كان الفرار ينفعكم لم ينفعكم إلا حياة قليلة، ثم تموتون . فإن الموت لابد منه . وقد حكى عن بعض الحمقى أنه قال : فنحن نريد ذلك القليل . وهذا جهل منه بمعنى الآية . فإن الله لم يقل : إنهم يمتعون بالفرار قليلاً . لكنه ذكر أنه لا منفعة فيه أبدًا . ثم ذكر جوابًا ثانيًا : أنه لو كان ينفع لم يكن فيه إلا متاع قليل . ثم ذكر جوابًا ثالثًا : وهو أن الفار يأتيه ما قضى له من المضرة، ويأتى الثابت ما قضى له من المسرة . فقال : { قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } [ الأحزاب : 17 ] .(1/50)
ونظيره قوله فى سياق آيات الجهاد : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } الآية [ النساء : 78 ] . وقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ آل عمران : 156 ] . فمضمون الأمر : أن المنايا محتومة، فكم ممن حضر الصفوف فسلم، وكم ممن فر من المنية فصادفته، كما قال خالد بن الوليد ـ لما احتضر : لقد حضرت كذا وكذا صفًا، وإن ببدنى بضعًا وثمانين، ما بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، وهاأنذا أموت على فراشى كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء .
ثم قال تعالى : { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } [ الأحزاب : 18 ] . قال العلماء : كان من المنافقين من يرجع من الخندق فيدخل المدينة، فإذا جاءهم أحد قالوا له : ويحك ! اجلس فلا تخرج . ويكتبون بذلك إلى إخوانهم الذين بالعسكر : أن ائتونا بالمدينة، فإنا ننتظركم . يثبطونهم عن القتال . وكانوا لا يأتون العسكر إلا ألا يجدوا بدًا . فيأتون العسكر ليرى الناس وجوههم . فإذا غفل عنهم عادوا إلى المدينة . فانصرف بعضهم من عند النبى صلى الله عليه وسلم، فوجد أخاه لأبيه وأمه وعنده شواء ونبيذ . فقال : أنت هاهنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف ؟ فقال : هلم إلىَّ، فقد أحيط بك وبصاحبك .(1/51)
فوصف المثبطين عن الجهاد ـ وهم صنفان ـ بأنهم إما أن يكونوا فى بلد الغزاة، أو فى غيره، فإن كانوا فيه عوقوهم عن الجهاد بالقول، أو بالعمل، أو بهما . وإن كانوا فى غيره راسلوهم، أو كاتبوهم : بأن يخرجوا إليهم من بلد الغزاة، ليكونوا معهم بالحصون، أو بالبعد . كما جرى فى هذه الغزاة .
فإن أقوامًا فى العسكر والمدينة وغيرهما صاروا يعوقون من أراد الغزو، وأقوامًا بعثوا من المعاقل والحصون وغيرها إلى إخوانهم : هلم إلينا . قال الله ـ تعالى ـ فيهم : { وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } [ الأحزاب : 18، 19 ] أى : بخلاء عليكم بالقتال معكم، والنفقة فى سبيل الله . وقال مجاهد : بخلاء عليكم بالخير والظفر والغنيمة . وهذه حال من بخل على المؤمنين بنفسه وماله، أو شح عليهم بفضل الله، من نصره ورزقه الذى يجريه بفعل غيره، فإن أقوامًا يشحون بمعروفهم، وأقوامًا يشحون بمعروف الله وفضله . وهم الحساد .
ثم قال تعالى : { فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } [ الأحزاب : 19 ] ، من شدة الرعب الذى فى قلوبهم، يشبهون المغمى عليه وقت النزع؛ فإنه يخاف ويذهل عقله، ويشخص بصره ولا يطرف . فكذلك هؤلاء؛ لأنهم يخافون القتل .(1/52)
{ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } [ الأحزاب : 19 ] ، ويقال فى اللغة : [ صلقوكم ] وهو رفع الصوت بالكلام المؤذى . ومنه : [ الصالقة ] وهى التى ترفع صوتها بالمصيبة . يقال : صلقه، وسلقه ـ وقد قرأ طائفة من السلف بها، لكنها خارجة عن المصحف ـ إذا خاطبه خطابًا شديدًا قويًا . ويقال : خطيب مسلاق : إذا كان بليغًا فى خطبته، لكن الشدة هنا فى الشر لا فى الخير . كما قال : { بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } [ الأحزاب : 19 ] . وهذا السلق بالألسنة الحادة، يكون بوجوه : تارة يقول المنافقون للمؤمنين : هذا الذى جرى علينا بشؤمكم، فإنكم أنتم الذين دعوتم الناس إلى هذا الدين، وقاتلتم عليه، وخالفتموهم؛ فإن هذه مقالة المنافقين للمؤمنين من الصحابة . وتارة يقولون : أنتم الذين أشرتم علينا بالمقام هنا، والثبات بهذا الثغر إلى هذا الوقت، وإلا فلو كنا سافرنا قبل هذا لما أصابنا هذا .
وتارة يقولون : أنتم مع قلتكم وضعفكم تريدون أن تكسروا العدو، وقد غركم دينكم، كما قال تعالى : { إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال : 49 ] .
وتارة يقولون : أنتم مجانين، لا عقل لكم، تريدون أن تهلكوا أنفسكم والناس معكم . وتارة يقولون أنواعًا من الكلام المؤذى الشديد .(1/53)
.. ثم قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [ الأحزاب : 21 ] ، فأخبر ـ سبحانه ـ أن الذين يبتلون بالعدو، كما ابتلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهم فيه أسوة حسنة، حيث أصابهم مثل ما أصابه . فليتأسوا به فى التوكل والصبر، ولا يظنون أن هذه نقم لصاحبها، وإهانة له . فإنه لو كان كذلك ما ابتلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ خير الخلائق ـ بل بها ينال الدرجات العالية، وبها يكفر الله الخطايا لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا، وإلا فقد يبتلى بذلك من ليس كذلك، فيكون فى حقه عذابًا كالكفار والمنافقين .
{ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا } [ الأحزاب : 24 ] . بين الله ـ سبحانه ـ أنه أتى بالأحزاب ليجزى الصادقين بصدقهم، حيث صدقوا فى إيمانهم، كما قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [ الحجرات : 15 ] فحصر الإيمان فى المؤمنين المجاهدين، وأخبر أنهم هم الصادقون فى قولهم : آمنا، لا من قال، كما قالت الأعراب : { آمنا } [ الحجرات : 14 ] ، والإيمان لم يدخل فى قلوبهم، بل انقادوا واستسلموا . وأما المنافقون فهم بين أمرين : إما أن يعذبهم، وإما أن يتوب عليهم . فهذا حال الناس فى الخندق وفى هذه الغزاة .(1/54)
وأيضًا، فإن الله ـ تعالى ـ ابتلى الناس بهذه الفتنة، ليجزى الصادقين بصدقهم، وهم الثابتون الصابرون، لينصروا الله ورسوله، ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم . ونحن نرجو من الله أن يتوب على خلق كثير من هؤلاء المذمومين؛ فإن منهم من ندم . والله ـ سبحانه ـ يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات . وقد فتح الله للتوبة بابا من قبل المغرب عرضه أربعون سنة، لا يغلقه حتى تطلع الشمس من مغربها . .... )
رحم الله شيخ الاسلام رحمة واسعة فما اشبه اليوم بالبارحة ، واني انصح كل مسلم ان يقرأ ما كتبه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الجهاد من مجموع الفتاوى ففيها الفوائد والعبر من كلام هذا الامام المجاهد فرحمة الله عليه رحمة واسعة .
بعض فتاوى العلماء في جهاد الصليبيين في العراق
وفيما يلي بعض فتاوى العلماء في حكم الجهاد في العراق وساذكر بعضا منها لأن في ذكر جميع الفتاوى اطالة ، وقد ذكرت في نهاية الكتاب سير مختصرة عن بعض هؤلاء العلماء الاجلاء نسأل الله أن ينفع بعلمهم ويبارك فيهم انه على كل شيء قدير .
فتوى سماحة الشيخ العلامة الوالد
عبدالله بن عبدالرحمن ابن جبرين -حفظه الله-
عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للأفتاء سابقا
السؤال / بسم الله الرحمن الرحيم تعلمون حفظكم الله، الخطر المحدق بإخواننا المسلمين في العراق، حيث تحزبت أحزاب الصليب، وتجمعت قوى الكفر، مستهدفة إخواننا في العراق تحت ذرائع مختلفة، يساندها في ذلك أولياؤهم من المنافقين، فما واجبنا تجاه إخواننا المسلمين في العراق؟ وفقكم الله لكل خير ونفع بكم المسلمين.
فأجاب سماحة العلامة ابن جبرين :-(1/55)
أولاً: على المسلمين تصحيح الإسلام، وتحقيق ما يدينون به من التوحيد والإخلاص لربهم - سبحانه وتعالى-، والابتعاد عن الكفر، والشرك، والبدع، والمعاصي، والمحرمات، حتى ينصرهم - الله تعالى- ويخذل من عاداهم، قال الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِين آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" [الحج:38].
وثانياً: عليهم أن يطلبوا النصر من الله، وينصروا دينه، وكتابه، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم-، حتى يتحقق لهم النصر الذي وعدهم به ربهم في قوله: "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" [محمد: من الآية7]، وقوله: "وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ"
[آل عمران: من الآية126]، وقوله: "وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ" [محمد: من الآية35]، وقوله: "وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" [آل عمران: من الآية139]، وقوله تعالى: "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" [غافر:51].
وثالثاً: العلم بأن الذنوب سبب الخذلان، ولتسليط الأعداء على المؤمنين، كما قال تعالى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" [الشورى: من الآية30]، وقال تعالى: "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ"
[آل عمران: من الآية165]، وفي الحديث القدسي: "إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني"، وفي الحديث قال - صلى الله عليه وسلم- إذا خفيت المعصية لم تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة".(1/56)
ونقول رابعاً: لا شك أن الكفار بعضهم أولياء بعض، وأنهم يتكالبون على المسلمين ويحاولون القضاء على الإسلام، الذي ظهر أهله الأولون واستولوا على أغلب بقاع الأرض، فيجب على المسلمين في كل البلاد الإسلامية، أن يقوموا لله مثنى، وفرادى، وأن يصدوا بقدر استطاعتهم هؤلاء الكفار، ومن ساندهم من المنافقين حتى تنقطع أطماعهم ويرجعوا على أدبارهم، ولا يجوز لمسلم أن يقوم معهم على المسلمين، ولا يمكنهم من الاحتلال والتملك لبقعة من بلاد الإسلام، فقد نفاهم الخلفاء الراشدون عن بلاد الإسلام، ولم يتركوا لهم فيها مغز قنطار، فمن مكنهم أو شجعهم أو أعانهم على حرب المسلمين أو احتلال بلاد المسلمين، كالعراق، أو غيرها فقد أعان على هدم الإسلام وتقريب الكفار، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، والله أعلم، - وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم-.
فتوى سماحة الشيخ العلامة
عبدالرحمن بن ناصر البراك - حفظه الله -
فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك _حفظك الله وسدد خطاك_ :
سماحة الوالد: ما حكم جهاد الأمريكان بالنسبة لأهل العراق أنفسهم؛ لأنه وقع بيننا وبين بعض الأخوة نقاش حول هذه القضية؛ فنريد من سماحتكم بيان هذه القضية. وأسأل الله أن يسدد خطاكم لما يحبه ويرضاه.(1/57)
فأ جاب سماحة الشيخ البراك : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: إن الكفرة الأمريكان وأعوانهم في غزوهم للعراق ظالمون معتدون، فهم كفرة محاربون، يجب على المسلمين جهادهم وطردهم من ديارالمسلمين.وصمت الدول الإسلامية عن الاستنكار لهذا الظلم والعدوان - فضلاً عن اتخاذ الوسائل الممكنة الدبلوماسية والاقتصادية - موقف مخزٍ شرعاً وعقلاً. ومنشأ ذلك بعدهم عن دين الله الذي به العز والتمكين والنصر المبين. فالمقاتلون في العراق للأمريكيين وأعوانهم ، من أراد منهم إعلاء كلمة الله وإذلال الكافرين فهو مجاهد في سبيل الله، ومن أراد مقاومة الاحتلال الأجنبي عن وطنه فلا لوم عليه، بل هذا ما تقتضيه الشهامة والأصالة والأنفة، من عدم الخضوع للمستعمر المعتدي،وبذلك يعلم أنه يجب على المسلمين نصر المجاهدين في العراق وفلسطين، وفي الشيشان، وفي الأفغان، ومد يد العون والمساعدة بما يستطيعون، وأقل ذلك الدعاء لهم ومواساتهم بالمال؛لإطعام جائعهم وعلاج جريحهم ومريضهم.
وذلك من الوفاء بحق إخوة الإيمان، كما قال تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة ٌفَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"(الحجرات:10). وقال_صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم، وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" أخرجه البخاري( 6011) ومسلم (2586)، من حديث النعمان بن بشير _رضي الله عنه_ . والله أعلم.
وقال سماحة الشيخ العلامة عبدالرحمن البراك في كلمة القاها :-
الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه :
كلكم تسمعون أو تعلمون ما يجري في العراق على أيدي قوى الكفر من الفساد والإفساد ، وحرب الإسلام والمسلمين ، والظلم العظيم ، إنها لمصيبة عظيمة أن يجري هذا والمسلمون صامتون لا يتحركون كأنه لم يجر شيء .(1/58)
إن صمت الحكومات عن هذا العدوان الغاشم الظالم إنه مخزي ، وعنوان ذل وهزيمة .
أيها الإخوة : جاء في الحديث الصحيح : ( مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) يجب على المسلمين أن يكون شعورهم مع إخوانهم الذين يعيشون محنة وأي محنة ، تسمعون الآن الأخبار ما حال أهل هذه المناطق ، هذه البلدة المحاصرة بأعتى القوى بالأسلحة الجوية والأرضية ، محاصرة فيها النساء والشيوخ والذرية والمستضعفين والمرضى ، إنهم يعيشون كربة والله يعيشون كربة ، مثلوا أنفسكم في مكانهم ، يعيشون كربة عظيمة ومعاناة شديدة ، الطيران من فوقهم والضربات والصواريخ من حولهم ، والقذائف من فوق رؤوسهم تهدم فوقهم المنازل والمساجد .
إن دولة الأمريكان وأعوانها إنها دولة متسلطة دولة ظالمة عاتية ، لهم شبه بفرعون وقومه (( وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد . فأكثروا فيها الفساد . فصب عليهم ربك سوط عذاب )) نسأله تعالى أن يصب عليهم عذابا من عنده .
وكل ما يجري فهو بقدر الله وبمشيئته وبحكمته ، فله الحكمة البالغة ، لكنه سبحانه وتعالى بين في كتابه وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام ما يجب على الناس أن يتعاملوا به مع هذه الأحداث ، وجمهور الناس ليس في أيديهم شيء .
الشعوب ليس في أيديها شيء إلا الإمداد المستطاع والدعاء ؛ فالدعاء هذا ميسور لكل أحد ، في السجود وفي التشهد وبعد التشهد ، في الصلوات وفي آخر الليل وفي سائر الأوقات ، كونوا مع إخوانكم بمشاعركم ، الهجوا بالدعاء لهم بالنصر ، الهجوا بالدعاء بالنصر لهم وهزيمة عدوهم ، فإنه تعالى قادر على أن يهزمهم .
نتصور أن هؤلاء المعتدين لن يقف أمام قوتهم شيء ، لكن الله من ورائهم محيط وهو القاهر فوق عباده ، هو سبحانه وتعالى قادر على أن يذلهم ويخزيهم ، وأن يبطل هذه الأسلحة التي يتغطرسون بها على الناس ، ويتسلطون بها على الناس .(1/59)
اللهم أفرج لإخواننا المسلمين في العراق وفي غير العراق ، اللهم أفرج كربتهم ، اللهم ألطف بهم ، اللهم ارحمهم ، اللهم اردد كيد عدوهم في نحورهم اللهم اردد كيد العدو في نحورهم ، اللهم انصر عبادك المؤمنين نصرا عزيزا ، وانصر المظلومين ، إنك سبحانك وبحمدك على كل شيء قدير ، اللهم ارحمنا برحمتك ، اللهم ارحمنا وسائر إخواننا المسلمين في كل مكان ، وصلى الله وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد .
( قنوت الشيخ البراك في صلاة المغرب )(1/60)
اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولانكفرك اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم انصر المظلومين والمجاهدين في الفلوجة يارب العالمين اللهم انصر المظلومين والمجاهدين في الفلوجة وما حوله من بلاد العراق اللهم انصرهم على الغزاة الظالمين المعتدين اللهم انصرهم اللهم أمدهم بجند من جندك اللهم أمدهم بنصر من عندك اللهم اردد كيد المعتدين اللهم ارددهم على أعقابهم خاسئين اللهم أنزل عليهم رجزا من السماء اللهم صب عليهم سوط عذاب اللهم صب عليهم سوط عذاب يا سميع الدعاء اللهم انصر إخواننا المسلمين المظلومين في العراق اللهم ارحمهم اللهم اللطف بهم اللهم نفِّس كربتهم اللهم نفِّس كربتهم اللهم نفِّس كربتهم اللهم اللطف بهم يا أرحم الراحمين اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم اللهم انصرهم على الكفرة الأمريكان وأعوانهم اللهم انصرهم على الكفرة الأمريكان وأعوانهم اللهم دمر جيش المعتدين اللهم دمر دولة الكفر والطغيان اللهم امكر بهم كما يمكرون وكدهم كما يكيدون وحل بينهم وبين ما يريدون اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم إنهم لايعجزونك اللهم إنك على كل شيء قدير يا قوي ياعزيز يامن بأسه شديد وبطشه شديد اللهم ابطش بالكافرين المعتدين اللم أنزل بأسك عليهم اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لايرد عن القوم المجرمين اللهم ارحمنا برحمتك اللهم لأتسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين .) ( موقع الشيخ البراك ) .(1/61)
وسئل سماحة العلامة عبدالرحمن البراك حفظه الله : (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحن في العراق ومع الاحتلال المريكي وكما تعلمون هناك وظائف مرتبطة بقوات الاحتلال وقد يتطلب الامر فيها خيانة البلد او معاونة المحتل او السكوت على تصرفات المحتلين الامريكان، سؤالي : هل يجوز للمسلم العمل مع قوات الاحتلال الامريكي في العراق ؟ افيدونا جزاكم الله خيرا وسدد الله مسعاكم لخدمة الدين .
فأجاب حفظه الله : - (الحمد لله، لا ريب أن من أعظم البلاء الذي حل بالأمة الإسلامية تسلط الدولة الأمريكية - لعنهم الله - على المسلمين وغزوهم، كما جرى في بلاد الأفغان،حيث أطاحوا بدولة طالبان وأقاموا دولة عميلة لهم، تأتمر بأمرهم وتسير حسب توجيهاتهم، وكما جرى ثانياً في العراق، وهم بصدد إقامة دولة عميلة كذلك، والواجب على المسلمين عموماً، وعلى أهل البلاد المحتلة خصوصاً أن يقاوموا هذا الغزو بكل الوسائل الممكنة، ولا يجوز لمسلم أن يعينهم على تحقيق أهدافهم، فإن ذلك من مظاهرة الكفار على المسلمين، والعمل مع قوات الاحتلال في وظائفهم التي تعينهم على تنفيذ أهدافهم وتحقيق مطامعهم حرام؛ لأن هذا نوع من مظاهرتهم،وقد نهانا الله تعالى عن ذلك بقوله: {ولاتعاونوا على الاثم والعدوان } سورة المائدة(2)، وأما الوظائف التي يتوصل بها إلى تحقيق مصالح المسلمين والمسالمين، وتدرأ شرورالمفسدين من اللصوص والمعتدين على الحرمات، كالعمل في المستشفيات، فهذا النوع من الوظائف يجوز العمل فيها، وإن كانت تحت إدارة قوات الاحتلال؛ لأن ترك هذه الوظائف و التخلي عنها يزيد الأمر شدة، وتعظم به المصيبة،وشريعة الإسلام تقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد بحسب القدرة والإمكان، كما قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: من الآية16(. والله أعلم. ( موقع الشيخ ) .(1/62)
وسئل سماحة العلامة البراك : (كثر في هذه الأيام النقاش حول ما عمله أبطال الفلوجة بجثث أحفاد القردة والخنازير من تعليق وتمثيل، فما حكم المثلى أو التمثيل بالجثث؟ وهل ما فعله أبطال الفلوجة يدخل في التمثيل؟ وما حكمها في حال الحرب على العراق؟ وما حكم التحريق بالنار؟أرجو من فضيلتكم توضيح هذه المسألة وجزاكم الله خيراً.
فأجاب سماحة الشيخ البراك : (الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فالأصل أن التمثيل بالقتلى من الكفار حرام، فقد صح النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث بريدة رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً ثم قال: اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً... الحديث )،أخرجه مسلم في صحيحه، والتمثيل هو قطع أعضاء المقتول كأذنيه وعينيه وأنفه، ومن التمثيل بقر بطنه. وإذا كان التمثيل بأبدان القتلى الكفار لا يجوز فمن باب أولى أنه لا يجوز تحريقها، لكن إذا كان الكفار يمثلون بقتلى المسلمين جاز التمثيل بقتلاهم؛ وقد نزل في ذلك قوله تعالى:(وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَاعُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل:126)، وهذا من باب (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَااعْتَدَى عَلَيْكُمْ)(البقرة: من الآية194)،وما فعله أهل الفلوجة بالأمريكان الأربعة من التمثيل والتحريق هم فيه معذورون ؛ لأنهم فعلوه ليشفوا صدورهم مما يفعله الكفرة الأمريكان وأعوانهم بالمسلمين من المجاهدين وغير المجاهدين، من ضربهم بأفتك الأسلحة من الأرض والجو مما يحرق ويمزق الأبدان، ولم يتقوا المستضعفين من الشيوخ والنساء والصبيان، هذا وهم الغزاة المعتدون المحتلون لبلاد المسلمين بفرض(1/63)
سلطانهم، نسأل الله أن يردهم خاسئين وأن يدمر دولتهم، ويمزقها كل ممزق لتكون عبرة للعالمين، وأن يكون في ذلك عز للإسلام والمسلمين، ونصر للمظلومين،يقول الله تعالى:(وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)(إبراهيم:42)، ويقول سبحانه وتعالى:(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (آل عمران:178)، نعوذ بالله من مكر الله وبطشه الشديد، والله تعالى أعلم.
فتوى صاحب الفضيلة الاستاذ الدكتور الشيخ
ناصر بن سليمان العمر - حفظه الله -
بسم الله الرحمن الرحيم فضيلة الشيخ الدكتور/ ناصر بن سليمان العمر حفظه الله سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .. وبعد : فهذا سؤال مهم وعاجل جداً نرجو التفضل بالإجابة عليه، وهو: سمعنا بعض الناس ومنهم من ينسب إلى العلم يقول بعدم جواز الجهاد في العراق، وأنه جهاد غير مشروع، بل ومنهم من يوجب تسليم المقاومين إلى قوات الاحتلال الأمريكي ودلا لاتهم على المجاهدين، محتجين بأنه لا راية للجهاد هناك، أرجو منكم بيان الحكم الشرعي، وكشف شبهة هؤلاء إن كان قولهم باطلاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
فأجاب فضيلة الشيخ ناصر حفظه الله : (الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فقد كثر السؤال عما يحدث في العراق وهل هو من الجهاد في سبيل الله أم لا؟(1/64)
فأقول وبالله التوفيق: إن ما يقوم به المجاهدون الصادقون المخلصون في العراق من مقاتلة أمريكا ومن حالفها، هو من الجهاد في سبيل الله، والجهاد كما نعلم جهاد طلب وجهاد دفع، والجهاد في العراق من جهاد الدفع؛ فبلادهم قد احتُلت من قبل عدو كافر، وقد أجمع العلماء على أنه إذا احتل العدو بلداًً من بلاد المسلمين تعين الجهاد على أهل تلك البلاد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى:
"فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه، فإن دفع ضررهم عن الدين، والنفس، والحرمات، واجب إجماعاً"، فما سأل عنه السائل من الجهاد في سبيل الله، قال الله عز وجل:(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج:39)، بل لا نشك في أن ما يجري هناك من أعظم الجهاد في سبيل الله، إذا صدقت العزائم وخلصت النوايا، وقصد المقاتل إعلاء كلمة الله، والذود عن حرماته وأهله وماله وبلده، (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) (البقرة: من الآية246). وأما القول بأن ما يجري في العراق فتنة وليس من الجهاد في سبيل الله، فهو قول باطل، ودعوى لا تستند إلى دليل علمي أو شرعي أو عقلي، بل هو الفتنة عينها (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)(البقرة: من الآية191)، فليتق الله جل وعلا أولئك الذين يفتون بمثل هذه الفتاوى، ولو أن هؤلاء تأملوا المسألة تأملاً واقعياً، لما وجدوا فرقاً بين ما يحدث في العراق، وبين مايحدث في فلسطين، أو في الشيشان، أو في أفغانستان، فعلى المسلمين نصرة إخوانهم في العراق، والنصرة تجب بالمال والدعاء، أما النصرة بالنفس فإنه بعد بحث المسألة مع عدد من العلماء هنا، ومع إخواننا من علماء العراق، تقرر أن المصلحة لاتقتضيه،وأنهم لايحتاجون إلى مقاتلين من خارج أرض العراق بل لديهم من الشباب ومن المجاهدين كفاية،ولكن(1/65)
ينقصهم المال والدعاية، كما أنهم يحتاجون نصر قضيتهم بالكلمة وفي وسائل الإعلام، مع إبداء المشورة والرأي، والنصح والتوجيه. وقد شرح لنا علماؤهم شدة حاجتهم لبناء المساجد والمدارس، وإلى الكتب العلمية، والأشرطة والمطويات الدعوية، وهذا من إظهار الدين، وإعلاء كلمة الله لمن استطاع أن يبذله.وخلاصة القول أن جهاد إخواننا في العراق مشروع، وأن نصرتهم في حدود المصلحة والاستطاعة حق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)،أخرجه الإمام أحمد في المسند، وأبوداود والنسائي وابن حبان والحاكم بسند صحيح، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وأما تسليم المجاهدين إلى قوات الاحتلال، فهو منكر عظيم، وضرب من ضروب إعانة العدو الذي يعد من نواقض الإسلام، ومن التولي الذي نهى الله عنه، كما في قوله تعالى في سورة المائدة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51)، ويقول الله عزوجل:(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الممتحنة:9). نسأل الله جل وعلا أن ينصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، أن ينصرهم في العراق وفي الشيشان وفي فلسطين وفي أفغانستان، وفوق كل أرض وتحت كل سماء، وأن يوحّد كلمتهم، وأن يؤلف بين قلوبهم، وأن يسدد رأيهم وسهامهم، وأن يخذل عدوهم أينما كانوا، والله المستعان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. (موقع الشيخ ناصر )(1/66)
وقال فضيلة الشيخ الدكتور ناصر العمر : (قتال المحتلين في أي بلد مسلم (محتل) كفلسطين والعراق واجب، والمسؤولية على أهل كل بلد أعظم من غيرهم، وعلى الآخرين في البلاد الأخرى دعم إخوانهم المجاهدين بالمال والدعاء، وكذلك بالمختصين وبالأطباء والمهندسين وغيرهم ممن يحتاج إليهم إخوانهم في العراق ). (موقع الشيخ ناصر )
وسئل فضيلة الشيخ ناصر العمر : (السؤال: ما هي مواطن الجهاد في هذا العصر، وما هي شروط الخروج للجهاد؟ فأجاب فضيلته : (الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: مواطن الجهاد تكون في كل بلد محتل من بلاد المسلمين من قِبَل الكافرين كالعراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان وكشمير وجنوب الفلبين وغيرها من البلاد المحتلة.أما الشروط فتختلف من بلد إلى آخر، هذا في جهاد الطلب. أما جهاد الدفع فلا شروط له كما بيَّن العلماء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " أما قتال الدفع عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط ، بل يدفع بحسب الإمكان "، كذا في الفتاوى المصرية، فعلى كل قادر أن يدفع المعتدين المحتلين فليفعل بما استطاع، والله _تعالى_ أعلم. ( موقع الشيخ )
فتوى صاحب الفضيلة الشيخ
عبدالعزيز بن مرزوق الطريفي - حفظه الله -
لا يخفى ما حل بالمسلمين في العراق من دخول الصليبيين الأمريكان والبريطانيين وأعوانهم فاستباحوا الأموال وقتلوا الأنفس، والعجب أنه مع هذا يخرج علينا بعض من ينتسب للعلم من يقول أن القتال في العراق ليس جهادا ما الرأي في مثل هذا ؟(1/67)
فأجاب الشيخ عبدالعزيز الطريفي : مقاتلة العراقيين للصليبي المحتل جهاد بلا ريب، وهذا محل إجماع عند كل من يؤتمن في علمه ودينه، فالصليبيون داهموهم في قعر دارهم وسلبوا خيراتهم وانتهكوا أعراضهم، ومن قال أن قتالهم ليس من الجهاد المشروع وشك في قتالهم فهو أجهل الناس بدين الإسلام وهو مغرر بدينه، ظالم لنفسه وللمسلمين، داخل فيما نعيب به المخالفين من أهل البدع والضلال من تنكب الحق مع ظهور شمسه، والله يعصمنا من أمثاله فقد لبّس على المسلمين دينهم وأضلهم على علم .
كيف وقد وجب قتال التتار الذي دخلو بلاد المسلمين واستباحوا حرماتهم، فكيف بالصليبين الذين رفعوا الصليب في أرض الخلافة الإسلامية .
قال ابن تيمية كما في مجموع فتاواه : ( قتال التتار الذين قدموا إلى بلاد الشام واجب بالكتاب والسنة؛ فإن الله يقول فى القرآن : { وقاتلوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ } ، والدين هو الطاعة، فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله، وجب القتال حتى يكون الدين كله لله؛ ولهذا قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } ، وهذه الآية نزلت فى أهل الطائف لما دخلوا فى الإسلام والتزموا الصلاة والصيام؛ لكن امتنعوا من ترك الربا .(1/68)
فبين الله أنهم محاربون له ولرسوله إذا لم ينتهوا عن الربا . والربا هو آخر ما حرمه الله، وهو مال يؤخذ برضا صاحبه . فإذا كان هؤلاء محاربين لله ورسوله يجب جهادهم، فكيف بمن يترك كثيرًا من شرائع الإسلام أو أكثرها كالتتار ؟ ! وقال :والتتار وأشباههم أعظم خروجًا عن شريعة الإسلام من مانعى الزكاة والخوارج من أهل الطائف، الذين امتنعوا عن ترك الربا . فمن شك فى قتالهم فهو أجهل الناس بدين الإسلام، وحيث وجب قتالهم قوتلوا، وإن كان فيهم المكره باتفاق المسلمين . كما قال العباس ـ لما أسر يوم بدر - : يا رسول الله، إنى خرجت مكرهًا . فقال النبى صلى الله عليه وسلم : ( أما ظاهرك فكان علينا، وأما سريرتك فإلى الله ) .
وجهاد الأعداء ومقاتلتهم في الشريعة مشروع لغيره، وهو إقامة دين الله في الأرض فهو ليس مقصودا ً لذاته، كما قال تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ).
قال ابن جرير الطبري : فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له ، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض وهو الفتنة ، ويكون الدين كله لله .
و يقول : وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره ، وبنحو الذي قلنا قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك ثم ساقه بإسناده عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وابن جريج وغيرهم - رحمهم الله - . .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره : ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله ، وأنه ليس المقصود به سفك دماء الكفار وأخذ أموالهم ، ولكن المقصود به أن يكون الدين لله تعالى فيظهر دين الله تعالى ، على سائر الأديان ، ويدفع كل ما يعارضه من الشرك وغيره ، وهو المراد بالفتنة ، فإذا حصل هذا المقصود فلا قتل ولا قتال . انتهى .
قال الكاساني في بدائع الصنائع :(1/69)
( فأما إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلد فهو فرض عين يُفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه لقوله سبحانه وتعالى : ( انفروا خفافاً وثقالاً ) ، قيل : نزلت في النفير وقوله سبحانه وتعالى:
( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ) ولأن الوجوب على الكل قبل عموم النفير ثابت ، لأن السقوط عن الباقين بقيام البعض به ، فإذا عم النفير لا يتحقق القيام به إلا بالكل ، فبقي فرضاً على الكل عيناً بمنزلة الصوم والصلاة فيخرج العبد بغير إذن مولاه ، والمرأة بغير إذن زوجها ، لأن منافع العبد والمرأة في حق العبادات المفروضة عيناً مستثناه عن ملك المولى والزوج شرعاً ، كما في الصوم والصلاة ، وكذا يباح للولد أن يخرج بغير إذن والديه ، لأن حق الوالدين لا يظهر في فروض الأعيان كالصوم والصلاة والله سبحانه وتعالى أعلم ) انتهى كلامه
والجهاد في سبيل الله من أعظم القربات إلى الله .
قال الإمام أحمد : لا نعلم شيئا ً من أبواب البر أفضل من السبيل .
وقال الفضل بن زياد : سمعت أبا عبد الله ، وذكر له أمر الغزو؟ فجعل يبكي ، ويقول : ما من أعمال البر أفضل منه . .
وقال عنه غيره : ليس يعدل لقاء العدو شيء .
ومن العلماء وأئمة الإسلام من فضل غير الجهاد عليه ، لكن المقصود من إيراد كلام الإمام أحمد بيان أن فضل الجهاد عظيم، وفي كلام الله وكلام نبيه غنية عن كلام كل أحد . ( لقاء شبكة الفوائد مع الشيخ 5/11/1424 هـ)
وسئل الشيخ عبدالعزيز الطريفي حفظه الله : (كيف نحدد وجوب الجهاد مع إخواننا ضد الغزاه في ذاك البلد ومتى لايجب علينا مساعدتهم ( لم أضع البلد حتى تضع إطار نعرف به محددات وجوب النصرة لإخواننا ) ؟(1/70)
فاجاب الشيخ : إذا داهم العدوا بلداً من بلاد الإسلام وجب على من حولهم من المسلمين نصرتهم، والنفرة إليهم، فإن لم يكتفوا وجب على من وراءهم من أهل الآفاق النصرة لهم، وإعانتهم على عدوهم، فإن اكتفوا بمن حولهم، أو كان فيهم الكفاية سقط الوجوب عن الباقين ممن حولهم ومن وراءهم .قال تعالى : ( فإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) وروى أحمد في مسنده والنسائي وابن ماجه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كل مسلم على مسلم محرم ، أخوان نصيران لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملا ً ، أو يفارق المشركين إلى المسلمين)
وهذا محل تسليم عند أئمة الإسلام المعتبرين، لا أصحاب الأهواء والدعة، قال الكاساني في بدائع الصنائع :
( فأما إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلد فهو فرض عين يُفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه لقوله سبحانه وتعالى:( انفروا خفافاً وثقالاً ) ، قيل : نزلت في النفير ، وقوله سبحانه وتعالى:
( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ) ولأن الوجوب على الكل قبل عموم النفير ثابت ، لأن السقوط عن الباقين بقيام البعض به ، فإذا عم النفير لا يتحقق القيام به إلا بالكل ، فبقي فرضاً على الكل عيناً بمنزلة الصوم والصلاة فيخرج العبد بغير إذن مولاه ، والمرأة بغير إذن زوجها ، لأن منافع العبد والمرأة في حق العبادات المفروضة عيناً مستثناة عن ملك المولى والزوج شرعاً ، كما في الصوم والصلاة ، وكذا يباح للولد أن يخرج بغير إذن والديه ، لأن حق الوالدين لا يظهر في فروض الأعيان كالصوم والصلاة والله سبحانه وتعالى أعلم ) انتهى كلامه .(1/71)
قال القرطبي في تفسيره: ( إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعُقر ، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً ، شباباً وشيوخاً ، كل على قدر طاقته ، من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له ، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج ، من مُقل أو مكثر ، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم ، كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة ، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم ، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم ، لزمه أيضاً الخروج إليهم ، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها ، سقط الفرض عن الآخرين ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضاً الخروج إليه ، حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو ، ولا خلاف في هذا ) انتهى .
قال شيخ الإسلام بن تيمية في الفتاوى الكبرى: ( وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً ، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم ) وقال ( وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب ، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة ، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا ) انتهى كلامه رحمه الله .(1/72)
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في الكافي (1/205) : فرض عام متعين على كل أحد ممن يستطيع المدافعة والقتال وحمل السلاح من البالغين الأحرار ، وذلك أن يحل العدو بدار الإسلام محاربا لهم فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا وشبابا وشيوخا ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر وان عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا قلوا أو كثروا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه ) 0
هذا في حال مداهمة العدو لبلد من بلاد الإسلام، وإلا فللجهاد شروط ذكرها العلماء في مصنفاتهم، وقد نص عليها ابن قدامة في الغني فقال: (ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورية والسلامة من الضرر ووجود النفقة ) انتهى . فهذه الشروط وما تفرع عنها لا تشترط في جهاد الدفع بل يجب على كل مسلم أن يدفع حسب الإمكان .
وثمة ثلاثة أسباب يتعين فيها الجهاد : قال ابن قدامة المقدسي في كتابه المغني :
( ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع: أحدهما إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصراف وتعين عليه المقام ... الثاني: إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم ، الثالث إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير معه . )
فتوى صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور
عبدالرحمن بن صالح المحمود - حفظه الله -
أستاذ قسم العقيدة في جامعة الامام محمد الاسلامية(1/73)
انتشر بين الناس في هذه الأيام الفتاوى التي تقول بعدم جواز الجهاد في العراق، وأنه جهاد غير مشروع، بل ومن هؤلاء الناس من ينسب إلى العلم، محتجين بأنه لا راية للجهاد هناك، بل ومنهم من يوجب تسليم المقاومين إلى قوات الاحتلال الأمريكي، بل ودلا لاتهم على المجاهدين، فنرجو منكم بيان الحكم الشرعي في الجهاد في العراق ، وكشف شبهة أصحاب هذه الفتاوى؟
فأجاب فضيلة الشيخ عبدالرحمن :- (الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: إنني أستغرب من وجود من يفتي بهذا !! مع أن النصارى قد احتلوا بلاد المسلمين في العراق، وأذاقوا المسلمين ألواناً من التقتيل والتشريد والتعذيب على مرأى ومسمع من العالم كله، ومعلوم أن البلد المسلم إذا هجم عليه العدو، فإن الجهاد يصبح بالنسبة لأهله فرض عين، وهكذا الحال في فلسطين وفي العراق، وكون الراية لا بد منها ليس شرطاً؛ لأن المسلمين يجب أن يقاوموا عدوهم، فإن وجدوا الراية الإسلامية فعليهم أن يعلنوها ويتبعوها، وإن لم تكن لهم راية فإنهم يقاومون هذا العدو المحتل لبلادهم، ولكن عليهم أن تكون مقاومتهم في سبيل الله، أي الدفاع عن دينهم ووطنهم والحرص على إقامة شريعة ربهم _سبحانه وتعالى_، وهذه الحالة هي الحالة التي عاشها كثير من المسلمين في أزمنة مضت، وكل بلد يحتله الكفار فإنه يجب على أهله أن يقاوموا هذا الكافر المحتل، ومقاومتهم لهذا العدو جهاد مشروع، أما إذا قيل: إنه ليس بجهاد بل يجب السكوت، فمعنى هذا أنه استسلام للعدو. ومعلوم أن الجهاد في الإسلام على نوعين:
النوع الأول: جهاد الطلب ، وهو الجهاد الذي يقول فيه العلماء: إنه فرض كفاية إلا في حالات معينة. النوع الثاني: جهاد الدفع ، وهو جهاد لردع العدو الصائل.(1/74)
ومعلوم أن جهاد الدفع مشروع، وهذا ليس فقط في الإسلام بل عند جميع الأمم، أن من اعتدي عليه فإنه من حقه أن يقاوم، وفي الإسلام إذا اعتدي على بلاد المسلمين فإنه والحالة هذه يقاومون العدو المعتدي، وكون هذا البلد فيه رايات أخرى، فهذا لا يلغي مشروعية أن يجاهد المسلمون السائرون على منهاج السلف الصالح هذا العدو، وأن يقاوموه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ، مع حرصهم على أن يكون نتيجة جهادهم إعزاز دين الله، والحفاظ على بلاد المسلمين وأعراضهم وأموالهم، ونحو ذلك مما هو مشروع الدفاع عنه كما هو معلوم.
ولو تُرك للأعداء السكوت في مثل هذه الحالات، لتسلط العدو في كل ناحية بهذه الاجتهادات، ولصرنا نهباً للكفار في كل مكان . ولذلك نقول لأصحاب هذه الفتاوى: أرأيتم يا من تقولون هذا الكلام لو هجم هذا العدو على بلاد المسلمين في أماكن أخرى، أرأيتم لو هجموا على مكة المكرمة أو على المدينة المنورة - والعياذ بالله - هل نأتي ونقول: إنهم لا يُجاهَدُون؛ لأن العدو كبير، وإن قوتهم أكبر من قوة المسلمين وإلى آخره، هذا لا يقوله مسلم عنده مِسْكَةٌ عقل، فضلاً عن كونه من أهل العلم _والحمد لله_. نسأل الله أن يبصر المسلمين بالحق ويرزقهم اتباعه، والله تعالى اعلم . ( موقع الشيخ )
فتوى صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور
سعود بن عبدالله الفنيسان - حفظه الله -
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
ما حكم قتال العراقيين للكفرة الغزاة؟ وهل يشترط في كون الجهاد شرعياً أن يكون تحت راية إسلامية؟ أو أن يأذن فيه الحاكم؟ نرجو التفصيل في القول، وجزاكم الله خيرا.
جواب الشيخ حفظه الله : (من المعلوم أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة وهو نوعان:(1/75)
جهاد طلب وجهاد دفع، فجهاد الطلب أن يغزو المسلمون بلاد الكفار، لتبليغهم الإسلام ودعوتهم إليه فمن دخل فيه بنعمة الله دخل، ومن امتنع عن الدخول عرض عليه أن يدفع الجزية إن كان من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وله ما لنا وعليه ما علينا والجزية إنما شرعت في مثل هذه الحال مقابل حمايته وحقن دمه.هذا كله إذا كانت الدولة المسلمة قوية مهابة الجانب قادرة على مثل هذا الجهاد، وهو الذي يسمى بجهاد الطلب، أما إذا كانت الأمة الإسلامية ضعيفة أمام العدو فيلزمها الصبر والمصابرة وعدم التعرض والمساكنة للعدو والكافر المتغلب، وقد اختفى الجهاد الطلبي في - سبيل الله- منذ زمن طويل لتخلف المسلمين وتفوق عدوهم عليهم في وسائل الإعداد وفي العُدد، ولم يبق أمام المسلمين في مقاتلة الأعداء غير جهاد الدفع والمدافعة إذا اعتدي عليهم، وهذا النوع من الجهاد لا يشترط له ما يشترط للنوع الآخر، - جهاد الطلب- فإذا دهم العدو بلداً من بلاد المسلمين وجب على أهل تلك البلاد المغزوة -وجوباً عينياً عن كل مكلف رجلاً كان أو امرأة- مقاتلة الكفار المعتدين كل بحسبه، ولا يشترط حينئذ إذن الوالي (الحاكم) أو الوالدين أو الزوج، بل يخرج الجميع حاملين السلاح في وجه العدو، وإن لم يأذن الأولياء في ذلك، وأيضاً جهاد الدفع لا يشترط فيه اتحاد الراية بأن تكون إسلامية، بل لو قاتلوا تحت راية حزبية كقومية أو بعثية جاز لهم ذلك، وإن أمكن أن يتحد المسلمون العراقيون تحت راية إسلامية واحدة، وينسقوا مع الرايات الحزبية الأخرى في الميدان لكان حسناً، وإن لم يكن فلا شيء عليهم إن شاء الله، وسيبعثون على نياتهم كما جاء في الحديث. انظر البخاري (2118)، ومسلم (2884)، ولعله من الواضح البين أن الأحزاب الإلحادية التي تحكم بعض الدول كالعراق مثلاً تهتم بتكثير سواد العضوية للحزب أكثر من اهتمامها بتطبيق مواد دستور الحزب، والداخلون في الحزب ليسوا كلهم كفاراً، ولا ملحدين، إذ(1/76)
الدافع لعدد من الناس أن يدخلوا في الحزب، لا رغبة فيه وإنما لطلب العيش والارتزاق وتسهيل مهماتهم الحياتية والوظيفية والتي احتكرت كلها، أو معظمها لمن ينتسب إلى الحزب لا غير، وعلى هذا لا ينبغي أن يعمم الكفر على جميع أعضاء حزب البعث والصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا يشترط إذن الإمام الحاكم في الجهاد في - سبيل الله- عامة وفي جهاد الدفع خاصة لمن دهم الكفار بلاده؛ لقوله تعالى: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" [الحج:40]، وذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن أحد أئمة الدعوة في نجد، في رده على من اشترط وجود الإمام أو إذنه للجهاد في سبيل الله فقال: بأي كتاب أم بأية حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين. والأدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن تذكر... ولا يكون الإمام إماماً إلا بالجهاد، لا أنه لا يكون جهاداً إلا بالإمام، وقصة أبي بصير لا تكاد تخفى على البليد لما جاء مهاجراًُ فطلبت قريش من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يرده إليهم بالشرط الذي كان بينهم في - صلح الحديبية- فانفلت منهم حين قتل المشركين اللذين أتيا في طلبه، ورجع إلى الساحل واستقل بحرب قريش يتعرض لقافلتهم إذا أقبلت من الشام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: لما سمع خبره "ويل أمه مسعر حرب لو كان معه غيره" البخاري (2734).(1/77)
وانضم معه بعض المسلمين الذين خرجوا من مكة ولم يصلوا إلى المدينة مخافة أن يردهم كما رد أبا بصير، فهل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخطأتم في قتال قريش لأنكم لستم مع إمام؟! - سبحان الله - ما أعظم مضرة الجهل على أهله... وإذا كان هناك طائفة مجتمعة لها منعة وجب عليها أن تجاهد في - سبيل الله - بما تقدر عليه لا يسقط عنها فرضه بحال ولا عند جميع الطوائف. الدرر السنية 5/97-99.
والواجب المتعين على جميع العراقيين داخل العراق أو خارجه محاربة العدو الأمريكي وحلفائه كل حسب استطاعته؛ تحقيقاً لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم-"قاتلوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم" النسائي(6 309) وأبو داود (2504)، وأحمد (12246)، وعليهم بالصبر والمصابرة والاجتماع وتوحيد الصف والحذر كل الحذر من الخلاف والنزاع في جبهات القتال "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" [الأنفال: 46]، وعلى المسلمين عامة أن يناصروا إخوانهم المسلمين في العراق، فيرفعوا من معنوياتهم ولا يخذلوهم في ساعات هم أحوج ما يكونون إليها، ولا أقل من أن يناصروهم في الدعاء بالقنوت في الصلوات لعل الله أن ينصرهم ويرد كيد الأعداء في نحورهم آمين.(1/78)
وسئل فضيلة الشيخ سعود الفنيسان حفظه الله : (هل يجوز لنا إذا دخل العدو بلداً من بلاد المسلمين وليس عندهم قدرة إعدادية، ولا جماعة، أو إمام أن نبقى بدون جهاد دفع؟. فأجاب فضيلته : ( إذا دخل العدو بلداً من بلاد المسلمين وجب على أهل ذلك البلد -المواطن منهم والمقيم- وجوباً عينياً الدفاع عن هذا البلد، بكل وسيلة مشروعة ممكنة، فإن لم يستطع أهل هذا البلد المغزو وجب على أقرب البلاد إليهم إعانتهم والدفاع معهم ونصرتهم، وجوباً عينياً أيضاً، ولو كان أهل ذلك البلد أو من جاورهم ليس عند هؤلاء وهؤلاء عدة ولا عتاد يساويان أو يقاربان عدد وعدة العدو لأن قتالهم هذا قتال دفع لا طلب، وجهاد (قتال) الدفع لا يشترط فيه ما يشترط في جهاد الطلب، بل الواجب عليهم في مثل هذه الحال أن يقاتلوا العدو؛ لقوله -تعالى-: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" [الحج:39]، بكل ما يستطيعونه ولو قل، ولعموم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم" رواه أبو داود (2504)، والنسائي (3096) من حديث أنس - رضي الله عنه-، فجهاد الدفع لا يشترط فيه اجتماع عدد معلوم، ولا يلزم أن يكون للمسلمين المغزوين إمام يستأذن كما لا يستأذن الأب ولا الأم ولا الزوج، ونحو ذلك، وإن كان المسلمون المعتدى عليهم خليطاً من المؤمنين والكفار، لا يشترط لهم حينئذ أن تكون لهم راية واحدة يقاتلون تحتها، وإن أمكن ذلك فحسن، وإن لم يمكن تعاون المسلمون مع الكفار الذين يسكنون معهم على العدو الذي غزاهم في عقر دارهم، ولكن يجب على المسلمين -فرادى كانوا أو جماعة- حينئذ أن يعلنوا أن جهادهم إنما هو لإعلاء كلمة الله وفي سبيله لا غير، (والراية العُمِّية التي يحرم القتال تحتها ولو مات فيها مات ميتة جاهلية)، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- في صحيح مسلم: (1848) "من خرج من(1/79)
الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتةً جاهليةً، ومن قاتل تحت رايةٍ عِمِّيَّةٍ، يغضب لعصبةٍ، أو يدعو إلى عَصَبَةٍ، أو ينصر عصبةً، فَقُتِل، فقتلةٌُ جاهليةٌُ..." الحديث، ففسرها رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بأنها مفارقة جماعة المسلمين، ويقاتل المرء فيها لعصبية أو يدعو لعصبية أو ينصر عصبية، أي كأن يقاتل من أجل القومية، أو الحزبية أو القبلية، كما يقول الشاعر الجاهلي: وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد.(1/80)
وجاء في حديث سعيد بن زيد - رضي الله عنه- عند الترمذي (142)، وأبي داود (4772)، والنسائي (4094)، وابن ماجة (2580): "من قتل دون ماله فهو شهيدٌُ، ومن قتل دون دينه فهو شهيدٌُ، ومن قتل دون دمه فهو شهيدٌُ، ومن قتل دون أهله فهو شهيدٌُ" والعدو المعتدي مسلماً كان أو كافراً إنما يريد هذه الأمور الأربعة مجتمعة أو بعضها، ومن لازم ذلك القتال للدفاع عن بلاد المسلمين إذا غزيت من العدو الكافر؛ لأن هذه الأمور داخلة في بلاد المسلم أو وطنه. أما القول في وجوب اشتراط وجود الإمام أو إذنه في الجهاد في سبيل الله فلا أعرف أحداً من أهل العلم المقتدى بهم اشترط ذلك، بل الواجب خلافه، وهو أن الإمام لا يكون إماماً إلا أن يقوم بالجهاد في سبيل الله، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام، ويقول شيخ الإسلام بن تيمية في مجموع الفتاوى (34/176)، والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه، وإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها أئمة لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق، فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم يقم إلا بعدد من غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها"، وعمل أبي بصير - رضي الله عنه- في قصة الحديبية ومن معه من المهاجرين الذين قاموا بقطع الطريق على قافلة قريش أظهر دليل على عدم اشتراط وجود الإمام أو إذنه للجهاد في سبيل الله، بل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في أبي بصير لما بلغه فعله في قريش "ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد" انظر في صحيح البخاري (2731-2732) يؤكد عدم اشتراط وجود الإمام أو إذنه في الجهاد في سبيل الله، بل نجد أئمة الدعوة في نجد منعوا وأنكروا على مثل هذا الاشتراط، فيقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الامام محمد بن عبد الوهاب (ت 1258هـ) : - ( بأي كتاب أم بأية حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع؟ هذا(1/81)
من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين، والأدلة على إبطال هذا القول أشهرمن أن تذكر..)، انظر الدررالسنية/97-99. والله أعلم.) ( موقع الاسلام اليوم وموقع الشيخ )
فتوى فضيلة الشيخ الدكتور
خالد بن عبدالله البشر - حفظه الله -
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
السلام عليكم. ما هو الواجب الشرعي على المسلمين إذا احتل الكافر بلدهم على ضوء ما قرره أهل العلم؟ هل الكفار الذين يحتلون بلاد المسلمين يجوز التعاون والتعامل معهم؟ علماً أن السيادة والقيادة بيد المحتل الكافر، وجزاكم الله خيراً وأحسن إليكم.(1/82)
اجاب الشيخ حفظه الله : (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أما بعد: بالنسبة إلى سؤالكم الأول ونصه: ما هو الواجب الشرعي على المسلمين إذا احتل الكافر بلدهم على ضوء ما قرره أهل العلم؟ وجوابه : إن من المتقرر عند الأصوليين أن "الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره"، وقال ابن القيم: " فههنا نوعان من الفقه لا بد للحاكم منهما: 1/ فقه في أحكام الحوادث الكلية 2/ وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس، يميز به بين الصادق والكاذب، والمحق والمبطل، ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب، ولا يجعل الواجب مخالفاً للواقع " (انظر:الطرق الحكمية لابن القيم ص:4). ومما أجمع عليه علماء الأمة وجوب دفع عدوان الكافر على بلاد المسلمين فرضاً عينياً على أهل تلك البلاد، وانعقد الإجماع عليه من غير خلاف. قال ابن تيمية : "فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه، فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعاً " (4/ 607 الفتاوى الكبرى). وقال ابن بن قدامة - مبيناً الحالات التي يجب فيها الجهاد فرضاً عينياً - "الثاني إذا نزل الكفار ببلد المسلمين تعين على أهله قتالهم والنفير إليهم، ولم يجز لأحد التخلف إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ الأهل والمكان والمال ومن يمنعه الأمير الخروج، لقوله -تعالى- انفروا خفافا وثقالا " (الكافي في فقه ابن حنبل 4/254)، وإن الناظر في التعاطي مع أحداث العراق بعد شنّ العدو الصليبي هجمته على بلاد المسلمين، وما أفرزته تلك الهجمة من سفك الدماء وانتهاك الأعراض، وإتلاف الحرث والنسل والإفساد في الأرض بمعاذير واهية، ومبررات ساقطة. يجد في هذا التعاطي مع هذه الحادثة المؤلمة؛ أن بعض من تناولها من الناحية الشرعية من يوجب النفير العام لكل المسلمين في جميع أنحاء الأرض، دون الالتفات إلى(1/83)
ضوابط الجهاد، وما يكتنفه من المصالح أو المفاسد، ويستند أصحاب هذا الاتجاه إلى نصوص الكتاب والسنة وأقوال العلماء المستفيضة في وجوب جهاد الدفع عن بلاد المسلمين إذا دهمها العدو، وتُعدّ هذه الحالة من الحالات التي يجب فيها الجهاد فرضاً عينياً على كل مسلم بَعُد من العدو أو قَرُب.
بينما نجد في الجهة المقابلة النقيض بعينه من هذه الأحداث، ممن يقول إن هذه الأحداث فتنة يجب على مسلم أن ينأى بنفسه عنها، ثم يسقط أدلة وجوب كف القتال في الفتنة على تلك الأحداث، ولم ينتبه إلى أن أحاديث الكف عن القتال في الفتنة إنما هي في قتال المسلمين بعضهم لبعض دون قتال المسلمين لعدوهم الكافر!. ونجد لم يفطنوا إلى أن تلك الفتاوى على تضادها قد يكتوي بها إخواننا المسلمون في تلك البلاد ومن هم خارجها؛ لأنها لم تراعِ جملة أمور :- أن ما يناسب المسلم في الشيشان من الفتاوى في مسائل الجهاد قد لا يناسب المسلم منها في العراق، وعلى هذا قسه في جميع بلاد المسلمين التي اعتدى عليها أعداؤهم.
- أن الخوض في مسائل الجهاد دون أن يدرك الخائض فيها أبعادها الشرعية والزمانية والمكانية وأحوال الناس وواقع العدو الكافر من حيث ترتّب المصالح وانتفاء المفاسد أو ترتيبها عند التعارض مما قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها.(1/84)
- أنه ثبت واقعاً أن بعض المسلمين حينما اعتدى العدو الكافر على بلادهم أنهم كانوا أحوج إلى الدعم المالي أكثر من الدعم البدني، مما يؤكد أن حاجات المجاهدين على ثغور بلاد المسلمين تختلف من بلد إلى بلد آخر، ومن زمن إلى زمن آخر. وما سبق هو جواب عام عن هذا النوع من الجهاد. وأما بالنسبة لإخواننا المجاهدين داخل العراق فإنني أهيب بكل مسلم في بلاد العراق أن يلتفَّ حول علماء المسلمين في العراق؛ فإن الله تعالى قد هيّأ للمسلمين هناك علماء ربانيين مخلصين، ومن جملتهم هيئة علماء المسلمين في العراق، وأن يصدر المسلمُ في العراق عن رأي هؤلاء العلماء؛ لأنهم أقرب من غيرهم في تصوّر الواقع، وما يناسبه من معالجة، وكذلك أخذ رأيهم في كيفية جهاد العدو الكافر وأساليبه. وأما السؤال الثاني: هل الكفار الذين يحتلون بلاد المسلمين يجوز التعاون والتعامل معهم ، علماً أن السيادة والقيادة بيد المحتل الكافر؟. لا يجوز التعاون مع العدو الكافر، ولا التعامل معهم فيما من شأنه تثبيت يد العدو على البلاد، بل يُعد هذا من المظاهرة للكفار على المسلمين، وهو كفر وردة، وخروج عن الملة، دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، منها : ما جاء في كتاب الله قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". وقال الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - مبيناً نواقض الإسلام المجمع عليها - " قال الناقض الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم(1/85)
" . ( انظر:مجموع فتاويه1/274).وأما إن كانت استعانة العدو الكافر بالمسلم فيما من شأنه خدمة إخوانه المسلمين، وتسيير أمورهم من العمل في المستشفيات ونحوها فلا بأس إذا دعت الحاجة لذلك، وتضرر المسلمون من عدم القيام بها، مع ضرورة الأخذ برأي علماء المسلمين في العراق في كل واقعة بعينها، وما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد. نسأل الله أن يفرّج عن إخواننا المسلمين في العراق كربهم، وأن ينصرهم على عدوهم. اللهم آمين.
بيان 26 عالم من علماء بلاد الحرمين
في مشروعية الجهاد في العراق
جاء في البيان الذي وجهه مجموعة من العلماء في بلاد الحرمين : -(1/86)
(ولا شك أن جهاد المحتلين واجب على ذوي القدرة، وهو من جهاد الدفع, وبابه دفع الصائل, ولا يشترط له ما يشترط لجهاد المبادأة والطلب، ولا يلزم له وجود قيادة عامة، وإنما يعمل في ذلك بقدر المستطاع، كما قال تعالى : "فاتقوا الله ما استطعتم". وهؤلاء المحتلون هم -ولا شك - من المحاربين المعتدين الذين اتفقت الشرائع على قتالهم حتى يخرجوا أذلة صاغرين يإذن الله، كما أن القوانين الأرضية تضمنت الاعتراف بحق الشعوب في مقاومتهم. وأصل الإذن بالجهاد هو لمثل هذا، كما قال سبحانه: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" [الحج:39]. وقد قرر سبحانه سنة التدافع التي بها حفظ الحياة وإقامة العدل وضبط الشريعة، فقال: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" [الحج:40]. فالمقاومة إذاً حق مشروع، بل واجب شرعي يلزم الشعب العراقي الدفاع عن نفسه وعرضه وأرضه ونفطه وحاضره ومستقبله ضد التحالف الاستعماري كما قاوم الاستعمار البريطاني من قبل. ولا يجوز لمسلم أن يؤذي أحداً من رجال المقاومة, ولا أن يدل عليهم فضلاً عن أن يؤذي أحداً من أهلهم وأبنائهم, بل تجب نصرتهم وحمايتهم. يحرم على كل مسلم أن يقدم أي دعم أو مساندة للعمليات العسكرية من قبل جنود الاحتلال؛ لأن ذلك إعانة على الإثم والعدوان....)
وقد وقع على البيان كل من :-
الشيخ الدكتور احمد الخضيري / أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
الشيخ الدكتور احمد العبداللطيف/ أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى
الشيخ الدكتور حامد بن يعقوب الفريح / أستاذ التفسير بكلية المعلمين بالدمام
الشيخ الدكتور الشريف حمزة الفعر / أستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى(1/87)
الشيخ الدكتور الشريف حاتم العوني/ أستاذ الحديث بجامعة أم القرى
الشيخ الدكتور خالد القاسم/ أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود
الشيخ الدكتور سعود الفنيسان / أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الإمام
الشيخ الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي / أستاذ العقيدة في كلية الشريعة - أبها
الشيخ الدكتور سفر الحوالي / أستاذ العقيدة في جامعة أم القرى سابقا
الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة / المشرف على مؤسسة الإسلام اليوم
الشيخ الدكتور سليمان الرشودي / محام
الشيخ الدكتور صالح بن محمد السلطان / أستاذ الفقه في جامعة القصيم
الشيخ الدكتور صالح الدرويش / القاضي بالمحكمة العامة في القطيف
الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن علوش مدخلي / أستاذ الحديث في كلية المعلمين
الشيخ الدكتور عبدالعزيز الغامدي / أ ستاذ الفقه بجامعة الملك خالد بأبها
الشيخ الدكتور عبدالله بن إبراهيم الطريقي / أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام
الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الزايدي / أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام
الشيخ الدكتور عبدالله بن عبد الله الزايد / مدير الجامعة الإسلامية سابقاً
الشيخ الدكتور عبدالله بن وكيل الشيخ / أستاذ الحديث في جامعة الإمام
الشيخ الدكتور عبدالوهاب بن ناصر الطريري / نائب مشرف مؤسسة الإسلام اليوم
الشيخ الدكتور علي بن حسن عسيري / أستاذ العقيدة في كلية الشريعة - أبها
الشيخ الدكتور علي بادحدح / أستاذ الحديث وعلوم القرآن - جامعة الملك عبدالعزيز
الشيخ الدكتور عوض بن محمد القرني / أستاذ أصول الفقه في جامعة الإمام -سابقا
الشيخ الدكتور قاسم بن أحمد القثردي / أستاذ التفسير في كلية االشريعة - أبها
الشيخ الدكتور محمد بن حسن الشريف / أستاذ القرآن وعلومه بجامعة الملك عبدالعزيز
الشيخ الدكتور محمدبن سعيد القحطاني / أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى سابقا(1/88)
الشيخ الدكتور مسفر القحطاني/ أستاذ الفقه بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن
الشيخ الدكتور مهدي محمد رشاد الحكمي / أستاذ الحديث في كلية المعلمين - جازان
الشيخ الدكتور ناصر العمر / المشرف على موقع المسلم
واود ان اذكر انه بعد صدور هذا البيان في مشروعية الجهاد بالعراق قامت الدنيا ولم تقعد وكتبت الصحف معارضة للعلماء وتناقلته وسائل الاعلام بالشجب والانكار حتى ان بعض طلاب العلم رد على هذا البيان لأنه لم يأتي حسب هواه ، فلم يزد هذا العلماء الـ 26 الا ثباتا واصرارا على الحق ولله الحمد والمنة ، ولم تأتي تلك الاهتمامات على البيان ولم تأتي الردود عليه والاستنكار الا لأن الموقعين على البيان هم من اشهر علماء المملكة فضلا عن كونهم من اشهر الاساتذة في الجامعات الاسلامية في بلاد الحرمين الشريفين . …
فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن محمد الخضيري ( استاذ الفقه في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية )
ورده على من انكر على بيان الـ 26 عالم(1/89)
قال الشيخ أحمد الخضيري حفظه الله : ( صدر البيان الذي وقع عليه عدد من أساتذة الجامعات والمتخصصين في العلوم الشرعية ، ومضمون هذا البيان هو في نصرة إخواننا المسلمين المضطهدين في العراق الذين تكالبت عليهم قوى الشر وأرادت منهم الخنوع والذل ، وأعملت فيهم يد القتل والتشريد والأسر ،وقد تضمن البيان توجيهات ونصائح لإخواننا في العراق يفرح بها كل مسلم ، ولم يأت البيان بأمر مخالف لما عليه جماعة المسلمين كي يثير هذه الضجة المفتعلة التي أشعلتها بعض وسائل الإعلام ، ولهذا فإن علماء المسلمين يكادون يتفقون على مضمون البيان ، وقد لقي بعد صدوره قبولا حسنا لدى العلماء المهتمين بأحوال المسلمين في مختلف بلدان العالم الإسلامي ، فعلى سبيل المثال رحبت هيئة علماء المسلمين في العراق التي يرأسها الشيخ : حارث مثنى الضاري بالبيان ، كما أصدر مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في بيروت بيانا مشابها لهذا البيان ، وأصدرت رابطة علماء الصومال بيانا مماثلا استنكروا فيه الاعتداء على المسلمين في العراق ، وأوصوا عموم المسلمين بالوقوف إلى جانب إخوانهم في العراق ، كما قام جمع من علماء اليمن بتأييد هذا البيان والمصادقة عليه .
وفي المقابل كان لهذا البيان عدد من المعارضين ، وهؤلاء المعارضون عند استقراء حالهم نجد أنهم لا يخرجون عن أحد صنفين :(1/90)
الصنف الأول : عدد من غير المختصين بالعلوم الشرعية من الصحفيين، ولهذا تجدهم في ردودهم لا ينطلقون من منطلقات عقدية أو مبادئ شرعية يمكن محاكمتهم إليها ، وقد أجلبوا على هذا البيان وشنعوا عليه ، وأكثروا من النكير دون أن يكون لهم سند علمي يمكن مناقشتهم فيه، ولهذا لم يتحرج بعضهم من وصم معدي البيان بالإرهاب والتشدد ،والكذب عليهم بأنهم يحرضون الشباب على الذهاب إلى العراق والجهاد هناك ، مع أن هذا لم يرد في البيان لا من قريب ولا من بعيد ، لأن البيان موجه أساسا إلى المسلمين في العراق، ولم يبرزوا من البيان ما يصدق هذه الفرية ، وتغافلوا عن فتاوى متعددة لأهل العلم الموقعين على البيان تنص صراحة على عدم جدوى ذهاب الشباب إلى العراق ، لعدم تحقق المصلحة من ذهابهم ، وقد ذكر كثير من أهل العراق أنهم ليسوا بحاجة إلى من يأتي إليهم من خارج بلادهم ، لأن هذا قد يثير عليهم من المشاكل أكثر مما ينفعهم .
وحرص بعضهم على استعداء ولاة الأمر.
وقد تجاوز بعض هؤلاء وحاول أن يختلق رابطا بين ما يحصل في هذه البلاد المباركة من أعمال تخريبية إجرامية من قبل بعض من شذ في فكره وتصرفه وما تضمنه هذا البيان من ذكر لمشروعية جهاد الدفع في العراق مع أن البيان موجه أساسا إلى أهل العراق الذين ابتلوا في أنفسهم وديارهم، وموقف المشايخ في بلادنا ومنهم الموقعون على هذا البيان واضح بحمد الله في إدانة وتجريم مثل هذه الأعمال التي تقع في المملكة ، وقد كانوا من أوائل من فند أفكار هذه الفئة وشبهاتها ، وصبر على مناقشة أصحابها قبل أن تقودهم هذه الأفكار إلى الأعمال التخريبية ، ولكن الهوى يعمي ويصم .(1/91)
وماذا ينقم هؤلاء من البيان وقد تضمن النصيحة لأهل العراق بالإخلاص ، والتوجه الصادق إلى الله تعالى ، والتخلي عن المطامع ، والحرص على المحافظة على وحدة العراق ومصالح البلد وأهله ، وتضمن التأكيد على حرمة دماء المسلمين وأعراضهم ، وضرورة السعي إلى حقنها ، والبعد عن الأعمال التي تشوه سمعة الإسلام والمسلمين ، والتحذير من الانجرار إلى إثارة المعارك الداخلية وتجنب أسباب الفتن والاحتراب ، وتضمن الدعوة إلى الإصلاح والبناء والعمار المادي والمعنوي والأعمال الإنسانية والتربوية والعلمية ، وتضمن دعوة المسلمين في العالم إلى الاهتمام بشأن إخوانهم المضطهدين في العراق بالدعاء والتعاطف والتراحم والدعم والرأي السديد بقدر الإمكان ، ومؤازرتهم بكل مايحتاجونه من ضرورات الحياة من دواء وغذاء ونحو ذلك .
فهل مثل هذه الأمور _ التي لا يجادل فيها مسلم _ تكون سببا في إشعال الحرب على البيان و الموقعين عليه .
الصنف الثاني : من يرى من أهل العلم أن البيان يشتمل على الخطأ في مضمونه ، والقائل بهذا هو الشيخ عبد المحسن العبيكان -وفقه الله-، ولا أعلم أحدا قال برأيه سوى من لا يعتد برأيه من الشيعة .
وقد أبرز الشيخ العبيكان -وفقه الله- رأيه في مقابلة له مع صحيفة المدينة ، وتكرر هذا في برامجه في بعض القنوات الفضائية .(1/92)
ومناقشة الشيخ في رأيه الذي انفرد به مفيدة في نظري لمافيها من الإثراء العلمي ، ولما تقود إليه من البحث عن الحق ، ولكون الشيخ ينطلق من منطلقات شرعية ، والقواسم المشتركة معه أكثر من مسائل الخلاف ، وإحسان الظن به متحقق لما له من سابقة وفضل ، ولهذا فإني أناقش الشيخ في آرائه وما أورده من ملاحظات وأرى أني لا أخسر الوقت والجهد في هذا لعلمي بأن البحث عن الحق هو رائدنا جميعا إن شاء الله تعالى . وقد أظهر الشيخ العبيكان -وفقه الله- رأيه في البيان في لقاء له مع جريدة المدينة الصادرة يوم الثلاثاء 26/9/1425 العدد (15175). ونشر هذا اللقاء بعنوان : الدعاة ال26 يعرضون أهل العراق للهلاك والدمار وكأنهم يريدون بقاء المحتل . وقد أثار الشيخ في هذا اللقاء المنشور أمورًا عدة، وسأذكر بعضها مرتبة مع مناقشتها على النحو الآتي : · يصف الشيخ العبيكان -وفقه الله- الدعاة الموقعين على البيان بأنهم يريدون تأجيج الفتنة في العراق واستمرار بقاء المحتل بحث المقاومة على الاستمرار في قتالها .
المناقشة: تأجيج الفتنة لا يأتي من إنصاف صاحب الحق السليب ونصرته وتأييده في مطالبته بحقه بأي طريقة مشروعة ، ومنها طريقة المقاومة والجهاد ، بل الفتنة هي في مصادرة حقه المشروع في مقاومة العدوان وخذلانه، والفتنة تدافع بما يمكن، وقد يكون القتال من أسباب دفعها كما قال الله تعالى : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله : حتى لاتكون فتنة : أي حتى لا يكون شرك ، وعن عروة بن الزبير : حتى لا يفتن مسلم عن دينه . وورد عن ابن عباس في تفسير: ويكون الدين كله لله: أي يخلص التوحيد لله. ينظر: تفسير ابن كثير 2/309 .(1/93)
ولهذا ورد عن سعيد بن جبير أنه قال : خرج علينا ابن عمر فقال رجل : يا أبا عبد الرحمن ماتقول في القتال في الفتنة ؟ قال : ثكلتك أمك ، وهل تدري ماالفتنة ؟ إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقاتل المشركين فكان الدخول فيهم أوفي دينهم فتنة ، وليس كقتالكم على الملك " أخرجه البخاري في صحيحه 4/1706(4374) ك : التفسير ، وأحمد في مسنده 2/70 .
والقول بمشروعية الجهاد في العراق وحق العراقيين في مقاومة المحتل لا يعني إقحام العراقيين في مواجهات غير متكافئة ولكن المقاومة بحسب قدرتهم وبالطريقة التي تناسبهم وهذا ما يقرره أهل البلد علماؤها ورجالاتها وأهل الخبرة فيها، ولهم الأخذ بالهدنة والصلح إذا احتاج المسلمون إلى ذلك ورأوا أنه يحقق لهم المصلحة .
ولكن المهم ألا يصادر حقهم المشروع في الدفاع والمقاومة وهو الحق الذي كفلته شرائع السماء وقوانين الأرض والمواثيق الدولية.
وإني أحيل الشيخ إلى موقف الشيخ أحمد شاكر رحمه الله من الاستعمار عندما كتب بيانا في زمانه يحث المسلمين على جهاد الانجليز والفرنسيين تحت عنوان " بيان إلى الأمة المصرية خاصة وإلى الأمة العربية والإسلامية عامة " ، وأودعه في كتابه : كلمة الحق .(1/94)
· ذكر الشيخ العبيكان -وفقه الله- أن الشريعة توجب على المسلم في حال الضعف ترك المقاومة ، ونص كلامه : " والنصوص الشرعية التي بيناها في مقالاتنا نصوص كثيرة جدا من الكتاب والسنة ومن كلام العلماء قديما وحديثا كلها مع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة في حال ضعفه كلها توجب على المسلم أنه في حال الضعف أنه لا يجوز له أن يقاوم ولا أن يقاتل لأن الأصول الشرعية تقضي بارتكاب أدنى المفسدتين بدفع أعلاهما فبقاء المحتل مفسدة ولكن المفسدة الأعظم هو العمل على استمرار بقائه بإثارة الفتنة ومقاتلته مع الضعف الحاصل " إلى أن قال : " فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله يوحي إلى عيسى عليه السلام عندما يأتيه يأجوج ومأجوج أن يفر قال " : فحرز عبادي إلى الطور ( أي اهرب منهم واترك مقاتلتهم لأنه لا يدان لك بقتالهم ) " .... وقال العلماء أنه يجب على المسلمين مع الضعف يجب عليهم الفرار فما حصل لأهل مؤتة حينما فروا من الجيش الكبير وظنوا أنهم قد أخطؤوا قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم ": إننا نحن الفرارون " فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم :" بل أنتم الكرارون " فأيدهم الرسول على الفرار لعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم .."
المناقشة :(1/95)
الحكم الذي أطلقه الشيخ في هذه المسألة يحتاج إلى تفصيل وبيان ، لما فيه من الإجمال، وكثيرا ما يقع الخطأ بسبب الإجمال ، وبيان ذلك : أنه ليس كل ضعف يسقط وجوب جهاد الدفع ، وإنما الذي يسقط الوجوب هو الضعف الشديد الذي يصل إلى حد العجز عن القتال ، وهو وضع استثنائي فيرخص لمن هذه حاله بترك القتال لقول الله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " ، وقوله :" فاتقوا الله مااستطعتم " . وقد كان هذا هو الحكم في العصر المكي فقد أمر النبي صلى الله وسلم بالعفو والصفح وكف اليد عن المشركين بسبب عجزهم عن القتال كما قال الله تعالى "كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ" [النساء: من الآية77] إلى أن نسخ هذا بالمرحلة الأخيرة بقتال المشركين كافة ونزول آية السيف ، وللمسلم في حال العجز أن يأخذ بالكف عن القتال، لأن القدرة شرط في وجوب الجهاد وغيره من الواجبات الشرعية. وتعبير الشيخ بوجوب ترك جهاد الدفع ونسبته ذلك إلى العلماء كما في قوله : " وقال العلماء أنه يجب على المسلمين مع الضعف يجب عليهم الفرار .." ليس بصحيح على هذا الإطلاق , فإن التعبير الشائع لدى الفقهاء هو لفظ : يجوز ، أو يرخص ، أو لابأس ، ونحو ذلك من الألفاظ، وذلك لأنهم يرون أن القدرة شرط لوجوب الجهاد وليست شرطا في صحته ، ولا ريب أن بين التعبيرين فرقا من ناحية ترتب الإثم .
وقد دلت النصوص الشرعية أن غير القادر إذا تكلف الجهاد فجاهد لا شيء عليه ، ولو أدى هذا إلى قتله وعدم تحقيق الظفر على الأعداء مادام هذا يحقق مصلحة شرعية كإحداث نكاية في العدو أو بث للرعب في قلوبهم ، أو تجرئة لقلوب أهل الأيمان ونحو ذلك ، ولا يدخل هذا في إلقاء النفس إلى التهلكة .
ومن هذه النصوص :(1/96)
1. ماجاء في قصة عاصم بن ثابت لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على رأس نفر من أصحابه إلى عضل والقارة ، فخرج عليهم قرابة مائة رام ، فأحاطوا بهم فقالوا : لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لانقتل منكم رجلا ، فقال عاصم : أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر ...، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل ... " أخرجه البخاري في صحيحه 3/1108(2880) ك: الجهاد ، وأبو داود في سننه 3/115،116 (2660) ك: الجهاد.
ووجه الاستدلال : أن قدرة عاصم ومن معه أقل من أن يقاتلوا مائة رام ، وكان لهم رخصة في ترك القتال ، ومع ذلك أبى عاصم إلا أن يقاتلهم فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه .
2. ماورد في قصة عمرو بن الجموح رضي الله عنه فقد كان رجلا أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد ، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا : إن الله قد عذرك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه ، فوا لله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك ، وقال لبنيه : ماعليكم ألا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يوم أحد ". سيرة ابن هشام 3/96 عن ابن إسحاق قال : وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن أشياخ من بني سلمة به "، قال الألباني :" وهذا سند حسن إن كان الأشياخ من الصحابة ، وإلا فهو مرسل ، وبعضه في المسند 5/299 من حديث أبي قتادة رضي الله عنه ... وسنده صحيح ". تخريج فقه السيرة للألباني 282 .
ووجه الدلالة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لعمرو بالقتال مع كونه معذورا بالعرج ولا يجب عليه الجهاد رجاء تحصيل الشهادة .(1/97)
3. حديث سلمة بن الأكوع حين أغار عبد الرحمن الفزاري ومن معه على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه وقتل راعيه ، فتبعهم سلمة بن الأكوع وحده فمازال يرميهم بنبله حتى استخلص منهم ما أخذوه ، وقد جاء فيه من قول سلمة : " فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر ، قال : فإذا أولهم الأخرم الأسدي على إثره أبو قتادة الأنصاري ...، قال فأخذت بعنان الأخرم ، قال : فولوا مدبرين ، قلت : يا أخرم احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قال : ياسلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة ، قال فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن ... وطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول على فرسه ، ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فطعنه فقتله ، فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لتبعتهم أعدو على رجلي حتى ماأرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم شيئا حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له : ذا قرد ، ليشربوا منه وهم عطاش قال فنظروا إلي أعدوا وراءهم فحليتهم عنه (يعني أجليتهم عنه ) فما ذاقوا منه قطرة ... " ، وفيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة " أخرجه مسلم في صحيحه 3/1433(1807) ك : الجهاد والسير .(1/98)
وقد أورد هذا الحديث ابن النحاس الدمياطي في كتابه : مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق في الجهاد وفضائله ، وبوب عليه بقوله : فضل انغماس الرجل الشجيع أو الجماعة القليلة في العدد الكثير رغبة في الشهادة ونكاية في العدو . ثم قال : " وفي هذا الحديث الصحيح الثابت أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده وإن غلب على ظنه أنه يقتل إذا كان مخلصا في طلب الشهادة ،كما فعل الأخرم الأسدي رضي الله عنه ولم يعب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه ، ولم ينه الصحابة عن مثل فعله ، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل وفضله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مدح أبا قتادة وسلمة على فعلهما كما تقدم، مع أن كلا منهما قد حمل على العدو وحده ولم يتأن إلى أن يلحق به المسلمون " مشارع الأشواق ص 539، 540.
وتأمل فيما يأتي دقة الفقهاء رحمهم الله تعالى وفهمهم للنصوص عندما عبروا عند العجز عن القتال ب: جواز الانصراف " ولم يعبروا بالوجوب كما فعل الشيخ العبيكان -وفقه الله-: قال ابن قدامة رحمه الله " : وإذا كان العدو أكثر من ضعف المسلمين فغلب على ظن المسلمين الظفر فالأولى لهم الثبات لما في ذلك من المصلحة ، وإن انصرفوا جاز لأنهم لا يأمنون العطب ...وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة والنجاة في الانصراف فالأولى لهم الانصراف ، وإن ثبتوا جاز لأن لهم غرضا في الشهادة ويجوز أن يغلبوا أيضا " المغني 13/189.(1/99)
وقال القرطبي : " قال محمد بن الحسن : لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو ، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه ، لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين ، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه ، ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه ، وإن كان قصده إرهاب العدو و ليعلم صلابة المسلمين في الدين ، فلا يبعد جوازه ، وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم " الآية إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه ، وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه متى رجا نفعا في الدين فبذل نفسه فيه حتى قتل كان في أعلى درجات الشهداء " . تفسير القرطبي 2/364.
وقال السرخسي :" لابأس بالانهزام إذا أتى المسلمين من العدو مالا يطيقهم ، ولا بأس بالصبر أيضا بخلاف ما يقوله بعض الناس إنه إلقاء النفس في التهلكة بل في هذا تحقيق بذل النفس لابتغاء مرضاة الله تعالى فقد فعله غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم ، منهم عاصم بن ثابت حميُ الدبر ، وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فعرفنا أنه لا بأس به والله الموفق " شرح السير الكبير 1/125.(1/100)
وينبغي أن يعلم أن جهاد الدفع أعظم من جهاد الطلب ، ولهذا لا يشترط له ما يشترط لجهاد الطلب ، ويتأكد القيام به أكثر من جهاد الطلب ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين ، فواجب إجماعا ، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان ، وقد نص على ذلك العلماء : أصحابنا وغيرهم ، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده " الاختيارات الفقهية ص 309،310(1/101)
وقال أيضا : " وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به ، لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا ، ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين ، وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم ، فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لايجوز الانصراف فيه بحال ، ووقعة أحد من هذا الباب " . الاختيارات الفقهية ص 311 . وكان يتعين على الشيخ أن يقيد القول بوجوب ترك القتال بالحالة التي يبلغ الضعف فيها بالمسلمين الحد الذي لا يستطيعون معه تحقيق أي مصلحة للمسلمين ، أو إحداث نكاية في العدو ، ويترتب على القتال مفاسد عظيمة بالمسلمين لا تقابله أي مصلحة فحينئذ يتجه القول بالمنع من القتال ، قال أبو حامد الغزالي : "لاخلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم أنه يقتل ، وهذا ربما يظن أنه مخالف لموجب الآية ، وليس كذلك فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس التهلكة ذلك ، بل ترك النفقة في طاعة الله تعالى ، أي : من لم يفعل ذلك فقد أهلك نفسه ... ولكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار كالأعمى يطرح نفسه على الصف أو العاجز فذلك حرام و داخل تحت عموم آية التهلكة وإنما جاز له الإقدام إذا علم أنه يقاتل إلى أن يقتل أو علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جراءته واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالاة وحبهم للشهادة في سبيل الله ، فتنكسر بذلك شوكتهم " إحياء علوم الدين 2/315 .(1/102)
وقال الحافظ ابن حجر :" وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يجرئ المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن ، ومتى كان مجرد تهور فممنوع ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن في المسلمين والله أعلم " فتح الباري 8/34. وقال الشوكاني في تفسير قول الله تعالى : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " : " فكل ماصدق عليه أنه تهلكة في الدين أو الدنيا فهو داخل في هذا وبه قال ابن جرير الطبري ، ومن جملة مايدخل تحت الآية أن يقتحم الرجل في الحرب فيحمل على الجيش مع عدم قدرته على التخلص وعدم تأثيره لأثر ينفع المجاهدين " فتح القدير 1/170.
ويتبين من هذا أن المنع ليس راجعا لمطلق الضعف ، ولكن لما يترتب على القتال حينئذ من مفاسد محققة لا يقابلها أدنى نكاية في العدو أو فائدة للمسلمين .(1/103)
وعلى هذا فلا يشترط في صحة جهاد الدفع أن يغلب على ظن الفئة المجاهدة أنها تملك من القدرة ما يحقق لها الظفر على الأعداء ، بل يكفي أن تتمكن من إحداث نكاية في العدو ولوكان ذلك بمجرد بث الرعب في قلوبهم ، أو أن يحقق للمسلمين مصلحة ولو كانت هذه المصلحة مجرد تجرئة قلوب أهل الأيمان ، وهذا بحمد الله حاصل كما نشاهده في فلسطين إذ يقوم المجاهدون هناك مع ضعفهم بمقاومة اليهود ، وأحدثوا مع هذا نكاية قوية باليهود ، فأخافوهم وأضعفوا أمنهم واستنزفوا اقتصادهم . ولا ينبغي أن يغيب عن علم الشيخ أن فنون القتال متعددة ، والقتال اليوم له أشكال متنوعة و لا يعني بالضرورة المواجهة المباشرة، وحروب التحرير في الغالب لا تعتمد على المواجهة المباشرة بقدر ما تعتمد على استنزاف العدو وعدم تمكينه من الاستمتاع بثمرة النصر، ومثال ذلك حال المقاومة في فلسطين، فلماذا نتغاضى عن هذه النتائج ونصدر حكما عاجلا لم يعتمد على دراسة واستشارة لأهل المعرفة والخبرة بالقتال . وإذا كان قد وقع في بعض مواطن الجهاد عدوان أو خطأ و سوء اجتهاد فلا يجوز أن يستدل به على منع الجهاد والتنفير منه ، لأن المجاهدين بشر وليسوا معصومين ، والواجب أن نسددهم ونرشدهم ونقوم أعمالهم وننصحهم مع قيامهم بجهاد الدفع الضروري .
ولا ريب أن تقدير المصلحة أو النكاية التي يمكن أن يحدثها القيام بعمل من أعمال الجهاد قد تختلف فيه الآراء ، وحينئذ لا بد من الاجتهاد في تقدير ذلك الأمر ، ويوكل هذا الاجتهاد إلى أولي الأمر من الولاة و أهل العلم المطلعين على واقع الجهاد مع الاستعانة بآراء أهل الخبرة العسكرية من أهل الواقعة واستشارة من يفيد رأيه في المسالة .(1/104)
وأما ماذكره الشيخ من الاستدلال بقصة عيسى عليه السلام عند ظهور يأجوج ومأجوج فمع كونها حالة خاصة لأنها في آخر الزمان عند ظهور علامات الساعة الكبرى ، وعيسى عليه السلام مؤيد بالوحي من الله تعالى . إلا أنه يجاب عنه بأن عيسى عليه السلام كان يريد قتالهم بقاء على الأصل وهو قتال الكفار ، ولكنه ترك مواجهتهم لأن الله تعالى نهاه عنها وأعلمه أنه لا قدرة له عليهم ، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه مسلم : " لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ".
قال النووي :"قوله : لايدان... قال العلماء معناه : لاقدرة ولا طاقة ، شرح صحيح مسلم للنووي 18/281 . فليس في مواجهة عيسى لهم مصلحة ولن تحقق نكاية كما يفيده لفظ : لايدان لأحد بقتالهم " ، وهذا الحكم متفق عليه كما سبق ، وهي حالة خارجة عن محل النزاع . ومن وجه آخر : فإن الله تعالى لم يأمر عيسى -عليه السلام- بأن يسلم لهم، بل أمره بترك المواجهة والاحتماء بالمسلمين إلى جهة الطور ، وهذا عمل حربي للقائد أن يتخذه إذا رأى أنه يحقق له مصلحة ، والمعارك لا تقتصر على المواجهة فقط بل فيها الكر والفر والخدعة ، وهذا نظير مافعل المسلمون في معركة الأحزاب عندما حفروا الخندق لصد الكفار عن دخول المدينة والالتحام مع المسلمين ، إلى أن حسم الله المعركة بجند من عنده ، فهل يقال : إن المسلمين في معركة الأحزاب فروا من قتال عدوهم ، وجبنوا عن ملاقاتهم ، واستسلموا لهم ، وتركوا القتال مطلقا ؟.
وأما استدلاله بمعركة مؤتة وما حصل فيها فيجاب عنه بما يأتي :(1/105)
1- الجهاد في معركة مؤتة ليس من قبيل جهاد الدفع الذي يدفع فيه العدو القاصد بلاد المسلمين ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ إرسال الجيش إلى أدنى البلقاء من أرض الشام ، وكان سبب المعركة : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى ملك الروم أو بصرى ، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله لما علم أنه رسول رسول الله ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وبعث جيشا قوامه ثلاثة آلاف واستعمل عليهم زيد بن حارثة رضي الله عنه .ينظر : زاد المعاد 3/381 .
2- هذه المعركة لم يفر فيها المسلمون بل انحازوا إلى فئة ، وهذا جائز لقول الله تعالى :" إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة " ، ولهذا لما ظن طائفة منهم أنهم فروا وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : نحن الفرارون ، قال لهم : لا ، بل أنتم العكارون (أي : الكرارون إلى الحرب والعطافون نحوها) أنا فئتكم ، وأنا فئة المسلمين ".أخرجه أحمد في مسنده 2/70، وأبو داود في سننه 3/106،107(2647) ك : الجهاد .
3- الذين انسحبوا من المعركة هم بعض الجيش ، وكان انسحابهم بسبب عجزهم عن قتال العدو ، وهذه الحالة يرخص فيها بترك القتال ، قال ابن كثير : " قلت : لعل طائفة منهم فروا لما عاينوا كثرة جموع العدو ، وكانوا أكثر منهم بأضعاف مضاعفة ، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ثلاثة آلاف وكان العدو -على ماذكروه- مائتي ألف ، ومثل هذا يسوغ الفرار على ماقد تقرر ، فلما فر هؤلاء ثبت باقيهم وفتح الله عليهم ، وتخلصوا من أيدي أولئك وقتلوا منهم مقتلة عظيمة كما ذكره الواقدي وموسى بن عقبة من قبله " البداية والنهاية 6/433 ،434(1/106)
4- معركة مؤتة حققت هدفها وهو تأديب الكفار وإخافتهم ، وأصيب الروم فيها بخسائر كبيرة ، وانكشف بعض فرقهم ، فاكتفى خالد رضي الله عنه بهذه النتيجة ، وآثر الانصراف بمن معه ، وهذا لا يعد فرارا ، ويؤيد هذا ما ورد عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم ، فقال : أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب -وعيناه تذرفان - حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم " أخرجه البخاري في صحيحه 4/1554(4014) ك: المغازي .
ولهذا ذهب بعض أهل السير إلى أن المسلمين انتصروا في هذه المعركة كما هو رأي موسى بن عقبة والواقدي والبيهقي وظاهر كلام ابن كثير لحديث أنس المتقدم ، ينظر : البداية والنهاية 6/430 ، فتح الباري 7/586 .
وقال ابن القيم : "وقد ذكر ابن سعد أن الهزيمة كانت على المسلمين ، والذي في صحيح البخاري أن الهزيمة كانت على الروم ، والصحيح ماذكره ابن إسحاق أن كل فئة انحازت عن الأخرى " زاد المعاد 3/383 .
وقال ابن حجر بعد أن ذكر الأقوال : " ثم وجدت في مغازي ابن عائذ بسند منقطع أن خالدا لما أخذ الراية قاتلهم قتالا شديدا حتى انحاز الفريقان عن غير هزيمة ، وقفل المسلمون فمروا على طريقهم بقرية بها حصن كانوا في ذهابهم قتلوا من المسلمين رجلا ، فحاصروهم حتى فتح الله عليهم عنوة ، وقتل خالد بن الوليد مقاتلهم ، فسمي ذلك المكان نقيع الدم إلى اليوم " فتح الباري 7/586، 587 .(1/107)
· ذكر الشيخ العبيكان -وفقه الله- أن المتغلب تجب طاعته ولا يجوز الخروج عليه وعد من ذلك الحكومة التي نصبتها أمريكا في العراق ولم يستتب لها الأمر بعد . المناقشة: يجاب عن هذا بأننا وإن كنا نتفق على أن المتغلب المسلم تجب طاعته إلا أننا لا نسلم أن الواقع في العراق من هذا القبيل ، فالحكومة المدعاة في العراق الآن قد نصبها العدو المحتل ، وتستمد قوتها من قوته، ولم تتغلب على البلاد بعد ، ولم تنتخب ، ولم ينصبها أهل العراق ، ولم يذعنوا لها فكيف يقال بوجوب الطاعة لها ، وهل كلما احتل عدو بلاد المسلمين وفوجئ بشدة المقاومة وضع له من أعوانه من يتولى بالوكالة عنه قضاء مصالحه ، قلنا : يجب على المسلمين حينئذ التسليم له بالطاعة وترك المقاومة ؟!. إن هذه خدمة جليلة لم تخطر على بال العدو ، كيف وهي تصدر ممن يحسب من المشايخ وأهل العلم ، وهذا يذكرنا بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما قدم التتار إلى الشام :" وهكذا لما قدم هذا العدو كان من المنافقين من قال : ما بقيت الدولة الإسلامية تقوم ، فينبغي الدخول في دولة التتار ، وقال بعض الخاصة : مابقيت أرض الشام تسكن ، بل ننتقل عنها إما إلى الحجاز واليمن ، وإما إلى مصر ، وقال بعضهم : بل المصلحة الاستسلام لهؤلاء كما قد استسلم لهم أهل العراق ، والدخول تحت حكمهم " مجموع فتاوى ابن تيمية 28/450 ،451 ، وذكر أن هذه المقولات قيلت في معركة الخندق .(1/108)
والغريب أن الشيخ بدأ كلامه في هذه المسألة في وقت ولاية بريمر على العراق في أثناء التحضير للحكومة الحالية ، فهل نفهم من هذا أن الشيخ يقر في ذلك الوقت بحكومة الكافر المحتل ويوجب الإذعان لها، ولا أعلم شبها لهذا إلا حال القاديانية في قولهم بإبطال الجهاد ضد الانجليز إبان احتلالهم للهند ، قال الألباني في تعليقه على قول الطحاوي : " ونرى طاعتهم (أي طاعة الأئمة وولاة الأمور ) من طاعة الله عز وجل فريضة .." : " قلت : ومن الواضح أن ذلك خاص بالمسلمين منهم لقوله تعالى :" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " وأما الكفار المستعمرون فلا طاعة لهم بل يجب الاستعداد التام مادة ومعنى لطردهم وتطهير البلاد من رجسهم ، وأما تأويل قوله تعالى : " منكم " أي : فيكم فبدعة قاديانية ودسيسة انجليزية ليضلوا المسلمين ويحملوهم على الطاعة للكفار المستعمرين ، طهر الله بلاد المسلمين منهم أجمعين " تعليق الألباني على العقيدة الطحاوية ص 48 .
· استدل الشيخ -وفقه الله- بقصة يوسف عليه السلام حينما قال للملك : اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " إذ تولى الولاية من فرعون مصر وهو كافر ، فيدل على أن الكافر إذا قام بتولية المسلم فإن ولايته صحيحة ، وشرع من قبلنا شرع لنا مالم يرد في شرعنا ناسخ له . المناقشة :(1/109)
ينبغي أن يعلم أنه قد اختلف أهل العلم في صحة تولي الولاية من الكافر : فمنهم من منعه ، لما في ذلك من تولي الظالمين بالمعونة لهم ، وأجاب عن تولي يوسف عليه السلام من الملك بأن الملك كان صالحا ولم يكن كافرا كفرعون موسى ، وعلى افتراض كونه كافرا فإن يوسف قد تولى النظر في أملاكه دون أعماله فزالت عنه التبعة فيه . قال الماوردي : "واختلف لأجل ذلك في جواز الولاية من قبل الظالم ، فذهب قوم إلى جوازها إذا عمل بالحق فيما يتولاه ، لأن يوسف عليه السلام تولى من قبل فرعون ليكون بعدله دافعا لجوره . وذهبت طائفة أخرى إلى حظرها والمنع من التعرض لها ، لمافيها من تولي الظالمين والمعونة لهم وتزكيتهم بتقلد أمرهم ,و أجابوا عن ولاية يوسف عليه السلام من قبل فرعون بجوابين : أحدهما : أن فرعون يوسف كان صالحا وإنما الطاغي فرعون موسى .
والثاني : أنه نظر في أملاكه دون أعماله . " الأحكام السلطانية ص (145).(1/110)
وهناك من أهل العلم من أجاز تولي الولاية من الكافر ولكنهم اشترطوا لهذا : أن يكون مصلحا على وفق الشرع ولا يعارضه الكافر في عمله ، أما إذا كان الكافر يتدخل في عمله ويوجهه إلى مايخدم مصالحه وشهواته فلا يجوز تولي هذه الولاية لما فيه من الضرر ، واستدلوا بقصة يوسف عليه السلام ، فقد تولى هذه الولاية للإصلاح ومكنه الملك من الحكم بشريعة الله دون أن يعترض عليه أحد ، ولذلك قال الله تعالى : " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء " . قال القرطبي في تفسيره عند آية " قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " : " قال بعض أهل العلم : في هذه الآية ما يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر ، والسلطان الكافر بشرط أن يعلم أنه يفوض إليه في فعل لا يعارضه فيه ، فيصلح منه ماشاء ، وأما إذا كان عمله بحسب اختيار الفاجر وشهواته وفجوره فلا يجوز ذلك ، وقال قوم : إن هذا كان ليوسف خاصة ، وهذا اليوم غير جائز ، والأول أولى إذا كان على الشرط الذي ذكرناه ، والله أعلم " تفسير القرطبي 9/ 215 ، [وينظر للاستزادة : الهداية مع فتح القدير 7/263، 264 ،تبيين الحقائق 4/177 ، شرح أدب القاضي للصدر الشهيد 1/131 ].(1/111)
فكيف يطلق الشيخ العبيكان -وفقه الله- القول بالجواز دون النص على هذا الشرط الذي يعلم يقينا عدم تحققه ، وهو يرى من هؤلاء المولين التنازل عن تحكيم الشريعة وإظهار العداوة على أهل السنة وتأليب الكفار على قتلهم واستئصالهم . ثم يجب التنبه إلى فارق جوهري في المسألة يجعل الاستدلال في غير موضعه وهو أن حال يوسف عليه السلام مع الملك لم تكن حال قتال وحرب ، فقد كان يوسف في غير بلده ولم يعتد عليه الملك بسلب أرضه وقتل أهله ، فهو ليس كافرا حربيا بل يحكم في أرضه التي استتب له الحكم فيها ، ولهذا نجد أن من استدل من أهل العلم بولاية يوسف عليه السلام ، إنما يستدل بها على جواز تولي المسلم ولاية في بلاد الكفر ينتفع بها المسلمون بشرط أن يقوم المسلم بالعدل ولا يخالف شريعة الله في ولايته، فمثال قصة يوسف في واقعنا أن تولى بريطانيا مثلاً مسلمًا ولاية لديها وتعطيه صلاحيات مطلقة.
فأين هذا من واقع العراق الذي جاء الكافر إليه محاربا ، فاجتاح البلاد وعاث في الأرض الفساد ، فقتل المسلمين وشردهم من دورهم ومدنهم ، وسفك الدماء وأتلف الأموال والممتلكات ، ودنس المساجد والمقدسات ، وانتهك الحرمات والأعراض ، وعذب المسلمين والمسلمات ، ومايزال مستمرا في هذا الإفساد والإجرام ، وتآمر معه في هذا عدد من أصحاب المذاهب المنحرفة ، فأعانوه على المسلمين الذين يدافعون عن أنفسهم وأهليهم وممتلكاتهم ،ومع ذلك لم يستتب له الأمر بعد فما زالت الحرب قائمة ، وهو في قتال مع المسلمين ، ولهذا لم يلجأ المحتل إلى هؤلاء الأعوان إلا عندما واجه هؤلاء الذين يقومون بجهاد الدفع عن دينهم وبلادهم ، فأراد أن يجعل هؤلاء في الواجهة لكي يدفع عن جنده القتل ، ومن أجل ضرب البلاد بعضها ببعض .(1/112)
إن هذا الاستدلال يلغى معنى الاحتلال والاستعمار فيستطيع أي محتل أن يضع بعض عملائه في الواجهة ويأمر الشعب بالسمع والطاعة لهم ويبقى احتلاله للبلد محفوظًا مصانًا بمثل هذه الفتوى، وهل سنقول نفس المقولة لو أن شارون أمر بعض العملاء بتكوين حكومة فلسطينية فهل سنأمر الفلسطينيين بالسمع والطاعة لها في المنشط والمكره وعلى أثرة عليهم؟! · ذكر الشيخ العبيكان -وفقه الله- أن الجهاد لا يكون إلا مع راية حتى في جهاد الدفع ، وأن هذا من الثوابت .
المناقشة : هذا الكلام حق عند إمكانه ، ولكن ينبغي أن يعلم أن جهاد الدفع يدخل في أحكام الضرورات ، ومن المعلوم أن الضرورات تبيح المحظورات ، وأن الضرورة تقدر بقدرها ، فإذا لم يمكن للمسلمين المدافعين عن أنفسهم وبلادهم أن تكون لهم قيادة عامة يرجعون إليها ،وراية يقاتلون تحتها فإنهم يصطلحون على قيادة خاصة يقاتلون تحتها مع حرصهم على أن تكون نيتهم إعزاز دين الله والدفاع عن أنفسهم وبلادهم وأموالهم إلى أن يزول حكم الضرورة ، ويكفوا بأس الذين كفروا ، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم عندما اصطلحوا على قيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه في معركة مؤتة ، قال ابن حجر في تولي خالد أمر الجيش في معركة مؤتة :"..وفيه جواز التأمر في الحرب بغير تأمير ، قال الطحاوي : هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر ". فتح الباري 7/586 .(1/113)
وقد نص الفقهاء رحمهم الله تعالى على أنه في حال الضرورة عند عدم وجود الإمام فعلى أهل الحل والعقد من المسلمين أن ينصبوا عليهم من يتولى أمورهم ويقوم بشؤونهم ، ويقضي بينهم ممن يرونه أهلا لذلك ، قال ابن عابدين :" البلاد التي ليست تحت حكم سلطان بل لهم أمير منهم مستقل بالحكم عليهم بالتغلب ، أو باتفاقهم عليه يكون ذلك الأمير في حكم السلطان فيصح منه تولية القاضي عليهم " رد المحتار 5/ 369 ، [ وينظر للاستزادة : الفواكه الدواني 2/298 ، تبصرة الحكام 1/23 ، تحفة المحتاج 10/105 ، فتاوى ابن حجر الهيتمي 4/297، 298، 326 ، الأحكام السلطانية لأبي يعلى 73 ].
أما القول بأن جهاد الدفع لا يصح إلا بوجود قيادة عامة يرجعون إليها ، وراية ينضوون تحتها ، ولو مع تعذر وجود ذلك ،وأنه في حال تعذر وجود هذه القيادة والراية فعلى المسلمين أن يدعو القتال ، فهذا قول ينشأ عنه مفسدة كبيرة ، وهي تمكين العدو من أراضي المسلمين وإعلان الاستسلام التام ، وما أشبه هذا بقول الرافضة : إنه لاجهاد إلا مع المعصوم ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قصة طريفة لبعض شيوخ الرافضة، قال شيخ الإسلام : " قيل لبعض شيوخ الرافضة : إذا جاء الكفار إلى بلادنا فقتلوا النفوس وسبوا الحريم وأخذوا الأموال هل نقاتلهم ؟ فقال : لا ، المذهب أنا لانغزوا إلا مع المعصوم . فقال ذلك المستفتي مع عاميته : والله إن هذا لمذهب نجس ، فإن هذا المذهب يفضي إلى فساد الدين والدنيا " منهاج السنة النبوية 6/118 .(1/114)
وأما موضوع وصف القتال هناك بأنه من جهاد الدفع فهذا ما يفتي به علماء الأمة الإسلامية وصدرت فيه فتاوى سابقة على البيان من أهل العلم المعتبرين من داخل البلاد وخارجها ، وهو يتوافق مع رأي علماء المسلمين في العراق الذي سبقت الإشارة إليه أول هذه المناقشة وهم أدرى بأحوالهم ، بل هو أيضا لا يتعارض مع رأي الهيئة الشرعية الرسمية في المملكة ، فقد سئل المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ عن الجهاد في العراق فأجاب بقوله : " أما هم في أنفسهم (أهل العراق ) فلا شك أن عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم وأنهم ابتلوا في نفوسهم وفي أموالهم وبلادهم ، فلا شك أنهم مدافعون ، ونرجو لهم التوفيق ، أما غيرهم فعليه أن يبدأ بسؤال الله والدعاء لهم وهم بأمس الحاجة إلى دعاء الله لهم " . ونشر هذا في جريدة الوطن الصادرة في 29/2/1425هـ العدد (1298) .
ثم إن حق مقاومة الشعوب للمحتل تعترف به حتى الأنظمة الأرضية الوضعية عند غير المسلمين . وهذا لايفهم منه تزكية ماقد تقع فيه المقاومة من أخطاء ، بل البيان صريح في التحذير من هذه الأخطاء وإنكارها وتوجيه نظر المسلمين هناك إلى الحرص على سلامة المقاصد والأفعال . فالخلاصة أن البيان تناول المسائل العامة البارزة المعلومة لكل مسلم نصرة وتأييدا وتوجيها لنظر المسلمين لكي يهتموا بقضية إخوانهم في العراق ، لأنها لم تعد شأنا داخليا لأهل العراق وحدهم بل أصبحت قضية إسلامية كثر من يخوض فيها بحق وبباطل ومن حق إخواننا في العراق أن ننصرهم ببيان الحق ولو باللسان ، كما ننصر إخواننا المسلمين في فلسطين مثلا ، وأن نستثمر وسائل الإعلام الحديثة في هذا الجانب ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " رواه أحمد وأبو داود والنسائي .(1/115)
وأذكر الشيخ أخيرا بقول ابن حزم رحمه الله: " ولا إثم بعد الكفر من إثم من نهى عن جهاد الكفار وأمر بإسلام حريم المسلمين إليهم". المحلى 7/478. وأسأل الله تعالى أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، كما أسأله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، وأن يصلح أحوال أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كل مكان إنه خير مسؤول .وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .) ( موقع الاسلام اليوم ) .
فتوى صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور
سعد بن عبدالله الحمّيد - حفظه الله -
عضو هيئة التدريس بجامعة المللك سعود الاسلامية
هناك من يقول إن هذه الأحداث التي تجري من قتل وتقتيل وإبادة ؛ أن المجاهدين في الفلوجة هم السبب في ذلك ؛ فلو أنهم تركوا السلاح ، لخرجت هذه الدولة المعتدية من بلادهم لأنها تريد السكينة والهدوء في بلدهم ويستدلون في ذلك بأنها هي التي نصبت لهم حاكم يرى البعض أنه حاكم شرعي يجب طاعته ؟ فأجاب الشيخ سعد : ( من الذي يضمن أنها ستخرج ، وإذا خرجت ألن يكون البديل هو ممثل لها لا غير ، هذا هو الواقع ؛ فالذي يقول هذا الكلام أنا أرى أنه يحتاج إلى شيء من السياسة الشرعية والفقه الشرعي بالإضافة إلى فقه الواقع لا بد أن يكون عنده دراية بهؤلاء الأعداء وماذا يريدون ؟ فهم ما أجلبوا بخيلهم ورجلهم وقطعوا هذه المسافات ونقلوا هذه الأدوات والمعدات والجنود إلى غير ذلك وهم يريدون أن يغادروا هكذا بجرة قلم ؛ هذا مستحيل ، فالذين يُقاومون في العراق إنما يُقامون لأجل أنهم أدركوا ما يريده العدو ببلادهم .(1/116)
فالمشكلة اليوم أن هناك انتكاس في المفاهيم ؛ المجرم هو الذي يصبح ولي أمر وهو الذي تكون له الكلمة ، والذي يرفض أن يؤخذ ماله وأن ينتهك عرضه وأن تسبى بلده هذا يوصف بأنه إرهابي ، فعجيب يعني أن يلصق على المجرم الصفة الشرعية والمسكين الذي أوخذ حقه يقال عنه إرهابي أنا لا أدري أي عقل يقبل بمثل هذا .
فتوى فضيلة الشيخ الدكتور
حاكم بن عبيسان المطيري - حفظه الله -
المدرس بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت
السؤال : هناك من يقول بأنه لا جهاد إلا بوجود إمام وراية وأن ما سوى ذلك فهو قتال فتنة لا يعد من قتل فيه شهيدا ، وأنه يحرم قتال العدو إذا احتل أرضا للمسلمين إذا لم يكن للمسلمين به طاقة ، فما رأيكم في صحة هذا القوال وفق أصول الشريعة وأقوال فقهائها ؟
اجاب الشيخ حاكم : ( الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيه الأمين وآله وصحبه أجمعين وبعد : هذا القول لا أصل له بإجماع الأئمة وسلف الأمة بل هو قول ظاهر البطلان مصادم للنصوص القطعية والأصول الشرعية والقواعد الفقهية ومن ذلك :(1/117)
1) أن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تأمر بالجهاد في سبيل الله ليس فيها اشتراط شيء من ذلك بل هي عامة مطلقة والخطاب فيها لعموم أهل الإيمان والإسلام كما في قوله تعالى :( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ) وقوله ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون )2 وكما في قوله صلى الله عليه وسلم ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم )3 قال ابن حزم في المحلى 7 / 351 ( قال تعالى " وقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك " وهذا خطاب متوجه إلى كل مسلم فكل أحد مأمور بالجهاد وإن لم يكن معه أحد ) انتهى كلامه رحمه الله . وقال ابن قدامة في المغني 10 / 364 : ( الجهاد فرض على الكفاية .... الخطاب في ابتدائه يتناول الجميع كفرض الأعيان ثم يختلفان أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره ) .
وقال العلامة عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب : ( ولا ريب أن فرض الجهاد باق إلى يوم القيامة والمخاطب به المؤمنون فإذا كانت هناك طائفة مجتمعة لها منعة وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه لا يسقط عنها فرضه بحال ولا عن جميع الطوائف ) الدرر السنية 7 / 98 .
2) انعقاد إجماع الأمة على أن الجهاد فرض كفاية المخاطب به أصلا الجميع حتى يقوم به من فيه كفاية وقدرة فيسقط الوجوب حينئذ عن الباقين مالم يصبح فرض عين كما قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري عن الجهاد في تفسيره 4/ 269 ط دار الكتب العلمية : ( هو على كل واحد حتى يقوم به من في قيامه كفاية فيسقط فرض ذلك حينئذ عن باقي المسلمين ..... وعلى هذا عامة العلماء المسلمين ) انتهى .(1/118)
وقال ابن عطية في تفسيره : ( الذي استقر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين ) تفسير القرطبي 3 / 38 .
3) أن الجهاد نوعان: جهاد الفتح وهو طلب العدو في أرضه فهذا النوع لا يشترط لصحته وجود الإمام بل إذا كان الإمام قائما بالجهاد فإنه لا يسوغ الافتئات عليه والتقدم إليه إلا عن إذن الإمام ورأيه إذ الأمر موكول إليه فاستئذانه واجب لا شرط صحة فيأثم من جاهد دون إذنه ، وجهاده صحيح ، فإن لم يكن هناك إمام أو فقد أو قتل فإن هذا الجهاد لا يتعطل ، قال ابن قدامة في المغني 10 / 375 : ( فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره وإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب أحكام الشرع ). فلو كان وجوده شرطا لصحة الجهاد لوجب تعطيل الجهاد وتأخيره حتى يوجد الإمام ، ولما ساغ المضي فيه بدعوى المصلحة ، ولما حلت الغنيمة .
وكذا إذا كان الإمام موجودا إلا أنه تعذر على أهل الجهاد استئذانه فإن لهم أن يمضوا دون إذن الإمام مراعاة للحاجة ، قال ابن قدامة في المغني 10 / 390 : ( لا يخرجون إلا بإذن الأمير لأن أمر الحرب موكول إليه إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجأة عدوهم لهم فلا يجب استئذانه لأن المصلحة تتعين في قتالهم والخروج إليهم لتعين الفساد في تركهم ) انتهى . فلو كان وجود الإمام وإذنه شرطا لصحة جهاد الطلب لما صح الجهاد في حال عدم وجوده ، ولما صح مع وجوده دون إذنه عند الحاجة ، إذ الشرط ما يلزم من عدمه العدم ، وهنا لم يبطل الفقهاء جهاد الطلب في هاتين الحالتين، فدل ذلك على أن وجوده ليس شرطا لصحة هذا النوع من الجهاد ، بل المراعى في الحالتين تحقق المصلحة ودفع المفسدة كما علل بذلك ابن قدامة.(1/119)
أما النوع الثاني: وهو جهاد الدفع عن أرض المسلمين فالأمر فيه أوضح وأجلى إذ لا يشترط له أي شرط إطلاقا بل على كل أحد الدفع بما استطاع فلا يستأذن الولد والده ولا الزوجة زوجها ولا الغريم غريمه ، وكل هؤلاء أحق بالإذن والطاعة من الإمام ، ومع ذلك سقط حقهم في هذه الحال إذ الجهاد فرض عين على الجميع فلا يشترط له إذن إمام فضلا عن وجوده ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى المصرية 4 / 508 : ( أما قتال الدفع عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان ) وقال أيضا : ( وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام بمنزلة البلدة الواحدة وأنه يجب النفير إليها بلا إذن والد ولا غريم ) ، وقال ابن حزم في المحلى 7 / 292 : ( إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم ) ، وقال الجصاص في أحكامه 4 / 312 : ( معلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومة فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين وهذا لا خلاف فيه بين الأمة ) ، وقال الخطيب الشربيني الشافعي في الإقناع 2 / 510 ( الحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم ويكون الجهاد حينئذ فرض عين).
وهذا هو معنى كونه فرض عين فلو كان يشترط له شروط صحة كوجود إمام أو إذنه لما كان فرض عين في حال هجوم العدو على المسلمين وهو ما لم يقل به أحد من علماء الأمة ولذا قال الماوردي : ( فرض الجهاد على الكفاية يتولاه الإمام ما لم يتعين ) .(1/120)
4) أن كتب الفقهاء قد نصت في كتاب الجهاد على شروط وجوبه وعلى من يجب ومتى يتعين وليس فيها نص على اشتراط وجود الإمام أو وجود الراية ، ، وقد ثبت في الحديث الصحيح ( ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل )4
و قد قال العلامة عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في بيان بطلان هذا الشرط
:( بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع ؟ هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر من ذلك عموم الأمر بالجهاد والترغيب فيه والوعيد في تركه )الدرر السنية 7 / 97.
وقال صديق حسن خان في الروضة الندية (333) عن الجهاد : ( هذه فريضة من فرائض الدين أوجبها الله على عباده من المسلمين من غير تقيد بزمان أو مكان أو شخص أو عدل أو جور ) .
فالجهاد ماض إلى قيام الساعة سواء وجد إمام أو لم يوجد وسواء وجدت هناك راية أو لم توجد .
وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم كما في الزاد 3 / 309 وعبدالرحمن بن حسن وغيرهم من الأئمة بقصة أبي بصير وجهاده المشركين بمن معه من المؤمنين وقطعهم الطريق عليهم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه ( ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال ) ولم يكن أبو بصير تحت ولاية النبي صلى الله عليه وسلم ولا في دار الإسلام ولم يكن إماما ولم تكن معه راية بل كان يغير على المشركين ويقاتلهم ويغنم منهم واستقل بحربهم ومع ذلك أقره النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه ، قال عبدالرحمن بن حسن كما في الدرر السنية 7 / 97 مستدلا بهذه القصة : ( فهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأتم في قتال قريش لأنكم لستم مع إمام سبحان الله ما أعظم مضرة الجهل على أهله ؟ !) انتهى .(1/121)
5) أن إقامة الإمام حكم واجب كوجوب إقامة الجهاد فيجب على المجاهدين أن يقيموا إماما منهم إن لم يكن هناك إمام عام ، وليس وجود الإمام شرطا في وجود الجهاد، بل العكس هو الصحيح إذ إقامة الجهاد شرط لصحة إمامة الإمام ، فلا إمام بلا جهاد ،لا أنه لا جهاد بلا إمام ، كما قال العلامة عبدالرحمن بن حسن : ( كل من قام بالجهاد في سبيل الله فقد أطاع الله وأدى ما فرضه الله ولا يكون الإمام إماما إلا بالجهاد لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام ) الدرر السنية 7 / 97
ومعلوم أن أول واجبات الإمام حماية البيضة وإقامة الدين فإن كان عاجزا عن الجهاد وحماية الأمة والملة فقد خرج عن أن يكون إماما بل صار وجوده وعدمه سواء ، فإن حال بين المسلمين والدفع عن أنفسهم وأرضهم وحرماتهم كان عدمه خيرا من وجوده وبطلت إمامته شرعا، إذ لم يتحقق المقصود من إقامته وقد جاء في الصحيح : ( إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به) فيجب إقامة الإمام ليكون جنة ووقاية يحمي الأمة ويحفظها وتقاتل الأمة من ورائه ، فإن صار جنة للعدو لم يكن قطعا إماما للمسلمين في حكم الشارع ، وإن كان إماما بحكم الأمر الواقع ، قال الشوكاني في وبل الغمام : ( ملاك أمر الإمامة وأعظم شروطها وأجل أركانها أن يكون قادرا على تأمين السبل وإنصاف المظلومين من الظالمين ومتمكنا من الدفع عن المسلمين إذا دهمهم أمر يخافونه كجيش كافر أو باغ فإذا كان السلطان بهذه المثابة فهو السلطان الذي أوجب الله طاعته وحرم مخالفته بل هذا الأمر هو الذي شرع الله له نصب الأئمة وجعل ذلك من أعظم مهمات الدين ) إكليل الكرامة لصديق خان 114 ـــ 115 .(1/122)
6) أن الجهاد يطلق على كل قتال بين المسلمين وعدوهم سواء كان هذا القتال في جهاد فتح أو جهاد دفع كما قال عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ : ( كل من قام إزاء العدو وعاده واجتهد في دفعه فقد جاهد ولا بد وكل طائفة تصادم عدو الله فلا بد أن يكون لها أئمة ترجع إلى أقوالهم وتدبيرهم وأحق الناس بالإمامة من أقام الدين الأمثل فالأمثل فإن تابعه الناس أدوا الواجب وإن لم يتابعوه أثموا إثما كبيرا بخذلانهم الإسلام وأما القائم به كلما قلت أعوانه وأنصاره صار أعظم لأجره كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع ) الدرر السنية 7/ 98
والمقصود أن حقيقة الجهاد بذل الوسع في مناوأة أعداء الله وأعداء أوليائه ، والقتال هو أشرف أنواعه ، فكل من قاتل العدو طلبا أو دفعا فهو مجاهد ، وقتاله جهاد ، وكل من مات في هذا القتال فهو شهيد له أحكام الشهداء في الدنيا سواء كان رجلا أو امرأة كبيرا أو صغيرا سنيا أو بدعيا صالحا أو فاسقا ، كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 3 / 309 في باب (الصلاة على الشهيد ) : ( قال الزين بن المنير : والمراد بالشهيد قتيل المعركة ــ أي من المسلمين ــ في حرب الكفار . قال الحافظ : ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا صالحا أو غير صالح ) انتهى .(1/123)
فلا خلاف بين العلماء على أن كل مسلم يقتل في المعركة مع الكفار شهيد في أحكام الدنيا، ولذا اختلفوا في هل يصلى عليه أم لا ؟ وهل يغسل أم لا ؟ وأكثر الفقهاء على أنه لا يغسل ولا يصلى عليه ولم يختلفوا في كونه شهيدا إذ سبب خلافهم في غسله والصلاة عليه هو اتفاقهم على كونه شهيدا له خصوصية ليست لغيره من موتى المسلمين كما ثبت في السنة ، ولا يقتضي ذلك القطع له بالجنة والشهادة له بها ، إذ لا يعلم ذلك إلا الله كما قال الحافظ في الفتح 6 / 90 في باب (لا يقال فلان شهيد) : ( أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي .... وإن كان مع ذلك يعطى أحكام الشهداء في الأحكام الظاهرة ولذلك أطبق السلف على تسمية المقتولين ببدر وأحد وغيرهما شهداء والمراد بذلك الحكم الظاهر المبني على الظن الغالب ) انتهى .
وإنما قتال الفتنة هو القتال الذي يقع بين المسلمين لعصبية جاهلية أو قتال على ملك وسلطان ونحو ذلك فهذا هو قتال الفتنة الذي يحرم الدخول فيه ، بل يجب فيه السعي في إصلاح ذات بينهم فإن فاءت إحدى الطائفتين وجب قتال من لم تفيء حتى تفيء إلى أمر الله .
أما قتال العدو الكافر إذا دهم أرض المسلمين فليس قتاله قتال فتنة ولم يقل هذا القول أحد من علماء سلف الأمة ، بل الفتنة هي في تركه وعدم مدافعته ، بل ليس بعد الشرك بالله أعظم من الصد عن قتاله كما قال ابن حزم في المحلى 7 / 300 : ( ولا إثم بعد الكفر أعظم من إثم من نهى عن جهاد الكفار وأمر بإسلام حريم المسلمين إليهم ) كما لا شيء أوجب بعد الإيمان بالله من دفع العدو عن أرض الإسلام كما قال شيخ الإسلام .(1/124)
7) أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق أنه قال ( من قاتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قاتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قاتل دون أهله فهو شهيد ) ومعلوم أن هذا الحديث عام في كل أحد بل هو في حق الأفراد بلا خلاف ، وأن للمسلم أن يدفع عن ماله وعرضه ودينه ولو كان وحده ولو كان الصائل عليه مسلم مثله فإن مات فهو شهيد ، فمن اشترط وجود الإمام أو إذنه فقد أبطل دلالة هذه الأحاديث ، بل ثبت في صحيح مسلم أن عبدالله بن عمرو استدل بهذا الحديث على جواز أن يدفع المسلم عن ماله ونفسه وعرضه حتى لو كان الصائل عليه هو الإمام نفسه ، وقد استعد عبدالله لقتال السلطان لما أراد أخذ أرضه منه واستدل بهذا الحديث .
فإذا كان لا يشترط في مثل هذا القتال إذن إمام ولا وجود راية فكيف بدفع العدو الكافر عن النفس والدين والأرض والمال والعرض ؟ فهو أحق بهذا الحكم بقياس الأولى بل شك .
8) أن حديث الطائفة المنصورة الوارد في الصحيح ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم )7 وفي رواية ( يقاتلون ) المراد به المجاهدون وقد سئل الإمام أحمد كما في مسائل ابن هانئ 2 / 192 عن هذه الطائفة المنصورة فقال : ( هم الذين يقاتلون الروم كل من قاتل المشركين فهو على الحق ) ومعلوم أن الطائفة بعض الأمة وليست كل الأمة ، وظهورهم وجهادهم دون الأمة ودون الإمام ، إذ لو كان الإمام معهم لكانت الأمة معهم تبعا للإمام ، ولما كان حينئذ لهذه الطائفة خصوصية دون الأمة ، فدل الحديث بدلالة الإشارة على مشروعية جهاد الطائفة من المسلمين للمشركين ، ولو خذلتهم الأمة كلها ، ولو لم ينصرهم الإمام، ولو كان يشترط لصحة الجهاد وجود الإمام أو إذنه لما جاز قتال هذه الطائفة المنصورة ولما خصها الله بهذا الفضل العظيم دون سائر الأمة(1/125)
9) أن الإجماع العملي مؤكد للإجماع القولي إذ ما زال المسلمون في كل عصر ومصر إذا دهمهم العدو تصدوا له ودافعوه ولو من دون وجود إمام ، كما حصل بعد سقوط العالم الإسلامي تحت الاستعمار الغربي وبعد أن سقطت الخلافة ، فقام العلماء والمجاهدون في كل مكان يدافعون عن أرضهم وحرماتهم كما في الجزائر وليبيا ومصر والشام والعراق والهند وغيرها من بلدان المسلمين ، وقد أطبق العلماء على مشروعية جهاد من جاهد منهم ووجوب نصرته ، مع أنه لم يكن هناك إمام عام للمسلمين ولا إمام خاص في تلك الأقاليم ، ولم تكن القوى متكافئة بل كانت حرب عصابات ــ كما كان حال أبي بصير وأصحابه رضي الله عنهم ــ حتى تحررت أوطانهم وخرج الاستعمار الغربي، وكذا كان حال الجهاد الأفغاني إبان الغزو الروسي الذي أطبق العلماء على مشروعيته ووجوب نصرته ، ولم يمنع من ذلك وقوف الحكومة الأفغانية آنذاك مع الروس ، ولا عدم وجود قيادة موحدة للمجاهدين .
فمن اشترط وجود إمام أو راية لصحة الجهاد فقد أبطل جهاد كل من جاهد الاستعمار الأجنبي من علماء المسلمين وزعمائهم وملايين الشهداء الذين قاتلوا العدو عن أرضهم ونسائهم وأطفالهم .(1/126)
10) أن الجهاد عبادة وفريضة معقولة المعنى ، وليست حكما تعبديا محضا غير معقول معناه، فالغاية من مشروعيته حماية البيضة ، وإظهار الدين ، ودفع العدو ، وإرهابه قبل هجومه ، أو إخراجه بعد هجومه ، فكل وسيلة أو طريقة يمكن بها دفعه فهي مشروعة سواء كانت مقاومة سلمية أو مسلحة ، وسواء كانت مقاومة ظاهرة أو سرية ، وسواء كانت المقاومة تحت سلطة واحدة وراية واحدة أو دونها ، إذ نصوص الفقهاء لا تشترط أي شرط خاصة في جهاد الدفع كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، بل على كل قادر من رجل وامرأة وكبير وصغير وغني وفقير الدفع بما استطاع حتى ولو بالحجر كما نص عليه الفقهاء كما في حاشية البيجوري الشافعي 2 / 491 : في جهاد الدفع ( أن يدخل الكفار بلدة من بلاد المسلمين أو ينزل قريبا منها فالجهاد حينئذ فرض عين عليهم فيلزم أهل ذلك البلد حتى الصبيان والنساء والعبيد والمدين ولو بلا إذن من الأولياء والأزواج والسادة ورب المال الدفع للكفار بما يمكن منهم ولو بضرب بأحجار ونحوها ) انتهى.(1/127)
ولا يشترط كذلك تأهيل لقتال أو توفر إمكانات أو ظن تحقيق نصر كما قال الخطيب الشربيني الشافعي في الإقناع 2 / 510 : ( الحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم ويكون الجهاد حينئذ فرض عين سواء أمكن تأهيلهم لقتال أم لم يمكن ومن هو دون مسافة القصر من البلدة التي دخلها الكفار حكمه كأهلها وإن كان في أهلها كفاية لأنه كالحاضر معهم فيجب على كل من ذكر حتى على فقير وولد ومدين ورقيق بلا إذن ويلزم الذين على مسافة القصر المضي إليهم عند الحاجة بقدر الكفاية دفعا لهم فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد ) انتهى . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى المصرية 4 / 509 : ( وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به لكن يخافون إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين فهنا صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا ، ونظيره أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الانصراف فيه بحال ) انتهى . وهذا كله محل اتفاق بين الأئمة وعلماء الأمة. فلا يلتفت في جهاد الدفع إلى طاقة المسلمين ولا إلى إمكانياتهم ولا إلى ترجح تحقق النصر بل عليهم بذل مهجهم في الدفع عن حرماتهم حتى مع تيقن هلاكهم كما قال الإمام الشافعي في الأم 4 / 178 : ( ولا أرى ضيقا على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسرا أو يبادر الرجل وإن كان الأغلب أنه مقتول ) وهذا في جهاد الطلب فمن باب أولى جهاد الدفع .(1/128)
هذا ولا يشترط في صحة جهاد الدفع أن يكون من أجل إعلاء كلمة الله ، نعم أشرف أنواع الجهاد وأعظمه من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ، وأوضح ما يكون ذلك في جهاد الطلب والفتح ، ولا ينافي ذلك مشروعية جهاد الدفع وأن من قتل فيه دون ماله وعرضه ونفسه شهيد أيضا كما ثبت في الصحيح . ، فهو مشروع للدفع عن الأرض والعرض والنفس والمال والدين ، بشكل فردي أو جماعي ، ويكون أيضا بتعاون المسلمين على اختلاف طوائفهم أو مع غير المسلمين كأهل الذمة للدفع عن وطنهم جميعا، وكذا تسوغ الاستعانة بغير المسلمين من الشعوب والدول الأخرى لدفع العدو الكافر عن المسلمين وأرضهم وحرماتهم، وقد عاهد النبي صلى الله عليه وسلم يهود في المدينة على الدفع عنها إذا دهمها عدو ، كما استعان الصحابة رضي الله عنهم بنصارى العرب في الشام والعراق في قتال عدوهم ، وقد قاتل شيخ الإسلام ابن تيمية التتار في الشام بمن خرج معه من أهلها مع شيوع أنواع البدع فيهم آنذاك وخلص أسارى أهل الذمة من اليهود والنصارى من أيدي التتار حين تفاوض معهم ولم يرض بإطلاق أسرى المسلمين فقط حتى أطلقوا أسرى أهل الذمة معهم . والمقصود أنه لا يشترط لصحة جهاد الدفع أي شرط لا وجود إمام ولا وجود راية ولا قصد إعلاء كلمة الله ولا وحدة الصف ولا وجود القوة ولا ترجح النصر ، وهذا لا ينافي وجوب أن يقاتل المجاهدون صفا واحدا تحت قيادة واحدة فإن تعذر ذلك لم يبطل الجهاد ولم يتعطل ، والله تعالى أعلم وأحكم .
فتوى صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن رزق طرهوني - حفظه الله -
أستاذ مادة التفسير وعلوم القرآن في كلية التربية سابقا وفي جامعة المدينة العالمية(1/129)
قال الشيخ الطرهوني حفظه الله في كتابه شرح كتاب الجهاد من صحيح البخاري ص51 : (يا أخوان ؛ الجهادُ باتفاقِ العلماءِ ولا خلافَ فيه بأن جهادَ الدفعِ لا يلزمُ فيه أيُّ شرطٍ وإنما كلٌّ يدفَعُ بقدرِه وقوتِه ما يستطيعُه ، حتى المرأة حتى العبد وحتى الشيخ الكبير وكل من يسقط عنه جهادُ الطلبِ لا يسقط عنه جهادُ الدفع طالما أنه قادرٌ أن يفعلَ ، وليس هناك شيءٌ من الشروطِ في جهادِ الدفع ، ومن أراد مرجعاً في ذلك فعليه بكتاب الجهادِ من مجموعِ الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ، فقد نص على أن جهادَ الدفعِ لا يُشتَرَطُ فيه شرطٌ ، وهذا هو قولُ جميع العلماء لا أعلمُ أحداً يشترطُ شرطاً لجهادِ الدفعِ . والذي يَشترِطُ شرطاً لجهادِ الدفع أظنه لا يعي ما يقول ، لأنه لا يمكنُ أن يُشترَطَ شرطٌ لكي أدفعَ عن نفسي من أرادَ أن يستبيحَ أرضي وديني وعرضي . هذا هُراءٌ ، فالذي يَشترطُ لذلك شرطاً إنما يهذي ، والذين قالوا : لا يقاتِلُ تحت رايةٍ كفريةٍ إنما قالوا يقاتل تحتَ رايةِ نفسه ، فالمهم أنه لا بدَّ أن يقاتِلَ ويدفَعَ . ولا تُعتبَرُ المفسدةُ والهلاكُ في مثلِ حالِ القتالِ مع الأمريكان أو غيرهم ، لأن اعتبارَ المفسدةِ والهلاكِ هنا معناه أننا سنبقى عبيداً وأذلاءَ طوال حياتِنا ، وهذا لا يقولُ به عاقلٌ ، وإنما ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) والله ( يقول : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)) فالذي نستطيعُه هو الذي نُعِدُّه والنصرُ من عند الله والله تعالى يقول ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ ) فنحن ننصرَ الله ( ولسنا ننتصرِ بعملنا وإنما ننتصر بالله ( وبإيماننا به ، وكما قال أبو الدرداءِ وذكرنا ذلك في المحاضرة السابقة ( إنما تقاتلون بأعمالكم ) فلنعملْ عملاً صالحاً ولْنُحاولْ أن نصدقَ(1/130)
مع الله ( ثم بعد ذلك ننتظرُ النصرَ من الله ، هذا هو الذي علينا . وأما المذلةُ وأما الانقيادُ وأما الخنوعُ والخضوعُ فهذا ليس من شِيَمِ المسلمِ وإنما هو دليلٌ على ضعفِ إيمانِه وعدمِ توكله على الله ( .)
وقال في نفس الكتاب ص5 : (كذلك هناك من يقول مثلاً : الذي في العراق ليس بجهاد ، والذي في أفغانستان ليس بجهاد ، فهذا أيضاً خَلْطٌ بين جهادِ الطلبِ وجهادِ الدفعِ .فهذا الذي يقولُ ليس بجهادٍ لم يفهم معنى جهادِ الطلب ولم يفهم معنى جهاد الدفع ؛ لأنه اعتبرَ هذا ليسَ جهاداً عندما نظر إلى الشروطِ التي تكون في جهادِ الطلب ولم يعلم أن جهادَ الدفع ليس له شروطٌ أصلاً ، وإنما هو يجبُ فوراً على المسلمين من غير قيدِ ولا شرط ويسمى جهاداً بلا إشكال بين أهل العلم ، والله تعالى أعلم .) .
وقال الشيخ الطرهوني ايضا ص13 : (ولأجلِ ذلك يجبُ على المسلم في وقتنا الحالي أن لا يَظُنَّ أن هولَ المصائبِ على المجاهدينَ في أفغانستانَ أو المجاهدينَ في العراقِ أو في فلسطينَ إنما هو نصرٌ للكافرينَ ، لا بلْ هو كرامةٌ وشهادةٌ لمن قُتِلَ من المسلمينَ وهو يريدُ وجهَ الله ( كما ذكرنا ، وهي منزلةٌ وشهادةٌ وخيرٌ والحمدُ لله ، لأنه لا نصرَ بغيرِ تضحيةٍ ولا تأييدَ من الله ( من غيرِ ابتلاءٍ وفتنةٍ . هذا أمرٌ هامٌ جداً ، والله تعالى أعلم ) .
لقاء مجلة العصر مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد طرهوني : -
( فضيلة الدكتور محمد طرهوني كلنا نقرأ سورة يوسف ونعجب من أحداث القصة ووقائعها وقد استنبط الشيخ العبيكان من تولية حاكم مصر الكافر يوسف عليه السلام خزائن الأرض صحة ولاية من نصبه الكافر على المسلمين كما هو الحال في العراق، فما رأي فضيلتكم في هذا الاستنباط ؟(1/131)
فقال الشيخ محمد : غفر الله لأخينا الشيخ عبد المحسن العبيكان، فشتان بين الحالين وما أبعد هذا الاستدلال عن الصواب بل لو لم نعرف عين القائل بذلك لقلنا إنه إما جاهل أو مدفوع الأجر، ولكن كما قال كثير من العلماء من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، والشيخ ليس من أهل التفسير وغالب انشغاله بالقضاء الذي يستنفذ وقت القاضي ويشغله، ولعله السبب في عدم ترقي الشيخ في الدرجات العلمية. ومع وضوح الخلل في هذا الاستدلال لابد لنا أن نبين أوجهه حتى لا يغتر به أحد فنقول:الرد على هذه الشبهة من أوجه ثلاثة:
الأول : جميع أهل العلم يعرفون أن هناك مسألة خلافية تسمى مسألة شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا؟ والذي أجمعت عليه الأمة هو أن شرع من قبلنا إذا خالف ما ثبت في شرعنا فهو منسوخ به لا محالة.
وأما إذا لم يخالف فوقع فيه الخلاف والجمهور على أنه ليس شرعا لنا إلا إذا سيق مساق المدح والثناء.قال النووي في المجموع 5/92: شرع من قبلنا للأصوليين من أصحابنا وغيرهم خلاف في الاحتجاج به إذا لم يرد شرعنا بمخالفته، أما إذا ورد بخلافه فلا حجة فيه بالاتفاق.وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج 2/198 : شرع من قبلنا ليس بشرع لنا على الصحيح وإن ورد في شرعنا ما يقرره خلافا لبعض المتأخرين. وذكره الغزالي في المستصفى1/165 في الأصل الأول من الأصول الموهومة التي ليست من الأدلة وهو شرع من قبلنا من الأنبياء فيما لم يصرح شرعنا بنسخه. وذكره ابن قدامة في روضة الناظر 1/160 _ 161 في الأصول الأربعة المختلف فيها، فقال: الأصل الأول شرع من قبلنا إذا لم يصرح شرعنا بنسخه هل هو شرع لنا ... فيه روايتان ثم ذكر سبعة أدلة على القول بأنه ليس بشرع لنا. قال ابن العربي: لا ننكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته منفردان بشريعة وإنما الخلاف فيما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه من شرع من قبلنا في معرض المدح والثناء هل يلزم أتباعه أم لا(1/132)
ومن الأدلة على كون شرع من قبلنا ليس شرعا لنا قوله تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. وقوله: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون. وقد ذكر سبحانه عن بني إسرائيل أنه كان من شروط توبتهم من عبادة العجل أن يقتلوا أنفسهم فقتل بعضهم بعضا وهذا محرم في شريعتنا أشد التحريم. وذكر أيضا أنه تعالى حرم عليهم طيبات أحلت لهم فقال: فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم. وقال: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، والنصوص في ذلك كثيرة. ولماذا نبتعد، فإن سورة يوسف نفسها بها من أحكام بني إسرائيل التي لا تجوز في شريعتنا مواضع ومنها:
حكم يوسف عليه السلام بشريعة بني إسرائيل في استرقاق السارق، حيث استرق أخاه بتهمة السرقة كما قال تعالى: قلوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين.
وأيضا السجود لغير الله حيث كان سائغا في شريعتهم كما قال تعالى: ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا. والبعض يظن جهلا أن قوله تعالى: فبهداهم اقتده، المراد به فروع شرائعهم، والذي لا خلاف فيه أن ذلك خاص بأصول التوحيد ونحوها والانصياع لدين الله إجمالا. قال القرطبي 16/164 : ولا خلاف أن الله تعالى لم يغاير بين الشرائع في التوحيد والمكارم والمصالح وإنما خالف بينها في الفروع حسب علمه سبحانه.(1/133)
ولو سحبنا فقه العبيكان على مسائل أخرى، لقلنا إنه يدعو إلى الخروج على ولي الأمر إقتداء بموسى عليه السلام حيث خرج على ولي أمره فرعون مصر، وكانت مصر قد دانت له فخرج موسى عليه وأنكر عليه علنا وألب الناس ولم يرع تربية فرعون له ورعايته له وإنفاقه عليه. وكذا ما فعله إبراهيم عليه السلام عندما خالف والده واتهمه وقومه بالضلال ثم قام بتغيير المنكر بيده مفتئتا على ولاة أمره وأولهم والده فكسر الأصنام وكان يمكن أن يكتفي بالنصح والتوجيه والدعوة السلمية. وكذا سائر الأنبياء في خروجهم على ولاة الأمر في زمانهم على حد زعم العبيكان. إلى غير ذلك من صور تدل على فساد هذا الفهم.
إذن لا يصلح الاستدلال بتلك القصة لأنها من شرع من قبلنا.
الثاني: لو سلمنا جدلا بأن شرعهم شرع لنا فالبعد بين الدليل والمستدل عليه بعد ما بين المشرقين ومع غض الطرف عن كون يوسف عليه السلام نبي كريم مؤيد من الله، فلا يمكن أن يقارن برجل عادي فضلا عن بعثي خائن، فإن يوسف عليه السلام كان: عبدا، أسيرا، مسجونا، وحيدا، في بلد غير بلده، غير مأمور بقتال، لم يعتد عليه الملك ولم يسلب منه أرضه ويقتل أهله وينتهك عرضه. ثم ولاه الملك لثبوت صلاحه وعلمه وخوله ليحكم بشريعة الله تعالى كيفما شاء دون سلطان من أحد عليه كما قال تعالى: ( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء .... )وأي أمر أعظم من التمكين في الأرض ؟؟ فأقام يوسف العدل وحكم بالقسط ولم يكن ثمة قتال وحرب ولا دماء ولا أشلاء. وأما الحالة المستدل بها، فجيش كافر مستكبر متجبر أهلك الحرث والنسل وتعاون معه الخونة والأفاكون ومتاجرو الأعراض أمر الله سبحانه بقتالهم ودفعهم وحرم الفرار من أمامهم فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.)(1/134)
وقال صلى الله عليه وسلم: من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد... إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة التي امتلأ بها الكتاب والسنة.
فلما رأى هذا الجيش الكافر إباء المسلمين ومناجزة بائعي الأنفس لرب العالمين أتوا بعميل لهم ليكون عصا الردع للمجاهدين الذين يذودون عن حياض الدين وعرض المؤمنين بخطة بلهاء لا تنطلي إلا على السفهاء وساذجي التفكير.
الثالث: أن المسائل الشرعية التي استفاضت فيها الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كثيرة، فكيف يترك هذه النصوص الأصلية في المسألة بعينها، ويذهب الذاهب بعيدا بعيدا بعيدا ليلتقط له شبه شبهة يحاول أن يتعلق بها ليعزز بها قولا شاذا بمعزل عن الصواب، فالنصوص الشرعية في دفع المحتل ومجاهدة الباغي والاعتماد على الله في ذلك فهو المولى وهو النصير والاعتقاد بأن النصر ليس بالعدد والعدة نصوص متواترة لا يختلف عليها أحد من العقلاء فضلا عن العلماء. ولنتخيل شخصا نكلمه في حجاب المرأة المسلمة ووجوب ستر بدنها عن الرجال الأجانب وعدم اختلاطها بهم، فيأتي ويترك الآيات والأحاديث المستفيضة في ذلك ويستدل على جواز كشف عورتها واختلاطها بقوله تعالى: فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها!. أو بقوله: فجاءته إحداهما تمشي على استحياء أو بقوله: وامرأته قائمة فضحكت ...ونحو ذلك. فنقول له رويدك... أين أنت عن قوله تعالى: قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن... الآية. وأين أنت عن قوله : ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... الآية أعميت عن هذه الآيات وأبصرت تلك؟(1/135)
فكذلك نقول: أين أنت عن قوله تعالى: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين). أين أنت عن قوله: (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان). أين أنت عن قوله تعالى : (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب). أين أنت عن قوله تعالى: ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) والآيات كثيرة فضلا عن الأحاديث وفيما ذكرنا كفاية.
سؤال كلام جميل، لكن الشيخ العبيكان قد أيد كلامه عن هذه الآية بنقول عن العلماء فما قولكم؟
اجاب الشيخ محمد :- نعم لقد اطلعت على نقوله ولكنها في واد والمسألة في واد آخر، فهذه النقول عن هؤلاء العلماء:
أولا: على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا وقد تقدم ما فيه.
ثانيا: أنها لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما ذهب إليه الأخ الشيخ العبيكان، لأنها تتكلم عن تولية حاكم ظالم أو كافر في دولته رجلا مسلما في ولاية فهل يجوز ذلك أم لا؟ يعني في أمريكا مثلا أو في بريطانيا أو فرنسا أو حتى في أسبانيا التي كانت دولة إسلام سابقا واستولى عليها الكفار، هل يجوز للمسلم أن يعمل لدى هذه الحكومة الكافرة؟ ولم يتعرضوا البتة لجيش كافر اجتاح بلاد المسلمين وهم في جهاد معه ومناجزة وأراد أن ينصب عليهم عميلا له عليهم ليوقف جهادهم لأنهم متفقون بداهة وبالإجماع الذي لا يعرف أحد في تاريخ الإسلام يخالفه على قتاله ودفعه بكل ما يمكن من الوسائل.
ثالثا: إنهم اشترطوا شروطا لقبول عمل المسلم لدى الكافر وهي أن يقوم بالعدل والقسط ويطبق شريعة الله في ولايته.
سؤال : ومما استند إليه الشيخ العبيكان أن أمريكا قد وعدت بالخروج من العراق إذا توقفت مهاجمتها فلو انتظرنا ذلك ثم لكل حادث حديث بعد؟(1/136)
اجاب الشيخ : أقول: هذا كلام عجيب أين نحن من آيات ربنا:ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم هؤلاء سفلة مجرمون لا خلاق لهم ولا أيمان ولا عهود ولا مواثيق ما الذي جاء بهم إلى ديار المسلمين بعتادهم وعدتهم في حملة صليبية شعواء إذا كانوا يريدون الخروج؟ هل من جاء بالآلاف المؤلفة وأنفق المليارات وقطع المسافات الطوال ليقتل ويدمر الأبرياء والعزل وينتهك أعراض المسلمين سيخرج، والله لا يخرجه إلا الجهاد.
وأنا أنصح العبيكان وأمثاله ممن تنطلي عليهم ألاعيب هؤلاء السفلة بقراءة كتاب سياسي لرجل مسلم معروف متمكن فيما كتب وهو من رجالات المملكة المشاهير ومن المسئولين السياسيين وهو الدكتور فهد العرابي الحارثي وكتابه هو أمريكا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل، فلو قرأ فيه قليلا لعلم أن أمريكا لم تكن يوما في حياتها نزيهة، بل يحوطها الإجرام والظلم وأكل الضعفاء والسذج.
سؤال : إذن أنتم تؤيدون ما ذهب إليه العلماء الست والعشرون فيما دعوا إليه؟(1/137)
اجاب الشيخ : أنا أؤيد كل إنسان سواء أكان عالما أم غير عالم واحدا أم جماعة يقول بوجوب محاربة المحتل وطرده من أراضي المسلمين، لأن هذا إجماع من الأمة ومن يخرق هذا الإجماع يخشى عليه قال تعالى: ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا. وأما بالنسبة لهؤلاء العلماء، فهم معروفون وأكثرهم من حملة الدكتوراة وأساتذة الجامعات وهم من أعلى الناس علما في المملكة، ولا يعني هذا أنهم لا يخطئون ولكنهم حووا من هم أفضل علما وأكبر سنا وأكثر عددا وأنشط في الدعوة والتأليف من الشيخ العبيكان، مع احترامنا للجميع فبعضهم لو انفرد وحده تجده أفقه وأعلم من الشيخ فكيف بالمجموع؟ نفع الله بهم جميعا. ) ( لقاء مجلة العصر17/11/2004 / موقع مجلة العصر )
فتوى فضيلة الشيخ الدكتور
حامد بن عبدالله العلي - حفظه الله -
قال فضيلة الشيخ حامد العلي في كتابه الرد على الشبهات حول الجهاد العراقي : (الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه :
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : " كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها ، فلابد أن يقول على الله غير الحق ، في فتواه وحكمه وخبره وإلزامه ، لأن أحكام الرب سبحانه كثيرا ما تأتي على خلاف أغراض الناس ، لاسيما أهل الرياسة ، و الذين يتبعون الشهوات ، فإنهم لاتتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيرا " الفوائد
اللهم إنا نعوذ بك أن نضلّ أو نُضلّ ، أو نزلّ أو نُزل ، أو نجهل أو يُجهل علينا ، اللهم إنّا نسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، والغنيمة من كل بر ، والعافية من كل إثم ، وحسن الخاتمة ، حسبنا الله ونعم الوكيل .(1/138)
وبعد : فإنّ من أشنع الأقوال الضالّة ، والبدع التي هي على أبواب جهنم دالّة ، القول بأن إمامة الكافر أو من يولّيه الكفار ، على المسلمين صحيحة ، وأنّ جهاد الكافر المحتل لبلاد الإسلام باطل ، فقائل هذا القول جمع بين أعظم سببين لإفساد الدين ، وإضلال المسلمين .
فهو بتصحيحه ولاية الكافر ، أو من يتولى بأمرهم ويحكم به قد دعا إلى إفساد الأحكام الشرعيّة جملة وتفصيلا ، وبتحريمه الجهاد لإخراج الكفرة المحتلين دعا إلى إخضاع أمة الإسلام إلى عدوّها ، ممعنا فيها إفسادا و تضليلا ، والساكت عن إنكار ضلاله شيطان أخرس ، فإن كان مع ذلك يرتقي منصبا دينيا فهو أعظم ملبّس ، ممّن بدل دين الله تبديلا ، نسأل الله تعالى العافية من سبل الردى ، ومضلات الفتن ، واتباع الهوى .
هذا والعجب أن هؤلاء المفتين لم يستحوا من الله ولا من المسلمين ، وهم يقومون ، بادية سوءاتهم أمام العالمين ، بأداء الدور المطلوب منهم أمريكيا ، في ضمن متطلبات المشروع الصليبي للمحافظين الجدد ، لفرض عقيدة وشريعة غربيّة ، تجمعان بين الروح الصليبية ، والأهداف الصهيونية ، والثقافة اللادينية العلمانية .
نسال الله أن يبطل سعيهم الخبيث في بلاد المسلمين ويرد كيدهم في نحورهم ، وكيد هؤلاء الملبّسين على المسلمين دينهم ، الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ، ممن يصدق عليهم قوله تعالى : " مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا " .
وهذا بحول الله رد على ضلالاتهم الشنيعة ، وذلك :
أولا : ببيان من هو وليّ الأمر الشرعي .
ثانيا : بالرد على شبهة الاستدلال بولاية نبي الله يوسف عليه السلام .
ثالثا: بالرد على شبهة اشتراط الإمام للجهاد أو إذنه إن عطّله أو كان جهاد دفع .
رابعا : بالرد على شبهة اشتراط الراية في الجهاد.
ثم خاتمة جامعة نافعة في التحذير من الركون إلى الكفار وتهوين أمر الدخول في ولاءهم .
فنقول وبالله التوفيق :
أولا :(1/139)
وليّ أمر المسلمين الذي تجب طاعته هو الذي يتولّى أمر دين المسلمين، لأنّ هذا هو أمر المسلمين ، فليس لهم أمر غير دينهم ، فبه صاروا أمة ، وبه تحققت شخصيتهم الحضاريّة ، وبه وُجد كيانهم السياسي ، أمّا من يتولّى أمرا آخر ، كالذي يحكم بالنظام الدستوري العلماني أيّا كان : ديمقراطيا ليبراليا غربيا زائفا ، أو قوميا إشتراكيا شموليا ، أو عشائريا جاهليا يخلط بين الشريعة والجاهلية ، أو غير ذلك ـ سوى النظام الإسلامي المتحاكم إلى شريعة الله تعالى ـ فهو وليّ أمر ما تولاّه ، ليس هو وليّ أمر المسلمين ، وهو ممن يصدق عليه قوله تعالى " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " .
فكيف يُولّى أمر أمّة الإسلام ، وقد تولّى أمر غيرها ؟!!
ولهذا وردت النصوص الآمرة بطاعة ولاة الأمر، مقيّدة بقيد إقامة الدين ، كما في حديث " إنْ أُمّر عليكم عبد مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا " رواه مسلم ،والحديث الثاني " إنّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبّه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين " رواه البخاري.
فذكر أن الحكم بكتاب الله ، أي تحكيم الشريعة ، وإقامة الدين كذلك ، شرط في صحة ولايتهم التي توجب طاعتهم .
ولهذا فقد أجمع العلماء على شرط الإسلام في الإمام ، عملا بقوله تعالى " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، وبالنصوص الكثيرة في القرآن والسنة التي تحرم ولاية المسلم للكافر ، وأي ولاية أعظم من نصبه حاكما على المسلمين ؟!!
وفي الحديث المتفق عليه من حديث عبادة بن الصامت : " وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " . فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج بالقوّة ، على الحاكم إن أظهر الكفر .(1/140)
قال الإمام ابن المنذر رحمه الله : " أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر لا ولاية له على مسلم بحال " أحكام أهل الذمة 2/ 414
وقال القاضي عياض رحمه الله : " أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر ، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر وتغيير للشرع ، أو بدعة ، خرج عن حم الولاية ، وسقطت عدالته ، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك ، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة ، وجب عليهم القيام بخلع الكافر " شرح النووي على صحيح مسلم 12/229 ، والظاهر أن قصده بدعة مكفرة من جنس تبديل الشرع .
ومن النصوص التي دلت على ما تقدم ، وحديث ابن مسعود " سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة ، ويعلمون بالبدعة ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ، فقلت : يا رسول الله إن ادر كتهم كيف أفعل ؟ قال : تسألني يا ابن أم بعد ماذا تفعل ؟! لا طاعة لمن عصى الله " رواه أحمد ، وابن ماجه ، والبيهقي ، الطبراني في الكبير وإسناده على شرط مسلم
إذا تبيّن هذا ، فإنه من المعلوم ، أن حكومة الاحتلال في العراق ، حكومة عميلة ، نصبها محتل صليبيّ ، وألزمها بأن تُهيئ نظاما ليُحكم العراق بالنظام العلماني ، الذي يدعو إلى أن يعبد كلّ عابد ألهه ، وإلى أن يتخذ كلّ هواه إلها ، وهي حكومة تؤمن بفصل الدين عن الحياة ، وحقّ الناس أن يشرعوا ماشاؤوا ـ إلا ما يغضب سادتهم الأمريكيون ـ فمهمة هذه الحكومة الأهمّ ، هي أن تحول بين شريعة الله تعالى وأن تحكم العراق ، وبين أهل الجهاد وان يقيموا في الأرض دين الإسلام ، فمن يصحح ولاية مثل هذه الحكومة داعيا إلى طاعتها ، منسلخ عن الدين ، مرتكس في النفاق معدود في المنافقين .
ثانيا :(1/141)
استدلال المستدل بقصة نبي الله يوسف عليه السلام ، على صحة ولاية من يوليه المحتل لأرض المسلمين ،استدلال منكوس ، فيوسف عليه السلام نبيّ مسلم ، لايحكم بغير شريعة الله ، وهو القائل لصاحبي السجن " إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون " ، قد مكّنه الله تعالى على قوم كفار ، في بلد أهله كفار ، فحقق بولايته علو الإسلام بأحكامه على بلاد كافرة .
وأما حكومة الإحتلال الحاكمة بأحكام الكفار ، الموالية لهم ، فهي حكومة كافرة تتولى على قوم مسلمين ، وتحقق علوّ أحكام الطاغوت في بلاد الإسلام ، فالعجب والله من هذا الاستدلال المنكوس .
ثم إن الله تعالى ، قد قال عن يوسف عليه السلام : ( وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ) .
فالآية تبيّن أن الله تعالى مكّن له في الأرض ، فله اليد العليا فيما تحت يده ، بتمكين الله تعالى ، لا بغيره ، ليحكم بالشرع والعدل والإحسان ، وأن هذا التمكين رحمة من الله ، وأنه كان في ذلك من المحسنين.
فأين هذا من حكومة احتلال ، يستخدمها الصليبيون والصهاينة ، لتحارب المجاهدين الذين يجاهدون لطرد المحتل من بلادهم ، فهي حكومة جاءت لتقيم أحكام الطاغوت ، وهي في عملها تسعى في بلاد الإسلام سعي الكافرين الظالمين ، ومعلوم أنّ هذه الحكومات التي ينصبها المحتل في العادة ، دُمية لم يُمكّن لها المحتل، وإنما يستعملها ليمتطى ظهرها ، ليحقق بها أهداف الكفار في بلاد الإسلام.
فلا ريب أن هذا المستدل بقصة يوسف ، من أجهل الناس ، وأغلظهم فهما ، وأشنعهم ضررا ، في المسلمين ، نسأل الله تعالى العافية من مقام الخزي ، اللهم نعوذ بوجهك آمين.
ثالثا :(1/142)
لاريب أن الفريضة الواجبة المقدّمة ، عند احتلال الكفار لبلاد المسلمين ، هي الجهاد لطرد المحتل ، وزعم غير ذلك ضلال مبين ، أما الرضا باستعلاء الكفار على بلاد المسلمين ، فهو ردة عن الدين ، ليس في ذلك خلاف بين علماء الملّة ، ولا ينفع عذر المعتذر بأن البلاد بحاجة إلى بقاء الكفّار لحفظ الأمن ، فقائل هذا كاذب مفتر على دين الله تعالى ، يضل الخلق بغير علم .
ذلك أن الله تعالى أخبر في محكم التنزيل : " والكافرون هم الظالمون " ، وقال " لايرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمّة " ، وقال " وأولئك هم المعتدون " وقال " إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء " وقال " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس " ، فكيف يُكذّب القرآن المبيّن أن الكفّار إن تسلّطوا على المسلمين ، كانوا سببا للظلم ، والعدوان ، وفساد الدين والدنيا ، ويُصدّق الكافر ، الكاذب ، الظالم ، المعتدي ، الذي قد بان ظلمه وعدوانه على المسلمين والإسلام ، للخاص والعام ؟!!
ومعلوم أنه لا يوجد فساد أعظم من استعلاء الكفار في بلاد المسلمين ، ولا مصلحة أعظم بركة على المسلمين من جهاد الكفار لمنعهم من إظهار هيمنتم على البلاد الإسلامية ، فكل يوم يستقر لهم المقام في العراق ـ كمافي غيره ـ يخسر الإسلام وأهله ما لا يخطر على البال ، ولا يدور في الخيال من الخسران المبين ، في دينهم ، وقوتهم وثروتهم ، ومستقبلهم السياسي .
ذلك أن الكفّار سيعملون بلا ريب على ترتيب أوضاع البلاد عسكريا ، وسياسيا ، واقتصاديا ، واجتماعيا ، وثقافيا في أسرع وقت وفق ما خططوا له سلفا ، لتكون تلك الأوضاع في صالح الكفر وأهله ، كما فعلوا في الاحتلال في القرن الماضي .
وسينصبون أولياءهم من المرتدين من خونة العرب على حكم العراق ، لتتم لهم مقاصدهم الخبيثة.
وفي التقاعس عن منعهم من ذلك بكل وسيلة ممكنة ، تمكين لهم ، وتغرير بالإسلام وأهله ، وذلك أعظم الخيانة لدين الله تعالى .(1/143)
ذلك أن الله تعالى حرّم على المؤمنين تحريما قطعيا أن يرضوا بظهور الكفار عليهم ، وباحتلال الكفار بلادهم ، وأرض العراق مثل أرض فلسطين تماما ، و كذا كل بلاد الإسلام ، لا يسقط وجوب الجهاد لإخراج المحتل منها ، إلى يوم القيامة .
قال تعالى : ( وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ) والفتنة هي الشرك ، فظهوره وعلوه على أرض الإسلام أعظم الفتنة ، وإنما غاية الجهاد منع الكفر من الاستعلاء بالقوة قال تعالى ( وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ، وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير ) .
وقال ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين ) .
وقد قال تعالى ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) أي هذا حكمه ، فلا ترضوا أن يكون للكافرين عليكم سبيل .
وقال ( كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ) .
وقال ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) .
وقال ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ، ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل ، وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ، فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها .. الآيات ) .
أما كلام علماء الإسلام في وجوب الجهاد لطرد المحتل الكافر فكثير مبارك ، من ذلك :
قال ابن حزم في المحلى " إلا إن نزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم " 7/292(1/144)
وقال الإمام النووي ( قال أصحابنا : الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين فيتعين عليهم الجهاد ، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية ) شرحه على مسلم 8/63
وقال الإمام القرطبي : ( قد تكون حالة يجب فيها نفير الكل ، وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار ، أو بحلوله بالعقر ، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا خفافا وثقالا ، شبابا وشيوخا ، كل على قدر طاقته ، من كان له أب بغير إذنه ، ومن لا أب له ، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل ، أو مكثر ، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم ، وجاوزهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة ، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ، ومدافعتهم ، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم ، وعلم أنه يدركهم ، ويمكنهم غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم .. ولو قارب العدو دار الإسلام ، ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه ، حتى يظهر دين الله ، وتحمى البيضة ، وتحفظ الحوزة ، ويخزي العدو ، ولا بخلاف في هذا ) الجامع لاحكام القرآن 8/151ـ 152 .
وقال الإمام الخرقي من الحنابلة ( وواجب على الناس إذا جاء العدو أن ينفروا ، المقل منهم والمكثر ) .(1/145)
قال الإمام ابن قدامة في الشرح : ( قوله المقل و المكثر ، يعني به والله اعلم الغني و الفقير .. ومعناه أن النفير يعم جميع الناس ممن كان من أهل القتال حين الحاجة إلى نفيرهم لمجيء العدو إليهم ، ولا يجوز لأحد التخلف إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ المكان والأهل والمال ، ومن يمنعه الأمير من الخروج ، أو من لا قدرة له على الخروج للقتال ، وذلك لقوله تعالى ( انفروا خفافا وثقالا ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا استنفرتم فانفروا ) ، وقد ذم الله تعالى الذين أرادوا الرجوع إلى منازلهم يوم الأحزاب ، فقال تعالى ( ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ) المغني 10/389 .
وقال الإمام الجصاص ( معلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ، ولم تكن فيهم مقاومة فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين ، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة ) أحكام القرآن للجصاص 4/309
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( إذا دخل العدو بلاد الإسلام ، فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب ، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة ) الاختيارات العلمية .
وهذا كله في غاية الوضوح ولا يحتاج إلى البيان ، ونقوله مع أن العراق أرض العلم والعلماء ، ولا يحتاج أهلها إلى سؤال غيرهم ، ونحن على يقين أن الأجنبي المحتل لن يهنأ بالبقاء فيها ، وستبوء خططه بالفشل بإذن الله تعالى .
** هذا وأما القول :
بأن الجهاد لا يكون إلاّ مع الإمام ، فهو قول الرافضة ، أما أهل السنة فلا يعرفون هذا الشرط ، إنما يشترطون إذن الإمام إن كان إماما شرعيا قائما بالجهاد الشرعي ، كما يشترط إذنه في كل الأمور العامة لئلا يفتئت عليه .(1/146)
قال ابن حزم: "يغزى أهل الكفر مع كل فاسق من الأمراء وغير فاسق ومع المتغلب والمحارب كما يغزى مع الإمام ويغزوهم المرءُ وحده إن قدر أيضاً" (المحلى 10/99)
وقال أيضا " قال تعالى ( فقاتل في سبيل الله لاتكلف إلا نفسك ) وهذا خطاب متوجه إلى كل مسلم ، فكل أحد مأمور بالجهاد ، وإن لم يكن معه أحد " المحلى 7/351
وقال شارح الطحاوية عند قول الطحاوي: "والحج والجهاد ماضيان... الخ"
"يشير الشيخ -رحمه الله- إلى الرد على الرافضة حيث قالوا لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج الرضا من آل محمد" (ص/437)
وقال الماوردي: "فرض الجهاد على الكفاية يتولاه الإمام ما لم يتعين" (الإقناع ص/175) ، يعني إن تعين لم يشترط له إذن الإمام ، ومعلوم أن أكثر جهاد المسلمين اليوم هو جهاد الدفع الذي هو فرض عين على أهل البلد ومن يمكنه نصرهم، فلا يشترط له إذن حاكم .
وقال القرافي في الذخيرة " شروط الجهاد : هي ستة : الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورة والإستطاعة " ، ثم قال : " فإن صدم العدو الإسلام وجب على العبد والمرأة لتعين المدافعة عن النفس والبضع "
وقال ابن قدامة " إذا جاء العدو صار الجهاد عليهم فرض عين فوجب على الجميع فلم يجز التخلف عنه " 10/390
وقال ابن قدامة في المغني : " ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط " فذكر الشروط الستة الماضية ، غير أنه جعل الاستطاعة شرطين ، ولم يذكر شرط الإمام .
وقال ابن مفلح في الفروع ( قيل للقاضي يجوز قتال البغاة إذا لم يكن إمام ؟ فقال : نعم ، لأن الإمام إنما أبيح له قتالهم لمنع البغي والظلم ، وهذا موجود بدون إمام ) .؟ 6/154
وإذا كان هذا مع البغاة ، فكيف مع الكفار ؟
بل حتى لو كان ثمة إمام قائم بالشرع ، فخاف المسلمون من عدوهم ، فلهم أن يقاتلوا دون إذنه :
قال الإمام أحمد كما في مسائل عبدالله 286 : " إن كانوا يخافون على أنفسهم وذراريهم فلا باس أن يقاتلوا من قبل أن يأذن الأمير " .(1/147)
فهذا إذا خافوا من العدو، فكيف إذا دهمهم ؟!
وقال ابن قدامة " فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد ، لأن مصلحته تفوت بتأخيره ، وإن حصلت غنيمة قسمها ، أهلها على موجب الشرع " 10/374
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما قتال الدفع وهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لاشيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان ، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم ، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده " مجموع الفتاوى 4/508
وقال الحضرمي الشافعي في القلائد 2/353 " فإن دخلوا ديارنا ولو خلاء ، أو خرابا ، وجب على كل مكلف ـ أي الجهاد ـ ولو امرأة ، أو عبدا ، بلا إذن "
قال صديق خان: "الأدلة على وجوب الجهاد من الكتاب والسنة وردت غير مقيدة بكون السلطان أو أمير الجيش عادلاً بل هذه فريضة من فرائض الدين أوجبها الله على عباده المسلمين من غير تقيد بزمان أو مكان أو شخص أو عدل أو جور" (الروضة/333)
وقال العلامة عبدالرحمن بن حسن رحمه الله في الدرر السنية " بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع ؟! هذا من الفرية في الدين ، والعدول عن سبيل المؤمنين ، والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر ، من ذلك عموم الأمر بالجهاد ، والترغيب فيه والوعيد على تركه ... وكل من قام بالجهاد في سبيل الله ، فقد أطاع الله وأدى ما فرضه الله ، ولا يكون الإمام إماما إلا بالجهاد ، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام ، والحق عكس ما ذكرت يا رجل "
وقال أيضا بعد أن استدل بقصة أبي بصير رضي الله عنه في حربه قريشا مستقلا " فهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخطأتم في قتال قريش لأنكم لستم مع إمام ؟؟! سبحان الله ! ما أعظم مضرة الجهل على أهله عياذا بالله من معارضة الحق بالجهل والباطل "(1/148)
وقال " فإذا كانت هناك طائفة مجتمعة لها منعة ، وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه لا يسقط عنها فرضه بحال ، ولا عن جميع الطوائف وليس في الكتاب والسنة ما يدل على أن الجهاد يسقط في حال دون حال ، أو يجب على أحد دون أحد إلا ما استثنى في سورة براءة ، وتأمل قوله " ولينصرن الله من ينصره " ، وقوله " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا .. الآية " ،وكل يفيد العموم بلا تخصيص .. ) الدرر السنية 7/97
وقال أيضاً: "وكل من قام بالجهاد في سبيل الله فقد أطاع الله وأدى ما فرضه الله ولا يكون الإمام إلا بالجهاد لا أنه لا يكون جهاد إلا بالإمام" (الدرر السنية 7/97)
هذا ويحسن أن نختم هذه الأقوال بما ذكره العلامة المهدي الوزاني رحمه الله في النوازل الكبرى الجزء الثالث ص 11 ، وهو كتاب يحوي فتاوى علماء المغرب العربي المالكية في النوازل ، وهذه الفتوى للإمام أبو عبدالله سيدي العربي الفاسي رحمه الله ، وما أحسن قوله فيها :
( وما تهذي به بعض الألسنة في هذه الأزمنة من أنه لا يجوز الجهاد لفقد الإمام وإذنه ، فكلمة أوحاها شيطان الجن إلى شيطان الإنس ، فقرها في إذنه ثم ألقاها على لسانه في زخارف هذيانه ، إغواء للعباد وتثبيطا عن الجهاد )
ومع أنه ليس للسادة المالكية اختصاص بهذا ، بل هو أمر متفق عليه بين المذاهب ، غير أنه قد أعجبتني هذه الفتوى لما فيها من التفصيل الحسن ، والاستنباط السديد :(1/149)
وإليكم الفتوى كلها : " أما المسألة الثالثة فلا يتوقف وجوب الجهاد على وجود الإمام ، وعلى إذنه في الجملة ، ومن المعلوم الواضح أن الجهاد مقصد بالنسبة إلى الإمامة التي هي وسيلة له ، لكونه في الغالب العادة لا يحصل على الكمال إلا بها ، فإذا أمكن حصوله دونها لم يبق معنى لتوقفه عليها ، فكيف تترك المقاصد الممكنة لفقد الوسائل المعتادة ، فلو كان الإمام موجودا ، طلب استئذانه ، محافظة على انتظام الأمر واجتماع الكلمة ولزوم الجماعة ، وقد يعرض ما يرجح عدم استئذانه كخوف فوات فرصة لبعد الإمام ، أو كونه غير عدل يخشى أن يغلبه هواه في تفويتها ، فلو كان غير عدل ومنع من الجهاد لغير نظر لم يمتنع الجهاد إن أمن الضرر من جهته ..
فلا يضيع الجهاد إن ضيعه الولاة ، والنصوص المذهبية شاهدة لذلك كله .
قال إمامنا مالك رضي الله عنه : لله تعالى فروض في أرضه لا يسقطها ، وليها إمام أو لم يلها .
وقال ابن القاسم في سماع أبي زيد في قوم سكنوا قرب العدو فيخرجون إليه بغير إذن الإمام ، فيغيرون عليه : وإن كانوا يطمعون في الفرصة وخشوا إن طلبوا ذلك من إمامهم منعهم ، أو يبعد إذنه لهم حتى يفوتهم ما رجوا ، ذلك واسع لهم .
وقال ابن وهب في سماع عبد الملك بن الحسن : وسئل عن قوم يدافعون العدو ، هل لأحد أن يبارز بغير إذن الإمام ؟ فقال : إن كان الإمام عدلا لم يجز أن يبارز إلا بإذنه ، وإن كان غير عدل فليبارز وليقاتل بغير إذنه .
قال ابن رشد : هذا كما قال ، إن الإمام إذا كان غير عدل لم يلزم استيذانه في مبارزة ولا قتال ، إذ قد ينهى عنه على غير وجه نظر .
وإلى هذا التفصيل ونحوه يرجع ما يوجد في هذه المسألة من نصوص المذهب .
وإن كان الجهاد يجوز ـ دون إذن الإمام ـ لما ذكر مع وجوده فكيف لا يجوز مع عدمه البتة.
ومن الواضح أنه إن توقف على وجوده فإنما يتوقف عليه لأجل إذنه ، وعليه فإن كان لا يتوقف على إذنه كان غير متوقف على وجوده .(1/150)
نعم إقامة الإمام بشروطه ، وجمع الكلمة عليه فرض واجب على الخلق ، كما أن الجهاد فرض أيضا ، والقيام بهما معا مطلوب على الوجوب ، ولكن تضييع فرض واحد منهما أخف من تضييعهما معا ، وأما التوقف على الإمام للإمداد والرجال والمال والعدد فتوقف عادي لاشرعي .
إذ لا يجب شرعا أن لا يجاهد إلا بمال بيت المال ، بل من قدر أن يجاهد بمال نفسه فهو أفضل له ، وأعظم لأجره ، وإن اتفق أن تجمع جماعة من المسلمين مالا لذلك حصل المقصود أيضا .
ومن المعلوم في الفقه أن جماعة المسلمين تتنزل منزلة السلطان إذا عدم ، وعليه من الفروع مالا يكاد يحصى ، كمسألة من غاب زوجها وهي في بلد لا سلطان فيه ، فإنها ترفع أمرها إلى عدل من صالحي جيرانها ، فيكشف عن أمرها ويجتهد لها ، ثم تعتد وتتزوج ، لأن الجماعة في بلد لاسلطان فيه تقوم مقام السلطان ، قاله القابسي ، وأبو عمران الفاسي ، وغيرهما من شيوخ المذهب .
مع أن هذا من وظائف الإمام ، أو نائبه الذي هو القاضي ، التي لايباشرها غيره مع وجوده ، ومع ذلك لم يتوقف الأمر فيها على وجوده ، فكيف بالجهاد الذي يصح أن يباشره غيره مع وجوده دون إذنه كما تقدم .
وما تهذي به بعض الألسنة في هذه الأزمنة من أنه لا يجوز الجهاد لفقد الإمام وإذنه ، فكلمة أوحاها شيطان الجن إلى شيطان الإنس ، فقرها في إذنه ثم ألقاها على لسانه في زخارف هذيانه ، إغواء للعباد وتثبيطا عن الجهاد .
وحسبك فيمن يقول ذلك أنه من أعوان الشيطان وإخوانه المعدين في الغي والطغيان ، والذي تشهد له الأدلة أن الجهاد الآن أعظم أجرا من الجهاد مع الإمام ، لأن القيام به الآن عسير ، لا تكاد توجد له أعوان ، ولا يتهيأ له تيسير ، فالقائم به الآن يضاعف أجره ، وينشر في الملأ الاعلى ذكره ، فيكون للواحد أجر سبعين ، ويماثل فاعل الخير الدال عليه والمعين .(1/151)
وأما المسألة الرابعة ، فلا يجوز أن يباع للكفار الحربيين القوت ولا السلاح ، ولاما يصنع منه السلاح ، ولاما يعظمون به كفرهم ، ونصوص المذهب متظاهرة على ذلك .
قال في المدونة : قال مالك : لا يباع من الحربي سلاح لا سروج ولا نحاس ،قال ابن حبيب : وسواء كانوا في هدنة أو غيرها ، ولا يجوز بيع الطعام منهم في غير الهدنة ، قال الحسن : ومن حمل إليهم الطعام فهو فاسق ، ومن باع منهم السلاح فليس بمؤمن ، ولا يعتذر بالحاجة إلى ذلك ".
انتهت الفتوى .
** وإذا كان الجهاد لا يرجع فيه إلى الإمام إن كان غير عدل ، لانه سيجعله تبعا لهواه ، فيعرض الدين للهلاك ، فكيف إذا كان الحاكم أخا ووليا للكافرين ، محاربا للدين ، فهو يأتمر بأمر الكفار أنفسهم ، ويقرّ معهم أنه لاجهاد إلا بإذنهم ، فليت شعري ، كيف يجعل أمر الجهاد إليه ، وهل يقول بذلك عاقل ؟!
أما إن عُدم الإمام، أو ترك الجهاد، كأن يكون قد عاهد الكفار على ترك الجهاد أبدا ، وهو عهد باطل باتفاق العلماء، أو كان الحاكم لادينيا علمانيا ، لا يؤمن بالتحاكم إلى الشريعة ، أو خشي المسلمون فوات مصلحة إن انتظروا إذن الإمام الشرعي ، أو وقوع مفسدة، أو تعين على طائفة منهم قتال عدو حضر ، فلا يشترط إذن الحاكم ، بل يقيم المجاهدون أميراً منهم ويجاهدون معه .
ومن الأدلة على عدم اشتراط الإمام حديث : (غشيتكم الفتن كقطع الليل المظلم ، أنجى الناس فيها رجل صاحب شاهقة ، يأكل من رسل غنمه ، أو رجل آخذ بعنان فرسه من وراء الدروب ، يأكل من سيفه ) روه الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .(1/152)
كما يدل عليه حديث البخاري بسنده عن جنادة بن أبي أمية قال : " دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " .
وهو يدل على وجوب الخروج على الحاكم إن اقترف كفرا بواحا ، ومعلوم أنه في هذا الجهاد يكون الحاكم هو الذي يجب جهاده لخلعه بالقتال ، فكيف يشترط ـ ليت شعري ـ الإمام للجهاد ؟!! ومعلوم أن هذا الجهاد من أفضل الجهاد ، فإذا كانت كلمة الحق عند سلطان جائر أفضل الجهاد ، فكيف بإراحة المسلمين من حكم طاغوت كافر ؟!
هذا وقد علم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وأن الحاكم لا يطاع إن أمر بالمعصية ، فكيف إذا أمر بما هو من أشد المعاصي ضررا على المسلمين ، وإفسادا لدينهم ، وهو ترك الجهاد ، فلا يقول بوجوب طاعته في ذلك إلا جاهل مطموس على بصيرته عافانا الله .
رابعا : الرد على من زعم اشتراط الراية للجهاد :
وليت شعري بأيّ كتاب أم بأيّة سنة جيء بهذا الشرط ، وفي أيّ مذهب ذكر ، وما معناه ، وما ضابطه ، ألا لو كان هذا المتخبط القائل باشتراط الراية ، يفقه في الدين لم يطلق لفظا غير منضبط فيجعله شرطا في عبادة هي ذروة سنام الإسلام ، فمن أين أتوا بهذا الشرط ( الراية ) ، فعلى هذه الراية العفا ، وصفع القفا ، وعلى كل شريعة شرعت بها .(1/153)
غير أنه من المعلوم ، أنه يجب أن يكون للجهاد هدف شرعي ، ولعمري أي هدف شرعي أوضح من قتال المحتل الصليبي الذي حل بعقر دارنا ، وأي هدف شرعي أوضح من قتال من أعلن أنه يريد تغيير بلاد المسلمين ، كلها ، ليحقق أطماعه وأطماع الصهاينة في بلاد الإسلام ، أي هدف أوضح وأكثر شرعية من قتال الذين يقاتلوننا في كل العالم ، ويحاربون الإسلام في أنحاء المعمورة .
فلم يعد يخفى على مسلم ، أن جميع الحركات الجهادية من فلسطين ، إلى جنوب شرق آسيا ، من كشمير إلى الفلبين تحاربها أمريكا ، وجميع المجاهدين في أفغانستان وما حولها وفي الشيشان ، بل لا ترفع راية جهاد في أي بقعة من الأرض لإعلاء كلمة الله واسترداد حقوق المسلمين ، إلا والأمريكيون الصليبيون يتصدون لها ، ويستعملون من وافقهم من المنافقين من مطاياهم الذين يفتون بتحريم جهادهم .
وليت شعري ألا يعلم هؤلاء المفتون الضالّون المضلّون ، أن الأبطال الذين يقاتلون الأمريكيين في العراق إنما يحمونهم، ويحمون دينهم ، وأعراضهم ، من بقاء هيمنتهم على العالم وعلى شعوبنا الإسلامية .
هذا ولا أحسب هؤلاء الذين يفتون بإبطال الجهاد ، ووجوب الدخول في طاعة الحكومات التي ينصبها المحتل في بلاد الإسلام ، إلاّ يعلمون في قرارة أنفسهم بطلان ما يقولون
ذلك أن الرايات المتواجهة في العراق اليوم ، إنما هي رايتان ، راية الاحتلال ومن يؤيّده ، وراية رفض الاحتلال ومن يقف معها .
الراية الأولى هي راية الصليبيين والرافضة ومن معهم من مرتزقتهم وزنادقة العلمانيين العرب الذين اتخذوا أمريكا ربا وإلها .
والراية الثانية هي راية المقاومة وهو اسم عام يشمل كل رافض لبقاء القوات الصليبية المحتلة في العراق ، وهي في أوساط أهل السنة عامة، ويتقدم هذه الراية المجاهدون .(1/154)
والهدف واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ، وهو إخراج المحتل الصليبي من بلاد الإسلام ، وحماية المسلمين من بقاءه وتمكنه فيها ، لأنّ كل يوم جديد يبقى المحتل في العراق ، فإنه يتمكّن من إنجاح مخططه الواسع الأشد خطرا على أمتنا الإسلامية من كلّ ما مضى منذ عقود ، وهو مشروع القرن الأمريكي ، الذي صيغ ليعيد تشكيل المنطقة كلّها وفق متطلبات الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي الجديد .
ومن المعلوم أنه حتى في الجهاد الأفغاني الماضي ، ضدّ الغزو السوفيتي في أفغانستان ـ مع أن الاحتلال السوفيتي لم يدخل في حرب أطاح فيها بنظام الحكم وأصبح قوة احتلال ، بل بناء على طلب " نجيب الله " وفق معاهدة من حكومته ، التي يسمّي هؤلاء المفتون مثلها في العراق " حكومة ولي الأمر " !! ـ قد كانت الجبهات الجهادية كلها تقاتل ضد نظام " نجيب الله " الموالي للسوفيت ، وضد الجيش السوفيتي في أفغانستان ، على حد سواء .
كما يحدث في العراق تماما ، وكانت الجبهات في الجهاد الأفغاني ، متعددة الاتجاهات ، مختلفة العقائد ، ففيهم حتى القبوريين ، وغلاة أهل الشرك والتصوف الفلسفي ، غير أن الفتاوى كلها ، كانت تدعوا إلى توحيد المواجهة مع العدو ، وأن اختلاف الجبهات لا ينبغي أن يشتت الهدف المشترك ، وهو طرد الروس من أفغانستان .
ولم يكن أحد في ذلك اليوم ، يتحدث عن تحريم قتال جنود ولي الأمر " نجيب الله " الذي كان يظهر ـ كما أذكر ذلك ـ في صور تنشرها بعض صحفنا الاشتراكية آنذاك ـ في الكويت ـ وهو يصلي ويدعو رافعا يديه ، وتصور تلك الصحف الخارجين عليه بأنهم خوارج بغاة ، يرضون سادتهم الأمريكيين بالقتال ضد من استنجد بالروس حلفاءه ليقمع المتمردين الإرهابيين الخوارج !! .(1/155)
وكان الحكم الشرعي في الجهاد الأفغاني لا يختلف فيه اثنان ، فالاحتلال الكافر ، احتلال يجب جهاده ، ولا يغير هذا الحكم ، كونه نصب حكومة موالية له ، ولا تعدد جبهات القتال ضده ، واختلاف الرايات .
وكذلك كان الأمر في احتلال القرن الماضي لبلادنا الإسلامية ، كان الاحتلال ينصب الحكومات ، ويتخذ من أهل البلاد الجند والشرط من المسلمين ـ أو كانوا مسلمين قبل أن يوالوا المحتل ـ ولم يكن في علماء المسلمين من ينكر جهاد المحتل ومن والاه .
بل كان كل من يقوم بالجهاد ومقاومة المحتل محمود في الأمة ، وجهاده مشكور ، ومن يحرض على قتال المحتلين من العلماء يعظم في نفوسهم مكرّما ، وينصبونه بينهم مقدّما ، رغم كون الرايات المحاربة لاحتلال القرن الماضي ، أشد اختلافا ، وأعظم تباينا، فقد كان فيها الرايات الإسلامية ، والعلمانية ، وغيرها .
كما أن الجهاد اليوم في فلسطين ، تختلف فيه الرايات أيضا ، غير أن القتال كله يتوجه إلى هدف واضح ، هو دحر الصهاينة عن بلاد المسلمين ، وإفشال مخططهم الخبيث واجتثاث سرطانهم المزروع في بلاد الإسلام ، وذلك لإنقاذ الأمّة الإسلامية ، مع احتمال أن يستفيد من بعض ثمرات الجهاد ، بعض الرايات العلمانية .
ولم يقل عاقل قط ، فضلا عن عالم بالشرع ، أن الجهاد في فلسطين حجر محجور ، وعمل محظور ، ويحرم على المسلمين أن يقاتلوا اليهود المحتلين ، حتى يأتي اليوم الذي يتوحد الفلسطينيون تحت راية إسلاميّة سنيّة واحدة ، ولو قال هذا مغفل لقدم أكبر خدمة للاحتلال .
والحاصل أن اتفاق المسلمين مع غيرهم على قتال عدوّ يراه الطرفان خطرا عليهما ، وفي دحره وإفشال مخططاته ، دفع خطر عام على أمة الإسلام ، لا ينكره إلاّ جاهل ، وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المسلمين يقاتلون والروم عدوا من وراءهم في آخر الزمان ، فليس في هذا ما يخالف الشرع مادامت المصلحة في عاقبة القتال أرجح .(1/156)
ومعلوم أن الأمريكيين أشدّ ما يخافون مما يفشل مشروعهم في العراق ، هو دخول المقاتلين عليهم من خارجها ، فهم يريدون أن يستفردوا بالعراق ، ويحولوه إلى سجن كبير ، يفعلون فيها ما يشاؤون وهم في أمن من أي معكّر خارجي .
حتى إذا انتهوا من الاستقرار التام فيه ، وباضوا وفرخوا في ربوعه ، انتقلوا إلى مايليه من بلاد الإسلام ، ولهذا فهم يفرضون اليوم حتى على بعض العلماء ـ بواسطة حكومات المنطقةـ أن يخدموا العلم الأمريكي ، ويسيروا في ركابه ، حتى تحط رحال الصليب في كلّ العواصم ، فتُنزل بأمّة الإسلام كلّ قاصم .
ويبدو واضحا لكل ذي بصيرة أن الضغط الأمريكي على حكوماتنا هو الذي بات يوجّه بعض الفتاوى الشرعية المنكوسة التي أشبه بهذيان المنافقين والزنادقة ، أو أقوال الفئات الضالة المارقة .
وهذا وإن كان لا يحدث دائما بأسلوب مباشر ، غير أنه يمر عبر مراحل تنتهي بتوجيه الفتوى لصالح السياسة الأمريكية المفروضة على دولنا شاءت أم أبت .
وكأنّك ترى لو كان الروس هم الذين احتلوا العراق أو أي دولة أخرى تنافس أمريكا ، كأنك ترى المتحمّسين اليوم للفتاوى المخذلة لإخوانهم المجاهدين في العراق ، متجاوزين كل المعوقات ، متعامين عن كل شبهة ، يفتون بلا خوف من سلطان ، ولا جزع من جلاد أو سجان ، بوجوب الجهاد كما كانوا يفتون أيام الجهاد الأفغاني ، في سبيل إرضاء السياسة الأمريكية ، ولأصبح الجهاد في العراق أعظم من كل جهاد ، والمحرضون عليه جهابذة العلماء ، ليسوا خوارج ولا بغاة .
فسبحانك اللهم ، سبحانك مقلب القلوب والأبصار ، ثبت قلوبنا على دينك ، وثبت عقولنا ، ونجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين " إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفرنا لنا وارحمنا وأنت غير الغافرين "(1/157)
هذا وينبغي أن يعلم أن ما ينتشر هذه الأيام من إضافة شروط للجهاد ، ما أنزل الله بها من سلطان ، ولا دل عليها سنة ولا قرآن ، سببه هذا الانهزام الذي يملأ أرجاء صدور المنهزمين في حالة الغثائية التي تعيشها الأمة المستوليّه عليها أمم الكفر ، وأولياؤهم .
وإن تعجبْ فعجبٌ أن هؤلاء المنهزمين عكسوا الأمر الذي دلت عليه شريعة العزة ، لتحصيل أسباب العزة ، بينما أقامه أعداء الإسلام !
فالشريعة الإسلامية وضعت شروطا لمن يتولّى أمر المسلمين , وقيّدت سلطانه ، وجعلته نائبا عن الأمة يقوم بأمرين أساسين :
أحدهما : إقامة الشرع في ديار الإسلام ، إذ هو لم يُنصب إماما إلا لهذا الغرض العظيم ، كما قال تعالى " الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر " ، فذكر قيامهم بالدين في أنفسهم بالصلاة التي هي رأس العبادات البدنيّة ، والزكاة التي هي رأس العبادات الماليّة ، وإقامتهم للدين في بلادهم وأرضهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والثاني : حماية أرض المسلمين من دخول جيوش الكفار إليها ، بإقامة الثغور وهي كلمة عامة تشمل امتلاك سلاح الردع الذي يخيف الكفار من الطمع في بلاد الإسلام ، كما دل على ذلك قوله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ، وإقامة جهاد الطلب الذي يسمّيه الكفّار اليوم الحرب الوقائيّة ، وتعني منع أي قوة تطلب الاستعلاء في الأرض غيرهم ، لتبقى لهم الهيمنة على جميع الأمم !!
هكذا قيّدت الشريعة منصب " ولي الأمر " ، ولم تجعله بلا شروط كما هو لسان حال المفترين على الإسلام ، هذه الأيّام ، فلمْ تجعله بحيث يكون كلّ من تسلّط على رقاب المسلمين ، فله الحق المطلق أن يفعل ما شاء ، وكلّ اعتراض عليه فتنة هي اشد من فتنة علو الكفار على بلاد الإسلام ، فهذا من أبطل الباطل !!(1/158)
بينما ـ من جهة أخرى ـ قد خففت الشريعة المطهّرة شروط الجهاد ، تشوّفاً لمصالحه الكثيرة التي يثمرها ، ولهذا أباحته مع كل بر وفاجر ، وأباحت ما يذكر في مسالة التترس ونحوها مما يوسع في الفقهاء الباب مراعاة لتحقيق مصالح الجهاد العظيمة النفع على الأمة ، وأباحت فيه الكذب ، والخيلاء ، ولبس الحرير ، ومنعت إقامة الحدود في الجهاد ، بينما كان منعها في غيره من أعظم الجرائم التي يرتكبها الإمام ، بل هي سبب الهلاك ، بل إقامتها على الضعيف دون الشريف هو سبب الهلاك كما في الحديث " إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد " .
كما جعلت الشريعة ، جهاد الدفع بلا شروط أصلا ، حتى إن المرأة لها أن تنفر فيه ، وجعلت جهاد الطلب قائما لا يسقطه عدم قيام الإمام به كما سيأتي بيانه .
كل ذلك تحقيقا للقاعدة القرآنية العظيمة : ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم للتهلكة ) ومعلوم أن معناها ، أنفقوا أرواحكم وأموالهم في الجهاد ، وإلا فسوف تكون الهلكة عليكم ، كما دل على هذا المعنى الحق ، نصوص كثيرة ، والواقع ، وسنن الله الكونية التي أقام عليها الحياة الدنيا .
أما هؤلاء المنهزمون ، فقد عكسوا الأمر ، فقد أزالوا كل الشروط التي وضعتها الشريعة لمن يتولى أمر المسلمين ، وقيّدوا الجهاد بشروط ما أنزل الله بها من سلطان .
وبعد هذا ، فلا يخفى أن ذلك إنما وقع منهم ، تحت ضغط داء الإنهزاميّة ، وتحت وطأة الشعور بهذا الرقّ العصري ، رقّ الأنظمة المستبدة التي غدت تفرض على العالم والمفكّر ، حتى ما ينطق به لسانه ، وفق ما يطلبه أعداء الإسلام ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
بينما تجد الكفار الذين حلّوا ديار الإسلام غازين ، واستباحوها مفسدين ، وأعلنوا فيه الكفر المستبين ، تجدهم قد أقاموا هذين الأمرين بما يحقق لهم الظهور والاستعلاء .(1/159)
فقد وضعوا لمن يتولّى عليهم شروطا ، تضمن تحققيه لمصالح شعوبهم ، وقوة دولهم ، فإن حاد عنها ، استبدلوا غيره به .
أما حروبهم وأسباب قوتهم العسكريّة ، فقد خففوا من شروطها ، ليضمنوا تحقيقها لإستعلاءهم ، فإن عارضت حروبهم الأمم المتحدة المزعومة ، نبذوها وراء ظهورهم ، ومضوا في الحرب ، وإن اقتضت حربهم إبادة الأبرياء ، لم يلتفتوا إلى إهراق دماءهم ولو أهرقوها أنهارا تجري ، كما فعلوا في العراق ، وإن اقتضت أن يكذبوا كذبوا وزوّرا الحقائق ، وإن اقتضت أن يمتلكوا السلاح النووي المدمّر ، أو يملئوا الأرض من الإشعاعات المضرة ، فلا يبالون بما تأتي به من دمار للبشرية.
ذلك أنهم يعلمون أن التفوق على الأمم ، والعزة في الأرض ، لا تأتي إلا بإقامة السلطان الذي تتوفر فيه شروط إقامة التفوق والعزّة ، وبالقوة الضاربة التي تضمن ذلك .
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا البصيرة في الدين ، وأن يعيد لهذه الأمّة العظيمة ، الوعي الصحيح بشريعتها التي تحملّها مسؤوليّة عالمية ، والعزيمة على القيام بواجبها العالمي .
خاتمة في التحذير من تولي الكافرين والرضا بعلوهم على بلاد المسلمين طمعا في حفظ الدنيا ولو فسد الدين :
هذا ومن الواضح أن سبب هذه الفتاوى المضلّة التي انتشرت على بعض الفضائيات ، هو تهوين أمر الركون إلى الكفار ، والاستخفاف بحكمهم واستيلاءهم على بلاد الإسلام ، وإيثار نهج السلامة ، والبقاء في حياة الرفاه ، والاستمتاع بمتاع الحياة الدنيا ، ولو على حساب فساد الدين ، وإفساد المسلمين ، مع أن ذلك من شأنه أن يذهب الدين والدنيا ، ولكنهم لايعقلون.
ولما كان هذه الفتنة تتكرر ، كلما حلّت جيوش الكفر بلاد الإسلام ، فمن المناسب ، أن ننقل فتوى العلامة سيدي محمد بن مصطفى الطرابلسي ، في التحذير من الركون إلى دول الكفر ، وبيان عاقبة ذلك على دين المسلم ، لما حدث ذلك إبّان الاحتلال الصليبي في القرن الماضي .(1/160)
قال العلامة المهدي الوزاني في النوازل الكبرى 3/72ـ78 : " ذلك أنه سئل العلامة سيدي محمد بن مصطفى الطرابلسي ، لما شاع وكثر في هذه الأزمنة من احتماء المسلمين بالكفار بعد نقضهم البيعة الإسلامية ، بحيث يكون حكمهم كحكم رعاياهم الأصليين ، إذا وقعت لهم حادثة التجأوا إليهم ، واشتكوا إليهم ، وإذا طلبوا أمراء الإسلام يمتنعون ، ويقولون : نحن تحت حماية الدولة الفلانية ، وإذا جلب إلى محكمة أهل الإسلام ، يحضر معه رجل من طرف الحكومة الأجنبية ، هل يجوز هذا في الشرع الشريف ؟
فأجاب : لا يجوز هذا الصنيع القبيح السيء في الشريعة المنورة ، بل هو حرام ، بل قيل : إنه كفر ، وشهد له ظاهر قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بضعهم أولياء بعض ، ومن يتولهم منكم فإنه منهم " ، وكذا ما بعد هذه الآية من قوله تعالى " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " ، فهي صريحة في أنه لا يفعل ذلك إلا من كان في قلبه مرض ونفاق والعياذ بالله . وكذلك ظاهر قوله " ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء " ، أي فليس من ولاية الله في شيء ، فظاهره أنه انسلخ من ولاية الله رأسا ،
وقد قال تعالى في حق المؤمنين : " الله ولي الذين آمنوا " . فمن انسلخ من ولايته تعالى فلا يكون الله وليه ، فلا يكون مؤمنا .
وكذلك قوله تعالى " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما " ، ثم بين المنافقين بقوله تعالى " الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " ، ثم قال " أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا ".
والآيات والأحاديث في هذا الشأن كثيرة ، وهؤلاء المحتمون أشد ضررا على المسلمين من الكفار الأصليين .
ثم قال : فهذا وقد ألّف في هذه الحادثة ، سيدي علي الميلي رسالة شدد فيها النكير على من يفعل هذا الفعل ، قال : فلا يجوز القدوم عليه ولو خاف على ماله أو بدنه ، لأن المحافظة على الدين مقدمة عليهما .(1/161)
ومن القواعد الأصولية :" إذا التقى ضرران ارتكب أخفهما" .
ومنها قولهم : مصيبة في الأموال ولا مصيبة في الأبدان ، ومصيبة في الأبدان ولا مصيبة في الأديان " فالمؤمن رأس ماله ، وأعز شيء عنده دينه ، فهو مقدم على كل شيء " انتهى النقل عن النوازل الكبرى .
ومن يتأمل كلام هؤلاء المتخبّطين بغير علم ، يرى أنهم يعكسون تماما دلالة قوله تعالى " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "
فالله تعالى جعل الكفر والصد عن سبيل الله ، هو الفتنة ، وهي أشد من القتل ، وهؤلاء يجعلون حتى الأذى ، ونقص الرزق ، وذهاب الأمن ، وليس القتل ، أشد عليهم من الفتنة في الدين . وهم مع ذلك لم يتدبروا حقا قوله تعالى " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " ، أي أن الكفار إنما يجعلون قوتهم العسكرية ، وسيلة يتوسلون بها إلى ارتداد المسلمين عن دينهم ، لأن الشيطان هو الذي يقودهم ويأزهم على المؤمنين .
والعجب أنّهم كأنّهم يظنّون ظنّ السوء بربهم ، أنّهم إنْ هم أطاعوه لم يرزقهم على طاعته ، وإن عصوه فصاروا تحت حماية الكفار رزقهم على معصيته ! فتأمّل كيف لبّس عليهم الشيطان ، فظنّوا أنّ في تحالفهم مع أشد الناس كفراً وعداوة للمؤمنين ، أمناً واستقراراً ورفاهاً .(1/162)
كما حكى الله تعالى عن الذين في قلوبهم مرض قولهم : " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين "
وصار مثلهم كما وصف الله تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ " . فهؤلاء الذين يعبدون الله على حرف ، إنما يريدون نصر الدين بشرط أن لا يصيب دنياهم شيء ، فإن خافوا على دنياهم ، لجئوا إلى الكافر فارتموا في أحضانه ، وإن علموا أن في ذلك فسادا عظيما في دينهم ، قد فتنهم حب الدنيا ، فأوردهم هذه المهلكة .
وهم يتذرّعون بأن هؤلاء الكفار الصليبيين يتركون المسلمين يصلون ، ويصومون ، ويحجّون ، ويزكّون ، فليس في موالاتهم ضرر على الدين ، وينسون ، أو يتناسون أن في استعلاء الكفار بثقافتهم ، وأخلاقهم ، وسياساتهم ، واقتصادهم ، فسادُ عامُ عريض دائم يجتث الأجيال ، ويوقعهم تحت تأثير استلاب الكفار للشخصية الإسلامية في أبناء المسلمين ، وتحطيم الهوية الإسلامية ، وتغيير جذري في معالم الإيمان ، واستبدال الثقافة والقيم الغربية التائهة المنحلة بعقيدة الإسلام وأخلاقه ، وأن هذا واقع لا محالة وضرره شامل مستمر وبالغ الخطورة على عموم الأمة .
لكنهم مع ذلك يستروحون إلى طلب الراحة ، والرفاه ، والتوسع في الأموال والتجارات ، تحت ظلّ الكافر ، على حساب عقيدتهم ودينهم .
ويتذرعون أحيانا بالخوف والخطر على الوطن ، وقد حوّلوه إلى صنم ، يحلُّون من أجله الحرام ، ويحرِّمون الحلال ، ويعقدون الولاء والبراء عليه ، ويقدّمون توفير دنياهم فيه ، على صلاح دينهم .(1/163)
وفي هذه الفتنة أنزل الله تعالى : " ألم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ " . وإنما هم في هذه الفتنة : " قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وأبناؤكم وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " .
وهؤلاء بدل أن يجعلوا هذه الفتنة أشد من القتل ، فيفروا منها ولو إلى الموت ، ليرزقهم الله تعالى حياة الشهداء ، بدل أن يفعلوا ذلك ، ليسلكوا سبيل المؤمنين من قبلهم ، فرّوا من مجرد الأذى ـ وليس من الموت ـ إلى الفتنة ، فاركسوا فيها ، واستعملهم الله تعالى في أشدّ مساخطه وهو تسخير أشد أعداءه الذين يبغضهم ، وهم اليهود والنصارى ، تسخيرهم لهؤلاء المفتونين ، يؤيدون خطط الأمريكيين الصليبين في بلاد الإسلام ، ويفتون الناس بأن هؤلاء الصليبين إنما هو مصلحون ، فيضلون ، ويُضلون الخلق ، فنعوذ بالله تعالى أن يستعملنا في مساخطه .
أما قولهم : إنهم متبعون للمصالح الشرعية الراجحة ، أو أنهم يدرءون المفاسد والمضار ، فهو من تلبيس الشيطان ، فمفسدة تأييد استعلاء الكفار على بلاد المسلمين ، من أعظم المفاسد على الدين ، غير أن هؤلاء جعلوا أهواءهم هي المعيار الذي يرجحون به بين المفاسد والمصالح .(1/164)
كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله : " المصالح المجتلبة شرعا ، والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى ، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية ، أو درء مفاسدها العادية ، والدليل على ذلك أمور :
أحدها : ما سيأتي ذكره ـ إن شاء الله ـ أن الشريعة إنما جاءت لتخرج المكلفين من دواعي أهوائهم ، حتى يكونوا عبادا لله ، وهذا المعنى إذا ثبت لا يجتمع مع فرض أن يكون وضع الشريعة على وفق أهواء النفوس ، طلب منافعها العاجلة كيف كانت ، وقد قال ربنا سبحانه " ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن " .
الثاني : ما تقدم معناه من أن المنافع الحاصلة للمكلف مشوبة بالمضار عادة ، كما أن المضار محفوفة ببعض المنافع ، كما نقول إن النفوس محترمة محفوظة الإحياء ، بحيث إذا دار الأمر بين أحياءها وإتلاف المال عليها ، أو إتلافها وإحياء المال ، كان إحياؤها أولى ، فإن عارض إحياؤها إماتة الدين ، كان إحياء الدين أولى ، وإن أدى إلى إماتتها ، كما جاء في جهاد الكفار ، وقتل المرتد ، وغير ذلك ، وكما إذا عارض إحياء نفس واحدة إماتة نفوس كثيرة في المحارب مثلا ، كان إحياء النفوس الكثيرة أولى " الموافقات 2/39
والعجب أن هؤلاء المفتونين ، عكسوا ما أراده الله منهم ، فقد أمرهم بالتزام شريعته ، وتكفّل لهم برزقهم وقدّر آجالهم ، فكان همّهم أرزاقهم ، وآجالهم ، التي تكفل الله بها ، فلا تزيد ولا تنقص ، وأهملوا دينهم الذي أمرهم الله تعالى بحفظه ، وظنوا أن رضاهم بعلوّ الكافر عليهم ، وتحالفهم معه ، سيكون سببا في انبساط الدنيا لهم ، وحلول الأمن عليهم .
ونسوا أن الله تعالى يملي للكافر الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، وأن الله تعالى مهلك هذه الدولة الكافرة الطاغية أمريكا ، كما أهلك الذين من قبلهم ، ولهذا حذّر من اتخاذ الكافرين أولياء ،(1/165)
كما قال تعالى بعدما ذكر إهلاك الأمم في سورة العنكبوت : " فَكُلاَّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " وقد فتنتهم هذه الدولة الكافرة الطاغية أمريكا ، وهالهم تقلبها في الأرض ،
ونسوا قوله تعالى " لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ " .
ونسوا سنة الله تعالى في الطغاة ، وأنها سنة لا تتبدل ولا تتغير : كما قال تعالى : " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يستهزؤون * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ "
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمدوعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا ، وإليك المصير )( موقع الشيخ حامد )
فتوى عن اشتراط وجود الامام في الجهاد
للشيخ العلامة عبدالله بن محمد الغنيمان - حفظه الله -(1/166)
رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة
هل يشترط وجود الإمام للجهاد دفعاً وطلباً، فقد ذكر الإمام عبد الرحمن بن حسن رحمه الله، أنه لم يشترطه أحد من أهل العلم، فهل علمتم أحداً اشترطه ؟.
اجاب الشيخ الغنيمان : الحمد لله ليس هو من شروط الجهاد لا دفعاً ولا طلباً ، أما الدفع فهذا واضح لأن العدو إذا داهم البلاد يجب على كل من قدر على دفعه حتى النساء يجب عليهن أن يقاتلن ، كما ذكر الفقهاء ذلك ، لأن هذا واجب على الأعيان ، والإمام يكون للتنظيم ، فإذا وجد فهو خير وحسن ، وإذا لم يوجد فإنه يجب على المسلمين القتال. ( موقع الاسلام اليوم )
فتوى عن الراية في الجهاد
للشيخ الدكتور ناصر بن عبدالكريم العقل- حفظه الله -
أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ما ضابط توحيد الصفوف في حالة الجهاد الدفعي بالنسبة للحركات الإسلامية وغير الإسلامية؟ هل يتوحَّد الصف مع كل الفئات، أم مع الصفوف الإسلامية دون غيرها من التيارات؟. اجاب الشيخ ناصر العقل :-
( جهاد المدافعة (قتال الدفاع) فيما إذا بوغت المسلمون أو بعض بلادهم أو بعض فئاتهم بعدو معتدٍ يقاتلهم، يوجب توحيد صفوف جميع المسلمين أهل السنة وأهل البدعة، بل وغير المسلمين من المواطنين والمقيمين، لكن يجب أن تكون الراية والقيادة إسلامية. وإذا لم تكن الراية والقيادة إسلامية، فلا يكون للقتال حكم الجهاد بمفهومه الشرعي الشامل، لكن دفاع عن النفس والمال والعرض، والناس (الأفراد) في هذا وذاك على نياتهم، والله أعلم.) ( موقع الاسلام اليوم )
فتوى فضيلة الشيخ الدكتور
رياض بن محمد المسيميري - حفظه الله -
الاستاذ بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية(1/167)
بسم الله الرحمن الرحيم فضيلة الشيخ الدكتور رياض بن محمد المسيميري حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،، لعله بلغكم ما يحصل هذه الأيام في الفلوجة من جراء العدوان الأمريكي نود أن تبينوا لنا ما واجب المسلمين تجاههم ؟ وتجاه هذا العدوان ؟ اجاب الشيخ رياض :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فأقول حامداً لربي، ومثنياً عليه الخير كله، ومصلياً ومسلماً على نبينا محمد وآله وصحبه, ومن سار على نهجه, واقتفى أثره إلى يوم الدين. فلا ريب أنَّ الحرب القائمة ضد الأمة المسلمة في العراق, وفي مدينة الفلوجة على وجه الخصوص, هي جزءٌ من العدوان الصليبي ضد الأمة المسلمة في محيطها الكبير .
إذ من القصور بمكان, أن نحصر العدوان على العراق فضلاً عن الفلوجة, و نغض الطرف على عدوانها الحربي, والاقتصادي والفكري، وحربها العقدية الشاملة ضد كل ما يمت إلى الإسلام بصلة.
إنَّ دماء المسلمين لا تزال تنزفُ في أفغانستان، ولا تزالُ الجيوش الصليبيةِ وحلفائها يحتلون البلاد، ويذلون العباد، ويدنسون العقائد، ويلوثون القيم والأخلاق.
و أناَّ قلَّبت الطرف في حاضرةٍ من حواضر العالم الإسلامي، وجدت منهم فحيح الأفاعي، وعواء الذئاب المتربصة بمزيد من الضحايا المُسلمة.
إن على المسلمين أن يُدركوا أبعاد الصراع القائم, بين الإسلام والنصرانية منذ القدم، قبل أن يحاولوا فهم خلفيات العدوان القائم اليوم ودوافعه.
فالصراع في أصله عقدي، والعداءُ في فلسفته ديني، ولذا فهو أبدي، وحتى الديمقراطيات, وإزالة الدكتاتوريات, وأما حرية الشعوب، وقيم العدالة، وأسس الإضلال, فما هي إلا مخادعات مكشوفة، ومزايدات ممقوتة، ورماد في العيون.
قال الله جل شأنه : (( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ )) (البقرة: من الآية109) .(1/168)
وقال سبحانه : (( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )) (البقرة: من الآية120) والآيات في هذا الشأن كثيرة معلومة.
و حتى لا يتشعب بنا الحديث, فإني سأُقدم بالفقرتين الواردتين في سؤال الموقع.
أما أولهما : وهي ما واجب المسلمين تجاههم؟ فأقول :
لا شك أن المؤمنين جسد واحد, إذا أشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى, كما ثبت بذلك الحديث.
والمسلمون في العراق إخوةُ لنا في الدين والعقيدة، يؤلمنا حقاً ما يُصيبهم، ويُقضُّ مضاجعنا ما يتعرضون له من أولئك الأوباش المجرمين الحاقدين، الذين صبوا جام أحقادهم، ولهيب أضغانهم, على إخواننا الأبرياء الشرفاء.
فالواجب تجاه هؤلاءِ المنكوبين المكلومين، هو ما أوجبه الله تجاههم في كتابه الكريم، (( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ )) (لأنفال: من الآية72) .
الواجب :
أولاً: الدعاء لهم بصدقٍ وحرارةٍ وإخلاصٍ، بأن يفرج كربتهم، ويكشف بلائهم، ويكبت عدونا وعدوهم.
ثانيا ً: بيان عدالةَ قضيتهم، وأنهم محقون كل الحق في الدفاع عن دينهم، وأعراضهم وأموالهم، بل هم ملزمون وجوباً في جهادِ عدوهم حتى النصر أو الشهادة.
ثالثاً : تثبيتهم وتشجيعهم على مواصلةِ الجهاد, وإحسان الظن بالله ، وتعظيم الثقة بموعود الله، وعدم الرضوخ, أو الرهبة من عدوهم, فإنه ضعيفٌ حقيرٌ في قبضةِ رب الأرباب، ومسبب الأسباب، وهازم الأحزاب سبحانه.
وألاَّ ينخدعوا بالدعاية والزخم الإعلامي المضخِّم، والمهوِّل لقوة العدو، فالنصر بالتوكل وصدق العزائم، لا بالسلاح والعتاد (( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ )) (البقرة: من الآية249) .(1/169)
رابعاً : دعوتهم للوحدةِ والتكاتف، ونبذ الفرقةِ والاختلاف، فلعمري كم قصمت وحدة الصف من عدوٍ!؟ (( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )) (الأنفال: من الآية46) .
وخامساً : مدهم بكل مشروعٍ وسببٍ قرآني وسني، يُعينهم في أداءِ مهمتهم، وقهرِ عدوهم، وكبت جما ح صولتهم, وأطماعهم التوسعية والاحتلالية.
وأمَّا واجب المسلمين تجاه هذا العدوان :
فأولاً: أكررُ على المسلمين, أن يدركوا أبعاد الصراعِ بين الإسلام والنصرانية، وأنها حرب دينية عقائدية، وليست نزوةً متغطرس, أو غضب مكلوم، أو ردةُ فعلٍ غير محسوبة .
ثانياً : على المسلمين في كل مكانٍ, أن يدركوا أنَّ العدوَّ ان تُرك له الحبل على الغارب، ولم يُجاهد، ولم يُقاوم، فإنَّه لن يقف عند حدٍ, ولن يتوقف عن التهام دولٍ أخرى متذرعاً بأوهى الحجج وأسخفها .
فبالأمس أفغانستان، واليوم العراق، وغداً السودان، وهكذا والله المستعان, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثالثاً: على المسلمين أن يجتهدوا في الدعاءِ على العدو الغاشم الكافر، فهل هُزم المشركون في بدرٍ إلا بالدعاء ؟ وهل زُلزل الأحزاب يوم الخندق إلا بالدعاء ؟ وهل دخل قائد من الأسلاف معركة إلا بالدعاء والابتهال والتضرع ؟
قال سبحانه : (( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ )) (لأنفال:9)(1/170)
رابعاً: بغض هذا العدوِّ والبراءةُ منه، وعدم التعاونِ معه، أو تسهيل أسباب بقائه، أو الانخداعُ بدعاياته وحملاته التضليلية ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) (الممتحنة:4)
وختاماً: أسأل الله جلّت قدرته, أن يُفرحنا بنصره, ويذيقنا حلاوته، وأن يطهر العراق وأقطار المسلمين كآفةً, من رجس النصارى واليهود، وأن يحفظ علينا أمننا وديننا وبلادنا من كل سوءٍ، وأن يُعلي كلمته، وينصر دينه، وينصر عباده الموحدين إنه جوادٌ كريم, وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
( موقع الشيخ رياض )
فتوى الشيخ الدكتور
عبدالعزيز بن فوزان الفوزان - حفظه الله -
الاستاذ بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية(1/171)
هناك من المسائل التي تطرح مؤخراً يلغ فيها الكثير من الكتاب دكتور عبد العزيز ممن ليس لهم حظ في العلم الشرعي ونصبوا أنفسهم في مقالاتهم وكتاباتهم أنهم مفتين وهم ربما لا يعرفون من ذلك شيئاً والأصل في ذلك احترام التخصص ونحن إذ نحترم لبعض الكتاب مثلاً كتاباتهم الإعلامية ونحترم تخصصهم فيجب أن يحترموا الآخرين بتخصصهم وخصوصاً أصحاب العلم الشرعي دعنا دكتور عبد العزيز في نهاية البرنامج نقف مع ما يسمى بجهاد الدفع وثارت حول هذه الكلمة مسائل كثيرة هل يجب في جهاد الدفع اشتراط إذن ولي الأمر في ذلك إذا حصر الناس في مدنهم اليوم هل يفترض أن نقول لهم لا تجاهدوا والعدو قد نزل بكم فأجاب الشيخ عبدالعزيز الفوزان : (إذا لم يوجد لهم ولي أمر كما هو الواقع الآن مع الأسف في بعض بلاد الإسلام فهل يستسلم المسلمون لهؤلاء الأعداء المحتلين أنا لا أعرف أحد العلماء يقول بجوازه العلماء أجمعوا على أن العدو إذا دهم بلاد المسلمين صار جهاد هذا العدو فرض عين على كل قادر على الجهاد ..، وهو فرض عين على أهل العراق أنفسهم أن يجاهدوا هذا العدو حتى يخرجوه من بلادهم خصوصاً أنه الآن يا أخي يصول على الأعراض وعلى الدماء وعلى الأموال فهل يترك أبداً يا أخي بل جهاده فرض عين على كل قادر من أهل هذا البلد ،..أيضاً عندما تأتي وتقول عدو لا تستطيع مقاومته لا يجوز لك المقاومة إذا كان يغلب على ظنك القدرة على مقاومته وأنا أقول أنه فعلاً مقاومة الاحتلال في العراق أو غيرها ممكنة وما يفعله الآن يعني مع أنهم متفرقون ولم تجتمع كلمتهم الآن من إثخانهم في العدو واستنفاذ يعني استنزاف قوته أكبر شاهد على ذلك لكن إذاً أقول أنه بالنسبة لأهل العراق الجهاد عليهم واجب لإخراج هذا العدو من بلادهم ..) ( الجواب الكافي/ موقع قناة المجد )(1/172)
هذا وقد افتى بمشروعية الجهاد في العراق في نفس البرنامج ( الجواب الكافي ) كل من فضيلة الشيخ الدكتور الاطرم والشيخ سعد بن سعيد الحجري والشيخ الدكتور سعد الحميد والشيخ الدكتور صالح بن محمد السلطان وغيرهم )
فضيلة الشيخ الدكتور
عبدالعزيز بن ناصر الجليل
قال فضيلة الشيخ عبدالعزيز : ( واليوم لم يعد خافياً على كل مسلم ما تتعرض له بلدان المسلمين قاطبة من غزو سافر وحرب شرسة على مختلف الأصعدة، وذلك من قبل أعدائها الكفرة، وأذنابهم المنافقين؛ فعلى الصعيد العسكري ترزح بعض بلدان المسلمين تحت الاحتلال العسكري لجيوش الكفرة المعتدين التي غزت أهل هذه البلدان في عقر دارهم كما هي الحال في أفغانستان والشيشان والعراق وفلسطين وكشمير، وعلى صعيد الحرب على الدين والأخلاق والإعلام والتعليم والاقتصاد لم يسلم بلد من بلدان المسلمين من ذلك. وكما هو مقرر عند أهل العلم أن جهاد الكفار يصبح متعيناً على أهل كل بلد عند ما يغزون في عقر دارهم، ويجب على كل قادر أن ينفر لصد العدوان وقتال الكفار حتى يجلوا عن أرض المسلمين، والجهاد في هذه البلدان يكون بالنفس والمال ولا يشترط له شرط كما أوضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ بقوله: "وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين، فواجب إجماعاً؛ فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء : أصحابنا وغيرهم، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده"(4). ويجب على بقية بلدان المسلمين أن ينصروا إخوانهم في بلدانهم المغزوة بأن يمدوهم بالمال والسلاح والبيان والدعاء، وإذا لم يكف المقاتلون في البلد المعتدى عليه في صد العدوان وجب على البلاد المجاورة لهم أن تمدهم بالرجال والمال حتى يكتفوا كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ حيث يقول:(1/173)
"وإذا دخل العدو بلاد المسلمين فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذا بلاد المسلمين كلها منزلة البلدة الواحدة" الاختيارات الفقهية ص 448
وقال الشيخ : ( وها نحن في هذا الزمان نشاهد فريقاً منهم يقفون نفس الموقف الذي وقفه إخوانهم يوم الأحزاب؛ وذلك عند ما رأى منافقوا زماننا ما أحاط بالمسلمين من النوازل، ورأوا إخوانهم من الصليبيين يحيطون ببلدان المسلمين فظهر نفاقهم وبدا للناس ما كانوا يخفون من قبل، وأصبحنا نسمع منهم الإرجاف وترديد ما يقوله الكفرة الغزاة عن المجاهدين والدعاة الصادقين، وراحوا يحرضون عليهم ويشمتون بما يصيبهم من المحن والمصائب، وصاروا يبثون في الأمة اليأس من مقاومة الغزاة، يحسنون الكفرة الغزاة في عيون المسلمين، ويستبشرون بمجيئهم ويساندونهم في تنفيذ مخططاتهم لغزو العقيدة والأخلاق ، قال الله _تعالى_ في وصف سلفهم من المنافقين الأولين: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" (الحشر:11)(1/174)
وفئة أخرى لم يساورها الشك في دين الله _تعالى_: بنصرة أوليائه، وإنما أصابها اليأس من ذلك في هذا الزمان حيث رأت أن المسلمين اليوم غير قادرين على المواجهة لعدم تكافؤهم مع عدوهم وعليه فلا داعي للمقاومة التي لا تفيد شيئاً، وإنما هي بمثابة المحرقة التي تحرق المسلمين وبخاصة المجاهدين منهم، والحل عند هؤلاء: الاستسلام للواقع وانتظار معجزة ربانية من الله _عز وجل_ كانتظار المهدي أو المسيح عيسى ابن مريم _عليه الصلاة والسلام_!! ولا يخفى ما في هذه التصور من الانحراف والشطط، وكم هو مفرح للكفرة والمنافقين مثل هذا التفكير ومثل هذه المواقف المستخذية التي تبث اليأس في نفوس المسلمين وتعيقهم عن بذل الجهد في الدعوة والجهاد والأخذ بالأسباب الشرعية والمادية للنصر على الأعداء.)
وقال الشيخ ايضا : ( أما تلك الحركات الجهادية التي أعلنت جهادها على الكفار في العراق وأفغانستان لمواجهة التحالف الصليبي أو في كشمير لمواجهة الهندوس والوثنيين، أو في الشيشان لمواجهة الملاحدة الشيوعيين، أو في فلسطين لمواجهة اليهود الغاشمين فإنها حركات مشروعة لوضوح الراية الكفرية، وزوال اللبس عن المسلمين في تلك الأماكن، كما أنه جهاد للدفاع عن الدين والعرض والمكان حتى لا ترتفع فيه راية الكفار. والذي حملني على هذا التنبيه ما نسمعه - ويا للأسف - من بعض الفتاوى المتسرعة والتي مفادها أن القتال ضد الغزاة الكفرة في العراق هو قتال فتنة وتعجل وافتئات على الأمة وهذا من صور الابتلاء الذي يتعرض له المسلمون في هذه الأزمنة.) ( الاحداث المعاصرة في ضوء السنن الربانية للشيخ )
مناقشة فضيلة الشيخ عبدالعزيز التميمي
لمن حرم الجهاد في العراق
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان وفقه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسأل الله لي ولكم العافية في الدنيا والآخرة وبعد :(1/175)
فانطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) , ومن باب التواصي بالحق ووجوب المناصحة بين المسلمين أكتب لكم بعض التعقيبات والإيرادات على ما طرحتموه وتطرحونه في الحوارات الفضائية والصحفية من بيان موقفكم من قيام المجاهدين السنة في أرض الرافدين برفع راية الجهاد ضد العدو الصليبي المحتل الذي غزا المسلمين في عقر دارهم ، وقصدي من هذه المناصحة بالدرجة الأولى أنتم بارك الله فيكم ؛ فإني أخاف عليكم من تبعات هذه الفتوى في الدنيا والآخرة , وإلا والحمد لله فالسواد الأعظم من المسلمين علمائهم وعامتهم قد أنكروا هذه الفتوى واستغربوا أن تصدر من أمثالكم .
أسأل الله عز وجل أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم والآن أرجو أن تفتح قلبك لهذه المناصحة وأن تتقبلها بصدر رحب وأن تحسن الظن بمسديها لكم .
فضيلة الشيخ : يرد على فتواكم بعدم مشروعية الجهاد في العراق الإيرادات التالية :
الإيراد الأول : من المعلوم أن الفتوى الشرعية حتى تكون مسددة وصائبة فلا بد لها من ركنين اثنين :
الأول : معرفة الواقعة التي يراد الافتاء فيها من جميع الجوانب .
الثاني : معرفة حكم الله فيها أو في مثلها وحينئذ ينزل الحكم على الواقعة وبهذا يتم إصابة الحق إن شاء الله تعالى ولتطبيق هذه القواعد على ما يدور الآن من جهاد وقتال بين المسلمين وبين الكفرة الصليبين الغزاة و المظاهرين لهم من المنافقين في العراق يتبين لنا ما يلي :
أولاً : توصيف الواقع : والواقع في أرض العراق أنها أرض إسلامية غزيت من قبل الأمريكان الكفرة وحلفائهم من الغرب والشرق واحتلوا هذه الأرض الإسلامية وفتنوا المسلمين أصحاب هذه الديار في دينهم ودمائهم وأعراضهم واقتصادهم .(1/176)
ومما يتعلق بوصف الواقع أيضاً أن غزو الكفار لأرض العراق سيتعداه إلى الدول المجاورة للعراق فيما لو انتصر الكفار وفرضوا سيطرتهم على العراق - لا قدر الله تعالى - وهذا ما يلوحون به بل يصرحون به أحياناً بما يسمى بـ مشروع الشرق الأوسط الكبير-
ثانياً : معرفة حكم الله عز وجل في مثل هذه الواقعة :
قد حسم علماء الإسلام هذا الأمر بما لا يدع مجالاً للشك ولا للتردد والحيرة حيث قسموا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلى قسمين :
1- جهاد الطلب : وهو طلب العدو في أرضه وإخضاعه لدين الإسلام وهو فرض كفاية إلا أن يطلب الإمام النفير من عموم المسلمين فعندئذ يتعين ، وكذلك الحال فيما لو حضر المسلم الصف للقتال فلا يجوز له حينئذ النكوص عن القتال ولو كان القتال في أصله كفائياً .
2- جهاد الدفع : وهو جهاد الكفار الذين هاجموا المسلمين في عقر دارهم وراموا احتلال بلاد المسلمين وفرض حكمهم عليهم .
وهذا النوع من الجهاد هو الذي أفتى فيه أهل العلم بأنه فرض عين على أهل هذا البلد المغزو حسب القدرة المتاحة لهم فإن لم يستطيعوا وجب على من يليهم من بلدان المسلمين نصرتهم وفي ذلك .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وإذا دخل العدو بلاد المسلمين فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب ، إذ بلاد المسلمين كلها بمنزلة البلدة الواحدة ) الاختيارات الفقهية ص 447 .(1/177)
وقد نقل رحمه الله تعالى الإجماع على وجوب جهاد الدفع هذا , وأنه لا يشترط له شرط من توفر القدرة التامة والإمكانات , بل إن العدو يدفع حسب الإمكان ؛ يقول رحمه الله تعالى : ( وأما الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً ، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان ، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده ) الاختيارات الفقهية ص 309، 310
ولما سئل رحمه الله تعالى فيما لو تعارض إنفاق المال في الجهاد الذي يتضرر بتركه مع إطعام الجياع أفتى رحمه الله بقوله:( قدمنا الجهاد وإن مات الجياع كما في مسألة التترس وأولى ؛ فإن هناك - التترس - نقتلهم بفعلنا وهنا يموتون بفعل الله ) الفتاوى الكبرى 4/608
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعمّ وجوباً ، ولهذا يتعين على كل أحد أن يقوم ويجاهد فيه : العبد بإذن سيده وبدون إذنه ، والولد بدون إذن أبويه ، والغريم بغير إذن غريمه ، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق ، ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون ، فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين ، فكان الجهاد واجباً عليهم ، لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع ، لا جهاد اختيار ) الفروسية لابن القيم ص 187
فهل يدع هذا الكلام الواضح الصريح الذي صرح به هذان العالمان الجليلان في حكم جهاد الدفع من قول لقائل أو فتوى لمفت بأن جهاد الأمريكان الغزاة في العراق غير مشروع
الإيراد الثاني : من حجج المانعين من جهاد المحتلين في العراق عدم مقدرة المسلمين هنالك على قتال الأمريكان وحلفائهم ؛ وذلك لضعفهم وللأضرار العظيمة التي تصيب المسلمين من عدوهم من جراء ذلك .
والجواب على هذه الشبهة من ثلاثة أوجه :(1/178)
الوجه الأول : سبق كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وتلميذه ابن القيم رحمه الله تعالى وذلك بقولهما إن جهاد الدفع لا يشترط له شرط بل يدفع العدو الصائل حسب الإمكان ؛ لأنه جهاد ضرورة ودفع لا جهاد اختيار ، ولا أرى داعياً إلى نقل كلامهما مرة ثانية فليرجع إليه في الفقرة السابقة .
الوجه الثاني : إن القول بأن المسلمين في العراق لا قدرة لهم ولا حيلة لدفع عدوهم الكفار والمحتل كلام يكذبه الواقع ويرده ، فما نراه اليوم ونسمعه من الإثخان الشديد والنكاية العظيمة بالكفرة الغزاة من قبل المجاهدين شيء يثلج صدور كل مسلم صادق محب لدينه وأهل ملته ، وقد اعترف العدو الكافر بهذه المعاناة والإثخان مع محاولته التعتيم الشديد على نقل أخبار قتلاه وجرحاه وخسائره الكبيرة ، فكيف يقال إنه لا قدرة للمسلمين هناك على قتال عدوهم ونحن نرى ونسمع ما يشفي صدورنا من هزائم متلاحقة للكفرة وأذنابهم من المنافقين ؟
الوجه الثالث : لو سلمنا باشتراط القدرة لجهاد المحتل في العراق فما هي حدود هذه القدرة ومن الذي يحددها ؟(1/179)
وللجواب على ذلك نرجع إلى ما سبق بيانه من أن الفتوى والحكم على الشيء يقوم على معرفة الواقعة التي يراد الحكم فيها ، وعلى معرفة حكم الله في مثلها ، وإذا أردنا أن نطبق هذه القاعدة هنا على مسألة القدرة على قتال الغزاة في العراق فمن الذي يصف لنا هذا الواقع ويحدده بدقة ؟ أهم الذين يعيشون هذا الواقع ويعرفون ما عندهم من القدرة وما عند عدوهم ؛ ويعلمون الملابسات والظروف المحيطة بهم وغير ذلك من المسائل التي لها أثر في إعطاء الوصف الدقيق ؟ أم أن الذي يصف هذا الواقع وبالتالي يفتي فيه هو من يجهل هذا الواقع ممن هو بعيد عن البلد وظروفه ومجريات الأمور فيه ولا دراية له بأحوال المجاهدين وقدراتهم ولا حال عدوهم وما يعاني من مشاكل وورطات ؟ لا شك أن الجواب البدهي الموافق لقواعد الفتوى هو أن الذي يحدد القدرة ووجوبها من عدمها هو من يعيش في هذا الواقع ويراه و يلمسه ، ويعاينه يوماً بعد يوم ، فلا جرم أن كانوا هم أولى من يفتي في ذلك فهم الذين يقاسون حر وجرم العدو الغازي ويلمسون جبنه وخيبته ؛ وثقتهم بالله عز وجل كبيرة في إلحاق الهزيمة به ولو بعد حين .
فليتق الله عز وجل أولئك الظالمون لأنفسهم الذين يفتون في واقع الجهاد وهم بعيدون عنه لا يعلمون عنه إلا نتفاً من هنا وهناك ـ وقد يكون أغلبها من الإعلام المضلل المخذل ـ وليتركوا الحكم على الوقائع لأهلها الذين يعانون حرها وقرها , ويعرفون مدخلها ومخرجها . نسأل الله عز وجل أن يرفع عنهم البلاء وأن يثبت أقدامهم وينصرهم على القوم الكافرين .(1/180)
الإيراد الثالث : عندما غزا الروس الشيوعيون بلاد الأفغان في العقود الماضية أجمع علماء المسلمين على مشروعية جهاد الشيوعيين هنالك , وهب أغنياء الأمة وأغلب حكامها في مساندة المجاهدين في أفغانستان بالمستطاع من المال والعتاد والرجال ، وبعد أن هزم الله الشيوعيين على أيدي المجاهدين وخرجوا أذلة صاغرين بعد ذلك بسنوات غزا الصليبيون أرض أفغانستان بقيادة أمريكا الطاغية ثم قامت بعد ذلك بغزو العراق واحتلاله والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة هو :
ما الفرق بين غزو الشيوعيين لبلاد أفغانستان وبين غزو الأمريكان الكفرة لبلاد الأفغان والعراق ؟
أليس كلاهما عدوين كافرين قاما بغزو المسلمين في عقر دارهم واحتلوا بلادهم ؟
إذن فما معنى كون الجهاد مشروعاً ضد الشيوعيين عندما احتلوا أفغانستان وليس مشروعاً عندما احتل الأمريكان الكفرة أفغانستان والعراق ؟ وما معنى أن يهب المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لنصرة إخوانهم المجاهدين في أفغانستان ـ هذا بنفسه وذاك بماله ، وآخر برأيه وخبرته ـ ثم لا نجد هذه المناصرة للمجاهدين في أرض العراق المحتلة إلا من قلة من الناس على خوف ووجل ؟ أليس في هذا تفريق بين متماثلين وتطبيق لمعيارين ؟ وإن لم يكن هذا هو الواقع فما هو الجواب إذن ؟
إني لا أجد جواباً مقنعاً إلا القول بأن أمريكا كانت راضية مؤيدة لذلك الجهاد لأنه ضد أعدائها الروس ، أما في العراق فإن أمريكا هي الغازية وبالتأكيد هي المستهدفة بالقتال والجهاد , هذا هو الجواب المقنع لهذه التساؤلات المحيرة ، ولكن هل هذا الجواب هو المنجي بين يدي الله عز وجل ؟ وهل هو عذر لهذا التخذيل والتعويق والتباطؤ عن نصرة المجاهدين في أرض الرافدين ؟(1/181)
وإهمالاً لهذا الجواب الصحيح سمعت من بعض المنتسبين للعلم جواباً آخر مفاده أن المجاهدين في أرض الأفغان كانت لديهم القدرة وكانوا يُدعمون من المسلمين بكل مكان , بل كانت بعض الدول الكافرة تدعمهم ، أما الجهاد في العراق فليس له القدرة وليس هناك من يدعمه ولا من ينصره كما حصل ذلك في أفغانستان !!
ولا يخفى ما في هذا الجواب من اضطراب وحيدة عن الجواب الصحيح السالف الذكر. إن الأفغان لما بدؤوا الجهاد لم يكن لديهم الحد الأدنى من القدرة , وكانت بدايتهم ببنادق الصيد والأسلحة الشخصية عكس المجاهدين في العراق ؛ فهم منذ بدايتهم وهم يملكون مخازن الأسلحة المتطورة والمتنوعة ولديهم أهل الخبرة في القتال فكيف يقال : إن جهاد الأفغان كان لديه القدرة وهذه بدايتهم ، نعم لقد تلقوا بعد ذلك دعم إخوانهم المسلمين لهم ، فلماذا لا يكون مثل هذا الدعم للمجاهدين في العراق ؟ والجواب هو ما ذكرته آنفاً وهو الجواب الصحيح مهما حاول من يحاول الحيدة عنه ، ولكنه والله لا يعذر عند الله تعالى ولا تبرأ به الذمة .
وأمر مهم لا بد من ذكره هنا :
ألا وهو التأكيد على أن دعم الجهاد في العراق أهم و آكد من دعم الجهاد السابق في أفغانستان ضد الشيوعية ذلك لأن جهاد الصليبين في أرض العراق والنكاية بهم وإلحاق الهزيمة بهم إن هو إلا دفاعاً عن المنطقة الإسلامية المحيطة بالعراق كلها وليس دفاعاً عن العراق وحده ، وانتصار المجاهدين هنالك هو انتصار للمسلمين في البلاد المجاورة كلها ؛ ذلك لأن الكفرة الغزاة قد أعلنوا ذلك في خططهم وطفح على ألسنة قادتهم كطرحهم مصطلح الشرق الأوسط الكبير.(1/182)
وإن نجاحهم في إيجاد حكومة ديمقراطية - بزعمهم - يعني فرضها بعد ذلك على دول المنطقة ، وقيامهم بالتدخل السافر في خصائص سياسة كل بلد كالجيش والتعليم والإعلام والاقتصاد وضرورة أن يمشي وفق النظرة الأمريكية ، ولو تم انتصارهم في العراق لا قدر الله عز وجل ووجدوا أنفسهم مستقرين مرتاحين لا يزعجهم أحد بقتال ولا جهاد لبدؤوا بتنفيذ مخططاتهم في غزو دول المنطقة سواء بالغزو العسكري السافر أو الغزو المبطن الذي يتدخل في تغيير عقيدة الأمة وهويتها وثقافتها ويجعلها تابعة ذليلة للغرب الكافر .
إذن : فكسر الأمريكان في العراق والإثخان فيهم وجعلهم لا يذوقون الراحة والاطمئنان من شأنه أن يحمي العراق ودول المنطقة كلها من شر هؤلاء الكفرة , ومن شأنه أن يحبط عليهم مخططاتهم ومكرهم ويقطع الطريق عليهم حتى لا يفكروا مرة أخرى بغزو بلاد الإسلام .
أما لو ضعف الجهاد في العراق وخذل أهله كما يفعله الآن - وللأسف - بعض المنتسبين إلى العلم فإن النتيجة وخيمة على المسلمين بعامة وليس على أهل العراق خاصة . فليتق الله عز وجل من ينفر الناس من جهاد المسلمين في العراق ؛ إنه بذلك يقدم خدمة كبيرة للغزاة الكفرة في التمكين لهم وإفساح الطريق الممهد لهم في تثبيت جذورهم في أرض العراق المسلمة , والتي ينطلقون بعد ذلك منها لفرض سيطرتهم العسكرية أو الفكرية التامة على بلاد الحرمين والخليج والشام .
أفيرضي المخذلون للجهاد في العراق بهذه النتيجة المرة ؟؟؟
الإيراد الرابع : لو سلمنا جدلاً بما يقوله المانعون للجهاد في العراق بحجة العجلة والتهور وعدم القدرة أو بحجة الأخطاء التي يرتكبها بعض المجاهدين في قتالهم فما هو الموقف من هؤلاء المجاهدين بعد أن لم يسمعوا ولم يقتنعوا بحجج المانعين حيث بدؤوا جهادهم واشتعل القتال بينهم وبين عدوهم الكافر المحتل ؟(1/183)
هل يجب والحالة هذه دعمهم ومواصلة توجيههم ونصحهم والوقوف معهم أمام العدو الكافر ؟ أم العكس من ذلك وهو تخذيلهم وتحذير الناس منهم ومن دعمهم ؟ أم اعتزال الفريقين والنظر إلى هذا القتال على أنه قتال فتنة فلا يشارك فيه بيد ولا لسان ولا مال ؟
هذه المواقف ثلاثة نضعها أمام المانعين للجهاد في العراق فما هو الموقف الصائب منها الموافق للشرع ومقاصده ؟
إن مما أقره أهل العلم في جهاد الكفار أنهم يرون قتالهم مع البر والفاجر لا يمنع فجور المسلم وفسقه من أن يقاتل معهم , إذا كان العدو كافراً بل حتى لو كان المسلمون المجاهدون أصحاب بدعة غير مكفرة لجاز أو وجب قتال الكفار معهم وبخاصة إذا كان القتال قتال دفع وصد للكفار عن ديار المسلمين ، ولم يقل أحد من أهل العلم بأنه قتال فتنة ؛ لأن قتال الفتنة هذا الذي يكون بين فئتين من المسلمين أما القتال بين الكفار وبين المسلمين فلم يقل أحد من أهل العلم بأنه فتنة ولو كان الصف المسلم متلبساً ببدع غير مكفرة أو فسوق أو أخطاء ، بل يجب والحالة هذه مناصحتهم فيما هم عليه من أخطاء فإن استجابوا فالحمد لله وإن لم يستجيبوا لسبب أو آخر فلا يكون هذا مبررا لاعتزالهم فضلاً عن التنفير منهم أو التحذير من دعمهم أو نصرتهم ، لأن في تخذيلهم أو التخلي عن نصرتهم إعانة ومظاهرة غير مباشرة للعدو الكافر الصائل , وتوهين للصف المسلم وإخفاق له مما قد يقود إلى انتصار الكفار وتمكينهم من بلدان المسلمين ؛ وحينئذ لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة . فإذا تقرر هذا مع أهل البدع ، فكيف والحال عند المجاهدين السنة في العراق أنهم ملتزمون بمنهج أهل السنة الجماعة ؟(1/184)
والمقصود أن يتقي الله عز وجل هؤلاء المخذلون للمجاهدين والمنفرون عن جهاد الكفار بحجة أخطاء المجاهدين أو تسرعهم ، وبما أن سوق الجهاد قد قام بين المسلمين وأعدائهم الكفرة فليس أمام المسلم إلا أن يتولى إخوانه الذين يجاهدون الكفرة الغزاة ولو كان يرى أنهم مخطئون ما دام أن هذا الخطأ لم يخرجهم من الإسلام .
أما أنه ـ لا قدر الله تعالى ـ يضع نفسه في خندق المخذلين لهم المضعفين لشوكتهم ، فما أقرب هذا الخندق من خندق الكفرة المعتدين ؛ لأن فرحهم بذلك سيكون شديداً ،
ويكفي بفرح الكفار وسرورهم بهذه المواقف المخذلة مقتاً وشناعةً ونكراً , فإن المتعين على المسلم أن يقوم بما يغيظ الكفار ويحزنهم لا بما يفرحهم ويسرهم ؛ قال تعالى : (( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ )) (المائدة: من الآية54) وقال تعالى : (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) (الفتح:29) .
وقال تعالى : (( وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)) (التوبة: من الآية120) .(1/185)
الإيراد الخامس : لا أدري ما هو موقف من يفتي بعدم مشروعية الجهاد في العراق والاستسلام للأمر الواقع وعدم مدافعته .. لا أدري ما موقفه فيما لو غزت أمريكا بلاد الحرمين - لا قدر الله عز وجل - ونصبت فيها أحد عملائها حاكما على المسلمين فهل يرى الاستسلام لذلك والرضى به وعدم مقاومته أم أنه يرى جهادهم ودفعهم قدر الإمكان ؟
فإن كان الجواب بالاستسلام والرضى بالواقع فهو الخزي والعار والشنار وإن كان الجواب هو الجهاد والدفع فقد وقع في التناقض والاختلاف في تطبيق المعايير والتفريق بين المتماثلين إذ ما الفرق بين بلاد الحرمين وبلاد الرافدين أليس كل منهما أرضا من بلاد المسلمين ؟
وأختم هذه الرسالة بتذكير نفسي وتذكير الشيخ العبيكان بضرورة مراجعة النفس ومحاسبتها والحذر من الأهواء الخفية التي قد تخفى على صاحبها فيظن أنه متجرد للحق فتدفعه لمثل هذه الآراء الشاذة وكما أخبر المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه فإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار وإن سلف هذه الأمة وخيارها كانوا يخافون على أنفسهم من النفاق والفتنة على ما وقر في قلوبهم من الإيمان و مجانبتهم لأسباب النفاق وذرائعه وتحريهم للحق والصواب وطلبهم له من مصادره الأصيلة كما أطلب منه الوقوف على تلك الإيرادات السابقة وغيرها من الإيرادات ومراجعة فتواه وعرضها على ميزان الكتاب والسنة بفهم خيار الأمة والتراجع عنها علنا إبراء لذمته أمام الله عز وجل ، أسأل الله عز وجل أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويعز جنده كما أسأله سبحانه أي يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .( موقع المسلم )
صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور
عبدالعزيز آل عبداللطيف - حفظه الله -
الاستاذ بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الامام محمد(1/186)
قال فضيلته في مقال له بعنوان ( عندما تكون الفتوى ) :-( قام ليون روش الفرنسي برحلة إلى مصر والحجاز سنة 1842م متنكراً في زي حاج مسلم، من أجل الحصول على موافقة من العلماء على نص فتوى جاء بها من الجزائر تجعل الجهاد ضد الفرنسيين من باب إلقاء النفس إلى التهلكة، ومن ثم ضرورة الرضا بحكم الفرنسيين في الجزائر وعدم شرعية حركة المقاومة التي كان يقودها الأمير عبد القادر الجزائري، وقد شارك روش في هذه الرحلة وصياغة الفتوى مجموعة من شيوخ الصوفية((انظر الرحلات إلى شبه الجزيرة العربية (من إصدار دارة الملك عبدالعزيز 1/249).)). لكن علماء الأزهر لم يوافقوه على تلك الفتوى(انظر تاريخ الجزائر لمسعود الجزائري ص284)، وقد أحسنوا في ذلك، ولو أنهم فعلوا كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية مع اليهود لكان أكمل وأجمل، فقد أظهر طائفة من اليهود كتاباً قد عتّقوه وزوّروه، وفيه: أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أسقط عن يهود خيبر الجزية، فراج ذلك عن من جهل سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وظنوا صحته حتى ألقي هذا الكتاب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية - قدّس الله روحه - وطُلب منه أن يعين على تنفيذه والعمل عليه، فبصق عليه، واستدل على كذبه بعشرة أوجه(انظر زاد المعاد 3/152).(1/187)
لقد أدرك الفرنسيون أن الفتوى سلاح نافذ وعظيم الأثر على أهل الإسلام، فكتبوا تلك الفتيا على الطريقة الفرنسية، وأرادوا تمريرها على علماء الأزهر والحجاز، لكنهم خابوا وخذلوا، أما في هذه الأيام فلا يحتاج إلى هذا العناء، فما هو إلا لقاء عابر ويحصل المقصود، كما في تأييد شيخ الأزهر نزع حجاب المسلمات في فرنسا.إن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا، روى مسلم في صحيحه عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "من مات ولم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق". يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "الجهاد فرض على الكفاية، ولا بد لكل مؤمن من أن يعتقد أنه مأمور به، وأن يعتقد وجوبه، وأن يعزم عليه إذا احتيج إليه، وهذا يتضمن تحديث نفسه بفعله فمن مات ولم يغز أو لم يحدث نفسه بالغزو نقص من إيمانه الواجب عليه بقدر ذلك، فمات على شعبة نفاق" (مسألة المرابطة بالثغور ص54).
ويقول في موضع آخر: "من ترك الجهاد عذّبه الله عذاباً أليماً بالذلّ وغيره، ونزع الأمر منه فأعطاه لغيره، فإن هذا الدين لمن ذبّ عنه".
وفي الحديث عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ "عليكم بالجهاد، فإنه باب من أبواب الجنة، يُذهِب الله به عن النفوس الهمّ والغمّ"(أخرجه أحمد 5/319).
ومتى جاهدت الأمة عدوّها ألّف الله بين قلوبها، وإن تركت الجهاد شَغَل بعضَها ببعض. (جامع المسائل 5/300). لقد راع أعداء الإسلام شأن الجهاد وأوجعتهم معارك الجهاد، فسعوا إلى تعطيل هذه الشعيرة بكل ما أوتوا من مكر وحيلة، سواءً عن طريقهم أو طريق عملائهم من الزنادقة والمنافقين وأشباههم.(1/188)
فالميرزا غلام القادياني (زعيم القاديانية، وأحد صنائع الإنجليز) يقول: "لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ومؤازرتها، وقد ألفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولي الأمر الإنجليز من الكتب والنشرات ما لو جمع بعضها إلى بعض لملأ خمسين خزانة"(عن كتاب (ما هي القاديانية) لأبي الأعلى المودودي ص12، وانظر ص96-103). وشابه الرافضةُ القاديانية في تعطيل الجهاد، فقالوا: لا جهاد حتى يخرج الإمام، وقرروا أن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير(انظر تفصيل ذلك في كتاب أصول الشيعة الاثني عشرية لناصر القفاري 2/888
وقد قال بعض عوام أهل السنة لأحد شيوخ الرافضة: إذا جاء الكفار إلى بلادنا فقتلوا النفوس وأخذوا الأموال هل نقاتلهم؟ فقال الرافضي: لا. المذهب أنّا لا نغزو إلا مع المعصوم، فقال العامي: والله إن هذا لمذهب نجس(انظر منهاج السنة النبوية 6/118انظر منهاج السنة النبوية 6/118).(1/189)
ويبدو أن هذه اللوثة قد عرضت لبعض المتسننة كما هو مشاهد في أحداث العراق، فهناك من يطالب بالإذعان لعملاء أمريكا - في العراق - باعتبار أنهم ولاة أمور، وهناك من أفتى بمنع مقاومة العدو الصليبي المحتل محتجاً بعلل عليلة، فادعى بعضهم بأنه لا جهاد إلا مع إمام . وقد ردّ الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - على من قال: لا جهاد إلا مع إمام، فإذا لم يوجد إمام فلا جهاد، فقال: "فيلزم على هذا أن ما يلزم بترك الجهاد، من مخالفة دين الله وطاعته جائزٌ، بجواز ترك الجهاد، فتكون الموالاة للمشركين والموافقة والطاعة جائزة، واللازم باطل، فبطل الملزوم، فعكس الحكمَ الذي دلّ عليه القرآن العزيز، من أنها لا تصلح إمامة إلا بالجهاد.." (الدرر السنية 8/167).وأما إذن الإمام فهي من مسائل الاجتهاد التي يسع فيها الخلاف، وقد برزت هذه المسألة في بلاد المغرب العربي زمن الاحتلال الأجنبي في القرن الحادي عشر الهجري(انظر الفتاوى الفقهية في أهم القضايا لحسن اليوبي ص192)، ووقع جدال بين فقهاء تلك البلاد، فقد نصّ محمد العربي الفاسي (ت 1052هـ) في فتواه على أن الجهاد لا يتوقف على وجود الإمام، ولا على إذنه، فقال: "ومن المعلوم الواضح أن الجهاد مقصد بالنسبة إلى الإمامة التي هي وسيلة، لكونه في غالب العادة لا يحصل الكمال إلا بها، فإذا أمكن حصوله دونها لم يبق معنى لتوقفه عليها"(المرجع السابق ص193المرجع السابق ص193).(1/190)
وأغلب فقهاء المغرب لم يجعلوا الجهاد موقوفاً على إذن الإمام، ويعود موقفهم هذا إلى طبيعة الظروف السياسية التي عاصروها، فراعوا بذلك المصلحة العامة للمسلمين، إذ رأوا أن مقاومة الأجنبي المحتل أمر واجب، وما دامت السلطة قد تقاعست في الأمر، فمن الخطأ الفادح أن تمنع تلك المبادرات التطوعية التي تصدت للمقاومة بحجة افتقارها إلى إذن الإمام، فيتمكن العدو بذلك من توسيع مناطق نفوذه(المرجع السابق ص198 باختصار).
والمقصود أن من الفتاوى ما يكون سلاحاً في صالح العدو المحتل، ومنها ما يكون سلاحاً موجعاً ومنكياً للعدو كما في فتاوى علماء الأندلس ضد النصارى الصليبيين، حيث أفتى ابن رشد الجد (ت 520هـ) أن الجهاد لأهل الأندلس في زمنه أفضل من حج الفريضة الذي لا يتوافر فيه - آنذاك - شرط الوجوب حسب رأيه؛ لأن الوصول إلى مكة بأمان غير حاصل في ذلك الزمان.(1/191)
وألّف ابن المناصف (ت 620هـ) آنذاك كتاب (الإنجاد في الجهاد)، فاستوعب أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه، وذكر جملة من آدابه وأحكامه(انظر جهود علماء الأندلس في الصراع مع النصارى لمحمد أبا الخيل ص150-159انظر جهود علماء الأندلس في الصراع مع النصارى لمحمد أبا الخيل ص150-159). ولما وقع اللبس في شأن التتار سنة 702هـ، وكيف يقاتلون وهم يظهرون الإسلام، وليسوا بغاة، فأفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بأنهم من جنس الخوارج الذين يجب قتالهم، وأن كل طائفة امتنعت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة فيجب قتالها، فتفطن العلماء لذلك، وكان يقول للناس: إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف فاقتلوني فتشجّع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم(انظر البداية والنهاية لابن كثير 14/25، ومجموع الفتاوى لابن تيمية م35). لا شك أن الركون إلى الحياة الدنيا والتثاقل إلى الأرض قد غلب على الكثير من المسلمين، وهذا ضعف وذنب ينبغي الخلاص منه ومجاهدته، لكن لا يسوغ أن نجعل من هذا الخور والوهن منهجاً نؤصله، ومسلكاً نقعّده عبر بيانات أو فتاوى، وإذا كان في هذه الأمة الولود من فتح الله عليه في باب الجهاد - كما هو حال المجاهدين في سبيل الله في الأفغان والشيشان وفلسطين والعراق - فينبغي تبني قضاياهم ومؤازرتهم ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وإذا كان الهلع والشح قد أقعد الكثير عن النصرة فلا أقل من أن يمسك لسانه وقلمه عن التخذيل والإرجاف، والله المستعان.) ( موقع الشيخ وموقع المسلم ) .
فضيلة الشيخ
عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي
الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
الداعية بمركز الدعوة بالمنطقة الشرقية(1/192)
قال فضيلة الشيخ عبدالرحمن الهرفي وهو يتكلم عن بيان الـ 26 عالم : (الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين .] وقد نص غير واحد من أهل العلم علىأن تأويل قوله تعالى : [[ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ]] _[الرعد:41] _هو موت العلماء المصلحين فهم أمان الله لأرضه وخلقه .
ولما تصرم شهر رمضان المبارك أذن الله تعالى لجمع من طلاب العلم المباركين أن يرفعوا الذل والهوان الذي أصابنا بخذلان إخواننا في أرض السواد العراق ،وهم يقاتلون دفاعا عن أعراضهم ،ودينهم،وأي خذلان أكبر من عدم مناصرتهم حتى بالقنوت في المساجد ،وترك كتابة الردود العلمية على من الله أعمى قلبه وأصم أذنه فأفتى بعدم جواز مدافعة الكفار فخرق إجماع المسلمين ،بل خرق إجماع العقلاء ،ولكن الله يضل من يشاء .(1/193)
وكما فرحت بالبيان المبارك ،والذي أشتهر ببيان الـ26 إشارة للفضلاء الذين وقعوا عليه ،أقول وكما فرحت به آلمني أنه مازال في المنتسبين للإسلام من يحاور في جواز مدافعة الأمريكان ومن أعانهم ـ أخزاهم الله ـ ولكنّا في زمن ضعف وهوان ،ونقص من أهل العلم الربانيين ،فلله المشتكى ،وكان السؤال الذي يجب أن يطرحه عوام المسلمين ،هل يجوز لأهل العراق ترك مقاتلة الكفار المحتلين أم لا؟.
وقد تناقل المسلمون هذا البيان المبارك بأيدٍ شاكرة وعين راضية ،وقد أوصى كلٌ صاحبه بالدعاء لهؤلاء الأماجد في ظهر الغيب ،أن يثبتهم الله على الحق الأبلج ،وأن يغفر لهم ويرضى عنهم ،ولعل هذه الدعوات المباركات توافق ليلة القدر فتصيبهم بفضل الله ورحمته ومنتّه .(1/194)
وفي الأزمنة الغابرة استعمل الكفار المحتلون الروافض والخرافيين من الصوفية وعموم الزنادقة لتجويز بقائهم محتلين لبلاد المسلمين ،ولكن أن يستعمل الكفار في هذه الأزمنة بعض المنتسبين لأهل السنة فهذه من الطوام ،الموجبة للرد على هؤلاء الطغام المضيعين لشرع الله المحرفين للكتاب والسنة ،والذين يصدق عليهم قول الله تعالى : [[فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ]] _[البقرة:79] _،فبأي شرع أو دين أو عقل يقال لمن يُذبحْ لا تدفع عن نفسك ،ويقال لمن يُنتهك عرضه اترك عرضك ينتهك !!ألم يعلم هؤلاء أن شرارة القتال في الفلوجة بدأت لما تطاول الأمريكان ـ أخزاهم الله ـ على أعراض أهلها، فيا أيها القائل بقول كهان المعتصم يوم عمورية ،أوليس لك عرض تدافع عنه لو تعدى عليه متعد ، أين عقلك الذي فضلك الله به،فضلا عن دينك الذي أخشى أي يسلبك الله إياه إن بقيت على ما أنت عليه من الضلال المبين . أم تريد أن تفعل كفعل أسلافك ممن أشار على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعدم مقاتلة التتار واللذين هم أشد بأسا وأفتك في تلك الأزمنة من أصاحبك الأمريكان في هذا الزمان .فرفض أيما رفض ،وسعى لحث الأمراء لقتال التتار وأقسم بالله على النصر ،ودوى بها مجلجلة ،فكان قائد شقحب وليثها فرضي الله عنه من فقيه .
وكان الأجدر بك أن تترك أمر مقاتلة المحتل لأهل العراق فهم أعلم بحالهم ،ولا تدخل نفسك في شأنهم ،وقد صرح شيخهم الدكتور حارث الضاري أكد أن علماء العراق مع المقاومة ،فمالك ولهم ،وقد اختاروا لأنفسهم عدم الخنوع والذلة التي تريدها لهم .(1/195)
وكنت سأحسن بك الظن لو اكتفيت بقولك أنه :لا يجوز لأهل العراق الأشاوس الدفاع عن أعراضهم رحمة منك بهم حتى لا يستأصلهم الأمريكان ،أقول قد أقبل منك هذا الكلام العليل الباطل ،لو أكتفيت به ولم تزد عليه تجويز معاونة الجيش الأمريكي بمد يد العون له بإيصال المؤن وغيرها مما يحتاج له ،فأين أنت من كلام الله ورسوله وإجماع السلف المتقرر في كتبهم كافة . أم أنه الكبر وغمط الحق واتباع الهوى .
ثم على كلامك بتحريم مقاتلة المحتل المتمكن أين تضع المليون شهيد الجزائري ،وأين تضع جهاد عمر المختار ،وعبدالحميد بن باديس ،وعز الدين القسام رحمهم الله ، أم أنهم كانوا خوارج على فرنسا وبريطانيا ؟.
ثم ما قولك في أبنائنا الذين قتلوا على ربوع أفغانستان في ملاحم إسلامية عظيمة ،يوم أن كان العدو الدب الأحمر الإتحاد السوفيتي بجبروته وطغيانه ،يوم كان الخلاف في جواز قتال الروس يعد جريمة ،ولم يختلف أحد من أهل العلم بمشروعية المقاتلة ،وكانت المسألة الدائرة بين طلاب العلم هي :هل الجهاد هناك فرض عين على المسلمين أم فرض كفاية ؟. وما الفرق بين جهاد الروس في الزمن الغابر وجهاد الأمريكان في هذا الزمان؟.
ثم أينك عن كلام أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين في وجوب جهاد الدفع ،فإن كنت لم تقف علي شيء منه فهاك بعضه على عجل واطلبه في كتب الفقه غير كتب الروافض ،فلعله لم يوافقك غيرهم .
قال ابن قدامة رحمه الله : [ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع ـ وذكر منها ـ إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم.]
وقال ابن حزم رحمه الله : [ واتفقوا أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة أهل الإسلام وقراهم وحصونهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين .]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : [فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه](1/196)
وقال الشيخ محمد بن شهاب الدين الرملي رحمه الله : [[ فإن دخلوا بلدة لنا وصار بيننا وبينهم دون مسافة القصر فيلزم أهلها الدفع حتى من لا جهاد عليهم، من فقير وولد وعبد ومدين وامرأة]]. أما طرفتك المضحكة ،ألا وهي أنه لا يجهاد إلا مع إمام فقد تكفل الإمام عبدالرحمن بن حسن رحمه الله بالرد عنها فاسمع لقوله : [بأي كتاب , أم بأية حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع ؟! هذا من الفرية في الدين , والعدول عن سبيل المؤمنين , والأدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن تذكر , من ذلك عموم الأمر بالجهاد , والترغيب فيه , والوعيد في تركه , قال تعالى : [[ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ]] _[البقرة:251] _.وقال في سورة الحج : [ ولولا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ] [الحج:40] وكل من قام بالجهاد في سبيل الله , فقد أطاع الله وأدى ما فرضه الله , ولا يكون الإمام إماماً إلا بالجهاد ].
ولعل هذا القول المضحك دخل عليك من بعض الروافض الذين لا يجيزون القتال إلا مع إمام معصوم .
أما دعواك للعراقيين لمبايعة الياور بدعوى أنه ولي أمر متغلب ،فلا أعلم أي شيطان أوحى لك بهذا [وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ..] [الأنعام:121] وكيف جعلت منه ولي أمر بالغلبة !!!.(1/197)
ثم ألا تعلم أن المتنفذ حسب النظام الذي وضعته أمريكا في العراق هو رئيس مجلس الوزراء علاوي؟ كما هو الحال في إسرائيل اليهودية والهند الهندوسية ،فأنت بذلك تطالب الناس باتباع أمر الرافضي عَبّاد القبور . فانظر لنفسِك في أي وادٍ نحرت دينك. ثم ألم تسمع أو سمعت وتغافلت عن دعوى الأمريكان للهجوم على أرض التوحيد ومنبع الرسالة في أرض الجزيرة العربية ؛المملكة العربية السعودية ،وكم من مرة صرحوا أنها أهلٌ للضرب قبل غيرها ،بل صرح بعضهم بوجوب ضرب مكة حرسها الله ،واسمع لهذا المحرر الأمريكي ريتش لوري الذي أظهر نوايا أسياده حيث قال : [إنني أقترح أن تضرب مكة بقنبلة نووية ويكون ذلك بمثابة إشارة إلى المسلمين ... يجب علينا أن نحذر دمشق والقاهرة والجزائر وطرابلس والرياض من خطر الإبادة النووية إذا ما أظهروا أية علامة اعتراض ][ ] وأكد الأستاذ ماجد رشيد العويد على أن فكرة ضرب مكة حرسها الله ليست فلتة لسان من كاتب بل هي عقيدة متأصلة فقال : [وليست الدعوة إلى ضرب مكة، كلاماً أجوف أو فارغاً أو كما يصفه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية 'كير' بـ 'عبارات جاهلة تخرج عن حدود أي نقاش عقلاني'، وإنما هي دعوة تحفر لنفسها عميقاً في خلايا عقل بوش الذي ينطلق في كثير من خطواته من مرجعية توراتية متخلفة، ومن روح أمريكية تربّت على لغة الكاوبوي. ثم لماذا لا نهتم بما يقال عنا ويقع علينا قبل حدوثه؟ فكان الواجب عليك أن تحث الإخوة العراقيين على التنكيل بالأمريكان لأنهم يدفعون عنّا وعن أعراضنا ،وعن بلادنا حرسها الله . وكم فرح عباد الصليب بفتاواك وكلامك العجيب ،وتناقلوه بينهم ،وكم فرح أفراخ اليهود من الملاحدة وعباد الهوى بفتواك ،حتى جعلوا منك مفتي العصر ،فهنيأ لك ذلك.(1/198)
فلعلك تبادر بالتوبة ،فما زال باب التوبة مفتوحا قبل أن يغلق دونك ،وتموت وقد لاحقتك دعوات المصلين ،والصائمين في أنحاء البلاد الإسلامية ،والمجاهدين ،والثكلى ،والأيامى ،والأيتام في أرض العراق المحتلة.
أما أولئك المشايخ الفضلاء أصحاب البيان المبارك فإني أتقدم بين أيدهم ـ وعسى أن يسمحوا بهذا ـ بنقد يسير لفقرة في بيانهم ،وما ينقد إلا الذهب ،والنقد تذكير وقد قال الله تعالى : [[ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ]] [الذاريات:55] وهم من المؤمنين الصادقين كذا نحسبكم والله حسيبكم ، والنقد نصيحة وهي واجبة كما أخرج مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه يقول : [بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم ] . وبيانكم هذا بلغ القلتين ،فما أحسنه ،وأحسن من شرفه الله تعالى بالتوقيع عليه .(1/199)
وأريد ما ورد في الفقرة الخامسة ،ونصه : [يحرم على كل مسلم أن يقدم أي دعم أو مساندة للعمليات العسكرية من قبل جنود الاحتلال لأن ذلك إعانة على الإثم والعدوان( فإن أردتم أنه من التعاون على الإثم الأكبر ،والعدوان الجلل ألا وهو الكفر ،وأن من أعان الأمريكان على قتال المجاهدين انسلخ من الدين فحسن ،وإن أردتم غير ذلك فهو مجانب للصواب . ولا أظنه يخفى على شريف علمكم الأدلة في ذلك ،وكلام أهل العلم من السلف والخلف ،وأنا أورد بعضه مختصرا ،لينتفع به من يطالع هذا المقال . قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله : [القول في تأويل قوله تعالى : [[ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ]] _[المائدة:51] _يعني تعالى ذكره بقوله ' وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ' ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم ، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم؛ فإنه لا يتولى متول أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بعد ذكر قوله تعالى [[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ* وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ(1/200)
فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ]]_ [المائدة:51ـ54 ]: [فالمخاطبون بالنهى عن موالاة اليهود والنصارى هم المخاطبون بآية الردة ، ومعلوم أن هذا يتناول جميع قرون الأمة، وهو لما نهى عن موالاة الكفار وبين أن من تولاهم من المخاطبين فإنه منهم، بين أن من تولاهم وارتد عن دين الإسلام لا يضر الإسلام شيئا، بل سيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فيتولون المؤمنين دون الكفار ويجاهدون فى سبيل الله لا يخافون لومة لائم ، كما قال في أول الأمر [[ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ]]_ [الأنعام:89] ، فهؤلاء الذين لم يدخلوا في الإسلام وأولئك الذين خرجوا منه بعد الدخول فيه لا يضرون الإسلام شيئا بل يقيم الله من يؤمن بما جاء به رسوله وينصر دينه إلى قيام الساعة . قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله : ( أما التعاون مع الإنجليز, بأي نوع من أنواع التعاون, قلّ أو كثر, فهو الردّة الجامحة, والكفر الصّراح, لا يقبل فيه اعتذار, ولا ينفع معه تأول, ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء, ولا سياسة خرقاء, ولا مجاملة هي النفاق, سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء. كلهم في الكفر والردة سواء, إلا من جهل وأخطأ, ثم استدرك أمره فتاب واخذ سبيل المؤمنين, فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم, إن أخلصوا لله](1/201)
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: [أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء ، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقص الإسلام لقول الله عز وجل [[ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ]]_ [المائدة:51 ) ،،،..والله أسأل أن يحفظ بلاد المسلمين من شر الكفار الصليبيين ،ومن أعانهم من الملاحدة المرتدين ،وأن يهدي حكام المسلمين لما يحب ويرضى ،وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين .
وكتبه عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي /الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ) ( موقع الشيخ عبدالرحمن ) ..
صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور
خالد بن عبدالله القاسم
أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود الاسلامية
قال الشيخ الدكتور خالد القاسم في مقال له ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) :- (منذ صدور البيان الموجه للعراقيين ومعظم الكتابات التي تنشر في الصحف المحلية وفي الشبكة العنكبوتية يوميًا تهاجم البيان، مع تنوع الأساليب من التهكم بالكاتبين، والسخرية منهم، أو وصفهم بالسفه، أو السعي لمصالح خاصة، مع محاولة مكشوفة لاستعداء الدولة عليهم، أو نزع الوطنية عنهم، أو التشهير بهم؛بل ووصفهم أحيانًا بالخروج على ولي الأمر، وإثارة الفتن، بل بلغ الأمر ببعضهم إلى استباحة دمائهم وأموالهم (كما في صحيفة "الوطن" 8/10/1425هـ)، وآخرين إلى تحريض المحتل، وقد قال أحدهم: (إنه يمكن لمؤسسات حكومية وأهلية في العراق أو حتى في الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود الحرب الدولية على الإرهاب مقاضاة أصحاب هذه النصوص التحريضية (صحيفة "الجزيرة" 9/10/1425هـ) لا أدري من المحرض وقد أيد البيان علماء العراق ولم يطالهم الاحتلال بشيء، وإني أتساءل: أهم أحرص من الاحتلال ذاته؟(1/202)
نحن مسؤولون عما نكتب ومقاومة المحتل من البدهيات في الشرائع السماوية والقوانين الأرضية والسؤال: من الذي يقف أمام القضاء؟ هل من ينصر المظلوم، أم من يحتل العراق بكذبة؟ وهذا ينطبق على كل من صفق له، ونحن نذكِّر الجميع بقول المولى سبحانه وتعالى: (أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) (أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً)، ونحن نعلم أن البيان عكّر مزاج المحتل وآخرين معه والعبرة بما يرضي الله -سبحانه وتعالى- وما هو في مصلحة الأمة. ولم يتناول كثير من البيان بقراءة موضوعية؛ بل لم تنشره أي صحيفة محلية مع نشرها لعشرات المقالات الانتقادية، فالبيان دعا باختصار إلى وحدة العراق وإلى وأد الفتنة بين أبنائه، وإلى عدم استهداف الأبرياء، وإلى مناصرة الشعب العراقي ضد الاحتلال أو عدم التعاون مع الاحتلال وإلى حقن الدماء بين العراقيين، ولم يدعُ البيان إلى الفتنة ولا إلى خروج على ولاة الأمور، وليس في البيان دعوة الشباب أو غيرهم إلى الذهاب إلى العراق؛ حيث كان موجهاً -أصلاً- للشعب العراقي، لقد كان البيان يتحدث عن الحالة العراقية التي لا تسرّ وهي بداية لأكل الثور الأبيض. وعندما نتحدث عن العراق فإننا نتحدث عن بلد مسلم جار لنا يهمنا أمره ويسوؤنا ما يسوؤه ويضرنا ما يضره، وهو محتل كفلسطين. ألم يقل المصطفى -صلى الله عليه وسلم-:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". هل الحديث عن العراق أمر محرم؟ والبيان لم يخرج إلا بعد أن مُلئت آذاننا من أصوات المخذِّلين الذين هم في الحقيقة عون للاحتلال شعروا أم لم يشعروا! أم ساغ لهم ما لم يسغ لنا! ويحل لهم ما يحرم علينا! وهل الحديث عن شرعية المقاومة أمر محرم؟! والبيان لا يعني بالمقاومة ما تقوم به جهات مشبوهة واستخبارات معادية في استهداف الأبرياء وزرع الفتنة؛ بل إن البيان يحذِّر من هذا، وهو في أقل(1/203)
أحواله رأي فقهي له وجاهته أفتى به عشرات العلماء في شتى بقاع العالم الإسلامي، وهو حق للشعوب في كافة الأعراف.
فهذا مجلس أمناء الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين يصرح بشرعية المقاومة.
ومفتي المملكة عندما سُئل: هل العراق يعدُّ فيه الجهاد فرض عين؟ وهل يلزم علينا أن نذهب إلى الجهاد في العراق؟ فقال:"أما هم في أنفسهم فلا شك أن عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم؛ لأنهم ابتلوا في نفوسهم وأموالهم وبلادهم فلا شك أنهم مدافعون ونرجو لهم التوفيق أما غيرهم فعليه أن يدعو لهم". (الوطن 29/2/1425هـ( وفرق بين البدء بالجهاد وجهاد الطلب الذي له شروطه، وبين دفع الصائل (جهاد الدفع) والدفاع عن النفس الذي يجب بحسب القدرة. قال ابن قدامة -رحمه الله-:"ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع... وذكر منها إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم"، وقال ابن تيمية:"فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه". وقال نحو قولهما عامة فقهاء الإسلام، ونقل الإجماع ابن حزم -رحمه الله- حيث قال:"واتفقوا أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة الإسلام وقراهم وحصونهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين". وهذا الدفع لأهل العراق لا يشترط فيه وجود أو إذن الإمام كما قال الإمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ عندما ردّ على من قال ذلك:"بأي كتاب أم بأية حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام يتبع"، والجميع يرى تأثر المحتلين بالمقاومة وهو أمر لا ينكره عاقل. وهو احتلال يستهدف الدين والوحدة والحضارة والثقافة والهوية والثروة النفطية وغيرها. أما ما يتعلق بما جاء في البيان (والنصر قدر المستطاع) فهي صريح كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهي من حقوق المؤمنين، ولا يختلف فيها عالمان وأقل أحوالها الدعاء لهم كما ذكر ذلك مفتي عام المملكة العربية السعودية ونصرهم بالكلمة لمن أتيح له، وقد صرح عدد كبير من(1/204)
موقعي البيان أن النصرة البدنية ليست في صالحهم، بل منعوا منها. ولعل من النصر بقاء التواصل بينهم وبين العلماء في العالم الإسلامي، وذلك لمحاصرة الأفكار الغالية والمتطرفة ولوأد الفتن بينهم، وهذا ما أراد البيان إيصاله.
وكما يقال:"أهل مكة أدرى بشعابها" وعلماء العراق هم أدرى بواقعهم، وأعرف بما يناسبه وما يصلح له؛ فتحت عنوانعلماء السنة بالعراق يرحبون بخطاب نظرائهم السعوديين الرياض -عبد الحي شاهين 26/9/1425هـ).
رحبت هيئة علماء المسلمين في العراق بالبيان الذي صدر مؤخراً من السعودية ووقّع عليه (26) عالماً شرعياً أقروا فيه بشرعية المقاومة في العراق وتحريم التعاون مع قوات الاحتلال في البلد، وأكد الدكتور محمد عياش الكبيسي ممثل هيئة العلماء المسلمين العراقيين في الخارج أن فحوى ومضامين خطاب العلماء السعوديين جاء منسجماً مع توجهات الهيئة، ومع كل البيانات التي سبق وأن أصدرتها، وقال الكبيسي الذي كان يتحدث لـ (الإسلام اليوم) من مقر إقامته في الدوحة: إن خطاب الـ (26) عالماً كان موفقاً في توقيته، وفيما نص عليه من ضرورة التوحد بين العراقيين لتفويت الفرصة على الاحتلال في تطبيق سياسته المعهودة في التفريق بين أبناء البلد وضرب بعضهم بالبعض. وأضاف الكبيسي في تصريحه:"إن شرعية المقاومة هو أصل واضح في الشرع، وهيئة العلماء أكدت على هذا الأصل في أكثر من مناسبة، وفي عدة بيانات غير أن مجيء هذا التأكيد من العلماء في السعودية له تأثير كبير على العراقيين لمكانة (علماء الحرمين في نفوسهم)". ورأى ممثل العلماء العراقيين في الخارج أن توقيت الخطاب كان مناسباً جداً مع المرحلة التي يعايشها العراقيون حالياً لأنهم في أشد الحاجة إلى هذه المواقف. إننا لم نسمع من كثير من هؤلاء المنتقدين للبيان كلمة حق في بلد اغتصبت أرضه، ونهبت خيراته وثرواته، وانتهكت حرماته ومقدساته في حرب بشعة انتقدها جهات إنسانية في الغرب.(1/205)
إنني آسف لهذه الطريقة التي تناول بها إخواننا البيان والكيل من التهم والتحريض، وكان الأولى وحدة الصف والنقد الهادف وفتح الصدور للآراء المخالفة، والبعد عن الهوى، وعدم الأمركة أكثر من الأمريكان، والنصيحة الخالصة لله ولرسوله، وهي باعثنا لهذا البيان ونحن والله أحرص ما يكون على السمع والطاعة في المنشط والمكره وعلى وحدة الصف، وعلى النصح لله ورسوله وولاة المسلمين، وإننا مع اهتمامنا بشأن العراق فاهتمامنا بشبابنا وشباب الإسلام ومصالحه أولى، ونحن أول من أدان الإرهاب والغلو والتطرف في بلدنا في وسائل الإعلام وخطب الجمعة وفي قاعات الدرس والمجالس العامة والخاصة.
نسأل الله تعالى أن يُصلح أحوالنا، وأن يؤمننا في أوطاننا، ويهدي ولاة أمورنا لكل خير، وأن يغفر لكل من أساء لنا، وأن يتولانا برحمته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله ومن تبعه بإحسان. ( موقع الاسلام اليوم)…
فتوى الشيخ الدكتور
عبدالله قادري الاهدل - حفظه الله -
قال الشيخ الاهدل حفظه الله :-(فعدوانها على أي شعب مسلم هو عدوان ظالم، وكل من يستطيع الجهاد في سبيل الله من المسلمين، مع الشعب العراقي المسلم، أو أي شعب مسلم تعتدي عليه، أمريكا أو اليهود، فالواجب عليه أن يقف في صف الشعب المظلوم المدافع عن نفسه، وهذا أمر لا يخالف فيه علماء المسلمين، والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها تدل عليه. فالجهاد في الإسلام قسمان:…
جهاد طلب، وقد ضيعناه، وتضييعنا له من أهم أسباب فقدنا العزة، ووقوعنا في الذل والمهانة، ونحن اليوم لا نطالب أمتنا بالقيام به، وإنما نطالبها بالإعداد الكافي له، ليعود مستقبلا إلى عهده الطبيعي الذي أعزنا الله به.(1/206)
والقسم الثاني: جهاد الدفع، وهو أن يقوم المسلمون في أي بلد يعتدي عليه الكفار، بالدفاع عنه، وقيامهم بذلك فرض عين عليهم، لا يعذر متخلف قادر على القيام به...فإن قدر أهل البلد المعتدى عليه على دفع العدو وطرده منه، فقد كفوا غيرهم من المسلمين، وأسقطوا عنهم الإثم، وإن لم يقدروا تعين على أهل البلدان القريبة منهم أن يجاهدوا معهم، حتى يطردوا العدو منه، فإن كفوا وإلا وجب على من يليهم ... وهكذا حتى يدفع العدوان عن البلد المسلم... فمن قدر على هذا الجهاد وجب عليه القيام به، فإن لم يقوموا به فهم آثمون جميعا حتى يقوموا به، وهذا ما قرره علماء الإسلام، قديما وحديثا، ولا يخالف فيه عالم آتاه الله الفقه في دينه والحكمة فيه.
تنبيه مهم يأتي بعض الناس بشبهة لصد المسلمين عن نصرة إخوانهم المسلمين في أي بلد يعتدي عليه الكفار، وهي أن الجهاد فرض كفاية، وليس فرض عين، وهذا صحيح، ذا كان المعتدى عليهم قادرين وحدهم على دفع العدوان عن بلدهم، أما إذا لم يكونوا قادرين، فالجهاد فرض عين على المسلمين، حتى يدفعوا العدوان عن ذلك البلد المسلم. فلا بد من التنبيه على معنى فرض الكفاية الذي لا يفهم فقهه كثير من الناس، ولو فقهه المسلمون حق الفقه، لكان للجهاد في هذا العصر شأن آخر، غير ما أصيب به المسلمون من ذلة وصغار في كل أنحاء الأرض.(1/207)
ففرض الكفاية الذي يسقط عن الأمة بقيام طائفة به، هو أن تكون تلك الطائفة كافية في القيام به، وليس المراد مجرد قيام طائفة مجاهدة، ولو لم يكن جهادها كافيا، فلا يصح إسقاط الجهاد عن الأمة الإسلامية كلهم بقيام طائفة منهم في جزء من الأرض، ولو كانت كافية في ذلك الجزء، مع بقاء أجزاء أخرى ترتفع فيها راية الكفر، فإن كل جزء من تلك الأجزاء يجب على المسلمين القريبين منه أن يجاهدوا - ما داموا قادرين - من حارب الله ورسوله وعباده المؤمنين، ووقفوا عقبة لصد الناس عن الدعوة إلى الله حتى يقهروهم، فإذا لم يقدروا على قهرهم، وجب على من يليهم من المسلمين أن ينفروا معهم، وهكذا حتى تحصل الكفاية.
ولهذا قال في حاشية ابن عابدين: " وإياك أن تتوهم أن فرضيته "الجهاد" تسقط عن أهل الهند بقيام أهل الروم مثلا، بل يفرض على الأقرب فالأقرب من العدو إلى أن تقع الكفاية، فلو لم تقع إلا بكل الناس فرض عينا، كصلاة وصوم "
قلت: والذي يتأمل أحوال المسلمين مع أعداء الله المحاربين للإسلام، يجد أن الجهاد اليوم فرض عين على كل قادر عليه من أفراد المسلمين، وليس فرض كفاية، لأن بعض طوائف المسلمين التي تقوم بالجهاد ضد عدوان الكفار على أرضها وعرضها ومقدساتها في عقر دارها، لا تكفي لقهر عدوها، بل العدو هو الذي يقهرها، بل ينصر العدوَّ عليها من يدعي الإسلام، وما قضية المسلمين في فلسطين بخافية على المسلمين !!! راجع في تفسير الآيات الكتب الآتية: الجامع لأحكام القرآن [ 3/293 ] جامع البيان عن تأويل آي القرآن [ 11/70 ] التفسير الكبير للرازي [ 11/9 ] وراجع في كتب الفقه: المبسوط [ 10/3 ] والمغني لابن قدامة [ 9/196 ] وبدائع الصنائع [ 9/4300 ] وتكملة المجموع للعقبي [ 18/ 47 ] وحاشية ابن عابدين [ 4/124 )
وقد لخص ابن قدامة رحمه الله المواضع التي يتعين فيها الجهاد، فقال: " ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع:(1/208)
أحدها إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان، حرم على من حضر الانصراف وتعين المقام، [( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا )[ الأنفال 46 ] وقوله: (( واصبروا إن الله مع الصابرين) (الأنفال 45 ] وقوله: ( أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ (دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ) [ الأنفال 15-16 ]
الثاني: إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم.
الثالث: إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير لقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ) [ التوبة 38 ] والآية التي بعدها. وقال النبي صلى الله( عليه وسلم: ( وإذا استنفرتم فانفروا ) " [ المغني 9/197 والحديث متفق عليه.]
وقد أنكر الله على المسلمين عدم نصرة إخوانهم المستضعفين، فقال تعالى:
(( فَلْيُقاتل في سبيل الله الذين يَشرون الحياة الدنيا بالآخرة، ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يَغْلب فسوف نُؤتيه أجراً عظيماً، وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان، الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالمِ أهلها واجعل لنا من لَدُنا ولياً، واجعل لنا من لدُنْك نصيراً، الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً)) [ النساء: 74-76 ]. ( موقع الشيخ الاهدل / ومن اراد المزيد من فتاوى ومقالات الشيخ عبدالله الاهدل عن العراق فليراجع موقع الشيخ ففيه الكثير من التوجيهات والنصرة للمجاهدين في العراق ) .(1/209)
وبعد فأننا اذا اردنا ذكر جميع من افتى بمشروعية الجهاد في العراق اليوم لطال المقام ولكن فيما ذكرنا الكفاية ان شاء الله وسأذكر بعض العلماء الذين ايدوا وافتوا بمشروعية الجهاد في العراق ومن اراد التوسع فعليه بالمصادر التي سأذكرها ومن هؤلاء المشايخ من بلاد الحرمين الشريفين:-
الشيخ الدكتور بشر بن فهد البشر - حفظه الله - ( موقع الشيخ البشر )
الشيخ الدكتور عبدالله السعد-حفظه الله-(محاضرة نقاتلهم قبل ان يقاتلونا)
الشيخ الدكتور محمد بن صالح المنجد - حفظه الله - ( موقع الشيخ وفيه العديد من محاضراته المؤيدة للجهاد في العراق )
الشيخ الدكتور محمد الفراج - حفظه الله - ( في موقع الشيخ/ محاضرة الجهاد)
الشيخ الدكتور اسامة الاحمد - حفظه الله - ( في موقع الشيخ اسامة )
الشيخ الدكتور خالد الراشد - حفظه الله - ( في موقع الشيخ الراشد ومحاضراته عن العراق )
الشيخ الدكتور محمد بن عبدالله الهبدان - حفظه الله -( موقع الشيخ الهبدان )
الشيخ الدكتور محمد بن موسى الشريف - حفظه الله-( موقع طريق الاسلام)
الشيخ الدكتور ناصر بن يحيى الحنيني -حفظه الله - ( موقع صيد الفوائد)
نقولات عن أهل العلم في
حكم مظاهرة الكفار على المسلمين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد : فهذه نقولات عن أهل العلم تبين حكم مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم بالسلاح أو المال أو الرأي .
1- قال تعالى: " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما . الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين . أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا".[النساء:138،139].
2- وقال تعالى : " ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون . ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون" [المائدة:80 ، 81].(1/210)
3- وقال تعالى " ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين . فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم ..." إلى قوله " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي اله يقوم يحبهم ويحبونه ..." الآيات ، [المائدة 51-57].
4- وقال تعالى: " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ".[آل عمرن:28] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذا المعنى ، المؤكدة له ، تأكيدا يمنع تأويل الجاهلين ، وتحريف المبطلين.
فاتخاذ الكفار أولياء من دون المؤمنين ، أي مناصرتهم ومظاهرتهم ومعاونتهم على أهل الإسلام كفر صريح ، وردة سافرة ، وعلى هذا انعقد إجماع أهل العلم.
وقد جمعت هنا شيئا من كلامهم ، رغبة في تذكير الغافل ، وتعليم الجاهل ، وإرغام المعاند " ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ".
قال ابن جرير الطبري رحمه الله : في تفسير قوله " لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " :
(والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله وأخبر أنه من اتخذهم نصيرا وحليفا ووليا من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين وأن الله ورسوله منه بريئان).
وقال: (القول في تأويل قوله تعالى "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" يعني تعالى ذكره بقوله "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم ، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم؛ فإنه لا يتولى متول أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه).(1/211)
وقال الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ".
(وهذا نهي من الله عز وجل المؤمنين أن يتخذوا الكفار أعوانا وأنصارا وظهورا ولذلك كسر "يتخذ" لأنه في موضع جزم بالنهي، ولكنه كسر الذال منه للساكن الذي لقيه وهي ساكنة.
ومعنى ذلك: لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهرا وأنصارا توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين ، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء، يعني بذلك: فقد برىء من الله وبرىء الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر. "إلا أن تتقوا منهم تقاة " : إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ولا تعينوهم على مسلم بفعل).
وقال ابن حزم رحمه الله في المحلى (11/ 138) : (صح أن قوله تعالى "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم" إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار ، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (7/17،18)(1/212)
(ومثله قوله تعالى "تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ" فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف (لو) التي تقتضي مع [انتفاء] الشرط انتفاء المشروط ، فقال "وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ" فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده ، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب ، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه.
ومثله قوله تعالى (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمنا ، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم ، فالقرآن يصدق بعضه بعضاً) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ، في "اقتضاء الصراط المستقيم 1/241 ت: د. ناصر العقل" ، في التعليق على حديث " من تشبه بقوم فهو منهم " :
(وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم ، كما في قوله " ومن يتولهم منكم فإنه منهم").
وقال شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقم " أيضا:
(فبين سبحانه وتعالى أن الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه مستلزم لعدم ولايتهم فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم).(1/213)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 18/300 ، بعد ذكر قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " إلى قوله " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ..." : (فالمخاطبون بالنهى عن موالاة اليهود والنصارى هم المخاطبون بآية الردة ، ومعلوم أن هذا يتناول جميع قرون الأمة، وهو لما نهى عن موالاة الكفار وبين أن من تولاهم من المخاطبين فإنه منهم، بين أن من تولاهم وارتد عن دين الإسلام لا يضر الإسلام شيئا، بل سيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فيتولون المؤمنين دون الكفار ويجاهدون فى سبيل الله لا يخافون لومة لائم ، كما قال في أول الأمر "فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها كافرين" ، فهؤلاء الذين لم يدخلوا في الإسلام وأولئك الذين خرجوا منه بعد الدخول فيه لا يضرون الإسلام شيئا بل يقيم الله من يؤمن بما جاء به رسوله وينصر دينه إلى قيام الساعة).
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 28/192-193 ( فصل في الولاية والعداوة ... فذم من يتولى الكفار من أهل الكتاب قبلنا ، وبين أن ذلك ينافي الإيمان " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين "... وقال "إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم فى بعض الأمر والله يعلم إسرارهم". وتبين أن موالاة الكفار كانت سبب ارتدادهم على أدبارهم. ولهذا ذكر في سورة المائدة أئمة المرتدين عقب النهى عن موالاة الكفار قوله "ومن يتولهم منكم فإنه منهم").
وقد قال شيخ الإسلام في اختياراته:(1/214)
(من جمز إلى معسكر التتر، ولحق بهم ارتد ، وحل ماله ودمه ) نقله الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ، الدرر السنية 8/338 ، مجموعة الرسائل النجدية 3/35 ، وعلق الشيخ رشيد رضا في الحاشية بقوله : (وكذا كل من لحق بالكفار المحاربين للمسلمين وأعانهم عليهم ، وهو صريح قوله تعالى " ومن يتولهم منكم فإنه منهم").
وقال ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة : 1/195 [ط. رمادي للنشر](أنه سبحانه قد حكم ولا أحسن من حكمه أنه من تولى اليهود والنصارى فهو منهم "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم، وهذا عام خص منه من يتولاهم ودخل في دينهم بعد التزام الإسلام فإنه لا يقر ولا تقبل منه الجزية بل إما الإسلام أو السيف فإنه مرتد بالنص والإجماع).
وقال ابن القيم رحمه الله في " أحكام اهل الذمة " أيضا : 1/479(1/215)
(ثم انتبه الآمر[ الآمر بالله ، الخليفة العباسي المتوفى سنة 467 ] من رقدته وأفاق من سكرته وأدركته الحمية الإسلامية والغيرة المحمدية فغضب لله غضب ناصر للدين وبار بالمسلمين وألبس الذمة الغيار، وأنزلهم بالمنزلة التي أمر الله تعالى أن ينزلوا بها من الذل والصغار، وأمر ألا يولوا شيئا من أعمال الإسلام وأن ينشئوا في ذلك كتابا يقف عليه الخاص والعام فكتب عنه ما نسخته (... وقطع الموالاة بين اليهود والنصارى وبين المؤمنين وأخبر أنه من تولاهم فإنه منهم في حكمه المبين فقال تعالى وهو أصدق القائلين "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" وأخبر عن حال متوليهم بما في قلبه من المرض المؤدي إلى فساد العقل والدين فقال "فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين" ثم أخبر عن حبوط أعمال متوليهم ليكون المؤمن لذلك من الحذرين فقال تعالى "ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين" ، ونهى المؤمنين عن اتخاذ أعدائه أولياء وقد كفروا بالحق الذي جاءهم من ربهم وأنهم لا يمتنعون من سوء ينالونهم به بأيديهم وألسنتهم إذا قدروا عليه فقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق" إلى قوله "إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون" ، وجعل سبحانه لعباده المسلمين أسوة حسنة في إمام الحنفاء ومن معه من المؤمنين إذ تبرءوا ممن ليس على دينهم امتثالا لأمر الله وإيثارا لمرضاته وما عنده فقال تعالى "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون(1/216)
الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده".
وتبرأ سبحانه ممن اتخذ الكفار أولياء من دون المؤمنين وحذره نفسه أشد التحذير فقال "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير" ...).
وقال العلامة البرزلي رحمه الله ، في نوازله ( أحفظ أن المعتمد بن عباد استغاث بهم [أي النصارى] في حرب المرابطين ، فنصرهم الله عليه وهرب هو ، ثم نزل على حكم يوسف بن تاشفين أمير صنهاجة ، فاستفتى فيه الفقهاء فأكثرهم أفتى أنها ردة ، وقاضيه مع بعضهم لم يروها ردة ، ولم يبح دمه بالردة ، فأمضى ذلك من فتواه ولم يبح دمه وأخذ بالأيسر ونقله إلى أغمات وأسكنه بها إلى أن مات بها) نقلا عن " النوازل الصغرى " للعلامة محمد المهدي الوزاني (1/415،428) ، وهو بنصه في النوازل الكبرى، له ، المسماة ب" المعيار الجديد الجامع المعرب عن فتاوى المتأخرين من علماء المغرب " (3/23).
فتوى أبي العباس بن زكري رحمه الله : جاء في النوازل الصغرى (1/419) ( وقد سئل أبو العباس بن زكري عن قبائل المغرب الأقصى امتزجت أمورهم مع النصارى وصارت بينهم محبة ، حتى إن المسلمين إذا أرادوا الغزو أخبر هؤلاء القبائل النصارى ، فلا يجدهم المسلمون إلا متحذرين ، وربما قاتلوا مع النصارى.
فأجاب : ما وصف به القوم المذكورون يوجب قتلهم كالكفار الذين تولهم ، ومن يتول الكفار فهو منهم ).
فتوى الفقيه أبو الحسن علي بن عبد الله الأنصارى رحمه الله :
جاء في النوازل الصغرى (1/419) : ( وسئل الفقيه أبو الحسن علي بن عبد الله الأنصاري عن أناس سكنوا بأوطانهم ، والنصارى يجاورونهم ، وهم على ثلاثة أقسام : ... وقسم نيتهم أن يسكنوا ببلدهم ويغرموا للنصارى .(1/217)
فأجاب : الجواب عن المسألة الهائلة التي هدت بها أركان الإسلام ، وطمست بها عيون الليالي والأيام ... وأما الثلث الثالث فبئس الثلث ، لأنه خسر دينه ودنياه ، وخالف ما أمره به مولاه ، فهؤلاء يستحقون العقوبة العظيمة ، إلى أن قال : وأما الذين يتجسسون على المسلمين فالمشهور أن دم الجاسوس مباح ، وأنه يقتل ، ويكون قاتله مأجورا ، وأما إن شهر السلاح مع النصارى ويأتي في عسكرهم ، فهذا القسم قد مرق من الدين ، فحكمه حكم النصارى في دمه وماله).
فتوى العلامة محمد بن مصطفى الطرابلسي رحمه الله:
جاء في النوازل الكبرى (3/78-81) :
(وسئل أيضا عن بلدة استولى عليها الكفار وتمكنوا منها فانضم إليهم بعض القبائل والعشائر ، وصاروا يقاتلون معهم المسلمين وينهبون مالهم ، وينصحون الكفار ويعينونهم على أذى المسلمين ، فكانوا أشد ضررا على المسلمين من الكفار ، فما الحكم فيهم وهذا حالهم؟
فأجاب : إني لم أقف على حكم هؤلاء في كتب مذهبنا معشر الحنفية ولكن وقفت على حكمهم في كتب بعض السادات المالكية، قال في فتح الثغر الوهراني:
لما دعا الناس سلطان الجزائر إلى جهاد الكفار الذين استولوا على ثغر وهران ، جاءوا إليه من كل فج عميق ، وكان هذا غير حال القبائل العامرية ، وأما بنو عامر فإنهم كانوا في ذلك على فرق، منهم من نجا بحصون العدو مدافعا عن نفسه ومعينا للعدو بسيفه وفلسه ، فكانوا يقاتلون المسلمين مع عدوهم ويدفعون عنه ، ويغزون على الحجلة المنصورة بالله تعالى، حتى إنهم كانوا على المسلمين أشد ضررا من الكافرين ، وهكذا كان بعض القبائل ؛ والظاهر أن حكم هؤلاء حكم أهل دار الحرب في قتلهم وأخذ مالهم ...) إلى أن قال : ( ومنه تعلم أن من يدخل تحت جوارهم وأمانهم من غير إعانة لهم بنفسه ولا بماله ، ولا يكون لهم عينا ولا ردءا دونهم ، لا يباح قتله ، وإنما هو عاص بمعصية لا تبيح ما عصمه الإسلام من دمه وماله)(1/218)
إلى أن قال ( ومنهم من لجأ للمسلمين وصار يقاتل العدو معهم وهو مع ذلك يعين العدو خفية ، ويعلمه بأحوال عساكر المسلمين ، ويطلعه على عوارتهم ، ويتربص بهم الدوائر ، وقد اطلع لهم على كتب كتبها في ذلك الوقت كثير من مشايخهم المعروفين عندهم بالأجداد ، يذكرون العدو وعهده ، ويعلمونه ببقائهم عليه ، وانتظارهم الفرج ، مع تضعيفهم لجيوش المسلمين وتوهينهم إياهم؛ وحكم أولئك حكم الزنادقة ، إن اطلع عليهم قتلوا وإلا فأمرهم إلى الله تعالى).
قال الطرابلسي تعليقا :(فليحفظ فإنه مهم ، وقواعد مذهبنا لا تأباه ، والله تعالى أعلم.).
فتوى العلامة الونشريسي صاحب المعيار رحمه الله
جاء في النوازل الكبرى (1/94-99) قول صاحب المعيار ( وأما مقتحموا نقيضه [أي الجهاد] بمعاونة أوليائهم على المسلمين ؛ إما بالنفوس وإما بالأموال فيصيرون حينئذ حربيين مع المشركين ، وحسبك من هذا مناقضة وضلالا).
فتوى العلامة التسولي رحمه الله :
وقد استفتاه الأمير عبد القادر الجزائري حول من يداخل الفرنسيين ويبايعهم [من البيع] ويجلب إليهم الخيل ، ويدلهم على عورات المسلمين ، ما حكم الله في أنفسهم وأموالهم ؟
قال الأستاذ الحسن اليوبي في كتابه " الفتاوى الفقهية في أهم القضايا من عهد السعديين إلى ما قبل الحماية " ص 232
(وقد نص الفقيه التسولي في جوابه على أن أولئك العملاء إذا أظهروا الميل للعدو الكافر وتعصبوا به ، فيقاتلون قتال الكفار ومالهم فيء.
وبعد أن ساق ما أفتى به بعض الفقهاء من وجوب محاربة القبائل التي تقوم بقطع الطرقات ونهب أموال المسلمين وغير ذلك من الأعمال المنضوية تحت الحرابة عقب على ذلك بقوله : " وإذا كان يقاتل من أراد إفساد الكروم وغابة الزيتون فكيف بمن يريد إفساد الدين بالكتم على الجواسيس ، ونقل الأخبار ، ومبايعة الكفار ، فهم أسوأ حالا من المحاربين ، لأنهم تولوا الكفار ، ومن تولى الكفار فهو منهم".)(1/219)
قال الأستاذ الحسن اليوبي معلقا ( وهو حكم صائب ، فإذا كان الفقهاء قد رأوا قتل الجاسوس وهو الذين يعين الأعداء بنقل أخبار المسلمين إليهم ، وإذا كان الإمام الونشريسي قد أفتى بأن مجرد الدعاء للكفرة بالبقاء وطول المدى " علم على ردة الداعي وإلحاده وفساد سريرته واعتقاده ، لما تضمنه من الرضى بالكفر ، والرضى بالكفر كفر" فكيف بمن يحمل السلاح إلى جانبهم ، ويدافع عنهم ، ويقتل إخوانه المسلمين ، ويفعل بهم ما يفعله الأعداء من أسر ونهب ، وفوق ذلك يمكن الكفار من التسلط على أراضي المسلمين ورقابهم).
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
( اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة ... الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ، والدليل قوله تعالى " ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين".) . الدرر السنية 10/92 ، الطبعة الخامسة ، مجموعة التوحيد ص 23 ، الطبعة الرابعة.
وقال الشيخ أيضا ، في شرح ستة مواضع من السيرة :
(فإذا عرفت هذه عرفت أن الإنسان لا يستقيم له إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض ، كما قال تعالى " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله"). مجموعة التوحيد ص 19
وقال الشيخ أيضا :
( إن الأدلة على كفر المسلم إذا أشرك بالله أو صار مع المشركين على المسلمين ـ ولو لم يشرك ـ أكثر من أن تحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم المعتمدين ). الرسائل الشخصية ص 272
وقال الشيخ أيضا : متحدثا عن أعدائه الذين يقاتلهم ويكفرهم:(1/220)
( النوع الرابع : من سلم من هذا كله ، [أي فعل الشرك ، وتفضيل المشركين على الموحدين ، وكراهية أهل التوحيد ] لكن أهل بلده يصرحون بعداوة التوحيد واتباع أهل الشرك ويسعون في قتالهم ، وعذره أن ترك وطنه يشق عليه ، فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ، ويجاهد بماله ونفسه ، فهذا أيضا كفر ، لأنهم لو أمروه بترك صيام رمضان ولا يمكنه ذلك إلا بفراق وطنه فعل ، ولو أمروه أن يتزوج امرأة أبيه ولا يمكنه مخالفتهم إلا بفعل ذلك فعل )0 مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 4/301
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
(الدليل الثامن عشر : قوله تعالى " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنك والله يشهد إنهم لكاذبون " ... فإذا كان من وعد المشركين في السر بالدخول معهم ، ونصرهم والخروج معهم إن جلوا ، نفاقا وكفرا وإن كان كذبا ، فكيف بمن أظهر ذلك صادقا ؟ وقدم عليهم ودخل في طاعتهم ، ودعا إليها ونصرهم ، وانقاد لهم وصار من جملتهم ، وأعانهم بالمال والرأي ؟ هذا مع أن المنافقين لم يفعلوا ذلك إلا خوفا من الدوائر ، كما قال تعالى : " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " [المائدة : 52] وهكذا حال كثير من هؤلاء المرتدين في هذه الفتنة ، فإن عذر كثير منهم هذا ، هو العذر الذي ذكره الله عن الذين في قلوبهم مرض ، ولم يعذرهم الله به ...). الدرر السنية 8/137 ، مجموعة التوحيد ص 209
وقال الشيخ سليمان أيضا :(1/221)
(الدليل الثامن : قوله تعالى : " ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" [المائدة:51] فنهى سبحانه المؤمنين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ، وأخبر أن من تولاهم من المؤمنين فهو منهم ، وهكذا حكم من تولى الكفار من المجوس وعباد الأوثان فهو منهم ...
الدليل التاسع : قوله تعالى " ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون" [المائدة:80] فذكر تعالى أن موالاة الكفار موجبة لسخط الله والخلود في النار بمجردها وإن كان الإنسان خائفا إلا المكره بشرطه ، فكيف إذا اجتمع ذلك مع الكفر الصريح وهو معاداة التوحيد وأهله ، والمعاونة على زوال دعوة الله بالإخلاص ، وعلى تثبيت دعوة غيره ؟!.
الدليل العاشر : قوله تعالى " ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون " [المائدة :81] فذكر تعالى أن موالاة الكفار منافية للإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه ، ثم أخبر أن سبب ذلك كون كثير منهم فاسقين ، ولم يفرق بين من خاف الدائرة ومن لم يخف، وهكذا حال كثير من هؤلاء المرتدين قبل ردتهم ، كثير منهم فاسقون ، فجر ذلك إلى موالاة الكفار والردة عن الإسلام نعوذ بالله من ذلك.). الدرر السنية 8/127-129 ، مجموعة التوحيد 203 ، 204
وقال الشيخ سليمان أيضا :( إن كانت الموالاة مع مساكنتهم في ديارهم، والخروج معهم في قتالهم ونحو ذلك ، فإنه يحكم على صاحبها بالكفر ، كما قال تعالى " ومن يتولهم منكم فإنه منهم "...). الدرر السنية 8/159 ، مجموعة التوحيد ص 97
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
(وله نواقض ومبطلات تنافي ذلك التوحيد : فمن أعظمها أمور ثلاثة : ...(1/222)
الأمر الثالث : موالاة المشرك والركون إليه ونصرته وإعانته باليد أو اللسان أو المال ، كما قال تعالى " فلا تكونن ظهيرا للكافرين "[ القصص:86] ... وقال تعالى" ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هو خالدون . ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون" [المائدة :80،81] فتأمل ما في هذه الآيات وما رتب الله سبحانه على هذا العمل من سخطه والخلود في عذابه وسلب الإيمان وغير ذلك. وقال شيخ الإسلام في معنى قوله تعالى "ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء" فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان). الدرر السنية 11/300-304 ، مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 4/291
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن أيضا :
( وأما إيواؤهم ونقض العهد لهم ، ومظاهرتهم ومعاونتهم ، والاستبشار بنصرهم ، وموالاة وليهم ، ومعاداة عدوهم من أهل الإسلام : فكل هذه الأمور زائدة على الإقامة بين أظهرهم ، وكل عمل من هذه الأعمال قد توعد الله عليه بالعذاب والخلود فيه وسلب الإيمان ، وحلول السخط به وغير ذلك ما هو مضمون الآيات المحكمات التي قد تقدمت) الدرر السنية 11/343
وقال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله :(1/223)
(فنهى سبحانه وتعالى المؤمنين أن يوالوا اليهود والنصارى ، وذكر أن من تولاهم فهو منهم ، أي : من تولى اليهود فهو يهودي ، ومن تولى النصارى فهو نصراني، وقد روى ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال : قال عبد الله بن عتبة : ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر. قال : فظنناه يريد هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " إلى قوله " فإنه منهم " ... الآية ، وكذلك من تولى الترك فهو تركي، ومن تولى الأعاجم فهو عجمي ، فلا فرق بين من تولى أهل الكتابين أو غيرهم من الكفار). سبيل النجاة والفكاك ص 35(ت: الوليد الفريان" ، ومجموعة التوحيد ص 220
وقال الشيخ أيضا :
(الأمر الثالث : مما يصير المسلم به مرتدا : موالاة المشركين ، والدليل قوله تعالى " ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" وقوله تعالى " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء" فذكر في الآية الأولى أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم، وظاهرها أن من تولاهم فهو كافر مثلهم ، ذكر معناه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى) سبيل النجاة والفكاك ص 77 ، مجموعة التوحيد ص 242
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله
( وتعزيرهم وتوقيرهم كذلك ، تحته أنواع أيضا ، أعظمها : رفع شأنهم ، ونصرتهم على أهل الإسلام ، وتصويب ما هم عليه . فهذا وجنسه من المكفرات ، ودونه مراتب من التوقير بالأمور الجزئية ، كلياقة الدواة ونحوه).
وقال الشيخ عبد اللطيف أيضا :(1/224)
(وقال تعالى " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة " [آل عمران :28] وقد جزم ابن جرير في تفسيره بكفر من فعل ذلك . قال تعالى " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان" [المجادلة:22] فليتأمل من نصح نفسه هذه الآيات الكريمات وليبحث عما قاله المفسرون وأهل العلم في تأويلها وينظر ما وقع من أكثر الناس اليوم ، فإنه يتبين له - إن وفق وسدد - أنها تتناول من ترك جهادهم ، وسكت عن عيبهم ، وألقى إليهم السلم . فكيف بمن أعانهم أو جرهم على بلاد أهل الإسلام أو أثنى عليهم ، أو فضلهم بالعدل على أهل الإسلام واختار ديارهم ومساكنتهم وولايتهم ، وأحب ظهورهم ، فإن هذا ردة صريحة بالاتفاق). الدرر السنية 8/325-326 ، ومجموعة الرسائل والمسائل النجدية 3/53
وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف أيضا :
(من لم يعرف كفر الدولة ، ولم يفرق بينهم وبين البغاة من المسلمين لم يعرف معنى لا إله إلا الله ، فإن اعتقد مع ذلك أن الدولة مسلمون ، فهو أشد وأعظم ، وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله وأشرك به ؛ ومن جرهم وأعانهم على المسلمين بأي إعانة فهي ردة صريحة). الدرر السنية 10/429
وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف رحمه الله :
( وقال صلى الله عليه وسلم " من جامع المشرك أو سكن معه فإنه مثله " فلا يقال إنه بمجرد المجامعة والمساكنة يكون كافرا ، بل المراد أن من عجز عن الخروج من بين ظهراني المشركين ، وأخرجوه معهم كرها ، فحكمه حكمهم في القتل ، وأخذ المال لا في الكفر . وأما إن خرج معهم لقتال المسلمين طوعا واختيارا ، أو أعانهم ببدنه وماله ، فلا شك أن حكمه حكمهم في الكفر). الدرر السنية 8/456
وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله(1/225)
( وكون الولاة مرتدين عن الدين بتوليهم الكفار ، وهم مع ذلك لا يجرون أحكام الكفر في بلادهم ، ولا يمنعون من إظهار شعائر الإسلام ، فالبلد حينئذ بلد إسلام ، لعدم إجراء أحكام الكفر ، كما ذكر ذلك شيخنا الشيخ عبد اللطيف رحمه الله عن الحنابلة وغيرهم من العلماء ) إلى أن قال ( وأما الولاة المذكورون ، فإنهم قد حصل منهم موالاة وتول للكفار وموافقة ، ومظاهرة على المسلمين ، فلا شك في ردتهم ، والمتأخرون منهم إما راضون بأفعالهم ، أو معينون لهم ، ولم يظهر منهم مخالفة لمن قبلهم ولا عيب على أفعالهم ، فحكمهم حكمهم ، إلا أن يكون قد تبين لكم منهم خلاف ما عليه أسلافهم ). الدرر السنية 8/491-494
وقال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله في " الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع " (ص32) : (وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسان ٍ أو رضى بما هم عليه ، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه من غير الإكراه المذكور فهو مرتد ، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين)
وقال بعض علماء نجد :( الأمر الثالث : مما يوجب الجهاد لمن أتصف به مظاهرة المشركين ، وإعانتهم على المسلمين بيد أو لسان أو بقلب أو بمال ، فهذا كفر مخرج من الإسلام ، فمن أعان المشركين على المسلمين ، وأمد المشركين من ماله بما يستعينون به على حرب المسلمين اختيار منه فقد كفر). الدرر السنية 9/292
وقال أحمد شاكر رحمه الله في "كلمة الحق":(1/226)
(أما التعاون مع الإنجليز بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر، فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح، لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول، ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء، ولا مجاملة هي النفاق، سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء. كلهم في الكفر والردة سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم، إن أخلصوا من قلوبهم لله لا للسياسة ولا للناس.
وأظنني قد استطعت الإبانة عن حكم قتال الإنجليز وعن حكم التعاون معهم بأي لون من ألوان التعاون أو المعاملة، حتى يستطيع أن يفقهه كل مسلم يقرأ العربية، من أي طبقات الناس كان، وفي أي بقعة من الأرض يكون).
وقال ( ولا يجوز لمسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أن يتعاون معهم بأي نوع من أنواع التعاون، وإن التعاون معهم [ أي الفرنسيين] حكمه حكم التعاون مع الإنجليز: الردة والخروج من الإسلام جملة، أيا كان لون المتعاون معهم أو نوعه أو جنسه).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
(وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم ) مجموع الفتاوى والمقالات 1/274
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز أيضا : (أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء ، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقص الإسلام لقول الله عز وجل "ومن يتولهم منكم فإنه منهم"). فتاوى إسلامية 0 جمع محمد بن عبد العزيز المسند ج4 السؤال الخامس من الفتوى رقم 6901 .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:(ومن مظاهر موالاة الكفار إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين ومدحهم والذب عنهم وهذا من نواقض الإسلام وأسباب الردة نعوذ بالله من ذلك). الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ص 351 .(1/227)
وقال الشيخ صالح الفوزان ايضا :( الموالاة التي حرمها الله ورسوله: موالاة الكفار هي محبتهم في القلوب؛ لأنه لا يحبهم إلا إذا كان يرى صحة ما هم عليه، أما لو كان يرى بطلان ما هم عليه فإنه يعاديهم في الله عز وجل.ومن الموالاة المحرمة: مناصرتهم على المسلمين ومظاهرتهم أو الدفاع عنهم بالقول بتبرير ما هم عليه والاعتزاز بما هم عليه، كل هذا من أنواع الموالاة المحرمة والتي تصل إلى الردة عن الإسلام، والعياذ بالله، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51( أما ما يجوز لنا من التعامل مع الكفار فهو التعامل المباح نتعامل معهم بالتجارة، ونستورد منهم البضائع، ونتبادل منهم المنافع، ونستفيد من خبراتهم، نستقدم منهم من نستأجره على أداء عمل كهندسة أو غير ذلك من الخبرات المباحة، هذا حدود ما يجوز لنا معهم ولابد من أخذ الحذر، وأن لا يكون له سلطة في بلاد المسلمين إلا في حدود عمله، ولا يكون له سلطة على المسلمين، أو على أحد من المسلمين، وإنما تكون السلطة للمسلمين عليهم .) (المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - (ج 2/ ص 251) [ رقم الفتوى في مصدرها: 218}
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله :
(وأما الوقوف مع دول الكفر على المسلمين ومعاونتهم عليهم فإنه يجعل فاعل ذلك منهم ، قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم " والآيات في هذا كثيرة .)
وقال الشيخ حمود بن عقلا الشعيبي رحمه الله :
(أما مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم عليهم فهي كفر ناقل عن ملة الإسلام عند كل من يعتد بقوله من علماء الأمة قديما وحديثا ...)(1/228)
وقال (وبناء على هذا فإن من ظاهر دول الكفر على المسلمين وأعانهم عليهم كأمريكا وزميلاتها في الكفر يكون كافرا مرتدا عن الإسلام بأي شكل كانت مظاهرتهم وإعانتهم).
وقال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله :
(فإنه مما لا شك فيه أن إعلان أمريكا الحرب على حكومة طالبان في أفغانستان ظلم وعدوان وحرب صليبية على الإسلام كما ذُكر ذلك عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، وأن تخلي الدول في العالم الإسلامي عن نصرتهم في هذا الموقف الحرج مصيبة عظيمة ، فكيف بمناصرة الكفار عليهم ، فإن ذلك من تولي الكافرين ؛ قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" وقد عدّ العلماء مظاهرة الكفار على المسلمين من نواقض الإسلام لهذه الآية).
وقال الشيخ عبد الله السعد حفظه الله:
(وقد حذر الله تعالى من موالاة الكافرين أشد تحذير ، بل حكم بالكفر والردة على من تولاهم فقال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"[ المائدة51 ] والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا). وقال :
(وليعلم كل مسلم أن التعاون مع أعداء الله ضد أولياء الله بأي نوع من أنواع التعاون والدعم والمظاهرة يعد ناقضا من نواقض الإسلام ، دلّ على ذلك كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ونص عليه أهل العلم رحمهم الله ، فليحذر العبد أن يسلب دينه وهو لا يشعر).
وقال الشيخ ناصر العمر حفظه الله(1/229)
(رابعاً : حرمة مظاهرة المشركين واليهود والنصارى ، وإعانتهم على المسلمين ، وأن من فعل ذلك عالماً بالحكم طائعاً مختاراً غير متأول فقد برأت منه ذمة الله ، حيث إن المظاهرة والمناصرة أعظم أنواع التولي والموالاة).
وقال الشيخ سفر الحوالي حفظه الله ،في بيانه عن الأحداث :
(إن نصرة الكفار على المسلمين بأي نوع من أنواع المناصرة ولو كانت بالكلام المجرد هي كفر بواح ، ونفاق صراح ، وفاعلها مرتكب لناقض من نواقض الإسلام - كما نص عليه أئمة الدعوة وغيرهم - غير مؤمن بعقيدة الولاء والبراء).
وقال الشيخ سلمان بن فهد العودة حفظه الله:
(الولاء للمؤمنين وعدم إعانة الكافرين عليهم ، إذ أن الحكم في مناصرة الكافرين على المسلمين ، وتولي اليهود والنصارى جليٌّ مُشرق لا لبس فيه ولا غموض ، تواردت عليه آيات الكتاب ، وأبدأَ القرآن فيه وأعاد " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين" وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة . . " ولذا عدّ العلماء تولي الكافرين ومظاهرتهم على المسلمين انسلاخاً من الدين ، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في نواقض الإسلام : "الناقض الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله - تعالى - : " ومن يتولهم منكم فإنه منهم" وقال الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله - "الكفار الحربيون لا تجوز مساعدتهم بشيء ، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقض الإسلام لقوله - عز وجل - : " ومن يتولهم منكم فإنه منهم" أ.هـ ).
وقال الشيخ بشر بن فهد البشرحفظه الله:(1/230)
(ومما سبق يتبين أن التعاون مع أمريكا في العدوان على أفغانستان سواء كان بالرجال أو المال أو السلاح أو الرأي هو من قبيل مظاهرة الكفار على المسلمين ، وهو كفر وردة عن الإسلام ، وهذا الحكم يشمل الأفراد والجماعات وغيرهم ).
وقال الدكتور عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف في " نواقض الإيمان القولية والعملية " ص 381،382
(وأما مظاهرة الكفار على المسلمين ، فالمقصود بها أن يكون أولئك أنصارا وظهورا وأعوانا للكفار ضد المسلمين ، فينضمون إليهم ، ويذبون عنهم بالمال والسنان والبيان ، فهذا كفر يناقض الإيمان . وهذا ما يسميه بعض العلماء ب"التولي" ويجعلونه أخص من عموم الموالاة ، كما هو عند بعض أئمة الدعوة السلفية في نجد ، مع أن جمهورا من المفسرين يفسرون التولي بالموالاة ) إلى أن قال : ( وعلى كل فلا مشاحة في الاصطلاح ، فالمهم أن مظاهرة الكفار ونصرتهم والذب عنهم يناقض الإيمان سواء سمي ذلك توليا أم موالاة . إن مظاهر الكفار ضد المسلمين خيانة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين).
وقال الشيخ سليمان العلوان (وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على أن مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال والذب عنهم بالسنان والبيان كفر وردة عن الإسلام قال تعالى { ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } . وأي تولٍ أعظم من مناصرة أعداء الله ومعاونتهم وتهيئة الوسائل والإمكانيات لضرب الديار الإسلامية وقتل القادة المخلصين).
هذا ما تيسر جمعه من اقوال اهل العلم في حكم مظاهرة الكفار على المسلمين ، وفيه أكبر بيان وحجة على حكم من يعين الصليبيين اليوم في العراق وافغانستان ، ومن يعين اليهود في فلسطين ومن يعين الشيوعيين على اخواننا في الشيشان ، نسأل الله السلامة والعافية والنصر على اعدائه انه على كل شيء قدير .
خاتمة(1/231)
وبعد فأنني اختم هذا الكتاب بكلمات لشيخ الاسلام ابن تيمية من مجموع الفتاوى لما فيها من الفوائد العظيمة , اسأل الله ان ينفعنا بها انه على ذلك قدير :
قال شيخ الاسلام ( ما في القرآن من الحضّ على الجهاد والترغيب فيه وذمّ الناكلين عنه والتاركين له : كلّه ذمّ للجبن ، ولمّا كان صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلاّ بالشجاعة والكرم : بيّن سبحانه أن من تولى عن الجهاد بنفسه أبدل الله به من يقوم بذلك ، فقال : { يا أيها الذين آمنوا ! ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ؟ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ؟ فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلاّ قليل . إلاّ تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضرّوه شيئاً ، والله على كلّ شيء قدير } . وقال تعالى : { ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم لفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } . وبالشجاعة والكرم في سبيل الله فضل السابقين ، فقال : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى } . وقد ذكر الجهاد بالنفس والمال في سبيله ، ومدحه في غير آية من كتابه ، وذلك هو الشجاعة والسماحة في طاعته سبحانه ، فقال : { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ! إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون . وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } . مجموع الفتاوى / ج8/ص 157 - 158 .(1/232)
وقال ايضا ( لمّا كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله من الابتلاء والمحن ما يعرض به المرء للفتنة : صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك بأنه يطلب السلامة من الفتنة ، كما قال عن المنافقين : { ومنهم من يقول : ائذن لي ولا تفتني ! ألا في الفتنة سقطوا } الآية . مجموع الفتاوى/ج8/ ص 165 - 166 .
وقال ايضا (الأمر بالجهاد ، وذكر فضائله في الكتاب والسنة : أكثر من أن يحصر . ولهذا كان أفضل ما تطوع به الإنسان ، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة ، ومن الصلاة التطوع ، والصوم التطوع ، كما دلّ عليه الكتاب والسنة) . مجموع الفتاوى/ج8/ ص 352 .
وقال ايضا :( الجهاد فيه خير الدنيا والآخرة ، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى في كتابه : { قل هل تربصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين } يعني : إمّا النصر والظفر ، وإمّا الشهادة والجنة . فمن عاش من المجاهدين كان كريماً له ثواب الدنيا ، وحسن ثواب الآخرة ، ومن مات منهم أو قتل فإلى الجنة ).مجموع الفتاوى/ج8/ ص417
وقال ايضا : (من كان كثير الذنوب فأعظم دوائه الجهاد ، فإن الله عز وجل يغفر ذنوبه ، كما أخبر الله في كتابه بقوله سبحانه وتعالى : { يغفر لكم ذنوبكم } .،، وكذلك من أراد أن يُكَفِّر الله عنه سيئاته فى دعوى الجاهلية وحميتها فعليه بالجهاد) مجموع الفتاوى/ج8/ ص 421 .
وقال ايضا : (دلّ عليه قوله تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى ، ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما : إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم ، لأن الله يقول : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ). مجموع الفتاوى/ج8/ ص 442 .(1/233)
هذه بعض كلمات شيخ الاسلام والمجاهدين ابن تيمية رحمه الله ففيها الفوائد والعبر ،، واخيرا اختم الخاتمة بهذه الكلمات لفضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن يحيى الحنيني حيث قال (ولنا مع الأحداث وقفات وعبر ودروس وبشائر ، ولنقف نحن وإياكم ولنتنعم بهذه الهبات والعطايا الربانية، ونستبشر وإياكم بهذه البشائر الإلهية، فإياك إياك أن يتسلل اليأس إلى نفسك ،أو يتملك الحزن والقنوط قلبك ،وثق بربك وأحسن الظن به فهو عند حسن ظن عبده به ونحن يارب لا نظن فيك إلا خيراً، إسمع إلى ما يبشرك به ربك ومولاك نعم أنت أريد يامن هويتك الإسلام وشعارك القرآن وقدوتك محمد خير الأنام :
البشارة الأولى : الحقيقة التي لا تتبدل، والحق الذي لا يتغير والبشارة التي لاتزول ما أخبر الله به في كتابه في غير موضع حيث : يقول ربنا جل وعلا : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ) غافر [51]، ويقول سبحانه : (إن ينصركم الله فلا غالب لكم ، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ) آل عمران[160، ويقول المولى جل شأنه:( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) الحج [40]، ويقول سبحانه : (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين ) ، ويقول جل وعلا: (وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب ) الصف[13]،وقال سبحانه لنبيه الكريم : (وينصرك الله نصراً عزيزاً) الفتح [3]، ويقول سبحانه مسلياً أنبياءه وأولياءه : (فصبروا على ماكذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ) الأنعام [34]، وقال سبحانه عن الحال التي قد تصل بالأنبياء من الشدة والبلاء : ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ) يوسف [110]،ويقول سبحانه : (والله يؤيد بنصره من يشاء ) آل عمران[13]،ويقول سبحانه عن الحقيقة التي لا يجوز أن تغيب عن أذهاننا : ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون،وإن جندنا لهم الغالبون ) الصافات[171-173](1/234)
أبعد هذا يمكن أن يداخلك شك، فاستعد فإن النصر قد قرب والفجر قد بزغ { إن رحمت الله قريب من المحسنين }
البشارة الثانية : ما شاهدناه وشاهده كل العالم من بطولات أحفاد سعد والمثنى الذين أعادوا لنا ربى حطين والقادسية واليرموك ، لكم الله يا أبطال الفلوجة ياغرة الزمان وياشامة الإسلام ، يامن رفعتم جبين الأمة ، إننا نكاد أن نذوب خجلا وحياء من هذه البطولات التي فاقت كل التصورات وكل تحليلات المحللين وتوقعات المنظرين والمخططين ، هذه البطولات التي أخرست الألسنة اليائسة والنفوسَ المريضة ، والقلوب الضعيفة ، كم هي فرحتنا وأنتم تنتقمون لنا ممن ظلمنا ،ممن هتك الأعراض وخرب الديار وسرق الخيرات وجعل الأرض كلها بوار ، لقد ثأرتم لكل أب مظلوم لكل حر أبي مكلوم، ثأرتم ورب الكعبة فأطفئتم الحسرة والحرقة في الفتاة التي هتك عرضها ونيل من كرامتها ،لقد مرغتم كرامة أمريكا وأذهبتم هيبة أمريكا، وكسرتم حاجز الخوف من حامية الصليب، أنكم أعطيتم الدرس واضحا للجيوش النظامية التي لم تحرك ساكنا ولم تحم وطنا ولم ترع ذمما ، بكم ياغرة الزمان تصنع الأمجاد وعلى أيديكم تتعلم الشعوب معنى العزة والكرامة، لقد أعطيتمونا الدرس العظيم الذي لن ننساه بأن حياة العز والشرف خير من حياة الذل مع الترف ، يا أبطال الفلوجة إن بطولاتكم فضحت وعرت الممارسات الرخيصة والقذرة في إعلامنا العربي عذرا أيها الأبطال أنتم تصنعون التاريخ ونحن نقدم البرامج التي تجعلنا في زبالة التاريخ ، عذراً أيها الأبطال كاد اليأس والإحباط أن يذهب بحشاشات القلوب ونحن نشاهد العبث الذي أجمعت عليه القنوات الفضائية في زمن قل فيه الإجماع فإذا بكم تبعثون الأمل وترسلون الرسالة بالأفعال لا بالأقوال ،إن في الأمة رجال، إن في الأمة أبطال يدافعون عن الدين والعرض والأرض والمقدسات ،.يا أبطال الفلوجة ياأبطال العراق الأباة لقد أعطيتمونا درساً في معنى الإيمان الصحيح الإيمان الحق :{(1/235)
والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذي آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً } يا أبطال العراق : لئن فاتكم شيء من الدنيا ولم تتمعتوا بها، لئن لم تحوزوا على أوسمة الخيانة والذل التي أعطاها المحتل للخونة من بني جلدتكم فلن يفوتكم الوسام الذي أعطاكموه ربكم إذ يقول مبينا منزلتكم ودرجتكم :{ لايستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفوراً رحيماً } ،،) ( موقع صيد الفوائد) .
فنسأل الله أن يمن علي المسلمين جمعيا بالرجوع إلى دينه , ويجمع كلمتهم على الحق , ويوفقهم جمعيا للفقه في الدين والجهاد في سبيل رب العالمين , حتى يعزهم ويرفع عنهم الذل , ويكتب لهم النصر علي أعدائه وأعدائهم إنّه وليّ ذلك والقادر عليه ، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم اذل اعدائك واعدائهم ، اللهم ثبت المجاهدين على الحق ، اللهم مكن لهم في الارض انك على كل شيء قدير .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .
نبذة مختصرة من سير بعض العلماء
1- الشيخ العلامة عبدالرحمن البراك :- اسمه ونسبه: عبدالرحمن بن ناصر بن براك بن إبراهيم البراك، ينحدر نسبه من بطن آل عُرينه المتفرع من قبيلة سُبيع المُضرية العدنانية.
كنيته: أبو عبد الله. ميلاده ونشأته: ولد الشيخ في بلدة البكيرية من منطقة القصيم في سنة 1352هـ. وتوفي والده وهو صغير فلم يدركه، وتولت والدته تربيته فربته خير تربية، وقدر الله أن يصاب الشيخ بمرض تسبب في ذهاب بصره، وهو في التاسعة من عمره.(1/236)
طلبه للعلم ومشايخه: بدأ الشيخ طلب العلم صغيراً، فحفظ القرآن وعمره اثنتا عشرة سنة تقريباً، وكان قد بدأ قراءته على بعض أقاربه ثم على مقرئ البلد عبدالرحمن بن سالم الكريديس، وطلب العلم في بلده على الشيخ محمد بن مقبل المقبل قاضي البكيرية، والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله السبيل (قاضي البكيرية، والخبراء، والبدائع بعد شيخه ابن مقبل). ثم قُدِّرَ له السفر إلى مكة، ومكث بها بضع سنين، فقرأ فيها على الشيخ عبدالله بن محمد الخليفي إمام المسجد الحرام، وهناك التقى برجل فاضل من كبار تلاميذ العلامة محمد بن إبراهيم وهو الشيخ صالح بن حسين العراقي، ثم أرتحل عام 1369هـ برفقة الشيخ العراقي إلى الشيخ ابن باز حين كان قاضياً في بلدة الدلم، ومكث عند الشيخ ابن باز قرابة السنتين، وكان مدة إقامته لها أثر كبير في حياته العلمية.
دراسته النظامية: ثم التحق الشيخ بالمعهد العلمي في الرياض حين افتتاحه في تأريخ 1/1/1371هـ، ثم تخرج منه، وألتحق بكلية الشريعة سنة 1378هـ. وتتلمذ في المعهد، والكلية على مشايخ كثيرين من أبرزهم: العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، ودرسهم في المعهد في التفسير، وأصول الفقه. و العلامة عبدالرزاق عفيفي رحمه الله ودرسهم في التوحيد، والنحو، ثم أصول الفقه، وآخرين رحمهم الله جميعاً. وكان أيضا يحضر بعض دروس العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
و أكبر مشايخه عنده، وأعظمهم أثراً في نفسه العلامة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله، الذي أفاد منه أكثر من خمسين عاما بدءاً من عام 1369هـ حين كان الإمام ابن باز في بلدة الدلم إلى وفاته في عام 1420 هـ، ثم شيخه العراقي الذي أستفاد منه حب الدليل، ونبذ التقليد، والتدقيق في علوم اللغة، والنحو، والصرف، والعروض.(1/237)
محفوظاته: حَفِظَ الشيخ القرآن العظيم، وبلوغ المرام، وكتاب التوحيد، وكشف الشبهات، والأصول الثلاثة، وشروط الصلاة، والآجرومية، وقطر الندى، وألفية ابن مالك وغيرها.
وهناك متون يستحضرها الشيخ استحضارا قوياً كالتدمرية، وشرح الطحاوية فلا يُحصى كم مرة دَرَّسَها الشيخ، وقُرِأَتْ عليه في الجامعة والمسجد، وكذا وزاد المستقنع وغيرها.
الأعمال التي تولاها: عمل الشيخ مدرساً في المعهد العلمي في مدينة الرياض ثلاث سنين من سنة 1379هـ إلى سنة 1381هـ، ثم انتقل بعدها إلى التدريس في كلية الشريعة بالرياض، ولما افتتحت كلية أصول الدين نقل إليها في قسم العقيدة، وعمل مدرساً فيهما إلى أن تقاعد عام 1420 هـ، وأشرف خلالها على العشرات من الرسائل العلمية (ماجستير ودكتوراه)، وبعد التقاعد رغبت الكلية التعاقد معه فأبى، كما راوده سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله على أن يتولى العمل في الإفتاء مراراً فتمنع، ورضي منه شيخه أن ينيبه على الإفتاء في دار الإفتاء في الرياض في فصل الصيف حين ينتقل المفتون إلى مدينة الطائف، فأجاب الشيخ حياءً، إذ تولى العمل في فترتين ثم تركه.
وبعد وفاة الشيخ ابن باز رحمه الله طلب منه سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أن يكون عضو إفتاء، وألح عليه في ذلك فامتنع، وآثر الانقطاع للتدريس في مسجده.
جهوده في نشر للعلم: جلس الشيخ للتعليم في مسجده الذي يتولى إمامته -مسجد الخليفي بحي الفاروق-، ومعظم دروسه فيه، وكذلك التدريس في بيته مع بعض خاصة طلابه، وله دروس في مساجد أخرى، إضافة إلى مشاركاته الكثيرة في الدورات العلمية المكثفة التي تقام في الصيف، وإلقائه للمحاضرات في مدينة الرياض، وغيرها من مناطق المملكة، وتبلغ دروسه الأسبوعية أكثر من عشرين درساً في علوم الشريعة المختلفة، ويتميز الشيخ أيضا بإقراء علوم اللغة، والمنطق، والبلاغة.(1/238)
وتعرض على الشيخ بعض الأسئلة من موقع الشيخ ناصر العمر، وموقع الشيخ محمد المنجد، وموقع الشيخ سلمان العودة حفظهم الله جميعاً.
طلابه : طلاب الشيخ كُثُرٌ يتعذر على العاد حصرهم، وغالبهم من أساتذة الجامعات، والدعاة المعروفين، وغيرهم ممن يستفيدون من الشيخ من العامة والخاصة. ويتابع كثير من طلاب العلم من خارج البلاد دروس الشيخ عبر الإنترنت على الهواء مباشرة من موقع البث الإسلامي.
احتسابه : وللشيخ جهود كبيرة معروفة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومناصحة المسؤلين والكتابة لهم، وتحذير الناس من البدع، وسائر الانحرافات، والمخالفات، وله في ذلك فتاوى سارت بها الركبان.
اهتمامه بأمور المسلمين: للشيخ حفظه الله اهتمام بالغ بأمور المسلمين في جميع أنحاء العالم فهو كثير الحزن، والتألم لما يحدث لهم في كثير من البلاد دائم المتابعةِ لأخبارهم خصوصا وقت الأزمات، وهو دائم المبادرة بالقنوت، والدعاء لهم في الصلاة، والدعاء على أعدائهم، وله عدة فتاوى في هذا الخصوص انتشرت في كل مكان.
زهده، وورعه : وللشيخ زهد في الشهرة، والظهور، وولع بهضم النفس واحتقارها، وتواضع عجيب، وبساطه متناهية، وتقلل في المأكل، والملبس، والمركب، والمسكن، يعرف ذلك كل من رآه، وعاشره. ومن تواضعه استنكافه عن التأليف مع استجماعه لأدواته: من إطلاع واسع ودراية بكلام السلف والخلف، ومعلومات غزيرة في شتى الفنون، وحفظ للأدلة، وعقل راجح حصيف، وإدراك لمناط الخلاف، و قدرة عجيبة على تحرير محل النزاع. وأشرطته ودروسه خير شاهد، ولو فرغت الأشرطة التي سجلت دروسه، و تعليقات الطلاب التي تلقوها عنه لرأى من لم يعرفه عجباً .
والشيخ متميز بتبحره في علم العقيدة، وله في ذلك اليد الطولى، وهو من أهم من يُرْجَع إليه اليوم في ذلك.(1/239)
عبادته: يختم الشيخ القرآن تقريباً كل عشرة أيام، ولا يترك صيام الاثنين والخميس إلا لعارض، ولا يترك قيام الليل بل يقوم قبل الفجر بحوالي ساعتين كل ليلة، وهو شديد البر بأمه جداً حتى إنه ترك الحج عدة سنوات مراعاة لها، ويستأذنها في كل أمر حتى في خروجه من البيت، بل ويستأذنها في أعظم من ذلك، وبره بها لا يتسع له هذا الاختصار.
ثناء العلماء عليه: أثنى على الشيخ كثير من العلماء، بل لم نر أحداً ممن عرفه توقف في الثناء عليه، ومنهم سماحة العلامة ابن باز رحمه الله شيخه فقد قال عنه مرة: إنه رجل مسدد، وتقدم تكليفه له في الفتيا مكانه فهو محل ثقته. ولما سأل الشيخُ محمدُ المنجد العلامةَ ابنَ عثيمين في آخر أيامه من نسألُ بعدَك؟ فأثنى عليه، وعلى الشيخ صالح الفوزان، ووجه لسؤالهما.
وأما ثناء المشايخ الذين هم من طبقة تلاميذه فلا يمكن حصره هنا.(1/240)
إنتاجه العلمي : تقدم أن الشيخ عازف عن التأليف بسبب ازدرائه لنفسه كما تقدم، وانشغاله بالتعليم، مما أدى إلى قلة مؤلفاته لكن للشيخ دروس، وشروح كثيرة مسجلة منها على سبيل المثال: مقدمة في علم العقيدة، وشرح الأصول الثلاثة، وشرح القواعد الأربع، وشرح كتاب التوحيد، وشرح كتاب كلمة الإخلاص لابن رجب، وشرح حائية ابن أبى داود، وشرح مسائل الجاهلية، وشرح العقيدة الواسطية، وشرح العقيدة الطحاوية، وشرح مجردة لوامع الأنوار في عقائد أهل الآثار لابن شكر الشافعي، وشرح كتاب عمدة الأحكام (الطهارة) وعقيدة أصحاب الحديث، وملحة الأعراب، وغيرها كثير جداً، وما لم يسجل أكثر. وقد خرج له رسالة بعنوان جواب في الإيمان ونواقضه، وسيخرج قريباً -إن شاء الله- شرح للتدمرية. نسأل الله أن يبارك في عمر الشيخ، ويهيئ له من يجمع علومه، وفتاواه؛ فإنها محررة قائمة على الدليل والتحري، والدقة، وبعد النظر، نحسبه كذلك، ولا نزكيه على الله، كما نسأله سبحانه أن يمد في عمره على العافية، وتقوى الله سبحانه وتعالى، وينفع المسلمين بعلمه.
2- الشيخ الدكتور سعود بن عبدالله الفنيسان :- هو فضيلة الشيخ الاستاذ الدكتور سعود بن عبدالله بن محمد الفنيسان ، حصل على الشهادة الجامعية من كلية الشريعة التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وواصل الدراسة العليا في نفس الجامعة فحصل على الماجستير والدكتورة في التفسير وعلومه وللشيخ سعود مشايخ أخذ عنهم فمنهم سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم مفتي عام المملكة حيث سمع منه دروسا في تفسير ابن جرير الطبري وذلك في منتصف الثمانينات الهجرية كما تتلمذ على سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله والعلامة المتقن الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله والعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك وفضيلة العلامة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين وغيرهم من علماء بلده.(1/241)
المشاركة العلمية والعملية: قام الشيخ بتكليف من الشيخ محمد بن إبراهيم بجولة دعوية وعلمية في دول الخليج عمل مدرسا في معهد إمام الدعوة العلمي بالرياض لمدة ثلاث سنوات كما عمل ضابط توعية إسلامية بوزارة الدفاع مدة خمس سنوات وعمل مستشارا تعليميا في جامعة الإمام لمدة سنتين كما عمل خبير بحوث علمية بالجامعة مدة ثلاث سنوات وتولى عمادة كلية الشريعة بالرياض مدة ثمان سنوات ومستشارا للرئاسة العامة لتعليم البنات ـ سابقا ـ وعمل أستاذا مساعد للتفسير وعلوم القرآن في الجامعة وشارك في عدد من اللجان الفنية والمؤتمرات العلمية داخل المملكة وخارجها كما شارك في وضع المناهج العلمية لعدد من المعاهد والكليات المدنية والعسكرية وشارك ولا زال في الإشراف والمناقشة في الرسائل العلمية من رسائل الماجستير والدكتورة كما قام ولا يزال يقوم بفحص وتقويم عدد من البحوث العلمية لترقية أعضاء هيئة التدريس داخل المملكة وخارجها له مشاركة حاضر ة في إلقاء الدروس والمحاضرات العامة في عدد من المراكز والمساجد في بعض دول أوربا وأمريكا ودول شرق آسيا وله غير ذلك من المشاركات.(1/242)
وأما المؤلفات والبحوث العلمية فله كثير منها: غزوة الأحزاب في ضوء القرآن ـ عرض وتحليل ـ وكتاب اختلاف المفسرين أسبابه وآثاره وتحقيق البرهان في بيان القرآن لابن قدامة الحنبلي وتحقيق الفتح القدسي في فضل آية الكرسي للبقاعي الشافعي وتحقيق البديع في رسم مصاحف عثمان لأبي عبدالله الجهني الأندلسي وكتاب فتح المجيد في حكم القراءة بالتغني والتجويد وكتاب في مرويات أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنهاـ وحديث اختلاف أمتي رحمة ـ رواية ودراية وتوثيق (بانت سعاد) في المتن والإسناد والأربعون البلدانية في الأحاديث النجدية وآثار الحنابلة في علوم القرآن المطبوع والمخطوط وتحقيق كتاب الجواب المفيد في الفرق بين التغني والتجويد للشيخ عبدالرحمن الدوسري هذه الكتب المطبوعة وله كتب أخرى تحت الطبع وأما البحوث فمنها: ـ مصرف (وفي سبيل الله ) بين الخصوص والعموم ـالتأمين الطبي في المنظور الإسلامي، وحكم الإيجار المنتهي بالتمليك..
3-الشيخ الدكتور عبدالرحمن المحمود:- عبد الرحمن بن صالح بن صالح المحمود ، من أل سلمي من بني تميم
· نشأته ودراسته :ولد في مدينة البكيرية من القصيم سنة 1373هـ ودرس فيها المرحلة الابتدائية . ثم درس في المعهد العلمي في البكيرية الذي أنشئ من العام الذي تخرج فيه من الابتدائية ، أكمل دراسته في كلية الشريعة في الرياض وتخرج منها سنة 1395هـ ، ثم أنشئت جامعة الإمام التي كان نواتها كلية الشريعة واللغة العربية . وأكمل دراسته العليا في كلية أصول الدين في الرياض . قسم العقيدة حيث أنهى مرحلة الماجستير ثم الدكتوراه . ولا يزال يدرس في القسم في الجامعة .
· العلماء الذين درس عليهم :(1/243)
من اشهر شيوخه :- الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان والشيخ العلامة عثمان النجران والعلامة صالح السحيباني والعلامة عبدالرحمن البراك والعلامة عبدالكريم اللاحم والعلامة صالح العلي الناصر رحمه الله وغيرهم من الأساتذة والمشايخ الذين حضر بعضاً من دروسهم دون انتظام ونسأل الله تعالى أن يثبتهم جميعاً .
· المؤلفات : مصدر تلقي العقيدة عند السلف ./ اسمه تعالى السميع ./- موقف ابن تيمية من الأشاعرة
- القضاء والقدر . /- عبر ودروس من زيارة بلاد الروس . /- الحكم بغير ما أنزل الله . /أخطاء عقدية ./عبادة القلب . /- تيسير لمعة الاعتقاد . / قضايا منهجية ودعودية .
4- عبدالعزيز الطريقي :- هو فضيلة الشيخ المعتني المحدث عبد العزيز بن مرزوق الطريفي. عرف بالطلب المبكر، والبحث وسعة الاطلاع، والعناية بالمحفوظات في السنة، وعرف الشيخ بالعلم والفضل والتبحر فيه، وله إسهامات متنوعة في مجال التصنيف والتأليف وكذلك التعليم، والدعوة في ميادين شتى ...وقد تتلمذ على جماعة من أهل العلم منهم:
1- سماحة الامام عبد العزيز بن عبدالله بن باز وقد تتلمذ عليه سنوات وهو أكثرهم أخذا عليه.
2-فضيلة العلامة الفقيه عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل.
3-فضيلة الشيخ محمد بن الحسن الشنقيطي.
4-فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر البراك.
5-فضيلة الشيخ المحدث عبد الكريم الخضير.
6- الشيخ محمد عبدالله الصومالي-رحمه الله-.
7- الشيخ النحوي حسن الاثيوبي.
وجماعة غيرهم، من أهل العلم. وللشيخ تميز بالسنة وحفظها وإدامة النظر فيها... يعمل الشيخ الآن ( باحثاَ علمياَ ) في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض ..
5- الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد :- هو الشيخ المحدث سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز الحميد ... يرجع نسبه إلى الوهبة من قبيلة تميم.(1/244)
ولد الشيخ عام 1374 هـ بمدينة الطائف أثناء تمتع أسرته الكريمة بمصيفها فزاد بذلك أنسهم فرحاً وإلا فالأصل أن أسرته من أهل محافظة أشيقر التي تبعد عن مدينة الرياض 200 كيلو متراً غرباً .
وقد نشأ حفظه الله في أسرة كريمة عرف عنها التدين. وقد درس مراحل تعليمه الأولى بمدينة الرياض ؛ فبعد إنهاء المرحلة المتوسطة التحق بالمعهد الملكي قسم كهرباء وأنهى الدراسة به ، ثم إن الشيخ أشغف بحب طلب العلم مما دعاه ذلك إلى تغيير وجهته الدراسية والالتحاق مرة أخرى بالمرحلة الثانوية العامة بنظام ثلاث سنوات في سنة واحدة ليمهد بذلك دخوله في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وبعد حصوله على هذه الشهادة التحق فعلاً بجامعة الإمام (كلية أصول الدين) وتخرج منها عام 1402هـ ، ثم واصل مسيرته التعليمية فالتحق بالدراسات العليا في نفس الجامعة عام 1403 وحصل على درجة الماجستير عام 1407هـ برسالة عنوانها ( تحقيق مختصر استدراك الذهبي على مستدرك أبي عبدالله الحاكم - القسم الثاني) وهي مطبوعة . وفي عام 1408هـ شرع في التحضير لدرجة الدكتوراه برسالة عنوانها (سعيد بن منصور وكتابه السنن دراسةً وتحقيقاً من أول التفسير وفضائل القرآن إلى نهاية تفسير سورة المائدة ) وقد فرغ منها الشيخ وحصل على أثرها على درجة الدكتوراه عام 1413هـ .
الأعمال التي تقلدها فضيلته : عمل في البحوث القضائية بوزارة العدل من عام 1403 هـ حتى عام 1409هـ ثم بعد ذلك انتقل حفظه الله لجامعة الملك سعود بالرياض كمحاضر بكلية التربية ، ثم عين بعدها أستاذاً مساعداً في نفس الكلية عام 1413هـ عقب الفراغ من نيل درجة الدكتوراه. وفي عام 1416هـ حصل فضيلته على التقاعد المبكر حيث تفرغ بعدها للعمل العلمي .
شيوخه :
تلقى فضيلته العلم عن عدد من المشايخ ، ومن أشهرهم :
الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى .
الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله .(1/245)
الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين حفظه الله حيث لازمه وتتلمذ عليه منذ عام 1393هـ و لايزال يحضر له رغم كثرة مشاغله .
الشيخ عبدالله بن حسن بن قعود شفاه الله .
الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك حفظه الله.
الشيخ عبدالله بن جارالله رحمه الله . كما تتلمذ على أشرطة الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى أكثر من تلقيه المباشر عنه نظراً لبعد المسافة بينهما .
هذا عدا تتلمذه على عدد من المشايخ عن طريق الدراسة النظامية ومن أشهرهم فضيلة الشيخ المحدث أحمد معبد عبدالكريم وهو من مشايخ الأزهر المعروفين ببراعتهم في علم الحديث ، وقد تولى الإشراف على رسالته للماجستير ومناقشته في مرحلة الدكتوراه.
مؤلفاته : تحقيق مسند عبدالله بن أبي أوفى ليحيى بن صاعد - جزء .
تحقيق القسم الثاني من مختصر استدراك الذهبي على مستدرك أبي عبدالله الحاكم لأبن الملقن (خمس مجلدات) /وتحقيق سنن سعيد ابن منصور ، وقد فرغ من ستة مجلدات ولا يزال العمل فيه متواصلاً . /وتحقيق كتاب الإمام لابن دقيق العيد في أربعة مجلدات .
/وتحقيق غرر الفوائد المجموعة في ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة للرشيد العطار.
/و رسالة عن آداب الطعام في الإسلام . هناك عدة أجزاء نسخت من بعض الدروس العلمية ونشرت لاعتناء الأخ ماهر آل مبارك. كما أن هناك بعض المشاريع العلمية الأخرى التي سيعلن عنها حين الفراغ منها بمشيئة الله. وقد اشتهر عن فضيلته الخطابة حيث كان خطيباً مفوهاً لا يخشى في الله لومة لائم وقد تولى فضيلته الخطابة من عام 1401هـ حتى عام 1416هـ
6- الشيخ العلامة عبدالله الغنيمان : هو البحر الفهامة ،الشيخ العلامة، العلم الزاهد الورع،ذا الفهم الثاقب،العلامة عبدالله بن محمد الغنيمان- حفظه الله- .(1/246)
والشيخ معروف بين أهل العلم ، مشهور له بدقة الفهم،لاسيما في باب اعتقاد أهل السنة والجماعة ومنهجهم، إذاً ؛ فهو أستاذ في العقيدة. وله المعرفة التامة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وطريقته،مع الإحاطة الواسعة بمذهب السلف وكلام الإمام أحمد خاصة وأصحابه،أما مؤلفات شيوخ الدعوة السلفية النجدية فهو فيها لخبير؛وبما كانوا عليه من العلوم بصير، مع معرفة مذاهب المخالفين والرد عليهم بالنصوص النقلية والأدلة العقلية. وقد تولى رئاسة قسم العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة،ثم رأس قسم الدراسات العليا ،ودروس في كلية الدعوة وغيرها،وفي المسجد النبوي،وكان درسه مقصوداً من خواص طلبة العلم شرح فيه كتاب التوحيد؛وهو موجود في أكثر من 100شريط، ودرس العقيدة الواسطية وسنن أبو داود والوابل الصيب وثلاثة الأصول وغيرها من كتب أهل العلم. وله مؤلفات عديدة،منها:- شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري. - مختصر منهاج السنة للشيخ الإسلام ابن تيمية.- ثبات العقيدة الإسلامية أمام التحديات المعاصرة.
- المنهج الصحيح. وقد بدأ الشيخ في شرحه العام الماضي وأكمله هذا العام في الدورة العلمية بجامع الراجحي ببريدة.- تحقيق وتعليق على كتاب الصفات للإمام الدارقطني.- ذم الفرقة والإختلاف في الكتاب والسنة..ودون الشيخ على الغلاف هذه العبارة"إلى من أراد عدوهم ضرب بعضهم ببعض..إلى الجماعات الإسلامية".- الهوى وأثره في العلم -لا يصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها (رسالة).
- الإيمان حقيقته وزيادته. - دليل القارئ (مجلد). - الطرق التي يعلم بها صدق الخبر من كذبه.
ومؤلفات وتحقيقات أخرى، كلها نافعة،بل من أنفع الكتب وأهمها لطلبة العلم.(1/247)
ثم لما تقاعد الشيخ عاد إلى موطنه الأصلي ، وجلس متفرغاً للتدريس في المساجد والتأليف وإفادة الطلبة،والإجابة على المشكلات بأسلوب سهل وعبارة دقيقة قلما تجد مثلها في أهل العلم، كأنما عباراته،في أجوبته ومؤلفاته منحوتة من كتب المتقدمين ليست من جنس كلام أهل هذا العصر.
ولقد قال أحد طلابه وهو طالب علم في الكويت الشيخ حامد العلي ومشروعه في التحصيل.... وأخذنا على الشيخ العلامة المحقق الورع ناصر العقيدة السلفية عبدالله الغنيمان حفظه الله ، وهو متقاعد الآن من التدريس في الجامعة ويدرس في مسجده في بريدة ، حضرنا عنده شرح كتاب الإيمان لابن تيمية عام 1412هـ ،وأذكر أنني كنت إذ ذاك صغيراً، فكنت أتعجب من سعة علمه واستحضاره لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، ودقته في نسبة العقيدة السلفية وتحريرها ، وأتمنى لو صرت مثله ، وحضرنا أيضاً درسه في كتاب التوحيد في المسجد النبوي ، وكنا نرجع إليه في كل شيْ يشكل علينا في أمور العقيدة فنجد عنده الجواب الكافي ما لانجد مثله عند غيره ، وربما أشكلت المسألة على كثير من الشيوخ ، فإذا سألناه جاء بالجواب القاطع لكل شبهة .
ولقد رأيت الشيخ بعد صلاة الظهر قبل أربع سنوات وإذا بالشيخ يعانق الشيخ ناصر العمر وكان قريب إفراج عنه ويطلب أن يذهبا جميعاً ، وهو معروف بحرصه على طلبة العلم .
ولقد حضرت له دروس في شرح كتاب التوحيد ،فكان حريصاً على الدقة ،وعلى إيصال المراد،بل لا يجد حرج في أن يجيب على جميع الأسئلة. ولقد حضرت له درس بدأ من بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب لم يمل ولم يكل،بل حتى الحضور تراهم متابعين لم يسرحوا أو يملوا.
ولقد شارك في كثير من الدورات في الرياض والقصيم والجنوب....... وغيرها .......
منها على سبيل المثال ولمدة أربع دورات يشرح كتاب التوحيد في مسجد علي بن المديني بالرياض،ولدورتين متتاليتين يشرح كتابه المنهج الصحيح في جامع الراجحي ببريدة.(1/248)
له العديد من الدروس وآخرها درس الذي بدأ به قبل عام في جامع الراجحي ببريدة في شرح تفسير الجلالين
7- الشيخ الدكتور خالد بن عبدالله البشر :- من مواليد الرياض حصل على الماجستير والدكتوراه من جامة الملك سعود الاسلامية قسم الفقه واصوله وهو تخصص الشيخ ، وهو الان عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود الاسلامية .
شيوخه :-سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز وسماحة الشيخ العلامة ابن جبرين وسماحة العلامة عبدالعزيز بن اراهيم القاسم .
8- الشيخ الدكتور رياض المسيميري :- رياض بن محمد بن ناصر المسيميري .
يرجع نسبه إلى " آل كثير ، وهم من " لام " من " طي ) القبيلة المشهورة ، وموطنه القصيم في نجد .
الولادة والنشأة :في مدينة الرياض، وتلقى فيها التعليم العام والجامعي والدراسات العليا.
الدراسة :درس الابتدائية وحتى الثانوية العامة ، في مدارس الأبناء بالرياض .
وأما الجامعة: فقد تخرج في كلية أصول الدين، بجامعة الإمام، من قسم القرآن وعلومه، وحصل على درجة الماجستير من نفس الكلية والقسم، وكانت رسالة الماجستير بعنوان : ( تفسير ابن شهاب الزهري " جمعاً ودراسة )من أول القرآن الكريم وحتى نهاية سورة الإسراء، بإشراف الدكتور سيد دسوقي حفظه الله ، وأجيزت بدرجة امتياز
أما الدكتوراة فقد حصلُ عليها من نفس الكلية والقسم، كذلك عن أطروحةٍ حقق من خلالها جزءً من تفسير أنوار الحقائق الربانية، لمحمود بن عبد الرحمن الأصفهاني ، من أول سورة يونس إلى نهاية النحل ، بإشراف د/ مصطفى مسلم - حفظه الله - وأجيزت بدرجة امتياز ومرتبة الشرف الأول .
العمل : استاذ في كلية اصول الدين بجامعة الامام محمد .
شيوخه :-(1/249)
الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز و الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين و العلّامة عبد الرحمن البراك ، وحفظ عليه بعض المتون العلمية في مسجده المعروف . ومن شيوخه العلامة الشيخ فهد الحميد الفهد - عافاه الله - وحفظت مع الإخوان بعض المتون المختصرة . والعلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان قرابة الأربع سنوات متتالية
شارك في بعض الدورات العلمية داخل المملكة وخارجها، سيما أمريكا، وكندا، وكينيا، مشاركة مع الجامعة وبعض المؤسسات الدعوية والخيرية وله دروس ومحاضرات داخل المملكة.
تولى الخطابة في جامع " التركي " في الروابي، في الفترة ما بين 1413 - 1417 هـ ،
9- الشيخ الدكتور عبدالله الاهدل :- من مواليد منطقة(عبس)، شمال غرب اليمن، سنة 1356هـ ، التحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1382هـ وتخرجه من كلية الشريعة-وكان من طلاب الدفعة الثانية في الجامعة-سنة 1385هـ. عين مدرسا في المعهد المتوسط التابع للجامعة، ثم انتقل للتدريس في المعهد الثانوي التابع للجامعة أيضا.
كلفه سماحة شيخه (عبد العزيز بن عبد الله بن باز) القيام بأعمال الإشراف الاجتماعي في الجامعة، إضافة إلى قيامه بالتدريس، واستمر في هذا العمل ما يقارب عشر سنوات، وهو الذي أنشأ إدارة الإشراف (نواة عمادة شئون الطلاب في الجامعة فيما بعد(
كان يقوم بتنظيم رحلات ومعسكرات طلابية في داخل المدينة وخارجها، وبخاصة رحلات الحج التي استمرت سبع سنوات أو أكثر عندما كان مسئولا عن الطلاب كما كان يعقد للطلاب ندوات أسبوعية للتعارف فيما بينهم، ولتلقي التوجيهات من أساتذة الجامعة، وعلى رأسهم سماحة رئيسها الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
ثم قام بتدريس مادة العقيدة في كلية القرآن الكريم عندما أنشئت سنة 1395هـ.(1/250)
وفي سنة 1396هـ كلف القيام بعمادة كلية اللغة العربية (كانت تسمى كلية اللغة العربية والآداب)،ثم عين عميدا لها واستمر عمله في هذه الكلية سبع سنوات، قدم بعها استقالته ليتفرغ للتدريس والبحث.
نال شهادة الماجستير من كلية الشريعة والقانون سنة 1394هـ ثم شهادة الدكتوراة من كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، سنة 1402هـ
شيوخه :- سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في المسجد النبوي حيث قرأ عليه عددا من أجزاء فتح الباري، وسمع كتبا أخرى قرأها على الشيخ بعض طلابه ، منها صحيح مسلم وشرحه للنووي، وتفسير ابن كثير، ونزهة النظر في_ المصطلح، للحافظ ابن حجر، وفتح المجيد، وقد منحه سماحة الشيخ شهادة بذلك وهي محفوظة لديه.
ومن أساتذته في الجامعة الإسلامية، صاحبا الفضيلة: الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي، صاحب أضواء البيان، والشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني. كان بحكم وظيفته في عمادة الكلية عضوا في مجلس الجامعة، واشترك في عدد من اللجان المنبثقة عنه، منها: اللجنة الإدارية والمالية، ومنها:لجنة المناهج، ومنها: لجنة تنظيم مؤتمر الدعوة وإعداد الدعاة، وغيرها، كما عين عضوا في المجلس الأعلى للجامعة قبل استقالته من العمادة. ثم قام بالتدريس في قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامي، مع الإشراف على الرسائل العلمية التي كان غالبها رسائل دكتوراه، وكذلك مناقشاتها.
كلف رئاسة شعبة الفقه في الدراسات العليا ما يقارب ست سنوات، ورئاسة لشعبة الدعوة لمدة سنتين، ثم طلب إعفاءه من ذلك ليتفرغ للتدريس.(1/251)
10- الشيخ الدكتورحاكم عبيسان الحميدي المطيري : ولد في الكويت ، حاصل على الإجازة الجامعية من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت سنة 1989م بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف· حاصل على درجة الماجستير بتقدير ممتاز من قسم الكتاب والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة 1995م عن أطروحته ( الاختلاف على الراوي وأثره على الروايات والرواة ) . مدرس بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت منذ سنة 2000م. ومن أبرز شيوخه في الرياض ممن درس عليهم وحضر دروسهم أثناء وجوده فيها للدراسة في جامعة الإمام في قسم الحديث:- سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وسماحة الشيخ عبد الله بن قعود ولزم درسه كل سبت وثلاثاء في مسجده في صحيح مسلم بشرح النووي وبلوغ المرام وشرحه سبل السلام ومختصر الصواعق المرسلة للموصلي والدين الخالص لصديق حسن أثناء تلك السنة. ومن شيوخه الشيخ أحمد معبد المحدث المصري ودرس عليه علم التخريج ودراسة الأسانيد في السنة المنهجية للماجستير بجامعة الإمام في قسم الحديث وقد أجازه برواية مروياته عن شيوخه ومنها (إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر ) لشوكاني و( ثبت محمد الأمير الكبير) و ثبت ( سد الأرب ) للشيخ الفاداني . ومن شيوخه الشيخ مسفر الدميني ودرس عليه مباحث من علوم الحديث للحافظ ابن الصلاح .ومن شيوخه- الشيخ محمود الميرة المحدث ودرس عليه قطعة من مقدمة فتح الباري وأول الفتح .ومن أبرز شيوخه الذين درس عليهم بمكة المكرمة خاصة في قسم الكتاب والسنة بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة أم القرى سنة 1992م:
الشيخ الأصولي محمد الخضر الشنقيطي ودرس عليه الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ومباحث العام والخاص والمطلق والمقيد من مذكرة الأصول للعلامة محمد الأمين الشنقيطي وهو شيخ محمد الخضر وابن عمه .(1/252)
*الشيخ المحدث أحمد محمد نور سيف ودرس عليه تدريب الراوي للسيوطي ومباحث من شرح علل الترمذي للحافظ ابن رجب .
* الشيخ المحدث عبد العزيز العثيم وقد درس عليه علم تخريج الحديث ودراسة الأسانيد.
* الشيخ عبد الستار فتح الله والشيخ محمد القاسم ودرس عليهما مباحث في علم التفسير.
*الشيخ المحدث اليمني نزيل مكة أحمد بن محمد بن جبران
* الشيخ المحدث محمد بن عبد الله بن الشيخ محمد الشنقيطي وقد أجازه برواية ثبت (إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر ) لشوكاني وثبت (الأوائل السنبلية( .
و من شيوخه الذين حضر دروسهم أو قرأ عليهم من علماء القصيم:
1-الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين وقد حضر دروسه خاصة في العطل الصيفية منذ سنة 1986م إلى سنة 1996م ومن تلك الدروس شرح الزاد في الفقه الحنبلي من أبواب مفرقة وقطعة من مختصر التحرير في أصول الفقه الحنبلي وشرح الورقات للجويني في أصول الفقه وقطعة من قواعد ابن رجب الحنبلي والرحبية في الفرائض والفرائض من الزاد ودروس في صحيح البخاري وقطعة من شرح الأربعين النووية و تفسير ابن كثير ودرسه في شرح كتابه في أصول التفسير كاملا وقطعة من شرح نظم السفاريني في العقيدة .
2-الشيخ عبد الله بن صالح الفالح النحوي وقرأ عليه منظومة شيخه السعدي في القواعد الفقهية وقطعة من شرح السعدي على كتاب التوحيد.
3- الشيخ محمد بن منصور من علماء مدينة بريده وقد حضر دروسه حين زار الكويت سنة 1996م حيث قرأ عليه جماعة من طلبة العلم كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية كاملا قراءة تقرير وكتاب الثلاثة الأصول كاملا قراءة تقرير وقطعة من صحيح مسلم .(1/253)
11- الشيخ الدكتور محمد بن رزق طرهوني : التحق بكلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بعد أن تم تزكيته من جماعة أنصار السنة المحمدية بمصروفضيلة الشيخ ابن بازوالشيخ علي بن مشرف العمري ظهر تفوقه في الدراسة وأدام الحصول على الامتياز والمركز الأول على دفعته في جميع الاختبارات الدورية والسنوية حتى تخرج بهذا المستوى في عام 1405هـ وتحصل على شهادة الإجازة العالية وشهادة تفوقه . في أثناء ذلك تحصل على تزكيات وإجازات عدةمن أهمها الإجازة في القراءات السبع من طريق الشاطيبة بالإسناد المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فضيلة الشيخ محمود بن عبد الخالق جادو رحمه الله وأوشك على تحصيل الثلاث المتممة للعشرة من طريق الدرة مع رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية على فضيلة الشيخ محمود بن سيبويه البدوي رحمه الله، إلا أن الشيخ وافته المنية قبل الإتمام ، وتحصل على الإجازة في الحديث والعقيدة والفقه وغير ذلك من فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله وكذا أجازه بجميع مروياته فضيلة الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري والأستاذ الدكتور حكمت بشير ياسين الموصلي، والشيخ أبو أويس محمد بن الأمين بن عبد الله أبو خبزة الحسني حصل على شهادة الدكتوراه في التفسير من جامعة الازهر وعمل مدرسا في التفسير بجامعة الملك سعود الاسلامية بالمدينة من شيوخة في القراءة الشيخ محمود عبد الخالق جادو رحمه الله في المدينة المنورة والشيخ عبد الرافع رضوان علي وغيرهم كثير ) وشيوخه بالتفسير (فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن حواس وفضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز محمد عثمان السوداني ) ومن شيوخه في الحديث ( الشيخ المحدث مقبل الوادعي والشيخ علي العمري وغيرهم ) ودرس التوحيد والعقيدة على كل من فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي وفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن الشيخ محمد الأمين(1/254)
الشنقيطي كما درس على الأخير مادة الشبهات أيضا، وتحصل كما تقدم على الإجازة في الحديث والفقه والعقيدة وأثبات أئمة الإسلام قديما وحديثا ومؤلفات شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ومؤلفات الإمام محمد بن عبد الوهاب من فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري وفضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عقيل الظاهري وفضيلة الشيخ الدكتور حكمت بشير ياسين وفضيلة الشيخ أبي خبزة الحسني . وممن تلقى العلم عنهم ايضا جهابذه العصر وعلماءه سماحة الشيخ ابن باز والعلامة الالباني والعلامة عبدالرزاق عفيفي وغيرهم كثير .(1/255)
12- الشيخ الدكتورحامد بن عبدالله العلي : حامد بن عبدالله أحمد العلي ، العمر 45 سنة ، وهو خطيب مسجد ضاحية الصباحية ، طلب العلوم الشرعية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة من عام 1401هـ إلى عام 1410هـ ، وحصل على الماجستير في التفسير وعلوم القرآن ، وتولى منصب الأمين العام للحركة السلفية في الكويت من عام 1418هـ إلى عام 1421هـ ، ثم تفرغ بعدها للكتابة وتدريس العلوم الشرعية في مسجده ، وإلقاء المحاضرات والدروس ، وأما دروسه العلمية درس في فقه الحنابلة ( الروض المربع ) ، ودرس في أصول الفقه ( شرح وتعليقات على كتاب الورقات للجويني ) ، ودرس في صحيح مسلم ، ودرس في شرح العقيدة الطحاوية ( انتهى منه ) ، وقراءة من كتاب ( دارالهجرتين ) لابن القيم ، وفتاوى شرعية بعد صلاة الجمعة في جامع ضاحية الصباحية .من شيوخه بالجامعة الاسلامية بالمدينة : الشيخ فيحان المطيري في الفقه أيضا والشيخ حمد الحماد في الفقه أنهينا عليه كتاب البيوع شرح بلوغ المرام ، وشيئا من كتاب النكاح ، والشيخ محمد بن عبدالوهاب الشنقيطي وهو ابن عم الشيخ العلامة المفسر محمد الأمين صاحب أضواء البيان في أصول الفقه ، روضة الناظر ، والشيخ عبدالله عمر الشنقيطي أيضا في أصول الفقه أخذنا عليه كتاب القياس من روضة الناظر ، والشيخ محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي وهو ابن صاحب أضواء البيان وقد أخذنا عليه شيئا متن الطحاوية ، و شيئا من التدمرية في السنة الثانية في الجامعة ، والشيخ عبدالكريم مراد أخذنا عليه بعض شرح الطحاوية لابن أبي العز في الجامعة ، والمنطق في المسجد النبوي ، وقرأت على الشيخ احمد بن تاويت من علماء المغرب بعضا من روضة الناظر أيضا في المسجد النبوى ، وعلى الشيخ شير على شاه الهندي بعضا من المنطق أيضا في المسجد والنحو ، ومن الدروس التي واظبنا عليه في المسجد شرح صحيح مسلم للشيخ العلامة عبد المحسن العباد ومن العلماء الذين أخذ(1/256)
منهم الشيخ العلامة المحدث حماد الأنصاري ومن شيوخه ايضا العلامة عبدالله الغنيمان والشيخ ابي بكر الجزائري و الشيخ عبدالعزيز الدردير و الشيخ عبدالعزيز عبدالفتاح القاري خطيب مسجد قباء وأخذ الفرائض على الشيخ عبدالصمد الكاتب من علماء المدينة في المسجد النبوي .
1 ) الروم الآية 47 .
2 ) سورة التوبة الآيات 41-45 .
3 ) سورة التوبة الآية 42 .
4 ) سورة التوبة الآية 43 .
5 ) سورة التوبة الآية 111 .
6 ) سورة الصف الآيات 10-13 .
(7)… الشرح الممتع (8/25).
??
??
??
??
16(1/257)