دور المنزل في تربية الطفل المسلم
أم عمر التويجري
إننا ونحن بصدد البحث في هذا الموضوع لا بد لنا من الحديث عن الأساس والنواة الأولى المسؤولة عن ذلك الطفل ، ألا وهي الأسرة وتكوينها . إن من أراد بناء أسرة إسلامية ينشأ عنها جيل صالح عليه أن يُعني قبل ذلك باختيار الزوجة ذات الدين والخلق الكريم والمنبت الحسن حتى تسري إلى ذلك الجيل عناصر الخير وصفات الكمال، قال - عليه الصلاة والسلام- : "تنكح المرأة لأربع لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين، تربت يداك" متفق عليه . لذلك فعلى الرجل أن لا يكون همه الاقتران بامرأة ذات جمال، درن مبالاة بدينها وأخلاقها، فإن ذلك منغص للحياة هادم لها، مسبب للفراق .
وبالمقابل فإن الشريعة الغراء عندما دعت الرجل لاختيار الزوجة الصالحة فإنها حثت الآباء على حسن اختيار الرجل الكفء لبناتهم صاحب الدين والخلق القويم القادر على حمل الأمانة وصيانة المرأة .
لذلك فإن حسن اختيار الأم والأب ينشأ عنه صلاح ذلك الجيل الناشئ عن تلك الأسرة ، فكل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما ورد في الحديث .
* مرحلة الطفولة مرحلة إعداد وتدريب وتربية ومن أجل ذلك حثت الشريعة الغراء على أمور منها :
1- تعليم الأطفال كل ما يعود عليهم بالنفع في الدين والدنيا وتلقينهم الشهادتين .
2- غرس محبة الله ورسوله وصحابته في قلب الطفل .
3- تحفيظ القرآن سورة سورة وما تيسر من الحديث .
4- أمره بالصلاة عند بلوغه سبع سنين .
5- تعليمه الطهارة والوضوء ، وتعويده على الصدق والأمانة والبر والصلة .
6- إبعاده عن مجالس السوء واللهو والمنكرات .
7- تعليمه الأدب الحسن (ما نحل والد ولده خير من أدب حسن ) .
8- تجنيبه الخمر والمسكرات وما يفسد الدين والبدن والأخلاق .
9- تدريبه على الشجاعة والإقدام والاخلاص في العمل .
10- تدريسه حياة العظماء والصالحين والأبرار ليقتدي بهم .
* أخطاء نرتكبها في معاملة الأطفال :
1- سوء فهم نية الطفل ، وتجاهل عواطفه ، فكثيراً ما نقسو عليه ونعاقبه بالضرب والازدراء والتحقير . كما أنه ليس كل مخالفة للوالدين يرتكبها الطفل عنوان الشقاوة ، بل هي على الأغلب عنوان نشاط وحيوية ، ومظهر لنمو الشخصية لديه .
2- من الأخطاء تخويفه بالغول والعفاريت ليهدأ أو لينام .
3- الاختلاط بين الجنسين ، والتساهل في مشاهدة التمثيليات ، وأفلام القتل والجريمة ، والانحراف ، وتصفح المجلات الخليعة .
* بعض الأمور النافعة في تربية الطفل :
1- القدوة الحسنة : وذلك لأن الطفل يقلد من حوله لا سيما الأم والأب والأقارب ، لذا لا بد من إيجاد القدوة الحسنة الملتزمة بالخلق الرفيع والألفاظ الطيبة .
2- الرفق : معاملة الطفل لا بد لها من عطف ورحمة به كما قال -عليه الصلاة والسلام- للأقرع بن جالس لما أخبر أنه لا يقبل أحداً حتى أولاده : »من لا يرحم لا يُرحم«
3- العدل : إن تفضيل الأبناء بعضهم على بعض يزرع العداوة والبغضاء ، وعلى الأبوين العدل بينهم في كل شيء ، لأنه أدعى إلى المودة والتآلف .
* تعليم الطفل المسلم :
قال تعالى : ((عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)) ، وقال تعالى : ((الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآنَ * خَلَقَ الإنسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ)) .
وهذه بعض الأمور التي يجب مراعاتها في تعليم الطفل :
1- تعليم الطفل الأكل باليمين والتسمية عند الأكل والدخول والخروج .
2- تعليمه الاستعانة بالله وحده وتشجيعه على الصلاة مع الجماعة .
3- تعويده النظافة في الملبس والمسكن .
4- التفريق في اللباس بين الذكر والأنثى ، وعدم تشبه كل منهما بالآخر .
5- تعليم البنت على الستر في الملبس منذ الصغر والحجاب عند البلوغ .
6- تعليم الولد الرماية والفروسية والسباحة .
7- الاهتمام بتنمية جانب الذكاء لدى الطفل بالبحث والمناظرة .
8- عدم إنهاكه بالتعليم النظري المتواصل حتى لا يمل ويتركه .
هذا وأرجو أن أكون قد وفقت في عرض سريع مختصر عن دور المنزل في تربية الطفل المسلم حيث إن الموضوع لا يمكن الإلمام به من جميع جوانبه في مقالة قصيرة كهذه .
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
المراجع :
1- الطفل في الشريعة الإسلامية / د. محمد أحمد الصالح .
2- الطفل المثالي في الإسلام / عبد الغني الخطيب .
3- كيف نربي أولادنا / الشيخ محمد جميل زينو .
مجلة البيان
ـــــــــــــــ(1/122)
مهارات لاحتواء الأزمات في البيوت!
خالد عبداللطيف
احتواء الأزمات وعدم تركها تتفاقم فنٌّ لا يتقنه إلا عقلاء الناس وفضلاؤهم؛ أما ترك الأزمات تستفحل فيؤدي إلى زيادة شحناء النفوس وتراكم الغلّ في القلوب.. وهنا ينصب الشيطان رايته، وهذا ميدانه، كما في صحيح مسلم عن جابر - رضي الله عنه ـ قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم".
وأشد ما يكون ذلك، وأحبه إلى الشيطان: التحريش بين الزوجين والإفساد بينهما، فعن الراوي نفسه جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرّقت بينه وبين امرأته، قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت" قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه! (رواه مسلم).
ومن هذا الهدي النبوي نستلهم إشارات.. نهديها لكل زوجين لبيبين:
الأولى: لا يجعل أحدكما يوماً من الدهر معركته مع الآخر،.. بل مع الشيطان. حتى لو كان أحد الزوجين مخطئاً أو مذنباً.. فلا يكن الآخر عوناً للشيطان عليه، ولا يخذله أحوج ما يكون إليه!
الثانية: لا يستخفنكما الشيطان.. فيجعلكما كالدمى يقلّبها بوساوسه، فيقلّب قلوبكما بين غضب ورضا.. وحزن وسرور، ولكن وطّنا نفسيكما على عداوته هو، واليقظة لمكره بكما. وصدق القائل: "من وطّن نفسه على أمر هان عليه"!
الثالثة: ليكن قوله تعالى {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ..} وقوله عز وجل: {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ..} شعارًا بينكما؛ ولينظر كل منكما إلى حق الآخر عليه.. قبل النظر إلى واجب الآخر نحوه! وليعلم من يداوم على خفض الجناح والتواضع والصبر على الآخر راضياً محتسباً أنه على خير عظيم؛ فلا يستنكف أو يرى أن الآخر هو الأولى بالاعتذار أو التواضع.. فيمنعه ذلك من المبادرة إلى التسامح والتصالح!
الرابعة: اتفقا من الآن.. فور الفراغ من قراءة هذه السطور على تحديد العدو (الشيطان)، وتذكير كل منكما للآخر إذا نسي، وامتثال من يُذكّر بمجرد تذكيره. ويُقترح كتابة الحديث الشريف السابق ذكره، وجعله في مكان يذكركما به.
ويالها من دقائق غالية تلك التي يخصصها الزوجان من آنٍ إلى آن.. تغشاهما السكينة وتتنزل عليهما الرحمة، يتدارسان آيات من القرآن وقبسات من السنة؛ تنير بيتهما بالخير والبركة، وتضيء دربهما الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة!
أبي يقول لك: هو ليس هنا!!
يحتاج الوالدان إلى قدر كبير من الوعي واليقظة، والحذر من التهاون بعقول الصغار أو تصور أنهم لا يعقلون كثيرا مما يدور حولهم..!
أخبرني أحد المتخصصين أن الطفل يعي جيدا ما يدور ويقال حوله - وإن صغر سنه - حتى لو بدا للوالدين أنه منشغل باللعب حولهما فيما يكونان يتجاذبان أطراف الحديث!
وحدثني صديق لي - مؤكدا هذه الحقيقة - عن شغف ولده الصغير الشديد بمتابعة حديث والده مع أمه، ومداخلاته المتكررة أثناء حديث لا شأن له به البتة.. وكأنه طرف فيه!
الأمر الخطير حقا هو وقوع أحد الوالدين في أخطاء يصعب تداركها أو جبرها في حق هذه النفوس البريئة الغضة؛ ومن أشد ذلك وطأة: الكذب! يقول الأستاذ محمد قطب - مصورا مدى الجناية على براءة الأطفال بارتكاب الكذب أمامهم -: "ومرة واحدة من القدوة السيئة تكفي، مرة واحدة يجد أمه تكذب على أبيه، وأباه يكذب على أمه، أو أحدهما يكذب على الجيران.. مرة واحدة تكفي في تدمّر قيمة الصدق في نفسه، ولو أخذا كل يوم وساعة يرددان على سمعه النصائح والمواعظ والتوصيات بالصدق.."!!
ومن طريف ما يروى في ذلك: قصة الطفل الذي أمره أبوه أن يقول لطارقٍ طرق الباب: أبي ليس هنا. فما كان من الصغير البريء إلا أن قال للطارق: أبي يقول لك هو ليس هنا!!
ومن المزالق الوعرة التي قد لا يتنبه لها بعض الأفاضل والفاضلات: استعمال المعاريض (التورية) أمام الصغار، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، مستندين إلى ما جاء في الحديث "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب" (أخرجه البيهقي وابن السني، والبخاري في الأدب المفرد)؛ فيتصورون أن الترخيص فيها يرفع كل حرج عنهم!
والحق أن المسلم الصدوق لا يجعل من هذه الرخصة دأباً له ولا عادة، والإسراف في المعاريض ليس ديدن الفضلاء. والأهم هنا أن الطفل لا يعقل ما يعقله الكبار، والأقوال التي يسمعها لها عنده وجهان فحسب.. صدق أو كذب! ولن يبلغ فهمه استعمال هذه الرخصة إلا بعدما يشب على الفضيلة وترسخ الأخلاق في نفسه، ويتفقه في دينه بما يحجزه عن الغش والخداع.
والنار من مستصغر الشرر؛ فحريٌّ بمن يتهاون في هذه الأمور ولا يتحفظ منها أمام الصغار أن يجني ثماراً مرة من الكذب والنفاق والانحراف في سلوك أطفاله.. ولات ساعة مندم!!
زوجي وأولادي.. ليسوا كأهل بيت فلان!!
يسعد وينجو من الهمّ من يعامل أهل بيته من زوج وأولاد بما يحب أن يعاملوه به؛ فإذا أساؤوا صبر واحتسب، وعزّى نفسه بأمورهم الأخرى الحسنة؛ مع حثهم بالقول والقدوة على حسن الخلق.
وبهذا جاءت السنة النبوية في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر" (رواه مسلم). فإذا ساءك منها سلوك؛ (والوصية نفسها تقال للزوجة في حق زوجها) تذكر محاسن أخلاقها الأخرى والغالب من أحوالها، والتمس لها العذر، وقابل إساءتها بالإحسان، واحتسب في ذلك العديد من الأعمال الصالحة من صبر وحلم وعفو، إضافة إلى القدوة الصالحة لأهل بيت يتأسون بك عاجلا أو آجلا!
وقبل أن تقارن بين زوجتك وغيرها مما يتناهى إلى سمعك؛ ثق بأن الناس في الغالب يبدون المحاسن ويسترون العيوب، والبيوت أسرار كما يقال!
وكذلك الشأن مع الأولاد؛ فكل أب وأم يريدان لأولادهما القمة في كل شيء! في الأدب.. في الدراسة.. في البر... إلخ. فإذا اقتربوا من القمة ولم يصلوا إليها ربما عابا عليهم ذلك!
وهذا من الغلو والجور، والبعد عن العدل والإنصاف، بل هو من الجناية على مشاعر الصغار.. فهؤلاء الأبرياء يرفعهم التشجيع والثناء إلى العلياء، ويهوي بهم التوبيخ والغلظة إلى الحضيض، ويأتي بالنتائج العكسية!
ولو أنصف كل امرئ لوجد لدى أولاده ما ليس لدى غيرهم، كما يفتقد فيهم ما يجده لدى آخرين!
ولنتأمل في بعض أقوال المفسرين في قوله تعالى في سورة الأعراف: {خُذِ الْعَفْوَ..}..
قال الطبري: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم: تأويله: خذ العفو من أخلاق الناس، وهو الفضل وما لا يجهدهم.. ثم نقل عن مجاهد: العفو من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تحسس.. وعنه أيضاً: عفو أخلاق الناس وعفو أمورهم.
ونقل الجصاص عن آخرين: العفو: ما سهل وما تيسر من الأخلاق. وقال القرطبي: {خُذِ الْعَفْوَ..} دخل فيه صلة القاطعين والعفو عن المذنبين والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين.
إنها أخلاق القرآن أُمِر بها أفضلُ الخلق - صلى الله عليه وسلم - وأمته من بعده، من لدن الحكيم الخبير بأحوال خلقه وما يصلحهم {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
فأما من أبى؛ فقد اختار لنفسه وأهل بيته الحرج والعنت والعناء يتقلبون فيه صباح مساء!
ـــــــــــــــ(1/123)
كيف تجعل ابنك مطيعاً
عبداللطيف بن يوسف المقرن
فضل تأديب الولد
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع) الترمذي و قال (ما نحل والد ولداً أفضل من أدب حسن ) الترمذي .
كيف تجعل ابنك مطيعا ً؟
نقصد بالولد/الذكر والأنثى, ومن كان دون الرشد و ليس رضيعاً, و إن كان لكل مرحلة سمات و أساليب في التعامل , لكن الحديث هنا عام بسبب صعوبة التفصيل لكل مرحلة على حدة , و منعاً للإطالة .
ما هي صفات الابن الذي نريد ؟
أن يتصف بصفات فاضلة أجمع العقلاء على استحسانها و جاء الشرع حاظاً عليها و أهمها ما يلي :
أ- الدين
نعني الابن صاحب القلب و الضمير الحي , و الابن موصول القلب بالله و المؤمن حقاً .
قال تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) الطور
و قال عليه الصلاة والسلام : (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد إذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب ), فصلاح القلب بالدين فإذا استقام دين المرء استقامت أحواله كلها .
قال تعالى ( ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين و اجعلنا للمتقين إماماً ) الفرقان
ب- كبر العقل
قال الشاعر:
يزين الفتى في الناس صحة عقله و إن كان محظورا عليه مكاسبه
يشين الفتى في الناس قلة عقله وإن كرمت أعراقه و مناسبه
يعيش الفتى بالعقل في الناس إنه على العقل يجري علمه و تجاربه
و أفضل قسم الله للمرء عقله فليس من الأشياء شيء يقاربه
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله فقد كملت أخلاقه و مآربه
وأشد ما يخشاه المرء الحمق, قال الشاعر :
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
ج - الطاعة :
أن يستجيب لتوجيهاتك ويعمل ما يعلم أنك ترضاه و يترك ـ ما يريده ـ رغبة في تحقيق رضاك (إنما الطاعة بالمعروف ) وبالقدوة الحسنة يتربى الابن على صفات الأب الحسنه
د- حسن الخلق:
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) الحديث فالابن الحسن الخلق كثير الطاعة لله و لوالديه .
من الذي يصنع الرجال؟ من يحدد سمات الابن؟
لاشك أنه الأبوان حيث أنه كلما كانا قدوة حسنة لأبنائهم كلما كان صلاح الأبناء أقرب , ففي الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ما من مولود الا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) الحديث
و إذا كانا مسلمين كان الولد مسلماً , فصلاح الآباء سبب لصلاح الأبناء قال تعالى: ( وكان أبوهما صالحاً )الكهف .
1 ـ التنشئة المتدرجة :
- تنشئة الطفل شيئاً فشيئاً حتى يرشد قال تعالى (و لكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب و بما كنتم تدرسون) آل عمران.
تربيته و تعاهده حتى يشب و يقوى ساعده و يبلغ أشده مثال ذلك تربية إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام , ثم كيف استجاب لطلب والده بتنفيذ رؤياه بقتله إياه .
فلا بد من التنمية المتدرجة (التعليم للفعل المرغوب) ، التقويم للخطأ و الرد الى الصواب , و ذلك بأن تعمل على تعديل ما تراه من خطأ شيئاً فشيئاً , و لا تعجل فإن الإخفاق في التغيير الشامل ثقيل وله عبء على النفس قد يقعد بها عن السعي بما ينفع ولو كان هذا السعي قليلاً سهلا.
2 - بذل الحقوق للطفل ( اختيار الأم، التسمية الجيدة ، التعويد على الفضائل )
3- حفظ القرآن
فحفظ القرآن الذي به أكبر مخزون من المعارف التي تهذب النفس وتقوم السلوك و تحيي القلب لأنه لا تنقضي عجائبه, فكلما زاد مقدار حفظ الولد للآيات و السور زاد احتمال معرفته بمضامينها التي هي إما عقيدة تقود السلوك أو أمر بخير أو تحذير من شر أو عبر ممن سبق أو وصف لنعيم ( أهل الطاعة أو جحيم أهل المعصية ) .
4- التعليم قبل التوجيه أو التوبيخ :
( حيث أن البناء الجيد في المراحل المبكرة من حياة الطفل تجنبه المز الق وتقلل فرص الانحراف لديه مما يقلل عدد الأوامر الموجهة للطفل فمن الأوامر ما يوافق هواه وخاطره وباله ما يخالف ذلك,تدل الدراسات أن هنالك ما يقارب من 2000 أمر أو نهي يوجه من الجميع للطفل يومياً !! لذا عليك أن تقلل من المراقبة الصارمة له, و من التحذيرات, و من التوجيهات, و من الممنوعات, ومن التوبيخ التلقائي
نعم الطفل يحب مراقبة الكبار له لكنه ليس آلة نديرها حسب ما نريد !! . فلماذا نحرم أنفسنا من رؤية أبنائنا مبدعين ؟؟
و هناك أهمية بالغة في تربية الطفل الأول ليقوم هو بمساعدتك في تربية من بعده , لكن احذر (( كثرة الأوامر له و قلة خبرتك في التعامل مع الصغير لأنها التجربة الأولى لك و لأمه في تربية إنسان !!! )) .
وأنت تتعامل مع أخطاء ابنك تذكر ذلك:
أن الجزء الأفضل من ابنك لمََا يكتمل بعد , و أن عقله وسلوكه وتعامله لم يكتمل بعد !!
هل فات الوقت المناسب للتربية ؟؟؟
الوقت باقي مادام الإبن دون سن الرشد.
ما الذي يقطع عليك الطريق إلى اكتمال ابنك بالصورة التي ترغب؟
هناك عدة أمور أهمها:
- ترك المبادرة إلى تقويم الأخطاء.
- القدوة السيئة
إذا شاهد الولد الأب أو الأم _ القدوة _ يكذب فلن يصدق الابن أبداً !! .
- إبليس
قال تعالى على لسان إبليس (لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم و من خلفهم و عن أيمانهم و عن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)
- النفس الأمارة بالسوء
((وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم)) يوسف .
- أصدقاء السو ء
ورد في الحديث ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير) هناك الكثير من أصدقاء السوء أوصلوا أصاحبهم إلى المهالك .
إذا سارت الأمور على طريق مختلف
أو تُرك الابن و أهمل و حدث الخلل !!
فما موقفك...؟ عند الخلل في..؟؟؟ فلذة كبدك !!
ابنك من استرعاك الله إياه تذكر أنه صغير - ضعيف - قليل الخبرة - بسيط التجربة- يعايش ظروف تجعله غير مستقر بسبب مرحلته العمرية !
هنا لابد أن تلاحظ مايلي :
1- الأحداث مؤقتة.
2- ليس المهم ما الذي حصل لكن المهم كيف تفكر في الذي حصل
3- حاول أن تقلل التفكير في الإساءات أو الإزعاجات .
4- لا تترك وتتجاهل الأمور التي يفعلها وتزعجك .
5- لا تجعل رضاك متوقفا على أمر واحد .
6- أحذر النقد القاسي للأسرة والأبناء .
7- تذكر الذكريات الإيجابية .
8- لا تركز على صرا عات خاسرة .
9- علمه و لا تعنفه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف ) الحديث
10- تقبل ابنك مرحلياً بلا شروط .
11- الرضا التام قليل و نادر .
أدرك كل هذا حتى ترى طريق التربية الهادئة بوضوح .
ما لذي يفيد في جعل طاعة الابن لأوامر الأب أكثر ؟
هناك عدة وسائل أهمها :
أولاً: التربية على الاستقامة
مهم تربيته على الفرائض و محبة الخير وأهله و بغض المنكر و أهله , ورد في الحديث ( مروا أولادكم بامتثال الأوامر و اجتناب النواهي , فذلك وقاية لكم و لهم من النار ) .
ثانياً: أدنو منه
عند ما تريد توجيهه فاقترب منه أولاً حتى تلامسه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للشاب الذي جاء يستأذنه في الزنى ( أدن مني ثم مسح على صدره ) الحديث .
إذا شعرت بقربك من الآخرين فانك سوف تشعر بالرضا عن نفسك .
ثالثاً : قويٍ العلاقة به
لا بد من بناء العلاقة الجيدة معه وتنميتها و صيانتها مما يعكر صفوها, فالعلاقة القائمة على الرحمة و الشفقة و التقدير و الصفح لها أثر كبير .
عندها ستقول : علاقاتي قربت مني الناس قاطبة !! وسوف تزيد من شبكة العلاقات الطيبة ؟
وجد أن العلاقة السامية لها ميزات كثيرة منها :
سرعة إنجاز العمل ، تسهيل الخدمة دون ضرر ، الاستعداد لأداء العمل برغبة، تذليل المشاكل إن وجدت .
و أن العلاقة العادية لها آثار منها :
تبادل الخبرات، حرارة اللقاء ، اكتساب عدد من الأصدقاء .
و العلاقة المؤقتة لها آثار منها :
إنجاز بطيء ، عدم الاكتراث بالمتكلم, تبادل الخبرات
أما العلاقة السيئة فأضرارها :
عدم أداء الخدمة برغبة, عدد قليل من الأصدقاء ,الترصد الأخطاء ، إنهاء اللقاء بأسرع وقت، عدم بروز العمل الجماعي .
رابعاً: قابله بالابتسامة و بطلاقة وجه :
تبسمك في وجه ابنك صدقة وقربى وتقارب للقلوب , فإن عمل الابتسامة في نفس الابن لا حدود لها في كسبه و استجابته لما تريد منه .
خامساً : مارس طلاقة الوجه
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( لا تحقرن من المعروف شيء و لو أن تلقى أخاك بوجه طلق ) الحديث . تعود على طلاقة الوجه مع أبنائك لأنه كلما كنت سهلا طليق الوجه كلما ازدادت دائرتك الاجتماعية معهم أو مع غيرهم, وكلما كنت فظا منغلقا كلما ضاقت دائرتك حتى تصبح صفراً . قال تعالى ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) آل عمران
الدور الذي تجنيه عندما تملك مهارة طلاقة الوجه :
1- تبعث هذه المهارة روح التجديد و النشاط . 2- تقضي على التوتر و الضغوط النفسية .
3- ينجذب إليك الناس . 4- تجعلك مقبولا لدى الناس .
5- تذيب السلوكيات غير المرغوبة مثل (الكبر ، الحسد، الحقد و العناد) .
6- تضفي روح التواضع . 7- تشعر عند تمثلك هذه المهارة بسهولة المؤمن و ليونته
8- تعيد روح الود و تبث روح المداعبة . 9- تكسبك الجولة في النقاشات الحادة .
سادساً: امنحه المحبة
المحبة تفعل في النفوس الأعاجيب و رسول الله خير قدوة في ذلك لأنه تحلى بأفضل خلق يتحلى به بشر فأحبه أصحابه محبة لم يشابهها محبة من قبل و لا من بعد , فهل يستطيع أحد أن يجاري فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - و أخلاقه و سجاياه التي حببته للناس و الدواب حتى الجماد , و يدل على ذلك قصة ثوبان رضي الله عنه ففي الحديث (أن ثوبان رضي الله عنه كان شديد الحب للنبي - صلى الله عليه وسلم - قليل الصبر عنه أتاه ذات يوم و قد تغير لونه فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما غير لونك فقال يا رسول الله ما بي من مرض و لا وجع غير أني إذا لم أراك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك لأنك ترفع مع النبيين و إني إن دخلت الجنة فإن منزلتي أدنى من منزلتك , و إن لم أدخل الجنة لم أراك أبداً فنزلت الآية : ( و من يطع الله و الرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقاً) النساء .
غريب أمر الحب في حياة الناس فلا أحد يشبع منه , وكل من يحصل عليه يشع بدفئه و صفائه على من حوله .
- ليس هناك أفضل من أن تظهر ذلك التقدير بأن تخبر شخصاًً ما مقدار اهتمامك به لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي قال : أنه يحب فلاناً " هلاَ أخبرته أنك تحبه " الحديث .
- الدراسات بيَنت أن الذي لا يفعل ذلك قد تكون علاقته مع الآخر تنافسية و أفضل مكافأة للولد هو شعوره أن أمه و أبو يحبانه ويثقان به فعلا !!! عندها سوف يحبهما فعلاً لا لمصلحة ما.
- إذا أحبك الناس فانك بأعينهم كحديقة فيها شتى أنواع الزهور ذات الرائحة الفواحة .
كل طفل يحب أن يكون محبوباً و مُحباً و إلا فإنه سوف يلجأ إلى إزعاج من حوله لتنبيههم لحاجته إلى الحب
سابعاً: عليك بالهدوء
تحلى بالهدوء و الحلم و الرفق ورد في الحديث ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه و ما نزع من شي إلا شانه)
لا تجعل جفوة والدك _ أن وجدة _ عليك صغيراً سبباً في تعاسة ابنك مستقبل
ثامناً : عامله بالثقة و التقدير و التقبل.
أشعره بمدى أهميته بالنسبة لك , و بثقتك به , فإن شخصيته تتحدد بحسب ما يسمع منك من أوصاف تصفه بها فإذا كنت تصفه دائما بالذكاء فإنك ستجده ذكياً , و إن كنت تصفه بالبخل فستجده مستقبلاً بخيلاً شحيحاً و هكذا فكن واثقاً من نفسك و اجعل ابنك واثقاً من نفسه حتى يكون لنفسه مفهوماً جيداً و ايجابياً .
فقد ثبت أن الأيمان الراسخ في قدراتنا الذاتية يزيد من الرضا في الحياة بنسبة 30 % و يجعلنا أكثر سعادة ! و أقدر على النجاح , و كن متفائلاً..!ّ و واقعياً في توقعاتك ......... إن السعداء من الناس ...
لا يحصلون على كل ما يريدون !!! و لكنهم يرغبون في كل ما يحصلون عليه
فنظرتك لنفسك سوف تجدها واقعاً بفعل الإيحا النفسي , سواء اعتقدت أنك تستطيع أو لا تستطيع فأنت على حق في كلتا الحلتين فاجعل ابنك واثقاً من نفسه و في قدراته و لا تحطمها _ بقلة الثقة به _ قبل أن يبرزها للوجود .
و لكن لا تكن مفرطا في الثقة !! و اعلم أن التقدير الإيجابي للذات مهم في تربية الرجال ليحققوا ذوات هم على حقيقتها بعيداً عن تحطيم الشخصية الذي قد يمارسه الكبار مع الناشئة .
تاسعا : اجعل لابنك هدفا في الحياة
تشير الدراسات أن من أفضل أدوات التنبؤ بالسعادة هي...... فيما إذا كان الإنسان يعتقد أن هناك هدف في حياته ؟؟؟ , بلا أهداف محددة نجد أن سبعة أشخاص من بين عشرة يشعرون بعدم الاستقرار في حياتهم .
عاشراً: احرص على تماسك أسرتك
فعبارة _ إنني أعيش مع زوجي من أجل الأطفال _ احذر أن يسمعها ابنك من أمه حتى لا يشعر بمدى التفكك الحاصل بين والديه _أن وجد _ فيضعف بسبب ضعف الأسرة ذلك الركن الذي يركن إليه_ بعد الله _ و يرتاح .
حادي عشر : تعرف على صفات ابنك :
لابنك صفات تختلف عن صفات الكبار أهمها :
1- يميل الصغير دائماً إلى أن يحصل على رضى الكبار المهمين في حياته .
2- الثناء و الثقة و التقدير تؤثر على سلوكه أكثر من التوبيخ و الزجر .
3- عادة ما يستقبل الابن أوامر الوالدين بمنتهى الحب والرغبة في التنفيذ و لكن قد يرتبك عندما يتلقى الأوامر بعصبية أو فتور أو استهجان فيتخيل أنه كائن غير مرغوب فيه أو أن والديه قد قررا التخلي عنه أو أنهما ضاقا ذرعاً به و أنه مصدر إزعاج لهما , و هذا الارتباك قد يؤدي به إلى عدم تنفيذ الأوامر الصادرة عنهما .
4- و الولد يُحبُ أن يقوم هو بالجز الأكبر من العمل فإذا زاد عليه الإلحاح ظهر عليه العناد
5- و يحارب كثير من الأبناء من أجل أن يلعب باللعب المحبب لديه .
6- الكبار عندما يصرخون في وجه الصغير هي دعوة له ليتحدى الكبار _ خاصة إذا كانت الأوامر متناقضة , و أن يستمر في السلوك السيئ ويتمادى فيه ليعرف لأي درجة يمكن أن يصل الصراع بينه وبين الكبار .
7- الطفل يمتلك قدرة هائلة على تحمل والديه فهو أطول منهما نفساً عند العناد و التحدي.
8- الأولاد يحتاجون قدراً من الحرية ليختاروا نوع النشاط الخاص بهم .
9- الولد بحاجة أن تعلمه كل جديد دون أن تكرهه عليه .
10- الطفل يدرك مشاعرك تجاهه ويركز عليها ولا يهتم للتوجيه إذا كانت المشاعر تجاهه سلبية _ وقت لخطأ الذي يرتكبه _ مثل الغضب منه أو الحيرة تجاه سلوكه .
مثال ذلك :-
عند ما يجري أمامك ليفتح الباب ثم تصطدم رجله بإناء فينكسر الإناء إذا كان رد فعلك أن تغضب تنفعل فإنه لن يستقبل أي معلومة أو توجيه . أمَا إذا ضبطت نفسك و حاورته بهدوء ووجهته كيف يجب أن يجري مستقبلاً داخل الصالة فإن الرسالة سوف تصل إليه و معها احترامك له وتقديرك لأخطائه التي لا يجد هو نفسه مبرراً لها. و قد يكون منزعجاً منها ولا يرغب في تكرارها دون أن تحدثه عن الخطأ الذي ارتكبه !!! .
11- يحتاج إلى الرعاية الممزوجة بالثقة فلا تكن مفرطاً في الوقاية له من أخطار ما يتعامل معه من ألعاب أو مهام .
12- الصغار لا يحبون ما يشعرهم بالعجز أمام الكبار , و من ذلك إثارة العواطف عند الحديث معهم كقولك إني أخاف عليك من كذا إني مشفق عليك من كذا , فلا نجني من إثارة العواطف معهم إلا الإعراض أو العناد.
13- الولد تتوسل إليه فيعاندك و تتحدث معه كصديق فيطيعك !!! بسبب المنافسة على قلب الأم و البنت على قلب الأب .
14- يحب الصغار أن تتضمن الأوامر الصادرة من الكبار معنى إمكانية المساعدة منهم له .
15- النفاق مع الابن لا يفيد لأنه قادر على اكتشاف حقيقة الأمر !!! .
16- استجابة الولد تتأثر بالوقت و العبارات , فاختر الوقت المناسب للتوجيه أو النقد... وكذلك العبارات المناسبة .
اعلم !!!
أن هناك من هو أقدر منك على كسب ود ابنك فالجد و الجدة أقدر على التعامل المعقول مع الأبناء بسبب أن الوقت بالنسبة لهم وقت حصاد و لعدم تأثرهم بالانفعالات الناتجة عن تصرف الصغير و لقدرتهم على النزول لمستواه و لوجود الخبرة الكافية لديهما , وعلى أساس أن الصغير عندهما صاحب حق في إجابة رغبته المعقولة , و الآباء و الأمهات ينتابهم الخوف على مستقبل الولد و فيختلط لعبه _ الأب / الأم _ مع الابن برغبته / رغبتها في التوجيه و عدم الصبر و ضيق الوقت فتصدر الأوامر المختلطة بالتهديد , وكذلك الأقارب والغرباء يستطيعون أن يحققوا تواصلاً جيداً في الغالب مع الصغير فيكون مطيعاً لهم فما هو السبب !! تأمل ستجد أن نوع العلاقة التي أنشئت تختلف عن العلاقة التي بينك وبينه غالباً.
لاحظ !!!
أنك لست دائماً على حق و أنت تتعامل مع مشكلات أبنائك , فاجعل عقلك هو ارتكاز السهم !!! .......و ليس عاطفتك ؟ .
ثاني عشر : عوده على الحوار :
تفاهم فالحوار الهادئ هو أساس الامتزاج و الاندماج لا بد أن يُعطي فرصة لسماع ما لديه ثم محاورته بهدوء و بمنطقية و عقلانية , لأنه قد لا يعرف الكثير من المعلومات عن سلبيات الأمر الذي و قع فيه و لا ايجابيات تركه , لأنه لم يخبر من قبل بذلك , أو أنه قد نسي ما تعلم , أو كسل عنه .
حدد ما الذي يجعلك حزيناً أو سعيداً وبلغ به في وقت الهدوء فقط
ابحث عن مراكز القوة لديه و أبرزها له و امتدحه فيها و لا تشعره بالضعف أبداً.
البدء بالثناء عليه و مدحه و التركيز على الأمور التي يتقنها
افتح المجال للحوار و افتعال المواقف لذلك .
ابحث عن السبب الحقيقي لما دفعه لفعل ذلك الأمر ثم وجه أو وبخ أو عالج و قد تلوم نفسك على تقصيرك إذا كنت منصفاً . مهم إيجاد جو مناسب للحديث عن المخالفات , و ذلك بعد أن تهدأ الأمور لأن الولد لا يدرك سلبيات فعله للصواب ولا إيجابيات تركه للخطأ .
إذا أخطأ لا تركز على إظهار مشاعر السخط أو الضجر, بل ركز على إيضاح التصرف المطلوب منه مستقبلاً في مثل هذا الموقف مع مراعاة أن تكون هادئ وغير منفعل.
مثال:
( سلوك رفع صوته في وجهك متذمراً ) فعل لابد أن تُعرِفه بسلبياته و إيجابياته ثم تناقشه في وقت هدوءه وارتياحه و إقباله , و ابدأ بالثناء عليه يما يستحق الثناء بأي فعل آخر , و طالبه بأن يكون في موضوع احترام الوالدين كما هو في ذلك الأمر ( الممدوح فيه ) لاحظ أنه من الضروري أن يكون إدراكه للموضوع محل الحوار مشابه لإدراكك أنت و أنه فهم منك ما تعنيه فعلاً و أن تركيزه على ما تقول مناسب جداً حتى تستطيع أن تطالبه مستقبلا بتنفيذ ما عرفه منك من صواب في هذا السلوك .
من المفيد أن يسمع حوارا عن المشكلة _ محل النقاش _ من شخص أخر محايد و قد يفيد افتعال موقف يجعله يسمع الحوار على أنه من غير قصد منك , أو أن يشعر أن الحديث ليس موجها إليه هو بالذات .
إذا لا تواجه المشكلات منفرداً فمساهمة أي شخص آخر في معالجة الأمور مهم .
كمخلوق اجتماعي تحتاج إلى أن تناقش مشكلاتك مع أشخاص آخربن ممن يولونك و توليهم اهتماما خاصا , أو ممن مر بنفس المشكلة أو من أصحاب الخبرة .
مستشارو القروض المالية يقولون :
إن الشيء الوحيد الذي يحققه إخفاء مشكلاتك هو ضمان عدم مساعدة غيرك لك في الحل .
اسمع ما لديه أو اجمع معلومات ....... ماذا يدور في خلده ؟ ما هي رؤيته للمشكلة ومن يؤثر عليه ؟ و ما هي المعلومات التي تصل إليه ؟
ثالث عشر: استغل الصداقة.
لماذا الصداقة ....؟ , الصداقة لا بد له منها , وأنت تستفيد منها , كإيصال رسالة لا تستطيعها , و قد تجد عند الصديق الكثير من الدعم و المشاركة للأفراح و الأحزان .الصداقة على التقى تهزم المال , و إذا أردت أن تعرف هل فلان سعيد فلا تسأله عن رصيده في البنك ولكن سله عن علاقته بربه ثم عن عدد أصدقائه الذين يحبهم ويحبونه ؟ .
رابع عشر : أغلق التلفاز
و لكن بحكمة و أوجد بديلاً يساعد على تحقيق أهدافك....!!!
التلفاز ما هو إلا حشوت الكريمة التي تبعدك عن جوهر الطعام , يقطع فرص التواصل الطبيعية , يسرق وقتنا ولا يعيده أبداً , افتحه عندما يكون هناك ما يستحق المشاهدة , إنه يفرض علينا ما نشاهد ولا نختار ما يجب أن نشاهد !! مثل من يدخل السوق و يشتري كل ما يراه أمامه ثم عندما يعود لداره يكتشف ضعف نفسه وقلة عقله .
لا تقبل الصورة التي ينقلها لك التلفاز أو الناس من حولك .
خامس عشر : آخر العلاج الكي
عندما تسير الأمور على خلاف ما تراه ... ! ولم تتيقن الخطأ ..! , لا تفترض أن هناك خطأ كبيراً يستحق العقاب ...! أو أنه فعل ذلك لتحقيق مصلحة شخصية فردية له ...!, أو أنه كان يريد النيل منك... !,
افترض أنه محق....! أو مجتهد معذور ....! , أو مخطئ يحتاج التوجيه.... !
و أحذر العقاب وقت الغضب فلا تجعل كتفه ملعباً تلهو فيه _ بكرة القلق الزائد الموجود لديك , العقاب المثمر هو ما تضمن التالي:
1- تعليم السلوك المرغوب فيه و التحذير من السلوك المرفوض وذلك قبل الوقوع في الخطأ .
2- الاتفاق على العقوبة حال الخطأ , بحيث تكون مناسبة لحجم الخطأ .
3- أن يفهم أن هذا خطأُ يستحق العقوبة عليه .
4- أن يدرك أن العقوبة متجهة للسلوك و ليس لشخصه هو .
وأخيراً تأكد من أنه أدرك خطأه حتى لا يكون للعقوبة أثر سلبي يجلب العناد أو التمرد .
كن حكيماً في عقدك للمقارنات
في الواقع أنه لم يتغير شيء نتيجة للمقارنة ...!!! الاَ أن شعورنا تجاه حياتنا يمكن أن يتغير بشكل كبير بناء على تلك المقارنة , فكثير من حالات الشعور بالرضا أو عدم الرضا تعود إلى كيفية مقارنة أنفسنا بالآخرين من هم أفضل منا أو قل حظاً منا ! في تربية أولادهم .
فوض غيرك ينكر عليه بالأسلوب المناسب إذا وقع في منكر .
عليك أن تبقى دائماً مع الحقيقة و تسعى جاهداً على تحسين الأمور !... كل يحلم بأسرة مثالية ولكن ينجح في تحقيق شيئاً من ذلك الواقعيين منهم !! .
إذا لم تكن متأكداً .... ليكن تخمينك على الأقل ..... إيجابيا انتبه فقد تحصل على ما تريد بأبسط طريق.
افعل ما تقول أنك ستفعله . لا تكن عدوانياً . لا تفكر في مبدأ ( ماذا لو ) . طور اهتماماً مشتركاً مع الابن و لاعبه . اضحك معه ومازحه . لتكن حمامة سلام . لا تساوم على أخلاقياتك . لا تشتري السعادة بالمال فقط .
أخيراً تذكر أن مشوار التربية طويل و البداية الصحيحة تختصره و وتضفي عليه طعماً مختلفاً ,(1/124)
و اطلب العون من الله و استعن ولا تعجز و لا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا و لكن جدد و و اصل العمل و قل قدر الله و ما شاء فعل ثم ابذل السبب .
و الحمد لله رب العالمين
المصدر موقع المربي
ـــــــــــــــ(1/125)
دور معلم التربية الإسلامية في تربية الطلاب
علي بن عبدالعزيز الراجحي
خلاصة الورقة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، فهذا خلاصة ورقة العمل التي بعنوان (دور معلم التربية الإسلامية في تربية الطلاب) وهي تشمل على ثلاثة محاور :
المحور الأول : أخلاق معلم التربية الإسلامية وهي ما يلي :
الإخلاص لله ، القدوة الحسنة ، الصدق والوفاء بالوعد، التواضع ، التحلي بالأخلاق الفاضلة والحميدة ، العدل والمساواة ، الشجاعة ، الصبر واحتمال الغضب ، التشجيع ، التعاون ، الشورى ، استشعار بالمسئولية ، الرحمة ، حسن المظهر ، التقوى ، عدم الاستعجال ، العلم .
المحور الثاني : العلاقة بين معلم التربية الإسلامية والطلاب:
ويحتوي على أهميئة العلاقات ، و تعريفها ، والأسس التي تبنى عليها العلاقات الأخوية ، و المبادئ التي لابد لمعلم التربية الإسلامية من تطبقها لبناء العلاقات في توجيه الطلاب .
المحور الثالث : مجالات دور معلم التربية الإسلامية في توجيه الطلاب :
التعارف ، التناصح ، حفظ المواعيد ، حفظ المعلم على كتمان سر طلبته ..........الخ.
هذا الله أسال أن ينفع بما كتبنا ، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضى ، من صالح الأقوال والأعمال ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى صحبه أجمعين .
المقدمة
الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . أمَّا بعد :
فلا يخفى ما لمعلم التربية الإسلامية من أثر في توجيه الطلاب إذا هو تخلق بالأخلاق الحميدة وعمل به .
وبناء على ذلك فقد تم إعداد هذه الورقة بعنوان (دور معلم التربية الإسلامية في تربية الطلاب) وهذه الورقة تشمل على ثلاثة محاور :
المحور الأول : أخلاق معلم التربية الإسلامية.
المحور الثاني : العلاقة بين معلم التربية الإسلامية والطلاب .
المحور الثالث : مجالات دور معلم التربية الإسلامية في توجيه الطلاب .
ولا شك أن هذه المحاور لها دور كبير في بناء المجتمع التربوي الصالح النافع ، وذلك لأن دور المعلم في بناء شخصية الطلاب لها أثر عظيم إذا كانت تقوم على أخلاق مؤثره وأسس قوية فعالة ، والطلاب هم نتاج ما يقوم به المعلم في المجتمع المدرسي من إصلاح أو ضده .
فهذه ورقة عمل لعل الله أن يكتب لها الخير وتسهم في بناء المجتمع الذي يسعى له كل مسلم يريد الخير والفلاح والعزة لهذه الأمة .
ومسك الختام الله أسال للجميع العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المحور الأول : أخلاق معلم التربية الإسلامية
من أهم الأخلاق والصفات التي ينبغي لمعلم التربية الإسلامية أن يتصف بها ما يلي :
[1] الإخلاص لله :
أن هذا الخلق من الأخلاق التي ينبغي لمعلم التربية الإسلامية أن يتصف بها وذلك لأن هذا الخلق هو أساس الإعمال والأقوال و أن يحررها من شوائب الرياء والسمعة وثناء الناس وشكرهم ، فعمله لله وبالله ولهذا ثبت من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ) (متفق عليه) . ولذا كان حري بمعلم التربية الإسلامية أن يغرس في نفسه هذا الخلق العظيم وهو إخلاص العمل لله ، وابتغاء الأجر والثواب منه ،وإذا حصل بعد ذلك مدح وثناء له من الغير فذلك فضل من الله ونعمة ، ومدار ذلك كله على النية .
فعلى المعلم الداعية أن يحرر النية ، ويقصد وجه الله تعالى في كل عمل يقوم به ، ليكون عند الله من المقبولين ، وبين تلاميذه من المحبوبين والمؤثرين .
[ 2 ] القدوة الحسنة :
من سمات معلم التربية الإسلامية أن يظهر أمام الغير بالقدوة الحسنة لا سيما إمام الطلاب وذلك بكل ما يحمل هذه الخلق من معاني ، وذلك من خلال مطابقة القول للعمل قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (سورة الصف الآيتان 3،2) . ومطابقة القول العمل ، أسرع في الاستجابة من مجرد القول بمفرده .والمعلم هو من أحوج الناس إلى التزام هذا الخلق في واقع حياته فضلاً عن عمله الذي يتطلب منه هذا الخلق وذلك لأنه قدوة يحتذى به، وأن يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في مظهره ومخبره فيكون قدوة حسنة لطلابه وزملائه .
وأن يعمل بما يأمر به الطلاب من الآداب والأخلاق وغيرها من العلوم ، ويعوّد المعلم الطالب دائماً على البسملة قبل البدء مع ذكر خطبة الحاجة ثم إظهار الحوقلة عند الحزن والهم ، وبيان الشكر اللفظي والفعلي عند الفرح والسرور ، والتسبيح عند الاستغراب ، والتكبير عند الإعجاب ، وغيرها من الأشياء التي لابد أن تتكرر أمام الطالب فتؤدي إلى تعويد الطالب على تلك الألفاظ . وتدفعه لتعلم معناها ويرى الطالب في خطاب معلمه الألفاظ القرآنية والعبارات النبوية .
فإلقاء ورد السلام من أعظم ما يتعلمه الطالب يقول النبي صلى الله عيه وسلم ( أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ .. ) (رواه مسلم) .
[ 3 ] الصدق والوفاء بالوعد:
أن إتصاف معلم التربية الإسلامية بصفة الصدق عند قيامة بعمله من أهم الصفات وذلك لأن عمله يقتضي منه ذلك ، ولهذا أثنى الله على الصادقين ، ورغب المؤمنين أن يكونوا من أهله بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (سورة التوبة آية 119) وأرشد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الصدق يهدي إلى الجنة كما ثبت من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال ( إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) (متفق عليه) وعند تأمل السيرة النبوية ، نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمى بالصادق الأمين ، ولقد كان لا تصافه - صلى الله عليه وسلم - بالصدق أثراً كبيراً في دخول كثير من الناس في دين الله ، فمعلم التربية الإسلامية أولى بهذه الصفة عن غيره من المعلمين . وثمرة صدقه يدعو المعلم إلى الثقة به وبما يقول ، ويجعله يكسب احترام الطلاب ، ويرفع من شأنه في عمله ، ويتمثل صدقه في المسئولية الملقاة على عاتقه ، والتي منها نقل المعرفة بما فيها من حقائق ومعلومات للطلاب ، فإن لم يكن المعلم متحلياً بالصدق فإنه سينقل لهم علماً ناقصاً ومبتوراً ، وحقائق ومعلومات مغايرة للصورة التي يجب أن ينقلها ، وتجارب تربوية غير واقعية ، وربما يُسقط من أعين غيره .
فالصدق تاج على رأس المعلم , فإذا فقده فقد ثقة الناس بعلمه وما يمليه عليهم من معلومات فالطالب غالباً يتقبل كل ما يقوله معلمه .
فالصدق خلق عظيم ينبغي على المعلم أن يزرعه في طلابه وليكن مطبقاً له في أقواله وأفعاله حتى في المزاح فيمزح ولا يقول إلا حقاً تأسياً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - .
وليحذر المعلم أن يكذب على طلابه ولو مازحاً أو متأولاً ، وإذا وعدهم بشيء فعليه أن يفي بوعده لأن الطلاب يعرفون الكذب ويدركونه ، وإن لم يستطيعوا مجابهة المعلم به حياء منه (الإشراف التربوي 28) .
[ 4 ] التواضع :
ما أجمل هذا الخلق الحميد والصفة العالية الذي تضفي على صاحبه إجلالاً ومهابة ، ومعلم التربية الإسلامية في أمس الحاجة ، إلى التخلق بهذا الخلق العظيم ، لما فيه من تحقيق الاقتداء بسيد المرسلين ، ولما فيه من الرفعة له لما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عيه وسلم قال (ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) (رواه مسلم) ولهذا كان حاجة المعلم إلى التواضع مطلوبة وهي سمه لابد من توفرها في المعلم ، لأن عمله التوجيهي يقتضي الاتصال بالطلاب والقرب منهم حتى لا يجدوا حرجاً في سؤاله ، ولأن النفوس لا تستريح لمتكبر أو مغتر بعمله .ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد ) (رواه مسلم ) ، وقوله تعالى (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (سورة الشعراء آية 215) و أن يكون رحيماً بطلابه من غير ضعف مع قوة في الشخصية من غير صلف أو انفعال أو ظلم أو جرح لشعور الآخرين .
ومن آضرار التكبر و عدم التواضع الذي قد يصيب بعض المعلمين جحوده للحق وعدم الخضوع له ، والغرور بما لديه من علم وخبره ، وعدم وصوله إلى أهداف عمله .
[ 5 ] التحلي بالأخلاق الفاضلة والحميدة :
لا شك أن الكلمة الطيبة والعبارة الحسنة تفعل أثرها في النفوس ، وتؤلف القلوب ، وتذهب الضغائن والأحقاد من الصدور ، ولهذا كان التعبيرات التي تظهر على وجه المعلم تحدث مردوداً إيجابياً أو سلبياً لدى المعلم ، وذلك لأن انبساط الوجه وطلاقته مما تأنس به النفس وترتاح إليه . وخلاف ذلك مما تنفر منه النفوس وتنكره ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان أطيب الناس روحاً ونفساً ، وكان أعظمهم خلقاً يقول الله تعالى عن خلق أشرف الأنبياء والمرسلين( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (سورة القلم آية 4) ولم يكن فظاً غليظاً حاد الطباع بل كان سهلاً سمحاً ليناً رءوفاً بأمته كما قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (سور آل عمران آية 159) (التوجيه التربوي 74).
[ 6 ] العدل والمساواة :
من الصفات التي أن يتصف بها معلم التربية الإسلامية أن يتحلى بهذه الصفتين ، قال تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتآي ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لعلكم تذكرون ) (سورة النحل90) فالعدل الذي أمر الله به ، يشمل العدل في معاملة الخلق و القيام بالقسط ، وهو مطلب من مطالب الحياة السليمة ، ويتأكد العدل في عمل المعلم في تقويميه للأقوال والأعمال التي يسمعها أو يشاهدها ، فلا مجال لمحاباة أحد ، أو تفضيل أحد على أحد سواء لقرابته أو معرفته أو لأي أمر كان ، فإن هذا من الظلم الذي لا يرضاه الله وصاحبه متوعد بالعقوبة . واختلال هذا الميزان عند المعلم ، أي وجود التميز بين الطلاب ، كفيل بان يخلق التوتر وعدم الانسجام والعداوة والبغضاء بين المعلم والطلاب .
[7 ] الشجاعة :
والمقصود بالشجاعة هنا هي شجاعة الكلمة ، والاعتراف بالخطأ ، وهذا لا يكاد يسلم منه أحد ، ولو كان على حساب النفس ، وهذا والله ليزيد المسلم عزاً ورفعة ، ولا ينقص من قدره شيئاً ، ومن ظن غير ذلك فقد حاد عن جادة الصواب . والمعلم بحكم وظيفته ، معرض لمثل هذه المواقف ، فيا ترى ماذا يقول المعلم إذا جانب الصواب ، ثم بان له الصواب ، فهل يبادر إلى استدراك ويعترف بالخطأ لغيره (الإشراف التربوي 28).
[ 8 ] الصبر واحتمال الغضب :
الصبر منزلة رفيعة لا ينالها إلا ذوو الهمم العالية ، والنفوس الزكية . والغضب هو ثورة في النفس ، يفقد فيها الغاضب اتزانه ، وتنقلب الموازين عنده ، فلا يكاد يميز بين الحق والباطل ، وهي خصلة غير محمودة . ووجه تعلق هذا الخلق بالمعلم ، هو أن المعلم يتعامل مع أفراد يختلفون في الطباع ، والأفكار ، فمنهم الجيد ، ومنهم الضعيف ، وهذا الخلق ليس سهل المنال ، بل إنه يحتاج إلى طول ممارسة من المعلم حتى يعتاد ذلك ويألفه . وفقدان الصبر يوقع المعلم في حرج شديد ، خصوصاً إذا كان ذلك أثناء ممارسته لعمله ، فإن المعلم يواجه عقليات متفاوتة في الإدراك والتصور ، والاستجابة ، إلى غير ذلك . بل إن من أشدها وقعاً وأثراً على المعلم وهو ما إذا تعرض المعلم لكلمة نابية من غيره ، وليس ذلك بمستغرب من البشر لاختلافهم في الطباع ، والإدراك ونحو ذلك .
إن احتواء الغضب والسيطرة عليه ، علامة قوة شخصية للمعلم ، وليست علامة ضعف ، خصوصاً إذا كان ذلك المعلم قادراً على إنفاذ ما يريد ، وقدوته في ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث أخبر بذلك بقوله كما في حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه : (ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) (متفق عليه).
[ 9 ] التشجيع :
قال الله تعالى (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) (سورة البقرة آية 237) فالمعلم التربوي لابد أن يختار من أساليب التشجيع ما يناسب الطلاب مع مراعاة في ذلك الفروق الفردية .
[10 ] التعاون :
قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) (سورة المائدة آية 2) فلابد لمعلم التربية الإسلامية أن يشجع العمل الجماعي .
[ 11 ] الشورى :
قال تعالى (وشاورهم في الأمر ) (سورة آل عمران آية 159) وللشورى أهمية عظيمة لأنه يفيض على العمل جو العلاقات الحميدة بتقوية رابطة الألفة والمحبة بين المعلم والطلاب وتحقيق الراحة والرضا والطمأنينة لهم مما يؤدي إلى سرعة تقبل العمل المطلوب .
[ 12 ] استشعار بالمسئولية :
فالشعور بالمسئولية يؤدي إلى الإحساس بالإيثار وحب الآخرين ، ولذلك عليه أن ينطلق بكليته في مراقبة وملاحظة الطالب ، وفي توجهيه وتعويده وتأديبه ، فالمعلم يجب عليه أن ينهض بهذه المسئولية على أكمل وجه ، واضعاً نصب عينيه غضب الله تعالى عليه إذا هو فرط ، لأن المسؤولية يوم العرض الأكبر ثقيلة والمحاسبة عسيرة ، والهول عظيم .
وإذا أهمل المعلم واجبه ، ووجه طلاب نحو الانحراف ، والمبادئ الهدامة ، والسلوك السيئ ، شقي الطلاب ، وشقي المعلم ، وكان الوزر في عنقه ، وأنه مسئول أمام الله تعالى فالمعلم راع في مدرسته ، وهو مسئول عن رعيته .
[ 13 ] الرحمة :
فالرحمة بين الطلاب في المجال التربوي تعتبر من الصفات التي ينبغي لمعلم التربية الإسلامية أن يتصف بها فعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال : قال رسول - صلى الله عليه وسلم - ( لايرحم الله من لايرحم الناس ) (رواه البخاري) .
[ 14 ] حسن المظهر :
أن يكون حسن الهيئة من غير تكلف وأن يبتعد عن مظاهر الشهرة .
[ 15 ] التقوى:
أن يتقي الله بفعل ما أمر واجتناب ما نهى الله عنه وزجر ممتثلاً : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) (سورة آل عمران 102) متحرياً ذلك أشد التحري وإنه إذا لم يكن المعلم متسلحاً بالتقوى وملتزماً في سلوكه ومعاملته منهج الإسلام . فإن الطالب يحس بالتناقض في داخله مما يدفعه إلى الانحراف عن الطريق القويم .
فهو يتقي الله ويلتزم بإنهاء المنهج .
وهو يتقي الله ولا يظلم طالب ويحابي آخر لمعرفة أو ود أو واسطة .
وهو يتقى الله ولا يعامل الطلاب بناءً على مظهرهم أو قبيلتهم ولكن بناءً دينهم والتزامهم واجتهادهم .
وهو يتقي الله فلا يغش فيبيع الأسئلة ويضع الدرجات وهكذا تضيع هيبة العلم وأنه يقوم بمهمة الأنبياء والرسل ، فكيف يُحل لنفسه أن يبيع دينه من أجل عرض من الدنيا .
[ 16 ] عدم الاستعجال :
عدم استعجال ثمرة جهدك وجهادك وتعليمك ودعوتك ، فما أنت إلا مجرد زارع يغرس الزرع ويبذر البذر ويفعل السبب ، فلا تتوقع أن يثمر جهدك في كل من هم حولك فقد لا يخرج من مائة علمتهم ودعوتهم عشرة بل واحد .
[ 17 ] العلم :
يجب أن يكون المعلم متمكناً في مادته العلمية الموكّل بتدريسها لأنها أمانة ويجب عليها أن يؤديها على أتم وجه .
ولكن يجب أن لا يغفل عن طلب العلم الشرعي الذي هو واجب على كل إنسان معلماً كان أو متعلماً ، وأن يكون ملماً بالأحكام الشرعية والأمور الأساسية التي يجب على المسلم أن يعرفها فضلاً عن المعلم الذي يقتدى به ، لأنه محل ثقة ، وله احترام وتقدير لدى الطلاب ، مما يدفعهم لسؤاله فإن أخطأ سقط من أعينهم أو أخذوا منه حكماً باطلاً .
المحور الثاني : العلاقة بين معلم التربية الإسلامية والطلاب
لا يخفى على أحد أهميئة العلاقة بين البشر لا سيما بين الأشخاص في مجتمع العمل الواحد ولا يمكن لمعلم التربية الإسلامية أن يترك أثراً في عمله الإ من خلال العلاقات التي جاءت في النصوص الشرعية ولهذا بعث الله سبحانه وتعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتلك الصفات التي تعتبر مبادئ وركائز انبثقت منها العلاقات في الإسلام ، حيث وصف الله تعالى رسوله بقوله تعالى( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (سورة آل عمران آية 159) ، وقوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (سورة القلم آية 4) .
وثبت من حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) (متفق عليه ) ، وعن أنس رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا) (متفق عليه ) .
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ) (رواه مسلم ).
فعندما تكون العلاقه بين المعلم والطالب علاقة ود واحترام متبادل يؤدي ذلك الى انتاج مثمر فى العمل و يلاحظ ذلك بزيادة العطاء والمشاركة فى الأعمال والأنشطة نتيجة لحسن تعامل المعلم .
والعلاقات الأخوية ليست مجرد كلمات مجاملة تقال للاخرين وانما هي تفهم لقدرات الافراد وطاقاتهم وظروفهم ودوافعهم وحاجاتهم .
نعرف العلاقات :
( بأنها سلوك مثالي من المعلم مع من تحت إشرافه من حيث المعاملة الحسنة لما يحقق الأهداف المشتركة بينهما ) .
فينج عن ذلك الجو القائم المبني على المعاملة الطيبة والأخلاق والقيم الإسلامية والاحترام وتقدير المسؤلية والتعاون والمساواة والعدل والصدق والأمانة والمحبة والألفة بين المعلم والطالب .
أسس العلاقات الإخوية :
1. إيمان المعلم بقيمة كل طالب وإحترامه وبأن لكل طالب قدراته الخاصة
2. احترام رغبات الطلاب وإعطائهم الفرصة للمشاركة بالرأي واتخاذ القرارات في ما يتعلق بالمواقف التربوية في الحياة العملية .
3. تشجيع العمل الجماعي من خلال التعاون بين الطلاب .
4. العدل والمساواة في معاملة الطلاب ومراعاة الفروق الفردية بينهم ( أسس الإدارة التربوية والمدرسية والإشراف التربوي 131).
المبادئ التي لابد لمعلم التربية الإسلامية من تطبقها لبناء العلاقات في توجيه الطلاب :
1. تقدير المعلم لجميع الطلاب واحترام آرائهم ومقترحاتهم وإشراكهم في القرارات التي تتخذ داخل نطاق العمل وبالتالي الاستفادة من جوانب القوة لدى الطلاب وتصحيح جوانب الضعف عند البعض الآخر.
2. امتداح وتشجيع العمل الجيد الذي يصدر من الطالب ورفع معنويات الطلاب وتشجيع التجديد والابتكار بين الطلاب .
3. التعرف على المشاكل التي تضايق الطلاب والاشتراك معهم في الحلول التربوية التي تعالج هذه المشاكل .
4. أن يعمل المعلم على تحقيق الانسجام بين الطلاب وتوزيع الواجبات بينهم بطريقة عادلة .
5. مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب في القدرات الشخصية والظروف المختلفة ( أسس الإدارة التربوية والمدرسية والإشراف التربوي 131 ، الإشراف التربوي 132 ، الإدارة والإشراف التربوي 13).
المحور الثالث : مجالات دور معلم التربية الإسلامية في توجيه الطلاب
من تلك المجالات ما يلي :
1ـ التعارف:
وهو من الآداب الإسلامية العامة، التي لا تستغنى عنها الأمم والأفراد، ولا يمكن تحقيق العلاقات بدونه، ولذلك كان التعارف من أهم الآداب الإسلامية التي أبرزها القرآن كما قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [سورة الحجرات: 13].
والتعارف الإسلامي، لا بد أن يثمر الأخوة الإسلامية ، والمحبة المتبادلة الصادقة، فعلى المعلم أن يحقق التعارف بينه وبين طلابه، ويتعرف على مشكلاتهم، ليحاول حل ما قدر عليه منها، ويعمل على إيجاد التعارف بينه طلبته بعضهم مع بعض كذلك.
2ـ التناصح:
من العوامل التي تقوي الصلة بين المعلم وطلبته، أن يتواصى معهم بالحق، فلا يسكت عن منكر وخطأ يراه في طالب، بل يسرع في نصحه سراً، فإذا اقتضى الأمر نصحه علناً نصحه.
ويدربهم أيضاً على أن يتناصحوا فيما بينهم بحكمة ولطف وتواضع؛ لأنهم إذا لم يحققوا التناصح فيما بينهم، وهم في ميدان التلقي والطلب، فسيكون الأمر كذلك عندما يدخلون في ميدان العمل والممارسة، وفي ذلك ما فيه من خطورة على مستقبل العمل للإسلام.
وعلى المعلم أن يتقبل نصح طلبته له أيضاً، فهو بشر يخطئ ويصيب مثلهم، وإن كان المفروض أن يكون أقل خطأً وأكثر صواباً، وعليهم أن ينصحوه ولا يترددوا في نصحه بأدب ولطف، والأفضل أن يكون نصح الطالب لمعلمه على سبيل الإشكال والاستفسار.
وعلى الجميع أن يكون هدفهم من النصح، محبة الخير للمنصوح عن إخلاص وتواضع لا عن رياء وتكبر وتشهير.
وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستقيم أمر المسلمين، وبدونهما تضطرب الأمور، وتنشر الفوضى والظلم .
3ـ حفظ المواعيد :
وعدم تأخره عنها، وكذلك حفاظ الطلاب على مواعيدهم مع المعلم ، وعدم التساهل في ذلك لما فيه من المحاذير الكثيرة .
4ـ حفاظ المعلم على كتمان سر طلبته:
ولا يليق بالمعلم إفشاء أسرار طلبته، بل عليه كتمانها، كما لا يليق بالطلبة، إفشاء أسرر المعلم ولا سر بعضهم بعضاً، فيجب على كل أخ عدم إفشاء سر أخيه.
5ـ إقامة حلقة القرآن الصباحية :
وتكون في وقت الطابور بحيث من يرغب المشاركة فيها يُعفى من حضور الطابور ، ومدتها تقريباً 20 دقيقة يحفظ فيها الطلاب كل يوم بعض الآيات من كتاب الله ، مع وجود سجل للحضور والغياب والحفظ .
6ـ النشرات التوجيهية :
بحيث يتم توزيع النشرات الخيرية على الطلاب وهي على قسمين :(1/126)
أ - نشرات توجيهية مرتبة ومسلسلة يعدُّها المعلم - وقد تكون جاهزة - يعالج فيها بعض الأخطاء أو يُذكِّر بموضوع مُهمٍّ ( كالصلاة - بر الوالدين - حفظ اللسان - صلاة الوتر - حكم الإسبال ..... إلخ ) . وتكون عليها أسئلة مدرجة كمسابقة مدرجة في آخرها يكون عليها جوائز .
ب- نشرات توجيهية أوقات المواسم ( رمضان - عاشوراء - عشر ذي الحجة ... إلخ ) .
7ـ إقامة المسابقات :
أ - مسابقة القرآن الكريم .
ب- مسابقة حفظ الأحاديث .
ج- مسابقة حفظ الأذكار .
د - مسابقة على نشرة أو كتيب بعد توزيعه .
ذ - مسابقة عامة ( منوعة أو بحوث ) .
8ـ إعداد بعض الأعمال الخيرية في المدرسة ( الإعلانات - توزيع الأشياء الخيرية - وضع اللافتات الخيرية... إلخ ) .
9ـ تنظيم الزيارات والرحلات الممتعة المفيدة ، واكتشاف وتنمية مواهب الطلاب .
10 ـ تعليق أذكار الصباح في كل فصل على لوحه جيدة ، حيث يسهل على الطلاب ذكرها ، أو تغليف كارت الأذكار وإعطاؤه للطلاب وحثهم عليه .
11ـ وضع لوحة في كل فصل ويكون فيها نصائح أو توجيهات أو إعلانات أو فتاوى أو غيرها يتولاها مجموعة من الطلاب .
12 ـ وضع شاشات تُعرض فيها الأشياء المفيدة في فناء المدرسة أو في بعض الغرف ، وتستخدم إما في الفسح أو حصة النشاط .
13ـ إقامة الدورات التعليمية :
حيث تقام في المدرسة بعض الدورات المفيدة مثل : ( دورة في التجويد - دورة في الفقة - دورة في الغرائض - دورة في علوم القرآن - دورة في الخطابة والإلقاء - دورة في إحدى القضايا التي يحتاجها الطالب ... إلخ ) ، وأقترح أن تكون داخل وقت الدوام الرسمي ( في الفسح أو في حصة النشاط ) .
14ـ تعويد الطلاب على فعل السنن الفعلية :
تهيئة الجو لأداء بعض السنن في المدرسة كصلاة الضحى والسنة الراتبة للظهر ، وذلك بعد حث الطلاب على ذلك 15 ـ زيارة الطالب في الأفراح :
لا يمنع أن يزور المعلم الطالب في الأفراح ويقدم التبريكات ولكن بقدر ، ولو لم يتمكن من الزيارة اكتفى بالتبريك ولو في قاعة الدرس أمام الطلاب فإن هذا سيدخل السعادة والسرور على نفس الطالب .
المراجع
1. أسس الإدارة التربوية والمدرسية والإشراف التربوي ، تيسير الدويك وحسين ياسين وغيرهما ،دار الفكر .
2. الإدارة والإشراف التربوي ، محمد عدس ومحمد الدويك وغيره .
3. الجامع الصحيح المختصر (صحيح البخاري) ، أبو عبدالله البخاري ، دار ابن كثير، 1407هـ، بيروت ، الطبعة الثالثة .
4. التوجيه التربوي ، د. عبدالحليم بن ابراهيم العبداللطيف ، 1416هـ ، دار المسلم ، الطبعة الأولى.
5. العلاقات الأنسانية في الإسلام ، خالد المنصور ، مكتبة التوبة ، الطبعة الثانية، 1423هـ .
6. صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
7. الأشراف التربوي ، د.محمد الأفندي ، عالم الكتب ، الطبعة الثانية .
8 . 46 طريقة لنشر الخير في المدارس ، إعداد : إبراهيم الحمد
ـــــــــــــــ(1/127)
دور المرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح
خولة درويش
الأمة بأبنائها وبناتها، بأجيالها البناءة المهيأة لنشر راية الإسلام خفاقة ودحر عدوان ملل الكفر والطغيان...
إن بناء الأجيال هو الذخر الباقي لما بعد الموت... وهو لذلك يستحق التشجيع والاهتمام أكثر من بناء القصور والمنازل من الحجارة والطين.
وحيث إن التربية ليست مسؤولية البيت وحده؛ إذ هناك عوامل أخرى تساهم في تربية الأجيال، فسوف نتناول الدور التربوي للمرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح.
إنه لحلمٌ يراود كل أم مسلمة تملّك الإيمان شغاف قلبها، وتربع حب الله ـ تعالى ـ وحب رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - على حنايا نفسها، أن ترى ابنها وقد سلك سبل الرشاد، بعيداً عن متاهات الانحراف، يراقب الله في حركاته وسكناته، أن تجد فلذة كبدها بطلاً يعيد أمجاد أمته، عالماً متبحراً في أمور الدين، ومبتكراً كل مباح يسهّل شأن الدنيا.
إنها أمنية كل أم مسلمة، أن يكون ابنها علماً من أعلام الإسلام، يتمثل أمر الله ـ تعالى ـ في أمور حياته كلها، يتطلع إلى ما عنده ـ عز وجل ـ من الأجر الجزيل، يعيش بالإسلام وللإسلام.
وسيبقى ذلك مجرد حلم للأم التي تظن أن الأمومة تتمثل في الإنجاب، فتجعل دورها لا يتعدى دور آلة التفريخ...! أو سيبقى رغبات وأماني لأم تجعل همها إشباع معدة ابنها؛ فكأنها قد رضيت أن تجعل مهمتها أشبه بمهمة من يقوم بتسمين العجول...! وتلك الأم التي تحيط أبناءها بالحب والحنان والتدليل وتلبية كل ما يريدون من مطالب سواء الصالح منها أو الطالح، فهي أول من يكتوي بنار الأهواء التي قد تلتهم ما في جعبتها من مال، وما في قلبها من قيم، وما في ضميرها من أواصر؛ فإذا بابنها يبعثر ثروتها، ويهزأ بالمثل العليا والأخلاق النبيلة، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل.
والأم المدلّلة أول من يتلقى طعنات الانحراف؛ وأقسى الطعنات تتمثل في عقوق ابنها.
ولنا أن نتساءل عن أهم ما يمكن للأم أن تقدمه لأبنائها.
أولاً: الإخلاص لله وحده:
إن عليها ـ قبل كل شيء ـ الإخلاص لله وحده؛ فقد قال ـ تعالى ـ: ((وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ)) [البينة: 5]، فاحتسبي أختي المؤمنة كل جهد تكدحينه لتربية الأولاد، من سهر مضنٍ، أو معاناة في التوجيه المستمر، أو متابعة الدراسة، أو قيام بأعمال منزلية... احتسبي ذلك كله عند الله وحده؛ فهو وحده لا يضيع مثقال ذرة، فقد قال ـ جل شأنه ـ: ((وَإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)) [ الأنبياء: 47] فلا تجعلي للشيطان سلطاناً إن قال: أما آن لك أن ترتاحي..؟!
فالرفاهية والراحة الموقوتة ليست هدفاً لمن تجعل هدفها الجنة ونعيمها المقيم.
والمسلمة ذات رسالة تُؤجَر عليها إن أحسنت أداءها، وقد مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - المرأة بخصلتين بقوله: (خير نساء ركبن الإبل نساء قريش: أحناه على ولد في صغره، وأدعاه على زوج في ذات يده)(1).
ثانياً: العلم:
والأم المسلمة بعد أن تحيط بالحلال والحرام تتعرف على أصول التربية، وتنمي معلوماتها باستمرار.
قال ـ تعالى ـ: ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً)) [طه: 114] فهذا ديننا دين يدعو إلى العلم، فلماذا نحمّل الإسلام قصور تفكيرنا وتخلفنا عن التعلم، ليقال: إن الإسلام لا يريد تعليم المرأة... وإن الإسلام يكرس جهل المرأة؟!
لا... إن تاريخنا الإسلامي يزخر بالعالمات من مفسرات ومحدثات وفقيهات وشاعرات وأديبات. كل ذلك حسب هدي الإسلام؛ فلا اختلاط ولا تبجح باسم العلم والتحصيل!
فالعلم حصانة عن التردي والانحراف وراء تيارات قد تبهر أضواؤها من لا تعرف السبيل الحق، فتنجرف إلى الهاوية باسم التجديد والتحضر الزائف، والتعليم اللازم للمرأة، تفقهاً وأساليب دعوية، مبثوث في الكتاب والسنة. ومما تحتاج إليه المرأة في أمور حياتها ليس مجاله التعلم في المدارس فحسب، وإنما يمكن تحصيله بكل الطرق المشروعة في المساجد، وفي البيوت، وعن طريق الجيران، وفي الزيارات المختلفة... وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (ما بال أقوام لا يفقّهون جيرانهم ولا يعلّمونهم ولا يعظونهم ولا يفهمونهم؟! ما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون؟ والله لَيُعلّمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، وَلَيتَعلّمنّ أقوام من جيرانهم ويتعظون أو لأعاجلنهم بالعقوبة)(2). فهيا ننهل من كل علم نافع حسب ما نستطيع، ولنجعل لنا في مكتبة البيت نصيباً؛ ولنا بذلك الأجر ـ إن شاء الله ـ.
ثالثاً: الشعور بالمسؤولية:
لا بد للمرأة من الشعور بالمسؤولية في تربية أولادها وعدم الغفلة والتساهل في توجيههم كسلاً أو تسويفاً أو لا مبالاة.
قال ـ تعالى ـ: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)) [التحريم: 6] فلنجنب أنفسنا وأهلينا ما يستوجب النار.
فالمحاسبة عسيرة، والهول جسيم، وجهنم تقول: هل من مزيد؟! وما علينا إلا كما قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر).
ولن ينجي المرأة أنها ربت ابنها لكونها طاهية طعامه وغاسلة ثيابه؛ إذ لا بد من إحسان التنشئة، ولا بد من تربية أبنائها على عقيدة سليمة وتوحيد صافٍ وعبادة مستقيمة وأخلاق سوية وعلم نافع.
ولتسأل الأم نفسها: كم من الوقت خصّصتْ لمتابعة أولادها؟ وكم حَبَتهم من جميل رعايتها، ورحابة صدرها، وحسن توجيهاتها؟!
علماً بأن النصائح لن تجدي إن لم تكن الأم قدوة حسنة!
فيجب أن لا يُدْعى الابن لمكرمة، والأم تعمل بخلافها. وإلا فكيف تطلب منه لساناً عفيفاً وهو لا يسمع إلا الشتائم والكلمات النابية تنهال عليه؟! وكيف تطلب منه احترام الوقت، وهي ـ أي أمه ـ تمضي معظم وقتها في ارتياد الأسواق والثرثرة في الهاتف أو خلال الزيارات؟! كيف.. وكيف؟
أختي المؤمنة: إن ابنك وديعة في يديك، فعليك رعايتها، وتقدير المسؤولية؛ فأنت صاحبة رسالة ستُسألين عنها، قال ـ تعالى ـ: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) [التحريم: 6].
أما متى نبدأ بتوجيه الصغير؟! فذلك إذا أحس الطفل بالقبيح وتجنبه، وخاف أن يظهر منه أو فيه، فهذا يعني أن نفسه أصبحت مستعدة للتأديب صالحة للعناية؛ ولهذا يجب أن لا تُهمل أو تُترك؛ بل يكون التوجيه المناسب للحدث بلا مبالغة، وإلا فقدَ التوجيهُ قيمته. وفي كل تصرف من تصرفات المربية وكل كلمة من كلماتها عليها أن تراقب ربها وتحاسب نفسها لئلا تفوتها الحكمة والموعظة الحسنة، وأن تراعي خصائص النمو في الفترة التي يمر فيها ابنها، فلا تعامله وهو شاب كما كان يعامل في الطفولة لئلا يتعرض للانحراف، وحتى لا تُوقِع أخطاءُ التربية أبناءنا في متاهات المبادئ ـ في المستقبل ـ يتخبطون بين اللهو والتفاهة، أو الشطط والغلو؛ وما ذاك إلا للبعد عن التربية الرشيدة التي تسير على هدي تعاليم الإسلام الحنيف؛ لذلك كان تأكيدنا على تنمية معلومات المرأة التربوية لتتمكن من معرفة: لماذا توجه ابنها؟ ومتى توجهه؟ وما الطريقة المثلى لذلك؟
رابعاً: لا بد من التفاهم بين الأبوين:
فإن أخطأ أحدهما فليغضّ الآخر الطرف عن هذا الخطأ، وليتعاونا على الخير بعيداً عن الخصام والشجار، خاصة أمام الأبناء؛ لئلا يؤدي ذلك إلى قلق الأبناء، ومن ثم عدم استجابتهم لنصح الأبوين.
خامساً: إفشاء روح التدين داخل البيت:
إن الطفل الذي ينشأ في أسرة متدينة سيتفاعل مع الجو الروحي الذي يشيع في أرجائها.. والسلوك النظيف بين أفرادها.
والنزعات الدينية والخلقية إن أُرسيت قواعدها في الطفولة فسوف تستمر في فترة المراهقة ثم مرحلة الرشد عند أكثر الشباب، وإذا قصّر البيت في التربية الإيمانية، فسوف يتوجه الأبناء نحو فلسفات ترضي عواطفهم وتشبع نزواتهم ليس إلا.
فالواجب زرع الوازع الديني في نفوس الأبناء، ومن ثَمّ مساعدتهم على حسن اختيار الأصدقاء؛ وذلك بتهيئة الأجواء المناسبة لاختيار الصحبة الصالحة من الجوار الصالح والمدرسة الصالحة، وإعطائهم مناعة تقيهم من مصاحبة الأشرار.
سادساً: الدعاء للولد بالهداية وعدم الدعاء عليه بالسوء:
عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجاب لكم)(3).
وأولاً وأخيراً: ينبغي ربط قلب الولد بالله ـ عز وجل ـ لتكون غايته مرضاة الله والفوز بثوابه ((فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ)) [الأنبياء: 94]. وهذا الربط يمكن أن تبثه الأمهات بالقدوة الطيبة، والكلمة المسؤولة، والمتابعة الحكيمة، والتوجيه الحسن، وتهيئة البيئة المعينة على الخير، حتى إذا كبر الشاب المؤمن تعهد نفسه: فيتوب عن خطئه إن أخطأ ويلتزم جادة الصواب، ويبتعد عن الدنايا، فتزكو نفسه ويرقى بها إلى مصافِّ نفوس المهتدين بعقيدة صلبة وعبادة خاشعة ونفسية مستقرة وعقل متفتح واعٍ وجسم قوي البنية، فيحيا بالإسلام وللإسلام، يستسهل الصعاب، ويستعذب المر، ويتفلت من جواذب الدنيا متطلعاً إلى ما أعده الله للمؤمنين المستقيمين على شريعته: ((إنَّ الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [ فصلت: 30].
كانت ابنة هادئة مهذبة يجللها الحياء.
وبعدما دخلت المرحلة المتوسطة بدا التغير عليها...
رآها والدها وقد لوّنت إحدى خصال شعرها باللون الأخضر، فلما سأل والدتها عن ذلك مستغرباً قالت: ما العمل؟! هكذا تفعل معلمتها في المدرسة؛ إذ تلوّن خصلة شعرها حسب لون فستانها! ثارت ثائرة الرجل، وما كان منه إلا أن أقسم أن لا يعلّم بنتاً له بعد اليوم!!
رويدك أيها الأب الغيور! فبالعلم حياة القلوب ولذة الأرواح، وبه يُعرف الدين ويكشف عن الشبهات.
إن ديننا الإسلامي دين علم، وأم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت عَلَماً في ذلك؛ حيث حفظت وروت كثيراً من الأحاديث النبوية داخل المنزل الشريف. ومثلها كانت أمهات المؤمنين ـ رضوان الله عليهن ـ وذلك استجابة لهدي هذا الدين:
- عن الشفاء ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخل علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا عند حفصة رضي الله عنها فقال لي: ألا تعلّمين هذه رقية النحلة كما علمتِها الكتابة؟(4).
فالعلم مطلب شرعي للرجل والمرأة على السواء. فلماذا نضيّق واسعاً، ونحمّل الأجيال وزر معلمات كن قدوة سوء؟!
نحن بحاجة إلى القدوة الحسنة، وغرس التعاليم الشرعية الصحيحة.
- يجب أن لا يُهمل تعليم البنات؛ فقد قيل: تعليم رجل واحد هو تعليم لشخص واحد، بينما تعليم امرأة واحدة يعني تعليم أسرة بكاملها. وبتعليم بناتنا وتنشئتهن النشأة الصالحة نردم الهوة الكبيرة التي تفصل أمتنا عن التقدم في كثير من ديار المسلمين.
بل إن ديننا الإسلامي بلغ فيه حب العلم والترغيب في طلبه أن دعا إلى تعليم الإماء من نساء الأمة؛ كي تزول غشاوة الجهل، وتسود المعرفة الواعية، وقبل ذلك ليُعبد الله على بصيرة وتستقيم الأجيال على أمر الله.
وفيما رواه الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران(5).
هذا إذا روعي في التعليم المنطلقات الشرعية.
وقد عرف أعداؤنا أهمية العلم؛ فأسرعوا إليه؛ ولكن على أسس علمانية، وعرفوا أثر المعلمة؛ فعملوا على إفسادها، وبإفسادها أضلوا الأجيال منذ مطلع هذا القرن. ومما يؤسف له أن العلمانيين والملاحدة قد سبقوا أصحاب العقيدة السليمة إلى تعليم المرأة، فعاثت نساؤهم في العالم الإسلامي تخريباً وإفساداً نتيجة لما يربين عليه الأجيال من مبادئ ضالة ومضلة، وكان لتأسيسهن الجمعيات النسائية الدور الكبير في صرف بناتنا عن طريق الهدى والرشاد.
فلا بد من بديل إسلامي لنحصن بناتنا بالتربية الرشيدة، حتى لا يكون موقفنا مجرد النقد واللوم، وذلك بالتعليم النافع، وأساليب الدعوة الجادة بين بنات جنسهن.
- لا بد من إعداد المرأة إعداداً مناسباً لرسالتها باعتبارها أنثى؛ إضافة إلى العلوم الشرعية الواجب عليها تعلمها، فإذا أتقنت ذلك وكانت ممن أوتي موهبة غنية، وعقلاً خصباً، وفكراً نيراً، وتعلمت غير ذلك من العلوم والفنون فإن هذا حسن؛ لأن الإسلام لا يعترض سبيلها ما دامت لا تتعدى حدود الشرع الحنيف.
وقد كانت نساء السلف خير قدوة في التأدب والحياء خلال خروجهن وتعلمهن؛ إذ كانت المرأة المسلمة تتعلم ومعها دينها يصونها، وحياؤها يكسوها مهابة ووقاراً بعيداً عن الاختلاط والتبذل.
أَمَا وقد تمثل التعليم في عصرنا في المدارس الرسمية، فلا بد أن تتولى المرأة تعليم بنات جنسها، لا أن تعلم المرأة في مدارس الذكور أو في مدارس مختلطة، ولا أن يعلم الرجل في مدارس الإناث؛ فذلك من أعمال الشياطين.
وحتى في ديار الغرب المتحلل بدأت صرخات مخلصة تدعو إلى التراجع عن التعليم المختلط بين الجنسين وتنادي بالعودة إلى الفطرة السليمة التي تنبذ الاختلاط. لقد تبين بعد دراسات عديدة أن البنين والبنات يحتاجون إلى معاملة مختلفة؛ نظراً للاختلاف في تطورهم الجسمي والذهني، كما أن الاختلاط يجرّ إلى ما لا تحمد عقباه من مفاسد يندى لها الجبين؛ هذا فضلاً عن اختلاف المادة الدراسية التي يحتاجها كل من البنين والبنات.
- فالمنهج المدرسي للفتاة ينبغي أن يتناسب مع سنها مما يعدّها لوظائفها الأصلية: ربة بيت، أمّاً، وزوجة؛ لتضطلع بمهمتها التي تنتظرها، وتقوم بأدائها بطريقة سليمة؛ مما يهيئ الحياة الناجحة لها ولأسرتها المقبلة، ويجنبها العثرات، ويجعلها داعية خير تتفرغ وأخواتها المؤمنات لوظيفة إعداد النشء الصالح، وأنْعِمْ بها من وظيفة لإعداد الأجيال، لا لجمع الأموال وتتبع مزاجيات الفراغ!
- الواجب أن تكون معلمات الأجيال المسلمة نخبة صالحة تحمل همّ الإسلام، وتسير بخطوات إيجابية في تعليم الأجيال المسلمة وتثقيفها، وتزويد بناتنا بأساليب التربية التي تفيدهن مستقبلاً، لا بحشو الأذهان بقضايا لا تفيد ولا تغني في الحياة العملية شيئاً.
إنها خير منقذ لطالباتها من الوقوع في أحضان الانحراف والإلحاد؛ فهي تعلمهن الفضيلة بسلوكها وأقوالها: تنمي شخصيتهن، وتشحذ عقولهن، وتنقل إليهن الحقائق العلمية مع حقيقة ثابتة وهي: أن نجاح الجيل وتفوّقه لا يتمثل إطلاقاً في مدى ما يحفظ، بل فيما يعي ويُطبّق، ثم إن التفوق في الدراسة ليس غاية وهدفاً... بل الفائز حقاً هو من فاز بالدار الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن.
هذا؛ ومع أننا نرفض أن تكون أجيالنا ضحايا الإهمال واللامبالاة، فإننا نؤكد على الأم المعلمة؛ إذ عليها أن تقوم أولاً بواجبها الأساس كزوجة صالحة، وأم مربية تحسن تربية أولادها، ومن ثم تربي أولاد الآخرين، ولا تنسى أن فرض العين أوْلى من فرض الكفاية.
- وقد حدد علماؤنا القدماء صفات المعلم المسلم في التعامل مع طلابه، وذكروا أفضل الآداب لاتباعها، وعلى ضوء تلك الآداب؛ فعلى المعلم أو المعلمة:
ـ إخلاص النية لله ـ تعالى ـ: وأن تقصد بتعليمها وجه الله وتحتسب الثواب منه وحده، وتتطلع إلى الأجر الجزيل الذي ذكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: من دل على خير فله مثل أجر فاعله(6).
فلا تعمل لأجل المكانة ولا لمدح الناس ولا للراتب وحده، وإنما عملها في سبيل الله، وتكون قدوة للناشئات في ذلك، وإلا... فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وأنّى للأعمى أن يقود غيره ويرشده للطريق السليم؟!
ـ أن تقوم بعملها وتربي الأجيال على أدب الإسلام: فيتعلمن العلم ويتعلمن الأدب في آن واحد؛ وقد قال ـ تعالى ـ: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)) [الصف:2].
أمّا أن تأتي الطالبة كل يوم بقصة جديدة حدثتها بها معلمتها مما ينبو عن الذوق السليم، أو بتقليعة جديدة جاءت بها إحدى المدرّسات مما تتنافى مع ديننا، فهذا أسلوب من أساليب الهدم لا البناء!
على معلمتنا المسلمة أن تنضبط بتعاليم الشرع، ولا تستهين بمخالفته مهما بدت المخالفة بسيطة؛ فإن ذلك السوء ينطبع في نفس الجيل ويصعب بعد ذلك إزالته.
ـ أن تكون حسنة المظهر تهتم بحسن هندامها باعتدال؛ فالمظهر الأنيق يعطي نتائج إيجابية في نفس الطالبة فتحترم معلمتها، ويعين ذلك على العمل بنصائحها، والعكس صحيح... وأن تركز على أن يعتاد الجيل الاهتمام بالجوهر لا المظهر، مع الابتعاد عن توافه الموضات المتجددة.
وليس من الإسلام أن تكون أحاديث طالبات المدارس مقتصرة على زي المعلمة وتسريحة شعرها، وجمال فستانها، وهاتفها الجوال الظاهر للعيان. وللأسف؛ فإن بعض المدرسات يتبادلن أشرطة الأفلام والمجلات الإباحية مع بعض الطالبات؟! فيا لخيبة مسعاهن!
ـ أن تتحلى بمكارم الأخلاق التي يدعو لها الدين ـ ولا سيما الصبر ـ فتحسن التلطف في تعليم الطالبات مما يجعلهن بعيدات عن التجريح والتشهير؛ فتكون بحق داعية بالحكمة والموعظة الحسنة عملاً بقوله ـ تعالى ـ: ((ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) [النحل: 125].
والمدرّسة الحكيمة تنوّع في الطريقة التي تخاطب بها طالباتها حسب مقتضى الحال، وحسب سن الطالبات، ولا يفوتها أن التعامل الطيب الحنون يجذب الطالبات إليها وإلى المبادئ التي تنادي بها... وليس من الدين الجفاف في المعاملة أبداً! فالمعلمة كالأم الرؤوم تتعاطف مع تلميذاتها وتشفق عليهن وتشجع المجيدة منهن، ولتذكر أن نتائج التشجيع والمدح أفضل من التوبيخ والتقريع؛ فتشحذ همة طالباتها نحو الخير ببث الثقة في أنفسهن، وتحبيبهن بالفضائل دون أن تثبط عزيمتهن.
وإن احتاجت إلى عقوبتهن أو تنبيههن يوماً مّا فلتجعل الطالبات يشعرن أن العقوبة إنما هي لأجل مصلحتهن، ولو كانت بشكل غير مباشر؛ فإن ذلك أشد تأثيراً، ولتشعرهن أنها حريصة عليهن وعلى سمعتهن ومستقبلهن، ولتربط توجيهاتها بالدين وسلوك السلف الصالح؛ ليصبح الدافع الأساس في أعمالهن هو الدين لا المصلحة ولا المجتمع... وكل ذلك باعتدال من غير مبالغة لئلا يؤدي إلى نتائج عكسية.
ولتكثر المعلمة من ذكر نماذج نساء السلف الصالح في الأجيال الخيّرة حتى تبتعد الأجيال الجديدة عن الانبهار بنساء الغرب المنحلّ.
ـ ومن صفات المعلمة المسلمة التواضع: فذلك من خلق الإسلام وقد قال ـ تعالى ـ لنبيه الكريم: ((وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ)) [الشعراء: 215]. فتبتعد عن المفاخرة والمباهاة، وإلا أصبحت أضحوكة حتى أمام طالباتها اللاتي يزهدن فيها وفيما تدعو إليه. والمعلمة التي تعامل طالباتها بصلف وكبرياء لن تجني غير كرههن لها، والمعلمة التي تسخر من طالباتها ولو بالهمز واللمز تترك جرحاً غائراً في نفس أولئك الطالبات. فأين هي من أدب الإسلام الذي حذر من تلك المثالب بقوله ـ تعالى ـ: ((وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ)) [الهمزة: 1]. وأين القدوة الواجبة عليها والمنتظرة منها؟!
ـ وأن تكون المعلمة يقظة في رسالتها: فهي يقظة لجزئيات المنهج المدرسي لتستفيد منها كما يجب، وتوظفها لخدمة عقيدتها؛ فلا يُدرس العلم بمعزل عن العقيدة.
ـ وينبغي أن تكون المعلمة يقظة لما يتجدد من أحداث يومية: فلا تدعها تمر دون استفادة منها، بل بالطرْق والحديدُ ساخن ـ كما يقال ـ فتعلق على الحادثة التعليق المناسب في حينه.
وعليها أن تلاحظ تصرفات طالباتها، فتزجرهن عن سيّئ الأخلاق، وترغّبهن في حسنها بطريقة سليمة ولا تلجأ للتصريح إذا نفع التلميح.
ـ تستفيد من النظريات التربوية: شريطة أن تتناسب مع قيمنا، فتستثير أذهان طالباتها بالأسئلة الموجهة والمفيدة، مما ينمي شخصياتهن وينقل الحقائق العلمية لعقولهن.
وعليها أن تشجع ذوات المواهب والكفاءات بالثناء على أعمالهن وتصرفاتهن، ولتذكر أن بدايات الابتكار على مقاعد الدراسة.
ـ تتعاون مع زميلاتها المدرسات: فالتفاهم والوئام بين أعضاء الأسرة المدرسية يفسح للمديرة القيام بعملها ومتابعة العملية التعليمية، والارتفاع بمستوى الأداء الوظيفي... بدلاً من أن يكون عملها حل المشكلات التي تعملها المدرسات الفارغات...
ـ تتعاون مع أسر الطالبات: فهن شريكات في عمل واحد، وعلاقتها مع الأم علاقة محبة وتقدير وتعاون لما فيه خير الطالبات، فتساعد على تثقيفهن؛ ويتم ذلك من خلال حلقات إرشادية للأمهات؛ فتعقد المدرسة الندوات وتقيم المحاضرات التي تُدعى لها الأمهات، سعياً لتضافر الجهود، لوضع الأجيال أمام رؤية واضحة للحياة ألا وهي: العمل لمرضاة الله ـ تعالى ـ، وإلا فما تبنيه المدرسة يمكن أن تهدمه الأسرة والعكس صحيح.
أخواتي المعلمات: إن رسالتكن جليلة وهي أمانة في أعناقكن وسيسألكن عنها رب العباد. إنها رسالة إعداد الأجيال المؤمنة بربها وصد كل هجوم فكري يحاول التسلل إلى حصوننا، وغرس الفضائل السامية في النفوس، والعلوم النيرة في العقول.
والمعلمة الصالحة لن تنساها طالباتها، بل تبقى في ذاكرتهن يشدن بأمجادها وفضائلها، ويأتسين بجميل خصالها ((وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) [الأنعام: 32].
المرأة والمجتمع:
إن كثيراً من الفتيات، ما إن تنتهي إحداهن من الدراسة النظامية حتى تهجر الكتب، بل والمطالعة عموماً، وتنتكس إلى الأمية لارتباطها المعدوم بالكتاب، وتصبح اهتماماتها المحدودة لا تتعدى لباسها وزينتها والتفنن في ألوان الطعام والشراب، وهي هموم دنيوية قريبة التناول، لا غير...(1/128)
- المرأة المسلمة عضو في مجتمع الإسلام، فهي مؤثرة ومتأثرة به، لا شك في ذلك؛ فهي ليست هامشية فيه أو مهملة، ولا يصح بحال أن تكون سلبية أو اتكالية، وإن كان الأمر كذلك فهو الجحود عينه، والنكران للجميل، والابتعاد عن الإيثار والتضحية.
أمتنا الإسلامية تنتظر من يعيد لها أمجادها من أبنائها البررة وبناتها الوفيات.
- وللمسلمة حضور اجتماعي واضح في كل ما هو نافع، وهكذا ينبغي أن يكون.
ـ فعليها أن تضع نصب عينيها حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا؛ ظلمنا ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا(7).
- للمرأة رسالة تربوية هادفة للرقي بمجتمعها...
ـ وتبدأ هذه الرسالة بإيفاء حق جيرانها، فتعلّم الجاهلة ما تحتاجه لدينها ودنياها، وفي ذلك خدمة تؤديها للأجيال الناهضة؛ فتصبح اجتماعات الجارات ليست للقيل والقال، بل للارتفاع بأسرنا المسلمة من الاهتمامات السطحية الساذجة إلى آفاق سامية؛ فكل حديث يمكن أن تحوّله المسلمة الصالحة إلى حديث هادف، حتى الحديث التافه لن تعدم المسلمة اللمّاحة أن تحوله للعبرة والتأمل، والجارات الصالحات يتدارسن أفضل السبل لتربية أولادهن وحل مشاكلهن.
ومن الصور المشرقة في التعاون بين الجارات:
أن أحد الأبناء كان يسرق المال من جيب أبيه وينفقه على ثلة من أصحابه الذين كانوا يشجعونه على ذلك العمل المشين.
عرفت الأم ذلك عن طريق جارتها الناصحة التي ساعدتها في اجتياز الأزمة، بمدارسة المشكلة والنظر في جذورها، ومن ثم احتواؤها وإيجاد الحل المناسب.
ومن ذلك أن امرأة كانت تكمل دراستها العليا، وحيث إن لها أطفالاً بحاجة إلى رعاية، فقد تكفلت جارتها بالعناية بأطفالها تحتسب الأجر: أجر الإحسان إلى الجار، وأجر تخفيف الكربة عن جارتها التي من الممكن أن تتعرض لضغوط نفسية عصيبة لو لم تجد الصدر الحنون من جارتها المسلمة.
وبالمقابل يجب أن لا ننسى الفضل لأهله، فكلتاهما تشارك في الأجر. وهذه إحدى صور التضامن بين الجيران بدلاً من الجفاء الذي عم وطم.
- ومن مهام المرأة المسلمة أن توطد العلاقات الحميمة بين الأقارب: من صلة للأرحام، وزيارة للمرضى، ومشاركة في الأفراح... وغير ذلك من أعمال الخير مما يشيع روح التعاون والمحبة، فتنشأ الأجيال على مُثُل الإسلام، وقيمه السامية، بالتعامل الطيب وبالمحاكاة الودودة. وعلى المرأة المسلمة أن تشجع كل بادرة خيرة تبدو من أجيالنا الناشئة، فتهنئ بنجاحهم، وتفرح لتفوقهم.
أمّا ما نسمعه عن خروج التافهات إلى الساحات العامة ليشجعن المباريات؛ فذلك ليس من التشجيع المشروع؛ فضلاً عن أنه لا يدل بحال على وعي المرأة لما يناسبها من مهام.
- وبالمقابل أن تتيح الفرصة لمناقشة الصغار وسماع آرائهم وتقدير أعمالهم الناجحة دون ضجر، ولنذكر أن من يعتبره بعض الناس طفلاً كثير الثرثرة قد يكون ممن له شأن في المستقبل، وكثرة أسئلته ما هي إلا دليل على قوة ملاحظته، وتعبير عما يجيش في نفسه التواقة للمعرفة والاطلاع. ولا ننسى الأثر الطيب في توجيه الصغار وتشجيعهم.
سمعنا أن محاضِرة كانت تتحدث بطلاقة تبهر كل من تسمعها من بنات جنسها، وكان من أكثر ما أثر فيها أن جاراتها ومعارف أبيها كانوا يستمعون لخطبها ويشجعونها وهي لا تتعدى السادسة من عمرها.
فعلينا ألا نبخل بكلمة طيبة نشجع بها صغارنا؛ فالكلمة الطيبة صدقة، والتوجيه الهادف لن يعدم له أثر، والكلمة المخلصة تصل إلى القلوب بلا حواجز.
ـ من المهام الأساسية للمرأة المسلمة أن تساهم في تحصين الأجيال بالثقافة الأصيلة والعقيدة الصحيحة، ولا تترك قيادة الأجيال بيد العابثات اللاتي يركبن كل موجة من أجل الوصول إلى أهدافهن في تخريب النشء.
فمن خلال مشاركتها في المراكز الثقافية وعدم ترك هذا المجال الهام لغيرها من صاحبات المذاهب الهدامة. ممن جعلن همهن أن تكون هذه المراكز بؤرة للإفساد ووسيلة للتخريب.
ومن الصور المشرفة مساهمة المسلمة في الجمعيات النسائية الخيرية لتحافظ على وجهتها السليمة من خلال مشاركتها بما تقدر عليه، بالمحاضرات والندوات والنشاطات الاجتماعية الطيبة والمتنوعة؛ فتصبح تلك فرصة طيبة لها للتعلم والتعليم وتوجيه الأجيال، فتستفيد وتفيد في آن واحد، ورب كلمة طيبة ونصيحة مخلصة تأخذ بيد الأمهات والمعلمات والمربيات نحو الخير، وتبعدهن عن الأخطار التربوية، وتصل بالنشء إلى التقدم والفلاح.
إننا إذ نطلب مساهمات المرأة والاستفادة من عمرها الذي ستسأل عنه وعن علمها الذي تعلمته، لا نعني بذلك التزامها بعمل رسمي مهني تداوم فيه ـ ولو أدى ذلك إلى إهمال حق زوجها ورعاية أبنائها ـ ولا نعني المرأة العاملة التي تعود إلى بيتها مكدودة الجسم مثقلة النفس بهموم العمل؛ فأنّى لأمثال هذه المكدودة المتعبة أن تفيد الأجيال التي تنتظر اللمسة الحنون منها، فلا يجدون لديها إلا الزجر والتأنيب؛ لأن أمهم متعبة وتريد أن ترتاح من عناء العمل طوال يومها!... وبنفس الوقت لا يعني هذا أن تترك الأعمال الممكنة التي تتناسب مع فطرتها ولا تشق عليها ـ كتطبيب النساء، وتعليمهن الخياطة ونحوها؛ ولا تترفع عن أعمال يمكن أن تسد بها ثغرة طيبة في مجتمعها.
ـ إنها ـ وهي المسلمة التي تريد أن تربي الأجيال على تعاليم الدين ـ يجب أن تبذل جهدها في تنقية الوسائل الإعلامية من كل ما يهدم الأخلاق ويسيء للمثل العليا. ولا يخفى أن الإعلام يؤدي وظيفة من أخطر وسائل الغزو الفكري الحديث. وقد اهتم به المروجون لأفكارهم وتنوعت أدواته من إذاعة وتلفزيون وصحافة ومجلات وسينما ومسرح وكتب وفيديو و.... وأكثرها يعتمد على الإثارة ويتفنن في طرق مخاطبة الغرائز وعداوة الدين وتعاليمه، وتدعو بمجملها ـ وفي غالب أحوالها ـ إلى التحلل والسفور والتمرد على الفطرة، والتطبيل والتهليل لكل خبث وخبيث، مما يشيع الخنا والفجور، ويشكك بالشخصية المسلمة وقدرتها على الإبداع، حين يصفونها دائماً بالمتخلفة، فتنشأ الأجيال وقد فقدت ثقتها بنفسها؛ وكأن الإبداع والتفوق مقصوران على الكفار وحدهم؛ وأما المتدينون فهم المتخلفون مما يُشعِر الأجيال بالدونية والصّغار، وهذه توجيهات خبيثة تنفث سمومها في مجتمعاتنا، فلا بد من تحصين الأجيال ضد هذا الغزو الفكري المركّز.
- والمسلمة الواعية تتعامل مع الإعلام بفطنة وحذر، ولا يفوتها أن من مقاصد التشريع الإسلامي حفظ الكليات الخمس وهي: الدين، والعقل، والنسب، والنفس، والمال، فإذا وجدت المسلمة ما يعمل على إضاعة هذه الكليات أو بعضها فيجب أن تسعى ما أمكنها لتكون حائلاً دونه. إننا نناشد الأقلام النسائية لنصر الفضيلة، وتسفيه رأي شياطين الإنس وبيان زيفهم وضلالهم.
لا بد من مواجهة العدو الماكر بتخطيط سليم وعمل مضاد، وإذا لم نبذل الجهد لتدعيم الأخلاق الفاضلة وترسيخ العقيدة السليمة، ندمنا حيث لا ينفع الندم؛ فقد تُكَرّس الخرافة والمثل الهابطة، وتعيش الأجيال وهي تستنشق ذلك العبق القاتم.
ومن المزايا التي اختصت بها نساؤنا في الماضي كثرة القصص يسلين بها الأطفال، ويجذبنهم للأسرة ولمعتقداتها.
فلماذا تترك نساؤنا المثقفات أبناءهن هدفاً لقصص جرجي زيدان (وأمثاله) يشوهون تاريخنا ويسيئون إلى مُثُلنا؟
فلنساهم في الإعلام المقروء والإعلام المسموع كل واحدة بقدر طاقتها، حتى الأناشيد ينبغي أن تنظمها المسلمة ليترنم بها أبناؤنا، ولتحل محل الأغاني الهابطة، ولتغرد الأجيال بكلمات عذبة تظهر الصورة الوضيئة للإسلام ومثله السامية، وتستميل قلوب الناشئة للخير.
وكذلك الحال في المجالات والقصص والروايات التي تعلم في كثير من حالاتها خداع الآخرين في سبيل المال وتكرس القيم والأفكار الخاطئة، من العنف أو اللامبالاة، أو العقوق وغير ذلك من سيئ الأخلاق؛ فإن واجب المسلمة أن تستفيد من وسائل المعرفة السريعة هذه، حتى تصبح منبراً يعلم الخير ويدعم العقيدة، ويثقف العقل، وفي الوقت ذاته يروّح عن النفس.
- إن أخطر أنواع الإعلام الحديث هو التلفزيون؛ إذ زاحم الأسرة في توجيه أبنائها وبناتها وذلك بجاذبية مدروسة، وغزو مستور، وشياطين الإنس تؤزّه لهدم كل فضيلة. وقد قال الرئيس الفرنسي السابق ديغول ـ متحدثاً عن أثر التلفاز: أعطني هذه الشاشة أغير لك الشعب الفرنسي.
ولو علمنا أن كثيراً من الأسر قد تخلت عن دورها نهائياً في مهمة التربية العقدية والفكرية، وأسلمت أبناءها للتلفزيون يصنع بهم ما يحلو له من التوجيه وغرس المفاهيم والعقائد المغايرة في كثير من الحالات لعقائدنا وحضارتنا؛ لقدّرنا أي واجب يحتم على المثقفة المسلمة أن تستفيد من إمكاناتها إن كانت تحسن كتابة القصة أو الأنشودة أو الحوار أو المقالة.
يجب أن لا تتردد المسلمة في النزول إلى ميدان الإعلام، لمواجهة الفتح الإعلامي الذي يصب في آذان الناشئة صباح مساء.
فمن أجل أبنائنا ومن أجل مستقبل أفضل، ولكي يبقى صوت الحق عالياً؛ فإن على المسلمة أن تساهم في وضع المادة الصالحة البديلة عما يسيء لدينها وعقيدتها، وتنشط فلعلّ كتابتها تكون سداً حائلاً دون تسرب الخبث؛ لأن من يُقدّم له الطعام فيشبع لن يشتهي الفضلات ولن يُقْدِمَ على تناولها.
أختي المسلمة:
لا تتعللي بالأسباب فتقولي: أنا متعبة الصحة، كثيرة الالتزامات، ضيقة الأوقات؛ فاغتنام الوقت والصحة والغنى من تعاليم شرعنا الحنيف؛ فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك(8).
- فإذا نظمت المرأة حياتها واستفادت من جزئيات وقتها، وضنت به أن يستهلك في الطهي وفضول الكلام... فإننا عند ذلك لن نسمع لها شكوى من ضيق الوقت؛ فتلتفت إلى واجبها داعية للخير وقدوة لغيرها، تثري الفكر في المجالات التربوية والصحية التي تعود بالفائدة على الأجيال المؤمنة والمجتمع الإسلامي بأسره، وتبذل جهدها لإيجاد بديل إسلامي لمواجهة هذا الزخم الهائل من الهجمة الفكرية، وتدافع عن حوزة الدين في مجتمع الذئاب الذين يدأبون على التخطيط والعمل لصرف الناس عن دينهم.
إن على المرأة المسلمة أن تنبذ الراحة الموهومة، والنوم والكسل الذي ران على نفوس الكثيرات، وتجتهد لتقوم بواجبها نحو أمتها المسلمة، ونحو أجيالها الرشيدة بما تقدر عليه، وتستثمر وقتها بما يفيد؛ مع انتهاز الفرص المناسبة؛ علّنا نزيل الظلمة الحالكة التي ألمت بأمتنا... ونورث الخير للأجيال القادمة... وإلا بقيت آمالنا حبيسة لا تتعدى صدورنا، وبقيت أجيالنا في مؤخرة الركب بدلاً من قيادته.
========
الهوامش :
(1) متفق عليه: البخاري، ح./ 5082، ومسلم ح./2527.
(2) رواه الطبراني في الكبير.
(3) رواه مسلم، ك./الزهد والرقائق، ح./3014.
(4) أخرجه أبو داود، ح./ 3887، وأحمد، ح./ 26555 وصححه الحاكم.
(5) رواه البخاري، ح./97، ك. العلم.
(6) رواه مسلم، ح./ 1893، ك. الإمارة.
(7) أخرجه الترمذي، ح./ 2007، ك. البر والصلة عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ.
(8) أخرجه الحاكم وإسناده صحيح.
ـــــــــــــــ(1/129)
فن التعامل مع الناس
عبدالرحمن بن فؤاد الجار الله
فن التعامل مع الناس
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين...
أما بعد:
فلما كانت الدعوة إلى الله عز وجل تحتاج من الداعية حسن التعامل والسياسة مع من يتعامل معه؛ لذلك اعتنت المؤسسات التربوية بهذا الموضوع وقدمته للمنتمين إليها, تحت عنوانين عدة تندرج ضمن هذا الموضوع , وكان أصل هذا الموضوع دورة ألقيت على مجموعة من الطلاب .
وكان من فضل الله علي أن يسر لي نسخة من مادة الدورة فقمت بكتابتها والإضافة عليها وترتيبها أسأل الله أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم. إنه جواد كريم.وبعد:
فإن موضوع فن التعامل مع الإنسان - كبيرٌ جداً - تعتني به كل الشعوب في العالم ومن بينها الشعوب الإسلامية .
ولدى الغربيين معاهد خاصةٌ يُدرَّسُ فيها ما يسمى بالمهارات الاجتماعية. كيف يتحدث الإنسان؟ كيف يكسب الثقة بنفسه؟ كيف يكون لبِقاً في الحديث مع الناس؟. والإسلام فيه الكثير من كنوز الآداب ,ومنها آداب التعامل ,وقد أُعطينا القدوة من الأنبياء وخاتمهم رسول الله عليهم الصلاة والسلام جميعاً.
ولكن المسلمين لم يستطيعوا أن يستفيدوا منها ولم يتجاوزوا حتى الآن مرحلة التنظير (مرحلة الفكر) يقال: من آداب الصحبة كذا, ومن آداب العشرة كذا, ومن آداب الحديث كذا. وقليلٌ من الناس من يتدرب ويُدرِّب قومه. فليس هناك تدريبٌ عملي إلا نادراً فالقالب هو التعليم وليس التربية, والتدريب العملي هو المطلوب (1) .وهو محور الكلام في هذا البحث:
عناصر البحث:
* اختلاف الطباع وأساليب التعامل .
* التعامل مع الإنسان .
* الدوافع التي تحرك المسلم إلى حسن التعامل .
* قواعد ثابتة في التعامل .
* الطُعم المناسب هو الذي يصطاد السمك.
* كيف تكسب الآخرين وتؤثر في الناس ؟ (أساليب التعامل).
* خاتمة.
أولاً:اختلاف الطباع وأساليب التعامل:
الناس منذ خلقهم الله وهم مختلفوا الطبائع والرغبات والميول. روى مسلم عن أبي هريرة t عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الناس معادن كمعادن الفضة والذهب, خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا, والأرواح جنودٌ مجندةٌ, فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" (2).
وعن أبي موسى الأشعري t أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض, فجاء بنو آدم على قدر الأرض, فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك, والسهل والحزن والخبيث والطيب" (3).
وتمثل بعض الشعراء بهذا المعنى, فقال:
الناس كالأرض ومنها هُُمُ *** فمن خَشنِ الطبع ومن ليِّنِ
فجندلٌ تدمى به أرجلٌ *** وإثمدٌ يُوضع في الأعينِ
ويُعلم بداهةً أن معاملة هذه الاختلافات معاملةً واحدةً لا يستقيم. فما يلائم هذا لا يناسب ذاك، وما يحسُنُ مع هذا لا يجمل مع غيره. لذا قيل:(خاطبوا الناس على قدر عقولهم ).
فكان شأنه صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه وتعليمهم أن يراعي أحوال من يتعامل معهم وينزل الناس منازلهم.ففي فتح مكة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المنادي أن يعلن في الناس أن من دخل المسجد الحرام فهو آمن, ومن دخل بيته فهو آمن, ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن..., ألا ترى أن دار أبي سفيان لم يكن لها ما يميزها عن دُور أهل مكة, وأن دخول هذه الدار أو غيرها سيّان ؟.
ومنها توزيعه صلى الله عليه وسلم بعض أموال الغنائم والفيء على أناسٍ دون أناس.وكذلك تقسيمه الأعمال والمهام على أصحابه كُلٌّ بحسبه، فما أوكل إلى حسان غير ما أوكل إلى معاذ ويصح ذلك مع أبي بكر وعمر و صهيب وخالد وبقية الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
إنها المعرفة بنفسيات الناس وما يطيقون وما يحبون ,ومعرفة الدخول إلى قلوبهم (4) .
ثانياً:التعامل مع الإنسان:
الإنسان كما هو معلومٌ مكونٌ من عدة قضايا ,فهو ليس آلةً من الآلات, وإنما هو إنسانٌ بروحه وجسمه وعقله ومشاعره وهو محتاجٌ لتغذية هذه الأمور كلها .وبعض الناس يخطئون عندما يتعاملون مع الإنسان في الجانب الدعوي مثلاً: إذ يتعاملون مع الفكر فقط أو الفعل فقط دون أن يهتموا بمشاعر الإنسان الذي يتعاملون معه. كأصحاب المصانع الذين يتعاملون مع الجسم: كم ينتج ؟ كم ساعة يعمل ؟, ويهملون جانب الفكر وجانب العقل وجانب المشاعر.
كثيرٌ من الناس يهملون جوانب وقضايا من قضايا التعامل مع الإنسان, ولكن لابد من التركيز عليها كاملةً حتى يكون التعامل مع الإنسان شاملاً ومؤثراً. هذا التعامل الذي أكتب عنه يختلف الأثر الناتج عنه بحسب محتوى الكلام, أو طريقة الكلام, أو السلوك المصاحب للكلام, فقد يقول إنسانٌ كلاماً معيناً تحس منه أن هذا الإنسان يقوله من قلبه, وآخر يقول الكلام نفسه غير أنك تحس أنه يقوله من فمه . شخصٌ يقول: جزاك الله خيراً. وثانٍ يقول: الله يجزيك الخير (5). وثالثٌ يقول: جزاك الله خيراً (6).
فستشعر أن الثاني والثالث يقولان الكلمة من قلبيهما, وهذا يحتاج إلى تدريبٍ و إلى ممارسةٍ, فإنسان يكلمك وهو ينظر إليك فهو
يحترمك ويقدرك, فهذا يختلف عن إنسانٍ يكلمك وهو ينظر إلى ورقة أمامه أو إلى مكان آخر, حتى إذا سكت عن الحوار قال لك:تفضل أكمل وهو ينظر إلى الأرض مثلاً. إن هذا غير مهتمٍ بك.
تلك أمثلةٌ متعلقةٌ بالسلوك المصاحب للكلام (7).
وهناك أمثلةٌ تتعلق بمحتوى الكلام أو طريقته أو كيفية التعامل العملي مع الناس تأتي ـ إن شاء الله ـ ضمن البحث والمهم أن يتم التدريب العملي على كيفية التعامل.
ثالثاً:الدوافع التي تُحرِّك المسلم إلى حُسنِ التعامل:
أولاً: أن يكون من خير الناس أو خيرهم:
فالمسلم يبحث عن رضا الله ومحبته, وأن تتحقق الخيرية في نفسه ويكون من خير الناس أو خيرهم.يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"خير الناس أحسنهم خُلُقاً" (8) فالمسلم لايُحسِّنُ خلقه ليكسب مصلحة,إنما لكسب رضا الله عز وجل, وهنا تستمر الأخلاق سواءاً رضي الناس أم لم يرضوا , تحسنت العلاقة أم لم تتحسن , كسب الود أم لم يكسب ,فالأجر ثابتٌ على أيَّة حالٍ, وهذا هو ضمان الاستمرارية. ويقول صلى الله عليه وسلم :" إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل وصائم النهار " (9) ,ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"المؤمن يألف ويؤلف ولاخير فيمن لا يألف ولا يؤلف , وخير الناس أنفعهم للناس " (10) .
ثانياً: الأخلاق الحسنة مأمورٌ بها :
إن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نلتزم الحكمة في التعامل مع الناس وهذا عينُ العقل. يقول الله عز وجل: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ".
والموعظة الحسنة هي محتوى الكلام الذي يدعو إلى شيء طيب .
وقد وصف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه ليِّن الجانب, وهو إن لم يكن كذلك لخسر الناس ولانفضوا من حوله وهم الصحابة y وهو الرسولصلى الله عليه وسلم ,فلم يقل صلى الله عليه وسلم من أراد فليأت ,ومن لم يرد فلا يهمنا أمره,إنما كان حريصاً عليهم. يقول تعالى:"فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". أي لو كنت يامحمد يا رسول الله فضاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك "فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر " فإن من وسائل المعاملة الحسنة: أن تعفو عنهم, وتستغفر لهم. أي: أن تتجاوز عن الأخطاء وتغض الطرف عنها وتستغفر لهم. فتلك وسيلةٌ من وسائل تشجيعهم وتنمية السلوك الطيب فيهم. وتشاورهم في الأمر أي: تحترم رأيهم وتقدرهم وتعطيهم شيئاً من القيمة عندما تتعامل معهم, فما أسهل الناس وأنت تشاورهم, وما أقربهم منك وأنت تقدرهم. يقول ميمون بن مهران:"التودد إلى الناس نصف العقل " فالذي يتودد إلى الناس يعتبر مسلكه هذا نصف العقل ولكن بشرط أن يكون ودوداً وعاقلاً (11).
رابعاً:قواعد ثابتة في التعامل:
هناك قواعد ثابتةٌ ومشتركةٌ بين كل شعوب العالم وهي تنطلق من الفطرة, يستوي التعامل فيها مع المسلم وغيره . لنتعلم هذه القواعد أو بعضها حتى نمارسها عملياً وقد تمتد تلك الممارسة إلى سنواتٍ حتى نتخلص من طبع سيءٍ يكرهه الناس, أو نكتسب طبعاً طيباً يحبه الناس فمن هذه القواعد المشتركة:
1ـ أن حديثنا وموضوعنا عن التعامل مع الأسوياء من الناس, أما الشواذ فتكون لهم معالجة فردية. فالسويُّ من إذا أكرمته عرف المعروف, والشاذ من يتمرد إذا أنت أكرمته.
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
2ـ تختلف طريقة التعامل تبعاً لاختلاف العلاقة: الوالد مع ولده, الزوج مع زوجته, الرئيس مع مرؤوسه, والعكس.
3ـ أن التعامل يتغير باختلاف الأفهام والعقول. فالرجل الذكي الفاهم الواعي تختلف طريقة تعامله عن الشخص الآخر المحدود العقل المحدود الفهم المحدود العلم, فالحديث معه يكون مناسباً لطبيعته وقدرته على الفهم.
4ـ يختلف أسلوب التعامل أيضا باختلاف الشخصية. فطريقة التعامل من شخص شكَّاكٍ وحسَّاسٍ تختلف عنها مع شخصٍ سويٍّ, فالطريقة تختلف باختلاف الشخصيات والصفات التي تكون بارزةً فيهم.
خامساً: الطُعم المناسب هو الذي يصطاد السمك:
يقول المؤلف دايل كارنيجي:"من هواياتي أن اصطاد السمك, وبمقدوري أن أجعل الطُعم الذي أثبته في السنارة أفخر أنواع الأطعمة, لكني أفضل استعمالي طعوم الديدان على الدوام, ذلك أنني لا أخضع في انتقاء الطعوم إلى رغبتي الخاصة, فالسمك هو الذي سيلتهم الطُعم... وهو يفضل الديدان فإذا أردت اصطياده قدَّمت له مايرغب فيه .
والآن . لماذا لا نجرب الطُعُومَ مع الناس ؟
لقد سئل لويد جورج السياسي البريطاني الداهية, عما أبقاه في دفَّة الحكم مع أن معاصريه من رجال الدول الأوربية الأخرى لم يستطيعوا الصمود مثله, فقال: ( إنني أُلائم بين ما أضعه في السنارة وبين نوع السمك ).
والواقع أن "الطُعم" هذا مهمٌ للغاية... ذلك أن علاقتك مع الآخرين تُهمهم أيضا بقدر ما تهمك أنت, فحين تتحدث إليهم حاول أن تنظر بعيونهم, وتعبر عما في نفسك من زاويتهم وبمعنى آخر أبدِ لهم اهتمامك بهم , أكثر من اهتمامك بمصلحتك الشخصية, اجعلهم يتحمسون لما تريد منهم أن يفعلوه عن طريق اتخاذ الموقف من جانبهم " (12) .
سادساً:أساليب التعامل مع الناس :
في هذا العنصر أتطرق إلى بعض القضايا التي يحبها الناس وبعض القضايا التي يكرهونها, وتؤثر فيهم سلباً و إيجاباً وهذه الأساليب تجارب ناجحةٌ, لأن قدوتنا فيها هو نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام . وهذه الأساليب لها شواهد من السنة ومن الواقع المُجرَّب أذكر منها مايناسب, فمنها:
1ـ الناس يكرهون النصيحة في العلن :
لا يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس, لأن كل الناس يكرهون أن تبرز عيوبهم أمام غيرهم, كل الناس مسلمهم وكافرهم. ولكن أخذ الفرد ونصحه على انفراد أدعى للقبول وأدعى لفهم المسألة .
2ـ لا تلُم أحداً عساكَ ألاّ تُلام ( لا تُكثر من لوم الناس ):
الناس يكرهون من يؤنب ويوبّخ في غير محل التأنيب ومن غير تأنٍ ودون السؤال والاستفسار, بل من الخطأ أن يتمادى الإنسان في التأنيب بعد أن يعتذر صاحبه ومن يتحدث معه فالناس جميعاً ومنهم نحن عاطفيون أولاً, ثم أصحاب منطقٍ وعقولٍ في الدرجة الثانية . إن لنا نفوساً ذات مشاعر وأهواء, وهي تريد من الآخرين أن يحترموها كما هي. فلماذا تحاول مناقضة نفوس الآخرين, بينما تعرف أن نفوسنا من نفس النوع ؟ إن اللوم والتأنيب مُرُّ المذاق ثقيلٌ على النفس البشرية فحاول تجنبه حتى تكسب حُبَّ غيرك.
3ـ من الحكمة أن تُسلم بخطئك حين تخطيء:
إن الاعتراف بالخطأ يزيل التحامل الذي يمكن أن يتولد في صدر الخصم أولاً, ومن ثم يخفف أثر الخطأ ثانياً...فحين ترى أنك على خطأٍ اعمد إلى التسليم به, وهو كفيلٌ بأن يجعل الخصم يقف منك موقف الرحيم السريع العفو, وعلى العكس من ذلك إذا أصررت على الدفاع عن خطئك. وقديماً قيل :"المقر بذنبه كمن لا ذنب له".
4ـ إيَّاك والأنا :
الناس يكرهون دائماً من ينسب الفضل لنفسه, فإذا حدث إخفاقٌ ألقى بالتبعة على الآخرين وإذا حدث نجاحٌ نسبه لنفسه.جاء في بحثٍ إحصائيٍ قامت به مصلحة التليفونات في نيويورك: أنَّ كلمة (أنا) هي أكثر كلمةٍ ترِّن بها أسلاك شبكتها التليفونية. ومعنى ذلك أن اهتمام الناس كُلٌّ بنفسه, هو الصفة المسيطرة على البشر, فإذا كنت تهتم بنفسك أولاً, ولا تحاول اجتذاب الآخرين بالاهتمام بهم, فكيف تنتظر منهم أن يهتموا بك إذن؟.
5 ـ لا تُركِّز على السلبيات دون الحسنات:
خذ مثالاً: علاقة المرأة المسلمة بزوجها المسلم, والتي يمكن أن يُعممَ مغزاها في كل قضايا التعامل، يقول صلى الله عليه وسلم:"لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" (13). فما أحدٌ يسلم من العيوب فلا زوجة بلا عيوب, ولا صديق بلا عيوب, ولا رئيس ولا مرؤوس, يقول سعيد بن المسيب:"ليس من شريفٍ ولا عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلا فيه عيب, ولكن من الناس من لاينبغي أن تُذكر عيوبه " فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله, ولاتذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم.
وكم من الناس ننقدهم فإذا رأينا غيرهم حمدناهم.
بكيت من عمروٍ فلما تركته *** وجربت أقواماً بكيت على عمرو
والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا المثل فيذكِّرُ بفضل الأنصار, لأن البشر بطبعهم ينسون الحسنات. فقد أخرج البخاري قولهصلى الله عليه وسلم:"أوصيكم الأنصار فإنهم كرشي وعيبتي (يعني بطانتي وخاصتي ), فقد قضوا الذي عليهم (يقصد أنهم وفوا بما تعهدوا به في بيعة العقبة), وبقي الذي لهم ، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم " (14). إن هذا قمة الإنسانية والعدل .
6ـ الناس يكرهون من لا ينسى الزلات:
الناس يبغضون من لاينسى زلاتهم ولايزال يُذَكِّر بها ويمُنّ على من عفا عنه, فالناس يكرهون ذلك الإنسان الذي يُذَكِّرُ الناس بأخطائهم ويعيدها عليهم مرةً بعد مرةٍ. والله عز وجل يقول:"والعافين عن الناس". ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة " (15) فالذي يذكر ويعيد الخطأ يكره الناس الاجتماع به والارتياح إليه .
7ـ احذر من النقد المباشر:
الانتقاد لايحتاج إلى موهبةٍ خاصةٍ أو بذل نشاطٍ كبيرٍ, ففي وسع أي أحمقٍ أن يُشنِّع على رجلٍ ذي عبقرية وتميزٍ وأن يتهمه ويسخر منه. دعنا نحاول أن نفهم الأخرين ونتلمس لهم الأعذار حين تقصيرهم فهذا أمتع من النقد المباشر. فطبيعة البشر تأبى ذلك. نعم, قد ينفذ الشخص المنتقد المطلوب منه ولو كان الأسلوب مباشر وبنقدٍ حادٍ, ولكن لو كانت الطريقة ألطف كان ذلك أدعى للقبول. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةً حسنةً, ومن ذلك ما ورد في قصة القوم الفقراء والذين جاؤوا وكانوا كلهم من مُضَر, وتأثر الرسول صلى الله عليه وسلم لما لهم من الفقر فقام وخطب الناس, ثم قال:"تصدق رجلٌ من ديناره, من درهمه, من ثوبه, من صاع تمره" (16). ولم يقل تصدقوا ولم يعاتبهم على عدم الصدقة, فانظر النتيجة: جاء رجلٌ من الأنصار بِصُرّة كادت تعجز يده عن حملها , بل عجزت, وقدمها للرسولصلى الله عليه وسلم فاستهل وجهه وقام الناس وتصدقوا فأصبح عنده كومة من الصدقات ,وفرح الرسول صلى الله عليه وسلم فقال :" من سَنَّ في الإسلام سُنةً حسنةً ..." الحديث (17). وهكذا . فاحذر من النقد المباشر الذي لاتكسب منه سوى إيغار الصدور .
8ـ الفت النظر إلى الأخطاء تلميحاً وبكُلِّ لباقةٍ:
أنت وأنا والناس جميعا يكرهون أن ينتقدهم غيرهم إلا أننا جميعاً كثيراً ما نفعل أفعالاً تستدعي الانتقاد , فإذا وددت انتقاد الغير وكان هناك موجبٌ حقيقيٌ لذلك ,فكيف نفعل ؟.
لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم قدوةً حسنةً, حينما قال لعبدالله بن عمرt:"نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل " فنجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم عالج الخطأ بكل لباقةٍ بل وقدم المدح والثناء قبل لفت النظر إلى الخطأ.
إن المقصود بالانتقاد والتوجيه هو إصلاح الغير مع ضمان عدم إثارة البغضاء في قلبه, ولهذا كان على المنتقد أن يلجأ إلى التلميح بما يراه ناقصاً, ولكن من طرفٍ خفيٍ.
9ـ تكلَّم عن أخطائك أولاً, وقدٍّم اقتراحات مهذبة:
إن افعل هذا، ولا تفعل ذاك لا تعطي نتيجةً طيبةً كقولك : (أليس من الأفضل أن تفعل هذا ؟) أو (أليس من الأفضل أن لا تفعل ذاك ؟) ذلك أن الأمر الجازم صعبٌ على النفس أن تتقبله, وحتى لو تقبله الرجل الذي توجه إليه الأمر فإن توجيهك ذلك له يُبقي في نفسه جرحاً غائراً يطول قبل أن يندمل , أما الاقتراح (المهذب) فهو مستساغٌ لا يشعر المرء تجاهه بغضاضةٍ فينفذه راضياً محتفضاً بعزته وتقدير نفسه.
قبل بضع سنوات, قرَّرَ مجلس إدارة شركة (جنرال إلكتريك) إقالة رئيس قسم الحسابات في الشركة وكان مهندساً كهربائياً عبقرياً طالما انتفعت به الشركة, لكنه لم ينجح في إدارة قسم الحسابات أيَّ نجاحٍ, وكانت الشركة تقدر للرجل فضله لكن تود كفَّ يده عن قسمٍ حيويٍّ فيها, فكيف تبلغه ذلك؟.
لقد اخترعت له منصب " المهندس المستشار للشركة " وجعلته عليه ثم سلمت إدارة القسم لشخصٍ آخر... فحاول دائماً أن تحفظ ماء وجه الآخرين.
10ـ لا تعامل الناس باستعلاء:
الناس يكرهون من يعاملهم باحتقارٍ و استعلاءٍ مهما كان هذا الإنسان. روى هارون بن عبد الله الجمال, فقال: ( جاءني أحمد بن حنبل بالليل ـ انظروا كيف يكون التصرف يريد أن يصحح خطأً! ـ، فدقَّ علي الباب، فقلت: من هذا ؟ فقال: أنا أحمد، ـ لم يقل: الشيخ أحمد ـ فبادرت وخرجت إليه فمساني و مسِّيته. فقلت: حاجة أبي عبد الله ؟ ( أي: ما حاجتك ؟), قال: شغلت اليوم قلبي. فقلت: بماذا يا أبا عبد الله ؟, قال: جُزتُ عليك اليوم وأنت قاعدٌ تُحدِّث الناس في الفيء (الظل) والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر. لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس). انظر كيف كانت النصيحة والذي يرويها ليس الإمام وإنما ذلكم الشخص المتأثر بالنصيحة!.
11ـ احترم آراء الآخرين، ولا تقُل لأحدٍ: أنت مخطئ:
حين تبدأ كلامك مع رجلٍ بأن تقول له: (( أنت مخطئ )) أو(( اسمع يا هذا: سأثبت بطلان ما تقول))، أو باللهجة العامية: ((ما عندك سالفة )), أتدري أنك في تلك اللحظة تعني: أنك أيها الرجل تعوزك براعتي و ينقصك ذكائي، قف أمامي ذليلاً لكي أدلك على الطريق الذي بلغه ذهني المتوقد وحكمتي الأصيلة؟ هذا هو المعنى بالضبط... فهل تقبل بأن يوجه إليك أحدٌ مثل هذا القول ؟ كلا طبعاً . إذن, فلماذا توجهه إلى الآخرين ؟ .
قال اللورد شستر فيلد في رسالته إلى ولده: (( يابني... كُن أحكم الناس إذا استطعت، ولكن لا تحاول أن تقول لهم ذلك )). فلماذا يسارع الواحد منا بنشر التأكيد والجزم وحتى في أمورٍ غامضةٍ، لمجرد الادعاء بالعلم، أو مناكفة الغير، أفتظن أن قولك: (( أنت مخطئ )) سيوصلك إلى نتيجةٍ مع من تحدثه بنفس القدر الذي يوصلك إليه قولك: (( قد أكون أنا مخطئا ))، فلنفتش عن الحقيقة. إن إقرارك باحتمال أن قولك غير مصيب لا يُضعف موقفك كما قد يُخيلُ إليك، فالسامعون يتأثرون بك وبنزاهتك وحبك للإنصاف ، أما من قابلته مباشرة بتخطئته فيصعب عليك إقناعه بالخطأ بعد ذلك, فهذه طبيعة النفس البشرية فهي تتأثر انعكاساً . فاحترم آراء الغير مهما كانت وصغرت, يحبك الناس ويتأثرون بشخصك, وأكبر دليلٍ على ذلك صبره e على جفاء الأعراب حين يخاطبوه, يدخل الرجل منهم مغضباً ويخرج وأسارير الرضا على وجهه .
* ( تقدير عواطف الآخرين وعدم جرح مشاعرهم ):
روى ابن إسحاق عن ابن عباس:tأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البَخْتَريّ بن هشام فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبدالمطلب فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرهاً). فقال أبو حذيفة بن عتبة: أنقتل آبائنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس, والله لأن لقيته لألحمنه أو لألجمنه بالسيف. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص أيضرب وجه عمِّ رسول الله بالسيف, فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقة بالسيف فوالله لقد نافق.
فكان أبو حذيفة يقول:ما أنا بآمنٍ من تلك الكلمة التي قلت يومئذٍ ولا أزال منها خائفاً. إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيداً. (الرحيق المختوم ص: 246)
12ـ الناس يحبون من يُصحح أخطائهم دون جرح مشاعرهم:
ويُضربُ مثلٌ في ذلك في أحد الكتب: أن شخصاً ألقى خطاباً ( محاضرةً ) في عددٍ كبيرٍ، ولكنها كانت طويلةٌ وفيها تفصيلٌ، فملّ الناس, ولما عاد المحاضر إلى منزله سأل زوجته, فقال: ما رأيكِ في المحاضرة ؟ قالت: هذا الموضوع يصلح مقالةً رصيفةً في مجلةٍ علميةٍ متخصصةٍ. وقد فهم المحاضر من كلام زوجته أن الموضوع لا يصلح للمحاضرة.
فإياك وقول: أنت لا تصلح لكذا ، أو أنت تصلح لغير ذلك .
13ـ اكسب الجدال بأن تتجنبه:
جاء في الحديث الصحيح: (( أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً )) (18) .
إن حُبَّ الظهور في معظم الأحيان هو الدافع الأول إلى المجادلة, فأنت تود أن تعرض سعة اطلاعك وحُسن تنقيبك في الموضوع المطروح للجدال, ومثل هذا يُحسِّسُ الرجل الآخر الذي تجادله، فإذا قهرته بمنطقك السليم وفزت عليه، فإنه لن يعتبر ذلك إلا إهانةً منك، وجرحاً لكرامته، وهو قلّما يغفر لك ذلك. بهذا تكون قد اشتريت خصومته دون نفعٍ يصيبك من الشراء.
14ـ ابدِ للناس اهتمامك بهم أكثر من اهتمامك بنفسك:
الناس يحبون ذلك الإنسان الذي يهتم بهم، وبما يفكرون، وما الذي يشغل بالهم وحينما يتحدثون ينصت إلى حديثهم وينظر إليهم ويلخص ما يقولون ويناقشهم فيه.
15ـ كُن في حاجة الناس: (مثاله: الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ)
إن الناس يُقدِّرون من يسعى في حاجتهم ويشفع لهم, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( أحب الناس إلى الله عز وجل أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ تدخله على مسلمٍ ، تكشف عنه كرباً ، أو تقضي عنه ديناً ، أو تطرد عنه جوعاً ، ولو أن تمشي مع أخيك في حاجته أحبُّ إليَّ من أن تعتكف شهراً ) . (19)
ولو أدرك العامل والموظف عظم هذا الحديث لأنهى المعاملات في وقتها.
16ـ قدِّم خدماتٍ للآخرين قبل أن يأمروك:
إن الناس يشيرون بالبنان لمن يعمل ويخدم ويقدم للآخرين لأنه يأسر قلوبهم بفعله, ويكفينا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وعليَّ جمع الحطب ) .
17ـ نادِ الناس بأحب أسمائهم, وتعرَّف على أنسابهم:
كان صلى الله عليه وسلم ينادي الناس بأحب أسمائهم, حتى الأطفال الصغار كان يكنيهم أحياناً ( يا أبا عمير ما فعل النغير ؟) وأبو عمير طفلٌ صغير .(1/130)
"جيم فارلي" ما إن بلغ الأربعين من عمره حتى منحته أربع جامعاتٍ درجاتها الفخرية, وتم تعينه مدير البريد العام في الولايات المتحدة... فما سر نجاحه ؟؟ كان يتملك مقدرةً فائقةً على تذكُّر أسماء الناس. كان يلقى الرجل فيتعرف على اسمه الكامل, وأسماء أولاده وأهله المقربين, ويستفسر عن عمله, وميوله السياسية، ونزعاته الفكرية، ثم يختزن كل ذلك في ذاكرته حتى إذا التقى به ثانية سار الحديث بينهما وكأنه لم ينقطع عنه. فيسأله "جيم" عن أولاده وزوجته وأزهار حديقته, وفي لغة يشعر معها المسئول بقرابته الفعلية من قلب "جيم" وعواطفه. وهكذا إذا أردت أن يحبك الناس فاذكر أسماءهم لأن اسم الرجل هو من أقرب الطرق لكسبه.
18ـ أخلق في الآخر رغبةً جامحةً في أن يفعل ما تريد منه:
وهي أن تشعر الإنسان بمحبة الأمر حين تعطيه إياه وكان ذلك هو دأب الرسول صلى الله عليه وسلم فكان يشوق الناس لما يأمرهم به, فلما أراد أن يُسيّر جيشاً قال: ( لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ) (20) فسار كلُّ فردٍ يتمنى ذلك.
إذا أراد إنسانٌ أن يصرف شخصاً عن طبع سيئ مثلاً فمن الخطأ أن يقف موقف المرشد الناصح في الوعظ، فتِّش عن رغبةٍ يود هذا الشخص بلوغها ثم اربط تلك الغاية بالإقلاع عن هذا الطبع السيئ, وستجده ينصرف عنه فعلاً؛ طمعاً في الوصول إلى الغاية لا تأثراً بصواب رأيك ابتداءاً. (ولا يُفهم من هذا التقليل من شأن الوعظ).
19ـ البراعة في الحديث:
إن الناس لا يريدون منك أن تتحدث عن تجاربك وخبراتك,فلهم خبرات أيضاً,وخير مُحدِّثٍ هو من يستمع بشغفٍ إلى الآخرين، اسأل مقابلك سؤالاً ودعه يتحدث في تخصصه، بذلك يشعر بالامتنان لك وتظفر بصداقته سريعاً، إذا أتحتَ له فرصة التحدث عن تجاربه وظللت مصغياً له باهتمامٍ، إن الاستماع المشغف هو أعلى ضروب الثناء الذي يمكن أن تضفيه على محدثك فالناس يحبون من يفتح لهم المجال لتحقيق ذواتهم .
20ـ قدّر غيرك تفز بتقديره لك:
إن التقدير من الغير غذاءٌ للنفس كما هو الطعام للجسد، بل إن النفس أرهف حساسيةً وأحلُّ شأناً؛ قد يصوم المرء وينقطع عن الطعام والشراب، أما عن حاجته إلى تقدير الغير له فلن يستطيع. إذاً... لماذا لا ندع الآخرين يختزنون في ذاكرتهم أنغاماً حلوةً وكلماتٍ محببةٍ عن تقديرنا لهم وشعورنا بأهميتهم ؟ .
21ـ تكلم فيما تظن أنه يسر محدثك:
إذا أردت إدخال السرور إلى قلوب الناس حدِّثهم فيما تظنهم يودون الاستماع إليه أولاً، وبذلك تستدرجهم إلى التحدث, والحديث الشيِّق اللذيذ فتصغي إليهم بشغف، ويعتبرونك محدثاً بارعاً تستطيع جلب مسرتهم.
22ـ امتدح الناس فيما يجيدونه:
اختر شيئاً جميلاً فيهم وحدثهم عنه ولن تُعدمَ ذلك الشيء الجميل. فالناس يختلفون ويتفاوتون، ولكنه لا يمكن إلا أن تجد شيئاً جميلاً في كل فردٍ منهم, فالناس يحبون أن تمدح الناحية الجميلة فيهم.
23ـ الناس يحبون الشكر والتشجيع:
وإن كان الأصل في المسلم أنه يعمل العمل ابتغاء رضا الله ولا ينتظر شكر الناس، ولكن ذلك طبعٌ في البشر وذلك لا بأس منه شرعاً. روى أحمد والترمذي: (( من لم يشكر الناس لا يشكره الله )) (21) .وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم :(( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ، فأكرم الأنصار والمهاجرة )) (22) .وكذلك حديث: (( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه... )) الحديث.
* ( التشجيع يسر الآخرين ):
في روايةٍ أن سعد بن معاذ t قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها ألا تنصرك إلا في ديارهم, وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم, فأضعن حيث شئت ، وصِل حبل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخُذ من أموالنا ما شئت, واعطنا ما شئت, وما أخذت منا كان أحبَّ إلينا مما تركت, وما أمرت فيه من أمرٍ فأمرنا تبعٌ لأمرك, فوالله لئن سرت حتى تبلغ البَركَ من غمدان لنسيرنّ معك, و والله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك). فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعدٍ ونشطّه ذلك, ثم قال:(سيروا و أبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين) . (الرحيق المختوم ص:232)
24ـ ابتسم للناس, يبتسمون لك :
إن قسمات الوجه خيرُ معبِّرٍ عن مشاعر صاحبه, فالوجه الصبوح ذو الابتسامة الطبيعية الصادقة خير وسيلةٍ لكسب الصداقة والتعاون مع الآخرين، قال صلى الله عليه وسلم في الحث على البشر والتلاطف: (( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة )). (23)
25ـ تهادوا تحابوا:
الهدية قد تكون بسيطةً جداً في قيمتها ولكنها تُدخل سروراً وتُظهر مدى الاهتمامِ بالمهدى إليه, ففي حديث أبي هريرةt عن المصطفى صلى الله عليه وسلم :((تهادوا تحابوا)) . (24)
26ـ دع الغير يظنُ أن الفكرة هي فكرته:
إذا أردت أن تكسب روح التعاون عند الآخرين فاجعل الشخص الآخر يحس أن الفكرة هي فكرته ؛ فالرجل العاقل إذا أراد أن بتصدر الناس جعل نَفْسَه خلفهم .
27ـ تفهَّم عواطف الآخرين، واستثر عواطفهم النبيلة:
كما أن لك عاطفة تسوقك في كثيرٍ من الأحيان إلى اتخاذ موقفٍ معينٍ، أو تبني رأيٍ خاصٍ, فإن للآخرين عواطف أيضاً، وكما يسرك بأن يراعي الآخرين عاطفتك، فإنهم يسرهم أن تراعي عواطفهم بنفس المقدار.
مهما بدا الناس عتاةً قساةَ القلوب أو لامنطقيين، فإن طبيعتهم الإنسانية هي التي تسود آخر الأمر، إنهم ضعفاء، إنهم يطلبون التعاطف معهم بل والعطف عليهم فإذا قلت لمحدثك:إني لا أوجه إليك اللومَ، إذ إنني سأفعل مثل ما فعلت، لو كنتُ مكانك. فإن هذا كفيلٌ بضمان انجذابه إلى جانبك، واستلالِ كل حقدٍ أو تصورٍ كان من الممكن أن ينشأ بينكما، إذا كنتما مختلفين على أمرٍ من الأمور.
إن استثارة العواطف النبيلة في قلوب الآخرين طريقةٌ ناجحةٌ تماماً في كسب الناس إلى وجهة نظرك، كما أنها لن تؤدي إلى مضرَّةٍ لو قُدِّر لها الفشل.
وختاماً:
ليس المقصود من هذا البحث أن تلُّمَ ببعض الحقائق العامة حول السلوك الإنساني، بل إن التطبيق العملي لتلك الحقائق والأساليب هو ما أبتغيه من كتابة البحث.
ولكن لمّا كان اكتساب العادة صعباً، نظل في حاجةٍ إلى يقظةٍ ذاتيةٍ ومحاسبةٍ دائمةٍ فاجعل من نفسك رقيباً على نفسك ، وجاهد نفسك ألا تميل مع التخاذل, وطبِّق ذلك مع أبيك, وأمك، وإخوانك، وأقربائك, وأصدقائك ؛ لأنهم ألصقُ الناس بك ومن ثم تتحول هذه الحقائق والأساليب إلى مهاراتٍ اجتماعيةٍ عملية .
* هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين.
B
.: مراجع استُفيد منها:
* فن التعامل مع الناس. د . عبد الله الخاطر ـ رحمه الله ـ
* كلماتٌ في التعامل. عبد الرحمن عبد الله اللعبون
* كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس؟ (مُترجَم). دايل كارنيجي
* الرحيق المختوم. صفي الرحمن المباركفوري
* أساليب وتجارب استقيتها من أفواه بعض المربين، وتوجيهاتهم.
مع تحيات
عبدالرحمن بن فؤاد الجارالله
ص.ب:9191ـ الرياض 11413
(1) فن التعامل مع الناس ص: 6
(2) مختصر صحيح مسلم كتاب البر والصلة باب الأرواح جنود مجندة، رقم الحديث 1772
(3) سلسلة الأحاديث الصحيحة عن أبي موسىt رقم الحديث 1630
(4) كلمات في التعامل ص: 25
(5) تقديم لفظ الجلالة (الله) المد فيه يوحي بالصدق ويدل عليه
(6) بالضغط على الحرف المشدد وهو حرف اللام في لفظ الجلالة (الله)
(7) فن التعامل ص: 8
(8) السلسلة الصحيحة وهو في الصحيحين بلفظ قريب
(9) رواه أحمد من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
(10) صحيح الجامع الصغير من حديث سهل بن سعيد t
(11) فن التعامل مع الناس (( بتصرف )) ص: 13
(12) كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس(ص: 19)من الطائف عن هذا الكتاب: أني سمعت الشيخ عبدالله بن عقيل حفظه الله ينقل عن شيخه الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله أنه مدحه وأثنى عليه.
(13) رواه مسلم نص حديث أبي هريرة t
(14) البخاري من حديث أنس بن مالك t
(15) مسلم من حديث أبي هريرةt
(16) أحمد في مسنده من حديث المنذر بن جرير عن أبيه
(17) مسلم في صحيحه من حديث المنذر بن جرير عن أبيه
(18) رواه أبو داود في سننه، والطبراني في المعجم الكبير وخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة عن أبي أمامة t
(19) الطبراني في الكبير والصغير ومجمع الزوائد وكشف الخفاء من حديث ابن عمر t
(20) متفق عليه من حديث سلمة بن الأكوع t
(21) رواه أحمد من حديث أبي هريرة t، وقال الألباني صحيح الأسناد.
(22) متفق عليه من حديث سهل بن سعد t
(23) مسلم عن أبي هريرة t ، رقم1418
(24) حسنه الألباني ( إرواء الغليل ) وهو في الموطأ وغيره
ـــــــــــــــ(1/131)
تأملات في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه!!
مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي
سير الصالحين معالم يهتدى بها ، ومنارات يقتدى بآثارها ، والأزمان التي يعيش فيها الإنسان مهما كانت نماذجها الرائعة إلا أنها في حاجة إلى قَبَسٍ خاص من نماذج ذات طراز رائع ، فكيف إذا كانت النماذج الرائعة لا يكاد يراها الإنسان ، أو قل يتعب في البحث عنها في مثل هذه الأزمان ... إنَّ دراسة التاريخ هي الكفيلة بدمج القدوة في قلب الإنسان وجعلها تترعرع حية في حياته وإن مات أصحابها وتوارت آثارهم في طيات القبور ؛ لهذا الهدف وأمثاله أحببت أن أعلّق نفسي بآثار الكرام في تلك الأزمان ، وجعلت لقلمي مساحة يحاول فيها تكريس مفاهيم القدوة في سير كُتّاب التاريخ بالأمس ، علّ قلبي أو قلب من يقرأ هذه الأحرف يطوف بها متأملاً ليجد فيها بعض منارات الطريق . والله المستعان ! لقد جال قلمي بالأمس في سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدءاً بالميلاد اليوم الذي أنار في المدينة كل شيء ، وانتهاءً باليوم الذي انطفأ من المدينة كل شيء ، وكتبت هناك ما يمكن أن يملأ قلب كل متأسٍ بنبيه - صلى الله عليه وسلم - ، واليوم أحاول جاهداً أن أتنفّس في سير المصلحين من بعد الأنبياء ، بدءاً بعلم من أعلام الإسلام ، سيرة أقرب رجل إلى سير الأنبياء ، ثاني رجل يطرق باب الجنة يوم القيامة ، ويدخل من أبوابها الثمانية ، فيا لله أي قلم هذا الذي يتطاول ليكتب معالم من معالم هذه النماذج الرائعة ؟!
أبو بكر : هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو ، ويكنى بأبي بكر ، ولقّب رضي الله تعالى عنه بالعتيق قال - صلى الله عليه وسلم - : أنت عتيق الله من النار ، وقيل إنما سمي لذلك لجمال وجهه ، وقيل لأنه كان قديماً في الخير ، ولقب بالصديق ، جاء ذلك في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما صعد أحداً وعليه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم قال : أثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان . رواه البخاري . وإنما لُقّب بهذا لكثرة تصديقه للنبي - صلى الله عليه وسلم - . وإجماع الأمة قائم على تسميته بالصديق ، ولقّب كذلك بالصاحب ، قال تعالى : " إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " قال الحافظ : المقصود هنا أبو بكر بغير منازع . اهـ وثمة درس : أن الأصل في الألقاب الحميدة والصفات الحسنة في أعراف الناس ألاّ تكون إلا لأهلها ، وكذلك هي في ميزان الدار الآخرة ، يأبى الله تعالى أن تكون الشهرة الصالحة إلا في حق أهلها الجادين في طلبها . ولا أعرف إلى تاريخ هذه الأسطر أنَّ الناس أجمعوا على وصفٍ صالح لرجل يدب على الأرض إلا وله منه نصيب ! وهذه شهادات الناس لا يمكن أن تلتقي في شخصية رجل إلا وقد عبّ منها حتى ارتوى وخرج يسقيها الناس أو يسقيهم بعض سلسبيلها الرائع . وإذا رضي الله تعالى عن إنسان فلا تسل كم هي الألسن المطبقة على حبه وذكره والشغف به وهل ذلك إلا بعض آثار الحب ؟! فاللهم يارب دثّرنا بهذه الآثار ، واكتب لنا منها أوفر الحظ والنصيب .
ولد أبو بكر بعد عام الفيل بالاتفاق ، والخلاف في الزمن الذي ولدفيه بعد عام الفيل ما بين سنتين وثلاث ، وثمة صفات خَلْقية يعرف بها هذا العلم كونه أبيضاً ، نحيف البدن ، خفيف اللحم ، حسن القامة ، خفيف العارضين ، أجنأ ـ أي ميل في ظهره ـ لا يستمسك إزاره على بطنه ، غائر العينين ، دقيق الساقين ، يخضب لحيته وشيبه بالحناء والكتم . ولا مزية في التاريخ لطول أو قصر ، كلا ! ولو كانت هذه معالم فارقة في أوصاف الرجال لما كانت من أوصاف المنافقين المفلسين ، وقد قال ربك فيهم " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم " ولولا أنني أريد أن أصف لك رؤيته لتعانق الأشواق بلقائه يومئذ لما كتبت فيها حرفاً واحداً ، والله المستعان !
تزوج من أربع نسوة أنجبن له ثلاثة ذكور وثلاث إناث : عبد الرحمن ، وعبد الله ، ومحمد ، وأسماء ، وعائشة ، وأم كلثوم ، وليس من الصحابة من أسلم أبوه وأمه وأولاده وأدركوا النبي وأدركه بنو أولاده إلا أبا بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه .
كان في الجاهلية : من وجهاء قريش وأشرافهم وأحد رؤسائهم ومن أهم ما اشتهر به : العلم بالأنساب ، ومع ذلك ما أُثر عنه أنه عاب نسباً لأحد ، أو ذكر مثلباً لقوم ، وقد قال السيوطي رحمه الله تعالى : رأيت بخط الذهبي ـ رحمه الله ـ من كان فرد زمانه في فنه ... أبو بكر في النسب . اهـ وهؤلاء هم نجباء الأمة ، وهل رأيت في حياتك رجلاً تشرئبُّ إليه الأعناق لا يملك من زاد العلم شيئاً ؟! إن مساحة العلم أكبر مساحة تتقاذف فيها همم الرجال ، وعلى قدر غَرْفِهم من تلك المساحة الشاسعة تتوسّع لهم صدور الأمة حباً وإجلالاً وتكريماً ! فكيف إذا كانت هذه المساحة من العلم دقيقة لدرجة أنها لا تُعرف إلا عند أمثال أبي بكر ، وكيف إذا كان صاحبها بمثل هذا الإتقان وتلك الجودة التي أصبح بها فرداً في زمانه .
وكان رضي الله عنه مثالاً لعون المستغيثين ، ونجدةً للمظلومين ، وأملاً للضعفاء والمساكين لدرجة أن قال عنه ابن الدغنة حين لقيه مهاجراً : إنك لتزين العشيرة ، وتعين على النوائب ، وتكسب المعدوم ، وتفعل المعروف . رواه البخاري . وعلق الحافظ ابن حجر بقوله : وقد وصفه بنظير ما وصفت به خديجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذه غاية في مدحه . اهـ وصدق ابن الدغنة كيف يخرج من أرض مكة من هذا حاله ، وتلك صفاته ؟! إن مثل هؤلاء صعب فراقهم ، وعزيز بعدهم ... وشنيء جداً طردهم وإبعادهم . فيا لله متى كانت الأنانية في حياة الإنسان رفعة ؟! متى كانت السلبية المقيتة في حياة إنسان تاريخ ؟ ! لله درك يا أبا الدغنة على هذه الكلمات الرائعة ، هي نفس الكلمات والصفات التي قالتها خديجة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما عاد خائفاً من آثار الوحي لأول وهلة ، قالت هوّن عليك : إنما هذه هي بعض صفاتك ولن يخذل الله تعالى من كان هكذا ... نحن في زمن يملأ الواحد منا بطنه ثم يحترق العالم كله لا يضره منه شيء البتة . إن الرجال تقاس بجديتها ، وحرثها على وجه الأرض ، وكتابة تاريخ أمتها ، وقبل ذلك بإيمانها واستعلائها على الباطل . وصدق من قال : العظماء يولدون كما يولد الناس ، والأرحام التي تقذف بالعظماء هي نفسها التي تقذف بالمفلسين ، وإنما الذي صنع الفرق هو الفاصل بين الميلاد والوفاة .
أسلم ـ رضي الله عنه ـ بمجرد لقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وعَرْض الإسلام عليه مباشرة ، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت ، وقال أبو بكر : صدق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي . رواه البخاري . وثمة درس في غاية الأهمية : أن صفة المبادرة من أخلاق الرجال. المبادرة خلق من أخلاق العظماء ، وهل يمكن أن يكون لأبي بكر ذكر لولا أنه بادر حين وصلته الرسالة في أول لقاء ، وظلت هذه المبادرة هي الشرارة الأولى التي كتبت على اسم هذا الرجل بعض التاريخ الذي يُقرأ اليوم على الأجيال ! المبادرة خلق إيجابي في أي إنسان ، ولكم رأيت أنا وغيري في ساحات الدنيا مبادرين فنحبهم ، ونهفوا إلى صفاتهم ، ونذكّر بهم وحسبهم تلك الصفة ولو كانت في أعراض الدنيا ، فكيف إذا كانت هذه الصفة في زاد الآخرة ، وتراث الأنبياء ؟! واللهِ ما رأيت في حياتي إنساناً يتدثّر بها إلا أحببته ، وشرفت به ، وزان حديثي بذكره ، لا لشيء إلا أنها ميراث من ميراث الصالحين . وحسبهم ذلك شرفاً ورفعة ! فليتأمّل قرّاء هذه السيرة اليوم كم كانت المبادرة رفيعة في حق أبي بكر لدرجة أن يذكّر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فصدقني حين كذبني الناس " وهل رفع عكّاشة بن محصن غيرها حين استثمر الحدث فقال بلهف هذه الصفة " اجعلني منهم فقال أنت منهم " ولما حاول الآخرون اللحاق قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " سبقكم بها عكاشة " . ولكم رأيت ورأى غيري كثرة الأخيار يملؤون مجتمعات الأمة ومؤسساتها ثم هم لا شيء كما قال الأول : تكاد الأرض لا تقلهم لكنهم لا يغنون في أمر جلل ! وصدق من قال : لا يموت في الإنسان أعضاؤه لكن تموت همته وأحلامه !
ومضى أبو بكر بإسلامه عزيزاً ، وحين لامست شغاف قلبه هذه الأفراح طار بها فرحاً ، ورفض القعود على الأحلام ، وإنما راح يذيق التائهين بعض أسرار هذه الأفراح .. بدأ يكتب آثار الدعوة على الواقع ، يمد في جذورها ، ويوسّع في دائرتها ، فأسلم على يديه رجال لو لم يكن في التاريخ سواهم لكفى التاريخ بهم شرفاً ورفعة ، ومعنىً ورسالة ! هم الزبير بن العوام ، وعثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، وعثمان بن مظعون ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو سلمة بن عبد الأسد ، والأرقم بن أبي الأرقم . ومن بقي في التاريخ من الأجلاء لم يدخل ؟! لله در الصديق ، وهل هذه الهمة إلا همم الرجال الأوفياء لتاريخ أمتهم ! هؤلاء هم جذر الدعوة وصرحها الميمون ، وإذا أردت أن تعرف حجم هذه الدعوة فاقرأ سير هؤلاء الأفذاذ في التاريخ وسترى ماذا قدم أبو بكر لهذه الأمة بهؤلاء الرجال , للهداية حق في تاريخ الإنسان حين يدرك معناها وأنها هبة ومنحة ونعمة من الوهاب ، فينطلق يجوب الأرض ليقوم بشكرها ، وليسقي غيره سلسبيلها ورحيقها الحالي .. لقد كتب أبو بكر بدعوته هذه أنفاساً له كإنسان على وجه الأرض ، وبهذه الثمار عاش أبو بكر في الأمة حياً ، وسيظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ! أفيكون جزاء هذه النعمة طول رقاد أيها الصالحون ؟! عيب في تاريخ كل صالح على وجه الأرض أن يعيش نعمة الله تعالى ثم لا يكون له فيها أثرٌ من شكر ! وأعظم شكر لهذه النعمة الرحيل بها إلى القلوب الضامئة ، والأنفس الضائعة لتعود بآثارها آمنة مطمئنة ! إن هذه الآثار لم تكن هي الوحيدة فحسب ! بل قدم أبو بكر قبل ذلك بأهله ، وصية الله تعالى ، أقبل بهم كلهم أعواناً للدعوة ، وجذراً للرسالة في وقت حاجتها ... وقد كان رضي الله عنه مع كل ما ذكرت سهلاً ليّناً ، قريباً للناس يألف الناس ويألفونه .. إن الدعوة قبل أن تكون هماً ورسالة هي كمٌّ من الأخلاق الرائعة في حياة الدعاة ، يمتلئ بها قلب صاحبها فيعيش متفائلاً كريماً رائعاً بين من الذين يخالطهم ، وهل يمكن للتاريخ أن يتوسّع للجفاة الأغلاظ ؟ هل يمكن أن يكون للقساة في تاريخ أمتهم صيتٌ يكتبون به معالم الدعوة المباركة على وجه الأرض ؟ كلا ! وألف كلا ! إن من لم يستطع أن يروّض نفسه ، ويصلح عيوبها كيف يمكن أن يؤثّر في غيره؟ أو يكتب في أوساط الدعوة رجالاً يهتدون بأثره ، ويقبلون لمحاسن أخلاقه ؟ يمكن أن أقول من خلال هذه السيرة أن يعود الواحد منّا لنفسه ليجدد بعض معالمها ، وحين تبرق نفسه جمالاً روحياً ، وأملاً وتفاؤلاً يمكن أن يؤثّر في غيره أو يسهم في إقناعه بطريق الإسلام ... وفي إسلام هؤلاء دليل صادق على هم الدعوة التي كان أبو بكر الصديق يحملها ، إنَّ أبا بكر ضرب في الدعوة بأعظم سهم ، فكتب الله تعالى أن يأتي على يديه رجال من نوع خاص في فكرهم ، وحياتهم ، وعملهم ، وهمهم ، إنني على قناعة كبيرة أن الدعوة قبل أن تكون جهداً هي نية صادقة ، وهماً يعيش قلب الإنسان ، ويستولي على فكره وحياته ، فإذا اجتمع في قلب الداعية ذلك ،
وزانه تعبّد لربه ، وأسرار بينه وبين خالقه ، وخبايا صالحه ، وتجمّل مع كل ذلك بأخلاق رائعة سارت بآثاره الركبان ، وتحقق له على وجه الأرض الأحلام التي لازلنا نسمع بها في التاريخ ، ولم تشهدها قلوبنا ، والله المستعان !
دعوته وتضحياته !!
إن برهان الدعوة السابق في حياة أبي بكر أكبر من أن ترويه قصة ، والثمار التي أينعت بتلك الرجال لم ينبعث بها النوم هبة رباينة ، كلا ! وإليك شاهد عيان يحكي لك بعض مواقف النبلاء : روت عائشة ـ رضي الله عنه ـ أنه لما اجتمع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الظهور فقال : يا أبا بكر إنا قليل ، فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتفرّق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته ، وقام أبو بكر في الناس خطيباً ، فكان أول خطيب دعا إلى الله تعالى وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوه في نواحي المسجد ضرباً شديداً ، ووطيء أبو بكر وضرب ضرباً شديداً ، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما لوجهه ، ونزا على بطن أبي بكر رضي الله عنه حتى ما يُعرف وجهه من أنفه ، حتى حُمل رضي الله تعالى عنه في ثوب ودُخل به إلى منزله ولا يشكّون في موته ، ثم جعل والده وقومه يكلموه حتى أجاب آخر النهار ، وما زاد أن قال : ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟! فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه وقالوا لأمه : أنظري تطعميه أو تسقيه فلما خلت به ألحت عليه وجعل يقول : ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقالت : والله ما لي علم بصاحبك ، فقال : أذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فسأليها عنه فخرجت حتى جاءت أم جميل ، فقالت : إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله ، فقالت : ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله ، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك ؟ قالت : نعم ، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً ، فدنت أم جميل ، وأعلنت بالصياح ، وقالت : والله إن قوماً نالوا منك لأهل فسق وكفر ، إنّني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم ، قال فما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت : هذه أمك تسمع ، قال : فلا شيء عليك منها ، قالت : سالم صالح ، قال : أين هو ؟ قالت : دار الأرقم ، قال : فإن لله علىّ ألا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول الله فأمهلتها حتى إذا هدأت الرّجل وسكن الناس ، خرجتا به يتكئ عليهما ، حتى أدخلتاه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أكب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبّله ، وأكب عليه المسلمون ورقّ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقة شديدة ، فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يارسول الله ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي ، وهذه أمي برّة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله ، وادع الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار ، قال : فدعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ودعاها إلى الله فأسلمت .وأنت ترى في هذا الموقف حرص الصديق رضي الله تعالى عنه على بلاغ هذا الدين ، والإعلان به ، والصدح على مسامع البؤساء بهذه الرسالة الخالدة ، لقد كان
أبو بكر يعيش آثار الرسالة الحقيقية في قلبه ، وقد خالطت دمه ، وتخللت إلى روحه فلقي برد جمالها وروعتها فلم يجد بُداً من الصدح بها ولو كانت العواقب أكبر مما يتصوّر الإنسان ! وهل يمكن لإنسان على وجه الأرض أن يكتب لرسالته أثراً دون هم أو جهد أو حتى بلواء ومشقة ؟! لم تر عيني إلى هذا التاريخ ذلك ، ولا سمعته أذني في أخبار السابقين ، ولا رأيته وسماً لأحد من المخلوقين ! وهذا أبو بكر يبرهن على بعض هذه المعالم ، ويكتب ترجمة لتلك المعاني ، فلله دره ما أكبره ! والله دره ما أصبره ! ولله دره ما أروعه مثالاً يحتذى به على مسامع العالمين . والله المستعان ! إن الدعوة هي في أمس الحاجة إلى قدوة يعيشها ويحمل همها ، ويركض بها على أرض الله تعالى ، لا كما يتوهم البعض حين يتلبّس بها أنها مجرد نجاه لشخصه فحسب ! وهؤلاء لم ينتبهوا بعد من رقدتهم ، ولم يقوموا من نومهم ، فكفاهم غطيطاً يسمعه الناس ! إن دين الله تعالى مبني على المدافعة ، وكلما قويت هذه المدافعة قوي بها ، وزاد تمكيناً ، والأعداء يعتلون كثيراً حين لا يسمعون في الساحة صوت داعية ، ولا يرون على مشهد الأرض أثراً لأقدام المصلحين . لذا كان من المهم جداً أن يصدح أبو بكر بهذه الرسالة لعل في ذلك درساً بليغاً لهؤلاء أن في الساحة غيرهم ، وفي المكان سواهم .
إن حب الله تعالى وحب رسوله معلمان يدلانك على صدق النية ، وصحة المقصد ، ولك أن تتخيّل مشهد الدماء الدافقة ! والآلام التي يعيشها جسد أبي بكر ثم تخيّل أنه لا يفكر في آلام جسده ، بقدر ما يفكّر في خليله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟! ليت شعري من يدعي هذه المحبة اليوم ثم يضحي بها لأجل دنيا عاجلة أو شهوات دانية ! ولك أن تتخيّل كذلك الدعاة والمصلحين والأخيار وتتأمّل فيهم لترى كم مساحة السنة في حياتهم ؟ لتعرف أن الفرق كبير جداً بين الواقع والحقيقة .
إذا لم تكن الدعوة حياةً في القلب لا يمكن البتة أن يكون لها ثمرة مورقة على ظهر الأرض . في أحلك الظروف ، وأقسى اللحظات لم ينس الصديق رضي الله تعالى عنه دعوة أمه إلى الإسلام ، فالحادث بكل ما يحمل من معاني لم يفلح في إيقاف تفكير الصديق لحظة عن رسالته وهمه وهدفه : "هذه أمي يارسول الله برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله تعالى" . إن استثمار الفرص صفة من صفات الكبار ، وأنت ترى مع كل ما نال أبا بكر في ذلك الحادث لم تشغله تلك الأحداث والظروف الصعبة التي يمر بها من اهتباله للفرصة ، واستثمار اللحظة في حينها ، "هذه أمي يارسول الله برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله "!
إن البر بالأمهات معلم من معالم الصالحين ، وأبو بكر يعطينا درساً غاية في الأهمية ، إن أعظم البر بالأمهات ليس خدمة لأعراض الدنيا فحسب ! وإنما دعوتها ، والحرص على دخولها جنات النعيم . والله المستعان ! على كل داعية أن يستوعب درس أبي بكر رضي الله عنه "هذه أمي يارسول الله برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله "! وليتأمّل كم هي مساحة الحرص في حياته على أهله وأبنائه ؟! كم هي المساحة الحقيقية التي تملأ قلبه حدباً عليهم ، وخوفاً على ضياعهم ؟! كم هي المساحة التي يستحقها هؤلاء في زحمة العولمة الطاغية في مثل هذه الأزمان ؟! ولندرك أن نجاح أبي بكر رضي الله عنه اتسم بسمة لا تكاد تراها في كثير من القدوات ، سمة التكامل والتوازن ، تلك الغاية التي إذا وصل إليها فرد من الناس فليبك فرحاً فليس في الأرض في مثل نعمته ! ومن استعرض حاله في ظل هذه السيرة أدرك بما لا يدع للشك أن نجاحه إن وجد فهو مخدوش بنقصه وضعف توازنه ، وقد لا يبعد أن يكون سؤاله في التفريط مثل عطاياه في النجاح . والله المستعان !
إن التخطيط والتنظيم سر من أسرار النجاح الحقيقي ليس في الدعوة فحسب ! بل في كل شيء ، وأم جميل بنت الخطاب تعطي الرجال الذين يقرؤون التاريخ درساً مهماً للغاية حين سألتها أم أبي بكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : ما أعرف أبا بكر ، ولا محمد بن عبد الله ، ذلك أن أم أبي بكر وقت ذلك السؤال لم تكن مسلمة بعد ، وخشيت أن تكون تلك المرأة عيناً لقريش على ثغر الإسلام الأعظم . وهل يمكن أن تكون امرأة في روح الجندية وفهم سياسات المرحلة أوعب من رجال ؟! إن التخطيط والتنظيم ليس سراً من أسرار الدعوة فحسب لكنه عقلها ولبها وحياتها وسر نجاحها .. والقائمون على الدعوة لا بد أن ينجح الواحد منهم في التخطيط لزكاء نفسه وربحها بين يدي الله تعالى في مواقف الآخرة ، ثم عليه بعد ذلك أن يخطط لمصير أمتة أو حياة مجتمعاته ؟! لو سألت بعضاً ممن يقوم على قياد الأمة هل خطط ليومه فضلاً عن أسبوعه أو شهره أو عامه لما وجدت مجيباً أو مسارعاً إلى ذلك ، وعيب على أمثال هؤلاء أن يتبوؤا صرح الأمة حتى لو كان من باب فروض الكفايات !
وتلك الدماء النازفة على جسد أبي بكر رضي الله عنه برهان ذلك الحب ، ولم يكن هذا الموقف في حياته فحسب ، بل كتب في حياته أروع التضحيات التي دونها التاريخ بمداد من ذهب ، إن الحب ليس كلمة باردة على لسان دعي . كلا ! وإنما هو مشاعر تكتظ في قلب صاحبها فتثير فيه أشجان المحب لمن يحب ، لقد كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه صورة من صور أولئك الرجال الذين أحبوا نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وكتبوا برهان ذلك على أرض الواقع .. وإليك بعضاً من مشاهد التضحيات يحكيها شاهد عيان آخر : في حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه قال سألت عمرو بن العاص بأن يخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في حجر الكعبة ، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال : " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله . رواه البخاري .
وفي هذا الموقف ما يعطيك دلالة على أن الحب لم يكن مجرد مشاعر يكتظ بها القلب ثم لا تبرحه في مواقف مشرفة كهذه المواقف ، وأنا أكتب هذا المساء عن موقف الصديق وهو يذود عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - على أرض مكة ، وأرى اليوم الأذناب يسطون على شخصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لا تجد الحب الخالد في قلوب الكثيرين يخرج في صورة مشروع للدفاع عنه - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يعد كافياً البتة على مستوى الأمة الصراخ والشجب والعويل على كثير من القضايا ، فنحن في أمس الحاجة إلى مشروع يمكن أن يشعل فتيله فرد ممن يقدّر لنبيه - صلى الله عليه وسلم - قدره . إن هذه الأحداث التي تقرأها اليوم في سيرة أبي بكر رضي الله عنه ودفاعه عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - لم تكن موقفاً واحداً ، وإنما كان ذلك رحلة عمر قضى فيها حياته مجاهداً في سبيل الله تعالى ..
وكم هي حاجة اليوم لإعادة بعض هذه المعاني لسيرة نبيها - صلى الله عليه وسلم - .. اليوم يُعبث في عالم القدوة على مرأى من المسلمين .. ! وكأن القوم أدركوا أنه لا سبيل لإماتة منهج هذه قدوته إلا بتشويه هذه القدوة ، والعبث بها ، أو قل إشفاء غل يتفيء قلوبهم حين يرون اتساع دائرة هذا الإسلام ، وآثار دعوة ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وفي مواقف أبي بكر ما يمكن أن يكون أسوة .. والله المستعان !
ـــــــــــــــ(1/132)
القصة وسيلة دعوية
محمد الدويش
إن من يقرأ كتاب الله - تبارك وتعالى - يجد أن القصة تتكرر فيه في مواطن عدة, ويتجاوز الأمر إيراد القصة وتكرار ذلك إلى :
* الامتنان على النبي صلى الله عليه و سلم بأن أنزل إليه أحسن القصص: ((نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين))(يوسف: 3).
* الإخبار بأن القصص سبب لتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه و سلم : ((وكلا نقص عليك من أنباء الرسل مانثبت به فؤادك))(هود: 120).
* الأمر بقص القصص: ((فاقصص القصص لعلهم يتفكرون))(الأعراف: 176).
* الأمر بالاعتبار بما قص الله في كتابه: ((لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)). (يوسف: 111).
ولقد اعتنى صلى الله عليه و سلم بشأن القصص, فحفظت لنا دواوين السنة طائفة من قصه صلى الله عليه و سلم عليهم من قصص الأمم الماضية وأخبارهم.
ولم تكن قصص القرآن أو السنة قاصرة على أنباء الصالحين وأخبارهم, بل شملت مع ذلك قصص المعرضين والفجار للاعتبار بما أصابهم.
كل ذلك يؤكد أهمية القصة ودورها التربوي الدعوي مما يجدر بالدعاة أن يعتنوا بها ويستخدموها في دعوتهم وخطابهم للناس.
إنها تحمل عنصر التشويق والإثارة, ويُقبل عليها المستمع والقارئ بعناية وإنصات, وهي كذلك تقدم البرهان على تأهل المعاني المجردة إلى التطبيق على أرض الواقع, وتبرز النموذج والقدوة الصالحة, وتزيد المرء إيماناً بقدرة الله تبارك وتعالى وسائر صفاته.
وتبدو أهمية ذلك بشكل أكبر في تربية الناشئة وخطابهم; إذ يعاني شباب المسلمين اليوم وفتياتهم من غياب القدوة الصالحة, ومن بروز النماذج والقدوات السيئة والإعلاء من شأنها وتبجيلها لدى الناس.
ومع أهمية القصة وعلو شأنها إلا أنه ينبغي أن يراعى في ذلك أمور عدة, منها:
* أن تُعرَض وتُستخدَم في الخطاب بالقدر المعقول; فلا تكون هي اللغة الوحيدة في الخطاب, أو تكون على حساب غيرها.
* الحذر من القصص الواهية والأخبار التي لا زمام لها ولا خطام; إذ إن النفوس كثيراً ما تتعلق بالغرائب وتجنح إليها, والقليل منها هو الذي يثبت عند التحقيق والنقد العلمي.
* أن تأخذ أخبار النبي صلى الله عليه و سلم وقصصه, وأخبار الرعيل الأول من سلف الأمة مكانها الطبيعي, وألا تطغى أخبار من بعدهم من المتأخرين ممن تعرف منهم وتنكر.
* أن البشر مهما علا شأنهم وارتفع قدرهم, ومهما بلغوا المنازل العالية من الصلاح والتقى فلن تكون أعمالهم حجة مطلقة, بل لا بد من عرضها على هدي النبي صلى الله عليه و سلم ; كما يروي بعضهم في مقام الصبر أن شيخاً قام يرقص على قبر ابنه حين توفي رضًى بقدر الله على حد زعمه, وخير من ذلك هدي النبي صلى الله عليه و سلم الذي تدمع عينه ويحزن قلبه, ولا يقول إلا ما يرضي ربه, وهديه صلى الله عليه و سلم القولي والعملي في النوم والقيام خير مما يروى عن بعضهم أنه صلى الفجر بوضوء العشاء كذا وكذا من السنوات, وهديه في تلاوة القرآن خير مما يروى عن بعضهم أنه يختم القرآن كل ليلة, مع التماسنا العذر لمن كان له اجتهاد من سلف الأمة في ذلك.
ـــــــــــــــ(1/133)
تأملات تربوية في قصة أهل الكهف
د: عثمان قدري مكانسي
المتأمل في سَوْق القصة يجدها جواباً لما ذُكر في افتتاحية السورة ودليلاً على صحته وإمكانِ حدوثه . ففي المقدمة أولاً: تنبيه إلى العقاب الشديد للكافرين " لينذر بأساً شديداً من لدنه " وفيها ثانياً : مدح وبشرى لمن آمن وعمل صالحاً " ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً " . وفيها ثالثاً :أن الحياة دار ابتلاء :" إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً " وفيها رابعاً: أنه سبحانه يعيد الأرض كما كانت لا نبات فيها ولا عمارة :" وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جُرُزاً " . وجاءت القصة تحمل في حناياها آداباً تربوية رائعة نجملها فيما يلي :
1- ليس في قصة أصحاب الكهف عجب ، فقدرة الله تعالى لا حدود لها ، وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس . ولئن عجب الكفار من بعثهم بعد الموت إن الأنبياء وأولي البصائر يدركون قدرة الله عز وجل ، فيزيدهم ذلك إيماناً " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً ؟ "
2- اللجوء إلى الله تعالى سمة المؤمن ، فهو سبحانه عونه ونصيره " ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً " فلما لجؤوا إليه داعين ، وأسلموا قيادهم له سبحانه واعتمدوا عليه آواهم الله وحفظهم إذ دلهم على الكهف ، وأغدق عليهم مما طلبوا من الرحمة والهدى والرشاد " فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ، ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً " ولا حظ معي التوافق بين الإيواء إلى الله سبحانه ونشر الرحمة . وهكذا العلاقة بين العبد وربه . ومن لجأ إلى ربه واعتمد عليه ثبته الله وأيده " وربطنا على قلوبهم " .
3- القصة في القرآن حق لا مراء فيه " نحن نقص عليك نبأهم بالحق " وقد ادعى طه حسين أن قصة إبراهيم وغيرها في القرآن ليست على سبيل الحقيقة إنما على سبيل العبرة والعظة فقط . وهو بذلك ينفي حقائق التنزيل " نحن نقص عليك أحسن القصص " وأحسن القصص ما كان حقيقة . وعلى هذا نفهم قوله تعالى " إن هذا لهو القصص الحق " فما ورد في القرآن الكريم حق لا مراء فيه .
4- للشباب الدور الكبير في نشر الدعوة والذود عنها . فإيمان الشباب اندفاعي قوي " إنهم فتية آمنوا بربهم ، وزدناهم هدى " ويصدعون بالحق " إذ قاموا فقالوا : ربنا رب السماوات والأرض " ويعلنون دعوة التوحيد بثبات " لن ندعو من دونه إلهاً " من أشرك فقد تطاول على الحق وابتعد عنه " لقد قلنا إذاً شططاً " . وهنا نلحظ في كلمة الشطط التشنيع على المتطاولين الذين يغيرون الحقائق وينشرون الباطل .
5- لا بد لكل فكرة أو مبدأ من دليل أو برهان وإلا سقط في أول لقاء " لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن " وإذا لم يكن هناك حجة قوية أو دليل ساطع فهو ضعيف ، ولن تقنع أحداً بفكرتك إن لم تؤيدها بالنور الساطع الذي يكشف الغشاوة عن العيون وينير سبيل الحق . أما فرض الفكرة بالقوة والإرهاب المادي فدليل على الإفلاس وضحالة ما تدعو إليه وُيعَدّ افتئاتاً عل الحق وظلماً له " فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً " فالميل عن الحق افتراء على الله وتضليل للناس .
6- يعلمنا الله تعالى بقوله :" فأووا إلى الكهف " اعتزال الناس في الفتن ، وقد يكون مرة في الجبال والشعاب ، ومرة في السواحل والرباط ، ومرة في البيوت وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يأتي على الناس زمان يكون خير مال الرجل المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن " ... ولعل هذا يكون في آخر الزمان عند مجيء المسيخ الدجال ، أو عندما تشتد الفتن وتطغى . وقد جاء في الخبر :" إذا كانت الفتنة فأخفِ مكانك وكُفَّ لسانك " ولم يخص موضعاً . . ومن هذا نفهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعقبة بن عامر حين سأله : ما النجاة يا رسول الله ؟ " يا عقبة أمسك عليك لسانك ، ولْيسعْك بيتُك ، وابك على خطيئتك "
وقد جعلت طائفة العلماء العزلةَ اعتزالَ الشر وأهله بقلبك وعملك إن كنت بين أظهر الناس . قال ابن المبارك رحمه الله في تفسير العزلة : أنْ تكون مع القوم ، فإن خاضوا في ذكر الله فخض معهم ، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت . وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام - من مراسيل الحسن- " نعْمَ صوامع المؤمنين بيوتهم " اي وهم في مجتمعهم يدعونهم ويتعرضون إليهم بالنصح والموعظة ، فإن اشتدوا عليهم أوَوْا إلى بيوتهم ، ثم عاودوا الكرّة . ويؤكد هذه الفكرة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم .
7- لا بد من الجهر بالدعوة بين الناس لتصل إليهم ، وتكون حجة عليهم . ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأسوة الواضحة البيّنة ، ولنا بهؤلاء الفتية الأطهار القدوة الحسنة ، فحين سألوا الله القوة أمدّهم بها " وربطنا على قلوبهم " فثبتهم على الحق فقاموا يدعون إليه سبحانه فأعلنوا عقيدة التوحيد خالصة دون لبس ولا خوف " .. إذ قاموا فقالوا : ربنا رب السماوات والأرض ، لن ندعوَ من دونه إلهاً .. " . فكانوا قدوة للدعاة يأتسونهم .. قالوها ،فخلّدهم الله في كتابه الكريم إلى يوم القيامة .
8- كما أن مقامهم في الكهف أكثر من ثلاثة قرون ، تميل الشمس عنهم حين طلوعها - ولاحِظْ كلمة تزاور الدالة على قدرة الله في حركة مخلوقاته - وانظر كلمة تقرضهم عند غروبها فلا تصيبهم البتة في حركتها بزوغاً وغروباً وقد قيل : تقرضهم : تنثر عليهم شعاعاً خفيفاً لإصلاح أجسادهم ، وهم في فجوة من الكهف لا يتأذون بقرّ ولا حرّ عيونهم مفتحة ، " و تحسبهم أيقاظاً وهم رقود " يحركهم الله تعالى كي لا تأكل الأرض أجسادهم " ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال " يحرسهم كلبهم في مدخل الباب ماداً قائمتيه كأنه حي متوثب " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد " ... تصوير بديع لهم في رقدتهم الطويلة هذه التي تدل توهم من يراهم أنهم أحياء .. مع إدخال الهيبة في قلوب من اطلع عليهم - إن اطلع - أن يتجاوزهم مبتعداً عنهم . مقامهم هذا دليل على قدرة الله تعالى في إماتتهم وحفظهم من التلف ، وإخافة من ينظر إليهم ، ثم على بعثهم .. فسبحان الله مالك الملك ، المتصرف في مخلوقاته كما يشاء .
9- الحذر في كل حالات الحياة - حلوها ومرها ، أمنها وخوفها - مطلوب ، فالتخفي والكتمان والتلميح من أنواع الحذر . فماذا فعل الفتيان حين أحياهم الله تعالى ؟ شعروا بالجوع .. فقد استيقظوا بعد ساعات طويلة استغرقت يوماً أو بعض يوم - كما ظنوا - والطعام والشراب وسيلة الحياة . والعدو الذي هربوا منه يطلبهم ويرسل العيون والجند بحثاً عنهم . فينبغي الحذر في التحرك . ماذا يفعلون ؟
- أرسلوا واحداً فقط يشتري لهم طعاماً فالواحد أقدر على التخفي ولا ينتبه له أحد . وهروبه أسهل إذا شعرت به عيون العدو وإذا وقع في أيدي الظلمة فهو فدائي واحد ، ولن تسقط المجموعة كلها .
- وأمروه باللطف في الشراء واللين في الطلب ، وليتكلم المختصر المفيد.
- وليكن تصرفه حكيماً وحركاته بعيدة عن الريبة لكي لا ينطبق عليه المثل القائل " كاد المريب أن يقول خذوني " .
- وليختر أطيب الطعام وأزكاه ، فالطعام الطيب الحلال أنفع للجسم ، وأرفع للروح.
صحيح أن الحذر لا ينجي من القدر لكن على الإنسان أن يأخذ بالأسباب ، ويعد للأمر عدته كي لا يُؤْخذ على غرة ، فالعدو الذي لا يخاف الله تعالى لا يرحم " إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أويعيدوكم في ملتهم " ألم يعلن كبير المجرمين فرعون رغبته في قتل النبي موسى عليه السلام ؟" ذروني أقتلْ موسى .. " مدعياً أنه بذلك يقضي على الفتنة ويحفظ الناس من الفساد؟! " إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد "؟َ ! . وقد دمغهم الله تعالى بالعدوان وكره المؤمنين ونقض العهود " لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة ، وأولئك هم المعتدون " وإذا قتل المسلم في سبيل الله فقد نال الشهادة ، أما إذا كان إيمانه ضعيفاً فلم يحتمل العذاب وكفر بدينه لينجو منه فقد خاب وخسر ".. أو يعيدوكم في ملتهم ، ولن تفلحوا إذاً أبداً " .
10- لا ينبغي أن نمر على قصص القرآن مروراً سريعاً إنما يجب التفكر والتدبّر للعظة والعبرة واستخلاص الدروس، فتكون نبراساً نسير على هديه ونستضيء بنوره ، وإلاّ كنا كمثل الحمار يحمل أسفاراً . قال المفسرون : إن الملك الذي هرب الفتيان من ظلمه وبطشه مات ، ومات الكفر معه . وانتشر الإسلام في البلاد ، واختلف المؤمنون في طريقة البعث والنشور . فمن قائل تحشر الأرواح فقط ، ومن قائل يحشر الناس بأرواحهم وأجسادهم . فكان عثورهم على الفتية دليلاً على حشر الناس بأجسادهم وأرواحهم كما كانوا في الدنيا ، فالله قادر على كل شيء . هذا من ناحية . ومن ناحية أخرى كان بعث هؤلاء الفتية دليلاً باهراً على أن يوم القيامة حقيقة لا شك فيها " وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق ، وأن الساعة لا ريب فيها " .
11- المراء في أمر لا فائدة فيه لا حاجة إليه . وقتك أيها المسلم ثمين ، وحديثك موزون ، ولن يزيدك علماُ وفهماً أن تخوض فيما لاطائل له ، .. فماذا يزيدك لو عرفت عدد الفتية ؟ أو أسماءهم ، أو أعمارهم ؟ أو أعمالهم؟ .. الفائدة المرجوة تجدها في أفعالهم وثباتهم على المبدأ وفرارهم بدينهم يحافظون عليه . وحذرهم في تصرفاتهم ، وأخوّتهم في الله تعالى ...
12- أمر أخير ينبغي الوقوف عنده ، هو تعليق الأمر بمشيئة الله " ولا تقولن لشيء : إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله " فقد عاتب الله تعالى نبيه الكريم على قوله للكفار حين سألوه عن الفتية والروح وذي القرنين : غداً أخبركم بجواب أسئلتكم . ولم يستثنِ في ذلك ، فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر يوماً حتى شق ذلك عليه ، وأرجف الكفار به . فنزلت عليه هذه السورة مفرِّجة ، وأمر في هذه الآية أن لا يقول في أمر من الأمور : إني أفعل غداً كذا وكذا إلا أن يعلق الأمر بمشيئة الله تعالى .
ـــــــــــــــ(1/134)
المعلم والأمانة العظمى
النظير
بسم الله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ... أما بعد
لا يشك أحد منا أن المعلمين والمعلمات - في كل مراحل التدريس - يشكلون أكبر الفئات العاملة في أي مجتمع , وكذلك فأن أي مهنة موجودة في المجتمع , لا شك أن العاملين بها بدأوا حياتهم بالمرور بالمدارس , فجميع المهن أصلا مبنية أصلا على التدريس الأولي والمرحلي المعروف في المدارس النظامية , فمهنة التدريس هي أم المهن في الواقع ...
من هنا ندرك جميعا أهمية دور المدرسة في المجتمع .. وأثرها الكبير في بناء المجتمع ..
ونحن هنا في بلاد الإسلام ندرك أيضاً تعاظم المسؤولية على المعلم المسلم أكثر من عظمها على معلم كافر .. فنحن المسلمين حملة الهدى , ومن خير أمة أُخرجت للناس , ولعظم هذه المسؤولية على المعلم كانت هذه الخواطر والمناصحة لإخواننا المعلمين دافعنا لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - { الدين النصيحة } قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال :- { لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم } أخرجه مسلم .
ماذا قدم المعلم لنفسه ؟ :-
المعلم المسلم كأي فرد في المجتمع المسلم .. عليه امتثال الأوامر الإلهية واجتناب المحرمات وهنا بعض الأمور أُذكّر فيها المعلم بما يفعله لنفسه راجيا أن يتسع صدره لها :-
1- المحافظة على الفرائض والواجبات والسنن المؤكدة :-
فأهم هذه الواجبات هي الصلاة , آكد الواجبات بعد توحيد الله عز وجل , وهي العون على أمور الدنيا والدين بأذن الله .. قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة } البقرة 153
ولا شك أن تركها كفر بالله عز وجل .. كما قال - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث بريدة رضي الله عنه ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة , فمن تركها فقد كفر ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
ثم يأتي بعد ذلك بقية فرائض الإسلام وواجباته من إيتاء الزكاة وصلة الرحم وغيرها ....
ثم المحافظة على السنن المؤكدة مثل السنن الراتبة , والوتر و غيرها , ثم ياي بعد ذلك السنن التي هي من كمال الالتزام بدين الله والتخلق بهدي الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - .
2- الإخلاص في العمل لله تعالى :-
أن لا يكون المقصد في كل حركة وسكنة من حركاته وسكناته إلا وجه الله سبحانه وتعالى { قل أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين , لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } الأنعام 162-163
3- الزهد في الدنيا وعدم التكالب على ما فيها .. والرضا والقناعة بالقليل .
4- أن يجعل من نفسه القدوة لطلبته في قوله وعمله وسمته ومعاملته ..
فلا تأمر طلابك أو حتى غير طلابك بأمر حسن وأنت تتركه أو أن تنهى عن أمر سيء وتأتيه .
5- الدعوة إلى الله .. من أوجب الواجبات :-
ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود الطاقة والأدب النبوي الكريم .. وهذه النقطة نبسط لها بشيء من التفصيل فيما يلي فبالله التوفيق ومنه العون والسداد ...
أ- دعوة المعلم لزملائه :-
فلا بد أن يكون المعلم المسلم مشعل هداية ونور لغيره من زملائه .. وهذه وهذه الدعوة التي تدعو بها لا تقتصر على المعلم المقصر فحسب بل حتى للصالح منهم ..
* فالمعلم الصالح تدعوه لتثبت - بعون الله لك - أمر صلاحه , وتذكره بأمور ربما غفل عنها..
وربما دعوته وناقشته في ملاحظة لاحظتها عليه .. بالحكمة والموعظة الحسنة وتجنب الاستفزاز وهذا النوع بحمد الله من أيسر الناس تقبلا للنصيحة غالباً .
* أما الزميل المقصر فتذكره بالله وبعظم الدور الملقى على عاتقه فربما صلح بصلاحه كثير من الطلاب وربما عصوا بتهاونه رب الأرباب . وهذا النوع من الزملاء لابد من الصبر والاحتساب معهم ثم حسن الأسلوب بالتذكير وعدم الغلظة { أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } النحل 125 .
* ثم أنصح بكثرة الزيارة لهم خارج المدرسة , وإهداء الهدايا من أشرطة وكتيبات أو حتى الهدايا المادية من متاع الدنيا توددا لهم وتقريبا للخير لهم .
* وهناك مسألة مهمة جداً أخي المعلم المسلم الصالح .. ألا وهي إياك والدخول مع هذا النوع في جدل عقيم في فرع قبله أصول في هذا الباب تناقشه فيه .. فأبدأ بالأهم فالمهم , أبدأ بأركان الإسلام فقد يكون هذا المعلم لا يصلي وأنت تناقشه وتكثر مثلا في حكم لبس السروال القصير أو التدخين وهي لا شك أنها مهمة لكن الصلاة أهم وللدعوة أولويات فأبدأ يا رعاك الله بالأهم فالمهم .
* وكذلك عليك بدعوة بقية الأفراد العاملين بالمدرسة من فنيين وإداريين ومراسلين وغيرهم .
دعوة الطلبة :-
وهذه الدعوة هي أعظم دعوة وأكبر مسؤولية .. وذلك لكثرة الطلاب الذين يدرسهم المعلم خلال فترة التدريس التي تمر عليه في حياته , فهم مئات بل ألوف , ثم أنهم بعد سنوات الدراسة سوف يصبح كلاً منهم في عمل مختلف عن الآخر .. فعليك بتقوى الله فيهم , فكم من معلم نذكره بخصلة طيبة ودعوة منه لنا , مازلنا نذكره بكل خير إلى يومنا هذا رغم مرور الأيام وتعاقب الأعوام .
وكم من معلم لا نتذكره ألا بخصلة سيئة كانت فيه , فشتان شتان بين الصنفين .. والله المستعان .
ومن أهم ما تدعو به الطلاب قولاً وعملاً ما يلي :-
1- الإخلاص في العمل والمواظبة عليه :-
وأقصد بهذا التدريس الرسمي المناط بك .. فتلتزم بحضور الحصص والمحاضرات المخصصة لك .. وتعد لكل حصة قبل الدخول إليها وإلقائها والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول ( إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه ) .
وهذه النقطة - حسب ما أرى - من أهم النقاط التي تجعل للمعلم الهيبة ثم الطاعة بعد ذلك وهذه بدورها تخدم النقاط التالية بأذن الله .
2- المحاولة بأن تكون القدوة :-
في القول والعمل والسمت .. وذلك بالتزامك بالسنن القولية والفعلية التي تحلى بها محمد - صلى الله عليه وسلم - .
فالطلاب إذا رأوك وأنت ذو خلق عال مواظب على فرائض دينك أحبوا منك هذا العمل قبل أن تأمرهم به , ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأسوة الحسنة { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ً } الأحزاب 21 .
3- تسخير المادة التي تدرسها في تذكير الطلبة بالله سبحانه وتعالى وبقدرته ..
فمواد الدين نفسها مواد روحية , ولكن هل تكتفي بالمنهج المقرر ؟؟
لعل المنهج طول العام لا يتجاوز الشرح إلى العشرين صفحة ! فهل هذه الصفحات تكفي لحصول الفائدة لدى الطالب ؟!!
أما المواد الأخرى المادية فيربط المعلم كل حقيقة فيها بعظمة الله سبحانه وتعالى وقدرته ..
فمثلا مادة الأحياء كم فيها من ذكر الله لمخلوقات الله تعالى , وكم في تلك المخلوقات من أجهزة تعمل .. فسبحان من خلق وصور ..
ومادة الكيمياء وكيف تنظم الذرات والمواد فسبحان من خلق كل هذا وقدره تقديراً ..
حتى مادة اللغة الإنجليزية .. يُعلم الطلاب فيها المصطلحات التي تفيدهم شرعاً في الدعوة إلى الله مثل مصطلح الجنة , النار , النبي وغيرها .
لكن هناك ملاحظة هو أن لا يطغى التذكير هذا على جوهر الدرس المقدم في كل مادة فيفقد الطالب الفائدة من الدرس الأصلي والله تعلى أعلم .
4- وضع النصيحة مراعاة لسن الطالب وإدراكه ..
فطالب المرحلة الابتدائية له أمور تخصه على حسب صغر سنه , وطالب المرحلة الثانوية له أيضا أمور تخصه وهكذا .
5- الإحسان والرفق واللين كما قال الشاعر :-
ترفق بمن يأتيك للعلم طالباً 00000 وقل مرحباً يا طالب العلم مرحباً
فهذا الذي أوصى به سيد الورى00000 كما قد روى الخدري عنه ورحبا
فعن صفوان بن عسال المرادي رضي الله قال :- أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد متكيء على برد له أحمر فقلت : يا رسول الله إني جئت طالباً للعلم , فقال :-
( مرحباً بطالب العلم إن طالب العلم تحُفُهُ الملائكة بأجنحتها , ثم يركب بعضهم بعضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب ) رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد واللفظ له .
مع أن الشدة في بعض المواضع لها دور إيجابي في الدعوة والتوجيه , ولكن لكل حال لبوسها ....
6- استغلال التجمعات الطلابية في غير الفصل الدراسي :-
مثل الطابور الصباحي , وعند صلاة الظهر وغيرها في مثل ألقاء كلمة موجزة في أمور محددة تناسب كما قلت أدراك الطلاب وأعمارهم ثم أيضا مراعاة الوقت .
7- توزيع الأشرطة والكتيبات والنشرات الإسلامية بين الطلاب :-
وليس شرطا هنا الالتزام بسن الطالب ولو أن هذا هو الأولى فالكتاب والشريط يمكن أن يبقى مع الطالب فترة طويلة يدرك منه لا حقا ما لم يدركه وقت استلامه .. وقد يصل هذا الشريط إلى أسرة ذلك الطالب وينتفع به غير الطالب .
8- تشجيع الطالب ماديا ومعنوياً تجاه جهد معين أنجزه :-
سواء في الدراسة أو في السلوك .
9- تذكير الطلاب بدورهم في المستقبل تجاه هذا الدين وتجاه مجتمعهم ..
وكلما تقدمت مرحلة الطالب زاد المعلم في التذكير بذلك حتى يكونوا بأذن الله أعضاء صالحين لمجتمعهم ودينهم .
10- لعل أسلوب النصح - بالتحديد - في أي شيء له وضعه الخاص فكلما كان النصح للطالب انفراديا كان أكثر نفعا للطالب بأذن الله .. والنصح بين الطلاب يجعل الطالب الذي تنصحه يكابر ويعاند ويصر على فعلته .. يقول الأمام الشافعي :-
تعمدني بنصح في إنفراد00000 وجانبني النصيحة في الجماعة
فأن النصح بين الناس نوع 0000 من التوبيخ لا أرضى استماعه
ولكن أيضا كما قلت في الشدة , فالحال هنا لا يختلف كثيراً , فقد يكون النصح أمام الطلاب نوع من التأديب الذي لا يرتدع الطالب إلا به .
وأذكر لك أخي الفاضل نصيحة نفيسة لهارون الرشيد يوصي بها الكسائي معلم أبنه لعلها تنفع بأذن الله , يقول هارون الرشيد [ أقرئه القرآن وعرفه الآثار , وروه الأشعار وعلمه السنن وبصره مواقع الكلام , وأمنعه من الضحك إلا في أوقاته , وخذه بتعظيم مشائخ بني هاشم إذا دخلوا عليه , ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه , ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم بها فائدة تفيده إياها من غير أن تخرق به فتميت ذهنه , ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه , وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة , فأن أباهما فعليك بالشدة والغلظة ]
وهناك عدة نقاط يجدر بالمعلم الداعية أن يعيها :-
1. تعلم العلم الشرعي وذلك بالقراءة المستفيضة لكتب العلماء قديما وحديثاً وبحضور الدروس العلمية في بلدته التي يقيم فيها وأن عز ذلك فمن خلال الأشرطة ..
2. التعاون مع زملائك الطيبين في المدرسة - وخارجها أيضاً - للاتفاق على برنامج يسيرون عليه , حتى لا يحصل تضارب وتعارض في العمل الذي يقومون به .
3. أن لا تنسى أنك عضو في مجتمع كبير , المدرسة جزء صغير فيه , فلا تنسى المجتمع الكبير وتهتم بالمدرسة وحدها فأنت معلم في نظر الناس داخل المدرسة وخارجها , وحاول الموازنة بين البيت والمجتمع والمدرسة في دعوتك ..
وأخيراً أخي المعلم الفاضل هذا هو جهد المقل أسأل الله العظيم أن ينفع بها وأن يجعلنا من الدعاة إلى الله بكل ما نملك وأن يرزقنا السير على نهج رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} فصلت 33
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ـــــــــــــــ(1/135)
دعوة إبراهيم عليه السلام في القرآن
محمد بن عبدالعزيز الخضيري
كلية المعلمين قسم الدراسات القرآنية
إن الدعوة إلى الله تعالى طريق الأنبياء -عليهم السلام- وأتباعهم كما قال تعالى:((قُلْ هَذِهِ سَبيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحَانَ اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ)) .
وكان مما اعتنى به القرآن الكريم ذكر قصص دعوات الأنبياء ، وتصويرها بأبلغ أسلوب، وعرضها بأدق عبارة، حتى أصبحت أخبارهم في القرآن نماذج حيّة يحتذيها الدعاة ويقتبسون من نورها ، ويهتدون بهداها ((أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)) . وقد اخترنا دراسة موضوع الدعوة إلى الله من خلال قصة إمام الحنفاء وأبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - ولم يكن اختياري لهذه الدعوة جزافاً بل لأسباب أوجزها فيما يلي :
أولاً : أنها دعوة خليل الرحمن، ومؤسس الحنيفية، وأحد أولي العزم الخمسة من الرسل .
ثانياً : أن رسولنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد أمر باتباع ملته ((ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ)) .
ثالثاً : تلك الصفات العظيمة التي تحلى بها إبراهيم حتى قال الله تعالى فيه ((..وإبْرَاهِيمَ الَذِي وفَّى)) فكانت نبراساً يقتفى أثره فيها الدعاة إلى الله .
رابعاً : استغراق القرآن واستقصاؤه لأساليب إبراهيم المتنوعة في عرض دعوته على قومه ، حتى إنه ليعز على الباحث أن يجد لنبي من الأنبياء خلا نبينا - صلى الله عليه وسلم - مثلما يجد لهذه الأيام من الطرائق والسبل في إقناع المدعوين وترويضهم على قبول الدعوة . ولا غرو فقد سنَّ للناس من بعده من الدعوة أساليب لم تعهد لأحد من قبله ولم تقف عند حد الكلمة بل تخطتها إلى الحركة والفعل .
خامساً : رسمت هذه الدعوة للدعاة منهاجاً في الصبر يحق لهم أن يقتدوا به ، فقد صبر إبراهيم -عليه السلام- في أحوال مختلفة وظروف متباينة وأعمال متنوعة كالصبر على جفاء الأبوة ، وعدوان العشيرة، وهجران الأرض، والفتنة بالنار، والأمر بذبح الولد، وغير ذلك .
وسنعرض الموضوع من خلال نماذج من صفات إبراهيم -عليه السلام- الدعوية وأساليبه في نشر دعوته .
نماذج من صفات إبراهيم الدعوية :
لن يتسع المقام لحصر تلك الصفات التي اتسم بها إبراهيم -عليه السلام- فلقد وصفه ربه بأنه وفّي جميع مقامات العبد مع ربه ولذلك سنقتصر . على جملة من الصفات ونخص بالذكر منها ما له صلة ظاهرة بدعوته ، وله أثر ظاهر في الاهتداء والاقتداء به .
1- أمة :
قال تعالى : ((إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً..)) وهذه الكلمة تأتي لعدة معان ، منها الجماعة ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً)) ، ومنها الزمان والحين ((وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ)) ومنها : الرجل الجامع لخصال الخير حتى يقوم مقام أمة من الناس ، وهذا هو المقصود في حق إبراهيم ، وهذه تدلنا على عظيم ما كان يتصف به إبراهيم من عبادة ودعوة وخلق حري بأن يحتذي به الدعاة في حياتهم وتزكية أنفسهم ، واجتهاد أحدهم في تقويم أخلاقه والنشاط في دعوته ليقوم مقام أمة في ذلك . وقيل أن المقصود بالأمة هنا : أي الإمام ، أي قدوة يقتدى به في الخير ، وممن قال به ابن جرير الطبري وابن كثير .
2- قانت :
قال تعالى : ((إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِّلَّهِ حَنِيفاً))، والقنوت : لزوم الطاعة مع الخضوع، وكذا يجب أن يكون الداعية ملازماً لطاعة الله على كل حال ، فلا يكون كالمنبت يجتهد حتى تكلّ راحلته ، ثم ينقطع ، بل يلازم ويستقيم .
3- حنيفاً :
والحَنَف : الميل عن الضلال إلى الاستقامة ، والحنيفُ : المائل والجنف : ضده . والأحنف : مَنْ في رجله ميل سمي بذلك تفاؤلاً ، وقيل لمجرد الميل .
قال ابن كثير: الحنيف : المنحرف قصداً عن الشرك إلى التوحيد . وقد كان ذلك من إبراهيم حتى عُدَّ إمام الحنفاء الموحدين ، قال تعالى : ((ولَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ )) ، وقال: ((ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ )) ، وهكذا فليكن أولياء الله .
4- شاكر:
قال تعالى : ((شَاكِراً لأَنْعُمِهِ)) أي قائماً بشكر نعم الله عليه (وأصل الشكر) ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهوراً بيناً . يقال : شكرت الدابة : أي سمنت وظهر عليها العلف ، وكذلك حقيقته في العبودية : وهذا ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده : ثناء واعترافاً ، وعلى قلبه : شهوداً ومحبة ، وعلى جوارحه : انقياداً وطاعة . والشكر مبني على خمس قواعد : خضوع الشاكر للمشكور ، وحبه له ، واعترافه بنعمته ، وثناؤه عليه ، وأن لا يستعملها فيما يكره(1) ، وقد كان ذلك من إبراهيم -عليه السلام- .
5- الحلم :
قال تعالى : ((إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)) .
والحلم : ضبط النفس والطبع عن الهيجان عند الاستثارة . والحليم : الكثير الحلم وموقف إبراهيم من مقالة أبيه ((لأَرْجُمَنَّكَ)) ومن العتاة قوم لوط حينما مرت به الملائكة وأخبرته بما أمرت بها قال : ((فلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وجَاءَتْهُ البُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)) ، ولم يكن حلم إبراهيم ذريعة يتذرع للسكوت عن المنكر بل كان يعلن الحق وينكر الباطل ((وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)).
6- أوّاه:
قال الراغب الأصفهاني : "الذي يكثر التأوه وهو أن يقول : أوّه وكل كلام يدل على حزن يقال له التأوّه، ويعبر بالأوّاه ، عمن يظهر خشية الله تعالى"(*) ، والذي يتحقق من معنى الأوّاه أنه الخاشع الدعّاء المتضرع، وكثرة تأوّه إبراهيم وتضرعه بين يدي ربه قد ذكرت في آيات كثيرة تدل على تحقيق إبراهيم ((رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ))وجدير بمن سلك طريق الدعوة أن يجعل تعجيل الإنابة من أبرز سماته ليكسب عون ربه وتسديده ومحبته .
7- السخاء :
قال تعالى : ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ * إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًاً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ)) فذكر أن الضيف مكرمون لإكرام إبراهيم لهم ، ولم يذكر استئذانهم ليدل على أنه قد عرف بإكرام الضيفان ، مع أنهم قوم منكرون لا يعرفهم فقد ذبح لهم عجلاً واستسمنه ، ولم يعلمهم بذلك بل راح: أي ذهب خفية حتى لا يُشعر به، تجاوباً لضيافة ، فدل على أن ذلك كان معداً عندهم مهيئاً للضيفان، وخدمهم بنفسه، فجاء به ومرّ به إليهم ولم يقربهم إليه ، وتلطف مبالغة في الإكرام فقال: ((أَلا تَأْكُلُونَ)) . قال ابن القيم : "فقد جمعت هذه الآية آداب الضيافة التي هي أشرف الآداب ، وما عداها من التكلفات التي هي تَخَلف وتكلف : إنما هي من أوضاع الناس وعوائدهم ، وكفى بهذه الآداب شرفاً وفخراً فصلى الله على نبينا وعلى إبراهيم وعلى آلهما وعلى سائر النبيين"(2) .
8- الصبر :
كان إبراهيم مثلاً يحتذى في الصبر حتى استحق أن يكون من أولي العزم الذين أمر رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن يصبر كصبرهم ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)) . وكان صبر إبراهيم شاملاً لابتلاءات كثيرة ، سيأتي بيان جملة منها بإذن الله .
9- رعايته لأهله :
لم يكن إبراهيم ممن يلتفت إلى الناس بدعوته ويترك أهله ، بل بدأ بهم وخصهم بمزيد الرعاية والعناية وقد قال الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ((وأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) وكذلك كان إبراهيم ، فدعا أباه ((يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ)) ، ووصى أبناءه بالتمسك بالدين ((ووَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ..)) ، وكان يدعو ((واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)) ، ويتضرع بقوله : ((رَبَّنَا إنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)) .
10- شجاعته :
واجه إبراهيم قومه ولم يخش كيدهم وقال مقسماً : ((وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)) ، وقوله لهم : ((أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ..)) .
وكان ذلك لعلم إبراهيم بأن معه القوة التي لا تهزم، وأن ما أصابه لم يكن يخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فرسم للدعاة منهجاً في الشجاعة المنضبطة بضوابط الشرع بلا تهور يحتذونه في مواجهة الباطل من إقرار الحق .
11- تحقيقه الكامل لعقيدة الولاء والبراء :
قال تعالى عن ((فَمَن تَبِعَنِي فَإنَّهُ مِنِّي)) ، وقال : ((وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إلاَّ الَذِي فَطَرَنِي فَإنَّهُ سَيَهْدِينِ)) فكل عدو لله وإن قربه النسب تجب البراءة منه، وكل ولي لله وإن باعدت به الأوطان والأزمان تجب موالاته ومحبته وقد أمرنا أن نتأسى بإبراهيم في ذلك : ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحْدَهُ..)) .
12- سلامة القلب :
قال تعالى : ((وإنَّ مِن شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ * إذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)) وسلامة القلب نوعان: كلاهما داخل في مضمون الآية، أحدهما: في حق الله وهو سلامة قلبه من الشرك، وإخلاصه العبودية لله ، وصدق التوكل عليه . والثاني : في حق المخلوقين بالنصح لهم وإيصال الخير إليهم ، وسلامة القلب من الحقد والحسد وسوء الظن والكبر وغير ذلك .
وبعد فهذه جملة مختصرة من الصفات الدعوية لإبراهيم عليه السلام سائلاً الله تعالى أن يوفقنا لاتباع ملته والسير على منهجه وبالله التوفيق .
مراحل دعوة إبراهيم
ذكر القرآن الكريم لدعوة إبراهيم عليه السلام ثلاث مراحل ، نوجزها فيما يلي:
المرحلة الأولى :
دعوته لأبيه ، وقد صورتها أبلغ تصوير آيات سورة مريم حيث يقول الله جل وعلا ((واذْكُرْ فِي الكِتَابِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِياً (41) إذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً (42) يَا أَبَتِ إنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِياً (43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِياً (44) يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ ولِياً (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ واهْجُرْنِي مَلِياً (46) قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إنَّهُ كَانَ بِي حَفِياً (47) وأَعْتَزِلُكُمْ ومَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِياً))[مريم41 / 48].
لقد كانت كلمات إبراهيم تفيض حناناً وشفقة وتتدفق عطفاً ورقة ، فبيّن لأبيه أن ما يعبده فاقد لأوصاف الربوبية من السمع والبصر فضلاً عن الخلق فكيف يضر أو ينفع ثم أردف ذلك ببيان ما قد أوتيه من علم وحكمة وأن دعوته فد بنيت عليهما ففى اتباعه سلوك الصراط السوي ، ثم حذره من عدو البشرية الذي تلبس بمعصية الرحمن فهو جدير بأن يتخذ عدواً وأن لا يطاع بل يعصى ، ثم أعلمه بشدة خوفه عليه من أن يمسه مجرد مس عذاب من الرحمن فيكون ولياً للشيطان ، وأمام هذه الدعوة الحانية الرفيقة المتزنة نسمع عبارات الأب الفجة الغليظة التي تمثل صورة التقليد الأعمى وإغلاق القلب عن النظر والتأمل ، ومع ذلك كله فإن الابن البار لم يواجه تلك السيئة إلا بالتي هي أحسن (سلام عليك) كحال عباد الرحمن الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا: (سلاماً) بل وعد بالاستغفار لأبيه ، وذلك قبل أن يتبين له أنه عدو لله ((فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)) ثم قرر اعتزاله ليراجع الأب نفسه، ولينأى إبراهيم بنفسه عن الشر ومواطنه، وكانت رحمة الله لإبراهيم أن عوضه بأبناء صالحين بررة عن أولئك القوم الفجرة.
المرحلة الثانية :
دعوته لقومه. بعد أن دعا إبراهيم أباه لقربه توجه بالدعوة إلى قومه ، وكانوا فيما قبل قسمان ، منهم من يعبد الأصنام ، ومنهم من يعبد الكواكب ، وقيل : إنهم كانوا يعبدون الكواكب ويصورون أصناماً على صورها يعبدونها ويعكفون عليها ، وعلى أي ، فقد أبطل كلا المعبودين بالأدلة القطعية وبين وهاء ما هم عليه من العبادة ، وبدأهم بالدعوة إلى توحيد الله بالعبادة وتقواه وبين لهم أن ما يعبدون ما هو إلا إفك مفترى ، وأنها لا تملك لهم رزقاً فليعبدوا من يملك رزقهم ، ثم أخبرهم بأنه مبلغ لا يستطيع هدايتهم إلا بإذن الله ، ولفت أنظارهم إلى أن مصيرهم إن لم يستجيبوا للدعوة مصير أمثالهم فقد سبقهم على ذلك أمم ولحقهم من ربهم من النكال والعذاب ما لا يخفي عليهم ، قال تعالى ((وإبْرَاهِيمَ إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وتَخْلُقُونَ إفْكاً إنَّ الَذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ واشْكُرُوا لَهُ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وإن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ومَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ))[العنكبوت:16-18] .
- ولقد سلك إبراهيم في إقناع قومه مسلك المساءلة عن جدوى أصنامهم ، هل تنفع أو تضر أو تسمع الدعاء ، فما وجد إلا التبعية العمياء ((واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إبْرَاهِيمَ * إذْ قَالَ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)) فما كان من إبراهيم إلا أن أعلن البراءة مما هم عليه، وأوضح سبب ذلك وسبب قصره العبادة على الله ((قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ * الَذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ * وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ... الآيات)) [الشعراء:69 -80].
- وبدأ القوم يراوغون فيما عرضه عليهم إبراهيم إلا أنه ما كان من إبراهيم إلا إعلان النكير ، وبيان الحق فعلاً لا قولاً فحسب ودخل بهذا مرحلة خطرة من مراحل إقناع القوم بعدم جدوى أصنامهم وفي هذا يقول الله تعالى ((ولَقَدْ آتَيْنَا إبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إذْ قَالَ لأَبِيهِ وقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ الَذِي فَطَرَهُنَّ وأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ))[للأنبياء:51-56] ولم يكتف القوم بهذه المراوغة مع إبراهيم بل دعوه للخروج معهم إلي عيد من أعيادهم ولكنه اعتذر عن الخروج بتورية ((فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ))[الصافات:88-90] وقال عند ذلك ((وتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)) فسمعها بعض القوم ، وبادر إبراهيم ((فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)) لقد ورطهم إبراهيم في هذه الإجابة وهذا ما كان يريده ليندفع بكل قوة مخاطبا عقولهم إن كانت لهم عقول :(( قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ولا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) وهنا لم يجد القوم بدا من تدبير المؤامرة عليه والتخلص منه ((قَالُوا حَرِّقُوهُ وانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وسَلاماً عَلَى إبْرَاهِيمَ * وأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ)) [الأنبياء:51-70].
أما عبادتهم للكواكب فقد سلك في دحض تعلقهم بها سبيل المناظرة وذلك فيما حكاه الله عنهم في سورة الأنعام ، وسيأتي إن شاء الله تفصيل ذلك في رسائل إبراهيم العملية.
المرحلة الثالثة :
دعوته للملك، حين ناظره في ربه وذلك فيما حكاه الله تعالى عنهم في سورة البقرة فقال: ((أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ:...)) وتفصيل ما وقع فيها آت بإذن الله في الوسائل ، وهذه المناظرة كانت فيما يظهر بعد نجاة الخليل من النار كما ذكره السدي ويدل عليه: أن العادة جارية بأن الأنبياء يبدأون بتكوين قاعدة شعبية حتى يكون للدعوة ثقل ثم يلتفتون إلى القيادة ليدعوها ، وأيضاً ، فمن عادة خصوم الدعوة ملاحقة الداعية وإحراجه ليفضح أمام الناس خصوصاً وأن إبراهيم بعد نجاته من النار بمعجزة التفتت إليه الأنظار وتعجب الناس من ربه الذي نجاه فبادر الملك إلى مناظرته ليوقعه في الحرج ظنا منه أن إبراهيم قد ينهزم في المناظرة ، وما علم أنه المؤيد من عند الله وهو سيد المناظرين ، ومنظرهم الأكبر ، والمجادل عن حوزة التوحيد وحمى الملة بكل ألوان الجدل.
- ولا نستطيع الجزم بأن هذه المناظرة كانت بعد النجاة لكنه الذي يظهر من خلال ما تقدم من الأدلة والله أعلم.
أساليب إبراهيم في الدعوة
أولاً : الأساليب النظرية
1 - تقرير توحيد الألوهية ببيان دلائل الربوبية :
جميع دعوات الرسل قائمة على تقرير توحيد الألوهية الذي من أجله خلق الله الثقلين ((ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) ، وهو الذي اختلف الناس فيه ، ووقع لديهم بسببه زيغ عظيم ، ولذلك أخبرنا الله عن هدف بعث الرسل بقوله ((ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)).
أما توحيد الربوبية : فأكثر الناس متفقون عليه ، وهو الإقرار لله بالخلق والتدبير والملك ((ولَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية ، فالذي يستحق العبادة وحده هو الذي يخلق ويرزق ، ويحي ويميت ، وينفع ويدفع ، ويملك ويدبر ، وقد بيّن الأنبياء لأقوامهم هذا أتم بيان ، ومنهم إبراهيم ((إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * إنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وتَخْلُقُونَ إفْكاً إنَّ الَذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ واشْكُرُوا لَهُ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) فبين أن الله هو الرزاق ، فهو إذن المستحق للعبادة دون سواه ممن لا يملكون لأنفسهم - فضلاً عن غيرهم - رزقاً ولا نفعاً ولا ضراً، وقال: ((أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ * الَذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ * وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ...)) وأمثلة ذلك كثيرة.
2 - التصريح بقصد النصيحة وأنه لا هدف للداعي إلا نفع المدعوين وأنه لا يريد على ذلك حظا من الدنيا :
إن إعلان الداعية عن هذا للمدعوين من شأنه أن يلين قلوبهم ، ويدعوهم إلى تأمل ما يُدعون إليه ، ولقد درج على ذلك الأنبياء جميعاً ، فقال نوح : ((ويَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى اللَّهِ..)) وقال هود: ((يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى الَذِي فَطَرَنِي)) وفي سورة الشعراء ذكر الله :((ومَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ)) ذكرها عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ، وقال محمد - صلى الله عليه وسلم - :((قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى الله وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) .
وحكى الله عن إبراهيم أنه قال لأبيه :((يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ ولِياً)) فهو لا يريد شيئاً من أبيه ، وإنما يخاف عليه من عذاب الرحمن، فيكون ولياً للشيطان ، وتأمل في العبارات التي نطق بها إبراهيم : (أخاف) و(يمسك) و(عذاب من الرحمن) تُلفها تعبر بصدق عما يكنه إبراهيم لأبيه.
3 - الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة :(1/136)
وقد جاءت جلية في دعوته لأبيه وخطابه الرقيق الحاني المتدفق ليناً - وعطفاً ولطفاً ، اتباعاً للحكمة التي تقرب المدعو من الدعوة وتلين قلبه للاستجابة.
4 - التشنيع على المعبودات الباطلة وعابديها :
لما بين إبراهيم لقومه دعوته ، وألان لهم الخطاب ، لعنهم يستجيبون ، وما زادهم ذلك إلا التمادي في باطلهم ، فما كان من إبراهيم إلا أن أظهر تهافت معبوداتهم وأحنق النكير عليهم ، فقال :((مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ)) فسماها تماثيل ولم ينعتها بوصف (الألوهية)، ولما ظهر له أنهم لا يعتمدون فيما فعلوا على حجة وبرهان قال لهم: ((لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)) وزاد فقال :((أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) ولقد برهن لهم على سفههم ما سوغ في تهكمه بتصرفاتهم حيث سألهم: ((هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ)) فإن أقل ما يقال في هؤلاء المعبودين أنهم لا يسمعون كعابدين فكيف يجلبون لهم نفعاً أو يدفعون عنهم ضراً؟
5 - التذكير بنعم الله على عباده :
جبلت النفوس على حب من أحسن إليها ولذلك عنىَ الدعاة إلى الله بتذكير الخلق إحسان الله إليهم ليكون ذلك أدعى إلى قبول الدعوة فهذا هود يقول :(( واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وزَادَكُمْ فِي الخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)). وقال صالح :(( واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) وأما إبراهيم فقال :(( أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ * الَذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ * وإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * والَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ))
6 - التذكير بأيّام الله :
ما من أمة تَخْلف في الأرض إلا وتنظر في أحوال من سلف من الأمم تتبع مواطن العبرة فيها، فتستفيد من الإيجابيات ، وتحذر من السلبيات ، وكان أنبياء الله يذكرون أممهم بأحوال الغابرين ممن كذبوا أو آمنوا ، فيذكرونهم بعاقبتهم ، وينذرونهم أن يحل بهم ما حل بمن كفر من أمم الأرض، لعلهم يتعظون أو يرتدعون، ولذا قال إبراهيم لقومه :(( وإن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ومَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ)) أي فقد كذبت أممٌ أنبياءهم فحل بهم ما تعلمون من العذاب ، فإن فعلتم عوقبتم بمثل عقابهم، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
7 - المناظرة والتدرج في إفحام الخصم :
قال ابن القيم في مناظرات إبراهيم : »وهو الذي فتح للأمة باب مناظرة المشركين وأهل الباطل ، وكسر حججهم ، وقد ذكر الله مناظرته في القرآن مع إمام المعطلين ، ومناظرته مع قومه المشركين ، وكسر حجج الطائفتين بأحسن مناظرة ، وأقربها إلى الفهم وحصول العلم(1) »وسنذكر هنا مناظرتين وقعتا لإبراهيم، وذكرهما القرآن الكريم :
- الأولى : مناظرته لعبدة النجوم قال الله تعالى ((وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إنِّي أَرَاكَ وقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * وكَذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى القَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إنِّي وجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ حَنِيفاً ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ * وحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وقَدْ هَدَانِ... الآية)) إلى قوله ((وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ))*
لقد عني إبراهيم وإخوانه من الأنبياء بالتوحيد وإيضاحه،والاستدلال له أيما عناية،وسلك في سبيل بيان الحق ، وتزييف الباطل كل وسيلة تؤدي إلى ذلك، ومنها هذه المناظرة التي قامت بينه وبين قومه لبيان حقيقة ما هم عليه من الضلال.
فأنكر على أبيه اتخاذ الأصنام آلهة ، ولما أشرك قومه معه شدد في إعلان النكير عليهم، وبين أن ما هم فيه ما هو إلا ضلال يبُين عن نفسه ، وذلك ليثير عواطفهم ، ويدفعهم إلى التفكير الجاد العميق فيما هم فيه ، وكان إبراهيم قد بصره الله بالدلائل الكونية الدالة على وحدانية الله تعالى ، فآراه آياته في ملكوته ، ليعلم حقيقة التوحيد ، أو ليزداد علما به ، ويقينا إلى يقينه.
وأرشده إلى طريقة الاستدلال بها على المراد من العباد.
ودخل إبراهيم مع قومه الصابئة الذين يعبدون النجوم ، ويقيمون لها الهياكل في الأرض ، دخل معهم في مناظرة لبيان بطلان ربوبية هذه الكواكب المعبودة، ولم يشأ أن يقرر التوحيد مباشرة. بل جعل دعوى قومه موضوع بحثه ، وفرضها فرض المستدل لما لا يعتقده ، ثم كر عليها بالنقض والإبطال ، وكشف عن وجه الحق ، فحينما أظلم الليل ورأى النجم قال : هذا ربي فرضا وتقديرا ، وقال : أهذا ربي ، فلما غاب عن أعينهم علم أنه مسخر ليس أمره إليه ، بل إلى مدبر حكيم يصرفه كيف شاء ، ثم انتقل بهم في البحث إلى كوكب هو في أعينهم أضوأ وأكبر من الأول ، وهو القمر ، فلما رآه قال مثل مقالته الأولى ، فلما ذهب عن أعينهم تبين أنه ليس بالرب الذي يجب أن تألهه القلوب، ويضرع العباد إليه في السراء والضراء ، ثم انتقل بهم إلى معبود لهم آخر أكبر جرماً من السابقين فلما أفل، قال: يا قوم إني بريء مما تشركون ، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ، فاستدل بما يعرض لها من غيرها على أنها مأمورة مسخرة بتسخير خالقها.
فإذا كانت هذه الكواكب الثلاثة في نظرهم أرفع الكواكب السيارة وأنفعها قد قضت لوازمُها بانتقاء سمات الربوبية والألوهية عنها ، وأحالت أن تستوجب لنفسها حقاً في العبادة فما سواها من الكواكب أبعد من أن يكون لها حظ ما في الربوبية أو الألوهية ، ولذا أعلن إبراهيم في ختام مناظرته براءته مما يزعمون من الشركاء ، وأسلم وجهه لفاطر السماوات والأرض ومبدعهما ، دون شريك أو ظهير ، وضمَّن إعلان النتيجة الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية ، وهذا هو معنى (لا إله إلا الله) فإن ما فيه من البراءة من الشركاء نظير نفي الألهية الحقة عن الشركاء في كلمة التوحيد ، وبهذا يكون إبراهيم قد سنَّ للدعاة إلى الله أسلوبا متميزا في دعوة المنحرفين ، وذلك بالتنزل معهم بالتسليم بأباطيلهم فرضاً ، ثم يرتب عليها لوازمها الباطلة ، وآثارها الفاسدة ، ثم يكر عليها بالنقض والإبطال ، فإن الدعوة إلى الحق - كما تكون بتزيينه ، وذكر محاسنه - تكون بتشويه الباطل ، وذكر مساويه ومخازيه (بتصرف من مقالة الشيخ عبد الرازق عفيفي في مجلة التوعية الإسلامية عدد 6 ، 7).
وقد اختلف المفسرون هل كان إبراهيم ناظراً أو كان منظراً * [ والصحيح أن إبراهيم في هذا الموطن كان مناظرا لقومه لا ناظرا بنفسه ويدل على ذلك:
أ - قوله تعالى: ((ولَقَدْ آتَيْنَا إبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ)) والمراد بالقَبْلية ما كان قبل النبوة على الصحيح، وأي رشد آتاه الله إبراهيم إن لم يكن موحداً مؤمنا بالله.
ب - قوله تعالى: ((ومَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ)) يقتضي نفي الشرك عن إبراهيم في كل مراحل عمره السابقة.
جـ - أن الله ذكر هذه الحادثة بعد إنكاره على أبيه وقومه ، مما يدل على المناظرة.
د - أن الله تعالى ذكر القصة بعد أن ذكر منته على إبراهيم برؤية ملكوت السماوات والأرض ليكون من المؤمنين ، ولذلك ذكر الفاء التعقيبية ((فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ)).
ر - أن الله ذكر فيها ((وحَاجَّهُ قَوْمُهُ)) مما يدل على قيام المناظرة بينه وبينهم.
و - أن الله تعالى ذكر في خاتمتها ((وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ)) فقال (على قومه) ولم يقل (على نفسه). وبهذا القول قال كثير من علماء السلف والخلف وهو الذي تدل عليه الأدلة.
الثانية : مناظرته للملك في قوله تعالى _((أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَذِي يُحْيِي ويُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وأُمِيتُ قَالَ إبْرَاهِيمُ فَإنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَذِي كَفَرَ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ))[البقرة:258].
لقد جادل الملكُ إبراهيم في ربه ، وفي ذكر الرب وإضافته إلى الضمير العائد على إبراهيم تشريف لإبراهيم وإشعار بأن الله سيتولاه وينصره.
ولماذا يجادله؟ لأن الله آتاه الملك ، فحمله كبره وبطره على طلب المخاصمة ، ولم يكن بسبب إيثاره الحق وطلبه له.
وكان الملك قد طلب من إبراهيم عليه السلام أن يقيم له الدليل على وجود الرب الذي يدعو إليه ، فقال إبراهيم : »ربي الذي يحيي ويميت« أى أن الدليل على وجوده هو : هذه المعجزة المتكررة الظاهرة المستترة ، معجزة الحياة والموت ، عندئذ قال الملك »أنا أحيي وأميت« فآتى برجلين استحقا القتل فأمضيه في أحدهما دون الآخر ، فأكون قد أحييت الثاني ، وأمت الأول ، وهذه مكابرة صريحة، وعناد ظاهر ، يعلمه كل ذي عقل ، ولذلك ترك إبراهيم الخوض معه في مكابرته ، وجاءه بواقعة لا يحير معها جوبا ، قال : »فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب« أي إذا كنت قادراً على الإحياء والإماتة، وهما من صفات الرب ، فيلزم أن يكون بمقدورك التصرف في الكون ، وأن تأتي بالشمس من المغرب ، عندئذ بهت الذي كفر ، والله لا يهدي القوم الظالمين.
إن انتقال إبراهيم من دليل إلى آخر دون مناقشة لإجابة الملك الساذجة ليس عن هزيمة ؛ لأن حجته كانت قائمة ، إذ إبراهيم وكل عاقل يعلم أن المراد حقيقة الإحياء والإماتة ، أما ما فعله الملك فأمر يقدر عليه كل أحد ، حتى إبراهيم كان يمكن أن يقول له : إني أردت حقيقة الإحياء والإماتة ، أما هذا فأنا أفعل مثله ، ولكن إن قدرت على الإماتة والإحياء فأمت هذا الذي أطلقته من غير استخدام آلة وسبب ، وأحي هذا الذي قتلته ، فيظهر به بهت اللعين ، إلا أن القوم لما كانوا أصحاب ظواهر ، وكانوا لا يتأملون في حقائق المعاني خاف إبراهيم الاشتباه والالتباس عليهم ، فضم إلى الحجة الأولى حجة ظاهرة ، لا يكاد يقع فيها أدنى اشتباه.
وهذا الانتقال من أحسن ما يكون ، لأن المحاجج إذا تكلم بكلام يدق على سامعيه فهمه ، ولجأ الخصم إلى الخداع والتلبيس جاز له أن يتحول إلى كلام يدركه السامعون ، وأن يأتي بأوضح مما جاء به ، ليثبت ما يريد إثباته ، وهذا لأن الحجج مثل الأنوار ، وضم حجة إلى حجة كضم سراج إلى سراج ، وهذا لا يكون إلا دليلا على ضعف أحدهما أو بطلان أثره.
9 - استثارة الخصم :
والمقصود بذلك : تحريك نفوس المدعوين ، وتنبيه عقولهم ، ولفت أنظارهم إلى الأمر الذي يدعوهم إليه الداعية.
لقد فعل إبراهيم ذلك حين ترك كبير الأصنام بلا هدم (فجعلهم حطاماً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون) وذلك من أجل أن تدور في أذهانهم الأسئلة التالية؟
- من فعل هذا بآلهتنا؟
- لِم لمْ يدافع الصنم الكبير عن صغاره؟ وهل كان ذلك عن عجز أو عدم إدراك لما يقع حوله؟
- لِم لمْ يوقع الصنم. الكبير سوءاً بمن فعل ذلك ؟
ثم استشارهم مرة أخرى حينما جاؤا إليه يسألونه عمن أوقع ذلك بآلهتهم فقال :
- بل فعله كبيرهم هذا ، فنسكب التكسير إلى جماد لا يتحرك ، ليقولوا له مباشرة : إنه لا يفعل شيئاً ، وليقروا بضعف هذه الآلهة.
- ولم يكتف بذلك ، بل أمرهم أن يوجهوا إليها الأسئلة إن أخبرهم بمن أوقع بها ذلك ، ولذلك أجابوا بكل سذاجة : »لقد علمت ما هؤلاء ينطقون« وعند ذلك انطلق مبادرا »أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم ، أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون«.
ثانياً : الأساليب العملية :
وهي كثيرة نختار منها :
1 - القدوة : لقد كان إبراهيم مثالاً يحتذى في الخير ، ولذلك وصفه الله بقوله ((إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً)) أي جامعا للخير ، كلفه الله بأمور فقام بها خير قيام ((وإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ)) وكان الجزاء : ((إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً)) فالسبب الذي أهله للإمامة إتمامه الكلمات التي ابتلاه ربه بها ، ومن أجل ذلك أُمر نبينا - صلى الله عليه وسلم - باتباع ملته (ثم أوحينا إليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا) وأُمرت هذه الأمة أن تأتسي بإبراهيم ومن معه ، لكونهم قدوة (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) والأمر الذي نهينا عن الإقتداء بإبراهيم فيه استغفاره لأبيه »إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ، وما أملك لك من الله من شيء« وقد تقدم ذكر بعض من صفات هذا النبي الكريم وأساليبه وأعماله وما كان به قدوة للمصلحين من بعده (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه).
2 - البداءة بالأهم : بدأ إبراهيم بالدعوة إلى توحيد العبادة ، وهو أهم ما يدعي إليه ، وأول ما يبدأ به (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
3 - اللين والشدة : وهذا ظهر جليا في دعوته لأبيه ، وفي دعوته لقومه ، فقد دعا كلا منهم باللين والاستعطاف ، لعل كلامه يتخلل قلوبهم ، ولينه يعطف أفئدتهم لقبول الحق الذي جاء به ، ولكن ما زادهم إلا عتوا ، فما كان منه إلا أن أغلظ لهم القول ، وشدد اللهجة ، ففي اللين قال :((يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً)) وفي الشدة قال : ((وإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إنِّي أَرَاكَ وقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)) .
4- البراءة والمعاداة : التي تعني البراءة من الشرك وأهله واعتزالهم ، وهي أصل من أصول العقيدة ومن مستلزمات (لا اله إلا الله). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : »أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله« ومفاصلة خصوم الدعوة ارتفاع بالنفس والعقيدة إلى المستوى اللائق بهما ، فلا يستوي حزب الله الذى كتب الله له العزة والكرامة وحزب الشيطان الذي كتب الله له الذلة والهوان ، وفيها إشعار لأولئك الخصوم بأنهم على باطل ، وأن الأمر ما وصل بالداعية إلى المقاطعة إلا لحق يعتنقه ويدعو إليه ، فيكون ذلك ردعا لهم عما هم فيه. وفيها قطع لآمال أعداء الدعوة في الحصول على تنازلات من الدعاة ، يستدرجونهم بها.
وقد قال إبراهيم لأبيه حين استكنف واستكبر : (واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي...) وجعله الله في براءته من المشركين قدوة ، فقال : ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ والْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحْدَهُ إلاَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ومَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ)) . وقد اشتملت هذه الآية على أمور نوجزها فيما يلي :-
- أن البراءة قائمة على الإيمان بالله فمن كان مؤمنا بالله أحب في الله.
- أنها نهج الأنبياء ، فمن أراد النجاة فليلحق بركابهم ، ويستن بهديهم.
- أن البراءة ليست من أشخاصهم فحسب ، بل ومن آلهتهم ، وأفكارهم ، ومذاهبهم.
- أنها مستمرة علنية ، وليست مجرد شعور قلبي إلا عند الضرورة.
- أنها مما اتفقت عليه الشرائع ، وليست لهذه الأمة الخاتمة فحسب.
- أن دعامتها التوكل على الله والدعاء كما ذكر في ختام الآية ((ربنا لجيك رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإلَيْكَ أَنَبْنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ)) .
- أنه لا فرق في البراء بين قريب أو بعيد مادام قد وحد بينهم كفر أو شرك.
5 - الدعاء والتضرع : وهو السلاح الذي لا يحق للمؤمن أن يسير في ركاب الحياة بدونه، وقد امتدح الله خليله بدعائه فقال : ((إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)) وقد تقدم معنى (الأواه) ، ولذا تل أن نجد موطنا تذكر فيه دعوة إبراهيم إلا ويذكر معها جانب من تضرعه ودعائه ومن ذلك : ((رَبَّنَا وابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً ...)) ، ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ)) ، ((وتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) ، ((واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)) ، ((رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وتَقَبَّلْ دُعَاءِ)) ، ((رَبَّنَا اغْفِرْ لِي ولِوَالِدَيَّ ...)) ، ((رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ...)). إلى آخر ما هناك من الدعوات المباركات ، التي تضرّع بها إبراهيم ، وخلدها القرآن ، فكان قدوة في اللجوء إلى الدعاء.
6 - تحطيمه للأصنام : لم يكتفي إبراهيم في دعوته بالكلمة والحجة التي أبطل بها حجج الخصوم ، بل عضد ذلك بعمل كبير ، أقدم عليه بشجاعة وعلو همة ، وهو تحطيم الأصنام التي تعلق بها قومه ، حتى صرفهم تعلقهم بها عن التفكير في حقيقتها ، والنظر في ماهيتها ، فأراد إبراهيم أن يبين عن ذلك بالقول والفعل فكان بيانه القولي الذي شرحنا طرفا منه فيما تقدم ، وكان بيانه الفعلي بما أقدم عليه من تحطيم الأصنام ، وجعلها جذاذاً ((إلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ)) . والآية هذه تشير إلى مدي البيان الذي أراد إبراهيم إبلاغه لقومه ، فلم تأخذه فورة التكسير بتحطيمها كلها ، بل ترك كبيرها لا لعجز ولا لخوف بل لعلهم إليه يرجعون ، فيحقق إبراهيم غرضه من هذا الأسلوب الدعوي الرائع ، وفعلاً لقد كان ما أراده إبراهيم حين قالوا : ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)) وحينها انقض عليهم كالشهاب : ((أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ولايَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ ولِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)) وتحقق لإبراهيم مراده حين قالوا :((قَالُوا حَرِّقُوهُ وانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)) فالآلهة تحتاج إلى من ينصرها ، ويدافع عنها ، وتحقق له كذلك حين (رجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون) ولكنه التعصب الذي ردهم على أعقابهم ((ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)) .
7 - الهجرة : ذكر الله تعالى هجرة الخليل في ثلاثة مواطن فقال : ((ونَجَّيْنَاهُ ولُوطاً إلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)) ((وقَالَ إنِّي ذَاهِبٌ إلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)) .
فهو أول من هاجر لله - كما ذكره بعض المحققين - وكانت سنة لمن بعده من الأنبياء وأتباعهم ، وممن عمل بها محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه ، فكانت هذه من ثمرات تلك التجربة الإبراهيمية ولونا من الإقتداء به.
إن الهجرة أسلوب يلجأ الدعاة إليه لأن أرضهم ما عادت تقبل الكلمة الطيبة،فهم يبحثون عن أرض طيبة تحمل دعوتهم ، أو لأن القوم المعرضين بدأوا يناوشون الداعية ، ويوصلون الأذى إليه فهو يفر بدينه من الغتن ((ومَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وسَعَةً)) .
ـــــــــــــــ(1/137)
كيف تُثبتُ المسلمة جدارتها في ظل تحديات عصر العولمة
عبدالعزيز بن علي العسكر
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
فنلحظُ هذه الأيام هجمة شرسة موجهة ضد ديننا وقيمنا وعقيدتنا، مستهدفةً ركيزة عزيزة من ركائز مجتمعنا؛ ألا وهي المرأة، متهمين ديننا وبلادنا بهضم حقوقها، ونحن لا نلوم الإعلام الغربي المتطرف في ذلك! بقدر ما نلوم إعلاميين الذين هم من بني جلدتنا ويكتبون في صحفنا وعبر وسائل إعلامنا فنسمع ونقرأ لبعض المستغربين ينادون بقيادة المرأة، وأحياناً بحقوق المرأة ومرات بعمل المرأة، وكأنهم أوصياء عليها دون نفسها!!.. ويُظهر بعضهم حسرةً زاعمين أن نصف المجتمع المسلم مُعطل .. فما موقفكِ أيتها المسلمة من هذا وذاك؟
من المؤلم - حقاً- أن تقف المسلمة حائرة لا تستطيع الرد على أولئك... وأشد منه ألماً وحسرة أن تذوب... شخصيتها أمام تلكم الصيحات، وتنسى هويتها... وأشد من ذلك وقعاً أن تفقد الفتاةُ المسلمة إيمانها، وتتملص من قيمها، وتتنكر لثوابت إسلامها فتنساق خلف بريق أصواتهم الزائفة..... صوروا المرأة حبيسة البيت، وسجانها الأكبر الرجل!!
وما أحسن ما ردت به إحدى الصالحات على من يدعو لقيادة المرأة للسيارة - في صحيفة الجزيرة - بقولها (لا تجعلوا المرأة طعماً في سناركم)
وما أعظم ما كتبته كاتبةٌ أخرى في صحيفة الجزيرة -أيضاً- قائلةً (أيها الرجال كفوا أقلامكم عنا)
وما أروع ما كتبته الكاتبة الأمريكية (تانياسي هسو) في جريدة (عرب نيوز) وترجمته جريدة الرياض، ونشرته تحت عنوان (خطاب مفتوح للسعوديين) في يوم الثلاثاء 30-4-1426هـ ؛ إذ قالت (ولم يمثِّل ارتدائي للحجاب، وعدم تمكُّني من قيادتي للسيارة خلال المدة التي قضيتها في المملكة أيّ مشكلة بالنسبة لي، بل سافرتُ بحجابي لأمريكا لأثبت لهم ذلك)
ومما يُستشهدُ به هنا ما طالب به أحدُ أعضاءِ الكونجرس الأمريكي، بقوله : (إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقا إذا بقيت في البيت الذي هو كيان الأسرة)
وقال عضو آخر: (إن الله عندما منح المرأة ميزة إنجاب الأولاد لم يطلب منها أن تتركهم لتعمل في الخارج بل جعل مهمتها البقاء في المنزل لرعاية هؤلاء الأطفال)
وقالت الدكتورة إيدايلين: (إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق ثم قالت: إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى البيت هو الطريق الوحيد لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه) أ- هـ
وبعد فكيف يجرؤ بني جلتدتنا، وممن يتكلمون بلغتنا، وعاشوا على تراب بلادنا الطاهر- حرسها الله- للتنكر لقيمنا ومبادئ ديننا، ورموا بلادنا بهضم حقوق المرأة؛ وطالبوا بإخراجها من بيتها ومن حجابها، بدعوى اللحاق بالغرب، فماذا سيقولون وهذه أقوال بعض عُقلاء وعاقلات الغرب!!!
المرأة المسلمة مدرسة
إن تصور الأم قاعدةً في البيت لا شغل لها جهلٌ مُركَّب بمعنى الأسرة الحية، كما أن تصورها محلاً لإجادة الطهي والخدمة فحسب ضربٌ من السلوك المعوج . كما أنَّ المرأة لست نصف المجتمع كما يدندنون حوله، بل هي عندنا المجتمع كله.. فالنساء حسابياً أكثر من الرجال ، ثم هي تلد الرجال...
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها *** أعددت جيلاً طيب الآراقِ
لقد صور أعداءُ الإسلام القضية على أن المرأة سجينة في البيت وان سجانها الغليظ هو الرجل الذي يمسك بالمفتاح ويتحكم بها كيف يشاء ونحن - معاشر المسلمين والمسلمات- إننا نريد أن نحقق ما طالبنا الإسلام به بلا غلو ولا جفا، من إقامة أسرة مستقيمة يشترك الجنسان معاً في بنائها، وحمل تبعاتها على ما يرضي الله ورسوله، ليتحقق فينا قول الباري جل وعلا {وَالذِينَ ءامَنُوا وَاتبَعَتهُم ذُريتُهُم بِإِيمانٍ أَلحَقنَا بِهِم ذُريتَهُم وَمَا أَلَتنَاهُم من عَمَلِهِم من شيء كُل امرئ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } فالله سبحانه وتعالى خلق الزوجين الذكر والأنثى ، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء وجعل بينهما مودة ورحمة ، حتى يعيش الجنس البشرى على طهارة ونقاء ويتسلسل منه الأولاد والأجيال وجعل هناك شرعا يتبع ودينا وأحكاما وأخبر سبحانه وتعالى جزاء الجنسين في الدنيا والآخرة بقوله { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
أسماء تُحاور الحبيب - صلى الله عليه وسلم -
جاءت أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله: إن الله بعثك للرجالِ والنساءِ كافَّةً، فآمنّا بك وبإلهك، وإنا معشرَ النساءِ محصوراتٌ، مقصوراتٌ، قواعدُ بيوتِكم، وحاملاتُ أولادِكم، وإنكم معشرَ الرجالِ فُضِّلْتُم علينا بالجمعِ والجماعاتِ، وفُضِّلْتُم بشهودِ الجنائزِ وفُضَّلْتُم علينا بالحجَّ بعدَ الحجِّ، وأعظمُ من ذلك الجهادُ في سبيل الله، وإن الرجلَ منكم إذا خرجَ لحجٍ أو عمرةٍ أو جهادٍ، جلسْنا في بيوتِكم نحفظُ أموالكم، ونربِّي أولادَكم، ونغزلُ ثيابكم، فهل نشاركُكْم فيما أعطاكم اللهُ من الخيِر والأجرِ؟! فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: [هل تعلَمون امرأةً أحسنَ سؤالاً عن أمور دينِها من هذه المرأة؟!] قالوا: يا رسول الله ما ظننا امرأةً تسأل سؤالها فقال عليه الصلاة والسلام: [يا أسماء أفهمي عنَّي.. أخبري من ورائك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها لمرضاته، واتبعاها لرغباته يعدل ذلك كله] فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر. أخرجه البيهقي.
ولقد قامت المرأة المسلمة بدورها الريادي في التربية والتوجيه، في عصرنا الحاضر، وقبله في سلف هذه الأمة أمثلةً لا تُعدُ حصراً، إيمان بالله، وحسنُ تربية، ونصح وتوجيه، فبيتها دار الحضانة الأسمى، بل هو جامعةٌ يتخرج منها القادة والساسة والعلماء والوزراء والأطباء، والمفكرين والكُتاب. ولنا أن نتساءل من أنجبت ابن سعدي وابن إبراهيم وابن بازٍ وابن عثيمين رحمهم الله، إلا النساء.. وهاكم أمثلةً من سلفنا الصالح..
يقول وكيع بن الجراح: قالت أم سفيان المحدِّث لولدها سفيان: اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة فاتبعه وإلا فلتتبعني. هذه هي أم أمير المؤمنين في الحديث.
وقبل ذلك حذيفة بن اليمان تسأله أمه: يا بني، ما عهدُك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: من ثلاثة أيام، فنالت منه وأنَّبته قائلة: كيف تصبر يا حذيفة عن رؤية نبيك ثلاثة أيام؟
وذكر ابن سعد في طبقاته الكبرى عن إسحاق بن عبد الله، عن جدته أم سليم رضي الله عنها أنها آمنت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ ثم جعلت تلقِّن ابنها أنساً - وكان صغيراً- وتشير إليه: قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن محمداً رسول الله، ففعل، فلما كبر أتت به النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت له: هذا أنس غلامك، فقبَّله النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت له صحبه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته رضي الله عنه معروفة.
مقومات إثبات المرأة جدارتها في إصلاح المجتمع
أن نشأة الأجيال أول ما تنشأ إنما تكون في أحضان النساء، وبه يتبين أهمية دور المرأة المسلمة في إصلاح بيتها، ومن ثَمَّ إصلاح المجتمع . ونحن لا نُناقش الآن أهمية ذلك، بل نُطالبها بالتميز لتُثبت جدارتها كما كانت نساء السلف الصالح.
ولكي تُثبت المرأةُ جدارتها وتميزها اليوم في إصلاح المجتمع، لا بد لها من مؤهلات أو مقومات- وهي سهلة المنال لمن تصدق مع ربها وتخلص له- لتقوم بمهمتها في المجتمع فتكون داعية خير! لا مدعوة للشر!! .. وإليكم جانباً من هذه المقومات ...
1- الإخلاص: وهو إفراد الله سبحانه بالقصد في الطاعة والإخلاص هو روح كل عمل، والأعمال التي يستعظمها الناس، ويبذلون فيها الجهود، وربما الأموال لا وزن لها عند الله عز وجل إذا فقدت الإخلاص قال تعالى{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} فلينتبه لشرط الإخلاص فعليه مدار قبول العمل وبالتالي النفع به، قال سبحانه: {وَمَا أُمِرواْ إِلا لِيَعبُدواْ اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ }
2- العلم: أن تكون المرأة نفسها صالحة، لتكون أسوة حسنة وقدوة طيبة لبنات جنسها، ولكن كيف تصل المرأة إلى الصلاح؟ لن تصل المرأة - ولا الرجل - إلى الصلاح، فضلاً عن الإصلاح إلا بالعلم الشرعي الذي تتلقاه من أفواه العلماء، سواء أكان هؤلاء العلماء من الرجال أو النساء، وما أجمل ما تميزت به بلادنا - حفظ الله أمنها واستقرارها- من انتشار الدورات العلمية للرجال وللنساء، وما تميزت به بعض المدن والأحياء من وجود دورٌ نسائية. كما أنه في عصرنا هذا يسهل كثيراً أن تتلقى المرأة العلم من أفواه العلماء، وذلك بواسطة الأشرطة المسجلة، فإن هذه الأشرطة - ولله الحمد - لها دور كبير في توجيه الأسرة - والمرأة من أهم ركائزها- إلى ما فيه الخير والصلاح. إذن فلا بد لتميز المرأة من العلم، لأنه لا صلاح ولا تميز إلا بالعلم.، ومن أهم ما يحسن بالمميزة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر أن تتحلى به صفة العلم، فالعلم زينة لها، ووسيلة صحيحة للعمل، ومرافق دائم في مجال الدعوة والأمر والنهي. قال تعالى {قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ } إن جهالة من تأمر وتنهي فيما تدعو إليه أو تنهى عنه، قد يوقعها في حماقات كثيرة، وإشكالات عديدة، بل ربما حدثت بسبب ذلك مفاسد متعددة، أو تعطلت مصالح راجحة.
3- الحكمة: أي أن يكون لدى المرأة حكمة في الدعوة، وفي إيصال العلم إلى من تخاطب، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، كما قال أهل العلم، وهي من نعمة الله سبحانه وتعالى على العبد، أن يؤتيه الله الحكمة. قال الله عز وجل {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } وما أكثر ما يفوت المقصود ويحصل الخلل، إذا لم تكن هناك حكمة، فمن الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل أن ينزل المخاطب المنزلة اللائقة به، فإذا كان جاهلاً عومل المعاملة التي تناسب حاله، وإذا كان عالماً، ولكن عنده شيء من التفريط والإهمال والغفلة عومل بما تقتضيه حاله، وإذا كان عالماً ولكن عنده شيء من الاستكبار وردّ الحق عومل بما تقتضيه حاله. فالناس - إذن - على درجات ثلاث: جاهل، وعالم متكاسل مفرط، وعالم معاند، ولا يمكن أن نسوي كل واحد بالآخر، بل لا بد أن ننزل كل إنسان منزلته، ولهذا لما أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن قال له[ إنك تأتي قوماً أهل كتاب] وإنما قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ليعرف معاذ حالهم كي يستعد لهم بما تقتضيه أحوالهم، ويخاطبهم بما تقتضيه هذه الحال أيضاً. فينبغي أن ينزل كل واحد من المدعوين المنزلة اللائقة به. ومن الحكمة، أن تبدأ الداعية بالأقرب فالأقرب، فتكون حسنة التربية لأولادها، لأن أولادها هم رجال المستقبل ونساء المستقبل، وأول ما ينشئون يقابلون هذه الأم، فإذا كانت على جانب من الأخلاق وحسن المعاملة، وظهروا على يديها وتربوا عليها، وسيكون لهم أثر كبير في إصلاح المجتمع. لذلك يجب على المرأة ذات الأولاد أن تعتني بأولادها، وأن تهتم بتربيتهم، وأن تستعين إذا عجزت عن إصلاحهم وحدها بأبيهم أو بولي أمرهم. وهكذا أخوتها وأخواتها وأسرتها وأقاربها، كما ينبغي إلا تتوقف عندهم فقط، بل يكون لها دورٌ مي المجتمع ككل.
4- الدعوة إلى الله : ما أحسن أن تستشعر المسلمة فضل دعوة الأخريات للاستقامة والعمل الصالح، فتفوز بمثل أجورهن ، قال - صلى الله عليه وسلم - [ من دعا إلى هدى كان له من الأجور مثل أجور من تبعه، دون أن ينقص من أجورهم شيئاً] وقال بأبي هو وأمي وولدي والناس أجمعين - صلى الله عليه وسلم - [الدال على الخير كفاعله] وقال - صلى الله عليه وسلم - [لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم] فلا بًدَّ أن يكون لمن تُريد إثبات جدارتها وتنال تلكم الأجور دورٌ في تثقيف بنات جنسها، وذلك من خلال المجتمع سواء أكان في أسرتها وبين بنات أرحامها، وجيرانها، أو في المدرسة أو الدار النسائية في حيها، أو الدار القريب من أهلها إذا زارتهم في مدينة أخرى، أو حيٍ آخر، وتستثمر أي مناسبة نسائية في استراحة أو قصر أفراحٍ، أو مشغل بالنصح والتوجيه والمذاكرة. كذلك أيضاً من خلال المجتمع فيما بين النساء من الزيارات التي تحصل فيها من الكلمات المفيدة ما يحصل، مستثمرةً المناسبات السعيدة والمحزنة بالتهنئة والتعزية؛ لقد كان عُلماؤنا يحرصون على ذلك، فكان لهم أثراً كبيراً. ولقد بلغنا - ولله الحمد - أن لبعض النساء دوراً كبيراً في هذه المسألة، وأنهن قد رتّبْنَ جلسات لبنات جنسهن في العلوم الشرعية، وحلقات تحفيظ القرآن، وتفسيره، وهذا لا شك أمر طيب تحمد المرأة عليه، وثوابه باقٍ لها الآن وبعد موتها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - [ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له] وهذا هو الاستثمار الحقيقي للحياة وما بعد الممات. فإذا كانت المرأة ذات نشاط في مجتمعها في نشر الدعوة، كان لها أثر كبير، ودور واسع في إصلاح المجتمع. ، كما ينبغي لها أن تستشعر فضائل دعوة الأخريات عبر وسائل الإعلام محتسبةً الأجر عن الله فتشارك بقلمها في الجرائد والمجلات الإسلامية والمنتديات، تشترك فيها ، سواء في الذب عن قيم دينها بالرد على دعاة تغريب المرأة فردٌ من امرأة على من يزعم تحريرها، خيرٌ - في نظري- من ألف رد من رجالٍ آخرين. قال - صلى الله عليه وسلم - [والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، فتدعونه فلا يستجيب لكم] رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. أو تكتب ابتداءً بنشر الخير الذي عندها مستثمرةً المناسبات الموسمية كالأجازات أو رمضان، أو الأعياد، أو عشر ذي الحجة، أو غيرها. وتقوم على إهدائها للأخوات وإرشادهن إلى أهم الموضوعات. والمقال القصير المقروء خير من الطويل الذي لا يقرأ . ثم تحرص - وفقها الله- على البحث عن الوسائل الجديدة والمشوقة في تبليغ دعوتها، ولكن في حدود الشرع وسيأتي الزمن الذي تسود فيه التقنية والمرئيات على الكتب والمؤلفات في اكتساب المعلومات.
5- القدوة الحسنة: من السمات الحسنة المؤثرة التي ينبغي أن تتحلى بها الداعية، أن تكون قدوة حسنة للأُخريات ؛ لأن التأثير بالاقتداء والتقليد له قيمة كبيرة في نفوس المدعوات، ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، وقدوة صالحة ليحتذي الناس بأقواله وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - ، أما من أسرتْهَا نفسها، وأصبحت عبدةً لهواها، فلا يمكن أن تُنكر على الأُخريات.
6- الرحمة بمن تفعل المنكر والخوف عليها من عذاب الله: فإذا كانت المسلمة تنتمي لخير أمة أخرجت للناس فلتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } لتثبت جدارتها في ذلك ؛ وينبغي أن تستشعر الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر رحمة المدعوة، وأن تنظر إلى الواقعة في المنكر نظرة الشفقة عليها، والرغبة في الإحسان إليها؛ لكونها تتنازع مع الشيطان ومع هواها ومع نفسها الأمّارة بالسوء، لذا ينبغي عدم إعانة هؤلاء الأعداء عليها، بل الوقوف معها وفي صفّها حتى تتخلص من هذا الداء الذي ألمّ بها فقد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال [ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ] رواه البخاري
7- الرفق: وهو لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل وهو ضد العنف. وقد سلك حبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم - جانب الرفق في دعوة الناس، وأولئك الذين كان يحتسب عليهم سواء كانوا من اليهود، أم من المشركين، أم من المسلمين. ولقد حث النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عامة ويدخل في ذلك الدعاة والمحتسبون من باب أولى بالرفق في جميع أمورهم، ومن ذلك جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال[ إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لايعطي على العنف، وما لا يعطي سواه [رواه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام[ من يحرم الرفق يحرم الخير [رواه مسلم. فلنقتدي بالحبيب - صلى الله عليه وسلم - باللين والرحمة والعفو والتسامح، قال تعالى عنه { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }
8- الصبر: إذا كان الصبر ضرورياً لكل مسلم ومسلمة، فإنه للتي تُريد أثبات جدارتها في إصلاح مجتمعها وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أشد ضرورة؛ لأنها تعمل في ميدان استصلاح نفسها، وفي ميدان استصلاح غيرها، فإن المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من ذلكم المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم. ولقد أدرك لقمانُ الحكيم هذه الحقيقة - التحلي بالصبر - حينما أوصى ابنه بوصايا متعددة ضمّنها التحلي بالصبر. قال تعالى { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ } فلا بُدَّ أن تصبر الداعية إلى الله على ما ينالها من أذى كما صبر الرسل والصحابة والأئمة من قبل. كما ينبغي للمرأة ألا تستسلم للواقع، وتقول: سار الناس على هذا فلا أستطيع أن أغيّر، كما ينبغي ألا نغتر بالكثرة { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } ولأننا لو بقينا هكذا مستسلمين للواقع لم يتم الإصلاح، إذ إن الإصلاح لا بد أن يغير ما فسد على وجه صالح، ولا بد أن يغير الصالح إلى ما هو أصلح منه حتى تستقيم الأمور، ومن التحلى بالصبر ألا تتعجل المسلمة النتائج، ولا تظن بأحد الكمال، بل تنصح بلطف وتتابع باهتمام ولا تهمل.
9- عبادة السر: من المؤسف أن ينشغل المرء بدعوة الناس، عن نفسه، فسرعان ما ينضب معينه؛ فلا بُدَّ أن تُخصص الداعية إلى الله وقتاً كل يوم وليلة للخلوة مع الله، في عبادات لا يعلمها إلا الله وحده. ومن أعظم ما يوصي به علماؤنا قيام الليل، وعاء الأسحار، وفي السجود وبين النداءين، وصيام الهواجر، وصلاة الضحى، وأن يكون للداعية ورداً كل يوم من القرآن الكريم، والمحافظة على الأذكار، وأن يدعو لنفسها ولمن تريد دعوتهم، ولعمامة المسلمين بـ (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على طاعتك) أسأل الكريم الأكرم الجواد أن يوفق ولاة أمرنا (أمراء وعلماء) لما يحب ويرضى، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يرد كيد الكائدين لهذا الدين وهذا البلد في نحورهم، كما أسأله - وهو القريب السميع المُجيب- أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يحفظ على بلادنا أمنها واستقرارها، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،
كتبه عبدالعزيز بن علي العسكر
إمام وخطيب جامع العِذَار بالخرج
abo-aseem@maktoob.com
حررت في يوم الاثنين 12 جمادى الثاني 1426 هـ
ـــــــــــــــ(1/138)
دور المرأة التربوي ... المأمول والمعوقات
د. أفراح بنت علي الحميضي
من الأمور التي اجتمع عليها المربون إقرارهم بأهمية التربية بوصفها عاملاً رئيساً في توجيه الأفراد نحو أهداف المجتمعات، ولمدى أهميتها فقد لفتت انتباه العلماء المسلمين الذين دوَّنوا في موضوعات التربية الإسلامية مؤصلين لها، ومبرزين عناصرها وأهدافها وسبلها، والمؤثرات التي تؤثر في نتائجها، والتأثيرات التي تشعها التربية الإسلامية في المجتمع، بل كان من اهتمام علماء التربية الإسلامية التركيز على التربية البيتية أو المنزلية باعتبارها قاعدة أساسية في إعداد الأفراد موضحين بشكل بارز أهمية دور الوالدين في تلك المهمة.
وتبعاً لهذا فإن إبراز دور المرأة(1) التربوي والعوامل التي تساعد على إظهار ذلك الدور بوصفها وظيفة من أهم الوظائف بل هي أهم ما يجب أن تتقنه المرأة، والأمور التي تعيقها عن أداء وظيفتها تلك يعد موضوعاً جديراً بأن يهتم به كل من يعنيه أمر التربية والنشء ومستقبل الأمة.
توطئة:
دور المنزل في تنشئة الفرد:
تعد السنوات الأولى التي يقضيها الطفل في منزله من أكبر المؤثرات المسؤولة عن تشكيله في المستقبل؛ ذلك أن المجتمع المنزلي يعد أول مجتمع ينمو فيه الطفل ويتصل به ويستنشق الجو الخلقي منه، بل إنه ومن خلال الجو العاطفي الموجود في البيت فإن الطفل يعتمد على والديه في أحكامه الأخلاقية وفي مَدِّه بتقاليد وعادات وأعراف مجتمعه(2).
ولأجل ذلك فقد أرجع المربون أن إحساس الطفل بحب الأبوين ناشئ من ممارسة الأسرة لوظيفتها في التنشئة الاجتماعية(3)، بل إن تفعيل كل الوظائف التربوية لن يتحقق إلا بتكاتف جهود وأهداف الوالدين.
فمن الأدوار التي يجب أن تمارسها الأسرة ويضطلع بها المنزل قبل وبعد سن دخول المدرسة العنايةُ بالنمو الجسمي من خلال رعاية الطفل صحياً؛ وذلك باستكمال أسباب الصحة في الغذاء، والراحة الكافية، والمسكن الملائم، والرعاية الصحية الوقائية.
ومن الأدوار كذلك العناية بالنمو العقلي للطفل الذي يتأتى من خلال اكتسابه للغة الأم في المنزل، وما يتبع ذلك من توسيع لمداركه وزيادة لمعارفه، كذلك فإن من أهم الأدوار الوظيفية التي تمارسها الأسرة هي إشباع حاجات الطفل النفسية، ومن خلال الأسرة يتحقق للطفل النضج الانفعالي؛ وخاصة إذا توفرت في المنزل أسباب ذلك النضج؛ فمن خلال الأسرة يتعوَّد الطفل القدرة على التعامل مع الآخرين، ومن خلالها أيضاً تساهم الأسرة في الارتقاء الأخلاقي لدى الطفل؛ إذ تنمو شخصيته الأخلاقية؛ ويُعزز ذلك كله حين تقوم الأسرة بدورها في إكساب الطفل الدين الذي تعتنقه(4).
ومن أجل ذلك نستطيع أن نقرر حقيقة أن للوالدين دوراً هاماً في تربية الطفل لا يستطيع المعلم أو أي شخص آخر أن يحل محلهما؛ فقد يستطيع المعلم أن يزوِّد الطفل بحصيلة من المعلومات قد تجعل منه دائرة معارف، لكنه يفتقد ما للوالدين من تأثير على اتجاهات الطفل نحو الحياة(5).
ولهذا فقد حرص علماء التربية الإسلامية على تأكيد ضرورة إعداد المرأة لممارسة دورها بل وانتقائها قبل إنجاب الأولاد مؤكدين على حقيقة أن تربية النشء تحدث قبل ولادتهم باختيار الأمهات.
يقول أكثم بن صيفي لأولاده: "يا بَنيَّ! لا يحملنكم جمال النساء عن صراحة النسب؛ فإن المناكح الكريمة مَدْرَجةٌ للشرف".
وقال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: "لقد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً وقبل أن تولدوا. قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال: اخترت لكم من الأمهات من لا تُسَبُّون بها".
ولهذا فإن من أول حقوق الوالد على والده أن يختار له الأم المؤمنة الكريمة ذات الهدف من الحياة التي تحسن تربيته، وتقوم على شؤونه، وتتعاهد دينه وعقيدته؛ لأن الطفل والطفلة ينتقل إليهما كثير من صفات أمهما النفسية والخلقية، بل يمتد هذا التأثير مدى الحياة(6).
الأدوار التربوية المناطة بالمرأة الأم:
مما هو معروف بالبديهة أن الأدوار التربوية المناطة بالمرأة الأم تتخذ أهميتها من كونها هي لب العمل الوظيفي الفطري الذي يجب أن تتصدى له المرأة، وهذا يعني ضرورة أن تسعى الأم إلى ممارسة دورها بشكل يحقق نتائجه التي يأملها المجتمع، وهذا يعني أيضاً ضرورة إعداد المرأة الأم لأداء ذلك الدور قبل مطالبتها بنتائج فعالة، وأعتقد أن ذلك الإعداد لا بد أن يشمل:
1 - غربلة المناهج الدراسية: بحيث يكون الغرض الأساسي من تلك الغربلة وإعادة الصياغة إعانة (المرأة الأم) في وظيفتها داخل منزلها الذي يُعد المقر الوظيفي الرئيسي لها؛ لا أن يكون دور المناهج الدراسية تهيئة المرأة لتمارس وظيفة خارج المنزل، وفي حالة إعادة التكوين والصياغة هذه؛ فإن المناهج ستساهم في دعم دور الأبوين في إعداد الفتيات للاقتناع أولاً بمهمتهن الأولى، ثم في التعرف على صور وأنماط عديدة لأصول التربية السليمة وطرقها، والتي من الممكن الانتقاء منها حسب عدد من المعطيات ووفقاً للظروف المواتية، وبهذا ستؤدي المناهج الدراسية دورين أساسين:
أ - دوراً إعدادياً للمرأة للقيام بوظيفتها التربوية.
ب - دوراً مسانداً ؛ حيث ستشكل المناهج معيناً نافعاً تستمد منه المرأة سبلاً وطرقاً تربوية ناجحة ونافعة.
2 - الإعلام: نظراً لأن إعداد المرأة لممارسة وظيفتها التربوية يشكل ثقلاً عظيماً في النظرة الشاملة لمصلحة الأمة عموماً؛ فإن إعادة اهتمامات الإعلام بتلك المسألة من الأهمية بمكان؛ وهو أمر يستلزم قيام جميع القنوات الإعلامية بإبراز ذلك الدور والتركيز على ممارسة المرأة دورها بنفسها؛ فهي وظيفة لا يجوز فيها التوكيل، بل إن تصدي المرأة لدورها بنفسها بوصفها أيضاً مربية يعد مسلكاً عظيماً في رقي الأمة، بل هو الطريق الأساسي لتحقيق آمال الأمة ثم إعادة صياغتها فعلياً عبر التربية إلى نواتج قيِّمة تضاف إلى رصيد الأمة الحضاري، ولأجل ذلك فإن من الضروري أن تضع وسائل الإعلام ضمن أهدافها تبني المفهوم القائم على أن رقي الأمة مطلب إسلامي حضاري لن يتأتى إلا من خلال إعادة تكوين النظريات التربوية وتأسيسها بما يتفق مع الأصول والمصادر السليمة التربوية المعتمدة على المصادر الإسلامية، وأيضاً من خلال إعداد الكوادر التي تستطيع ترجمة تلك النظريات إلى واقع؛ أي العناية والتشجيع لإعداد المرأة الأم المربية التي تمتص ما يجب أن تفعله لتعيد تكوينه رحيقاً تربوياً يداوي جراح الأمة.
3 - تبني مسؤولية التربية: لا تستطيع المرأة أن تؤدي دورها التربوي ما لم تتبنَّ تلك القضية وجدانياً من خلال حملها لهمّ التربية، ويقينها التام بدورها في إعداد الفرد، وانعكاس ذلك على صلاحه وصلاح الأمة، ثم سعيها الدؤوب نحو تزويد من تعول تربوياً بما صح وتأكد من مغانم تربوية كسبتها من خلال ما نالته في رقيها التربوي الإسلامي، ويتأتى ذلك عن طريق دعم حصيلتها العلمية الشرعية؛ إذ إن جزءاً من مهامها التربوية يعنى بتشكيل عقيدة الأبناء ومراقبتها، وتعديل أي خلل يطرأ عليها.
ولهذا، ولأهميته فإن أول دور يُناط بالأم هو:
1 التربية العقائدية:
لا تتمكن الأم من القيام بتلك المهمة ما لم تكن معدة لهذا الأمر من خلال علم شرعي يعينها على أداء هذه المهمة، ولا يعني هذا أن تتوقف المرأة عن ممارسة ذلك حتى تكون طالبة علم. إن على الأم معرفة الأساسيات التي لا يقوم دين العبد إلا بها كأصول المعتقد وما تشمله من أصول الإيمان، وأقسام التوحيد وشروط لا إله إلا الله ونواقض الإسلام، وأقسام الشرك والكفر وأنواع النفاق، كما أن عليها معرفة الحلال والحرام خاصة ما استجد في هذه الأزمنة من مستجدات أوضح العلماء حكمها.
إن دور المرأة الأم هو قيادة قاطرة التربية في أرض مليئة بشوك الشبهات المضلة، والشهوات المغرية، والفتن السوداء.
على المرأة الأم أن تدرك أن منهج تربية النشء في الإسلام يقوم في أصوله وأساساته على مرتكز الإيمان بالله وحده، وهو منهج متوافق مع نظرة الله التي فطر الناس عليها. قال - صلى الله عليه وسلم - : "كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه"(7).
إن التطبيقات الضرورية لهذا الدور التربوي الهام تتضح من خلال عدد من الإجراءات منها:
تربية الأبناء على حب الله ورسوله، ربط قلوبهم بالله ومراقبته في كل تصرفاتهم، ويكون ذلك منذ طفولتهم المبكرة؛ إذ يُعلَّمون النطق بالشهادتين، ويُوجَّهون إلى إرجاع كل نعمة إلى الله وحده، وحينما تشب أعوادهم يُعوَّدون على قراءة كتب العقيدة المناسبة لأعمارهم(8).
- ربط أصول العقيدة وفروعها بمناحي الحياة؛ مما ينتج عن ذلك حماسهم لها ودفاعهم عنها؛ فيتأكد لدى الطفل أنه لأجل الإيمان بالله وعبادته خُلق؛ فيعيش تأكيداً لمعاني ذلك الإيمان محققاً العبودية لله وحده ويموت دفاعاً عنها.
ومهمة المرأة الأم في هذه الأمور واضحة؛ فهي من يُشربه عند نُطق الحروف الأولى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، ثم هو يراها نموذجاً قائماً أمامه يحاكيه ويقلده حين تكون كل حركاتها وسكناتها تهدف إلى تأكيد معنى كلمة الإخلاص؛ فهي حريصة على ألا يُعبَد في المنزل إلا الله وحده؛ فلا يدعى إلا هو، ولا يسأل إلا إياه، ولا يستعان أو يستغاث إلا به، ولا يُخاف إلا منه، ولا يُتوكل إلا عليه، ولا يُذبح إلا له، ولا يُصرف أي شيء من أمور العبادة إلا لله وحده، فيشب الناشئ وينشأ الطفل وهو يرى العقيدة الصافية تشع في كل أنحاء البيت.
ويندرج ضمن هذه التربية تعويد الطفل منذ مرحلة تمييزه على الأداء الصحيح للعبادات؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً، وفرِّقوا بينهم في المضاجع"(9)؛ إذ على الأم أن تُعوِّد مَنْ تعول على البعد عن الأمور المستنكرة شرعاً وعُرفاً، وتعرفهم على أحكام الحلال والحرام حتى يعتادوا ذلك ولا يأنفون منه، وعلى الأم أن تُعوِّد الأطفال على الطاعات كالصلاة والصيام وقراءة القرآن، وتحذرهم من ارتكاب المعاصي كالكذب والسرقة والخيانة والغش(10).
التربية السلوكية:
بتأكيد أهمية البيت في تبني السلوكيات الطيبة تتضح مسؤولية ما تقوم به المرأة في تفعيل دورها العظيم في زرع هذه السلوكيات، وقلع أي سلوك سيئ ينشأ في حديقتها التربوية حيث رعيتها الصغيرة، وتهذيب أي سلوك ينشأ منحرفاً عن مساره.
إن مهام المرأة في ذلك الدور كما هو في جميع مهامها التربوية لا بد أن يسير بمشاركة الوالد تدعيماً وعوناً، وفيما يخص مهمته التربوية؛ فإن تعاضد المرأة والرجل في بذر السلوك الحسن وتكوين القدوة الصالحة له أنجع الأمور للوصول إلى نتائج سريعة ومثمرة، ولأن المربين قد أدركوا أن من ضمن الأسس التي ترتكز عليها المنهجية التربوية الإسلامية في التربية هو إيجاد القدوة الحسنة؛ فقد حرصوا على ذلك الأمر من منطلق أن الطفل يبدأ إدراكه بمحاكاة ذويه ومن حوله حتى يتطبع بطبائعهم وسلوكياتهم وأخلاقهم(11).
وفي مقابل غرس السلوكيات الحسنة كان إهمال أي سلوك يأخذه الطفل من البيئة المحيطة يعني تشرُّبه السلوكيات الخاطئة واستنكاره أي نصيحة مقومة له. وغالباً ما يأتي الإهمال من قِبَل الوالدين جميعاً أو باتكال أحدهما على الآخر، أو كما قال ابن القيم: "وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قِبَل الآباء"(12).
ولهذا أيضاً كانت المنهجية التربوية الإسلامية تعتمد على مراقبة سلوك الطفل وتصرفاته وتوجيهه في حينه إلى التعديل المناسب لذلك السلوك مهما كان ذلك السلوك حقيراً أو عظيماً(13).
وتبعاً لذلك فإن من تطبيقات تلك المهمة التربوية:
1 - حفظ الطفل من قرناء السوء.
2 - أن تمارس المرأة مهمتها بإخلاص في غرس الفضائل والعناية بالواجبات، وتعويد الصغار على معالي الأمور.
3 - ربط النشء بسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، وتعليقهم بما تشمله سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتراجم الصحابة من علو ورفعة وعزة.
4 - أن تضع المرأة شعاراً تطبقه في تربية من تعول تعتمد على تفعيل حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِقِ الناس بخُلق حسن"(14).
التربية النفسية:
تعتمد تلك المهمة على إقرار حقيقة في الصحة النفسية هي أن العطف والحنان بلا إفراط ولا تفريط هما أساس الصحة النفسية لدى الأفراد؛ فينشأ الأطفال ويشب النشء وهم مترفلون بهذه الصحة؛ ولهذا فقد مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - صفة الحنان في نساء قريش بقوله: "صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده"(15).
وهذه التربية النفسية لا تتأتى فقط بما تمنحه الأم من رعاية وحنان وعطف جُبلت النساء عليه، وإنما لا بد من تعاضد الوالدين جميعاً في تهيئة البيئة المنزلية لتكون بيئة صالحة هادئة ينشأ فيها الطفل متزناً واثقاً من نفسه؛ إذ ثبت أن الحياة العائلية المضطربة والمشاحنات بين أفراد الأسرة وبخاصة قطبيها الأب والأم يؤثران بشكل ملحوظ على تكوين شخصية مضطربة تنفر من الحياة وتكرهها، وثبت أيضاً أن أغلب الأمراض الخُلُقية مثل الأنانية والفوضى وفقدان الثقة بالنفس وعدم الإحساس بالمسؤولية والنفاق إنما تبذر بذرتها الأولى في المنازل، وأن من الصعوبة على المدرسة والمجتمع استئصال تلك الأمراض إذا تزمَّنت وتمكنت في نفس النشء أو الأطفال(16).
التربية الجسمية:
تبدأ تلك التربية منذ وقت مبكر حين تركز المرأة عنايتها بما خُلق في رحمها من خلال اهتمامها بالتغذية والراحة، ثم تستمر تلك التربية بعد الولادة حين يضع المنهج الإسلامي مسألة الرضاعة وتغذية الرضيع من المسائل الأساسية التي تُكلَّف بها المرأة. قال الله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة {البقرة: 233}.
ولكي تمارس الأم ذلك الدور لا بد أن يكون لديها وعي تام بأهمية هذا الجانب التربوي المعتمد على الثقافة الصحية المتوازية مع التطبيق العملي لهذه الثقافة.
معوقات في أداء الأدوار التربوية:
إذا كانت تلك بعض الأدوار التربوية المناطة بالمرأة بوصفها أُمّاً فإن مما يُعطل تلك الأدوار عن أداء مهمتها بفعالية، ومما يعيق المجتمع عن الحصول على ثمار يانعة معوقات من الممكن حصرها في:
1 - معوقات ذاتية تتمثل في:
- قصور في الإعداد النظري للمرأة لممارسة دورها التربوي.
- قلة وعي المرأة بأهمية دورها التربوي وأهمية ناتجها على المجتمع.
- إشغال الأم أو انشغالها بممارسات ثانوية تعطل وظيفتها الأساسية كانشغالها بوظيفة خارج المنزل.
2 - معوقات خارجية تتمثل في:
- الاعتماد على شخصيات بديلة تمارس دور الأم كالمربية الخارجية والخادمة، ويتأتى ذلك الاعتماد السلبي حين تعتقد الأم أن التربية عبء لا ناتج له معطل لقدراتها.
- تشجيع وسائل الإعلام المرأة للخروج من المنزل وممارسة أدوار بديلة لدورها الأصلي الأساسي، بل الدعاية لتلك الأدوار والوظائف واعتبارها خدمات أولية تقدمها المرأة للمجتمع تفوق في ناتجها دورها التربوي، وهذه الدعاية ساهمت في صرف المجتمع عن تأكيد دور الأم المربية إلى تشجيع دور الأم العاملة أو المرأة العاملة؛ وذلك بتشجيع تأخير الإنجاب.
- عدم قيام المؤسسات التعليمية بأدوارها في إعداد المرأة الأم وتشجيعها لممارسة دورها التربوي إضافة إلى ازدحام قائمة المناهج الدراسية بمواد بعيدة الصلة عن الحاجات الفعلية للمرأة مما يترتب على ذلك عدد من النتائج أبرزها طول فترة اليوم الدراسي باعتبارها أول تلك النتائج، وثانيها طول فترة المرحلة الدراسية، ثم ثالثها ضعف إعداد المرأة تربوياً، وتبعاً لذلك فقد تتأخر المرأة أو تتعطل في أداء دورها التربوي.
توصيات:
أَخلُص من ذلك كله إلى عدد من التوصيات تتعلق بالمرأة المربية والنشء والطفولة بل والأسرة مما يعزز فعالية المرأة:
أولاً: تكثيف البرامج التعليمية في مدارس تعليم البنات فيما يخص إعداد المرأة إعداداً فعلياً لأداء دورها الوظيفي.
ثانياً: إنشاء مراكز لأبحاث الطفولة والناشئة تكون غايتها بحث أفضل السبل لوضع منهجية تربوية قائمة على أصول شرعية قادرة على مواجهة المتطلبات المتصاعدة للحياة العصرية؛ بحيث تمد تلك المراكز الأمهات ودور الحضانة ومدارس المرحلة الابتدائية بالأبحاث والدراسات فيما يخص الطفولة والناشئة وكيفية تواؤمها مع المجتمع بما يحافظ على أصالة التربية.
ثالثاً: إنشاء مراكز لسلامة الطفولة ودعمها، غايتها بث وعي إعلامي وقائي للأمهات والآباء فيما يخص سلامة أطفالهن من كافة أنواع المخاطر كحالات الحرق، والغرق، والخنق، والسقوط، ... إلخ.
رابعاً: تكثيف المواد الإسلامية وخاصة مسائل التوحيد في مناهج ما قبل المدرسة، وعرضها بطريقة تناسب عقول الصغار؛ ففي هذه المرحلة تغرس مبادئ التوحيد بأنواعها الثلاث في عقولهم الغضَّة، مما يشكل دعماً لجهود الوالدين في تلك القضية.
خامساً: إنشاء هيئة عليا للدراسات الأسرية التربوية تختص بتذليل كافة السبل لدعم البرامج التربوية في مناهج التعليم، وتهيئة الظروف لتحقيق توافق أسري داخل البيوت من خلال البرامج والدورات التدريبية التي تشمل فيما تشمل دورات أسرية لمرحلة ما قبل الزواج ثم مرحلة ما بعد الزواج، كما يكون من ضمن اختصاصها فتح قنوات اتصالية مع الأمهات لبحث ما يعتريهن من مشاكل تربوية تعيقهن عن أداء دورهن.
ـــــــــــــــ(1/139)
سنن الفطرة وآثارها التربوية
صالح أبو عرَّاد الشهري
إن الإسلام دين الفطرة التي قال فيها الحق سبحانه:((فِطْرَتَ اللهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)) وتتمثل هذه الفطرة في طهارة المسلم ظاهراً وباطناً، فأما طهارة الباطن فهي متعلقة بالقلب وتعني تطهير النفس الإنسانية من الشرك بالله ، وتتطلب إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له ، والقيام بالأعمال الصالحة والأفعال الخيرة . وأما طهارة الظاهر فهي الفطرة العملية التي تشتمل على كل ما كان متعلقاً بجمال المظهر عند الإنسان المسلم وحسن سمته . لما في ذلك من ملاءمة للفطرة السوية التي خلق الله الإنسان عليها ، والتزام بهدي النبوة المبارك. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة" رواه أبو داوود .
ولأن الإسلام هو دين الفطرة الذي عرف أسرارها ، وكشف خباياها ، وسبر أغوارها ، فقد قدم لها ما يُصلحها وما يصلح لها من تعاليم وسنن وتوجيهات جاءت كالثوب المناسب لمختلف الأعضاء ، والملائم لشتى الأبعاد . لذلك كله جاءت سنن الفطرة لتشكل رافداً من روافد التربية الجمالية في حياة المسلم ، ولتعرض نموذجاً مثالياً لحياة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، كما إنها تحقق معنى التوازن الذي تفتقده جميع الفلسفات البشرية التي عرفها الإنسان قديماً وحاضراً حيث إنها ترتكز مرة على الجانب الجسدي ، وتارة على الجانب العقلي ، وأخرى على الجانب النفسي وهكذا..
كل هذا يعني أن سنن الفطرة تضع الشخصية المسلمة في وضع متوازن عادل يمثل الوسطية المطلوبة فلا إفراط ولا تفريط . وليس هذا فحسب بل إن هذه السنن في مجموعها تمنح الإنسان تكريماً إلهياً يأتي كأبدع ما يكون التكريم .
وهذا البحث يقدم من خلال سنن الفطرة نموذجاً للتربية الإسلامية يتحقق في كرامة الإنسان المسلم الذي أراد الله -جل وعلا- أن يكون خليفة في الأرض ، ويتمثل في توازن شخصيته في جوانبها المختلفة ، كما يتحقق فيه أيضاً هدف التربية الغائي في استقامة الإنسان واستقامة الحياة، وذلك أسمى ما تصبو إليه التربية، عند بنائها لشخصية الإنسان المسلم .
سنن الفطرة نموذج تربوي نبوي :
تحتاج كل تربية إلى نموذج واضح يجسد معالم هذه التربية ويوضح تعاليمها بصورة واقعية تنقل المجرد إلى محسوس ، والقول إلى عمل ، والنظرية إلى تطبيق .
وفي التربية الإسلامية لا يوجد أعظم ولا أكمل ولا أفضل من شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - لتكون نموذجاً حياً ، وقدوة حسنة للإنسان المسلم في كل زمان ومكان . ولا ريب فهو من اصطفاه ربه -جلا وعلا- وقال فيه : ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)) [الأحزاب 21] . وهو الذي بعثه الله لأمته معلماً ومزكياً ومربياً . قال تعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ والْحِكْمَةَ)) [آل عمران 164] . وهو الذي مدحه ربه سبحانه بما منحه فقال له سبحانه في كلمات موجزات : ((وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم 4] . فكان كل خلق فاضل وسلوك سليم متمثل في حياة رسول الله وشخصيته المتكاملة التي استوعبت كل جوانب الحياة .
وبذلك جسَّد الرسول - صلى الله عليه وسلم - منهج التربية الإسلامية السامية في الواقع العملي لحياته متمثلاً في سنن الفطرة . من هنا كان للمحافظة على هذه السنن أثر تربوي عظيم يتمثل في أن التزام المسلم بها وتطبيقه لها في واقع حياته يدل على أمرين هما :
* التصديق بما ورد في سيرة الرسول والتقليد والاتباع لهدي التربية النبوية في كافة الأعمال وجميع التصرفات . وهذا بدوره كفيل بتعود المجتمع المسلم بمن فيه من أفراد على السمع والطاعة والامتثال لأوامر الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لا سيما وأن في الناس نزعة فطرية لتقليد ومحاكاة من يحبون ، وليس هناك أحب عند المسلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
* اتخاذ القدوة الحسنة من المعلم الأول والمربي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - كشخصية فذة متكاملة متوازنة . وتتضح هذه القدوة في اهتمامه بالجوانب المتعلقة بالجانب الجسمي والنظافة العامة حينما يتفقد المسلم أظافره فيقصها ، وفمه فينظفه ، وأسنانه فيسوكها ، وشاربه فيقصه ، وإبطيه فينتفهما... الخ .
وهذا بدوره ينفي الزعم الباطل القائل بأن الإسلام لا يهتم بالناحية الجسمية بل ويؤكد قضية التوازن في اهتمام التربية الإسلامية ورعايتها لمختلف الجوانب الجسمية والروحية والعقلية ، فلا يستغرب بعد ذلك أن يعرف المسلم لأول وهلة حين يرى سمته ووقاره ، وهيئته الخارجية وشكله العام الذي يميزه عن غيره من الناس. لأن هذه السنن في مجموعها جعلت له شخصية مميزة ، ومظهراً خاصاً ، ونموذجاً فريداً يقتدي فيه بإمام الطاهرين وقدوة الناس أجمعين - صلى الله عليه وسلم - .
سنن الفطرة والتربية الجمالية :
تدعو التربية الإسلامية دائماً ، وتحث على الاهتمام بالمظهر الشخصي والناحية الجمالية ، ليكون المسلم جميلاً في مظهره ، متناسقاً في هندامه ، بعيداً عن الدروشة والقذارة والإهمال . قال تعالى: ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)) [الأعراف 31] . فالله سبحانه كما جاء في الحديث : "جميل يحب الجمال" . وليس هذا فحسب بل إن في ذلك إشباع لحاسة الجمال في نفس المسلم ، فيتولد في أعماقه إيمان شديد بعظمة الخالق سبحانه الذي أحسن كل شيء خلقه ، والذي صورنا فأحسن صورنا ، وخلقنا في أحسن تقويم .
ومن عناية الإسلام بالمظهر الحسن والهيئة الجميلة أمره للمسلم وحثه إياه للالتزام بسنن الفطرة التي تربي المسلم تربية جمالية تتمثل في :
* الطهارة الحسية الجسدية ، وهي مما يحبه الله سبحانه . قال تعالى : ((واللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ)) [التوبة 108] . ولما روي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "تنظفوا فإن الإسلام نظيف" رواه ابن حبان . ويتمثل ذلك في تطهير البدن بالوضوء والغسل فينعكس ذلك بدوره على المظهر الخارجي .
* الطهارة المعنوية التي تغرس في النفوس تطهير الضمير كعبادة وطاعة وامتثال لأوامر الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وهذه التربية الجمالية تؤدي بدورها إلى تطهير النية والعمل والسلوك ، فنظافة المظهر مدعاة لنظافة الجوهر ، ونظافة الشكل مدعاة لنظافة الضمير ، ونظافة الفرد مدعاة لنظافة المجتمع . وبذلك يتحقق بعد تربوي إسلامي عظيم متمثل في طهارة المجتمع المسلم طهارة معنوية من الفواحش والمعاصي والذنوب والآثام ، فترتفع النفس المسلمة من رجس الفوضى وأوحال الوحشية إلى نظافة الأخلاق وتهذيب السلوك . ومن ثم يتم تطهير الحياة الاجتماعية عامة حتى تصبح التربية شاملة للنفس والعقل والجسم .
وليس هذا فحسب بل إن في هذه السنن مدعاة لتأليف القلوب ومد جسور المحبة والمودة ، وتوطيد الصلة بين الإنسان المسلم وزوجه ، فتكون حياتهما مبنية على الرحمة والمودة ، وقائمة على السكن والراحة والقبول . وليس أجمل من أن يكون - كلا الزوجين مناسباً للآخر ، وملائماً له ، مقبولاً عنده في شكله وهيئته لأن ذلك مدعاة للائتلاف والرضى ، وسبب مباشر لقناعة كل منهما بالآخر . وهذا بدوره سيؤدي إلى استمرارية سعادتهما الزوجية .
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوة تحتذى في هذا الشأن . يقول ابن الجوزي : "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أنظف الناس وأطيب الناس" . وقد قالت الحكماء : من نظف ثوبه قلّ همه ، ومن طاب ريحه زاد عقله ، ومن طال ظفره قصرت يده . ثم إن المسلم بالتزام سنن الفطرة يقرب من قلوب الخلق ، وتحبه النفوس لنظافته وطيبه . كما أن سنن الفطرة تنمي لدى الإنسان الإحساس بالجمال ، وتنمي طاقاته وملكاته المستشعرة لمعنى الجمال في خلق الله سبحانه .
وأحسب أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله جميل يحب الجمال" إنما هو دعوة إلى التخلق والتحلي بالجمال الذي هو البهاء والحسن وجمال الصورة وجمال المعنى على حد سواء .
سنن الفطرة والتوازن في شخصية المسلم :
مما لا شك فيه أن الكيان البشري يشتمل على عدة وحدات هي : الجسم ، والعقل ، والروح . ولذلك فإن التربية الإسلامية حرصت على الربط بين هذه الوحدات لتجعل منها كياناً واحداً مترابطاً ، واختطت لذلك منهجاً فريداً في إحاطته بجميع الجوانب الإنسانية ، فجاء هذا المنهج متوازناً مهتماً بالذات الإنسانية في كل حالاتها . ولا ريب فهي تربية للإنسان كله جسمه وعقله ، روحه ووجدانه ، خُلقه وسلوكه ، سرائه وضرائه ، شدته ورخائه ، أي أنها تشمل كل الجوانب الشخصية دون قهر أو كبت أو فوضى أو تسيب أو إفراط أو تفريط.
ولذلك جاءت شخصية الإنسان المسلم متوازنة سوية متكاملة ، لا يطغى فيها جانب أو يهمل على حساب الجانب الآخر . وهذا هو ما نلمسه في هذه السنة هي التي إلى جانب كونها من المظاهر الدنيوية فهي عبادة يثاب عليها المرء ، وتكسبه الأجر والثواب متى قصد بها وجه الله سبحانه والاقتداء بهدي النبوة . وهذا بدوره يربط بين الهدفين الديني والدنيوي للتربية الإسلامية . وبذلك يتحقق التوازن في شخصية الإنسان المسلم حينما نرى أن التزامه بهذه السنة يجعل الجسم يحظى بحق من العناية والرعاية والاهتمام فيما يخص المظهر الخارجي والشكل العام اللائق المقبول . فيدل ذلك على أن الإنسان ينعم بعقل راجح وتفكير سديد ، ومدارك واسعة وفهم عميق لحقائق الأشياء وجوهرها . الأمر الذي يدفعه من ثم إلى السمو الروحي والرفعة الإنسانية والتعالي عن سفاسف الأمور وصغائرها وحطامها المادي الحقير .
كما أن اتباع المسلم لما يسمى بسنن الفطرة يؤدي إلى ما يسمى بالقبول الاجتماعي للفرد . حين يقترب منه الناس ويطمئنون إليه ويعاملونه بكل حب وتقدير واحترام لأنه يفرض ذلك عليهم بحسن مظهره وحسن تدبيره . لذلك كله نقول ونؤكد أن دين الإسلام هو الدين الوحيد القادر على ربط الإنسان بخالقه وإصلاح حاله في كل زمان ومكان حينما يمشي على الأرض بجسم ، ويتوجه بروحه إلى السماء ليستمد منها أنوار الهداية والمعرفة فيحكم عقله فيها ويختار منها ما يناسب حاله ، ويوافق قدراته ، ويلبي حاجاته ، فتسير حياته وفق منهج مستقيم وهدي قويم .
سنن الفطرة دليل تكريم الله للإنسان المسلم :
لما كان الدين الإسلامي هو المنهج الرباني المتكامل والمناسب للفطرة الإنسانية ، لأنه جاء من عند الخالق -عز وجل- لصياغة شخصية الإنسان صياغة متوازنة متكاملة ، لا ترفعه إلى مقام الألوهية ، ولا تهبط به إلى درك الحيوانية أو البهيمية ، وإنما لتجعل منه خير نموذج على الأرض ؛ فقد خصه -جل وعلا- بتكريم يليق به لكونه جُعل في الأرض خليفة ليعمرها وينشر منهج الله بين ربوعها ويقيم شريعته فيها . ثم لأنه - جلا وعلا - خلقه في أحسن تقويم فكرمه بالصورة الحسنة والمظهر الجميل ، فكانت سنن الفطرة عاملاً مهماً في إبراز هذا الجمال والمحافظة عليه . وليس هذا فحسب بل إن الله كرم الإنسان بأن نفخ فيه من روحه ، قال تعالى : ((إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ * فَإذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)) [سورة ص 71-72] . فكان ذلك تكريماً للكائن البشري وتمييزاً له عن سائر المخلوقات ، إضافة إلى ما خصه الله به من نعمة العقل . فكان للجانب العقلي انعكاس على سلوكه وتصرفاته تجعله يحكم ذلك العقل كثيراً ، لا سيما وأن ذلك العقل يعد مناط التكريم الإلهي للإنسان .
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن في هذه الخصال والسنن النبوية نمطاً تربوياً إسلامياً يتناسب مع مسئوليات هذه الخلافة ووظائف تعمير الكون ، إلى جانب كونها تحقق مبدأ التكريم الإلهي للإنسان في هذه الحياة الدنيا . وهو أمر يتميز به الإنسان عن غيره من الكائنات الحية الأخرى لقوله تعالى : ((ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)) [الإسراء 70] . ففي قص الأظافر مثلاً تمييز للإنسان المسلم عن غيره من الكائنات ذات المخالب من كواسر وقوارض ونحوها . وفي حلق الشعر وقصه ونتفه تمييز للإنسان المسلم عن غيره من المخلوقات ذات الشعور المرسلة ، والمسدلة على أجسادها بلا ترتيب ولا انتظام . وفي السواك والمضمضة تمييز للإنسان المسلم عن غيره من الكائنات التي لا تنظف أفواهها ولا تعتني بنظافة أسنانها.. وهكذا .
وهذا فيه رفع لمستوى الإنسان المسلم وتكريم له على غيره من الكائنات والمخلوقات الأخرى لذا كان على الإنسان المسلم أن يحترم هذه المكانة التي أنزله الله إياها ، وألا يهبط بها عن مستواها الإنساني الرفيع الذي خصه الله به عمن سواه . ومن هنا نرى أن سنن الفطرة دليل على تكريم الخالق سبحانه للإنسان المسلم لأمرين هما :
* إن تكريم الله سبحانه للإنسان نابع في الأصل من كون هذا الإنسان يحمل منهج الله في الأرض ، وأن هذا المنهج يعتمد على مصدرين رئيسيين أحدهما متمثل في اتباع الهدي النبوي والسنة المطهرة .
* أن من السنة الاقتداء برسول الله ، وهذا يحصل للمسلم عن طريق محافظته على سنة الفطرة .
سنن الفطرة والاستقامة الإيمانية :
من المسلمات أن التربية الإسلامية تسعى إلى تحقيق غاية عظمى ، وهدف أسمى يتمثل في استقامة النفس البشرية على نهج الإيمان الواضح الصحيح الذي لا تشوبه شائبة ، وذلك أمر لا يمكن تحقيقه إلا بممارسة شرائع الإسلام واتباع تعاليمه ، والانقياد لأوامره والابتعاد عن نواهيه . فالاستقامة إذاً مرحلة ثانية تأتي بعد الإيمان لأنها أثر من آثاره ونتيجة من نتائجه . قال تعالى : ((ومَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ وهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً)) [النساء:125] . وقال - صلى الله عليه وسلم - : "قل : آمنت بالله ، ثم استقم" رواه مسلم . فهذه الاستقامة الإيمانية لا تتحقق إلا بالفقه الشرعي ومعرفة أمور الدين ، والإحاطة بتعاليمه ، ورعاية الأخلاق وتطبيقها في واقع الحياة ليصبح الإنسان المسلم بذلك كله قدوة صالحة وأسوة حسنة. ثم لأنه متى استقام قلب المسلم على معرفة الله سبحانه وعلى خشيته وتقواه في كل لحظة وفي كل صغيرة وكبيرة؛ استقامت جوارحه كلها على الطاعة والامتثال .
وهذا يؤهل من قام به والتزمه ليكون من حملة الرسالة الخالدة الذين قال الله سبحانه فيهم : ((إنَّ الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [ فصلت 30] .
ومن هنا يمكن القول بأن من ثمرات التزام المسلم بسنن الفطرة ما تحققه من ملامح الاستقامة الإيمانية عنده حينما يطبها بشكل مناسب ومقبول يعتمد في المقام الأول على الاعتدال والاتزان والاتباع لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - دونما إفراط أو تفريط . إضافة إلى تربية المسلم على الاستمرارية والمواصلة والمحافظة على هذه السنن المباركة والخصال الحميدة لما فيها من خير للفرد وصلاح المجتمع .
ـــــــــــــــ(1/140)
عَشْر همسات للنساء
عبد الرحمن بن محمد السيد
إلى حفيدات أسماء في العفة و الطهر و النقاء .. إلى السائرات على درب عائشة و حفصة و سمية .. إلى الطاهرات النقيات التقيات العفيفات ..
إلى المغرورات بزخارف الغرب و الشرق الزائفة .. إلى المبهورات بحضارة المتخلفين .. إلى كل من عصت ربها و شقَّت ستور خدرها فخرجت من بيتها كاسية عارية مائلة مميلة فاتنة مفتونة أُطلِق صيحة التحذير و صرخة النذير .. ( 1 )
الهمسة الأولى : أيتها الأخت المؤمنة .. يا من أنعم الله عليكِ بصحة البدن .. يا من أكرمكِ الله بنعمة الإسلام .. احمدي الله سبحانه واشكريه .. وتقرَّبي إليه وأطيعيه .. فإن طاعته فيها سعادة الدنيا والآخرة .. والقرب منه منوطٌ بعزَّ الآخرة والأولى .. قال تعالى : ( ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) .
الهمسة الثانية : حافظي على حجابكِ وعفافِك .. فالحجاب طهارةٌ وعفٌة ونقاء .. قال تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذَيْن ) ..
نعم .. إنه زينة وعلامة للمرأة الطاهرة الشريفة .. كيف لا ؟ وهو دليل حيائها .. وعلامة نقائها .. وهو صيانةٌ لها من شياطين الإنس والجن .. فاحرصي على حجابكِ - رحِمكِ الله - فإنه سرُّ سعادتكِ .
الهمسة الثالثة : احذري دعاة التبرج والسفور .. فإنهم يريدون الشرَّ لك َ .. وكوني سداً متيناً أمام أفكارهم .. وحصناً منيعاً أمام شهواتهم .. نعم يا أختاه .. لقد أرَّقهم وأقضَّ مضاجعهم حياؤكِ وعفَّتُكِ .. فأرادوا أن يُلحِقونكِ بركب الفاجرات الغربيات .. من أجل قضاء شهواتهم .. وتحقيق رغباتهم .. فاحذريهم .. إني لكِ من الناصحين ..
الهمسة الرابعة : صوني لسانَكِ عن الغيبة والنميمة .. فإنهما يمحقان الحسنات .. ويأكلان أجور الطاعات .. قال تعالى : ( ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحبُّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ) .
ثم اجتنبي تلك المجالس التي يحصل فيها مثل هذه المعاصي والآثام .. وأكثري من ذكر الله وقراءة القرآن .. فإنهما من أسباب النجاة من هذه الأمور ..
الهمسة الخامسة : احرصي - رعاكِ الله - على التفقُّه في أحكام دينِك .. وأمورِ عقيدتِك .. وأوصيك بقراءة الكتب النافعة .. والوصايا الجامعة .. من كتب علمائنا ودعاتنا .. كما لا تنسَيْ حضور مجالس الذكر والعلم .. فإنها من أسباب تحصيل ذلك ..
وتذكري قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة ) .
الهمسة السادسة : أيتها المؤمنة .. لا زال التاريخ يذكر لنا سِيَر العظماء من النساء .. اللائي ضحّين بجهدهنَّ ووقتهنَّ .. فربّين العظماء والأبطال .. وساهمن في إعداد نماذج مشرقة .. تحدَّث عنها العالَم .. وصَفَّق لها التاريخ .. وقديماً قالوا : وراء كلَّ تربية عظيمة امرأة عظيمة ..
فهل ستكونين ممن نقشت اسمها في جدار الزمن .. ورسمت فعلها في لوحة التاريخ .. وذلك بإنتاج جيلٍ متميِّزٍ فريد .. تغرسين فيه حبَّ دينه وأمته .. وتزرعين فيه روح الفداء .. فيُثمرُ عقيدة التضحية ..
فهيا يا أختاه .. فإن الجهد لن يضيع .. والعمل لن يبور .. ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) .
الهمسة السابعة : أيتها الكريمة .. احرصي على كثرة النوافل .. وداومي على البذل والإنفاق .. وكوني من السبَّاقات .. إلى جنةٍ عرضها الأرض والسماوات .. قال تعالى : ( وسابقوا إلى مغفرةٍ من ربكم ) .. وقال : ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) ..
فهيا يا أختاه .. فالميدان فسيح .. والطريق طويل .. فتزودي بزاد الإيمان .. وتسلحي بسلاح الطاعة .. والموعد الجنة ..
الهمسة الثامنة : أيتها الفاضلة .. هل سمعتِ بقصة أم صالح ؟
إنها امرأةٌ عجوز .. سمعت عن فضل الدعوة إلى الله تعالى وعظيم ثوابها .. فخرجت مع أولادها إلى قرية من القرى .. لتعليم النساء ونصحهنَّ وتوجيههنَّ .. فلله درُّها .. وأين اللواتي يقتدين بفعلها ؟
قال تعالى : ( ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) .. فهل ستخضعين لهذا النداء الرباني العظيم .. وهل هل ستنقادين لهذا التوجيه الإلهي الجليل ؟ أرجو ذلك ..
الهمسة التاسعة : أيتها المؤمنة .. لا زال الكثير من النساء يتشوقن إلى من يشاطرهنَّ همومهنَّ .. ويناصفهنَّ أحزانهنَّ وآلامهنَّ .. فهم بحاجةٍ إلى الصالحات أمثالِك .. فبادري رعاكِ الله بالقرب من أخواتك .. وكوني عوناً لهم على الطاعة ..
بل كوني مرشدة لهم إلى الخير والفلاح .. فأنتِ أهلٌ لذلك - إن شاء الله - وتذكري قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمُر النعم ) .
الهمسة العاشرة : أوصيكِ بالقراءة في سِيَر من سلف من النساء الصالحات .. اللاتي ضربن نموذجاً رائعاً في القدوة الحسنة .. والمثال النادر .. والنوع الفريد .. حقاً إن في سيَر تلك النساء عبراً ودروس .. ودرراً وجواهر ..
ولولا ضيق المكان .. لذكرتُ لكِ نماذج مضيئة .. وصوراً مشرقة .. من أخبارهم وآثارهم .. ولعلي أن أفرد ذلك في موضوع لاحق - بإذن الله - .. ولكني أحيلكِ إلى كتب السِّيَر .. ففيها الشيء الكثير ..
والله يتولاكِ .. ويُسعدكِ ويرعاكِ ..
بقلم / أبو معاذ .. عبد الرحمن بن محمد السيد
صباح الاثنين 13 / 11 1427 هـ
ـــــــــــــــ
ــ
(1) هذه المقدمة مقتبسة من كتاب ( أختاه .. متى الالتزام ) .
ـــــــــــــــ(1/141)
قيِّم نفسك ( للجادين فقط )
عبد الله بن سعيد آل يعن الله
ما هو أمامك الآن إستبانة تستطيع أن تقيم بها نفسك ، وأن تصور من خلالها قدراتك وطاقاتك ، وأتمنى أن تتمعن القراءة فيها ثم تضع أمام كل فقرة النسبة التي تقيم بها نفسك 000
ملحوظة مهمة /
أرجوا بعد الفراغ من الإستبانة أن لا تحتقر نفسك أو يصيبك اليأس عند الشعور بالقصور ، بل ابدأ في الرقي وادع الله بالتوفيق والسداد ، وكذلك أرجوا أن لا تصاب بالغرور حينما تجد بأنك ملم بهذه الجوانب أو بعضها ، بل سل الله الثبات والسداد والقبول ..
أهمية مثل هذه الإستبانة :-
أ - التعرف على الجوانب والوسائل التي قد تغيب عن الذهن00
ب- اكتشاف جوانب القصور التي لدى الفرد 00
ج- محاولة الارتقاء في كل وسيلة من الجوانب التي ذكرت00
د- بهذه الوسائل والجوانب يستطيع الإنسان أن يربي بها نفسه ، وولده ، ومن هو تحت يده0
إضاءة ...
" كن طبيباً رفيقا يضع دواءه حيث ينفع "
• الجانب الإيماني
1- الاعتناء بالقرآن الكريم تلاوة وحفظاً وتدبرا. ( % )
2- التفكر في المخلوقات . ( % )
3- جلسات الذكر. ( % )
4- المواعظ . ( % )
5- التعاون المشروع على أداء العبادات . ( % )
6- الاعتناء بمعرفة الأسماء والصفات . ( % )
7- تذكر الموت والدار الآخرة . ( % )
8- التنافس والتسابق في الخير . ( % )
9- القدوة الحسنة . ( % )
10- الاعتناء بدراسة سير السلف . ( % )
11- تقوية تعظيم الله في نفسك . ( % )
12- تحرير القلب من التعلق بغير الله. ( % )
13- العناية بأعمال القلوب . ( % )
14- اجتناب المعاصي ( % )
15- الورع واجتناب الشبهات ( % )
16- العناية بالنوافل ( % )
إضاءة ...
" إنما السيل اجتماع النقط"
• الجانب العلمي والعقلي ---
1- تطوير طريقة التعليم 0 ( % )
2- تطوير أسلوب الخطاب ومضمونه0 ( % )
3- الحماس في التعلم0 ( % )
4- المحافظة على الطاقة العقلية0 ( % )
5- القراءة الواسعة 0 ( % )
6- تنويع مصادر التعلم 0 ( % )
7- الاعتناء بطرق التعليم الفردي 0 ( % )
8- تنمية المهارات العقلية 0 ( % )
9- الإبداع ولإبتكار0 ( % )
10- تعلم مهارات البحث العلمي 0 ( % )
11- التخلص من معوقات التفكير السليم0 ( % )
12- التدرّب على أشكال التفكير السليم 0 ( % )
13- تنمية الاتجاهات العقلية السليمة0 ( % )
14- تعلّم أسس التفكير العلمي 0 ( % )
15- تعلّم طرق حلّ المشكلات 0 ( % )
16- القراءة الذكية 0 ( % )
17- التعبير اللغوي السليم0 ( % )
18- الاستنباط السليم 0 ( % )
إضاءة ...
" ما كل عودٍ ناضرٍ بنضَّار "
• الجانب الدعوي
1- تذكر فضل الدعوة وآثارها 0 ( % )
2- دراسة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - 0 ( % )
3- دراسة سير الأنبياء 0 ( % )
4- دراسة التجارب الدعوية القديمة والمعاصرة 0 ( % )
5- معرفة جهود أهل الباطل وتخطيطاتهم0 ( % )
6- دراسة الواقع 0 ( % )
7- التعرف على وسائل الدعوة وطرقها0 ( % )
8- التدرج في الجانب الدعوي0 ( % )
9- تنمية المبادرة الفردية 0 ( % )
10- تنمية دوافع إنكار المنكر والغيرة على حرمات الله0 ( % )
11- تنمية المهارات الدعوية0 ( % )
12- تنمية دوافع النصيحة0 ( % )
13- تنمية مهارات الإقناع 0 ( % )
14- تنمية مهارات الحوار 0 ( % )
15- تنمية مهارات الإلقاء والخطابة0 ( % )
16- تنمية مهارات الكتابة 0 ( % )
17- تنمية المهارات القيادية0 ( % )
18- الارتقاء بالثقافة الدعوية 0 ( % )
إضاءة ...
قال الشاعر /
عجبت لمن ثوبه لامِعٌ ولكنما القلبُ كالفحمةِ
مظاهر براقة تحتها بحار من الزيف والظلمة
الجانب الخلقي والسلوكي
1- الاعتناء بشمائل الرسول - صلى الله عليه وسلم - 0 ( % )
2- مجالسة العلماء الربانيين0 ( % )
3- تنقية النفس من الأخلاق السيئة 0 ( % )
4- تحقيق العفّة والبعد عن الفواحش0 ( % )
5- حفظ اللسان والمنطق0 ( % )
6- التربية على الجدية0 ( % )
7- التربية على العزّة والشجاعة 0 ( % )
8- التربية على الوقار ومعالي المروءة0 ( % )
9- التربية على الصمت والهدي الحسن0 ( % )
10- التربية على الأدب مع الأكابر0 ( % )
11- التربية على رعاية آداب المجالس0 ( % )
12- التربية على الرجولة والخشونة وعدم الترف0 ( % )
13- التربية على العزيمة والبعد عن الكسل 0 ( % )
14- التربية على اغتنام الأوقات0 ( % )
15- التربية على النظام في الحياة والتفكير 0 ( % )
إضاءة ...
" لا تضخم القضايا على حساب القضايا الأخرى "
• الجانب الاجتماعي
1- تعلم الآداب والأحكام الشرعية في الحياةالإجتماعية0( % )
2- مزاولة الأنشطة والبرامج الترويحية0 ( % )
3- التعاون مع الجمعيات الخيرية 0 ( % )
4- التعويد على تحمل المسؤولية 0 ( % )
5- تنمية إتقان مهارات العمل 0 ( % )
6- اكتساب الخبرات 0 ( % )
7- الارتقاء بالوعي الاجتماعي 0 ( % )
8- الارتقاء بالوعي الاقتصادي 0 ( % )
9- الارتقاء بالوعي السياسي 0 ( % )
10- تنمية القدرة على بناء علاقات اجتماعية ناجحة0( % )
11- تنمية الشعور بالمسؤولية الاجتماعية 0 ( % )
12- تنمية روح التعاون والعمل الإجتماعي0 ( % )
13- التربية على الاهتمام بأحوال المسلمين0 ( % )
14- غرس الشعور بشرف الانتماء للأمة الإسلامية0 ( % )
إضاءة ...
" عوض ما فا تك "
• الجانب النفسي
1- العدل في التعامل0 ( % )
2- الاهتمام ومراعاة المشاعر0 ( % )
3- الاعتدال في رعاية الشباب0 ( % )
4- تحقيق الاستقرار الأسري 0 ( % )
5- تفعيل دور الأسرة 0 ( % )
6- تفريغ الطاقة 0 ( % )
7- ملء الفراغ 0 ( % )
8- غرس الثقة بالنفس 0 ( % )
9- تحسين فهمك للذات 0 ( % )
10- إشباع الحاجات النفسية0 ( % )
11- توجيه الانفعالات وضبطها0 ( % )
12- الوقاية من الانحرافات والاضطرابات النفسية0( % )
13- تحقيق الحب والبغض في الله 0 ( % )
14- تقوية الإرادة 0 ( % )
وأخيرا /
أرجوا أن تبحث عن الوسائل التي تقودك للفوز بتنمية هذه الجوانب في حياتك 000
*المرجع الذي ساعدني في صياغة هذه الإستبانة هو كتاب / تربية الشباب الأهداف والوسائل للدكتور محمد بن عبد الله الدويش ..
يوم الخميس 11/4/1429هـ
خميس مشيط.
Assy_2005@hotmail.com
ـــــــــــــــ(1/143)
المنهج النبوي في التعامل مع النساء
د.محمد علي الغامدي
لقد أمر الله تعالى بأن يُعاشر النساء بالمعروف فقال جل ذكره: (وعاشروهن بالمعروف)، والمعروف كلمة جامعة لكل فعل وقول وخلق نبيل يقول الحافظ بن كثير رحمه الله في التفسير: أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى: ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)، وكان من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - أنه جميل العشرة دائم البشر يداعب أهله ويتلطف بهم ويوسعهم نفقته ويضاحك نساءه''.
لقد كان عليه الصلاة والسلام القدوة الحسنة لأمته، والنموذج البشري الكامل قال جلّ ذكره: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، والحديث عن هديه عليه الصلاة والسلام مع النساء حديث طويل متشعب ولا غرو فقد أوضح لأمته: (أنهن شقائق الرجال)، ولعلي أقصر حديثي عن هديه الشريف مع نسائه، أو بعبارة أخرى: كيف عاش عليه الصلاة والسلام زوجا؟ وكيف تعامل مع نسائه؟ وكيف راعى نفسياتهن؟ وماهي وصاياه وإرشاداته للرجال بضرورة رعاية حقهن زوجات، وأمهات لأولادهم؟ وحسبي أن أسوق بعض الأحاديث دون شرح أو تعليق فهي كافية في إيضاح المراد مكتفيا بالإشارة إلى بعض ماتدل عليه تلك الأحاديث الشريفة:
* فقد أوصى بهن خيرا في نصوص كثيرة: منها حديث أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة)، وحديث أبي ذر عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن المرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خيارهم لنسائهم) وفي لفظ (وألطفهم بأهله).
وعن بهز قال حدثني أبي عن جدي قال قلت يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منها و ما ندع؟ قال: حرثك أنى شئت غير أن لا تقبح الوجه ولا تضرب وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت ولا تهجرها إلا في بيتها كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها
* وخوّف ورهّب من تزوج بأكثر من واحدة ثم لم يعدل بينهن: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل).
* وأرشد بفعاله ومقاله إلى أهمية مراعاة ما طبعن عليه من الغيرة: عن أنس قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند إحدى أمهات المؤمنين فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام فضربت يد الرسول فسقطت القصعة فانكسرت فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل يجمع فيها الطعام ويقول غارت أمكم كلوا فأكلوا فأمر حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك المكسورة في بيت التي كسرتها)، وعن عائشة قالت: ( افتقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه فتحسست ثم رجعت فإذا هو راكع أو ساجد يقول سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت فقلت بأبي وأمي إنك لفي شأن وإني لفي آخر)، وقالت أيضاً: ( التمست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأدخلت يدي في شعره فقال قد جاءك شيطانك فقلت أما لك شيطان؟ قال: بلى، ولكن الله أعانني عليه فأسلم).
* وكان وفيا لبعض نسائه غاية الوفاء حتى بعد وفاتهن: فعن عائشة قالت: (ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها قالت وتزوجني بعدها بثلاث سنين).
* كما كان عليه الصلاة والسلام يتيح لهن أن ينفذن شيئا من غيرتهن بحيث لا يتجاوزن الحد المشروع، ويضفي على سلوكهن ذلك المرح والابتسامة: فعن أبي سلمة قال: قالت عائشة: ''زارتنا سودة يوما فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينها إحدى رجليه في حجري والأخرى في حجرها فعملت لها حريرة أو قال خزيرة فقلت كلي فأبت فقلت لتأكلي أو لألطخن وجهك فأبت فأخذت من القصعة شيئا فلطخت به وجهها فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجله من حجرها تستقيد مني فأخذت من القصعة شيئا فلطخت به وجهي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك فإذا عمر يقول: يا عبد الله بن عمر يا عبد الله بن عمر فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ''قوما فاغسلا وجوهكما فلا أحسب عمر إلا داخلا''.
* بل إنه عليه الصلاة والسلام بيّن لأمته أن اللهو واللعب مع الزوجة مما يثاب عليه الرجل ، بل لا يعد من اللهو أصلا: ففي حديث عطاء بن أبي رباح قال: رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريين يرميان فمل أحدهما فجلس فقال الآخر كسلت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو ولهو إلا أربعة خصال مشي بين الغرضين وتأديبه فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة ) .
* وكان يراعي فيهن حالهن والسن التي كان عليها بعضهن: فعن عائشة قالت: (كنت ألعب بالبنات فربما دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصواحباتي عندي فإذا رأين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فررن فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أنت وكما أنتن).
* وكان إذا بدر منهن شيء يسوؤه لم يكن يقابله إلا بالحكمة واللطف: فعن أنس بن مالك قال كانت صفية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر وكان ذلك يومها فأبطت في المسير فاستقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي وتقول حملتني على بعير بطيء فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح بيديه عينيها ويسكتها فأبت إلا بكاء فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركها فقدمت فأتت عائشة فقالت يومي هذا لك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أنت أرضيتيه عني فعمدت عائشة إلى خمارها وكانت صبغته بورس وزعفران فنضحته بشيء من ماء ثم جاءت حتى قعدت عند رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لك فقالت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث فرضي عن صفية وانطلق إلى زينب فقال لها إن صفية قد أعيا بها بعيرها فما عليك أن تعطيها بعيرك قالت زينب أتعمد إلى بعيري فتعطيه اليهودية فهاجرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أشهر فلم يقرب بيتها وعطلت زينب نفسها وعطلت بيتها وعمدت إلى السرير فأسندته إلى مؤخر البيت وأيست أن يأتيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينما هي ذات يوم إذا بوجس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل البيت فوضع السرير موضعه فقالت زينب يا رسول الله جاريتي فلانة قد طهرت من حيضتها اليوم هي لك فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنها).
---------------------------
* عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بجدة
ـــــــــــــــ(1/144)
خطبة (حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - )
سامي بن خالد الحمود
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين ، وأتم علينا النعمة في الدارين ، وبعث فينا رسولاً منا ، يتلو علينا آياته ويزكينا ، ويعلمنا الكتاب والحكمة ، وإن كنا من قبل لفي ضلال مبين .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادةً تكون لمن اعتصم بها خيرَ عصمة ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، أرسله الله للعالمين رحمة ، وأنزل عليه الكتاب والحكمة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد .. في زمنٍ اختل فيه ميزان الاقتداء ، واضطرب فيه منهاج الائتساء .. عن أيّ قدوةٍ سأتحدث؟ وعن أي إنسانٍ سأتكلم؟
إننا اليوم ، نتحدث عن تلك الروح الزكية التي مُلئت عظمةً وأمانةً وسمواً .. وعن تلك النفس الأبية التي مُلئت عفةً وكرامةً ونبلاً .
ماذا أقول وألفَ ألفَ قصيدةٍ عصماءَ قبلي سطرت أقلامُ
مدحوك ما بلغوا برغم ولائهم أسوارَ مجدك فالدنوُّ لمامُ
إنَّهُ محمد بنُ عبد اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، رسولُ اللهِ إلى العالمين ، وحجتُه على الخلق أجمعين .
محمد ، الذي اختاره الله جل جلاله لحملِ رايتهِ، والتحدثِ باسمهِ، وجعله خاتمَ رسلهِ ، وأثنى عليه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) .
أيُّها الأحبةُ .. إنَنَا حينما نستلهمُ الحديثَ عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فإنَنَا لا يمكن أن نُوفِّيهِ بعضَ حقهِ، وإنَّما هي إطلالة سريعة ، وإشارةٌ موجزة ، إلى شيءٍ من سِماتِهِ التي جعلت أفئدةَ الناسِ تهوي إليه ، وشيءٍ من صفاته التي جذبت نفوسَ الخلق إليهِ .
لقد رأى الصحابة رأيَّ العينِ كلَّ فضائلهِ ومزاياه، رأوا طُهرِهِ وعفتهِ ، رأوا أمانته واستقامتهِ ، رأوا شجاعته وبسالته ، رَأوا سُمُوه وحنانه .
بل رأى كلَّ هذا أهل مكة ، الذين عاصروا ولادته وطفولته ، بما انطوت عليهِ من رجولةٍ مبكرةٍ .
لقد كانت قريشٌ تتحدثُ عمَّا أنبأتهم بهِ، وأذاعتهُ بينهم مرضعتهُ حليمة، حينَ عادت بهِ إلى أهلهِ .
لقد كانت حليمة تدرك أن هذا الطفلَ غيرُ عادي ، وأنَّهُ ينطوي على سرٍّ يعلمهُ الله، وقد تكشفهُ الأيام .
ما إن أخذت حليمةُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، حتى دَرَّ ثديها اللبن، فارتوى منهُ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - وابنُها الذي كانَ يبكي من الجوعِ لجفافِ ثدي أمِّه، ثم امتلأ ضرعُ راحلتها باللبنِ بعد أن كانَ يابساً، فشبعت هي وزوجها .. ثم أصبحت الراحلة نشيطةً قوية، ولما وصلت ديارها أخصبت الأرض وأربعت ، فلا تحل أغنامُ حليمةَ إلا وتجدُ مرعاً خصبا، فتشبعُ أغنامها ، حين تجوع أغنام قومها .
وعاش طفولته - صلى الله عليه وسلم - في بني سعد ، وكان ينمُو نمواً سريعاً لا يُشبهُ نمُوَّ الغلمان .
وأما شبابُهُ - صلى الله عليه وسلم - فيا لطهرِ الشباب .. وعندما حجَّ أكثمُ بن صيفي -حكيمُ العرب- ورأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهُو في سنِّ الاحتلام، قال لعمِّه أبي طالب: ما تظنُونُ به ؟ قال: نحسنُ بهِ الظن، وإنَّهُ لوفيٌّ سخي .. قال: هل غيرَ هذا ؟ قال: نعم، إنَّهُ لذوُ شدةٍ ولينٍ ، ومجلسٍ ركين، وفضلٍ متين .. قال: فهل غيرَ هذا؟ قال: إنَّا لنتيمّنُ بمشهدهِ، ونتعرّفُ البركةَ فيما لَمَسهُ بيده .
وأمَّا رجُولَتهُ فقد كانت ملءَ كلِّ عينٍ وأذنٍ وقلب .. لقد كانت رجولته مقياساً لقومه ..يقيسون بأخلاقه وتصرفاته كلَّ رُؤاهم عن الحقِّ والخير والجمال ، فهَاهُم ذا على وشكِ أن يقتتِلُوا في من يضعُ الحجرَ الأسودِ في مكانه، وأخيراً ألهَمهُم اللهُ تعالى إلى تحكيمِ أوَّلُ من يُقبلُ من بابِ الصفا، وما زالوا كذلك حتى أقبلَ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - ، فما أن رَأوهُ حتى قالوا: هذا محمدٌ الأمين، رضينا به حكماً .
كانت حياته - صلى الله عليه وسلم - نقاءً وصدقاً، وعفافاً وطهراً، لم يُجَرِّبوا عليه كذباً ؟ لم يظلم إنساناً؟ لم يخُن صديقاً ولا عدواًً؟ لم يكشف عورة؟ لم يخفر ذمة؟ لم يقطع رحماً؟ لم يتخل عن مروءة؟ لم يشتم أحداً؟ لم يشرب خمراً؟ لم يستقبل صنماً؟
شخصية فريدة .. جعلت سادةَ قومهِ يُسارِعُون إلى الاستجابة لدعوته ، كأبي بكرٍ وطلحةَ والزبير وعُثمانَ وغيرِهم، تاركين وراءهم كلَّ مجدٍ وجاه ، مستقبلينَ حياةً تمورُ بالأعباءِ وبالصعابِ .
شخصية فريدة .. جعلت ضعفاءَ قومهِ يلوذُونَ بحماه، ويَهرَعُونَ إلى رايتهِ ودَعوتهِ، وهم يُبصرُونَهُ أعزلَ من المالِ ومن السلاح، يَنزلُ بهِ الأذى، ويُطارِدُهُ الشرُ ، دُونَ أن يملكَ لهُ دفعاً .
إنها القدوة ، التي جعلت أتباعه يزيدُونَ ولا ينقُصُون، وهُو الذي يهتفُ فيهم صباحَ مساء، لا أملكُ لكم نفعاً ولا ضراً، ولا أدرِي ما يُفعلُ بي ولا بكم .
إنها القدوة ، التي تملأ القلوب يقيناً وعزماً .
لو أطلق الكونُ الفسيح ُلسانَه / لسرتْ إليك بمدحه الأشعارُ
لو قيل : مَنْ خيرُ العبادِ،لرَدَّدتْ / أصواتُ مَنْ سمعوا : هو المختارُ
لِمَ لا تكون؟ وأنتَ أفضلُ مرسلٍ/ وأعزُّ من رسموا الطريق وساروا
ما أنت إلا الشمسُ يملأ نورُها / آفاقَنا ، مهما أُثيرَ غبارُ
لقد كان الصحابة يرونه بينهم صاحب رسالةٍ سامية ، لم يكن ليسعى إلى جاهٍ ولا مالٍ ولا سيادة .
لقد كانوا يرونه أواباً منيباً حتى اللحظةَ الأخيرةِ من حياته .. لا يكادُ النصفُ الأخيرُ من الليلِ يبدأُ ، حتى ينتفضَ قائماً، فيتوضأَ ويُناجيَ ربَّهُ فتتورم قدماهُ وهُو يصلي ، ويبكي وهو يُصلي .
لقد كانوا يرونه - صلى الله عليه وسلم - سيداً للمتواضعين، وإماماً للعافين.
لقد دانتِ البلادُ كُلَّها لدعوتهِ، ووقفَ أكثرَ ملوكِ الأرضِ أمامَ رسائِلِهِ التي دَعاهم بها إلى الإسلام، وجِلِينَ ضارعين، فما استطاعت ذرةٌ من زُهوٍ وكبرٍ أن تمرَّ بهِ ولو على بعدِ فراسخ، بل كانَ يمشي - صلى الله عليه وسلم - مع الأرملةِ والمسكينِ والعبد، حتى يقضي حاجته .
وحينَ رأى بعضُ القَادِمين عليهِ يَهابُونُهُ في اضطرابٍ ووجل، قال لأحدهم: (هَوِّن عليك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكلُ القَدِيدَ بمكة)
لقد ألقى كل أعداءِ دينهِ السلاح، ومدُّوا إليهِ أعناقهم ليحكمَ فيها بما يرى، ومعه عشرةُ آلافِ سيفٍ تتوهجُ يومَ الفتحِ فوق رُبى مكةَ، فلم يزد على أن قالَ لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).!
بل كان من تواضعه ، أنه حرم نفسه رؤيةِ النصرِ الذي أفنى في سبيلهِ حياتَهُ .. فقد سارَ - صلى الله عليه وسلم - في موكبِ النصر يومَ الفتح، مطأطئاً رأسهُ ، حتى تعذرَ على الناسِ رُؤيةُ وجهه الأزهر، مُردداً بينهُ وبينَ نفسهُ ابتهالاتِ الشُّكرِ المبللةِ بالدموع، في حياءٍ وتواضعٍ لربِّهِ العليِّ الكبير، حتى وصلَ الكعبة، وأعمل في الأصنامَ معولَه ، وهُو يقولُ: (جاءَ الحقٌّ وزهقَ الباطل، إنَّ الباطلَ كان زهُوقا ) .
لقد كان - صلى الله عليه وسلم - قائداً فذاً ، وعابداً منيباً ، وأباً عطوفاً ، وزوجاً ودوداً لطيفاً ، وصديقاً حميماً ، وقريباً كريماً ، وجاراً تشغله هموم جيرانه ، وحاكماً تملأ نفسَه مشاعرُ محكوميه ، ومع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة في التاريخ .
صلى الله عليك يا رسول الله ، صلاةً دائمةً ما تعاقب الليل والنهار .. ونسألُ الله جلَّ جلالهُ أن يجعلنا من أنصارِ دينهِ، وحُماةِ عقيدتهِ وحُرَّاسِ ملته .. إنه على كل شيء قدير .
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ معزِّ من أطاعهُ واتقاه، ومذلِّ من عصاهُ واتبع هواه، أحمُدُهُ سُبحانهُ وأشكره، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهَ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ- صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبهِ وسلمَ- تسليماً كثيراً، أمَّا بعد .
عباد الله .. لقد رأى الصحابة الصفاتِ العظيمة ، والأخلاقَ الكريمة ، متمثلة في شخصه - صلى الله عليه وسلم - قبل نصه ، وفي سيرته قبل كلمته .. لم يقرؤوا هذه الصفات والأخلاق في كتاب جامد ، بل رأوها في بشر متحرك ، فتحركت لها مشاعرهم ، وقبلتها نفوسهم ، فكان - صلى الله عليه وسلم - أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل .
بالله عليكم ، هل رأت الدنيا قائداً أعظم وأرحم من محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ وهل رأت الدنيا زوجاً ألطف من محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ وهل رأت الدنيا صديقاً أوفى من محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ وهل رأت الدنيا حاكماً أعدل من محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ .
كيف وقد رآه الناس في الأيام الأخيرة من حياته ، وهو يصعدُ المنبرَ ويقول: (من كنتُ جلدتُ لهُ ظهراً فهذا ظهري فليستقدْ منه، ومن كنتُ أخذتُ لهُ مالاً فهذا مالي فليأخذ منهُ) .
يقول هذا ، وهو الذي مات - صلى الله عليه وسلم - حتى حطمه الناس .. يقول هذا وهو الذي يعطي عطاء من لا يخشى الفقر .. يقول هذا وهو الزاهد في الدنيا، الذي مات - صلى الله عليه وسلم - ودرعهُ مرهونة عند يهودي.
وحتى آخر رمق من حياته ، كان بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - ، رحيماً بأصحاباً ، حريصاً على أمته .. فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يلفظ أنفاسه الأخيرة ، ويعالج شدة آلم الموت وسكرته ، ومع هذا لم ينس أمته ، لم ينس أن يوصيَها بما ينْجيها من عقوبة الله ، فيقول: (الصلاة الصلاة وماملكت أيمانكم) .
عباد الله .. إنَّ في سيرةَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، بكلِّ ما فيها من مواقفَ ووقائع ، محلاً للتَّأملِ والتدبر، تأملاً يُحرِكُ القلوبَ، ويستثيرُ الهمم، ويقودُ إلى العملِ، وتدبراً يزيدُ في الإيمانِ، ويزكِّي القلوبَ، ويقُوِّمُ المسيرة .
إنه القدوة - صلى الله عليه وسلم - ، فقل لي أيها الأخ الشاب ، وقل لي أيها الابن الناشيء .. من هو قدوتك في الحياة؟ .
هل قدوتُك ومثلُك ، ومحلُ إعجابِك وتأسيك ، هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ أم أن قدوتَك هو الفنان الفلاني، أو المطرب أوالممثل الفلاني، أو اللاعب الكافر الفلاني؟
كيف يليق بالمسلم أن يجعل قدوته من يُسَمُونَ نجوماً وهم إلى الثرى أقرب .. ثم لا يقتدي ولا يتأسّى بأعظم إنسان ، بل هو نجم النجوم - صلى الله عليه وسلم - ، وهو القدوة الحسنة والمنبع العذب ، الذي تُستقى منهُ معالي الأمور .
كيف يسوغُ للعاقل أن يرى هذه القدوة الحسنة ، والشخصية الفذة في شخص محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ثم لا يحذُو حذوه، ويسيرُ خلفه، ويقتدي بهديه؟ ويكونُ من حملةِ رسالتهِ، وحُماةِ دينهِ؟ .. وصدق الله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) .
اللهم إنا نشهد بأننا نحبك ونحب نبيك - صلى الله عليه وسلم - ، فاللهم ارزقنا اتباعه ، والتأسي به ، والاقتداء بهديه .. الله لا تحرمنا شفاعته يوم العرض عليك، اللهم اجعلنا من زُمرته، واجعلنا من أنصار دينه ، الداعين إلى سنته ، المتسكين بشرعه .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ...
ـــــــــــــــ(1/145)
الفهرس العام
القدوة قبل الدعوة ... 3
الكاملات من النساء ... 6
هل يجلس أبناؤنا حول النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة؟ ... 8
يا عالي الهِمة ... 11
الاهتمام الزائد بالمظهر ... 16
النجاح قدرك .. فانطلق ... 18
التربية عن طريق القدوة الصالحة ... 20
لماذا لا نكون عظماء ؟! ... 25
الطفل والتناقض الاجتماعي ... 27
القدوة وأثرها في المربين ... 29
ألا تخشى الفقر ؟! ... 38
كن .. حتى يكون !! ... 39
الجليس الصالح ... 42
تنمية الذات بمخالطة الصالحين ... 45
تنبيه الأذكياء بأهمية الإقتداء ... 48
القدوة ... القدوة !! ... 54
القدوة الحسنة ... 58
مواقف تربوية .. تحت المجهر ... 63
نبي احترف صناعة النجوم ... 65
كيف نرغب أطفالنا في الصلاة ؟ ... 67
كونوا قدوات ... 73
كيف فهم الصحابة التأسي .. ( عمر نموذجا ) ... 75
الفجوة بين جيل الآباء والأبناء .. من يردمها ؟ ... 81
أطفالنا بين غياب القدوة وتفريط الراعي (وإهمال الأمانة) ... 85
القدوة غرس الأخلاق من المهد ... 88
القدوة الغائبة !! ... 91
القدوة الحسنة ... 93
القدوة الحاضرة الغائبة ... 96
القدوة ... 98
الشخصية المؤثرة ... 100
التربية قدوة ... 102
من أجل تربية أفضل ... 103
مصعب بن عمير من الترف إلى الشظف ... 120
- صلى الله عليه وسلم - ... 125
حتى تكون القدوة صالحة لا بدّ من... ... 127
المربية القدوة ... 130
القدوة وأثرها في الدعوة النسائية ... 133
القدوة وأثرها في التربية ... 142
أثر القدوة في إصلاح النفوس ... 148
الإمام القدوة مسروق بن الأجدع ... 158
عام جديد والقدوة المفقودة ... 162
أين أثرك أيها الملتزم القدوة ... 165
التعليم بالقدوة القولية والعملية ... 166
القدوة الحقيقية ... 171
القدوة والاقتداء ... 173
القدوة الحسنة والتحلي بخلق الإسلام أهم ما يمتلكه الداعية ... 178
القدوة الحسنة ! ... 180
الوقفة الأولى: القدوة الحسنة ... 183
القدوة الحسنة والقدوة السيئة ... 186
القدوة الحسنة ... 189
القدوة مبادئ ونماذج ... 195
أبو حنيفة النعمان السيرة العطرة والشخصية القدوة ... 204
أسلوب القدوة ... 211
الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والسلف الصالح هم القدوة في الدين ... 213
القدوة قبل الدعوة .. عندما سألتني : لماذا هم منافقون ؟!! ... 216
مقصود القدوة ومعناها ... 219
الإمام القدوة محمد بن المنكدر ... 221
حتى تكون القدوة صالحة لا بدّ من... ... 224
القدوة غرس الأخلاق من المهد ... 226
أطفالنا بين غياب القدوة وتفريط الراعي (وإهمال الأمانة) ... 229
القدوة .. وبكاء حكيم ... 232
القدوة ... القدوة !! ... 237
الرسول - صلى الله عليه وسلم - القدوة ... 241
" القدوة " ذلك المربي الفاضل ! ... 247
أبطال الكرتون .. القدوة الحسنة في حياة أبنائنا !! ... 248
الرسول هو القدوة على طريق الدعوة ... 255
حينما تحترق القدوة ... 257
القدوة وأثرها في الدعوة النسائية ... 261
وداعا للقسوة مع الأبناء ... 270
رسالة إلى إمام المسجد ... 274
تكسير الرموز والأعلام أشد خطراً على الأمة من القنابل والألغام! ... 276
أيها المربي هل أنت قدوة ؟؟؟ ... 282
قدوة على طريق الدعوة ... 283
إليك أختي المربية ... 291
وسائل أهل الحق في السباق إلى العقول ... 305
أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين?.. ... 312
تربويات على الطريق ... 316
تأملات في البناء الدعوي ... 327
المشرفة الداعية ... 339
تنبيه الأذكياء بأهمية الإقتداء ... 344
مقومات الداعية الناجح ... 350
تقصير الداعية مع زوجته ... 401
أين أنتنَّ من هؤلاء ... 404
إعداد المعلم في الفكر التربوي الإسلامي" ... 435
إليك يا زوجي ... 449
كيف يكون بيتك سعيداً ... 474
أثر التربية الإسلامية (الأمن الأسري) ... 479
نصيحة لمديري المراكز والمشرفين ولإخواني الطلاب ... 487
كن مشعلا ... ... 489
كيف أصبح رجلاً !!! ... 491
واجبات الأم الدعوية نحو أبنائها ... 494
أخلاقنا.. بين الواجب والمبادرة! ... 496
أبرز صفات المعلم السلوكية في الفكر التربوي الإسلامي ؟ ... 497
أخلاقيات مشرف التربية الإسلامية وأثرها على المعلم ... 499
كيف تكون قيادياً وتُحرك الناس؟ ... 508
كيف تصنعين طفلاً يحمل هم الإسلام؟ ... 510
صفة لباس الرجل والمرأة أمام أولادهم ... 517
التربية الدينية للأطفال ... 521
أسرة الداعية كيف ينبغي أن تكون ؟ ... 524
تربية القادة لا تربية العبيد ... 544
دور المنزل في تربية الطفل المسلم ... 550
مهارات لاحتواء الأزمات في البيوت! ... 553
كيف تجعل ابنك مطيعاً ... 556
دور معلم التربية الإسلامية في تربية الطلاب ... 567
دور المرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح ... 578
فن التعامل مع الناس ... 591
تأملات في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه!! ... 604
القصة وسيلة دعوية ... 611
تأملات تربوية في قصة أهل الكهف ... 613
المعلم والأمانة العظمى ... 617
دعوة إبراهيم عليه السلام في القرآن ... 622
كيف تُثبتُ المسلمة جدارتها في ظل تحديات عصر العولمة ... 636
دور المرأة التربوي ... المأمول والمعوقات ... 643
سنن الفطرة وآثارها التربوية ... 650
عَشْر همسات للنساء ... 656
قيِّم نفسك ( للجادين فقط ) ... 659
المنهج النبوي في التعامل مع النساء ... 664
خطبة (حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - ) ... 667(1/146)