القرآن الأمريكي
أضحوكة القرن الحادي والعشرين
إعداد أبي عبد الرحمن
محمد السيد عبده عبد الرازق
دراسات عليا في مقارنة الأديان
القرآن الأمريكي
أضحوكة القرن الحادي والعشرين
***************************
رقم الإيداع بدار الكتب
21547/2004
******************************
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الترقيم الدولي - I . S . B .N
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
977 - 17 - 1915 - 7
mohammedabdelrazik@hotmail.com E_
*********************************
daralredwan@hotmail.com
للهدايا وطلبات الجملة
يرجى الاتصال مسبقا على الأرقام التالية
الشرقية : ت 2717433 / 2717032 / 0101737239
القاهرة : ت – 4389187 / 0102642687
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } (الأنفال:36)(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
في غفلة من أبناء الأمة تتنامي يوما وراء يوم الحملة على الإسلام فقد، فوجئ المسلمون يكتاب يسمى بالفرقان الحق يوزع في دول الخليج ويبث على عشرات المراقع على شبكة الإنترنت ويعرضونه على أنه القرآن البديل لقرآن المسلين وهي حملة جديدة تريد نسف الشئ الوحيد الذي اجتمع عليه المسلمون منذ بداية الإسلام وحتى يوم الدين ، إنه كتاب الله تعالى " القرآن الكريم " ومحاولة استبداله بقرآن Made in Americaأطلقوا عليه " الفرقان الحق " ، ولو صدقوا لقالوا " الفرقان الباطل ".
وغاب عن هؤلاء الأوباش أن كتابا ضمن الله تعالى حفظه لا يمكن أن تناله يد بسوء ، لقد تحداهم الله تعالى بقوله : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } (الإسراء:88)
وهذاالكتاب لم يدع شيئا من الإسلام إلا ونال منه سواء على المستوى الديني أو السلوكي أو الاجتماعي
وفى سُوَر هذا الفرقان هجومٌ كله إقذاع وفُحْش على سيد الأنبياء والمرسلين ، وتسفيهٌ لكل شىء جاء به الإسلام من توحيدٍ ونعيمٍ أُخْرَوِىّ وصلاةٍ وصيامٍ وحجٍّ وجهادٍ وطهارةٍ وتشريعاتٍ أسريةٍ ….
وهذه ليست هي المرة الأولى ، ولن تكون بالطبع هي الأخيرة ، لكن الشئ المؤكد أن الإسلام يسير مهما كثر نُبَاحُ الكلاب ، وهذا ما جعل الدهشة تتملك الباحثين عربا كانوا أو مستشرقين من ثبات ورسوخ قدم الإسلام منذ مَبعثه بشكل تحار فيه العقول، فلو أن أي ديانة أخري حيكت ضدها هذه المؤامرة لكانت الآن نسيا منسيا.(1/1)
ولأن الكتاب والحمد لله لايوجد في مصر – حفظه الله – فقد حصلت على نسخة من هذا العفن من شبكة الإنترنت ، فوجدته فى موقع تابع لمركز تبشيرى اسمه: American Center of Divine Love وفوجئت بأن أصحاب هذا الموقع يعرضونه على أنه وحى سماوى ، وقد استبان لى بعد الدراسة التى قمت بها لتلك النصوص هذا الكتال أن أصحابها لم يكونوا بالذكاء الذي تتطلبه مثل هذه المؤامرة ، إذ أن الثقوب فيها كثيرة وشنيعة . وهذا من شأنه أن يؤكد لنا أن الأعداء ، رغم تفوقهم العلمي والاقتصادي والعسكري ليسوا معصومين بل كثيرا ما يقعون فى الأخطاء المضحكة ، … كما يؤكد أيضا أن دين الله لا يمكن أن يغلبه غالب مهما تآمر المتآمرون ومهما خطّطوا ومهما رصدوا الإمكانات والجهود . بَيْد أن هذا لا يعنى أن نَغُطّ فى نوم عميق .
وقد استعنت بالله وقمت بكتابة رد على نصوص هذا الضلال المبين المسمى زورا بالفرقان الحق ، وقد أسميت هذا البحث : (القرآن الأمريكي أضحوكة القرن الحادي والعشرين )
نبذة عن المؤلف
الاسم/ محمد السيد عبده عبد الرازق
مواليد /2/2/1972
المؤهلات/ حاصل على ليسانس الدعوة الإسلامية
وحاصل على دبلومة في الدراسات العليا في مقارنة الأديان جامعة الزقازيق
العمل /إمام وخطيب ومدرس بالأوقاف
البريد الالكتروني /abrahman@hotmail.com(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله S ، قال الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (الحشر/24) ، وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران/10) وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاًعَظِيما } (الأحزاب:70، 71)
أما بعد : فقد يعجب البعض من هذه التسمية " القرآن الأمريكي " ، ولكن يزول عجبك أخي عندما تتطلع على حجم المؤامرة الأمريكية الصهيونية على الإسلام باختلاق كتاب زعمت أنه البديل لقرآن المسلمين ، وأرادت أن تفرضه على العالم الإسلامي .
ففي غفلة من المثقفين ، وعلماء الأمة ، وأصحاب القرار في عالمنا العربي والإسلامي تتنامي يوما وراء يوم الحملة الأمريكية الصهيونية الشرسة ضد كل ما ينتمي للإسلام والعرب من قريب أو بعيد ، وفي الوقت الذي ينادي فيه البعض بالسلام والأمان ، ومد يد التعاون مع كل ما هو صهيوني بدعوى التطبيع وعفا الله عما سلف ، تخرج علينا كارثة جديدة تريد نسف الشيء الوحيد الذي اجتمع عليه المسلمون منذ بداية الإسلام وحتى يوم الدين ، إنه كتاب الله تعالى " القرآن الكريم ".(1/1)
وهي مؤامرة جديدة تحيط بالعالم الإسلامي ، وتصيبه في أعز وأعظم ما يملك ( القرآن الكريم ) ، ومحاولة استبداله بقرآن Made in America أطلقوا عليه " الفرقان الحق " ، ولو صدقوا لقالوا " الفرقان الباطل ".
في البداية حاولت جاهدا الحصول على نسخة من هذا الكتاب المسمى بالفرقان الحق ؛كى أفهمَ الموضوع من مصدره الأصلى ، ونظرا لأن الكتاب والحمدلله لايوجد في مصر بصورة رسمية ، اسنعنت بالله ثم بشبكه الإنترنت ؛ فوجدته فى موقع تابع لمركز تبشيرى اسمه: " American Center of Divine Love " وفوجئت بأن أصحاب هذا الموقع يعرضونه على أنه وحى سماوى .
وهذا الكتاب الأضحوكة – الفرقان الحق - تمخضت عنه آلة الكره والحقد الدفين تجاه الدين الإسلامي.. وتجاه المسلمين - والذي تقدمه أمريكا للمسلمين على غرار القمح والمأكولات الأمريكية كبديل للقرآن - هو كتاب لا يستحق إلا الرثاء علي الجهد الهباء الذي ضاع في كتابته.
تم تنفيذ هذا الكتاب وفق خطة جهنمية مدروسة ، وتم تقديمه في هذه المرحلة من التمزق والتشتت والهجوم على الإسلام عقيدة ومنهاج حياة.. بعد اتهامه بالإرهاب.
ولم يدع هذا الكتاب المهزلة شيئا من الإسلام إلا ونال منه سواء على المستوى الديني أو السلوكي أو الاجتماعي ، وما يخص الزواج ، أو الحرب ، أو العَلاقات الإنسانية ، إلا وتدخل في سياقه ، وعصف بمضمونه الإصلاحي،
أو التوجيهي ، أو العقدي ، ومدعيا أن الإسلام امتهن كرامة النساء ، وضرب على هذا الوتر المتهالك ، إلى غير ذلك من سخف لا ينطلي على عاقل .
وفى سُوَر هذا الفرقان هجومٌ كله إقذاع وفُحْش على سيد الأنبياء والمرسلين ، واتهامٌ بذىء بالكفر والضلال والنفاق له S ، وتسفيهٌ لكل شىء جاء به الإسلام من توحيدٍ ونعيمٍ أُخْرَوِىّ وصلاةٍ وصيامٍ وحجٍّ وجهادٍ وطهارةٍ وتشريعاتٍ أسريةٍ … ، وادِّعاءٌ بأن كتاب الله إنما هو وحىُ شيطانٍ إلى شيطان ، وتمجيدٌ للتثليث النصراني .(1/2)
ولم يصدر هذا الكتاب المهزلة في يوم وليلة ، إنه عمل وجهد أسهم فيه : أعداء الإسلام ؛ بل أعداء الحياة الشريفة ، أعداء الإنسانية ، أعداء الحق والعدالة ، أعداء الأمن والأمان ؛ فقد مكث مؤلفه الكذاب - كما يقول - أكثر من سبع سنوات في تأليفه ، ولأنه ساقط العدالة فأكاد أجزم بأن هذه الخطة الشيطانية تدار منذ زمن بعيد .
ومؤلف الكتاب هو أحد القساوسة الأمريكان ويدعى " أنيس شورش" (1) كان خادما في المعسكرات اليهودية وأرضعه أسياده اليهود بغض الإسلام ، وقد كان يُقبل أحذيتهم صباح مساء ، وأصبح الآن يدرس في جامعات أمريكا ، وهاهو ذا يقدم لهم الفرقان الحق كرد للعرفان والجميل .
وقد استخدم اليهود والأمريكان الآلة الإعلامية الضخمة في نشر وتوزيع هذا الكتاب بصورة دقيقة ومنظمة وبدأوا حملة واسعة تحمل عنوان " لا للقرآن.. نعم للفرقان " مما أثار حفيظة المسلمين في العالم حول هذا الانتهاك الصارخ للأمة الإسلامية .
وهذه ليست هي المرة الأولى ، ولن تكون بالطبع هي الأخيرة ، لكن الشئ المؤكد أن الإسلام يسير مهما كثر نُبَاحُ الكلاب ، وهذا ما جعل الدهشة تتملك الباحثين عربا كانوا أو مستشرقين من ثبات ورسوخ قدم الإسلام منذ مَبعثه بشكل تحار فيه العقول فلو أن أي ديانة أخري حيكت ضدها هذه المؤامرة لكانت الآن نسيا منسيا.
__________
(1) في بعض الترجمات 'أنيس سورس' ، وقد صرح باسمه الحقيقي لأول مرة في موقع " أمازون " علي الإنترنت للترويج للكتاب ، وسوف يأتي التعريف به قريبا.(1/3)
وقد استبان لى بعد الدراسة التى قمت بها لتلك النصوص إن أصحابها لم يكونوا بالذكاء الذي تتطلبه مثل هذه المؤامرة ، إذ أن الثقوب فيها كثيرة وشنيعة . وهذا من شأنه أن يؤكد لنا أن الأعداء ، رغم تفوقهم العلمي والاقتصادي والعسكري ، ليسوا معصومين بل كثيرا ما يقعون فى الأخطاء المضحكة ، وإننا نستطيع أن نضع أيدينا على جوانب ضعفهم وأن نستفيد منها ونحوِّلها إلى نقاط قوة لنا لو صحَّتْ منّا العزيمة وتسلَّحنا بالإخلاص والدأب والصبر والإيمان بالله والثقة بأنفسنا والغيرة على حاضر أمتنا ومستقبلها… كما يؤكد أيضا أن دين الله لا يمكن أن يغلبه غالب مهما تآمر المتآمرون ومهما خطّطوا ومهما رصدوا الإمكانات والجهود . بَيْد أن هذا لا يعنى أن نَغُطّ فى نوم عميق .
ومع يقيني أن هذا الكتاب وغيره لن يقدم ولن يؤثر في معتقد المسلمين ، إلا أنني رأيت أن من واجبي أن أطلق هذه الصيحة التحذيرية من هذه الحملة المسعورة على القرآن الكريم ، والتي تولت كبرها أمريكا ؛ ليقف الناس على الوجه الحقيقي لهؤلاء الأقزام ، الذين قال الله عنهم : { وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (البقرة:217) وقد أسميت هذا الكتاب : (القرآن الأمريكي أضحوكة القرن الحادي والعشرين )
وقد قسمت هذا البحث إلى عدة فصول ، ويحتوي كل فصل على بعض النقاط على النحو الآتي: -
المقدمة : وقد اشتملت على : _
أهمية الموضوع ... ... ...
خطة البحث
الفصل الأول : القرآن معجزة الإسلام الخالدة .
وقد اشتمل على النقاط التالية :
حفظ الله تعالى للقرآن .
أوجه إعجاز
عناية الأمة بكتاب ربها القرآن .
الفصل الثاني : المؤامرة على القرآن عبر التاريخ .(1/4)
وقد اشتمل على النقاط التالية :
لماذا القرآن ؟ .
محاولات التحريف قديما وحديثا .
الفصل الثالث : تعريف بالقرآن الأمريكي.
وقد اشتمل على النقاط التالية :
التعريف بمؤلف الكتاب.
أسماء وعدد سور الفرقان الأمريكي .
اللغة التي كتب بها .
الجهود الأمريكية والصهيونية لنشر هذا الكتاب .
أماكن نشر الكتاب .
وقفات مع مؤلف هذه السخافات.
الفصل الرابع : أهداف القرآن الأمريكي .
وقد اشتمل على النقاط التالية :
الدعوة لتنصير المسلمين.
تشويه صورة الإله.
تشويه صورة الرسول.
تشويه صورة المسلمين.
إلغاء فريضة الجهاد في سبيل الله.
بث الشبهات حول التشريعات الإسلامية.
تحطيم مبدأ الولاء والبراء.
بث ثقافة الانحلال والإباحية.
الفصل الخامس : موقف العالم الإسلامي من فرقان أمريكا
وقد اشتمل على النقاط التالية :
موقف الأزهر والمؤسسات الدينية في مصر.
موقف المملكة العربية السعودية .
موقف هيئة العلماء بفلسطين .
الجالية الإسلامية في بريطانيا.
دور منظمات المسلمين في أمريكا.
الموقف السلبي للدول الإسلامية .
الخاتمة وتشتمل على :
وقد اشتمل على النقاط التالية :
أهم النتائج .
التوصيات.
ولا يفوتني وأنا ألملم أوراقي أن أتقدم بالشكر لكل من أعان على إخراج هذا الرد ، وهم كثيرون أخص منهم بالذكر: أبوي الكريمين أسأل الله تعالى أن يبارك لي فيهما ، ويرحمهما كما ربياني صغيرا ، كذا زوجي الكريمة أم عبد الرحمن فقد كانت خير معين لي على إنجاز هذا العمل وغيره ، والله يجيزها عني خير الجزاء .
وختاما أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم ، وأن ينفع به مؤلفه وكاتبه وقارئه إنه سميع الدعاء ، وأهل الرجاء ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وكتبه
الفقير إلى عفو الخالق
محمد السيد عبده عبد الرازق
abrhman@hotmail.comالشرقية – الحسينية – شهداء بحر البقر(1/5)
الفصل الأول
القرآن معجزة الإسلام الخالدة
حفظ الله تعالى للقرآن
إذا أردنا أن نتحقق من توثيق المصادر السماوية ومدى ثبوتها ، والتأكد بالفعل أن هذه الكتب التي بين أيدينا والمنسوبة إلى نبي من الأنبياء هو بعينها التي نزلت من السماء ، وأن ما فيها هو كلام الله حقا وصدقا ، فهل التوراة الموجودة بأيدي اليهود حاليا هي التي نزلت على موسى - عليه السلام - ؟ تشير الدلائل إلى أن التوراة كتبت في ألواح نزلت من السماء وأن الله كتبها بيده ، فقد ورد النص بذكر هذه الألواح في القرآن الكريم والسنة النبوية ، فمن القرآن قوله تعالى : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } (لأعراف:145) وقد ورد في السنة من حديث أبى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أن النبي S قَالَ : ( احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى ، فَقَالَ مُوسَى : يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ : أَنْتَ مُوسَى ، اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلامِهِ ، وكَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي ؟ ، فَقَالَ النَّبِيُّ S : فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ) (1) .
وقد ورد ذكر الألواح والنص على وجودها في العهد القديم في عدة مواضع ، كقول كاتب التوراة : " وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى : اصْعَدْ إِلَى الْجَبَلِ وَامْكُثْ هُنَاكَ لأُعْطِيَكَ الْوَصَايَا وَالشَّرَائِعَ الَّتِي كَتَبْتُهَا عَلَى لَوْحَيِ الْحَجَرِ لِتُلَقِّنَهَا لَهُمْ " (2) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب القدر حديث رقم (2652) .
(2) سفر الخروج 24:12 .(1/1)
وكثير من النصوص الأخرى التي تدل جملة وتفصيلا على وجود ألواح كتبت بيد الله عز وجل ، والسؤال الآن أين هذه الألواح التي نزلت من السماء وتلقاها موسى - عليه السلام - عند جبل الطور بسيناء ؟ لن نخوض في المسألة كثيرا ، فقد كُتب في ذلك الكثير من المؤلفات ، لكن ما نؤكده أن التوراة الموجودة الآن باعتراف اليهود ليست هي ألواح موسى - عليه السلام - ، وأنها كتبت بعد موته بقرون طويلة على مراحل متعددة ، والأدلة قائمة على أن التوراة التي كتبها أحبار بنى إسرائيل عبر تاريخهم الطويل تعرضت للتغيير والتبديل ، كما قال تعالى : { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ } (النساء:46)
أما الأناجيل الموجودة بأيدي النصارى اليوم - إنجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا - فهل هي كلام الله الذي أوحاه إلى رسوله عيسى - عليه السلام - ؟ أم هي حكاية عن حياته وسرد لقصة وفاته من وجهة نظر كتابها ؟ وأين نسخة الإنجيل الأصلية التي نزلت على عيسى - عليه السلام - أو أملاها للحواريين ؟ وهل سمع أصحاب الأناجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا هذه الأناجيل من عيسى - عليه السلام - سماعا مباشرا ؟ أم وصل إليهم الإنجيل كسند متصل بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة ؟ (1)
ورد في مقدمة إنجيل لوقا عن السبب في كتابته هذا الإنجيل حيث قال:
__________
(1) انظر : الدليل من الأناجيل على أن نصارى اليوم بعرفون محمدا كما يعرفون أبناءهم ، لشيخي الفاضل الدكتور : محمود عبد الرازق حفظه الله ، ص 22 ، دار الرضوان ، القاهرة .(1/2)
" لَمَّا كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَقْدَمُوا عَلَى تَدْوِينِ قِصَّةٍ فِي الأَحْدَاثِ الَّتِي تَمَّتْ بَيْنَنَا كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا أُولئِكَ الَّذِينَ كَانُوا مِنَ الْبَدَايَةِ شُهُودَ عِيَانٍ ثمَّ صَارُوا خُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ ، رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً بَعْدَمَا تَفَحَّصْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَوَّلِ الأَمْرِ تَفَحُّصاً دَقِيقاً أَنْ أَكْتُبَهَا إِلَيْكَ مُرَتَّبَةً أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسَ لِتَتَأَكَّدَ لَكَ صِحَّةُ الْكَلاَمِ الَّذِي تَلَقَّيْتَهُ " (1) ، فالنص يشعر القارئ بأن صاحبه يكتب قصة عن المسيح - عليه السلام - سوف يبعث بها كرسالة إلى عزيز لديه .
وفي مقدمة إنجيل متى : " هَذَا سِجِلُّ نَسَبِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ ، إِبْرَاهِيمُ أَنْجَبَ إِسْحقَ وَإِسْحقُ أَنْجَبَ يَعْقُوبَ وَيَعْقُوبُ أَنْجَبَ يَهُوذَا وَإِخْوَتَهُ وَيَهُوذَا أَنْجَبَ فَارِصَ وَزَارَحَ مِنْ ثَامَارَ وَفَارِصُ أَنْجَبَ حَصْرُونَ .. إلى قوله : وَمَتَّانُ أَنْجَبَ يَعْقُوبَ وَيَعْقُوبُ أَنْجَبَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ ، فَجُمْلَةُ الأَجْيَالِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِلَى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً " (2) ، ويستحيل من سياق النص أن يكون عيسى - عليه السلام - هو من نطق بهذا الكلام وسرد للناس نسبه بمثل هذه الصياغة !.
وفي مقدمة إنجيل يوحنا : " فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ
__________
(1) إنجيل لوقا ، الإصحاح الأول 4:1 .
(2) إنجيل متى ، الإصحاح الأول 16:1 .(1/3)
اللهِ ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ هُوَ اللهُ هُوَ كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ بِهِ تَكَوَّنَ كُلُّ شَيْءٍ ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَتَكَوَّنْ أَيُّ شَيْءٍ مِمَّا تَكَوَّنَ ، فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ هَذِهِ كَانَتِ نُورَ النَّاسِ ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظَّلاَمِ وَالظَّلاَمُ لَمْ يُدْرِكْ النُّور " (1).
وفي مقدمة إنجيل مرقس : " هَذِهِ بَدَايَةُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ كَمَا كُتِبَ فِي كِتَابِ إِشَعْيَاءَ ، هَا أَنَا أُرْسِلُ قُدَّامَكَ رَسُولِي الَّذِي يُعِدُّ لَكَ الطَّرِيقَ ، صَوْتُ مُنَادٍ فِي الْبَرِّيَّةِ أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ وَاجْعَلُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً ، فَقَدْ ظَهَرَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ فِي الْبَرِّيَّةِ يُنَادِي بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُ مِنْطَقَةِ الْيَهُودِيَّةِ ، وَأَهْلُ أُورُشَلِيمَ جَمِيعاً ، فَكَانُوا يَتَعَمَّدُونَ عَلَى يَدِهِ فِي نَهْرِ الأُرْدُنِّ مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ " (2) .وهذه النصوص تدل على صدق ما ذكره الإمام القرطبي في أن هذا الكتاب الذي بأيدي النصارى اليوم ليس هو الإنجيل الذي قال الله فيه على لسان رسوله S : { وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ } (آل عمران:3 ، 4) لأن هذا الكتاب قد توافق النصارى على أنه إنما تلقي عن اثنين من الحواريين وهما " متاؤوش ويوحنا " ، وعن اثنين من تلاميذ الحواريين وهما " ماركش ولوقا " ، وأن عيسى - عليه السلام - لم يشافههم بكتاب مكتوب عن الله كما فعل موسى - عليه السلام - ، ولكن لما رفع الله عيسى - عليه السلام - إليه تفرق الحواريون في البلاد والأقاليم كما أمرهم عيسى - عليه السلام - ، فكان منهم من كتب بعض سيرة عيسى
__________
(1) إنجيل يوحنا ، الإصحاح الأول 5:1 .
(2) إنجيل مرقس ، الإصحاح الأول 3:1 .(1/4)
وبعض معجزاته وبعض أحواله حسب ما تذكر وما يسر الله عليه فيه فربما توارد الأربعة على شيء واحد فحدثوا به ، وربما انفرد بعضهم بزيادة معنى ، وكذلك كثيرا ما يوجد بينهم من اختلاف مساق وتناقض بين قولين ، وزيادة ونقصان ، وهذا واضح من المقارنة بينها (1) .
ودعوى النصارى أن هذه الأناجيل كُتبت بإلهام من الروح القدس الذي حَل في هؤلاء الكُتاب دعوة مرفوضة مردودة ، ليس فقط لأن الإلهام بابه مفتوح على مصراعيه لكل مُدعٍ ، ولكن لكون هذه الأناجيل احتوت بالفعل علي بقايا من الإنجيل الحق شُوهَت من خلال سوء النقل وانعدام الضبط وتوجيه الرأي للنصوص ، فلما أدخلت فلسفة الخلاص وبنوة المسيح والقول بالتثليث ، سواء في الذوات المنفصلة أو الذات الواحدة المتلونة في ثلاثة
أنواع - آب وابن وروح قدس - وجه أصحاب هذه المعتقدات ما تبقي في أذهانهم من نصوص الإنجيل الحق كل بحسب وجهته الخاصة التي هو موليها.
أما القرآن - آخر الكتب السماوية - فهو ما زال بوضعه الأول كما نزل على رسول الله S.
__________
(1) القرطبي : أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر ، 1398هـ ، الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن الإسلام ، تحقيق د. أحمد حجازي السقا القاهرة ، دار التراث العربي ص203 بتصرف .(1/5)
يقول المستشرق الفرنسي موريس بوكاي : " صحة النص القرآني المنزل على محمد لا تقبل الجدل ، وتعطى النص مكانة خاصة بين كتب التنزيل ، ولا يشترك مع نص القرآن في هذه الصحة لا العهد القديم ولا العهد الجديد ، وسبب ذلك أن القرآن قد دون في عصر النبي ، ولم يتعرض النص القرآني لأي تحريف من يوم أن أنزل على الرسول حتى يومنا هذا " (1) .
وقد مَيز الله القرآن عن سائر ما سبق من الرسالات بأنه النص الوحيد في العالم حتى عصرنا الحاضر الذي يقرأ بنفس أسلوب الوحي الأول ، بإعجاز تركيبه وبلاغة كلماته ، كَنََظْمٍ معجز يتحدى العالم أجمع أن يأتوا بمثله ، كما قال الله تعالى : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } (الإسراء:88 ) وقال أيضا : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ } (يونس:38)
كما ميز الله القرآن أيضا بأن تكفل في عليائه بحفظه وبقائه إلى يوم القيامة دون تحريف أو تبديل ، وذلك من خلال أمرين اثنين ورد ذكرهما في التنزيل :
__________
(1) بوكاى : موريس ، التوراة والإنجيل والقرآن والعلم ، .199 م ، ترجمة حسن خالد بيروت ، المكتب الإسلامي ص151 ، ونحيل القارئ إلى ما كتبه هذا المستشرق في كتابه : دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ، 1977م ، لبنان ، دار المعارف .(1/6)
الأمر الأول : أن الله عز وجل حفظه قرآنا يتلى ومنهجا ثابتا لا يتغير ، فهيأ الأسباب لحفظ القرآن والسنة على الدوام ، فقال تعالى في حفظ منهجه : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر:9) فالمسلمون يكتشفون مواقع التغيير في القرآن إذا حدثت سهوا أو عمدا بتلقائية عجيبة ، فلا يستطيع أحد في العالم أن يدرج فيه حرفا واحدا أو كلمة واحدة أو تشكيل مخالف لما هو عليه الآن وإلا قامت الدنيا ولم تقعد .
قال الحافظ الذهبي : " أما القرآن العظيم سوره وآياته ، فمتواتر ولله الحمد ، محفوظ من الله تعالى لا يستطيع أحد أن يبدله ولا يزيد فيه آية ولا جملة مستقلة ، ولو فعل ذلك أحد عمدا لا نسلخ من الدين " (1) .
الأمر الآخر : أن الله حفظ الإسلام واقعا مرئيا ، بوجود من يطبقه على نفسه على مر السنين ، وهؤلاء هم حجة الله على غيرهم من المنحرفين ، فقد يدعى أحدهم أن منهج القرآن منهج مثالي لا يصلح في هذا الزمان ، أو يمكن أن يطبق في مكان دون آخر ، ومن ثم تكفل الله بوجود من يطبق منهج الحق على نفسه في واقعية مستمرة إلى يوم القيامة فقال رسول الله S : ( لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ) (2).
الله تعالى يتحدى العالم الإتيان بمثل القرآن
قد تحدى القرآن الكريم أولئك البلغاء والفصحاء والناس جميعا أن يأتوا بقرآن مثل هذا القرآن ، وقد مر هذا التحدي بثلاث مراحل :
__________
(1) الذهبي ، سيرأعلام النبلاء 10/171 .
(2) رواه مسلم في الإمارة برقم (1920) ، وانظر تعليق النووي على الحديث في الديباج للسيوطى ، تحقيق أبى إسحاق الحوينى 4/512.(1/7)
المرحلة الأولى : تحدى سائر الإنس والجن أن يأتو بمثله ، وأنهم لو اجتمعوا لذلك لعجزوا ، قال تعالى : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } (الإسراء:88)
المرحلة الثانية :تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات ، قال تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (هود:13)
المرحلة الأخيرة : تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة مثله ، وكرر هذا التحدي في موضعين من كتابه ، قال تعالى : { أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (يونس:38) وقال تعالى :
{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين } (البقرة:23 ،24)
ومع أن العرب أهل بلاغة لم يجرؤ واحدٌ منهم على معارضة القرآن بشيء بل اعترفوا بعلو شأنه ، وعذوبة كلامه ، وحلاوة تعبيراته ، وتفوقه على كل فنون الكلام ، وعلى الشعر والسحر والكهانة ، اعترفوا بذلك وهم أفصح الناس وأكثرهم بلاغة .(1/8)
ومع ضخامة المؤامرات الدنيئة على القرآن من الصهيونية والصليبية الحاقدة ومروراً بالماسونية وشبكاتها المدمرة ، والتي استطاعت أن تنال من الكتب السماوية السابقة ، وانتهاء بالنفوس المريضة بين بعض المسلمين ،كل هذه المؤامرات استهدفت القرآن المجيد كما استهدفت التوراة والإنجيل من قبل ، وغيرت فيهما كما يعترف بذلك أبناء وعلماء الديانات المسيحية واليهودية ، بينما نلاحظ القرآن الكريم يقف شامخاً محفوظاً ، وذلك بفعل اليد الغيبية الحافظة له ، وإلاَّ فإن المؤامرة عليه أكبر من دفاع المسلمين عنه ومن حكامهم أن نصبوا أنفسهم حماة لهذا الكتاب الكريم.
أوجه إعجاز القرآن
مما ينفرد به القرآن عن سائر الكتب أنه كتاب معجز بكل ما يحتمله هذا اللفظ من معنى ، فالقرآن أولا وآخرا هو الذي صير العرب رعاة الشاة والغنم ساسة شعوبٍ وقادة أممٍ ، وهذا وحده إعجاز ، والإعجاز : إثبات العجز والعجز : اسم للقصور عن فعل الشيء . وهو ضد القدرة ، وإذا ثبت الإعجاز ظهرت قدرة المعجز(1).
والإعجاز في القرآن الكريم جاء على وجوه عدة ؛ جاء من جهة اللفظ ومن جهة المعنى ، وجاء من جهة الإخبار ، ومن جهات أخرى ليس هذا مقام تفصيلها .
1- معجز في ألفاظه وأسلوبه وبلاغته
للقرآن تأثير عجيب على نفوس قارئيه ومستمعيه فما استمع إليه مستمع إلا أخذ بطريقته ، حتى أشد الناس عداوة له لم يستطيعوا أن يقاوموا الرغبة الملحة التي استولت عليهم في الاستماع إلى القرآن ، فقد ذكر أصحاب السير أن أبا جهل حين جاء يستمع قراءة النبي S من الليل هو وأبا سفيان صخر بن حرب والأخنس بن شريق ولا يشعر أحد منهم بالآخر.(2)
ويقول الوليد بن المغيرة: " إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو ولا يعلى عليه "(3)
__________
(1) مناع القطان : مباحث في علوم القرآن ، ص 258 .
(2) انظر : تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير2/131 .
(3) انظر : السابق : 4/444 .(1/9)
قال ابن كثير رحمه الله : " ومن تَدَبر القرآن وجد فيه من وجوه الإعجاز فنونا ظاهرة وخفية من حيث اللفظ ، ومن جهة المعنى ، قال الله تعالى :
{ الركِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } (هود :1) فأحكمت ألفاظه ، وفصلت معانيه ، أو بالعكس على الخلاف ، فكل من لفظه ومعناه فصيح لا يحاذي ولا يداني ، فقد أخبر عن مغيبات ماضية كانت ووقعت طبق ما أخبر سواء بسواء ، وأمر بكل خير ، ونهى عن كل شر ، كما قال تعالى(1/10)
{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } ( الأنعام :115) أي صدقا في الأخبار وعدلا في الأحكام ، فكله حق وصدق وعدل وهدى ، ليس فيه مجازفة ولا كذب ولا افتراء كما يوجد في أشعار العرب وغيرهم من الأكاذيب والمجازفات التي لا يحسن شعرهم إلا بها ، كما قيل في الشعر :" إن أعذبه أكذبه "، وتجد القصيدة الطويلة المديدة قد اسْتُعْمِلَ غالبها في وصف النساء أو الخيل أو الخمر أو في مدح شخص معين أو فرس أو ناقة أو حرب أو كائنة أو مخافة أو سبع أو شيء من المشاهدات المتعينة التي لا تفيد شيئا إلا قدرة المتكلم المعين على الشيء الخفي أو الدقيق ، أو إبرازه إلى الشيء الواضح ، ثم تجد له فيه بيتا أو بيتين أو أكثر هي بيوت القصيد وسائرها هَذَرٌ لا طائل تحته ، وأما القرآن فجميعه فصيح في غاية نهايات البلاغة عند من يعرف ذلك تفصيلا وإجمالا ممن فهم كلام العرب وتصاريف التعبير، فإنه إن تأملت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة سواء كانت مبسوطة أو وجيزة ، وسواء تكررت أم لا ، وكلما تكرر حلا وعلا ، لا يخلق عن كثرة الرد ، ولا يَمَل منه العلماء ، وإنْ أخذ في الوعيد والتهديد جاء منه ما تقشعر منه الجبال الصم الراسيات ؛ فما ظنك بالقلوب الفاهمات ، وإن وعد أتى بما يفتح القلوب والآذان ، ويسوق إلى دار السلام ، ومجاورة عرش الرحمن ، كما قال في الترغيب { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (السجدة :17) وقال في الترهيب { أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ } (الإسراء :68) { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } (الملك: 16، 17) وقال في الزجر { فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ } (العنكبوت:40) وقال في الوعظ(1/11)
{ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ } (الشعراء : 205: 207) إلى غير ذلك من أنواع الفصاحة والبلاغة والحلاوة ، وإن جاءت الآيات في الأحكام والأوامر والنواهي اشتملت على الأمر بكل معروف حسن نافع طيب محبوب ، والنهي عن كل قبيح رذيل دنيء ، كما قال ابن مسعود وغيره من السلف : " إذا سمعت الله تعالى يقول في القرآن يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك فإنها خير يأمر به أو شر ينهى عنه " ، ولهذا قال تعالى { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
(الأعراف: 157) ، وإن جاءت الآيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنة والنار وما أعد الله فيهما لأوليائه وأعدائه من النعيم والجحيم والملاذ والعذاب الأليم ، بشرت به وحذرت ، وأنذرت ودعت إلى فعل الخيرات ، واجتناب المنكرات ، وزهدت في الدنيا ورغبت في الآخرة ، وثبتت على الطريقة المثلى ، وهدت إلى صراط الله المستقيم ، وشرعه القويم ، ونفت عن القلوب رجس الشيطان الرجيم ، ولهذا ثبت في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ S قَالَ : (مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ أَوْ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (1)
__________
(1) رواه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة برقم6732.(1/12)
ولفظ مسلم :(وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا ) (1) أي الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه بخلاف غيره من الكتب الإلهية فإنها ليست معجزة عند كثير من العلماء ، والله أعلم. (2)
وقد مارس أهل العربية فنونها منذ نشأت لغتهم ، حتى شبت وترعرعت ، وأصبحت في عنفوان شبابها عملاقاً معطاء ، واستظهروا شعرها ونثرها ، وحكمها وأمثالها ، وطاوعهم البيان في أساليب ساحره ، حقيقة ومجازاً ، إيجازاً وإطناباً حديثاً ومقالاً ، وكلما ارتفعت اللغة وتسامت ، وقفت على أعتاب لغة القرآن في إعجازه اللغوي كسيرة صاغرة ، تنحني أمام أسلوبه إجلالاً وخشية .
ولم يعهد تاريخ العربية حقبة من حقبة ازدهرت فيها اللغة ونمت ، إلا تطامن أعلامها وأساتذتها أمام البيان القرآني ، اعترافاً بسموه ، وإدراكاً لأسراره ، وحيثما قلب الإنسان نظره في القرآن ، وجد أسراراً من الإعجاز اللغوي: يجد ذلك في نطاقه الصوتي البديع بجرس حروفه ، حين يسمع حركاتها وسكناتها ، ومداتها وغناتها ، وفواصلها ومقاطعها ، فلا تمل أذنه السماع ، بل لا تفتأ تطلب منه المزيد .
والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى ، وسأذكر مثالاً واحداً منها كشاهد على بلاغة المفردة القرآنية : لنقرأ قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ }
__________
(1) رواه مسلم في الإيمان برقم217.
(2) تفسير القرآن العظيم 1/ 61.(1/13)
(التوبة : 38 ) . ثم لندرس الأداء الفني الذي قامت به لفظه ( اثَّاقَلْتُمْ) بكل ما تكونت به من حروف ، ومن صورة ترتيب هذه الحروف ، ومن حركة التشديد على الحرف اللثوي ( الثاء ) ، والمدَّ بعده ، ثم مجيء القاف الذي هو أحد حروف القلقلة ، ثم التاء المهموسة ، والميم التي تنطبق عليها الشفتان ويخرج صوتها من الأنف ، ألا تجد نظام الحروف ، وصورة أداء الكلمة ذاتها أوحت إلينا بالمعنى ، قبل أن يأتي علينا المعنى من جهة
المعاجم ؟ ألا نلحظ في خيالنا ذلك الجسم المثَّاقل ، يرفعه الرافعون في جهد ، فيسقط في أيديهم في ثقل ، ألا تحس أن البطء في تلفظ الكلمة ذاتها يوحي بالحركة البطيئة التي تكون من المثَّاقل ؟ ولنجرب أن نبذل المفردة القرآنية ، ونحل محلها لفظه ( تثاقلتم ) أ نحس أن شيئاً من الخفة والسرعة ، بل والنشاط أوحت به ( تثاقلتم ) بسبب رصف حروفها ، وزوال الشَّدَّة ، وسبق التاء قبل الثاء ؟ إذن فالبلاغة تتم في استعمال (أثَّقلتم ) للمعنى المراد ، ولا تكون في ( تثاقلتم ) .
وهناك أمثلة كثيرة عن المفردة القرآنية ، والآية وصياغتها ، والتشبيه والاستعارة ، والكناية القرآنية والفاصلة وهيكل السورة ، والقصة ،
والمثل ، والقسم ، والإعجاز والإطناب ، والجزالة والرقة ، وما شابه وكلها تؤيد الإعجاز اللغوي الذي ينفرد به أسلوب القرآن .
2- معجز فيما أخبر عنه من أمور الغيب
وهو معجز فيما أخبر عنه من أمور الغيب ، فقد نبأ القرآن الكريم عن أخبار غيبية تحققت بالمستقبل بالشكل الموعود في القرآن الكريم ، وهذه أمثلة لتوضيح هذا الجانب من المعجزة الكبرى.
أ) الإخبار بانتصار الروم(1/14)
قال تعالى : { غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ } (الروم:2/4) نزلت هذه الآية الكريمة في السنة الثانية للهجرة أي سنة (625 م ) بعدما انهزم جيش الروم المؤمن بالله على يد الفرس - عبدة النار آنذاك - واحتلوا بيت المقدس ، ففرح المشركون في الحجاز بهذا الانتصار
الساحق ، واعتبروه إعلاناً عن انتصار مقبل على المسلمين عندهم ، وهكذا دخل الهم والغم على المسلمين ، وفي هذه الأثناء نزل الوحي لينبئ عن انتصار الروم على أعدائهم الفرس بعد تضميد جراحهم وإعدادهم من جديد لخوض معركة فاصلة وحاسمة ، وسيكون النصر لهم في بضع سنين يعني أقل من عشر سنوات وبالفعل تم الانتصار ، وفرح المؤمنون بذلك فهو وعد إلهي غيبي تحقق على الموعد المبرم.
ب) الإخبار بفتح مكة
وتنبأ القرآن العزيز بفتح مكة قبل الفتح ، فقد جاء في سورة الفتح:
{ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } (الفتح :27) وبالفعل تم الانتصار على المشركين وتم فتح مكة بالسنة الثامنة للهجرة ـ بإذنه تعالى ـ وهذا التنبؤ كان يصعب على الناس تصديقه تبعاً للظروف الموضوعية المحيطة بالمسلمين ، بالإضافة إلى الظروف الذاتية غير المتكاملة لشن حرب كاسحة وهجوم كبير ، ومع كل ذلك تم النصر والفتح.
ج) أخبر أنه سيظل محفوظا لا يمس بسوء(1/15)
فقد أنبأنا الله سبحانه بأن هذا القرآن يبقى كما هو دون أن تستطيع الأيادي الأثيمة أن تنال منه أو تحرفه أو تبدله ، فقال عز وجل: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون } (الحجر:9)
3 - معجز في تشريعه وصيانته لحقوق الإنسان
وهو معجز في تشريعه وصيانته لحقوق الإنسان ، وتكوين مجتمع مثالي تسعد الدنيا على يديه ، فقد جاء القرآن هداية للناس أجمعين ، واشتمل على أحكام تشريعية تكفل سعادة العباد في الدنيا والآخرة ، وتفي باحتياجاتهم الزمانية والمكانية. بخلاف ما عليه حال قوانين البشر وشرائعهم التي ظهر عجزها ، وما يزال عن معالجة متطلبات البشر، وثبت قصورها عن مسايرة الأوضاع المستجدة بين الحين والآخر، وصدق الله إذ يقول : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } ( الإسراء:9 )
فقد عرفت البشرية في حقب التاريخ ألواناً مختلفة من المذاهب
والنظريات ، والنظم والتشريعات التي تستهدف سعادة الفرد في مجتمع فاضل ، ولكن واحداً منها لم يبلغ من الروعة والإجلال ، مبلغ القرآن في إعجازه التشريعي .
فالقرآن يبدأ بتربية الفرد ، لأنه لبنة المجتمع ، ويقيم تربيته على تحرير وجدانه وتحمل التبعة ، فيحرر القرآن وجدان الإنسان المسلم بعقيدة التوحيد ، التي تخلصه من سلطان الخرافة والوهم ، وتفك أسره من عبودية الأهواء والشهوات ، حتى يكون عبداً خالصاً لله . قال تعالى : { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، للهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ } ( الإخلاص ) ، وقال أيضاً : { هُوَ الأَوَّلُ والآخِرُ والظَّاهِرُ والبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }(1/16)
( الحديد : 3 ) ، وقال أيضاً : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } (القصص:88) وإذا صحت عقيدة الإنسان المسلم ، كان عليه أن يأخذ بشرائع القرآن في الفرائض والعبادات ، وكل عبادة مفروضة يراد بها صلاح الفرد ولكنها مع ذلك ذات علاقة بصلاح الجماعة .
فالصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ، والجماعة واجبة على الرأي الراجح إلا لعذر ، و هي شرط في الجمعة والعيدين .
والزكاة تقتلع من النفس جذور الشح ، وعبادة المال ، والحرص على الدنيا ، وهي مصلحة للجماعة ، فتقيم دعائم التعاون بين أفراد المجتمع ، وتشعر النفس بتكامل الجماعة شعوراً يخرجها من ضيق الأثرة والإنفراد.
والحج سياحة تروض النفس على المشقة ، وتفتح بصيرتها على أسرار الله في خلقه .
والصيام ضبط للنفس ، وشحذ لعزيمتها ، وتقوية للإرادة ، وحبس للشهوات . والقيام بهذه العبادات المفروضة ، يربى الإنسان على الشعور بالتبعة الفردية التي يقررها القرآن وينوط بها كل تكليف من تكاليف الدين ، وحض القرآن على الفضائل المثلى التي تروض النفس على الوازع الديني ، كالصبر والصدق والعدل والإحسان والحلم والعفو والتواضع .
ومن تربية الفرد ، ينتقل القرآن إلى بناء الأسرة ، لأنها نواة المجتمع ، فشرع الزواج استجابة لعزيزة الجنس ، وإبقاء النوع الإنساني في تناسل طاهر نظيف . قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ أنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَةً وَرَحْمَةً } ( الروم :21 ) .(1/17)
وقرر القرآن صيانة الكليات الخمسة الضرورية للحياة الإنسانية : النفس ، والدين ، والعرض ، والمال ، والعقل . ورتب عليها العقوبات المنصوصة ، التي تعرف في الفقه الإسلامي بالجنايات والحدود ، قال تعالى: { وَلَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } ( البقرة :179) وقال أيضاً : { الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُ واكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } (النور : 2) وقال أيضاً : { والسَّارِقُ والسَّارِقُةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيْهُمَا } ( المائدة : 38 ) .
وقرر القرآن العلاقات الدولية في الحرب والسلم بين المسلمين وجيرانهم أو معاهديهم ، وهي أرفع معاملة عرفت في عصور الحضارة العربية الإسلامية .
وخلاصة القول : إن القول دستور تشريعي كامل ، يقيم الحياة الإنسانية على أفضل صورة وأرقى مثال ، وسيظل إعجازه التشريعي قريناً لإعجاز العلمي وإعجازه واللغوي إلى الأبد .
4- معجز بعلومه ومعارفه(1/18)
لقد أكد القرآن الكريم الحقائق العلمية التي سوف تظهر بعد نزوله بآلاف السنين ، بحيث إذا قرأه العالم المعاصر المتسلح بأحدث نظريات العلوم وقوانينها واكتشافاتها يجده قد أشار إليها إشارات واضحة يعز صرفها إلى غير هذه المفاهيم الجديدة المكتشفة ، فالقرآن ومعجزته العلمية التي يتحدى بها العالم المعاصر كأنه يتنزل اليوم مواكبا لطبيعة العصر ، بل ومتجاوزا لإمكانياته الحالية والمستقبلية في هذا الجانب ، فعظمة المعجزة القرآنية التي خاطبت عرب الجاهلية فأعجزتهم تقف اليوم لتحدث أصحاب العلوم المختلفة ، كعلم الفلك والفضاء والطبيعة والأحياء والفيزياء النووية والكونية ، والهندسة الوراثية والحيوية ، بل وكل العلوم والنظريات والقوانين ، تعجزهم بنفس قوة الإعجاز البلاغي للعرب الفصحاء شعراء كانوا أو خطباء ، إن خالق الكون هو الذي يتحدث عن كونه ، فهو الذي يعلم ما خلق ومن خلق كما قال تعالى : { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } (الملك :1).
وهناك الكثير من سلوكيات النصارى ؛ بل واليهود الإيجابية المنصفة التي يشهدون فيها للقرآن ، ويسلمون عند معرفتهم للحق ، وهذه بعض الأمثلة التي تدل على إعجاز القرآن المستمر: (1)
النموذج الأول : بروفيسور مارشال جونسون
عندما اكتشف الميكرسكوب المكبر أو المجهر في نهاية القرن السابع - مع أن المجهر كان صغيرا في ذلك الوقت - تصوروا بعد أن شاهدوا الحيوانات المنوية ، أن الإنسان بذرة مثل الشجرة الصغيرة ، فتصوروا أنه مختزل في الحبة المنوية ، فرسم له العلماء صورة وتخيلوا أن الإنسان يوجد كاملا في النطفة المنوية غير أنه ينمو .
__________
(1) للمزيد : نظر: الأدلة المادية على وجود الله ، للشيخ محمد متولي الشعراوي ، والإعجاز العلمي في القرآن ، مطابع وزارة التربية والتعليم ، وسامي أحمد الموصلي ، دار النفائس ، والإيجاز في آيات الأعجاز ، محمد عابدين أبو اليسر ، دار البشائر ، 1999م.(1/19)
منذ قرابة الستين عاما تأكدوا أن الإنسان لا يوجد إنسان دفعة واحدة وإنما يمر بأطوار ومراحل ، طورا بعد طور ومرحلة بعد مرحلة وشكلا بعد شكل ، وصل العلم إلى إحدى الحقائق القرآنية ، يقول الشيخ الزنداني : " التقينا مرة مع أحد الأساتذة الأمريكان ، بروفيسور أمريكى من أكبر علماء أمريكا اسمه بروفيسور " مارشال جونسون " ، فقلنا له: ذكر في القرآن أن الإنسان خلق أطوارا ، فلما سمع هذا كان قاعدا فوقف وقال : أطوارا ؟! قلنا له : وكان ذلك في القرن السابع الميلادي! جاء هذا الكتاب ليقول : الإنسان خلق أطوارا !! فقال : هذا غير ممكن غير ممكن ، قلنا له : لماذا تحكم عليه بهذا ؟ هذا الكتاب يقول: { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ } (الزمر:6) ويقول :
{ مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارا ً } (نوح: 13، 14) فقعد بروفيسور مارشال جونسون على الكرسي وهو يقول بعد أن تأمل الأمر: أنا عندى الجواب : ليس هناك إلا ثلاثة احتمالات :
الأول : أن يكون عند محمد ميكروسكوبات ضخمة ، تمكن بها من دراسة هذه الأشياء وعلم بها ما لم يعلمه الناس فذكر هذا الكلام !
الثاني : أن تكون وقعت صدفة ، أو هذه جاءت معه صدفة .
الثالث : أنه رسول من عند الله .(1/20)
قلنا : أما القول بأنه كان عنده ميكرسكوب وآلات ، فأنت تعرف أن الميكرسكوب لم يظهر إلا بعد نزول القرآن ، كما أنه من الصعب القول بأن ذلك صدفة فقال : هذا صحيح صعب أن نقول صدفة ، فقلنا له : ما رأيك لو قلنا أنه لم يذكر القرآن هذه الحقيقة في آية واحدة فقط بل ذكرها في آيات ، ولم يذكرها في آية وآيات إجمالا بل أخذ يفصل كل طور ، الطور الأول يحدث فيه وفيه ، والطور الثاني كذا وكذا ، والطور الثالث ، أيكون هذا صدفة ؟! فلما عرضنا التفاصيل والأطوار ، وما في كل طور قال : الصدفة كلام غلط !! هذا علم مقصود ، قلنا : ما في تفسير عندك ؟ قال : لا تفسير إلا وحي من فوق ! (1)
فمن علم النبي الأمي هذا الأمور ؟ وهذه الحقائق وغيرها كانت سببا في إسلام العديد في الكثير من دول العالم لاسيما أمريكا موطن الفرقان الأمريكي.
النموذج الثاني: أوري روبين اليهودي يعترف بإعجاز القرآن
في إطار المحاولات الإسرائيلية هذه الأيام لدراسة القرآن الكريم دراسة حديثة ، وإعادة فهم صيغه نشر موقع ' وله ' الإخباري العبري موضوعاً حول القرآن الكريم والترجمات اليهودية ، أشار فيه إلى قيام البروفيسور
" أوري روبين " الأستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة تل أبيب بإعداد ترجمة حديثة للقرآن الكريم لتكون بذلك أول عمل في هذا الخصوص في القرن الجديد في " إسرائيل " .
__________
(1) انظر ، الشيخ عبد المجيد الزندانى : العلم طريق الإيمان ص 131 ، وانظر المزيد فيمن أسلموا بسبب معرفتهم لصدق النبى محمد ، الموصلى : سامى أحمد ، 2001م الإعجاز العلمي في القرآن ، دار النفائس .(1/21)
يقول التقرير : إن البروفيسور اليهودي يقوم بإعداد هذه الترجمة منذ عامين وبضعة شهور ، وسوف تكون الترجمة هذه المرة كاملة لكافة سور القرآن الكريم البالغ عددها (114 سورة ) ، حيث سيعتمد أوري على إعداد هذه الترجمة في مجلدين معتمداً على لغة عبرية حديثة ومعاصرة ، وليست مثل الترجمتين الأخيرتين ترجمة بلغة عبرية قديمة لا تجد إقبال على قراءتها نظراً لاندثار هذه اللغة ، وهجرة آلاف اليهود من الدول الغربية الذين لا يجيدونها على الإطلاق .. وهي اللغة التي يتم بها قراءة الكتب الدينية اليهودية العهد القديم ، والتلمود والمشنا .
يقول أوري بعد قيامه بترجمة أكثر من نصف القرآن الكريم إلى العبرية حتى الآن : " وجدت في القرآن سحراً كبيراً سواء في شكل حروفه أو بسبب كونه مكتوباً بصورة نثرية غاية في الاتزان والإيقاع الصوتي غاية في التميز ، لقد وجدت في القرآن مستويات متباينة من جهة المضمون : فمثلاُ نجد الحديث عن نار جهنم – وكلنا نعرف نار جهنم – يتحدث عنها القرآن من منطلق الترهيب وهو في ذلك يقدم صور مُفزعة حقيقية .. ثم ينتقل القرآن إلى وصف الجنة – جنة عدن التي نعرفها أيضاً – فتجده يتحدث عنها بصورة غاية في الجمال خاصة بعد أن يقدم مغفرة الله وتوبته على عباده المؤمنين العصاه التائبين إليه ، لقد وصف القرآن الجنة كأحسن ما يكون الوصف حيث الإحساس الصادق بها وبجمال الجنة وعظمتها .. وفي مستوىً آخر يقدم القرآن وجبة كاملة من الشرائع والقوانين الحياتية اليومية وكل هذا لما ؟ أعتقد أنني توصلت إلى أن القرآن يريد أن يخلق على الأرض إنساناً كاملاً ولن يتأتى هذا إلا بعد أن يُطبق ما جاء فيه فهو يقدم للإنسان مفتاح الطريق نحو الكمال '.(1/22)
كل هذه الأسباب دفعت البروفيسور اليهودي إلى الاعتراف بصعوبة الترجمة لأنه يريد إخراج ترجمة واقعية جداً لكل جزء دون الإخلال بالإحساس الجمالي للجنة مثلاً ، وللإحساس الترهيبي من النار .. فهو يشير إلى أن الإحساس بالقرآن وبأشكال حروفه المتناسقة أمر يصعب ترجمته ، موضحاً أنها لغة عربية أخرى غير التي نطالعها كل يوم في الصحف والمجلات والكتب .
وهكذا تظل معجزة القرآن باقية حتى داخل (إسرائيل) نفسها ، وتخرج شهادات الاعتراف بأنه كتاب الله المنزل من قلوب اليهود أنفسهم لكنه التكبر اليهودي منذ قديم الأزل وحتى تقوم الساعة . (1)
قال تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (البقرة:146)
عناية الأمة بالقرآن الكريم
لقد عنيت الأمة الإسلامية بالقرآن الكريم عناية كبيرة بصورة لا تجد لها نظير في ملة من الملل أو في أمة من الأمم ، وهذه العناية يمكن تلخيصها في هذه الجملة : حفظ القرآن في الصدور والسطور .
فبجوار حفظ القرآن في الصدور هناك لون آخر من الحفظ يدوم مع الزمان ، لا يذهب بذهاب الإنسان ، فلا بد أن يتحقق ما تكفل الله بحفظه: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ( الحجر : 9)
__________
(1) انظر: http: islammessage.com:vb:lofiversion:index.php:t7970.html(1/23)
فبعد أن أتم عمر ومن بعده عثمان جمع القرآن ، اتجهت عناية المسلمين نحو القرآن بصورة لم يعهدها كتاب من قبل ، فصنف العلماء مئات المصنفات في تفسيره ، وبيان المكي والمدني ، وما نزل بليل وما نزل بالنهار ، الحضري والسفري ، الصيفي والشتائي ، الفراشي والنومي ، وأسباب النزول ، أول ما نزل ، آخر ما نزل ، ما عرف وقت نزوله ، وما أنزل فيه ولم ينزل على أحد من الأنبياء ، ما أنزل منه على الأنبياء ، ما تكرر نزوله ، ما نزل مُفَرقاً ، ما نزل جمعاً ، والناسخ والمنسوخ ، والمطلق والمقيد ، والمحكم والمتشابه ، وبيان أوجه الإعجاز البيانية
والبلاغية ، واستخراج الأحكام الفقهية ، وفضائل القرآن ، ومعرفة تأويله وتفسيره وبيان شرفه ، والحاجة إليه ، وشروط المُفَسر وآدابه ، وغرائب التفسير ، وأسماء من نزل فيهم القرآن ، والأسماء والكنى والألقاب ، وأمثاله ، والعلوم المستنبطة من القرآن ، ومناسبة الآيات والسور ، والإيجاز والإطناب والخبر ، والإنشاء ، ومنطوقه ومفهومه ، ومعرفة إعرابه ، وآداب تلاوته ، ومعرفة أسمائه وأسماء سوره ، وجمعه وترتيبه ، وعدد سوره وآياته وكلماته وحروفه إلى آخره.
وأقبل العلماء على تصنيف الكتب التي تهدف إلى استخراج هذه
المعاني ، وترك لنا هؤلاء العلماء رصيدا كبيرا من المؤلفات لا يوجد له نظير في أمة من الأمم .
صور من عناية الأمة بالقرآن في العصر الحديث
إقامة مدارس خاصة بتحفيظ القرآن الكريم .
إنشاء إذاعات خاصة بالقرآن الكريم .
إنشاء العديد من الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم .
تنظيم المسابقات في تلاوة القرآن الكريم وحفظه وتفسيره .
طباعته بطريقة " برايل " (1).
__________
(1) تتراوح نسبة عدد المكفوفين في العالم ما بين ( 1 : 3% ) منهم خمسة وعشرون مليونًا تقريبًا من المسلمين ، انظر: http:wwww.ksu.edu.sa:kfs-website:source:57.htm(1/24)
ترجمة معانيه إلى اللغات المختلفة ، فقد أصدر مجمع الملك فهد وحده أكثر من (55) ترجمة لمعاني القرآن بـ (39) لغة (1).
طباعة المصحف
أسهم الخطاطون قبل ظهور الطباعة في تجويد المصاحف وتحسين كتابتها واقتضت مشيئة الله تعالى أن ينتشر كتابه العزيز في الآفاق بفضل الطباعة ، وقد ظهر القرآن الكريم مطبوعا للمرة الأولى في مدينة
(البندقية في حدود سنة 1530هـ ) ، ولكن السلطات الكنسية أصدرت أمر بإعدامه حال ظهوره .
وتوالت الطبعات في مختلف بلدان العالم الإسلامي بكميات كبيرة وبصورة فائقة وبأحجام مختلفة ، حتى يَسر الله في إقامة مجمع خاص لطباعة المصحف بالمملكة العربية السعودية (2)
__________
(1) انظر: السابق .
(2) مجمع الملك فهد: تعد مطبعة المجمع واحدة من كبريات المطابع في العالم ، وأكثرها
تطوراً ، تقدر مساحة المجمع بمائتين وخمسين ألف متر مربع ، ويُعَدّ المجمع وتضم المطبعة ثلاث آلات للطباعة الشريطية تبلغ سرعتها ما بين (20.000) إلى (60.000 ) ملزمة في الساعة الواحدة ، كما تضم اثنتي عشرة آلة من آلات الطباعة المسطحة ، تطبع عدة ألوان دفعة واحدة ، من بينها آلتان مزودتان بجهاز الأشعة فوق البنفسجية تبلغ سرعتها (300 ) مصحف في الساعة الواحدة. وهي مزودة بعيون إلكترونية سحرية لتفادي أي خلل في أثناء الطباعة ، وزود قسم الصف التصويري بالمجمع بحاسب آلي لصف الحروف العربية ، كما يمكن استخدامه لصف ترجمة معاني القرآن الكريم باللغات المختلفة ، وفي قسم التصوير والتوليف توجد أربع آلات تصوير عالية الكفاءة ذات عدسات بؤرية مختلفة الأبعاد تعمل إليكترونياً. وتخضع الصفحات المصورة لأعمال تصحيح الألوان والحروف والتأكد من سلامة النص من الناحية الفنية وعمل المسودات الأولى في شكل صفحات منفردة يتم عرضها على اللجنة لمراجعتها وإجازتها.
وقد بلغت الطاقة الإنتاجية مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ما يربو على عشرة ملايين نسخة من مختلف الإصدارات سنوياً للوردية الواحدة ، وبالإمكان تشغيله عند الحاجة ثلاث ورديات لينتج ثلاثين مليون نسخة سنوياً ، انظر السابق.(1/25)
، ويعد هذا المجمع من أضخم وأعظم المشروعات التي عنيت بالقرآن في العالم.
القرآن الكريم على الشبكة (الإنترنت)
ومن صور عناية الأمة بالقرآن الكريم استغلالها لشبكة المعلومات العالمية ( الإنترنت ) ، حيث إن هذه الشبكة يمكن من خلاله بث الدعوة الإسلامية إلى أي مكان في العالم بسرعة فائقة وبأقل الإمكانات.
فما أن بدأت ثورة الإنترنت بالاتساع حتى كانت المواقع التي تعنى بالقرآن الكريم من أول المواقع العربية التي حظيت بالرعاية ، وفيما يأتي نظرة على مواقع القرآن الكريم على هذه الشبكة ، وما وصلت إليه في الوقت الحاضر ، وقد قمت بالبحث على الشبكة باستعمال محرك البحث (Google) في (1/2/2005) عن كلمة القرآن باللغة العربية والإنجليزية فكانت النتيجة :
الاسم ... عدد المرات ... الاسم ... عدد المرات
Quran ... 2,130,000 ... Kuran ... 517,000
القرآن ... 812.000 ... قرآن ... 295,000
وهذه الأرقام بازدياد ربما يبلغ 3% شهريا ، ويتوفر اليوم على شبكة الإنترنت عشرات المواقع التي تعنى بالقرآن الكريم .
ومن صور العناية بالقرآن اتجه العلماء لعمل إحصاءات غاية في الدقة والعظمة للموضوعات والقضايا والأسماء والأماكن والحرف والصناعات والأيام والأرقام والحشرات والحيوانات والأعمال وغيرها التي وردت في القرآن الكريم ، وهذه الإحصاءات كان لإبرازها عظيم الأثر في بيان عظمة وشمول هذا الكتاب ، وكان للحاسب الآلي دور كبير في تيسيير مثل هذه الإحصاءات ، ومن هذه الإحصائيات الطيبة إحصائية بالأعداد المتساوية في القرآن الكريم :
م ... الحدث ... عدد المرات ... الحدث ... عدد المرات
1 ... دنيا ... 115 ... آخرة ... 115
2 ... ملائكة ... 88 ... شياطين ... 88
3 ... الناس ... 50 ... الأنبياء ... 50
4 ... صلاح ... 50 ... فساد ... 50
5 ... إبليس ... 11 ... الاستعاذة من إبليس ... 11
6 ... المسلمين ... 41 ... جهاد ... 41(1/26)
7 ... زكاة ... 88 ... بركة ... 88
8 ... محمد ... 4 ... شريعة ... 4
9 ... امرأة ... 24 ... رجل ... 24
10 ... الحياة ... 145 ... الموت ... 145
11 ... الصالحات ... 167 ... السيئات ... 167
12 ... اليسر ... 36 ... العسر ... 12
13 ... الأبرار ... 6 ... الفجار ... 3
14 ... الجهر ... 16 ... العلانية ... 16
15 ... المحبة ... 83 ... الطاعة ... 83
16 ... الهدى ... 79 ... الرحمة ... 79
17 ... السلام ... 50 ... الطيبات ... 50
18 ... الشدة ... 102 ... الصبر ... 102
19 ... المصيبة ... 75 ... الشكر ... 75
20 ... الجزاء ... 117 ... المغفرة ... 234
والسؤال : هل يمكن أن تكون هذه الأعداد التي وردت في القرآن من قبيل المصادفة !؟ اللهم لا.
وكل هذه الجهود التي تبذل للعناية بالقرآن الكريم تؤكد أن القرآن سيظل محفوظا في قلوب المسلمين قبل حفظه في المصاحف والأجهزة الحديثة والمتطورة ، وصدق الله العظيم : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون َ } (الحجر:9)(1/27)
الفصل الثاني
المؤامرة على القرآن قديما وحديثا
**************************************
لماذا القرآن ؟
لقد أدرك أعداء الإسلام قديما وحديثا أن سر قوة المسلمين تكمن في تمسكهم بالقرآن ، أضف إلى هذا أن القرآن وكما سبق هو الكتاب السماوي الوحيد الذي بقي كما هو على الحالة التي عليها منذ نزل على رسولنا S ، وقد كان مجرد سماع القرآن سببا في إسلام العديد من غير المسلمين ، ومن هنا عملوا جاهدين كي يحولوا دون أن تصل هذه الحقائق للناس ، لكن كيف ؟ صَور لهم خيالهم أن باستطاعتهم أن يحطموا هذا القرآن ؛ عقدوا المؤتمرات وأرسلوا الإرساليات وأنفقوا المليارات من أجل هذه الغاية القذرة ، ولقد أخبر الله تعالى أن هذه الجهود وهذه الأموال سوف تذهب سُدَى ، قال
تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون } (الأنفال :36) ، وصدق الله : { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون َ } (التوبة :32) وانظر إلى هذا الحقد الدفين الذي يغلي في قلوب هؤلاء نحو القرآن :
قال رئيس وزراء بريطانيا " جلادستون " في مجلس العموم البريطاني بعدما حمل القرآن بيده : " إننا لا نستطيع القضاء على الإسلام والمسلمين إلا بعد القضاء على ثلاثة أشياء :صلاة الجمعة ، والحج ، وهذا الكتاب ، فقام أحد الحاضرين ليمزق القرآن فقال : ما هكذا أريد يا أحمق ، إني أريد تمزيقه في قلوبهم وتصرفاتهم.(1)
__________
(1) انظر: http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?media(1/1)
ويقول أيضا : " ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق (1).
وقال الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذِكْرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر : " إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن ، ويتكلمون العربية ، فيجب أن نُزيل القرآن العربي من وجودهم ، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم . (2)
ويقول المُبَشر " وليم جيفورد بالكراف" : "متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب ، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه . (3)
ويقول المبشر تاكلي : " يجب أن نستخدم القرآن ، وهو أمضى سلاح في الإسلام ، ضد الإسلام نفسه ، حتى نقضى عليه تماماً ، يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديداً ، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً " (4).
القرآن أقوى من فرنسا
أثار هذا المعنى حادثةً طريفةً جرت في فرنسا ، وهي أنها - من أجل القضاء على القرآن في نفوس شباب الجزائر - قامت بتجربة عملية ، قامت بانتقاء عشر فتيات مسلمات جزائريات ، أدخلتهن الحكومة الفرنسية في المدارس الفرنسية ، وألبستهن الثياب الفرنسية ، ولقنتهن الثقافة الفرنسية ، وعلمتهن اللغة الفرنسية ، فأصبحن كالفرنسيات تماماً .
__________
(1) محمد أسد : قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله ، ص 39 .
(2) المنار - عدد 9/11/1962 .
(3) السابق .
(4) التبشير والاستعمار - ص 40 ، طبعة رابعة .(1/2)
وبعد أحد عشر عاماً من الجهود هيأت لهن حفلة تخرج رائعة دعي إليها الوزراء والمفكرون والصحفيون . . . ولما ابتدأت الحفلة ، فوجئ الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الإسلامي الجزائري ، فثارت ثائرة الصحف الفرنسية وتساءلت : ماذا فعلت فرنسا في الجزائر إذن بعد مرور مائة وثمانية وعشرين عاماً !!! ؟ ؟ أجاب لاكوست ، وزير المستعمرات الفرنسي : وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا ؟ ! ! . ( (1) )
يقول المبشر " تكلي " : " يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني، لأن كثيراً من المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية (2).
وهذه النقولات قطرة من بحر الحقد على الإسلام ، قال تعالى: { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْقِلُون َ } (آل عمران: 118)
محاولات التحريف عبر التاريخ
إن المتأمل في التاريخ الإسلامي جيدا يدرك حجم التآمر التاريخي المتشابه والمستمر على القرآن الكريم ، فلقد أدرك أعداء الدين قديما وحديثا أن قوة المسلمين تكمن في تمسكهم بالقرآن ، فعملوا جاهدين من أجل القضاء عليه ، وتنوعت هذه المحاولات إلا أنها جميعا باءت بالفشل ، ومن هذه المحاولات :
المشركون في مكة
ولنبدأ القصة وتحديدا قبل ألف وأربعمائة عام ، فقد كان العرب قبل الإسلام أهل لغة وحنكة وفصاحة غير مسبوقة ، وذلك يؤكد أن القرآن نزل علي أقوى وأشد وأقدر من يعارضه من البشر، فذلك دليل للقرآن لا عليه ، فمنذ ظهور الإسلام وحملات التشكيك من المشركين لم تتوقف ، ويمكن حصر محاولات المشركين فيما يأتي :
بث الشبهات حول القرآن .
__________
(1) 1 ) جريدة الأيام - عدد 7780 ، الصادر بتاريخ 6 كانون أول 1962م .
(2) 2 ) التبشير والاستعمار - ص 88 .(1/3)
لقد أثار القرشيون الكثير من الشيهات حول القرآن ، وحول شخصية النبي S ، فقالوا : إنه يتعلم القرآن من بشر ، أو تعلمه في الماضي من بشر ثم ظهر البحاثة لينقبوا في هذه الآثار ويخرجوا لنا بالنتيجة المضحكة في نظرنا الخطيرة في نظرهم من أن محمدا علمه راهب من كهان الصحراء اسمه بحيرا ، وأن التعليم كان في الصغر ، وقالوا : إن الذي علمه هو ورقة بن نوفل ابن عم زوجته خديجة ، وأنه هو الذي هيأه وأنشأه للنبوة ومن عمياء أضاليلهم أن ورقة مات في بدء البعثة ، فمن أكمل مع محمد Sالطريق!؟.
قال صاحب الرحيق المختوم :" وقد أكثروا من ذلك وتفننوا فيه بحيث لا يبقى لعامة الناس مجال للتدبر في دعوته والتفكير فيها ، فكانوا يقولون عن القرآن { أَضْغَاثُ أَحْلامٍ } (يوسف:44) يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار ، ويقولون { بَلِ افْتَرَاهُ ) (الأنبياء:5) - من عند نفسه ويقولون : { إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ
بَشَرٌ } (النحل:103) وقالوا : { إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً } (الفرقان:4) - أي اشترك هو وزملاؤه في اختلاقه
{ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } (الفرقان: 5).
وأحيانا قالوا : إن له جنًا أو شيطانًا يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان ، قال تعالى ردًا عليهم : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } (الشعراء:221، 222) أي إنها تنزل على الكذاب الفاجر المتلطخ بالذنوب ، وما جرّبتم علىّ كذبًا ، وما وجدتم في فسقًا ، فكيف تجعلون القرآن من تنزيل الشيطان ؟ وأحيانًا قالوا عن النبي S : إنه مصاب بنوع من الجنون ، فهو يتخيل المعانى ، ثم يصوغها في كلمات بديعة رائعة كما يصوغ الشعراء ، فهو شاعر وكلامه شعر ، قال تعالى ردًا عليهم :(1/4)
{ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُون َ } (الشعراء:224: 226) فهذه ثلاث خصائص يتصف بها الشعراء ليست واحدة منها في النبي S ، فالذين اتبعوه هداة مهتدون ، متقون صالحون في دينهم وخلقهم وأعمالهم وتصرفاتهم ، وليست عليهم مسحة من الغواية في أي شأن من شئونهم ، ثم النبي S لا يهيم في كل واد كما يهيم الشعراء ، بل هو يدعو إلى رب واحد ، ودين واحد ، وصراط واحد ، وهو لا يقول إلا ما يفعل ، ولا يفعل إلا ما يقول ، فأين هو من الشعر والشعراء ؟ وأين الشعر والشعراء منه .
وهكذا كان يرد عليهم بجواب مقنع حول كل شبهة كانوا يثيرونها ضد النبي S والقرآن والإسلام . (1) )
معارضة القرآن بأساطير الأولين
__________
(1) المباركفوري ، الرحيق المختوم ص81 بتصرف يسيير ، دار الحديث ، ط الثانية.(1/5)
كان المشركون بجانب إثارة هذه الشبهات يحولون بين الناس وبين سماعهم القرآن ، ودعوة الإسلام بكل طريق يمكن ، فكانوا يطردون الناس ، ويثيرون الشغب والضوضاء ، ويتغنون ويلعبون إذا رأوا أن النبي S يتهيأ للدعوة ، أو إذا رأوه يصلى ويتلو القرآن ، قال تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُون َ } (فصلت :26) وكان النضر بن الحارث ، أحد شياطين قريش قد قدم الحيرة ، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس ، وأحاديث رستم واسفنديار ، فكان إذا جلس رسول الله S مجلسًا للتذكير بالله والتحذير من نقمته خلفه النضر ويقول : " أنا و الله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه ، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار " ، ثم يقول: " بماذا محمد أحسن حديثًا مني ، وفي رواية عن ابن عباس: " أن النضر كان قد اشترى قَيْنَةً ، فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول : أطعميه واسقيه وغنيه ، هذا خير مما يدعوك إليه محمد ، وفيه نزل قوله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ
اللَّه } (لقمان/6) (1) )
مسيلمة الكذاب
ثم عمر الدنيا من البلغاء الذين يتخللون بألسنتهم تخلل البقرة ويطيلون في المعنى التافه إظهاراً لاقتدارهم على الكلام ، جماعات لا بصائر لهم في دين الإسلام ، فما منهم أحد يتكلف معارضته إلا افتضح وسقط وصار مهزأة ومعيرة ، منهم مسيلمة بن حبيب الحنفي لما رام ذلك لم ينطق لسانه إلا بما يضحك الثكلى .
__________
(1) السابق : ص82.(1/6)
ظهر مسيلمة الكذاب في اليمامة ، وتنبأ وادَّعى هبوط الوحي عليه بقرآن كالذي جاء به رسول الله S ، وقد تناقلت كتب التاريخ كلامه على وجه السخرية والاستهزاء لضحالته وضآلته ، فاسمع مثلا كلامه في فض خلاف وقع في قوم من أصحابه مدعيا أنه أوحي به إليه قال " والليل الأطقم ، والذئب الأدلم ، والجذع الأزلم ، ما انتهكت أسيد من أحرم " واسمع قوله في قرآن آخر ادَّعى أنه أوحي به إليه : " لقد أنعم الله علي الحبلي أخرج منها نسْمة تسعي من بين صفاق وحشي ، وكذلك : " الفيل ما الفيل ، وما أدراك ما الفيل ، له ذنب ونبيل ، وخرطوم طويل " وقوله : " يا ضفدع بنت ضفدعين ، نقي ما تنقين ، نصفك في الماء ونصفك في الطين ، لا الماء تكدرين ، ولا الشارب تمنعين " (1) )
سجاح التميمية
__________
(1) انظر : الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، 3/69، وابن كثير ، البداية والنهاية ، 6/326، وابن جرير الطبري ، تاريخ الطبري ، 2/276.(1/7)
سجاح التميمية ادعت النبوة بعد وفاة رسول الله S واجتمعت عليها بنو تميم فكان فيما ادعت أنه أنزل عليها : " يأيها المؤمنون المتقون لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشا قوم يبغون" واجتمعت بنو تميم كلها إليها لتنصرها ، وكان فيهم الأحنف بن قيس وحارثة بن بدر ووجوه تميم كلها ، وكان مؤذنها شبيب بن ربعي الرياحي فعمدت في جيشها إلى مسيلمة الكذاب وهو باليمامة وقالت يا معشر تميم : اقصدوا اليمامة فاضربوا فيها كل هامة وأضرموا فيها نارا ملهامة حتى تتركوها سوداء كالحمامة ، وقالت لبني تميم : إن الله لم يجعل هذا الأمر في ربيعة وإنما جعله في مضر، فاقصدوا هذا الجمع فإذا فضضتموه كررتم على قريش ، فسارت في قومها وهم الدهم الداهم ، وبلغ مسيلمة خبرها فضاق بها ذرعا وتحصن في حجر حصن اليمامة ، وجاءت في جيوشها فأحاطت به فأرسل إلى وجوه قومه وقال : ما ترون ؟ قالوا: نرى أن نسلم هذا الأمر إليها ، وتدعنا فإن لم نفعل فهو البوار ، وكان مسيلمة ذا دهاء فقال : سأنظر في هذا الأمر ، ثم بعث إليها : إن الله تبارك وتعالى أنزل عليك وحيا وأنزل علي فهلمي نجتمع فنتدارس ما أنزل الله علينا فمن عرف الحق تبعه ، واجتمعنا فأكلنا العرب أكلا بقومي وقومك ! فبعثت إليه أفعل فأمر بقبة أدم فضربت ، وأمر بالعود المندلي فسجر فيها ، وقال أكثروا من الطيب والمجمر فإن المرأة إذا شمت رائحة الطيب ذكرت الباه ، ففعلوا ذلك ، وجاءها رسوله يخبرها بأمر القبة المضروبة(1/8)
للاجتماع ، فأتته فقالت : هات ما أنزل عليك ؟ فقال : ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى ، أخرج منها نطفة تسعى بين صفاق وحشا ، من بين ذكر وأنثى ، وأموات وأحيا ، ثم إلى ربهم يكون المنتهى ! قالت : وماذا ؟ قال : ألم تر أن الله خلقنا أفواجا ، وجعل النساء لنا أزواجا ، فنولج فيهن الغراميل إيلاجا ، ونخرجها منهن إذا شئن إخراجا ! قالت : فبأي شئ أمرك ؟ قال : ألا قومي(1) ....... فلما قام عنها قالت : إن مثلي لا يجري أمرها هكذا فيكون وصمة على قومي وعلي ، ولكني مسلمة النبوة إليك ، فاخطبني إلى أوليائي يزوجوك ، ثم أقود تميما معك ، فخرج وخرجت معه فاجتمع الَحيان من حنيفة وتميم فقالت لهم سجاح: إنه قرأ علي ما أنزل عليه فوجدته حقا فاتبعته ، ثم خطبها فزوجوه إياها ، وسألوه عن المهر ، فقال قد وضعت عنكم صلاة العصر ، فبنو تميم إلى الآن بالرمل لا يصلونها ، ويقولون هذا حق لنا ومهر كريمة منا لا
نرده . (2) )
وقد قتل مسيلمة ، وأسلمت سجاح ، وأسلم طليحة ، وانتهي الجميع إلي لا شيء ، وأُلقوا بالكلية هم وما كتبوه وانتحلوه وألفوه في مزابل التاريخ ، وذلك المصير المحتوم للأضحوكة أنيس شورش والأضحكات التي سماها سُورا.
طليحة الأسدي
طليحة الأسدي واحد ممن ادَّعوا النبوة ، وقال فيما زعم أنه قد أنزل عليه من قبل الوحي" إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم
شيئا ، فاذكروا الله قياما فإن الرغوة فوق الصريح " (3) ) وقد أسلم طليحة بعد ذلك .
الشيعة
__________
(1) ذكر قبحه الله هنا كلاما قبيحا ، انظر : الأغاني لأبي فرج الأصفهاني 10/39 .
(2) السابق ، قال صاحب لسان العرب : الغرمول الذكر الضخم الرخو ، وقد قيل الذكر مطلقا ، ويقال له الغرمول قبل أن تقطع غرلته ، لسان العرب11/491.
(3) انظر : البلاذري ، فتوح البلدان ، ، 1/106 ، وياقوت بن عبدالله ، معجم البلدان ، الحموي ، 1/408 ، وابن كثير ، البداية والنهاية 6/339 وقد أسلم طليحة بعد ذلك .(1/9)
الشيعة هي تلك الفرقة التي زعمت أن عليا هو الأحق في وراثة الخلافة دون الشيخين وعثمان رضي الله عنهم أجمعين .
وقد أدلى الشيعة بدلوهم الخبيث في تحريف القرآن ، وكان من أبشع ما افتراه الشيعة عليهم من الله ما يستحقون التشكيك في صحة ثبوت
القرآن ، فهذا كتاب " فَصْل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " تأليف أحد أكبر علماء النجف ، وهو الحاج ميرزا حسين محمد تقي النوري الطبرسي ( ت : 1320هـ ) ، وهو من المُعظمين عند الرافضة حياً وميتا !! ، جمع في هذا الكتاب مئات النصوص عن علماء الرافضة ومجتهديهم في مختلف العصور بأن القرآن قد زيد فيه ونقص منه ، وقد طبع هذا الكتاب في إيران سنة 1298هـ ، وقد أحدث هذا الكتاب بينهم ضجة كبرى لمخالفته لأصلهم في إخفاء مثل هذه الزندقة بالتقيّة !! ، فلم يكترث هذا الطبرسي - لعنه الله - بانتقاداتهم ، وألف ردّا على منتقديه كتاب : " رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " ، ألفه قبل وفاته بسنتين ، فكانت مكافأته بأن يدفن في أعظم مشهد مقدس عند الرافضة في النجف .
وقال عالمهم أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي (ت : 588 ) في كتابه : " الاحتجاج على أهل اللجاج " : ( إن الصحابة أسقطوا ثلث القرآن ). (1) )
ويقولون بأن الصحابة أسقطوا من سورة (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) قوله : ( وجعلنا علياً صهرك !! ) ، لتخصيص علي بكونه صهراً دون عثمان رضي الله عنهم . (2) )
__________
(1) مقدمة كتاب " الرد على الرافضة " لأبي حامد محمد المقدسي ص : 97
(2) السابق : ص : 31.(1/10)
وقد أورد الطبرسي في كتابه : " فصل الخطاب " ( ص : 180) دليلاً - يزعم - أنه يثبت نقص القرآن ، وهو أنه قد سقط منه سورة يسمونها الرافضة بسورة ( الولاية !! ، ونصّها : ( يا أيها الذين آمنوا أمنوا بالنبي وبالولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلى صراط مستقيم * نبي وولي بعضهما من بعض وأنا العليم الخبير * إن الذي يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم * والذين إذا تليت عليهم آياتنا مكذبين * إن لهم في جهنم مقاما عظيما إذا نودي لهم يوم القيامة أين الظالمون المكذبون للمرسلين * وما خلفهم المرسلون إلاّ بالحق وما كان الله ليظهرهم إلى أجل قريب * وسبح بحمد ربك وعليٌ من الشاهدين ) .
وقد صرح بهذا التحريف الكليني صاحب أصح كتابٍ عند أكذب خلق الله وهم الرافضة ، في كتابه المسمّى بـ " الكافي في الأصول " (1/288 ) روى بإسناده إلى جابر الجعفي ، قال : سمعت أبا جعفر الباقر يقول : ( ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كلّه كما أُنْزل إلاّ كذاب !! ) .
وقال في (1/239) : عن جعفر الصادق أنه قال : ( عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ؟ ، قال قلت : وما مصحف فاطمة ؟! ، قال : مصحف فيه مثل قرآنكم ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ).(1/11)
ومن تحاريفهم في القرآن من كتبهم ، ما ذكر الكليني أيضاً في كتابه السابق (1/414 ) ، محرفاً في القرآن بقوله : ( ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة بعده فقد فاز فوزاً عظيما ) ، وما تحته خط عند كل مسلم ليس من القرآن في سورة الأحزاب ، فهذه كتب أكابر أئمة الرافضة من مؤلفاتهم مصدقة بالعزو بالأرقام ، لكي تتجلى حقيقة تحريفهم للقرآن ، وعدم اعترافهم بقرآن المسلمين الذي يتعبدون إلى الله به !!. (1) )
البهائية
ثم نستمر في الرحلة فتظهر فرقة جديدة من الفرق الشيعية التي خرجت عن الملة والمعروفة " بالبهائية " التي أسسها المدعو" حسين بن علي" الذي لقبوه " ببهاء الله " ، وهذا البهاء قد طرد في عصر الدولة العثمانية من إيران فلجأ لليهود فاصطحبوه إلى قبرص حيث أسس لدعوته ثم ذهب إلي عكا 1868م وبدأ هنا يقول إن حركته ليست فرقة من الإسلام بل هي دين جديد ، وأن محمدا خاتم الأنبياء وليس خاتم الرسل ، ثم نأتي للأهم وهي دعواه أنه أنزل الله عليه كتابا وأسماه " الأقدس" ولننظر جيدا لمعني الاسم فهو ليس مقصودا به الاسم ولكنه علي وزن " الأفعل" وهي ما تعرف في العربية " أفعل التفضيل" أي أن الكتاب السابق " القرآن " مقدس ولكن هذا الكتاب هو الأقدس
منه .. وهيا نري قدسية الأقدس وبلاهة نظمه الأقدس ! ولنري منه نصا :
" ياملاء الأرض اعلموا أن أوامري سرج عنايتي بين عبادي ومفاتيح رحمتي لبريتي ، قل من حدودي يمر عرف قميصي وبها تنصب أعلام النصر علي القنن والأتلال" وهوكلام ضفدعي أهون من سابقيه وأهزل.
__________
(1) انظر في تحريف الرافضة للقرآن ، والطعن فيه : كتاب " الرد على الرافضة " لأبي حامد المقدسي (ت :888هـ ) وكتاب : " الرد على الرافضة " لمحمد بن عبدالوهاب (ت :1206هـ) ، و " الخطوط العريضة " لمحب الدين الخطيب (ت : 1389هـ )، وانظر جماعة الإخوان في الميزان للمؤلف.(1/12)
ويقول : " ليس لأحد أن يحرك لسانه ويلهج بذكر الله أمام الناس ، حين يمشي في الطرقات والشوارع " ولهم تأويلات منحرفة وباطلة لآيات القرآن الكريم منها :
إذا الشمس كورت : يؤولونها بانتهاء الشريعة المحمدية ، ومجيء الشريعة البهائية ! إذا العشار عطلت : يؤولونها بحمع الوحوش في حدائق الحيوانات في المدن ! إذا النفوس زوجت : يؤولونها باجتماع اليهود والنصارى على دين البهاء !
وقد هلك المدعو بهاء الله 1892م بعد أن ظل حبيسا يعاني من الجنون عدة سنوات ولم يفلح معه العلاج . (1) )
سلمان رشدي
وتمر الرحلة بأسماء كثيرة تحاول هدم القرآن ، ومنهم الهندي " سلمان رشدي" الذي وصفه بالآيات الشيطانية ، وفتحت له بلاد الغرب واستقبلوه استقبال الفاتحين .
رشاد خليفة
ثم ظهر لنا في نهاية الثمانينيات قزم آخر ، وهو المدعو رشاد خليفة الذي قال في البداية : إن القرآن مبني علي نظم حسابي تعلمه محمد يعتمد علي رقم تسعة عشر ، ثم كبرت معه القصة فادعي النبوة وراسل كل الملوك والرؤساء بإمضاء رشاد خليفة رسول الله !!.
أعلن – قبحه الله - في مطلع عام (1980م ) أن جبريل عليه السلام قد أتاه بالوحي ... ، وأن جبريل أمره بالإعلان عن رسالته في عام (1988م ) ، وهو تاريخ نشر بيانه في عرب تايمز بأنه رسول الله ، بدأ يدعو إلى دينه الجديد من مسجد خاص به " مسجد توسان " الذي يقال إنه قد حصل عليه من إحدى الجمعيات اليهودية الخيرية دون مقابل .
يقول رشاد خليفة : إن معجزة القرآن الكريم لا تكمن بفصاحته كما يشاع وإنما تكمن في الرقم (19) ، وأن القرآن الكريم كله مركب من رقم (19) ومضاعفاته .
__________
(1) انظر : http://www.amin.org/views/uncat/2004/dec/dec102.html(1/13)
وقد زعم هذا القزم أن هناك آيات شيطانية أقحمت على القرآن ، وهي ليست منه مثل الآيتين الأخيرتين من سورة التوبة { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيم } (التوبة:128)
أما لماذا يعتبرها مدسوسة على القرآن ؟ فيقول هذا الخرف : " إنكلمة الله تتكرر( 2298) مرة في القرآن ، وهذا الرقم من مضاعفات الرقم (19) ولو جمعت أرقام الآيات التي نجد فيها كلمة الله تجد أنها (118123) ، وهذا الرقم أيضا من مضاعفات الرقم (19) ، فإذا قبلنا هاتين الآيتين الأخيرتين من سورة التوبة لوجدنا أن النظام العددي للقرآن سوف ينهار " .
وقد نشرت أحدى الصحف الأمريكية خبرا صغيرا يقول : إن الشرطة وجدت جثة رشاد خليفة في ( فبراير عام 1990م) مضرجة بالدماء في مطبخ منزله ، وتبين بعد المعاينة أنه قتل ذبحا وطعنا بالسكاكين ، وبعد عامين على مقتله أعلن عن إلقاء القبض على بعض اتباعه بتهمة ارتكابهم لجريمة
القتل ، وأسدل الستار على رشاد خليفة ، وكان مقتل رشاد خليفة موضوع غلاف لمجلة المجلة السعودية التي تصدر في لندن ( العدد رقم 536 الصادر في 22 مايو 1990 ) . (1) )
اليهود ومحاولات التحريف
__________
(1) انظر : http://www.arabtimes.com/osama2/doc29.html .(1/14)
لا شك أن اليهود لهم محاولات كثيرة ومتنوعة من أجل تحريف القرآن والسخرية منه ، فقد أنتج أحد المصانع اليهودية أحذية وملابس داخلية للنساء مكتوب عليها آيات للقرآن أو لفظ الجلالة ، وحاولوا أيضا تغيير بعض الكلمات في المصحف ثم إعادة طباعته ونشره في البلاد الإسلامية ، لكن الله تعالى يقيد لكتابه من يدافع عنه ، فقد نشرت وكالات الأنباء الإسلامية بتاريخ (28/4/2001م) أن شرطة المصنفات فى القاهرة صادرت نسخاً من المصاحف المحرفة التي دخلت من إسرائيل ، حيث تم ضبط نسخ من القرآن الكريم وبها تحريف فى الآية (69 من سورةالبقرة) التي تتحدث عن لون البقرة التي أمر الله سبحانه وتعالي نبيه موسى - عليه السلام - بذبحها للكشف عن جريمة قتل ، فالآية الصحيحة توضح أنها بقرة صفراء فاقع لونها ، بينما تورد النسخ المحرفة المضبوطة أن لونها أحمر " لتتوافق بذلك مع ما جاء فى التوراة التي يحملها اليهود الآن بعد تحريفها ".
كما اشتملت النسخ المصادرة من هذه المصاحف على تحريف في نفس السياق ، في الآيات (11 و93 من سورة آل عمران والآية 34 من سورة التوبة والآية 51 من سورة النساء) .
وكانت القاهرة قد قامت بحملة شديدة واسعة النطاق من قبل الحكومة المصرية على المكتبات ومحلات بيع الكتاب لمصادرة مصاحف محرفة مهربة من إسرائيل ، تقدر بألفي نسخة ، فيها تغيير لمعاني القرآن الكريم ، وقال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في القاهرة: وجدنا بعض هذه المصاحف في السوق محرفة ، وتم ضبطها ، وتجري الآن حملة تفتيش على جميع المكتبات في جميع محافظات مصر ، وكل من يضبط عنده مصحف محرف سوف يحال للنيابة العامة والتحقيق . (1) )
شورش وكتابه المضحك
__________
(1) انظر : http://www.bab.com/news/full_news.cfm?id=2541(1/15)
وليتسلم العصا بعد كل هؤلاء الطفل اليهودي البائس " أنيس شورش" الذي ظن من جهالته أن هذه هي المحاولة الأولي لنظم نص يعارض القرآن ويحاكيه ، وهاقد أوضحنا أن تلك هي المحاولة المائة بعد الألف ، ولم تنل أيٌ منهم شرف معارضة حرف وليس سورة من القرآن .
وسنعرض في هذا البحث لهذا الافتراء الذي ادعاه هذا الشورش .(1/16)
الفصل الثالث
تعريف بالفرقان الأمريكي
**************************************
قبل مناقشة هذا الكتاب المهزلة سوف أعرفك في هذه العجالة بهذا الكتاب ومؤلفه .
مؤلف القرآن الأمريكي
كتب هذا الكتاب مؤلف رمز لنفسه باسم " الصفي والمهدي" وهو يَدعي إن وحيا نزل عليه لأجل إصدار هذا الكتاب .
وقد انكشفت أخيرا شخصية هذا القزم والذي لقب نفسه بالمهدي المنتظر واسمه : " الدكتور أنيس سورس" وفي بعض الترجمات الأجنبية " أنيس شورش" Anis Shorrosh ، وقد صرح باسمه الحقيقي لأول مرة في موقع ' أمازون ' علي الإنترنت للترويج للكتاب(1) ، فمن هو هذا الشورش ؟
هو أنيس شورش ، ولد بفلسطين ، وهو من أصل عربي فلسطيني ، ثم هاجر إلي الأردن ، وواصل دراسته بجامعة ميسيسيبي Mississippi colleg ، وقبل حصوله علي الدكتوراة درس في جامعة Orleans Baptist new theological seminary حصل علي الدكتوراة مرتين من جامعة America Institute of Seminary Ministry Dayton Tennessee وجامعة International Luther Rice ، وكان يعمل في الأرض المحتلة مع اليهود ، ومن ذلك عمله في كنيسة أورشليم بابتس في القدس المحتلة. كما كان يعمل في Judea وفي Samaria من سنة 1959 إلي 1966م .
عمل كقسيس لمدة (40) سنة ما بين إسرائيل وأمريكا ، وعمل مُنَصراً في
بلدان إفريقيا : كينيا ، كيبتاون ، دوربان ، جوهانسبرغ ، في التسعينات
وفي سنة 1995م عمل في نيوزيلندا... ثم انتقل إلى إنجلترا... ثم إلى البرتغال.
ناظره الشيخ " أحمد ديدات " - رحمه الله - مرتين :
المرة الأولى : سنة (1980) في لندن والموضوع : هل عيسى إله ؟ حضر المناظرة (5000) شخص .
المرة الثانية : في برمنجهام ، والموضوع : القرآن والإنجيل : أيهما كلام
الله ؟ وحضرها (12000 ) نفر.
__________
(1) 1 ) انظر: http://saaid.net/Doat/ahdal/54.htm(1/1)
وقد ألف كتابا بعد المناظرتين بعنوان: Islam revealed : A Christian Arabic’s View Of Islam. ، وذكر أن هذا الكتاب يوضح للناس أن الإسلام يقتل شخصا من كل خمسة أشخاص في العالم ، وذكر فيه مناظرته مع الشيخ ديدات.
اتهم الإسلام بأنه يتضمن عقائد خاطئة... وفيه الكثير من الأخطاء ، وأنه دين الإرهاب ، ويدعو إلى القتال وسفك الدماء ، وأن المصدر الأول لهذا هو القرآن ؛ ولذا لا بد للمسلين أن يستبدلوا بالقرآن قرأنه الذي سماه " الفرقان الحق" ، وقال عن قرآنه هذا " قرآني أَجْود . كتبته باللغة العربية الجيدة وترجم إلى اللغة الإنجليزية الجيدة " (1) .
وشورش أو سوروس هذا له باع طويل في مهاجمة الإسلام والمسلمين فعلى سبيل المثال : بعد يومين من أحداث( 11 سبتمبر 2001م ) قام بإلقاء محاضرة حاقدة في جامعة " هيوستن " في الولايات المتحدة الأمريكية دعا فيها إلي إبادة المسلمين ، لأن الإسلام دين إرهاب وسفك دماء على حد زعمه ، وأن القرآن هو المصدر الأول للإرهاب ، وأنه يجب القضاء علي هذا القرآن للقضاء علي الإرهاب ! واقترح علي الحكومة الأمريكية طرد أي مسلم من أمريكا ، وتجميع كل المسلمين في منطقة الشرق الأوسط ، ثم إبادتهم بالقنابل النووية ، وطلب
الدعاء إلي الله كل ليلة سبت لإزالة الإسلام والقرآن!!
وكانت محاضرته في الجامعة في غاية العنصرية والحقد ، واحتوت علي العديد من البذاءات والشتائم ضد الإسلام مما اضطر رئيس الجامعة إلي الاعتذار عنها في اليوم التالي !! .
قام شورش بشراء أشهر قناة تلفزيونية في إندونيسيا وسلم إدارتها للنصارى الإندونيسيين. (2)
__________
(1) انظر: مجلة: Gatra رقم 25 11 مايو 2002م http://www.messiahsgifts4u.com/truefurquan.html
(2) انظر: http://www.saaid.net/Doat/ahdal/54.htm(1/2)
حاول أن يكسب الكاتب القزم تعاطف القراء حينما يقول في مقدمة كتابه : " إن والده وابن عمه قد قتلا جراء عملية اجتياح شنتها القوات الإسرائيلية علي بلدته لأسر المقاومين ، مما جعله يهرب هو وأسرته إلي الأردن ، وكان ذلك في
( يناير عام 1976م) " !!.
ويعرف شورش نفسه من خلال كلمة خاطب بها المسلمين باللغة الإنجليزية مفسرا ذلك في عرفه أن كلمة (I Sincerely Love All Muslims) أي إنني أحب بكل الصدق والإخلاص كل المسلمين ، وأن هذا هو السبب الحقيقي وراء إصدار هذا الكتاب الذي يصفه بأنه التتمة الهامة لكتابه السابق : كشف حقيقة الإسلام.
كما نشر له موقع ( think – Israel ) الصهيوني مقالا تحت عنوان:
" الإسلام يستهدف أمريكا في مخطط يمتد عشرين عاما " ويتحدث فيه عن حقيقة تأليفه لكتاب " الفرقان الحق " وكيف أنه جاء ليتحدى قرآن المسلمين في كل شيء " جوهره ، أسلوبه ، لغته ، ومحتوياته " ، كما أنه يري أن المسلمين اعدوا خطة بعيدة المدى لغزو أمريكا مع حلول عام 2020م ! في الوقت الذي يستغرق فيه الأمريكيون في النوم مثلما فعلوا عندما هاجمونا مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر!
ويواصل شورش التعريف بنفسه في هذا المقال علي أنه عضو هيئة التدريس في
جامعة أوكسفورد ، وقام بزيارة أكثر من (76) دولة علي مستوي العالم ، وهو كاتب متخصص في كشف حقيقة الإسلام ، وتعريته أمام المجتمع العالمي ، ومتحدث لبق في العديد من المحطات والقنوات التليفزيونية العالمية
ويصف شورش كتابه بأنه الكتاب الذي يتحدى القرآن في مقتل ، ويفند مزاعم المسلمين ، وأنه كتاب خالد يتحدى أي مؤلف ، وذلك من خلال الكتابة الشعرية والنثرية والمترجمة للغتين العربية والإنجليزية جنبا إلي جنب!(1/3)
ويضيف قائلا : إن المسلمين يزعمون أن القرآن جاء متحديا للعالم كله منذ (1400 سنة) ، لذلك لم يستطع أحد تأليف كتاب مشابه له يناسب العصر ويجمع ما بين التوراة والإنجيل ، ويقدم تفسيرا معاصرا لكل الأديان الثلاثة ، إلا أن الفرقان الحق جاء ليدحض هذه المقولة !!!
ويضيف : لذلك جاء كتاب الفرقان الحق ليكون نقطة الضعف الجديدة للعرب والمسلمين التي يمكن اختراقهم من خلالها بعد أن نفينا أسطورة قرآنهم وتحديه للعالم منذ(1400 سنة) ، وليكون هذا الكتاب هو القرآن الحقيقي الذي يشرح معاني التوراة والإنجيل ورسالة المسيح في الأرض أيضا
ويقول : إن قرآن محمد نبي المسلمين استغرق(23) سنة من الوحي ، أما أنا فلم استغرق أكثر من(7) سنوات لإصدار القرآن الجديد ، ومكتوب باللغتين الإنجليزية والعربية ، وليس العربية فقط حيث بدأت العمل به فعليا في (عام 1999م ) !
وزعم أن القرآن الكريم احتوي علي أكثر من (100) خطأ لغوي في قواعد النحو ، أما الفرقان الجديد فليس به أخطاء ، كما أن كتابي يحتوي علي الحقائق وليس علي مجرد نكات مثل القرآن!! .
وبعد أن عرفنا هذا الشورش بنفسه ، هذا تعريف موجز بالكتاب :
الاسم : الفرقان الحق .
عدد الصفحات :)366) صفحة مقاس 15 × 20 سم
عدد السور: اشتمل هذا الفرقان الباطل على : المقدمة والبسملة والخاتمة ثم (77 ) سبعا وسبعين سورة .
أسماء سور الفرقان
كل سورة من سور هذا العفن تتكون من عدد من الآيات يتفاوت ما بين عدد أصابع اليد الواحدة أو أصابع اليدين والقدمين لا يزيد عن ذلك ، وقد اشتملت هذه السور على موضوعات تكاد تكون مكررة في كل سورة بصورة مملة ، وهذا جدول بأسماء وعدد آيات وأهداف سور هذا العفن الأمريكي :
السورة ... آياتها ... الموضوع
البسملة ... 7 ... التثليث
الفاتحة ... 7 ... تمجيد للفرقان
المحبة ... 10 ... الدعوة للاستسلام
النور ... 7 ... تمجيد للفرقان والدعوة للإيمان به(1/4)
السلام ... 15 ... انتشار الإسلام بحد السيف - التنصير
الإيمان ... 8 ... اتهام المسلمين بتحريف الإنجيل
الحق ... 10 ... تمجيد الفرقان – إنكار الرسالة
التوحيد ... 14 ... الدعوة للتثليث
المسيح ... 27 ... صحة الإنجيل ، واتهام المسلمين بالنفاق
الصلب ... 17 ... إثبات صلب المسيح
الروح ... 7 ... تشويه الاستشهاد والجنة
الفرقان الحق ... 27 ... تمجيد الفرقان والإنجيل
الثالوث ... 31 ... التثليث - إنكار أسماء الله الحسنى
الموعظة ... 7 ... ترك الجهاد – تشويه صورة الرسول S
الحواريون ... 14 ... التنصير - تشويه صورة الرسول S
الإعجاز ... 13 ... تشويه صورة الرسول S
القدر ... 11 ... تمجيد الفرقان - لا نبي بعد عيسى
المارقين ... 15 ... تشويه صورة المسلمين
الأضحى ... 10 ... التنصير – تشويه الأضاحي
الأساطير ... 6 ... تشويه صورة الرسول S والمسلمين
الجنة ... 15 ... تشويه الجنة
المحرضين ... 16 ... تشويه صورة الرسول S .
البهتان ... 12 ... الإيمان بالإنجيل – تشويه صورة الصحابة
اليسر ... 7 ... تشويه الإسلام
الفقراء ... 8 ... سب المسلمين
الوحي ... 18 ... سب المسلمين – تمجيد الفرقان
المؤمنين ... 7 ... تمجيد النصرانية – تمجيد الفرقان
التوبة ... 7 ... الإيمان بالإنجيل والفرقان
الصلاح ... 8 ... نفي للولاء والبراء ترك الجهاد
الطهر ... 13 ... التعدد - الطلاق
الغرانيق ... 15 ... شبهات حول المرأة
العطاء ... 14 ... القصاص والجهاد – الإسلام نُشر بالسيف
النساء ... 16 ... شبهات حول وضع المرأة في الإسلام
الزواج ... 7 ... تجريم التعدد – الطلاق
الطلاق ... 12 ... الطلاق - تشويه صورة الرسول S
الزنا ... 13 ... تعدد الزوجات
المائدة ... 5 ... التنصير
المعجزات ... 8 ... تأييد الفرقان بالمعجزات
المنافقين ... 17 ... تشويه صورة الإله عز وجل
القتل ... 15 ... الإسلام نُشر بالسيف
الجزية ... 14 ... تحريم القتال – الجزية(1/5)
الإفك ... 18 ... التنصير- الإسلام نُشر بالسيف
الضالين ... 9 ... التثليث – تشويه الجنة والشهداء
الإخاء ... 15 ... تشويه تعاليم الإسلام – الإيمان بالإنجيل
المهتدين ... 8 ... تشويه الإسلام والمسلمين - القصاص
طوبى ... 14 ... التنصير
الأولياء ... 12 ... تشويه معنى الشهادة – تمجيد الفرقان
إقرأ ... 14 ... إنكار الأسماء الحسنىتشويه الإسلام
الكافرين ... 12 ... التنصير – تحقير المسلمين
الخاتم ... 14 ... تشويه المسلمين – تمجيد الفرقان
الإصرار ... 11 ... تشويه الإسلام - الجنة
التنزيل ... 8 ... تمجيد الفرقان والإنجيل
الصيام ... 9 ... العبادات في الإسلام
الكنز ... 6 ... الإيمان بالإنجيل
الأنبياء ... 18 ... سب الرسول S ، لا نبي بعد عيسى
الماكرين ... 18 ... تحقير الرسول S والمسلمين – القصاص
الأممين ... 12 ... تحقير الرسول S والمسلمين
المفترين ... 7 ... تحقير الرسول S والإسلام والمسلمين
الصلاة ... 10 ... تحقير الصلاة والمصلين
الملوك ... 8 ... تشويه صورة الإله – الإسلام نُشر بالقوة
الطاغوت ... 12 ... تشويه الرسول S والاسلام – القصاص
النسخ ... 14 ... النسخ في القرآن – القرآن غير معجز
الرعاة ... 6 ... تشويه الإسلام والمسلمين
الشهادة ... 7 ... تشويه صورة الرسول S
الهدى ... 11 ... تشويه صورة الرسول S والمسلمين
الإنجيل ... 6 ... تمجيد الإنجيل – تحقير المسلمين
المشركين ... 30 ... وجوب عصيان الرسول S
الحكم ... 14 ... تمجيد الإنجيل – القصاص
الوعيد ... 7 ... تشويه صورة الرسول S والمسلمين
الكبائر ... 15 ... تشويه الجنة
التحريف ... 8 ... تمجيد الإنجيل والفرقان
العاملين ... 13 ... الدعوة للردة عن الإسلام
الآلاء ... 10 ... تحقير تعاليم الإسلام
المحاجة ... 8 ... التنصير
الميزان ... 13 ... تشويه الإسلام – التعدد - الطلاق
القبس ... 8 ... التنصير
الأسماء ... 25 ... إنكار الأسماء الحسنى .(1/6)
الشهيد ... 8 ... اتهام المسلمين بقتل مؤلف الفرقان
لاحظ أن السور التي المظللة من أسماء سور القرآن الكريم.
اللغة : طبع هذا الهباب المسمى بالفرقان باللغة العربية واللغة الإنجليزية
ولعلك أيها اللبيب ستدرك من أول وهلة السر في كون الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية ، فالعربية لأن العرب هم المقصودون من الكتاب ، ولأن الإنجليزية هي من أهم اللغات العالمية ، والأكثر شيوعا في العالم ، وهي لغة المؤلف – قبحه الله – لذا كانت ضمن اللغات التي كتب بها هذا الكتاب.
دار النشر: كان الجزء الأول من 'الفرقان الحق' قد صدر في مطلع هذا العام عن دارين للنشر في أمريكا هم : (وميجا 2001 OMEGA 2001 ، و واين بريس " WINE PRESS ) الأولى معنى اسمها المقاومة لسنة 2001 ، والثانية معنى اسمها معصرة النبيذ" تمهيدا لإصدار إثنى عشر جزءا أخرى كتتمة له خلال السنوات الخمس القادمة (1).
ثمن الكتاب : ذكرت مجلة الفرقان التي تصدرها أسبوعيا جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت أن النسخة الواحدة تباع بما يساوي 3 دولارات.
ويباع الكتاب حاليا في المكتبات المختلفة في أمريكا وإسرائيل ولندن وبعض دول الاتحاد الأوربي ، ويباع الكتاب المهزلة عبر شبكه الإنترنت بمبلغ( 19,95 ) دولارا للنسخة الواحدة ، شاملة تكاليف الإرسال لأي مكان بالعالم !
أماكن نشر الكتاب
إن الأمنية التي يحلم بها هؤلاء الُمرْجفون هي أن يدخل هذا الكتاب بيت كل مسلم ؛ بل قلبه وعقله ، ولكن لأنهم يعلمون علم اليقين أن هذا الكتاب لا يقبله أي مسلم في العالم ، وحتى لا يصطدموا مع مشاعر المسلمين بدأوا أولا في عرضه في الأماكن الآتية:
- نشر الكتاب في المكتبات المختلفة في أمريكا بصفتها راعية الحملة على الإسلام.
- و نشر الكتاب أيضا في لندن بصفتها راعية الإرهاب والانحراف ، فما موقفها من سلمان رشدي - مسيلمة القرن العشرين- منكم ببعيد.
__________
(1) انظر:http://www.alarabonline.org/index.asp?fname(1/7)
- كما تم توزيع ونشر الكتاب في بعض دول الاتحاد الأوربي .
- وقد أعطت أمريكا لربيبتها إسرائيل نسخا عديدة من هذا الكتاب.
- وذكرت مجلة الفرقان أن هذا الكتاب يوزع في الكويت علي" المتفوقين" من الطلبة في المدارس الأجنبية الخاصة.. التي أصبحت مرتعا خصبا
للمنصرين ، للتأثير علي فلذات أكبادنا ، وبث ثقافة الاستسلام في أذهان الأجيال القادمة من أبنائنا وبناتنا ، حتى يردوهم عن دينهم الإسلامي الحنيف ، لا سيما أن الشباب يمثلون طموح الأمة وقادة المستقبل ، فها هي أصابع التغيير وجهود التنصير ومخاطر حقبة السلام تتسلل إلى عقول أبنائنا وتعبث بمعتقداتهم وقيمهم وأفكارهم ، حرب باردة خفية تدور علي أبنائنا في ظل غفلتنا وانشغالنا بأعباء الحياة ، وتكالب الأعداء علي أمتنا الإسلامية!. (1)
والسؤال : لماذا أُخْتيرت الكويت مقراً لهذه العملية ؟ وهل الشرفاء في الكويت سيسيطر عليهم الصمت والجمود وكتاب الكفر يوزعون أباطيلهم بأراضيكم ، إن الأمور أخطر مما تتصورون ، فأمة الإسلام لا يمكن أن تحنى رأسها لحرب إعلامية ولمزيد من الدمار(2).
- والغريب أنه تم إعطاء السلطة الفلسطينية عن طريق إسرائيل نسخا عديدة منه تمهيدا لتدريسه في المدارس الفلسطينية!!
والسؤال لماذا فلسطين بالذات ؟ وتبدو الإجابة سهلة وبسيطة عند مطالعة ما جاء في هذا الكتاب الأضحوكة فالكتاب يخدم الأهداف الإسرائيلية ، فهو يدعو للاستسلام ، والرضا بالأمر الواقع ، ومقابلة الاعتداء بالحب والسلام ، ويحذر من القتال والاستشهاد !!
__________
(1) 1 ) انظر : http://www.alarabonline.org/index.asp?fname
http://islammessage.com/vb/lofiversion/index.php/t1
(2) 2 ) انظر : http://www.alarabonline.org/index.asp?fname(1/8)
- ويُشير أحد التقارير إلي أن الكتاب تم توزيعه علي السفارات العربية والإسلامية في كل من باريس ولندن وواشنطن ، والعديد من الهيئات والمنظمات الإسلامية والعربية في أوربا بتاريخ ( 17 /4/ 2004م ).
- كما تسلمت هيئة الإذاعة البريطانية ( BBC ) نسخا من الكتاب بتاريخ
( 20 إبريل 2004م ).
- كما أُرسِلت نسخ منه بتاريخ ( 15 مايو 2004م) إلي كل المجلات والمطبوعات الدورية التي تُطْبع في القدس مترجما إلي كل من العربية والإنجليزية والعبرية.
- كما تسلمت بتاريخ 17 مايو أيضا كل المطبوعات والمجلات الصادرة باللغة العربية في لندن نسخا من الكتاب.
- كما يباع الكتاب الكارثة علي شبكة المعلومات الدولية" الإنترنت" في العديد من المواقع ، مثل موقع " أمازون " (1) الشهير وغيره من المواقع ، والملاحظ أنهم في هذه الفترة لم يعملوا على تعميم الكتاب في البلاد
الإسلامية ؛ لأنهم يدركون جيدا أن رد الفعل الرسمي وغير الرسمي سوف يكون قاسيا ، فكانت هذه المرحلة مرحلة تمهيدية ، لجس نبض الشارع الإسلامي ، ولا يعلم مافي غد إلا الله .
الجهود الأمريكية والصهيونية لنشر هذا الكتاب
__________
(1) وإني لأدعو كافة الإخوة الذين يجيدون اللغات الأجنبية أن يفتحوا موقع الأمازون ، وينصروا كتاب الله بالرد على هذه السخافات ، وعمل ما يقدرون عليه في كشف وفضح هذا اليهودي الذي هزمه الشيخ أحمد ديدات في لقائين كبيرين ، فاغتنم فرصة موت الشيخ رحمه الله وأخرج غيظ قلبه في هذا الكذب والتحريف.(1/9)
ذكر وليد رباح رئيس تحرير " صوت العروبة" التي تصدر في أمريكا ، حادثة جرت له في مطلع هذا العام ، تتعلق بنشر ذلك " الفرقان الحق" قائلا: قبل أشهر .. اتصل بي أمريكي يتحدث اللغة بلهجة أهل تكساس وقال: أنا القسيس " إلياهو" ، وأريد أن أقابلك علي وجه السرعة ! قلت له: قسيس!؟ كيف تكون قسيسا واسمك يا سيدي الياهو ؟ لو قلت لي جورج ، ديفيد ، سام لصدقتك ! فقال لي بعد أن سمعت ضحكته علي الهاتف : إن معي هدية ثمينة لك ! فقلت له: علي أي حال أنا علي استعداد للقائك ، أين ومتي ؟ قال : في جريدة صوت العروبة ، قلت : هل تعرف المكان ؟ قال: احفظه عن ظهر قلب !! قلت له : تفضل ، وذهبت فورا إلي طاقم الجريدة في قاعة التحرير، وقلت لهم مضمون ما حدث ، وطلبت إليهم أن يكونوا علي أهبة الاستعداد إن حدث مكروه ويبدو أن الرجل كان يتحدث من هاتفه المحمول ، فما هي إلا دقائق ووجدته أمامي ، رجل طويل القامة أشقر الشعر ، يرتدي بدلة منمقة ويحمل بيده شنطة من نوع " سمسونايت " ، وقال لي بلغة مكسرة ممطوطة : شلام العليكم ، فقلت له : وعليكم السلام ، تفضل واجلس ، فقال : لا أريد أن آخذ من وقتك الكثير ، ثم فتح حقيبته وأخرج منها شيئا ملفوفا بورق فضي لامع وقال : تفضل هذه هديتي لك ، قلت له مازحا : أمتأكد أنت أنها ليست قنبلة ؟ فأنا أعرف عاداتكم تماما ، فضحك وقال : بل هي حياة جديدة أعرضها عليك ، وقام بفض الغلاف الفضي ، وقدم لي كتابا قرأت عنوانه بالعربية " الفرقان الحق" وتركته يتحدث علي سجيته في الاقتصاد والسياسة والمال والأعمال والحياة التي سأعيشها لمدة تزيد علي نصف ساعة دون أن أقاطعه ، ثم قلت له: كم ؟ فقال : ماذا تعني ؟ قلت له ثانية: كم ؟ فضحك وقال : أقصاه واحد ، وقلت له : بل اثنين ، فقال : ليكن ، فقلت له : ماذا تعني بواحد أو اثنين ؟ قال: مليون أو اثنين مليون دولار ، قلت : وما شروطك ؟ قال : أن يُنْشر هذا الكتاب علي حلقات في " صوت العروبة(1/10)
" شرط أن تضاعف الطبعات لمراتٍ عشر علي الأقل .
قلت له : نحن صحيفة صغيرة ومتواضعة فلماذا لا تذهب إلي الصحف المشهورة والعالمية ؟ قال: نحن لا نريد حاليا إلا الجالية العربية والمسلمة في أمريكا ونحن نعرف أن الجالية العربية والإسلامية في أمريكا تقرأ " صوت العروبة " ، ثم تململ الرجل في جلسته وقال: لقد أخذت من وقتك الكثير سوف اتصل بك لاحقا لتعلن لي موافقتك وتحدد ميعادا للنشر.
ويضيف رئيس تحرير صوت العروبة قائلا: غادر الرجل ، وفتحت الكتاب فإذا به باللغتين العربية والإنجليزية معا : وقرأت مقدمته التي تقول : " إلي الأمة العربية خاصة.. وإلي العالم الإسلامي عامة سلام لكم ورحمة من الله القادر علي كل شئ .. يوجد في أعماق النفس البشرية أشواق للإيمان الخالص والسلام الداخلي والحرية الروحية والحياة الأبدية.. وإننا نثق بالإله الواحد الأوحد بأن القراء والمستمعين سيجدون الطريق لتلك الأشواق من خلال الفرقان الحق .. إن خالق البشرية يقدم هذه البركات السماوية لكل إنسان بحاجة إلي النور بدون تمييز لعنصره أو لونه أو جنسه أو لغته أو أصله أو أمته أو دينه.. فالله يهتم كثيرا بكل نفس علي هذا الكوكب أوحي إلي الصفي.. ترجم معانيه المهدي !! ".
ثم تصفح رئيس التحرير الصفحة الأولي منه فإذا بها البسملة التي تقول: باسم الآب الكلمة الروح الإله الواحد الأوحد (2) مثلث التوحيد موحد التثليث ما تعدد (3) فهو آب لم يلد (4)كلمة لم يولد (5) روح لم يفرد (6) خلاق لم يخلق (7) فسبحان مالك الملك والقوة والمجد ، من أزل الأزل إلي أبد الأبد.(1/11)
ثم عرج علي سورة الفاتحة التي تقول" : هو ذا الفرقان الحق نوحيه فبلغه للضالين من عبادنا وللناس كافة ولا تخش القوم المعتدين (2) مهيمن يحطم سيف الظلم بكف العدل ويهدي الظالمين (3) ويهدم صرح الكفر بيد الإيمان ويشيد موئلا للتائبين (4) وينزع غل الصدر بشذي المحبة ويشفي نفوس الحاقدين (5) ويطهر نجس الزنى بماء العفة ويبرئ المسافحين (6) ويفضح قول الإفك بصوت الحق ويكشف مكر المفترين(7) فيا أيها الذين ضلوا من عبادنا توبوا وآمنوا فأبواب الجنة مفتوحة للتائبين.
ثم يعلق علي الكتاب قائلا : هالني هذا الكلام الركيك الذي لا معني له ؟ فقلت في نفسي ضاحكا من نفسي : إذا كان المهدي لا يعرف اللغة العربية علي أصولها ، ولا يستطيب فخامتها وجزالتها ، ولا يعرف مفرداته فكيف لي أن لا أفرح بهذا الهراء ، وجدت نفسي أفتح القرآن الكريم علي سورة الفاتحة فأقرؤها بكل تمعن ، إن الفرق كالفارق بين الحي والميت ، ولا أدري ما الذي جعلني أسرح بخيالي إلي مسيلمة الكذاب ، وكيف انتهي به الأمر ؟ ، فقلت في نفسي : رغم أن مسيلمة كان يوصم بالكذاب إلا أنه كان أفضل لغة من هذه المسخرة.
في الأسبوع التالي قابلت الشيخ الفاضل الدكتور" محمد القطناني " إمام مسجد 'باسيك " بمدينة " باترسون " فقلت له الأمر دون تفصيلات فلم يملك إلا أن ضحك.. ولم يجبني بكلمة واحدة .. إلا إنني قرأت علي ملامحه رده السريع { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر:9)(1/12)
ثم مر أسبوعان ورن جرس الهاتف معلنا صوت الياهو: ها.. ماذا قلت يا سيدي ؟ قلت علي الفور: أوافق بشرط واحد ، وصدقوني أنى من خلال أسلاك الهاتف شعرت بالفرحة الطاغية تكتنف الرجل وقال: شرطك مقبول دون مناقشة ، قلت : ألا تعرف الشرط أولا .. قال : طالما أنك وافقت علي النشر فتلك غايتي .. أما شروطك فكلها مجابة .. قلت : اشترط أن تكون هناك مناظرة بينك وبين أي شيخ تختاره أنت من الجالية العربية المقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية.. وسأؤمن له شروط هذه المناظرة .. وسأنشرها قبل نشر كتابك .. سكت فجأة لثوان خلتها دهرا قبل أن تأتيني أجابته: دعني أفكر
بالأمر ، قلت : الأمر لا يحتاج إلي تفكير ، وتابعت مازحا : إلا إذا كنت تريد استشارة " شارون" أو" نتنياهو" أو الحاخام " غورين" أو غيرهم .. قال ضاحكا : الحاخام غورين مات منذ زمن.. ألا تدري بذلك ؟ قلت بلي ، وإني أحفظ حتى تاريخ موته ، قال: إن ذاكرتك لم تزل جيدة ، قلت: كيف أنسى تاريخ موت الذي اقترح علي " دايان " بعد احتلال القدس أن يدمر المسجد الأقصى بمائة كيلو جرام من مادة الـ ( تي إن تي) شديدة الانفجار.. ؟ قال جادا: أنت تفكر بطريقة لا نستطيع معها التفاهم.. ومع هذا فإني سأتصل بك لاحقا .. ثم أقفل الخط في وجهي.. ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.. وأنا انتظر إجابة الياهو علي العرض الذي قلته له..ذلكن ذلك اليوم أبدا لن يأتي!.
انتهت شهادة رئيس تحرير الصحيفة العربية الوحيدة الصادرة باللغة العربية في أمريكا.(1)
وقفات مع مؤلف هذه السخافات
من خلال قراءتي المتأنية لهذا العفن المسمى " بالفرقان الحق " تبين لي أن المؤلف انفرد عن سابقيه بأمور ترشحه لجائزة أغبى رجل في العالم ومن هذه الأمور :
أولا : الجهل بالتاريخ الإسلامي
__________
(1) انظر: جريدة الأسبوع الاثنين / 6/12/2004، عدد 403.(1/13)
كتب مؤلف هذا العبث في مقدمته نصا بالإنجليزية ليثبت لنا به كاتبه أو كاتبوه أنهم لا يعلمون إلا أَماني من العلم عن الإسلام وتاريخه ، وكان الأجدر لمن يعني بهذه المهمة أن يتعلم أولا حتى لا يكون سخرية عند من يقرأه ، والنص الإنجليزي الذي جاء في التقدمة نعرضه كما يلي:
1400 years ago the Quran challenged the world to produce a book like itself. Now for the first time in history, The True Furqan presents the gospel message in a unique style.
والترجمة للنص هي : يقول أنيس شورش إنه منذ ألف وأربعمائة سنة القرآن يتحدي البشرية أن تُبْدع شيئا مثله والآن نحن نقدم الفرقان الحق وهي الدعوة الإنجيلية بالأسلوب القرآني. انتهي كلامه.
فمن شدة الغفلة وتمام الجهل اعتبر الكاتب كتابه الأضحوكة يملك ميزتين جديدتين بغير سبق :
الأولي : أنه أول تحد قائم لمحاكاة تقليد ومعارضة أسلوب القرآن بمثله ، وهذه الأحدوثة تنبئ عن جهل مطبق ، وفقر شديد في العلم ، وضحالة في الفكر تليق بهذا الطفل التائه المدعو" أنيس شورش" ، فهو من فرط جهله لا يعرف أن القرآن للمرة المائة بعد الألف الذي يتعرض لمحاولة محاكاته والتناص معه.
أما الأخرى : أنه اعتبر أن ذلك مضاهاة للقرآن ، وكسر للتحدي وذلك إثبات أكثر أن الرجل به شيئان لا ثالث لهما : إما أنه مخبول ، وإما أنه مخبول .
نعم لم يأت مؤلف الكتاب بنص يعارض ويحاكي القرآن مثلما زعم بأنه أتي ببدع من المثل للقرآن لم يسبقه إليه سابق ، بل إنه لم يصل حتى لمستوى المحاولات الركيكة لأجداده مسيلمة وغيره ، فالسابقون مثلا قد ابتعدوا عن كلمات القرآن ولكنهم حاكوا نظمه وتراكيبه ، مثل قول مسيلمة والحمام واليمام وقصور الشام علي نظم القرآن في { وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } (الفجر/1: 3) فقد حاكي القرآن ولكنه لم يتناص معه باللفظ .(1/14)
كذلك يلاحظ أن أسماء طائفة من سور " الضلال المبين " قد أُخِذَتْ من أسماء سور القرآن الكريم ، مثل " النور والنساء والمنافقين والطلاق" أى أن من افْترَوْا هذا " الضلال المبين " لم يَسْطُوا فقط على نصوص آيات القرآن ليصنعوا منها هذا الترقيع الرقيع ، بل سَطَوْا على أسماء بعض سوره الكريمة ، وإن كانوا قد نقلوها من محلها الطاهر الشريف إلى ذلك الكنيف ! على أن سرقَتهم لكلمات القرآن وعباراته وتركيباته وصوره وفواصله لا تجعل مع ذلك من " بهتانهم " كلاما معجزا ، لماذا ؟ لأنهم يفعلون ما يفعله الخياط الغبى الذى يأتى إلى أفخم الحُلَل والملابس فيقتطع من كل منها مِزْعة ثم يشبك هذه المِزَع بعضها مع بعض . وبطبيعة الحال لن ينتج عن ذلك إلا مرقّعة كمرقّعات الدراويش تبعث على السخرية أو على الرِثاء أو عليهما معا ! ذلك أن هؤلاء الأوغاد لم ينجحوا قط فى أن يضعوا ما يسرقونه من نصوص القرآن فى مواضعها وسياقها ، بل يضعونها فى إطار يختلف عن إطارها الذى نُقِلَت منه ، علاوة على أن أولئك اللصوص لا يحسنون عملية لزق النصوص المسطوّ عليها ، إذ إنها كثيرا ما تأتى متنافرة لا انسجام بينها ، فضلا عن أن الفواصل (أى نهايات الآيات) ، التى يسرقونها هى أيضا من القرآن ، لم يتصادف أن جاءت ولو مرة واحدة كما ينبغى أن تأتى الفاصلة الجيدة قارَّةً في مكانها حاسمةً فى موسيقيتها ومعناها ، بل يشعر القارئ أنهم قد اجتلبوها اجتلابا لا لشىء غير أن يُنْهُوا الآية بالسجع .
أمثلة على هذا الانتحال
مثلاً في قوله تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ
الْبَعِيدُ } (إبراهيم:18)(1/15)
يقول شورش : " ومثل الذين كفروا وكذبوا بالإنجيل الحق أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال الأكيد" (سورة الثالوث /18)
وفي قول الله تعالى : { هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ
مُحِيطٌ } (آل عمران:119، 120)
يقول شورش : "يا أيها الذين آمنوا من عبادنا ها أنتم أولاء تحبون الذين يعادونكم ، وهم لا يحبونكم ، وإذا لقوكم قالوا: آمنا بما آمنتم وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ، وإن تمسسكم حسنة تسوءهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ، وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ً، ولا يضرون إلا أنفسهم وما يشعرون"(سورة الخاتم /1).
فهو يحاول أن ينسج على منوال القرآن الكريم ، وهذا دليل على سخف عقل كاتبه ، فأين هذا الكلام الركيك من ذلك النص البليغ ؟(1/16)
كذلك فإنهم إذا أضافوا شيئا من عندهم كما يقع أحيانا لم يجيئوا إلا بكلام ركيك ثقيل الظل وَخيم الأنفاس ! زِدْ على ذلك ما تقوم عليه المسألة كلها من سماجة ليس لها من مثيل ، إذ هم يسطون على القرآن ألفاظا وعبارات وتراكيب وصُوَرا وفواصل وينتحلونه لأنفسهم ثم يستديرون له بعد ذلك كله مُزْرِين عليه زاعمين أنه من وسوسة الشيطان ! إنهم أشبه بخادمة لِصَّة دنيئة حقيرة قبيحة سليطة اللسان تسرق من سيدتها بعض ملابسها التى لا تستطيع مع هذا أن ترتديها على ما يقتضيه الذوق الراقى أو حتى الذوق السليم ثم تفتعل مشكلة وتترك العمل عندها ، لتأتى بعد ذلك إلى هذه السيدة نفسها وقد ارتدت ما سرقته منها من ملابس فتختال بها أمام عينيها بُغْية إغاظتها غير واعية بما تثيره فى نفوس الناس المحترمين أهل الذوق الراقى الكريم من تهكم بغبائها وجلافتها ودناءتها فى التصرف واللبس والكلام ، وأنها مهما فعلت واستعرضت وحاولت أن تغيظ سيدتها ليست فى نهاية المطاف غير خادمة لصة حقيرة قبيحة سليطة اللسان ذات ذوقٍ فَجّ متخلف ! ترى هل يُفيق هؤلاء اللصوص السفلة إلى مدى الفظاعة التى ارتكسوا فيها حين سرقوا القرآن وانثنَوْا بعد ذلك للمسلمين يشمخون عليهم بفعلتهم الشيطانية ؟ الواقف على أخلاقهم لا يعلّق عليهم أملا ولا يتوقع منهم خيرا ، إذ العاقل لا ينتظر من المرحاض أن يُثْمِر تفاحا وخَوْخا أو أن يُزْهِر وردًا ورَيْحَانا ! .
ثانيا : المكر في اختيار الاسم
ونلاحظ هنا أن الاسم ينبئ عن خُبْث طوية الكاتب حيث إنه يعلم أن اسم الفرقان أحد أسماء القرآن ، فعنونه باسم( الفرقان الحق ) وكأن الآخر هو الفرقان الباطل!! .
ثالثا : الكتاب محاولة صهيونية للوقيعة بين الإسلام والمسيحية(1/17)
عند وجود الفتن والمصائب فتش عن اليهود فهم أهم مصدر من مصادر الفساد في الأرض ، قال تعالى : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } (المائدة:64) وقد حاول هذا الأنيس أن يتزيا بزي المسيحية في كلامه ؛ كي تكون وليجة للوقيعة بين الديانتين ، وإنني على ثقة أن أي نصراني منصف سوف ينكر هذا العبث (1) ولماذا نذهب بعيدا فإن المتابع للمنتديات الكثيرة على شبكة الإنترنت يقف على الكثير من أقوال النصارى المنصفين الذين يعلمون أن هذا الكتاب لا يَمُت للسماء بصلة تقول إحداهن : " أنا برأيي أن الشيء أو الكتاب المسمى " الفرقان الحق" ما هو إلا كذب وتحريف وهجوم على الإسلام مع أنني مسيحية .. وأظن أن الإسلام قد حفظ كتابه القرآن وسيحفظة.... وإذا نظرتم إلى كلمات الكتاب المسمى الفرقان الحق لوجدتموها تفاهات ليس إلا.. وأيضا من غير الممكن أن يجمع كتاب واحد (3) ديانات مختلفة ... وشكرا " . (2)
رابعا : التناقض سمة هذا الكتاب
إن كتابا زعم مؤلفه أنه وحي من عند الله تعالى يجب أن يخلو من التناقضات
__________
(1) 1 ) انظر: http://writers.alriyadh.com.sa/kpage.php?ka=241
(2) 2 ) انظر: http://writers.alriyadh.com.sa(1/18)
إلا أن القارئ العادي لهذا الكتاب المهزلة يدرك من أول وهلة مدى التاقض الكبير بين ماجاء فيه من نصوص ، وصدق الله العظيم : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً } (النساء :82) فأول ما ينبغى التصدي له فى هذا الوحى الإبليسىّ هو المشاكل الغبية غباء مزيِّفيه التى لا يمكن العثور على مخرج من أىٍّ منها بل كلما حاول مخترعوه التخلص من بعض ما جرَّتْهم إليه وجدوا أنفسهم يزدادون تورطا ، شأن البقرة الغبية التى تحاول الانعتاق من الحبل الملتف حول رقبتها ، لكنها بدلا من ذلك تدور فى الاتجاه المعاكس فتجده قد ازداد التفافا حتى خنقها وأودى بحياتها. فكيف كان
ذلك ؟ هذا ما سنذكره في هذه التناقضات :
هل يأتي نبي بعد عيسى - عليه السلام -؟
المعروف أولا أن النصارى لا يؤمنون بنبىٍّ بعد المسيح - عليه السلام - لأنهم يَرَوْن أنه قد أنهى فصول المأساة البشرية بموته على الصليب وتكفيره عن الخطيئة البشرية الأولى ، وأنه لم يعد هناك مجال لأى شىء إلا لمجيئه فى آخر الزمان ، هذا المجىء الذى سيكون بداية لألفيَّةٍ سعيدةٍ يعيش فيها الناس فى هناءة وسلام ، فلا خصومات ولا عداوات حتى ولا بين الحيوانات العجماوات ، حتى إن الذئب والحمل - كما يقال - سوف تقوم بينهما صداقة ومودة فيلعبان معا ويأكلان معا فى غاية الانسجام والتفاهم ! أما اليهود فهم أصلا فى انتظار المسيح الأول لا يزالون لأنهم لا يؤمنون بأن عيسى بن مريم هو المسيح الذى أتى ذكره فى كتبهم .(1/19)
وهذا الكتاب - الذى نحن بصدده - ليس هو الكتاب الذى ينتظره اليهود مع مسيحهم المنتظر ، فهم يريدون مسيحا من بيت داود يعيد إليهم مجدهم ويبنى لهم مملكتهم ، أما كتاب " الضلال المبين " فلا يؤدى إلى هذه الغاية على الإطلاق وصاحب الكتاب كطفل السِّفَاح الذى لا تجرؤ أمه العاهرة أن تُقِرّ به وتنسبه إلى نفسها (1). كذلك لا يخفى على القارئ أن غرض كل من الفريقين اللذين اشتركا فى تزييف هذا " البهتان الباطل " يتناقض مع غرض الفريق الآخر .
وهكذا يأبى الله العلىّ العظيم إلا أن يوقعهم فى شر أعمالهم . وهذه أولى بركات محمد ودين محمدS! .
وعلى كل حال فها هم أولاء المؤلفون الأغبياء يكذّبون أنفسهم بأنفسهم إذ يعلنون بملء أفواههم فى القىء المنتن الذى وَسَمُوه بـ " سورة الأنبياء "
( ومن أفواههم النجسة ندينهم ) قائلين على لسان رب العزة إننا "ما بشَّرْنا بنى إسرائيل برسول يأتى من بعد كلمتنا وما عساه أن يقول بعد أن قلنا كلمة الحق من بعدى وأنزلنا سنة الكمال وبشرنا الناس كافة بدين الحق ولن يجدوا له نَسْخا ولا تبديلا إلى يوم يُبْعَثون ". إذن ، فليس هناك نبى يمكن أن يجىء بعد عيسى عندهم ، وإلا للزمهم أن يؤمنوا بمحمد S ، الذى زعموا أنه لم تأت به أية بشارة لا فى التوراة ولا فى الإنجيل . ليس هذا فحسب ، بل إن كلمة " الفرقان" نفسها مسروقة من القرآن ، لأن كتابهم المقدس بعهديه القديم والجديد لم ترد فيه هذه الكلمة ، وإلا لذكرها " فهرس الموضوعات الكتابية " . فكيف إذن يزعمون أن الله قد أنزل هذا الوحى مع أنه لم يأت به نبى ؟ إذ الوحى لا ينزل هكذا من السماء على أحد غير الأنبياء كما يجمع على هذا جميع العقلاء .
لمن ينسب الفرقان الحق ؟
__________
(1) في أول الأمر رُمز لمؤلف هذا العفن باسم 'الصفي والمهدي' وقد كشف أخيرا عن شخصيتة
وأنه : 'الدكتور أنيس شورش في موقع ' أمازون' علي الإنترنت للترويج للكتاب.(1/20)
وقع واضعوا هذا الرِّجْس في مخالفة أخرى وهي أن طريقة أهل الكتاب فى تسمية كثير من أسفارهم باسم الأنبياء الذين تُعْزَى إليهم : فهذا سِفْر
"يشوع " ، وهذا " نشيد الأناشيد لسليمان " ، وهذه " نبوة أَشَعْيا " ، وهذا " إنجيل متى " ، وهذا " إنجيل مرقس " ، وهذه " رسالة القديس يعقوب " ، وهذه " رؤيا القديس يوحنا " ... وهكذا ، وعلى ذلك فإننا نتساءل : أين النبى الذى أتى بهذا الضلال ؟ ما اسمه يا تُرى ؟ من أى بلد جاء؟ إلى أى أسرة ينتمى ؟ ما صنعته ؟ ما سيرته ؟ ما أوصافه ؟ ما أخلاقه ؟ ما رأْى الناس فيه ؟ ما الذى دار بينه وبين قومه من أَخْذ ورد ؟ ماذا كانت استجابتهم لما أتاهم به أولا ثم آخرا ؟ ... ترى هل يصلح أنيس شورش أن يكون نبي آخر الزمان الذي نزل عليه هذا الوحي المراحاضي ؟
كيف يكون الفرقان بلغة العرب
أمر آخر من التناقض وقع فيه هؤلاء العُلُوج فقد رددوا ما جاء فى كتابنا العزيز من أنه ما من نبى أُرْسِل إلا بلسان قومه ، فما معنى نزول هذا " الضلال المبين " بالعربية ؟ ، بل بالعربية المسجوعة ؟ معناه أنه نزل للعرب ، لأنهم هم الذين يتكلمون العربية . أليس هذا هو ما تقتضيه العبارة التى قالها هؤلاء العلوج ، والتى سرقوها بنصها من القرآن المجيد ووضعوها فى هذا الموضع الدنس ؟ بَيْدَ أنهم يقولون : إن النبوة لا تكون إلا فى بنى إسرائيل ، فليس للعرب فيها – إذن- أى نصيب (حقدا منهم على إسماعيل وأمه هاجر ، التى يقولون إنها أَمَة ، وابن الأمَة لا نصيب له عندهم فى البركة النبوية ).
وبطبيعة الحال فالعرب لا يمكن أن يكونوا قوم نبىّ من بنى إسرائيل ، إذ إن بنى إسرائيل هم ذرية يعقوب - عليه السلام -، أما العرب فهم ذرية إسماعيل- عليه السلام - كما هو معروف .
هل يأتي الملاك الرحيم بمكر للشياطين ؟(1/21)
يقول بعد البسملة التثليثية فى أول ما يسمّى بـ " سورة الحق " ، والحق منها ومن مزيفيها براء : " وأنزلنا الفرقان الحق نورًا على نور محقًّا للحق ومبطلا للباطل وإن كره المبطلون * ففضح مكر الشيطان الرجيم ولو تنزَّل بوحى مَلَكٍ رحيم " . بالله هل هذا كلام إله يدرى ما يقول ؟ ما معنى أنه سيفضح مكر الشيطان الرجيم حتى لو جاء به ملاك رحيم ؟ تُرَى كيف يمكن أن يأتى بالوحى الشيطانى ملاك رحيم ؟ هل الملائكة تتصرف من تلقاء نفسها ؟ بل هل يمكن أن يقع منها أى عصيان لأوامر الله ؟ ومثلُ ذلك رقاعةً وسخفًا قولُهم في الفقرة الثانية من " سورة الطهر " : " ولو كنتم أنبياءَ وأُوتيتُم الحكمة واطلَّعتم على الغيب وأتيتم بالمعجزات دون محبة فلا حول لكم ولا منّة وإنما أنتم مفترون ".
كيف بالله يمكن أن يكون إنسانٌ ما نبيًّا مؤيَّدًا بالحكمة وعلم الغيب والمعجزات جميعا ثم يرفض الله تعالى أن يعترف به نبيا ؟ فمن الذى أرسله إذن وجعله نبيا وأيده بكل هذه المواهب الإعجازية ؟ إن القوم إنما يصدرون هنا عن الفكر الوثنى ، إذ يتصورون أن هناك إلها آخر يمكن أن يرسل نبيا من لدنه على غير هوى الله فيرفض الله من ثم أن يعترف بنبوته .
كيف يكون المؤمن منافقا ؟
يقول الفرقان الأمريكي في سورة ( الكبائر / 9 ) و" مؤمنين منافقين " ولا أدرى كيف يُوصَف المؤمن بأنه منافق !؟.
التأييد بالمعجزات
لقد زعم هذا المخبول أنه قد أيّد هذا " الضلال المبين " بالمعجزات حسبما جاء فى الفِقْرتين الرابعة والخامسة من " سورة المعجزات " . فأين تلك المعجزات يا ترى ؟ أفتونى بعلم أيها العقلاء ! إن النبى الكذاب صاحب هذا الكتاب لم يجرؤ على الظهور للناس في أول الأمر ، فكيف يمكن أن يكون قد أتى بمعجزات أراناها فصدّقْنا به وبها ، ونحن لم نتشرف أصلا بطلعته الغبية ؟
البشارة هل يمكن أن تكون للضالين ؟(1/22)
وفى تلك السورة نفسها نقرأ هذا الكلام العجيب الذى لا يمكن أن يصدر عن أمّىّ ، بله رب العالمين الذى خلق العقل والبيان ، فلا يُعْقَل أن يصل لهذا الدَّرْك الأسفل من العِىّ واللامنطق ، إذ جاء فى الفِقرة الثامنة منها وصفًا لـ " الضلال المبين " الذى يسمونه كذبًا بـ " الفرقان الحق " : " صِنْو الإنجيل ورَجْع الصَّدَى وبيان للناس كافة وتذكرة للكافرين ونور ورحمة وبشير ونذير وهدى للضالين لعلهم يتذكرون ويهتدون ".
ترى كيف يكون بشيرا للضالين ؟ إن البشارة إنما تكون للمهتدين لا للضالين.
يستجاب الدعاء من غير المسلمين
ثم إنه فى الآية الثالثة عشرة من نفس السورة يعود فيقول : " يا أيها الذين آمنوا من عبادنا ( المقصود هنا النصارى ، وربما اليهود أيضا ) إذا رُفِع لنا دعاء فإنه يستجاب لكم فيهم ، ولا يستجاب لهم فيكم فأنتم المُقْسِطون وهم المبطلون " .
وإننا لنسأل هؤلاء الأوغاد : لماذا بدلا من هذا الجُهد الكبير ومحاولة تزييف القرآن الذى تشغلون أنفسكم به ، وأبواب السماء لدعائكم مفتوحة لا تَدْعُون أنتم وبقية المغفلين أمثالكم لنا بالهداية ؟ ألستم تقولون إن الله أوحى لكم هذا الهباب الذى تسمونه " الفرقان الحق " وأكد لكم فيه أن دعاءكم فينا مستجاب ؟ ألستم تريدون لنا أن نؤمن بتثليثكم ؟ إذن الأمر لا يحتاج لأكثر من دعاء !! وبعدها تجدوننا قد دخلنا فى دينكم وأصبحنا نؤمن بالآب والابن والروح القدس مثلكم ، ويرتاح بالكم ، وتريحوننا من هذه الشتائم التى لا تأتى معنا بنتيجة ؟ صحيح : لم لا تفعلون ذلك ؟
الاستدلال بالقرآن(1/23)
من النصوص الغريبة في فرقانهم : "من يبتغ غير الإنجيل والفرقان كتابا فلن يقبل منه ، والملاحظ أن هذا نص منتحل من قول الله تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } (آل عمران:85) ، وهم بذلك يناقضون أنفسهم لأنهم زعموا أن القرآن الكريم ، باطل فإذا كان القرآن باطل لماذا جئتم بما فيه من آيات وحرفتموها لماذا لم تكتبوا كلاما جديدا من عندكم غير آيات القرآن ، وله نفس المجاز وقوة كلام القرآن ؟.
خامسا : شورش مريض نفسيا(1/24)
مافعله أنيس شورش يذكرنا بمرض نفسي معروف وشهير باسم هلاوس سمعية وبصرية وضلالات ، وهذا المرض متمكن وبشدة من المخبول أنيس شورس ، وخلاصة المرض في مثال : أن يكون رجلا ما من بسطاء العامة ويتخيل ويجهد خياله بوهم أنه أصبح رئيسا لبلد فيمسك بكل الصحائف التي فيها أخبار الرئيس فيشطب بجنون علي اسم الرئيس ، ويأتي بعد كل كلمة رئيس ويضع اسمه اعتسافا وجبرا ، فهو الوحيد في العالمين الذي يعرف السر الخطير أنه هو الرئيس ولا أحد غيره يعلم..! ، وهذا المرض متمكن وبشدة من المخبول أنيس شورش فقد جاء بالقرآن ولم يستطع أن يحاكيه ولو بسطر ولا بكلمة، فَهَدَتْهُ مجموعة أمراضه النفسية إلي هذه الطريق النفيسة ألا وهي: أن يأتي بعد كل كلمتين ويضع جملة الفرقان الحق ، ثم كلمتين ثم جملة الفرقان الحق ، ويظل هكذا أبد الدهر وفي الأجزاء المزمع استكمالها لهذا الفرقان( الـ " 11 جزءا ) سيظل يكتب الفرقان الحق حتى يذهب عقله ، فمثلا القرآن الكريم يقول : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ } (الحج:3) فقام المريض أنيس بحذف كلمة " في الله" ووضع كلمة " فيه" عائدة علي الفرقان الحق .. يارجل ما كل هذه البلاغة والفصاحة التي أعيتنا .. ألهذا الحد وصل الخبل ؟ .. سبحان الله أو هذا هو النص الذي تتحدي به القرآن ؟ فالرجل – عفوا- فالقزم لم يقم بأي شيء كما رأيتم إلا بلعبة" القص واللزق" الشهيرة عند الأطفال، فقد أتي بالقرآن وظل يكرر كلمة الفرقان الحق ثم الفرقان الحق .
لقد تحكم المرض العقلي في شورش لدرجة أنه أراد أن يشتهر شهرة(1/25)
واسعة ، في أول الأمر هداه خياله المريض أن يناظر العلامة الشيخ أحمد ديدات ، لكنه سقط سقوطا مُدَويا ، وخسر خُسرنا مبينا ، وتناقلت الصحف العالمية أنباء هزيمته النكراء أمام الشيخ أحمد ديدات ، ثم فكر ثانية فلم يجد إلا هذه الطريق ، وحتى لا يظل نكرة فقد أعلن عن اسمه وهو ما يؤكد وجهة نظرنا أنه سفيه وتائه تتملكه عقدة النقص من شدة تهميشه فهو الآن حقق ما هدف إليه من أن تتناثر أخباره عبر الوكالات والصحف ، وهو الشيء الوحيد الذي نجح فيه في القصة كلها ، بَيْد أن نجاحه وشهرته - في رأينا- تشبه شهرة أصحاب القضايا التي تمس الشرف ، فنجد كثيرا العاهرة تفرح وتسعد كثيرا بأن يعرفها الناس ، ولا يهمها أن يعرفوها بأنها عاهرة.
والنصيحة المخلصة التي يمكن أن أقدمها لهذا المريض - لا شفاه الله- أن يعرض نفسه وبسرعة على مصحة للأمراض العقلية عله يدرك ولو برجا واحدا من أبراج عقله التي أصبحت الآن خارج نطاق الخدمة.
وأخيرا: كتابك لا ينطلي على المسلمين
وما أريد أن أؤكده لك أيها المريض أن المسلمين بعامتهم لا يحرك اليقين في قلوبهم ألف كتاب من ماركة فرقانك المنتحل ، بل على العكس فمحاولتك تلك تزيد من ثبات المؤمنين على إيمانهم بكتاب ربهم فكل محاولة لمعارضته هي هراء ، وفي المقابل قد تجذب أنت بمحاولتك هذه بعض الشباب النصارى بحثا عن المقارنة بين ما كتبت وبين ما ذكره القرآن لمحاولة مقارنة كل من الأسلوبين ، وهنا يظهر الفرق بين الإلهي والبشري ، ويتحقق قول الشاعر:
وإِذا أراد اللهُ نشر فضيلة طُويتْ أتَاحَ لها لِسَانَ حَسُودِ
وهذه المحاولة البائسة مثلها كمن يريد أن ينقض جبلا كبيرا شامخا بأظفار أصابعه أملا أن ينال منه ، لكن المأساة أن أصحاب المحاولات سَيَفْنَوْن مثل من سبقوهم ، ومثل من سيلحقونهم ، ويظل جبل الإسلام طودا شامخا لا يتأتى لأحد أن ينال منه أبدا .(1/26)
وقد تعجب أيها الشورش حين تعرف أن المؤرخين المسلمين كانوا أحرص الناس على نقل محاولات معارضة القرآن لماذا ؟ لأنهم يدركون أنها ظاهرة صحية بالنسبة للإسلام والمجتمع الإسلامي بناء على تحليلي السابق فهي بالنسبة لنا عامل جذب وبالنسبة لكم عامل طرد.
والغريب أن فريق العمل الأمريكي الصهيوني بقيادة شورش ظن أنه باستطاعته أن يشوش علي القرآن ، فذلك لا كان ولن يكون ، ويذكرني بقول الشافعي رحمه الله :
ما ضَر بحرَ الفُراتِ يوماً أَنْ خاضَ بَعْضُ الكِلابِ فِيهِ(1/27)
الفصل الرابع
وقفات مع أهداف القرآن الأمريكي
**************************************
بعد أن بان لك أخي الكريم أن كتاب الفرقان الحق صناعة أمريكية صهيونية ، الآن سأوقفك على أهدافهم الخبيثة من تأليف هذا الكتاب ، وسوف أعرض عليك أيها الحبيب هذه الأهداف من خلال ذكر بعض العَينات من هذا الوحى المراحيضي.
أ) القرآن الأمريكي وضع لتنصير المسلمين
من الأهداف العامة لهذا الفرقان الدعوة الصريحة لتنصير المسلمين ، وإخراجهم من دينهم ، قال تعالى : { وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (البقرة:217)
انظر إلى زورهم في (سورة الجزية: 12 ، 13) " زعمتم بأننا قلنا : قاتلوا الذين لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون .. يا أهل الضلال من عبادنا: إنما دين الحق هو دين الإنجيل والفرقان الحق من بعده فمن ابتغي غير ذلك دينا فلن يقبل منه فقد كفر بدين الحق كفر ".
تلك أمانيهم أن نكفر بالقرآن العظيم ، وبآيات الله عز وجل ، ونتبع إنجيلهم المحرف ، وفرقانهم المكذوب علي الله تعالى .
وزعم واضعوا هذا العفن المسمى بالفرقان أنه جاء وحيا مصدقاً لما في الإنجيل ، فمما جاء فيه " ولقد أنزلنا الفرقان الحق وحياً ، وألقيناه نوراً في قلب صفينا ليبلغه قولاً معجزاً بلسان عربي مبين ، مصدقاً لما بين يديه من الإنجيل الحق صِنْواً فاروقاً محقاً للحق ، ومزهقاً للباطل وبشيراً ونذيراً للكافرين" ( التنزيل 4، 5) والسؤال : متى نزل هذا الوحي المزعوم ؟! وفي أي مكان نزل ؟! وعلى من(1/1)
أنزل ؟! ومن هو الصفي الذي أوحي إليه ؟! وجاء وصفه " واصطفيناه وشرحنا صدره للإيمان وجعلنا له عيناً تبصر وأذناً تسمع وقلباً يعقل ، ولساناً ينطق ، وأوحينا إليه بالفرقان الحق ، فخطه في سبعة أيام وسبع ليال جليداً "(الشهيد:2)
وزيادةً في الإبهام والغموض حول شخصية هذا الموحى إليه زعم فرقانهم أن هذا الصفي يقتل على يد أعدائه المسلمين ، يقول : " لقد طوعت لكم أنفسكم قتل صفينا شاهدين على أنفسكم بالكفر ، أفتقتلون نفساً زكية ، وتطمعون برحمتنا وأنتم المجرمون ، لا جرم أنكم في الدنيا والآخرة أنتم الأخسرون ، وختمتم بدمه آية تُكْوى بها جباهكم وتشهد عليكم بأنكم كفرة مجرمون ، وأنه الصفي الأمين ، وأن الفرقان الحق هو كلمتنا وهو الحق اليقين ، ولو كره الكافرون" (الشهيد : 6: 8).
قلت : إن أقل ما يجب على كل عاقل يحترم نفسه فضلا عن مسلم أن يتقرب إلى الله تعالى بذبح هذا المجرم الكذاب .
وفي أضحوكة أخري سورة ( الإعجاز:2) يقول: " فرقان حق صنو الإنجيل الحق الذي كلمنا به آباءكم وذكري للمدكرين " .
وتتضح هذه الغاية من خلال ما يأتي :
الدعوة للتثليث
لا تتعجب أيها المسلم إذا سمعت أو قرأت أن هذا الكتاب يدعوا للتثليث فمن أهم الأهداف التي من أجْلِها كتبوه : ترسيخ عقيدة التثليث ، وبأن رسالة عيسى - عليه السلام - هي الخاتمة ، وأنه لا رسالة ولا نبي بعده ، فواضع هذا الكتاب قس نصراني ساقط العدالة ، متعصب لدينه ، حاقد على كل مسلم ، فما ظنكم !؟.
وتتضح هذه الغاية من خلال العديد من سور هذا الفرقان ، وحتى البسملة لم تسلم هي الأخرى من التحريف المقصود لتحقيق هذه الغاية ؛ لينطبق على كتابهم قول القائل :" أول القصيدة كفر".
تقول بسملتهم : (بسم الأب الكلمة الروح الإله الواحد الأوحد ، مثلث التوحيد ، موحد التثليث ما تعدد)
وهي خلط واضح لمعني الإله ، فهو الأب كما زعمت النصاري ، ومثلث التوحيد ، وهو الإله الواحد الأحد كما يعتقد المسلمون.(1/2)
وفي سورة (الثالوث:6) زعموا كفرا : " ونحن الله الرحمن الرحيم ثالوث فرد إله واحد لا شريك لنا في العالمين " فأي طفل يُصَدق وحدانية الله عز وجل بعد هذا السياق الثالوثي الساذج ؟! وأي معادلة تحتمل الوحدانية والثالوثية ، ثم الخاتمة بأنه لا شريك له ؟!.
وهم كما يقول البوصيري :
جعلوا الثلاثةَ واحدا ولو اهْتََدوْا لمْ يَجْعَلوا العَدَدَ الكَثِيَر قَلِيْلا (1)
إثبات صلب المسيح
وفي سورة (الصلب :10) قالوا : (إنما صلبوا عيسي المسيح ابن مريم جسدا بشرا سويا وقتلوه يقينا ) ، وهم بذلك يردون قول الله تعالى: { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ
يَقِيناً } (النساء:157)
عَجَبَاً للمَسِيْحِ بينَ النصارَى وإلى أي والدٍ نَسَبُوه
أَسْلمُوه إلى اليهودِ وقالوا إِنهم بعدَ ضَرْبِه صَلَبُوه
فإذا كانَ ما يقُولون حقاً وصَحَيحاً فأَيْن كانَ أَبُوه؟
حِين خَلى ابْنه رَهِيَن الأعَادي أَتراهُم أَرْضَوْه أمْ أَغْضَبُوه؟
فَلَئِن كانَ راضياً بِأَذاهم فاحْمدوهُم لأنهم عَذبوه
ولئن كانَ ساخطاً فاتْركُوه واعبدوهُم لِأنهمُ غلبُوه (2)
ب ) تشويه صورة الإله
ومن الأهداف الخبيثة لهذا الكتاب تشويه صورة الإله ، وهذا التشويه يؤكد أن لليهود دوراً كبيراً في إعداد هذا الكتاب ، ومن صور هذا التشويه :
إنكار أسماء الله الحسنى
__________
(1) منظومة البوصيري في الرد على النصارى ص 7.
(2) انظر :القاسمي ، تفسير القاسمي (3/408) .(1/3)
فقد أنكر هؤلاء الأقزام أسماء الله الحسنى وصفاته العلى إنكاراً سافراً بقولهم كفراً: (إن أهل الضلال من عبادنا أشركوا بنا شركاً عظيماً فجعلونا تسعة وتسعين شريكا ًبصفات متضاربة وأسماء للإنس والجان يدعونني بها وما أنزلنا بها من سلطان ، وافتروا علينا كذباً بأنا الجبار المنتقم المهلك المتكبر المذل ، وحاشا لنا أن نتصف بإفك المفترين ونزهنا عما يصفون) ( الثالوث 8 : 10) !!
وصف إله المسلمين بصفات قبيحة
ووصف الكتاب إله المسلمين - حسب زعمه - بالشيطان ".. وقام منكم ناعٍ ينعق بنقمة الباطل على الحق ، وحقد الكفر على الإيمان ، ونصرة الشر على الخير ، فكان لوحي الشيطان سميعا ً "( المسيح:15) .
وتكرر هذا الوصف في أماكن كثيرة "والذين آمنوا بالإنجيل الحق وعملوا الصالحات ، أولئك هم خير البرية ، والذي كفروا وآمنوا بالشيطان ورسله أولئك هم شر البرية " ( الإخاء :8). " يأيها الناس إنما تتلى عليكم آيات الشيطان مضللات ، ليخرجكم من النور إلى الظلمات ، فلا تتبعوا وحي الشيطان ، واتخذوه عدواً لدوداً" (الإخاء :15).
ج) تشويه صورة الرسول S
وأما عن موقف القرآن الأمريكي من الرسول S فحدث ولا حرج ، فلقد بلغت وقاحة من أعدوا هذا الكتاب مبلغا كبيرا ، حيث وصفوا الرسول S بصفات هم أحق بها وأهلها ، ومن هذه الصفات :
الأفاك : يقول كتاب أمريكا : "وحذرنا عبادنا المؤمنين من رسول أفاك تبينوه من بيِّنات الكفر، وعرفوه من ثمار أفعاله ، وكشفوا إفكه وسحره المبين ، فهو رسول شيطان رجيم لقوم كافرين" (الأنبياء :18).
إنكار رسالته : لا يقر الكتاب برسالة محمد S ويقول: "وما بشرنا بني إسرائيل برسول يأتي من بعد كلمتنا ، وما عساه أن يقول بعد أن قلنا كلمة الحق ، وأنزلنا سنة الكمال ، وبشرنا الناس كافة بدين الحق ، ولن يجدوا له نسخاً ، ولا تبديلاً إلى يوم يبعثون" (الأنبياء :16).(1/4)
وصف الرسول S بالطاغوت : وقد خصه بسورة (الطاغوت) ، واتهمه فيها بإشعال الحروب ، وإخراج الناس من النور إلى الظلمات ، والسلب ، والزنى ، والكفر.. ، وفي سورة (الشهادة :4) وعلم الأميين كافر ، فزادهم جهلاً
وكفراً ".
وصفه بالغواية والضلال : ويقول في سورة (الإعجاز5 : 9) : " وما نرسل من رسول إلا لخير عبادنا يريهم صراطنا المستقيم ، وأما من أغواهم وأضلهم فهو رسول شيطان رجيم ، فصراطه عِوج وإعجازه عجمة ونوره ظلمة فلا تتبعوه ولا تنصتوا له واتخذوه مهجورا ، ولايزال الذين كفروا في مرية من الفرقان الحق حتي تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب مقيم ، ومن الناس من يجادل فيه بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير.
وجوب عصيان الرسولS وخيانته : ويوجب الكتاب عصيان الرسول S كما يَعُدُّ طاعة الرسول S والرجوع له في التنازع والإيمان به ، وعدم خيانته ، وعدم عصيانه.. من الشرك بالله ! كما جاء في سورة (المشركين :50 ).
والفرقان الأمريكي ينكر القرآن الكريم ورسالة الرسول S: "وما نزلنا عليكم كتابا ًأو سورة ، أو آية ، ولا أوحينا إليكم قولاً بلسان أحد منكم ، وما
ألهمناه ، ولكن شُبه لكم فصدقتموه ، فضللتم سواء السبيل" (التنزيل 324:2).
وزعم بأن القرآن الكريم من الأساطير: "وقام منكم من انتحل أساطير الأولين اكتتبها وأُمليت عليه ، بكرة وأصيلاً ، وهي إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون" ( الأساطير :1، 2).
- ويصفه بالكفر والمرُوق ففي سورة ( الزنى:11) فى "ضلالهم المبين"، الكلمة التالية : " ووصينا عبادنا ألا يحلفوا باسمنا أبدا وجوابهم نَعَمْ أَوْ لا فقلتم بأن من كان حالفا فليحلف باسم الإله أو يصمت . وهذا قول الكفرة المارقين ".(1)
د) تشويه صورة الإسلام المسلمين
__________
(1) سوف يأتي الرد على هذه الفقرة قريبا .(1/5)
ومن أهداف فرقان أمريكا تشويه صورة الإسلام المسلمين ، فوصفهم مؤلف هذا العفن بأقبح الصفات ، ويَستخدِم فرقانهم أقسى عبارات القذع والقدح والشتم ضد المسلمين ، ويصفهم بأبشع الأوصاف ، ويقدح في إلههم ودينهم ونبيهم وقرآنهم بعبارات فيها من العداء واللدد والحقد والخصومة ما يفوق الوصف .
وكثيٌر مما وَصَف به القرآن الكريم اليهود والنصارى أسقطه على المسلمين ، وذلك بعد تحريف الآيات لتحقيق هذا الغرض ، حتى إن أسماء الموضوعات (السور) تنضح بهذا الحقد والعداء مثل : " الماكرين والأميين والمفترين و الطاغوت و الكبائر والمحرضين والبهتان والكافرين " .
ويمكن القول إن الكتاب يدور كله من أوله لآخره على المسلمين ونبيهم والكتاب الذى أنزله الله عليه : لا يشتم غيرهم ، ولا يحاول أن يَخْتِل أحدا عن دينه سواهم ، ولا يترك شيئا أىّ شىء فى دينهم دون أن يسفِّهه ويُزْرِىَ به مناديا إياهم فى مفتتح كل سورة تقريبا من سور "ضلالهم المبين" بـ " يا أهل الجهل " أو " يا أهل الظلم من عبادنا " أو " يا أيها الذين ضلُّوا من عبادنا " أو " يا أيها الذين أشركوا من عبادنا الضالين " أو " يا أيها الذين كفروا من عبادنا الضالين " أو " يا أيها المنافقون من عبادنا الضالين " أو " يا أيها المفترون من عبادنا الضالين " أو "يا أهل التحريف من عبادنا الضالين " ولكن لم يا ترى ؟ السبب هو أن المسلمين يوحّدون الله ولا ينسبون له وَلَدا سبحانه ! ولأنهم يصلّون له وحده لا يشركون فى عبادتهم له أحدا من خلقه ، قال تعالى : { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } (البروج:8)(1/6)
أو لم تجدوا فى طول الأرض وعرضها على رُحْبها واتساعها من يحتاج إلى الهداية إلا المسلمين ؟ أولم يأتكم نبأ عُبّاد البقر أو عُبّاد النار أو عُبّاد الشيطان أو الشيوعيين مثلا ؟ أَوَقَدْ نَسِيتم ما كنتم تقولونه فى اليهود الذين تتهمونهم بقتل ربكم ؟ ألا يحتاج أىٌّ من هؤلاء أن تُولُوه شيئا من هذا الحنان الزائف الذى تُغدقونه علينا بالإكراه والذى تسمونه :" المحبة " ؟
ثم تقولون لنا بعد ذلك إن دينكم هو دين المحبة ! أية محبة تلك التى تسوِّل لكم التطاول علينا واتهامنا مع ذلك كله بأننا نحن المعتدون القاتلون اللصوص السارقون ، فى الوقت الذى تهجمون فيه على بلادنا وتدمرونها تدميرا ، وتقتّلون رجالنا ونساءنا وأطفالنا ، وتسرقون بترولنا ، وتحتلون بلادنا ، وتعذّبوننا وتهينوننا وتنتهكون أعراض نسائنا ، وتضربوننا بالقنابل والصواريخ والطائرات والدبابات والبوارج ... إلخ ؟ إن جنودكم .... ومجنَّداتكم....... يعتدون على إخواننا وأخواتنا فى السجون والمعتقلات فى أرض الرافدين بكسر عظامهم ، وإبقائهم عرايا فى صَبَارَّة الشتاء مع غمر الزَنَازين بالماء الوَسخ حتى لا يستطيع المساكين النوم ، وتسليط الكلاب المتوحشة عليهم تنهش خُصَاهم وغراميلهم فينزفون حتى الموت ، فضلا عن اغتصاب النساء والفتيات العفيفات اللاتى يفضلن الموت بعد خروجهن من المعتقل على الحياة مع هذا العار ، طالبين منهم ومنهن أن يشتموا الله ورسوله ،(1)
__________
(1) نشرت جريدة الجمهورية ( الأحد 6 من ذي الحجة هـ - 16 من يناير 2005 ) أن محكمة عسكرية أمريكية أدانت الجندي الأمريكي" تشارلز جرانر " الحارس السابق في سجن أبوغريب بتهم تعذيب وإساءة معاملة السجناء العراقيين في الفضيحة التي فجرت سخط واشمئزاز دولي واسع =
= ضد الولايات المتحدة ، قالت هيئة المحلفين العسكرية المؤلفة من عشرة أعضاء إن جرانر "36 عاماً " مدان في كل الاتهامات الموجهة إليه وهي سوء معاملة معتقلين ، والعجز عن حماية معتقلين من تعرضهم لتجاوزات وأعمال وحشية ، وخدش حياء ، وعرقلة عمل القضاء.
وذكر محامي الدفاع أن موكله وحراساً آخرين كانوا يتبعون " تعليمات رئاسية مستمرة تطلب منهم تقليل مقاومة المعتقلين" ، وقد وصف العريف " جرانر وزميليه الآخرين " بأنهم كانوا كباش فداء قدمت للمحاكمة لحماية ضباط كبار بالجيش الأمريكي .(1/7)
قائلين إنهم جاؤوا إليهم يحملون رسالة المحبة ، وهم لم يحملوا إلا رسالة اللواط والسحاق والتعذيب والتقتيل والتدمير البربرى الذى لا يترك شيئا يمرّ عليه إلا جعله أنقاضًا وأحجارًا لا يُعْفِى من ذلك مدرسة ولا مصنعا ولا متحفا ولا بيتا ولا مسجدا ؟ أية محبة جئتمونا بها أيها الوحوش ؟ أىّ جنون ذلك الذى طوّع لكم أننا يمكن أن نترك توحيدنا الطاهر العظيم وندخل معكم فى تثليثكم وتصليبكم ؟ فلتحتفظوا بهذه المحبة لأنفسكم بدلا من اللُهاث وراء إضلال من هداهم الله وعافاهم من هذا الرجس ، وذلك البلاء والعياذ بالله !.
ويوغل في ذم المسلمين ووصفهم بأقبح الأعمال فيقول في سورة (الكبائر :3) " فسيماؤكم كفر وشرك وزنى وغزو وسلب وسبي وجهل وعصيان ".
ويصف الفرقان الأمريكي الشريعة الإسلامية ، بأنها شريعة الكفر والقتل والضلال (الهدى: 48) كما وصف الدين الإسلامي بأنه دين لقيط "ولا تغلوا في دين لقيط ، ولا تقولوا علينا غير الحق المبين" .
ويصف الفرقان المزعوم شرعة المسلمين فيقول : " فشرعة أهل الكفر شرعة قومٍ حفاة ، عراة ، غزاة ، زناة ، أميين مفترين ومعتدين ضالين ظالمين" (سورة الجنة: 14) .(1/8)
ولقد خصص أصحاب هذا الإفك سورة من سوره للنيل من أصحاب رسول الله S هي "سورة الرعاة " وفيها هجاء للصحابة والعرب الأوائل الذين حملوا الإسلام إلى العالمين والذين يحاول أولئك اللصوص السُّطَاة أن ينالوا منهم بالقول بأنهم لم يكونوا متحضرين ولا أغنياء بل كانوا مجرد رعاة ، وكأن التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول المسيح - عليه السلام - كانوا من أصحاب القصور ومن خريجى الجامعات ، ولم يكونوا من صيادى السمك والعُرْج والبُرْص والعُمْى والمخلَّعين والممسوسين والعشّارين والخُطاة على حسب ما جاء فى الأناجيل نفسها ! إننا بطبيعة الحال لا نبغى أن ننال من الفقراء والمساكين والمسحوقين ، فنحن لسنا من أغنياء القوم ولا من السادة ، لكننا أردنا فقط أن ننبه هؤلاء المأفونين إلى مدى السخف والسفالة التي ينساقون إليها فى العدوان على ديننا ورسولنا وصحابته الكرام . وبالمناسبة فلم يكن الصحابة جميعا من الرعاة ، بل كان فيهم التجار والزراع والصناع والعلماء والقادة العسكريون ، وكان منهم الأفراد العاديون والرؤساء ، وكان منهم العرب وغير العرب ، كما كان فيهم كثير ممن كانوا هودا أو نصارى ثم أسلموا... وهكذا يستمر هؤلاء الأفاكون المجرمون إلى آخر السُّوَر الشيطانية المفتراة كذبًا على الله (1)
__________
(1) لقد أخبر الله تعالى في كتابه أن الكافرين قلوبهم تغلى حقدا وبغضا على أصحاب رسول الله S فقال : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } (الفتح:29)
انظر : http:alarabnews.com:alshaab:2004:24-12-2004:Awad.htm.(1/9)
.
هـ) القرآن الأمريكي يلغي فريضة الجهاد
من أهم الأهداف الخبيثة لهذا الكتاب : العمل على استعباد المسلمين وذلك بإرغامهم على ترك الجهاد في سبيل الله ، ودفعِ الضر عن أنفسهم وتركهم للسلاح , فيحتل هؤلاء الكفرة بلداننا ونكون خٌداماً مطيعين لهم فيها ، وسبب ذلك خوفهم من الجهاد ، ورغبتهم في نشر ثقافة الاستسلام والخضوع والضعف والجبن في ديار المسلمين وعقائدهم ، فقد زعم هذا " الفرقان " أن الله سبحانه لم يأمر بالجهاد في سبيله ، وحرص على نفي هذه الشعيرة ، وبدا هذا الحرص في أكثر من مكان ؛ لهدم هذه الفريضة ، ويصفها أنها من تحريض الشيطان:
" وزعمتم بأننا قلنا : قاتلوا في سبيل الله وحرَّضوا المؤمنين على القتال وما كان القتال سبيلنا ، وما كنا لنحرض المؤمنين على القتال ، إن ذلك إلا تحريض شيطان رجيم لقوم مجرمين" (الموعظة :2) ، وبلغ به حد إنكار الجهاد بأن سمَّى إحدى سوره بسورة (المحرضين 57)
أما فيما يسمى : " سورة الطاغوت " فإنه ، عند مهاجمته لشريعة الجهاد التي يتهمها زورا بالعدوانية والظلم وتقتيل الأبرياء ، ينقل على نحو محرف ما جاء فى سورة " التوبة " { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم ُ } (التوبة:111) ، إذ يقول : " وافترَوْا على لساننا الكذب : بأنا اشترينا من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيلنا وعدا علينا حقا فى الإنجيل . ألا إن المفترين كاذبون ... " . ( الطاغوت :8) .(1/10)
وواضح أن الأفاكين قد أسقطوا عدة كلمات من الآية القرآنية الكريمة عمْدًا حتى لا يُضْطَّروا إلى الإقرار بأن فى التوراة أمرا بالقتال دفاعا عن النفس والعِرْض فقط كما فى الإسلام ، بل بالقتل بدافع الكراهية للأمم الأخرى وإبادتها لمجرد الإبادة ، وهو ما يعضد قول من قال إن هذا " الضلال المبين " هو ثمرة التعاون الأثيم بين الصهيونية والصليبية ، فلذلك يعملون على إظهار اليهود فى صورة المسالم البرىء.
وفي سورة (الموعظة) !! ما يؤكد توافق هذه الحرب على الإسلام والاستماتة في استسلامنا لهم ، ونشر ثقافة الذل والخنوع لجبروتهم والتخاذل أمام سطوتهم وإجرامهم: (زعمتم بأنا قلنا قاتلوا في سبيل الله وحرضوا المؤمنين على القتال وما كان القتال سبيلنا وما كنا لنحرض المؤمنين على القتال إن ذلك إلا تحريض شيطان رجيم لقوم مجرمين) (الموعظة :2)
فهل أصبح الجهاد إجراما ؟! وهل أصبح أمر الله بتحريض المؤمنين قول شيطان رجيم ؟! تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا.
وفي سورة " الصلاح " المكذوبة نفي لمعاداة الكافرين والبراءة من الضالين الملحدين بقولهم افتراء علي الله: " يا أيها الذين ضلوا من عبادنا هل ندلكم علي تجارة تنجيكم من عذاب أليم تحابوا ولا تباغضوا وأحبوا ولا تكرهوا أعداءكم ، فالمحبة سنتنا وصراطنا المستقيم ، وسكوا سيوفكم سككا ورماحكم مناجل ومن جني أيديكم تأكلون) .
ويتوالى الجرم الأعظم والتعدي علي الله عز وجل بقولهم رفضا للقرآن العظيم في السورة ذاتها : (ولا تطيعوا أمر الشيطان ولا تصدقوه إن قال لكم : كلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم) .(1/11)
ويتواصل الرفض لاستخدام القوة في قتال الكفار أعداء الله بقولهم في السورة المزعومة نفسها: (وكم من فئة قليلة مؤمنة غلبت فئة كثيرة كافرة بالمحبة والرحمة والسلام) !!وهم يعنون بهذا قول الله تعالى: { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } (البقرة:249)
والجهاد كما أخبر المعصوم S ذروة سنام الإسلام ، فقَالَ : (رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ) (1)
ويُخْطئ من يظن أن الجهاد في الإسلام هو فقط حمل السلاح ضد العدو، وهذا ما يحاول أن يروج له أعداء الجهاد ، فالجهاد في الإسلام أشمل وأعم من هذا ، فمن صور الجهاد في الإسلام :
- أن يعمل كل في موقعه لزيادة الانتاج ، وتحقيق ما يسمى بالاكتفاء
الذاتي ، حتى لا يكون المسلمون عالة على غيرهم .
- الدعوة للدين ، والرد على شبهات المستشرقين والملحدين .
- إعداد العدة للدفاع عن الدين والوطن من مطامع المعتدين ، ومن أعظم صور الجهاد ما قام به عالم الذرة الباكستاني الدكتور (عبد القدير خان ) ، الذي ساعد باكستان لعمل توازن عسكري مع الهند ، ولولا هذا لنشبت حرب بين الدولتين لا يعلم إلا الله كيف ستكون نتائجها الوخيمة على العالم أجمع .
فالإعداد للقوة قدر الاستطاعة هو أمر إلهي العمل به هو قمة العبادة ، قال تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } (الأنفال:60)
و) تشويه معنى الشهادة في سبيل الله
__________
(1) حديث صحيح : رواه الترمذي في رقم 2541، وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة 2/2314.(1/12)
ولم ينس صاحب الفرقان في غمار حملته على الجهاد والمجاهدين أن يشوه صور الشهيد ، وذلك من خلال إظهار كل من يستشهد في سبيل الله لا يقوم بعمل وطني أو ديني وإنما " لرغبته الجنسية " ، ففي سورة (الروح :1:3) ينكشف وبشكل واضح نيات هذا الكتاب والأهداف التي ابتغاها معدّوه ، ففيها يتطرقون إلى " الشهادة " ويعكس مضمونها هدف المجموعة من ترويج هذا الكتاب هذه الأيام في المناطق الفلسطينية حيث العمليات الاستشهادية التي تنفذها التنظيمات الفلسطينية في إسرائيل.
تقول السورة المشوّهة والتي لا عَلاقة لها بالقرآن: "يا أيها الذين ضلوا من عبادنا : إذا سئل أحدكم عن الروح قال: الروح من أمر ربي ، فما أوتيتم من العلم كثيراً أو قليلاً وما سألتم أهل الذكر الذين بشروا بالروح قبل جاهلية ملتكم بمئات السنين ، وإذا استشهدتم في سبيل جنة الزنى فقد نعم كفرة الروم قبلكم بجنة تجري من تحتها الأنهار يلبسون فيها ثياباً خضراً وحمراً متقابلين ومتكئين على الأرائك يطوف عليهم ولدان ونساء بخمور ولحم طير وما يشتهون وهم الكافرون ، وبزت جنتهم جنتكم التي استشهدتم في سبيلها فرحين طمعاً بما وعدتم به من زنى وفجور...".
ولم تسلم الجنة دار النعيم التي أعدها الله تعالى لعباده الموحدين الصالحين من تحريف هؤلاء ، فوصفوا جنة المسلمين بأنها مواخر للزناة ، ومغاور للقتلة ، ومخادع رجس للزانيات ، ونزل دعارة للسكارى والمجرمين كما في
(سورة الكبائر: 53) .(1/13)
ويرى مؤلف هذا الكتاب أنه لا زواج ولا طعام ولا شراب في الجنة ، وإنما كالملائكة يسبحون بحمد الله ، هذه هي جنة المؤمنين ، أما الشياطين (ويعني بهم المسلمين) فهم في كهوف تعج بالقتلة والكفرة والزناة يتمرغون في حمأة الفجور تلفحهم زفرات الغرائز ، وتسوطهم شهوة البهائم ، فهم في الرجس والموبقات غارقون وفي شغل فاكهون ، متكئون على سرر مصفوفة ، والمسافحات مسجورات في المواخر يطوف عليهم ولدان اللواط بأكواب الرجس والخمر الحرام ، يلغون فيها فلا هم يطفئون أوارهم ولا هم يرتوون" (الجنة :1: 4).
وحجة هؤلاء الأقزام في التنفير من جنة المسلمين أنها جنة مادية ؟ والسؤال وماذا فى الجنة المادية ؟ ألا تحبون الأكل ؟ ألا تحبون الشرب ؟ ألا تحبون الجنس ؟ ألا تحبون التمتع بالظلال والجمال والهدوء ؟ ألا تحبون أن تستمعوا إلى الأصوات العذبة الجميلة ؟ ألا تحبون راحة البال وسكينة النفس بعد كل هذا القلق الذى اصطليناه فى الدنيا ؟ إن من يقول : " لا " لأى من هذه الأسئلة لهو ثُعْلُبَانٌ كذابٌ أَشِرٌ عريقٌ فى النفاق والدجل ! فما الحال إذا عرفنا أن هذه المتع الفردوسية ستكون متعا صافية مبرَّأة من كل ما كان يتلبَّس بها على الأرض من نقصان ونفاد وملل أو كِظَّة وغثيان أو قلق وآلام وأوجاع وإفرازات وعلل وتعب وكدح وصراع وخوف ، وكذلك من كل ما كان يعقبها من إخراج وتجشؤ وفتور وإرهاق ونوم ومرض ... إلخ ؟ .(1/14)
لقد ذكر القرآن المجيد أن أهل الجنة { لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِين } (الحجر:48) وأنهم سيَبْقَوْن " { خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } (الكهف:108) ، فما وجه التنطع والاشمئزاز الكاذب إذن ؟ لقد لاحظتُ أن الذين يُزْرُون على جنة القرآن هم من أشد الناس طلبا للدنيا وتطلعا إليها وانخراطا فيها وسعارا محموما خلف لذائذها ومنهم هؤلاء المبشرون الذين كانوا ولا يزالون يمثلون طلائع الاستعمار والاحتلال الغربى لبلادنا وبلاد كل الشعوب المستضعفة ، ذلك الاستعمار الذي يريد أن يستمتع بطيبات الحياة دوننا ويترك لنا الجوع والفقر والجهل والمرض والقذارة والذلة والتخلف والشقاء ! أليس مضحكا أن يأتى هؤلاء بالذات ليُظْهِروا النفور من تلك اللذائذ ؟ فمن هم إذن يا تُرَى الذين سُعِروا بحب الجنس على النحو الذى نعرفه فى بلاد الغرب واقعًا مَعِيشًا ، وأدبا مكتوبا ، ولوحاتٍ مصوَّرَةً ، وأفلاما عارية ، ومسرحياتٍ عاهرة؟ أفإن جاء الرسول الكريم S وقال لنا إنكم ستستمتعون بهذه الطيبات فى الجنة لكنْ مصفَّاةً مما يحفّها هنا على الأرض من أكدار وشوائب ، ومصحوبةً بالمحبة بين أهل الجنة ومشاهدتهم لوجه ربهم العظيم ذى الجلال والإكرام وتمتعهم بالرضا الإلهى السامى عنهم وانتشائهم بالتسبيحات الملائكية حولهم ، نَلْوِى عنه عِطْفنا ونشمخ بأنوفنا ونُبْدِى التأفف والتنطُّس ؟ إن هذا ، وَايْمِ الحق ، لَنِفاقٌ أثيم ! (1)
سنسمع هؤلاء المنافقين المنغمسين فى شهوات الجسد يتحدثون بتأفف عن هذه اللذائذ التى لا تليق فى نظرهم ببنى الإنسان ، وهم الذين يمارسون اللِّواط والسِّحاق مما ينزل بهذا الجسد وصاحبه أسفل سافلين .
__________
(1) انظر : http: alarabnews.com:alshaab:2004:24-12-.(1/15)
وهاهو السيد المسيح - عليه السلام - نفسه فى الفقرات التى سبقت جوابه على سؤال اليهود ، حين أراد أن يوضح ملكوت السماوات ، وهو ما يقابل الجنة عندنا ، ضرب لمستمعيه مثلا من عُرْسٍ أقامه أحد الملوك لابنه أَوْلَمَ فيه وليمةً قُدِّمَتْ فيها الذبائح والمسمَّنات ، وحضرها المدعوُّون وقد لبسوا الحلل التى تليق بهذه المناسبة السعيدة . فعلام يدل هذا ؟ وهل يختلف يا ترى عما نقوله نحن عن الجنة ؟ أَوَلَمْ يقول ( مرقس: 14 : 25 ، ولوقا : 22 : 18) إنه سيشرب عصير الكرمة فى ملكوت الله جديدا ، أى على نحو آخر غير ما كان عليه فى الدنيا ، وهو ما يقوله الإسلام ؟ أولم يقل لتلاميذه إنهم سيأكلون ويشربون معه على مائدته فى الملكوت ( لوقا : 22 : 29 – 30 ) ؟ فما الفرق بين الشراب والطعام وبين الجنس ؟ أليست كلها متعا من متع هذه الدنيا التى تتأففون منها نفاقا
ورياء ، وأنتم غارقون فيها إلى أذقانكم ؟(1/16)
ثم أين كان آدم وحواء فى بدء أمرهما ؟ ألم يكونا فى الجنة ؟ فماذا كانا يفعلان هناك ؟ يقول " كتابكم المقدس " إن هذه الجنة كان فيها أشجار حسنة المنظر طيبة المأكل ، وإن الرجل يترك أباه وأمه ويلزم امرأته فيصيران جسدا واحدا ، وإن آدم وزوجه كانا عُرْيانين لا يشعران بخجل ، وإن الله قد ضمن لهما الخلود فيها... إلخ ( تكوين : 2 : 8 – 9 ، 24) ، فما معنى كل هذا ؟ وماذا كان أبوانا الأوَّلان يعملان فى الجنة ؟ أكانا يكتفيان بتمضية وقتهما فى التأملات الروحانية واضعَيْن أيديهما على خدودهما ليلا ونهارا ؟ كذلك يتحدث " بولس " فى رسالته الأولى لأهل كورنتس ( 15 : 35 فصاعدا ) عن " الأجساد الأخروية " التى لا تعرف الفساد ولا التحلل والتى يسميها أيضا بـ " الأجساد السماوية " و" الأجساد الروحانية " ، وفى السِّفْر المسمَّى بـ " رؤيا القديس يوحنا " وَصْفٌ مفصَّلٌ لكثير من متع الفردوس وعذابات الجحيم ، وكلها مادية كالمتع والعذابات التى نعرفها فى دنيانا هذه ، مع التنبيه بين الحين والحين إلى أن كل شىء من هذه الأشياء سيكون جديدا ولا يجرى عليه ما كان يجرى على نظيره فى الأرض من فساد ونقصان ، وهو ما لا يختلف عما قلناه ، فلم التعنت إذن ومهاجمة الإسلام نفاقا وحقدا ؟ (1)
ولعلك أخي الحبيب تعرف سبب تنفيرهم من الجنة وسلبها ما فيها من
__________
(1) انظر : السابق .(1/17)
نعيم ، إنهم يريدون تشويه صورتها في أعين المسلمين ؛ حتى لا يعملوا لها ويقبلوا على ملذات الدنيا دون النظر إلى جنة الآخرة وما فيها من نعيم مقيم أخبر به الصادق الأمين فقال فيما أخبر عن رب العالمين : ( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) (1)
ز) بث الشبهات حول الإسلام
لقد أثار واضعوا هذا الكتاب الكثير من الشبهات الساقطة التي باستطاعة المسلم العادي فضلا عن العالم أن يقوم بالرد عليها ، وهم بذلك يهدفون إلى تشويه صورة الإسلام عند غير المسلمين ممن لا يعرفون عن الإسلام إلا اسمه ومن هذه الافتراءات :
1) الزعم أن بالقرآن أخطاء لغوية ونحوية
بمنتهى الصفاقة زعم شورش أن القرآن الكريماحتوي علي أكثر من (100) خطأ لغوي في قواعد النحو ، أما الفرقان الجديد فليس به أخطاء ، وكنا نود منه أن يذكر لنا هذه المواضع ، والحقيقة أن كتاب الفرقان المزعوم يطفع بالأخطاء الساذجة التي لا يقع فيها طفل في المرحلة الابتدائية ولكن يأبى الله إلا أن يكشف ستر هذا الكذاب ، وسوف أنقل بعضا من أخطائه اللغوية الساذجة التى سقط فيها سقوطَ الجرادل: (2)
بدأ الكلام بواو العطف
هل رأيتم أحدا قَطّ يبدأ كلاما جديدا له بواو العطف ؟ إن هذه الواو إنما تعنى أن هناك كلاما سابقا وأن الكلام الحالىّ هو امتداد لفظى ومعنوى له ، وهو ما لا وجود له هنا لأن هذه هى بداية السورة ، وهل قبل البداية شئ ؟ وعلى رغم وضوح المسألة بل نصاعتها فإن هؤلاء اللصوص لا يراعون هذه البديهية فى عالم النحو والكتابة والأساليب ، فتجدهم يقولون مثلا فى
__________
(1) رواه البخاري في بدأ الخلق برقم3005 ومسلم في الجنة وصفة نعيمها برقم5050.
(2) انظر : السابق .(1/18)
مطلع " سورة الطهر " : " ودعانا الشيطان بأسماءٍ قُبْحَى غيّبها بأسماء حسنى مكرًا منه ... إلخ " ، وفى مطلع " سورة الرعاة " ومَثَلُ الرسول الصالح كمَثَل راع أورد رعيته وِرْدا طهورا ... " ، وفى" سورة المحرِّضين " نطالع :
" ونَهَيْنا عبادنا عن القتل ووصَّيناهم بالرحمة والمحبة والسلام ... " . وعلى نفس الشاكلة تجرى بدايات سُوَر " الإيمان والحق والطهر والزنى والمائدة والمعجزات والضالين والصيام والماكرين والأمّيِّين والصلاة والملوك والهدى " وغيرها . ترى علام يدل هذا ؟ إنه يدل على أن الأمريكان والصهاينة رغم كل تقدمهم العلمىّ والتقنىّ والعسكرىّ والسياسىّ والتخطيطىّ لا يستطيعون أن يحبكوا تآمرهم على القرآن الكريم الذى يُضْرَب بهوان أتباعه وتخلفهم في هذا العصر.
رفع خبر كان
يقول فرقانهم الباطل : " وما كان النجسُ والطمثُ والمحيضُ والغائطُ والتيممُ والنكاحُ والهجرُ والضربُ والطلاقُ إلا كومةُ رِكْسٍ لفظها الشيطان بلسانكم " ( الطهر:6)، وصوابها : " كومةَ ركس " بفتح التاء لأنها خبر " كان" )
نصب الفاعل
في سورة ( الصلاة :3) " كى يَشْهَدهم الناسَ " ، بفتح سين " الناس " رغم أنها فاعلٌ حقُّه الرفعُ بالضمة ) .
الجهل بالضمائر
وفي نفس السورة والفقرة " ذلكم هم المنافقون " ، وهى غلطة لا يمكن أن يقع فيها إلا هذ الأمريكانى من الذين يقولون : " يا خبيبى ! يا خَبّة إينى " ، أما لو كان رب العالمين هو الذى أنزل هذا الكتاب لقال : " أولئك : أولئكم هم المنافقون " ، إذ إن الكاف التى فى آخر اسم الإشارة لا علاقة لها بالمشار إليه ، الذى هو هنا " المنافقون " ، بل تتغير حسب طبيعة من نخاطبه : إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا ، أما الذى يتغير حسب تغير المشار إليه فهو اسم الإشارة نفسه . ومادام " المنافقون " جمعا فينبغى استخدام " أولئك هم المنافقون " .
ترى أَفَهِم الأوباشُ أم نُعِيد الكلام من البداية ؟(1/19)
همزة وصل جعلها قطع
في سورة ( الإخاء :11) و" الإنتقام " ، بهمزة تحت الألف ، وهو خطأ شنيع صحته " الانتقام " دون التلفّظ بالهمزة لأنها همزة وصل لا تُنْطَق ) و" بإسمنا "
( الماكرين :15) ، وهى مثل الهمزة فى " الانتقام " لا ينبغى أن تُلْفَظ ) .
عدم التفريق جمع مؤنث السالم وجمع تكسير
في سورة ( الماكرين : 7) " سلبتم أقواتِهم " ، وهو جهلٌ مُدْقِع أستغرب كيف يقع فيه شيطان ، والشياطين رغم شِرّيرِيّتهم ، لا يخطئون مثل هذه الأخطاء البدائية ، فالصواب هو فتح تاء " أقواتَهم " لأنها ليست جمع مؤنث سالما كما يظن الأغبياء ، بل جمع تكسير ، فلذلك تُنْصَب بالفتحة لا
بالكسرة ".
استبدال حظيرة بحضيرة
ورد في سورة (الرعاة : 13) وفي سورة ( والمحرّضين :10 ) "حضيرة " والصواب ، كما لا يخفى إلا على جاهل قد طمس الله على عينه وجعل على عقله غشاوة ، هو "حظيرة "
وفي سورة ( الماكرين :17) قال : " زَنُوا " من " الزنى " ، وهو خطأ لا يليق صوابه " زَنَوْا " )
نصب المضارع بغير ناصب
في سورة ( النسخ : 10) نقول له : " كن فيكونَ " بفتح نون " يكون " من غير أى داع ، والواجب ضمّها لأن الفعل المضارع لم يسبقه ناصب من أى نوع)
كسر همزة المفعول الثاني للفعل
في سورة (المشركين : 12) و" أشرك بنا من يشاركنا وِلائِنا لعبادنا "، بكسر همزة " ولاء " ، وحقها الفتح لأن الكلمة مفعول ثان للفعل ".
وما ذكر قطرة من بحر الأخطاء التي يطفح بها هذا الرجس المسمى بالفرقان.
2) الزعم بأن الإسلام انتشر بحد السيف(1/20)
حاول المؤلف القزم إثبات أن الإسلام انتشر بحد السيف ، وردد هذه الفرية في أكثر من سورة من سورهم المزيفة مثل : " سورة القتل " و" سورة الماكرين " و" سورة الطاغوت " و" سورة المحرِّضين " و" سورة الملوك " و " سورة الجزية " فقال : "وحمل الذين كفروا على عبادنا بالسيف ، فمنهم من استسلم للكفر خوف السيف والرَّدى فآمن بالطاغوت مكرهاً فسلم وضل سبيلا ، ومنهم من اشترى دين الحق بالجزية عن يد صاغراً ذليلاً ، ومنهم من تمسك بالدين الحق فقتلوه في سبيلنا" (الجزية :5) ، وجاء في (العطاء :10) " ورحتم تقتلون المؤمنين من عبادنا وتكرهون الناس بالسيف على الكفر ، وهذه سُنَّة المجرمين ، ألا تعساً للمنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون" ، وفي سورة ( القتل :5) " وبأنهم هدموا الكنائس ، وقتلوا القائمين عليها " .. واعتديتم على بيوت أذنا أن تُرفع ويذكر فيها اسمنا ، وهدمتم كنائس وبيعا يُسبح لنا فيها بالغدو والأصال ، وسعيتم لخرابها وقتلتم القانتين المؤمنين من عبادنا وتلكم أفعال المجرمين" .
وإمعاناً في وصف المسلمين بالقتلة وسفك الدماء خصهم بسورة سماها سورة (القتل :31)
وهذه الاتهام الإسلام منه برئ براءة رحم الفيل من ولد الأتَان ، فقد احترم الإسلام حرية الاعتقاد ، وقاتل من أجلها ، وجعل الأساس في الاعتقاد أن يكون بالاختيار الحر الخالي من كل إكراه ، ونصوص الكتاب والسنة وواقع المسلمين قديما وحديثا يؤكد على أن الإسلام لا يجبر أحدا على تغيير عقيدته ، انظر إلى قول الله تعالى : { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } (الكهف:29) وقوله تعالى : { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ(1/21)
الْغَيِّ } (البقرة:256) وقوله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } (الكافرون)
أحد النصارى المنصفين يرد على هذه الفرية
ولماذا نذهب بعيدا ، فقد أجريت دراسة صدرت مؤخرا بعنوان : " انتشار الإسلام بحد السيف بين الحقيقة والافتراء" لأحد المنصفين ، وهو الباحث النصراني المصري الدكتور " نبيل لوقا بباوى " أثبت فيها براءة الاسلام من تهمة نشر الإسلام بالقوة ، وسأفصح لما كتبه المجال ليكون حجة على بني جلدته ، لأنه إذا جاء الدفاع من نصراني أثاره الظلم الذي يتعرض له الإسلام فمضى يناصر الحق والعدل ، فهذا هو ما يثير الإنتباه ويدعو إلى التفاؤل ، ويؤكد أن الباطل مهما كثر أنصاره وقوي أتباعه فإن الحق في النهاية لا بد أن ينتصر ويعلو.
ناقشت الدراسة هذه التهمة الكاذبة بموضوعية علمية وتاريخية أوضحت خلالها أن الإسلام بوصفه دينا سماويا لم ينفرد وحده بوجود فئة من أتباعه لا تلتزم بأحكامه وشرائعه ومبادئه التي ترفض الإكراه على الدين وتحرم الاعتداء على النفس البشرية ، إن سلوك وأفعال وفتاوى هذه الفئة من الولاة والحكام والمسلمين غير الملتزمين لا تمت إلى تعاليم الإسلام بصلة.(1/22)
وقالت الدراسة : حدث في المسيحية أيضاً التناقض بين تعاليمها ومبادئها التي تدعو إلى المحبة والتسامح والسلام بين البشر وعدم الاعتداء على الغير وبين ما فعله بعض أتباعها في البعض الآخر من قتل وسفك دماء واضطهاد وتعذيب ، مما ترفضه المسيحية ولا تقره مبادئها ، مشيرة إلى الاضطهاد والتعذيب والتنكيل والمذابح التي وقعت على المسيحيين الأرثوذكس في مصر من الدولة الرومانية ومن المسيحيين الكاثوليك ، لا سيما في عهد الإمبراطور (دقلديانوس) الذي تولى الحكم في عام 284م ، فكان في عهده يتم تعذيب المسيحيين الأرثوذكس في مصر بإلقائهم في النار أحياء ، أو كشط جلدهم بآلات خاصة ، أو إغراقهم في زيت مغلي أو إغراقهم في البحر أحياء ، أو صلبهم ورؤوسهم منكسة إلى
أسفل ، ويتركون أحياء على الصليب حتى يهلكوا جوعا ، ثم تترك جثثهم لتأكلها الغربان ، أو كانوا يوثقون في فروع الأشجار ، ويتم تقريب فروع الأشجار بآلات خاصة ثم تترك لتعود لوضعها الطبيعي فتتمزق الأعضاء الجسدية للمسيحيين إربا إربا.
وقال الدكتور نبيل لوقا : إن أعداد المسيحيين الذين قتلوا بالتعذيب في عهد الإمبراطور " دقلديانوس " يقدر بأكثر من مليون مسيحي إضافة إلى المغالاة في الضرائب التي كانت تفرض على كل شيء حتى على دفن الموتى ، لذلك قررت الكنيسة القبطية " الأرثوذكسية " في مصر اعتبار ذلك العهد عصر الشهداء في مصر، وأرخوا به التقويم القبطي تذكيرا بالتطرف المسيحي.
وأشار الباحث إلى الحروب الدموية التي حدثت بين " الكاثوليك" و"البروتستانت " في أوروبا ، وما لاقاه " البروتستانت" من العذاب والقتل والتشريد والحبس في غياهب السجون إثر ظهور المذهب " البروتستانتي " على يد الراهب " مارتن لوثر" الذي ضاق ذرعا بمتاجرة الكهنة بصكوك الغفران.
وهدفت الدراسة من وراء عرض هذا الصراع المسيحي إلى :(1/23)
أولا ً: عقد مقارنة بين هذا الاضطهاد الديني الذي وقع على المسيحيين الأرثوذكس من قبل الدولة الرومانية ومن المسيحيين الكاثوليك وبين التسامح الديني الذي حققته الدولة الإسلامية في مصر، وحرية العقيدة الدينية التي أقرها الإسلام لغير المسلمين وتركهم أحراراً في ممارسة شعائرهم الدينية داخل كنائسهم ، وتطبيق شرائع ملتهم في الأحوال الشخصية، مصداقا لقوله تعالى في سورة البقرة: { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } (1)، وتحقيق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المسلمين وغير المسلمين في الدولة الإسلامية إعمالا للقاعدة الإسلامية " لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، وهذا يثبت أن الإسلام لم ينتشر بالسيف والقوة لأنه تم تخيير غير المسلمين بين قبول الإسلام أو البقاء على دينهم مع دفع الجزية (ضريبة الدفاع عنهم وحمايتهم وتمتعهم بالخدمات) ، فمن اختار البقاء على دينه فهو حر.. وقد كان في قدرة الدولة الإسلامية أن تجبر المسيحيين على الدخول في الإسلام بقوتها ، أو أن تقضي عليهم بالقتل إذا لم يدخلوا في الإسلام قهراً، ولكن الدولة الإسلامية لم تفعل ذلك تنفيذا لتعاليم الإسلام
ومبادئه ، فأين دعوى انتشار الإسلام بالسيف؟
ثانياً : إثبات أن الجزية التي فرضت على غير المسلمين في الدولة الإسلامية بموجب عقود الأمان التي وقعت معهم ، إنما هي ضريبة دفاع عنهم في مقابل حمايتهم والدفاع عنهم من أي اعتداء خارجي، لإعفائهم من الاشتراك في الجيش الإسلامي حتى لا يدخلوا حرباً يدافعون فيها عن دين لا يؤمنون به..
__________
(1) البقرة : 256) .(1/24)
وتقول الدراسة إن الجزية كانت تأتي أيضا نظير التمتع بالخدمات العامة التي تقدمها الدولة للمواطنين مسلمين وغير مسلمين ، والتي ينفق عليها من أموال الزكاة التي يدفعها المسلمون بصفتها ركناً من أركان الإسلام ، وهذه الجزية لا تمثل إلا قدرا ضئيلا متواضعاً لو قورنت بالضرائب الباهظة التي كانت تفرضها الدولة الرومانية على المسيحيين في مصر، ولا يعفى منها أحد ، في حين أن أكثر من 70% من الأقباط الأرثوذكس كانوا يعفون من دفع هذه الجزية ؛ فقد كان يعفى من دفعها: القصر والنساء والشيوخ والعجزة وأصحاب الأمراض والرهبان.
ثالثاً : إثبات أن تجاوز بعض الولاة المسلمين أو بعض الأفراد أو بعض الجماعات من المسلمين في معاملاتهم لغير المسلمين إنما هي تصرفات فردية شخصية لا تمت لتعاليم الإسلام بصلة ، ولا علاقة لها بمبادئ الدين الإسلامي وأحكامه ، فإنصافاً للحقيقة ينبغي ألا ينسب هذا التجاوز للدين الإسلامي ، وإنما ينسب إلى من تجاوز ، وهذا بالضبط يتساوى مع رفض المسيحية للتجاوزات التي حدثت من الدولة الرومانية ومن المسيحيين الكاثوليك ضد المسيحيين الأرثوذكس.. ويتساءل قائلا: لماذا إذن يغمض بعض المستشرقين عيونهم عن التجاوز الذي حدث في جانب المسيحية ولا يتحدثون عنه ، بينما يُجَسمون التجاوز الذي حدث في جانب الإسلام ، ويتحدثون عنه ؟! ولماذا الكيل بمكيالين ؟! والوزن بميزانين ؟!
وأكد الباحث أنه اعتمد في دراسته على القرآن والسنة وما ورد عن السلف الصالح من الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم- لأن في هذه المصادر وفي سير هؤلاء المسلمين الأوائل الإطار الصحيح الذي يظهر كيفية انتشار الإسلام وكيفية معاملته لغير المسلمين.(1/25)
ويواصل قائلا : أما ما يفعله المستشرقون من الهجوم على الإسلام والحضارة الإسلامية من خلال إيراد أمثلة معينة في ظروف معينة لموقف بعض أولي الأمر من المسلمين أو لآراء بعض المجتهدين والفقهاء ، أو لموقف أهل الرأي من المسلمين في ظروف خاصة في بعض العهود التي سيطر فيها ضيق الأفق والجهل والتعصب ، فإن هذه الاجتهادات بشرية تحتمل الصواب والخطأ ، في حين أن ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية لا يحتمل الخطأ.
ويضيف : إذا كانت هناك أفعال لبعض الولاة المسلمين أو بعض الجماعات تخالف أحكام الكتاب أو السنة فهي تنسب إلى أصحابها ، ولا يمكن أن تنسب إلى الإسلام ، وطالبت الدراسة المسلمين أن يعيدوا النظر في أسلوبهم ومنهجهم عند مخاطبة غير المسلمين ، وأن يسيروا في الطريق السليم الصحيح الذي رسمه لهم دينهم الإسلامي ، وسار فيه الرسول(S) (1) والخلفاء الراشدون من بعده ، لاسيما بعد الهجوم الشرس الذي يتعرض له الإسلام حاليا بعد أحداث
(11 سبتمبر عام 2001م ).
وأكدت الدراسة على ضرورة مخاطبة الغرب وأمريكا والعالم الخارجي بأسلوب الإقناع بعيداً عن العصبية ، لتغيير المفاهيم التي روج لها المستشرقون في الغرب ، واستغلها الساسة والمثقفون والكتاب الذين لهم موقف معاد للإسلام ، ويتحلون بروح التعصب ، لأن الإقناع بحقائق الأمور في حقيقة الإسلام هو خير وسيلة لتغيير المفاهيم في الغرب عن الإسلام عبر التاريخ وعبر التسلسل التاريخي لرسالة الإسلام.
ومضت الدراسة تدحض ما يقوله البعض من أن الإسلام انتشر بحد السيف ، وأنه قتل أصحاب الديانات المخالفة ، وأجبرهم على الدخول في الدين الإسلامي قهراً وبالعنف ، موضحة أن الرسول (S) بدأ بدعوة أصحابه في مكة ممن كان يثق فيهم ، فأسلم أبو بكر الصديق وخديجة وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وتبعهم غيرهم ، وكان الرسول
__________
(1) الصلاة على رسول الله S ليس من كلامه بالطبع .(1/26)
(S) يعرض الإسلام في موسم الحج على القبائل في مكة ، وقد اقتنع جماعة من الأوس والخزرج بدعوته وحينما عادوا إلى يثرب أو المدينة دعوا أهلها للدخول في الإسلام ، تم ذلك دون أن يستل الرسول سيفاً أو يقاتل أحداً ، بل العكس هو الصحيح ، لقد تعرض المسلمون للاضطهاد من مشركي قريش ، وكان سلاح المشركين الإهانة والضرب المفرط والتنكيل بالمسلمين بأبشع ألوان التعذيب ، ولم يفكر المسلمون بإخراج السيوف من أغمدتها.
وقالت الدراسة إن الرسول (S) أمضى في مكة ثلاث عشرة سنة يدعوهم للدخول في الإسلام بالحجة والموعظة الحسنة ، وبعد أن استتب الأمر للإسلام داخل المدينة بدأ الرسول (S) نشره خارجها بالحجة والإقناع للكفار الذين لا يؤمنون بالله وإلا فالقتال.. أما أصحاب الديانات الأخرى السماوية كاليهودية والمسيحية فكان يخيرهم بين دخول الإسلام عن اقتناع أو دفع الجزية ، فإن لم يستجيبوا يقاتلهم ، وهذا التخيير يعني أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف كما يردد بعض المستشرقين.
غزوات الرسول (S) وأسبابها
ثم جاءت موقعة بدر التي لم تكن من أجل نشر الإسلام بحد السيف ، بل كان وراءها رغبة المسلمين في استرداد جزء من حقوقهم المغتصبة وأموالهم ومنازلهم التي تركوها في مكة رغما عنهم قبل الهجرة ، فخرجوا لأخذ قافلة تجارية لقريش ، وعندما علمت قريش بذلك خرجوا بأسلحتهم لقتال المسلمين.
ثم كانت موقعة أحد دفاعاً عن النفس والدعوة الإسلامية ، لأن كفار قريش بقيادة أبي سفيان توجهوا من مكة إلى جبل أحد بالقرب من المدينة للقضاء على الدعوة الإسلامية في مهدها قبل أن تنتشر في شبه الجزيرة العربية.(1/27)
ثم كانت موقعة الخندق أيضا دفاعا عن النفس ، بعد أن قام اليهود بتجميع الأحزاب من القبائل ، وعلى رأسهم قريش لمهاجمة المسلمين في المدينة وقتل الرسول (S) ، وقد ثبت في موقعة الخندق أن اليهود هم المحرضون الأساسيون لها ، فقد حرضوا قريشاً ، ثم توجهوا إلى قبيلة غَطَفان وقبيلة بني مُرة ، ثم توجهوا إلى قبائل سليم وأشجع وفزارة وسعد وأسد وحرضوهم على قتال المسلمين ؛ لذلك فقد كان الرسول (S) معه كل الحق حينما طردهم من المدينة ، لأنهم نقضوا العهد الذي أبرمه معهم ، وانضموا في موقعة أحد إلى أعداء الإسلام ، وكانوا كالشوكة في ظهر المسلمين أثناء وجودهم في المدينة بإعطاء أسرارهم لكفار قريش وإحداث المشاكل داخل المدينة ومحاولة الوقيعة بين الأنصار والمهاجرين.
وبعد صلح الحديبية نجد الإسلام ينتشر بين قادة قريش عن اقتناع ، حيث اسلم " خالد بن الوليد " و" عمرو بن العاص " وتوجها بإرادتهما الحرة من مكة إلى المدينة لمقابلة الرسول (S) وأسلما أمامه وبايعاه .
موقف المسلمين من اليهود
وفي الوقت الذي يدعي فيه البعض أن الإسلام يقتل أصحاب الديانات الأخرى ويجبرهم على الدخول في الإسلام ، فإن الرسول (S) بمجرد قدومه إلى المدينة المنورة عقد تحالفا مع اليهود المقيمين هناك ، وذكرت الوثيقة أن اليهود الموجودين في المدينة لهم عهد وذمة الله ، وأنهم آمنون على حياتهم وعلى دينهم وأموالهم ويمارسون شعائرهم الدينية ، ورغم ذلك فقد خانوا المسلمين ونقضوا العهود.
ويقول بعض المستشرقين وعلى رأسهم (مرجليوث) : إن الغرض الأساسي من إغارة المسلمين على اليهود إنما هو الحصول على الغنائم ، وهذا غير(1/28)
صحيح ، لأن السبب الرئيسي في طرد اليهود من المدينة أنهم نقضوا العهد ، ولم يتعاونوا مع المسلمين في الدفاع عن المدينة ، وتحالفوا مع أعداء المسلمين ، ولذا كان جلاء اليهود ضرورة لتأمين الجبهة الداخلية حماية للدولة الإسلامية الوليدة ، وهو حق مشروع ، وكان رأي الصحابة هو قتل جميع اليهود ، ولكن الرسول (S) رضي بوساطة عبد الله بن أبي بن سلول في يهود بني قينقاع وأمر بإجلائهم أحياء من المدينة ، ولم يقتل منهم أحداً رغم أن المسلمين قد انتصروا عليهم.
كما أجلى يهود بنى النضير دون قتل بعد محاولاتهم الفاشلة لاغتيال رئيس الدولة المتمثل في شخص النبي محمد (S) دون أن يقتل منهم
أحدا ، ثم كان حكم الصحابي الجليل سعد بن معاذ بقتل الرجال من يهود بني قريظة بعد أن خانوا عهدهم ، وألبوا القبائل على المسلمين في غزوة الخندق.
وبعد أن علم المسلمون بخطة يهود خيبر في الهجوم على المدينة بدأوا
بالهجوم ، ولم يقتلوهم ولم يجبروهم على الدخول في الإسلام بعد أن قبلوا بدفع الجزية ، وقد أرسل الرسول (S) رسائله إلى جميع الملوك والأمراء في السنة السابعة من الهجرة يدعوهم إلى دخول الإسلام.
ولم يرسل الرسول (S) أي قوات لإجبار أحد على الدخول في الإسلام باستثناء حالة واحدة حين أرسل حملة لتأديب أمير مؤتة الذي قتل رسوله الحارث بن عمير الأزدي عندما كان في طريقه إلى أمير بصري ليدعوه إلى دخول الإسلام ، ولم يكن هدف الحملة نشر الإسلام بحد السيف ، ولكنها كانت لمعاقبة أمير مؤتة شرحبيل بن عمرو الغساني لفعلته اللاإنسانية في جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة عام 629م.(1/29)
ولو كان الرسول (S) يريد نشر الإسلام بحد السيف أو يريد الغنائم كما يدعي بعض المستشرقين لكان ترك تبوك وتوجه إلى قوات قيصر الروم المتحصنة داخل الحصون في بلاد الشام وحاصرها من الخارج وقطع عنهم الطعام والمؤن ، ومن المؤكد أنها كانت سوف تستجيب لمطالبه إذا طال الحصار عليهم ، ولكنه لم يفعل ذلك لا مع أهل تبوك ولا مع ثقيف قبلهم في غزوة حنين ، لأن غرضه الأساسي الدفاع عن النفس والدفاع عن الدعوة الإسلامية ، وإن كان هذا لا يمنع البدء بالهجوم إذا علم أنه سيهاجم باعتبار أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم.
والسؤال الذي يطرح نفسه على بعض المستشرقين ، أين هو انتشار الإسلام بحد السيف في عام الوفود ؟ وها هي الوفود من القبائل على رأسها زعماء القبائل وسادتها يأتون طواعية إلى المدينة المنورة ، ويتحملون عبء السفر رغم وعورة الطرق في ذلك الوقت ، وإثر دخولهم المدينة يتوجهون لمقابلة الرسول
(S) بحر إرادتهم يعلنون إسلامهم باسم قبائلهم.
وتؤكد الدراسة أن حروب الردة التي قادها الخليفة الأول أبو بكر الصديق لم تكن لنشر الإسلام ، ولكنها كانت للحفاظ على وحدة الدولة الإسلامية ، بعد أن دخلت جميع قبائل العرب في حيز الدولة الإسلامية بكامل إرادتها ، ومنها من يدفع الجزية ، ومنها من يدفع الزكاة.
وتشير الدراسة إلى أن الذي قتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يصلي في المسجد كان رجلا مسيحيا من أهل الذمة ، ورغم ذلك أوصى عمر من بعده بأهل الذمة خيراً ، وأن يوفى بعهدهم وأن يقاتل عنهم وألا يكلفوا فوق طاقتهم.(1)
أقول : لا تعليق بعد هذا الكلام المفحم من أحد النصارى المنصفين !!
3) الجزية
__________
(1) انظر http:www.zizafoon.net:showthread.php?t355(1/30)
أكثر كاتب " الضلال المبين " الكلام عن الجزية بصورة غير صحيحة ، حتى ليخيَّل لمن لا يعرف الأمر أن المسلمين كانوا يصادرون أموال الأمم التى يفتحون بلادها ، مع أن المبلغ الخاص بالجزية لم يكن يزيد على بضعة دنانير فى العام عن الشخص الواحد ، فضلا عن أنه لم تكن هناك جزية على الأطفال والنساء والشيوخ والرهبان . وفى المقابل كان غير المسلمين يُعْفَوْن من دفع الزكاة على عكس المسلم ، كما كانوا يُعْفَوْن من الاشتراك فى الحرب . وبهذا يكون المسلمون قد سبقوا كالعادة إلى مبدأ الإعفاء من الحرب على أساس مما نسميه الآن : " تحرُّج الضمير " ، إذ لمّا كان أهل البلاد المفتوحة غير مسلمين كانت الحرب تمثّل لهم عبئًا نفسيًّا وأخلاقيا أراد الإسلام أن يزيحه عن كاهلهم بطريقة واقعية سمحة .
وفضلا عن هذا فإن المسلمين ، فى الحالات التى لم يستطيعوا فيها أن يحموا أهل الذمة ، كانوا يردون إليهم ما أخذوه منهم من جزية ، إذ كانوا ينظرون إليها على أنها ضريبة يدفعها أهل الذمة لقاء قيامهم بالدفاع عنهم.
ومع ذلك كله يُبْدِئ الشياطين مزيفو " الضلال المبين " ويُعِيدون فى مسألة الحروب الإسلامية مدَّعين بالباطل أن المسلمين كانوا يقتلون أهل البلاد التى يفتحونها إلا إذا دفعوا الجزية : " وحَمَل الذين كفروا على عبادنا بالسيف فمنهم من استسلم للكفر خوفَ السيف والرَّدَى فآمن بالطاغوت مُكْرَهًا فسَلِم وضلَّ سبيلا * ومنهم من اشترى دين الحق بالجزية عن يدٍ صاغرًا ذليلا * ... * وزعمتم بأننا قلنا : قاتلوا الذين لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون صُغْرا " (سورة الجزية 5 : 12 ) . والملاحظ أن الشياطين يخلطون عن عمد بين القتال والقتل ، فالآية تقول :
" قاتلوا " لا " اقتلوا " ، والفرق واضح لا يحتاج إلى تدخل من جانبى .(1/31)
ومعنى الآية أنه ينبغى على المسلمين أن يهبوا لمقاتلة الروم ، الذين شرعوا فى ذلك الحين يتدخلون فى شؤون الدولة الإسلامية الوليدة متصورين أنها لقمة سائغة سهلة الهضم لن تأخذ فى أيديهم وقتا ، فكان لا بد من قطع هذه اليد النجسة ، وإلا ضاع كل شىء . كما كان لا بد أيضا من أخذ الجزية منهم عن يدٍ وهم صاغرون جزاءً وفاقا على بغيهم واستهانتهم بالمسلمين وتخطيطهم لاجتياح دولتهم دون أن يَفْرُط منهم فى حقهم أى ذنب !
وعلى أية حال فإن النصارى مأمورون بحكم دينهم أن يدفعوا " الجزية " (هكذا بالنص) لأية حكومة يعيشون فى ظلها وأن يعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله ، وهذا النص كما في إنجيل متى :" 15فَذَهَبَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَتَآمَرُوا كَيْفَ يُوْقِعُونَهُ بِكَلِمَةٍ يَقُولُهَا. 16فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ بَعْضَ تَلاَمِيذِهِمْ مَعَ أَعْضَاءِ حِزْبِ هِيرُودُسَ ، يَقُولُونَ لَهُ: «يَامُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ النَّاسَ طَرِيقَ اللهِ فِي الْحَقِّ، وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ لأَنَّكَ لاَ تُرَاعِي مَقَامَاتِ النَّاسِ، 17فَقُلْ لَنَا إِذَنْ مَا رَأْيُكَ؟ أَيَحِلُّ أَنْ تُدْفَعَ الْجِزْيَةُ لِلْقَيْصَرِ أَمْ لاَ؟» 18فَأَدْرَكَ يَسُوعُ مَكْرَهُمْ وَقَالَ: «أَيُّهَا الْمُرَاؤُونَ، لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ 19أَرُونِي عُمْلَةَ الْجِزْيَةِ!» فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَاراً. 20فَسَأَلَهُمْ: «لِمَنْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَهَذَا النَّقْشُ؟» 21أَجَابُوهُ: «لِلْقَيْصَرِ!» فَقَالَ لَهُمْ: «إِذَنْ، أَعْطُوا مَا لِلْقَيْصَرِ لِلْقَيْصَرِ، وَمَا لِلهِ لِلهِ» 22فَتَرَكُوهُ وَمَضَوْا، مَدْهُوشِينَ مِمَّا سَمِعُوا"(1)
__________
(1) إنجيل متى :22/ 15: 22 ، مرقس :21/ 13: 17(1/32)
كما أن " بولس " ، الذى يخالف فى غير قليل من أحكامه ما قاله نبيُّه ، قد كرر هنا نفس ما قاله السيد " المسيح " فأمرهم بالخضوع لأية حكومة تبسط سلطانها عليهم وألا يحاولوا إثارة الفتن ، لأن تسلط هذه الحكومات عليهم إنما هو بقَدَر من الله كما قال لهم ، ومن ثم لا ينبغى التمرد على سلطانها ، بل عليهم دفع الجزية والجبايات دون أى تذمر : " لِتَخْضَعْ كلُّ نفس للسلاطين العالية ، فإنه لا سلطان إلا من الله ، والسلاطين الكائنة إنما رتَّبها الله * فمن يقاوم السلطان فإنما يعاند ترتيب الله ، والمعاندون يجلبون دينونة على أنفسهم * لأن خوف الرؤساء ليس على العمل الصالح بل على الشرير . أفتبتغى ألا تخاف من السلطان ؟ افعل الخير فتكون لديه ممدوحا * لأنه خادمُ الله لك للخير . فأما إن فعلتَ الشر فَخَفْ فإنه لم يتقلد السيف عبثا لأنه خادمُ الله المنتقمُ الذى يُنْفِذ الغضب على من يفعل الشر * فلذلك يلزمكم الخضوع له لا من أجل الغضب فقط بل من أجل الضمير أيضا * فإنكم لأجل هذا تُوفُون الجزية أيضا ، إذ هم خُدّام الله المواظبون على ذلك بعينه * أدُّوا لكلٍّ حقه : الجزية لمن يريد الجزية ، والجباية لمن يريد الجباية ، والمهابة لمن له المهابة ، والكرامة لمن له
الكرامة " (1) وهذا الكلام خاص بخضوع النصارى للحكومات الوثنية ، فما بالنا بالحكومات المسلمة المؤمنة الموحِّدة التى لم يسمع أحد أنها فعلت بالنصارى ولا واحدا على الألف مما كانت تلك الحكومات تفعله بهم بشهادة المنصفين منهم ؟
__________
(1) رسالة القديس بولس إلى أهل رومية : 13 / 1 – 7 .(1/33)
وهذه هي التشريعات اليهودية التى تتسم بالقسوة الوحشية المفرطة فى معاملة الأعداء فى الحرب وبعد الحرب على السواء دون التقيد بأية التزامات أخلاقية أو إنسانية . ولسوف أقتصر هنا على نص واحد من النصوص التى وردت فى العهد القديم خاصة بالحرب ، جاء فى الإصحاح العشرين من سفر التثنية " : " وإذا تقدَّمْتَ إلى مدينة لتقاتلها فادْعُها أولا إلى السلم * فإذا أجابتك إلى السلم وفتحت لك فجميع الشعب الذين فيها يكونون لك تحت الجزية ويتعبدون لك * وإن لم تسالمك بل حاربتك فحاصَرْتَها * وأسلمها الرب إلهك إلى يدك فاضرب كل ذَكَرٍ بحدّ السيف * وأما النساء والأطفال وذوات الأربع وجميع ما فى المدينة من غنيمة فاغتنمها لنفسك ، وكُلْ غنيمةَ أعدائك التى أعطاكها الرب إلهك * هكذا تصنع بجميع المدن البعيدة منك جدا التى ليست من مدن أولئك الأمم هنا* وأما مدن أولئك الأمم التى يعطيها لك الرب إلهك ميراثًا فلا تستَبْقِ منها نسمة * بل أَبْسِلْهم إبسالا ... " (1)
ومع ذلك كله يظل هؤلاء المناكيد يرددون أكاذيبهم عنا وعن قسوتنا وإكراهنا غيرنا على الدخول في ديننا ... إلى آخر تلك المفتريات اللعينة ، ولكن ما وجه الغرابة في هذا ، وقد اجترأوا على الله نفسه فصنعوا كلاما سمجا كله كفر وسوء أدب وسفاهة وتطاول على رسول الله S، ثم ادَّعَوْا أنه من عند رب العالمين ؟ هل من يفعل ذلك يمكن أن يطمئن له عاقل ذو ضمير ؟ هل من يفعل ذلك يمكن أن يكون فى قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ؟ وفى النهاية أرجو أن يكون القارئ قد تنبه لحكاية " الجزية " فى النصوص السابقة المأخوذة من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد جميعا ، فإنها تكذِّب الأوغاد المجرمين مخترعى الوحى المزيف وناسبيه لرب العالمين كفرًا منهم وإلحادا ، إذ يزعمون أن الرسول S هو الذى اخترع " الجزية " من عنده وأنها لم تنزل من السماء!.
__________
(1) سفر التثنية : ( 20 / 10 – 17 ) .(1/34)
4) القرآن الأمريكي وقضايا المرأة
تناول الفرقان المزعوم المرأة في مواضع كثيرة ، بل خصها بأربع سور هي: (النساء 24) ، و(الزواج 25) ، و(الطلاق 26) ، و(الزنى 27) ، وأثار فيها قضايا التعدد ، والسبي ، وقوامة الرجل ، والميراث ، وشهادة المرأة ،
وملامستها ، وزعموا أن الإسلام امتهن المرأة كما تزعم جمعيات حقوق الإنسان الغربية الكافرة بأن الإسلام جعل المرأة سلعة تباع وتشتري بقولهم علي
الله كفرا وزورا : " وهن حرث لكم تأتون حرثكم أني شئتم ، ذلك هو الظلم والفجور فأين العدل والخلق الكريم ؟ وبدأنا خلقكم بآدم واحد وحواء واحدة فتوبوا عن شرك الزنا ووحدوا أنفسكم بأزواجكم.. فللزوج الذكر الواحد زوجة أنثي واحدة وما زاد عن ذلك فهو من الشيطان الرجيم.. فالمرأة بشرعتكم نصف وارث فللذكر مثل حظ الانثيين وهي نصف شاهد فإن لم يكن رجلان فرجل وامرأتان فللرجال عليهن درجة ، وهذا عدل الظالمين.. وإذا خشيتم عليهن الفتنة غيرة احتبستوهن بقولكم : قرن في بيوتكن ألا ساء حكم الظالمين قراراً.. فأي سلعة تبتاعون وأي بهيمة تقتنون وتسوسون؟ .
وقالوا : "يا أيها الناس: لقد زنى من كان أحد أربعة : مشركاً بزوجته
أخرى ، أو مُطلقها دون زناها ، أو زوج مطلقة ، أو ذا عين زانية ، وفعل
ذميم" (الزنى :12).
ويقول : "من طلق زوجته إلا لزناها فقد زنى ، ومن أشرك بزوجته أخرى فقد زنى ، وما للزاني إلى الجنة من طريق" (الطلاق :10).
وجاء في سورة النساء الأمريكية "يا أهل الظلم من عبادنا الضالين ، لقد اتخذتم من المرأة سلعة تباع وتشترى ، وتنبذ نبذ النوى ، مهيضة الجناح ، هضيمة الجانب وما كان ذلك من سنة المقسطين ، تقتنون ما طاب لكم من النساء كالسوائم تأسروهن حبيسات وهن حرث لكم تأتون حرثكم أنى شئتم ، ذلك هو الظلم والفجور ، فأين العدل ، فللذكر مثل حظ الانثيين وهي نصف(1/35)
شاهد ، فإن لم يكن رجلان فرجل وامرأتان ، فللرجل عليهن درجة وهذا عدل الظالمين ، وملامسة المرأة نجس تأنفون منها قائلين: إذا جاء أحدكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً. واتخذتم من المرأة مورد غريزة تطلبونها أنى شئتم ولا تطلبكم ، وتطلقونها أنى شئتم ولا تطلقكم ، وتهجرونها ولا تهجركم ، وتضربونها ولا تضربكم ، وتشركون بها مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانكم ولا تشرك بكم أحداً " (النساء :1: 8) إلى غير ذلك من السخف الذي لا ينطلي على عاقل .
ويمكن جمع شبهات أصحاب هذا الكتاب بالنسبة للمرأة فيما يأتي :
تعدد الزوجات .
الطلاق .
مساواة المرأة بالرجل .
ميراث المرأة .
لمس المرأة .
1) تعدد الزوجات
لقد عاب مؤلف هذا الضلال على الإسلام أن شرع تعدد الزوجات ، ويعد أهل اللواط والسحاق تعدد الزوجات زِنًى وإشراكا بالله ، وكأنهم يؤلهون المرأة ويعدّون من يأخذ معها زوجة أخرى مشركا ، ولو أنهم قالوا إن تعدد الزوجات من المحرمات لكانت المسألة أهون أما الزعم بأن الزواج بأكثر من واحدة هو زنى وشِرْكٌ فَجُنونٌ مُطْبِقٌ ، وللرد على هذه الشبهة الباطلة أقول :
أولا : إن العهد القديم الذي يؤمن به هؤلاء يقول : إن إبراهيم وموسى وسليمان وداود وغيرهم عليهم السلام من أنبياء بني إسرائيل كانوا من أهل التعديد واتهام المسلمين بهذه التهم هو اتهام لأنبياء بني إسرائيل
جميعا ، أليس كذلك أيها العقلاء ؟
ثانيا : لم يأت في الإنجيل نص صريح منسوب لنبي الله عيسى - عليه السلام - يحرم(1/36)
التعدد ، أما النص الذي زعم مؤلف " إنجيل متى " أنه من كلام المسيح - عليه السلام -وفهم منه القوم أنه يحرم التعدد فلايفهم منه تحريم التعدد بحال من الأحوال فالنص يتحدث عن الطلاق ! يقول متى : " 3وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ يُجَرِّبُونَهُ، فَسَأَلُوهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ لأَيِّ سَبَبٍ؟» 4فَأَجَابَهُمْ قَائِلاً: «أَلَمْ تَقْرَأُوا أَنَّ الْخَالِقَ جَعَلَ الإِنْسَانَ مُنْذُ الْبَدْءِ ذَكَراً وَأُنْثَى، 5وَقَالَ: لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَتَّحِدُ بِزَوْجَتِه ِ، فَيَصِيرُ الاثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً؟ 6فَلَيْسَا فِيمَا بَعْدُ اثْنَيْنِ، بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَلاَ يُفَرِّقَنَّ الإِنْسَانُ مَا قَدْ قَرَنَهُ اللهُ !» 7فَسَأَلُوهُ: «فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى بِأَنْ تُعْطَى الزَّوْجَةُ وَثِيقَةَ طَلاَقٍ فَتُطَلَّقُ؟» 8أَجَابَ: «بِسَبَبِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ، سَمَحَ لَكُمْ مُوسَى بِتَطْلِيقِ زَوْجَاتِكُمْ. وَلَكِنَّ الأَمْرَ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا مُنْذُ الْبَدْءِ. 9وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الَّذِي يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ لِغَيْرِ عِلَّةِ الزِّنَى، وَيَتَزَوَّجُ بِغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ يَرْتَكِبُ الزِّنَى. وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ، يَرْتَكِبُ الزِّنَى». 10فَقَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «إِنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَةَ الزَّوْجِ مَعَ الزَّوْجَةِ، فَعَدَمُ الزَّوَاجِ أَفْضَلُ!» 11فَأَجَابَهُمْ: «هَذَا الْكَلاَمُ لاَ يَقْبَلُهُ الْجَمِيعُ، بَلِ الَّذِينَ أُنْعِمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ. 12فَإِنَّ بَعْضَ الْخِصْيَانِ يُوْلَدُونَ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ خِصْيَاناً؛ وَبَعْضُهُمْ قَدْ خَصَاهُمُ النَّاسُ؛ وَغَيْرُهُمْ قَدْ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ هَذَا،(1/37)
فَلْيَقْبَلْهُ! "(1)
هذا هو نص الكلام الذي ذكروا أن عيسى - عليه السلام - قد قاله في تعدد الزوجات وفهموا منه أنه يحرّم هذا النظام الذي أقره الأنبياء جميعا ، ومن الواضح أن عيسى - عليه السلام - ( إن صدّقنا أنه هو قائل هذا النص ) لم يتطرق لموضوع التعدد من قريب أو بعيد ، إذ كان الكلام كله عن الطلاق ، وإذا كان قد عرَّج على سبيل الاستطراد إلى موضوع " الإضراب عن الزواج " ، فهذا أيضا لا علاقة له بالتعدد من قريب أو بعيد ، ثم جاء " بولس" الذي قلب كيان النصرانية رأسًا على عقب ، فقال في رسالته الأولى إلى أهل كورِنْتُس (7 :1 – 2 ) :" أما من جهة ما كتبتم به إلىَّ فحسَنٌ للرجل ألا يَمَسّ امرأة * ولكن لسبب الزنى فلتكن لكل واحدٍ امرأته ، وليكن لكل واحدةٍ رجلها " ، وإن فُهِمَ من حديثٍ آخَرَ له أن هذا الحظر إنما هو خاصّ بالشمامسة . (2)
وهذا كلام يدل أقوى دلالة على أن هذا الرجل لم يكن يتمتع بأي فهم للطبيعة البشرية : فالإنسان لا يتزوج فقط من أجل ألا يقع في الزنى ، بل لأن الحياة لا يمكن أن تستمر إلا عن طريق لقاء الذكر والأنثى ، كما أن الحب وممارسة الجنس يشكلان متعةً من أحلى متع الحياة الإنسانية وأعمقها ، متعةً ينبغي على المؤمن أن يشكر المولى عليها لا أن ينظر إليها على أنها بلوى أقصى ما يمكنه تجاهها هو الصبر عليها في مضض وتأفف ، ولو أن نصائح بولس هذه قد أُخِذ بها لكان فيها نهاية الحياة !
__________
(1) متى : 3/ 12.
(2) تيموتاوس 1 / 12.(1/38)
ثالثا : هذا الموقف من التعدد لم يتبناه جميع النصارى فقد ظهر منهم رجال دين يبيحون الزواج مرة ثانية وثالثة ورابعة ، بل ويبيحون الجمع بين أكثر من زوجة ، ومن هؤلاء فرقة " الان نابتست " Ananabaptistes ، " والمورمون" Mormons ، وهؤلاء الأخيرون ظلوا يمارسون التعدد حتى أوائل القرن التاسع عشر (1) ، بل ظهرت دعوات من مفكريهم وعلمائهم تدعو إلى إباحة التعدد الزوجات وبخاصة بعد أن عانت أوروبا من نقص شديد في عدد الرجال نتيجة للحربين العالميتين التي قتل فيهما أكثر من ثمانية وأربعين مليون رجل (2) ، وكذلك لانتشار الفواحش والزنا وزيادة عدد اللقطاء ومن هؤلاء " بول بيرو Boul Bureou " و"فردينا ند دريفوس Ferdinand Dryfus " ، و " بن لندسي Ben Lindsey " ، وغيرهم . (3)
رابعا : هل انتهى التعدد بمجرد وجود هذه التشريعات ؟ الحق أنه موجود لكنه تعدد إباحي فاسق فاجر ، وإليك صورة موجزة عن أحوال المرأة في المجتمعات الغربية وغيرها من المجتمعات التي أخذت بقانون منع الزواج بأكثر من زوجة .
__________
(1) محمود سلام زناتي ، النظم القانونية الإفريقية وتطورها (1966) ص101 ـ 107.
(2) قتل في الحرب العالمية الأولى 5 ـ 8 مليون كما أشار إلى ذلك نور الدين حاطوم في الموسوعة التاريخية الحديثة ـ تاريخ القرن العشرين (لبنان ، 1385 ـ 1965) ص 122. وفي الحرب العالمية الثانية قتل أكثر من 40 مليون عن :
Encyclopaedia International (U.S.A : 1981) voi . 19 P 493
(3) انظر: الدكتور مازن صلاح مطبقاني ، الزواج مثنى وثلاث ورباع الأسباب والضوابط ص 6 .(1/39)
وقد تبدو الأرقام التي سنوردها عن الخيانة الزوجية مبالغاً فيها ، ولكن المصدر الذي أورد هذه الإحصائية وهي جريدة عربية يومية تصدر في لندن وليس بقصد انتقاد الغرب أو إظهار محاسن الإسلام بل لكونها مجرد خبر صحفي ، فقد جاء في هذه الإحصائية (29/5/1980) أن 75% من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوروبا ، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشئ ذاته (1) ،
وقد أفادت بعض الإحصائيات أنه :
يغتصب يومياً في أمريكا (1900) فتاة ، 20% منهن يغتصبن من قبل آبائهن!! .
(1,553.000) حالة إجهاض أجريت على النساء الأمريكيات سنة 1980م (30%) منها لفتيات لم يتجاوزن العشرين من أعمارهن. بينما تقول الشرطة: إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك !!.
82 ألف جريمة اغتصاب منها 80% وقعت في محيط الأسرة والأصدقاء
يتم اغتصاب امرأة واحد كل (3 ) ثوان ٍ سنة 1997م .
مليون امرأة تقريباً عملن في البغاء بأمريكا خلال الفتترة من (1980م إلى 1990م) .
(2500 مليون ) دولار الدخل المالي الذي جنته مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية سنة 1995م.
وفي بريطانيا (170 ) شابة تحمل سفاحاً كل أسبوع. (2)
__________
(1) محمد علي البار ، عمل المرأة في الميزان ص 131 .
(2) انظر : http:www.lahaonline.com:Family:HerandHim:a1-04.c(1/40)
أما عن نتائج هذه الإباحية ومنع التعدد فحدث ولا حرج : يقول :" إيتين دينيه" (1) : " إن نظرية التوحيد في الزوجة (التي) تأخذ بها المسيحية ظاهرا تنطوي تحتها سيئات متعددة ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء , تلك هي الدعارة , والعوانس من النساء , والأبناء غير الشرعيين إن هذه الأمراض الاجتماعية ذات السيئات الأخلاقية لم تكن تعرف في البلاد التي طبقت فيها الشريعة الإسلامية تمام التطبيق وإنما دخلتها وانتشرت فيها بعد الاحتكاك بالمدنية الغربية " (2)
خامسا: إن تعدد الزوجات يعد بحق من محاسن الدين الإسلامي حيث اقتضت الحاجة إلى إباحة تعدد الزوجات ، وهاكم بعضا من هذه الأسباب التي من أجلها شرع الإسلام تعدد الزوجات :
نقص عدد الرجال وزيادة عدد النساء
من سنن الله في الكون أن الرجال أقل دائماً من النساء في كل إحصائيات الدنيا تقريباً ، وسوف يأتي زمان يُصبح الرجل الواحد في مقابل خمسين امرأة ، فقد ثبت في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ S يَقُولُ : (مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ
__________
(1) - إيتين دينيه (1861-1929) Et.Dientتعلم في فرنسا , وقصد الجزائر , فكان يقضي في بلدة بوسعادة نصف السنة من كل عام , وأشهر إسلامه وتسمى بناصر الدين (1927) , وحج إلى بيت الله الحرام (1928) .
(2) إيتين دينيه ، أشعة خاصة بنور الإسلام ص 32-33.(1/41)
الْوَاحِدُ )(1) وذلك نتيجة للحروب التي يروح فيها من أرواح الرجال أكثر مما يذهب من أرواح النساء ، ومن الأمثلة الحديثة على هذا الأمر ما وقع في أوروبا من حربين عالميتين قضت على الملايين من الرجال مما دعا بعض المفكرين الغربيين أن ينصحوا بإقرار تعدد الزوجات ، ولكن أوروبا أصمت سمعها عن النصيحة مضحية بالقيم والأخلاق .
تقول الأستاذة " لاندمان " : ليس هناك سوى عدد محدود للغاية من الرجال في العالم ، فقد قُتِل بعضهم في الحروب ، والآن حان الوقت كي تختار المرأة زوجاً من بين الرجال المتزوجين ، وأن تتفاوض مع زوجته على أن تُصبح فرداً من أفراد أسرته (2)
وفي آخر الإحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالولايات المتحدة الأمريكية تبين أن عدد الإناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من ثمانية ملايين امرأة .. وفى بريطانيا تبلغ الزيادة خمسة ملايين امرأة ، وفى ألمانيا نسبة النساء إلى الرجال هي 3 : 1 .. وفى إحصائية نشرتها مؤخرا جريدة (الميدان) الأسبوعية (3) : أن العلاقات المحرمة تزيد ، وكذلك ظاهرة الزواج العرفي في ظل وجود ملايين من النساء بلا زواج .
وأكدت الباحثتان " غادة محمد إبراهيم" و" داليا كمال عزام " في دراستهما(4) تراجع حالات الزواج بين الشباب بنسبة 90 % بسبب الغلاء والبطالة وأزمة المساكن .
__________
(1) رواه البخاري في العلم برقم 79، ومسلم في العلم ، برقم 4825.
(2) انظر: http:www.saaid.net
(3) انظر: عدد الثلاثاء 6 مايو 1997 . http:www.islamway.com.
(4) أعدت تحت أشراف أساتذة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ..http:www.islamway.com.(1/42)
وفى كل من العراق وإيران اختل التوازن العددي بين الرجال والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت بين البلدين ثماني سنوات .. فالنسبة تتراوح بين 1 : 5 في بعض المناطق ( رجل لكل خمسة نساء ) و 1 : 7 في مناطق أخرى .. ، والأمر شديد الغرابة والخطورة في "جمهورية البوسنة والهرسك " التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلاد أربع سنوات كاملة
( من عام 1992 م حتى عام 1996م ) .. فالنسبة في معظم أنحاء " البوسنة
والهرسك " هي رجل لكل (27) امرأة !! نعم 1 : 27 !!! ، ولنا أن نتخيل حجم المأساة الاجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه الشيوعية عشرات السنين ، ثم تحرر من الشيوعية المجرمة ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما .. فماذا تفعل الفتيات المسلمات اللائي لا يجدن أزواجا من المسلمين ؟ وهل نتركهن ليتزوجن من شباب " الصرب الأرثوذكس" أو" الكروات الكاثوليك " ، لأن بعض المتنطعين و المتنطعات يأبون تعد الزوجات!! أو أن هؤلاء يفضلون ويفضلن أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا ( زناة من خلف الستار ) على النمط الغربي المنحل ؟!
بالإضافة إلى أن حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها
الجنسي .. فمتعة الإشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لدى
المرأة .. بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تأثيرها أكثر بكثير ، وتجعلها تنعم بالإشباع الجنسي .. هذا ما يؤكده الدكتور سعيد عبد العظيم – أستاذ الأمراض النفسية و العصبية بطب القاهرة – ويضيف أن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق السريع إلى الانحراف أو البرود الجنسي ، بالإضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية وغيرها(1)
__________
(1) انظر: http:www.islamway.com(1/43)
وفى تحقيق ساخن عن (انفجار العوانس) تذكر السيدة تهاني البرتقالي مراسلة الأهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى زوجات كويتيات تطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة .. ويقول التحقيق الذي نشرته مجلة الأهرام العربي في عددها الأول : إن عدد عوانس الكويت حوالي (40) ألف فتاة ، وهو عدد ليس بالقليل بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل ، وهو نصف مليون نسمة ( أي أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ 16 % من عدد النساء في الكويت ، الذي يزيد على الربع مليون نسمة ) .
التعدد العلاج الوحيد لتحقيق التوازن
نريد عاقلا يجيب على هذا السؤال ماذا عن العدد الكبير من النساء اللائي لا يجدن أزواجا ؟ يحكى الدكتور " محمد يوسف موسى " ما حدث في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقد عام " 1948م " بمدينة " ميونخ الألمانية " .. فقد وجهت الدعوة إلى الدكتور " محمد يوسف " وزميل مصري له للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب العالمية الثانية .. وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة من المشاركين الغربيين ، وانتهت إلى رفضها جميعا ، لأنها قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة .
وهنا تقدم الدكتور محمد موسى وزميله الآخر بالحل الطبيعي الوحيد ، وهو ضرورة إباحة تعدد الزوجات ..
في البداية قُوبل الرأي الإسلامي بالدهشة و النفور .. ولكن الدراسة المتأنية المنصفة العاقلة انتهت بالباحثين في المؤتمر إلى إقرار الحل الإسلامي للمشكلة ، لأنه لا حل آخر سواه ..(1/44)
وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي ..وبعد ذلك بعام واحد تناقلت الصحف ووكالات الأنباء مطالبة سكان مدينة (بون) العاصمة الألمانية الغربية بإدراج نص في الدستور الألماني يسمح بتعدد الزوجات (1) وهكذا يتبين الحق ولو كره الكافرون !
عقم الزوجة
في الديانة النصرانية لا يسمح للرجل بأن يتزوج أكثر من امرأة واحدة تكون هي حظه من هذه الدنيا ، فإذا كانت زوجته عقيماً لا تلد ، وهو يتوق إلى
الأولاد ، فماذا يصنع الزوج ؟
عجز الزوجة عن القيام بالواجبات الزوجية لمرض أو سواه
وهذا تكريم آخر للمرأة ، فإن قعد بها المرض عن أداء واجباتها الزوجية فمن الوفاء لها إبقاؤها على ذمة الزوج ، والزواج بامرأة أخرى .
كراهية الرجل لزوجته
صح الخبر أن رسول الله S قال :( إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ) (2) فقد تشتد الكراهية بين المتحابين وتكثر الخصومات فبدلاً من التفريق بين الزوجين ، وبخاصة إذا كان عندهما أطفال فلا بأس أن يتزوج بأخرى ، الأمر الذي قد يؤدي إلى هدوء العش الزوجي ؛ بل وربما عودة الحب من جديد ، وكم من رجل كره زوجته وتزوج بأخرى فعاد إلى الأولى أشد حباً وتقديراً فتكون قد كسبت مرتين ، انتهاء الكراهية بينهما وازدياد حبه لها من جهة أخرى .
الدافع الجنسي
__________
(1) السابق ، وانظر : السيد سابق ، فقه السنة 2/104.
(2) أخرجه مسلم في كتاب القدر ، رقم (4798) .(1/45)
طبائع بني البشر تتفاوت وتختلف ، فمن الرجال من يكون قوي الغريزة ثائر الشهوة ، لا يتماسك أمام نداء الفطرة ، ولربما يُرزق هذا النوع من الرجال بزوجة ليست لها تلك الدرجة من الرغبة في المعاشرة ، ومن المعلوم أن المرأة يطرأ عليها مايمنع الزوج من معاشرتها شهريا ، فالمرأة تقريبا في كل عام لها (124) يوما (1) خارج نطاق الخدمة .
وهي بهذا الحال لا تشبع نهم زوجها ، ولا تهدأ فورة الشهوة عنده ، والرجل بطبعه لا يصبر كثيراً عند النساء أفلا يكون من الأخلاق والعفة أن يسمح له بامرأة حليلة عفيفة بدل أن يتخذها خليلة عشيقة ؟ ، فيا أيها العقلاء الثانية أم الزانية ؟
سادسا : الإسلام هو الدين الوحيد الذي وضع ضوابط لتعدد الزوجات ومن هذه الضوابط :
1- عدم الزيادة على أربع ، قال تعالى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } (النساء:3)
2 - القدرة على التعديد ، فيشترط فيه الاستطاعة المالية والصحية ، فإذا انتفى شرط القدرة أو الاستطاعة فلايجوز التعدد ، قال تعالى: { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَنِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } (النور:33) وصح أن رسول الله Sقال:( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) (2)
3- القدرة على تحقيق العدل ، قال تعالى : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً (النساء:3)
أقوال المنصفين في تعدد الزوجات
__________
(1) تحيض المرأة تقريبا في كل شهر (7) أيام × (12) شهر = (84) يوما ، ودم النفاس قد يستمر لـ
(40) يوما ، فيكون المجموع (124) يوما .
(2) رواه البخاري في النكاح برقم 4677، ومسلم في النكاح برقم 2485، والترمذي في النكاح برقم 1001.(1/46)
تقول الكاتبة الإيطالية " لورافيشيا فاغليري : " إنه لم يَقُم الدليل حتى الآن بأي طريقة مُطْلَقَة على أن تعدد الزوجات هو بالضرورة شرّ اجتماعي وعقبة في طريق التّقدّم … وفي استطاعتنا أيضا أن نُصرّ على أنه في بعض مراحل التّطور الاجتماعي عندما تنشأ أحوال خاصة بعينها – كأن يُقتل عدد من الذكور ضخم إلى حدّ استثنائي في الحرب مثلاً – يُصبح تعدد الزوجات ضرورة اجتماعية ، وعلى أيّة حال فليس ينبغي أن نَحْكم على هذه الظاهرة بمفاهيم العصور القديمة المتأخرة ، لأنها كانت في أيام محمد (S) مقبولة قبولاً كاملاً ، وكانت مُعتَرفاً بها من وجهة النظر الشرعية ، لا بَيْنَ العرب فحسب ، بل بين كثير من شعوب المنطقة أيضا .
وقال الفيلسوف الإنجليزي " سبنسر " في كتابه : أصول الاجتماع: " وإذا طرأت على الأمة حال اجتاحت رجالها بالحروب ، ولم يكن لكل رجل في الباقين إلا زوج ة واحدة ، وبَقيَتْ نساء عديدات بلا أزواج ، ينتج عن ذلك نقص في عدد المواليد لا محالة ، ولا يكون عددهم مساوياً لعدد الوفيات … وتكون النتيجة أن الأمة " الموحِّدة للزوجات " تفنى أمام الأمة المعددة للزوجات .
وتساءل الكاتب الشهير الفرنسي " أتيين دينيه " : " هل حَظْر تعدد الزوجات له فائدة أخلاقية ؟! ويجيب بنفسه : إن هذا الأمر مشكوك فيه لأن الدعارة النادرة في أكثر الأقطار الإسلامية سوف تتفشى بآثارها المخربة ، وكذلك سوف تنتشر عزوبة النساء بآثارها المفسدة ، على غرار البلاد التي تحظر التعدد . (1)
ويقول المستشرق " سمث " : " استطاع الإسلام أن يصون المرأة ويحفظها من الوقوع في الزنى ، وذلك من خلال النظام الأخلاقي الذي شرّعه لعلاقة الرجل بالمرأة ، بينما نجد العكس في الدول الأخرى غير الإسلامية حيث تعتبر النساء الزانيات طبقة معترف بها من طبقات المجتمع لها حقوقها واحترامها " .
__________
(1) انظر : http: www.islamway.com(1/47)
وتقول " آنّي بزانت " في دفاعها عن نظام تعدد الزوجات : شرّع الإسلام نظام تعدد الزوجات لحل المشكلات الاجتماعية والقضاء على الأمراض المترتبة على الزنى ، ودعوة الإنسان لإشباع رغباته الجنسية بشكل يتناسب مع المكانة السامية التي أرادها الله له ، والدول التي تحارب التعدد تطبق نظام التعدد في الواقع العملي ، وبشكل خَفِي عن طريق العلاقات غير المشروعة بينما يعتبر الإسلام مثل هذه العلاقات محرّمة وغير قانونية .(1)
2) الطلاق
اتخذ هؤلاء الأقزام من مشروعية الطلاق شبهة يلمزون بها الدين الإسلامي ، وللرد على هؤلاء أقول :
أولا : الطلاق في الإسلام رخصة شُرعت للضرورة ، حين تسوء العشرة ، وتستحكم النفرة بين الزوجين ، ويتعذر عليهما أن يقيما حدود الله ، وحقوق الزوجية ، وقد قيل : إن لم يكن وفاق ففراق ، قال تعالى: { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ } (النساء:130)
ثانيا : لا يعدو الكلام الوارد في الأناجيل عن الطلاق أن يكون عبارات شاعرية ساذجة لا دلالة لها على شىء فى الواقع والحقيقة ، إذ ما معنى أن ما جمعه الله لا يفرّقه إنسان ؟ إن الزواج إنما هو اختيار إنسانى قام أيضا بتوثيقه كائن إنسانى ، فشأنه إذن كشأن أى شئ آخر من شؤون الحياة ، فلماذا أُفْرِد وحده بهذا الوضع دون سائر الأمور الإنسانية ؟ أما إن قيل إن الله هو فى الحقيقة خالق كل شىء ، فإن الرد هو أنه لا مُشَاحّة فى هذا ، لكننا ضد إفراد الزواج بذلك الحكم ، ونرى أن هذا الوضع ينطبق أيضا على عملية الطلاق مَثَله مثَل أى شىء آخر .
__________
(1) ا نظر : http:www.khayma.com:samarra:arabic:waivesinislam(1/48)
ثالثا : أيضا : إن جعل جملة ما (جمعه الله لا يفرّقه إنسان) علة لتحريم الطلاق هو شيء غريب فإن معنى أن الله جمع بين الزوجين ؛ أنه أذن بهذا الزواج وشرعه ، فصح أن ينسب الجمع إلى الله ، وإن كان الإنسان هو المباشر لعقد الزواج ، فإذا أذن الله في الطلاق وشرعه لأسباب ومسوغات تقتضيه ، فإن التفريق حينئذ يكون من الله أيضا ، وإن كان الإنسان هو الذي يباشر التفريق ، وبهذا يتضح أن الإنسان لا يكون مفرقا ما جمعه الله ، وإنما المجمع والمفرق هو الله جل شأنه ، أليس الله هو الذي فرق بينهما بسبب الزنى ؟ فلماذا لا يفرق بينهما بسبب آخر يوجب الفراق !؟.
رابعا : ما الحكمة فى أن يُعْنِت الله سبحانه وتعالى عبادَه فلا يرضى أن يرحمهم من قيود الزواج إذا ثبت أنه لا أمل فى أن يجلب لطرفيه السعادة ؟(1/49)
خامسا : إن كثيرا من البلاد النصرانية قد انتهت إلى أنْ تضرب بهذه الأحكام عُرْض الحائط ، إذ وجدت أنها لا تؤدى إلا إلى التعاسة والشقاء ، وفى بعض البلاد يُقْدِم الزوج أو الزوجة فى حالات كثيرة إلى ترك النصرانية جملةً والدخول فى الإسلام ، الذى يجدانه أوفق للطبيعة الإنسانية ، والبعض الآخر يدخل في طائفة أخرى ليتسنى له الخلاص من هذا القيد المؤبد ، فإلى متى هذا الخنوع لبعض الألفاظ الشاعرية التى قد تدغدغ العواطف فى مجال التفاخر الكاذب بمثالية أخلاق دينٍ ما ، لكنها لا تجلب للمتمسكين بها إلا العَنَت والإحباط ؟ إن كثيرا من الأزواج فى المجتمعات النصرانية هم فى الواقع مطلَّقون ، لكنْ طلاقًا غير رسمى ، وهم يسمونه : " انفصالا " . وفى هذه الأثناء التى قد تطول سنين ، كثيرا ما يصعب على الزوج والزوجة تحت ضغط الغرائز أن يمتنعا عن ممارسة الجنس فى الحرام ، فلماذا كل هذا الإِعْنات ؟ وحَتَّامَ يستمر هذا العناد والنفاق ؟ إن الطلاق شديد البغض إلى الله كما قال صادقا سيدنا رسول الله S (1) ، لكن الظروف قد تضطر الواحد منا إلى فعل ما هو بغيض تجنبا لما هو أفدح وأنكى ، ومن هنا كان الطلاق عندنا حلالا رغم كونه بغيضا ، أى أن المسلم لا يُقْدِم عليه إلا إذا سُدَّت فى وجهه جميع السبل الأخرى حسبما يعرف كل من له أدنى إلمام بالشريعة الإسلامية .
سادسا : إن حالات الطلاق في موطن الفرقان الأمريكي ؛ بل في الكثير من البلاد النصرانية تفوق الوصف ، فقد جاء في بعض التقارير :
- بلغت نسبة الطلاق في أمريكا 60% من عدد الزيجات!!
__________
(1) حديث ضعيف : رواه أبوداود في الطلاق يرقم 1863، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع يرقم 44، والحديث يقول : (أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ).(1/50)
- في إسبانيا سجلت الشرطة أكثر من (500 ألف ) بلاغ اعتداء جسدي على المرأة في عام واحد ، وأكثر من حالة قتل واحدة كل يوم!! : (1)
وأفادت إحدى الإحصائيات أن حالات الطلاق في بريطانيا بسبب الخيانة الزوجية من كلا الزوجين بلغت حدا كبيرا على ما سيأتي : (2)
السنة ... حالات الطلاق ... السنة ... حالات الطلاق
1937 ... 9970 ... 1972 ... 109822
1950 ... 29096 ... 1973 ... 115048
1960 ... 27870 ... 1977 ... 146000
1969 ... 60134 ... 1979 ... 170000
1970 ... 70575 ... 1981 ... 181000
1971 ... 110017
3) مساواة المرأة بالرجل
من أكثر الشبهات التي يرددها المستشرقون والتي جاء هذا الفرقان ليرددها أن الإسلام ظلم المرأة ولم يسو بينها وبين الرجل ، ودندن صاحب هذا العفن حول حرية المرأة التي انساق خلفها قوم من بني جلدتنا ، وهؤلاء الذين يدّعون الحرية يريدون حرية التفسخ والعرى وحرية الخنوع حرية العهر والفجر التي لا تدفع عنّا ظلما ولا ترد عدوا .
ومما لا ينكره إلا جاحد أن الإسلام أكرم المرأة وأعطاها حقوقها التي تليق بها كاملة نظريا يرافقه التطبيق بكل ما في التطبيق من عدالة ودقة ، وصحح أوضاعها جميعا ، وعمل الإسلام على صيانة المرأة وحمايتها في جميع أحوالها وأوضاعها :
__________
(1) انظر : http:www.lahaonline.com:Family:HerandHim.
(2) الإنسان والدين ، مؤسسة البلاغ ، ص81.(1/51)
فهي إن كانت أماً : فقد قرنَ الله حقَّها بحقّه ، فقال : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا } (الإسراء:23) وأي تكريم أعظم من أن يُقْرِن الله حقها بحقه ، وجعلها الرسول S أحقَّ الناس بحسن الصحبة وإسداء المعروف ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ S فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ (قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ ) (1)
وقد تتشوق النفس إلى الجهاد وتشرئب إلى منازل الشهداء ، وتَخِفُّ إلى مواقع النزال ، لكي تصرع في ميادين الكرامة أو تبقى في حياة السعداء ولكن حقَّ الأبوين في البقاء معهما ، والإحسان إليهما مقدم على ذلك كله مالم يتعين الجهاد فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ S فَقَالَ إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ ( قَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا
أَبْكَيْتَهُمَا ) (2)
__________
(1) رواه البخاري في الأدب برقم 5514 ، ومسلم في البر والصلة برقم 4621.
(2) حديث صحيح : رواه النسائي في البيعة برقم 4093 ، وأبو داود في الجهاد 2166، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترغيب .(1/52)
وقد تغلبُك نفسك الأمارةُ بالسُّوء ، أو تغلبك الشياطين من الإنس والجنِّ فتلتمس أسباب التكفير لتلك الذنوب ، وموارد التطهير لتلك الأدناس ؛ ففي رضا والدتك أعظم معين على ذلك ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ S فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ قَالَ: ( هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ قَالَ لَا قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَبِرَّهَا )(1)
وهي إن كانت بنتاً : فحقها كحق أخيها في المعاملة الرحيمة ، والعطف الأبويِّ ؛ تحقيقاً لمبدأ العدالة ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ } (النحل:90) وقال تعالى : { اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } (المائدة:8) وفي حديث عن النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله S : (وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ )(2)
__________
(1) حديث صحيح : رواه الترمذي في البر والصلة برقم 1827، وابن حبان (موارد 496 ) والحاكم 4/155 ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
(2) رواه البخاري في الهبة برقم 2398 ومسلم في الهبات برقم 3055.(1/53)
ولقد شنع القرآنُ على أصحاب العقائد المنحرفة الذين يبغضون الأنثى ، ويستنكفون عنها عند ولادتها ، فقال سبحانه : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُون َ } (النحل: 58 ، 59) وهاهو رسولُ الهدى S ، يُعدّ من كبائر الذنوب تلك اليد التي تمتد للطفلة البريئة فتواريها في التراب فعَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِS أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ قَالَ : ( أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ قَالَ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ S { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ } (1) , ويرغِّب النبي S في الإحسان إليهن ، فيقولُ :( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ) وفي رواية (دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ) (2)
__________
(1) رواه البخارى فى تفسير القرآن رقم 4389، ومسلم فى الإيمان رقم 124، والترمذى فى تفسير القرآن رقم 3106، والنسائى فى تحريم الدم رقم 3948، وأبو داود فى الطلاق رقم 1966.
(2) رواه مسلم في البر والصلة رقم4765، ورواية والترمذى في البر والصلة رقم1837، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع .(1/54)
ولقد أثر هذا الأدب النبوي على أدباء الإسلام حتى كتبوا فيه صيغ التهنئة المشهورة ، حيث يهنئ الأديب من رزق بنتاً من أصحابه ، فيقول له كما في هذه القطعة الأدبية الجميلة للصاحب ابن عباد – وكان أديباً : " أهلاً وسهلاً بعقيلة (1) النساء ، وأم الأبناء ، وجالبة الأصهار ، والأولاد والأطهار ، والمبشرة بأخوةٍ يتناسقون ، ونجباء يتلاحقون .
فلو كان النساء كمن ذكرن لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب وما التذكير فخر للهلال
والله تعالى يعرِّفُكَ البركة في مطلعها ، والسعادة بموقعها ، فأدَّرع اغتباطاً واستأنفْ نشاطاً ، فالدنيا مؤنثةٌ ، والرّجالُ يخدمونها ، والأرضُ مؤنثةٌ ، ومنها خلقت البرية ، ومنها كثرت الذرية ، والسماء مؤنثة وقد زُيِّنَت بالكواكب ، وحُلِّيَتْ بالنجم الثاقب ، والنفس مؤنثة وهو قِوامُ الأبدان ، وملاك الحيوان ، والجنةُ مؤنثةٌ ، وبها وُعِدَ المتقون ، وفيها ينعم المرسلون ، فهنيئاً لك بما أُوتيتِ ، وأوزعكِ الله شكر ما أُعطيتِ (2).
وهي إن كانت زوجاً : فهي من نعم الله التي استحقت الإشارةُ والذكر
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } (الرعد:38) وهي مسألةُ عبادِ الله الصالحين { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } (الفرقان:74) وهي في الإسلام عمادُ المجتمع ، وأساسُه المتينُ ، ومن التنطع الاستنكافُ عن الزوجة ؛ بل هو خلاف هدي المصطفى S أخشى الناس وأتقاهم ، وقد عدَّ رسول الهدى S مثل هذا الفعل من التنطع والرغبة عن سنتهِ إذ هو القائلُ (فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي )(3)
__________
(1) العقيلة : السيدة .
(2) عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس ، قرى الضيف ، 3:290.
(3) رواه مسلم في النكاح برقم 2487.(1/55)
وللزوجة على زوجها حقوقٌ يحميها الشرع ، وينفذها القضاء عند التَّشاحِ ، وليست تلك الحقوق موكولةً إلى ضمير الزوج فحسب وليس المقام مقام
بسطها ، وإنما هي لمحة عابرة لبعض حقوقها عليه :
المهر : وهو عطيَّةٌ محضةٌ فرضها للمرأة ، ليست مقابل شيء ، يجب عليها بذلُهُ إلا الوفاء بحقوق الزوجية ، كما أنه لا يقبلُ الإسقاط ، ولو رضيتِ المرأةُ إلا بعد العقد : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً } (النساء:4)
النفقة عليها بالمعروف : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } (البقرة:233)
المسكن والملبس : قال تعالى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } (الطلاق:6) وبجانب هذه الحقوق المادية لها حقوقٌ معنويةٌ أخرى منها :
حرية اختيار الزوج : فليس لأبيها أن يُكْرهَهَا على ما لا تريد ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ S قَالَ : ( لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَلَا الثَّيِّبُ حَتَّى
تُسْتَأْمَرَ )(1).
يجب على زوجها أن يعلمها أصول دينها : قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } (التحريم:6)
أن يغار عليها ويصونها من العيون الشريرة : والنفوس الشرهة ، فلا يوردها مشارع الفساد ، ولا يغشى بها دُور اللهو والخلاعة ، ولا ينزع حجابها بحجة المدنية والتطور .
أن يترفع عن تلمس عثراتها وإحصاء سقطاتها : ولذا كان النبيُّ S يكره أن يأتي الرجل أهله طُرُوقاً) (2).
__________
(1) رواه البخاري في الحيل برقم 6453 و ومسلم في النكاح برقم 2543 .
(2) انظر: ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 9/ 339 ، والطُّرُوق : المجيء بالليل من سفر ، أو من غيره على غفلةٍ .(1/56)
المعاشرة بالمعروف والإحسان : فلا يَسْتفزُّه بعضُ خطئها ، أو يُنْسيه بعضُ إساءتها : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } (النساء:19) فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ S (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا )(1).
وهي إن لم تكن أماً ولا بنتاً ولا زوجة : فهي من عموم المسلمين ، يُبْذل لها من المعروف والإحسان ما يُبذل لكل مؤمن ، ولها على المسلمين من الحقوق مايجب للرجال .
هذه لمحة سريعة عن صور من إكرام الإسلام للمرأة ، لا يمكن أن توجد في أي مجتمع من المجتمعات بدون الإسلام ، بل الأعداء الذين جاءوا إلى بلاد المسلمين قد أقرُّوا بأنه لا يوجدُ دينٌ أكرم المرأةَ كما أكرمها الإسلامُ ، ولا شريعةٌ أعزََّت المرأة ورفعت من رأسها ، وأعطتها كامل حقوقها كما فعل الإسلامُ.
وقد زعم واضعوا هذا الكتاب المهزلة أن الإسلام ظلم المرأة ، ولم يساو بين الرجل والمرأة وبادئ ذي بدء أقول :
أولا : إن طلب المساواة يتنافى مع فطرة الله التي فطر الجنسين عليها ، إن الجنس الواحد رجلاً أو امرأة لا يمكن أن يطلب أحدٌ المساواة بين أفراده كافة ، بل إنَّ الحياة كلها تفسد لو أريد مثل هذه المساواة ، بل إن قوانين المادة كلها في هذه الحياة قائمة على التميز والتباين فإذا كان لا يمكن المساواة بين جنس الرجال فكيف بين جنس الرجال والنساء ؟!
ثانيا : إننا بجانب رفضنا لمبدأ المساواة المطلق ، نعتقد أن هناك قدراً من المساواة بين الرجل والمرأة ، والذي ينبغي أن يطلق عليه بأنه عَدْلٌ وليس بمساواة.
أ - فالمرأة تساوي الرجل في أصل التكليف بالأحكام الشرعية مع بعض الاختلاف في بعض الأحكام التفصيلية .
__________
(1) رواه مسلم في الرضاع برقم 2672 ، يَفْرَك : يبغض : والفرك : البغض .(1/57)
ب - والمرأةُ تساوي الرجل في الثواب والعقاب الدنيوي والأخروي في الجملة ، قال تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم ٌ } (التوبة:71)
ج - والمرأة تساوي الرجل في الأخذ بحقها ، وسماع القاضي لها .
د - والمرأة كالرجل في تملكها لمالها ، وتصرُّفُها فيه .
هـ - وهي كالرجل في حرية اختيار الزوج ، فلا تكره على مالاتريد.
ثالثا : إن مما يميز الإسلام أنه يحتفظ الرجل برُجُولته ، ومن أجل هذا حُرِّم عليه الذهب والحرير ، وأن تبقى المرأة محتفظة بأنوثتها ، ومن أجل ذلك حُرِّم عليها الاختلاط بالرجال ، والتَّبَذُّلُ أمامهم ، وغشيان تجمعاتهم.
رابعا : إن المساواة المزعومة التي يتشدق بها هؤلاء الأفاكون لم تجن المرأة من ورائها إلى الضياع والخسران ، وواقعهم أصدف دليل على هذا .
تؤكد آخر الإحصائيات عن أحوال المرأة في العالم الغربي أنها تعيش أتعس فترات حياتها المعنوية على رغم البهرجة المحيطة بحياة المرأة الغربية التي يعتقد بعض الناس أنها نالت حريتها ، والمقصود من ذلك هو النجاح الذي حققه الرجل في دفعها إلى مهاوي ممارسة الجنس معه من دون عقد زواج يتوج مشاعرها ببناء أسرة فاضلة. (1)
وشهد شاهد من أهلها
__________
(1) انظر : http:www.al-mostaqbal.com:mostaqbal154:news .(1/58)
هذه صحفية أمريكية تدعى ( هيلسيان ستانسبري ) بعد أن أمضت في القاهرة عدة أسابيع ، ثم عادت إلى بلادها ، تقول : " إن المجتمع العربي كاملٌ وسليمٌ ، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليدِهِ التي تُقَيِّدُ الفتاة والشاب في حدود المعقول ، وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوروبي والأمريكي ، فعندكم أخلاقٌ موروثةٌ تحتِّم تقييد المرأة ، وتُحتِّم احترام الأب والأم ، وتُحَتِّم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية ؛ التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا ... امنعوا الاختلاط وقيّدوا حرية الفتاة ، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب ، فهذا خيرٌ لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا ، لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعاً معقداً مليئاً بكلِّ صور الإباحية والخلاعة .. وإن ضحايا الاختلاط والحرية يملؤون السجون والأرصفة والبارات والبيوت السرية ، إن الحرية التي أعطيناها لفتياتنا وأبنائنا الصغار قد جعلت منهم عصابات أحداث وعصابات للمخدارت والرقيق. (1)
وتقول الكاتبةُ ( آرنون ) : " لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادمَ خيرٌ وأخفُّ بلاءً من اشتغالهن بالمعامل ، حيثُ تصبحُ المرأة ملوثةً بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة " (2)
وتقول (بتراكيلي) وهي عضو البرلمان في ألمانيا الاتحادية بمرارة شديدة: " نحن معشر النساء نعامل في ألمانيا كأقليّة ، كما يعامل المرضى والطبقات الدنيا من المجتمع والأطفال ، فهم يصوّروننا كمادّة للاباحية الجنسية ويعتبرون استخدام العنف معنا شيئاً طبيعاً ، ففي كل (15) دقيقة تقع امرأة واحدة فريسة للاغتصاب.
__________
(1) الدكتور: عبد الله وكيل الشيخ ، المرأة وكيد الأعداء ، ص 10 بتصرف.
(2) الدكتور : ناصر العمر ، فتياتنا بين التغريب والعفاف ، ص 56 .(1/59)
ونختم القول بشهادة إحدى داعيات الحرية والمساواة ، وهي حينما تتكلم تتكلم عن تجربة ومعاناةٍ ، وبعد زمن طويل في درب هذه الحرية والمساواة المزعومة ، تقول الكاتبةُ الكويتية " ليلى العثمان " : سأعترف اليوم بأنني أقف في كثير من الأشياء ضدَّ ما يسمى ( حرية المرأة ) تلك الحرية التي تكون على حساب أنوثتها ، وعلى حساب كرامتها ، وعلى حساب بيتها وأولادها ، سأقول : إنني أُحِّمل نفسي كما تفعل كثيرات مشقة رفع شعار المساواة بينها وبين الرجل ثم ذكرت أنها قد تتعرضُ لبعض الأذى والظلم من الرجل ، لكن تُعَقِّبُ على ذلك فتقول - هل معنى هذا أن أرفض نعومة وهبها الله لي - لأصبح امرأة تعلق شارباً ، وتتحدى أقوى الرجال ؟! وهل يعني هذا أن أتصرف وكأنني رجل لايرده خجل ؟!!! هل يعني هذا أن أتحدى فأفعل ما يفعله الرجل ما هو مشروع له وما هو مرفوض لأؤكد لذاتي بأنه لا أحد أحسن من أحد ، وأننا سواسية ، وأحرار ولدتنا أمهاتُنا .
هل يعني هذا أن أنظر إلى البيت ، جنة المرأة التي تحلُمُ بها على أنه السجنُ المؤبَّدُ ، وأن الأولاد ماهم إلا حبلٌ من مَسَد يشدُّ على عُنُقي ، وأن الزوج ما هو إلا السجان القاهر الذي يكبل قدمي خشية أن تسبقه خطوتي إلا أني أعتزُّ
بأنوثتي ، وأنا امرأة أعتز بما وهبني الله ، وأنا ربة بيت ، ولا بأس أن أكون بعد ذلك عاملة أخدمُ خارج نطاق الأسرة ، ولكن - ياربُّ اشهد - بيتي أولاً ثُمَّ بيتي ، ثم العالم الآخر . (1)
4) ميراث المرأة
عاب مؤلف " الضلال المبين" على الإسلام أن جعل ميراث المرأة على النصف من ميراث الرجل ، وذلك من خلال حديثه السمج في كتابه ، وهو بذلك يردد ما قال المستشرقون الذين جعلوا من ميراث المرأة مبرراً ينطلقون منه لنقص هذا الدين العظيم ، أو شن حملات عليه ، ومما يؤسف له أن هذه الدعوات قد وجدت من يتبناها من أبناء جلدتنا ، ولهؤلاء جميعا أقول :
__________
(1) رسالة إلى حواء 4 / 46 .(1/60)
أولا : التشريع الإسلامي وضعه رب العالمين ، وهو العليم الخبير بما يصلح عباده من تشريعات ، وفي ظل الإسلام فقط ينعم العباد والبلاد بالوئام والأمان والسلام والمحبة ، وتنعم المرأة بالسعادة والكرامة والعزة ، أما الذين يتهمون هذا الدين العظيم بغير ذلك فإنهم ينطلقون من فهم غير دقيق ، ويا ليتهم بحثوا بنية البحث ومعرفة الحقيقة.
ثانيا : لقد أنصف الإسلام المرأة وكرمها وجعل لها حقا في الميراث بعد أن كانت من قبل تُورث ولا ترث ، تُملك ولا تملك ؛ بل كانت تعد من سقط المتاع ، جاء الإسلام وأعطاها من قليل المال وكثيره ، قال تعالى :
{ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضا ً } (النساء:7)
ثالثا : جعل المرأة على النصف من الرجل هو عين العدل ولكن أكثر الناس لا يعقلون ، كيف ذلك ؟
1 - أوجب الإسلام على الرجل الإنفاق على من يعول من النساء ، وليس على المرأة أن تنفق من مالها على أحد حتى لو كانت غنية ؛ بل إن نفقتها واجبة على أبيها وعلى أخيها إن كانت بنتاً ، وعندما تتزوج فإن نفقتها تؤول إلى الزوج ، حتى وإن كان زوجها معسراً أو فقيراً.
وفي الغرب تعطى الأخت مثل أخيها في الميراث ، وهى تتكلف بمعيشتها بعيداً عنه ، وهو غير ملزم بها إن افتقرت أو مرضت أو حتى ماتت. فأى إهانة هذه للمرأة ؟! وأي الفريقين أحق بالأمن ؟.
2 - الابن في الغالب يتحمل المسؤولية منذ نعومة أظفاره ، ويساعد والده في تكوين الثروة.
3- بعد وفاة الأب يتحمل الابن كل المسؤوليات ، وقد تعود أخته إليه بعد أن تخلى عنها زوجها أو فقدته.
4- على الرجل أعباء مالية ليست على المرأة مطلقًا , فالرجل يدفع المهر ، ويجهز بيت الزوجية ، ويتحمل جميع أعباء النكاح ، قال تعالى :(1/61)
{ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } (النساء:4) ، والمهر حق خالص للزوجة وحدها لا يشاركها فيه أحد فتتصرف فيه كما تتصرف في أموالها الأخرى كما تشاء متى كانت بالغة عاقلة رشيدة .
5- والرجل مكلف بالنفقة على زوجته وأولاده , لأن الإسلام لم يوجب على المرأة أن تنفق على الرجل .
وأنا أتساءل وأقول : ألا يُظلم هذا الرجل إذا أعطي مثل أخته ؟ ألا يُظلم هذا الأخ وعلى كاهله كل تلك المسؤوليات التي أعفيت منها المرأة في حالة جعلهما متساويين في الميراث ؟ لذلك جاء الإسلام بشريعته العادلة فخصص (للذكر مثل حظ الأنثيين ) ، وبهذا يحفظ التوازن ، ويتحقق العدل ، ويعطي كل ذي حق حقه.
رابعا: إن هؤلاء الذين يثيرون الشبهات حول ميراث المرأة في الإسلام لا يفقهون قانون التوريث في الإسلام ، فقاعدة جعل المرأة على النصف من الرجل ليس على إطلاقها لا يعني أنها قاعدة شرعية عامة تسري على كل ذكر وعلى كل أنثى وعند توزيع أي ميراث ، بل هي حالات محدودة من بين حالات الميراث ، فنصيب الذكر يختلف حال كونه أباً أو زوجاً
أو ابناً ؟ فنصيبه يتغير تبعاً لأمور منها درجة القرابة ، وعدد الوارثين ... إذن مسائل الميراث متنوعة ، ولها أحوال :-
1 ـ فمن الحالات ما يتساوى فيها الذكر مع الأنثى: فتتساوى الأم مع الأب إذا كان للمتوفى أبناء ذكور ، قال تعالى : { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } (النساء:11) ، ويتساوى الإخوة لأم ذكوراً وإناثاً في الميراث ، قال تعالى : { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُث } (النساء:12)
2 ـ وأحياناً يقل نصيب الذكر عن نصيب الأنثى : عندما يكون(1/62)
عصبة ،(1) فالأنثى تأخذ أولاً لأنها على الأغلب من أهل الفرائض فتعطى فرضها ، وما بقي يكون للأولى من العصبات. مثلا ً: رجل مات عن بنت وخمسة إخوة : تأخذ هي نصف المال وحدها ، ويتشارك الإخوة الخمسة بالنصف ، فيكون نصيبها أضعاف نصيبهم.
إذن ، مسائل الميراث متنوعة ، وأحوالها متعددة ، وليس فيها ما تعتقده المرأة من المحاباة الدائمة للذكور.
5) لمس المرأة
من الشبهات السخيفة التي يروج لها المستشرقون والتي رددها مؤلف هذا الضلال قضية لمس المرأة ، فقد زعم أن الإسلام يعد لمس المرأة في درجة مساوية للمس النجاسات يجب على الرجل أن يغتسل منها ، وبنوا هذا الضلال على فهم مغلوط لقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً } (النساء:43) ففهموا أن اللمس هنا بمعنى لمس جسد المرأة .
والغريب أن جماعة من المستشرقين قاموا بترجمة غير دقيقة للقرآن الكريم بهدف تشويه صورة الإسلام ، فجاءت ترجمة الآية : { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ } ذكروا أن معنى هذه الآية : الحمام والمرأة .
__________
(1) العصبة : هم الذكور من ولد الميت وآبائه وأولادهم ، وهؤلاء ما لهم إرث مقدر إنما يأخذون ما يتبقى من التركة) لأن القاعدة الشرعية التي ثبتت عن الرسول S تقول : (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) ، رواه البخاري في الفرائض برقم 6235، ومسلم في الفرائض برقم 3028.(1/63)
والأمر الذي يتنكر له هؤلاء أن اللمس في الآية بمعنى الجماع لا بمعنى لمس البشرة كما صح هذا عن ابن عباس وغيره (1).
أما الغسل بعد الجماع فهو من محاسن الدين الإسلامي ، ويكفي للرد على هؤلاء أن أقول : إن جماع الزوجة كما يوجب الغسل على الرجل يوجب أيضا الغسل على المرأة ، فليس الغسل من الجنابة فيه أدنى تنقيص للمرأة بل هو عين التكريم.
والطهارة عملية نافعة للرجل والمرأة على السواء ، فقد ثبت طبيا وعمليا أن الجسم الإنساني يفقد شيئا من حيويته وقوته بعد الاتصال بين الزوج
وزوجته ، وليس من شئ يعيد إليه تلك القوة الحيوية مثل أن يغسل الجسم كله ، ويدلك جزء ا جزءا بالماء النظيف(2).
حـ) تشويه العبادات والتشريعات
ولم ينس ملفقوا هذا الباطل المسمى بالفرقان أن يشوهوا العبادات ، فتارة يزعمون أنها لاتقبل ، وطورا ينفرون من أداء الصلاة في جماعة ، وهاكم ما قالوه.
1) الصلاة والدعاء
أراد المؤلف أن يحط من شأن الصلاة في المساجد والدعاء ، فهو يعد الصلاة في المساجد والأماكن العامة من الرياء فقال في سورة (الصلاة 3: 7) " إن الذين يقيمون الصلاة في زوايا الشوارع ، والمساجد رياءً كي يشهدهم الناس ، ذلك هم المنافقون ، وهم في الحقيقة لا يصلون فمن نوى أن يصلى فليدخل داره وليغلق بابه ويصلِّ خفيةً نجزيه علانية بعين العالمين * تكررون الكلام لغوا كعَبَدَة أوثان تظنون أنكم بالتكرار تُسْتَجَابون * إننا نعلم سُؤْلكم قبلما تَسْألون * وترددون الدعاء طمعًا بدخول الجنة فلن تُفْتَح أبواب الجنة للمنافقين ، أما الذين يعملون بمشيئتنا فهم الذين يدخلون " .
2) الصيام
__________
(1) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، 1/503.
(2) انظر : http:www.alwatan.com:graphics:2004:07jul.(1/64)
ولم تنج فريضة الصيام هي الأخرى من كيدهم لماذ ؟ لا أحد يدري يقول فرقانهم المزعوم في سورة ( الصيام : 3 : 8 ) : " يا أيها المنافقون من عبادنا : إن صيامكم غير مقبول لدينا وغير ممنون * فما كان الصوم تضوُّرًا لأجَلٍ معلوم * تتخمون صُوَّما أكثر منكم مفاطر وكالأنعام تَطْعَمون * ترهقون أجسادكم ونفوسكم نهما فكأنكم ما طَعِمْتم من قبل ولن تكونوا من بعد طاعمين * وتأكلون السنة فى شهرٍ جشعا لضَعَتكم وتضوُّركم فخيرٌ لكم ألا تصوموا فإنه لا أجر للضعاء والمتضورين * وتكلِّحون وجوهكم وتصعِّرون خدودكم للناس لتَظْهَروا صائمين إنما يفعل ذلك القوم المنافقون "
3) ذبح الأضاحي
من الشعائر التي يتقرب بها المسلمون إلى ربهم ذبح الأضاحي ، والمسلم حين يذبح أضحيته يلهج لسانه وقلبه : { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين } (الأنعام:162)
وأصحاب هذا العفن لا يحبون هذه الشعيرة ، وهذا البغض قديم وليس جديد ، يقول شاعرهم الأخطل ، الذي فقد حاسة الحياء والتذوق:
ولست بصائم رمضان طوعا : ولست بآكل لحم الأضاحى(1)
وانظر إلى الفرقان الباطل وهو يقول : " يا أهل العدوان من عبادنا الضالين : تسفكون دماء البهائم أضحيات تبتغون مغفرة ورحمة من لدُنّا عما اقترفت أيديكم من قتل وزنى وإثم وعدوان * إنما أضحية الحق قلبٌ طهيرٌ يتفجر رحمة ومحبة وسلاما لعبادنا ورفقا بالبهائم فلن ينالنا لحومُها ولا دماؤها ولكن ينالنا تقوى المتقين " ( الأضحى: 7)
__________
(1) ابن كثير ، البداية والنهاية 9/263.(1/65)
ومن الواضح أن مَثَلهم حين يتظاهرون بالعيب على دين رب العالمين كَمَثَل المومس التي لا يعجبها عفة الحرائر الشريفات فتذهب تعيبهن قائلةً في تباهٍ وتشامخٍ كاذبٍ داعرٍ إنها عشيقة لفلان وفلان من أكابر القوم وليست زوجة لرجل لا هو صاحب شهرة ولا ذو منصب كبير من السفلة المجرمين ! ماذا في إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة والصلاة والصيام ؟ وماذا في الصلاة في المساجد بحيث يُزْرِي عليها الكَفَرَة المارقون ؟ ألا يصلون في الكنائس ؟ أكل من صلى منهم يذهب إلى مخدعه فيصلِّى ؟ إن الصلاة في الإسلام تجوز في أي مكان : في الشارع ، وفى الحقل ، وفى المصنع ، وفى ميدان القتال ، وفى السَّفَر ، وفى الحَضَر، ولا بد من عبادته في كل حين ، وإلا فلو انتظر الإنسان حتى يعود إلى كِسْر داره ويدخل مخدعه فلن يصلى ركعة واحدة إن شاء الله ، وهذا ما حدث في بلادكم ، حيث لا تذكرون الله إلاكل أسبوعٍ مرة ، أما اتهام الآخرين بالنفاق زورا وبهتانا عاطلا مع باطل ، واحتقار عبادة الموحدين وإظهار التنطُّس والاشمئزاز منها ، فهو بعينه الكِبْر وجمود القلب الذي أَصْلَى المسيحُ - عليه السلام - اليهودَ بسببه قوارصَ الكلمات وقوارضَ اللعنات ! ثم ماذا في الصيام ؟ أليس في دينكم صيام أيضا ؟ وماذا في الأضاحي ؟ إنكم تُظْهِرون الشفقة عليها ، فهل نفهم من هذا أنكم لا تذبحون الحيوانات ولا تأكلونها ؟ وهل يكره الله من عباده أن يُطْعِموا من أضاحيهم الفقراء والمساكين ؟ فأين المحبة والرحمة التي تصدِّعون رؤوسنا بها ليل نهار ؟ أم إن اللحم لا يصلح إلا إذا كان من جسد المسيح تأكلونه كما يفعل الوثنيون ؟ كيف يا إلهي يأكل الإنسان جسد ربه ويشرب دمه ؟ (1) والذي يجعلكم تبغضوننا وتحقدون علينا إلى يوم الدين ! إننا حين نذبح الأضاحي إنما نذبحها ليَطْعَم معنا منها المحتاجون والجائعون لا ليتمتع برائحتها
__________
(1) انظر: htpt: alarabnews.com:alshaab:2004:24-12-4:Awad.ht(1/66)
الله رب العالمين ، وكأنه إله من آلهة الوثنيين حسبما صورتموه في " الكتاب المقدس " لديكم ، ولذلك تُتْرَك فلا يأكل منها أحد.
وهذا معنى قوله تعالى : " { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } (الحج:37) الذي سرقتموه كعادتكم ونقلتموه إلى " ضلالكم المبين " دون فهم كالحمار الذي يجلس إلى مكتب ويمسك كتابا بحوافره يظن أنه بذلك سيكون من الآدميين الذين يفهمون .
4) إنكار النسخ في القرآن
أنكر صاحب هذا الضلال النسخ في القرآن فقال : " وافتريتم على لساننا الكذب وقلتم بأننا متى ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها فما أخطأنا ولكن كنا غافلين " ( النسخ : 8) وقد عابوا على رسول الله S بأنه أتى بالنسخ ، ويكفّرونه من أجل ذلك ، وتناول ذلك في سورة سماها (سورة النسخ :45) .
ومن المعلوم أن اليهود هم أول من طعن في الإسلام بهذه الشبهة ، لأنهم لا يقرُّون بالنسخ في شرائع الله ، زاعمين أن النسخ يستلزم البداء ، والعلم بعد الخفاء ، وذلك لا يجوز علي الله ، وقالوا إن جميع ما سبق من الكتب السماوية ليس فيها نسخ ، وقصدهم في ذلك خبيث سيئ ، وهو ألاّ يؤمنوا بشريعة أخري ، وبالتالي فلا إيمان بعيسى ومحمد عليهما الصَلاة وَالسَلام ، وبذلك يُحَرِّفون التَّورَاة بما يُناسِب أهْواءَهم إلي يوم القيامة ، والجواب على هذه الشبهة سأجعله في نقاط مركزة وهي :
أولا : النسخ في عرف الشرائع هو إحلال حكم محل حكم آخر لحكمة معقولة المعنى ومقبولة .(1)
ثانيا : الله تعالى هو الرب المالك الذي له ملك كل شيء ، وكل الخلق
__________
(1) انظر: مجلة الأزهر ، السنة (77) الجزء (12) ذو الحجة 1425هـ ،
فبراير 2005 م ، ص (2042) الناسخ والمنسوخ في جميع الشرائع السماوية لا في الإسلام
وحده ، للأستاذ الدكتور: عبد العظيم المطعني الأزهر.(1/67)
مماليكه ، فيأمر بما يشاء وينهى عما يشاء ، ويثبت ما يشاء وينسخ ما يشاء بما يشاء ، ولا يفعل شيئًا من ذلك إلا لحكمة بالغة ، فما من حُكْمٍ إلا وهو تابع للحِكْمةِ ، والحكمةُ تختلف باختلاف الناس وزمانهم ومكانهم ومصلحتهم ، لا باختلاف علم الحاكم حاشا لله عَزَّ وَجَلَّ .
ثالثا : فترة الرسالة ثلاث وعشرون سنة ، ابتدأت بقوم على الجاهلية
الجهلاء ، وانتهت بكمال الدين وتمام النعمة بما يسع جميع الناس في كل بقاع الأرض على مدار القرون إلى يوم الدين ، وبما لا يجافي أية حالة من حالات الإنسان ، فلن تحدث قضية إلا ولها مَثَلٌ في الكتاب والسنة ، وانتهت الرسالة والأمَّة في غاية الرقيّ الإنساني ، وغاية الكمال البشري ، وإنما تم ذلك بالتربية التدريجية ، والتدرج في الأحكام بمراعاة الأصلح والأنفع لكل حال ولكل ظرف ، مع ما يناسب قابلية الناس في سنوات الرسالة ليقدِّموا القدوة اللازمة لجميع الدرجات للناس كافة إلى آخر الزمان.(1/68)
رابعا : الله تعالى يحب أن يتعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته ، ويَمْتَنُّ عليهم بمقتضياتها ، فعلى سبيل المثال النسخ في قول الله تعالى { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } (البقرة:187) فمقتضى العفو في آية الصيام ظاهر في قوله تعالى : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ } ، وحق الله علينا كبير لا نبلغه ولا نستطيعه ، ولا حل لهذه المعضلة إلا عفوُه عَزَّ وَجَلَّ ، حيث ترك أكثر حقه لدينا ولم يطالبنا إلا بما جاء به الشرع ، ففي هذه المسألة فرض علينا الصيام بالحكم الأول المشدَّد الذي شق على الأصحاب وهم خير القرون ، فجاء التخفيف بالحُكْم الناسخ ، وذلك بمقتضى العفو أيضًا ، ثم إذا نسينا أو أخطأنا سألناه عفوًا آخر مقابلاً للخطأ والنسيان ، وهكذا أنواع من العفو ، وأيضًا فالتخفيف هو من مقتضى الرحمة والحِكْمة ، وأيضًا توبة الله عليهم بعد هذا الظرف من الشدة إنما هي فضل من الله يرفعهم بها درجات عنده لأنهم صادقون كما تبين ، حيث بصدقهم صار اختيانهم لأنفسهم في هذه الشدة كان سببا قدره الله لتوبته عليهم ، كما قال تعالى : { لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ(1/69)
يَزِيغُ قُلوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيم ٌ } التوبة:117) .
خامسا : من الحكم الجليلة للنسخ تذكير الناس بالنعمة ، وبالتالي شكرها ، فعندما يقرأ المسلم آية الصيام في ليالي الصيام وهو يتنعم بالمآكل والمشارب ومباشرة زوجه مع علمه بما كان قبل النسخ ، فما أجدره أن يشكر نعمة الله في عفوه هذا الذي لا ينسى ، كما أنه إذا تعرض لظروف شديدة طارئة في ليالي وأيام الصيام ، فما أجدره أن يذكر الاقتداء بهؤلاء الصادقين ويصبر ويستعين بالله ، فإذا تبينت هذه الفوائد والحِكم ، وهي قليل من كثير ، علمنا أن قضية النسخ في القرآن ليست قادحة في نسبته إلى الله ، بل مثبتة لأنه كلام الحكيم العليم ، قال تعالى : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } (النمل :6) ، وعلمنا أيضًا أن هؤلاء المعترضين سفهاء لا يفرقون بين البداء أو العلم بعد الخفاء ، وبين الأحكام التابعة للحكمة التي تختلف باختلاف الناس ، فالله عَزَّ وَجَلَّ يعلم أن هذا الحكم في هذا الزمان أو لهذه الأمة مناسب ، وفي زمن آخر أو لأمة أخرى غير مناسب ، ولهذا كان النسخ من مقتضى الحكمة والعلم لا مخالفًا لهما.
سادسا : الزعم بأن النسخ خاص بالقرآن وأن جميع ما سبق من الكتب السماوية ليس فيها نسخ دعوى من أكذب الدعاوي على الإطلاق ؛ فالنسخ ليس من الأمور التي انفرد بها القرآن كما يروج لهذا هؤلاء العميان ، فهذا هو كتابهم المقدس بعهديه القديم والجديد يحتوي على عشرات النصوص التي تثبت وقوع النسخ في الشرائع السابقة ، وأهدي هذه النصوص لزكريا بطرس مهرج قناة الحياة : (1)
نماذج للنسخ في العهد القديم
وهذه بعض النماذج للنسخ كما ورد في العهد القديم :
__________
(1) زعم القمص زكريا بطرس في قناة الحياة أنه لا يوجد نسخ في الكتاب المقدس !!!.(1/70)
(1) أُمِرَ آدم - عليه السلام - بتزويج بناته من بَنيه - حيث لم يكن وقتها إلا ذلك ، فكان الأصلح ، وإلاّ توقف التَّناسُل - ثم صار ذلك حَرَاما بالاتِّفاق. (1)
(2) كان التسرِّي علي الزوجة مباحا في شريعة إبراهيم - عليه السلام - ، ولقد تسرِّي إبراهيم - عليه السلام - بِهَاجر ، ثم حُرِّم مثل ذلك في التوراة . (2)
(3) كان الجمع بين الأختين سائغا ، وقد فعله يعقوب - عليه السلام - ، ثم حرِّم ذلك في التَّوْراة. (3)
(4) أُبيحَ لنوح - عليه السلام - بعد خروجه من السَّفينة أكل جميع الحيوانات ، ثم نُسِخ حِلُّ بعضها . (4)
النسخ في العهد الجديد
مع أن المسيح - عليه السلام - - حسبما ورد في الأناجيل - ما جاء لينقض إنما جاء ليكمل (5) ، إلا أنه خالف الشريعة الموسوية في الكثير من الأحكام ، ومنها على سبيل المثال تشريع الطلاق ، فقد كان طلاق الرجل زوجته جائزا جوازا مطلقا لأي سبب من الأسباب ، وهذا مذكور في الإصحاح الرابع والعشرين من سفر" الاستثناء " فجاءت شريعة عيسى - عليه السلام - ونسخت هذا الجواز المطلق وحصرته في سبب واحد وهو الزنا ، فقد جاء في " إنجيل متى " الإصحاح الخامس ، الآية الحادية والثلاثين ما يأتي : " 31وَقِيلَ أَيْضاً : مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ، فَلْيُعْطِهَا وَثِيقَةَ طَلاَقٍ. 32 أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ : كُلُّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ لِغَيْرِ عِلَّةِ الزِّنَى ، فَهُوَ يَجْعَلُهَا تَرْتَكِبُ الزِّنَى. وَمَنْ تَزَوَّجَ بِمُطَلَّقَةٍ ، فَهُوَ يَرْتَكِبُ الزِّنَى.
__________
(1) انظر: سفر التكوين 20/18.
(2) انظر: سفر الأخبار الإصحاح 18/9 ، 20/9، وسفر الاستثناء 7/22.
(3) سفر التكوين : 29 ، وسفر الأخبار 18/18.
(4) سفر التكوين 9/3 .
(5) إنجيل متى 5 : 17 والنص هو : " 17لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْغِيَ الشَّرِيعَةَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأُلْغِيَ ، بَلْ لأُكَمِّلَ " .(1/71)
لكن الشئ الغريب أن النسخ في العهد الجديد ليس مقصورا على المسيح وحده ؛ بل شاركه فيه حواريوه (تلاميذه) وشاركه فيه " بولس" المسمى في العهد الجديد " بولس الرسول " - وهو ليس من حواري المسيح - ، والحواريون وبولس ليسوا رسلا موحى إليهم وحيا مباشرا من عند الله ، وهذا هو موضع إجماع في الإيمان المسيحي كما هو معروف.
ولا نريد الإكثار من إيراد صور النسخ في الشريعة العيسوية فذلك ليس من أهدافنا هنا ، إنما هدفنا أن نثبت بالأدلة اليقينية من مواقع كتابهم المقدس أن النسخ شائع في جميع الكتب والشرائع السماوية ، وليس مقصورا على القرآن الكريم ، لنبين في وضوح كذب هذه الدعوى التي أكثروا الطنين حولها هذه الأيام . (1)
سابعا : ومع هذا فإن النسخ في القرآن قليل إلى حد الندرة ، وفي أوسع الأحوال لا يتجاوز وقوع النسخ في القرآن عند المحققين آيات دون أصابع اليدين.
ثامنا : النسخ في القرآن من فعل الله تعالى وليس لأحد سلطان ولو كان النبي S ، بينما قد مارس الحواريون وبولس هذا العمل دون حد أو قيد ، وهم ليسوا رسلا موحى إليهم كما يجمع على ذلك جميع العقلاء.(2)
فمن النسخ المنسوب إلى الحواريين أنهم نسخوا كل الأحكام العملية التي زخرت بها التوراة أو شريعة موسى - عليه السلام - إلا أربعة أحكام أبقوا على تحريمها ، وهي : الزنا والدم وأكل المخنوق والذبح للأصنام ، وهذا مذكور في الإصحاح الخامس عشر من أعمال الحواريين .
ثم جاء بولس من بعدهم ونسخ ثلاثة من الأربعة التي أبقى الحواريون
__________
(1) انظر: مجلة الأزهر ، السنة (77) الجزء (12) ذو الحجة 1425هـ ، فبراير 2005 م ، ص (2047) الناسخ والمنسوخ في جميع الشرائع السماوية لا في الإسلام وحده ، للأستاذ الدكتور: عبد العظيم المطعني الأزهر.
(2) انظر: السابق بتصرف يسير.(1/72)
حرمتها ، وجعلها حلالا ، وهي : الدم وأكل المخنوق والذبح للأصنام ، أما الزنا فأبقاه على حرمته كما هو في شريعة موسى - عليه السلام - ، كما نسخ بولس مشروعية الختان التي كان معمولا بها في شريعة موسى ، ثم استمر العمل بها في صدر شريعة عيسى ، والدليل على ذلك أن عيسى – نفسه - - عليه السلام - اختتن ، ولما آل أمر المسيحية إلى بولس وقف العمل به (نسخه) وله في ذلك كلام منسوب إليه ، وهو طويل نكتفي منه بالآتي: " وها أنا بولس أقول لكم إنكم إن اختتنتم لن ينفعكم المسيح بشئ " .(1)
وهنا نقول لمهرج (قناة الحياة) - الذي أطلق للسانه العنان للتطاول على الإسلام - هل أنت تجهل هذه الحقائق التي اقتبسناها من أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ؟ أم أنت تعلمها ؟ فإن كنت تجهلها فلا يحق لك أن تتحدث عن أمور لا رأس لك فيها ولا قدم ، وإن كنت تعلمها فلا يحق لك أن تجعل النسخ في القرآن دليلا على أنه ليس وحيا من عند الله ، لأنك تؤمن بالكتاب المقدس بأنه وحي من عند الله ، وقولك بأن النسخ يقضي بأن الكلام الذي وقع فيه ينفي عنه صفة الوحي المنزل ، يصيبك أنت في إيمانك ، ولا يصيب سواك مما عنيتهم فكف عن مهاتراتك لئلا يصيبك سهمك .
5) إبطال القصاص
وَيَعُد صاحب " الفرقان " القصاصَ من أحكام الجاهلية ، فقال في سورة
( الحكم :10)" أفحكم الجاهلية تبتغون ، بأن النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والسن بالسن ، إن هو إلا سنّة الأولين ، وقد خلت شرعة الغابرين" (2)
__________
(1) من رسالة بولس إلى أهل غلاطية : الإصحاح الخامس ، وانظر: مجلة الأزهر ، السنة (77) الجزء
(12) ذو الحجة 1425هـ ، فبراير 2005 م ، ص (2047).
(2) انظر: د . محمد سالم بن شديد العوفي الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف ، قراءة في الكتاب المزعوم... الفرقان الحق.(1/73)
ويقول في " سورة العطاء " : "يا أيها الذين ضلُّوا من عبادنا ، لقد قيل لكم: النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن ... " ، ويعود هذا الغافل فى الفقرة السادسة فيقول بخصوص هذه الآية نفسها : "ورحتم تُضِلّون المهتدين وتفترون علينا الكذب إنه لا يفلح المفترون ".
فشورش هنا يعيب على الإسلام أن سن تشريع القصاص ، ولا يدري هذا الجاهل أن هذا تشريع ورد في التوراة التي يسميها بالعهد القديم ، وهذا هو النص كما جاء في القرآن الكريم: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون } (المائدة:45) أي كتبنا على بني إسرائيل ، ولا أحد فى اليهودية أو النصرانية إلا ويؤمن بأن التوراة هى من عند الله ، والقرآن لم يقل شيئا آخر غير هذا .
وجاء ذلك فيما يسمَّى ( سورة الحكم/10 ) " أَفَحُكْمَ الجاهلية تبتغون بأن النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن إنْ هو إلا سُنَّة الأولين وقد خَلَتْ شِرْعة الغابرين " .
ثم يمضى هذا المسكين فى تخبطاته بصورة تدعو إلى الرثاء قائلا فى الفقرة التى تلى ذلك مباشرة : " فلا تنتقموا وتَصَدَّقوا به فهو كفارة لكم إن كنتم
مؤمنين " ، جاهلا فى غمرة نسيانه وخَرَفه أن هذا هو ما يقوله القرآن الكريم فى آية سورة " المائدة " التى سبق الاستشهاد بها قبل قليل ، مع فارق مهم هو: أن القرآن لا يوجب هذا كما يريد منا مزيفو كتاب " الضلال المبين " ؛ بل يكتفى بالحث عليه لمن أراد أن يحرز أجرا عند الله ينفعه يوم القيامة ، وهو ما يتمشى مع أوضاع المجتمعات البشرية التى لا تستطيع أن تُمْضِىَ أمرها دون محاكم(1/74)
وعقوبات ، وإلا لفسد الأمر وعاث المجرمون من أمثال هؤلاء الملفقين بغيا ونهبا وتقتيلا ، إذ ما الذى يردع المجرم عن عدوانه وغَيّه لو أُلْغِيَت العقوبات ؟ إن هذا ما يتمناه كل مجرم له في الإجرام تاريخ عريق ، أما المبالغة فى الأمر بالتسامح والتظاهر به وتصوُّر أن البشر قادرون عليه فى كل الأحوال فهو نفاق رخيص ، وليست العبرة بمثل هذه المبالغة ، بل العبرة أن يكون هناك تشريع يحقق العدل ويأخذ لكل ذى حق حقه مع دعوة الناس إلى الصفح ما أمكن ، وهو ما فعله القرآن ، أما الكلام الساذج عن إدارة الخد الأيسر لمن يصفعك على خدك الأيمن فهو سذاجة بل بلاهة بل تنطع ، لا يسمن ولا يغنى من جوع ، ولا يترتب عليه إلا خراب المجتمعات والدول ، وفوز الذئاب والكلاب من البشر بكل شئ ، وذهاب الناس الطيبين إلى الجحيم غير مأسوف عليهم من أحد ، وأتحداكم أن تأتوا لى بمن يقول هذا لأصفعه وأرى ماذا سيفعل ! .(1/75)
إنه ما من دولة نصرانية تخلو من المحاكم والعقوبات والسجون ... إلخ مما هو موجود فى كل البلاد ! بل إن المسيح نفسه لم يفعل هذا ! حتى الصَّلْب ، الذي يزعمون أنه - عليه السلام - إنما أُرْسِل إلى الأرض ليتحمله فداءً للبشر الخُطَاة ، ظل يسوّف فيه ويحاول تجنبه ما أمكن ، وعندما وقع أخيرا فى أيدى الجنود وأخذوا يعتدون عليه بالشتم والضرب كان يعترض على ما يوجهونه إليه من أذى . بل إنه ، وهو فوق الصليب ، أخذ يجأر إلى ربه كى يزيح عنه تلك الكأس المرة ، وهذا كله قد سجَّله مؤلفو الأناجيل أنفسهم ! بل إن الله نفسه يعاقب الأشرار فى الدنيا والآخرة ، وعلى اعتقادكم فإنه سبحانه لم يسامح البشرَ إلا بعد أن عاقب ابنه عقابا لم نسمع أن أبا طبيعيا عاقبه ابنه ؛ بَلَه أن يكون هذا الابن ابنًا بريئًا بارًّا لم يرتكب ذنبا فى حق أحد ! ترى لماذا لم يجر الله على سنة التسامح التى تدعون إليها وتظنون أنكم تتفوقون بها علينا ؟ ، مع أننا مهما صدقنا ادعاءاتكم فينا ، لم نقترف عشر معشار ما اقترفتموه فى حقنا وفى حق الآخرين من جرائم وفظاعات وحشية ؟ فلماذا التساخف إذن لمكايدة المسلمين ؟ أما إذا كان الأمر مجرد تنطُّع للمباهاة والسلام ، فلامانع من إدارة الخد الأيسر أيضا لمن يصفعهم على الأيمن ؛ بل لا بد من إدارة القفا أيضا و.........كى يكون أجرهم عند الله عظيما فى ملكوت السماوات !.
لو أنكم كنتم صادقين فى هذه المثالية المتنطعة ، فلماذا لا تنسَوْن ما تدَّعون أننا آذيناكم به ولا تزالون حتى الآن تتخذونه ذريعة لسحقنا وسحق أية محاولة منا للنهوض من تخلفنا هذا ؟ ، ثم ماذا " من أخذ منك رداءك فأعطه أيضا
إزارك " ، وامش بعد ذلك " عاريا " تستعرض على الناس فى الشوارع والمجامع سوأتك وأعضاءك التناسلية والإخراجية! .
إن الواقع الذي نراه الآن يجعلنا لا نصدق حرفا مما تقولون ؟ .
6 ) الحلف بالله محرم في القرآن الأمريكي(1/76)
لقد وردت فى الفقرة الحادية عشرة من ( سورة الزنى: 11) فى " ضلالهم المبين " الكلمة التالية : " ووصينا عبادنا ألا يحلفوا باسمنا أبدا وجوابهم نَعَمْ أَوْ لا فقلتم بأن من كان حالفا فليحلف باسم الإله أو يصمت ، وهذا قول الكفرة المارقين " ولنا مع هذا الباطل وقفات :
أولا :ما علاقة الحلف بالله بالكفر ؟ وإذا لم نحلف بالله إذا أردنا أو أُرِيدَ منا أن نُطَمْئِن الآخرين فبأى شىء نحلف !؟
ثانيا: إن الحَلِف موجود فى كل المجتمعات والعصور والديانات بما فيها شريعة موسى - عليه السلام - التى أكد المسيح - عليه السلام - حسبما تروى عنه الأناجيل أنه ما جاء لينقض أحكامها بل ليتمّمها ، والتى تنظّم عملية الحلف بتشريعات خاصة به جوازا ووجوبا وحرمة ( تكوين : 25 : 3 ، وخروج: 22 : 1،
وعدد :30 : 2 ). فمن أين جاءت المشكلة إذن ؟ إن المسيح - عليه السلام - فى نفس العبارة التى يؤكد فيها أنه ما جاء لينقض الناموس ( أى شريعة موسى - عليه السلام - ) بل ليتمّمه يسارع فى التو واللحظة بنقض كل ما أكده فى هذا الصدد قائلا: إنه إذا كان قد قيل للقدماء كذا فإنه هو يغيّره إلى كذا .(1/77)
وكان من بين ما غَيَّرَ حُكْمَه القَسَمُ ، وهذا نَصّ ما قاله فى هذا الصدد كما في إنجيل متى : " 33 وَسَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلأَقْدَمِينَ: لاَ تُخَالِفْ قَسَمَكَ ، بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ مَا نَذَرْتَهُ لَهُ. 34أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا أَبَداً، لاَ بِالسَّمَاءِ لأَنَّهَا عَرْشُ اللهِ ، 35وَلا بِالأَرْضِ لأَنَّهَا مَوْطِيءُ قَدَمَيْهِ، وَلاَ بِأُورُشَلِيمَ لأَنَّهَا مَدِينَةُ الْمَلِكِ الأَعْظَمِ. 36وَلاَ تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ شَعْرَةً وَاحِدَةً فِيهَا بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ. 37لِيَكُنْ كَلامُكُمْ: نَعَمْ، إِنْ كَانَ نَعَمْ ؛ أَوْ: لاَ، إِنْ كَانَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ" . (1) وجاء فى "رسالة يعقوب "( 5 : 12): " يا إخوتى ، لا تحلفوا لا بالسماء ولا بالأرض ولا بقَسَمٍ آخر ، ولكن ليكن كلامكم نعم نعم ، ولا لا ، لئلا تقعوا فى الدينونة ". وهذا كل ما هنالك . فهل فى هذا الكلام ما يفهم منه أن القسم كفر؟ بطبيعة الحال لا يوجد شىء من هذا لا من قريب ولا من بعيد. (2)
ثالثا : إن الكتاب المقدس بعهديه قد أخبر في غير ما موضع أن الله نفسه قد صدر عنه القَسَم حسبما روى لنا العهد الجديد نفسه ، فما القول إذن ؟ جاء على سبيل المثال فى " لوقا " ( 1 : 73 - 74 ) : " ... القَسَمَ الذى حلف
__________
(1) إنجيل متى : 4/33: 37.
(2) انظر : http:alarabnews.com:alshaab:2004:24-12-2004(1/78)
( الله ) لأبينا إبراهيم أن يُنْعِم علينا * بأن نَنْجُوَ من أيدى أعدائنا ... " ، ويقول كاتب " أعمال الرسل " ( 2 : 31 ) : " كان ( داود ) نبيا وعلم أن الله أقسم له بيمينٍ أن واحدا من نسل صلبه يجلس على عرشه ... " بل إننا نقرأ فى " رسالة القديس بولس إلى العبرانيين " (6 : 13 – 17) : " لأن الله عند وعده لإبراهيم إذ لم يمكن أن يُقْسِم بما هو أعظم منه ، أقسم بنفسه ، وإنما الناس يُقْسِمون بما هو أعظم منهم وتنقضى كل مشاجرة بينهم بالقَسَم للتثبيت * فلذلك لمّا شاء الله أن يزيد وَرَثَة الموعد بيانا لعدم تحوُّل عزمه أقسم بنفسه " .
فلماذا إذن التنطع الكاذب وسوء الأدب والسفاهة مع سيد الأنبياء S ؟ كذلك فالملاك ، بنص كلام يوحنا فى " رؤياه " ( 1: 6 ) ، يقسم بالله " الحى إلى دهر الدهور خالق السماء وما فيها والأرض وما فيها والبحر وما فيه " . ليس ذلك فقط ، بل هذا هو بطرس ، خليفة السيد المسيح - كما يقولون - وأكبر حوارييه ومؤسس كنيسة روما ، يحلف كذبا فى آخر حياة سيده أمام الجمع الذى جاء للقبض عليه ثلاث مرات متتالية أنه لا يعرفه ولا علاقة له به قائلا : " إنى لا أعرف الرجل ! " ، رغم أن المسيح كان قد نبَّهه إلى أنه سينكره فى تلك الليلة ثلاثًا قبل أن يصيح الديك ، ومع ذلك وقع فى الإثم الذى نبَّهه إليه نبيُّه! ( متى : 26 : 72 – 73 ، ومرقس : 14 :71) مستحقا بأثرٍ رجعىٍّ وَسْم السيد المسيح له قبلا بأنه " شيطان " وأنه لا يفطن إلا لما للناس ولا يفطن لما لله (مرقس: 8 : 32 ) فماذا يقول الأوغاد فى هذه أيضا ؟
رابعا : ولنا أن نسأل أصحاب هذا العفن : ألا تحلفون كلكم فى حياتكم اليومية ، وفى المحاكم ، وعند ممارسة الأطباء منكم الطب ، وتَوَلِّى الحكّام حُكْم بلادهم ... إلخ ؟ ألا يُقْسِم النصارى فى كل لحظة أمامنا بـ " المسيح الحى " و" العذراء " و " الإنجيل " ؟(1/79)
خامسا : على فرض أن المسيح - عليه السلام - - على زعمكم - قد نسخ حكم التوراة فى الأيمان ، فلم لا يكون من حق سيدنا رسول الله S أن ينسخ بدوره ما قاله المسيح- عليه السلام - ؟ وأغلب الظن أن عيسى - عليه السلام - ، إن صحّ ما ترويه عنه الأناجيل فى هذا الصدد ، قد لاحظ كثرة لجوء اليهود إلى الحَلِف لأكل حقوق الناس بالباطل ، فأراد أن يضع حدا لهذه الظاهرة ، وإن كان فى عبارته ، كما هى العادة فى الكلام المنسوب إليه فى الأناجيل ، مغالاةٌ أراد أن يوازن بها مغالاة اليهود فى المسارعة إلى استغلال اسم الله فى خداع الآخرين ! فكلا النبيين الكريمين أراد أن يعالج ظاهرة نفسية وخلقية ذميمة رآها منتشرة بين معاصريه .
سادسا : ومع هذا لم يشجِّع الإسلام على القَسَم - كما يوحى كلام هؤلاء المجرمين في " ضلالهم المبين " ؟ - على الإطلاق ، ففى القرآن نقرأ قوله تعالى : { وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً } ( البقرة :225)وقوله : { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ }
( المائدة : 89 ) وقوله : { ولا تُطِعْ كلَّ حَلاّف مَهِين } ( القلم : 10) ، وفى الحديث : أن الحَلِف إذا كان مَنْفَقَةً للسلعة ، فهو َممْحَقَةٌ للبركة . (1)
وقد عمد النبي S إلى محاربة العصبية القبلية التى كانت متفشية بين العرب آنذاك وما يرتبط بها من التعظُّم بالآباء والأحساب والأنساب ، فأراد الرسول الكريم أن يبين لهم أن البشر جميعا هم خلق الله ، وأنه لا فضل لأحد على أحد بنسب أو حسب ، وأن توجُّه المؤمن ينبغى أن يكون لله وحده بوصفه عبدا له ينبغى أن يكون دائما على ذكْرٍ منه .
__________
(1) رواه البخاري برقم 1945 ، ومسلم في الساقاة برقم3014 ، ونص الحديث : عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ S يَقُولُ: (الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ ).(1/80)
وهذا هو المعنى الذى أراده الرسول S ، عندما قال : (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ ) (1)
وهو معنى إنسانى عظيم لمن لم يطمس الله على بصيرته ، وبداية الحديث وختامه يدلان على أنه S لا يحبِّذ الحَلِف ، وهذا واضح من استخدام جملة الشرط ، التى تعنى أنه إذا كان لا بد من الحَلِف فليكن باسم الله لا بأسماء الآباء التى من شأنها إحياء النوازع والنعرات الجاهلية لا أن الحلف فى ذاته مرغوب !
سابعا : لقد سخر الإسلام موضوع الَأيمان لمصلحة الفقراء ، فيفرض كفارة على من يُقْسِم ثم يحْنث في يمينه ، إذ يُوجِب عليه إطعام عشرة مساكين أو كساءهم ، قال تعالى : { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون َ } (المائدة:89)
وهذا التشريع يعود نفعه على المساكينَ والفقراء بأيسر سبيل ، فانظر إلى هذه التشريعات الحكيمة التى تنجز أضخم الإنجازات بأقل الإمكانات .
7) تحطيم مبدأ الولاء والبراء
__________
(1) رواه البخاري في الشهادات برقم 2482 ، ومسلم في الإيمان برقم 3106.(1/81)
وكي يمرر استراتيجية تحسين الصورة له في بقاع المسلمين وخلخلة َنمُوذجهم العقدي فيما يتعلق بالولاء والبراء ، فقد ضمنوا هذا الكتاب ما يتفق والسياق العقدي المرغوب فيه الخالي من أي موقف ديني صارم تجاه أعداء الإسلام ، فيذكر في سورة ما يقال عنها " الصلاح " المكذوبة من نفي لمعاداة الكافرين ، والبراءة من الضالين والملحدين بقولهم: (يا أيها الذين ضلوا من عبادنا هل ندلكم علىتجارة تنجيكم من عذاب أليم تحابوا ولا تباغضوا وأحبوا ولا تكرهوا أعداءكم فالمحبة سنتنا وصراطنا المستقيم... وسكوا سيوفكم سككاً ورماحكم مناجل ومن جنى أيديكم تأكلون).. ويستمر الإجرام في منهجيته في الآيات المزعومة القائلة: (وكم من فئة قليلة مؤمنة غلبت فئة كثيرة كافرة بالمحبة والرحمة والسلام).!! (1)
وهذه الحملة الشرسة والمنظمة التي تولى كبرها صاحب هذا الفرقان من أجل مسخ عقيدة البراء ولأجل هذا وذاك ، أحببت أن أؤكد على موضوع الولاء والبراء من خلال النقاط التالية:
أولا : الولاء معناه المحبة والمودة والقرب ، والبراء هو البغض والعداوة والبعد: والولاء والبراء أمر قلبي في أصله ، لكن يظهر على اللسان والجوارح ، فالولاء لا يكون إلا لله ورسوله وللمؤمنين ، كما قال سبحانه : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } ( المائدة:55).
والولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم ، ونصرتهم ، والإشفاق عليهم ، والنصح لهم ، والدعاء لهم ، والسلام عليهم ، وزيارة مريضهم ، وتشييع ميتهم ، ومواساتهم وإعانتهم ، والسؤال عن أحوالهم ، وغير ذلك من وسائل تحقيق هذا الولاء.
__________
(1) انظر: منتدى الكتاب موقع على شبكة الإنترنت.(1/82)
والبراءة من الكفار يكون : ببغضهم - ديناً - وعدم بدئهم بالسلام ، وعدم التذلل لهم أو الإعجاب بهم ، والحذر من التشبه بهم ، وتحقيق مخالفتهم - شرعاً - وغير ذلك من مقتضيات البراءة منهم ، قال تعالى : { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون َ } (المجادلة:22) وقال تعالى: { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } (آل عمران:28) وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } (المائدة:51) وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ(1/83)
مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } (الممتحنة:1)
ثانيا : الولاء والبراء أوثق عرى الإيمان : كما قال S: (أَوْثَق عُرَى الْإِيمَان الْحُبّ فِي اللَّه وَالْبُغْض فِي اللَّه) (1) وهو من الإيمان ، بل هو شرط من الإيمان كما قال سبحانه: { تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } (المائدة: 80 ، 81 ).
يقول ابن تيمية عن هذه الآية : " فذكر جملة شرطية تقتضي أن إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف " لو" التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال:
{ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ } (المائدة:81) فدل ذلك على: أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده ، لا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب ، ودلَّ ذلك على أن من اتخذهم أولياء ، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي ، وما أنزل إليه..) (2)
وقد كان النبي S يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم ، فقد قال S: ( أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتُنَاصِحَ الْمُسْلِمِينَ وَتُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ) (3)
__________
(1) حديث صحيح : رواه أحمد في مسند الكوفيين برقم 17793، صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2539.
(2) ابن تيمية ، الإيمان ، ص 14.
(3) حديث صحيح : رواه النسائي في البيعة 4106، وصححه الألباني في صحيح النسائي.(1/84)
قال أبو الوفاء بن عقيل (ت 513 هـ) : " إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان ، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك ، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة ، عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون كفراً... وعاشوا سنين ، وعظمت قبورهم ، واشتريت تصانيفهم ، وهذا يدل على برودة الدين في القلب' (1)
8) بث ثقافة الانحلال والإباحية
ولأن الكتاب الأمريكي يعد بحق مستنقع للقاذورات ، فلا غرابة إذا كانوا يتعمدون فيه مساواة الطهر بالخبث والنجاسات !! ومساواة النكاح بالزنا !! ففي سورة الطهر بقولهم علي الله زورا وكذبا : " وما كان النجس والطمث والمحيض والغائط والتيمم والنكاح والهجر والضرب والطلاق إلا كومة ركس لفظها الشيطان بلسانكم وما كانت من وحينا وما أنزلنا بها من سلطان ".
وفي السورة المزعومة ذاتها منتهى التألي علي الله عز وجل والكفر بما أنزل من آيات بينات بقولهم افتراء عليه : " وقلتم إفكا لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا.. وأمرتم باقترافه مثني وثلاث ورباع أو ما ملكت أيمانكم ، ولا جناح عليكم إذا طلقتم النساء فإن طلقتموهن فلا يحللن لكم من بعد حتي ينكحن أزواجا غيركم فهل بعد هذا من زني وفحش وفجور) .تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا.. إنهم يصفون تعدد الزوجات بالزني ، والطلاق كذلك !!.
وفي سورة " الزنا " افتروا علي الله القول : (يا أهل السفاح من عبادنا
الضالين : لقد دفعتم بأنفسكم إلي الزنا بما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع أو ما ملكت أيمانكم فعارضتم سنتنا في الإنجيل الحق بأن من نظر لأنثى بعين الشهوة فقد زنا بها في قلبه السقيم ، ومن أشرك بزوجة أخري فقد زنا وأوقعها في الزنا والفجور .
__________
(1) ابن مفلح ، من الآداب الشرعية 1/268.(1/85)
وتمشيا مع هذه السياسة الإباحية عاب صاحب الضلال المبين على الإسلام إقامة حد الرجم على الزاني ، فمما جاء في سورة ( الزنا :8) (ورجمتم الزناة كأنكم أبرياء فمن برئ نفسه فليكن أول الراجمين)
ولعلك تعرف أخي الكريم السبب ، فأصحاب هذا العفن يغضون في إباحية عفنة ، لكن الملاحظ أنه يتكلم بلغة الإنجيل ، وهو بذلك يشير إلى ما جاء على لسان المسيح - عليه السلام - ردا على من طلب منه إقامة الحد على زانية كما جاء في إنجيل يوحنا :" 2وَعِنْدَ الْفَجْرِ عَادَ إِلَى الْهَيْكَلِ، فَاجْتَمَعَ حَوْلَهُ جُمْهُورُ الشَّعْبِ ، فَجَلَسَ يُعَلِّمُهُمْ. 3وَأَحْضَرَ إِلَيْهِ مُعَلِّمُو الشَّرِيعَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ امْرَأَةً ضُبِطَتْ تَزْنِي، وَأَوْقَفُوهَا فِي الْوَسَطِ، 4وَقَالُوا لَهُ: «يَامُعَلِّمُ، هَذِهِ الْمَرْأَةُ ضُبِطَتْ وَهِيَ تَزْنِي. 5وَقَدْ أَوْصَانَا مُوسَى فِي شَرِيعَتِهِ بِإِعْدَامِ أَمْثَالِهَا رَجْماً بِالْحِجَارَةِ، فَمَا قَوْلُكَ أَنْتَ؟» 6سَأَلُوهُ ذَلِكَ لِكَيْ يُحْرِجُوهُ فَيَجِدُوا تُهْمَةً يُحَاكِمُونَهُ بِهَا. أَمَّا هُوَ فَانْحَنَى وَبَدَأَ يَكْتُبُ بِإِصْبَعِهِ عَلَى الأَرْضِ. 7وَلكِنَّهُمْ أَلَحُّوا عَلَيْهِ بِالسُّؤَالِ، فَاعْتَدَلَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيئَةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» 8ثُمَّ انْحَنَى وَعَادَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ. 9فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكَلاَمَ انْسَحَبُوا جَمِيعاً وَاحِداً تِلْوَ الآخَرِ، ابْتِدَاءً مِنَ الشُّيُوخِ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ، وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي مَكَانِهَا"
ولي مع هذا النص وقفات :(1/86)
أولا : لاحظ أيها الكريم قول المسيح - عليه السلام - : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيئَةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ ، وقول شورش في الفرقان : فمن برئ نفسه فليكن أول الراجمين ، وهذا يؤكد على أن كتاب الفرقان يردد ماجاء في الإنجيل .
ثانيا : هذا النص الذي ورد في إنجيل يوحنا - على فرض صحته - فليس فيه ما يدل على إبطال حد الرجم ، فغاية ما يفهم من كلامه الهرب من الفخ الذي نصبه له الفريسيون للوقيعة بينه وبين الحاكم ، لاحظ : (سَأَلُوهُ ذَلِكَ لِكَيْ يُحْرِجُوهُ فَيَجِدُوا تُهْمَةً يُحَاكِمُونَهُ بِهَا)
ثالثا : يفهم من كلام المسيح - عليه السلام - أنه يعيب على هؤلاء الفريسيين أنهم غارقون في الزنا ، ويعيبون على غيرهم هذا العمل ، بدليل أنهم : " انْسَحَبُوا جَمِيعاً وَاحِداً تِلْوَ الآخَرِ".
رابعا : هذا النص يثبت أن إقامة حد الرجم على الزاني من شريعة
موسى ، هذه الشريعة التي ما جاء المسيح - عليه السلام - لينقضها ،كما جاء في النص السابق " ، 4وَقَالُوا لَهُ: «يَامُعَلِّمُ ، هَذِهِ الْمَرْأَةُ ضُبِطَتْ وَهِيَ تَزْنِي. 5وَقَدْ أَوْصَانَا مُوسَى فِي شَرِيعَتِهِ بِإِعْدَامِ أَمْثَالِهَا رَجْماً بِالْحِجَارَةِ ، فَمَا قَوْلُكَ أَنْتَ؟» أليس كذلك ؟
خامسا : وماذا في رجم من اعتدى على الحرمات ؟ إن إقامة الحدود على الزناة يضمن للمجتمع أن يحيا حياة نظيفة آمنة ، يأمن فيها المرء على عرضه ونفسه ، ودعني أسألك مسيو شورش لو وجدت زوجتك متلبسة بجريمة زنا مع أحد الفاجرين ، واجتمع الناس وشاهدوا هذه الجريمة ، فماذا أنت فاعل ؟ أحسب أنك ستقول : " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيئَةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ " أو تقول :" فمن برئ نفسه فليكن أول الراجمين " أليس كذلك ؟(1/87)
الفصل الخامس
موقف العالم الإسلامي من الفرقان الأمريكي
**************************************************
الموقف المصري
لأن مصر هي أهم دولة في المنطقة ؛ بل في العالم الإسلامي ، فقد حاول هؤلاء الأقزام نشره في مصر لما لها من مكانة كبيرة .
وقد ذكرت جريدة الأسبوع المصرية أن بعض المصادر الموثوق بها أفادت أن أمريكا بالتعاون مع إسرائيل كانت قد طلبت من مصر أن تقوم بطبع كتاب " الفرقان الحق " ، والقيام بنشره بها كمقدمة للقضاء علي القرآن الكريم ، واستبداله بكتاب الفرقان! إلا أن الأزهر رفض طبع وتوزيع الكتاب بمصر .(1)
أ) موقف الأزهر من القرآن الأمريكي
أكد الإمام الأكبر الدكتور" سيد طنطاوي" شيخ الأزهر أن تداول ما يسمي " الفرقان الحق" محرم شرعا خاصة إذا ثبت أنه نسخة مزورة من القرآن الكريم ، وقال : يجب الرد علي ذلك ، والتنبيه علي أن هذا المؤلف لا أساس له من الصحة ، وتجب مصادرته .
وقال شيخ الأزهر في تصريح خاص لـ ( الأسبوع ) " إن حكم من يوزع قرآناً مزورا خاصة إذا كان يعلم حقيقته ، ويتعمد توزيعه ، ويقصد رد الناس عن الحق ، واستدراجهم إلي الباطل ، فعمله هذا عندئذ والعياذ بالله هو خروج عن الإسلام ، بل هو الكفر بعينه ، ومن يفعل ذلك يكون محاربا للإسلام ، ويتعين معاقبته ، وقال فضيلة الإمام الأكبر: " إنه يتعين علينا أن نبين للناس أن هذا هو افتئات علي الإسلام وكذب محض ". (2)
ب) بيان مجمع البحوث الإسلامية
أصدر أعضاء مجمع البحوث الإسلامية قرارا بمصادرة ومنع تداول كتاب " الفرقان الحق" لأنيس سورس ، والذي أثار ضجة في الداخل والخارج.
وأكد التقرير الذي وضعه المجمع أن الكتاب فيه تهجم سافر علي الإسلام وازدراء للدين ، ووصف الكاتب بأنه مجرم يستوجب العقاب ، ويظهر العنصرية ضد الإسلام والعرب.
__________
(1) انظر : جريدة الأسبوع الاثنين / 6/12/2004 ، عدد 403.
(2) السابق .(1/1)
وأوضح التقرير أن المؤلف وضع هذا الكتاب انتقاما من مناظرة تمت بينه وبين الداعية الإسلامي أحمد ديدات.
وناشد المجمع جميع الدول الإسلامية بمنع تداول هذا الكتاب ، ومصادرته منعا للبلبلة. (1)
موقف المملكة العربية السعودية
لا يقل الدور السعودي عن الدور المصري في رفض وفضح والتشنيع على من قاموا بوضع هذا الكتاب وذلك على جميع المستويات الرسمية والغير رسمية وهذه صورة من الموقف السعودي:
المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة
استنكر المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي حملات التهجم والافتراء على الإسلام الحنيف والدس على القرآن الكريم.
وقال في بيان أصدره: " لقد تدارس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته المنعقدة بمكة المكرمة تصاعد الهجوم على الإسلام وتواصل الافتراء عليه في حملات إعلامية وثقافية متتابعة تكيل التهم ضده وتشوه مقاصده العظيمة ومبادئه الإنسانية النبيلة وتطعن في كتابه الكريم وتسيئ إلى حامل رسالته محمد S وتعبث بسيرته العطرة وتشوه دعوته لتنفير الناس منها وصرفهم عن الإسلام الذي اختاره الله سبحانه وتعالى دينا خاتما للناس قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً } (سبأ :28) وقال عز وجل: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } (الأنبياء :107)
ودعا المسلمين شعوبا وحكومات ومنظمات للدفاع المشترك عن هذا الدين الذي تجرأ عليه أعداء الله ووصلت بهم الجُرأة والاستخفاف به وأهله إلى وضع خطط لإبعاد المسلمين عن دينهم والتأثير على تدريسه لأبنائهم.
__________
(1) عقيدتي الثلاثاء 29 من ذى الحجة 1425 هـ - 8 من فبراير 2005 م ، العدد 627.(1/2)
وقدتمادى هؤلاء في محاولة يائسة لصرف المسلمين عن القرآن بخاصة ، فأكثروا الافتراء على سوره وآياته وتجنوا على الكثير من أحكامه وقدموا تفسيرات ظالمة مغايرة لمقاصده وزادت جرأة أهل الباطل بافتراء كتاب للمسلمين سموه " الفرقان الحق" ألفته إحدى اللجان المتخصصة في عداء الإسلام والمسلمين من اثني عشر جزءا تم نشر جزئه الأول بالرسم العثماني على الإنترنت مدة من الزمن ، ليكون حسب ما زعموا بديلا عن القرآن الكريم وكتابا مقدسا للمسلمين في القرن الحادي والعشرين { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً } (الكهف:5)
وأضاف البيان أن المجلس إذ يتوقف عند هذا العمل العدواني الشنيع على القرآن الكريم ، والذي يغضب الله ويغضب عباده المسلمين الذين يبلغون مليارا ونصف المليار من سكان الأرض.
وأكد أن الهجوم على القرآن الكريم والافتراء عليه بتحريف مقاصده بدأ منذ أن شع نور الإسلام في الأرض بنزول القرآن وبعث المصطفى المختار لكن الله سبحانه وتعالى حفظه وحفظ دينه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }
(الحجر : 9) ولن يضر القرآن ما يفعله أعداء الإسلام مهما أجهدوا أنفسهم وتفننوا في الافتراء عليه.
وشدد البيان على أن مهزلة وضع كتاب بديل للمسلمين عمل لن يعود على فاعليه إلا بالفشل والخسران ؛ لأن الله سبحانه وتعالى تحدى الإنس والجن بكتابه وبيّن أنهم لن يتمكنوا من مضاهاته أو الإتيان بمثله مهما اجتمع لهم من قوة وكيد وتعاون على الإثم والعدوان { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } (الإسراء:88)(1/3)
وأكد البيان أن مواجهة الدس على القرآن والافتراء عليه تكون بالإقبال على حفظه والحرص على التمسك بأحكامه وهذا دأب المسلمين في العناية به كلما مرت بهم محنة وهم مُطالبون اليوم باليقظة الشديدة لما يُحاك من مؤامرات ضد الإسلام ومطالبون بشدة التمسك بكتاب ربهم استجابة لأمر الله { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ } (الزخرف/43، 44)
وبَين أن المسلمين يعتقدون بأن الله سبحانه وتعالى يغار على حرماته وهو الذي يعلم مكر أعدائه وأعداء كتابه الكريم وقد أعد لهم العذاب الأليم على عبثهم بهذا الكتاب العظيم والدس والافتراء عليه { إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (فصلت/40)
وأكد أن تعاون المسلمين في الذوْد عن دين الله العظيم وعن كتابه الكريم من الفروض الواجبة ، وأن بيان محاسن الدين لغير المسلمين واجب أيضا ؛ لذلك فإن المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي يهيب بالمسلمين وحكوماتهم ومنظماتهم ووسائل الإعلام في بلدانهم لتحقيق أعلى درجات التعاون فيما بينهم للتعريف بالإسلام والاعتزاز بكتابه على رؤوس الأشهاد دونما حرج { كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِين َ } (لأعراف/2)
وطالب المجلس رابطة العالم الإسلامي وغيرها من المنظمات الإسلامية الرسمية منها والشعبية ببذل الجهود المشتركة في الدفاع عن القرآن ، وتعرية محاولات الأعداء وفضحها لتعرف الشعوب الأخرى صلابة المسلمين في الدفاع عن كتاب ربهم. (1)
الموقف الفلسطيني
__________
(1) الحياة الوسط 26 / 4/ 2004 م .(1/4)
سبق أن أشرنا أن هؤلاء الأقزام عمدوا إلى إرسال كميات من هذا الكتاب إلى السلطة الفلسطينية ، وعن طريق اليهود نُشر الكتاب في هذه الأوساط بصورة مكثفة ؛ لأن هذا الكتاب يخدم اليهود من الدرجة الأولى ، لكن كما هو متوقع لقد لفظ الشعب الفلسطيني الكتاب جملة وتفصيلا.
ويرى الشيخ " عكرمة " أن كل الأهداف واردة من وراء كتاب " الفرقان الحق" , وكذلك كتاب ومواد جمعية "يد لاحيم" وهذا الأمر ليس جديداً ، لكن أحدا لم يستطع ولن يستطيع تغيير القرآن ".
وعبّر الشيخ " عكرمة " عن استغرابه للصمت الذي تلقاه مثل هذه المحاولات , وقال : " لو كنا نحن المسلمين قد انتقدنا أي دين سماوي لقامت الدنيا ولم تقعد" .
ومع ذلك فنحن نقول إنه لا يجوز لأي مسلم أن يغمز أو ينتقد أي نبي من الأنبياء ، وكمسلمين نؤمن بأن داوود وسليمان من الأنبياء في حين يعتبرهما اليهود ملوكاً ".
ويقول الشيخ " كمال خطيب " , نائب رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر : " إنهم يُشوهون ما يؤمن به المسلمون في كل ما يتعلق بالاستشهاد والشهادة , من خلال إظهار كل من يستشهد لا يقوم بعمل وطني أو ديني وإنما لرغبته الجنسية ، وأشار الشيخ الخطيب إلى أن " حملة التحريض على الإسلام لم تتوقف هنا فقد نشرت مجموعة غير معروفة عبر موقع إلكتروني صور فتيات أجنبيات شبه عاريات وعلى ظهورهن شعارات دينية ". .(1)
الموقف السلبي للدول الإسلامية
مما يؤسف له أن الكثير من الدول الإسلامية - لا سيما دول الخليج وخاصة الكويت - يوزع فيها هذا الكتاب في وضح النهار ، ولم تحرك هذه البلاد
__________
(1) الحياة الوسط ـ 26 / 4/ 2004 م .(1/5)
ساكنا ، وكأن الكلب لم يأكل لهم عجينا ، لم نر قناة فضائية من مئآت الفضائيات التي تزعم أنه تهتم بقضايا الإسلام تناولت هذا الموضوع ، وحذرت منه ، ويبدو أن أصحاب الفضائيات تفرغوا لتراشك الاتهامات ، ونشر أخبار الفاسقين والفاسقات والفاجرين والفجرات ، مع العناية بتقديم أحدث الأفلام والمسلسلات ، التي تضييع الأوقات ، وتثير الشهوات ، أما ما يحاك بالأمة من مؤامرات ، وما يثار حول الإسلام من شبهات وافتراءات ، فهذا لا يحرك فيهم ساكنا ، ولا يشغل لهم بال ، وهذا يؤكد أن الأمر أسند إلى غير أهله ، ونذكر هؤلاء بقول الله تعالى : { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُواأَمْثَالَكُمْ } (محمد :38)
الجالية الإسلامية في بريطانيا
قامت الجالية المسلمة في بريطانيا بحملة واسعة النطاق داخل الأراضي البريطانية وخارجها من أجل التصدي لعملية قذرة لتزوير القرآن الكريم علي شبكة الانترنت ، وطالبت الجالية الاسلامية أحد المواقع البريطانية علي الإنترنت بحجب كتاب " الفرقان الحق " الذي يسوقه الموقع ، ويحتوي علي تحريف واضح لآيات القرآن الكريم ، وأكدت رابطة المسلمين البريطانيين - أن هذا الكتاب المشبوه يأتي في إطار المحاولات المستمرة لتشويه الدين الاسلامي ، وطالبت الجالية جميع أعضائها بإرسال آلاف الرسائل إلي الموقع لمطالبة المسئولين عنه بحجب الكتاب عن التداول.(1)
دور منظمات المسلمين في أمريكا
__________
(1) انظر جريدة الوفد ، الإثنين 31 يناير 2005م . http://www.alwafd.org/fro(1/6)
لاشك أن دور منظمات المسلمين في أمريكا كبير وكبير جدا ، فلوكان رجل في بيته يحدث نفسه سرا وسب ما له علاقة بالسامية فتقوم عليه القائمة ، وتهيج عليه الهوائج ، فأين أنتم كعمل مدني وليس كعمل ديني ؟ أين منظماتكم ؟ .. أين القضايا المرفوعة لحفظ حقوق الأديان ؟ وأنتم تعلمون جيدا أسماء دور النشر التي قامت بطبع هذا العفن ، فأين هي الحرية الدينية ، وعدم المساس بالمعتقدات التي يتشدق بها المجتمع الأمريكي؟ .
إن حكومة طالبان لما هدمت صنمين " لمعبود الهندوس " قامت الدنيا ولم تقعد، وكان ما تعلمون ، فما بالكم بهذا الساقط الذي يريد أن يُبَدل دستور الأمة ومصدر تشريعها ، بكتاب لا يصلح إلا علفا للحيوانات ، فأين أنتم ؟ (1)
__________
(1) انظر: http://www.alheweny.com/index2/(1/7)
الخاتمة نسأل الله حسنها
**************************
لقد بان لك أيها الكريم بعد هذه الجولة السريعة في هذا الكتاب المزيف المسمى " بالفرقان الحق " أنه ليس بالفرقان ، وليس بالحق ، وأنه لا يعدو أن يكون حملة جديدة من الحملات الكثيرة والمتنوعة على القرآن والإسلام ، فلم يعد الأمر إحتلال عسكري لإستنفاذ الثروات العربية ، بل تعدى ذلك إلى حرب فكرية وثقافية لمحو الهوية العربية والإسلامية ، حيث توجهت الحملة هذه المرة إلى دستور المسلمين " القرآن الكريم" فحاولوا تحريفه ، فلما فشلوا قاموا بتأليف هذا العفن ونشروه بصورة مكثفة في كل مكان .
لم يكتف هؤلاء الأوغاد بما سفكوا من دماء وأخذوا من ثروات ؛ بل أردوا أن ينالوا من دستور الأمة هكذا هداهم غباؤهم ، وغاب عن هؤلاء الأوباش أن كتابا ضمن الله تعالى حفظه لا يمكن أن تناله يد بسوء ، لقد تحداهم الله تعالى بقوله : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } (الإسراء:88) ولك أن تتأمل في قوله تعالى : { وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } ومن خلال هذه الجولة السريعة في هذا الكتاب يمكن أن نخلص إلى هذه النتائج
أولا: مجمل أهداف هذا الكتاب يمكن حصرها في :
تمجيد النصرانية والإنجيل .
تشويه صورة الإسلام والمسلمين .
بث الشبهات والافتراءات حول الإسلام والمسلمين.
تمجيد الفرقان الحق .(1/1)
ثانيا : قد أعلن هؤلاء أنهم سوف يصدرون الجزء الثاني بعد معرفة ردود الفعل علي الجزء الأول ، والجزء الثاني يستمر في ذات الإطار، يبدأ الجزء الثاني بسورة الفاتحة الثانية ، ويتضمن الجزء الثاني أيضا سور: القديس وسورة الموت وسورة الأرض ، وهذه السورة تخدم المصالح اليهودية بصورة كبيرة ، ويشعر القارئ لنصوصها أنها موجهة إلي الفلسطينيين ، تقول هذه السورة : " أيها البشر الأرض واسعة ، عمروها بأيديكم ، وفكروا بعقولكم ، فأرضكم ليست مقدسة ، وحدودكم ليست ثابتة ، فأجيال تتنقل وتترك الديار ، وأجيال تحل وتتمسك بالديار ، فلا تجعلوا الأرض أبدا مثارا لخلافاتكم وعداواتكم ، فالعداء يولد البغض والحقد والكراهية ، والأرض التي تحمل العداء بين البشر وبعضهم لابد وأن تتأملوا في أركانها وأجزائها ستجدون أن الجزء الأكبر تشغله الجبال والصحراء الشاسعة ، وهي الأراضي التي لا يتحمل الإنسان أن يطأ بقدميه عليها ، فطالما أنها أرض مهجورة وغير مأهولة ، ولا تحمل إلا الطبيعة المؤقتة فلماذا نقاتل بعضنا بعضا من أجلها ؟ دعنا نعش جميعا في منزلي أو منزلك ، أنت في غرفة وأنا في الأخري ، وكلانا سيعمر هذا المنزل بالفاكهة والروائح والياسمين ، الأرض لله ، يورثها من يشاء ، ونحن عليها نعمرها ونموت ، فلماذا القتال ؟ ولماذا الحقد والكراهية ؟ دعونا نعش في هذا العالم بسلام ، لا اعتداء ولا عدوان ، من يمسك التفاحة بيده فهي له ، ولا يحق للآخر أن يدعي ملكيته لها ، ولكن علي من يمسك التفاحة أن يعطي من يدعي الملكية جزءا من تفاحته حتي يأكل الاثنان ، وتصبح القسمة المشتركة بينهما عنوانا للحياة. (1)
أقول : لا تحتاج هذه النصوص إلى تعليق .
__________
(1) انظر: http://www.eqla3.com/vb/showpost.php?p=1987017&postc(1/2)
ثالثا : إن أعداء الإسلام والمسلمين قد تكاتفوا في عداوتهم للقضاء علي الإسلام ، ولم تعد العداوة مقصورة علي دويلات صغيرة يسهل صدها ، أو معاهدات طويلة يسهل مدها ، ولكن تكالبت الأمم واجتمعت علينا كما تتكالب الأكلة علي قصعتها ، وهذا ما أخبر به الصادق الأمين ، فمن حديث ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - أن رَسولُ اللَّهِ S قال : ( يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَي عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَي الأَكَلَةُ إِلَي قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ) (1) .
يقول أحد مفكري هذا المشروع :" إنه في خلال العشرين عاما القادمة يجب أن يتخلص كوكب الأرض من دين الإسلام ، وألا يكون هناك مسلم واحد إلا وقد حوصر في أفكاره وعقيدته ؛ فيعود الصليب من جديد معانقا لشعار داوود . (2)
رابعا : إن رد الفعل الإسلامي على هذا الفرقان أقل بكثير مما يجب ، وهناك الكثير من الدول الإسلامية يوضع حولها علامات استفهام
كبيرة ، فالكتاب يوزع في أراضيها ، ولنا أن نسأل هؤلاء : هل سيخيم الصمت عليكم ، وكتاب الكفر يوزع بأراضيكم ؟ هل هان عليكم
القرآن ؟ .
__________
(1) حديث صحيح : رواه أبو داود في كتاب الملاحم برقم 4297 ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 8183 .
(2) انظر: http://www.eqla3.com/vb/showpost.php?p=1987017&postcount=16(1/3)
خامسا : إن أبلغ رد يجب علىالمسلمين الآن هو زيادة العناية بالقرآن بحيث نجعله مادة أساسية في حياتنا اليومية ، وأهيب بأبناء الأمة أن يقبلوا على القرآن الكريم قراءة وحفظا وتدبرا وعملا وعناية .
وأخيرا : يبقى اليقين الذي لا يتزعزع أنه حتى لو تخاذل المسلمون جميعاً عن نصرة كتاب ربهم ، فإن أحداً لم ولن يستطيع تغيير القرآن أو تحريف كلماته ؛ فقد تكفل العزيز القهار بحفظه حتى قيام الساعة .(1/4)