أطروحة تقدم بها
عبد الكريم محسن الزهيري
إلى مجلس كلية التربية (أبن رشد) جامعة بغداد
وهي جزء من متطلبات درجة دكتوراه فلسفة في التربية
(( فلسفة التربية ))
بإشراف
الأستاذ المساعد الدكتور مقداد إسماعيل الدباغ
1424 هـ 2003م
رئيس
القسم
أساتذة
قسم العلوم التربوية والنفسية
مقرر القسم(1/1)
أشهد بأن إعداد هذه الأطروحة جرى تحت إشرافي في كلية التربية ( أبن رشد ) جامعة بغداد ، وهي جزء من متطلبات الحصول على درجة دكتوراه فلسفة في التربية (فلسفة التربية ) .
التوقيع:
المشرف : د .مقداد إسماعيل الدباغ
التاريخ : / / 2003 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بناء على التوصيات المتوافرة أرشح هذه الأطروحة للمناقشة .
التوقيع :
الاسم :
رئيس قسم العلوم التربوية والنفسية
التاريخ : / / 2003 م
قرار لجنة المناقشة
نشهد بأننا أعضاء لجنة المناقشة اطلعنا على هذه الأطروحة ، وقد ناقشنا الطالب في محتوياتها ، وفيما له علاقة بها ونعتقد إنها جديرة للقبول لنيل درجة الدكتوراه في فلسفة التربية (( فلسفة التربية )).
الأستاذ الأستاذ
الدكتورة منى يونس بحري عايف حبيب العاني
عضو رئيس اللجنة
الأستاذ المساعد الأستاذ المساعد
الدكتور محمد محمود الكبيسي الدكتورة ابتسام محمد فهد
عضو عضو
الأستاذ المساعد الأستاذ المساعد
الدكتور مقداد إسماعيل الدباغ الدكتور عبد الزهرة باقر
عضو/ مشرف عضو
صدقت الأطروحة من قبل مجلس كلية التربية الأولى (أبن رشد)/ جامعة بغداد.
الأستاذ الدكتور
عبد الأمير عبد دكسن
العميد
ـ إلى أبي وأمي رحمهما الله براً وإحساناً
ـ أخي وأختي تقديراً واعتزازاً
ـ زوجتي الفاضلة إخلاصاً ووفاءً
ـ أبنائي الأعزاء ( هدى ، أحمد ، حيدر ،محمد ، سارة ، محمود ) حباً وحناناً
أهدي جهدي هذا مع التقدير .
عبد الكريم الزهيري
يحتم علي واجب الاعتراف بالفضل أن أتقدم بالشكر الجزيل والامتنان
العالي إلى أستاذي المشرف الدكتور مقداد إسماعيل الدباغ ، الذي أحاطني برعايته واهتمامه ، أغناني بملاحظاته القيمة طوال مدة التحضير والأعداد للرسالة .(1/1)
وأشكر لجنة السمنار الذين ساهموا بجهودهم الطيبة في بلورة موضوع الرسالة وتقويم مسارها وهم (الأستاذ عايف حبيب ، و د.ماهر إسماعيل ، و د.مقداد إسماعيل ، و د .ابتسام محمد فهد ، ود .فائزة محمد سعيد ، ود. عبد الزهرة باقر) .
وأن الواجب يقتضي تقديم الشكر والتقدير إلى أستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور عبد العزيز البسام الذي أحاطني برعايته الأبوية وفتح لي باب داره في كل وقت من أجل الاستشارة .
ولا يسعني إلا أن أشكر كل القلوب الطيبة ممن ساعدوني طوال إعداد الرسالة ، وقدموا نصائحهم ووجهات نظرهم وشدوا من أزري وتحملوا معي عناء الرحلة وأخص منهم بالذكر الدكتور كفاح العسكري والسيد بيان محمد فتاح . جزاهم الله منا كل خير
الباحث(1/2)
استمارة معلومات عن المناقشة لأطروحة الدكتوراه
الجامعة : بغداد
الكلية : التربية / ابن رشد ... ... ... القسم : العلوم التربوية والنفسية
اسم الطالب : عبد الكريم محسن الزهيري ... ... المشرف : الأستاذ المساعد الدكتور مقداد إسماعيل الدباغ
عنوان الأطروحة : الفكر التربوي في العراق خلال القرن العشرين .
مكان وتاريخ المناقشة :
اليوم : الخميس ... التاريخ : 13/11/2003 ... الساعة : 9 صباحاً ... المكان : قاعة ناظم العبيدي
لجنة المناقشة :
اسم المناقش ... اللقب العلمي ... التخصص ... مكان العمل
التخصص العام ... التخصص الدقيق
السيد عايف حبيب العاني ... أستاذ ... علوم تربوية ونفسية ... مناهج وطرائق تدريس ... كلية التربية ابن رشد ... رئيساً
الدكتورة منى يونس بحري ... أستاذ ... علوم تربوية ونفسية ... مناهج وطرائق تدريس ... كلية التربية ابن رشد ... عضواً
الدكتور محمد الكبيسي ... أستاذ مساعد ... علوم تربوية ونفسية ... فلسفة إسلامية ... كلية التربية المستنصرية ... عضواً
الدكتورة ابتسام محمد فهد العاني ... أستاذ مساعد ... علوم تربوية ونفسية ... فلسفة التربية ... كلية التربية ابن رشد ... عضواً
الدكتور عبد الزهرة باقر ... أستاذ مساعد ... علوم تربوية ونفسية ... فلسفة التربية ... وزارة التربية ... عضواً
الدكتور مقداد إسماعيل الدباغ ... أستاذ مساعد ... علوم تربوية ونفسية ... فلسفة التربية ... كلية التربية ابن رشد ... عضواً مشرفاً(1/1)
الفكر التربوي في العراق
خلال القرن العشرين
ملخص أطروحة تقدم بها
عبد الكريم محسن الزهيري
إلى مجلس كلية التربية ( ابن رشد) جامعة بغداد
وهي جزء من متطلبات درجة دكتوراه فلسفة في التربية
( فلسفة التربية )
بأشراف
والأستاذ المساعد الدكتور مقداد إسماعيل الدباغ
1424هـ 2003 م
ملخص الأطروحة
الفصل الأول : أهمية البحث والحاجة إليه
تعد التربية ذلك الجهد الذي يبذل في سبيل مساعدة الكائن البشري على كشف وتفتح وتنمية استعداداته ومواهبه وميوله وقدراته في سبيل أحداث التغيرات المرغوبة في سلوكه وشخصيته وتوجيهه والآخذ بيده إلى ما فيه خيره في الدنيا والآخرة ، وما فيه خير مجتمعه العربي والإسلامي .
هي أيضا مجموع العمليات والجهود الموجهة التي تحقق التغير المرغوب في سلوك الأفراد وفي حياة وأحوال وظروف المجتمعات التي يعيشون فيها.
والإنسان هو الركن الأساسي في أية عملية تربوية ، بل هو لبها ومركزها ، إذ لا يمكن للعملية التربوية أن تتحقق من دونه ، ولا يمكن أن تتحقق تنمية أو تقدم أو تطور في الحياة ألا عن طريق الإنسان وبواسطته ، فهو الأداة والغاية لكل تربية مقصودة أو غير مقصودة . والفكر التربوي هو سجل للأفكار في زمن ما ومكان ما ولدته العقول المتزنة في إطار التأمل والنظر ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى .
والفكر التربوي العربي الإسلامي غني وغزير بالعلم والمعرفة ، وان دراسة الفكر التربوي تجعل القارئ يستخلص العبر والدروس لتنير الطريق أمامه كحل المشكلات الحاضرة في ضوء فهم الماضي ، وذلك لان التربية هي وليدة مخاض تاريخي طويل ، وتجربة إنسانية عميقة الجذور، وهي تحمل باستمرار شكل الإناء الذي ولدت فيه منذ القدم بخواصه كافة (72:ص5ـ6) .(1/1)
إن اختيار الباحث لهذا الموضوع يرمي إلى تأصيل وتقوية فكرنا الثقافي و التربوي ويكشف بشكل واضح عن شخصيات مفكرينا وما أضافوه إلى نظامنا التربوي ، لكي نعزز معرفة تراثنا القومي ودوره في الحضارة الانسانية عند دراسته من قبل طلبتنا
واثراء المكتبة التربوية المعاصرة بالدراسات التربوية الأصيلة والعميقة الجذور ضمن التخصصات التربوية .
هدف البحث :
يرمي البحث إلى تعرف الفكر التربوي في العراق خلال القرن العشرين .
حدود البحث :
يتحدد البحث إلى تعرف الفكر التربوي في العراق خلال القرن العشرين لثلاثة مفكرين وهم :
( فهمي المدّرس ) ، و( محمد بهجة الأثري ) ، و (عبد العزيز البسّام ) .
الفصل الثاني :
يتناول الباحث في هذا الفصل القوى والعوامل المؤثرة في الفكر التربوي خلال القرن العشرين بالعراق وقد قسمها الباحث على :
1 ـ العوامل الجغرافية والتاريخية .
2 ـ العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
3 ـ العوامل الفكرية والعلمية .
الفصل الثالث :
يتناول الباحث في هذا الفصل المفكر التربوي والكاتب السياسي (فهمي المدّرس) وقد قسم الباحث هذا الفصل على مبحثين وهما :
المبحث الأول : نشأة المدّرس وتربيته ودراسته وأسرته .
المبحث الثاني : فكره التربوي .
الفصل الرابع :
يتناول الباحث في هذا الفصل المفكر التربوي والشاعر واللغويّ والناقد (محمد بهجة الأثريّ) وقد قسم الباحث هذا الفصل على مبحثين وهما :
المبحث الأول : نشأته وتربيته ودراسته وأسرته .
المبحث الثاني : فكره التربوي .
الفصل الخامس :
يتناول الباحث في هذا الفصل المفكر التربوي والنفسي (عبد العزيز البسّام) وقد قسم الباحث هذا الفصل على مبحثين وهما :
المبحث الأول : نشأته وتربيته ودراسته وأسرته .
المبحث الثاني : فكره التربوي .
الفصل السادس :(1/2)
يتناول الباحث في هذا الفصل إجراء مقارنة لاوجه التشابه والاختلاف بين المفكرين الثلاثة ، وقد قسم الباحث هذا الفصل على ثلاثة مباحث وهي :
المبحث الأول :
1 ـ اوجه التشابه بين المفكرين الثلاثة .
2 ـ اوجه الاختلاف بين المفكرين الثلاثة .
المبحث الثاني :
نظرة مستقبلية للفكر التربوي في العراق
المبحث الثالث : تضمن :
ـ الاستنتاجات :
1ـ أكد المفكرون الثلاثة على القران الكريم والسنة النبوية الشريفة وعدهما المصدر الرئيس في بناء الفكر التربوي العربي الإسلامي .
2ـ إن المفكرين الثلاثة اهتموا اهتماما واضحا باللغة العربية وأكدوا على التعليم بالفصحى وللمراحل كافة.
ـ التوصيات :
1ـ الاهتمام برعاية العلماء والمفكرين وتوفير كل مستلزمات النهوض للقيام بواجباتهم من اجل النهوض بالواقع التربوي الحالي .
2ـ العناية والاهتمام بالتربية بصورة عامة وتهيئة كل المستلزمات من اجل القيام بدورها بشكل صحيح باعدها الأداة القادرة على تطور وتقدم المجتمعات .
ـ المقترحات :
1ـ القيام بدراسات مماثلة لمفكرين عراقيين آخرين وإبراز دورهم في المجال التربوي والإفادة من الدراسة الحالية كدليل عمل .
2ـ إجراء دراسات مقارنة بين نماذج من مفكرين القرن العشرين وآخرين من القرون السابقة .(1/3)
الفصل الأول
مشكلة البحث :
اتسمت حركة التربية والتعليم في العقود الأخيرة من الحكم العثماني بالضعف ، وقلة عدد المدارس وأعداد طلبتها (160:ص 93 – 96) ، التي اقتصرت على التعليم العام الذي كان يدرس باللغة التركية ، ومناهجها الدراسية اتسمت بضيق الأفق ، وضعف المستوى الفكري والعلمي والتربوي ، وخلوها من النشاطات الصفية التي تكسب التلاميذ الحيوية والمشاركة الفعلية في عملية التربية والتعليم ، واعتمادها طرائق التدريس البدائية القديمة القائمة على القسر والتلقين ، علاوة على أن السلطات العثمانية كانت قد ركزت جهودها على نوع وأحد من المدارس والمعاهد التعليمية ، هو التعليم العسكري . لذا جاءت معظم محاولات التحديث والتجديد والتوسع محصورة في هذا النوع من الدراسة (100: ص 47) .
إن قلة انتشار المطبوعات العلمية والثقافية والتربوية ، وغياب الصحافة ، والمنتديات الثقافية والأدبية ، ومنع دخول أية صحافة عربية أو أجنبية ،إلا الموالية للنظام العثماني ، تعد من مظاهر القصور والتخلف الأخرى .
نتيجة لذلك ، ظلت ولاية العراق تعاني من الضعف والتخلف نفسه مما انعكس على الحياة الاجتماعية فيه ومنها التربية والتعليم .
وظلَّ وجهُ من وجوه المعرفة غائباً في الفكر العلمي والثقافي السائد آنذاك إذ ترتب على ذلك أن يحجب جزءاً أساسياً من إبداعنا الفكري وتنشأ أجيالنا في جهل ماضيهم ، معتقدين أن المعرفة العلمية والفكرية، إنما بدأت مع الحضارة الأوربية متجاهلين تاريخ العلوم في التراث العربي الإسلامي (147: ص 6).(1/1)
ويبدو أن بعض الأوربيين تآمروا على حضارات العالم بالصمت والإهمال وقد أنشأوا أجيالهم على هذا الاعتقاد ، ونقلوا إلينا هذا الاعتقاد أيضا عن طريق طلائع المثقفين والمتعلمين الذين تلقوا دراساتهم العليا في جامعاتهم والذين عادوا ليتولوا مسؤوليات التعليم في مجتمعاتنا ، فنشروا بدورهم تلك الأفكار مما حجب جهد الحضارة العربية الإسلام عن أهله وعن الآخرين (147: ص 7) .
لذا أصبحت دراسة تاريخ التربية وتطور الفكر التربوي ضرورة ماسة إذ ، ستمكننا من فهم الدور الذي قامت به التربية في تطوير الحضارة الإنسانية وتنمية الفكر الإنساني وازدهار المجتمعات إذ تعد التربية من أهم الوسائل التي تساعد في إصلاح المجتمع وتحقيق أهدافه في التقدم والتطور ولذلك آمن بها الكثير من المفكرين والمصلحين ، فجعلوها إحدى وسائلهم المهمة التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم ونشر مبادئهم . إن دراستنا لتطور الفكر التربوي يجعلنا نستخلص العبر والدروس لمعالجة المشكلات الحاضرة فيضوء فهم الماضي مما يحتم علينا إبراز آراء المفكرين وفلاسفة التربية ودراسة تلك الآراء والتصورات التربوية في إصلاح الإنسان وتقدم المجتمع وتطوره ومحاربة التخلف ، فلا شك آن تلك الآراء لم تنضج في أذهان أصحابها ألا نتيجة لتأملاتهم ودراساتهم لظروف مجتمعاتهم وتعرفهم عن قرب ما تعانيه تلك المجتمعات من آلام وما تحلم به من آمال (122: ص4).
فأولئك المفكرون لم يتبنوا تلك الآراء إلا بعد أن تأكد لهم أهميتها في خدمة قضايا مجتمعاتهم وقدرتها على معالجة المشاكل والتحديات واسهامها في تحقيق التقدم والتطور (122:ص 1ـ2) .(1/2)
وبما أن العراق جزء من الوطن العربي والامة الإسلامية فانه كان ولا يزال واسع العطاء ، إذ يزخر بمفكرين عظماء واجلاء كان لهم دور كبير في تطور الفكر التربوي ، فقد اخذ الباحث بعين الاعتبار دراسة حقبة من الزمن متمثلة بثلاثة علماء أجلاء من أجل إظهار جهودهم التربوية والفكرية التي قدموها لوطنهم ولأمتهم العربية ، ولكي تكون هذه الدراسة باكورة بحوث أخرى ترفد المكتبة العربية بمنابع جديدة ، ويمثل كل منهم حقبة زمنية في تطور النظام التربوي في العراق يأتي عملهم هذا مع فريق من زملائهم الاتجاه نفسه في بلورة الآراء التربوية .
إن اختيار الباحث لهؤلاء المفكرين التربويين الثلاثة يعود إلى أسباب هي :ـ
1ـ ليكشف جانباً مهماً من تراث علماء الأمة العربية الإسلامية ، وما تركه المفكرون التربويون الثلاثة .
2 ـ لكونها إحدى القنوات التي بينت أفكار المفكرين التربويين الثلاثة إلى جانب الدراسات التي أبرزت أعمال وتراث علماء الآمة العربية الإسلامية .
3ـ تطبيق ما نص عليه أحد الأهداف التربوية العامة في القطر العراقي لتعزيز معرفة الطلبة بالتراث القومي ودراسته دراسة علمية ، وابراز دوره بالحضارة الحديثة وتفاعله مع التراث الإنساني (22 : ص35) .
4 ـ إن المفكرين الثلاثة كان لهم دور متميز وأفكار قيمة لم تر النور ولم يتناولها الباحثون والمؤرخون بالتفصيل بحسب علم الباحث كونهم نماذج ناضلت في سبيل بناء العراق تربوياً وتأصيل عروبته والمحافظة على شخصيته القومية من خلال المجالات التربوية والفكرية .(1/3)
5 ـ يعود الفضل إلى المفكرين الثلاثة (فهمي المدرس ت 1944م ، محمد بهجة الأثري ت 1996م ، عبد العزيز البسام اطال الله في عمره) من بين آخرين في مجالات الفكر في بعث النهضة الثقافية العربية كونهم من الرواد الأوائل الذين وجهوا كل طاقاتهم وجهودهم في الميدان التربوي بشكل منظم ، بعد أن كادت اللغة العربية والفكر التربوي أن تهددا بالاندثار ، فقد وقفوا بالمرصاد لقوى الاستعمار وحاربوا الاغتراب الفكري بكل أشكاله (35: ص67) .
أهمية البحث :
تُعَدُّ التربية ذلك الجهد الذي يبذل في سبيل الارتقاء بالمجتمع ، وهدفه الرئيس تمكين الإنسان من تنمية عقله إدراكاً ووجداناً ونزوعاً تتجلى في السلوك الفعال ، فكراً وخلقاً وإرادة .ليتكيف مع العمل في مجتمعه إلى ما فيه خيره وخير أمته ومن ورائها خير الإنسانية جمعاء (5 : ص110) .
فالتربية هي عملية تشكيل أفراد صالحين وإعدادهم في مجتمع معين وزمان ومكان معينين حتى يستطيعوا إكساب المهارات والقيم والاتجاهات وأنماط السلوك المتنوعة التي تيسر لهم عملية التعامل مع البيئة الاجتماعية والمادية التي ينتمون إليها (152:ص10) .
والتربية تراكم من النضج عبر العصور وجهد موصول على مر الأيام للتطور والتقدم ، وقد لا نفقه الكثير من المعاني المتعلقة بتراث التربية الحديثة إذا لم نرجع إلى أصولها وجذورها ، وإذا لم نتبين كيف ولدت وتكونت خلال الإرث الحضاري الذي تنتسب إليه (70: ص 21) .
والتربية لا توجد في فراغ ، بل هي وعاء وأساليب وإجراءات ينقل بها تراث الأمة من الأجداد إلى الآباء والأبناء ، وبها تتطور الحضارة عن طريق العلوم المتفجرة والمعارف المتزايدة على نسق ينسجم مع نظرة الأمة ورسالتها في الحياة (72:ص21).(1/4)
إن التراث العربي الإسلامي ، هو نتاج الثقافة العربية الإسلامية الفكري وهو رحم الأمة العربية وأصالتها وإنسانيتها ، ومواجهتها للتحديات الكبرى كونها وحدة قائمة على التنوع والتكامل بين أجزائها ، وفيه تتجسد شخصية الأمة ويستلهم أبناؤها الوعي والإيمان (141:ص75ـ78) .
إن للأمة العربية تراثاً حضارياً غنياً وغزيراً على الرغم مما اعتراه من جمود وضعف واحتواء من أعدائه الكثيرين (119: ص5) .
امتاز تراث الأمة العربية الإسلامية بسلامة بنائه على مجموعة من القيم نابعة من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة التي توجه السلوك الإنساني ، لذلك فالمعايير التي يحتكم إليها المسلم ليست من صنعه ، بل هي ربانية لا يحق له تغييرها أو تحويرها (135: ص11) .
إن التراث العربي الإسلامي يحمل في طياته الرؤية الثقافية الخاصة والمتميزة للأمة العربية ، فالاهتمام بالمستقبل التربوي العربي يزيد من أهمية هذا التراث وأهمية العودة إليه وتمثله تمثلاً موضوعياً خلاقاً ، وتراثنا التربوي هو أصالتنا التي تضمن لنا الاستمرار والتواصل والتميز وكل ذلك يعيين على دراسة قضايانا التربوية المعاصرة (45:ص259).
لقد أفاد الإسلام العالم كله من الناحيتين الدينية والدنيوية إفادة يتعذر تقديرها ، إذ كان الهدف من الوهلة الأولى نشر أفكار الحق والعدالة والحرية والمساواة والإخاء والشورى والتعاون والخير والمحبة والرحمة والسلام ، وقد تألقت أضواء الحضارة العربية الإسلامية في شتى أرجاء العالم المعروف آنذاك وانتقلت من الشرق إلى الغرب عن طريق صقلية والأندلس (69: ص39) .
وكلما تعمق المرء في دراسة الحضارة العربية الإسلامية تجلت له أمور جديدة واتسعت أمامه الآفاق ، وإن أوربا لم تعرف الحضارة والتقدم العلمي إلا عن طريق العرب ، وإن جامعات الغرب عاشت خمسمائة سنة تكتب للعرب ، وان العرب هم الذين مدَّنوا أوربا في المادة والعقل والخلق (121: ص35) .(1/5)
لقد اعترف الكثير من الفلاسفة الغربيين المنصفين بفضل العرب على الحضارة الغربية ، فيقول ( جوستاف لوبون ) : ( لو أزيل العرب من التاريخ لتأخرت النهضة الأوربية في أوربا قرون عديدة ، لقد علَّمت الأمة العربية الغرب بعد أن أيقظته مؤلفات ابن سينا وما تزال تناقش في جامعة مونبليه بفرنسا ) (69: ص43) .
وهناك تحديات تواجه الثقافة العربية الإسلامية ، إذ تحاك المؤامرات والمخططات المعادية التي مارسها ويمارسها أعداء الأمة العربية الإسلامية من اجل النيل من هذه الأمة ، ألا وهو الغزو الثقافي أو الفكري الذي ارتدى أزياء متنوعة ، هدفه ضرب الأمة من الداخل عن طريق إضعاف فاعليتها وعزلها عن التأثير في حياة الناس (151: ص30 ) .
إن الأمة التي تحمل رسالة حية على مدى التاريخ ينبعث من أعماقها دعاة وكتاب ونوابغ يحددون فكرها ويدفعونها إلى الأمام ، فهي تصنع هؤلاء الأعلام الذين يصنعون التاريخ ، وفي مجال التحدي يبدو هذا المعنى أكثر وضوحاً فيما يخص التاريخ العربي الإسلامي، ففي مختلف المراحل التي تواجه الفكر العربي الإسلامي أزمة عاصفة ، كانت القوى الحية في ضمير الأمة قادرة على أن تبرز أعلاما وقادة يجددون وجه الحياة ويصحِّحُون المفاهيم ويدفعون عجلة الحياة إلى الأمام دفعة قوية متماسكة (50: ص3) .(1/6)
إن الفكر التربوي العربي الإسلام غني وغزير بالعلم والمعرفة ، وإن في الحضارة العربية الإسلامية مع كثرة البحوث والدراسات التي اتخذت الفكر التربوي موضوعاً ، إلا أن هناك جوانب عديدة لم يسلط عليها الضوء ؛ لذلك سيحاول الباحث دراسة جانب مهم من تاريخ الأمة العربية الإسلامية وتحليل أفكارها لإغناء الفكر التربوي المعاصر ، وقد جاء اختيارنا موضوع البحث نتيجة لأن أفكار المفكرين لم تحظَ باهتمام الباحثين ولم تدرس دراسة مستفيضة تُبْرز دورهم في مجال التربية والتعليم ، إذ المعروف عنهم أنهم كانوا رجالاً للسياسة والاجتماع والصحافة والتربية التي قامت عليه مرحلة الفكر النهضوي ، فلم يكن للفكر العراقي أن ينهض لولا إدراك مفكري النهضة الذين كانوا يرونه ، إنه لا يمكن أن تزدهر الآمة ما لم يسندها انتشار التعليم (118: ص227).
إن تعرض الأمة العربية للتيارات والاتجاهات الفكرية الوافدة تجعلها تعيش مرحلةً خطيرةً من مراحل تطورها التاريخي ، فهذه الاتجاهات والتيارات تستقطب ببريقها كثيراً من الأذهان ، وكان لا بد لهذا الغزو الفكري أن يثير جدلاً عنيفاً بين المفكرين في المجتمع العربي و المجتمع الإسلامي(102: ص32) .
والغزو الثقافي يراد به كل المحاولات التي أريد بها أحداث خلل في مكونات الثقافة ، أو أحداث تمزق في توجهاتها (96: ص28) .
فالتبشير وسيلة من وسائل الغزو الثقافي ، وهو رسم الصورة المشوهة عن الإسلام وإشاعتها في شعوب الغرب والشرق لإقناعهم أن الإسلام دين لا يستحق الاعتناق باطلاعهم على ما فيه من تناقض مزعوم لمنع انتشاره بينهم (94: ص34) .
لقد بدأ الغرب حملته التبشيرية بالعولمة بوصفها أمراً حتمياً لا مفر منه ، لأنها ـ كما يدعي البعض ـ العصا السحرية لنقل العالم ودخوله ( العصرنة ) وتحقيق المستوى اللائق من التنمية (35: ص22) .(1/7)
إن مهمتنا هي اكتشاف مكامن القوة الحقيقية من فكرنا التربوي العربي الإسلامي وبناء نظامنا التربوي بالاعتماد عليها ، لكي يؤدي دوراً فاعلاً في السلوك الفردي للإنسان الذي يؤمن به ، ويحدد له قيمه الأخلاقية والسلوكية التي تقوم عليها اختياراته وقراراته الحياتية التي لاتنفصل فيه العبادة عن المعاملة ، وهذا واضح إذا ما قارنا النسق العقيدي واتساقه الذي يقدمه القران الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وآثار السلف الصالح في جوانب الحياة كافة (112: ص10 ، 11) .
فالتربية العربية الإسلامية تهدف إلى بناء أفراد المجتمع بناءً قوياً متماسكاً متوازناً ومتعاضدا (147: ص484) .
لأن قوة المجتمعات لا تتعين بعدد الأفراد الذين يؤلفونها ، بل تتناسب مع شدة الروابط التي تربط بعضها ببعضها الآخر (61: ص35) .
إن العودة والرجوع إلى التراث الفكري العربي الإسلامي عامة ، والتراث التربوي العربي الإسلامي خاصة ، يجعلنا قادرين على بناء فلسفة تربوية شاملة وصالحة لنظام تعليمي شامل ومتكامل في مجتمعنا العربي الإسلامي الذي ينشد التقدم والتطور لما يضمه من آراء صائبة وتفسيرات وشروحات لممارسات قديمة ، ولكنها ما زالت تحتفظ بقيمتها وحيويتها (130: ص101) .
لقد اتسم الفكر التربوي العربي الإسلامي بالشمول والإحاطة ، لأن الإسلام رسالة ( دين ودنيا ) إذ ربط الإيمان بالعمل قال تعالى:((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ )) (التوبة:الآية105) .
واتسم بالأصالة والتفتح ، فالأصالة بعربيتها وإسلاميتها منبعاً وظروفاً ، وبطبيعتها الخاصة التي تميزها عن غيرها ، وبقدر ما يكون الفكر أصيلاً فهو متفتح لكنه مرتكز على الأصالة من دون الانسلاخ منها أو التطفل والتقليد الأعمى .(1/8)
ومن السمات الأخرى الموازنة بين الفرد والمجتمع متمثلاً بنظرته إلى الفرد كونه جزءاً من المجتمع وهو خلية المجتمع الأساسية ولبنته الأولى ، والمجتمع هو الجسم الكامل الذي يستوعب كل الخلايا (38:ص84) .
وألاّ يحاول الفرد أن يتجاوز الحدود المرسومة له ، كذلك لا يسحق المجتمع الفرد، فلا إطلاق لفردية حتى وإن كان على حساب المجتمع ولا إنكار للفرد تحت ضم المجتمع (121: ص111) .
واتسم الفكر التربوي العربي الإسلامي بالاجتماعية ، فقد تشكلت التربية على وفق احتياجات الفرد المسلم في الحياة الدنيا والآخرة ، وقد تمثلت في شخصية الرسول الكريم محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) سمات أهلته لقيادة عملية بناء شخصية الفرد العربي المسلم ، فكان بحق المربي والمعلم الأول ، وأكد أن يكون سلوك الفرد المسلم مؤدياً للعبادات ، قوياً عارفاً للأمور التي يكلف بها شرعاً ، والاهتمام بالعلم والعمل ، لأنها من الأمور التي تطور المجتمع وتقدمه .
كما يربط الفكر التربوي العربي الإسلامي ما بين السياسة والأخلاق (81: ص47 ) ؛ لذا يعد الإسلام ثورة على الباطل والتمسك بمكارم الأخلاق والتعاون على البر والتقوى ، وأن يراقب الإنسان نفسه في أعماله وسلوكه (144: ص167) .(1/9)
إن العقيدة الإسلامية هي المحور الذي التف حوله الإنتاج الفكري العربي الإسلامي في الجزيرة العربية وخارجها ، ولذلك يعد الإنتاج الفكري الذي شهدته الحضارة العربية الإسلامية جهدا مشتركاً للمسلمين العرب وغير العرب لكنه تحت راية الإسلام ، فنما وازدهر بما أقامه من نظم تربوية واجتماعية واقتصادية وسياسية ؛ لذلك تعد اللاإقليمية من سمات الفكر التربوي ، فقد تنقل علماؤنا من منطقة إلى أخرى من دون قيود أو حواجز ، وأصبح فكر المفكر لا يعبر عن قوميته التي ينتمي إليها ، والسمات التي ذكرت هي التي ميزت مفكرينا بإبداعهم واكتشافهم المبادئ التربوية الصحيحة وبلورتها في منظور إنساني منسجم مع الحقائق والأسس النفسية المعاصرة التي تأخرت البشرية كثيراً من أجل التوصل إليها (115: ص16) .
إن النظم التربوية والاتجاهات التي نعيشها اليوم هي تراكمات علمية على امتداد التاريخ ، وتجربة إنسانية عميقة الجذور تحمل شكل الإناء الذي ولدت فيه منذ القدم وتعبق برائحته (71: ص6) .
إن مهمتنا أن نتحدث بشكل متوازن عن قادة تراثنا الفكري وقادة عبقريتنا القومية من الذين قدموا خدمةً جليلةً للإنسانية والعالم كله فضلاً عن ماضينا المجيد ، ويجب أن تتوارث أجيال أمتنا العربية الإسلامية الحديث جيلاً بعد جيل عن هؤلاء القادة الأفذاذ (57: ص13 ، 14) .
إن المؤسسات التعليمية مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بأن تتطلع بدورها للنهوض بمجتمعنا العربي الإسلامي والعمل على ترقيته وأن تكون أداته في ذلك ، وتجديد نسيجه على نحو يجعله في بنائه وصيغه وأساليبه وأهدافه انعكاساً صادقاً لشريعتنا الإسلامية السمحة (133: ص32) .
ومن غير الاعتماد على الفكر التربوي للآخرين شرقياً كان أم غربياً ؟ تقع المسؤولية على المربين والمفكرين المخلصين ، الذين ينشدون إعادة بناء صرح الحضارة العربية الإسلامية بخصائصها وطبيعتها الإنسانية .(1/10)
إن التخريب الفكري والتلوث الأدبي الذي وقع على الأدب العربي والفكر المعاصر به حاجة إلى جهد كبير بعد أن ابتعد الجيل المعاصر عن تراثه وأضاع شخصيته ، وارتجت مثله ، وضاع بين التيارين الشرقي والغربي (73: ص170) .
إن إحياء المفيد من التراث وعرضه بأسلوب جديد ، وتجريده من الضعف والهزال سينظر إليه نظرةً واقعيةً واضحة الهدف ، وتصبح للأبعاد التراثية عملية تساير ركب الفكر العربي في مختلف المجالات الأدبية والفنية والاجتماعية (44:ص68) .
ومما لا جدال فيه أننا ورثنا تبعةً كبيرةً ومخزوناً حضارياً كبيراً سدت أمامه الأبواب فانغلق الفكر الأدبي تبعا لغلق باب الاجتهاد الديني ، فانصرف الكتاب والمفكرون عن حركة إصلاح الشعر والأدب وعورضت الإصلاحات بشدة ، وقتل الرأي الجيد المفيد فشاخ فكرنا وتدهور الإبداع وأدى إلى مجتمع خضع للطاعة الفردية وفقد إرادته ، وشتان بين مجتمع قائم على الطاعة العمياء ومجتمع قواعده الإدارية حرة ؛ والفكر المطلق الذي يحقق الحرية والإبداع والتطور ؛ لأن منح الفرد حقه في التعبير وإبداء الرأي من عوامل قوة الأمة ورسوخ قواعدها الفكرية (105: ص13 ) .
إن الاختلاف الذي حصل بين الثقافات الغربية والعربية الإسلامية وصولا إلى مرحلة التقدم والتكنولوجيا الذي زرع حالة التناقض لدى الكثير من المفكرين وولد لديهم صراعاً فكرياً سببه التمزق والتشقق في البناء الحضاري والثقافي الذي كان مسيطراً على الشرق (89: ص47 ) .(1/11)
تأثر الفكر العربي الإسلامي بانتشار اللغات الأجنبية في المدارس والكليات بعد الحرب العالمية الثانية ، وكثرت مراكز الدعاية للتيارات السياسية للدول الغربية ، وبدأت المنازعات في سبيل احتلال فكري جديد بعد أن انحسر الاحتلال العسكري ، وازداد الإعجاب بالغرب وبأساليبه وأدبه ، إحساساً بالنقص وحباً للشهرة وضحالة ثقافة الجيل الذي ابتعد عن الأصالة العربية وصفاء اللغة وجمال أساليبها ، إذ لم يعرف هذا الجيل جذور التطور الغربي ودوافعه النفسية والمؤثرات الفكرية والفلسفة التي أثرت فيه والحاجات الاجتماعية التي دعت إلى ظهوره في وطنه (94 : ص76) .
إن ابتعاد هذا الجيل عن لغته وسخريته منها ومن التراث ، محاولا التخلص من المعاني الأصيلة ليغطي على ضعفه اللغوي وقلة محصوله في المفردات والكلمات (39:ص122) .(1/12)
بعد إنهاء حكم المماليك ارتبط العراق بالإستانة مباشرة ، وكان للوالي حرية واسعة في الحكم والتصرف في الشؤون العامة ، فقد أعدت القوانين في الإدارة والقضاء والأراضي والتجارة ، وبدأت الحضارة الغربية تتسرب إلى البلد الإسلامي الذي تمسك بالشريعة الإسلامية وأحكامها ، عن طريق الإدارة والمعارف وطبع المطبوعات ، ولعل من أهم الأحداث التي أثرت في الفكر العراقي هو اختراع الطباعة (33: ص 12ـ14) . التي سهلت لبعض المفكرين طبع كتبهم ، فقد طبعت عدة كتب لأبي الثناء الآلوسي ولابنه نعمان خير الدين ، إذ اهتمت المطابع بالأمور التجارية وما يخدم الفكر الديني (120: ص7) ، فكانت جريدة الزوراء إحدى الشموع المنيرة لهذه المطابع التي قضت على الجهل والانحطاط والتدهور ، محاولة جهدها أن تؤثر في المجتمع كله ، لكن سرعان ما غدت سجلاً رسمياً لرغبات الولاة ، ومع ذلك فقد تتسرب إليها بين آوان وأخر ومضات المفكرين القلة الذين قيض لهم الكتابة فيها ، فانتشرت منهم رغبة للإصلاح العام في نواحي الحياة والدعوة للاتصال بالخارج لتصدير منتجات العراق الزراعية ، بعد أن غدت البواخر العراقية تصل إلى إستانبول والسويس ، كما وجدنا فيها دعوات لإنشاء المكتبات الحديثة للقراءة والمطالعة وإصلاح التعليم والأخلاق (1) .
__________
(1) * ـ الزوراء ، إعداد السنة الثالثة ، 208 ، 218 ، 220 ، 222(1/13)
فقد كانت الزوراء تصدر باللغة التركية ، ثم يترجم المقال إلى اللغة العربية ، وكانت رسمية وأسلوبها يميل إلى السهولة واليسر؛ لأن الترجمة أقرب إلى العامية . كذلك كان من الغريب أن الجريدة نفسها تهاجم استعمال الألفاظ الفرنسية وتبديلها بالأسماء العربية ، وهي تهاجم الذين يدعون عدم وجود كلمات عربية للمخترعات الجديدة والإصلاحات الحديثة (1) وقد سادت دعوات الإصلاح المحدودة مع دعوات إصلاح اللغة وتطويرها . علماً أن الجرائد الأخرى أكثر تطوراً وإن كانت مقالاتها على الأعم متأثرة بالوعظ والإرشاد استمراراً للأسلوب القديم ورد فعل للشعارات التي أطلقتها جمعية الاتحاد والترقي .
كان الطابع العام على المؤلفات العراقية يصب في خدمة الفكر الإسلامي من خلال تدريس مواد النحو والصرف والبلاغة ، وكان من اهتمامات المدرس والمفكر التعليق والشرح وشرح الشروح ، والعناية اللغوية بدراسة الشعر وشروحه والتعليقات الأدبية الأخرى .
جاء مدحت باشا للولاية عام 1869م وكان ذا فكر متميز مخطط لإصلاح العراق ، فقد دعا إلى تطوير الزراعة والتجارة والحرص على الأمن وتطبيق القوانين كذلك دعا إلى عفة الموظفين واستقامتهم في أعمالهم ثم إنه نظر إلى أبناء الشعب نظرة المساواة ، فلا يختلف المسلم عن غير المسلم ، وإنه دعا إلى المساواة بين الذكور والإناث ، وطالب الموظفين بضرورة العناية بأمور الشعب والاهتمام به فقال : (( فليعلم كل موظف أنه لم يعمل لنفسه ، وإنما يعمل في حدود وظيفته بخدمة الأهليين وسلامتهم وسعادتهم وليعاون الأهليون الموظفين )) (2) .
__________
(1) **ـ الزوراء/ العدد الأول / ولاية بغداد / 1869
(2) * ـ علي ظريف الأعظمي ، مختصر تاريخ بغداد .(1/14)
باتت إصلاحات مدحت باشا تمثل نشر العدل والمساواة والحرية ، وتقريب العلماء ، وتأسيس المدارس وتنظيم الحياة الإدارية ، وإنشاء جريدة الزوراء ، وإنشاء المعامل ، وجلب الآلات الموسيقية ، وإنشاء متنزه عام يدخله الناس ، وقبل الطلاب من أهل العراق في المدارس الحميدية والرشدية وإعدادهم ليكونوا ضباطاً في المستقبل (90: ص 238 ) . وإنشاء المدارس والمعاهد العلمية ، إذ بدأت آثارها في تغيير الموازين الفكرية القديمة ، لذلك كان الأديب يتقن اللغة العربية والتركية والفارسية ، إذ سقطت الخلافات بين القوميات .
لقد كان الفكر حائراً بين تيارين ، تيار الدين بمثله وتعاليمه ، وتيار الحاكم بمخالفته والخروج عليه ؛ لذلك أصبح الفكر مضطرباً قلقاً ما بين التأييد المطلق للحكم والثورة عليه ، فأصبح العراق منقسماً إلى معسكرين ، معسكر مع الدولة يجمعها بهم المذهب ، وآخر ضد الدولة لاختلافهم معها .
لم يكن المفكر العراقي يجهل القيم الحضارية التي قدمتها أمته العربية إلى الإنسانية كما أنه يعرف مقدار التراث الثقافي الذي تركه أجداده ، ومن طباعهم عزة النفس والأباء والاعتداد بالكرامة الفردية ، وعلى الرغم من توالي الكوارث والغزوات الأجنبية على وطنه ، إلا أنه بقي محافظاً على أصالته ؛ لأنه بقي مرتبطاً بالجزيرة العربية وبالقبائل والعشائر التي كانت تغذيه بعاداتها الكريمة وحبها للحرية (65:ص106) .
من الواضح أن العربي يكره التمييز الطبقي الذي فرضه الحاكم على وطنه ، ولا يقر مجتمع فيه السيد والحاكم والعبد والمحكوم ، ويرى الجميع سواسية لهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات نفسها ، وليس هناك تمييز إلا بالمواهب والقابليات ، فدراسة الأدب العربي كانت وسيلة للاعتزاز بالنسب العربي وتدفعهم إلى الاعتزاز بأصالة العرب ومجدهم(* (1) .
__________
(1) ** ـ سليمان الشاوي ، شرحها وسماها ( سكب الأدب ) مخطوطة الشعر العراقي في القرن التاسع عشر .(1/15)
لقد قامت السلطات العثمانية بإنشاء المدارس الابتدائية في ولايات بغداد والموصل والبصرة ، كما شهدت هذه الحقبة نمواً وتوسعاً في المدارس ولا سيّما (الأهلية والأجنبية) وذلك بعد أن أدخلت هذه المدارس اللغة العربية والعلوم الحديثة ضمن مناهجها الدراسية المقررة . ففي الموصل غدا نشاط الأباء الدومنيكان التعليمي اكثر اتساعا . والدومنيكان هم من أقدم المبشرين الذين وصلوا إلى العراق وفتحوا مدرسةً حديثةً تهتم بتدريس اللغتين العربية والفرنسية والعلوم ، ومدة الدراسة فيها أربع سنوات ، وكذلك مدرسة الراهبات المعروفة بمدرسة ( أخوات المحبة ) التي تعلم البنات الموصليات من المسلمات والمسيحيات وتدريبهن على الأشغال البيتية كالخياطة والتطريز (132:ص195).
وافتتح الدومنيكان روضة أطفال في بغداد ألحقت بالمدرسة . وأسست الطوائف الكاثوليكية الثلاث ( الكلدان ـ والسريان ـ والأرمن ) مدرسةً حديثةً في بغداد تتولى تعليم أبناء هذه الطوائف وسميت مدرسة (الاتفاق الشرقي الكاثوليكي) ومناهجها تحتوي على الدين واللغات العربية والتركية والفرنسية والحساب والجغرافية ، ومدة الدراسة فيها أربع سنوات (79: ص142 ـ143 ) .
وعلى الرغم من بعض الجوانب السلبية في تلك المدارس خاصة من حيث الارتباطات الأوربية السياسية ، إلا أنها أسهمت في دفع الحركة التعليمية في العراق وكانت أداةً مهمةً في خدمة التراث العربي الإسلامي واللغة العربية ، وعدت حلقة وصل بالحضارة الغربية الحديثة (15:ص75) .(1/16)
وقد تم فتح مدرسة للبنات في بغداد ، وتأسيس ثلاثة دور للمعلمين في ثلاث مدن هي بغداد ، والموصل ، والبصرة ، كذلك تم افتتاح كلية الحقوق التي تخضع لوزارة المعارف العثمانية فهي المسؤولة عن أبسط جزيئات العملية التعليمية في المدارس العثمانية ، وكان معظم رجالات مديريات المعارف من رجال الدين أو الشخصيات المحافظة ، لذلك لم تسمح هذه المجالس بممارسة دورها في ترقية المعارف في العراق وفقاً لما تقتضيه تطورات العصر ، باستثناء السنوات الأخيرة من العهد العثماني التي كان فيها بعض أعضاء مجالس المعارف المتنورين ، أمثال الشاعر جميل صدقي الزهاوي /ت/ 1936م ، والكاتب فهمي المدرس (ت 1944 م) (160:ص328) .
لقد خلق الانتداب العثماني الذي تم في 23/تموز/ 1908م وعودة العمل بدستور 1876م المعطل ظروفاً جديدة ملائمة ومشجعة للحياة الثقافية ، وللتوسع في الخدمات التعليمية ، فقد شهد العراق في أعقاب ذلك نشاطاً محدود النطاق على الصعيدين الرسمي والشعبي لإنشاء المدارس الحديثة ، فعلى الصعيد الرسمي أظهر الاتحاديون ( جماعة حزب الاتحاد والترقي الذي سيطر على الحكم حتى أواخر الحرب العالمية الأولى ) اهتمامهم بشؤون التعليم ونشره بين السكان من أجل رفع المستويات الثقافية وصهر الجيل في بوتقة القومية التركية ، فقد ازداد عدد المدارس حتى عام 1914م إلى(160) مدرسة ابتدائية ومدرستين إعداديتين ومدرستين سلطانيتين وثلاثة دور معلمين وكلية الحقوق (41: ص62) . كما شهد تعليم البنات توسعاً كبيراً حين فتحت مدارس ابتدائية للبنات في مناطق عديدة منها بغداد وعنه والسماوة والكاظمية وخانقين والنجف وكربلاء والديوانية (125: ص82) .(1/17)
وحظيت قضايا التفتيش التربوية ( الإشراف التربوي ) بالاهتمام ودخل النشاط اللاصفي إلى المدارس الرسمية ، وأدخلت الرياضة البدنية إلى المدارس الرسمية ، وأسهمت السلطات التعليمية بتطوير دور المعلمين وتحديث مناهج مشابهة لمناهج دور المعلمين في استانبول ، وقد فصل عدد من مديري المدارس ودور المعلمين لعدم كفايتهم وأجريت امتحانات لعدد آخر منهم للتأكد من كفايتهم ، ونظمت عملية استيفاء الأجور الدراسية (1) .
أما ما يتعلق بخصوص المدارس الأجنبية فقد أصدرت وزارة المعارف تعليمات أكدت فيها على ضرورة حصول تلك المدارس على الإجازة الرسمية ، وأخضعت الامتحانات النهائية التي تجريها تلك المدارس تحت إشرافها المباشر، وفرضت عليها إدخال اللغة التركية وتاريخ الدولة العثمانية وجغرافيتها ضمن مناهجها الدراسية (2) . وأمرت بإغلاق الكتاتيب ودعت إلى نقل تلاميذ تلك الكتاتيب إلى المدارس الابتدائية ، وشكلت لجنة تتولى إجراء الامتحان للراغبين في فتح كتاتيب جديدة .
__________
(1) *ـ جريدة الرقيب ، بغداد ، 31 ، تشرين الأول ، 1909
(2) ** ـ جريدة الرقيب 11 نيسان / 1325 في 1909(1/18)
أما على الصعيد الشعبي ، فقد تزايدت رغبة العراقيين بحاجة بلادهم إلى المدارس؛ لذلك ارتبطت حركة الدعوة إلى نشر التعليم بحركة إثارة الوعي القومي ، كذلك فإن هذه الحركة كانت تهدف إلى تحقيق أمرين أولهما إحياء تراث العرب الثقافي ولا سيّما اللغة العربية ، وثانيهما بعث كيانهم السياسي(86: ص40). وقد أدت طبقة المثقفين العراقيين التي بدأت بالنمو في العقدين الأخيرين من الحكم العثماني والمؤلفة من الضباط والموظفين والمحامين والأطباء والمعلمين وطلبة المدارس العالية ورجال الأدب والثقافة دوراً كبيراً في الاتجاه الذي برز بشكل واضح في تأسيس مدرستي ( تذكار الحرية ) في البصرة و( الترقي الجعفري العثماني ) في بغداد (41:ص59) . فالمدرسة الأولى مدرسة إعدادية أهلية يكون التدريس فيها باللغة العربية وكان مؤسسها ( سليمان فيضي ) وهو محام موصليّ يعمل في الصحافة ويسكن البصرة ، وبلغ عدد طلبتها ( 160 ) طالباً ، لكن بعد سنة من افتتاحها سيطرت عليها السلطات الاتحادية وجعلت التدريس فيها باللغة التركية (24:ص68ـ71).
أما مدرسة الترقي الجعفريّ فقد أسسها جماعة من المثقفين في بغداد أمثال ( جعفر أبو التمن ) و ( رؤوف القطّان ) و ( مهدي الخيّاط ) ، وتكمن وراء إنشاء هذه المدرسة عوامل تعليمية وسياسية وتجارية ، فقد أقنعوا عدداً من رجال الدين المتنورين بدعم مشروعهم في إنشاء هذه المدرسة الأهلية لكي يتعلم فيها الشباب العلوم الحديثة ، واللغات الأجنبية ، إذ نورت أذهان الشباب وأسهمت بنشر الوعي ، و أصبحت فيما بعد منتدى سرياً تجتمع فيه العناصر الوطنية ، وتخرَّج في هذه المدرسة عدد من الرجال الذين تولوا مناصب مهمة في العراق خلال السنوات اللاحقة (20: ص 48ـ49) .(1/19)
وفي زمن ناظم باشا جُعل التعليم باللغة العربية ففتحت الكثير من المدارس الرسمية ، وجرت أول محاولة لتأسيس كلية دينية باسم كلية الإمام الأعظم (1) وبتحريض من بعض قادة الاتحاد والترقي استُبعد ناظم باشا من منصبه بسبب عدم ارتياحهم له ولاعتداله ، فقد عُيِّن جمال بك والياً على بغداد الذي طالب بإصلاح المدارس الرسمية ، وفي هذه الأثناء ازدادت حدة المعارضة لجمعية الاتحاد والترقي ، وسعى حزب الحرية والائتلاف إلى معارضة جمعية الاتحاد والترقي وترويج أفكاره السياسية بين الأهالي والطلاب (16:ص105) . وفي عام 1912م اكتشفت السلطات المحلية في بغداد تنظيماً سياسياً سرياً بين طلاب كلية الحقوق ؛ لذلك قرر الوالي غلق الكلية ، لكنه لم يحصل على موافقة مجلس الوزراء العثماني (2) .
وحصلت موافقة الباب العالي بأن يكون التدريس في دور المعلمين وكلية الحقوق باللغة العربية ، لكن السلطات لم تكن جادة بحجة قلةّ المعلمين الذين يستطيعون التدريس باللغة العربية ، وقلةّ الكتب المؤلفة بالعربية (3) ، وطالب نواب الموصل بالاهتمام بالتعليم الزراعي والصناعي ، وطالب أحدهم بتأسيس كلية الطب ، وكذلك أكدّ نواب البصرة على تحسين المناهج والكتب المدرسية (41:ص50ـ51) وكان الجو السائد في مدارس الموصل خلال هذه الحقبة يتصاعد فيه النشاط القومي العربي ، فقد كانت المدارس مكاناً لنشر الفكرة القومية وبث الشعور المعادي للاتحاديين ، وقد لوحظ أن السياسة التعليمية والمناهج الدراسية في أثناء الحكم العثماني لم تكن تمتُّ بصلة إلى واقع المجتمع العراقي وكان الهدف إعداد موظفين للدولة (125:ص87ـ89) .
__________
(1) * ـ جريدة الرقيب ، 10 تموز ، 1910
(2) ** ـ جريدة الزوراء / 20 / ذي الحجة / العدد 1330 لسنة 1912
(3) * ـ جريدة الصدري ، بابل ، 7 / أيلول / 1913(1/20)
إن أهمية هذا البحث تتضح من خلال الحاجة التربوية والثقافية التي تفرض ضرورة مثل هذه الدراسات ، ولغرض تأصيل وتقوية فكرنا الثقافي والتربوي ومعرفة مواقف التصدي الثقافي والاجتماعي التي أدخلها المفكرون العرب في مواجهة التحديات الثقافية والحضارية الأجنبية .
وتأسيساً على ما مضى نأمل أن يجد الباحثون في هذا البحث ضالتهم من الآراء التربوية للمفكرين الثلاثة وسيرة حياتهم العامة .
وهكذا فانهُ يعدّ محاولةً متواضعةً في تأصيل الفكر التربوي العربي الإسلامي في ما يعانيه من محاولات التمزق الداخلي والاضطراب الخلقي والتبعية الفكرية وفقدان الهوية نتيجة الغزو الثقافي الناتج عن محاكاة الغرب ، التي أدت إلى تكوين أجيال عربية قد لا تعرف عن الفكر التربوي العربي الإسلامي ورجاله إلا الشيء القليل ، وجهل الكثير منهم المدى الذي بلغه مفكرونا في فهم أبعاد العملية فهماً صحيحاً ، ودراسة التراث العربي الإسلامي لهذه الأمة والخبرات المتصلة والأحداث الفاعلة التي ما تزال تؤثر في الناس وتوجه سلوكهم .
ويرى الباحث أن دراسة هذه الحقبة من الزمن ستكشف عن شخصيات المفكرين الثلاثة وما أضافوه إلى نظامنا التربوي من خلال ما قدموه وما أرسوه باجتهادهم من أصول التربية الأصيلة والعميقة الجذور ضمن التخصصات التربوية المختلفة .
هدف البحث :
يرمي البحث إلى تعرف الفكر التربوي في العراق خلال القرن العشرين .
حدود البحث
يتحدد البحث على تعرف الفكر التربوي في العراق خلال القرن العشرين لثلاثة مفكرين وهم :ـ
1ـ ( فهمي المُدّرس 1873 ـ 1944م ) ، (محمد بهجت الأثريّ 1902ـ1996م) ، ( عبد العزيز البسّام 1915ـ ) .
2ـ فيما يتعلق بفكر عبد العزيز البسّام سيأخذ الباحث بإنتاجه الفكري الى عام (2000م) أي نهاية القرن العشرين .
تحديد المصطلحات :
يقوم الباحث بتحديد مصطلحات البحث وهي :.
1ـ الفكر :(1/21)
إن الفكر في مفهوم اللغة يعني التأمل ، والاسم (الفكر ) و(الفكرة) والمصدر (الفكر) بالفتح وبابه نصر و(أفكر) في الشيء و(فكّر) فيه بالتشديد و(تفكير)فيه بمعنى ورجل (فكّير) بوزن سكِّيت كثير التفكير (75:ص109) .
والفكر يعني أيضا إعمال الخاطر في الشيء (1) .
وفي الاصطلاح : اسم لعملية تردد القوى العاقلة المفكرة في الإنسان ، سواء أكان قلبا أم ذهنا بالنظر والتدبر ، لطلب المعاني المجهولة من الأمور المعلومة ، أو الوصول إلى الأحكام ، أو النسب بين الأشياء (63:ص15) .
ويقدم قاموس وبستر تعريفا للفكر بأنه ما يحب أن يكون والاهتمام المنظم فيه كمثل الذوق أو كخلاصة إلقاء الكلام كما انه يعني التأمل والتفكير ، وانعكاس الصور ، والضرورات اليومية المهمة للفكر ، كذلك تعني أيضا استعمالات القدرات العقلية ومعرفة الذات ، ومن هنا نعرف أن للفكر مفاهيم عديدة ، وان بعض العلماء يرى أن الفكر مثل الفرد الذي ينتج الأشياء ويلاحظ أيضا أن الفكر يعني اقل أو اكثر اهتمام بالدلالة اللفظية للفكر ( 165: ص2381) .
ويعرفه فاضل زكي محمد ( الفكر عموما انه الآراء والمبادئ والنظريات التي يطلقها أو يعتمدها العقل الإنساني في تحديد موقف أو مواقف معينه تجاه الكون (81:ص19) .
ويعرفه الباحث :
بأنه مجموعة من القيم والمبادئ التي يؤمن بها الفرد وتتركز في عقله فتكون اتجاهاً واضحاً ، يحدد سلوكه مستقبلا .
2ـ الفكر التربوي :
يعرفه سعيد إسماعيل علي أنه (صورة من صور الفكر على وجه العموم ، وهو حصيلة لحركة المجتمع في بنيته الأساسية ، هو إفرازها على صفحات تصور ظروفه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية ، وتشكل اتجاهاته ومساراته بما تتخذه هذه الظروف والمسارات واتجاهات (115:ص5) .
__________
(1) * ـ ابن منظور : لسان العرب 5 / 65(1/22)
ويعرفه سعد مرسي أحمد بأنه (سجل للأفكار في زمن ما ومكان ما ، قد عبر عن نفسه في تعاليم وكتابات ولدتها العقول اتسمت بالاتزان والحكمة والعقلانية في إطار من التأمل والنظر ابتغاء وجه الحق والخير والعدل والجمال) (139:ص19) .
وعرفه الباحث :
بأنه الإنتاج الفكري الذي أفرزته كتابات أو مقالات أو آراء المفكرين الثلاثة (فهمي المدرس ومحمد بهجة الأثري وعبد العزيز البسام) في المجالات التربوية .
منهجية البحث :
اتبع الباحث في هذه الدراسة المنهج الوصفي المقارن الذي يعتمد التحليل والتغيير المنطقي القائم على الاستقراء والاستنتاج وكشف الحقيقة ، بين اوجه الشبه والاختلاف والالتقاء ، ضمن خطوات عديدة أهمها:
1 ـ تحديد مفهوم الفكر التربوي عند المفكرين الثلاثة .
2 ـ البحث المتأني في كتابات المفكرين الثلاثة وتتبع الروايات الخاصة بهم من خلال مؤلفاتهم ، وما كتب عنهم .
3 ـ تحليل النصوص بطريقة علمية واستخراج المفاهيم والمبادئ التربوية منها ، وتوظيفها في خدمة موضوع البحث .
4 ـ استعان الباحث بالمقالات والبحوث الحديثة التي تناولت سيرة المفكرين الثلاثة في المجالات التربوية والتاريخية .
5 ـ بما إن البحث وصفيً ، فقد اتخذ الباحث من صورة الحياة الفكرية والتربوية والثقافية التي كانت قائمة في العراق الخاضع لحكم الدولة العثمانية وحكم الانتداب البريطاني والعهدين الملكي والجمهوري منطلقاً أساسيا للدراسة ، ولذلك لم ينظر الى فكر مفكرينا بأنه اجتهادات فكرية محضة ، بل انه نتاج متفاعل مع الزمان والمكان اللذين عاشوا فيها ، لان النتاج الفكري في المجتمعات وعند الأفراد يتأثر عادة بما يحيط به من جو اجتماعي وثقافي وحضاري يفرض الالتزام به أحيانا .(1/23)
6 ـ إما بخصوص جمع المادة العلمية لهذا البحث ، فان الباحث قد وجد من المصادر والمؤلفات التي دونها المفكرون الثلاثة ، وما كتب عنهم ، وما حصل عليه الباحث من معلومات من ملفاتهم الشخصية في المجمع العلمي العراقي ، ومقابلة معاصريهم من المفكرين ، والمقابلات الشخصية المتكررة مع المفكر عبد العزيز البسام مباشرةً هي مصادر أولية في جمع مادة البحث .(1/24)
الفصل الثاني
القوى والعوامل المؤثرة في الفكر التربوي للقرن العشرين
تعد النظم التعليمية في البلاد المختلفة وليدة الظروف الاجتماعية والحضارية التي نشأت فيها ، وان هذا الاختلاف في النظم التعليمية يعود إلى اختلاف ظروفها .
فقد يحدث التغيير نتيجة التطور البطيء عبر السنين والأجيال ،أو يحدث نتيجة التغيرات الجذرية ، أو وليدة الرغبة في الإسراع بعملية التغير أو التحول الاجتماعي ، بسبب فرضه من قوى خارجية متحكمة ، أي وقوع البلاد تحت السيطرة الاستعمارية أو انهزامها في الحرب (140:ص89) .
ويكاد يكون من فرضيات الدراسات العلمية للحقب الزمنية ، إن المكونات الأساسية للشخصيات التي لعبت دوراً مهماً وبارزاً على المسرح الثقافي والاجتماعي والتربوي ، ما هي إلا نتاج الظروف والأحداث التي وجد فيها الإنسان ضمن بيئته الزمانية والمكانية (47:ص79ـ89) .
ومن خلال التعرف لأحداث ذلك المجتمع والعصر الذي عاش فيه المفكرون الثلاثة ( فهمي المدرّس ومحمد بهجة الأثريّ وعبد العزيز البسّام ) يمكن تلمس جذور مراحل نشوئهم من الطفولة إلى الشباب ، ومدى تأثير ذلك على فكرهم التربوي وسيتناول الباحث العوامل الجغرافية والتاريخية ، والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، والفكرية والعلمية ، التي سيطرت على الحياة الثقافية إبان حكم الدولة العثمانية ، والسيطرة الاستعمارية البريطانية .
أولاً : العوامل الجغرافية والتاريخية :
تختلف البلاد العربية بطبيعة أراضيها فمنها الزراعية والصحراوية والساحلية والجبلية ، ومن ناحية أخرى نلاحظ أن جو بعضها يميل إلى البرودة أو الحرارة أو الاعتدال ، أما من حيث موقعها الجغرافي فان قسما منها قريب من الحضارة العالمية(1/1)
وأخرى بعيدة بحكم الموقع الجغرافي ، إن اختلاف الأصول الجغرافية للبلاد العربية ، لم يجعل هناك فلسفة تربوية واحدة تفرض نفسها على البدو والحضر وعلى الريف والمدينة ، بل يفضل أن تكون هناك فلسفات تربوية متعددة ، تنبع من واقعهم ، وتلبي حاجاتهم ومستوى تفكيرهم ، وهذه الفلسفات التربوية الفرعية تشتق فلسفاتها من الفلسفة الأُم التي تمثل واقع الأمة العربية ككل ، وان بعد هذه الفلسفات عن واقع المجتمع وارتباطها بفلسفات التعليم الغربي هو سبب من أسباب تخلف نظم التعليم في البلاد العربية .
لقد بادرت الدولة العثمانية على اثر استيلائها على بغداد عام 941 هـ/ 1534م والبصرة عام 953هـ /1546م ، إذ وضعت تقسيما إداريا منظما للعراق كونه من أهم ولايات الدولة العثمانية ، ووضعت نصب أعينها في أثناء التقسيم الأوضاع الخاصة في البلاد ، ولاسيما ما يتعلق بالعشائر العربية والكردية التي تؤلف نسبة كبيرة من السكان (137:ص162ـ167) .
فقد قسم العراق على أربع ولايات هي ( بغداد والبصرة والموصل وشهر زور (كركوك) ) (91: ص17) .
1ـ ولاية بغداد :
وهي أهم واكبر ولايات العراق ، كونها دار الخلافة ، ومركز الحضارة في عهد ازدهار الدولة العربية الإسلامية ، ويعد باشا بغداد أعلى باشوات العراق رتبة ، وغالبا ما يعهد إليه الإشراف على الولايات الأخرى وحمايتها مما قد تتعرض إليه من خطر .
كانت واردات الولاية تجمع وترسل إلى خزانة الدولة ، إذ كانت تعهد إلى شخص من ذوي النفوذ والثراء بجباية الضرائب المقررة على منطقة معينة مدة زمنية محددة أول الأمر ، وكان عليه قبل مباشرته في عمله أن يدفع مبلغا من المال يعادل ضريبة سنة من الضرائب المقررة على المنطقة التي يلتزمها ويمارس فيها اختصاصه يسدده إلى دائرة تعرف باسم ديوان ( الروزنامة ) وهي المسؤولة عن تحرير وضبط الحسابات في الدفاتر الرسمية ليحصل على لقب ملتزم ويتم تحديد مقدار الأموال(1/2)
المقررة عليها ، ولذلك تقوم هذه الدائرة بإصدار إعلان إلى سكان المنطقة المشمولة يحدد فيها اسم الملتزم ، ومقدار المال الواجب دفعة من قبل السكان ، ولا يطالبهم بأكثر من ذلك ، لكن الملتزم كان يحقق في ظل هذا النظام أرباحاً مادية كثيرة نتيجة حصوله على الفائض ، وهو الفرق بين ما دفع للدولة وحصيلة ما يجنيه من السكان (91: ص18،19 ) . ولاسيما انه قد اشترطت الدولة على الملتزمين بعدم الحصول على اكثر من النسب المحددة ، ألا أن تدهور المؤسسات شجع الملتزمين على استغلال مناصبهم وجمع ما يزيد على المبالغ القانونية فأساؤوا إلى الفلاحين واقتصاد الريف ، إذ كان شيخ العشيرة يلتزم بجمع الأموال الأميرية من أفراد أسرته ، لكن هذا النظام الغي بموجب مرسوم إصلاح تقرر فيه أن يجمع حكام الولايات الضرائب القانونية ، وان يتولى جمعها ، جباة مدنيون يتقاضون رواتبهم من الدولة ، إلا أن تطبيق هذا القانون ظل متعثرا وظل الالتزام ساريا ، إذ بقي نظام الالتزام مطبقا في العراق على الأراضي العشائرية والأميرية ، إذ كان يسند إلى الشيوخ (147:ص60،72) .
2ـ ولاية الموصل :
وهي أولى مناطق العراق التي دخلت في حوزة الدولة العثمانية ، وقد طبق عليها نظام الإقطاع الحربي العثماني ، الذي بموجبه يمنح السلطان أرضاً لأفراد من سلاح الخيالة يستقرون فيها ويشرفون على زراعتها بمساعدة الفلاحين الذين يتولون زراعتها بصفتهم مستأجرين ، والعسكريون الذين يحصلون على هذه الأراضي ليس لديهم رواتب بل يعتمدون على واردات أراضيهم ، إذ كانت على ثلاثة أنواع :
ـ أراض ( إقطاعيات ) على مساحة صغيرة تدر على صاحبها إيرادا يبلغ ثلاثة آلاف (اقجة) (1) وكان عليه أن يقدم إلى الجيش وقت الحرب عددا من الفرسان يتراوح عددهم من (2 ـ 4) بخيولهم وأسلحتهم .
__________
(1) * ـ اقجة : هي عملة فضية لا يزيد وزنها على ربع مثقال من الفضة وقيمتها لم تكن مستقرة .(1/3)
ـ أراض اكبر مساحة من الأولى وهي تمنح للفارس الذي يظهر كفاية عالية في القتال من قبل السلطان ، وتصل إيراداته إلى مئة آلف ( اقجة ) ، وعليه أن يقدم للجيش في وقت الحرب من الفرسان ما يقارب (50) فارسا بأسلحتهم وخيولهم وهو يخضع لنظام التفتيش.
ـ أراض اكبر مساحة ، وهي غير خاضعة للتفتيش وتمنح للولاة الذين هم في الخدمة الحكومية ، وتكون وارداتها اكثر من مئة ألف ( اقجة ) ويوجد نوع آخر من الأراضي يكون ملكا للسلطان وهي اكبر الأراضي وأهمها وكل من هذه الأراضي يطلق عليها اسم ( سنجق ) (1) ويكون على رأسها سنجق بك وهو المسؤول عن إدارة شؤون المدنية في لوائه فضلا عن مهامه العسكرية (74:ص103) .
3ـ ولاية البصرة :
تعد البصرة حامية عسكرية مهيأة لمواجهة انتفاضات القبائل وتهديدات إيران وحكامها .
والبصرة تجني ضرائبها بالالتزام ، وتعد وحدة إدارية واحدة يستلم الوالي المعين عليها راتبا سنويا .
كانت البصرة ولاية مستقلة يحكمها الوالي العثماني كغيرها من الولايات إلا أنها ألحقت بولاية بغداد ، إذ كان الوالي يعين عليها متسلما ينوب عنه في حكم المدينة ، وفي منتصف القرن التاسع عشر صارت ولاية قائمة بنفسها تحت إدارة باشا شبه مستقل ، وقد ضمت الأراضي الواقعة على شط العرب والفرات إلى السماوة والعمارة على نهر دجلة ، وقد منح والي البصرة صلاحية الاتصال المباشر مع الباب العالي ، ولكنه في الشؤون العسكرية والمالية ظل يتبع والي بغداد ، لانَّ الوضع الإداري للولاية لم يكن مستقرا بشكل كليّ ، وظلت هكذا حتى الاحتلال البريطاني عام 1914م (149:ص82) .
4ـ ولاية شهر زور (كركوك) :
__________
(1) * ـ السنجق : أي لواء حاكمها يعرف بالسنجق بك أي أمير اللواء .(1/4)
كانت سناجق هذه الولاية عبارة عن قلاع تتحكم بالممرات المهمة بسبب طبيعة المنطقة وقربها من إيران ، وأن نظام الإقطاع الحربي قد طبق بها .في عام 1864م قسم العراق على ثلاث ولايات وهي (بغداد ، والموصل ، والبصرة) وقسمت كل ولاية على عدد من الألوية تشمل مجموعة من ألا قضية والنواحي والقرى .
وبما أن نظم التربية والتعليم في البلاد العربية المختلفة ، هي وليدة العلاقات الاجتماعية فيها ، لذلك تنوعت واتخذت قوالب معينة بسبب تنوع ظروفها التاريخية وانعكاسها على الأهداف التربوية ومناهج التعليم وتكوين شخصية الأفراد .
فقد يلاحظ اثر العوامل التاريخية في تنوع بعض خصائص التعليم وتنظيمه على مستوى القطر الواحد .
وتتجلى أهمية العوامل التاريخية في أثناء الإصلاحات في نظم التعليم ، إذ تصبح لهذه العوامل قيمة فائقة عند تفسير الظواهر التربوية وتحديد مساراتها وكيفية التعامل مع تلك الظواهر ، ومدى انسجامها مع الجو الفكري والنظرة العامة للمجتمع .
وبذلك تصبح العوامل التاريخية بمثابة معينات تساعد المهتمين بشؤون إصلاح التعليم في البلاد ، وصياغة برامج التغيير بالصيغة التي تتناسب ودرجة الحاجة المادية والنفسية إليها.
إن عناصر نظام التعليم في جميع نظم التعليم تكونت تاريخيا ، إذ اكتسبت درجة من الاستقرار ، التي قد لا تتجاوب بسهولة مع أي تغيير مهما كان نوعه ولاسيمّا عندما يتعارض مع الإرث والتقليد الاجتماعي .
لقد اهتمت كثير من مؤسسات التعليم في بعض الأقطار بتزويد الطلبة بالمعارف المنظمة والمحدودة الأهداف ، في حين أن مؤسسات أخرى اهتمت برعاية ميول واتجاهات طلبتها اكثر من اهتمامها بالمعارف الأخرى (90:ص28) .(1/5)
لقد أكد ( سادلر ) (1) على أهمية العوامل التاريخية في المجتمع ومدى تأثيرها في تحديد معالم نظم التعليم وتوجيهها . وبين أن كل نظام تعليمي ينبع أساسا من التربية الثقافية التي يقوم فيها ويمثلها (87:ص12) .
في حين أكد ( كاندل ) (2) على أهمية جمع المعلومات والوثائق التاريخية والثقافية التي تؤثر في معالم نظم التربية والتعليم ، التي قد تسبب بعض المشكلات التعليمية وتساعد في التعرف على القوى الخفية والروحية والثقافية التي يقوم عليها النظام التعليمي ، من خلال الرؤية الفلسفية التي تقود ذلك النظام التربوي وإعداد الأنظمة الديمقراطية افضل من غيرها (163:ص47) .
__________
(1) (*) وهو مربي إنكليزي ولد عام 1861 وتوفي عام 1943 ، اهتم بالتربية المقارنة واعتقد أن عظمة النظم التعليمية تتجلى في روحها الحية وطابعها المتميز .
(2) (**) من أشهر رجال التربية ، ولد في رومانيا عام 1881 وهو أستاذ في كلية المعلمين بجامعة كولومبيا وقد توفي عام 1965 وكتب الكثير من الكتب والمقالات في مجال التربية المقارنة .(1/6)
أما في العراق فقد تعاقب الولاة والحكام في أثناء مدة الحكم العثماني والسيطرة الاستعمارية البريطانية ، وتعرض البلاد إلى الكثير من الغزوات والحروب والكوارث والأوبئة نتيجة لضعف الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين ، والجهل في الجوانب الصحية ، مما أدى إلى زيادة في عدد وفيات الأطفال وانخفاض معدلات قبول التلاميذ في المراحل الدراسية ، والهجرة الجماعية من مكان إلى آخر ، والتحدث بأكثر من لغة والزواج بغير العربية ، وفرض اللغة الأجنبية من قبل المستعمر نتيجة للغزو والسيطرة الاستعمارية ، والاتصال بالغرب الذي أدى بدوره إلى الازدواج الفكري الذي يعد من مواطن الضعف في بناء الشخصية القومية ، لقد مرت الأمة العربية ومن ضمنها العراق بحقب تاريخية متعددة ، منها عصور تقدم وازدهار ، وأخرى عصور تأخر وضعف ، فمنذ سقوط بغداد عام 656هـ ـ 1258م وهي تسير في طريق الضعف والجمود والتخلف ، وان اتصالها بالغرب كان غازيا طامعا في خيراتها. جاء مزودا بالآلات الحديثة والثقافة الأوربية فحدث الازدواج الفكري ، بغض النظر عن مدى ملاءمته للمجتمع العربي ، وتحقيق أهدافه ، واستمر هذا المنهج حتى بعد التحرر لكي تتعجل الحكومات الوطنية من اللحاق بالغرب ، لكنها تضيع الجهود وتبدد الموارد .
والفرق بين العهدين أن العهد الاستعماري ، هو تحطيم مقومات الأمة العربية ضمانا لاستمرار تبعيتها للاستعمار ، في حين أن عهد الحكومات الوطنية يعجل النهضة القومية ، ولذلك نشاهد أن فلسفة التعليم العام لا تزال بعيدة عن الشخصية القومية لكونها قديمة لا تتصل بالإسلام ، أو تكون غريبة ليس لها صلة بواقع الأمة العربية (100:ص311) .(1/7)
وقد عبر الدكتور فاضل الجمالي عن هذه الحقيقة قائلا : (( تجابه الأمة العربية اليوم مشاكل عديدة بعضها ناتج عن تخلفها عن السير في ركب الحضارة العالمية عدة قرون ، حتى أواخر القرن الماضي ، ثم أيقظتها أمام عالم تسوده القوميات والعلوم والمخترعات ، والتنظيم الحديث ، والحقيقة إن الأمة العربية اليوم تمثل قافلة تسير مقدمتها في عصرنا الحاضر ومؤخرتها في القرون الوسطى )) (48:ص102).
وعندما نفصل فلسفة التعليم عن واقع الأمة ، فان النتيجة تكون فشل السياسة التعليمية وعجزها عن تحقيق أهدافها (17:ص344) .
ورغم الجهود الكبيرة التي تبذل للقضاء على الأمية في العالم العربي فان عدد الأميين العرب يزداد عاماً بعد عام ، وهو صورة مطابقة لنواحي التعليم الأخرى ، بسبب عدم ارتباط فلسفة التعليم الحالي بأهداف الأمة العربية وواقعها الذي تعيشه بسبب ما مر بها من ظروف تاريخية (99:ص321) .
ثانياً : العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية :
أ ـ العوامل السياسية :
اختلفت أنظمة حكم في البلاد العربية فمنها الملكية والإماراتية و الجمهورية ، وان هذه الأنظمة ما هو صالح يحقق مصالح الشعب ويحترم كرامة الإنسان ، وما هو استبدادي يقرر ويطبق ما يريده ، وهناك ما هو وراثي وآخر جاء نتيجة الانتخابات الحرة ، ومنها أيضا نظام يفرض نفسه بانقلاب عسكري .
إن هذه الاختلافات في أنظمة الحكم أمر طبيعي بسبب الاختلافات في العوامل الجغرافية أو التاريخية أو الحضارية .
إن اغلب أنظمة الحكم في البلاد العربية يغلب عليها الطابع القبلي بسبب الظروف التاريخية ، وما فرض عليها من تخلف وأمية وسيطرة الاستعمار بأنواعه .
إن مشكلات الحكم في الوطن العربي لا تخلو من مواطن الضعف كالمركزية الزائدة وقلة الكفاية والمقدرة لدى رجال الحكم ، وقلة الاستقرار ، مما يترتب عليها تضرر الكثير من الفئات الاجتماعية وضعف المسؤولية وكثرة استغلال الإنسان (48:ص104ـ106) .(1/8)
ولذلك يعد عدم الاستقرار السياسي من اكبر أسباب فشل السياسات التعليمية في البلاد العربية ، ومن عوائق بناء فلسفة تربوية عربية ، كما أن ظروف التخلف التي فرضت على بعض البلدان العربية جعلها تلجأ إلى مجالات بعيدة عن التربية والتعليم كالتسليح ، والاهتمام بالجيش .
وعليه فان هذه المجالات تمتص جزءاً كبيرا من الاقتصاد الوطني وتؤثر على نهضة البلد ولاسيما في المجالات التربوية .
لقد عرفت الدولة العثمانية العديد من الاتجاهات السياسية والدينية ، فقد حظيت الدعوة الإسلامية بمؤازرة الخليفة العثماني في أول الأمر لتكون واجهة سياسية لجمع شمل الدولة الإسلامية حوله إذ نشط هذا الاتجاه في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1847 ـ 1918م) لكونه لم يقم على أسس عنصرية أو لغوية ، بل كان يهدف إلى جمع الشعوب من عرب وترك وأقليات أخرى تحت لواء الدين الإسلامي من اجل مواجهة الاستعمار الغربي ومكافحته ، إذ ركزت على حج بيت الله الحرام والخلافة الإسلامية والتجديد الديني والإصلاح الاجتماعي والتعاون الوثيق نتيجة ما أصابهم من السيطرة الاستعمارية (47: ص97،293) .
وهنالك عوامل شجعت في ظهور هذه الدعوى ، كظهور الحركات السياسية الأوربية التي كانت تهدف إلى هدم كيان الإسلام والمسلمين وتخلف العالم الإسلامي. ومن المتعارف عليه أن الغزو السياسي الأوربي للعالم الإسلامي كان يسبقه غزو اقتصادي ، يهدف إلى تكبيل تلك الدول بقيود اقتصادية أو سياسية تؤثر على كاهل البلاد ، ولذلك طالب مؤسسو هذه الجمعيات ، بان تكون ثروة المسلمين للمسلمين أنفسهم (122:ص103ـ106) .
إن الدعوة الإسلامية كانت دعوة مضادة للحركات الفكرية والثقافية والدينية الغربية من جهة ، وكرد على الدعوات والخرافات والبدع الدينية التي ظهرت في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي من جهة أخرى .(1/9)
وكان للدور الفكري والديني الذي نادى به جمال الدين الأفغاني (1) والشيخ محمد عبده (2) وعبد الرحمن الكواكبي (3) ، اثر زاد في إحياء وتجديد العقيدة الإسلامية والتعاليم الدينية ، وعملت تلك الدعوات على بعث اليقظة الدينية من الظلام والخمول الذي وقعت فريسة له منذ عصور السيطرة الأولى لحكم العثمانيين بالبلاد العربية الإسلامية(166: ص71) . ومن الأسس التي قامت عليها حركة التجديد الديني والفكري هي إصلاح وتهذيب العقول والنفوس ، وإصلاح شؤون الدولة ، وحكم الشعب عن طريق الشرائع والقوانين الإسلامية.
ورأت أن السبيل لتحقيق هذه الأغراض والأهداف الاجتماعية والسياسية لا يتم إلا عن طريق التعليم والتثقيف ، وإنشاء المدارس الحديثة التي يمكن من خلالها التدرج في توعية الأمة الإسلامية والنهوض بها لمحاربة السيطرة والاحتلال الفكري والسياسي الأجنبي (103: ص122) .
كانت مجلتا (المنار) و( العروة الوثقى ) الناطقتين باسم هذه الحركة ، وما نشره عبد الرحمن الكواكبي تجارب جريئة في تاريخ اليقظة العربية الإسلامية (139:ص371) .
__________
(1) * ـ جمال الدين الأفغاني ( 1838 _1897 م) مصلح ديني واجتماعي وسياسي ، دعا إلى تحرير الأمم الإسلامية من الاستعمار والتدخل الأجنبي .
(2) ** ـ محمد عبده (1845_ 1905) من مؤسسي النهضة العربية الحديثة ، ومن كبار الدعاة إلى التجديد والإصلاح في العالم الإسلامي.
(3) *** ـ عبد الرحمن الكواكبي (1854 _1902 ) يعد من زعماء الإصلاح ، وهو كاتب عربي ولد في حلب وسافر إلى مصر لمواصلة دعوته العربية التحررية .(1/10)
لكن الدعوة الإسلامية تعرضت إلى ضغوط كبيرة فاقت مقاومتها بسبب تعرض أنصارها وزعماؤها إلى النفي والتشرد ، وبعد مجيء حزب (الاتحاد والترقي ) إلى السلطة أخذت الأفكار القومية الجديدة تتصارع فيما بينها ، والدعوة الإسلامية تتلاشى فحلت محلها حركات علمانية تهدف إلى تأسيس دولة قومية مستقلة عن الدولة العثمانية (80:ص234ـ235) .
وقد تميزت هذه الحقبة بتعدد الصحف والمنشورات التي كانت تطبع خارج الإمبراطورية العثمانية وتدخل ولايات الدولة عن طريق بريد السفارات الأجنبية ، التي لم تكن تخضع للرقابة العثمانية (60:ص104ـ106) .
ومن الأحزاب التي لعبت دوراً مهماً في تلك الحقبة ( حزب الحرية والائتلاف ) الذي أسس عام (1911م) ومن مبادئه اتحاد جميع العناصر العثمانية تحت شعار (العثمانية) وحكم البلاد حكما لا مركزيا ، وفي عام (1912م) تولى هذا الحزب الحكم وأراد تطبيق المبادئ والشعارات ، لكن هناك عوامل حالت دون ذلك منها : غدر الاتحاديين بهم وإسقاط وزارتهم (60:ص120: 121) .
وبعد ذلك برزت حركة قومية تنادي بالقومية التركية المحضة وكان دعاتها من أعضاء حركة (الاتحاد والترقي) الذين استعملوا وسائل متعددة لنشر هذه الدعوة كتأسيس الجمعيات والنوادي وإصدار المجلات ، وقد مجدت هذه الدعوى عن طريق الأغاني والأشعار والروايات (63: ص141) ، وقد استهدفوا العرب المسلمين في عملية التتريك وان يبقوا اللغة التركية هي اللغة الرسمية للولايات العثمانية وان تشمل جميع مراحل التعليم والمعاملات الرسمية في دواوين الدولة كافة ، في حين منحت السلطات العثمانية الطوائف غير الإسلامية حق تأسيس المدارس والتعليم بلغتها القومية والدينية ( 63: ص202،201).
ونتيجة لهذه الضغوط والتعصب العنصري خرجت كثير من البلدان غير التركية على الدول العثمانية ، إذ نشطت الجمعيات والتنظيمات السرية والعلنية وكان من أبرزها :ـ
1ـ الجمعية القحطانية :(1/11)
وهي أول جمعية عربية سرية أسسها نخبة من الضباط الأحرار وبعض الشباب القوميين ، ومن أهدافها جعل الدولة العثمانية دولة عربية ـ تركية ، وان يكون للولايات العربية برلمان وحكومة محلية لغتها الرسمية عربية وظلت هذه الجمعية تمارس نشاطها حتى الحرب العالمية الأولى (23: ص320ـ322) .
2ـ جمعية العهد :
وهي جمعية عسكرية اقتصرت في عضويتها على الضباط العرب ، أسسها عزيز علي المصري ، وهو جندي باسل وسياسي مصري اتصف بالجرأة والأقدام واشترك في الثورة العربية عام 1916م ، وعين في مصر في عدة مناصب إدارية حتى عام 1953م ، وكان لها فرعان في كل من بغداد والموصل ، وكانت أهدافها تدعو إلى يقظة الأمة العربية وتحذر من نوايا السلطة العثمانية نحو العرب (126:ص96ـ100).
3ـ جمعية العربية الفتاة :
ويطلق عليها أحياناً (الفتاة) تأسست في باريس ، ومن أهدافها أحياء العلوم والتراث العربي ، والعمل على تحسين وتقدم الأمة العربية ، والمطالبة باللامركزية في حكم الولايات العربية من قبل الدولة العثمانية (167:ص 200 ).
4ـ جمعية الإخاء العربي العثماني :
وهي جمعية علنية أنشئت على اثر المشروطية الثانية (1908م) التي تعني إعلان الدستور ، وهي نوع من الإصلاحات وظهرت في عهد السلطان عبد الحميد وانتهت بإعلان الجمهورية التركية الحديثة عام 1923م ، وقد ساهم في افتتاحها أعضاء من حزب الاتحاد والترقي ، ومن أهدافها المحافظة على وحدة وصيانة الدستور ورفع مستوى الولايات العربية ومساواتها مع الولايات العثمانية ، والاهتمام باللغة العربية والتعاون مع جمعية الاتحاد والترقي ، وكان أعضاؤها من العرب فقط (78:ص22ـ23).
5ـ حزب اللامركزية :(1/12)
تأسس في مصر وسمي بـ (حزب اللامركزية الإدارية العثمانية ) ومن أهدافه جعل الحكم في جميع الولايات قائماً على أساس من اللامركزية ، وقد كان اكثر أعضائه من السوريين المقيمين في مصر ، وأسست له فروع في العراق ، ومن أهدافه أن يبقى العرب مرتبطين بالدولة العثمانية ، واستمر نشاطه حتى الحرب العالمية الأولى (78ـ ص33ـ35) .
6ـ المؤتمر العربي الأول في باريس :
وجاء انعقاده في باريس في 18 / حزيران 1913 م وكان برئاسة عبد الحميد الزهاوي من العراق ، بناء على الفكرة التي دعا إليها مؤسسو (جمعية الفتاة ) وقد حضر اجتماعاته العرب ومفكروهم بصفة وفود تمثل الأحزاب اللامركزية والمهاجرين العرب والجالية العربية ، واستمرت جلساته ستة أيام ، وكان من قراراته التي دارت حول اللغة العربية ، ونظام الخدمة العسكرية للعرب ، وشؤون القضاء والأوقاف ، وان تكون للعرب ثلاث وزارات في الحكومة التركية (63: ص207ـ214) .
مظاهر الضعف والانحطاط في الدولة العثمانية :
نتيجة لما كان يدور داخل الدولة العثمانية من تناقضات فكرية وسياسية ، فقد انعكست على مظاهرها وسياستها مما أدى إلى بروز مظاهر الضعف والانحطاط ومنها:
1ـ الاستبداد وسوء الحالة الإدارية والسياسية في البلاد .
إن إطلاق يد السلطان في الحكم بحسب هواه وكيفما يشاء ، وبدء عهد الطغيان وتعطيل الدستور والسيطرة والرقابة الصارمة على الصحافة والكتابات الأدبية وجعل المحاكم آلة بيد السلطان والقوانين تخدم السلطان وتحقق النزعات الشخصية وتلبي أحكامه من النفي والسجن والتشريد ، بل كانت أوامره تكفي للإعدام ومصادرة الأموال من دون أية محاكمة أو قانون (47:ص210) .
وزادت مصاريف الحاشية ، وازدادت الرشوة ، وكثر المادحون للسلطان وكثرت عليهم الهبات مما زاد في عجز الخزائن وتأخر صرف الرواتب لعدة شهور أحيانا (60:ص101ـ 102) .(1/13)
وقد اتسمت الإدارة العثمانية بالحكم المركزي الشديد واستغلال وإذلال العناصر غير التركية واستعبادها لخدمة العنصر التركي .
ومن نتائج المساعدات والقروض والخبرات العسكرية التي حصلت عليها من الدول الأوربية كألمانية وفرنسا وإنكلترا وإيطاليا وروسيا ، فقد تنازلت عن معظم ولاياتها العربية لتلك الدول مقابل إلغاء الديون والحصول على بعض القروض لسد العجز في ميزانيتها وزيادة بعض الرسوم الجمركية على البضائع الأوربية (63:ص142ـ150) .
ومن هنا بدأت الدول الأوربية بالتدخل في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية مستعملة سلاح القوة والتهديد ، والدعم والمساعدة لغرض الحصول على مناطق نفوذ عسكرية واقتصادية ، وفعلا استطاعت تحقيق ذلك عن طريق المعاهدات والاتفاقيات السرية (46:ص165) ، فأخذت هذه الدول في النهاية تتكتل وتتنافس فيما بينها منقسمة
على محاور وحلفاء ، فكانت عاملا من عوامل قيام الحرب العالمية الأولى عام (1914م) وخروج الولايات غير التركية من الإمبراطورية العثمانية ( 63: ص135ـ227) .
2ـ الضعف والانحطاط في الثقافة والتعليم :
إن سياسة التسلط والاستبداد وسوء الحكم الإداري والسياسي ، وما صاحبه من تناقضات عقائدية ومذهبية أثرت بدورها على السياسة الثقافية والتعليمية ، فقد بقي التعليم يتبع نظام التعليم الديني البدائي الذي يعتمد على تعليم مبادئ القران والتفسير في معاهد دينية تسمى الكتاتيب ، ومعاهد تهتم بالعلوم الدينية والفقهية والشرعية ، مهمتها تزويد الدولة بالموظفين والقضاة والإداريين ( 64:ص24) .
إن المدارس التي أنشأتها وزارة المعارف كانت قليلة لاتفي بحاجة تلك الولايات العربية ، علاوة على ذلك ، أن السلطة العثمانية لم تفسح أمام العرب المجال للتعليم في المدارس الحكومية بلغتهم العربية (126: ص39) .(1/14)
إذ كان عدد المدارس قليلا جداً ، وضعف مستواها العلمي والأدبي وتأخر الدراسة وقلة عدد المعلمين فيها ، وعَدّ اللغة العربية اللغة الثانوية وتدرس قواعدها باللغة التركية وعدّها اللغة الرسمية (126: ص40) .
محاولات الإصلاح والتغيير في الدولة العثمانية :
بدأت محاولات الإصلاح في التنظيمات العسكرية والإدارية والتعليمية من قبل بعض السلاطين المصلحين ومن هذه الإصلاحات : اقتباس النظم الغربية في تجديد وتنظيم الحياة العسكرية (58:ص160ـ166) . وقد أصبحت هذه الإصلاحات اكثر جدية في عهد السلطان محمود الثاني (1808ـ1839م) ثم ازدادت الإصلاحات وشملت الجوانب الإدارية والتعليمية في عهد السلطان عبد المجيد (1839ـ1876م) التي تركزت حول الدستور حتى إعلان الجمهورية التركية الحديثة عام (1923م) (134:ص123ـ128) .
وقد كان اثر هذه التغييرات واضحا في حجم ونوعية التعليم والثقافة في الإمبراطورية العثمانية والولايات العربية ، إذ تمَّ إصلاح وتنظيم التعليم العسكري ، تجنباً للهزائم التي لحقت بها نتيجة للحروب الخارجية ، أو التصدي للفتن الداخلية ، فقد جددت وأصلحت التعليم العسكري وزودته بالخبرات العلمية والفنية الحديثة ( 59:ص3 ـ 5) .
واستقدمت بعض الخبراء العسكريين والفنيين من الدول الغربية ، وعلى اثر ذلك تم إنشاء عدد من الكليات والمدارس العسكرية ذات التخصصات الفنية العليا في مجالات الطب والهندسة والفنون الحربية والبحرية ، وإنشاء بعض المدارس الرشدية والإعدادية العسكرية (160:ص162ـ165) .
إذ كان لولاية العراق ولاسيمّا بغداد السبق في معرفة هذا النوع من المدارس العسكرية ، وامتد هذا الإصلاح إلى التعليم المدني ، وكان التعليم للذكور والإناث لكن هذه الإصلاحات بقيت محصورة في العاصمة، وظلت المدن الأخرى محرومة من وسائل التحديث التربوي ، وعليه بقي هذا النوع من التعليم وقفا على الميسورين وأبناء الأمراء والحكام وأبناء الإقطاع (59:ص6) .(1/15)
وتعود بوادر إنشاء المدارس الحديثة في العراق إلى عام (1816م) ، إذ أنشئت أول مدرسة ابتدائية في ولاية الموصل ، وقد بلغ عدد المدارس في العراق حتى عام
(1914م) (51) مدرسة ، منها (4) مدارس رشديه و(3) مدارس إعدادي ملكي ومدرستان للبنات ودار واحدة للمعلمين وأخرى للصنائع وجميعها في كركوك .
أما في ولاية بغداد فقد بلغ عدد المدارس الحديثة (78) مدرسة وإعدادية واحدة ومدرسة للحقوق (4) مدارس ابتدائية للبنات ومدرسة للصنائع .
في حين بلغ عدد المدارس في ولاية البصرة التي كانت اقل حظاً من سابقتيها ، فقد أنشئت فيها أول مدرسة ابتدائية بعد عام (1883م) ، وأصبح عدد المدارس الابتدائية عام (1905م) (27) مدرسة (62:ص116) .
ولم تتضح بوادر تأسيس الكليات في العراق إلا في عام (1908م) حينما تأسس (مكتب الحقوق العثماني) ، وفي عام (1911م) بذلت بعض الجهود لإحياء تراث مدرسة الأمام أبي حنيفة فعدّت كلية تدريس العلوم الإسلامية والفنون الحديثة(160:ص69ـ70). إن للحركات والهيئات الوطنية العربية دوراً بارزاً في اليقظة الثقافية والفكرية ، حيث كانت محصورة في بلدان ( سوريا ومصر والعراق ) حيث كان للإرساليات الأجنبية دور في هذه النهضة ، فقد اسهموا في حركة النشر والتأليف والأدب والشعر واللغة وتأليف المعاجم اللغوية والقصة الأدبية وتأسيس النوادي العلمية والثقافية ،وقد ساهم إنشاء المطابع في نشر الوعي الثقافي والقومي وأنشئت أول مطبعة في كربلاء عام(1856م) وكانت بدائية ، ثم مطبعة الزوراء ، ثم الحميدية ، ثم مطبعة الآداب والشابندر (54:ص114ـ115) .
وكان في مقدمة أهداف الإرساليات والبعثات الأجنبية هو نشر الثقافة الغربية بما فيها من لغة وتقاليد غربية وتعزيز الديانة المسيحية وتقوية مركزها الروحي ، علاوة على إيجاد مناطق نفوذ اقتصادية وسياسية استعمارية عدوانية جديدة لها . وان أهم ما قامت به هذه الإرساليات والبعثات في العراق هو :(1/16)
ـ إنشاء مدرسة ( الأباء الدومنيكان ) .
ـ إنشاء مدرسة ( إخوان المحبة ) .
ـ إنشاء مدرسة ( سيمينير ) لتخريج الرهبان والقساوسة .
ـ إنشاء مدرسة ( البروتستانت ) و( اللاتين ) و( الاميركان ) .
ـ تأسيس مطبعة الدومنيكان .
وعرف العراق نوعاً آخر من الإرساليات وهي ( الإسرائيلية الصهيونية )، وكانت تدعمها جمعية ( الاتحاد الإسرائيلي الفرنسي التقدمي ) في باريس ، وقامت إلى جانب نشاطها الصهيوني المعادي بفتح العديد من المدارس في ولاية العراق (160: ص193ـ210) .
وأن هذه الإرساليات تركت آثارا سلبية زادت من روح الطائفية والتعصب بين أبناء الشعب العربي ، وأسهمت في دخول الاستعمار الغربي من اجل قطع جذور الحركة القومية العربية (54:ص166ـ168) .
الحركات القومية الغربية وأثرها في تطور الفكر العربي :
إن اختلاف الخارطة الجغرافية للدولة العثمانية نتيجة خروج جميع الولايات التي تخضع لسلطتها عام 1916م ، وبعد هذا الوقت بدأت مشاعر العرب واتجاهاتهم الفكرية والسياسية تأخذ شكلا خاصا ، فامتازت بوضوح الدعوة وقوة الإصرار نحو الاتجاه القومي العربي الذي ركز على الاستقلال والتحرر والبناء القومي الذاتي (84: ص53ـ54) .
لقد تأثر الفكر التربوي والمفكرون العرب بالحركات القومية التي ظهرت في العالم الغربي ، فكانت هذه الحركات تنادي بالاستقلال واتحاد الأقاليم ، وتتخذ طابعا سياسيا أو ثورة اجتماعية وثقافية ، تطالب بمنح الشعب السيادة والحرية والمساواة والحد من الامتيازات التي يتمتع بها الملوك ، ونتيجة لهذا التأثر أكدت على اللغة العربية القومية وتشريع نظام التعليم الإجباري والمجاني ، بقصد نشر المفاهيم القومية الوطنية في البلاد (98:ص151ـ152) . عن طريق اللغة القومية والتاريخ وإحياء التراث القومي الثقافي .(1/17)
وبما أن للمجتمع العربي من أسباب القوة ما يجعله مجتمعاً متماسكاً ومتجانساً ، فوحدة اللغة العربية من الدوافع القوية المؤثرة في الأفراد ، فهي من أهم الروابط المعنوية التي تربط الفرد البشري بغيره من الناس ، كونها واسطة التفاهم بين الأفراد ، وهي آلة التفكير علاوة على أنها وعاء لنقل الأفكار والمكتسبات من الأباء إلى الأبناء . وبما أن اللغات مختلفة ، كان طبيعيا أن نجد أن الأفراد الذين يشتركون في اللغة يتقاربون اكثر من غيرهم ويتعاطفون اكثر من سواهم (61: ص42ـ43) .
كذلك نلاحظ وحدة التاريخ لها دور أساس في تولد مشاعر التعاطف والتقارب المشترك ، فالذكريات والمشاعر تكون نوعاً من الروابط والانتساب المعنوي ، ولذلك تعد وحدة التاريخ بمثابة شعور الأمة وذاكرتها (63: ص44) .
وإن الأمة تفقد حياتها ووجودها إذا أضاعت أو نسيت لغتها ، و أن الأمم التي تنسى تاريخها تكون قد فقدت ذاكرتها وشعورها ، وتصبح في حالة من السبات . وقد تكون هنالك عوامل أخرى قد تقوي أو تضعف عاملي اللغة والتاريخ وان هذه العوامل هي الدين والأرض والإرادة والمشيئة والاقتصاد والدم ووحدة الأصل .
لقد توصل الحصري إلى أن التعليم هو المناخ الطبيعي الذي يمكن أن يسهم في تحقيق أهداف الأمة العربية ، ولابد من إقامته على أسس متينة عصرية وعلمية تكفل للامة تحقيق نهضتها الحضارية والثقافية وصولاً إلى الرفعة والقوة (63:ص249ـ362) .
ب ـ العوامل الاقتصادية :
تختلف العوامل الاقتصادية من بلد إلى آخر باختلاف العوامل الجغرافية ودرجة تقدمه الحضاري فهناك بلدان أراضيها زراعية وأخرى فيها المعادن وأخرى فيها الشواطئ الممتدة والقسم الآخر فيه المصانع المنتجة .(1/18)
إن تلك الثروات الاقتصادية هي في كثير من البلدان تحت سيطرة الشركات الأجنبية لان الإمكانيات الفنية البشرية القادرة على استغلالها محدودة ، ولذلك تلجأ الدول العربية بالاستعانة بالخبرات الأجنبية البشرية والفنية ، أما الملاكات الفنية والعلمية ، فقد تهاجر إلى خارج الوطن العربي بحثاً عن الفرصة الأحسن أو البحث عن الأمن والاستقرار ، أو الحصول على الجو العلمي المطلوب ، وعليه لابد من زرع الثقة في نفوس أبناء الوطن من اجل بناء أوطانهم واستثمار ثروات هذه البلدان بالطرائق العلمية التي تؤمن للامة العربية التكامل الاقتصادي من خلال التخطيط والاستثمار الأمثل للثروات الطبيعية لكل بلد من الوطن العربي .
إن التربية العربية الراهنة لا تستند إلى الفلسفة التربوية العربية ، بل هي في كثير من بلدان الوطن العربي مرتبطة بفلسفات تعليمية أجنبية ، وفيها أصول اقتصادية تختلف عن الأصول الاقتصادية في وطننا العربي . فالنظريات الاقتصادية في الوطن العربي منها ما هو رأسمالي ومنها ما هو اشتراكي معتدل ومتطرف ، علاوة على النظم الإقطاعية ، فأن مشكلات التعليم في بلد رأسمالي تختلف عن المشكلات في بلد اشتراكي .
فالنظم الاقتصادية العربية ليست ناتجة عن حركة شعب بقدر ما هي اجتهادات شخصية لحكام عرب وليس لها انعكاس مباشر على فلسفات التعليم وأهدافه .
إن الإرادة العربية الشعبية الحرة قد تفرض إرادتها في تطبيق النظام الإسلامي والابتعاد عن النظم الاقتصادية الغربية أو الشرقية ، على الرغم من تقييدها بأغلال التخلف والجمود بسبب ما فرض عليها من ظروف تاريخية ، وهذا ينعكس على العوامل الاقتصادية .(1/19)
إن ازدهار الحياة الاقتصادية في العراق كلن من أسبابها البناء الزراعي لان غالبية السكان من الفلاحين فضلاً عن وفرة المياه والاهتمام بمشاريع الري ، وبفضل التقدم الحضاري ازدهرت الصناعة وتنوعت الحرف ، وبحكم موقع العراق الجغرافي ازدهرت التجارة (156:ص71ـ85) .
الزراعة :
إن السوق الخارجية ولاسيّما الأوربية في القرن التاسع عشر صارت تحدد نوع الإنتاج الزراعي وكميته في العراق ، ولذلك فان منتجات زراعية وحيوانية كثيرة وجدت طريقها للتصدير إلى الخارج . إلا أن التطور الزراعي في القطر العراقي ظل كسيحاً ولم يتناسب مع قدرات العراق الزراعية ، لكن الوالي المصلح (مدحت باشا 1286ـ1289هـ 1869ـ1872م) بادر بتحديث الزراعة والتوسع في زراعة الأرض عن طريق إعفاء الآلات الزراعية الحديثة من الرسوم الجمركية وتوزيع البذور المحسنة على الفلاحين ، وقد حدث أن زيادة غلة معينة على حساب غلة أخرى استجابة للسوق الخارجية .(1/20)
لقد كانت منطقة عقرقوف مثلاً تنتج في الثلث الأول من القرن التاسع عشر حوالي (10 آلاف) متر من الحرير نتيجة تربية دودة القز على أوراق أشجار التوت وكان الفائض يصدر إلى الخارج ، لكن توقف هذا الإنتاج في سبعينات القرن نفسه ويعود السبب في ذلك إلى تسابق التجار إلى تلبية حاجة السوق الخارجية ، وكان السوق غير محتاج إلى الحرير بكثرة في حين هو بحاجة إلى التمور والحبوب ولاسيمّا الحنطة والشعير ، علاوة على تردي الأوضاع الزراعية في القطر بسبب مشاكل الأرض وكثرة المحن والمنازعات والحروب والكوارث الطبيعية والآفات الزراعية والأوبئة الفاتكة ، وإهمال معظم الولاة مشاريع الري ، ولذلك نلاحظ أن هناك استمراراً في قلة الإنتاج موازنة بالدول الأوربية ، التي حدثت فيها ثورة في المجال الزراعي ، ويعود السبب في قلة الإنتاج إلى أن أساليب الري تختلف من منطقة إلى أخرى ، فقد كانت الأراضي السيحية مشغولة منذ مدة طويلة فضعفت قابليتها على الإنبات بسبب زراعتها باستمرار فكثرت فيها الملوحة وانخفض إنتاجها ( 128:ص91ـ93) .
وهناك نوع من الأراضي يسقى عن طريق المضخات والآلات الرافعة وهي الواقعة على ضفاف الأنهار ، فأنها ذات إنتاج جيد ولم تخسر من قابليتها الإنباتية شيئاً لكون تصريفها جيدا وملوحتها قليلة .
أما الأراضي المطرية فإنها تحتاج إلى خدمة متواصلة في مجالات الحراثة والزراعة والحصاد وهي في المنطقة الشمالية والوصول إليها صعب بسبب وعورة طرق المواصلات .(1/21)
ما يتعلق بالحراثة فقد كان الفلاح يتبع أساليب وأدوات قديمة في حراثة الأرض ولذلك يحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير ولذلك قد لا يفيد من المواسم الزراعية كافة . في حين نلاحظ الفلاح لا يزال يستعمل البذور التي ينتجها بنفسه من موسم زراعته السابقة ، وهذا بمرور الزمن يؤدي إلى رداءتها أو تعرضها إلى بعض الإصابات والأمراض في أثناء الخزن ، علاوة على انه في بعض الأحيان يتجاوز عليها لحاجته الماسة إلى الطعام حتى ينفذ ما لديه من بذور ثم لا يجد ما يزرعه أو انه يبيع هذه البذور في الأسواق لأسعارها المتزايدة ، لكن الدول الأوربية بدأت بإنتاج البذور المحسنة ، وذات القابليات الجيدة للإنتاج ، ولم يدرك الفلاح العراقي في ذلك الوقت موسم زراعة الغلة في وقتها المحدد مما يعود عليه بالضرر وقلة الإنتاج ورداءته .
إن اعتماد الفلاح العراقي زراعة أرضه بأحد المحاصيل صيفاً أو شتاءً قد يتركها من دون زرع ( بوراً) لمدة موسم أو موسمين ، وان من أسباب ترك الأرض هي :
1ـ سعة المساحات الزراعية التي كانت تحت تصرف المالكين .
2ـ أصول المناوبة في الري ولذلك قد تعتمد على المزروعات الشتوية اكثر من الصيفية.
3ـ قلة كمية المياه خلال موسم الصيف الأمر الذي لا يسمح للفلاح بزراعة مساحات كبيرة .
4ـ انخفاض مستوى دخل الفلاح مما لا يسمح له بشراء البذور صيفاً وشتاءً .
5ـ إن محاصيل الموسم الصيفي ذات المردود المادي الجيد تحتاج إلى خدمة عالية ومستمرة من قبل الفلاح .
6ـ جهل الفلاح بأمور كثيرة تخص البذور وطريقة السقي والحراثة ومواسم الزرع أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي كماً ونوعاً .(1/22)
وكانت حصة الفلاح من الإنتاج الزراعي ، يحصل عليها على أساس الإيجار بالحصة في الغلة ، فقد كان يأخذ صاحب الأرض نصف الإنتاج وهذا ما كان يحدث في الشمال ، في حين كانت توزع نسب المحصول على خمسة أكوام (حصص) يأخذ صاحب الأرض حصتين وحصة واحدة للرسوم وحصتين للفلاح الذي يستقطع منها حصة الكتبة والمراقبين وبعض العاملين ، ولذلك نلاحظ أن الفلاح يكون منهك القوى وضعيف البنية نتيجة لقيامه بكل العمليات الزراعية صيفا وشتاء علاوة على غذائه البسيط وسكنه البائس وتعرضه إلى أمراض الملاريا والبلهاريزيا وغيرها ، علاوة على شعوره بان كده لغيره (161:ص104ـ121) .
الصناعة :
كانت غالبية سكان العراق حتى منتصف القرن التاسع عشر من الفلاحين، ذوى الدخل القليل والقدرة الشرائية المحدودة، علاوة على جهله وتحفظه في تغيير أو تبديل أدواته في العمل أو المنزل ، ولذلك يضطر إلى عمل أدواته بيده كتصليح المحراث،وكغزل المرأة للصوف وحياكته، أو طحن الحبوب أو بناء البيت (128:ص96) .
ومما لاشك فيه أن نوع الطلب وكميته هما اللذان يحددان نوع البضائع التي نجدها في السوق ، وبما أن الفلاح رجل فقير جاهل فان طلباته تقتصر على الضروريات الأساسية في حياته اليومية ، فهو يحتاج إلى المحراث والمنجل والبذور وأدوات المطبخ والرحى التي يطحن بها الحنطة وملابس بسيطة ، وهذه الطلبات كلها بسيطة يمكن أن يحصل عليها طبقة من الصناع وبذلك تكون محدودة الكمية والنوعية ، ولذلك لوحظ أن صناع الحرفة الواحدة يتخذون سوقاً لهم وقد يعرف باسمهم كسوق النحاسين ، والحدادين والسراجين والخياطين ، وكان الحرفيون في المدن العراقية ينقسمون على ثلاثة أقسام على الرغم من أن الخط الفاصل بينهم غير واضح وهذه الأقسام هي :
1ـ الحرفيون المستقلون الذين يشتغلون في بيوتهم أو الحوانيت بأدوات يملكونها وبمواد أولية يشترونها ،ويكون سوقهم لا يتعدى المدينة .(1/23)
2ـ أصحاب الصنائع وهم الذين يعملون في محلات منظمة بصورة شبيهة بالمصنع ووضعت فيها أدوات الإنتاج بأعداد كبيرة يحركها مساعدون وعمال كثيرون .
3ـ عمال ماهرون وأولئك يشتغلون مستقلين أو بالاشتراك مع غيرهم ويعتمدون على بيع إنتاجهم على وسيط ويكون سوقهم أوسع من الحرفيين وقد تكون تجارتهم خارجية ، كصناعة السجاد والحرير الصناعي .
وبقيت هذه الصناعات حتى نهاية القرن كما هي سوى إجراء بعض التحسينات في صناعة الأنسجة المحلية الصوفية والحريرية والقطنية (85:ص113ـ 125) .
وقد أقامت الشركات الأجنبية في المدن الكبرى بعض المصانع لغزل الحرير ونسج القطن وصناعة الأباريق النحاسية والمنتجات الخشبية وكذلك دباغة الجلود وصناعة السفن والأسلحة مثل البنادق ومكابس التمور ومعامل الثلج والمياه المعدنية .
ولذلك عد العراق سوقاً لتصريف البضائع الأجنبية التي كانت منافسه لبعض البضائع المحلية مما أدى إلى تقليص إنتاج هؤلاء الحرفيين .
التجارة :
نتيجة لقيام الثورة الصناعية في أوربا حدثت تغيرات في التجارة الدولية خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ، ونتيجة لتخفيض التعريفة الجمركية العثمانية على السلع المصدرة وتنظيم المواصلات التجارية بين موانئ الهند والبصرة وتأسيس مكاتب البريد وفتح قناة السويس ، أسهمت هذه العوامل في تسهيل اتصال العراق بأوربا ، وأن توحيد الولايات في زمن الوالي مدحت باشا وتغيير وسائل الإنتاج ولاسيمّا في المجال الزراعي وتطوير وسائل المواصلات النهرية ، كل هذه الأسباب أدت إلى توافد الشركات الأجنبية ولاسيمّا البريطانية منها إلى العراق للحصول على محاصيله الزراعية ومنتجاته الحيوانية ولذلك يمكن التعرف على ذلك من خلال معرفة :
أـ الصادرات :(1/24)
أخذت تجارة العراق تأخذ بالتطور خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر فقد أخذت تصدر المنتجات الزراعية والحيوانية وقد ازداد الطلب على المنتجات العراقية ، لكنه كان لا يستطيع أن يلبي الطلبات نتيجة لعدم قدرة وسائل الإنتاج باللحاق بالطلبات الأوربية ، علاوة على وجود بعض العوائق الطبيعية والسياسية والإدارية التي اعترضت طريق تطور المواصلات النهرية ، لكن في بداية القرن العشرين سمحت بتأسيس الشركة الحميدية والسماح لشركة (لنج) بسحب المقطورات وراء بواخرها وهى محملة بالمنتجات الزراعية بقصد التصدير (127:ص53ـ55) .
وقد ازدادت صادرات العراق بسب المنافسة بين الشركات الأجنبية (البريطانية، والألمانية ، والروسية ، والأمريكية ) من شراء المنتجات العراقية الرخيصة ، إذ كان مجموع مبالغ الصادرات في ستينات القرن التاسع عشر لا يتجاوز (127,000) ألف باون في حين وصل مجموع مبالغ الصادرات في عام 1911/1913م ما يقارب(2,570,000) باون أي ما يعادل عشرين مرة بالصادرات السابقة .
ولذلك ازداد عدد الدول المستوردة للبضائع العراقية ، إذ كانت محتكرة لبريطانيا، فقد أخذت ألمانيا والنمسا والمجر والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا واستراليا تستورد بعض منتجات العراق ، وقد أخذت هذه الدول تستورد التمور المكبوسة والجلود والحنطة والشعير والشلب والدخن والذرة والسمسم والعفص والصمغ والصوف وعرق السوس ،في حين بقيت أسواق بومباي في الهند تتاجر في الخيول المصدرة لها عن طريق البصرة وتعد هي المركز الرئيس لتجارة الخيول (129:ص62ـ65).
ب ـ الواردات :(1/25)
كان العراق يستورد من السلع التجارية اكثر مما يصدر قبل افتتاح قناة السويس ، لكنه اخذ يتوازن في الصادرات والواردات ، وفى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أخذت الصادرات تزداد زيادة واضحة ، إذ كان العراق يستورد الأقمشة القطنية من بريطانيا والسكر من روسيا والمانيا والأخشاب وصناديق التمور الجاهزة وصفيح النفط من بريطانيا وروسيا ، وكذلك البن والشاي من اليمن والهند ،وأكياس الجوت والفحم الحجري والتبغ وعلب الكبريت والأسلحة والمعدات المعدنية ولاسيمّا الحديدية المتعلقة بإنشاء خط سكة حديد ( بغداد ـ برلين) .
وكان الاستيراد يشمل أواني الطعام والشاي والساعات وابر الخياطة والمبارد والمضخات وأدوات قطع الحديد والنحاس والأواني الخزفية والزجاجية وزجاج النوافذ والصابون والحبال والخيوط والشموع والإسمنت والأصباغ والقرطاسية ونومي البصرة والتوابل والأعشاب الطبية بمختلف أنواعها (108: ص 32 ـ 36).
وقد كان العراق يحصل على موارد ترانسيت من خلال مرور البضائع إلى الأقطار المجاورة ، وكانت هناك شركات أجنبية عديدة تعمل بالعراق في المجال التجاري . ولذلك عد العراق في تلك الحقبة مستودعا للصناعات الغربية التي تروم إبدال بضائعها بالمنتجات الزراعية والصناعية العراقية ، وقد أدت هذه الظاهرة إلى تقليص عمل أهل المهن ونشوء ظاهرة تبعية الاقتصاد الرأسمالي البريطاني .
ج ـ العوامل الاجتماعية :
كانت القبائل العربية تقطن في العراق قبل ظهور الإسلام ، وبعد الفتح ا لعربي الإسلامي توجهت عشائر كثيرة عدنانية وقحطانية من شبة الجزيرة العربية إلى ضفاف الفرات فوجدت عشائر عربية قد سبقتها ومن هذه العشائر العدنانية عشائر (عنزة والضفير وحرب والمنتفق وربيعة وكعب وقيس وعبادة وتميم ) ومن العشائر القحطانية (الزبيد والطائية ) ويمكن تقسيم القبائل العراقية على قسمين أساسين :ـ(1/26)
أ ـ العشائر البدوية الصرفة : وهي التي لم يكن لها مكان محدود من الأراضي وتعتمد على تربية الإبل في معيشتها .
ب ـ العشائر شبه المستقرة : التي تعتمد على تربية المواشي أو حراسة البضائع أو نقلها ، وقد كان حوالي ثلث العشائر تتجول أو تعيش في المنطقة المطرية في الشمال ، بينما نلاحظ أن بقية العشائر تقطن أو تتنقل في وسط العراق وجنوبه وفي المناطق الإروائية .إذ كانت نسبة كبيرة من القبائل الكردية مستقرة في أعالي الجبال ، في حين أن القبائل العربية المتنقلة في وسط العراق وجنوبه وبمحاذاة نهر دجلة وقسم تعيش في الصحراء بين الفرات ونجد وتسكن الخيام وتعتمد على تربية الخيول والجمال وتتجول بحثا عن الكلأ والماء (52: ص 47 ـ 53 ) .
لقد وقفت القبائل العربية بوجه الغزاة المحتلين ومنعتهم من توسيع نفوذهم حتى سقوط بغداد بيد العثمانيين (914هـ /1534م ) وقد حاول الولاة فرض سيطرتهم على القبائل إلا أن كثيرا منها لم ترضخ للمحاولات القسرية بل قاومتها ، إذ اعتمدت الدولة على بعض القبائل في أثناء حروبها كعشائر ( طي ) الذين دافعوا عن بغداد جنبا إلى جنب مع أهلها في أثناء حصارها من قبل الفرس . ولذلك كان من السمات المشتركة بين القبائل العراقية هو التنقل من مكان إلى آخر، إذ كان لزعامة القبيلة الأم شيخ أي رئيس له صلاحيات واسعة منها اتخاذ القرار بالارتحال وتحديد المكان الجديد ، ويكون عمل الرجال في الرعي وحماية القبيلة من الاعتداء ، بينما كان واجب النساء جلب الماء من الآبار القريبة وحلب الماشية وغزل الصوف علاوة على نصب الخيم . وكانت الخيمة تنقسم على قسمين أحدهما للرجال والآخر للنساء ، والخاص بالرجال يخزن فيه السلاح والسروج في حين القسم الخاص بالنساء يستعمل للنوم والطبخ ومستودعا للمؤونة (52: ص 67 ـ 79 ) .(1/27)
إذ كانت الحياة اليومية لأفراد القبائل قاسية جدا فطعامهم كان التمر والرز والدخن والشعير والحنطة ، وكانوا يتزودون بها مرة أو مرتين في السنة من المدن ، بمبادلتها بالمنتجات الحيوانية ، أما اللحوم فلا يحصلون عليها إلا في المناسبات .
وقد نشبت الكثير من العداوات والمنازعات بين القبائل من اجل امتلاك المراعي ونتيجة لذلك قد يفقد الكثير منهم ماشيته وبذلك يصبح فقيرا ، كما أن الكوارث الطبيعية كالجفاف والبرد قد تسبب الضرر الشديد بأفراد القبيلة وممتلكاتها .
ونتيجة لضعف السلطة العثمانية وفرض سيطرتها على القبائل ، لوحظ أن كثيرا من القبائل الكبيرة والقوية تسيطر على القبائل الأخرى وتأخذ منها (الخاوه) مقابل حمايتها ، ولذلك ظل كثير من القبائل تحاول إيجاد تحالف فيما بينها لكي تصبح قوية وهذا ما حدث لقبائل ( المنتفق وبني لام والخزاعل وربيعه ) .
إن العشائر العربية والكردية في العراق كانت كثيرة ومتشعبة وعليه لابدَّ من ذكر بعض تلك العشائر :
ـ المنتفق :
وهي من اشهر التجمعات القبلية العدنانية واصلها من وسط شبه الجزيرة العربية وهجرتها إلى جنوب العراق على جانبي الفرات ودجلة وتحتل منطقة واسعة تمتد من السماوة والكوت حتى القرنة (110:ص208) .
إذ كان هذا الاتحاد يضم (22) قبيلة ولكل قبيلة شيخ ، وقد آلت المشيخة الرئيسة آخر الأمر إلى آل السعدون ، وقد اتخذ ( ناصر باشا السعدون ) الناصرية مقراً له ، ولكن أفراد العشيرة ظلوا يتنقلون من مكان إلى آخر ومن اشهر هذه العشائر في هذا الحلف :
ـ بنو مالك :
ومنهم البو صالح والعليات وآل حسن وآل إبراهيم وآل حجام وبنو حطيط والكوام والمطيرات وبنو أسد .
ـ بنو سعيد :
ومنهم آل عيسى والبزون وآل مريان .
ـ الأجود :
ومنهم الغزية وخفاجة والشريفات والبدور والزهيرية والحسينات وعبودة والمارد (110:ص216) إذ كانت تسيطر على الإحساء قبل الدولة العثمانية .
ـ بنو لام :(1/28)
وهي من العشائر الطائية التي استوطنت العراق قبل الإسلام ، إذ كانت تسكن في الجهة اليسرى من نهر دجلة بين الكوت والحويزة ، وكذلك بين الحي والعمارة ، إذ استقر قسم منهم وعمل بزراعة الحنطة والشعير والدخن ، أما القسم الآخر فقد اهتم بتربية المواشي من الأبقار والإبل والخيول .وقد كانت لهذه القبيلة قوة ذات شان كبير على الطريق بين بغداد والبصرة ، أزعجت الولاة العثمانيين وقاتلت عشائر المنتفق حتى استقرت في أراضي العمارة .
ـ البو محمد :
كانت تستقر إلى الجنوب من عشيرة بني لام وتتألف من (13) فرعا وهي منتشرة بين البتيرة والقرنة وتعيش حياة شبه حضرية ، وقد خضعت هذه العشيرة إلى بني لام ولكن قوة البو محمد ازدادت بعد ذلك وشهرت السلاح بوجه عشائر بني لام والسلطة العثمانية وامتنعت من دفع الضرائب وقطعت طريق النهر على السفن التجارية والحربية التي كانت تمتلكها الدولة ، وهذه المنطقة مشهورة بزراعة الشلب وتربية الجاموس .
ـ الخزاعل :
أصلها من خزاعة وقد نزحت من نجد إلى العراق واتصلت بسكانها واتبعتها قبائل الفرات الأوسط وهي عشائر (الطاهر وعفك وبنو حجيم وال فتلة وبنو حسن) وكانت في صراع مع الدولة العثمانية وقد احتفظت باستقلاليتها ونفوذها في المنطقة على الرغم من محاولات العثمانيين في تقليص سيطرتها (110: ص 228 ) .
ـ عشائر شمر :
وهي من الطائية القحطانية التي خرجت من الجزيرة العربية نتيجة ضغط عشائر عنزة وانتشرت في جبل شمر والصحراء الشامية ، وأصبحت بعد ذلك القوة المسيطرة على الصحراء وقد فرضت سيطرتها على بعض القبائل كالزيدية التي كانت في صراع دائم مع الدولة العثمانية .
ـ عشائر عنزة :(1/29)
وهي عدنانية الأصل من نجد التي تحالفت مع قبائل الموالي التي نجحت في إبعاد شمر عن البادية ، وتعد من أقوى القبائل العربية . إذ كانت في خلاف مستمر مع الدولة العثمانية . وعشائر عنزة تقسم على تسعة فروع ، إذ افلح الوالي مدحت باشا بإقناع شيخها (عبد المحسن الهذال ) بالاستقرار بعد أن أعطاه الأراضي الواقعة على نهر الفرات إلى يمين المسيب ، وشكل مركزا للقضاء اسماه (المحسنية) وأحيل إلى الشيخ قائمقامية ذلك القضاء الذي قدم إلى بغداد وتعهد بالاستيطان ، إلا أن العشائر لم تستقر وهي في نزاع دائم مع العشائر الأخرى والدولة العثمانية .
ـ عشائر ربيعة :
استوطنت بين النعمانية والكوت على امتداد نهر دجلة ونهر الفرات واهم العشائر التي كانت تتبعها (المياح وال سراج والعبودة وبنو ركاب وال غريب وعقيل وكنعانة) إلا أن الصراع المستمر بين العشائر أدى إلى سيطرة عشائر المنتفق في عهد آل السعدون على مناطق واسعة من الغراف بحيث تداخلت عشائر المنتفق مع عشائر ربيعة في المنطقة .
عشائر الزبيد :
وهي قحطانية الأصل تمتاز بكثرتها وهي مستوطنة في وسط وغرب العراق ومن عشائرها ( الزبيد الأكبر والبو سلطان والجحيش والسعيد وبنو عجيل والمعامرة والعمار وال حميد والسواعد ) . ومن فروع الزبيد الأصغر ( الجبور والجنابيون والدليم والعبيد والعزة ) (110: ص233) .
وهناك عشائر أخرى كانت تعيش في الجنوب الغربي من الصحراء السورية إلى أطراف البصرة وهي عشيرة ( الضفير ) وكذلك ( آل أزيرج ) علاوة على عشائر استوطنت في المنطقة الواقعة بين بغداد وسامراء منها ( بنو تميم والبو دراج والبو اسود والخزرج والجبور والبو فراج والكبيشات والعزة والغوالبة والبو بدري والبو عيسى ) (110: ص319) .(1/30)
أما المنطقة الكردية فقد كانت هناك إمارات كردية مثل ( الصورانية ، والبابانية ، والدهانية ، والبوتانية ) علاوة على عشائر كردية أخرى قسم منها تتنقل والآخر مستقر ومنها قبائل ( الهورمان وبلباس وبايلان وسنجابي ، والجاف وهوكي ) وهي تنقسم على فروع وقد تتفرع إلى فروع اصغر ، وهناك قبائل ( الطالباني والشوان والهماوند وخوشناو) (162:ص79ـ80) .
إن جميع هذه العشائر العربية والكردية المستوطنة في وسط وجنوب العراق وشماله وصحرائه الغربية لهم عادات وتقاليد وأزياء وملابس واحتفالات في المناسبات والأعياد ، إذ يمارسون كثيراً من الألعاب المعروفة وكان من أبرزها الفروسية وركوب الخيل ولعبة الجريد والمبارزة وسباقات الرماية بالقوس والسهام أو بالأسلحة النارية وكذلك العاب الكمال الجسماني والمصارعة ولعبة الشطرنج والنرد ومشاهدة قتال الكلاب ومهارشة الديوك وغيرها (66:ص215ـ216) .
ثالثاً : العوامل الفكرية والعلمية :
كان الفكر التربوي متطوراً ومرتقياً إلى ذروته أيام الخلافة العباسية بسبب مساهمات المفكرين العرب والمسلمين في مجالات الفكر والمعرفة .
وبعد تعرض بغداد إلى الاحتلال 656هـ /1258م أدى إلى تردي ذلك الفكر وتأخره بسبب السيطرة الأجنبية ( 66: ص105) . لقد تعرضت الكثير من المؤسسات الفكرية كالمدارس والمساجد وخزائن الكتب في بغداد إلى الخراب والتدمير، وقتل عدد كبير من رجالاتها ، لأنهم وقفوا في وجه الغزاة لامتلاكهم الشعور بالدفاع عن وطنهم ، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة في الجانبين المادي والبشري وجسامتها لم يؤد ذلك إلى توقف الحركة الفكرية تماماً ، إذ استمر العطاء الحضاري للعراق وهو في اصعب ظروفه التاريخية .(1/31)
لقد كان المغول من الأقوام المتخلفة ، ولم يكن لهم حضارة عريقة كتلك التي عرفها العراقيون في عصورهم الزاهرة ، ولذلك لم يتدخلوا في الشؤون العلمية والأدبية وتركوا اللغة العربية لغة الثقافة والبحث والدراسة ، لذلك استطاع الفكر في العراق أن يحتفظ بكثير من مقوماته الأساسية (66:ص107) .
أما في أثناء الحكم الجلائري فقد أهملت النواحي الفكرية بسبب إهمال حكامهم لها لكن العراقيين اعتمدوا على تراث أسلافهم بسبب اندثار وإتلاف مؤسساتهم الفكرية ، ولذلك ظل الفكر العراقي راكدا حتى مجيء الدولة العثمانية التي تأثرت بحضارة العراق ، وما كان شائعاً من تراث حضاري وثقافي ، فقد أبقيت مراكزه العلمية من مدارس ومساجد ولغة عربية .
إن ما قام به ( داود باشا 1233ـ1247هـ / 1817ـ1831م ) من تشجيع الشعراء والفقهاء والعلماء والأدباء ، ساعد على انتشار الثقافة العلمية والأدبية ، ولذلك انتشرت بيوتات علمية وأدبية بدعم الحكام أنفسهم ، ومن هذه البيوتات آل السويدي وال الحيدري وال الآلوسي ، وقد ساهمت في نشر التعليم وجمع الكتب وإنشاء المكتبات ، ولذلك تعد من البذور الأولى للنهضة الفكرية في العراق . لكن سمات هذا الفكر كانت تستند إلى المنهج التقليدي القديم من خلال دراسة آثار الأولين في مجالات علوم الدين ، أما العلوم الأخرى كان نصيبها ضعيفا بالنسبة إلى سابقتها ( 1: ص32ـ36) .
وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأت الدولة العثمانية بإنشاء المدارس الحديثة في العراق لكن سمتها كانت عسكرية ، وكانت تدرس باللغة التركية ، إذ كان الأتراك يرمون إلى هدم اللغة العربية معتقدين بان الأجيال القادمة سوف تنسى اللغة العربية وتستعيض عنها بالتركية في الكتابة والكلام والتفكير ، لكن هذه السياسة واجهت مقاومة عنيفة من قبل العرب والعراقيين مما أدى إلى تراجع الأتراك عن ذلك ( 34: ص24ـ25).(1/32)
لقد كانت المؤلفات خالية من عنصر الجودة والأصالة والتجديد ، لأنها كانت منصبة على الشروح والتعليقات للمؤلفات القديمة ، لذلك كان الفكر يعاني من أزمات بسبب إهمال الحكام الأتراك له ، ولعدم تذوقهم له لكونه قد دون باللغة العربية ولتعرض العراق للكوارث وتعد مدن بغداد والموصل والحلة والنجف وكربلاء والبصرة وأربيل من المراكز الرئيسة للحركة الفكرية في العراق ، فقد كانت المدرسة المستنصرية والنظامية من أهم المراكز الفكرية في زمن الخلافة العباسية ، لكن هذه المعاهد تعرضت إلى الدمار بسبب الغزو ، فقد حول العثمانيون المدرسة المستنصرية من دار علم إلى دار للجمرك وإلى خان ينزل فيه أصحاب القوافل (12: ص56) .
كان في بغداد خطان متوازنان من المراكز العلمية أولهما المراكز العلمية المتمثلة بالمدارس الحديثة ، وثانيهما المراكز العلمية القديمة ، ولذلك كان لرجال الحركة الفكرية الفضل في إيقاظ الجماهير من مساوئ الحكم التركي (93: ص1،12) .
أما في مدينة الموصل فقد ظل التدريس في المساجد من علوم القران والحديث والكتب التقليدية ، لكن الحركة الفكرية انتعشت بفضل ظهور الأسرة الجليلة التي ساهمت بإنشاء المدارس كالمدرسة الأمينية (1) والعثمانية وكانت العلوم النقلية والعقلية التي تتمثل في علوم الدين واللغة والمنطق والحكمة والفلك والحساب والطب ، إذ برز ( محمد العبدلي / ت 1164هـ / 1750م ) و( عبد الله الفخري 1199هـ / 1784م) في الفلك ( 43:ص116ـ119) .
__________
(1) ? ... ـ نسبة إلى محمد أمين باشا الجليلي الذي انشأ المدرسة الأمينية 1202هـ / 1787م .(1/33)
واحتفظت مدينة الحلة بمكانتها في الحياة الفكرية في أثناء السيطرة الأجنبية ، فقد استقرت حلقات الدرس في مدينة الحلة بعد سقوط بغداد بسبب استقرار علماء العراق فيها ومن قصدها للدراسة ، ولذلك تخرج فيها الكثير من العلماء والشعراء ومن أمثالهم ( صفي الدين الحليّ ) ، ثم انتقلت إلى مدينتي كربلاء والنجف ، فقد كانت السمة الواضحة على المراكز الفكرية في تلكما المدينتين هي الدراسات الدينية والأدبية التي بلغت ذروتها في النمو والانتشار خلال نهايات القرن التاسع عشر .
أما في المدن الأخرى ( البصرة وواسط وأربيل ) فقد اندثرت المراكز الفكرية بفعل التخريب والتدمير على يد المغول والأقوام الأخرى ، لكن قسما منها استرجع مكانته بفضل تشجيع بعض الأسر المحلية فيها ( 21:ص72ـ73).
وعرفت الدولة العثمانية العديد من الاتجاهات الفكرية والثقافية والدينية نتيجة لاتساع رقعة الدولة ولارتباطها بالدول الأخرى المجاورة عن طريق التجارة ، مما أدى إلى خلق نهضة ثقافية وفكرية ، فلجأ كثير من الناس إلى طلب العلم والمعرفة سعيا للتخلص من السيطرة الاستعمارية والوقوف بوجه الحركات السياسية الأوربية التي كانت تسعى إلى هدم كيان الإسلام والمسلمين ، علاوة على الغزو الاقتصادي المسبق .
المجالات الفكرية والدينية :
أولاً : العلوم الدينية :
أ ـ التفسير:
فقد ظهر في ذلك الوقت :(1/34)
العلامة أبو الثناء الآلوسي (1) الذي حصل على التدريس في المدرسة الخاتونية ، بعد اختباره من قبل لجنة خاصة حضرها علماء بغداد وكان يوماً مشهوداً ، ودرس في مساجد ( القمرية ، ومرجان ، والسيدة نفيسة ) وقد بدأ بتأليف تفسيره الجليل ( روح المعاني في تفسير القران العظيم والسبع المثاني ) الذي قضى فيه (15) سنة فقد كان منهجه في التفسير منهجاً تكاملياً ، إذ كان لكل مفسر قبله منهج خاص ، فالزمخشري / ت538هـ يهتم بالبينات والمعاني والأساليب في القران الكريم ، والرازي / ت 606هـ يهتم بالقضايا المنطقية والكلامية والعلمية ، وأبو حيان الأندلسي / ت 745هـ يركز على مسائل النحو وقضايا اللغة والقراءات ، وأما الحافظ ابن كثير الدمشقي / ت 774هـ يهتم بالتفسير المدعم بالحديث النبوي الشريف .
أما أبو الثناء الآلوسي فقد اخذ من كل منهج بطرف يلائم وجهة نظره وينسجم مع شخصيته العلمية ، بحيث لا يتحيز إلى أحد ولا يأخذ من الآراء إلا ما يراه صحيحا (49 : ص56) . لقد كان منهجه يتضمن :
ـ توضيح معاني الآيات ودلالتها معتمدا على صحيح اللغة ومشهورها .
ـ يتوسع في النحو توسعا يخرجه عن باب التفسير والبيان إلى التوسع النحوي ولذلك يشعر القارئ بان الحديث في النحو وليس في التفسير .
ـ أما في النواحي البلاغية فيتعرض للمجاز والكناية والاستعارة بنوعيها وعن أساليب الاستفهام .
__________
(1) * ـ هو أبو الثناء شهاب الدين محمود الدين السيد عبد الله أفندي الآلوسي ، ولد في أسرة تتسم بالعلم والصلاح والقوى (1217هـ / 1802م) في جانب الكرخ ببغداد وكان والده مدرسا في مدرسة جامع أبي حنيفة النعمان ومدرسة الشهيد ، حفظ القران الكريم والمتون وتأثر بأستاذه الشيخ علاء الدين الموصلي ودرس الحديث على يد الشيخ( علي السويدي) ت 1237هـ / 1812م بدمشق واخذ التصوف عن الشيخ (ضياء الدين الشيخ خالد النقشبندي ) واخذ علم التفسير وجميع العلوم النقلية عن ( الشيخ يحيى العمادي ) .(1/35)
ـ وهو يميل إلى تفسير قسم من الآيات الكريمة تفسيرا إشاريا (كالبسملة) أي يصبح لكل حرف معنى .
ـ يميل إلى الاتجاه الحديث في التفسير حين يفسر الآيات التي وردت فيها أو آثار عن الصحابة .
ـ عندما يفسر الأحكام يبين آراء الفقهاء في المسالة مبتدئا بالأحناف ثم الشافعية ثم مالك .
ـ لا يلتزم بالقراءات السبع ولا العشر، ولا يأخذ بأية قراءة وردت عن أي إمام ، وانه يرد على كل من ينكر قراءة ثابتة كالزمخشري الذي يرفض بعض القراءات .
لقد ترك أبو الثناء الآلوسي آثارا في الأدب والبلاغة وأدب الرحلات توفى سنة 1270 هـ/1854 م .
الشيخ إبراهيم فصيح بن صبغة الله بن اسعد بن عبيد الله الحيدري الشافعي (1) :
كان منهجه يتضمن أمورا عديدة في التفسير منها :
ـ اهتم بالتفسير اللغوي اهتماما واضحا .
ـ اهتم بالقراءات ووقف منها موقف القبول إذ انه لا يفضل قراءة على قراءة ، ما دامت القراءتان صحيحتين .
ـ اهتم بالنحو والبلاغة ووجه تفسير قسم من الآيات هذه الوجهة (49:ص58ـ 59).
ـ السيد عبد الحميد احمد الحديثي :
الذي ألف كتابا في التجويد سماه ( سبعة أبواب في علم التجويد ) كتبه عام 1301هـ .
السيد معز الدين محمد المهدي :
ابن السيد حسن الحسيني الحلي النجفي ت/1300هـ/1883م له ثلاثة كتب في التفسير وهي ( تفسير سورة الإخلاص ، تفسير سورة الفاتحة ، تفسير سورة القدر) .
الفقيه العالم إبراهيم بن محمد العزاوي النجفي :
ت 1304هـ/ 1887م ، له مجموعة من المؤلفات في التجويد والحساب ذكرها صاحب معجم المؤلفين (49:ص60) .
ب ـ علوم الحديث :
__________
(1) * ـ ولد الشيخ إبراهيم الشافعي ببغداد عام 1235هـ / 1820م وهو من عائلة عراقية كردية اتسمت بالعلم والصلاح وقراءة القران الكريم والفقه ، ألف كتابا في التفسير ( فصيح البيان في تفسير القران ) توفي سنة 1300هـ / 1883م .(1/36)
لقد استقرت أسس علوم الحديث ودونت كتبه في القرون الأولى ، فلم يبق في عصر ما بعد سقوط بغداد إلا الاعتماد على كتب المتقدمين منهم ، فقد شهدت هذه الحقبة اهتماما وافرا في مجال الحديث فوضع بعض محدثي العراق عددا من الكتب المهمة في الأحاديث المتواترة والموضوعة والضعيفة ، ثم وضعوا حواشي ومختصرات عن تلك الأصول التي كتبها المؤلفون العراقيون ، اعترافاً منهم بأهميتها في مجالات خدمة الحديث الشريف فألف: حامد بن علي بن إبراهيم العمادي ت/1171هـ/1757م كتاب (الصلوات الفاخرة في الأحاديث المتواترة) .
ووضع مرتضى الزبيري الحسيني الواسطي ت/1205هـ/1790م كتاب ( لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة ) .وكتب محمود بن نسيب الشهير بابن حمزة الحنفي ت/1305هـ/1887م كتاب (الأحاديث المتواترة) (68:ص94ـ104) .
أما في مجال الموضوعات من الأحاديث ، فقد كتب زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي/ت/806هـ/1403م كتابه (الباعث على الإخلاص من حوادث القصاص) وقد لخصه جلال الدين السيوطي ت/911هـ/1505م واستدرك عليه في كتابه الذي سماه (تحذير الخواص ) وللسيوطي كتاب ( اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ) الذي اختصره ابن الجوزي ، ولابن الجوزي كتاب ( النكت البديعيات على الموضوعات ) ومن المؤلفات الأخرى كتاب ( الأحاديث الضعيفة ) لمجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروز ابادي (ت/817هـ/1414م ، وكذلك كتاب ( ما ضعف من أحاديث الصحيحين والجواب عنه) لوالي الدين أبي زرعة احمد بن عبد الرحيم العراقي ـ/826هـ/1422م (68:ص110ـ115) .(1/37)
ومن العراقيين المتأخرين الذين عنوا بهذا المجال عبد الله شبر ( ت/1246هـ/1830م) في كتابه ( جامع الأحكام ) ، وعبد الكريم بن عباس الازجي الشيخلي (ت1379هـ/1959م) في كتابه ( الجمع بين الأحاديث ) ومن الذين اهتموا بكتب الحديث عبد الوهاب النائب العبيدي (شرح أربعين حديثاً مختارة من الصحاح في الأحكام والأدب والاجتماع ) (ت/1345هـ/1926م) ، والكتب التي ألفها محمد بن
احمد بن علي العمري الموصلي المفتي (المتوفى سنة 1199هـ/1784م) في هذا المجال (أزهار المؤمنين من كلام سيد المرسلين )أو( الجوهرة العمرية في الصلاة والسلام على الحضرة المصطفوية) و (سعادة الدارين في الصلاة والسلام على سيد الكونين) (68:ص122ـ128) .
ج ـ الفقه وأصوله:
إن تتبع تاريخ الفقه وأصوله خلال مدة طويلة تجده قد واجه فتوراً وتراخياً نتيجة لاحتلال الغزاة للبلاد ونشوب الاضطراب وحصول الانقسامات وتفشي الجهل والمرض وتدهور العلوم .
لكن الحضارة العربية الإسلامية واجهت كل شيء يقف أمامها لكي تمكن الأجيال من الحصول على الثقافة لتوافر ذخائرها العلمية ونقلها بأمانة إلى الأجيال اللاحقة ، وهي تواجه وتتحدى الهجمات الاستعمارية ، وقد لوحظ في تلك الحقبة نهوض العدد الكبير من العلماء والأدباء والفقهاء والمحدثين والمفسرين واللغويين في العراق ، ولذلك اقترح الدكتور حسين علي محفوظ في إحدى الندوات أن تسمى هذه الحقبة بالحقبة (المظلومة) لا المظلمة (83:ص81 ـ84) .
لقد واصل الفقهاء إنماء الفقه وإثراءه وتوسيع أحكامه باستنباط الأحكام الشرعية للحوادث المستجدة وهذا نتيجة للتطور الحاصل في الحياة ، فقد الفت في هذا العصر كتب كثيرة تعنى باستنباط الأحكام للواقعات تسمى عندهم بكتب الفتاوى أو كتب الواقعات ، ويكون الاجتهاد فيها مقيداً بقيود كل مذهب وقواعده وأصوله تأدبا لأئمتهم ، لكن قد تكون هناك مخالفات في الأحكام الفرعية ، وقد تتخذ صوراً وأشكالا عديدة منها :(1/38)
ـ الأحكام التي سار عليها الفقهاء قديماً والرجوع إلى المصادر الأصلية وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والحديث الشريف والمصادر الثانوية كالإجماع والقياس والاجتهاد وغيرها .
ـ تخريج الأحكام إذا لم يرد لها حكم في المصادر الأصلية والفرعية للتشريع وفقاً للمذاهب فيجتهد في استنباط الأحكام .
ـ تخريج الأحكام عن طريق الترجيح بين الروايات المتعارضة وفي حالة وجود روايتين متعارضتين ، فالترجيح للأقرب من السنة أو أرفقها بالناس .
ـ تحديد المطلق حسب الصورة الجديدة وتقيده .
ـ التفريع أي وضع الافتراضات والتصورات الاحتمالية التي قد تكون عملية أو افتراضية.
ـ تحليل الأحكام وإيضاح مستندها الشرعي بالاستدلال من مصادرها .
ـ تنقيح الكتب تحقيق مسائلها كالذي فعله الشيخ زين الدين العراقي وعبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن ت/806هـ/1453م .
ـ تلخيص الكتب المطولة ، وعمل المتون المختصرة في الفقه وأصوله.
ـ نظم الأراجيز الفقهية والأصولية .
ـ وضع الشروح المطولة على المتون الفقهية والأصولية وتوثيق مسائله والاستدلال لها .
ـ عمل الموسوعات الفقهية والأصولية ومراجعتها في المذهب الواحد .
ـ زيادة الاهتمام بالقواعد الفقهية واستخراجها من كلام الأقدمين وتنظيرها وتبويبها .
ـ عمل الألغاز والأحاجي الفقهية والأسئلة العويصة نثراً ونظما .
ـ التأليف في جزئيات مخصوصة لتوسع الأبواب الفقهية ولميل الناس إلى التخصص .
ـ العناية بمسائل الخلاف بين الفقهاء .
ـ ابتكار طرائق جديدة في التأليف وترتيب المادة الفقهية والأصولية وأسلوب عرضها (83:ص81 ـ100) .
ثانياً : علوم اللغة العربية وآدابها :
لقد نشطت النهضة الأدبية والفكرية خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر ، حيث تأثرت علوم اللغة العربية بما ظهر في مصر وبلاد الشام من دعوات التجديد في الدراسات اللغوية والنحوية والبلاغية .
لقد رفعت ألوية هذه النهضة الأدبية والفكرية شخصيات عديدة منها :(1/39)
ـ محمود شكري الآلوسي :ـ
ولد محمود شكري الالوسي عام 1872م في العراق ، فقد كانت خدماته واسعة وعميقة إذ كان يؤكد على تعليم الطلبة قراءة القران الكريم , وتعلم الكتابة ، ودراسة النحو والصرف ، فقد كان ينادي بالتجديد والزيادة في مختلف المعارف العربية والإسلامية. إذ فاز بجائزة لجنة اللغات الشرقية المنعقدة في (استوكهولم) بحضور ملك السويد والنرويج ، فانتشرت سمعته وعرف في محافل المستشرقين ومعاهدهم ، إذ نال الجائزة بكتابه المشهور (بلوغ الأرب في أحوال العرب) ، ومن مؤلفاته الأخرى ، ( الضرائر) وكتاب (الجوهر الثمين في بيان حقيقة التضمين) في النحو وكتاب (تصريف الأفعال) وكتاب (ما اشتملت عليه حروف المعجم من الدقائق والحكم ) و(شرح أرجوزة تأكيد الألوان للشيخ علي بن العز الحنفي المعروف بالشارح الجارح) ، ورسالة سماها (كتاب النحت ونبذة من قواعده) ، و( لعب العرب) و(المفروض في علم العروض) ورسالة في (نقد مقامات مجمع البحرين لناصيف اليازجي) وكتاب (الجواب عما استبهم من الأسئلة المتعلقة بحروف المعجم) وشرح القصيدة (الرفاعية) و(الاحمدية) وكتاب (بدائع الإنشاء) في جزأين وكتاب (رياض الناظرين في مراسلات المعاصرين) و(أمثال العوام في مدينة السلام) (7:ص115ـ118) .
ـ الأب أنستاس ماري الكرملي :
ولد الأب الكرملي عام 1866م وبدأ نشاطه اللغوي والأدبي عام 1886م وكان ممن خدموا اللغة العربية ، إذ كتب في مباحث المفردات والمصطلحات ووضع المعجمات وتاريخ اللغة العربية ، وقد عدّ رائد البحث اللغوي الذي وفق بين المناهج العربية التقليدية والمناهج الأوربية الحديثة في دراسة اللغات وعلومها ، كونه جمع بين الثقافتين العربية والأوربية ولاسيما الفرنسية وكان يتقن عدة لغات شرقية وغربية (82: ص64ـ66) .
العلوم الطبية والرياضية والطبيعية :(1/40)
شهد العراق منذ احتلال بغداد سنة 656هـ/ 1258م على يد المغول تردياً في أوضاعه العامة ، نتيجة لاستنزاف إمكانات البلاد الاقتصادية وتوجيهها لخدمة العناصر الأجنبية المتصارعة عليه .
وعلى الرغم من ذلك ، فقد كان هناك بعض محاولات الإصلاح ، لكن قلة الإمكانات المادية والبشرية وابتعاد السكان عن إدارة بلادهم حالت دون نجاحها ، لكن جذوة الحضارة لم تنطفئ على الرغم من كل محاولات العناصر الأجنبية المتسلطة من إطفائها ، وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأت ملامح النهضة العربية الحديثة بالظهور وقد شملت جوانب الحياة كافة ومن ضمنها بعث اللغة العربية واحياء كيان العرب السياسي .
وعند الحديث عن الأوضاع الصحية والعلوم الطبية ، نلاحظ بان العراق قد تعرض إلى غزوات عديدة ومن خلالها إلى هجمات شديدة من الأمراض الوبائية كالملاريا والتيفوئيد والطاعون ، وهذا حدث نتيجة لحالات القحط والضيق الاقتصادي ، وقلة الأمطار والتعرض للفيضانات وهجمات أسراب الجراد والآفات الزراعية .
ولم يكن مستوى الطب متقدماً من حيث تشخيص الأمراض وعلاجها . وكان عدد المستشفيات قليلاً .
أما المهن الطبية فلم يكن هناك نظام دائم تفرضه السلطات المسؤولة لمن يريد احتراف الطب فانتشر المشعوذون وممن يصفون العقاقير والتداوي بحسب الاجتهادات الشخصية ، وكانت كلمة (حكيم ) تعني طبيب هي الشائعة ومن هؤلاء (العطارون ، والحلاقون ، والختانون ) وكان اكثر الدواء هو الدواء العشبي (148:ص67) .
ولقد برز خلال القرن التاسع عشر ونهاية القرن الثامن عشر أطباء منهم :(1/41)
(الطبيب إسماعيل الموصلي ت 1884م) في العلوم النفسية والعقلية ، وكذلك (علي ابن السيد محمد الطباطبائي ت 1893م ) وهو من المتتبعين الماهرين في علم الطب وقد اشتهر في مدينة النجف ، أما (نظام الدين بك) فكان طبيباً مختصاً بالأمراض الباطنية ، وكذلك ( شرف الدين محمد منجم المرعثي ت 1893م ) الذي عمل طبيباً في النجف ، وكذلك( الطبيب محمد حسين بن ربيع الحلي ) ، وكذلك ( السيد موسى بن هاشم العلوي ) كان طبيباً في منطقة الكاظمية ، وأيضا (باقر خليل الخليلي) وكان مرجعا في الأمراض المعضلة وكان يدرس قانون ابن سينا وكان له حلقة تدريس كبيرة ت 1908م.
وقد اشتهر أطباء أجانب تواجدوا في بغداد لخدمة الوالي والطبقات العليا في المجتمع أمثال : (دي اربل) وهو الطبيب الخاص لوالي بغداد عمر باشا ، والدكتور (شارت ) طبيب القنصلية البريطانية الذي اشتهر بطريقة التطعيم الوقائي ضد الجدري ، وأيضا الطبيبان الألمانيان (ادلر وول أزار) (148: ص70ـ75) .(1/42)
كانت خزائن الكتب العراقية تزخر بالمؤلفات الطبية المخطوطة منها (شرح الأسباب في الطب النافع للأصحاب) لنفيس الدين بن عوض السمرقندي ، و(رسالة دعوة الأطباء) للمختار بن الحسن بن عبدون ، وكتاب (الفرصة في وضع السموم وحفظ الصحة) لشمس الدين محمد القرصوني ، وكتاب (كفاية الأريب عن مشاورة الطبيب ) للشيخ سري الدين احمد ، وكتاب (النزهة المبهجة في تشحين الأذهان وتعديل الأمزجة) للشيخ داود الانطاكي، وكتاب (مقالة في كيفية تركيب طبقات العين ) لنجيب الدين السمرقندي ، ومقالة (إثبات فضائل النفس لأفلاطون) وكتاب (الحاوي في علم التداوي ) لنجم الدين محمود ، وكتاب (بحر الجواهر) لمجد بن يوسف الطبيب الهروي وهو بمثابة دائرة معارف للطب القديم ، وكتاب (الحاوي الكبير) للرازي وكتاب (مالا يسع الطبيب جهله) ليوسف بن إسماعيل المعروف بابن الكتبي البغدادي ، وكتاب (الإيضاح في أسرار النكاح) في جزأين ، وكتاب (الأغذية والأشربة) وكتاب (المرتاض في علمي الأبوال والأنباض) ورسالة الرازي والمقالة الأولى في فصول ابقراط والأرجوزة الكبرى في الطب لابن سينا.
أما ابرز المستشفيات المدنية التي بناها محمد باشا (البيرق دار) والي الموصل عام 1844م ، ومستشفى (الغرباء) الذي أنشأه مدحت باشا على نهر دجلة بتبرعات الأهالي عام 1872م ، وأنشأ والي بغداد رجب باشا مستشفى للجيش باسم (مجيديه خست خانه سي ) أي المستشفى المجيدي ، وشيّد الوالي نامق باشا مستشفى في باب المعظم عام 1900م .(1/43)
وتأسست إدارة الصحة في العراق عام 1905م واستمرت حتى عام 1914م إذ تأسست إدارة الصحة العامة المدنية التي عمل فيها الرعيل الأول من الأطباء العراقيين أمثال : (إسماعيل الصفار وعلي فكري البغدادي وداود الجلبي وعبد الله الدملوجي ويحيى نزهت وجلال العزاوي وداود الدبوني وفائق شاكر وحسين حسني ومحمد زكي وسامي شوكت وهاشم الوتري وصائب شوكت وشوكت الزهاوي وإبراهيم عاكف الالوسي وتوفيق رشدي وشاكر السويدي وبهجة خضوري وحنا خياط ونصوري فرج وفتح الله غنيمة ونور الله موسى وعبد الله قصير ورزاق الله بحوشي) . إذ تعاون الأطباء العرب والأجانب الذين عملوا في العراق إذ بلغ عددهم عام 1922م ( 177) طبيباً في وضع أسس الكيان الصحي الحديث في العراق (148: ص82ـ86) .
العلوم الرياضية :
فقد اهتمت المدارس الحديثة (المدنية والعسكرية )في العراق بعد تأسيسها عام 1869م بتدريس العلوم الرياضية كالحساب والهندسة والجبر ، والفت الكتب المدرسية لهذا الغرض ومنها :(هندسة رسمية وتطبيقات متنوعة) ترجمة شكري بك ،وكتاب طبع في استانبول ألفه احمد شكري بعنوان (علم حساب ، عملي ونظري) عام 1913م وكتاب صالح زكي الموسوم (هندسة تجريبية) عام 1912م ، وكتاب (تفرقة رياضية) في المبادئ الأساسية لعلم الجبر ومؤلفه أمين فيضي وكتاب (كوزول حساب) لمؤلفه
احمد جواد عام 1912م ، و ظهرت بعض الكتب المدرسية باللغة العربية ألفها مدرسون عراقيون مثل (ترويض الطلاب في أصول علم الحساب) و(مدخل الطلاب وتعلة الرغاب في أصول علم الحساب) للمؤلف أق ليمس يوسف داود ، وكتاب (خلاصة الهندسة)وكتاب (زبدة الحساب) وكتاب (مفتاح الهندسة) للمؤلف حمدي الأعظمي عام 1911م ، وعام 1913م (116: ص32ـ36) .
العلوم الطبيعية :(1/44)
وهي العلوم المتمثلة في الكيمياء وعلوم الحياة ، وكانت هذه علوماً خاملة وجامدة ولكن العالم العراقي (أبو القاسم بن احمد العراقي السماوي) هو الذي حركها ومن آثاره : (نهاية الطلب في شرح المكتسب) و(النجاة والاتصال بعين الحياة) واشهر مؤلفاته (العلم المكتسب في زراعة الذهب) وقد حققه وترجمه إلى الإنكليزية ونشره بباريس عام 1923م (أي . جي هولميارد) ، ويعد هذا الكتاب خطوة متقدمة في فهم الرموز والمعادلات ، ولذلك اتخذ علماء الكيمياء بعض الوسائل لحماية أنفسهم من الجشع والطمع اللذين يفرضان على بعضهم واخفاء ما يحصلون عليه من معلومات وعدم مشاركة غيرهم ولذلك عمدوا إلى (وصف نظرياتهم وموادهم وعملياتهم بلغة غامضة طافحة بالمجاز والاستعارة والتورية والمشابهة) ، ولذلك أطلقوا بعض التسميات على بعض المواد مثل : الوعاء الزجاجي البيضوي أو الكروي الذي يمكن إحكام سده (ببيضة الحكماء) ، والزئبق (بماء الفضة ) والملح (كوكب الصبح) والكبريت (بالنسر الأبيض) (67: ص32ـ37) .
ويقول أبو القاسم محمد بن احمد العراقي في كتابه (العلم المكتسب) : اعلم رحمك الله تعالى أنّ اللفظ المفيد ينقسم على ثلاثة أنواع :
لفظ بالمطابقة وهو دال على تمام الماهية ، وهذا الضرب من اللفظ لا يطلق عليه رمز البتة بل هو تصريح .
ولفظ بالتضمن وهو دال على جزء من الماهية ، وهو أخفى من الأول ويجوز أن يطلق عليه رمز بالإضافة إلى الأول .
ولفظ بالالتزام وهو أخفى من الأولين وهو الرمز الصحيح .
إن العلماء الأوربيين سرعان ما لمسوا بشكل جلي الجهود العلمية البارزة التي بذلها العلماء العرب في علم الكيمياء ، فاخذوا يدرسون الاثار العربية ويدخلونها في جامعاتهم (67: ص39ـ42) .(1/45)
أما في مجال علوم الحياة فقد اهتم به العلماء العراقيون ووضعوا المؤلفات والمصنفات العديدة فيه ومنها : كتاب (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) لمؤلفه زكريا بن محمد بن محمود القز ويني الكوفي ، وقد قسم القزويني كتابه على شرح ومقالتين ، فشرح عنوان كتابه بأربعة مقدمات أما المقالتان فالأولى في (العلويات) وقسمها على ثلاثة عشر فصلا تكلم فيها عن حقيقة الأفلاك والقمر والسيارات والثوابت والمجرة والشهور القمرية والشمسية والأيام والمواسم (109: ص 62) .
والمقالة الثانية تحدث فيها عن (السفليات) أي ما هو موجود على الأرض من هواء وماء وتراب ومعادن ونبات وحيوان وإنسان .
وقد صنف القزويني النبات أو الحيوان ترتيبا هجائياً وهو ترتيب معمول به اليوم تيسيراً للدراسة .
تحدث في كتابه عن الكائنات الحية وقال : ( إنّ أولى مراتب هذه الكائنات تراب وآخرها نفس ملكية طاهرة فان المعادن متصل أولها بالتراب أو الماء وآخرها بالنبات ، والنبات متصل أوله بالمعادن وأخره بالحيوان ، والحيوان متصل أوله بالنبات وآخره بالإنسان) (111: ص44ـ48) .
وقد علق الأستاذ عزيز العلي العزي في دراسته عن هذا الكتاب إن المؤلف كان عارفاً بتكوين أجسام الكائنات الحية من العناصر والمركبات كما سماها وان بعض هذه
العناصر ومركباتها يذوب في مياه الأرض فيكون العناصر الأولية لغذاء النبات وانه كان مدركا لمفهوم التطور من الجماد إلى النبات إلى الحيوان .
ولذلك يعد كتاب القز ويني (عجائب المخلوقات) من اشهر الكتب التي عرفتها أوربا (111:ص52) .(1/46)
ومع بدء المدارس الحديثة في العراق صارت العلوم الطبيعية تدرس كمواد ضمن مناهج المدارس باسم (مواليد ) أو (أحياء ) أو (طبيعيات وكيمياء )، كما ظهرت مؤلفات مدرسية لساطع الحصري باسم ( مبادئ علوم طبيعية ) عام 1905م وكتاب (دروس أشياء) عام 1910م ، وظهرت مقالات في الصحف والمجلات لاهتمامهم بالعلوم الطبيعية أمثال (جميل صدقي الزهاوي) الذي كتب عن (التولد الذاتي) و (الكائنات) و(الكائنات في القضايا الطبيعية والفلسفية) ومقالات للأب أنستاس الكرملي التي تدور حول (المدخل في علم الحيوان) عام 1914م .(1/47)
الفصل الثالث
تمهيد :
تأتي أهمية تقديم دراسة للفكر التربوي عند المفكرين في القرن العشرين بالعراق وفي العصر الحديث من نواح عديدة ، تتمثل في ريادتهم للفكر العربي الحديث التي حققت نجاحا في عملية تغيير حركة الفكر والمجتمع العراقي بصورة خاصة ، والعربي بصورة عامة ، من حالة الجمود والانغلاق إلى حالة التفتح والعقلنة ، وبث الوعي الوجداني في نفوس أبناء الأمة بدعوتهم إلى التحرر الفكري واتخاذهم مواقف ومحاولات متعددة في تقديم الحلول لمعالجة الواقع الفكري والاجتماعي والسياسي المتخلف ، ومعالجة الأحداث الجارية آنذاك بأساليب جديدة من التفكير العقلاني والروحي التي ساعدت على إخصاب الفكر فيما بعد .
فهمي المدرس 1873 ـ 1944 م
كاتب المقالة السياسي في العراق الحديث (فهمي المدرس) الذي امتاز أسلوبه بالاعتماد على الآيات القرآنية ، فكان صادق الكلمة صريحا لا يعرف المحاباة والتملق ، تعد مقالاته أنموذجا رفيعا في الأدب السياسي لان ثقافته مزيج من ثقافات متعددة ( التركية ، والفارسية ، والفرنسية ،علاوه على العربية ) ، وقد أتقن هذه الثقافات على أيدي علماء إجلاء من بغداد كالسيد محمود شكري الآلوسي الذي ترك بصماته على سمته الأدبية (37 :ص16) .
مولده ونسبه :
ولد محمد فهمي بن الشيخ عبد الرحمن بن سليم محمد بن احمد بن الشيخ سليمان الخزرجي الموصلي المدرس ، ببغداد ( 1289هـ /1873م) من أسرة مثقفة ، نشا في بيت عرف بالعلم والأدب والتقى والورع في أحضان عائلة تنتمي إلى عشائر الخزرج التي سكنت الموصل ثم نزحت إلى بغداد ، وكان جده ( الشيخ سليمان ) أول من نزح من هذه العائلة إلى بغداد واتخذها سكنا ومقاما .
والمدرس لقب غلب على هذه العائلة ، وأول من لقب بهذا اللقب منها (أحمد الحافظ) الذي كان أول مدرس في مدرسة السليمانية في بغداد ، ثم عرفت هذه الأسرة بعد ذلك بالمدرس .(1/1)
وكان والده الشيخ عبد الرحمن من قضاة بغداد ، عمل في محكمة التجارة قاضيا (42: ص5) .
درس فهمي الشريعة وأصول الدين أول الأمر على يد أبيه عبد الرحمن ودرس القران الكريم والحديث الشريف والسنة النبوية وسائر علوم الدين .
وقد أوتي حظاً وافراً من الذكاء والطموح ورأى في نفسه ميلاً إلى العلم والأدب وإلى الدرس والمطالعة والأدب العربي ، يرشف وينهل من تاريخ الآباء والأجداد .
فقد امتاز بفكره الواسع الحر الذي انفتح على الجديد ، ودرس الكثير من الثقافات للأمم الأخرى التي أتاحت له هذه الثقافات والاطلاع على آداب الأمم الغربية ، مما ظهر أثره واضحاً في كتاباته وتحليلاته (77 : ص7) .(1/2)
وبهذا كون شخصيته الثقافية بعصاميته النادرة مما جعله ينهض نهوضا حسنا في أثناء إشرافه على مطبعة ( الولاية) التي أنشأها مدحت باشا عام 1869م في بغداد ، ثم اشرف على تحرير القسم العربي والتركي بجريدة (الزوراء) (1) في عهد الوالي العثماني نامق باشا الصغير وهو لم يتجاوز العشرين من عمره .ثم اشرف على جريدة الزوراء مدة تزيد على خمس سنوات . لقد زاده العمل في الجريدة حبا للصحافة وإقبالا على التأليف واطلاعا على فنون المعرفة وتحسباً للرأي العام ، وعهد إليه تدريس اللغة العربية والتركية والفارسية في المدرسة الإعدادية كما كان يتولى الوعظ والإرشاد في مساجد بغداد ولا سيمّا في جامعي (الوزير) و(السراي) المعروف اليوم بجامع حسن باشا ، فقد فاجأ الناس بوعظه المرتجل الذي استحوذ على عقول سامعيه وإعجابهم ، معتمدا على ذاكرته وحافظته (37: ص18). كان فهمي المثال الصادق للمثقف العربي في مطلع القرن العشرين يوم كانت الثقافة في القطر العراقي مزيجا من ثقافات مختلفة إسلامية وفارسية وتركية ، فقد تأثر بالدعوات الفكرية التي ظهرت في تلك الحقبة ، التي استهدفت إرغام السلطان والشاه على إعلان الدستور، وتأسيس النظام البرلماني .
تأثر المدرس بحكم ثقافته الإسلامية وبدعوته إلى الإصلاح الديني بالمصلح الديني المعروف (جمال الدين الأفغاني 1839ـ 1896م) . لقد حمل المدرس قلمه سيفا مشهورا في وجه الظالمين ، لكنه تحمل صنوفا من الإرهاب ، ما نال غيره من الأحرار الداعين إلى الإصلاح . فنفي إلى جزيرة (رودس) عام 1905م ، وعلى الرغم من ذلك فلم تلن له عزيمة ، ولم يضعف عنده مبدأ ، وكان في مقدمة الجماهير ومعها في المطالبة بحقوقها .
__________
(1) * ـ أنشأها مدحت باشا 1869م وصدر عددها الأول 16/ 6/ 1869م .(1/3)
كان رمزا للكلمة العربية المكافحة والوطنية الصادقة ، فلا يخاف السلطة الجائرة أو الحاكم المتجبر، فقد طالب بتحقيق أهداف الأمة في الوحدة والعيش الكريم والاستقلال ، فقد كان وفيا لوطنه الذي عاش فيه ، فآلمه شقاء أبنائه ، ومنذ انقلاب 1908م الدستوري كان من أوائل المناصرين له (37: ص21) ، فجرد قلمه للدفاع عنه وتأييده بمقالات جريئة ، ووافق انه قصد الإستانة قبل وقوع الانقلاب يحمل كتاب توصية إلى (أبي الهدى الصيادي) (1) في شان من شؤونه لنفوذه الواسع ، وبينما هو في طريقه في صبيحة العاشر من تموز 1908م إذا بتظاهرات صاخبة في شوارع استانبول تناشد بالحرية والعدالة فانظم المدرس إلى المظاهرة واعتلى أول منصة في الشارع يخطب فيها بالجماهير ويحثهم على التمسك بأهداف الانقلاب ومنددا بطغيان السلطان عبد الحميد وجبروته ، فاندست يده إلى رقعة التوصية بصمت فمزقتها ، وطاف مع الجموع يهتف مطالبا بالعدالة والحرية والمساواة .
__________
(1) * ـ هو محمد بن حسين بن وادي كني (بابي الهدى الصياد) مواليد حلب 1849م ، رحل إلى الإستانة وكان منشدا صوفيا ، نال ارفع المناصب ، حتى اصبح الساعد الأيمن للسلطان عبد الحميد ، يأمر فيطاع ، وينهى فيجاب ، وعندما وقع الانقلاب كان يعاني المرض حتى توفي في عام 1909م .(1/4)
ومن هنا بدأت صفحة جديدة من حياة المدرس المحافظ الذي كان يرتدي العمامة والجبة ويطلق لحيته كغيره من رجال الدين ، لتحل محلها شخصيته المتجددة ، إذ ارتدى الملابس الإفرنجية ، ووضع الطربوش على رأسه ، وحلق لحيته ، وحمل العصا بيده ليغش المجالس ويرتاد الأندية ليتعرف على رجال الفكر والسياسة وسهل له ذلك قيامه بتدريس الأدب العربي في جامعة الإستانة وتدريس حكمة التشريع الإسلامي في مدرسة (ملكية شاهاني) ولذلك اتصل بقيادة الفكر العثماني ودفعاه إلى المزيد من النشاط العلمي في التأليف والتحرير في المجلات التركية وصحفها ولا سيمّا ((شهبان)) و((ثروة فنون)) فلمع نجمه واصبح محط أنظار العراقيين الوافدين إلى الإستانة للدراسة والتوظيف .
وهناك أمثلة على حبه لوطنه ولأبناء وطنه منها :
إن الشاعر معروف الرصافي قصد الإستانة عام 1909م بدعوة من صاحب جريدة (أقدام) ليرأس تحرير قسمها العربي ، لكن صاحب الجريدة عدل عن رأيه ، فحزَّ في نفس المدرس أن يرى ابن وطنه تضيق به سبل العيش ، فتنازل عن بعض محاضراته في دار الفنون ليتيح للرصافي أن يعمل .
بقي المدرس في الإستانة مدة تزيد على اثني عشر عاما، باحثا ومدرسا وكاتبا سياسيا ، وفي عام 1913م أوفدته الحكومة إلى بيروت ودمشق لحل مشكلات المؤسسات العلمية ، وقد وضع لكل مشكلة حلها ، وبعد عودته إلى دار الخلافة أثير نزاع في جامعة الإستانة حول جعل التعليم في الوطن العربي باللغة العربية ، وانتقاء كتب من المؤلفات المصرية للعلوم التي تدرس في مدارسها السلطانية ، فاختير المدرس عضوا في المجلس الذي عين لحسم هذا النزاع .(1/5)
تسلم المدرس رسالة من تلميذه في دار الفنون (فيصل بن الحسين) الذي نصب ملكا للدولة السورية للإفادة من خبراته في شؤون التربية والتعليم ، فقصد الشام في الثامن عشر من حزيران عام 1920م ، لكنه لم يمكث طويلا ، فتركها بعد سقوط حكومة الشام ، وتفرق رجالها ، قاصدا الغرب متنقلا بين مدريد ولندن وباريس مدة سنة ونصف سعيا للتزود من آفاق المعرفة ، فاطلع على أنظمة جامعاتها كالسوربون وكمبردج وأكسفورد وأفاد من أساتذتها (37: ص22ـ25).(1/6)
عاد المدرس إلى وطنه العراق في الحادي والعشرين من آب 1921م ، عند تأسيس حكم وطني في العراق ، فعين رئيسا للأمناء في البلاط الملكي ، لكن البريطانيين لم يرضهم بقاؤه في منصبه لأنهم يشعرون بان هناك خطرا يهددهم ، وخصما عنيدا يفسد خططهم إذ وجدوا في نزوعه القومي المتحرر حجر عثرة في طريقهم ، فاجتمعوا من اجل إبعاده عن المشاركة الفعالة في إدارة البلد والنهوض بأعبائه ، فاختلقوا له المبررات لإبعاده عن منصبه ، اثر حادثة وقعت له في الثالث والعشرين من آب 1922م وهي قيام تظاهرات صاخبة نظمها الحزبان ((الوطني)) (1) و((النهضة)) (2) بمناسبة الذكرى الأولى على تتويج الملك فيصل ، واستقبل الملك الوفد الذي يمثل قادة الحزبين ، لكنه اعتذر عن سماع خطبهم وكلماتهم لارتباطه بموعد مع المندوب السامي البريطاني ، فأمر فهمي المدرس بالتوجه إلى الوفد للاستماع إلى مطالب المتحدثين وخطبهم ، وكانت الخطب تلقى منددة بالانتداب ، غير أن هذه التظاهرة انقلبت إلى المطالبة بإلغاء الانتداب وإقالة الوزارة وإجراء انتخابات حرة للمجلس التأسيسي ، والاعتماد على ذوي الكفاية في الوظائف العامة . وعند قدوم المندوب السامي البريطاني (السيربرسي كوكس) إلى البلاط ليهنئ الملك ، هاجت الجماهير بالهتافات منددة بالسياسة البريطانية (تسقط بريطانيا) و(يسقط الاستعمار) ، فدهش كوكس ما رأى وما سمع ، فهنأ الملك على مضض ، وعند وصوله إلى مكتبه أرسل احتجاجا شديد اللهجة إلى الملك يطلب فيه إقالة فهمي المدرس وعدّه مسؤولا عما لحقه من إهانة وتنديد بسياسة دولته (56: ص12) .
__________
(1) * ـ أسسه ( محمد جعفر أبو التمن ) في الثاني من آب عام 1922م حتى عام 1933م .
(2) **ـ أسسه (محمد أمين الجرجفجي) في التاسع عشر من آب 1922م .(1/7)
عزل فهمي المدرس من منصبه نتيجة وشايات خصومة السياسيين ولذلك انقطعت صلته بالبلاط منذ الأول من أيلول 1922م فقبع في بيته ، وكانت هذه راحة لخصومه وطمأنينة لهم ، وبذلك تخلصوا من شخصية كانوا يخشونها ويفزعون من طموحاتها ، وقد استغلت بريطانيا مرض الملك الراقد في المستشفى فالقوا القبض على زعماء المعارضة وغلق الحزبين وجريدتهما ، واعتقلوا المعارضين ونفوهم إلى جزيرة (هنجام) ثم منعت الاجتماعات ، فخيم على البلاد جو من الذعر والاضطراب ، حدث كل هذا والمدرس محجور عليه في بيته ومراقب في حركاته وسكناته فزادت نقمته على البريطانيين ، ولم تخمد في نفسه نيران الثورة عليهم وعلى عملائهم .
إن المدرس شخصية فذة ، فهو عالم وأديب امتاز بأخلاق نبيلة وسجايا عالية ، فقد كان الملك يقدره ويحترمه على سجاياه النبيلة ، وكان يقدمه في أمور كثيرة على الرغم من حماسته في سبيل وطنه (19:ص36) .
كان شجاعا يقول الحق لا يخاف لومة لائم ، فقد قابل نوري السعيد في إحدى دواوين بغداد وكان رئيسا للوزارة ، فبادر نوري قائلا : كيف حال أستاذنا ؟ فأجاب المدرس على الفور ( موزين ) (لان كلما زرعنا الورد يطلع شوك ) (19:ص42) .
دعي المدرس من قبل الملك فيصل لإنشاء جامعة آل البيت ، وعندما تم افتتاحها بدأت توجه العقبات من قبل المناوئين لإغلاقها .
جاهد المدرس طوال ست سنوات مضنية لتثبيت دعائم الجامعة مدافعا عنها ولكن على الرغم من ذلك كله فقد صدر أمرا بإلغائها عام 1930م ، بعدها تحول إلى معارض للدولة فابعد المدرس وزميله روفائيل بطي صاحب جريدة البلاد إلى شمال العراق ( السليمانية ) بحجة اتهامه بتسميم أفكار الجيل ( 77:ص61) .(1/8)
لقد استنكر النواب إبعاد فهمي المدرس فقال صادق البصام : ( ما ذنب فهمي المدرس الذي انتقد الأمور حتى ينفى رغم شيخوخته ، وفي الوقت الذي نرى في أوربا الذين يعملون أعمالا جليلة ينصبون لهم الهياكل ، أما هياكل هؤلاء فهي السجون والنفي إلى المناطق البعيدة ) .
أما صالح جبر فقال : ( إن فهمي المدرس من المخلصين وأنا آسف على ما وقع من الحكومة ومستاء جدا سواء أكان هذا القانون موافقا إلى نظام العشائر أم غير موافق ، وأنا لا ادري من أتى بهذا القانون ، هل هبط من السماء ؟ أم نبت من الأرض نباتا ، أم خرج من جيب دور الاحتلال ؟ والذي ليكون طوق لعنة في عنق العراقيين ، أو لطخة عار في جبين الأمة الإسلامية ) .
وقال النائب بهجة زينل معلناً اسفه واستغرابه لنفي المدرس : ( أسجل أسفي الشديد على تطبيق العقاب على سعادة فهمي المدرس الذي يعلم الرئيس ، انه ضحى بجميع ما لديه من حين نشأته إلى الآن في سبيل القضية العربية ) .
أما مزاحم الباجه جي فقد عدد الأعمال الجليلة التي قام بها المدرس في سبيل القضية العربية وقال : (لا يمكن أن ننسى في وقت من الأوقات ما أداه فهمي المدرس من الخدمات في سبيل القضية العربية) (107:ص63) .
وفي عام 1935م تقلد المدرس منصب المدير العام لمديرية المعارف العامة وقبل انتهاء السنة قدم استقالته ، ثم عين مديراً لدار العلوم وأستمر في الوظيفة حتى نهاية عام 1938 م (37:ص70) .
كان بيته مجلساً لنخبة من رجال السياسة والأدب والفكر في العراق أمثال ( الزهاوي ، والرصافي، وياسين الهاشمي ، وطه الراوي ، ومحمد بهجة الأثرى ، وروفائيل بطي ) (107: ص 73) .(1/9)
وفي ثورة مايس 1941م انقلب فهمي المدرس الشيخ الطاعن بالسن إلى شاب يتقد وطنية ، ويلتهب حماسا ، فحمل على السياسة البريطانية وعلى السفير البريطاني في العراق ، لقد خاطب العرب من خلال محطة الإذاعة العراقية قائلاً : (أيها العرب الأمجاد إن العراق في هذه الساعة الرهيبة يخوض غمار مهمة حاسمة أما الموت أو الحياة الحرة ،فجردوا سيوفكم وشدوا الوثاق تحت راية لواء الحق المغصوب والحرية المهانة والاستقلال المهضوم وأججوا نارا حامية تصلون بها طغيان الغطرسة والكبرياء والجبروت بعزم قهار ، وإرادة جبارة ، وإيمان كامل ، واتكال على الله احكم الحاكمين ، ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) (107:ص 79 ) .
في السنة الأخيرة اعتكف في الدار ، تأكل أحشاءه الآلام ، وتذيب أعصابه أحداث العراق المؤلمة ، وتعصر قلبه تناقضات السياسة ويقض مضجعه مصير إخوانه الثوار، فلاذ بصمته وعزلته ولم يخرج لعشاق أدبه السياسي حتى عام 1944م عندما قامت ضجة في وجه صديقه الشاعر معروف الرصافي دبرها رجال البلاط الملكي ونفذها المرتزقة من دعاة الشعوذة وأدعياء الدين اثر صدور كتابه الموسوم (رسائل التعليقات) فاتهموه بالكفر والإلحاد ، فوقف المدرس إزاء هذه الضجة موقفا منصفا جريئا، فدحض الافتراءات ودفع الشبهات التي حامت حول عقيدة الرصافي، وحمل على المحافظين والمتزمتين الذين اصطنعوا هذه القضية تقربا إلى الوصي على العرش وإلى رجالات البلاط (37:ص82) .(1/10)
فقد قال المدرس : ( زارني مجموعة من شيوخ العلم في بغداد يريدون مني أن اكفر الرصافي ، وبعد مناقشتي معهم في موضوعات الحديث والتفسير والتصوف ، فقد قلت لهم لم يكن الرصافي كافراً ) (153:ص56) لأنه لم يمس كرامة الدين ، بل ظهر لنا انه قوي الإيمان بالله وبرسوله ، راسخ الاعتقاد بما جاء به القران ، ومن كفر مسلما فقد كفر . وبهذا برّأ فهمي المدرس صديقه الرصافي مما اتهم به وأشيع ضده من كفر والحاد ، ونفى الكلام الذي قيل حول الرصافي بحجج دامغات .
أما في أيامه الأخيرة ، فقد كثرت مصائبه وثقلت عليه أحزانه ، وتعقدت مشكلاته العائلية ، فقلت بهجته بالحياة لقلة بهجة أبناء وطنه ، وأصيب بمرض شل تفكيره والزمه فراشه حتى اسلم الروح إلى بارئها في الرابع عشر من آب عام 1944م ، وقد شيعه أصدقاؤه وعارفوا فضله إلى مثواه الأخير في مقبرة الشيخ عبد القادر الكيلاني بعد أن أدى رسالته وأفنى زهرة شبابه من اجل استقلال وطنه وحرية أمته ، وبذلك طويت صفحة من صفحات الكفاح الوطني والفكر الحر (36:ص87) .
مؤلفاته :
ترك المدرس بعد أن قضى من العمر أثنين وسبعين سنه أثاراً عديدة تدل على نبوغه وسعة اطلاعه وغزارة علمه ووفرة إنتاجه وهي على نوعين :
النوع الأول :
ما كتبه باللغة التركية :
1 ـ تاريخ أدبيات عربية ، وهو مجموعة محاضرات ألقاها على طلاب دار الفنون في استانبول .
2 ـ حكمة حقوق إسلامية ، وهي محاضرات متنوعة ألقاها على طلبته بالإستانة في تاريخ التشريع الإسلامي.
3 ـ مقالات متعددة ، نشرها في الصحف التركية الشهيرة مثل (شهبان) ، ومجلة (ثروة فنون) ، وتعد هذه المجلة من المجلات العلمية والأدبية الممتازة ، وتعرضت لنقد بعض ولاة بغداد ، وتصدت لأحوال العراق ، وكتب في جريدة (بغداد) لسان حال حزب الاتحاد والترقي في بغداد (37:ص87) .
النوع الثاني :
ما كتب باللغة العربية ، والتي نشرت في الصحف العراقية والعربية ومحاضرات في جامعة (آل البيت) وهي :(1/11)
1 ـ مجموعة مقالات في السياسة والاجتماع والتاريخ ، وقد قامت بجمعها لجنة مؤلفة من الأساتذة الأفاضل أمثال : (محمد ناجي القشطيني ، وروفائيل بطي ، وعبد القادر الزهاوي ، وعبد الغفور البدري) طبع الجزء الأول منها عام 1931م والجزء الثاني عام 1933م وقد قام الأستاذان الفاضلان ( عبد الحميد الرشودي ، وخالد محسن إسماعيل ) مؤخراً بجمع ما تبقى من مقالات فهمي المدرس المتناثرة في الصحف والمجلات التي لم تنشر في كتاب فنشرا الجزء الثالث عام 1970م .
2 ـ محاضرات في(جامعة آل البيت) وتتضمن :
أ ـ فلسفة المواريث في الإسلام ، وهي محاضرات ألقاها المدرس على طلبة الصف
المتقدم .
ب ـ بحث في الديانة الزرادشتية ، وهو بحث في نشأة الديانة الزرادشتية وأصولها.
ج ـ بيان موجز عن (جامعة آل البيت) والشعبة العالية الدينية ، الذي أوضح فيه المشكلات التي اعترضت الجامعة ومحاربة المسؤولين لها منذ تأسيسها حتى غلقها (37:ص88) .
فهمي المدرس وفكره التربوي :
1ـ القومية العربية :
حمل المدرس في سبيل أمته الشيء الكثير ، فقد كان في أمته القلب النابض ولسانها الناطق ، وقد عانى من غضب الاتحاديين وملاحقتهم الشيء الكثير ومع هذا وذاك فقد بقي صابرا ثابتا على عقيدته ، وكان يمتاز بشخصية عرفت بشدة عزمها ، وقوة إرادتها ، وكان صريحا وصبورا على الشدائد واحتمال المصائب في سبيل وطنه وامته .
لقد كرس المدرس طاقاته كلها لخدمة الأمة العربية معبرا عن كفاح شعبها ضد الاحتلال ، وكانت مقالاته صورا حية عكست الرأي العام ، وأسهمت في تنوير الأذهان وإيقاظ الهمم ووخز الأعداء مقرونة بالتحليل الدقيق والتعليل الصائب ، فكانت عاملا مهما في تحقيق آمال الجماهير في الحياة الحرة الكريمة .(1/12)
لقد قاد المدرس الفكر السياسي ووجهه الوجهة العربية السليمة في كل مشكلة اعترضت سبيله أو أعاقته ، جمع المدرس بين الصحافة والسياسة أو بين القلم والسياسة وتركزت في قلمه آمال أمته فاصبح رجل الأمة واعتصم بعقيدته القومية ، اعتصام مؤمن لا يساوره الشك في كل ما قاله أو دعا إليه .
خاض المدرس غمار الحياة السياسية بقلب مؤمن بالعروبة وأهدافها ، بحس مرهف وفكر ثاقب ورأي سديد فاستوعب حياة المجتمع وفهم كل صغيرة وكبيرة ، وتوصل إلى أن ( درب الكفاح طويل شاق ولابدَّ للأمة التي تريد الحرية من الصبر ومواصلة كفاحها حتى النصر ) (1) .
وتوصل إلى أن مصيبة العرب في زعمائهم ، فكانوا وبالاً عليهم ، واشد نكاية من المحتل ، فإذا لم ينتبهوا لمحل الداء والموقع الخطر فلا مناص لهم من الذل والاستعباد المضاعف .
ثم يقرر حقيقة مرة أطلقها من الأعماق غير هيّاب سواء أرضي الزعماء أم لم يرضوا لأنها تمثل مأساة الشعب العربي بزعمائه : (فالعرب اتكلوا على زعمائهم ، وزعماؤهم اتكلوا على الأجانب ، حتى رسخت قدم الاستعمار في بلادهم ويحسبون انهم يحسنون صنعا) (77:ص227) .
لقد آمن بالعروبة إيمانا مطلقا وبتراثها وقيمها وقد أودع آراءه هذه مقالاته التي تدل على عمق فكره وسمو عقله وصدقه في دعوته العرب كافة إلى نبذ الخلاف والتمسك بالوحدة لان في تفريقهم ضعفا وعليهم أن يعملوا ، لا حياة لهم مع الخلاف والشقاق. وقال : (لقد حول تفجر البترول في كثير من أجزاء العالم العربي الفقر إلى غنى ، والضعف إلى رخاء ، وان هذه الثروة النفطية لم تستطع نقل الحضارة إلى أوطانها وخلق الإنسان الجديد القادر على خلق الحضارة ، لا الإنسان المستهلك ، فعلينا أن نبحث عن الداء لكي نشخص الدواء .
__________
(1) * ـ جريدة الحرية البغدادية (العدد/2164للعام 1969 مقالات لمحمود العبطة بعنوان المدرس .(1/13)
والحقيقة أن الأمة العربية تمثل قافلة تسير مقدمتها في عصرنا الحاضر ومؤخرتها في القرون الوسطى) ( 131:ص101) .
وان الازدواج الفكري والاتصال بالغرب المتقدم هما من مواطن الضعف والمكونات الأساسية للشخصية القومية العربية (157:ص308) .
وعندما نفصل فلسفة التعليم عن واقع الأمة فان النتيجة تكون واحدة ، وهي فشل السياسة التعليمية وعجزها عن تحقيق أهدافها (48:ص323) .
لقد تحدث الملك فيصل عن فهمي المدرس قائلا : ( إن فهمي المدرس سياسي بارع اختصر تاريخ أمته في تاريخه ، وترجم للعصر الذي عاش فيه ترجمة حية سلبا وإيجابا حتى ليمكن القول ، إن قلمه كان ميزان عدل ، وزن الحوادث بأمانة ودقة متناهية ) (124:ص205) .
لقد كان المدرس مصلحا اجتماعيا ورائدا من رواد النهضة الاجتماعية ، وكاتبا بارعا أجاد إجادة تامة في تصوير مآسي الحياة من بؤس وشقاء وحرمان ، وما يعانيه المعذبون والفقراء ، تصويرا تحليليا ومعالجة مشكلات المجتمع العربي وتسجيلها بصورة اعترافات واقعية رصدها ثم نقدها وصولا إلى نتائج واضحة ومؤثرة .
اعتصم المدرس بعقيدته القومية ، اعتصام مؤمن ، لا يساوره الشك في كل ما قاله أو دعا إليه ، ولم تزعزعه مغريات السياسة ، أو منصب أو جاه ، ولذلك عد الشعب مصدر السلطات ومصدر القوة ، فعاش لوطنه واخلص لعقيدته غير هياب ولا خائف من سجن أو نفي أو تشريد .
2 ـ الإسلام :
بما أن المدرس نشأ نشأة دينية في أسرة كان والده فيها من قضاة بغداد ، ودرس الشريعة وأصول الدين والقران الكريم والحديث الشريف والسنة النبوية ، وسائر علوم الدين ، وكان محبا للعروبة ، مؤمنا بالدين الإسلامي ، كثير الاستشهاد بأقوال العرب والمسلمين ، تتلمذ على يد الصفوة المختارة من شيوخ عصره كالعلامة ( عبد السلام الشواف ، والشيخ عبد الرحمن القره داغي ، والشيخ إسماعيل الموصلي ، ونعمان الآلوسي ، ومحمود شكري الآلوسي )، واخذ عنهم الوعظ والإرشاد(77: ص7) .(1/14)
ودرس الأدب العربي ينهل منه ، وقد تأثر المدرس بحكم ثقافته الإسلامية بالدعوة إلى الإصلاح الديني التي بذر بذورها المصلح المعروف ( جمال الدين الأفغاني ) ، لقد كانت أفكاره إسلامية متحررة ، التي كانت سببا من أسباب نفيه ، فقد كان يؤمن بان الثقافة مجهود متوارث ضمن إطار اللغة والتاريخ والأرض من اجل تحقيق إنسانية العرب والمسلمين ، وان التراث عنصر من عناصر تكوين هذه الشخصية العربية الإسلامية .
كانت مقالاته مملوءة بالاقتباس من القران الكريم أو الأحاديث النبوية الشريفة أو من الأمثال العربية ، وتجلت في كثرة الاستشهاد بالأحداث التاريخية ، سواء أكان التاريخ الإسلامي أم العثماني (1) .
كان يجوب المساجد والجوامع المنتشرة في بغداد لأداء الصلاة وللتعرف على أساليب الخطباء والوعاظ ، محاولا تعريفهم بعرض أصول الدين وفقا للأساليب السهلة الشيقة طالبا منهم تجنب التعقيد في استعمال الألفاظ وتقليد الأقدمين في الشرح والتفسير (2) .
وبعد افتتاح جامعة آل البيت التي كان طابعها إسلاميا ، لكن نفرا من رجال السياسة والتربية عارضوا هذا الاتجاه ، الذي أراده المدرس أن يكون طابعها المميز ، فحدث صراع بين الرأيين ، الرأي العلماني الذي يمثله ساطع الحصري ، والرأي الديني المتحرر الذي يقوده فهمي المدرس ، وقد رأت الفئة الأولى وجوب فصل الدين عن التعليم زاعمة أن التعليم علم يستند إلى العقل والتجربة ، وان الدين عقيدة في القلب (37:ص35) .
__________
(1) * ـ جريدة البلاد ، في 14 / آب/ 1953م .
(2) ** ـ جريدة الحرية البغدادية في 22/آب/1969 مقال لمحمود العبطة ، بعنوان المدرس .(1/15)
لقد خالف بعض رجال الدين في تفسير بعض آيات القران الكريم مما أدى إلى الثورة عليه واعدّوه كفرا . ومن هذه التفاسير ، اذكر أني في بعض الدروس تكلمت عن قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ) (التكوير:8) ، فكنت أقول إن المؤودة هي النطفة التي يقذفها الرجل في موضع حرام . بعدها نفي على أثرها إلى جزيرة ( رودس ) .
كان يطمح أن يكون لرجال الدين مكانة مرموقة وكبيرة في المجتمع ، وذلك من خلال تزويدهم بالثقافة الواسعة لكي يكونوا قادرين على إقناع البشر والانضمام إلى الدين بإبراز أصالته وصفاء جوهره الذي عرف طوال قرون .
أراد أن يطوع المناهج الدراسية القديمة لتساير التطورات الحضارية الجديدة ولتقف أمام التيارات الغربية بقوة ، ولا تضيع شخصية المسلم العربي في تيار الحضارة الجديدة وقال في ذلك : ( بغير تلك الثقافة لن يتكافأ علماء المسلمين وعلماء الأديان الأخرى ، ويقوموا على إقناع العالم المتحدث ، بان أحكام دين الإسلام مبنية على قواعد اجتماعية وفلسفية ونظم إدارية وسياسية تتمشى مع البشر في جميع صفحات التطور مهما سمت مداركه وتقوت عقليته ، وما دامت مظاهر المسلمين تخالف ذلك في الأقوال والأفعال ) .
وأكد على أن خير أسس الإصلاح الأساسي القائم على دعائم الإسلام لاعتقاده بان إحياء مآثر الإسلام خير ضمانة لإعادة بناء كيان جديد للأمة العربية المسلمة .
كانت شخصية المدرس تختلف عن رجال الدين الذين كان واحدا منهم ، لان ثقافته واحتكاكه بعوالم أخرى واسعة ، صقلت مواهبه ، فكان طرازا فريدا من المفكرين القلائل الذين جمعوا الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة ، مع اطلاعه على ثقافات أمم أخرى وتجارب فكرية جديدة ، فلا عجب أن وجدناه يهتم دون غيره بالجامعة ويستميت في إنشائها (107:ص 159ـ198) .
3 ـ اللغة العربية :(1/16)
لقد احب اللغة العربية لأنها لغة القران الكريم ، وبما انه درس القران الكريم وعلومه وكان شغوفا بقراءة الكتب الأدبية والمطالعة ، فقد درس اللغة العربية في المدارس الإعدادية ، كما انه درس الأدب العربي في جامعة الإستانة .
كان بيته مجلسا لنخبة من رجال السياسة والأدب والفكر في العراق أمثال : ( الزهاويّ ، الرصافيّ ، وياسين الهاشميّ ، وطه الراويّ، ومحمد بهجة الأثريّ ، وروفائيل بطّي ) (107:ص73) .
عمل عضوا في مجلس إصلاح المعارف في عام 1908م ، بعد أن بدأ ينشر المقالات في الصحف التركية واتصل بقادة الفكر العثماني ، ولمع نجمه مما هيأ له الجو المناسب لنشر آرائه ومعتقداته وإسماع صوت العرب وما يعانونه من ظلم العثمانيين مطالبا بحريتهم وجعل اللغة العربية لغة رسمية في الوطن العربي .
ساهم المدرس مساهمة فعالة في تطوير النثر الحديث وانتشاله من طور الجمود والتقليد إلى التجديد والعزوف عن الألفاظ المنمقة المثقلة بالسجع والجناس والطباق إلى السهولة في التعبير والسلامة في البيان والعذوبة في الألفاظ والجدة في الأداء ، فلا تعقيد ولا مغالطة ولا إبهام وهي خير شاهد على قوة أسلوبه وسعة اطلاعه ، فقد كان ينادي بالتجديد والإبداع وينبذ التقليد والاتباع ، لان أساليب النشر القديمة لم تعد قادرة على تطوير الحياة الجديدة ومتطلباتها (37:ص124ـ126) .
كان حريصا على سلامة اللغة العربية وإحياء التراث القومي ، فقد ساءه أن يرى مخاطبات الدولة في دوائرها وفي المدارس تسودها الرطانة ، وتغلب عليها العجمة ويفشو فيها اللحن ، لذلك حثَّ الدولة على الاهتمام باللغة العربية الفصحى والأساليب السليمة في دوائرها وفي المدارس والصحافة والمطبوعات لحرصه الشديد على سلامتها وبقائها نقية من كل عيب (1) .
__________
(1) * ـ جريدة الإخاء الوطني العدد / 705 في 16/9/1934م .(1/17)
لقد كان المدرس أستاذا للقنصل الألماني ببغداد إذ كان يدرسه اللغة العربية ومنه تعلم الفرنسية . اشرف على تحرير القسم العربي في جريدة الزوراء ، وكان ينادي بالاهتمام باللغة العربية ، عين مديرا للمعارف ، لديه القدرة على التعبير اللغوي بالعربية بشكل بسيط يفهمه القارئ البسيط ، فقد عالج كثيرا من الموضوعات التي توحي إليها أحداث العراق الداخلية وأحداث العالم ، فكتب في القضايا السياسية الداخلية ، والوحدة العربية ، والوطن العربي ، وفلسطين والتعليم والمجتمع والأدب (107:ص218) .
4 ـ القضية الفلسطينية :
ألقى المدرس تبعة احتلال فلسطين من قبل الصهاينة وتقطيع أوصالها وتشريد أهلها على عاتق زعماء العرب لاتكالهم على الغرب وضعفهم وانفراط عقدهم وأتمارهم بأوامر أسيادهم البريطانيين ويقول : (ولما فقد العرب كيانهم ومرت القرون وهم متكلون على الدولة العثمانية في السياسة الخارجية والداخلية ، ثم انفصلوا عنها وهم مشبعون من روح التواكل ولم يكن لزعمائهم من المؤهلات ما يمكنهم من النفوذ في أساليب السياسة الأوربية ولا سيما الاستعمارية منها ، سلكوا في انقلابهم سبيل التواكل الذي دأبوا عليه قرونا وحسبوا الغربي صديقهم الحميم ، لا غاية له سوى إنقاذهم من مخالب الأتراك ومنحهم الاستقلال وإعادة مجدهم المضاع ، وكل ما أملي عليهم من المطالب الفادحة عدّوه من قبيل المنافع المشتركة ومن مصلحة الفريقين ).
كان أولئك الزعماء اصل الداء وسببا في مأساة الشعب العربي لجهلهم وعدم ممارستهم السياسية ، الأمر الذي جعلهم يعولون على الأوهام ويحرصون على المراكز، لذلك لم يجد أملا منهم في إنقاذ فلسطين لان عروشهم وكراسيهم كانت ثمنا لخياناتهم وتواطئهم مع المستعمر لهذا وذاك .(1/18)
لقد ثار العراقيون ، وثار معهم ثائرهم المدرس ، إزاء هذه القضية القومية المصيرية معبرا عن غضب الجماهير ونقمتها لهذا الجلل الذي طعن الأمة في صميمها والعروبة في أهدافها لان فلسطين جزء من العراق أولا وجزء لا يتجزأ من الوطن العربي ثانيا .وعلى أرضها الطاهرة استشهد آلاف العراقيين من المجاهدين في جيش البطل (صلاح الدين الأيوبي ) لطرد الغزاة والدفاع عن حمى العروبة والإسلام ، ذلك الفاتح العظيم الذي انحنى لجلاله وعظمته العالم ، وركع أمام ضريحه (وليم الثاني ) في أيام شوكته واضعا عند رأسه التاج إجلالا لمقامه الرفيع (1) .
لقد أكد المدرس بصراحة ووضوح تامين على أن مأساة فلسطين لطخة في جبين الدول الاستعمارية ، التي منحت الصهاينة أرضا لا تملكها ، وليس لها أي حق في تقرير مصيرها ، لهذا ستظل القضية وصمة خزي شاهدة على انحراف عصر التمدن والتحضر إلى الظلم والاغتصاب والاضطهاد والمغالطات ، لان اليهود لا يمكن احتمالهم لخيانتهم وغدرهم .
ومهما كان الأمر فتلك نقطة سوداء في تاريخ المدنية يحملها العصر الحاضر إلى الأجيال المقبلة للعظة والانتباه ، وقد بين للناس بعد دراسته لخطط الاستعمار والصهاينة فاستنتج : أن لا أمل يرجى من عقد المؤتمرات ولا فائدة من نتائجها ، والحل الوحيد هو إخراج اليهود الدخلاء من فلسطين (2) .
لقد كانت مقالاته السياسية التي كان ينتزعها من الحياة انتزاعا فيحسن اختيارها ويجيد انتقاءها فيرفعها بحيث تصبح موضوعاتها أدباً سياسياً فيه أروع العبر والعظات ومن أمثالها : ( شهود المسخ ) ، و (الميزانية والتعريض ) ، و (الأساتذة والخنوع ) ، و (فلسطين بضعة من العراق ) ، و (فلسطين بين المشانق والمآدب ) ، و (العرب بين الزعامة والصحافة ) .
__________
(1) * ـ جريدة البلاد العدد /941 في العاشر من آب /1937م .
(2) * ـ مجلة العالم الإسلامي /ج5 / عام 1939م .(1/19)
فقد كانت مقالاته ذات طابع أصيل لاحتوائها على تجارب وعبر انتزعها من قصص الحياة ووقائعها الثابتة ، من هنا كان المدرس كاتباً اجتماعياً ووطنياً مخلصاً وأميناً في تصوير واقع أمته ، ولا مهما نكتب بتجرد ونكران ذات راصدا كل حادثة معبرا عما يتطلع إليه الشعب وما ترنو إليه الأمة ، فكان قدوة صالحة وأسوة حسنة في الصبر على الشدائد وفي الصدق والأمانة والصراحة بينه وبين نفسه ومجتمعه ، ولذلك استحق الإعجاب والتقدير وسيبقى خالدا ما خلدت هذه الأمة بين أولئك المجاهدين الذين أقاموا صرح نهضتها وصمدوا في معترك الحياة الصعب وناضلوا في سبيل خدمة الوطن والأمة .
5 ـ الصحافة :
المعروف أن للصحافة دورها الكبير والمؤثر في النهضة الحديثة فقد ظهرت مع بوادرها ، وارتبطت بها ، وأصبحت بمرور الزمن عاملا فعالا في ازدهارها بعدّها ركنا مهما من أركان الثقافة ، علاوة على تأثيرها البارز في الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية .
وعلى هذا الأساس يمكن عدّها بمثابة الجسر إلى نهضتها الحديثة ، لأنها كانت ملتقى النابهين من أرباب الفكر والأدب ، (فالصفة المميزة للصحافة العربية في مراجعها الأولى ، أنها قامت على أكتاف المفكرين والأدباء ، مما جعل صحفهم كناية عن قطع أدبية رائعة ، يغلب عليها جانب الرأي اكثر من الخبر ) (131: ص 550) .
درس المدرس الكثير من ثقافات الأمم الأخرى (كالتركية والفارسية والفرنسية) مما جعله ينهض نهوضا حسنا بالأشراف على مطبعة ( الولاية ) التي أنشأها المصلح (مدحت باشا ) عام 1869 م أيام ولايته على بغداد ، ثم اشرف على تحرير جريدة ( الزوراء ) (1) بقسميها العربي والتركي .
__________
(1) * ـ أنشأها مدحت باشا وقد صدر عددها الأول في 16 / حزيران /1869م .(1/20)
كان المدرس المثال الصادق للمثقف العربي في مطلع القرن العشرين ، يوم كانت الثقافة في القطر العراقي مزيجا من ثقافات مختلفة ، إسلامية وفارسية وتركية ، وقد تأثر بالدعوات الفكرية التي ظهرت في تلك الحقبة وبحكم ثقافته الإسلامية ، وفهمه المعاني الأصيلة للدين والقران ، وإطلاق آرائه وفقاً لعقليته الناضجة وأيمانه بان الثقافة مجهود متوارث ضمن إطار اللغة والتاريخ والأرض ، من اجل تحقيق إنسانية العرب والمسلمين (37: ص17ـ19) .
وبما أن الثقافة الدينية التي كانت سائدة في العراق والعالم الإسلامي تقوم على كثير من الأسس والتصورات الجامدة التي تنتابها البدع والضلالات ، جعلت المدرس يقود حملة لمهاجمتها ، ودعا إلى الاجتهاد ، وخالف بعض معاصريه من رجال الدين في تفسير بعض آيات القرآن الكريم مستشهداً بقول الرسول محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، فربَّ مُبلَّغ أوعى من سامع ) (77: ص22ـ25) .
لقد كانت مقالاته تلهب من خان الوطن ، وأعان المستعمر ، لقد هيأ الجو للصحافة المعارضة ومهد لها الطريق فكانت المقالات تزخر بالنقد البناء والرأي الصريح وبالمطالب الوطنية الملحة ، مما حدا بالحكام إلى تضييق الخناق على الصحافة الحرة المعارضة وكتابها المعارضين ، ظناً منهم انهم بعملهم هذا سيحجرون على أفكارهم المتحررة وسيكبحون جماحها ، ليخلو لهم الجو في إدارة شؤون العراق ، كيفما يشاؤون ويوجهون سياسته وفقاً لمصلحة الانتداب ، لكن صحافة المعارضة المتمثلة بالمدرس وجدت طريقها للتعبير عن معارضتها وسخطها ، لكن إصدار الدولة قانون المطبوعات ذلك السيف الذي أعاق الصحافة وقيدها ، فكانت الصحيفة تغلق وفقاً لهذا القانون ووفقاً لمزاج الحكام وأهوائهم و لأتفه الأسباب .(1/21)
كان ينظر المدرس إلى الصحافة بان تكون هادفةً وغايتها خدمة الوطن وأبنائه ، ومعالجة المشكلات السياسية والاجتماعية وتعود الكتاب على إبداء الرأي الصريح ، وتساعد على النمو لتهيئ للمستقبل رجالاً يحلون محل رجال اليوم (77: ص26) .
لقد تمكن المدرس من اتخاذ الصحافة أداةً مهمةً من أدوات التطور ، بعد أن جعلها الوعاء الطبيعي لكثير من التيارات الفكرية والأدبية السائدة في عصره ، فقد ساهمت في نفاذ كثير من آرائه التربوية والفكرية والاجتماعية إلى أذهان الناس ، علاوة على دورها البارز في بث الوعي القومي والوطني لدى أبناء الشعب العربي ، عن طريق حملها للأفكار والآراء الوطنية والقومية للمفكرين ، ومحاربة الجهل والمرض والفقر والأمية والتخلف والدعوة إلى التجديد والمحافظة على اللغة العربية وحماية التراث القومي ومحاربة الاستعمار والتدخل في الشؤون الداخلية للوطن والأمة وعدم المساس بالدين الإسلامي والاقتداء بتعاليمه وشرائعه .
6 ـ التربية والتعليم :
إن اتجاهات التحديث التي نادى بها فهمي المدرس لتحقيق الازدهار والتقدم للبلاد ، كان لا بد لنجاحها من قيام نظام جديد من التربية والتعليم ، يحقق له خطوات هذا التقدم .
لقد استوحى فهمي المدرس من التربية الإسلامية كثيراً من آرائه فهو كثيراً ما يستشهد بالآيات القرآنية ، والحديث الشريف ، أو أقوال المربين العرب ، وكان يركز على فضائل السلوك الإسلامي ، علاوة على ما أفاد به من حضارات الدول الأخرى كالتركية والفارسية التي اطلع عليها ودرسها ، وتؤكد على الفرد وتعدّ تربيته وتعليمه هو الطريق إلى التغير الاجتماعي .
فقد اهتم بالجانب التربوي من خلال مقالاته وأكد على أهمية التعليم والتنور بالعلم وعد تعلم أبناء الوطن هو السبيل إلى التمدن والرقي ، فالأمة التي تتقدم فيها التربية تكون قادرة على التمدن والتحضر (117:ص297) .(1/22)
وأكد على أن التربية الدينية وعاء ترسيخ المبادئ الاجتماعية للمجتمع ، المتمثلة في الفضائل الاجتماعية كالعلاقات الأسرية الحسنة واحترام الصغار للكبار وتنمية الفضائل داخل العائلة القائمة على الحب والاحترام والعفة والأمانة ، ولذلك بذل الجهد الكبير والمتميز في إنشاء جامعة آل البيت لكي تكون منار علم تنير طريق أبناء المجتمع ، وعن طريقها يمكن تخريج الكثير من طلبتها كأساتذة في المؤسسات التربوية.
وبما أن للتربية والتعليم دوراً كبيراً بعدّهما مفتاح باب تحديث المجتمع فان فهمي المدرس اتخذها وسيلة لتنمية الروح الوطنية لدى أفراد المجتمع وهذا واضح من خلال مقالاته المنشورة في الصحف المحلية ومنها ( الزوراء ) إذ كانت مقالاته مفهومة الكلمة ، واضحة الفكرة ، سهلة وواقعية يتقبلها القارئ لكونها معبره عما في داخله ومعاناته .
فقد ركز على اللغة العربية والأخلاق والعادات والقيم العربية الإسلامية ، واهتم بمفهوم القومية العربية ، وهذا واضح من خلال مناداته بفلسطين والوقوف بوجه الاحتلال ، وقيادة التظاهرات والنداء بالحرية والتحرر ، وعدم الاعتماد على المناهج التربوية القديمة ، بل الإفادة من الحديث والمتطور ، أي الإفادة من الأصالة والمعاصرة ، بحيث أن المعاصرة لا تنسخ الأصالة وتمسحها (107:ص160) .
وأولى اهتماما كبيرا بالعلوم والمعارف كالرياضيات والهندسة والكيمياء والصيدلة والطب والزراعة ، وعني أيضاً بالعلوم الاجتماعية كالتاريخ والجغرافية والاجتماع ، وقد عني كثيرا بالعلوم الإسلامية من حيث قراءة القرآن الكريم والتفسير والأحكام والشريعة ، ولذلك جعل من الصحافة أداةً مهمةً من أدوات التحديث ، بعد أن جعلها وعاءً طبيعياً لنشر أفكاره السياسية والأدبية وإيصالها إلى عامة الشعب .(1/23)
نادى بمحاربة الجهل والفقر والقضاء على الأمية والتخلف والدعوة إلى تحرير المرأة ، ونادى بعرض أمور الدين بالأساليب السهلة من قبل وعاظ المساجد والخطباء على وفق أساليب شيقة بعيدة عن التعقيد ، والابتعاد عن التمسك بالأقدمين وأساليبهم القديمة المعقدة (1) .
كان يرغب أن تكون شخصيةُ المعلم عاليةً مرموقةً وذلك من خلال ثقافته الذاتية وامتلاكه للعلم والمعرفة ، ولديه الحجة والقدرة على المناقشة وإقناع الآخرين ، وأكد أن يكون المردود المادي للمعلم جيدا . بحيث لا يكون محتاجاً إلى عمل آخر لكي يمكن أن يطور نفسه ويخلص في عمله ، وان تكون مكانة المعلم اجتماعياً عالية ، وان تكون فلسفة التعليم نابعة من قيم وعادات وتقاليد المجتمع نفسه حتى يمكن تطبيقها عملياً لان التربية التي لا يمكن تطبيق أفكارها عملياً قد تكون ناقصة وذات نفع قليل .
ويمكن القول أن تاريخ الوطن العربي في القرن العشرين هو تاريخ تغير وتحول مستمرين ، من مجتمع شبه منغلق إلى مجتمع منفتح على العالم ، يسير في طريق النهضة والتقدم .
لذا يعد فهمي المدرس أحد ابرز المفكرين العراقيين الذين كان لهم دورهم في مدّ جسور النهضة الفكرية ، والنداء بالتجديد لأنها أداة من أدوات الحضارة والاستقلال .
كان من الأوائل الذين دعوا إلى الانفتاح على الغرب والإفادة من علومها ومعارفها مع الاحتفاظ بالتراث العربي الإسلامي والتواصل مع المستقبل ، فهو فاتح عصر جديد وراسم خطى لما بعد جيل النهضة .
المدرس وجامعة آل البيت :
__________
(1) * ـ جريدة الحرية البغدادية في 22/آب/969مقال لمحمود العبطة ، بعنوان المدرس .(1/24)
إن فكرة إنشاء (جامعة آل البيت ) في بغداد تعود إلى الملك فيصل الأول ، وكان الهدف من تأسيسها كما يقول الأستاذ (ساطع الحصري ) في مذكراته (التقريب بين المذهبين السنيّ والجعفريّ )، لأنه وجد هناك عدة مدارس دينية تابعة لوزارة الأوقاف في بغداد والموصل وكركوك والبصرة ، وكلها تدرس العلوم على مذهب أهل السنة ، وعدة مدارس دينية مستقلة عن الأوقاف في النجف وكربلاء تدرس العلوم الدينية على وفق المذهب الجعفري ، ولذلك رأى أن المصلحة تقتضي إنشاء كلية دينية تعلو فوق المدارس المذكورة (60: ص419) .
وعلى الرغم من أذى المحتلين للمدرس وسخطهم وحقدهم من قبل الملك وأعوانه ، لكن أنظارهم بقيت تربو إليه في كل معضلة تواجههم يريدون حلها ، لما امتاز به من قابليات فذة ومواهب نادرة ، حتى بعد عزله من البلاط .
وعند التفكير في إنشاء مثل هذه الجامعة دعي المدرس إلى المشاركة في التخطيط لها ووضع مناهجها ، ولذلك وجد الفرصة مواتية لخدمة الوطن والأمة العربية ، ولذلك أودع خلاصة آرائه وأفكاره وكل جهده من اجل وقوف الجامعة واهتمامها بالدراسات العليا من اجل تخريج فئة من المثقفين تقوم بأعباء النهضة المنشودة ،ولكي يتبوؤوا المناصب المناسبة في الدولة محل الأجانب من البريطانيين .
وفي عام 1922م وافق مجلس الوزراء على إنشاء بناية الشعبة الدينية في ( بستان الطلمبة ) في الأعظمية ، وقد سميت هذه الجامعة بجامعة (آل البيت) تيمناً وتبركاً بآل الرسول محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) ، وقد حضر احتفال وضع حجر الأساس الملك (فيصل الأول ) وأركان حاشيته ، والمعتمد البريطاني (السير برسي كوكس ) وعدد من رجال الدولة والعلماء والأشراف (55: ص126) .(1/25)
ولقد ألقى وزير الأوقاف السيد (محمد علي فاضل) كلمة جاء فيها : ( مضى زمن على بغداد وهي اعظم عاصمة في العراق ، تستضيء بأنوار علومها الأمصار ، وتشد إلى معاهدها الرحال ، حتى أن التاريخ كان يعترف بعجزه عن وصفها . وكنا نقف أمامه وقفة مرتاب لولا أن رأينا بأعيننا المدرسة المستنصرية وأمثالها من الآثار الجليلة غير أن الخلل قد تطرق إلينا في القرون السالفة تحت عوامل شتى يعلمها الجميع ، ولما أراد الله عز وجل إعادة مجدها القديم الهم جلالة الملك المعظم أدام الله سلطانه ، أن يفكر بحالتها السالفة والحاضرة ، فرأى بعين الحكمة أن انجح وساطة لإعادة ذلك المجد وإحياء تلك المعاهد تشييد جامعة تدرس فيها العلوم الدينية والفنون العصرية فأمر بتشييدها باسم (جامعة آل البيت) فاعد هذا المكان واستحضرت اللوازم للشروع بتأسيسها ) ، وقد تقدم الملك ووضع حجر الأساس لهذه الجامعة قائلاً : (كل عمل يشيد على أساس متين كهذا الأساس تقوم له قائمة ، وها أني أضع الحجر الأساس في أول جامعة تشاد في هذا البلد أملاً أن تقدرها الأمة العزيزة حق قدرها وان تعنى بتأسيس الجامعات الكثيرة أمثالها وأرقى منها لتستعيد مجدها التاريخي ، وغارب عزها القديم وتتسنم مكانة رفيعة في عالم العلوم والأدب والفن ) (159:ص282) .
وفي عام 1924م انتخب المدرس أميناً عاماً لها ، لأنه يمتلك القدرة العلمية وذلك من خلال اطلاعه السنة ونصف السنة على جامعات (السربون) ، و(كمبردج) و(وأكسفورد) وكذلك الاطلاع على الجامعة المصرية في القاهرة ومقابلة علمائها ودراسة نظامها التربوي .
وأوضح المدرس أن الهدف من إنشائها هو : (أنها تقوم بتكوين ثقافة تلائم روح العصر ، ويمتزج فيها الدين والفن امتزاجا تتلاشى فيه تلك النفسية الناشزة المتولدة من أهواء القرون الوسطى) ، واعدت لجان متخصصة لكل ما يتعلق بنظام الجامعة.(1/26)
وفي عام 1924م عرض النظام على الملك فسر واعجب به . وفي 15/آذار من العام نفسه ، تم افتتاح الجامعة ، لكن المماطلة والتسويف طال بخصوص قبول الطلبة ، فساورت المدرس الشكوك ، فكتب إلى وزير الأوقاف يوضح له الأمور طالبا منه الإسراع في انتخاب المدرسين وتعيين الموظفين ، وإعلان شروط القبول (77: ص314) .
وعندما أدرك المدرس أن كثرة المخاطبات لم تجد نفعا تيقن أن هناك خطة مدبرة تحاول عرقلة مسيرة الجامعة ، لكنه اختار لها الأساتذة واصدر مجلة سميت (الجامعة) كانت مصدرا للباحثين لاحتوائها على مجموعة من بحوث أساتذة متخصصين ، ولذلك تعد هذه المجلة حدثا تربويا مهما في تاريخ العراق .
كان طابع هذه الجامعة إسلامياً قومياً ، لكن نفراً من رجال السياسة والتربية عارضوا هذا الاتجاه ، الذي أراده المدرس أن يكون طابعها المميز ، فحدث صراع بين الرأيين :
الرأي العلماني الذي يمثله ساطع الحصري والرأي الديني المتحرر الذي يقوده فهمي المدرس ، وقد رأت الفئة الأولى وجوب فصل الدين عن التعليم زاعمة أن التعليم علم يستند إلى العقل والتجربة وان الدين عقيدة في القلب .
وقد تم افتتاح الشعبة الدينية التي كان عدد الطلبة المقبولين في الصف الأول منها (12) طالبا فقط ، إذ بدأت التدريسات في يوم 13/12/1924 من الأساتذة الأفاضل ، لكن في السنة الثانية لم تصرف رواتب بعض الأساتذة لثلاثة اشهر بناء على رغبة (المستركول) المستشار البريطاني في وزارة الأوقاف ، لمسيرة الجامعة وكان نوري السعيد على رأسهم (37:ص35ـ36) .
إن البريطانيين والموالين لهم لم يحتملوا بقاء الجامعة ، واستمرار المدرس في عمله فتهالكوا على إقصائه ، وكان هذا واضحا عندما زار وزير الأوقاف الشيخ (احمد الداود) فهمي المدرس رئيس الجامعة ، ولم يجده في عمله بسبب مرضه ، فما كان من الوزير إلا أن يرسل بإنذار شديد اللهجة إلى المدرس ، ولذلك لاحظ المدرس أن الجامعة تتلاعب فيها الأهواء والرغبات .(1/27)
فالمناهج تثبت بعد تخطيط لجان ودراسة اختصاصيين لمدة تطول شهورا ولكن سرعان ما تلغى بلا علم أمين الجامعة ، ولذلك بدا يحذر المسؤولين في وزارة الأوقاف من مغبة التلاعب بمناهج الجامعة خلافا لما تقرره اللجان المشكلة لهذا الغرض والتلاعب بمقدراتها.
وقد كتب المدرس الكثير من المقالات في الصحف عما تعانيه جامعة آل البيت من بعض المسؤولين ، فقد نشر مقالا في جريدة (العالم العربي) تحت عنوان (جامعة آل البيت وساطع بك الحصري) جاء فيه : (فتحت الجامعة في اليوم التاسع من شعبان فتحا مبينا وسدت بعده سدا رصينا ، فتحت بمفتاح من ذهب ، وأغلقت بغلق من فولاذ ، وليس لذلك السد والإغلاق سبب سياسي أو أداري أو مالي ، فهو من باب المغالطة والتمويه) (1) .
وقد نشر بياناً للرأي العام تناول فيه الجامعة والظروف التي أحاطت بها، مؤكدا تأكيدا قاطعا على أن غلق الجامعة ليس سبباً إدارياً أو مالياً حسبما يدعي الخصوم ، وإنما سببه الحقد والمعاكسة وكان هذا البيان تحت عنوان (الجامعة بين الشك اليقين) (37:ص43) .
لقد جاهد المدرس طوال ست سنوات مضنية لتثبيت دعائم الجامعة ، مدافعا عنها ، مفنداً آراء الداعين إلى غلقها من غير أن تلقى آراؤه أذناً صاغية ، حتى تم للخصوم ما أرادوه وانتهى الأمر بإلغائها عام 1930م بحجج واهيات منها :
ـ ضعف الميزانية كما ادعى نوري السعيد .
ـ الإفادة من بنايتها ليحل محلها البرلمان .
ـ بعد فكرة الجامعة عن المستوى العراقي .
ـ تحويلها إلى ثانوية ليلية (مسائية)أو ثانوية عالية .
ـ تحويل بنايتها إلى هوتيل (فندق) من الدرجة الأولى للأوربيين .
__________
(1) *ـ جريدة العالم العربي ، العدد /124/ في 19/آب/1924م .(1/28)
لقد استطاع نوري السعيد وسلطات الانتداب من الإيقاع بفهمي المدرس وأبعاده عن الجامعة ، خشية آرائه التحررية ومكانته الثقافية ، وان هذا الإيقاع أراح الملك (فيصل الأول) لان فهمي المدرس كان خصمه اللدود ، كما صرح الملك نفسه للزعيم التونسي الثعالبي في أثناء مقابلته ، فقد كانت للثعالبي منزلة محترمة عند الملك ، فقد عاتب الثعالبي الملك عن كيفية مخاصمة الأدباء وعدائه لهم ، وقال أيضاً : كيف تسمح لك نفسك أن تخاصم شاعرا كبيرا كالرصافي والشعراء قادرون على أن يهدموا العروش ورجاه أن يسترضيه . فأجاب الملك : (إني غير مقصر بحق الأدباء والشعراء والدليل على ذلك ، على الرغم من خصومتي للأستاذ فهمي المدرس فقد بعثت إليه وعرضت إليه أن يكون عضوا في مجلس الأعيان تقديرا لمكانته الأدبية لكنه رفض) (107:ص210) .(1/29)
الفصل الرابع
محمد بهجة الأثري 1902 ـ 1996 م / 1320 ـ 1416 هـ
مولده ونسبه :
محمد بهجة الأثري بن محمود بن الحاج عبد القادر بن الحاج احمد ، بن محمد آغا (عرفته وثيقة النسب المتوارثة في الأسرة بأنه من أعيان ديار بكر ) .
هاجر جد الأسرة الأعلى إلى العراق على اثر خصومة مع والي ديار بكر ، وحط رحله في مدينة أربيل ، فاشتهر بنسبته إليها ، وضاقت هذه المدينة الصغيرة عن مطامحه ، فرحل إلى بغداد واستقر في الرصافة قريبا من الجسر والمدرسة المستنصرية الشهيرة ، وسراي الولاية ، وبنى لنفسه مركزاً تجارياً ( خاناً ) واسعاً من ثلاثين غرفة ومخزناً ، وأثل على جانبيه عقاراً وثلاثة مساكن .
ولد محمد الأثري في 28 / أيلول / 1902م في بغداد في محلة جديد حسن باشا في الرصافة ، وهي على مقربة من نهر دجلة .
كان بكر أبويه فأحاطاه بالرعاية البالغة ، لكنه تعرض في أثناء طفولته إلى مرض أدى به إلى النحافة وشب على ذلك .
كان والده محمود بن الحاج عبد القادر ، يجيد القراءة والكتابة ، فقد فقه نفسه من خلال تجارب الحياة . وكانت سيرته متميزة بالاستقامة وصدق التعامل والسخاء والوفاء وطيبة القلب وحب الخير وصفاء العقيدة ونقائها من البدع والانحرافات ، ولذلك ورث ولده محمد الأثري هذه الصفات منه (142:ص15،17) .(1/1)
كان لمحمد أربعة اخوة ، وكان هو خامسهم ، توفيت والدته وهي في مقتبل العمر ، وعندما اصبح عمره (13) سنة توفي ثلاثة من اخوته على التتابع وقد تأثر والده بهذه المصائب المتلاحقة فأصيب بارتفاع ضغط الدم وعاش عامين طريح الفراش مفلوجاً محبوس اللسان ، إذ توفي في أواخر عام 1930 م . أما والدته السيدة (زينب محمد أمين) تركية الوالد ، تركمانية الوالدة ، أسرتها معروفة في كركوك ، ولها علاقات مصاهرة بأكثر من أسرة بغدادية ، وبعد وفاتها ، كان والد محمد قد انهمك بتربية ورعاية أبنائه الخمسة ، فقرر الزواج ، وقد أنجبت له الزوجة الجديدة أربع بنات ، وبعد وفاة أبيه تحمل محمد أعباء تربيتهن وتعليمهن تعليماً عالياً ، حتى اصبحن أمهات وربات بيوت (1) .
إن حب (محمد الأثري) لوالدته دفعه إلى أن يسمي إحدى بناته باسمها (زينب) التي بشر بها وهو في معتقله بضاحية العمارة عام 1942م .
لقد توافر له في نشأته رافدان هما : ( سلامة الفطرة ) و (سلامة البيئة ) يتفاعلان ويلتقيان أول وأوفى ما يلتقيان في رحاب الأسرة ويتواصل تأثيرهما في تربيته على مدى الأيام صبياً ويافعاً وفتى يحاور الأعلام (30:ص2).
فكانت طفولته أساساً متيناً لنمو الشخصية وتفتحها على طلب المعرفة واكتساب الخبرات ، ولا سيما العلاقات بين الناس على منهج التعاون والخير والإحسان ، وهذه السمات تعد أنواعها ظاهرة واضحة في سيرته ، فمقومات الوراثة السليمة جسميا وعقليا ، ومقومات البيئة السليمة في اليسار من العيش والتحضر والمودة في العلاقات الأسرية ، يحيطه الوالدين ـ وهو بكرهما ـ بالرعاية والحنان يصدران فيهما عن صفاء نفس وسماح (6:ص53) .
__________
(1) * ـ مديحه أم سنان ، عفيفة أم عمر يرحمها الله ، أديبة أم علي ، منيبة أم محمد .(1/2)
إن الشعائر والعبادات والعلاقات الأبوية تركت فيه الشيء الكثير ، فأركان الإسلام تؤدى بإخلاص وانتظام ، والشهادتان تترددان على الألسنة ، والصلوات الخمس تقام كل يوم في أوقاتها ، وصيام رمضان تحفل موائده للسحور والإفطار وتراعى حرماته في البيوت والطرقات ، وتنفق الصدقات في الخفاء ، كل هذه الصور الذهنية ظلت آثارها عميقة في نفسه على مر الأيام يستند عليها للذاكرة كلما شاء . فقد انعكس ذلك على أدب النفس وأسس السلوك ، فقد كان شديد الضبط للنفس ، ولا يرغب بالمزاح ، فقد كانت سمة الحياء من ابرز سماته يقتبسها أسوة بحياء الرسول الكريم ( - صلى الله عليه وسلم - ) (30:ص5) .
بدأ تعليمه أبان الطفولة الأولى في الكتاتيب ،وهي تربية التراث العربي الإسلامي ، فكان يعنى بالقراءة والكتابة ، وأتم قراءة القرآن الكريم وختمه في السادسة من عمره ، وكان له من ذلك حفل مشهود في تكريمه . أنتمى إلى المدرسة الابتدائية في محلة (البارودية) وكانت مدة الدراسة فيها ثلاث سنوات ، درس فيها مبادئ اللغة التركية والحساب والتأريخ العثماني وقواعد علم التجويد .
وقي ذلك الوقت نشبت الحرب بين الدولة العثمانية وإيطاليا على ارض ليبيا ، إذ كانت الدولة العثمانية تعلق صور المجاهدين في المدارس والأماكن العامة ، أمثال السنوسي ، من اجل إثارة الحماس في النفوس فأثار في نفسه بغض الغزاة الصليبيين ، وزاد حدة في نفسه الأناشيد الحماسية التي كانت المدرسة تلقنها لتلاميذها (30: ص6) .(1/3)
بعد ذلك حصل على شهادة المدرسة الابتدائية ، ثم انتمى إلى المدرسة الرشدية العسكرية رغبة في أن يتخرج ضابطاً يخدم في الجيش ، وتلبية لطلب أصدقاء أبيه ، فقد درس في هذه المدرسة اللغة التركية والفرنسية والفارسية ، ومبادئ العلوم الحديثة ، والرسم والنظم العسكرية ، ثم تعلم الإنكليزية ، ولكن قبل أن ينهي سنته الأولى أصيب بمرض ذات الجنب من اثر الرياضة العسكرية الشديدة ، فترك الدراسة إلى غير رجعه ، وظل في دور النقاهة (6:ص54) .
والتحق في العام الثاني بالمدرسة السلطانية ، وتمثل المرحلة الثانوية فقضى فيها سنتين ، وكانت لغة الدراسة تركية ، وكان متفوقاً على أقرانه الذين هم قلة اغلبهم من أبناء الميسورين والنابهين من الفقراء .
وكان المعلمون في هذه المدارس حريصين على إتقان التلاميذ للمهارات وفهم الموضوعات ، وإتقان الرسم والخط ،وكان من هوايات الأثري رسم المساجد ومآذنها وقبابها ، وحتى قبل وفاته لا زال يحث على تعليم الخط ، فها هو يقول :
( إن حرص المعلمين على تعليم الخط جعله من الجد والاجتهاد ) (30:ص7) .
لقد عمل كاتبا في محكمة الاستئناف ، وعهد إليه تدوين الأحكام في سجلاتها لجودة خطه ، وفهمه للتركية ، وجديته في العمل ، ولم يكن يتقاضى عن ذلك راتباً، إلا بعد أن جند بعض كتاب المحكمة وشغرت وظائفهم ، لكن استمراره على الدراسة جعله يترك الوظيفة .(1/4)
وفي آذار عام 1917 م احتل البريطانيون بغداد وشهد ما حل بالمدينة من تدمير مسكن أسرته ، فحز في نفسه الأسى والكرب ، علاوة على ذلك وفاة والدته وهي في ريعان الشباب ، كل هذه الأحداث تركت في نفسه مصاباً أليماً ومراً ، فتركت الكآبة والوحشة أثراً في نفسه ، فكان عام الحزن الذي قاومه بالإيمان بالله والقبول بحكمه . وفي هذه الحقبة عطلت المدارس ولم تظل في بغداد سوى مدرسة (الاليانس اليهودية) فانتمى إليها لكي لا يبقى عاطلا عن المدرسة ولكي يفيد من تعلم اللغة الإنكليزية والفرنسية ، فبقي سنة واحدة فيها ، ونتيجة لاعتداء أحد الأساتذة اليهود على طالب مسلم ، إذ كان عدد الطلبة المسلمين ( 17 ) طالباً ، فانتصر هؤلاء لزميلهم ، لكن الطلبة اليهود أنكفأوا عليهم بالضرب فغادروا المدرسة دون عودة (2:ص27) .
خبراته العلمية ومصادرها :
لقد حظي الأثري بخبرات علمية ومعرفية وافية كثيرة نتيجة للدراسة في المؤسسات النظامية التي تعلم من خلالها اللغات التركية والفرنسية والإنكليزية ، وأيضاً تربيته الذاتية ، وما أتيح له من مشاركات في شؤون الحياة العملية مع أبيه ، فقد كان مصاحباً لأبيه منذ الصغر ، تعلم الكثير من معاملات التجارة ، وما وراءها من بواعث الخير والإصلاح أو الشر والفساد ، فأزداد فطنه وذكاء ، و تعلم الكثير وأصبحت سلوكا واضحا واتجاها مرسوما له خلال التعرف على معايير العرف ومبادئ الأخلاق ولا سيمّا المرتبطة بالدين ، وباركان الدين الإسلامي ، ولاحظ الاختلافات الاجتماعية بين الوافدين من التجار من خارج العراق وداخله .(1/5)
وقد أضافت له أعماله في الدواوين الحكومية في أثناء عمله في محكمة الاستئناف على الممارسة والاطلاع ؛ وترتب على الخبرات العلمية نوعان من الاهتمامات هما : (الرياضة البدنية والفكرية) ، والبدنية هي التي تبحث عن الصلة الوثيقة بينه وبين أبيه وتمثلت بالرياضة البدنية في التدريب على الفروسية ، وما لها من أصول وآداب ، كان والده تاجراً للخيول العربية ، وكان يرسلها إلى الهند في مواسم السباقات وكان يرافق والده في ركوبها في أثناء جولات النزهة .لذلك أخذت معرفته تزداد بالخيول والتمييز بينها ومعرفة أنسابها ومزاياها ، فاحب منها جوانب المتعة المهارة والمعرفة والدراية بأصولها ومزاياها ، إذ كانت الحكومة تستشير والده في أثناء شرائها للخيول أبان الحرب العالمية الأولى ، وعدّه خبيراً في ذلك .
ولذلك كان محمد يرافق والده في مثل هذه الصفقات التجارية فيتعلم الكثير منها .
أما ( الرياضة الفكرية ) فقد تعلم الكثير من مجالس أبيه وما يدور فيها من معاملات للبيع والشراء ، والنقاش الذي يخص الجوانب الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية ، ومتابعة حركات الإصلاح الديني والقومي في العراق والوطن العربي وكيفية مواجهة الاستعمار وتحدياته ، وخيانة العرب ووعود الصهاينة بإيجاد وطن قومي في فلسطين .
لقد تأثر كثيراً بدعوات الإصلاح التي نادى بها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي ، وجهودهم الفكرية والإصلاحية في مصر وبلاد الشام ، وكذلك الآلوسي بالعراق ، فقد خيم على الوطن العربي الجهل والفقر والمرض ، وانتشرت الخرافات مبتعدين في ذلك عن الجوانب العلمية ، ولذلك تركت هذه المصادر والخبرات آثارا في تكوين اتجاهاته الفكرية والعاطفية ، ومعرفة أحوال الناس وتطور المجتمعات ، ولذلك توجه إلى خير سلاح لمواجهة كل آفات المجتمع وخطط الاستعمار إلى العلم والتزود به مما زاد في صقل شخصيته وبنائه العلمي والأدبي (30:ص9،11) .(1/6)
وفي أحد الأيام طلب والده أن يقرأ له جريدة باللغة العربية ، فلاحظه يتلكأ في قراءتها ، فأشار إليه أن يدرس لغة آبائه وأجداده وقراءة القرآن الكريم وما يتصل بها من العلوم الإسلامية، لقد غيرت هذه الظاهرة الطارئة والعابرة في مسيرة حياته الشيء الكثير ، لقد تدفقت في نفسه طاقات كبيرة لاكتشافه النقص في تعليمه ، ولما لاحظه عليه أبوه في أثناء قراءته للجريدة ، أن الذي حدث له بعد ذلك من شغف بالعربية وعلومها وآدابها وبالعلوم الإسلامية حتى طغت على دراساته في اللغة التركية وما تعلمه من لغات فارسية وفرنسية وإنكليزية .
أن الشغف بالعربية جاء نتيجة العزة الدينية والقومية التي تشرب فيها من التربية الأسرية ، ومن متابعة الأحداث العراقية والعربية ، ومن تأريخ العرب والمسلمين وحركات الإصلاح الديني والقومي .
ولقد وجد في العربية من متعة وبلاغة وسحر بيان ، وهذا ما عرضه في إحدى بحوثه عن العربية بعنوان ( الألوان في الفصحى والدراسات العلمية واللغوية ) في إحدى جلسات المجمع العلمي العراقي عام 1992 م إذ قال :
( يود الدارس أن يحيط بكل علم ولغة ، وهيهات أن يتاح ذلك لإنسان ،إذ العلوم واللغات لا حد لها ، والعمر قصير ومحدود ، والاهم عندي وأنا عربي ، أن اقدم ثقافة أمتي ووعاء ثقافتها وهو هذه ( الفصحى ) العذبة والخلابة الساحرة . وألقيت فيما حملته من جلال الوحي وجمال الروح أنماط من النوازع الإنسانية ، خامرت قلبي ، فوجدت بها نفسي ، وحين وجدت نفسي وجدت مجد أمتي العظيمة فأوغلت فيها أيغالي هذا ، هذا سر استغراقي في الفصحى ،وهي بكل ما تمثل من خير ، تفقه الإنسان بما له وما عليه ، وتبصره بالحياة الرفيعة وآفاقها وأبعادها وتصله بكل زمان ومكان ) (9:ص6،7) .(1/7)
وظل وهو يعكف على دراسة العربية من اجل إكساب المعرفة عن طريق حلقات الدرس في مساجد بغداد على الأساليب المألوفة في التراث العربي الإسلامي على تفاوت مستوياتها بتفاوت شيوخها ، ومطالعة الكتب الدينية والعلمية بشغف وتفهم واستقصاء وإتقان .
لقد اختار العلم على التجارة التي كانت حرفة أبيه ، لكن اتجاهاته الفكرية واهتماماته العلمية في المجالات الخاصة بالعلوم الإسلامية وعلوم اللغة العربية وآدابها ، لم يكن يريد منها الانتفاع المادي بل كان شغفه بطلب العلم وتعليمه خالصا لا تشوبه منافع الدنيا ومغانم العيش فيها (30:ص13) .
مدارس مساجد بغداد :
لقد اختار والده مدرسة مسجد(احمد بوشناق باشا) بمحلة الحمام المالح فدرس فيها النحو والصرف والفقه عاما كاملا على يد الشيخ (محمود بن علي) لقد كان هذا الشيخ معجبا بالأثري فقد قال عنه :(لقد ربته الملائكة) فقد كان طالبا ذكيا فطناً يمتاز بالجد والاجتهاد ، يحمل أخلاقا فاضلة ، فقد نشأت بينه وبين شيخه ألفة وتقدير عال (30:ص17) .
احب الخط العربي ونزع على تعلم قواعده وأصوله على يد الشيخ (علي بن درويش ) في مدرسة مسجد الفضل وكان من مشاهير الخطاطين .
درس في مدرسة مسجد النعمان على يد الشيخ (عبد المحسن الطائي ) فقرأ عليه في العربية كتاب العوامل للجرجاني وطرفاً من الفقه (142: ص18) .
فقد كان الشيوخ مختلفين في طرائق التدريس وقد يميل أحدهم إلى المسائل الشائكة والاستطراد في التفاصيل ، ومنهم من يميل إلى التيسير والإفهام .(1/8)
لقد عاصر الأثري العلامة الأديب الشاعر (علي علاء الدين الآلوسي) فقد كان قاضياً لمدينة بغداد ، وكان الأثري يحب سماع محاضراته الشيقة ، وكان هذا العلامة لا يقبل التلاميذ في المدرسة إلا بعد الاختبار الذي يكون بناحتين اجتماعية وعلمية ، وفعلاً نجح الأثري في ذلك الاختبار ودرس في مدرسة (مسجد مرجان) ، وكان الشيخ متبحراً في العلوم الإسلامية واللغة العربية وتذوق آدابها ، ونظم الشعر ببراعة حتى باللغة التركية.
كان عادلاً ناصراً للحق ، ورث عن أبيه التدريس ، ولكن انشغاله بمنصبه كقاضٍ لم يصرفه عن التأليف إلا ما ندر (30:ص18،19) .
بعدها انتسب إلى مدرسة (عثمان أفندي ) بجوار مسكن أهله بالرصافة ، فدرس على يد مدرسها الأستاذ ( منير القاضي ) الذي شرح ألفية ابن مالك في النحو وتفسير الزمخشري (142:ص19) .
درس ذخائر التراث العربي الإسلامي وكان مما وصف به شيخه (علي علاء الدين) في كتابه البكر (أعلام العراق ) قوله فيه :
( محتد شريف ، ورأي حصيف ، وأدب ونبل، وكرم وفضل ، وعلم غزير ، وعقل كبير ، ونظر ثاقب ، وعلم ووقار ، وكرم نجار ، ودماثة أخلاق ، وحواش رقاق ، ندر من اجتمعت فيه من الناس ) وقد رأيت أستاذنا ( العلاء ) من اجمع الناس لها ، وأعظمهم اتصافاً بها ، يضم إليها جرأة أدبية ، ونزاهة وجدان ، وصراحة ضمير، وصدعاً بالحق . فهو ولا أبالغ من النوابغ الذين يندر أن تجود بنظرائهم الأيام (8:ص71،72) .
ثم له ميزة أخرى وهي خروجه عن المألوف في ذلك الوقت عند التدريس ، ونبذه كتب الأعاجم ، وانفراده بحسن الإلقاء وتقريب المسائل من الإفهام بأسلوب غريب (8:ص72) .
وقد لازمت هذا العالم الجليل مدة ستة اشهر ، فاستفدت منه ما لا أكاد استفيد من غيره في سنين ، لما يمتاز به من عبقرية نادرة ولذلك يعد في فريق المصلحين (138:ص72،73) .(1/9)
لقد حصلت بين محمد الأثري وشيخه مواقف جديرة بالذكر نتيجة للصلة الوثيقة من التفاهم والتجاوب والألفة والتقارب التي لها آثار خالدة ، ومن هذه المواقف نظم الشعر ، فقد عرضه على شيخه فعجب بها وقدم له النصائح والإرشادات وطلب منه دراسة وقراءة الشعر بكثرة ، وان يكتب الكثير ، وكذلك اخذ لقبه منه ، فقد أطلق عليه شيخه الأثري نتيجة لموقف معين فسأله الأثرى ماذا تعني هذه اللفظة ؟ أجابه شيخه تعني هو الذي يتبع آثر الرسول الكريم محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) وذلك اتخذه لقباً طوال حياته .
وأخرى اخذ عنه الزي ، فقد كان الأثري يرتدي الملابس الإفرنجية والطربوش، ولكن شيخه طلب منه أن يلبس الجبة ويعتمر العمامة ، وهو زي العلماء ، فقرر ذلك وعزم الذهاب إلى البصرة لقضاء بعض الوقت وارتداء الزي الجديد ولكي لا يفاجئ أهل حيه وزملاءه بهذا الزي ، لكن بعد عودته من البصرة استقر عليه طوال حياته ، ولم يتخذ هذا الزي وسيلة لاعتلاء المناصب الدينية، لكن باتخاذه مسلك العلماء (30:ص24،25) .
الأثري وعلاقاته بأعلام الأسرة الآلوسية :
لقد اهتدى محمد الأثري إلى عالم من أعلام الأسرة الآلوسية وهو العلامة (محمود شكري الآلوسي) . لقد حفظ الأثري ما أراد شيخه من النحو والبلاغة وعلم الوضع والعروض والقوافي وعلم المنطق ، ودرس الكثير من العلوم الإسلامية، وتعلم علم مصطلح الحديث ، وعلم الفرائض وعلم المواقيت ، وتأريخ العرب قبل الإسلام وانساب العرب .(1/10)
ولكن الأثري لطموحه العالي في طلب المزيد من العلم ، اهتدى إلى كنوز التراث العربي الإسلامي والتعرف على ما يحتويه من مزايا بل تحقيقها ومناقشتها مع شيخه ، ولذلك بلغ منزلة الباحث ، فإذا انعقدت حلقة شيخه فأنها تكاد تقتصر على الذي يدور بينه وبين شيخه من مناقشات يتمتع بها طلاب الحلقة والراغبين في الاستماع ، ثم ازدادت وتوثقت العلاقة مع شيخه بسبب جده واجتهاده والتقائه في شؤون الفكر مع شيخه ، لكن وفاة شيخه لم تقطع العلاقة معه روحيا وفكريا ، فقد استكمل مؤلفات شيخه ، وعرف الآخرين بفضله وعلمه عليه .
وعند وفاة شيخه شيعته جماهير بغداد تشييعا مهيبا يتناسب ومكانته العلمية ، وكان للأثري إسهام كبير في تنظيم التشييع ومراسيم العزاء .
وكان ابلغ واشفع وفاء للشيخ من قبل تلميذه الأثري ، هو تأليف كتابه الأول ( أعلام العراق ) الذي خص شيخه بتفاصيل سيرته ، ودون كلمات وقصائد الرثاء التي قيلت في وفاته (8: ص80).
وامتاز الكتاب بالدقة وبلاغة الأسلوب والشمولية والموضوعية ، وكان لهذا الكتاب صدىً في العراق ومصر والشام ولبنان والمغرب . إذ قال فيه العلامة (الشيخ عبد القادر المغربي ) في تقريظ بليغ نشر في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق :
( كنا نرى علم أستاذه واخلاقه وطريقه في الإصلاح وشدة وطأته على الجامدين ، كل ذلك متجسماً فيه ، ضارباً قبابه عليه ، فما أشبهها بالشيخ ( ابن تيمية ) وتلميذه (ابن الجوزية ) فكما كان هذان كوكبي إصلاح في العصور المتوسطة ، كذلك كان الآلوسي وتلميذه الأثري في هذه العصور المتأخرة . فان كان الدهر فجعنا بالأستاذ الشيخ فندعو الله أن يمنح المسلمين زمنا طويلا بالتلميذ ) (145: ص 718) .
لقد تأثر الأثري بشيخه نتيجة للمدة الزمنية التي بلغت أربع سنوات ، كان الشيخ معجبا بتلميذه ، والتلميذ مجتهدا ذكيا مطيعا لشيخه .(1/11)
إن دراسة التلميذ هذه المدة على يد شيخه جعلته يخرج من طابعها النظري إلى طابعها العلمي المعتمد على المناقشة الحرة والاجتهاد والنقد والانفتاح على كنوز التراث العربي الإسلامي .
إن الفتى كان وفياً صادقاً مع شيخه وهذا ما لوحظ في أثناء تشيعه ومراسيم العزاء وجمع ما قيل فيه من قبل المفكرين والأدباء والشعراء وهذا ما دون في كتابه ( أعلام العراق ) . ومن خلال هذه العلاقة الحميمة والوفاء الصادق المخلص أصبحت له صلات مع بعض الأعلام من العرب فعرفوه تلميذاً وفياً يحمل اسم أستاذه وشيخه ولذلك انتخب عضواً مراسلاً في المجمع العلمي العربي بدمشق .
وبعد هذا كله فقد حصل الأثري على منزلة عالية ورفيعة في اللغة العربية وعلومها وآدابها ، فقد كانت الجهود الذاتية المتسمة بالجد والاجتهاد والاستقصاء والإتقان والإبداع في الشعر ومساعيه في دعوات الإصلاح (30:ص25،32) .
بعد أن صرف النظر عن مهنة التجارة ، فقد عرضت عليه وظيفتان : أحدهما (التحرير) في ديوان مجلس النواب وكانت مؤسسة حديثة في العراق وفيها من المزايا الكثير من الوجاهة الاجتماعية والقرب من رجال السياسة وذوي النفوذ وكان راتبها مجزيا ، أما الوظيفة الثانية فهي ( التدريس ) في مدرسة التفيض الأهلية التي تحتاج إلى بذل الجهد والاجتهاد وعرضة للتبدل وتواضع المرتب ، لكنه لم يطل في التفكير واتخاذ القرار فقد اختار التدريس على الرغم من كل المساوئ لكنه كان ينظر إلى التدريس بأنه اشرف المهن لاتصاله بالعلم وإفادة طلابه وقد بقي في هذه المدرسة عاما كاملا ، وبعد ذلك اختير مدرساً للغة العربية في الثانوية المركزية ببغداد (6:ص60) .
زواجه وأبناؤه :(1/12)
كتب الأثري عام 1933م مقالا بعنوان ( لماذا أريد أن أتزوج ) ناقش فيه الذين يعزفون عن الزواج بحجه النفقات الكثيرة ، وما يحصل بعد الزواج من قيود وخصام ومشاكل قد تفضي إلى الطلاق والفراق ، وما يترتب على ذلك من أداء مؤخر الصداق ، واحتمال نفقة الحضانة إذا كان لها طفل . فقال عن النفقات : (لقد قست نفقات العزوبية مقارنة بنفقات الزوجية فوجدتها ضعف ما تستهلكه الزوجية من دون أن تؤدي عملها ، علاوة على الحياة المضطربة ، والقلق الدائم ومكانة مهدمة ينظر إليها المجتمع ، والزوج الحكيم في استطاعته أن يجعل من الشيطانة الناشزة أنسانة وديعة اسلس له من ظله وأطوع له من إرادته ) ، وقال عن زواجه (فكرت في الزواج تفكير الباحث الجاد المتأمل واستقريت الأحوال التي تحيط به ، وباحثت المتزوجين الذين ترووا في الزواج كما أتروى . وتريثوا في اختيار الزوجة غير قليل ، ولذلك تجلت لي الحقيقة كلها ، الحقيقة هي أن الزواج حمل ثقيل ، كما أن العزوبية حمل اقل ) (1) .
يتضح لنا انه درس موضوع زواجه من جميع الجوانب ، ولذلك كان زواجه ناجحا ومضى عليه عشرات السنين ، وكان يمتاز بالإخلاص والوئام ، إذ تزوج من فتاة دمشقية من أسرة معروفة هي السيدة (شهيرة توفيق نظيف ) حفيدة الوزير (نظيف باشا) والي دمشق في بدء عام 1934م ، ورزق منها أربعة ذكور وثلاث إناث وهم :
1 ـ زاهر : ولده البكر مواليد 1934م تلقى دراسته العليا في أمريكا وأتمها في تركيا ، ويعمل رئيس مهندسين في أمانة بغداد .
2 ـ مخلد : توفي قبل إكماله عامه الأول .
3 ـ سناء : ولد في عام 1938 م ، درس في جامعة بغداد ثم في ألمانيا ، وهو موظف في وزارة الخارجية .
4 ـ نهى : ولدت في عام 1939 م ، خريجة كلية التربية ، متزوجة ولها ثلاثة أطفال .
5 ـ زينب : ولدت في عام 1942م سميت باسم والدته ، متزوجة ولها طفلان .
__________
(1) * ـ سيرته العلمية محفوظة في أضبارته الشخصية في المجمع العلمي العراقي .(1/13)
6 ـ يسار : ولد في عام 1947م ، خريج كلية التجارة بغداد ، ثم تخصص بالكومبيوتر ، يعمل في وزارة الدفاع ، متزوج وله أربعة أطفال .
7 ـ عالية : ولدت في عام 1954م ، خريجة كلية الآداب ، جامعة بغداد ، متزوجة ولها ثلاثة أطفال . (11: ص 288 ـ 292 ) .
الأثري والوظائف التي تقلدها :
كان محبا للعلم والبحث والتقصي في جوانبها المختلفة ، فقد طلب منه والده العمل ككاتب في المجلس النيابي ، لكنه رفض على الرغم من المكانة الاجتماعية ومصدر الرزق الجيد ، فقد فضل أن يكون معلما في مدرسة التفيض الأهلية عام 1924 ـ 1925م .
وفي عام 1926م طلبت منه وزارة المعارف التدريس في الثانوية المركزية لمادة اللغة العربية وآدابها (1) . إذ كانت المدرسة الثانوية الرسمية الوحيدة في بغداد ، لكن مرضه منعه من الاستمرار في التدريس ، فذهب إلى مدينة بعقوبة في سكن وبستان والده التي عدّها مصحة لشفائه من المرض ، وفعلا دعته وزارة المعارف ثانية للالتحاق بوظيفته كمدرس ، ومكث فيها حوالي تسع سنوات خرج أجيالا من المتعلمين طبعهم على حب العربية ، والبحث والتأليف ، وقد وصل منهم إلى مناصب في الدولة ولا زالت تذكر مكانته العلمية .
__________
(1) * ـ سيرته العلمية محفوظة في أضبارته الشخصية في المجمع العلمي العراقي .(1/14)
وفي عام 1934م نشب بينه وبين إدارة المدرسة ، وبعض المدرسين الذين لا تربطهم صلة بوطنهم وأمتهم ، خلاف في بعض القضايا السياسية والإدارية ، عرضت لبعض طلابه الوطنيين الثائرين من اجل كرامة أمتهم ومالوا إلى فصلهم من المدرسة ، فوقف الأثري بنفسه وحيدا يدافع عن هؤلاء الطلبة ويستنكر القرار الجائر بفصلهم ، فاشتدَّ النزاع بينه وبينهم ، ووقف بعض المسؤولين في وزارة المعارف إلى جانب هؤلاء المدرسين الغرباء عن الوطن والأمة ، فاصدروا أمرا بنقله إلى إحدى المدارس المتوسطة ببغداد ، هذا الأمر أثار ثائرة طلابه ، فأعلنوا إضرابهم عن الدرس بل خرجوا إلى الشوارع مستنكرين موقف الوزارة وأمرها ، وقصدوا مقرات الصحف اليومية ، وفعلا حصلوا على موقف إيجابي من أصحاب الصحف وبالتنديد بموقف الوزارة ، لكن على الرغم من كل ذلك فقد بقيت الوزارة مصرة على موقفها وتنفيذ أمر النقل .
ونتيجة لهذا الموقف اعتزم الاستقالة ، لكن إخوانه وأصدقاءه من رجال السياسة الوطنيين منعوه أن يفعل ذلك .
وحين أنيطت مديرية المعارف العامة بالفريق (طه باشا الهاشمي ) فكان أول أمر صدر عنه في أثناء توليه المنصب إعادة الأثري إلى الثانوية المركزية مدرسا للغة . بعدها انتدبته الحكومة العراقية للسفر إلى القاهرة ليدرس قوانين وزارة المعارف ومناهج التعليم في الأزهر الشريف ، وبعد عودته رفع تقريرا مفصلا عن نتائج زيارته ومقترحاته لإصلاح أوقاف العراق ، ونظام كلية الأمام أبي حنيفة ، وذلك عهدت إليه منطقة أوقاف بغداد لكونها اضخم المديريات لكثرة أملاكها ومساجدها ومدارسها .(1/15)
وفي عام 1937م ترك الوظيفة وتزامن مع ذلك وفاة طفله( مخلد) فسافر إلى دمشق ليروح عن نفسه ، وبعد انقضاء صيف ذلك العام عاد إلى بغداد ، فعهد إليه وظيفة التفتيش الاختصاصي بديوان وزارة المعارف ، واخذ يمارس أعماله إلى أن حدثت ثورة مايس 1941م ، التي انضم إليها ، لكن البريطانيين جاءوا بنوري السعيد ففصلوا الأثري من وظيفته لمدة خمسة أعوام ونفوه إلى معتقل الفاو التي قضى فيها ثلاث سنوات ، ثم عاد إلى بغداد واستمرت سنوات الفصل إلى سبعة أعوام .
وفي عام 1947 م اختير عضوا في لجنة التأليف والنشر والترجمة (1) وقد تحولت هذه اللجنة إلى مجمع علمي ، فكان أحد أعضائه العشرة المؤسسين .
وفي عام 1948 م صدرت إرادة ملكية (2) بإعادته إلى وظيفته السابقة في ديوان وزارة المعارف بعد أن ترقى درجتين علاوة على عمله عضوا في المجمع العلمي العراقي.
وفي عام 1949م جرى انتخاب ديوان رئاسة المجمع العلمي العراقي ، فقد حصل على درجة نائب ثان لرئيس المجمع العلمي العراقي .
وفي عام 1955م انتخب نائبا أول لرئيس المجمع العلمي العراقي .
كان محاضرا في كلية الشرطة ،ومنح لقب أستاذ في كلية دار المعلمين العالية ، ولما قامت ثورة تموز عام 1958م عين مديرا عاما للأوقاف ، فشرع في أعمار المساجد وتشييد العمارات في مناطق العراق ، واصلح نظم الأوقاف وزاد في وارداتها .
__________
(1) * ـ أمر وزاري في 18/2/1947محفوظة في ملفته الشخصية في المجمع العلمي العراقي.
(2) ** ـ إدارة ملكية في 4/1/948 ، محفوظة في ملفته الشخصية في المجمع العلمي العراقي .(1/16)
وفي عام 1963م تقاعد عن العمل الإداري ، وانصرف إلى البحث والتأليف والنشر ، فنشر بحوثا في اللغة العربية فكانت ثروة فكرية استندت إلى الجد والاجتهاد والإبداع والمثابرة ، وهي ثروة لما تستثمر بعد بصورة وافية ،سواء لأغراض التربية بمعناها المحدود أو للتربية بمعناها الواسع ، وكان فيها ما يصلح أن يكون مثلا للدارسين والباحثين وللمعنيين بالثقافة العربية عامة .
المؤتمرات والندوات العلمية:
وقد رسخت للأثري مكانته عالما باللغة العربية وآدابها وبالعلوم الإسلامية منذ بدء شبابه ولذلك اهتمت به الأوساط المعنية بها ، أبرزها المجامع العلمية واللغوية ، فاختاره المجمع العلمي العربي في دمشق عام 1931م عضوا مراسلا ، وعندما استحدث المجمع العلمي العراقي عام 1948م ليحل محل لجنة التأليف والترجمة والنشر ، وهو يومئذ عضوا في هذه اللجنة ، صدر مرسوم ملكي بانتخابه عضوا في ضمن الأعضاء العشرة المؤسسين .
وفي عام 1948م اختاره مجمع اللغة العربية بالقاهرة عضوا مراسلا ، ثم صدر قرار جمهوري في عام 1961م بتعيينه عضوا عاملا ممثلا عن العراق .
وفي عام 1960م اختاره المجلس الأعلى الاستشاري في الجامعة الإسلامية التي أنشئت في المدينة المنورة عضوا .
وفي عام 1980م اختاره مجمع اللغة العربية بالأردن عضوا مؤازرا .
وفي عام 1980م أيضا اختارته أكاديمية المملكة المغربية في بدء إنشائها عضوا مشاركا للكرسي الفرد الذي خصصته للعراق ، وتلقى من راعيها الملك الحسن الثاني نفسه ظهيره الملكي في إقراره هذا الاختيار (30: ص 72 ، 73 ) .
وعلاوة على هذه المشاركات العلمية الواسعة ، له مشاركات أخرى في المؤتمرات السياسية والندوات الثقافية والدينية في كثير من البلدان العربية والإسلامية، ومن بعض دوائر الاستشراق ومن هذه المؤتمرات :(1/17)
المؤتمر الإسلامي العام الذي عقد في القدس عام 1931م الذي دعي إليه الزعيم الفلسطيني مفتي القدس الشريف السيد (محمد أمين الحسيني ) لمكافحة الاستعمار والصهيونية، وقد ألقى الأثرى قصيدة عصماء نشرتها الصحف الفلسطينية .
ومثل جمعية الشباب المسلمين في مؤتمر (بلودان) في سوريا بدمشق الذي عقد في عام 1937م لمعالجة قضية فلسطين ، قضية العرب والمسلمين الكبرى .
وقد ندبته الحكومة العراقية لحضورها ومشاركتها في المؤتمر(الثقافي العربي الأول ) الذي عقدته جامعة الدول العربية في ( بيت مري ) بلبنان في صيف 1947م وكان رئيسا لوفد العراق ، وقد انتخب رئيسا للجنة العربية وعضوا في لجان عديدة تفرعت منه .
وفي عام 1951م أسهم في مؤتمر (الدراسات العربية ) في بيروت ودعته إليه الجامعة الأمريكية للتحدث في يوم من أيامه الأربعة عن الاتجاهات الحديثة في الإسلام ، وقد أبدع في عرض الموضوع وآداه بعناية ودقة وصدق وصراحة كاملين من دون تهيب أو مجاملة وترك القوم فاغري الأفواه ، كما جاء في الوصف على لسان أحد المؤتمرين من الصحافيين وهو الأستاذ (أنور الجندي ) (30: ص74 ، 75 ) .
وفي عام 1956 م دعته الحكومة السورية للمشاركة في مؤتمر الأدباء العرب الثالث الذي عقد في دمشق ( بلودان ) ، وأيضا شارك في مؤتمر توحيد المجامع اللغوية العربية الذي عقدته جامعة الدول العربية في دمشق ، خلال أيام مؤتمر توحيد المجامع اللغوية العربية، وقد ألقى ثلاث خطب في هذا المؤتمر، وانتخب أحد نائبي رئيسه وعضوا في لجنة تنظيم الاتصال بين المجامع وعضوا في لجنة دراسة الوسائل التي ترمي إلى ترقية اللغة العربية ،وعضوا في لجنة تحقيق المخطوطات ونشرها ، وعضوا في لجنة الصياغة، ولذلك كرم بوسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى من قبل رئيس الجمهورية السيد (شكري القوت لي ) .(1/18)
كما انه لبى الدعوة في عام 1960م من الحكومة المغربية ليشارك في ذكرى مرور أحد عشر قرنا على تأسيس (جامع القرويين ) في فاس الذي اصبح فيما بعد جامعة علمية اتخذت الأساليب المعاصرة في تنظيم الدراسات .
كما شارك في مؤتمر الأدباء العرب وتكريم الشاعر ( البحتري ) الذي عقدته الحكومة السورية عام 1961م بدمشق ، فندبته الحكومة العراقية لتمثيلها فيه .
وشارك في مؤتمرات مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1962م ، إذ شارك ببحوث قيمة .
وبدعوة من الحكومة الجزائرية عام 1968م لبى الدعوة لحضور الاحتفال بتجديد (مسجد سيدي عبد الملك بن مروان ) بعد مرور ألف عام على إنشائه في (بونه) التي سميت فيما بعد ( عنابة ) ، وقد القي مجموعة من المحاضرات التي شاركت الإذاعة ببثها ، ومن هذه المحاضرات (القيم الإسلامية العليا في مواجهة التيارات والتحديات المعاصرة) و (عبقرية الأدب العربي والقوانين النفسية التي تعتمد في كتابة تأريخه ) ، أشاد بالشعب الجزائري وقال : ( انه بلد المليون شهيد ) .
ولبى الدعوة من الحكومة السورية عام 1976م للمشاركة في أسبوع مؤسس المجمع العلمي العربي ورئيسه على مدى قرابة ثلاثة عقود من السنين الأستاذ ( محمد كرد علي ) وانشد قصيدة عصماء في جلسة افتتاحه .
وفي عام 1982 منحه العراق (الدكتوراه الفخرية ) في اللغة العربية من جامعة بغداد ، تقديرا لعلمه ومشاركاته وحضوره البارز في المؤتمرات والندوات .
وفي عام 1983م شارك في بعثة إعلامية إلى مصر والسودان ، وذلك لاطلاع الرأي العام العربي على دوافع الحرب العراقية الإيرانية .
وفي عام 1985 م شارك أيضا في بعثة إعلامية آلي كل من مصر وتونس والمغرب لتوضيح موقف العراق من كيفية الدفاع عن نفسه وعن حدود الآمة العربية من الجهة الشرقية .(1/19)
وشارك في مؤتمرات إسلامية في المدينة المنورة والرياض والقاهرة في أثناء انعقاد مؤتمر ( الأزهر الشريف ) عام 1988م ، ألقى محاضرات في معهد الدراسات التابع للجامعة العربية عن شيخه الآلوسي والشاعر عبد المحسن الكاظمي .
وفي عام 1989م نال جائزة الرئيس العراقي للإنتاج الأدبي الموسوعي تقديرا لجملة إعماله وتنوعها شعرا ونثرا ، أدبا ولغة وتأريخا تأليفاً وتحقيقا.
أن هذه المشاركات الجسام في مثل تلك المؤتمرات والندوات في مسيرة جهوده العلمية والأدبية الثرة ، وجميعها تشتمل على دعواته للإصلاح والهداية في المجالات الثلاثة المهمة ( الإسلام والعروبة والعربية ) ومساهماته الفذة بنشر الوعي للإصلاح الديني والابتعاد عما أحدثته الأهواء من العصبيات المذهبية والانحرافات والأهواء ، وقد لوحظت هذه النشاطات من خلال الاحتفالات بذكرى ميلاد النبي محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) وتكريم أعلام المسلمين الذين يفدون إلى بغداد مدينة العلم والسلام من الأقطار الإسلامية.
وشارك في تأسيس بعض المشروعات الوطنية ذوات الوجهة الاقتصادية مثل : (جمعية الفلس ) و( جمعية المنسوجات الوطنية ) و (جمعية رعاية الطفولة ) و ( الجمعية الخيرية الإسلامية) و( جمعية الطيران العراقية ) و ( جمعية الدفاع عن فلسطين ) (30: ص 72 ، 78 ) .
آثاره العلمية والتربوية :
أولا ـ مؤلفاته المدرسية :(1/20)
كانت وزارة المعارف في بدء نشأتها عام 1921م تستورد الكتب المدرسية من القطر الشقيق ( مصر ) فأول من بادر بتأليف كتاب القراءة الخلدونية العربية للأطفال هو الأستاذ ( ساطع الحصري ) وأعقبه بعد ذلك الأستاذ الأثري ، إذ ضمته وزارة المعارف إلى ملاكها التعليمي في 26 / 9 / 1927م فبدا بالتأليف وكان أول تأليفه هو (المجمل في تأريخ الأدب العربي ) للدراسة الثانوية ، واسند إليه تدريس هذا العلم في المدرسة الثانوية المركزية الوحيدة في العراق آنذاك ،وكان يحتوي على موضوعات عن العصر الجاهلي والإسلامي والأموي وهو صالح للتدريس في معاهد التعليم العالي .
وفي عام 1931م قررت وزارة المعارف تدريس الصف الثالث متوسط مادة ( تأريخ الأدب العربي ) فعهدت إليه التأليف والتدريس فألف الكتاب وأقرته وطبع الكتاب سبع طبعات فكانت طبعته الأخيرة افضل من الطبعات السابقة ضبطا وأناقة ، وظل الكتاب معتمدا على ما بعد إخفاق ثورة مايس 1941 م التي شارك فيها ،وعند عودة الهيمنة البريطانية على أحوال العراق ألغى المستشار البريطاني هذا الكتاب من التدريس .
وقد اخبرني الدكتور عبد العزيز البسام (1) في أثناء مقابلات الباحث الشخصية معه :
إن هذا الكتاب من الكتب الثمينة التي عنيت بمطالعتها في مرحلة دراستي الثانوية ،ومازلت اقدر ما فيه من الدقة في المعلومات ،وحسن العرض للنصوص المختارة ، وحسن التعريف بالشعراء والكتاب كان أنموذجا رفيعا لما يكتب في تأريخ الأدب العربي
يستحق أن يكون بين أيدي الطلبة من أبناء الجيل الحاضر ) .
وعهدت إليه وزارة المعارف وبمساعدة أستاذين جامعيين تأليف كتاب آخر في تأريخ الأدب العربي للمدارس الثانوية يثمل أدب العصور العربية جمعاء ،فألف معها كتاب ( الأساس ) في جزأين (94 : ص 30) .
__________
(1) * ـ المقابلة الشخصية مع الدكتور عبد العزيز البسام في داره الواقع بشارع المغرب ، الساعة العاشرة صباحا من يوم الأحد الموافق / / 2002 .(1/21)
كذلك عهدت إليه وزارة المعارف في نطاق اللجان التي تؤلفها لوضع الكتب والمؤلفات التي تحتاجها الوزارة لكي تستغني عن الاستيراد ، فوضع للدراسة المتوسطة كتاب (المطالعة العربية ) ثلاثة أجزاء ، و ( ديوان الأدب ) وهو نصوص أدبية مختارة ومشروحة للدراسة الثانوية في ستة أجزاء وكتاب (القراءة العربية ) للدراسة الابتدائية في أربعة أجزاء للصفوف (الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة ) ، وبذلك يبلغ عدد الكتب المؤلفة في مجال المؤلفات المدرسية ستة عشر كتابا للمراحل الدراسية الثلاث وهي الابتدائية والمتوسطة والثانوية .
ويقول الخبير التربوي في وزارة المعارف سابقا الدكتور عبد العزيز البسام عن هذه اللجان (( انه ما يكون التوازن في تحمل أعباء التأليف في هذه اللجان ، فمثلا يتولى ويتحمل معظمها واحد دون غيره ، ولاسيما حين يتفق لهذا الواحد الكفاية والتخصص في الموضوع والجد والاجتهاد والحرص على الإتقان وهي السمات المعروفة في الأثري)) .
ولذلك يشاهد ويتأمل الدارس في هذه الكتب عامة خصائص الأثري في الكتابة والتأليف في مضامينها ومحتوياتها ومادتها وأساليب التعبير فيها ، وعنايته في الجوانب الأخلاقية وقيمها السامية ،وغرس الروح الدينية والوطنية والقومية مع مراعاتها للجوانب التربوية من حيث مستويات الطلبة وتنوع اهتمامهم وتقريب الموضوعات إفهاما لمعانيها وهذه هي خصائصه التي نسبناها إليه (30: ص 52) .
لقد كان حريصا على متابعة طباعة الكتب ،فكان يسافر إلى بيروت ودمشق من اجل الإشراف على حسن الطباعة والإخراج وسلامة اللغة العربية والاهتمام بالقضايا القومية وبأصالة ثقافتنا العربية الإسلامية والتطلع إلى المستقبل ، وانفتاحها على الحضارة المعاصرة.
ثانيا ـ مؤلفاته المحققة المشروحة :
وتقسم هذه المؤلفات على قسمين أساسيين هما :
ا ـ المطبوعات/ وشملت :(1/22)
1 ـ أدب الكتاب للوزير العباسي محمد بن يحيى الصولي عام 1922 م المطبعة السلفية ـ القاهرة .
2 ـ مختصر ( مناقب بغداد ) للحافظ ابن الجوزي 1922 م ـ بغداد .
3 ـ الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر للعلامة محمود شكري الالوسي ـ القاهرة ـ 1922 م .
4 ـ بلوغ الأرب في أحوال العرب ،للعلامة الالوسي ،ثلاثة أجزاء ،1924 ، القاهرة .
5 ـ السواك ،للعلامة الالوسي ،مجلة الحرية ،1924 م ، بغداد .
6 ـ شرح لوح الحفظ في حساب عقد الأصابع ، لعبد القادر بن علي بن شعبان (مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ) (مجمع اللغة العربية) 1925 م .
7 ـ تاريخ نجد ،للعلامة الالوسي ، القاهرة ، 1928م .
8 ـ أم الرجز ، للراجز أبي النجم العجلي (مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق) 1939م.
9 ـ مقدمة (نزهة الأرواح وروضة الأفراح) لشمس الدين محمد بن محمود الشهرزوري من أهل المئة السابعة الهجرية (نشرت في كتاب نصوص فلسفية) مهداة إلى الدكتور إبراهيم مدكور ، (ص 137 ،170 ) ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1976 م.
10 ـ صور الأرض (خارطة الأرض ) للشريف الادريسي ،جمع المستشرق ملر (المجمع العلمي العراقي ) وقد حققها مجددا في كتابيه (معجم الأقاليم ، ومرآة الأقاليم ) .
11 ـ كتاب النغم ، ليحيى بن علي بن يحيى المنجم (مجلة المجمع العلمي العراقي) 1950م .
12 ـ تفسير أرجوزة أبي نواس في تقريظ الوزير العباسي الفضل بن الربيع لابن جني (مجمع اللغة العربية بدمشق ) ط1، 1966 م ، ط2 ، 1980 م .
13 ـ عقوبات العرب في جاهليتها وحدود المعاصي التي يرتكبها بعضهم ( للعلامة الالوسي ) ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، 1984 م .
14 ـ كتاب النحت وبيان حقيقته ونبذة من قواعده (للعلامة الالوسي )المجمع العلمي العراقي ، 1988 م .
15 ـ كتاب الماء وما ورد في شربه من الآداب (للعلامة الآلوسي )، اكاديمية المملكة المغربية ،1985 م .(1/23)
16 ـ كتاب عين الحياة في علم استنباط المياه للشيخ احمد بن عبد المنعم الدمنهوري ،شيخ الأزهر المتوفى في سنة 1192 (اكاديمية المملكة المغربية ) 1989 م .
17 ـ فتاوى أو تحقيقات لغوية ونحوية للعلامة الآلوسي ، (مجلة أكاديمية المملكة المغربية ) 1989 م .
18 ـ خريدة القصر وجريدة العصر ، قسم شعراء العراق لعماد الدين الكاتب ، 6 أجزاء والتكملة 1950 م ، وما بعدها نشر المجمع العلمي العراقي الجزأين الأول والثاني التكملة ، ونشرت وزارة الثقافة والأعلام العراقية الأجزاء الأربعة ومنح التحقيق والشرح جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي ، 1986 م .
ب ـ المخطوطات :
1 ـ مقامات الطيب يحيى بن ماري البصري معاصر الحريري .
2 ـ نزهة الأرواح وروضة الأفراح لشمس الدين محمد بن محمود الشهرزوري .
3 ـ شرح منظومة الألوان للعلامة الالوسي .
4 ـ العقد الثمين في بيان حقيقة التضمين للعلامة الالوسي .
5 ـ المسلك الأذخر في علماء القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر للعلامة الالوسي .
6 ـ نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للشريف الادريسي ، المجلة السعودية ، 1979 م .
7 ـ كتاب النفط لابن جماعة تلميذ ابن خلدون .
6 ـ معجم الآلات والأدوات .
ثالثاً ـ المؤلفات المستقلة :
وهي أيضا تقسم على قسمين وهما :
ا ـ المطبوعات :
1 ـ أعلام العراق ،1924 م ، القاهرة وهو أول مؤلفاته المستقلة .
2 ـ مهذب تاريخ مساجد بغداد وآثارها ، 1927 م ، بغداد .
3 ـ المجمل في تاريخ الأدب العربي 1927 م ، بغداد .
4 ـ المدخل في تاريخ الأدب العربي ، 1931 م ،طبع سبع طبعات .
5 ـ اشهر مشاهير العراق في العلم والأدب والسياسة والرئاسة والظرف والفنون الجميلة منذ المئة الثالثة عشرة للهجرة .(1/24)
6 ـ مأساة الشاعر وضاح اليمن ، رداً على احمد حسن الزيات في ما حكاه في قصصه من ضربة الشعوبيين واختلاقهم علاقة وضاح بالرفيعة النسب والحسب لزوج الخليفة الوليد بن عبد الملك ،نشر في صحيفة البلاد 1930م ، ثم طبع عام 1935م.
7 ـ الاتجاهات الحديثة في الإسلام ، 1951م ، نشرته مجلة آفاق الإسلام بعمان 1994م.
8 ـ محمود شكري الالوسي ودراساته اللغوية، طبعه معهد الدراسات العربية العليا التابع لجامعة الدول العربية ، القاهرة ، 1958م .
9 ـ الخطاط البغدادي ، ابن البواب ،ترجمه من اللغة التركية ، طبع المجمع العلمي العراقي ، 1958م .
10 ـ ذرائع العصبيات العنصرية في إثارة الحروب وحملات نادر شاه على العراق في رواية شاهد عيان ،المجمع العلمي العراقي ، 1981 م .
11 ـ محمد بن عبد الوهاب ، داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث ، طبع ثلاث طبعات .
12 ـ نظرات فاحصة في قواعد رسم الكتابة العربية ، ويصف ضوابط اللغة العربية وتدوين تاريخ الأدب العربي ، طبعته وزارة الثقافة والأعلام العراقية ، 1991 م .
13 ـ الألوان في الفصحى والدراسات العلمية واللغوية، طبعه المجمع العلمي العراقي 1993 م .
14 ـ ملاحم وأزهار ( ديوان شعر) طبعه المجلس الأعلى للثقافة والعلوم والآداب ، القاهرة ، 1974 م .
15 ـ ديوان الأثري ، ج1 ، المجمع العلمي العراقي ، 1990 م .
16 ـ الطيران ، من الخيال إلى الحقيقة ( مجلة أكاديمية المملكة المغربية ) المجمع العلمي العراقي ، 1984 م .
ب ـ المخطوطات :
1 ـ ديوان الأثري ، ج2 ، المجمع العلمي العراقي .
2 ـ عبد المحسن الكاظمي ،سيرته وشعره .
3 ـ معجم الأقاليم .
4 ـ مرآة الأقاليم .
5 ـ كتاب المحاضرات .
6 ـكتاب المقالات .
7 ـ كتاب النقود والبحوث والخطب .
8 ـ رباعيات خليل الله خليلي ، الشاعر الأفغاني ،ترجمة شعرية من الفارسية إلى العربية ، مجلة الإخاء ، طهران .(1/25)
ومن خلال ما ذكر من النوازع والأفكار والمجاهدات التي قدمها الأثري ، عالماً وشاعراً وناقداً ومحققاً وباحثاً لغوياً وتاريخياً وفقيهاً ومربياً تربوياً على امتداد سبعة عقود عمل فيها سفيراً للعراق يمثل ثقافته وعلمه وأدبه في المؤتمرات والندوات والمجامع العلمية ، وبعض الجامعات الإسلامية في مختلف قضايا النهضة الحاضرة ومبعوثاً إليها من العراق ، ومنتدباً من الحكومات العربية الإسلامية،فقد كان يقدم البحوث والدراسات الجديدة إلى جانب المناقشات والمحاورات والخطب والأشعار يشيد فيها بمجد العروبة والعربية والحضارة الإسلامية ولذلك قامت بتقديرها له بمنحه من الحكومات والهيئات القومية والعلمية والتاريخية الأوسمة والجوائز ومنها :
1 ـ وسام الرافدين ، العراق ، في العهد الملكي .
2 ـ وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى، قلده سفير سوريا ببغداد .
3 ـ وسام المعارف من الحكومة اللبنانية .
4 ـ وسام العرش من ملك المغرب محمد الخامس ، قلده سفير المغرب ببغداد .
5 ـ وسام اكاديمية المملكة المغربية ،قلده إياه ملك المغرب الحسن الثاني بالرباط
6 ـ جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي مع وسام رفيع ، قلده إياه الأمير
ولي عهد المملكة العربية السعودية بالرياض
7 ـ جائزة الرئيس العراقي للنتاج الأدبي الموسوعي ،مع وسام رفيع ، قلده
نائب الرئيس في مؤتمر المربد ، بغداد ، 1989م .
8 ـ جائزة الكوفة للخط العربي ، وزارة الثقافة والإعلام العراقية .
9 ـ وسام المؤرخ العربي (مرتين ) من اتحاد المؤرخين العرب .
10 ـ لقب أستاذ ، منحته وزارة المعارف العراقية .
11 ـ الدكتوراه الفخرية في اللغة العربية ، منحته إياه ، جامعة بغداد (95: ص31،40).(1/26)
إن هذا التكريم الذي حصل عليه الأثري لم يأت بسهولة ويسر، بل نتيجة لجهود مضنية وجبارة ،قضاها في خدمة اللغة العربية والعروبة والإسلام ،فقد كان يمتاز بطبع أدبي راق ، تجلى بآثاره الأدبية والشعرية ودراساته اللغوية والتاريخية ،وكان ذا منطق صائب فطر عليه وتلقاه عن أئمة البيان والمنطق ، فقد كانت جهوده مركزة على ركن العلم وركن الإيمان، ولذلك رفعت قواعد الإسلام وثوابت الحضارة العربية الإسلامية العظيمة ،واقتفى مآثر السلف الصالح .
كان يؤمن بالأسلوب العلمي المجرد من الهوى ، ولا يسكت عن عيب من العيوب اللغوية والتاريخية والاجتماعية .
كان ذا عقل راجح وفكر سامٍ ، وفعل يهدف إلى مكارم الأخلاق ،وكانت نيته خالصة لله سبحانه وتعالى، وصلاته واسعة بالعلماء وقادة الفكر على الساحتين العربية والإسلامية.
فقد كان سراجاً وهاجاً ، أنار الطريق أمام الأجيال ،لذلك برز اسمه عاليا من بين أولئك الأفذاذ العظام من المفكرين والأدباء ، فقد كان وطنيا وقوميا فقد أعطى ثقافة يبتغى من ورائها تربية الأجيال وتنشئتها وبسواعدهم تقام الأوطان وتؤسس صروح الحضارة والعمران .
وفي مساء يوم السبت 4 / ذي القعدة / 1416 هـ الموافق 23 / آذار / 1996 م لبى دعوة الحق سبحانه وتعالى ، وتوقف قلمه عن الكتابة .
الفكر التربوي عند الأثري :
يعد الأثري من الرجال الذين تعددت جوانب الخير فيهم ، فأعطى الحياة ثراء وخصبا في اكثر من جانب محاولا بعث حضارة الأمة وإحياء ماضيها ، وإبراز المبادئ والقيم الرشيدة ، واستخلاص العناصر الجمالية تفيد حركة الفكر والفن ، تلك التي تحتاج إليها الشعوب في نهضتها ووثوبها إلى صوب المجد .(1/27)
وفي امتنا العربية الإسلامية نماذج لهؤلاء العظماء ،فدراستهم إنما هي ضرب من الفطنة الواجبة في حياة امتنا الآن ،ومن هذه النماذج (محمد بهجة الأثري ) الذي يعد علما من أعلام الأدب العربي وشاعرا وأديبا وناقدا قدم الكثير ، وسيتعرض الباحث إلى المفاهيم التي تعرض إليها الأثري في أثناء حياته العملية والتربوية .
1 ـ مفهوم العروبة والإسلام :
يعد الأثري رائدا من رواد النهضة العربية الإسلامية ومفكرا إسلاميا من رجالات الإصلاح في القرن العشرين ،فقد آمن بالإسلام أيمانا صادقا ونبذ ما سواه من المبادئ والأفكار الأخرى ، ولم يعرف عنه انه انضم إلى حزب من الأحزاب السياسية ،كما انه لم يؤازر حزبا أو جماعة في شعره ، وإنما وجه كل إمكاناته إلى محاسن الإسلام والعروبة واللغة العربية متأثرا بأساتذته من أعلام الأسرة الآلوسية ، فبلغ بفضلهم وتوجيههم منزلة مرموقة في العلوم الإسلامية واللغة العربية وآدابها ، علاوة على دقته في الدراسات التاريخية ونقد الروايات (2: ص6 ) .
وظف جهوده وأعماله على ركنين أساسيين هما : ركن العلم ، وركن الإيمان اللذان ترفع بهما قواعد الإسلام الرصينة ، وثوابت الحضارة العربية الإسلامية، فأكسبته الشهرة الواسعة والمنزلة الرفيعة في الأوساط العلمية والثقافية (2: ص 7 )(1/28)
لقد وهبه الله سبحانه وتعالى العقل الراجح والفكر السامي الموجه ، والفعل الحسن الهادف إلى مكارم الأخلاق ، ونزاهة المقصد ، وقد اخلص النية في كل عمل من أعماله الصالحة النافعة ، كانت صلاته الواسعة بالعلماء الأعلام والفضلاء المخلصين من قادة الرأي والفكر وأرباب القلم على الساحتين العربية والإسلامية، فكان مصباحاً مضيئاً اقتبس الجيل المعاصر من فيض علمه وأدبه ومعارفه وحكمته الشيء الكثير والمفيد النافع . فكانت مجالسته تفيدهم علما وتفقها بأمور الدين عملا بالقول المأثور : (إن مجالسة أهل الديانة تجلو عن القلوب صدأ الذنوب ومجالسة أهل المروءات تدل على مكارم الأخلاق ومجالسة العلماء تزكي النفوس ) (2: ص 8 ) .
إن إيمانه بالإسلام جعله يتخذ من الرسول محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) قدوةً له في جميع أفكاره وأعماله، كما اعتقد جازماً أن الإسلام يصلح لكل زمان ومكان ، وكان يرد على الذين يعتقدون أن الإسلام دعوة زمنية انتهت ، بأنهم ملاحدة أغبياء لا يفهمون من الإسلام شيئا . فقد كان مؤمنا كل الإيمان برب الكون فهو يناجيه ويسبح باسمه العظيم الذي غمر الكون بنوره ، فإذا هو مشرق تزهو فيه الحياة ، ويتجه إلى الله بقلبه الذي لم يسبح إلا باسمه ولم يعرف شغافه غيره .
كان يعتز بأمته كل الاعتزاز ويرتبط بها كل الارتباط لأنها كيانه الذي يسعى بها، وذاته التي تسمو وعزها عزه ، والإنسان غير المؤمن بأرضه وتراب وطنه يضيع ويصبح طريدا في ارض الله الواسعة ،أو ذليلا تتمزق نفسه حسرات على ما فرط بحق وطنه .(1/29)
ويرتبط الإسلام ارتباطا عضويا بالعروبة فهو لا ينفصل عنها وهي لا تنفصل منه ، فالعروبة والإسلام امتزجا امتزاجا ،فالجذر القومي الواحد الذي شرخته العصبيات الجاهلية لم يلتئم إلا تحت راية العقيدة التي أنارت عقول أبناء الأمة العربية وقلوبهم فوحدتهم تحت راية الرسول العظيم محمد ( - صلى الله عليه وسلم - )، ولذلك عد العقيدة هي الشاهد الأبدي والمحرك الحقيقي لتجاوز كل حالات التمزق والقهر قائلا : ( إن كل قوى الاستعمار الحديث عاجزة من مواجهة الأمة إن هي تمسكت بانتمائها القومي والديني) (10 : ص 299 ) .
إن الصيغ المشرقة من تاريخ واقعها المعاصر لم تتحقق إلا بامتزاج روح العروبة بروح الإسلام ، وما حالات الضعف والتخلف والتمزق ما هي إلا ناتج لغياب نهج التمسك بمناحي العقيدة الإسلامية والانتماء القومي (11: ص 342 ) .
ويؤكد على اقتداء القادة بالقائد العربي الأصيل وهو الرسول محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) لكي يخوض الشوط بعزيمة العقيدة الغراء .
كان يرى الدين بمنظاره الواسع على انه عقيدة وشرع ومنهاج حياة وعليه لا بد من أن تكون هذه الأركان الثلاثة مطارح أفكار المصلحين ومساعيهم في ابتغاء الخير للإنسانية ، جلبا للمنافع وردعا للمضار والمفاسد (95: ص356 ـ 357 ) .
كان ينظر إلى الأيمان والعلم بأنهما رائدان متساندان في توفير كرامة الإنسان ورفعته وإسعاده ، عليهما بنى الإسلام شرعه ومنهجه ،فهما متشابكان ومتعاضدان في التفكير والعمل لبلوغ هذا المقصد الأسمى والغاية الرفيعة المثلى ، فلا إسلام بغير الإيمان ، ولا إيمان بغير العلم النافع يعضده ويثبته ويحصنه ويجري في شرايين الذهن إلى أرب واحد ، ألا وهو إبلاغ جنس الإنسان من كل لون أيا كان وعاش ما يحقق له كرامة الحياة ورفاهية العيش تحت أقباء الاخوة والمساواة والحق والعدل وبنعمة التعارف والتعاون على البر والتقوى .(1/30)
إن الاتجاه الروحي عند الأثري يبقى قاسما مشتركا بين صفحات فكره التربوي أدبا وشعرا ونقدا ، بل أن القصيدة الإسلامية تبدو الرافد الثر الذي يمد جل نتاجه الفكري جذوره في تربة شاطئيه فيستمد من فيضه نبض الحياة والنماء والتجدد ، وبهذا الوعي نستطيع أن نقرر عمق الوحدة الروحية وامتداد آثارها إلى إنتاجه الفكري .
لقد كانت لغة شعره أصيلة ،استقاها من فصيح الكلام وبليغه ، وعلى رأسه كتاب الله العزيز ، فهو متأثر بألفاظه ومعانيه وصوره ،مقتبس منه اقتباسا يدل على اعتزازه بكلام الله وأيمانه العميق به ، ولذلك كان استشهاده بالآيات القرآنية في معظم قصائده الشعرية ، زادتها جمالا وقوة ووضوحا وجعلته يزهو بفصاحته ويسمو ببلاغته وبيانه ، فكانت ثقافته الأصيلة نابعة من نور القران الكريم ورسالة السماء وكان له دور كبير في حركة نشر الثقافة العربية الإسلامية والحفاظ على سلامة العربية التي هي لغة القران الكريم (143: ص 142 ) .
كان التوجه الروحي المباشر في قصائده من خلال ممارسات متباينة ، لعل أعمقها تعبيرا بالاتجاه نحو الحب الإلهي الذي يستدر بواعثه من القناعة النفسية المنبثقة من عجز عقل المخلوق عن أدراك سر عظمة الخالق وما خلق ، فقد استسلم ووجه وجهه إلى الخالق معترفا بفقره إلى من اغتنى من جميع من خلق وما خلق .
2 ـ اللغة العربية :
لقد عد اللغة العربية من أهم مقومات الوحدة التي آمن بها فهي( سيدة اللغات ) وهي ( لغة مدت الظلال على الأرض ) وهي ( لغة القران ) وهي (اللغة المهندسة ) وهي (رباط الوحدة الكبرى ) وهي ( أم اللغات ) وهي ( لغة الوحي ) (11 : ص139) .
فقد قدم للغة العربية ما استطاع ودافع عنها بما قدر فاتسع أمامه أفق الجهاد واستشرقت نفسه إلى إحياء ثقافته العربية ، ونشر حضارة الأمة العربية الإسلامية ، وحقق ما لم يحقق من كنوز التراث ونوادر المخطوطات واستوعب أسرار العربية واستقرى غريبها وتمكن من نظم أعجازها .(1/31)
لقد آمن أيمانا راسخا برقي اللغة العربية الفصحى ، عراقة بتكوينها ومتانة بأصولها وغزارة في مادتها وتنوعها في أوزان أفعالها وأسمائها وتعددا بصيغ اشتقاقها ،حتى انه في تشديده على سلامة عراقتها وأصالتها ينسب إليها ما ينسب إلى الإنسان من معاني الغريزة والفطرة والروح والقانون النفسي ، ولا جرم أن تكون راية بغزارة مادتها وشمول نحوها أوسع اللغات وأوفاها أداة للتفكير والتعبير والتواصل .
كان استقراؤه اللغوي للمفردات يتجاوز القواعد الجامدة التي وصفها أصحاب النحو والصرف ، فاستقصى المفردات بدقة وبجد ومثابرة واجتهاد واعتمد على أصول اللغة وما فطرت عليه في تكوينها ، وما اشتملت عليه من مزايا ، ولذلك أدرك الصلة الدقيقة بين اللغة والأحوال الحضارية وسعى إلى التيسير في اللغة العربية ،والتوسع فيها ، وتنميتها على وفق طبيعة تطور الكائنات الحية .
وأكد على أن العربية لغة شاعرة مطوعة لمن دقق النظر فيها وتعمق في دراستها (53:ص64) ، وعبارة الأثري متينة كأنها البنيان المرصوص فليس فيها قلق أو هلهله أو ضعف ، وان الاجتهاد حدث نتيجة لتعدد اللهجات . وبعد أن لمع نجم الإسلام وانبثقت الثورة العلمية ، بدءا بنشر الكتابة والقراءة في الأميين وانتهاء بالتدوين والتأليف ووضع النحو ووضع المعجم العربي (154: ص 175 ) .
فاللغة العربية لم تكن بعيدة المطامح الكبرى للأثري ، فقد كان إعجابه بأسرارها إعجاباً شغله مرحلة طويلة من حياته وهو يتأمل أسرارها ويتابع جمالها ويحفظ نوادرها وينتقي دررها ويتنقل بين فنونها وضروبها ، فهي الرابطة الحقيقية بين الشعوب الناطقة بها ، فخطها بحيز كبير من مشاعره وأولاها قسطا واسعا من أحاسيسه لان المحافظة عليها وعلى سلامتها وبعث تراثها ونشر محاسنها ،توطد حبها في القلوب وتعمق معرفتها في نفوس الذين لم يستوعبوا سر بقائها .(1/32)
إن المنهل اللغوي العربي الذي خلده الله سبحانه بخلود هذا القرآن وخلود القرآن بخلوده، واهتم بقضايا اللغة العربية وما يراه من ضرورة مواكبتها للحياة الجديدة ،ودرء طغيان سيل الدخيل عليها عند تفجر المعرفة العلمية ومصطلحاتها واستقبال ما اخذ ينهال من الغرب على الأوطان العربية من الأجهزة والآلات والأدوات المادية وأسمائها الأعجمية وهي أعداد تتزايد يوما بعد يوم ولا تكاد تحصى ، فلا بد للغة العربية من مواجهة هذا الطوفان من الأسماء واثبات وجودها في وجهه ، لحفظها من الزوال أو الانحسار (95: ص 384 ـ 385 ) .
لقد امتاز الأثري بطبع أدبي راق تجلى بآثاره الأدبية ودراساته التاريخية واللغوية مع ذوق فني رفيع تجسد في خطه الواضح وحرصه على المستوى العالي في المطبوع والمخطوط ، وعلم واسع ومنطق صائب فطر عليه وتلقاه عن أئمة البيان والمنطق ، نما وترعرع على أيدي المع علماء عصره من أعلام الأسرة الآلوسية فبلغ بفضلهم وتوجيههم منزلة مرموقة في العلوم الإسلامية واللغة العربية وآدابها ، علاوة على دقته في الدراسات التاريخية ونقد الروايات (2: ص 6 ) .
نظم الأثري الشعر وهو في العشرين من العمر ، بعد أن اتجه إلى دراسة اللغة العربية وعلومها ونشر كثيرا من القصائد في الصحف وانشد بعضها في المحافل والاجتماعات والإذاعة داخل العراق وخارجه . والشعر عنده هبة الإله ، فليس كل من نظم قصيدة موزونة مقفاة شاعرا . وإنما الشعر ما نبع من موهبة إلهية وغداة الشعور الصادق .
والشعر عنده ليس غناء بالماضي والبكاء على الأطلال والتشبث بالطرف الكحيل والخد الأسيل ، وإنما هو ابتكار المعاني الحديثة وبث المبادئ الاجتماعية والقومية والنضال من اجل إقامة حياة جديدة (143:ص150ـ160) .(1/33)
وأوضح في استخبار عن حقيقة الشعر فقال : ( الشعر عندي في مختلف مناحيه ومعانيه لا يخرج عن حدود الانطباعات والانفعالات وثورة النفس ،فأنا لا أقوله إلا إذا جاش في صدري وتوافرت حوافزه ودواعيه في الرضا والغضب وفي الحب اوالقلى ، وفي الضحك أو البكاء ، عفوا من غير التماس وطبعا من غير تصنع ، اعني انه إذا جاءني استجبت له في أي غرض من الأغراض ما دام الشعور الثائر المتوهج هو الذي يوحيه ويمليه ،وإلا تحاميته فلا أفكر فيه ولا يعنيني من أمره شيء حتى لكأنه ليس مني ولست منه ، أو ليس بيننا وشيجة من نسب تصلني به وتصله بي ) (104: ص 160) .
ووصف ساعة الإلهام الشعري فقال :( لا عادة لي أمارسها ساعة الكتابة إلا اختيار المكان الخالي والسكون الشامل حتى لا أحس بغير نفسي ، بل المكان الخالي والسكون الشامل طالما أوحيا إلي فنونا من القول لم يتيسر لي مثلها ، وقد تستيقظ الشاعرية عندي في الأماكن التي تكون فيها حركة وأصوات ، لذلك تراني في هذه الحالة أسرع في البحث عن مكان بعيد عن الحركة والجلبة لأنظم قصيدتي تحت تأثير تلك الانطباعات أو الانفعالات قبل أن تفتر النفس وتضيع الفرصة (104: ص 161) .
إن هناك صلةً بين أحداث الحياة الواقعية وبين ما يرد في قصائده من أحداث وصور: (أنا في عمل الشعر اجري مع تيار العاطفة التي تستولي عليَّ والحالة التي توحي إلي القول فأبدأ بالمطلع وأسلسل الكلام قلما اقدّم أو أؤخّر لا أفكر إلا في اطراد الشعور وانسجامه واستيفاء المعاني والأخيلة في نسق اخذ بعضه برقاب بعض ، أما نهاية القصيدة فأكاد أراها واضحة قبل أن ابلغها وانهي القصيدة فعلا حيث كنت اقدر لها وقلما افعل غير ذلك) (143: ص 218 ـ221 ) .
كان يهتم بالنصوص الرفيعة والوقوف عليها وقفة العالم المتحير، اثر في صفاء لغته وفصاحتها وابتعادها عن العامي المرذول والأجنبي الشائن ، فليس في شعره كلمة ساقطة أو عامية أو دخيلة (13: ص 101 ) .(1/34)
لقد احب الأثري اللغة العربية من خلال الإسلام ، فصب كل جهده في خدمة اللغة العربية لأنها مفتاح شعره وشخصيته ، وأراد من خلالها أن يخدم الإسلام إلى جانب سلوكه كمسلم ودفاعه عن قيم وحضارة الإسلام ، وهذا حدث من خلال الفرصة التي تهيأت له في المجامع اللغوية العربية التي كان عضوا فيها ، ولذلك الميدان الأبرز لخدمة اللغة العربية .
فهي أداة وافية بالتفكير والتعبير والإبداع بأصولها التي فطرت عليها ولاستيعابها لجلال التعبير القرآني والحديث الشريف ونزعتها إلى التطور والوفاء بمطالب الحياة المتجددة (30: ص 32) .
واستغرق الأثري أيامه وأزمانه يحيا مع الفصحى التي يرى فيها وعاء لثقافة الأمة العربية ويجد فيها حلاوة اللفظ وجرسه وفصاحته ومن طلاوة البيان وسحر البلاغة ، ما يفسر سر استغراقه فيها والعكوف عليها دراسةً وتأملا واستمتاعاً (9:ص29) .
ويرى أن العربية تجاوزت بما تميزت به من خصائص نشأت فيها من روح الأمة العربية وتجاربها خلال العقود التي اجتازتها مجرد التعبير عن المقاصد التي تحمل معاني الوجود ومبدعات العقول ومن هذه الخصائص :
ـ امتازت بهيئتها وموازينها وقوانين اشتقاقها .
ـ كمال مخارج حروفها من مهموسه أو مجهوره وبراعة موسيقاها وحلاوة نغمها ورقة جرسها .
ـ امتازت بالفيض الغزير من مادتها وفرط غناها من الألفاظ الموضوعية بازاء مختلف المعاني وأدق الفروق (14:ص195) .
ويذهب الأثري إلى أن هناك طريقتين مختلفتين في التنظير اللغوي وصياغة القواعد وتقديرها :
أولاً : ما اسماه الطريقة العربية ، التي تقوم على الاستقراء اللغوي ، ومراعاة الاستعمالات العربية الأصلية فتقعد ولا تعقد .
ثانياً : الطريقة الأعجمية ، لأنها تسير على منهج من التحليل المنطقي قلما تلتفت معه إلى الاستقراء اللغوي وتفرض شروطا تحرم أنواعا من مباح الاستعمالات العربية فتقعد وتعقد (9: ص 27) .(1/35)
كون الأثري نظره في اصل اللغة ونشأتها ، وقد تبدو مستمدة من مذهب أهل التوفيق من العلماء ،لكنها تبدو غير ذلك عند التدقيق والتأمل ، يقول الأثري : (اللغات البشرية جمعاء في اصلها الهام وتوقيف وليست مواضعه واصطلاحا وقعت لا جناس البشر بالحكمة وغرست في جبلتهم غرسا ونمت معهم في عهود التاريخ المتعاقبة ،ثم استحدثوا أبان استبحارهم في التمدن والعمران والمواضعة والاصطلاح وخرجوا إلى التصنيع والتفريع ، ومضت كل أمة على تراخي الزمن وانبساطه في الاتساع بلغتها على وفق طبيعتها ، ومما تدعو حاجتها إليه من شيء فاشتقت لفظا من لفظ وفرعت الفروع من الأصول من غير أن تخرج عليها أو تبتعد عن جذورها جارية في ذلك على الهام الفطرة ووحي الشعور العنصري المستكمن في غرائز الشعوب والأمم (11: ص 80) .
فالأثري يلتقي مع النظرية اللغوية المعاصرة التي تقول :
(المملكة اللغوية يمكن عدّها خاصية راسخة في الجنس الإنساني ومكونا من مكونات العقل الإنساني وخاصية تحول الخبرة إلى قواعد ) (150: ص 71) .
وتقرر هذه النظرية على نحو ما وجدناه عند الأثري في أن للملكة اللغوية خاصية إنسانية يمتاز بها الجنس البشري وهي وراثية ومن هنا فهي متجانسة على الرغم من تنوع الجنس البشري .
وأن اللغات البشرية كلها تقوم بأداء الوظائف نفسها في عملية التكلم ، فهي تسترد الأحداث وتطرح الأسئلة وتأمر وتتعجب وتنفي وتقرر وتجزم ،وأن كل اللغات تستعمل الأجهزة الفيزيولوجية والسيكولوجية الواحدة الموجودة لدى الإنسان (154 :ص167 ـ173) .(1/36)
إن كل اللغات البشرية تختص بمميزات مشتركة أو التي هي لازمة لكل لغة تدرس بضمن علم قد سماه البعض باسم معين ، وان كل هذه الضوابط والكليات اللغوية تعزى إلى الملكة اللغوية الوراثية التي هي خاصية إنسانية يمتاز بها الجنس البشري ، والملكة اللغوية الوراثية هي خاصية إنسانية متجانسة كما يقرر علم اللغة الحديث في الغرب ، وهي القدرة التي غرست في جبلة الجنس البشري بالإلهام والفطرة التي أودعها الخالق في نفوس البشر مثلما يقرر الأثري ، ثم صارت عندهم القدرة على وضع الاصطلاح والتوسع في لغاتهم والتفريع بحسب حاجاتهم وحسب قدراتهم الإدراكية .
وتحدث عن الاشتقاق بقوله : ( انه قياس مطرد في النظام اللغوي ، له ضوابطه الوضعية المستنبطة ، وهو متوارث عند العرب ) .
لقد وصفت بعض المشتقات بالشذوذ من قبل بعض اللغويين القدماء وهذا حدث بسبب عدم التدقيق أو نقص في الاستقراء ، لذلك اقترح لمعالجة مثل هذه المشكلات اللغوية الناجمة عن مواجهة المتطلبات الحضارية من أجهزة وآلات وأدوات ومرتفعات خدمية وسيلتين :
الأولى ـ هي أن يستحيي القديم ويلائم بينه وبين الحاضر من غير قسر ولا إعنات فتستعمل الألفاظ العربية التي نسيت في معانيها الأصلية وفيما يشبه معانيها الأصلية أو أن يكون لها صلة غير المشابهة ولذلك يقول الأثري :
(ابقي على حياتها واضمن لدوام شبابها وتجدده من السماح للدخيل باقتحامها واحتلال مكانها ) .
والثانية : هي وسيلة الاشتقاق الذي هو في اللغة العربية أشبه بالمولد في الصناعات الآلية ما يفتأ يولد لها الطاقة بعد الطاقة ويمدها بالقوة والقدرة على الحركة والعمل ما تحرك (14: ص 26 )
ولذلك اهتدى إلى أن الذي يغني اللغة ويهدي إلى عبقريتها هو التوليد بالاشتقاق بجميع أقسامه وبتطوير الأدلة بالمجاز وبغيره لتتسع اللغة لجميع المستجدات التي يفرضها قانون الاستمرار ، وسنن النمو الحضاري والفكري .(1/37)
والشعر من وجهه نظره هو أشبه بتغريد الطائر تنبعث منه متى طابت نفسه وهاج حسه وراقه التغريد . والصورة الشعرية عنده معيار نقدي للمفاضلة ، ولذلك عد الإبداع والجرأة معيارا ثانيا في الموازنة بين القصائد (123: ص 46 ـ53) .
وتتوهج لغة الصورة الشعرية عنده وهو يتحدث عن سيرة الرسول الأعظم محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) في بناء حضارة إنسانية عامرة بالمعرفة وحب الإنسان من خلال الطباق الفني في ثنائياته (10: ص 79) .
3 ـ الأصالة والمعاصرة :
لقد اقتفى الأثري بأثر السلف الصالح، فكانوا في لغتهم مجددين ومبدعين فقد دعا إلى الاقتداء بالأجداد والسير على خطاهم ومسايرة الحضارة .
وقد نهل الأثري من التراث العربي وهو يجمع بين جزالة القديم ورقه الحديث ، وان يكون الشاعر صادقا يروي النفوس ويهز المشاعر ، واضحا جليا يزهو بجمال البيان متألقا فتانا لا تشوبه عجمة أو خروج عن الفصحى ، حرا يعبر عن الحقيقة بأحلى صورها ، صادرا عن عبقرية فذة وموهبة عظيمة ، بديع الإيقاع مصورا للأحاسيس المختلفة .
لقد احب الأثري التراث وذاد عنه وحماه ، ولكنه لم يستسلم للقديم وإنما دعا إلى التجديد ، وعلى الإنسان أن يكون عضوا نافعا في مجتمعه ، أما الوقوف على الأطلال والبكاء على الماضي والهرب من الحياة فلا يرتضيه (13: ص 100 ) .
كان لتعلقه بأصالة الكلمة العربية اثر واضح في غرابة بعض الألفاظ ولكن غرابتها تذهب بالنظر في تفسيرها في الحواس أو المعجم ، ولهذا أراد أن يبرهن على أن المعجم العربي كنز ذهبي ثمين يستطيع أن ينهل منه الأديب ما يريد .(1/38)
لقد تمسك الأثري بالتراث ونهج منهج بعض الشعراء أمثال ( الزهاوي والكاظمي والرصافي والشبيبي والصافي النجفي ) الذين تمثلوا التراث الشعري العربي تمثيلا فنيا مخلصا،صياغة وأسلوبا وصورة وان كانوا يختلفون في قدراتهم الشعرية وتصويرهم للقصيدة ، فكان البعض يأخذ الصورة كما هي لا يحرف أو يبدل في حين أن قسما ًمنهم كان يعدل ويضفي عليها من شاعريته ما يجعلها تتناسب في داخل السياق ،في حين أن القسم الثالث استطاع أن يتمثل تمثيلا كافيا فيبدو السياق متناسبا وتظهر الصورة متوائمة داخل القصيدة (92: ص 357 ).
لكن الجميع كانت قصائدهم تمتاز بجزالة اللفظ وقوة الصياغة وبراعة التعبير وإبداع النسيج وإحكام القوافي وطرافة المعاني مع المحافظة على قواعد الشعر العربي الأصيل (3:ص62) .
والأثري شاعر بعيد عن التكلف والافتعال والتصنع ، بل هو شاعر يتحاكى مع ذاته
ومع واقعه التاريخي بكل ما يحمل من دلالات عقائدية وأخلاقية واجتماعية وإنسانية ، والقصيدة عنده وليدة هذا التفاعل بين التراث والواقع (123:ص44ـ45) .
كان الأثري مثالا رفيعا في تربية النفس في شبابه ونشأته ، وظل مثالا رفيعا في مواصلة هذه التربية شأنه في ذلك شأن الأعلام في الحضارة العربية الإسلامية الذين وظفوا أنفسهم على طلب المعرفة خارج حدود الزمان والمكان وقيود المعاهد والمؤسسات وشان ما يتجدد في العالم من فن التربية المتواصلة لا يستغني عنها في الحضارة المعاصرة وهي تتفجر في المعرفة والمعلومات حتى تتضاعف المعرفة كل بضع سنوات.
فأما الحضارة العربية الإسلامية فرافد التربية المتواصلة وأسانيدها فيها لينطلق بما حض عليه الإسلام من اعتماد التفكير في شؤون الوجود والحياة عامة حتى ليرقى إلى مرتبة الفرائض (11: ص 114) .(1/39)
والأثري شاعر نهل من التراث العربي الإسلامي ما شاء الله له أن ينهل ، وهو يجمع بين جزالة القديم وعذوبة الحديث الذي أحيا معالمه ( محمود سامي البارودي ) ،ورفع لواءه ( احمد شوقي ) وغيره من شعراء الثلث الأول من القرن العشرين الميلادي (11: ص124) . وهو متمسك بأصالة الشعر القديم وملتصق بأحداث المرحلة التي عاش فيها فهو قديم وحديث ، وقديم في بعض لغته وصوره ، وحديث في موضوعاته ومشاعره ويقول :
( وما من جديد إلا له اصل قديم يقوم عليه ويستند إليه في بناء نفسه وتفرده وتجديده ) (13: ص171) .
فالشاعر في نظره حلقة وسطى بين الموغلين في القديم والغارقين في الحديث (11:ص150) .
4 ـ فلسطين :
لقد تغنى الأثري بوطنه العراق ونادى بتحريره من السيطرة البريطانية فاعتقل ونفي ،ولكنه لم ينس أقطار الأمة العربية من ضمنها فلسطين فقد غنى لها وانتخى بيعرب وابن العروبة فكانت صيحة مدوية على أبناء أمته العربية وعاب على قومه خضوعهم وعبوديتهم للاستعمار .
وكلما استذكر فلسطين تجلت أمامه صورة المخلصين الذين ينادون باستقلالها الذي طال انتظاره ، وعزت رؤية الصبح على كل حدقة ، وتقترن صورة الغدر والحقد والبغي والبغضاء والشحناء بالليل ، بعد أن تجد في حجبه ستارا ،وفي ظلامه ملاذا وفي سواده ميدانا لتسريب مخططاتها ، ونشر أضغانها وبث سمومها وفي كل صورة من هذه الصور تتجلى دعوة الحذر التي يطلقها وصيحة اليقظة التي يدعو إليها ، لان العدو غادر وماكر،
والمؤامرة كبيرة وأبعادها قديمة ،ودعاتها قد هيأوا من الأسباب ما يديم زخمها وتواصل أهدافها .
وبعد أن يضع الحقائق كاملة أمام العرب والمسلمين، يدعو لفلسطين بعناية الله ورعايته ليحفظها من كل سوء ويحميها من كل باغ فهي القبلة الأولى ومسرى الرسول محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) .(1/40)
وتبقى فلسطين الوتر الدامي في أناشيده ، يستذكر فيها السحر والسنا والروعة والزهو ، فقد كانت مساحة فلسطين فسيحة تابع أحداثها وانتفاضاتها ومواقفها وهي تواجه الصهاينة وترفض الاحتلال وتقاوم البريطانيين .
كانت قصائده لا تقف عند الجانب القومي وحده ، وإنما كانت كرامة ( القدس ) ومنزلتها في قلوب المسلمين تأخذ نصيبا أوفر ومساحة اكبر (11: ص 230) .
وعلى الرغم من الواقع المر الذي صوره الأثري للواقع العربي الذي أتاح للصهاينة التسلط على القبلة الأولى فانه يبقى مستبشرا واثقا بالنصر ولهذا فانه حين يرصد واقع الصراع العربي الإسرائيلي يستكثر من رسم صور الانتصارات العربية التي كانت نتاج تمسك أبناء الأمة العربية بعقيدتهم الإسلامية الغراء .
5 ـ التربية والتعليم :
لقد كان الأثري محبا للعلم والبحث والنقد والتقصي عن أصول العربية ونشأتها، فقد عمل معلما ومدرسا لمادة اللغة العربية وآدابها ، ثم عمل في وظيفة التفتيش الاختصاصي للغة العربية واختير عضوا في لجنة التأليف والنشر والترجمة واصبح فيما بعد عضوا في المجمع العلمي العراقي .
وقد ساهم مساهمة فعالة في مجال التربية والتعليم فكان محاضرا في كلية الشرطة ودار المعلمين العالية . وساهم مساهمة فعالة في تأليف كثير من المناهج الدراسية للمدارس العراقية وعلى مختلف المراحل ، فأول كتاب قام بتأليفه للدراسة الثانوية هو (المجمل في تاريخ الأدب العربي ) ، كما ساهم بمساعدة أستاذين جامعين بتأليف كتاب آخر هو( الأساس ) .
وألف كتاب (المطالعة العربية) وهو يقع في ثلاثة أجزاء وكتاب (ديوان الأدب ) وهو نصوص أدبية مختارة تقع في ستة أجزاء للدراسة الثانوية ، وكتاب ( القراءة العربية) للدراسة الابتدائية تقع في أربعة أجزاء ، وان هذا النشاط الفذ الذي قام به الأثري جاء نتيجة(1/41)
لاتخاذ الحكومة العراقية ووزارة التربية قرارا بالحد من استيراد الكتب المدرسية والاعتماد على المفكرين والأدباء العراقيين في التأليف ،فقد كانت مؤلفاته ذات خط واضح في مضامينها ومحتوياتها وأساليبها في التعبير، فقد تلاحظ الدقة وغرس القيم السامية والروح الدينية والوطنية والقومية مع مراعاتها للجوانب التربوية من حيث الفروق الفردية للطلبة وتنوع الموضوعات وأقربها فهما وإدراكا لمستوياتهم العقلية ومراحلهم الدراسية ، فقد أكد كثيرا على الأصالة والمعاصرة والاهتمام بالعلم الحديث ومسايرته والتطلع إلى المستقبل والإفادة من الحضارات المعاصرة .
إن اهتمامه بالتراث جعله يصب جل اهتمامه في دراسة اللغة العربية والبحث في جزئياتها الدقيقة ، وكذلك أكد على دراسة المخطوطات والتحري عنها ،كما اهتم بالمعجمات ، لكي تكون دليلا لمن يبحث عن تفسير المصطلحات العربية ، وكذلك عد من المفكرين والمؤرخين العرب لكثرة نشاطه الأدبي والفكري ، فقد منحته كثير من الدول العربية عضوية مجمعها العلمي لمشاركاته الفعالة في هذه المجمعات العلمية واللغوية ، وحصل على التكريم الكثير من قبل الحكومات العربية والإسلامية .
لقد كان الأثري رجل علم وفكر فهو شاعر وناقد ومؤرخ ، تميز بعقله الراجح وفكره السامي واخلاقه العالية ، فحمل سراجه لينير الطريق أمام الأجيال ،ولذلك برز اسمه عاليا بين أولئك المفكرين والأدباء سجلت لهم عجلة التاريخ نتاجهم الفكري والأدبي بحروف من نور .
6 ـ الميدان المدني والعمراني :
يعد الأثري من الشخصيات التي ساهمت مساهمة فعالة في إصلاح منطقة أوقاف العراق ونظام كلية الإمام أبي حنيفة ، وحينما عمل مديرا لمنطقة أوقاف بغداد نهض بمهمتين :
الأولى : مرفق حضاري يستحدث في العراق لأول مرة في تاريخه الحديث (مرفق الطيران) ، إذ أنشئت (جمعية الطيران العراقية) فانتخب عضوا في مجلس أدارتها وأدى واجبه مشاركا في أعمالها والنهوض بها (95:ص4) .(1/42)
الثانية : إدارة الأوقاف الإسلامية ، عهدها إليه مجلس السيادة عند قيام الجمهورية في 14/تموز/1958م . إذ عينه مديرا عاما مرتبطا برئيس الوزراء ، وكانت في العهد الملكي وزارة لها وزير ويليه المدير العام ، فاكتفى به عن الوزير وشغل المنصب بجدارة بالغة
أربعة أعوام ونصف إلى يوم إحالته على التقاعد ، فاصلح وعمر وجدد ، وقد كان في العهد الملكي عضوا في مجلس شورى الأوقاف ممثلا للعلماء مدة ثمانية أعوام ، فكان خبيرا بأحوال الأوقاف والرجل الثقة المؤتمن على مصالح الإسلام والمسلمين ، والمصلح المجدد الكفء ، واحب أبعاده عن الجو السياسي فحجب عنه الوزارة اسما وضمنها له فعلا يربطه برئيس الوزراء وهي عديدة الجوانب تدخل فيها الإدارة والمال والإعمار والعلم .
فأقبل على الإدارة يطهرها من الفساد بعد أن شخص المديرين الذين يتلاعبون في تصريف مصالحها المختلفة على أهوائهم ، فيقدمون ويؤخرون ما يشاءون كما يحلو لهم ضاربين بالقوانين عرض الحائط ، وليس عليهم من رقيب .
واهتم بالموارد المالية التي لاحظها وهي في حالة من الضعف فنماها وصانها من السرقات ، وسوء التصرف ، والعقود عن جبايتها من أصحاب النفوذ الذين يستأجرون أراضيها في أوقاتها المعينة ويسددون أثمانها على تراخي الأيام وهم من العائلة الحاكمة وأصحاب النفوذ من كبار موظفي الدولة فطالبهم بدفع ما بذمتهم من حقوق الأوقاف فانتزعها منهم ، ومن تجاهل منهم حجز أمواله في المصارف واسترد حقوق الأوقاف ، وأعاد النظر في جملة أجور العقار والأراضي الزراعية ، وما اجر من أراضيها إيجارات طويلة الأمد وبأجور بخسة تجاوزها الزمان فأعادها إلى واقعها الجديد ، واشترى بعض الأراضي
المشتركة ببغداد فضمها إلى أملاك الأوقاف ، فزاد مواردها المالية وعند مغادرته المنصب كانت إيراداتها أضعافا في المصارف .(1/43)
ثم التفت إلى المساجد والأملاك الموقوفة عليها في حواضر العراق كافة وقد نال الخراب الكثير منها لقدمها ، فجدد منها الكثير كمسجد الإمام أبي حنيفة ببغداد وزاد عليه إليه مسجدا للنساء فزينه وجمله بالمرمر والريازة الأندلسية المغربية ، كما استحدث بناء مسجد ( 17رمضان ) وإنشاء مساجد عديدة في بغداد ، واهتم ببناء العمارات وفي مقدمتها عمارة ( الدفتر دار ) على نهر دجلة ببغداد ، وعني بالعلم في مدارس الأوقاف المخصوصة بتخريج المدرسين والأئمة والخطباء والواعظين ، فاستقدم العلماء من مصر للتدريس في هذه المدارس ، وقد أنشأ خمسة روافد لمدرسة الإمام أبي حنيفة في بعض المحافظات ،تعنى بعلوم اللغة العربية وبالقرآن الكريم وحفظه والحديث الشريف والعقيدة والفقه .
وساهم في زيادة رواتب القائمين على خدمة المساجد ، وساهم في سن قانون تقاعد هؤلاء العاملين في المساجد من اجل أن يحصل الشيخ المسن على ما يقوته ويقوت عياله من بعده (11: ص346) .(1/44)
0(1/1)
الفصل الخامس
عبد العزيز البسام ( 1333 هـ ) ( 1915 م )
نشأته :
هو عبد العزيز بن ابراهيم بن عبد الله بن حمد بن ابراهيم بن عبد الله بن احمد بن محمد بن بسام بن عساكر بن بسام بن عقبة بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهب . ووهب هو جد لفخذ من أفخاذ تميم ، وكانوا يسمون (الوهبة) وينتمون إلى بني حنظلة ، وهو أحد بطون تميم الأربعة ، يضاف إليهم بنو سعد ، وبنو عمر ، وبنو أمرؤ القيس ، ويمتد نسب جدهم حنظلة إلى مالك بن زيد مناة بن تميم ، وان قبر وهب معروف في بلدة الفرعة المجاورة لاشيقر في نجد (1) .
كان جده عبد العزيز الخامس هو العالم القاضي الشيخ احمد بن محمد بن بسام ، وقد نشأ في ( أشيقر ) في وسط نجد ، ودرس علوم الدين وجلس للقضاء والإفتاء ، وعين في كثير من المدن واستقر في أخر أيامه في بلدة ( العينية ) وفيها انتقل إلى جوار ربه .
ثم انتقل أحد أحفاده ( حمد ) إلى مدينة ( عنيزة ) في شمال نجد وقرب بريدة وحايل وتوفي هناك . ثم هاجر أبناؤه إلى العراق واستقروا في مدينة الزبير ، وأسهموا في إنشائها واستوطن قسم منهم في مدن الفرات الأوسط ( السماوة ) ومنهم عبد العزيز وابنه ابراهيم .
لقد كان لأسرة البسام وإسهامهم الفضل في بناء مدينة الزبير قبل أربعمئة سنة ، إذ شيدوا مسجداً ومدرسة ، وكانوا رجال تجارة فحركوا أسواقها في عمليات البيع والشراء وكانوا أصحاب مشيخة وديوان ، ولهم اتصال بالقبائل العربية المنتشرة في صحراء نجد والشام .
ولد عبد العزيز ابراهيم في مدينة الزبير التابعة لمحافظة البصرة في 17 / ذي الحجة /1332 هـ الموافق 25 /تشرين أول /1915م في أسرة ممتدة ضمت أعمامه
__________
(1) * ـ المعلومات المدونة حصل عليها الباحث من عبد العزيز البسام مباشرة ، في اثناء المقابلات الشخصية التي حققها معه الباحث في داره .(1/1)
وأجداده لأمه وأبيه في دار واحدة كانت تستقبل الضيوف أياما وأسابيع ، وكان يدور فيها مناقشة أمور الدين والتجارة في أثناء جلسات السمر وبعد الصلاة ، وكان للموضوعات التاريخية والسياسية دور في موضوعات النقاش ، وتناقش أحداث الحرب العالمية الأولى واحتلال الدول الغربية لتركيا التي تمثل الدولة العثمانية وما يكتب في الصحف آنذاك .
كان البسام يرافق أباه إلى بيت عمه في البصرة وهو في عمر الرابعة بوساطة العربات التي تجرها الخيول .
سمي عبد العزيز البسام بهذا الاسم إحياء لشخص عمه المتوفى في مرحلة الطفولة ، وكذلك لإحياء ذكرى أخيه المتوفى في مرحلة الشباب نتيجة لانتشار وباء في البصرة ، ولذلك كانت ولادته تعويضاً للأسرة جميعاً وقد حصل على حظ وافٍ من الرعاية والاهتمام والعطف .
لقد سعد عبد العزيز بلقاء عمه (محمد) الذي جاء من دمشق إلى بغداد فزار مدينة الزبير ، وعمه (علي) الذي جاء من الحجاز وكان من بين ضيوف أسرته المجاهد التونسي (عبد العزيز الثعالبي) الذي زار الزبير وأقيم له حفل حضره بعض علماء البلد ووجهائها .
كان جده عبد الله له صلات متينة بالجزيرة العربية وكثير من البلدان من خلال علاقاته التجارية ، فمهدت له السمعة الطيبة وثقة التجار فيه لتميزه بصفات عديدة منها رجاحة العقل وغزارة العلم والثقافة ، فقد كان يفض النزاعات القبلية التي تحدث بين القبائل ، وتوفي هذا الرجل في مكة في أثناء تأديته فريضة الحج عام 1907م .
بعد وفاة جده عبد الله تغيرت أحوال الأسرة ولا سيّما في أثناء الحرب العالمية الأولى واحتلال البريطانيين البصرة وبغداد عام 1917م ، وكذلك احتلال فلسطين ، واحتلال الفرنسيين دمشق . ولذلك تعرض والده لبعض ضغوط البريطانيين الذين يريدون منه التعرف على أخبار العرب فرفض ذلك واعدّه عملا منافياً للدين الإسلامي واستنكره الأهل والمجتمع . من هنا بدأت المشاكل مع الحاكم البريطاني ( ويلسون )(1/2)
الذي كان يحكم البصرة ، توفي والده في عام 1940م نتيجة لمرض أصابه ، وكان ولده عبد العزيز يواصل دراسته في بريطانيا (1) .
المتربي ـ التعليم العام :
انتسب عبد العزيز البسام إلى مدرسة النجاة الأهلية الابتدائية في مدينه الزبير وهو ابن السادسة من العمر ، وهذا مؤشر بان أسرته تهتم اهتماماً كبيراً بالجانب العلمي ، إذ سجلت الأسرة طفلها في المدارس النظامية لا في الكتاتيب التي كانت منتشرة آنذاك.
أسس هذه المدرسة الشيخ محمد أمين الشنقيطي (1876 ـ1932م) وهو أحد أعلام الفكر الإسلامي في مدينة البصرة ، وساعد في ذلك نخبة من المتنورين ، ومنهم والد عبد العزيز ، كان منهجها باللغة العربية وعلى مستوى رفيع جداً ، وتؤكد على منهج الدروس الأخلاقية ، وقد كان عبد العزيز من الطلبة الأوائل فيها ، وكان والده يوافيهم بالكتب الإضافية لكي يطلع عليها وتزداد معارفهم العلمية ، ومن أساتذة هذه المدرسة المعلمون المصريون خريجو الأزهر الشريف ومنهم (الشيخ محمد الخراشي) الذي اعد لعبد العزيز خطبة ألقاها في أثناء استقبال الرصافي عندما زار المدرسة بصفة مفتش للغة العربية ، وقد حفظها عبد العزيز عن ظهر قلب ، وأشاد به الرصافي متمنياً له التقدم في حياته الدراسية والموفقية والنجاح .
__________
(1) * ـ حصل الباحث على هذه المعلومات من الدكتور عبد العزيز البسام في أثناء اللقاء معه في داره .(1/3)
كان والده حريصاً على تعلم أولاده العلوم وأمور الدين واللغة العربية ، وحينما وجد أن هذه المدرسة ( النجاة الأهلية ) لا تلبي الطموح ، ولا تعد التلاميذ لأداء امتحانات الدراسة الابتدائية ،ولا تعنى باللغة الإنكليزية ، نقل أولاده إلى مدرسة حكومية تخرج فيها عبد العزيز عام 1930م . التحق بثانوية البصرة بالعشار وكان مستواه الدراسي متميزاً فحصل على المرتبة الأولى على زملائه متأثرا بالشيخ (الشنقيطي) وعدَّه قدوة وحفزه على دراسة التراث العربي الإسلامي ، كونه وطنياً جاهد البريطانيين في موقعة (الشعيبة) وساهم في جمع التبرعات لإنشاء مدرسة النجاة الأهلية ، كان عالماً ورعاً وأميناً فاصبح مثلا لسيرة المعلم الناجح . تميز البسام في مجموعة من المواد الدراسية كالتاريخ العام وإلا نشاء الأدبي والشعر العربي ، فتميز بكتابة المقالة ، لقد احب الشعر متأثرا بأستاذه الجواهري الذي كان مدرساً في الثانوية نفسها ، وكان أستاذه الهاشمي قد اصدر مجلة مدرسية اسماها (العرفان) وجعل البسام رئيساً لتحريرها ، إذ كتب فيها البسام المقال الافتتاحي ومقالات في علم النفس ، ومن هنا ظهرت ميوله واتجاهاته نحو علم النفس التي جعلته أستاذاً في الجامعات العراقية .
لقد بقيت علاقاته الحميمة مع كثير من أساتذته الذين اصبحوا له زملاء فيما بعد .
وفي عام 1935م تخرج من المدرسة الثانوية ، وتوجه إلى قراءة المصادر في الثقافة العامة والاستزادة من المعرفة والتعرف وفهم الفكر العربي الإسلامي في أصالته ومعاصرته ، ودرس الأدب وحركات التحرر في المجالات السياسية ، فتفوق في دراسته النظامية وبلغ مكانة متقدمة مما زاده ثقة بنفسه .
لقد عرف الشيء الكثير عن مصر من خلال ما يمتلكه من كتب طه حسين والعقاد وحافظ ابراهيم ومجلات عديدة كالسياسة والبلاغ والمصور فتعرف على شؤون مصر السياسية والاجتماعية .(1/4)
وعد التعامل مع المكتبات ومراسلتها والحصول على المجلات والدوريات ما هو إلا نوع من أنواع المعرفة . لقد كانت مكتبة والده غنية بكتب التراث العربي الإسلامي والفقه وكتب التاريخ ودواوين الشعر (كالمتنبي ، والبحتري ، والشريف الرضي) ، ومعجمات اللغة وكتاب الأغاني بكامل أجزائه ، فقرأ تاريخ الحركات الإصلاحية أمثال(جمال الدين الأفغاني ، والشيخ محمد عبده ، ورشيد رضا) ، ودرس المازني وزكي مبارك وإسماعيل مظهر ، وكان متأثرا جداً بالعقاد ويعده كاتبه المفضل لكونه مدافعاً عن الحرية .
المتربي ـ التعليم الجامعي :
بعد حصوله على الشهادة الثانوية عام 1935م ، أراد أن يجمع بين دراسته في كلية الحقوق المسائية ووظيفة في بغداد تعينه على إكمال دراسته ، لكن لم يحالفه الحظ لكون الدراسات المسائية أوقفت ، فاضطر إلى التعيين معلماً في المدارس الابتدائية ، فعين في مدرسة (القبلة) في مدينة البصرة واستمر حتى عام 1937م ، وفي العام الثاني تقدم إلى البعثات وحصل على بعثة إلى إنكلترا ، وقد قضى سنة دراسية في مدرسة اللغات قبل سفره من اجل حصوله على شهادة إجادة اللغة الإنكليزية كونه مرشحاً لدراسة الأدب الإنكليزي ، لكنه غير الاختصاص إلى علم النفس ودرس في جامعة (برمنجهام) الذي نجح فيها وظهر اسمه في جريدة التايمز الإنكليزية .
التقى بأخيه عبد الله في لندن الذي سبقه في بعثة قبله ، فدرس بدوره في جامعة (أكستر) تعرفه بالحياة في بريطانيا ونظامها التربوي ، واستمع إلى محاضرات من كبار المفكرين والكتاب ومنهم الكاتبة الإنكليزية (فرجينيا رواف) المشهورة بكتابة القصة ، وتعرف على مجموعة من الطلبة الأجانب الذين شاركوه بالدورة تمهيداً لالتحاقهم بالجامعة.(1/5)
وفي عام 1938م التحق بجامعة (برمنجهام) وسجل في دائرة العلوم الطبيعية لدراسة علم النفس ، وكانت سنة دراسية عصيبة فقد كانت اشد سنوات الدراسة صعوبة في حياته ، لكنه حقق النجاح في نهاية العام . إذ كان ابن أستاذه زميلا له مما أدى إلى أن أستاذه بدأ يكتشف مواهبه وقدراته عن كثب واصبح يكلفه بكتابة بعض الدراسات والبحوث الإضافية من اجل تنشيطه وزيادة معارفه العلمية مما أدى إلى تفتح آفاقه العلمية.
سافر في أثناء عطلة صيف 1939م إلى برلين يرافقه أخوه عبد الله وصديقه نوري كاشف الغطاء وأخوه عباس في سفر إلى فينا ، وفي ذلك الوقت كانت تلوح في الأفق غيوم الحرب العالمية الثانية ، ثم عاد إلى لندن وسمع إعلان الحرب ، بعد مدة توالت الغارات الجوية على المدن البريطانية ولا سيما مدينة (برمنجهام) التي كانت مقره دراسياً.
وفي عام 1941م في أثناء اقتراب امتحان تخرجه لنيل شهادة البكالوريوس في علم النفس ، سمع بحركة مايس في العراق فاتصل بأخيه عبد الله وبالطلبة العراقيين من اجل متابعة الأحداث ، فأحجم عن حضور المحاضرات وظل متابعاً لسماع الإذاعات ولا سيما إذاعة برلين حتى نهاية أحداث عام 1941م ، وفي نهاية العام حصل على الشهادة بدرجة امتياز .
ونتيجة لظروف الحرب المستمرة والمستعرة ، لم يستطع العودة إلى بلده العراق بسبب انقطاع طرق المواصلات ، ولذلك حصل على موافقة وزارة المعارف العراقية للتسجيل على دراسة الماجستير وفعلا اكمل العام الأول بنجاح متميز، وقد خصه أستاذه (فالنتاين) بعبارات المدح والثناء قائلا : (عبد العزيز انك خير من أتى من الطلبة الأجانب ، باستثناء طالب من الصين ، أتى وهو عميد كلية في الأربعين من العمر ، لكنك ما تزال في العشرينات من العمر) .
هذه شهادة من أستاذ متخصص ، له مكانته العلمية مر عليه كثير من الطلبة الأجانب ، واصبحوا أعلاما في ميادين علم النفس ، ومنهم في مصر الأستاذ عبد العزيز القوصي .(1/6)
في صيف1942 م وبعد أن توافرت وسائل النقل إلى العراق ، لم تمهله وزارة المعارف العراقية لإكمال دراسة الماجستير وتقديم رسالته ،بل طلبت منه العودة ، فعاد ومعه أحد عشر طالباً عراقياً الذين اكملوا دراستهم ، منهم من حصل درجة دكتوراه أمثال (الدكتور صالح مهدي متخصص بالاقتصاد ، وعبد العزيز الدوري بالتاريخ ، ونوري كاشف الغطاء) ، ومنهم من حصل درجة البكالوريوس أمثال أخيه (عبد الله) .
كانت رحلة العودة إلى العراق شاقة واستغرقت شهرين منذ مكوثهم في الباخرة التي نقلتهم من إنكلترا إلى كراجي في جنوب الهند ، لم ينزلوا إلى اليابسة إلا ليلة واحدة في مدينة (كيب تاون) عند راس الرجاء الصالح بجنوب أفريقيا، إذ كانت الباخرة تمخر بهم ليل نهار في طريق خطر ملغم بالغواصات وكانوا يراقبون المياه كخفارات دورية مسائية وعند وصولهم كراجي مكثوا فيها أسبوعين حتى حصلوا على مقاعد في
باخرة أخرى تقلهم إلى الموانئ الخليجية ، حتى وصلوا الكويت بعد أسبوعين وتركوها إلى البصرة بعد أيام .
بعد عودته واتصاله بوزارة المعارف عين مدرساً لعلم النفس بدار المعلمين الابتدائية بقسميها العالي الذي يقبل الطلبة الحاصلين على الشهادة الثانوية ، والثانوي الذي يقبل الطلبة الحاصلين على الشهادة المتوسطة .
المربي ـ التدريسي :
وفي عام 1943 ـ 1946م باشر بوظيفته مدرساً بدار المعلمين وأخذ يدرس مادة علم النفس التربوي بالقسمين العالي والمتوسط ، إذ كانت هي الدار الوحيدة في العراق التي تقوم بتخريج المعلمين وموقعها في بغداد ، وتكونت له علاقات مع زملائه ومنهم أستاذه (صدقي حمدي) و (عبد الرزاق محٍي الدين) ، وتكونت له علاقات مع قسم من الطلبة وعلى المستويين وظلت هذه العلاقات حتى يومنا هذا ومنهم (الدكتور مسارع الراوي) ، و(الدكتور كمال علي السامرائي) و(عبد الوهاب عبد الرحمن) ، و(الدكتور علي المياح) ، و(الدكتور حمد دلي الكربولي).(1/7)
وعلاوة على مهام التدريس ، بادر بترجمة ثلاثة كتب ذات صلة مباشرة ووثيقة بالتربية وعلم النفس وهي :
ـ أطروحة الدكتوراه لأستاذه الدكتور خالد الهاشمي والمتضمنة برامج إعداد المدرسين في العراق إذ صدرت الترجمة عام 1945م .
ـ كتاب التربية ، حقائقها وأصولها الأولى للمؤلف (برسي نن) عميد معهد التربية بجامعة لندن ، وهو يمثل شيخ المربين في بريطانيا بزمانه ، إذ طبع هذا الكتاب عشرات المرات قبل وفاة المؤلف بشهور .
احتوى على مراحل تطور علم النفس واتسم الكتاب بالدقة والعمق والشمول ، ونشر بموافقة لجنة التأليف والترجمة برئاسة الأستاذ (طه الراوي)، التي أصبحت فيما بعد لجنة تأسيس المجمع العلمي العراقي.
ـ كتاب مشاكل الفلسفة (لبرتراند رسل) الذي يعد شيخ الفلاسفة في القرن العشرين، بسبب تعدد ميادين إنتاجه الفلسفي وإرساء منهج التحليل المنطقي والدفاع عن الحرية وعن فلسطين وهذا ما دون في كتابه الأخير في مطلع السبعينات (مشاكل الفلسفة) وصدر عام 1946م .
بانتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م تجدد إرسال البعثات العلمية إلى الدول الغربية ولاسيّما الدراسات العليا وفعلا سافر البسام عام 1946م إلى القاهرة ومنها إلى بريطانيا عن طريق البحر وتعرف على طبيب سوداني في طريقه إلى لندن لإكمال تدريبه هناك .
التحق بالكلية الجامعية بلندن التي كانت تجمع بين الفروع العلمية والإنسانية والطبيعية والثقافية وأساتذتها ذوو خبرة علمية عالية وسمعة طيبة ومن أمثال هؤلاء :
ـ (مكدوكال) صاحب مذهب الغرضية في علم النفس .
ـ (سبيرمان) صاحب نظرية العامل العام في الذكاء .
ـ (سير بيرث) الذي أزاد إلى العامل العام في الذكاء القدرات النوعية للغة والرياضيات . الذين تولوا منصب رئيس دائرة علم النفس خلال القرن العشرين تباعاً .(1/8)
لقد حرص البسام أن يكون (سيربيرث) مشرفاً عليه بوصفه رئيس دائرة علم النفس آنذاك وكان معني بتطبيق منهجية تحليل العوامل بالطرق الإحصائية ، وكون موضوع البسام يدرس السمات الأخلاقية وهو موضوع يحتاج إلى إجراء تجارب على تلاميذ المدرسة وتطبيق قياسات معينة عليهم .
قبل المباشرة بإعداد أطروحة الدكتوراه طلب منه أستاذه (سيربيرث) مع مجموعة من الطلبة الجدد الانتساب إلى دورة في علم النفس التجريبي ، فوجد نفسه مع اثنين من الطلبة العرب وهما : (احمد زكي صالح) من مصر ، و(فاخر عاقل) من سوريا واستمروا في الدورة قرابة ثلاثة اشهر من اجل التحقق عن كفاياتهم ومعادلة الماجستير لهم ، إذ أتم الدورة بنجاح باهر .
وبدأ العمل مع أستاذه ووضع فرضيات وتصورات لإبعاد البحث الرئيسة ، ثم باشر بوضع مقياس مفصل للانفعالات تضمن أربعة عشر انفعالا حددها بتعريف دقيق لكل منها . وبمجموعة من المواقف التي تبعث عليها ، وبالاستجابات المتوقعة التي تصدرعن طلبة المدارس الذين وصلوا إلى مرحلة المراهقة ، وهو مقياس يتوالى فيه المعلمون ، ملاحظة الطلبة على مدى شهور في تقدير تجلي الانفعالات عليهم وعند تقديمه هذا المقياس لأستاذه ، دعاه للمقابلة وأخذ منه نسخاً من المقياس لإرسالها إلى بعض الخبراء في علم النفس ، كان راضياً عن الإجراءات وبناء المقياس وقد شعر البسام بالراحة النفسية وبعث في نفسه الثقة العالية بقدراته التربوية .
وبعد حصول الموافقة على موضوع الأطروحة ، طلب تسهيل مهمة تطبيق مقياس البحث على ثلاث مدارس ذات أقسام داخلية وكان طلبتها من الأيتام ومن الأسر المفككة ذات الخلافات المستمرة ، لان هؤلاء الطلبة عرضة للانفعالات وهو موضوع البحث .
وحصل على موافقة إدارتين واعتذرت الثالثة ، وقد جمع من المدرسين ثلاث عينات من البنين والبنات على مشارف المراهقة وفي مطلعها إذ :
ـ وضع اختبارات موضوعية لقياس الصدق والأمانة والمثابرة في الصفات الأخلاقية .(1/9)
ـ واستبانات لتقدير الانفعالات يجيب عنها الطلبة أنفسهم .
ـ وقياس الاضطرابات العصبية فيهم وفي تقدير المعلمين لهم في تعميق تلك الخصائص.
كان البسام يزور المدرستين ويراقب الطلبة ويطبق عليهم بعض هذه المقاييس ، وقد توصلت نتائج البحث إلى :
ـ وجود عامل عام بين الانفعالات من حيث شدتها والاضطرابات العصبية .
ـ وجود نمطين من الانفعالات واحدة تكشف عن الانبساط ويقابلها الانطواء .
ـ ونمط أخر فيها انفعالات البهجة والسرور ويقابلها الأسى والكآبة.
وقد تأتي هذه النتائج متقاربة لبعض التجارب السابقة من حيث التفاوت في الشدة أو الجمع بين مجموعة من السمات الوجدانية والأخلاقية التي تتأثر بالجوانب الأسرية اكثر ما تتأثر بالذكاء .
وفي عام 1950م حصل البسام على شهادة الدكتوراه ، واصبح أستاذاً متخصصاً في علم النفس التربوي ، كان طموح البسام كبيراً فقد أراد أن يتابع اهتماماته الثقافية في الحياة الفكرية في لندن من خلال متابعة الصحف والمجلات وحضور المؤتمرات العلمية والإصغاء إلى إلقاء البحوث المتخصصة في علم النفس لكبار المفكرين والعلماء ، كان يشارك في ندوات تناولت القضية الفلسطينية أبان حقبة التقسيم وساهم في جمع التبرعات وجمع شمل الطلبة العرب وأساتذتهم كالأستاذ زكي نجيب وفاخر عاقل وسعيد النجار .
المربي ـ التدريسي الجامعي :
بعد عودته من لندن حاصلاً على شهادة الدكتوراه في علم النفس عين أستاذاً مساعداً مراعياً في ذلك انه قد أتم ثلاث سنوات يدرس في القسم العالي بدار المعلمين العالية عام 1950م إذ كانت كلية جامعة للعلوم العربية والاجتماعية والطبيعية ، إذ ينتسب إليها الطلبة كونها تمتاز بمميزات قد لا تتوافر في الكليات الأخرى منها :
ـ توافر الأقسام الداخلية لطلبتها .
ـ ملاكها التدريسي المتميز في أقسامها كافة.(1/10)
ـ ضمان الوظيفة بعد التخرج ، علاوة على حصول خريجيها بعد التعيين على البعثات بسنوات محدودة للتخصص في مجالات متعددة ، لذلك كانت لمهنة التعليم مكانة مرموقة في المجتمع .
وبما أن البسام كان إنسانا واقعياً علمياً ، فقد طلب منه التدريس في كلية الآداب قسم الفلسفة وكلية الشريعة الإسلامية لقلة المتخصصين في علم النفس آنذاك .
لقد جعل كتابه المترجم إلى العربية (برسي نن) وعنوانه (التربية حقائقها وأصولها الأولى) الذي هو غني بمادة علم النفس التربوي ، الذي تستند إليه التربية في
دار المعلمين العالية كتاباً منهجياً لكثرة النسخ الموجودة ولكونها مترجمة ، درس علم النفس العام وعلم النفس التجريبي ، وأفاد منه طلبته لكونه ذا معرفة دقيقة في اختصاصه ولديه الخبرة والتجربة وان محاضراته متسلسلة ومنظمة ، وأسلوبه سلس يتقبله المتلقي بإرادته وبتلقائية كونه فصيح اللسان ، لغته عربية سليمة بعيدة عن العامية.
أحب التدريس وقدم لطلبته كل ما يمتلك في مجال الاختصاص ومن تجاربه وخبراته ، ولذلك عد تلك السنوات هي أجمل وأمتع سنوات حياته .
الإدارة والاستشارة :
بعد أن قضى خمس سنوات في مجال التدريس ، نقل عام 1955م إلى وزارة المعارف ، دون علمه وأخذ رأيه مما أدى إلى انزعاجه ، لكن نقل ثلاث من زملائه معه إلى وزارة المعارف ( د. عبد الرسول كمال الدين ، د. عبد الرحمن القيسي ، والأستاذ خضر عبد الغفور) ، ووجد في الوزارة من زملائه (د. نوري الحافظ ، سعدي الدبوني) إذ كان هؤلاء الخمسة يعملون في إدارات بإشرافه بوصفه معاونا للمدير العام في الشؤون الفنية المسؤولة عن الامتحانات والمختبرات والمناهج والكتب المدرسية والبعثات الثقافية ، وكل هذه الإدارات تحتاج إلى كفايات علمية متخصصة فضلاً عن ذلك فقد كان الوزير (د. احمد عبد الستار الجواري) صديقه المخلص الوفي .(1/11)
في عام 1958م وبعد ثورة 14 /تموز /1958 نقل إلى كلية التربية وأخذ يدرس بجميع أقسامها ، وقد استحدث قسماً لإعداد المتخصصين بعلوم التربية فزاد إسهامه في تطوير هذا القسم . طلب منه أن يكون عميداً للكلية لكنه اعتذر ، واكتفى بان يكون عميداً بالوكالة عام 1964م .
وفي عام 1965م عرض عليه منصب (ممثل العراق بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة) (اليونسكو) بدرجه سفير وفعلاً تم اختياره . لقد قضى سنوات عديدة في هذه الوظيفة ، وكان للتعليم حظ وافر من جهوده ، فقد طور وأبدع وساهم
مساهمة فعالة في إغناء أنظمة كثير من البلدان العربية بالمتابعة والإشراف والتطوير عن طريق الإشراف المباشر أو من خلال المؤتمرات والندوات العلمية .
لقد اختير لهذا المنصب على وفق أسس علمية وكانت درجته الوظيفية سفيراً فقد كان يتحلى بخصائص ومميزات منها :
ـ المعرفة الواسعة بالحضارة الأوربية خلال دراسته الجامعية والعليا .
ـ إجادته اللغة الإنكليزية بشكل تام ، سهّل مهمة اختياره.
ـ كونه متخصص في علم النفس .(1/12)
بقي البسام محافظاً على المبادئ والقيم التي غرستها تلك الأسرة العريقة في نفسه فرسخت له اتجاهات سليمة مستقيمة فهو لا يعرف المراوغة والمحاباة ، بل كان شخصاً عادلاً يدافع عن الفقراء ، وكان باب غرفته مفتوحاً لمن يطالب بحقه ، أو يصيبه ضرر من أحد موظفي الوزارة ، كان يعطي للطالب المتقدم للبعثات حقه ، فلا يفضل ابن مسؤول على ابن فقير ، فقد تعرض يوماً أن جاءه الدكتور (صديق الأتروثي) وكان مدير البعثات ، يحمل إليه رسالة من الملحق الثقافي بلندن يرشح فيها للبعثة حفيدي نوري سعيد الذي كان رئيس وزراء العراق فيعرضها عليه للنظر فيها . وعند التأمل فيها وتدقيقها ظهر بأنهما نجحا في أربعة موضوعات لامتحان الشهادة الثانوية في إنكلترا ، وكانت اللجنة تعادل الشهادات العراقية ولا يمكن عدّها معادلة إلا في حالة النجاح بخمسة موضوعات ، ولذلك يعد هذا الطلب مرفوضاً لكونه لم يستوف الشروط ، وخاطب الملحق الثقافي بكتاب الرفض ، لكن الملحق الثقافي أعاد الكرة مرة أخرى بعد أن كتب بان جامعة (كمبرج) قد قبلت الطالبين لكن البسام بقي مصراً على رأيه وأعاد الكتاب .
إن هذه المواقف المبدئية ، وانتهاج العدالة أسلوبا في مسيرته الوظيفية لا يدل إلا على المبادئ والقيم العريقة التي اتخذت من الدين الإسلامي ومبادئه وأحاديث الرسول محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) وأقوال الصحابة نبراساً ومنهجاً علمياً وأخلاقياً ينير مسيرتها الحياتية وسلوكها العام .
لقد دافع البسام من خلال تواجده بمنظمة اليونسكو عن قضايا الأمة العربية في مناقشات المنظمة ، وساهم في مشروعات للعراق كمركز لبحوث النفط والزراعة والتربية وتطوير المعهد الصناعي وجعله الجامعة التكنولوجية ، واعتماد اللغة العربية كلغة عمل في المنظمة الدولية عام 1966م ، وما هذه الإنجازات إلا ثمرة ذلك الرجل العلمي المتنور الذي يريد لبلده الخير والتقدم .(1/13)
في عام 1970م نقل من ممثلية العراق لدى اليونسكو إلى مستشار فني بوزارة التربية وبدرجة وكيل وزارة . وفي أثناء تغير وزير التربية ومجيء الدكتور عبد الستار الجواري الذي كان صديقاً مخلصاً للبسام طلب منه استحصال الموافقات من الجهات العليا لإعادة كلية التربية على ما كانت عليه ، أي تدرس على الأسلوب التكاملي ، أي تقوم بتدريس علوم التربية وفلسفتها والتخصصات الانسانية والعلوم الطبيعية ، وقد حمل الوزير التقرير المفصل إلى القيادة فوافقوا على ما جاء فيها وأعادوا كلية التربية إلى سابق عهدها .
وفي عام 1977م طلب منه أن يكون مديراً لجامعة الإمارات العربية المتحدة (جامعة العين) لكنه لم يوافق إلا بموافقة الحكومة العراقية وتم ذلك ومكث فيها حتى عام 1981م .
وفي عام 1986م أوفد إلى الكويت أستاذاً في جامعتها ومهتماً في تقويم نظامها التربوي وكان بموافقة الحكومة العراقية .
أحيل على التقاعد لتجاوزه السن القانوني للخدمة عام 1981م ، لكن حصل على موافقة مجلس قيادة الثورة في تمديد خدماته لما تبقى من مدة إعارته .
فكره التربوي :
إن للمجتمع العربي من أسباب القوة ما يجعله مجتمعاً متماسكاً ومتجانساً بحكم ما لديه من المقومات والعناصر الأساسية التي تمكنه من أن يكون أمة مستقلة بنفسها ، ولذلك فقد كان الفكر التربوي لمفكرنا التربوي النفسي عبد العزيز البسام مجموعة من المفاهيم التي تعرض لها في إثناء جهاده التربوي في المجالين العلمي والتربوي والذي
أراد به صلاح النظام التربوي والارتقاء به إلى مستوى الدول المتقدمة خدمةً لوطنه وامته وشعبه.
لقد عمل هذا المفكر في مؤسسات تربوية عديدة ، وقدم الخدمات والاستشارات العديدة لكثير في مجال الاختصاص للعراق والدول العربية بسمة مقوم للمناهج الجامعية أو تأسيس جامعات جديدة كجامعة العين في الإمارات العربية ، ولذلك تبنى مجموعة من المفاهيم التربوية ومنها : ـ
1 ـ مفهوم وحدة اللغة العربية :(1/14)
تحدث البسام في الدراسة الموسومة بـ (العربية الفصيحة لغة التعليم في الوطن العربي) تضمنت هذه الدراسة دعوة صريحة لاعتماد اللغة العربية الفصحى لغة التعليم في الوطن العربي في جميع مراحله ، وجميع ميادين الدراسة فيه ، وذلك بوصفها رابطة قومية يجتمع عليها أبناء الأمة العربية ، وبوصفها أداة تربوية فعالة في ترسيخ قيمها ومعالم شخصيتها ، ولتسهم بهذين الوصفين في تعميق وحدة الفكر والإرادة بين أبنائها وهي الأساس لوحدتها الشاملة ومصيرها الواحد .
كما أنها تلتمس الأسانيد لهذه الدعوة من عناية الأمم في العصر الحديث بلغاتها القومية واعتمادها لغة للتعليم بين مواطنيها ، فهي أداة لتطوير الشخصية الانسانية واغناء الثقافة القومية ، واستيعابها الحضارة الانسانية على مدى قرون من تاريخ أمتها واصلاحها للوفاء بمطاليب العلم الحديث ، وتطوير الفكر العربي المعاصر، علاوة على كونها أداة للتعليم .
لقد تحدث البسام عن اللغات القومية في أنظمة التربية المعاصرة ، وعن الجوانب النفسية والاجتماعية في اللغة ، وعن خصائص اللغة العربية ، وعن تقويم مجمل لواقع تعليم اللغة العربية في أنظمة التربية في الوطن العربي ، واخيراً اعتماد اللغة العربية الفصيحة لغة للتعليم في الوطن العربي .
ـ اللغات القومية في أنظمة التربية المعاصرة :
تحدث البسام عن أهمية اللغة ، وعدها أداة تقوي التماسك الاجتماعي بين الأفراد ، فعملت الدول على تطويرها كأداة رئيسة في تربية أبنائها على الرغم من تعدد الثقافات والتفاوت في عدد السكان واتساع مساحة البلاد .(1/15)
إذ إن دول أوربا الغربية كانت لغتها تنتمي إلى فصيلة اللغات الهندية وتعد لغة مهجنة مع ما اقتبسته من اللغة اللاتينية عن طريق التبادل الثقافي بالفتح أو من دونه ، وما اكتسبته من اللغة اليونانية ، وبقيت اللاتينية لغة الفكر في أوربا حتى مطلع القرن الثامن عشر ، بعدها نقلت إليها كتب التراث العربي في الطب والفلسفة والعلوم ، بعد هذه المرحلة تحررت بعض اللغات الأوربية من السيطرة اللاتينية وهذا حدث نتيجة إنشاء الجامعات ومعاهد الدراسات وحركة الإصلاح الديني وترجمة التوراة إلى اللغات المحلية، وظهور الطباعة ، ونشوء الحركة القومية وتحقيق التعليم الإلزامي في المرحلة الابتدائية ، إذ مهدت حركة الإصلاح الديني في أوربا بانتشار اللغة الإنكليزية وإدخالها ببرامجها الدراسية .
وقد طورت دول كثيرة أخرى كفرنسا وألمانيا وروسيا لغتها وجعلتها لغة التعليم .
لقد أدى الغزو الاستعماري من انتشار اللغة الإنكليزية والفرنسية في بلاد كثيرة من آسيا وأفريقيا نتيجة لاستعمالها في التعليم ، ولكن بعد قيام حركات التحرر القومي أخذت هذه الدول بالاعتماد على لغتها القومية على الرغم من طول عهد الاستعمار .
بعض الجوانب النفسية والاجتماعية للغة :
تعد اللغة خاصية إنسانية أصيلة يمتاز بها الإنسان من دون سائر المخلوقات . ولذلك امتاز الإنسان بدلالة العقل والكلام ، ويرى علماء الآثار أن وجود بعض المخلفات من الأدوات البدائية إلى جانب رمم الإنسان القديم ، لا يمكن تصوره من دون نمط من اللغة سهل التعاون على صنعها واستعمالها.
ولذلك حظيت اللغات بعناية الدارسين منذ القديم ، وكان فهم كتب الديانات من البواعث الرئيسة لتلك الدراسات ، وبلغت اللغة العربية شاناً عالياً في تلك العناية مذ كانت لغة القرآن الكريم .(1/16)
وقد أصبحت اللغات محورا لكثير من المباحث والدراسات في العصر الحديث ، فهي أداة من أدوات التعليم ومرتبطة بالتربية والثقافة على وجه التحديد ، وفي الجوانب النفسية.
إن كثيرا من الباحثين يعدون اللغة نمطا سائدا في السلوك ألا نساني الشامل ، لا بمعناه الضيق الذي يعتمد على الحركات والأعمال الظاهرة ، فهي بمعناها العام تتجاوز ذلك لتشمل النشاط الإنساني عامة ، وما ينطوي عليه من عمليات عقلية .
وللغة بهذا المعنى ثلاثة جوانب (جانب المعرفة) الذي يتجلى في الإدراك الحسي ، وفي الفهم والتذكر والتخيل والتفكير وحل المشكلات والابتكار ، و(الجانب الوجداني) الذي يتجلى في الانفعالات وما يصحبها من حالات اللذة والألم والمتعة والرضى والسخط والاستياء ، والجانب الثالث (الجانب النزوعي) الذي يتضمن الإرادة والنيات وما يترتب عليه من الحركات والأعمال . وبذلك يحصل التفاعل مع البيئة أخذا وعطاءً باستمرار .
وللغة على المستوى النفسي وظائف منها التفكير والتعبير والتواصل بين الأفراد (88:ص67) .
واللغة هي أداة التفكير الرئيسة التي تحدد فيها المفاهيم والمعاني المجردة . وقد يتعذر على الإنسان التفكير من دون الاعتماد على المفاهيم للظواهر ، ومن دون الاعتماد على اللغة في تسميتها ، ومجرد التفكير في الرموز العلمية نفسها يمكن أن يعد نوعا من اللغة .
والإنسان لا يحتفظ بتفكيره في باطنه ، بل هو بحاجة للتعبير عنه بشكل كتابه أو كلام مع من هم حوله ، وأداته الرئيسة هي اللغة ، ويمكن للإنسان اكتساب أية لغة من اللغات معتمدا على الوسط الذي يعيش فيه ، وهذا يعتمد على القدرات العقلية كالذكاء والمقدرة اللغوية والفروق الفردية بين الأفراد ، وان جميع هذه القدرات اللغوية تعتمد على أعضاء الحس وأعضاء الحركة وأوتار النطق وحركات اللسان .(1/17)
ويمكن القول إن اللغة فكر ووجدان وارادة ، تتجلى في مهارات ، وتؤدي وظائف التفكير والتعبير والتواصل ، وما يرتبط بها من التذوق والتعاطف والمشاركة في المواقف والأعمال ، وهي تنمو مترابطة مع النمو العقلي في الأطفال وتأتى في نسق وتتابع . وهي وعاء ثقافة الأمة والسبيل إلى استيعاب قيمها وأساليبها في النظر إلى الوجود والموجودات (25:ص348ـ416) .
ـ بعض خصائص اللغة العربية :
فخرت العرب منذ القديم بلسانها وبيانها ، كما فخرت بأصولها وأنسابها .
واللغة هي مرآة حياة الآمة ، والسجل المعبر عن خصائصها ، فلما شرفت العربية بنزول القران الكريم بها : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف:2) ، أصبح الاعتزاز بها منوطا بتلك الكرامة الإلهية ، وباعثا لدراستها وفهم آيات الذكر الحكيم وأدراك أسرار البلاغة ، وفهم الأحاديث النبوية الشريفة ، واحكام الشريعة .
فقد عني باللغة العربية واستمدت قواعدها من كلام العرب وفصاحة آهل البادية واقوال الشعراء والخطباء ، وظهر المنطق وظهرت فيه المذاهب في البصرة والكوفة وبغداد ، وحرص العرب على جمع المفردات وترتيبها ، ولعلهم اسبق الأمم الحديثة في تأليف المعجمات ومن طلائعها كتاب (العين) للخليل بن احمد الفراهيدي وكذلك المعجم الشامل (القاموس المحيط) ، و(لسان العرب) و(تاج العروس) .
إن للغة العربية خصائص عديدة ، والمحافظة عليها وعلى تراثها والعمل على تطويرها مسالة مهمة لكي تفي بحاجات الأمة وتقدم الفكر والعلم ، ولتعبر عن شخصية الأمة وثقافتها القومية ، ومن هذه الخصائص :
العراقة والتكوين :
لقد عرفت العربية بعراقتها وخصائصها المميزة ، ولها تاريخ قديم عند القرن الرابع قبل الهجرة (113:ص3) . وان أساليب الشعر الجاهلي وبلاغته ، وأساليب القرآن الكريم وذروته في الإعجاز دليل واضح على أن للغة العربية تاريخ طويلاً في(1/18)
التطور والتكوين ، وكانت القبائل العربية متعددة اللهجات ، وكان للهجة قريش الغلبة حيثما اشتد الخلاف وذلك بحكم موقعها الديني والسياسي والاقتصادي ، فلذلك اتخذ الشعراء من هذه اللهجة لغة للفن الشعري ، فهي تعد اللغة الفصحى أو اللغة القياسية في التعابير الحديثة (53: ص12) فهي لغة عريقة متينة التكوين وافية الأصول ، امتازت بالفصاحة والبيان فاستوعبت هداية القرآن وحكمته الانسانية .
ـ الحروف والمفردات ونظم الكلام والأعراب :
قد تختلف العربية عن غيرها من اللغات بوفرة أعداد أصوات المخارج ، كما أنها تمتاز بحروف لا توجد في اللغات الأخرى كالضاد والظاء والعين والقاف والحاء والفاء ، وسهولة مخارج الحروف في أثناء النطق ، كما أن التقاء لهجات القبائل حدد حروفها . فضلا عن وفرة المفردات في الشؤون المتصلة بالحياة العربية فان فيها من القواعد المقررة للاشتقاق ، مالا يضاهيها في غناها واتساع مداها وفي دقتها وظبطها اللغات الأخرى (113:ص7ـ11) .
ويكون الكلام بتأليف المفردات ونظمها بعضها إلى بعض لتؤدي معنى يحسن السكوت عليه .
والجملة هي الوحدة الأساسية للكلام المفيد . كما أنها تمتاز بالمرونة في تكوين الجمل فقد تكون اسمية أو فعلية ، في حين أن اللغات الأوربية تكون اسمية .
وتتميز العربية بين كثير من اللغات بالأعراب بمعنى تحريك آخر الكلمات وفقا لموضعها في الجملة ، فالأعراب ركن من أركان ضبط معاني الكلمات ، إذ ترد في تركيب الكلام وتحديد علاقته بعضها ببعض .
أما أوزان الشعر وبحوره في اللغة العربية فهي ميزة لا تكاد تضاهيها فيها اللغات الأخرى ، فالشعر لم يكن فناً كاملاً مستقلاً عن الفنون الأخرى في غير العربية والمقصود بالفن الكامل هو الشعر الذي توافرت له شروط الوزن والقافية وتقسيمات البحور والاعاريض التي تعرف بأوزانها وأسمائها وتطرد قواعدها في كل ما ينظم من قبلها (113:ص24) .
ـ المجاز والقياس :(1/19)
بلغت العربية مدى واسعا في استعمال المجاز ، وفي الجمع فيه بين الدلالة على المحسوسات والدلالة على المجردات . فيقال جاز المكان أو جاز به غير معترض (وتلك دلالة محسوسة) كما يقال هذا جائز عقلا أي غير ممتنع ولا اعتراض عليه (وتلك دلالة مجردة) .
وكانت نشأة القياس في الفقه والشريعة بابا للاجتهاد فيما لم يرد فيه نص صريح ، نشأ في النحو لأغراض متشابهة ، وكانت نشأتهما معا في العراق .
والمجاز والقياس سبيلان لتطوير اللغة واغنائها بشروط التقيد بأصول العربية وقواعد بنائها (18:ص 288ـ404) .
ـ الفصاحة والتعبير :
الفصاحة تعني الوضوح في نطق الحروف بأصواتها المتميزة ، وسريان الحروف من مجاريها حتى إذا تعددت مخارجها من دون تزاحم بينها أو لبس فيها .
والفصاحة ما جرت به السنة العرب قبل أن تخالط كلام الدخيل ، وكما يثبته القرآن الكريم وصحيح الحديث وكتب اللغة ومعجماتها .
ولذلك يعد الشعر ديوان العرب فيه مجتلى للفضائل التي ينشدونها ويعتزون بها ، وفيه عرض للعيوب التي ينكرونها وتشين أصحابها ، وفيه بيان وافٍ للأخلاق التي تحكم الحياة والشاعر يصور الشخصيات والمواقف بصور حية كما هي أو كما يتمناها ، وقد يتحاور مع هذه الشخصيات في جوانب كثيرة من ذات نفسه وضميره.
فاللغة العربية فصيحة في النطق بحروفها وحفاظها على مفرداتها وتنظيم الكلمات في جملها ، والعربية معبرة بترجمتها الصادقة لطبيعة بيئتها وخصائص مجتمعها . ولذلك فقد وصفت باللغة الشاعرة لأنها بنيت على نسق الشعر، فهي فن منظوم منسق بالأوزان والأصوات وهي معبرة لأنها تلائم مطالب العلم (113: ص8) .
ـ الحضارة والتطور :(1/20)
يكشف الشعر الجاهلي عن أبعاد حضارية عريقة ، إذ شيدت المدن واختلط العرب مع الشعوب الأخرى وشيدت حضارات وادي الرافدين والنيل وبلاد الشام ، وعندما شرفت العربية بنزول القرآن الكريم واحتوت تعابيرها حكمته وهدايته ، كان ذلك دليلا على كفايتها ، وكان ابرز عناصر الدعوة الإسلامية تأكيد مكانة الإنسان في الوجود واعتماده على هداية العقل والضمير وتيسير شؤون الحياة وسعيه في التعلم وكسب المعرفة وممارسة التفكير ، ولذلك تعد العربية وعاء صان المعرفة الانسانية بفلسفتها وعلومها ، فمهدت لعصر النهضة وزاد من مذاهب الفكر وأثرت في الحضارة المعاصرة ذاتها .
لقد تعرضت الحضارة الانسانية لقرون طويلة من التدهور والانحطاط ومن أسباب ذلك تبدد الوحدة وتفرق الكلمة وتشتت البلاد وفساد الحكام وغلبة المصالح الذاتية والميل إلى الترف والملذات ، والتعرض للغزوات كالتتار والصليبيين وتلتها الخضوع للنفوذ الأجنبي ولذلك تأثر الفكر العربي ومن خلاله اللغة العربية ، فتضاءل الفكر وغلب عليه التقليد وضعفت اللغة ونشا فيها اللحن ، وطغى النشر والزخرفة على الأدب ، واصبح أداة للمدح الكاذب للحكام ، ولذلك تعرضت العربية لأن تتشتت وتتبدد إلى لهجات محلية لا جامع بينها لولا أن الدين الإسلامي قد صانها بالقرآن الكريم والحديث الشريف وحفظها في القلوب وعلى السنة الدارسين وأقلام الكاتبين ، كما حفظ معها شخصية الآمة العربية طوال تلك القرون .(1/21)
فلما ظهرت طلائع النهضة الحديثة في البلاد العربية متمثلة بحركات الإصلاح الديني ومواجهة الحضارة الغربية وغزوها الثقافي ، تجلت بحركاتها الفكرية وكان من آثارها نشر كتب التراث العربي الإسلامي ، ونمو الإصلاح الديني ، فانتعشت اللغة العربية نتيجة لعوامل مساعدة أخرى كظهور الطباعة ، وإنشاء الصحافة ، وانتشار التعليم وبروز الشعراء والأدباء ، وإنشاء المجامع العلمية وعنايتها بوضع المصطلحات والكشف عن أصول اللغة واتجاهات تطورها ، علاوة على التفاعل بين الحركات الوطنية والقومية والحركة الفكرية في الوطن العربي (101:ص95) .
إن الحياة الفكرية يجب أن يكون للجماهير العربية نصيب فيها ، ولا تكون مقتصرة على فئة محددة من المثقفين ، وتكون الكثرة من أبناء الآمة محرومة منها .
إن للغة العربية خصائص فهي لغة عالمية للفكر قرونا طويلة ، وهي لغة عقيدة منزلتها رفيعة في نفوس العرب كونها لغة القرآن الكريم ويشاركهم في هذا الاعتزاز الشعوب الإسلامية ، وهي لغة الصلوات الخمس أيضاً.
ـ تقويم مجمل لواقع تعليم اللغة العربية في أنظمة التربية للوطن العربي :
النظرة المجملة على مستوى السياسات التربوية عن اعتماد اللغة العربية للتعليم في الأقطار العربية عامة ، وقد حصل توسع ملحوظ في التعليم المدرسي بعد نيل معظم البلاد العربية استقلالها . فتضاعفت أعداد تلاميذ المرحلة الابتدائية ، وزادت نسبة التعليم الثانوي والتعليم العالي ، وما يزال خارج المدارس عدد ليس بقليل ، علاوة على أن نسبة عالية بين الكبار ما زال عدد كبير منهم محرومين من التعليم .(1/22)
إن التطور الذي حصل في أنظمة التربية العربية تناول الجوانب الكمية اكثر مما تناول الجوانب النوعية ، إذ أن إنشاء تلك الأنظمة منقول عن أنظمة التربية الغربية ، وان الجهود التي تبذلها الدول من اجل إصلاح الجوانب التربوية هي جهود يعوزها الشمول والتكامل وقد تعتمد على الخبرات الشخصية وقد لا تعتمد على البحوث العلمية الدقيقة .
فقد تشكو الأنظمة العربية التربوية من نقص في كفايتها ، وأساليبها التقليدية ، فهي ذات أهداف غامضة فضلاً عن ضيق محتوياتها ، وضعف طرائقها ووسائل وأساليب تقويمها (29:ص58ـ59) .
فعلى الرغم من اعتماد اللغة العربية لغة للتعليم ، فأنها ما تزال تنافسها لغة أجنبية في بعض الأقطار العربية ، وقد تكون في جميع مراحل الدراسة .
في حين كانت الجامعة السورية اسبق الجامعات العربية في اعتماد اللغة العربية لغة للتعليم فيها ، ولذلك وضعت كتب الدراسة بالعربية .
لقد اعتمد العراق في السبعينيات اللغة العربية لغة للتعليم في جميع ميادين الدراسة فاتخذت الحكومة آنذاك قرارا حاسما بتعريب تدريس العلوم الصرفة والتطبيقية والتقنية في كليات التعليم العالي ومعاهده ابتداء من العام الدراسي 1977/1978 ولذلك وضعت خطة وافية لتوفير الكتب الدراسية المقررة والمصادر والمراجع ترجمة أو تأليفا ، وشرع تطبيقها في الصفوف الأولى من تلك السنة ، تليها الصفوف الأخرى ، حتى اكتملت عام 1980/1981م .
إن مضار التعليم بلغة أجنبية في مؤسسات التعليم قد يحرم المتعلمين من الاعتماد على لغتهم القومية كأداة فكرية ايسرَ في التعليم ، ووسيلة اجتماعية وقومية لترسيخ الخصائص القومية وأسس الوحدة الفكرية . وانما تشمل أيضا أخطار تشربهم لقيم ثقافة أجنبية خلال حقبة مهمة من نشاتهم وقد يؤثر في ولائهم لامتهم ، وهذا ليس معناه العزوف عن تعلم اللغات الأجنبية لأنها تفيد في الأغراض العلمية والثقافية وانفتاحاً على الفكر الإنساني عامة .(1/23)
لقد لعبت الدول الاستعمارية دورا كبيرا في طمس شخصية الآمة العربية وذلك عن طريق فرض اللغة الأجنبية كلغة للتعليم في مختلف المراحل الدراسية ، واقامة الحواجز بين الأقطار العربية وإشاعة الفرقة والنزاعات الطائفية ، وعدم السماح للتبادل الثقافي أو حركة الأشخاص والأيدي العاملة ، وكان هذا واضحا في سياسة فرنسا في أقطار المغرب العربي (114:ص105) .
لقد ظهرت في القرن العشرين في قسم من البلاد العربية دعوات لتبني اللهجات العامية لغة للثقافة والتعليم بحجة انتشارها بين الجماهير ، ويسرها على المتعلمين ، ورصد ذخيرة الأطفال اللغوية والكلمات العامية الشائعة بينهم ، وكان في مقدمة الداعين إلى ذلك المهندس(ولك وكس) الذي دافع عنها كونه ذا نزعات إقليمية ولاسيّما في مصر ولبنان (155: ص87) .
إن شيوع اللهجات العامية في الوطن العربي تسبب أخطارا كبيرة ولاسيّما في الجوانب التربوية والثقافية والاجتماعية والسياسية .
إن شيوع العامية بين الجماهير يصرفها عما يكتبه قادة الفكر ، وحدوث هذه الفجوة بين الجماهير وقادة الفكر قد تسبب خسارة القادة أنفسهم بسبب عزلتهم عن واقع الحياة الاجتماعية ، فإذا اصبح الناس فئتين ، فئة القادة المفكرين المبدعين وفئة المحرومين من الغذاء الفكري فان قيام الوحدة الشعبية سيكون مستحيلا (4:ص455ـ457) .
إن اقتصار الجماهير على العامية يعني عزلهم عن عقيدتهم التي تمثلت في القران الكريم والحديث الشريف وعن التراث الفكري للامة ، وبذلك يكونون قد انقطعوا عن جذور أمتهم وثقافتها ، وبذلك تكون الخسارة روحية وفكرية ومجتمعية قومية ، فكلما تضاعفت الأقطار العربية التي تتخذ العامية في مجالاتها التربوية فان الآمة تتعرض إلى التشتت وتتعطل حركتها نحو الوحدة والتقدم .
لقد ظلت صلة الجماهير العربية قائمةً باللغة العربية الفصحى عن طريق الدين الإسلامي وتعلق الناس به فهي تغذي العقول والقلوب .(1/24)
وقد لعبت المجامع اللغوية العلمية في الوطن العربي (في دمشق والقاهرة وبغداد وعمان والرباط) دوراً فاعلاً وجاداً في الحفاظ على سلامة اللغة العربية وتطويرها.
وشاركت الجامعات العربية في تطوير الدراسات العربية واغنائها تأليفا وتحقيقا ولا سيّما في مصر وسوريا والعراق والمملكة العربية السعودية .
وقد تولد عن ذلك نهضة أدبية كشفت عن نوابغ من الشعراء والكتاب .
وأصدرت حكومة العراق قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية برقم 64 لسنة 1977م وبذلك ألزمت كل المؤسسات والدوائر والجمعيات والمنظمات بالمحافظة على سلامة اللغة العربية ، واعتمادها في جميع مراحل التعليم والتفكير بها وإدراك مزاياها والاعتزاز بها .
ـ اعتماد العربية الفصيحة لغة للتعليم في الوطن العربي،ومسارات تحقيقها في الواقع :
تنشا الحاجة إلى اعتماد سياسة تربوية واضحة وشاملة لاعتماد اللغة العربية الفصيحة لغة للتعليم في جميع مراحله ، ويتم تعين المسارات الرئيسة لتطبيقها وتتظافر الجهود على الصعيدين القطري والقومي لمتابعة تنفيذها ، حتى تؤتي ثمارها في المؤسسات التربوية جميعها ، لتصبح الفصيحة تدريجياً لغة تواصل بين الأفراد ، ولا بد من إيجاز بعض المسارات الرئيسة لتحقيقها :
ـ الأبعاد العامة للسياسة التربوية :ـ
تنطلق السياسة التربوية من تحديد معنى اللغة العربية الفصيحة ، وتحديد الأهداف المتوخاة من اعتمادها ، وتكون صيغة ميسرة متطورة ، تتمسك بأصول الفصحى وتحافظ على طبيعتها ، ولاتخرج عن أسس تكوينها .
والفصيحة تنسج على منوال الفصحى في أصولها وسلامة تكوينها ، والفرق بينهما في الدرجة لا في النوع .(1/25)
ولابد من وضوح الأهداف والحفاظ على سلامتها واستثمار إمكانياتها في التطور لتغطية الحاجات المتجددة . وان تكون رابطة قومية بين أبناء الآمة العربية ، وكذلك اعتمادها كأداة فعالة في التعليم وتنمية الشخصية فكرا ووجدانا ، و يمكن للمتعلمين بواسطتها فهم القرآن الكريم والحديث الشريف والتراث الفكري العربي ، وأنها أداة في استيعاب العلم الحديث وتطبيقاته ، وتحديد المصطلحات والمفاهيم .
لقد أقرت البلدان العربية عام 1978م استراتيجية لتطوير التربية العربية ، وكانت هناك لجنة انتدبتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لهذه المهمة (40:ص132) .
وهي تعتمد على إعداد المعلمين لمختلف المراحل ليكونوا مؤهلين للنهوض بمهمات التعليم وتحتاج إلى التعاون مع أجهزة الثقافة في مجالات التخطيط والتنفيذ
ولابد من التعاون على الصعيدين القطري والقومي بين المؤسسات التربوية والعلماء المختصين في اللغة وفي التربية والعلوم .
ـ رسم المسارات الاستراتيجية لتحقيق السياسة التربوية :ـ
إن رسم المسارات يعتمد على أساليب التخطيط الحديثة ومراعاة متطلبات الواقع وما يشتمل عليه من احتمالات وما يقتضيه من بدائل لمواجهتها ، ثم التطبيق في نطاق البرامج والمشروعات وهذا يعتمد على اتخاذ القرار السياسي والتشريع لكي تبدا المؤسسات التربوية والمتخصصة بالتطبيق ومواجهة المشكلات .(1/26)
واصبح التعريب سياسة مقررة في الأقطار العربية ، لكن قد تواجهه ، عقبات تعطل تحقيقه فيجب تجاوزها بروح ثورية ، كما حصل في العراق فيما يتعلق بالفروع العلمية والتقنية من التعليم العالي . ويجدر أن يطبق مبدا قومية العمل العربي ، والعمل على دعوة المجامع العلمية العربية من اجل تنسيق جهودها وتبادل أعمالها وتطوير وسائل النشر وتحديد المصطلحات والدراسات والبحوث وتهيئة المعجمات المتدرجة في وفرة المفردات وتعريفاتها ، والتأكيد على البحوث التربوية والنفسية التي تهتم بالنمو اللغوي عند الأطفال وصلته بالنمو العقلي ، كما يمكن الاهتمام بإعداد المعلمين وتجديد الأداء وتحسين الكفايات من اجل تحسين ثقافة المواطن التي تؤلف المحتوى الرئيس للتربية ، والتربية هي السبيل الرئيس لاستيعاب الناشئين لثقافة أمتهم ، ومنها يسهمون في تطويرها وتجديدها (29:ص82 ـ83) .
2ـ البسام مديرا لجامعة (العين) جامعة الإمارات العربية المتحدة :
تأسست جامعة العين عام 1971م ، ولكن ظهرت للوجود بالتعاون مع بعض الدول الشقيقة لتكون جامعة لدول الخليج العربي ، فصدر قانون 1976م يقضي بإنشائها ، فكان عبد الله عمران الرئيس الأعلى للجامعة ، مستندا إلى رعاية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة .
تم تكوين أمانة عامة تولاها احمد بوحسين ، وضم أليه بعض العاملين في إدارتها عام 1977م ، فتم توفير المباني والسكن والأثاث ، ومتطلبات التغذية وتوفير بعض الأجهزة الأولية ، وكانت مدينة العين مقرا لها .
وتم اختيار لجنة استشارية من بعض الخبراء تولت الإطار العام لتأسيس الجامعة وأعضاء التدريس والأقسام وزملاء آخرين لوضع الخطوط العامة من أجهزة وكتب ووسائل ومراجع وعلى رأسهم (عبد العزيز البسام) ، (وطاهر عبد الرزاق ، وسعيد التل) وكذلك (علي حمد المياح ، وإبراهيم علي عمار ، ومحمد احمد حمدان ، واسكندر بشير).(1/27)
تضم جامعة العين أربع كليات هي (الآداب والعلوم ، والتربية ، والعلوم الإدارية والسياسية) .
وكانت لكلية التربية وظائف أساسية هي (التعليم والبحث والخدمة الاجتماعية) .
وتم افتتاح جامعة العين في(10/ت2/1977م ) وحضر رئيس الدولة الشيخ زايد بن سلطان ورئيس وأعضاء المجلس الأعلى لاتحاد حكام الإمارات ، ووزراء التربية العرب.
خطاب البسام الأول إلى أساتذة الجامعة :
لقد قدم البسام التهنئة إلى أساتذة الجامعة بعد إن وقع الاختيار عليهم هيأة تدريسية في عامها الأول .
إن من يتولى المهمة عليه استجماع طاقاته واستثمارها في سعي متواصل نحو الأحسن والأفضل من الأعمال . وان يدرك أن جهوده خير ما تكون إذ تأتى بتعاون وتكامل ، من اجل المساهمة الجماعية في إرساء أسس النظام الجامعي لهذه الجامعة الفتية وتنسيق وتكامل أعمالها . وبذلك تكون منهجيتها متفقا عليها جديرة بان نعتمدها ونواصل العمل بموجبها (28:ص37) .
إننا نشارك في إرساء نظام جامعي جديد وإصدار تشريع في ذلك لنشهد ولادة الجامعة وهي تستنشق أولى نسماتها وتطلق صيحتها الأولى نداء إلى المعرفة والحياة بأوسع معانيها .
ولذلك وضع المختصون تقارير متكاملة لكلياتها الأربع وتحديد أهداف الدراسة واقتراح بعض الكتب والمصادر الملائمة لها ، واستعراض أقسامها ووحداتها واختيار
الوسائل التعليمية الملائمة لأقسامها ، وما دمنا نمتلك الحرية الكاملة وطلقاء في إرساء أسس النظام و نقتنع بالإفادة من تجاربنا واستبعاد الجوانب السلبية التي واجهتنا في مؤسساتنا سابقا ، مستفيدين من الإيجابيات الصالحة قادرين على استيعابها وتمثلها واقعا في سلوك الطلبة .
وان ننظر إلى التحديث بأنه هدف وان لا نبقى متمسكين بنزعة المحافظة والتقليد لأنها ستؤدي بنا إلى الركود والنمطية التي تخلو من التنوع والحيوية .(1/28)
ويكون هذا القصور والركود في مجالات العجز عن متابعة ثورة المعرفة العلمية واستيعابها وعن العجز في جعل مهنة التعليم مستندة إلى أسس علمية والانفتاح على طرائق التدريس الحديثة وأساليبها التقنية في النظم والتخطيط .
إن النقص الذي يحدث سببه العجز في متابعة تفجر المعرفة العلمية وتقليد المناهج وضآلة البحوث العلمية واستعمال طريقة المحاضرة وما تتضمنه من الإلقاء والتلقين والنقص في استعمال الوسائل التقنية وأساليب التنظيم والتخطيط وضعف العلاقات بين المعلم والمتعلم وبين أعضاء هيئات التدريس بعضهم مع بعض .
ولابد من تنمية نظام كفء للتوثيق والمعلومات ، وعلينا أن لا نجعل من هذه الجامعة نسخة منقولة معتمدة على التقليد والمحاكاة ، بل لا بد من أن تكون لها مقوماتها الذاتية الملائمة لمجتمعنا وان تكون لها شخصيتها المتميزة بعيدة عن العزلة والتفرد عن تبادل الخبرات مع الجامعات الأخرى ، وان حدوث الخلاف بينها وبين الجامعات الأخرى لم يأتِ في المجالات العلمية ولكن قد تميزت في مجالات القيم والأخلاق وما يتصل بهما من الأهداف الوطنية والقومية ، وهو مجال لا تنهض الجامعة بواجباتها أن لم تجعله في مقدمة أهدافها ووظائفها (28:ص38ـ41) .
أهداف الجامعة:
كان لجامعة العين أهداف أساسية تسعى إلى تحقيقها ومن هذه الأهداف :.
1ـ ترسيخ الوحدة الوطنية التي تحقق التماسك الاجتماعي .
2ـ المساهمة في تعميق الوعي القومي وفي التمسك بالأهداف القومية للامة العربية والعمل من اجل الحصول على كامل حريتها .
3ـ المساهمة في تحقيق التنمية الشاملة .
4ـ المساهمة في الحضارة الانسانية والانفتاح على الثورة العلمية (28:ص42ـ43) .(1/29)
علاوة على ذلك فقد كانت لهذه الجامعة الفتية أهداف أخرى تتضمن متابعة الفكر التربوي الحديث وتطبيقاته ، واعتماد الأساليب العلمية في التربية ، وإدراك التعليم العالي جانبا من التربية ، وان التربية فن أوضاع جديدة ، وان تتجاوز مرحلة الخبرات الشخصية والمهارات العامة إلى مرحلة الاستناد إلى العلوم السلوكية وتطبيقاتها ، ومتابعة ما يستجد من نتائج الفكر الحديث من ناحية ، واعتماد أساليب التجريب ، واختبار المستحدثات من ناحية أخرى .
فقد كانت تؤكد على وضوح القصد ، وما ينطوي عليه من الأصالة المجتمعية والتجديد والمعاصرة ، ومواجهة مشكلات التأسيس والتحديث ، أي الاعتماد على العلم منهجاً ومحتوى ، والتميز أي أن تكون متميزة بحكم ملاءمتها لخصائص مجتمعها وأحوال بيئتها ، والنهوض بالوظائف الجامعية الثلاث وهي (التعليم ، والبحث العلمي ، وخدمة المجتمع بتوازن وتفاعل وانسجام) وهذا يتطلب منها :ـ
1ـ المساهمة في إعداد المعلمين والمدرسين .
2ـ المساهمة في جهود تطوير النظام التربوي العام .
3ـ المساهمة في تدريب المعلمين في أثناء الخدمة .
4ـ المساهمة في إرساء أسس التربية المتكاملة المستديمة .
5ـ متابعة تطور النظام التربوي والتحقق من البيانات (28:ص42) .
كليات الجامعة:
تضمنت جامعة العين أربع كليات احتوت على أقسام عديدة ومتنوعة وهي كما يأتي:
كلية الآداب : شملت هذه الكلية على مجموعة من الأقسام وهي (الدراسات الإسلامية ، واللغة العربية ، والتاريخ ، والآثار، والجغرافيا ، والفلسفة ، والاجتماع ، واللغات الأجنبية).
كلية العلوم : أكدت هذه الكلية على الأقسام العلمية وكانت أقسامها :ـ
(الرياضيات والإحصاء ، والكيمياء ، والفيزياء ، وعلوم الحياة ، والجيولوجيا) .
كلية التربية : وشملت قسمي (التربية ، وعلم النفس) .
كلية العلوم الإدارية والسياسية : واحتوت على الأقسام :(1/30)
(الإدارة العامة ، والسياسة ، والمحاسبة وادارة الأعمال ، والقانون ، والاقتصاد) (28: ص12،13) .
وكان من وظائف اللجنة الاستشارية :
استقبال الطلبة للتسجيل ، واختيار أعضاء هيأة التدريس ، وتوفير كتب الدراسة والمراجع والوسائل المساعدة ، وتوفير المباني والأقسام الداخلية والفصل بين الجنسين ، وتوفير السكن لأعضاء هيأة التدريس ، وتوفير التغذية ووسائل النقل ، كما كان من وظائفها اختيار العاملين للنهوض بالجوانب الإدارية .
وقد حددت الجامعة شروطا لقبول الطلبة وتتضمن في :
أن يكون الطالب قد أنهى الدراسة الثانوية أو ما يعادلها ، ويتم توزيع الطلبة على التخصصات مراعية بعض الأمور :
رغبة الطالب ، وحاجات البلد ، وتوافر الإمكانيات في الكلية ، فقد لوحظ أن البنين من الطلبة يرغبون في الانتساب إلى تخصصات إلى العلوم الإدارية والسياسية .
كان التدريس باللغة العربية ، واستعمل نظام الساعات في التدريس وقد حدد لكل فصل دراسي ما يقارب (16) أسبوعاً ، وبقدر ثلاثة فصول أو فصلين .
منهجية العمل في الجامعة :
كان من أهداف الجامعة اعتماد التحديث ، وان تكون أهدافها واضحة ومحددة ، وهذا يمكن أن يلمس من خلال تفاعلها مع المجتمع . كما لايمكن اعتبارها نسخة منقولة من العالم الغربي ، بل لها خصوصيتها لكونها في بلد عربي إسلامي . فهي مادامت واضحة الأهداف وتعتمد مبدأ اعتماد التحديث والتطوير ، فقد حددت برامجها من خلال برامج لتطوير المناهج والطرائق والوسائل والأساليب وتقويمها ، كذلك برامج البحوث العلمية الإجرائية ، وبرامج للخدمات المجتمعية وتطوير الإدارة الجامعية ، وبرامج لاعداد الكفايات من المواطنين ، وبرامج النشاط الثقافي والاجتماعي ، وبرنامج للتعاون الثقافي مع الجامعة العربية ، وبرنامج المباني الجامعية وتطويرها من خلال وضع خطة للسنوات الأربع المقبلة .(1/31)
كانت الجامعة تواجه مشكلات فمنها مشكلات آنية تحل بالتفكير العقلي والصبر، وهناك مشكلات أخرى كالنقص في الكادر التدريسي أو التقصير في تأدية الأعمال والواجبات أو حدوث فجوات ، وهذا قد يحدث لان الجامعة حديثة التكوين .
وهناك بعض المشكلات التي واجهة الجامعة في أثناء الفصل الأول الدراسي :
ـ التأخر في بدء الدراسات بسبب عدم إكمال متطلبات السكن في الأقسام الداخلية ، والتأخير في تسجيل بعض الطلبة الوافدين .
ـ حداثة التجربة ، وهذا ما سبب القلق لبعض الطلبة ، وأيضا الأساتذة لم يألفوا مستويات الطلبة وخصائصهم .
ـ نقص مقومات بعض النشاط الجامعي بسبب تأخر بعض الكتب أو صعوبات السكن والتغذية .
ـ أن تفاوت مستويات الطلبة أدى إلى التدرج في التدريس .
ـ نظام الساعات يحتاج إلى تطوير الطرائق والإرشاد بنسبة عالية جداً .
لقد قضى البسام في جامعة العين خمس سنوات ، أبتدأ من سنة الافتتاح عام 1977م حتى عام 1981م فقد كان رجلا أمينا على تأسيس هذا المنبر العلمي الذي يضيء بنوره الخليج العربي ، ويستهدي بإشعاعه طالب العلم والمعرفة ، فقد كان ذلك
الجندي الباسل الذي قدم الشيء الكثير من اجل غرس فسيلة علم في هذا المكان ولم يتركها حتى شاهد ثمارها على المنطقة .
فقد كان البسام أنموذجا معبرا للإنسان العراقي الطيب والوطني الصادق الذي ضحى بحياته من اجل قضية آمن بها ، وقد اتسم الرجل برجاحة العقل ووضوح الفكر وبقدر كافٍ من الجرأة ، وبقدر غير محدود من الاستقامة النابعة من تسديد الأمور التي أهلته في موقعه التربوي الذي يؤدي دورا ملموسا في إحدى المراحل الحاسمة من تاريخ العراق السياسي المعاصر .
ويعد البسام أحد الرواد العراقيين الذين أدركوا أهمية التربية والنظام التربوي وتحويلها إلى أداة فاعلة للتغيير السياسي المطلوب .(1/32)
فان البسام لم يؤد واجبه في المجال التربوي بعدّه تربويا فحسب ، بل اسهم في توجيه الأنظمة التربوية العربية ، ولاسيما مشاركته الفاعلة في أعداد الاستراتيجية العربية التربوية للدول العربية والتخطيط والأشراف على كثير من أنظمة الدول العربية تربويا وتقويم مناهجها وخططها التربوية ، ولذلك أطلق عليه اسم (الاستراتيجي التربوي) .
وما يسجل للبسام انه أدرك واقع المجتمع العراقي وتكوينه القومي ، ومحاولاته الجادة من اجل تكريس ذلك للتصدي الناجح للنفوذ الأجنبي ومخططاته باتجاه ترصين الوحدة الوطنية على أسس واقعية تربوية بعيدة عن كل أشكال التعصب والتسلط ، وهو في ذلك قد تجاوز من دون أدنى شك جميع زملائه التربويين ، مما جعله على افضل العلاقات وأقربها مع مفكرين معروفين في المجامع العربية ، لم يعانوا من حساسية تجاهه ، ولم يترددوا عن التعاون معه ليتحول بذلك إلى أنموذج للتعاون والتآخي القومي العربي ، وفي توافق مطلق مع قيم الدين الإسلامي الحنيف التي آمن بها إيمان المؤمنين الصادقين .
لقد كان يرى أن اصل الداء لكل معضلات العرب هو الاستعمار والسيطرة الأجنبية والامية ، ولذلك فقد كتب مشروع خطة محو الأمية وتعميم التعليم الابتدائي .
كما نادى بتعلم الكبار من خلال كتابه تعليم الكبار بين النظرية والتطبيق ، ولم يتوقف عن ذلك المكان فقد أراد أن يجعل التعليم العالي مفتوح الأبواب لكل طالب علم بغض النظر عن العمر ، وأراد أن يستنير الناس بأنوار العلوم من خلال مناداته بالتعليم عن بعد والجامعة المفتوحة .
لقد بذل كل جهده من اجل خدمة الشعب والوطن وهذا الأخير بالتحديد هو الذي جعل منه رمزا من رموز التربية العراقية ، جديرا بالتقدير والإجلال .
الفكر الإسلامي ـ أغراضه ومجالاته وأساليب تدريسه :(1/33)
لقد جعلت جامعة الإمارات العربية المتحدة مساق الفكر الإسلامي من المتطلبات الجامعية التي يلتزم جميع الطلاب بتناولها وباتجاهها الحديث المتميز ، تنحو إلى خط من التعمق في أصول الدين الإسلامي عقيدة ونظاما وتمكين الطلاب من أدراك رسالته الانسانية والسعي إلى استيعاب مطالبها ومتضمناتها في حياة الإنسان وفي نظام المجتمع (28:ص123) .
وكان من الأغراض المعرفية في هذا الخصوص :
1ـ تنمية قدرات الطالب على التفكير في الجوانب الرئيسة للثقافة الإسلامية ، تحليلا وتأليفا وفهما واستيعابا وإكساب الطالب المهارات المنهجية والفلسفية والعلمية .
2ـ الإلمام بأصول الإسلام عقيدة ونظاما ، وتكوين النظرة الشاملة المتكاملة له في حياة الإنسان وفي نهضة الأمم وتقدم المجتمعات ودوره في التقدم .
3ـ الإلمام بخصائص الحضارة العربية الإسلامية وتطورها فكريا ، ودور الإسلام في توجيهها الوجه السليمة .
4ـ الإلمام بأصول الإسلام والمسلمين في العصر الحاضر ومعرفة مقدار التحديات التي تواجههم ومعرفة الحركات الفكرية التي ساهمت وتساهم في يقظتهم الفكرية والتصدي لحل المشكلات التي تواجههم وإيجاد الحلول لها .
5ـ أدراك الجوانب الانسانية والاجتماعية في الإسلام وإسنادها إلى أسس عقلانية ملائمة للفكر السليم (158:ص136ـ137) .
3ـ البسام المخطط والستراتيجي للتربية العربية :
إن الأنظمة التربوية العربية وليدة عوامل تاريخية متواصلة على مر الأجيال ، وهي في العادة على حظ كبير من التعقيد، فهي تحتوي على الإيجابية والسلبية وان تشخيص مشكلاتها وتقدير حاجاتها وإمكانياتها واستعدادها للتطوير وانفتاحها على اتجاهاته نابع إلى حد بعيد من باطنها مستوعب لمطالب بيئتها غير مفروض عليها ، وبما إنها تغفل ذلك الواقع في بعض أحواله وخصائصه . فهي ناقصة في تصورها ومقوماتها معرضه للإخفاق في تطبيقها .
وقد شمل المسموح عادة أنواعا من البيانات لتعدد أغراضها منها :(1/34)
(للوصف ، والتفسير، والتقويم ، والتوقع) وأبرزها تقويم واقع الأنظمة التربوية .
وقد أوصى اجتماع وكلاء وزارات التربية المنعقد في الرياض بتطوير نظام المعلومات بعدّه مهما لتطوير الاستراتيجية العربية .
لقد درس البسام الأنظمة التربوية العربية واطلع على مميزاتها وخصائص أنظمتها وتكونت لديه مميزات وخصائص هي :ـ
1ـ الوحدة آمر نسبي في الأنظمة لوجود التفاوت في التحقيق لاجزائها ووجود البلبلة والاضطراب حتى يصل إلى الصراع . وكذلك وجود العجز والعوز ، أو العكس بوجود الإفراط ، وهذا يحدث الاختلال وعدم التوازن ، أن كانت الحالات مستقرة أو عارضة .
2ـ وجود علاقات القرابة ، وهي نوع من درجة الوحدة وعلاقات النسب ويزداد التفاعل بزيادة التقارب والتماسك أو العكس الذي يؤدي إلى التفكك والانحلال .
3ـ من حالات تيسير التفاعل (الانفتاح) مع البيئات المختلفة ليؤدي إلى التطور من حالة إلى احسن منها .
ولكي يتمكن البسام من رسم الاستراتيجية الصحيحة من خلال اطلاعه على خصائص ومميزات الأنظمة التربوية العربية ، لابد من استعراض منهجية الدراسة لكي يحصل على البيانات الصحيحة والصادقة .
إن واقع الأنظمة التربوية هو تنشيط في سياق مجتمعها ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، ولابد من رصد الواقع وجمع البيانات بالطرق المتعددة عن كل ما يخص الجوانب التربوية ، ولابد أن تكون البيانات التي يحصل عليها صحيحة مطابقة للواقع شاملة ، وافية ، قابلة للتحقيق ، صالحة للوصف والتفسير والاستنتاج . تجمع جميع البيانات ويتم تحليلها وتنظيمها وفقا لنظرية جمع وتحليل النظم ، أي عن طريق المدخلات والمخرجات .(1/35)
إن الإطار العام لدراسة واقع التربية على الصعيد القطري ، لابد من أن يدرس من خلال الفلسفة الاجتماعية السائدة وبأهداف صريحة وضمنية لحركة المجتمع ، ويتناول حالة السكان والتركيب الاجتماعي ومصادر الثروة القطرية وتأثيرها على مستوى الحياة ، وطبيعة الإنتاج ومعدلاته والجوانب الثقافية والعناية بالنظام اللامدرسي والتعرف على أهدافه ، والابتعاد عن النظام المدرسي لأنه لا يوجد موازنة بين النظامين .
ولكي يتوصل واضعوا الاستراتيجية من رسمها بشكلها الصحيح والواقعي لابد من رصد الأهداف بشكل دقيق وذلك من خلال تحديد مصادر تلك الأهداف ، وان تكون المنهجية واضحة من خلال فلسفتها ، وان تكون هذه الأهداف صالحة لطبيعة المجتمع وأهدافه ، ومعرفة ما هو صريح وما هو ضمني ، وان يكون التمييز بين مستوياتها واضحا ، ويجب التأكد من وقعها أو هو مجرد ادعاء (32:ص16ـ26) .
المتعلمون والبنى التعليمية:
المتعلمون : هم اضخم مدخل في الأنظمة التربوية ويعيننا في دراسة أحوالهم ، وتوفير فرص التعلم وتكافؤها ، وتنامي الأعداد في القبول ، والقبول للذكور والإناث والفئات الاجتماعية ، والريف والمدينة ، ومقدار ما حققه النظام المدرسي من إنجازات ، وماهي المشكلات التي تواجهه في مجال تكافؤ الفرص .
البنى التعليمية :
وتتضمن هذه البنى التعليمية معرفة أمور عديدة وهي :
متى يكون التعلم ؟ وأين يكون ؟ وبعبارة أخرى (امتداد التعليم في الزمان وفي المكان) ، السلم التعليمي ، وما هي مراحله ؟ وهل هذه المراحل تلائم حاجات البلد والمجتمع ؟ ، مدى انتشار هذه المؤسسات التعليمية بجغرافية مناطق الإقليم ، وما هي القنوات التعليمية المتاحة لحركة المتعلمين (الأبنية المدرسية ، أنماطها ، مواصفاتها، توزيعه) .
محتوى وطرائق ووسائل وأساليب التربية وتقويمها :(1/36)
إن دراسة محتويات التعليم وطرائقه ووسائله وتقويمه لابد من ممارستها ، أي لابد من معرفة ماذا يتعلم المتعلمون ؟ وكيف يتم التحقق من تنامي الكفايات ؟ وما هو المنهج ؟ وليس معناه المحتوى ، بل كل المواقف من الخبرات الانسانية والأنماط السلوكية ، أي أن يعتمد هذا النظام إلى أنظمة فرعية تشمل (المحتوى ، والطرائق والوسائل ، والأساليب التقويمية) .
المعلمون : وهم الفئة البشرية ، وهم الطرف المنظم للأنشطة التربوية وترجمتها إلى خبرات واقعية يوما بعد يوم ، ويعتمد على الكفاية في الأداء من حيث أساليب التدريب في أثناء الخدمة ، وأنواع المهارات ، والمؤهلات وأساليب تنظيمها ، وتوزيعهم على المراحل والأقاليم ، والجوانب الاجتماعية الاقتصادية في مهنة التعليم .
البحث التربوي :
كان البحث التربوي سابقا يعتمد على الخبرات الشخصية للعاملين من خلال التأمل والتفكير من حكمة إنسانية ، ولكن الآن اصبح الأخذ من المهن والنشاط الإنساني التي يستند إليها العلم الحديث بمنهجه ومحتواه فارتقى بكثير من المهن كالطب والهندسة والزراعة ، ولعلها سبقت التربية في ذلك المجال فعن طريق الفلسفة والنظر
العقلاني والعلم الحديث وأساليب وطرائق ووسائل لاتجد التربية نفسها ألا من خلالها ، والاعتماد على مجالات البحث التربوي في العالم والانتفاع منها ، وما تم الإفادة منه على المستويين القومي والقطري (32:ص27ـ28) .
التخطيط والإدارة :
يعد التخطيط من الأساليب الحديثة لاعتماده على الأصول العلمية في المجالات كافة ، وهو يشمل وضع الخطط وتنفيذها وتقويمها ، وما يترتب عليه من تغيير مسارات التنفيذ أو تعديلها .
والتخطيط هو عملية تفكير وتدبير وإضفاء عقلانية على مسيرة العمل في ميدانه ، وهو استعداد للمستقبل (32:ص249) .
والإدارة في جوهرها هي وسيلة لخدمة التربية وتيسير الجهود الذاتية لبلوغ أهدافها.(1/37)
والتخطيط والإدارة هما عمليتان رئيستان في التنظيم ولابد من أن يكون العاملين في مجالاتها يتمتعون بكفايات واداء ونظره حديثة في التنظيم والتخطيط الشامل ، وان يكونوا قادرين على رسم الخطط والاعتماد على المنهجية العلمية وتحقيق التكامل بين العمليات والمشاركة في اتخاذ القرارات .
التمويل :
تزداد الحاجة إلى التمويل بزيادة فرص التعلم ، وزيادة العاملين ، والارتقاء بنوعيتها وكفايتها وكثرة ما يؤلف ، والنقص فيها يؤدي إلى عقبة كبرى في النظام التربوي بجملته . ولابد من معرفة مصادر هذا التمويل ، ومن أين يأتي ؟ وما هي مصادره ؟ وما مقدار تنوعها وتناميها ؟ وما مقدار وفائها بالحاجات وسلامة توزيعها ؟ وعن ترشيد إنفاقها ، ومدى جدواها في استثمارها في ميدانها الخاص (76:ص36) .
التشريع :
ويعني الدساتير والأنظمة والقوانين واللوائح والتعليمات التي ترسم السياسات وما ينطوي عمله من أهداف ومبادئ عامة ، وتعيين الأجهزة وما لها من مهمات ، والأساليب وما تتضمن من تنظيم للعمليات التربوية والتخطيط والتمويل .
وما مقدار التقارب لفلسفة المجتمع من هذه التشريعات في السياسة التربوية وسلامة تنظيمها وتمكينها للعاملين من النهوض بمهامهم بخط من الكفاية وحسن الأداء .
التفاعل بين التربية والتنمية والتعاون العربي :
إن التفاعل بين التربية والتنمية آمر أساسي ومهم في توضيح العلاقة بين النظامين وفقا لاهداف محددة ، وحديثة في التخطيط لما فيه خير المجتمع وخير التربية ومن الأمثلة المتمثلة بينها ، الثقافة والبحث العلمي والعمل والثروة الصناعية والزراعة والصحة والخدمات والدخل والأمن والدفاع عن الوطن . وأيضا عن مخرجات التعليم من الطلبة وما يكتسبون من المعارف والخبرات والمهارات ، ومن القيم والاتجاهات ولاسيما في مجال العمل والإنتاج .(1/38)
أما بخصوص التعاون العربي في مجال تبادل المتعلمين والمعلمين والاراء والأفكار والتجارب والخبرات ، وهذا مرتبط بوحدة اللغة العربية والفكر بعيدا عن الخلاف والنزاع والمصالح الضيقة ، ومن خلال المواثيق والمعاهدات فهو من أغنى أنواع التعاون . فدراسة هذا الواقع تكون بالتعرف على أسسه وتصوراته وأجهزته وأساليبه وأنواعه ومشكلاته التي يواجهها . كمشكلات النقل والاقتباس العشوائي .
إذ ازداد التعاون الدولي بحكم أتساع علاقات الدول العربية بالدول الأجنبية ، وخصوصا الإسلامية منها ، وبحكم نشاة المنظمات الدولية وتطورها . في مجال تبادل الفكر والتجارب والخبرات والعاملين والمتعلمين والخبراء ، والندوات والمؤتمرات (32:ص32) .
إن هذا التعاون لابد من إن يجعلنا رافضين لمبدأ العشوائية أو المفروض علينا ، وانما يجري التعبير الصادر عن إرادة الجماهير المتصل بطموحها ومصالحها وأهدافها القومية ، والعمل الجاد في تنميتها ، فليكن في دراسة واقع التربية العربية ما يكشف عن نماذج من إرادة التغيير لجعلها من منازل التطوير . وانتهاج مبدا الأصالة والتجديد مع الثقة بان هذين المبدأين يلتقيان ولا يتعارضان ، واتفاقهما مفتاح خير أحوالهما على خصائص الذاتية والابتكار .
ومعنى الأصالة لايعني العودة إلى الماضي أيا كان ، وانما التمسك بالقيم الانسانية والمواقف العقلانية التي أكدها الإسلام ، وحفلت بها الحضارة العربية الإسلامية .
والتجديد هو ما جاء في مواجهة مشكلات الحياة المعاصرة والتماس الحلول السليمة لها ، وكان نابعا من باطن الأنظمة المجتمعية والتربوية ، ملائما لطبيعتها وخصائصها مكملا لذاتيتها مستندا إلى جهودها بالدرجة الأولى وهو يجري مع الأصالة ويتثقف مع خصائصها ويؤكد الذاتية والابتكار (32:ص30ـ38) .(1/39)
فالأصالة أحرى أن تكون متصلة بالقيم والفضائل الانسانية وبالمواقف العقلانية واستيعابها من الأهداف والمقاصد والغايات التي نستمدها من الإسلام واثارها في الحضارة العربية الإسلامية وميادين التجديد ، ومن اثر تقدم المعرفة والثورة العلمية متكيفا مع أحوال المجتمعات العربية مستندا إلى جهود أصحابها من الباحثين والمسؤولين والعاملين في ميادينها .
عقبات التجديد :
إن عمليات التجديد والتطور قد تواجه مجموعة من العقبات والمشاكل وبذلك لا يحدث التجديد أو التطور المطلوب ، ومن هذه العقبات :
1ـ النقص في عمليات التجديد ، ويتضمن نقص التخطيط والفهم ونقص الكفايات في الإدارة .
2ـ المسؤولون عن المشروعات غير جديين في استعداداتهم ، وهممهم للعمل غير جدية ، بل نزعتهم إلى الخلاف والصراع .
3ـ أحوال التخلف في البلاد . إن نقص المواد وعدم وصولها في الأوقاف المحددة ، ورداءة طرق ووسائل المواصلات ، وتباعد المواقع ، ونقص الكفايات ، وأثار التبعية والاستعمار وكذلك الشك في المشروعات .
4ـ مشكلات التمويل .
5ـ مقاومة بعض الفئات على مستوى رجال السياسة أو المذاهب والمعتقدات والمصالح أو التبعية .
6ـ سوء العلاقات الاجتماعية بين القائمين على المشروع (35:ص40) .
ولكي تكون الدراسة واضحة ودقيقة ، لابد من أن يحصل الباحثون والقائمون على الدراسة على البيانات والإحصائيات الدقيقة والوافية من حيث :ـ
1ـ عدد السكان ، ونسب النمو ، والتوزيع حسب الجنس ، والتركيب العمري والاجتماعي ، والتوزيع بين الأقاليم ، أو أي خصائص ذات صلة بالتعليم .
2ـ عدد الأطفال والناشئين موزعين حسب الفئات العمرية من العمر (1ـ4) سنة ومن (5ـ14) سنة .
3ـ تقدير نسبة فئة (5ـ14) سنة وتقدر بفئة القوى (15ـ65) سنة وهي القادرة على العمل .
4ـ تصنيف فئة (6ـ11)سنة ابتدائي ، وفئة (12ـ17) سنة ثانوي وفئة (18ـ23) سنة جامعي . (32:ص42ـ43) .(1/40)
وبعد جهد كبير ومضن قدمه الباحثون في هذه الدراسة توصلوا إلى :ـ
ـ العمل على وضع تصور لتطور المجتمع على الصعيد القطري ، وتحديد حاجاته وتطلعاته المستقبلية ، وإمكانياته ومتطلبات التنمية الشاملة .
ـ السعي لتعيين وتحديد السياسة التربوية ، وما ينطوي عليها من أهداف ومبادئ تربوية وفقا لتقويم واقع التربية من اجل التنمية الشاملة .
ـ استعراض الدراسات المؤملة وتطويرها .
ـ الاهتمام بالتطور في الاستيعاب .
ـ النظر في أهداف التربية على وفق منهجية علمية نابعة من الواقع على المستويين القطري والقومي وجوانبها الانسانية والاجتماعية للامة العربية بأصالتها ونزعتها إلى التجديد .
ـ النظر في التطور القطري والقومي (32:ص54ـ55) .
4ـ المراهقة ، والحقائق الأساسية وصلتها بالتربية :
إن الأسس التربوية في أي مجتمع من المجتمعات ينبغي إن تستند إلى فهم صحيح لطبيعة ثقافة ذلك المجتمع ، ومزاياه الحضارية ، ونزعته إلى التقدم وفهم الناشئين فيه ، وكيف يستجيبون لطبيعة مجتمعهم ومطا ليبه ، والفهم الصحيح لهذين المبدأين .
وقد حدد البسام مظاهر المراهقة لكونه متخصصا في علم النفس التربوي ، إذ حدد ثلاثة مظاهر أساسية وهي :.
1ـ المظاهر البايلوجية .
2ـ المظاهر الاجتماعية .
3ـ المظاهر النفسية . (31: ص3ـ8) .
فالباحثون الذين يعدون المراهقة ظاهرة (بايلوجية) يرون إنها تتألف في جوهرها من التغيرات التي تصيب أعضاء الجسم في وظائفها وفي تراكيبها وأشكالها ، وأبرزها التي تتناول الأعضاء الجنسية (التناسلية) ويصاحبها نمو الجسم عامة . ويصاحب ذلك إفراز بعض الغدد الصُمّ والغدد التناسلية والصنوبرية .
لقد عرض العالم (ستا نلي هول) مميزات هذه المظاهر البايلوجية للمراهقة وحددها في :
ـ حدوث تغيرات خطيرة وسريعة ومفاجئة في مختلف نواحي الشخصية في حقبة المراهقة ، إذ أطلق عليها اسم (ولادة جديدة).(1/41)
ـ تستند تلك التغيرات إلى أسس بايلوجية تتألف من نضج بعض الغرائز وظهورها بصورة مفاجئة .
ـ معاناة المراهق لدوافع قوية فعالة تتجلى في سلوكه في صور من القلق كأنه يمر في حقبة عاصفة .
ـ ظهور قوى فكرية جديدة وبصورة مفاجئة كالخيال والاستدلال .
ـ إن طبيعة النمو وتتابع مراحله لا يمكن التخلص منه وهو يظهر على جميع الأفراد على السواء .
كما أكدت دراسات أصحاب التحليل النفسي على الغريزة الجنسية وعلى العوامل اللاشعورية وخبرات الطفولة الأولى في إقرار تطور الشخصية في المراهقة ، ففي المرحلتين يواجه الطفل أو المراهق مشكلة السيطرة على وظائفه الجسمية ومشكلة تحويل الدوافع الجنسية إلى موضوعات مقبولة اجتماعيا وأخلاقيا ، وكما تؤدي الطفولة الأولى إلى هدوء الطفولة الثانية واستقرارها كذلك تنتهي المرحلة الأولى من المراهقة إلى المرحلة الثانية التي تمتاز بالثبات والاستقرار .
أما بخصوص النظرة الاجتماعية :
فقد تناول الكثير من الباحثين تأثير الجوانب الاجتماعية والعوامل الثقافية في تطور شخصية الناشئين . فقد قامت الباحثة الأمريكية (مر جريت ميد) على سكان جزيرة (ساموا) في جنوب المحيط الهادي وتناولت في دراستها خصائص المراهقة إذ تتجلى في البنات من سكان تلك الجزيرة ، فقد لاحظ إن المراهقة في المجتمعات الصناعية المتقدمة بأنها تمتاز بحقبة عاصفة ومضطربة . وتتميز بحالات من الشدة والتوتر والقلق في حين أن فتيات تلك الجزيرة يجتزن تلك الحقبة بهدوء وسلام وهذا ناتج من توثق العلاقة بين الفتيان والفتيات من دون قلق أو خوف أو اضطراب ، وقد أشارت الباحثة إلى حسن الطقس واعتداله وتوافر الطعام وخلو الجزيرة من النزاعات والحروب وأيضا لا زحام ولا منافسة في الحصول على الأعمال ، بل يمارسون الأعمال المرتبة بهدوء واستقرار ولا وجود للشدة والانفعال .(1/42)
وهكذا تؤدي الحياة العامة في هدوئها واستقرارها إلى أساليب في تربية الصغار تتسم بالهدوء والاستقرار وتنتهي إلى تشكيل شخصيات الناشئين(31:ص9 ـ12).
لقد حدد البسام بعض المبادئ الرئيسة والخصائص النفسية العامة التي يمتاز بها المراهق . ومن هذه المبادئ :ـ
ـ عدم وضوح المواقف التي يجابهها المراهق على المستويات الثلاثة وعدم انتظامها بصورة محددة مستقرة تؤدي إلى التردد والخجل وشدة الحساسية والاعتداء .
ـ اختلاف الاتجاهات وأساليب السلوك واختلاف القيم والمفاهيم بين مجتمع الأطفال ومجتمع الكبار وعلى المستوى الاجتماعي يؤدي إلى الصراع ويتولد عنه التوتر الانفعالي .
ـ إن حالات الانتقال تؤدي إلى شئ من التناقض والاستقطاب وسرعة التحول ، إن النشاط الحيوي يحدث في مجال يمثل الكائن الحي أحد طرفيه والعوامل البيئية طرفه الأخر ، فالنظرة النفسية تعدّ المراهقة ضربا من السلوك يصدر عن الإفراد ، ولأنها تعتبر الفرد كائنا طبيعيا من ناحية وكائنا اجتماعيا من ناحية ثانية ، فهي تسعى إلى التوحيد بين الوجه البايلوجية والاجتماعية . (31:ص16) .
أحوال المجتمع العربي وتأثيرها في المراهقين :
لقد بذل البسام جهودا مضنية في تحديد وتشخيص خصائص واتجاهات المراهقين في البلاد العربية التي تميزهم عن سائر المراهقين في المجتمعات الأخرى .
فقد ذكر المجتمع العربي كونه مجتمعا عريقا ، ومختلفا ، ومتحولا ، ومتطلعا ، وكذلك فهو مجتمع متفاوت ومن هذه الاختلافات توصل إلى بعض المضامين التربوية .
1ـ مجتمع عريق :
تعاقبت حضارات كثيرة على الوطن العربي وأبرزها الحضارة العربية الإسلامية التي ظلت مزدهرة لقرون عديدة ، التي تسلم المجتمع العربي المعاصر تراثها الضخم إذ تفاعلت العقيدة الدينية الإسلامية بالفكر العربي وشكلت أنظمته الاجتماعية بقوالبها المتميزة .(1/43)
ومهما أرادت الأنظمة الأخرى المعادية إن تأخر وتعطل وتحور هذه الأنظمة العربية ، فلا يمكن فهم المجتمع العربي المعاصر من دون الرجوع إلى الروافد الغنية المستمدة من الحضارة العربية الإسلامية .
2ـ مجتمع متخلف :
لقد مرت على هذا المجتمع حقب طويلة من الركود والجمود ، ضعفت من خلالها دواعي العمل والنشاط ، وقد وثب عليه الاستعمار الغربي في ختام تلك الحقبة وعمد إلى تجزئته وتفريق كلمته واستلاب ثرواته ، ونشأت من الاستعمار طبقة من الحكام وطبقة من الإقطاع والمستغلين ، ظلت تعمل لمصالحها الخاصة ، ومصالح الاستعمار فأصاب الحياة العامة الكثير من الفساد والحرمان من الحقوق البسيطة فظلت فقيرة ، جاهلة معرضة للمرض والحرمان من العمل ولاحقوق تليق بالحياة الكريمة .
وقد استقطع الاستعمار جزءا من الآمة العربية بعد الحرب العالمية الثانية ، واتبع ذلك بمحاولات أخرى ، لكن الشعب العربي أحبطها كما في مصر والعراق والجزائر ، ولذلك عرف الشعب العربي انه يعاني من مجموعة من الصراعات ، صراع يواجه به الاستعمار والصهيونية وهو صراع خارجي ، وصراع يواجه به طبقات من الحكام والإقطاعيين والمستغلين وهو من الداخل ، وان عهد الركود وتآمر القوى حرمت الشعب من حقوقه في العمل والتعليم والصحة والحرية .
3ـ مجتمع متحول :
إن سريان الوعي القومي وانتشاره تدريجيا في طبقات واسعة ويقظة الشعب ومطالبته بحقوقه في الاستقلال والسيادة
ومن آثار هذا الوعي السلسلة من الثورات التي قامت في مصر والعراق وسوريا وفلسطين والتي أدت إلى معالم التحول الذي طرا على المجتمع العربي في مجالات عديدة ومتنوعة فقد انتشر التعليم ونشطت الحركة الفكرية بصورة عامة . ونشطت(1/44)
حركات الإصلاح الديني ، وانتشار الصحافة والإذاعات وأساليب الدعاية ووسائل الثقافة الشعبية ، والتصادم مع الحضارة الأوربية واستعمال الصناعات الحديثة ونشوء الأعمال بكثرة وانعكاسها على أساليب المعيشة والعلاقات الاجتماعية ومساهمة المرأة في العمل وفرص التعلم ، وزيادة الدخل القومي وتحسين الزراعة وظهور النفط ، وتنظيم بعض الجيوش واستعمال الأسلحة الحديثة .
4 ـ مجتمع متطلع :
إن الشعب العربي يتطلع إلى استكمال السيادة والاستقلال ، واجتماع كلمته بعد تفرقها وتجزئتها ووقوفها كيانا واحدا متراصا في مكافحة الاستعمار والصهيونية وضمان الحياة الكريمة لإفراده وحق التعليم وضمان الحريات السياسية وزيادة الثروة القومية وعدالة توزيعها وإعادة الثقة بقيمه وثقافاته وأديانه ، وبقدرة الفكر العربي على الخلق والإبداع والمساهمة في بناء ثقافة شاملة تعبر عن الشخصية القومية العربية ، وتقف إلى جانب الثقافات الانسانية.
5 ـ مجتمع متفاوت :
إن خضوع المجتمع العربي لمختلف التيارات المتضاربة بين القديم والحديث قد يجعله مجتمع متفاوت وفيه الكثير من الاختلاف ففيه عهد الحضارة والعمران وفيه عهد البداوة والحياة القبلية المرتحلة وفيه مدن عامرة ضخمه وفيه ريف شديد البساطة والسذاجة وفيه عادات وتقاليد متفاوتة ، وفيه مستويات من التعليم المتقدم وفيه جماعات تعيش جهل وأمية ، وفيه الثراء والرفاهية وفيه الكفاف وضيق العيش (31:ص47ـ51).
بعض المضامين التربوية
لقد توصل البسام بعد دراسة موسعة للمراهقة وأحوال المراهقين في المجتمع العربي إلى بعض المضامين التربوية ومنها :
ـ التربية عملية ديمقراطية وهي تسعى إلى التوفيق بين مطالب الفرد والمجتمع .
ـ لابدَّ من فهم وظائف المراهقة بعدّها مرحلة من مراحل التطور للفرد ، ولا بد من الربط بين أغراض المدرسة الثانوية وبين وظائف المراهقة .(1/45)
ـ بما إن خصائص الطفولة تعتمد على عوامل النضج وعلى سلطة البيت والمدرسة ، فعلى المدرسة هداية الأطفال إلى الأدوار الصحيحة والقيم الأخلاقية النبيلة .
ـ الاهتمام بالبيئة الواقعية من خلال تعدد موضوعات الدراسة والاهتمام بالموضوعات العلمية وبأساليب التفكير والتعبير وربطها بالواقع الذي يعيش فيه الطالب .
ـ الكشف عن قدرات الطلبة وميولهم ، وهذا يتضح من خلال وجود الفروق الفردية ودراسة مشكلاتهم وقياس قدراتهم العقلية ومرونة المناهج وأساليب التدريس ، والعناية بالامتحانات ونبذ الاختبارات التقليدية واصلاحها بحيث تكون واضحة الأهداف والإغراض والوظائف من حيث أساليبها ومحتوياتها ، والاهتمام بأوقات فراغ الطلبة والتفكير بمشروعات تفيد الطالب والمجتمع وتحقيق ميوله ورغباته في العمل .
وإذا نجحت التربية في مهماتها فأنها تحقق التكيف الاجتماعي للمراهقة وتكشف عن قدراتهم واستثمارها وتعرفهم إلى عالم الواقع وتنمي ميولهم وتكسب ثقتهم ، وبذلك قد حققت وأرست أركان التكامل في الشخصية الناضجة وتبعدهم عن الاضطرابات النفسية وتوفر لهم سبل وأساليب الإرشاد والتوجيه في المدرسة وابعادهم عن حالات الجنوح والتفكك الأسري (31:ص53ـ59) .
5ـ التعلم عن بعد والجامعة المنفتحة :
التعلم عن بعد والتعلم المنفتح هو الذي يعتمد على الذات في طلب العلم ، وهذا العلم استجد نتيجة للتغيرات الحضارية الجديدة ، فنشأت مؤسسات تربوية تستقبل مزيداً من المتعلمين تتيح لهم فرص مواصلة الدراسة علاوة على ممارسة أعمالهم المهنية وأنشطتهم الاجتماعية فينهضون بمهمات الدراسة وهم في مساكنهم فيتعرفون على الجديد من محتويات التعليم وتنظيماته وأساليبه وتقنياته .(1/46)
ومفهوم التعلم عن بعد، كما ورد في تشريع فرنسي صدر عام 1971م بأنه التعليم الذي أما انه لا يتضمن الحضور الشخصي للمعلم الذي تناط به مهمات التعليم في المكان الذي تتلقى فيه مادة التعليم ، واما إن يكون حضوره مقتصراً على بعض الأحيان أو لأداء بعض المهمات الإرشادية والتوجيه (27:ص213ـ223).
وهو يعني قيام فاصل في الزمان والمكان يحول من دون اللقاء بين المعلم والمتعلم ويستعاض عن ذلك اللقاء بتوفير مصادر متعددة للمعرفة كالكتب ومواد الإذاعة المسموعة والمرئية وأدوات التجارب العلمية .
والمؤسسات المفتوحة تعني التيسير وتخفيف القيود وإزالة العقبات والخلاص من الاستعباد والإقصاء ، ومن الانحياز إلى بعض الفئات ، ومن الاقتصار على النخبة واصحاب الامتيازات من أبناء الحكام والأغنياء في الكثير من المجتمعات وفي الانفتاح وتوفير الفرص التربوية وتخفيف قيود القبول وتمكين المحرومين من الالتحاق بها والإقبال على التجديد والاتسام بالمرونة والتنوع وحرية الاختيار في محتويات التعليم ، وامكان اطلاع المختصين والرأي العام عليها .
لقد تطورت مفاهيم التربية والتعليم بعد ظهور الإسلام ، فقد كانت أول كلمة نزل بها الوحي القرآني على نبينا محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) دعوته إلى القراءة سبيلاً إلى التعلم وبالقلم أداته في سياق قدرته على الخلق والتكوين :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خلق الإنسانَ من عَلَق ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) (العلق :1 ـ 5) .
وتوالت آيات القرآن الكريم التي خصت الإنسان بتصور كامل يتضمن التوازن بين الروح والجسد وبين الدنيا والآخرة ، فقد خص الإنسان بالعقل من دون غيره من المخلوقات ، الذي يتضمن الاستدلال والاستنباط وتفيض منه الحكمة والنظر الشامل العميق ، وقد امتاز الإنسان بالنطق والتكيف وتحمل الأمانة بأعبائها.(1/47)
لقد كان تعليم الكبار في المساجد ينعقد في حلقات ، يتولى الحلقة شيخ في موضوع تخصصه ينهض بمهمة تعلمه ، ويقبل عليه طلبة العلم طواعية واختيار ، وقد يتنقلون من حلقة إلى أخرى طلباً للعلم وتنوعه أو تفضيلا لشيخ دون آخر .
وإلى جانب حلقات العلم في المساجد كانت هناك مجالس الأدب ومناظرات العلماء وتنعقد في قصور الخلفاء وفي دور آهل الفضل والعلم ، و كانت دكاكين الوراقين مأوى لطلبة العلم ينهلون من مخطوطاتها ما يشاؤون استنساخاً أو اقتناءً .
وفي جميع ذلك نماذج للتعليم عن بعد وللتعلم المفتح وللتربية المتواصلة مدى الحياة إذ كان للحضارة العربية الإسلامية فضلها على عصر النهضة في أوربا عامة فيما صانته من تراث الحضارة اليونانية وفيما أضافت أليه في ميادينها ولاسيما في الفلسفة والمنطق والعلوم والطب والرياضيات ، وفيما أرسته من منهجيات علمية في الاستقراء والتجريب والقياسات .
وقد شهدت التربية المعاصرة تطورا واسعا في أعقاب التغيرات الحضارية التي شهدها القرن العشرون توصف بالتفجيرات العلمية والمعلوماتية وكان من مميزات هذا القرن سرعة التطور العلمي وتسارع وتيرة الاكتشاف والتطبيق ، وتراكم معرفي في مجالات الصناعة وغيرها ، والنهوض بالجوانب الصحية والتربوية والاتصال والمواصلات والسكن والتغذية وأساليب القتال والأسلحة وغزو الفضاء ، والترابط بين التقدم العلمي والتنمية الشاملة وذلك من خلال اعتماد أساليب التخطيط وتطوير أساليب الإنتاج ، وتعاظم قدرات الدول الصناعية وزيادة الفجوة بينها وبين الدول النامية والفقيرة ، والإفادة من البحوث العلمية وتطبيقها ميدانيا ، وزيادة التخصصات العلمية . وعلى الرغم من كل ذلك فان الآمة العربية تواجه تحديات ضخمة إذ تزداد الفجوة بينها
وبين الدول المتقدمة مما يؤدي إلى تفاوت يهدد مستوى المعيشة كما يهدد أمنها وسلامتها (27:ص230ـ244) .(1/48)
إن تحقيق التوازن بين النظام المدرسي ، والنظام اللامدرسي واعتماد مبدا التربية المتواصلة مدى الحياة سبيلا لتطوير التربية في جميع أنماطها وجوانبها ، وتأسيسا على قدرة الإنسان على التعلم مدى الحياة وعلى ضرورة الاستجابة للتغيرات الحضارية المتسارعة وما تستدعي من تغيير في التربية باستباق تلك التغيرات واستشراف تطوراتها واستيعاب مطالبها في أساليب الإنتاج وفي نوعية الحياة عامة . وتمكين الكبار من مواصلة التعلم وتكوين نظام لامدرسي لهم يوازي النظام المدرسي بموارده وبرامج متنامية باستمرار .
إن الجامعة المنفتحة هي مؤسسة من مؤسسات التعلم العالي الحديثة ، جاءت استجابة لمواجهة التحديات التي تواجهها بعض الأنظمة التربوية ، والتغلب على أزمات التربية في مجتمعاتها . وكانت من ثمارها :
ـ إرساء مبدا التربية المتواصلة مدى الحياة واغناء حركة تعليم الكبار بتطبيقه ومتابعة متضمنا ته فيها .
ـ إثبات الحق الأصيل في التعلم والتعليم وتوفير فرص على أساس التكافؤ فيها بين الجميع .
ـ تطوير تقنيات التربية لاسيما في أنظمة الاتصالات في الإذاعات ، وتجديد طرائقها وأساليبها ، بما يخدم التعليم عن بعد على وجه الخصوص .
إن التربية المتواصلة مدى الحياة ، تقضي بان يتاح لكل فرد فرصة مواصلة التعلم طيلة حياته ، فالتربية المتواصلة هي الدعامة الأساسية في تكوين المجتمع المتعلم .
إن مبدا التربية المتواصلة مدى الحياة يشمل جميع جوانب التربية وتنطوي فيه كل شؤونها ، بمعنى إن للكل بجملته خصائص ليست لاجزائه متفرقة ، فليس هناك جزء ثابت دائم للتربية لا يصلح لان يتواصل مدى الحياة ، وليست التربية المتواصلة
مدى الحياة نظاما من الأنظمة بل هي الأصل الذي يتأسس عليه تكوّن الأنظمة بكاملها وينبغي أن يستند إليه في تطوير أجهزتها كافة ، وتنظيم حركتها عامة (27:ص283) .(1/49)
وعليه لابد من أن يكون هذا المبدأ هو الأساس للسياسات التربوية مستقبلا وعلى التربية أن تواصل قدرة المواطن إليها وعلى وفق ما يلائمه منها وان توجهه نحو الغاية المثلى التي تسعى التربية إلى تحقيقها وهي التعلم الذاتي .
فقد بلغ الإقبال على التربية حدا لا يسع المؤسسات المخصصة لها أن تواجهه وحدها ، بل يجب إن يتمكن الإنسان من استثمار فرص التربية واكتساب المعرفة بشتى الوسائل والسبل لاغناء شخصيته من الخبرات ، والخلاص من الطابع الشكلي في المؤسسات التعليمية وان يكون النظام المعتمد متسما بالمرونة فلا ينفصل الطالب عن مواصلة التعلم . وان يسمح للطالب باختيار ما يناسبه من اختصاص ، وان يكون الإنسان مسؤولا عن تقدمه الثقافي عامة والإفادة من التقنيات الجديدة في الاستنساخ والطباعة .
والجامعة المنفتحة تأتي لاغناء حركة تعليم الكبار في العصر الحديث ، وهو نمط عرفته الحضارات السالفة ومن أمثلته (اكاديمية أفلاطون) في الحضارة اليونانية ، وعرف ذلك النمط في زمن الحضارة العربية الإسلامية في حلقات الدرس في المساجد وفي مجالس العلم والأدب .
والجامعة المنفتحة هي التي تقبل أعداداً كبيرة جدا فهي منفتحة في قبول الطلبة لأنها لا تتقيد بالمعايير المعتمدة في الجامعات ، وهي تقبل من مختلف المستويات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، وهي منفتحة في المكان فطلبتها يدرسون في منزلهم ، وهي منفتحة الزمان فلا قيد على الأعمار وتدع لكل طالب إن يقدر زمن دراسته فيسرع أو يبطئ ، وهي منفتحة على أساليب التعليم تنشد الجديد على أسس تربوية وتقبل النقد والتقويم لان برامجها في الإذاعات فهي معرضة للنقد والتقويم المستمرين ، وهي لا تحتاج إلى الصفوف أو الأساتذة لإلقاء المحاضرات في القاعات الدراسية ولا تحتاج إلى الأبنية الكبيرة ، بل يستعمل طلبتها المراسلة للحصول على ما يريدون من مستلزمات الدراسة (27:ص295ـ299) .
6ـ علم تعليم الكبار :(1/50)
إن تأصيل علم تعليم الكبار بدا منذ خلق الإنسان ، ولكن في وقتنا الحاضر بدا عندما عقد الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار مسيرة تأصيل علم تعليم الكبار عام 1974م عندما عقدت لجنة فنية عربية ضمت عددا كبيرا من رواد التربية العرب ، ورأت أن تأصيل علم تعليم الكبار هو المدخل المنهجي لنشاط عربي أصيل يستمد الخبرة العربية والدولية التي تمتاز بضوابطها ومعاييرها التي تستند إليها (136:ص9) .
وان القصد من تعليم الكبار هو توجيه حركة تعليم الكبار وتطويرها حتى تلائم حياتنا الحاضرة والمستقبلية . وتعليم الكبار غير مقيّد بالأنظمة الصارمة كما هو الحال في التعليم النظامي .
وقد يتوافق مفهوم تعليم الكبار بشكل من مفهوم (التعليم غير النظامي) الذي يعرف بأنه : (نشاط تعليمي منهجي يجري خارج إطار التعليم النظامي بغرض تقديم أنواع مختارة من التعليم إلى نوعيات خاصة من الدارسين الكبار أو الصغار) (164:ص4ـ6).
ويدخل تعليم الكبار بما يسمى (بالتربية الأساسية) ، و(التعليم الأساسي للكبار) ، ويدخل إطار (التعليم مدى الحياة) الذي بدا يشيع استعمال منذ عام 1972م والذي يتولى التعليم هو المدرس النظامي والتعليم غير النظامي هو الذي يتم داخل البيت والمدرسة والمجتمع المحلي ومكان العمل عن طريق وسائل الاتصال الجماهيرية(106:ص3،6) وغيرها وكل ما يعمل على تحسين نوعية الحياة .
وينظم تعليم الكبار داخل إطار مفهوم (التعليم المستمر) الذي يتشبث بدوره بروح التعليم مدى الحياة ، فالتعليم المستمر من الناحية المنطقية هو التعليم الذي يتواصل في محيط نظامي ويؤدي إلى حدوث تعليم نظري أكاديمي وتعليم مهني تطبيقي وقد ادخل البعض فيه برامج (محو الأمية) والدراسات الإضافية التي يلحق بها الإنسان بعد تخرجه من التعليم النظامي(158:ص23) .(1/51)
إن الأمية ليست مجرد مشكلة تربوية بقدر ما هي مشكلة حضارية ، فتعليم المهارات الأساسية ليس غاية في ذاته وانما هو وسيلة لتحقيق المواطنة الصالحة القادرة على المشاركة الإيجابية في بناء المجتمع القومي العربي الجديد (97:ص291ـ295) .
وتتسم برامج التعليم للكبار بالطلاقة والمرونة والخلاص من القيود ، وتستند أصلا إلى حرية اختيار الكبار لما يتاح منها ، ولا تخضع لمراحل محددة ولا لبرامج ثابتة وانما الأصل فيها التنوع والتفاوت والتبديل من حيث أغراضها ومحتوياتها وأساليبها ، فتتنوع بين برامج لمحو الأمية من ناحية وبين دراسات جامعية من ناحية ثانية وبين برامج مهنية وبرامج ثقافية وترويحية ، وبين برامج للعمال وبرامج لاصحاب الإدارة والتدبير للمشروعات وتنظيم الفئات في مجموعات متفرقة متباعدة على المستويات المحلية والوطنية ، ويتفق للفئة الواحدة أن يتفاوت إفرادها في الأعمار وفي الخصائص الثقافية ومستويات التحصيل إلى حد بعيد فيغلب عليها اللاتجانس في كثير من الحالات.
إن تعليم الكبار استند إلى فلسفة محددة هي توفير الحق في التعلم والتعليم في حده الأدنى للجميع على حد تكافؤ الفرص والمساواة والسياسات المتسمة بالمسؤولية من جانب الحكومات ، والعزيمة الصادقة من قبل المشرفين عليها وما أنشأوا للحملات من مؤسسات معنية بالتنظيم والتخطيط والتنفيذ والتقويم ، وبالجوانب الفنية للتعلم والتعليم والتعبئة الجماهيرية والمشاركة الواسعة للمنظمات الشعبية ليشيع في الحملات الحماس والنشاط والخلاص في كثير من الحالات شانها شان الفتوحات التي تنهض بها الجيوش (26:ص62ـ98) .(1/52)
إن تظافر الكثير من العوامل التي كانت تدعو إلى تغيير شامل في مفاهيم التربية ونظرياتها ونتيجة التوسع الضخم في قبول الطلبة في مراحل التعليم ، من دون حدوث تطور للجوانب النوعية فقد احدث نقصا في الكفاية الداخلية وأدى إلى الرسوب والتسرب وحدوث عدم التوافق بين المتخرجين ومطالب العمل وأن تلك العوامل أدت إلى تغيرات شاملة في الأنظمة التربوية للصغار والكبار ، واعتماد التربية المتواصلة
مدى الحياة وهذا المبدأ عرفه الإسلام وأرسى قواعده وطبقته الحضارة العربية الإسلامية جيلا بعد جيل . فقد كانت نظرية واضحة في الفكر والتطبيق واشتملت على مبادئ عديدة منها :
تواصل القدرة على التعلم بلا انقطاع عدّه أساسا للتربية المتواصلة مدى الحياة ، وتنمية مقومات تلك القدرة على جوانب الإدراك وتنمية المهارات والاتجاهات وإكساب المعرفة والخبرات ، وحسن استثمار التعليم الذاتي في نطاق الآسرة والعمل ، وبناء الشخصية في جوانبها الفكرية والاجتماعية والأخلاقية والبدنية من اجل حدوث التوازن والإبداع ، واعتماد التربية المتواصلة أساسا ومحورا لتطوير الأفراد والمجتمعات والتربية لأنظمتها وقوانينها والتوفيق بين أصالة الماضي وحاجات الحاضر وتطلعات المستقبل ، والسعي إلى تطوير التربية المدرسية في بنائها ومحتواها وأساليبها في تقويم طرائق التدريس وبناء المناهج واعداد المعلم ، وعليه فهو مشروع حضاري ضخم واسع متعدد الحلقات ، لاغنى عن أن ينهض به المجتمع جميعه على اختلاف مجالاته ومسؤولياته بلا مراء (26:ص99ـ105) .
نتاجه العلمي :
أ ـ الكتب المترجمة :
1ـ برامج أعداد المعلمين في العراق 1945/ بغداد لمؤلفه الدكتور خالد الهاشمي .
2ـ التربية ، حقائقها وأصولها الأولى 1946/ بغداد لمؤلفه السير برسي نن .
3ـ مشاكل الفلسفة ، 1946، بغداد ، لمؤلفه برتداندرسل .
4ـ التعليم الإلزامي في العراق 1951/ بغداد لمؤلفه فكتور كلارك خبير اليونسكو .(1/53)
5ـ الإنكليزية اللغة والأدب ، فصل من كتاب مرشد المعلمين ، 1951 لمجموعة من المؤلفين البريطانيين لارشاد المعلمين في المناهج والطرائق والتقويم .
6ـ منازع الفكر الحديث ، 1956/ بغداد / لمؤلفه الفيلسوف جود أستاذ الفلسفة بجامعة لندن .
7ـ فلسفة التربية بالمنهج التحليلي 1996 ، بغداد ، لمؤلفه بترز وهرست .
ب ـ الكتب المؤلفة :
1ـ المراهقة : الحقائق الأساسية وصلتها بالتربية ، وللمراهقين في المجتمع العربي ، بغداد ، 1962 .
2ـ استراتيجية مقترحة لمحو الأمية في العراق ، بغداد ، 1974 .
3ـ المدرسة الثانوية الشاملة ، المشروع التجريبي في العراق أسسه النظرية وأساليب تنفيذه ، 1974 .
4ـ استراتيجية تطوير التربية العربية 1979 .
5- التقارير السنوية لجامعة الإمارات العربية / 1981 .
6ـ أنموذج تقويم أنظمة التربية العربية على الصعيد القطري ، تونس 1983 .
7ـ مشروع خطة محو الأمية وتعميم التعليم الابتدائي 1985/ بغداد .
8ـ تقويم النظام التربوي في الكويت / الكويت /1988.
9ـ استراتيجية التربية العربية في ضوء المتغيرات / تونس / 1990 .
10ـ المعجمية الإنكليزية / بغداد /1992 .
11ـ التعليم عن بعد والجامعة المنفتحة / بغداد /1992 .
12ـ محمد بهجة الأثري ، المتربي والمربي ، 1994 .
13ـ تعليم الكبار بين النظرية والتطبيق / تونس/ 1997 .
وهناك مجموعة كبيرة من البحوث والدراسات والتي جرى جردها بحدود 28 بحثاً ودراسة .
المعجمات والجمعيات العلمية :
1ـ عضو المجمع العلمي العراقي 1963ـ1995 .
2ـ عضو مراسل بمجمع اللغة العربية بدمشق .
3ـ عضو مراسل بجمع اللغة العربية بالأردن .
4ـ عضو شرف منتخب في الجمعية الفلسطينية العراقية .
5ـ عضو جمعية علم النفس البريطانية منذ عام 1946 وقد رقي إلى مرتبة زميل عام 1962 .
6ـ عضو مجلس الإدارة لدورتين 66/970،971/974 في هامبورغ .
7ـ عضو مجلس الإدارة لمكتب التربية الدولي بجنيف 972/976 .(1/54)
8ـ شارك في المؤتمر الدولي لعلم النفس 984 في المملكة المتحدة .
9ـ شارك في المؤتمر العام لليونسكو من 1964حتى 1985 .
10ـ شارك في المؤتمر الدولي للتربية من 956/1974 .
11ـ شارك في مؤتمر وزراء التربية والتخطيط العربي 966 في طرابلس ، 970 مراكش ، 977 أبو ظبي .
12ـ شارك في المؤتمر العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 972 حتى 1978.
13ـ شارك في مؤتمرات وزراء التربية والمعارف العرب 964 .(1/55)
الفصل السادس
المبحث الأول :
مقارنة أوجه التشابه والاختلاف بين المفكرين
على الرغم من التراث الفكري والتربوي الكبير للامة العربية الذي تركه المفكرون الأوائل ، وتناقلته الأجيال حتى عصرنا الحاضر ، إلا أننا نعاني من حالة الاغتراب الفكري والتربوي ، وضبابية الرؤية لدى بعض مفكرينا المعاصرين ، لذلك تعددت الفلسفات التربوية في وطننا العربي نتيجة للسيطرة الاستعمارية ، والحركات التبشيرية التي استعملتها مع بعض طلبتنا الدارسين في الغرب ، والإفادة منهم في أثناء عودتهم إلى أوطانهم ، لبث هذه الأفكار والترويج لها (5: ص37).
لقد اختلفت الأنظمة التربوية العربية فيما بينها ، لذلك أشارت استراتيجية تطوير التربية العربية إلى أن الأمة العربية تشهد نماذج متعددة نتيجة للغزو الفكري الذي بدوره يحدد مكان الإنسان وصراعاته الحضارية بين النظام الرأسمالي ، وبين النظام الاشتراكي ، لذلك لم تكن هناك فلسفة عربية واضحة .
أشار بركات إلى أن غياب الفلسفة التربوية العربية الأصيلة أدى إلى استيراد فلسفات تربوية أجنبية غير ملائمة لتراثنا العربي وحاضرنا ومستقبلنا (152:ص83) .
إن فلسفة التربية لا تقوم على أساس نظري فقط ، بل تصبح عملية تساهم في إيجاد الحلول للمشاكل التربوية ، فهي تنقد وتحلل وتفسر وتوجد العلاقات بين الأشياء من اجل المساهمة في التطوير والتغيير والتقدم (70:ص569) .
لقد توصل الباحث من خلال الفصول السابقة بعد التحليل والاستنتاج إلى توضيح أسس الفكر التربوي للمفكرين ، من اجل التوصل إلى أوجه التشابه والاختلاف فيما بينهم.
لقد مرَّ نظام التعليم في العراق بعد سقوط بغداد عام 656هـ /1258م بأربعة عصور تاريخية هي :
العهد العثماني الذي انتهى علم 1914م ، وتلاه عصر الاحتلال البريطاني ثم الحكم الوطني الملكي ، ثم العهد الجمهوري ، الذي بدا بعد ثورة تموز 1958م .(1/1)
كانت سمات التعليم في العراق في ظل السيطرة العثمانية الاقتباس من تجارب الأمم الأخرى وتقليدها ، وكانت مسيرته بطيئة كماً ونوعاً، وكان مستوى التعليم ضعيف والدراسة باللغة التركية ، وكان هدفه الأعداد للوظيفة .
أما في عصر الاحتلال البريطاني ، فقد سيطرت بريطانيا على السياسة التعليمية في العراق وذلك من خلال تعيينها المستشارين البريطانيين للأشراف على شؤون الإدارة والتعليم ، وكان هدف التعليم الأعداد للوظيفة ، والاهتمام بالجانب النظري ، وتدريس اللغة الإنكليزية في المراحل الدراسية كافة ، وظهور التميز الطبقي في التعليم ، وخلو المناهج الدراسية من الحس الوطني والقومي ، وكبح الروح الوطنية والقومية ، وقلة الأنفاق على الخدمات التعليمية .
أما في العهد الجمهوري فقد حدثت تغيرات جوهرية في المجتمع العراقي ، وهذا انعكس على النظام التربوي ، فقد بدأ التخطيط للتربية وتشكيل اللجان المتخصصة ، أيمانا منها بأهمية التربية ومسايرة روح العصر ، في أساليبها ووسائلها وطرائقها ، وزيادة أعداد المدارس وتنوعها والاهتمام بالتعليم العالي من اجل بناء مجتمع متطور يساير حركة التطور العالمية (146:ص95) .
أ ـ أوجه التشابه بين المفكرين الثلاثة :
يقوم الباحث بتحديد المفاهيم التي اتفق عليها المفكرون الثلاثة وكانت وجهات نظرهم متشابهة في معالجتها :
1ـ الوطنية والقومية :
اتفق المفكرون الثلاثة على هذا المبدأ ، إذ كان لكل منهم مشاركات فعالة في الجانبين الوطني والقومي ، فكل منهم وقف في وجه الاستعمار والاحتلال الأجنبي على اختلاف الأنظمة التي عاصروها .
فقد وقف فهمي مدرس بوجه الاستعمار البريطاني بكل قواه ، وكان قلمه سيفا بتارا في فضح دسائس المستعمرين ، وكان من مريدي جمال الدين الأفغاني ، مؤيدا ومتحمسا لدعوته القومية ، لذلك نفي إلى جزيرة (رودس) .(1/2)
كان البريطانيون المحتلون يرون في المدرّس شخصية تتقد وطنية وإخلاصا للامة العربية والتزاما بالمبدأ والعقيدة ، لذلك أوعزوا إلى الملك بإقصائه من منصبه كرئيس للأمناء في البلاط الملكي ، فلبى الطلب وحجر عليه في داره وشدد عليه الرقابة. وفي أثناء الحكم الملكي كان يفضح بكتاباته المستمرة في المقالات اليومية مظالم الحكومة ، وما يجري في القصور الملكية والوزارات بحق الشعب والوطن ، حتى ثارت ثائرة رئيس الوزراء نوري السعيد محاولا شلَّ قلمه وإسكاته وعندما فشل نفاه وسجنه ، لذلك يعد من الشخصيات الفذة التي ساهمت في تطوير الفكر العربي لامتلاكه أدبا عظيما ونتاجاً فكريا ، استوعب كل صغيرة وكل كبيرة ، فامتاز بشخصية صلبة العقيدة ، وأمانة في التعبير ، فظفر بقرائه ، لأنهم احبوا أدبه السياسي الهادف ، فكانت كتاباته سفرا خالدا من أسفار الثوار والمصلحين الاجتماعين الذين استرخصوا نفوسهم في سبيل خدمة العراق والأمة العربية فاستحق التمجيد والتقدير .
أما محمد بهجة الأثري :
فقد عاش أيام الانتداب البريطاني والعهدين الملكي والجمهوري ، وعاش أحداث الوطن والأمة العربية ، وخاض غمار الحياة ، ولقي منها كل عنت وشدة ، ووقف أمام الأحداث بصلابة فلم يهن ، ولم يخضع إلا لله وسلطان الحكمة والعقل ، لذلك كان شعره مرآة صادقة لحياته ومواقفه من الأحداث السياسية ، فاعتزازه بالأمة العربية وبوطنه ، ولا عجب أن سكب الشاعر دموعه في سبيل وطنه وبات في غياهب المعتقلات سنين عديدة ، فقد قضى ثلاث سنوات في معتقلات سامراء والفاو والعمارة بعد انتكاسة ثورة 1941م ، وكانت قصائده تندد بالخونة وبالإرهاب وأذناب الاستعمار .
كان قلمه ولسانه سيفا بتارا وقصائده حمما قذفها على الحكام الجائرين ، لأنه نادى بالحرية والاستقلال ، وكتب الكثير من القصائد التي تشيد بالجيش العراقي ومواقفه البطولية .(1/3)
وكان يؤمن بالوحدة العربية ويدعو إلى تحقيقها ، لكي تصون نفسها من عبث الحكام المتسلطين ودسائس الاستعمار ، وتصبح قوة يهابها أعداء الله والإنسانية .
وأما عبد العزيز البسام :
فانه لم يكن كاتبا سياسيا ، أو رجلا عسكريا ، بل إنسانا تربويا ، سخر فكره التربوي في الجوانب الوطنية والقومية ، وأفاد من تجاربه التربوية ، ودراسته العالية ، وأراد أن ينهض بوطنه وامته تربويا ، لان التربية هي السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير ويطور الشعوب من دون خسائر وإزهاق أرواح ، فقد نادى بتوحيد الأمة العربية عن طريق مناهجها الدراسية ، وتبادل الخبرات العلمية ، والمعلمين وتقديم العون التربوي للدول العربية الضعيفة اقتصاديا عن طريق وضع استراتيجية تربوية عربية .
كانت وطنيته عالية ، عندما دعي للعودة إلى العراق بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة ، ويعد حصوله على شهادة البكالوريوس من إنكلترا من اجل الإفادة من اختصاصه التربوي ، فعاد بسرعة على الرغم من مشقة ومخاطر رحلة العودة .
2ـ اللغة العربية :
يتفق المفكرون الثلاثة بأهمية اللغة العربية ، كونها لغة القران الكريم فالمدرس : أكد على تنشئة الناشئة نشأة عربية سليمة ، لذلك طالب وزارة المعارف العراقية بالاعتماد المباشر على المناهج العربية واستعمال اللغة العربية ، لغةً رسميةً في المجالات التربوية .
كان أسلوبه حذقا في اقتباس الآيات القرآنية لعناوين مقالاته ، ففقرات مقالاته كانت مرصعة بشذرات من مأثور الكلام ، وبالعبر والعظات .
وكان عرضه جذابا سلسا يفهمه القارئ بيسر ، وكان يؤمن بان الحق أقوى من القوة مهما بلغت ، لان القوة تفنى والحق باقٍ لا يموت .
كان أديبا سياسيا وصحفيا نزيها ، جمع بين البراعة والبيان ورشاقة الكتابة وتدريسه الجميل الساحر لأدب العربية وأمجادها وتاريخها .(1/4)
أما الأثري فقد آمن باللغة العربية ، وعدّها من أهم مقومات الوحدة ، وهي سيدة اللغات ، ولغة القرآن الكريم ، واللغة المهندسة والمنغمة ، وهي أيضا رباط الوحدة الكبرى .
كانت لغته عربيةً أصيلةً استقاها من فصيح الكلام وبلاغته من كتاب الله العزيز ، فهو متأثر بألفاظه ومعانيه وصوره ، لذلك أضفى إلى شعره نفحات قوة ووضوح يزهو بفصاحته ، ويسمو ببلاغته وبيانه ، فليس في شعره كلمة ساقطة أو عامية أو دخيلة .
لقب بشاعر العرب والإسلام ، فهو أستاذ اللغة العربية والمشرف الاختصاص فيها. وجد في العربية متعة وبلاغة وسحراً ، ففي إحدى جلسات المجمع العلمي العراقي / 1992 قال : ( يود الدارس أن يحيط بكل علم ولغة ، وهيهات أن يتاح ذلك لإنسان إذ العلوم واللغات لا حدَّ لها ، والعمر قصير محدود ، والاهم عندي وأنا عربي أن اقدم ثقافة أمتي روعاء بالفصحى العذبة الخلابة الساحرة ، وألقيت فيها حلية من جلال الوحي وجمال الروح أنماطا وأفانين من النوازع الإنسانية خامرت قلبي ، فوجدت بها نفسي ، وحين وجدت نفسي ، وجدت مجد أمتي العظيمة ، فأوغلت فيها بإيغالي هذا ، هذا سر استغراقي في الفصحى ، وهي بكل ما تمثل من الخير تفقه الإنسان بماله وما عليه ، وتبصره بالحياة الرفيعة وآفاقها وأبعادها وتصله بكل زمان ومكان ) .
وأما البسام :
فقد وصف اللغة العربية ، كونها رابطة قومية يجتمع عليها أبناء الأمة العربية ، وأنها أداة تربوية فعالة في ترسيخ قيمها ومعالم شخصيتها ، وتعمق وحدة الفكر والإرادة بين أبنائها ، وهي الأساس لوحدتها الشاملة ومصيرها الواحد .
فهي تطور الشخصية الإنسانية لصلاحيتها بمطالب العلم الحديث وتساهم في تطوير الفكر العربي المعاصر .
واللغة أداة للتعليم ، تكفل اعتماد الفصيحة تمييزا لها عن العامية واستبدالا بها عن آية لغة أجنبية أخرى .(1/5)
واللغة هي أداة التفكير الرئيسة ، وهي الحالة الأصيلة للتعبير عن أفكار الأفراد بالكتابة أو الكلام ، وهي فكر ووجدان وإرادة تتجلى في مهارات تؤدي وظائف التفكير والتعبير والتواصل ، وما يرتبط بها من التذوق والتعاطف والمشاركة في المواقف والأعمال ، واللغة هي وعاء ثقافة الأمة والسبيل إلى استيعاب قيمها وأساليبها في النظر إلى الوجود والموجودات .
واللغة مرآة حياة الأمة ، والسجل المعبر عن خصائصها .
كانت اللغة العربية الفصيحة معرضة لان تشتت وتبدد إلى لهجات محلية لا جامع بينها بحكم التجزئة والتخلف لولا أن الدين الإسلامي قد صانها بالقرآن الكريم والحديث الشريف ، وحفظها في القلوب وعلى السنة الدارسين وأقلام الكتاب ، كما حفظ معها شخصية الأمة العربية طوال تلك القرون .
وظلت صلة العربية الفصيحة قائمة بالجماهير العربية عن طريق الدين الإسلامي ، وتعلق الناس بها كونهم يستعملونها في صلواتهم الخمس كل يوم ، ويستمعون إلى آيات الذكر الحكيم والأحاديث النبوية الشريفة في الخطب والمواعظ .
وأكد البسام بان هناك فوائد عديدة يمكن أن يجنيها الأفراد من تعلم اللغة العربية الفصحى ومنها :
ـ تعميق خصائص اللغة العربية ووظائفها في حياة الأمة العربية والحفاظ على سلامتها.
ـ تعميق الروابط القومية بين أبناء الأمة العربية ، وصولا إلى الوحدة الشاملة . ـ كونها أداة فعالة في التعليم فيجب حسن استثمارها . ـ تساهم في فهم القرآن الكريم والحديث الشريف والتراث الفكري العربي الإسلامي . ـ تساهم كونها وعاء للثقافة العربية وبخصائصها القومية .
ـ تنميتها لتكون أداة فعالة في استيعاب العلم الحديث وتطبيقاته وتطويره . ـ اعتمادها أداة فعالة في إبداع الآداب وابتكار العلوم . ـ إشاعتها كوسيلة للتفكير والتعبير والتواصل بين المواطنين .
3ـ العروبة والإسلام :(1/6)
اتفق المفكرون الثلاثة في تعاملهم مع مفهوم العروبة والإسلام كونهم جميعا ناضلوا من اجل القومية العربية ، واعدوا الإسلام هو الأساس القوي لبناء القومية العربية .
فأكد فهمي المدرس : أن الاتكال على الله سبحانه احكم الحاكمين بقوله : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعلَوْن إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:139).
فقد نادى العرب الأمجاد بقوله : (إن العراق في هذه الساعة الرهيبة يخوض غمار معركة حاسمة أما الموت أو الحياة فجردوا سيوفكم وشدوا الوثاق تحت لواء الحق المغصوب والحرية المهانة والاستقلال المهضوم ، وأججوا نارا حامية تصلون بها طغيان الغطرسة والكبرياء والجبروت بعزم قهار ، وإرادة جبارة وإيمان كامل) لقد كانت مقالاته السياسية والاجتماعية تختم بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية شريفة أوأمثال عربية .
فقد نبّه على مأساة فلسطين واعدها لطخة في جبين الدول الاستعمارية التي منحت الصهاينة أرضا ، لا تملكها ، وليس لها الحق في تقرير مصيرها ، لذلك فضح خططهم وعدَّ كل المؤتمرات لا فائدة من نتائجها ، والحل الوحيد هو إخراج اليهود من ارض العرب والمسلمين (فلسطين العربية) .
أكد على تخلص البلاد العربية من الاستعمار والسيطرة الاستعمارية والعودة إلى منابع الدين الإسلامي ، واتباع تعاليمه من اجل توحيد الأمة العربية الإسلامية ، لتكون قوة كبرى تصد تحديات الدول الاستعمارية الكبرى .
وعند تأسيس جامعة آل البيت التي كان فهمي المدرس أمينها ، عارض نفر من رجال السياسة والتربية الاتجاه الإسلامي والقومي ، الذي نحت إليه الجامعة والذي أراد أن يكون طابعها المميز، فأرادت الفئة الأخرى أن تفصل الدين عن التعليم كونه عقيدة في القلب في حين أن التعليم علم يستند إلى العقل والتجربة .(1/7)
ويتفق محمد بهجة الأثري مع المدرس على هذا المفهوم إذ يقول : (إن طلب العلم والشغف بالعلوم الإسلامية والعربية خاصة يؤدي بنا إلى العزة الدينية والقومية) ، وهو يرى إن الإسلام قد فجر ما تمتلك الأمة من ملكات وطاقات، فبرزت ذات حضارة إنسانية نبيلة شاملة واستثمار الواجب في العمل الدائب من اجل مواجهة ما تتعرض له من مكايد الاستعمار والصهيونية وما يدبرانه لها من المؤامرات الخبيثة .
وبما أن نهجه كان إسلاميا فقد نفذ ما اقترحه عليه أستاذه (الالوسي) عندما طلب منه ارتداء زي العلماء ، واعتمار العمامة وهي شعار العرب الأولين وارتداء الجبة يفرغها على كسوته ، فقد كانت نشأته إسلامية وتتلمذ على يد بعض العلماء والشيوخ في المدارس التقليدية التي بقيت من معالم التراث العربي الإسلامي .
لقد كان خالص النية في كل عمل صالح نافع ، وكانت صلاته بأعلام الفكر على الساحتين العربية والإسلامية ، وكانت مجالسة أهل الديانة تجلو عن القلوب صدأ الذنوب ومجالسة أهل المروءات تدل على مكارم الأخلاق ومجالسة العلماء تزكي النفوس ، فقد كان إيمانه بالإسلام عميقا يسمو بعقيدة التوحيد أساسا لحياة الإنسان وتنظيمها للمجتمعات لكونه صالحا لكل زمان ومكان .
كان يؤمن ويعتز كل الاعتزاز بالأمة العربية ويرتبط بها كل الارتباط لأنها كيانه الذي يسعى بها وذاته التي تسمو . فعزها عزه ، وعلاها علاه .
لقد ربط بين العروبة والإسلام لأنهما لا ينفصلان ، فقد اعز الله العرب بالإسلام وكلَّف العرب بحمل رسالة السماء فكان العرب والمسلمون اخوة مؤمنين متضامنين ، كان لسان جمعية الشبان المسلمين شاعرا وخطيبا ومحاضرا مع اضطلاعه برئاسة تحرير مجلة العالم الإسلامي ، فنادى بالإصلاح الديني ، فازداد معرفة بالإسلام ، ونفذ إلى أسرار تشريعاته ومعانيه عقيدةً وفكرا وحضارةً .
وأما البسام :(1/8)
فكان من عائلة دينية ، كان لأسرته الفضل في تشييد أول مسجد في مدينة الزبير ، كان جده قاضيا ، وكانت تقام بعض أوقات الصلاة في بيت جده لكونه من رجالات الزبير المعروفين ، وعلى الرغم من إكمال دراسته الجامعية (البكالوريوس والماجستير والدكتوراه) في إنكلترا ، لكنه لم يتأثر بالغرب ، بل بقي متمسكا بتعاليم الدين الإسلامي ، وتطبيق الفرائض .
وقد أكد على مبدأ الإيمان من خلال وضعه استراتيجية لتطوير التربية العربية ، إذ أكد على الإيمان بالله وبرسالات السماء وخاتمها الإسلام وبما فيها من القيم الإنسانية والأخلاق الفاضلة والسعي إلى خير الإنسان والإنسانية .
4ـ الأصالة والمعاصرة :
اتفق المفكرون الثلاثة على أهمية التراث والتجديد في حياة الأمة ، فالمدرس يؤكد أن التراث عنصر من عناصر تكوين الشخصية العربية الإسلامية ، لذلك خالف بعض معاصريه من رجالات الدين في تفسير بعض آيات القرآن الكريم تفسيرا لا يتفق مع ما جاء في كتب التفسير فخرج على ما ألفه أولئك في طرائقهم التقليدية مما أثار عليه هؤلاء ، وعدوه كافرا وملحدا على الدين .
كان كثير الاقتباس من القرآن الكريم والحديث الشريف ، فقد حارب البدع المتوارثة والخرافات ونبه عليها وتجنبها .
آمن بالعروبة إيمانا مطلقا وبتراثها وقيمها ، فهو يتلمس نزوعه إلى التجديد والإبداع ، لا إلى التقليد والاتباع ، لإيمانه بان أساليب النشر القديمة لم تعد قادرة على تطوير الحياة الجديدة ومتطلباتها ، لذلك طور النشر وارتقى به من طور الجمود والتقليد إلى التجديد والمعاصرة .
كان داعيا إلى نشر التراث العربي الإسلامي في مقالاته الوطنية .
ويتفق الأثري مع فهمي من خلال دعوته إلى التجديد ، بان يكون الإنسان عضوا نافعا في مجتمعه ، لا أن يقف على الأطلال ، أو يبكي على الماضي أو يهرب من الحياة.(1/9)
فقد عد المعجم العربي كنزا ذهبيا ثمينا يستطيع أن ينهل منه الأديب ما يريد ، واهتدى إلى أن الذي يغني اللغة ويهدي إلى عبقريتها هو التوليد بالاشتقاق بجميع أقسامه ، وبتطوير الأدلة بالمجاز وبغيره لتتسع اللغة لجميع المستجدات التي يفرضها قانون الاستمرار ، وسنن النمو الحضاري والفكري .
عني الأثري منذ شبابه بالتراث والمعاصرة الذي سماه (الأصالة والتجديد) لأنها اقرب إلى مفاهيمه التربوية ، فقد قال : (( إن الأصالة تعني التمسك بخير ما في الماضي من أصول ، تدل على العراقة والذاتية والتراث ، وهي مثل الماضي الحي ، والتجديد يعني به توليد أصول نابعة من الجهود الذاتية متميزة بالابتكار وملائمة لتغير مطالب الحياة وأحوالها في الزمان والمكان مطلة على المستقبل)) ، وليس لهذين المفهومين اتجاه معاكس ، بل قد يكونان متكاملين ، فالتربية تستند إلى الخبرات السابقة ، وتفيد من أصالتها وتتطلع إلى مواجهة المشكلات وإيجاد الحلول لها .
وتوصل البسام إلى انه ينبغي أن تواجه المشكلات الثقافية والحضارية التي عانت منها الأمة العربية في ماضيها القريب ومن خلال فلسفته التي تعنى بالتوفيق بين الأصالة والتجديد ، وهو السبيل إلى العفة والمنعة والاحتفاظ بالهوية .
5ـ التربية :
اتفق المفكرون الثلاثة على أن التربية ، هي عملية اجتماعية ، وهي أداة التغيير الاجتماعي ، فالمدرس ينظر إلى التربية كونها سلاح الشعب الذي يفتح العقول ، ويطرد المستعمرين من البلاد ، وحين عزل من البلاط الملكي اتجهت رغبته إلى إنشاء جامعة عراقية يكون هدفها تخريج فئة من المثقفين تقوم بأعباء النهضة الفكرية والتربوية المنشودة ، لكي يتبؤوا المناصب في الدولة محل المحتلين .
كان من المطالبين عندما كان أستاذاً في جامعة الإستانة بجعل التعليم في الوطن العربي باللغة العربية ، وكان عضوا في مجلس إصلاح المعارف ببغداد .(1/10)
لكن الأثري كان ينظر إلى التربية بمعناها الواسع ، وهو معنى الهداية والإصلاح يمثل في أعماله اللغوية والأدبية زاداً غنياً لطلاب المعرفة في ميادينها وقدوة لهم في المقصد والمضمون وأساليب التعبير .
كان مدرساً ناجحاً ، وقد ألف الكثير من الكتب المدرسية ، كان يهتم بطرائق التدريس ، ويلاحظ معلميه وشيوخه في أثناء الدرس ومدى التزامهم باللغة العربية الفصحى.
كان ينظر إلى المستقبل فيقول : (إن هيكل المستقبل الجديد لا يقوم إلا بتحطيم هياكل هذه المفاسد التي تنشر باسم الدين ، فإذا لم تحل المشكلة بين الصفحة السوداء من ماضي التاريخ ، وبين هذا الحاضر الذي نريد بناءه على قواعد القوة والعلم والإيمان فلا فلاح لنا من بعد) .
درس في معاهد المعلمين ، وعين مفتشاً اختصاصياً باللغة العربية ، وإذا كنا قد وصفنا إسهامه في التربية بمعناها المحدد بالمهمات لما فيها من التحديد والوضوح والتمايز، فإننا نكتفي في وصف هذا الإسهام في مجال التربية بمعناها الواسع بالجهود على سبيل الإطلاق التي تؤدي ما يتوقع لها من ثمرات بشأن التأثير في الآخرين بعفوية وتنوع وتباين في المستويات وحالات تستعصي على الحصر والتحديد فيما بين أيدينا من معلومات .
إذ أكد على طلب العلم الذاتي ، فالعلم يطلب ويسعى إليه من دون قيود الزمان والمكان ، ومن دون اشتراط آية اعتبارات أخرى ، مثل وجود المعلمين أو وجود المؤسسات ، وذلك من عناصر التعريفات للتربية المتواصلة مدى الحياة ، فهو اقرب إلى التربية العربية الإسلامية ، بعيداً عن ضرورات المعيشة والمكاسب المادية فيها .
أما البسام فقد نظر إلى التربية بأنها ملازمة للحضارة متفاعلة وإياها أخذا وعطاءً وإسهاما في تقدم المجتمعات .(1/11)
والتعلم بوصفه صناعة يلتزم العاملون في ميدانها بمهمات يؤدونها على سبيل التخصص بحكم التعاقد المهني ، والنازع الأخلاقي ، فان تعددها وتنوعها ليعسر حصرها وتصنيفها ، والتعلم يعني إتقان العلم وزيادته .
والتعلم مصطلح عام للتغير في السلوك تغيراً يتسم بخط من الثبات يأتي استجابة لمهمة مطلوبة مما ينبعث عن الخبرات ، وهو أيضا العمليات التي يحصل بها ذلك التغيير ولا يدخل في نطاقه ما يأتي من العمليات الجراحية أو المرض أو التكيف للاحساسات .
والتربية تعني أصلا التنشئة للصغار، وهي العمليات التي تؤدي إلى تمكين الناشئين من تنمية شخصياتهم من جميع جوانبها ، ومن مواصلة اكتساب المعرفة واستثمارها في الحياة .
نظر البسام إلى التربية هذه النظرة لكونه معلماً ومدرساً وأستاذا جامعياً ومفكراً تربوياً.
إن أسس التربية في أي مجتمع ينبغي أن تستند إلى فهم صحيح لطبيعة ثقافة ذلك المجتمع ومزاياه الحضارية والحاجات التي تنشأ فيه من اثر نزعته للتقدم والتطور ، وإلى فهم صحيح لخصائص الناشئين فيه ، وكيف يستجيبون لطبيعة مجتمعهم ومطالبه ، والفهم الصحيح لهذين الجانبين ، إنما هو هدف ينبغي السعي إلى الوصول إليه باستمرار
ب ـ أوجه الاختلاف بين المفكرين الثلاثة :
لقد اختلف المفكرون الثلاثة في بعض الأحيان ببعض المفاهيم ، وقد يكون اختلافهم حسب وجهات النظر أو الفلسفات التي يؤمنون بها :
1 ـ القيم والمجتمع :
فقد اختلف المفكرون الثلاثة في تعاملهم مع القيم والأخلاق ، فكل واحد منهم يعالج هذا المفهوم حسب ظروفه والآثار التي تركتها القوى والعوامل الثقافية في فكره وحياته فالمدرس نتيجة لمعاصرته العهدين العثماني والبريطاني ، فقد كان يعالج هذا المفهوم من خلال مزجه بين الثقافتين القديمة والحديثة وينظر إلى التراث وقيمه العليا نظرة جدية .
فقد امتازت خواتيم مقالاته بآيات من القرآن الكريم أو الحديث الشريف .(1/12)
كانت مقالاته تحاكي جميع القراء، وحتى الأميين منهم لكي يفهموا ويعوا ما يريد إيصاله إلى أبناء الشعب ، وكان ثائراً حاد المزاج يوضح الحقائق ويسندها بالشواهد المستقاة من الواقع الملموس للحياة الواقعية ، لكنه كان يحذر المجتمع من الأحاديث والأقوال المضللة التي مصدرها الغرب ، ومن الذين درسوا بعض الأسس والنظريات الحديثة هناك ، لذلك حذر المدرس المسؤولين في وزارة المعارف من إهمال تنشئة الناشئة نشأة عربية سليمة ، وعد الأسرة والمجتمع هما المسؤول الأول عن زرع هذه القيم والمبادئ عند الناشئة .
في حين نظر الأثري إلى القيم نظرة مثالية ،فقد كان مؤمناً بالله يجده ظاهراً في الطبيعة ، كما في أنفسنا ، وكل شيء في الكون مظهر له ، وكان هذا الشعور يدينه من حدود التوحيد بين الله والأشياء ويشعر بحب الذات الإلهية .
وبما انه شاعر كبير فهو لا يقول ما لا يعتقد ، ولا يفعل ما لا يقوله .
كان ينظر إلى العقيدة بأنها نافذة توحيد الأمة وتوحيد العراق عرباً وأكرادا.
كان في أفكاره وسلوكه ومواقفه رجلا مؤمنا بالله ، مسلم العقيدة والقيم والرؤية ، فهو يرى الإسلام عربيا وعالميا في آن واحد ، فهو عربي من حيث إن الذي جاء به هو الرسول محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) والذين حملوا الرسالة هم العرب ، وهو في الوقت نفسه عالمي للبشرية جمعاء .
أما البسام فقد اختلف عنهم بعض الشيء ، فقد كان ينظر إلى القيم والمجتمع نظرة توليفية ، فهو لا يميل إلى العكوف على الذات والانطواء عليها والانعزال عن غيرها ، وذوبانها والتخلي عنها والاندماج بحضارة من الحضارات الأخرى ، وهذا ليس شان الأمم ذات الحضارات الإنسانية كالأمة العربية ، فموقفها هو الموقف الوسط الذي يتسم بالقوة والاعتدال والتوفيق بين الأصالة والمعاصرة .(1/13)
وقد وضح البسام أن عوامل عديدة ساعدت ويسرت للاستعمار الأوربي التسلط ، وإحداث التجزئة والتخلف والضعف والخلافات الطائفية واستبدال الحكام وغلبة نزعات التسلط والشهوات ونفوذ الأغراب إلى مراكز السلطة وتوزعهم عليها .
وأكد على التنمية الشاملة ومشاركة المواطنين جميعهم وانتفاعهم منها على أسس التعاون والمساواة ، فهي الصيغة الحديثة لتقدم المجتمع وتحقيق الرفاهية القائمة على وفرة الإنتاج وعدالة التوزيع فيه .
2ـ الاختلاف المهني :
لقد اختلف المفكرون الثلاثة بوظائفهم الإدارية والمهنية . فقد كان المدرس كاتبا سياسيا وأديبا ، فهو من زعماء الفكر وهو سجل صادق لانطلاقاته الفكرية التحررية ، فكان قلمه سيفا مشهورا في وجه الأعداء ، وكلماته أقوى من القنابل على مسامع الأعداء فقد كرس قلمه ووهب حياته لخدمة الشعب وإيقاظه من غفوته وحثه على إعادة مجده الضائع وحريته السلبية .
أما الأثري ، فقد كان لغوياً ، شاعراً يمتلك أعلى المواصفات الفنية للشعر العمودي الرائع لغة وسبكا وتوصيلا وأداء ، فقد كان شعره يجمع ما بين قوة التعبير ودقة التصوير ، ومتابعة ما جد على فنون الشعر من تطور مع المحافظة على أصول هذا الفن العريق ، كان شعره يمتاز بجزالة اللفظ ، وقوة الصياغة ، وبراعة التعبير ، وإبداع النسج ، وأحكام القوافي ، وطرافة المعاني ، مع توفير الغنائية وانسجام القصيدة بيتا بعد بيت ، فهو لا يقول الشعر إلا إذا جاش في صدره ، وتوافرت حوافزه ودواعيه من غير تصنع .
وكان يؤمن بالله والإسلام والعروبة ، وهو عالم بالعربية ، وفقه اللغة ، لذلك كان هذا الحب للعربية والتمكن فيها ، هو السر وراء اختياره عضوا عاملا في خمسة مجامع علمية عربية كبرى .(1/14)
أما البسام فقد كان رجلا من رجالات التربية ، عمل في سلك التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي ، وهو أيضا عضو في مجموعة من المجامع العلمية العربية ، خدم التعليم في مجالات اختصاصه (علم النفس التربوي) وقدم الشيء الكثير في تطوير استراتيجيات التعليم المختلفة في العراق والوطن العربي ، وكتب الكثير من المؤلفات في المجالات التربوية والنفسية ، عمل مستشارا في وزارة التربية ، وكان من مؤسسي جامعة العين في الإمارات ، ومقوما لمناهج التدريب في جامعة الكويت ، وممثلا للعراق في اليونسكو .
المبحث الثاني :
نظرة مستقبلية للفكر التربوي :
إن مسرح التربية اليوم يموج بالحركة السريعة في مجتمعات معينة ، وما زال يعيش في أمن ورضا وقناعة وجمود الماضي في مجتمعات أخرى .
فلم يعد المستقبل مجهولاً ، بل يمكن أن تخترق سحبة العيون المبصرة الواعية العلمية ، لترسم صورة تكاد تكون قريبة جداً مما سيحدث مستقبلاً في تنبؤ مؤسس على الوضع الراهن ، والتقدم التكنولوجي المستمر، لذلك ينبغي لا نقبل القول الشائع:(بأن الشرق شرق ، والغرب غرب ولن يلتقيا) .
لقد لعب التعليم المبرمج دوراً مهماً في أساليب التعليم ، والتكنولوجيا الحديثة ، التي فرضت على حياة الإنسان إرادتها من اجل زيادة قدرة البشرية .
والتكنولوجيا هي ليست أجهزة وآلات ومعدات حديثة ، بل هي أنماط تنظيمية ، واتجاهات نحو المشاكل وطرائق حلّها .
لذلك تعد التربية القوة القادرة على إحداث التغيرات ، وهي أقوى من السيوف اللامعة ، وأعتى من البارود والبنادق ، وقد يقتل الملايين من أمة فيقطعون أشلاء ، أو يحرقون فتنهى أجسادهم ، لكن الروح والعزيمة والإرادة الصلبة تصمد شامخة أمام هذا السلاح الماضي .
والتربية هي القوة القادرة على تكوين هذه الإرادة ، وتلك العزيمة ، والسمو بالروح والنفس عالياً ، والثبات والرسوخ على الأرض بجذور لا يمكن لرياح الشر أن تقتلعها.(1/15)
لقد شهدت البلاد العربية خلال الربع الماضي من القرن العشرين تغيرات سياسية واقتصادية وثقافية بعيدة المدى ، فكانت هناك الحركات والثورات الوطنية التي استكملت بها استقلالها السياسي ، ويرافقها محاولات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وبروز النمو السكاني ، وتزايد الثروة المادية ، وشعور كل دولة برسم أهدافها القومية والعمل على بلوغها من خلال تنفيذ المشروعات العمرانية ، وإقامة العلاقات مع بلدان العالم الثالث .
إن استعراض الواقع العربي ، والتربية العربية وصولاً إلى قراءة المستقبل مستفيداً من معطيات ذلك الواقع سلباً وإيجابا من اجل الاستنتاج لتصور احتمالات المستقبل لتكون لنا عوناً في عرض احتمالات المستقبل للتربية .
فعالمنا المعاصر يزخر بالقوى المتصارعة والتيارات المتعارضة ، والاتجاهات والمذاهب المختلفة ، قسم منها يتجه نحو الخير والبناء والإعمار ، ويحقق التقدم للإنسانية ، ويتجه بعضها الآخر إلى الشر والهدم والتدمير وعرقلة مسيرة الحضارة الإنسانية .
فالميدان السياسي تبرز فيه الصراعات الدولية ، ونشوء المعسكرات والأحلاف الدولية وتسلط الدول الكبرى ، وسباق التسلح ، والاعتماد على التقنية الحديثة في تطوير أسلحة الدمار الشامل ، وفرض مناطق النفوذ ، والتأثير على مجموعات من الدول الصغيرة ، واستبقاء أنماط من التبعية في صور الاستعمار الجديد .
ويعد الغزو الاستيطاني الصهيوني أسوأ نماذج الحركات العنصرية ، وأن تزايد التوتر بين الدول الكبرى وتنازعها على مناطق النفوذ قد ينتهي بصورة من صور العنف ، وسباق التسلح الذري الذي قد يؤدي إلى إنهاء الجنس البشري .
أما في ميدان الاقتصاد فتبرز آثار الاستعمار في السيطرة على موارد الشعوب وأسواقها ، واستغلال واستثمار ثرواتها الطبيعية والبشرية ، وتسخير العلم والتقنية لأغراضه ، وإبقاء البلاد في الحدود الدنيا من مستوى المعيشة مما يؤدي إلى زيادة البطالة.(1/16)
فالشعوب المترفة يكون أفرادها قادرين على الإفراط في مجالات الحياة كافة ، في حين أن الشعوب المستغلة تعاني من العوز وتدهور في المجالات الصحية والتلوث وسوء التغذية ، مما يؤدي إلى زيادة العنف وانحراف الشباب والعدوان .
أما في المجال التربوي ، فقد يحدث العجز المادي عجزاً بالإمكانات والموارد المتاحة للتعليم ، فزيادة السكان ، وانتشار الأمية ، والنقص في أعداد المعلمين والمعينات التربوية ، والأبنية المدرسية،يؤدي إلى ارتفاع تكلفة التعليم والإهدار بسبب الرسوب والتسرب ، وعدم ملاءمة الخريجين لمطالب العمل ونقص الكفاية في الإدارة .
وبعد أن تعرف الباحث على أفكار المفكرين الثلاثة تمكن من أن يتلمس فكرا تربويا عراقياً من خلال نظرتهم إلى المبادئ والقيم التي يؤمنون بها وصولا إلى فكرهم التربوي ومحاولة منهم لطرح مشروع حضاري كان الهدف منه الانتقال بالأمة العربية من حالة الركود والتجزئة إلى حالة الإشعاع والحضارة ، فكان (المدرس) رائدا من رواد الفكر السياسي وقد نادى بتوحيد الأمة العربية وخصوصا في المجال التربوي وهذا ما كان يطرحه في أثناء جلساته في جامعة آل البيت ، ولكونه كاتبا وصحفيا لم تطبق أفكاره على الواقع لأنها نظرية ولأنه لم يستمر في قياده هذه الجامعة الفتية .
أما (الأثري) فقد كان لغويا وشاعرا وناقدا ومؤلفا ، ألف العديد من الكتب المنهجية ، وكان عضوا في كثير من المجامع العلمية العربية ، فقد أراد أن يجعل من الأمة العربية أن تتوحد وان يكون الإسلام واللغة العربية من أركان هذا التوحيد ، وان توحد مناهج المؤسسات التربوية في الوطن العربي لكي نحافظ على تراث الأمة العربية بدينها القويم .(1/17)
أما (البسام) فقد كان رجلا تربويا حصل على الشهادات العليا ، وقد ساهم مساهمة فعالة في وضع استراتيجية لتطوير التربية العربية مع مجموعة من المختصين العرب ، علاوة على مساهمته الفعالة في تأسيس جامعة العين بالإمارات العربية ، وتقويمه لمناهج جامعة الكويت ، وبذلك اصبح من المنادين لخلق سياسة وفلسفة تربوية .
وقد أفاد الباحث من هذه المبادئ المقدمة في بناء الركائز الأساسية للفكر التربوي العربي ، وهذه الركائز هي :
1ـ المبدأ الإنساني :
يؤكد هذا المبدأ على مكانة الإنسان في الوجود ، وتمكينه من التعلم وتطوير شخصيته ، وتبصيره بحقوقه وواجباته الدينية والاجتماعية والقومية ، وقدرته في العمل والإبداع والابتكار اعتماداً على عقله وضميره واضطلاعه بمسؤولية أعماله .
وان تكون نزعته إنسانية إلى المذاهب الفكرية والديانات السماوية ، وحركة حقوق الإنسان ، وطموح الشعوب في التحرير والحياة الكريمة ، وترجمة التشريعات القانونية إلى إجراءات عملية تلائمها ، وتمكين المواطن من النهوض بمتطلبات واقع التربية وبناء شخصية الأفراد بالجهود الذاتية .
2 ـ مبدأ الإيمان :
يهتم هذا المبدأ بعناية التربية بترسيخ الإيمان بالله ، وبالإسلام خاتم رسالات السماء ، وبمكانة الإنسان في الوجود ، والاعتماد على هدي العقل ، والعناية بما اقره الدين من القيم الإنسانية والأخلاق الفاضلة ، والسعي في خير المجتمع وتماسكه وتمكينه من البناء والتعمير ، والحاجة إلى إصلاح النفس الإنسانية ، وعدّ الإيمان مصدر قوة واطمئنان ، وتنظيم حياة الإنسان وحياة المجتمع ، والابتعاد عن التبذل والتحلل والانغماس في الشهوات الناتجة من ضعف العقيدة الدينية والإيمان ، وتبصير المواطنين ولا سيّما الشباب منهم بالقيم الواضحة التي تجنبهم الحيرة الفكرية وتكون لهم سنداً في توضيح صورة المستقبل .
3 ـ مبدأ القومية :(1/18)
تعد التربية ذات وظيفة اجتماعية وتتفاعل مع مجتمعها تأثرا به وتأثيرا فيه وتعمل على خيره وتقدمه .
والتربية ذات انتماء قومي تتأثر بالخصائص الحضارية القومية في مجتمعها وتساهم في تحقيق أهدافها .
والتربية تهدف إلى إعداد المواطن الصالح الذي يخدم أمته ووطنه ، وان يمتاز العمل التربوي بالأبعاد القومية الشاملة والمعتمدة على التعاون والتكافل فكراً وتطبيقاً .
لقد برزت القومية كحركة ترمي إلى تحرير الشعوب ، وتكوين الدول الحديثة ، وظهور التجمعات الإقليمية على أساس المصالح المشتركة ، ودور التربية في الحركة القومية هو بناء الأمم والدول الحديثة وتعاظم مهماتها في هذا المجال ، ولكون الأمة العربية حقيقة تاريخية حضارية ، اتصل كيانها بالحضارة الإنسانية وهي تملك من مقومات الوحدة ما يندر أن تمتلكه أمة أخرى ، فامتازت عن غيرها بوحدة اللغة والوطن والتاريخ والمصالح والمصير المشترك والدين الإسلامي .
ويترتب على ذلك إرساء النظام التربوي بجملته على أسس قومية ، ويسهم علماؤه في تطوير فكر تربوي عربي نابع من فلسفة عربية موحدة نابعة من واقع الأمة العربية وقيمها وتقاليدها ، بعيداً عن النقل والتقليد .
وعليه لابدَّ من وضع استراتيجيات وتخطيط لبناء مؤسسات ذات كفايات عالية من الاختصاصيين لتبادل الخبرات والتعاون والتكامل في الموارد والإمكانات .
4 ـ المبدأ التنموي :
بما أن التنمية الشاملة هي الصيغة الحديثة لتقدم المجتمع وتحقيق الرفاهية القائمة على وفرة الإنتاج وعدالة التوزيع فيه فلا بد من مشاركة المواطنين في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لانتفاعهم منها على شرعية التعاون والمساواة.(1/19)
وان تكون العلاقات بين التربية ومنظومات النشاط المجتمعي متصفةً بالشمول والتكامل واعتمادها على الإنسان كونه غاية وأداة ، وتنمية مهاراته وكفاياته وقيمه نحو الحياة والعمل ، وإحداث التغيرات في المجتمعات ، والعناية بالبيئة وصيانة مواردها ، وتنمية المواقف السليمة إزاءها وحسن استثمار خيراتها وعدّها مصدراً غنياً للتربية وللتنمية ، والتأكيد على ما في الإسلام من حق للإنسان في الحياة الكريمة .
5 ـ المبدأ الديمقراطي :
يؤكد هذا المبدأ على المساواة لجميع المواطنين في الحقوق والواجبات ، وفي تكافؤ الفرص ، وتقدير كرامة الإنسان واحترامها ، وتنظيم المجتمع تنظيما مستندا إلى إرادة الجماهير ، والاعتماد على الشورى في ممارسة السياسة والإدارة ، وان تطبق الديمقراطية في المجالات كافة ، لتكون تعبيرا عن طموح الشعب لنيل حقوقها وتحسين مستوياتها ومشاركتها في تنظيم شؤونها ، وهذا يتخذ من التربية وسيلة فعالة للتنشئة على الديمقراطية أسلوبا في الحياة ، والتمتع بحرية التفكير والتعبير .
6ـ مبدأ العلم:
إن من وظائف التربية العناية بترسيخ العلم لدى المتعلمين منهجا ومحتوى ، وفكرا وتطبيقا ، وجعله جانبا مهما من جوانب الثقافة العامة ، وأساسا للحياة وللتنمية الشاملة . وان تسهم في تطوير البحث العلمي ، أن تكون أداة فعالة في الثورة العلمية ، وتطبيق العلوم في مجالات الحياة ، وتكيفها لمطالب التنمية الشاملة وفي إنشاء فكر تربوي متميز منبثق من فهم الطبيعة ، وما فيها من موجودات واستثمارها وجعلها قوة للخير والبناء ، بدلا من قوة للشر والفناء .
إن تطور العلوم الأساسية للتربية ، ولا سيمّا العلوم السلوكية وتطبيقاتها العلمية وتحسين طرائقها وأساليبها ووسائلها ، والإسهام فيه والانتفاع منه منهجا ومحتوى ، فكرا وتطبيقا ، وتجنب أخطاء نقل التقنية بصيغتها الجاهزة والاعتماد فيها على التصورات والكفايات الأجنبية .
7ـ مبدأ العمل:(1/20)
لقد اهتمت التربية بالربط بين الفكر والعمل ، وعدّ العمل ركيزة للتربية وجانبا مهما في حياة الإنسان ، وهو أساس نشأة الحضارة وعماد تقدم الأمم والشعوب ، وإدراك حق المرأة في العمل بما يصلح لها .
وقد تعنى التربية بإعداد المتعلمين لمطالب العمل ، والاستجابة لحاجات التنمية الشاملة ، واعتبار العمل حقا أصيلا للإنسان وارتباطه بمستوى حياته وصيانة كرامته ومكانته الاجتماعية ، فقد أكد الدين الإسلامي على العمل ودعا إلى السعي في طلب الرزق واستثمار خيرات الأرض .
لقد انتقدت التربية البطالة المقنعة ، وضعف الإنتاج ، وهذا ناتج عن ضعف المهارات والكفايات الإدارية والتنظيمية في مؤسسات المجتمع .
لقد كشفت لنا الدراسات السلوكية ومنها علم النفس عن شمول الشخصية الإنسانية وتعدد قدراتها وتكاملها في الخبرات وأنماط السلوك ، وهذا يؤدي إلى ارتباط الفكر بالعمل ويترتب عليه إجراء التغيرات في طرائق التربية وأساليبها في تنمية القدرات واستثمار المهارات والكفايات في العمل لخير المجتمع وتقدمه .
8 ـ مبدأ التربية للحياة :
إن إقرار الحياة بعدّها نعمة يمن الله بها على الإنسان ، يجب المحافظة عليها . والتعلم قائم على الحياة وبه تتطور ، والتربية حياة متجددة ومتواصلة .
وتعتمد التربية على الخبرات الإنسانية المستمدة من واقع الحياة . وهي تعنى بهذه الخبرات وتحولها إلى أنماط سلوكية سليمة ملائمة لقدرات الأفراد واستعداداتهم .
والتربية تعد سبيلا لنمو شخصيات الأفراد ، وجعلها وسيلة لاستثمار الخير والتطور باستمرار .(1/21)
إن فرض القيود على التربية يجعلها تقتصر على الصور التقليدية وعلى النخبة بدلا من أن تكون شاملة لصور الحياة عامة ، واستمرارها على المحافظة والتقليد ، وتمسكها بالأساليب النمطية الثابتة ، وانعزالها عن مجتمعها، كل هذه الأسباب تجعلها قاصرة في تأدية واجباتها ووظائفها ، وعليه لا بد من إعطاء أهمية كبيرة للمدرسة ، والمؤسسات المجتمعية الأخرى كالأسرة والمجتمع للنهوض في بناء الأنظمة التربوية وتقدمها .
9ـ مبدأ القوة والبناء :
تتجلى قوة التربية بالشمول والتكامل ، وبقوة شخصية المتعلم والمجتمع المتماسك فالحضارة والعلم الحديث لهما الأثر في قوة الإنسان ، ولتكون سبيلاً للخير والبناء ، والقوة هي دعامة الأمم والمجتمعات ، وعليه فقد أكد الإسلام على العقل والاعتماد عليه لأنه يمنح الإنسان القوة بهداية الإيمان ، وبما أن العلم مصدر من مصادر القوة فقد تنافست الكثير من الدول للحصول عليه وامتلاكه عن طريق التربية بعدّها أداة من أدوات القوة والبناء .
10ـ مبدأ التربية المتكاملة :
إن الإنسان بحاجة إلى تربية شاملة متكاملة متوازنة لجميع جوانب الشخصية ، وانه قادر على التعلم في كل زمان ومكان ، وطوال مراحل العمر ، والإنسان لديه القدرة على التكيف والتوافق مع البيئة التي يعيش فيها .
إن ما يتطلبه مفهوم التربية الشاملة المتكاملة من اعتماد الإنسان غاية وأداة ، ويترتب عليه المشاركة الواسعة في تحقيقها ، وتنمية المواقف الإيجابية والاستعدادات لتقبل التغيير من اجل تحسين مستويات الحياة وتطوير أساليب الإنتاج ، اعتماداً على التعلم المستمر .
11 ـ مبدأ الأصالة والتجديد :
الأصالة تعني التمسك بخير الماضي العريق والذاتية والابتكار وتصلح لاعتمادها في الحياة .
والتجديد نعني به توليد أصول نابعة من الجهود الذاتية متميزة بالابتكار ملائمة لتغير مطالب الحياة زمانياً ومكانياً مطلة على المستقبل .(1/22)
وهذان الاتجاهان متكاملان لتطوير المجتمعات معتمدان على القدرات الذاتية والإبداع والابتكار .
إن الإسلام أتى ليتم رسالات السماء ويؤيدها ويختمها ، واتى ليجدد عقيدة التوحيد ويحددها ، ويرسم للإنسان مساراً جديداً في التدين والإيمان ، فهو بمثابة أنموذج رائع للتكامل بين الأصالة والتجديد ، وعلى الإنسان استثمار حصيلة الخبرات السابقة ، ومواجهة المشكلات بخبرات جديدة ، ويفيد اللاحق من السابق .
إن موقف الأمة العربية الإسلامية اتسم بالقوة والاعتدال ، ويتميز بالتوفيق بين الأصالة والتجديد .
12ـ مبدأ الإنسانية :
تؤكد التربية الإنسانية على وحدة الجنس البشري ، والمساواة بين الشعوب ، والتخلص من كل ما يهدد حياة الإنسان من نزعات عنصرية أو عدوانية واستغلال ، والمناداة بالسلام العالمي القائم على الحق والعدالة والمساواة وترسيخ كرامة الإنسان .
وقد أكد الإسلام على حرية الإنسان والمساواة بين الناس ، وقد امتازت الحضارة العربية الإسلامية من الاتصال بالحضارات الأخرى أخذا وعطاءً ، وتأثرا بها وتأثيرا فيها فهي تؤمن بالتعاون والأمن والحرية والسلام وتكافؤ الفرص ، وترصين القيم السليمة والسيادة على ثروات شعوبها ، والعمل على توفير الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تتيح القضاء على الاستغلال والفروق بين الشعوب وفئات المجتمع الواحد ، والعمل من اجل السلام ، وسلامة الرؤية والأهداف وملاءمتها مع المقاصد والغايات .
المبحث الثالث :
أولا ـ الاستنتاجات :لقد توصل الباحث من خلال دراسته للفكر التربوي في العراق خلال القرن العشرين ، ومن اطلاعه على آراء المفكرين الثلاثة الى : ـ
1 ـ أكد المفكرون الثلاثة على القران الكريم والسنة النبوية الشريفة وعدّهما المصدر الرئيس في بناء الفكر التربوي العربي الإسلامي .
2 ـ إن المفكرين الثلاثة اهتموا اهتماماً واضحاً باللغة العربية وأكدوا على التعليم بالفصحى وبكافة المراحل .(1/23)
3 ـ كانوا يتمتعون بفكر تربوي عربي إسلامي ذو أهداف قومية ، وقد احسنوا الاقتباس في بعض الأحيان من النظريات الغربية بما يتلاءم والمجتمع العراقي .
4 ـ اهتموا جميعاً بالجوانب الوطنية والقومية ، وساهموا في بناء المناهج التربوية في ضوء ذلك.
5 ـ بما إن للامة العربية الإسلامية ارث حضاري أصيل ، يجب المحافظة عليه والإفادة منه حاضراً ومستقبلاً .
ثانياًـ التوصيات :
1 ـ الاهتمام برعاية العلماء والمفكرين وتوفير كل مستلزمات النهوض للقيام بواجباتهم من اجل النهوض بالواقع التربوي الحالي .
2 ـ التأكيد على مبادئ الدين الإسلامي ، والحفاظ على التراث العربي الإسلامي ، وعدّهما دليلاً لبناء المستقبل .
3 ـ العناية والاهتمام بالتربية بصورة عامة وتهيئة كل المستلزمات من اجل القيام بدورها بشكل صحيح بعدّها الأداة القادرة على تطور وتقدم المجتمعات .
4ـ التأكيد على المعلمين والمدرسين باستعمال اللغة العربية الفصحى في أثناء قيامهم بالتدريس ، من اجل تعليم الطلبة اللفظ والنطق الصحيح .
ثالثاً ـ المقترحات :
1 ـ القيام بدراسات مماثلة لمفكرين عراقيين آخرين وابراز دورهم في المجال التربوي ، والإفادة من الدراسة الحالية .
2 ـ إجراء دراسات مقارنة بين نماذج من مفكرين القرن العشرين وآخرين من القرون السابقة.
المصادر
أ ـ المصادر العربية :
* ـ القرآن الكريم
1 ـ آل ياسين ، محمد مفيد ، الحركة الفكرية في العراق في القرن التاسع الهجري ، بغداد ، 1979 م .
2 ـ الالوسي ، سالم ، من أعلام الفكر في العراق ، العلامة محمد بهجة الأثري ، المجمع العمي العراقي ، بغداد ، 2000م .
3 ـ أباظة ، عزيز ، مقدمة في ديوان الأثري ، ج1 ، المجمع العلمي العراقي ، بغداد ، 1990 م .
4 ـ أبو حديد ، محمد فريد ، موقف اللغة العامية من اللغة الفصحى ، محاضرة ألقيت في مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، الدورة ، 14 ، القاهرة ، 1948 م .(1/24)
5 ـ أبو العينين ، علي خليل ، منهجية البحث في التربية الإسلامية ، من مجلة رسالة الخليج العربي ، العدد ، 24 ، السنة الثانية ، 1988م .
6 ـ الأثري ، محمد بهجة ، الإضبارة الشخصية المحفوظة في المجمع العلمي العراقي ، بغداد .
7 ـ الأثري ، محمد بهجة ، أعلام العراق ، محمد شكري الالوسي ، القاهرة 1969م .
8 ـ الأثري ، محمد بهجة ، أعلام العراق ، المطبعة السلفية ، بغداد ، 1924م .
9 ـ الأثري ، محمد بهجة ، الألوان في الفصحى والدراسات العلمية واللغوية، محاضرات الندوات المفتوحة ، مطبوعات المجمع العلمي العراقي ،1993 م .
10 ـ الأثري ، محمد بهجة ، ديوان الأثري ، بغداد ،1990 م .
11 ـ الأثري ، محمد بهجة ، كتاب المجمع العلمي العراقي في تكريمه ، المجمع العلمي العراقي ، بغداد ، 1994م.
12 ـ الأثري ، محمد بهجة ، محمود شكري الالوسي وآراؤه اللغوية ، القاهرة 1951م .
13 ـ الأثري ، محمد بهجة ، ملامح وأزهار ، القاهرة 1974 م .
14 ـ الأثري ، محمد بهجة ، نظرات خاصة في قواعد رسم الكتابة العربية ، ضوابط اللغة وطريقة تدوين تاريخ الأدب العربي ، دار الشؤون الثقافية بغداد ، 1991 م .
15 ـ احمد ، ابراهيم خليل ، أوضاع التعليم في العراق ـ بين سنتي 1869 ـ 1914، مجلة التربية والتعليم ، جامعة الموصل ، العدد ، 3 ، شباط ،1981 م .
16 ـ احمد ، ابراهيم خليل ، تطور التعليم الوطني في العراق ، البصرة ، 1986م .
17 ـ أحمد ، نازلي صالح ، التعليم في الوطن العربي ، في التربية المقارنة ، عالم الكتب ، مصر ، 1974م .
18 ـ أمين ، احمد ، مدرسة القياس في اللغة، محاضرة ألقيت في مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، الدورة ، 15 ، القاهرة ،1949 م ، محاضر الجلسات للدورة الخامسة عشرة .
19 ـ الأصيل ، ناجي ، فهمي المدرس ، بغداد ،ب ـ ت .
20 ـ الأعظمي ، علي ظريف ، مختصر تاريخ بغداد ، بغداد ، ب ـ ت .(1/25)
21 ـ الأنصاري ، احمد أنور ، النصرة في أخبار البصرة ، تحقيق يوسف عز الدين ، بغداد ، 1969 م .
22 ـ بحري ، منى يونس وعايف حبيب ، المنهج والكتاب المدرسي ، كلية التربية ، جامعة بغداد ، بغداد ، 1985 م .
23 ـ برو ، توفيق علي ، العرب والترك في العهد الدستوري العثماني من 1908ـ 1914 ، القاهرة ، دار الهنا للطباعة ، 1960 م .
24 ـ البزركان ، علي ، الوقائع الحقيقية في الثورة العراقية ، بغداد ، 1952 م .
25 ـ البسام ، عبد العزيز ، الإنكليزية اللغة والأدب ، وزارة المعارف البريطانية ، مرشد المعلم ، تعريب وزارة المعارف العراقية ، ط3 ،1957م.
26 ـ البسام ، عبد العزيز ، البحث التربوي في تعليم الكبار ، بين النظرية والتطبيق ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم / ج7 ، تونس ، 1994م
27 ـ البسام ،عبد العزيز ، التعلم عن بعد والجامعة المنفتحة ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، بغداد 1992 م .
28 ـ البسام ، عبد العزيز ، التقرير السنوي عن جامعة الإمارات العربية المتحدة ، مطبعة صوت الخليج ، الشارقة ، 1980 م .
29 ـ البسام ، عبد العزيز ، العربية الفصيحة لغة التعليم ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، لبنان ، ط2 ، 1986 م .
30 ـ البسام ، عبد العزيز ، محمد بهجة الأثري ، المتربي والمربي ،مطبعة المجمع العلمي العراقي ، بغداد ، 1994 م .
31 ـ البسام ، عبد العزيز ، المراهقة ، الحقائق الأساسية وصلتها بالتربية مع الإشارة لأحوال المراهقين في المجتمع العربي ، من مطبوعات نقابة المعلمين ، بغداد ، مطبعة السجل ، 1962 م .
32 ـ البسام ، عبد العزيز ، نزار العاني ، أنموذج دراسة واقع التربية على الصعيد القطري ، نحو تنفيذ استراتيجية تطوير التربية العربية ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، تونس ، 1982 م .
33 ـ البستاني ، سليمان ، الدولة العثمانية قبل الدستور ، 1908 م .(1/26)
34 ـ البصير ، محمد مهدي ، نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر ، بغداد ، 1946 م .
35 ـ البكاء ، محمد ، الثقافة العربية في ضوء التحديات السياسية للعولمة ، مجلة الموقف الثقافي ، دار الشؤون الثقافية العامة ، السنة الرابعة ، العدد ، 23، 1999 م .
36 ـ بكر ، منير، الصحافة العراقية واتجاهاتها مع فصل فهمي المدرس ، مطبعة الإرشاد ، بغداد ، 1969م .
37 ـ بكر ، منير ، الكاتب الصحفي الأديب ، فهمي المدرس ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 1979 م.
38 ـ البهي ، محمد ، الدين والحضارة والإنسانية ، دار الهلال ، القاهرة ، ط1 ، 1964م.
39 ـ الجابري ، محمد عايد ، قضايا الفكر المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1977م .
40 ـ جامعة الدول العربية ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، استراتيجية تطوير التربية العربية ، تقرير لجنة وضع استراتيجية لتطوير التربية في البلاد العربية ، بيروت ، 1979 م .
41 ـ الجبوري ، حنان عيسى ، مشكلات إدارة المدرسة الثانوية في العراق ، بغداد ، 1970 م.
42 ـ الجبوري ، عبد الله ، من أعلام الفكر العراقي ، فهمي المدرس ، كلية الآداب ، الجامعة المستنصرية ، 1998 م .
43 ـ جدعان ، فهمي ، أسس النقد عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث ، بيروت ، ط1 ، 1979 م .
44 ـ جعفر ، نوري ، اللغة والفكر ، مكتبة القومي ، الرباط ، 1971م .
45 ـ الجعفري ، ماهر إسماعيل ، فلسفة التربية عند الغزالي ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، الجزء الثاني ، المجلد ، 44 ، بغداد ، ب ـ ت .
46 ـ جلال ، يحيى ، العالم العربي الحديث ،فترة ما بين الحربين العالميتين ، القاهرة ، دار المعارف ، 1966م .
47 ـ جلال ، يحيى ، المدخل إلى تاريخ العالم العربي الحديث ، القاهرة ، مطبعة الصدى ، دار المعارف بمصر ، 1965 م .
48 ـ الجمالي ، محمد فاضل ، آفاق التربية الحديثة في البلاد النامية ، الدار التونسية للنشر ، 1968 م .(1/27)
49 ـ الجنابي ، احمد نصيف ، علوم القرآن في العهد العثماني ، حضارة العراق ، ج1، بغداد ، 1985 م .
50 ـ الجندي ، أنور ، أعلام وأصحاب أقلام ، القاهرة ، دار النهضة المصرية ، ب ـ ت.
51 ـ الجندي ، أنور ، مقدمات العلوم والمناهج ، المجلد الأول ، القاهرة ، دار الأنصار ، 1979 م .
52 ـ جواد ، هاشم ، مقدمة في كيان العراق الاجتماعي ، بغداد ، 1946 م .
53 ـ الجواري ، احمد عبد الستار الجواري ، اللغة الشاعرة ، مزايا النفس والتعبير في اللغة العربية ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1960 م .
54 ـ جورج أنطونيوس ، يقظة العرب ، تاريخ حركة العرب القومية ، ترجمة ناصر الدين الأسد وآخرون ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ط2 ، 1966 م .
55 ـ الحسني ، عبد الرزاق ، تاريخ الوزارات العراقية ، ج1 ، بيروت ، 1978 م .
56 ـ الحسني ، عبد الرزاق ، العراق في دوري الاحتلال والانتداب ، ج2 ، 1948م .
57 ـ حسين ، ابراهيم ، حسن ، تاريخ الإسلام السياسي ، النهضة المصرية ، ط3، 1953م .
58 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، آراء وأحاديث في التاريخ والاجتماع ، بيروت ، مطبعة كرم ، ط2 ، 1960 م .
59 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، الحولية الثقافية العربية ، ج1 ، القاهرة ، جامعة الدول العربية ، الإدارة الثقافية ، مطبعة الآداب ، 1950 م .
60 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، البلاد العربية والدولة العثمانية ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ط3 ، 1965 م .
61 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، أحاديث في التربية والاجتماع ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الأعمال القومية لساطع ، بيروت ، 1984 م .
62 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، مذكراتي في العراق من 1921 / 1927 ، بيروت ، منشورات دار الطليعة ، ج1 ،1967م .
63 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، محاضرات في نشوء الفكرة القومية ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ط3 ، 1956 م.(1/28)
64 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، نقد تقرير لجنة مونرو ، رسائل موجهة إلى الأستاذ بول مونرو حول التقرير الذي قدمه إلى وزارة المعارف العراقية باسم لجنة الكشف التهذيبي ، بغداد ، مطبعة النجاح ، 1932 م .
65 ـ حمادة ، عبد المحسن عبد العزيز ، مقدمة في تاريخ التربية ، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع ، الكويت ، كلية التربية ، جامعة الكويت ، ط1،1982م .
66ـ الحمداني ، طارق نافع ، طبيعة الحركة الفكرية ، حضارة العراق ، ج11، بغداد ، 1985م .
67 ـ خطاب ، فرات فائق ، قصة الرموز والمصطلحات والمعادلات في الكيمياء القديمة ،مجلة المورد ، المجلد /6 ، العدد /4 ، بغداد ،1977م .
68 ـ الخطيب ، محمد عجاج ، أصول الحديث وعلومه ومصطلحه ، بيروت ، ط2، 1971م .
69 ـ الخفاجي ، محمد عبد المنعم ، الإسلام والحضارة الانسانية ، لبنان ، دار الكتب اللبنانية ، 1973 م .
70ـ الدايم ، عبد الله ، التراث محتواه وأهمية إيجابياته وسلبياته ، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1985 م .
71ـ الدايم ، عبد الله ، التربية عبر التاريخ ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1978م .
72 ـ الدايم ، عبد الله ، التربية عبر العصور القديمة حتى أواخر القرن العشرين ، دار الملايين ، ط3 ، 1973م .
73 ـ الذيفاني ، عبد الله احمد ، تاريخ التربية وفلسفتها ، مؤسسة إيداع اليمن ، ط1 ، 1977م .
74 ـ رؤوف ، عماد عبد السلام ، الموصل في العهد العثماني ، فترة الحكم المحلي من 1726 ـ 1834 ، النجف ، 1975 م .
75 ـ الرازي ، محمد بن أبي يحيى ، مختار الصحاح ، الكويت ، دار الرسالة ، 1983م.
76 ـ ربيع ، حامد عبد الله ، البترول العربي واستراتيجية تحرير الأرض المحتلة ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1971 م .
77 ـ رشودي ، عبد الحميد ، خالد محسن إسماعيل ، فهمي المدرس ، ( مقالات ) ، ج1، بغداد ، 1930م .(1/29)
78 ـ روزه ، محمد عزة ، حول الحركة العربية الحديثة ، تاريخ ومذكرات وتعليقات، دمشق ، المطبعة العصرية ، صيدا ـ ج1 ، 1950م .
79 ـ روفائيل ، أبو اسحق ، تاريخ نصارى العراق ، بغداد ، 1948 م .
80 ـ زكي ، صالح ، بريطانيا والعراق حتى عام 1914 ، بغداد ، مطبعة العاني ، 1968 م.
81 ـ زكي ، محمد فاضل ، الفكر السياسي العربي الإسلامي ، دار الحرية للطباعة والنشر ، بغداد ، ط2 ، 1976 م .
82 ـ السامرائي ، ابراهيم ، الأب أنستاس ، ماري الكرملي وآراؤه اللغوية ، القاهرة ، 1969م .
83 ـ السرحان ، محي هلال ، الفقه وأصوله ، حضارة العراق ، ج11 ، بغداد ، 1985م.
84 ـ سعد ، نهاد صبيح ، الفكر التربوي عند ساطع الحصري ، مصر ، عين شمس ، 1975م .
85 ـ سلمان ، حسن محمد ، التطور الاقتصادي في العراق ، التجارة الخارجية والتطور الاقتصادي ما بين 1964 ـ 1958 ، بيروت ، 1965 م .
86 ـ سليمان ، فيضي ، في غمرة النضال ، نشرة عبد الحميد فيضي ، بغداد ، 1963م.
87 ـ سمعان ، وهيب محمد مرسي ، مدخل في التربية المقارنة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، ط2 ، 1974م .
88 ـ سويف ، مصطفى ، الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة ، ط3 ، القاهرة ، 1974 .
89 ـ شكر ، ابراهيم صالح ، بواكير النشر في العراق ، بغداد ، ب ـ ت .
90 ـ صالح ، عبد العزيز ، عبد العزيز عبد المجيد ، التربية وطرق التدريس ، ج1 ، دار المعارف ، مصر ، 1956 م .
91 ـ العابد ، صالح محمد ، حضارة العراق ، النظام الإداري في الدولة العثمانية ، بغداد ، ج10 ، 1985 م .
92 ـ العافين ، ابراهيم ، مدرسة الإحياء والتراث ، دراسة في اثر الشعر العربي القديم على مدرسة الإحياء في مصر ، دار الأندلس ،ط1، 1981م .
93 ـ العاني ، نوري عبد الحميد ، الثقافة العربية ومراكز العلم في العراق في العهد الجلائري ، بحث غير منشور ، ب ـ ت .(1/30)
94 ـ عبد الحميد ، محسن ، أزمة المثقفين تجاه الإسلام ، دار الصحوة ، القاهرة ، ط1، 1984م .
95 ـ عبد الرحمن ، عدنان ، الأثري ملامح في سيرته ومشاركاته في المجامع والجامعات العربية ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ،1994م .
96 ـ عبد الغفور ، عبد الغني ، العولمة ملاحظات سياسية ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 1999م .
97 ـ عبد الفتاح ، جلال ، وآخرون، استراتيجية مقترحة لمحو الأمية في الوطن العربي، المركز الدولي للتعليم الوظيفي للكبار في العالم العربي ، سرس الليان ، مصر ، مجلد ، 2 ، 1976م .
98 ـ عبد الكريم ، احمد ، القومية والمذاهب السياسية ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، المطبعة الثقافية ، القاهرة ، 1970 م .
99 ـ عبود ، عبد الغني ، الأيدلوجيا والتربية ، مدخل لدراسة التربية المقارنة ، ط1، 1976 م .
100 ـ عبود ، عبد الغني ، نحو فلسفة عربية للتربية ، دار الفكر العربي ، ط1 ، القاهرة ، 1976 م .
101 ـ عتايب ، لاجي ، عبد الرحمن الكواكبي ـ مصلح عربي وعالم ، ب ـ ت .
102 ـ العدوان ، احمد مشاري ، في الفكر الإسلامي ، مجلة عالم المعرفة ، المجلد السادس ، العدد الثاني ، الكويت ، 1975 م.
103 ـ عز الدين ، نجلاء ، العالم العربي ، ترجمة محمد عوض ابراهيم وآخرون ، القاهرة ، دار إحياء الكتب العربية ، ط2 ، 1962م .
104 ـ عز الدين ، يوسف ، الأستاذ محمد بهجة الأثري ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، ج3 ، المجلد 41 ، بغداد ، 1992م .
105 ـ عز الدين ، يوسف ، بواكير الحركة الفكرية في العراق ، ب ـ ت .
106 ـ عز الدين ، يوسف ، التراث العربي المعاصر ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، ج1، مجلد 38 بغداد ، 1987م .
107 ـ عز الدين ، يوسف ، فهمي المدرس من رواد الفكر الحديث ، جامعة بغداد ، ط2 ، 1976م .
108 ـ العزاوي ، عباس ، تاريخ الضرائب في العراق ، بغداد ، ب ـ ت .(1/31)
109 ـ العزاوي ، عباس ، تاريخ علم الفلك في العراق ، بغداد ، 1958 م .
110 ـ العزاوي ، عباس ، العشائر العراقية ، أربعة أجزاء ، بغداد ، 1956م .
111 ـ العزي ، عزيز العلي ، عجائب المخلوقات للقزويني ، دراسة في تراثنا العلمي ، مجلة المورد ، المجلد / 6 ، العدد / 4 ، بغداد ، 1977م .
112 ـ عزيز ، مؤيد ، الإسلام والغرب ، من مجلة الموقف الثقافي ، العدد /23 / دار الشؤون الثقافية العلمية / السنة الرابعة ، 1999 م .
113 ـ العقاد ، عباس محمود العقاد ، اللغة الشاعرة ، مزايا النفس والتعبير في اللغة العربية ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1960 م .
114 ـ العلواني ، طه جابر ، الأزمة الفكرية المعاصرة ، تشخيص ومقترحات علاج ، المعهد العالي للفكر الإسلامي ، الولايات المتحدة (هيرنرن) ، فرجينيا ، ط1، 1989م .
115 ـ علي ، سعد إسماعيل ، الفكر التربوي العربي الحديث ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1978 م .
116 ـ العلي ، صالح احمد ، دراسة العلوم الرياضية ومكانتها في الحضارة العربية الإسلامية ، مجلة المورد ، المجلد /3 ، العدد ، 4 ، بغداد ، 1974 م .
117 ـ عمارة ، محمد ، الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، ط1 ، ج2 ،1973م .
118 ـ عمارة ، محمد ، الأعمال الكاملة لعبد الرحمن الكواكبي ، القاهرة ، 1970 م.
119 ـ عمارة ، محمد ، تيارات الفكر الإسلامي ، دار الوحدة للطباعة ، القاهرة ، 1981م.
120 ـ العمر ، ابراهيم حلمي ، الطباعة في دار السلام والنجف وكربلاء ، مجلة لغة العرب ، السنة الثانية ، العدد السابع ، كانون الثاني ، 1913 م .
121 ـ عمر، عودة ، المسالة الاجتماعية ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ،ط3 ،1979 م .
122 ـ غربال ، محمد شفيق ، الموسوعة العربية الميسرة ، القاهرة دار العلم ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر ، ط1 ، 1965 م.(1/32)
123 ـ غزوان ، عناد ، بناء القصيدة والصورة الشعرية عند الأثري ، جامعة بغداد ، كلية التربية ، مجلة المورد ، العدد الثاني ، 1996م .
124 ـ فاضل ، حسين ، تاريخ الحزب الوطني الديمقراطي ، بغداد ، 1963م .
125 ـ الفياض ، عبد الله ، الثورة العربية الكبرى ، بغداد ، 1963م .
126 ـ قلعجي ، قدري ، جيل الفداء ، القاهرة ، دار الكاتب العربي ، مطابع دار الغد ، 1967م .
127 ـ القهواتي ، حسين محمد ، أضواء على تجارة البصرة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، مجلة الخليج العربي ، 1980 م .
128 ـ القهواتي ، حسين محمد ، الاقتصادية من القرن التاسع عشر حتى العصر العثماني ، حضارة العراق ، بغداد ، 1985 م.
129 ـ القهواتي ، حسين محمد ، دور البصرة التجاري في الخليج العربي من 1869 ـ 1914 ، بغداد ، 1980 م .
130 ـ القومي ، محمد عمر، الفكر التربوي بين النظرية والتطبيق ، طرابلس ، ليبيا ، ط1، 1985م .
131 ـ الكبيسي ، عناد إسماعيل ، الصحافة العربية ونهضتها الحديثة ، بحث مستل من
مجلة الآداب ، جامعة بغداد ، مطبعة المعارف ، العدد /14 ، المجلد الأول 1970 ت ـ 1971 م .
132 ـ الكلداني ، بطرس نصري ، ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان ، الموصل ، 1913 م .
133 ـ لطيف ، بركات احمد ، في مجالات الفكر التربوي ، دار الشروق ، القاهرة ، ط1 ، 1983م .
134 ـ محمد ، أنيس ، السيد رجب حراز، الشرق العربي في التاريخ الحديث المعاصر، القاهرة ، دار النهضة العربية ، المطبعة العالمية ، 1967 م.
135 ـ محمود ، زكي نجيب ، ثقافتنا في مواجهة العصر ، دار الشروق ، القاهرة ، ط2، 1982م .
136 ـ مدكور ، علي احمد ، علم تعليم الكبار ، نشأته وتطوره بين النظرية والتطبيق ، القاهرة ، 1998م .(1/33)
137 ـ مراد ، خليل علي ، تاريخ العراق الإداري والاقتصادي في العهد العثماني الثاني من 1638ـ 1750، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 1975م .
138 ـ مرسي ، سعد ، سعيد إسماعيل علي ، تاريخ التربية والتعليم ، القاهرة ، عالم الكتب ، 1980م .
139 ـ مرسي ، سعد احمد ، تطور الفكر التربوي ، القاهرة ، دار الهنا للطباعة ، عالم الكتب ، ط2 ، 1970م .
140 ـ مرسي ، محمد منير ، الاتجاهات المعاصرة في التربية المقارنة ، عالم الكتب ، القاهرة ، 1974م .
141 ـ مرسي ، محمد منير، التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية ، القاهرة ، عالم الكتب ، 1977م .
142 ـ المشهداني ، محمد جواد ، محمد بهجة الأثري ، حياته ، شعره ، رسالة ماجستير ، جامعة القاهرة كلية العلوم ، القاهرة ، 1978م .
143 ـ مطلوب ، احمد ، الأثري الإنسان والشاعر ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 1992م .
144 ـ معروف ، ناجي ، أصالة الحضارة الإسلامية ، مطبعة التضامن ، بغداد ، ط2 ، 1969م.
145 ـ المغربي ، عبد القادر ، تقريض كتاب أعلام العراق ، مجلة المجمع العلمي العربي ، المجلد السابع ، دمشق ، ب ـ ت .
146 ـ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، اتجاهات التربية في البلدان العربية على ضوء استراتيجية تطوير التربية العربية ، تونس ، 1982 م.
147 ـ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، الفكر التربوي العربي الإسلامي ، الأصول والمبادئ ، تونس ، 1987م .
148 ـ موسيس ديرها كوبيان ، حالة العراق الصحية في ربع قرن ، الموصل ،1948م.
149 ـ ميرزا ، حسن خان ، تاريخ ولاية البصرة ، ترجمة : د. وصفي أبو مغلي ، بغداد ، 1980 م .
150 ـ ميشال زكريا ، الألفية التوليدية والتحويلية وقواعد اللغة العربية ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ، بيروت ، ط1 ، 1982م .(1/34)
151 ـ النجار ، جمال موسى النجار، التعليم في العراق في العهد العثماني الأخير ، 1918ـ1869 ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 2001 م .
152 ـ النجيحي ، محمد لبيب ، فلسفة التربية ، القاهرة ، مكتب سعد رأفت ، 1976م .
153 ـ نعمان ماهر ، وسعيد البدري ، الرصافي في أعوامه الأخيرة ، بغداد ، 1950م.
154 ـ النعيمي ، حسام ، الأثري والبعث اللغوي في كتاب تكريم الأثري ، بغداد ، 1994م .
155 ـ نفوسة ، زكريا سعيد ، تاريخ الدعوة إلى العامية ، وآثارها في مصر ، القاهرة ، دار المعارف ، 1964 م.
156 ـ نورس ، علاء موسى ، الحياة الاقتصادية من احتلال بغداد حتى القرن الثامن عشر ، حضارة العراق ج10 ، بغداد ، 1985م .
157 ـ النوري ، عبد الغني ، وعبد الغني عبود ، نحو فلسفة عربية للتربية ، دار الفكر العربي القاهرة ، 1976م .
158 ـ هـ.س ، بولا ، تعليم الكبار ، اتجاهات وقضايا عالمية ، ترجمة عبد العزيز بن الأمية عبد الله السنبل وصالح عرب ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، الجهاز العربي لمحو ولتعليم الكبار ، تونس ، 1993م .
159 ـ الهلالي ، عبد الرزاق ، تاريخ التعليم في العراق في عهد الانتداب البريطاني ، من 1921ـ 1932 ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 2000م .
160 ـ الهلالي ، عبد الرزاق ، تاريخ التعليم في العراق في العهد العثماني ، بغداد ، شركة الطبع والنشر الأهلية ، ط1 ، 1959م .
161 ـ الهلالي ، عبد الرزاق ، نظرات في إصلاح الريف ، بغداد ، 1950م .
162 ـ الوائلي ، ابراهيم ، الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر ، مطبعة المعارف ، ط2، بغداد ، 1978م .
ب ـ المصادر الأجنبية :
163ـ L_KANDEL ،THE METHODOLOGY OF COMPARATLRE EDUCATHON ، ((INTE MATLONAL REVLEW OF EDUCATHON )) 1ـ 159 . P .P . 47 .(1/35)
164 ـ UNESCO, SUMMARY, ROPORT OF THE LNTERNATIONAL CONTERENOC ON Adult EDCATION, ELSINORE. DENMERK, 19 ـ 25 ـ JUNE , 1949 ـ PARIS P ,ـ4 ـ 6 .
165 ـ WEDSTER , MERRIAM , (1971 ), WEBSTER , S NEW INTERNATIONAL DICTIONARY . VOL .I . LONDON: ENCYCHLOPEDID BRITANICA , INC .
166 ـ ZEINEN ـZEINE . M ـ A ـpH . D. THE EMERGENCE OF ARAB NATIONAL IS SM BEIRUT . RHAGATS , 1966 ـ P . P , 69 ـ 71 .
167 ـ ZEINE N. ZEINE, THE EMERGENCE OF ARAB NATIONALISM
OP ـ CIT ـ P . 200 .
ـ 1971 م .
132 ـ الكلداني ، بطرس نصري ، ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان ، الموصل ، 1913 م .
133 ـ لطيف ، بركات احمد ، في مجالات الفكر التربوي ، دار الشروق ، القاهرة ، ط1 ، 1983م .
134 ـ محمد ، أنيس ، السيد رجب حراز، الشرق العربي في التاريخ الحديث المعاصر، القاهرة ، دار النهضة العربية ، المطبعة العالمية ، 1967 م.
135 ـ محمود ، زكي نجيب ، ثقافتنا في مواجهة العصر ، دار الشروق ، القاهرة ، ط2، 1982م .
136 ـ مدكور ، علي احمد ، علم تعليم الكبار ، نشأته وتطوره بين النظرية والتطبيق ، القاهرة ، 1998م .
137 ـ مراد ، خليل علي ، تاريخ العراق الإداري والاقتصادي في العهد العثماني
خصائص الفكر التربوي :
1ـ استمرار الاتجاه القومي :
لقد برز الاتجاه القومي في القرن التاسع عشر ، وكان من أهدافه تمجيد الأمة والاعتزاز بها ، لذلك أصبحت اغلب دول أوربا والعالم مقتنعة باستخدام النظام التربوي من اجل تحقيق الأهداف القومية ، التي تنمي في الجيل الصاعد حب الوطن والافتخار به ومناصرته وقت الأزمات والمحن والمساهمة في تنميته وتطويره واستغلال ثرواته وإمكانياته بالطرق المثلى .
2ـ الاستفادة من الدراسات النفسية والاجتماعية :(1/36)
من الضروري جدا الإفادة من الدراسات النفسية والاجتماعية والاستعانة بها عند بناء مناهج الدراسة لكي تكون متلائمة ومتكيفة مع قدرات التلاميذ وميولهم ومع مطالب المجتمع وحاجاته ، فقد أدخلت بعض التعديلات في بناء المناهج وطرائق التدريس ، مما أدى إلى تعامل جديد مع التلاميذ وتوجيهم نحو التعليم المناسب لميولهم وقدراتهم مراعيا الفروق الفردية ، ومعالجة أسباب التأخر الدراسي ، ودراسة المشكلات الاجتماعية وتوثيق العلاقة بين المدرسة والمجتمع ، ونقل التراث للناشئة ، والاهتمام بعملية التجديد للفرد والمجتمع (48: ص257) .
3ـ التقدم العلمي والتكنولوجي :
شهد القرن العشرين تقدما هائلا في مجالات العلوم كافة ، لذا يعد التقدم الصناعي المصدر الأساسي لقوة الدولة وعنوان تقدمها الاقتصادي والسياسي والعسكري ؛ لذلك شعرت الدول النامية بالهوة العميقة بينها وبين الدول المتقدمة ، فبدأت تبذل المحاولات لتضييق هذه الفجوة ، فأعادت النظر في أهداف التربية وبرامجها لكي تصبح قريبة من النهضة فاهتمت بالمناهج الدراسية العلمية التي تنمي وتطور العقل البشري لارتباطها بالتقدم العلمي والمحافظة على مستقبل الأمة.
ـ إدخال المواد الفنية والمهنية ضمن مناهج التعليم الثانوي .
ـ إدخال أساسيات العلوم في المدارس الابتدائية ، وغرس الاتجاهات العلمية في التفكير العلمي ، واحترام العمل والإنتاج .
ـ بناء المعاهد الفنية المتخصصة ( الصناعية ، الزراعية ، التجارية ) .
ـ ابتكار وسائل وطرائق حديثة تساهم في إيصال تلك المواد وطرائق تدريسها (48: ص258) .
4ـ تعاون الخبرة الإنسانية المتنوعة عند بناء المناهج :
إن التربية الحديثة تؤكد على تعاون الخبراء عند بناء المنهج الدراسي في المادة والبيئة واحتياجات المجتمع ودراسة نفسية الطفل ، لكي تقدم هذه المناهج إلى الأطفال وهي سهلة ومتدرجة مع المراحل الدراسية حسب ميول الطفل ورغباته وتلبية حاجات المجتمع .(1/37)
5 ـ الاهتمام بأعداد المعلم :
لقد بدا الاهتمام بإعداد المعلم منذ القرن التاسع عشر ، في حين بدا المربون بالبحث عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المربي ، لذلك بدا المختصون بإعداد المناهج الخاصة التي تساهم في إعداد هذا المربي لكي يؤدي واجبه بنجاح (48:ص259) .
6 ـ تأثير العمل الديمقراطي :
لقد تأثر التعليم كثيرا بالديمقراطية ، لذلك أصبحت حقا طبيعيا للإنسان ، فقد طبقت ديمقراطية التعليم ، والتعليم الإلزامي ، والاهتمام بتكافؤ الفرص التعليمية ، وتقديم أنواع من التعليم تناسب أصحاب الميول والقدرات المختلفة .
7ـ توثيق الصلة بين الاقتصاد والتعليم :
لقد توثقت الصلة بين الاقتصاد والتعليم ، وهذا ناتج عن اثر العامل الديمقراطي ؛ مما زاد من أعداد الطلبة فأربكت هذه الأعداد بعض الدول النامية ، فدرست أسباب الإرباك ودرست تكاليف التعليم وطرق تحويله ، واعتبرت التعليم نوعاً من أنواع الاستثمار إذ سيكون مردوده الاقتصادي كبيراً إذا استغل بشكل جيد واشتقت أهدافه من مطالب المجتمع .
8 ـ التعاون الدولي في مجال التربية :
قامت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو) بدور كبير في تحقيق السلام العالمي إذ بدأت بتبادل الخبرات وعقد المؤتمرات للتعرف على المشكلات التربوية والعلمية والتواصل إلى علاجها وتقديم المساعدات المالية والفنية والخبرات من اجل تنفيذها.
9ـ ظهور المفاهيم التربوية الجديدة :
لقد ظهرت مفاهيم جديدة نتيجة للتعاون الدولي وتبادل الخبرات ، كالتعليم المستمر ، وربط العلم بالعمل ، والتعليم المبرمج ، والمدرسة الشاملة ، والتدريب في أثناء الخدمة .
((بعض ملامح المجتمع العربي في القرن العشرين ))
إن العالم العربي يجابه العديد من الأزمات والتحديات ، كما انه يشهد العديد من التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، ومن هذه الأزمات ما يأتي :ـ
1ـ الاحتلال الأجنبي :(1/38)
لقد أصبح الوطن العربي موضع اهتمام الدول الغربية إذ بدأت الأخيرة تخطط وتفكر لاحتلاله والسيطرة عليه بحثا عن أسواق جديدة لتصدير بضائعها ، وإيجاد مصادر للمواد الخام ، لذلك ابتعدت الدول الكبرى من التصادم فيما بينها ، لكن بدأت تبحث عن مستعمرات ومناطق للنفوذ فدخلت الوطن العربي بصفة الانتداب أو الوصاية (59:ص221) .
2ـ حصول الدول العربية على الاستقلال :
لم يطق العرب رجال الاحتلال ووضع بلادهم تحت السيطرة والنفوذ الأجنبي ، لأنه تبين لهم مدى حرص المستعمر على استغلال ثروات البلد ، فتمتع المستعمر بثروات البلد وخيراته وحصلوا على امتيازات كثيرة ، ولم يتمكن أبناء البلد من حق الدفاع عن وطنهم ، لذلك اندلعت الثورة والمناداة بالحرية وطرد المستعمر ونيل الاستقلال (46:ص256).
3ـ زرع الكيان الصهيوني في المنطقة العربية :
إن زرع الكيان الصهيوني في المنطقة العربية يعد من اكبر المؤامرات التي دبرت ضد الأمة العربية ،إذ لا يزال هذا العمل من أهم العوامل التي تساعد على تخلف الأمة العربية ؛ لأنه يقف عقبة في تقدمها وتحقيق وحدتها ، لأنها تشتت الجهود العربية وتبدد طاقاتها ، وتساهم الدول الكبرى في مد نفوذها للسيطرة والاحتلال، وهذه الأرض العربية ( فلسطين ) التي ضحى من اجلها الأجداد لابد من عودتها (48: ص 46 ) .
4ـ الثروة النفطية في الأرض العربية :
يعد النفط من المعادن المهمة لديمومة الحياة ، إذ وجد بكميات كبيرة جدا تحت الأرض العربية في حين يعاني شعبها من الفقر والتخلف ، ثم أصبح من العوامل التي تساعد على التقدم والتطور الاجتماعي لذلك تضاعفت أهمية الوطن العربي لوجوده ، وقد قيل انه يمكن أن تحدث حرباً عالمية ثالثة يكون أحد أسبابها الأساسية هو الصراع على النفط ، وهو أحد المصادر الهامة لإشعالها (76:ص43) لكونه من مصادر الطاقة يساهم في تحويل الاستقلال الصناعي وفي ارتباطه بالاستهلاك الفردي .(1/39)
5ـ استمرار تآمر الدول الكبرى على العالم العربي :
إن استقلال الدول العربية وطرد النفوذ الأجنبي ، لا يعني الخلاص من الاستعمار ولكن الدول الاستعمارية تتفنن لمد خيوط السيطرة التي تتخذ أشكالا أقسى وأوسع مما كانت تتخذه في الماضي ، لذلك فهو ضمن دائرة النزاع والخلاف ، لذا فان أية مشاكل أو أزمات أو فتن ، فان جذورها تمتد إلى تلك الدول الكبرى المستعمرة ، فهي مصدر هذه الأزمات والفتن ؛ لأنها هي التي تفتعلها وتغذيها لإشعال المنطقة وإغراقها بالفتن والنزاعات لإضعافها وأشغالها عن التقدم والتطور (96:ص7ـ8 ) .
6ـ غياب الديمقراطية :
من المشكلات التي تواجه الأمة العربية غياب الديمقراطية ، فان اغلب أنظمة الحكم في البلدان العربية تحكم شعوبها بحكم مختلف ( فردي ) وبصورة مباشرة أو يتخذ سمة الديمقراطية الصورية ، لذلك تحرم الشعوب من التدريب على صنع القرارات التي تهم الأمة ، فقد صدرت كثير من القرارات دون العودة إلى مواطنيهم .إن قضية الديمقراطية لا يمكن فصلها عن قضية التطور والتقدم ومن المعلوم أن أية أمة لا يمكن أن تحقق تقدما أو تطورا ومصيرها يتحكم فيه أفراد قلائل . إن أبناء الأمة يجب أن يفكروا في إرساء نظام ديمقراطي حر يمنع الاستبداد ويمنح الحرية الفردية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات.
بعض قضايا الفكر التربوي :
إن الأمة العربية منذ القرن العشرين تواجه العديد من الظروف والعوامل بعضها سلبي كالاحتلال الأجنبي وزرع الكيان الصهيوني في المنطقة وغياب النظام الديمقراطي ، وتآمر الدول الكبرى على المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول والسيطرة على ثروات البلدان النامية والفقيرة ؛ وبعضها إيجابي كاستقلال بعض الدول وتدفق الثروة النفطية ، وعلى ضوء ذلك برزت بعض القضايا التربوية الهامة بعضها إيجابي والآخر سلبي ، ومن هذه القضايا ما يأتي :.
1ـ نشاط التعليم الأجنبي :(1/40)
لم تكن أهداف الغرب السيطرة على الأرض واستغلال الموارد الاقتصادية فحسب بل كان الهدف ابعد من ذلك ، فقد كان الغزو الفكري والخلقي وغزو عقل الإنسان العربي من اجل ترويج مبادئه وقيمه ومثله العليا .
كذلك كانت المدارس الأجنبية والتبشيرية إحدى وسائل تحقيق الأهداف ، ففي العراق بعد الاحتلال البريطاني قدموا المساعدات الكبيرة لمدارس المبشرين ومدارس الطائفة الإسرائيلية (15: ص130 ) وكان هدفها بث الأخلاق الغربية ومحاربة العروبة والإسلام وإظهارها بمظهر المتخلف ، وقد تركت هذه المدارس آثارا ثقافية ضارة وهدامة ؛ لأنها ترمي إلى تخريب الثقافة الوطنية وطمسها لتحل محلها الثقافة الغربية (104: ص238) .
وقد حمل التبشير لواء الدعوة عن طريق المدرسة باتجاهين الأول التأثير في برامج المدارس الحكومية وتوجيهها عن طريق النفوذ الأجنبي الاستعماري ، والثاني عن طريق برامج المدارس والمعاهد التبشيرية ، إذ الهدف منها إضعاف القيم الإسلامية عن طريق شرح الإسلام بصورة تضعف تمسك المسلم بالإسلام وتقوي في نفسه الشك في الإسلام كدين وكمنهج سلوكي بين طلاب المدارس ذكوراً وإناثاً ؛ لان المرأة ستصبح ركنا أساسيا من الأسرة الجديدة وكذلك في ميدان التعليم العالي لكونهم سيصبحون قادة الفكر في بلادهم (59:ص209).
2ـ محاولات الاستعمار في تدمير الثقافة العربية :
بذل المستعمر محاولات متعددة لقتل الشخصية العربية المسلمة ، وخلق شخصية ضعيفة تتقبل وجوده ، واتخذ من التعليم وسيلة تساعده على تربية جيل يألف الخضوع والاستكانة ويتعود على التملق والنفاق واليأس والإعجاب بالمستعمرين (138:ص222).(1/41)
لذلك بدا يحارب الأمة في دينها ولغتها ، وفرض لغته لتصبح لغة تعليم المدارس ، وشجع استخدام اللهجات العامية ، وأوهمهم إن اللغة الفصحى هي التي تحرمهم من الإبداع والابتكار ، إذ استجاب عدد من العرب لهذه الدعوات أمثال ( سلامة موسى ) (65:ص290) وعبد العزيز فهمي وأنيس فريحة .
لكن هناك كثيرا من المفكرين المخلصين الذين وقفوا في وجه هذه الهجمة أمثال ( مصطفى كامل ) الذي يقول: (( إن هذه الدعوات تصوب سهاما إلى أهم واعز شيء يمتلكه المجتمع ، وهي الدرع التي تتقي بها كل خطب وتحفظ بها العقيدة من خطر الضياع وهي خزانة التاريخ والشرف الأعلى ومستودع أسرار حكمة المتقدمين والمتأخرين وعلى هذا فان المطالب بمحوها وتدميرها إنما يطلب قلب كيان حقيقتها الاجتماعية وتدمير ديننا بالاستسلام الأبدي للغرب وسلطانه)) (139:ص237) .
لقد استطاعت الأمة العربية التغلب على الخطر الذي يهدد شخصيتها ، وقد نالت جميع البلاد العربية استقلالها ، فوجهت التعليم لصالح قضايا الأمة وخلق المواطن الصالح الذي يعتز بالأمة العربية الإسلامية ولغته العربية ؛ لأنها كانت لغة كثير من التخصصات العلمية كالطب والطبيعة والكيمياء والرياضيات ، فقد كانت من أسباب نهضة الغرب ترجمة هذه المؤلفات والإفادة منها ، ولذلك علينا أن نبذل الجهود من اجل رفع مستوى اللغة العربية ، وهذا له مردودات قومية وتربوية ، إذ يجعل الشباب يفخرون بلغتهم وبأمتهم وتزداد ثقتهم بأنفسهم وستكون من عوامل النهضة الثقافية العربية والارتقاء بها .
3ـ أهمية النمو الكمي للتعليم وأثره على جودة التعليم :(1/42)
إن النمو الكمي في التعليم في الوطن العربي يأخذ بالازدياد ، وقد لا يصاحبه تطور نوعي ولذلك قد يتعرض إلى بعض المشكلات كطغيان الجانب النظري على العلمي ، وعدم ربط التعليم بمطالب التنمية والإنتاج واحتياجات المجتمع ، وقد يؤدي إلى زيادة كثافة التلاميذ في الصف الواحد وعدم كفاية المباني المدرسية وقلة في توفير المعدات واللوازم المدرسية الأخرى ، والحاجة الكبيرة إلى إعداد المعلمين والمعلمات الذين قد يكونون خريجي الدورات السريعة وهم اقل كفاءة من زملائهم الذين اعدوا أعدادا اكثر دقة .
إن الارتقاء بالتعليم العالي وزيادة عدد الجامعات المتخصصة سيساعد الأمة العربية في إعداد العلماء والمفكرين والخبراء الذين سيتمكنون من استغلال موارد البلاد في النهوض والتقدم ، وهذا النهوض والتقدم أسهمت فيه عوامل عديدة فقد تخلصت الدول العربية من التخلف الثقافي الذي ورثته خلال فترة الاحتلال ، ووجود الكيان الصهيوني يدفعها لمحاربة التخلف الحضاري من اجل الوقوف في وجه ذلك الخطر ، إن التغيرات التي حدثت في أنظمة الحكم واهتمامها بالجوانب التربوية والمؤسسات الاجتماعية الأخرى وان التطورات الاقتصادية الكبيرة حدثت نتيجة تدفق النفط في الدول علاوة الاتصال بالحضارة الغربية والاطلاع على مجالات التقدم والتطور العلمي والتكنولوجي .
4ـ وضع استراتيجية للتعليم العربي :
إن التفكير في مستقبل الأمة العربية يجعل المفكرين يكثفون جهودهم في الاهتمام والتفكير بوضع استراتيجية لتطوير التعليم في البلاد العربية ، بعدان درسوا دافع التعليم في تلك البلاد والمشكلات التي تواجهه ، فقد وضعت استراتيجية لكنها لم تدرس الواقع بعمق ؛ لان ذلك يتطلب وقتا كافيا لا تمتلكه وجهدا في السفر والتنقل لم يتيسر لها (146:ص105 )
عليه لابد عند التفكير في بناء استراتيجية لتطوير التعليم العربي أن تتوافر بعض الشروط منها :(1/43)
1ـ القضاء على التخلف والتأخر وصنع التقدم والتطور وذلك من خلال خلق بواعث جديدة للتعليم بجعل الشباب يقبلون على التعليم والعمل والاستفادة من ماضيهم المجيد والتعرف على حقيقة التحديات والمؤامرات التي تواجههم .
2ـ لابد من فهم الواقع العربي وتحديد مشكلاته بأسلوب علمي دقيق من حيث الإيجابيات والسلبيات وتحديدها وإيجاد الحلول المناسب لها .
3ـ الإفادة من تجارب الأمم المتقدمة مما يعيننا على التقدم شريطة ألاّ يتعارض مع قيمنا ومبادئنا وديننا وما يتناسب مع واقعنا وإمكانياتنا .
4ـ إننا بحاجة إلى أنظمة سياسية وإدارية متطورة من خلالها يفهم الفرد حقوقه وواجباته وغرس النظام الديمقراطي في نفوس الشباب .
5ـ الاهتمام بالتراث ؛ لأنه المنبع الغزير للقيم والمبادئ والمثل العليا ولا نهمل المعاصرة والإفادة منها في بناء الشخصية العربية المستعدة للتضحية في سبيل حماية الوطن والأمة من الأعداء والمشاركة في صنع التقدم والتطور (65:ص295).
أما (البسام) فقد كان رجلا تربويا حصل على الشهادات العليا ، وقد ساهم مساهمة فعالة في وضع استراتيجية لتطوير التربية العربية مع مجموعة من المختصين العرب ، علاوة على مساهمته الفعالة في تأسيس جامعة العين بالإمارات العربية ، وتقويمه لمناهج جامعة الكويت ، وبذلك اصبح من المنادين لخلق سياسة وفلسفة تربوية ، وقد أفاد الباحث من هذه المبادئ المقدمة في بناء الركائز الأساسية للفكر التربوي العربي ، وهذه الركائز هي :
1ـ المبدأ الإنساني :
يؤكد هذا المبدأ على مكانة الإنسان في الوجود ، وتمكينه من التعلم وتطوير شخصيته ، وتبصيره بحقوقه وواجباته الدينية والاجتماعية والقومية ، وقدرته في العمل والإبداع والابتكار اعتماداً على عقله وضميره واضطلاعه بمسؤولية أعماله .(1/44)
وان تكون نزعته إنسانية إلى المذاهب الفكرية والديانات السماوية ، وحركة حقوق الإنسان ، وطموح الشعوب في التحرير والحياة الكريمة ، وترجمة التشريعات القانونية إلى إجراءات عملية تلائمها ، وتمكين المواطن من النهوض بمتطلبات واقع التربية وبناء شخصية الأفراد بالجهود الذاتية .
2 ـ مبدأ الإيمان :
يهتم هذا المبدأ بعناية التربية بترسيخ الإيمان بالله ، وبالإسلام خاتم رسالات السماء ، وبمكانة الإنسان في الوجود ، والاعتماد على هدي العقل، والعناية بما اقره الدين من القيم الإنسانية والأخلاق الفاضلة ، والسعي في خير المجتمع وتماسكه وتمكينه من البناء والتعمير ، والحاجة إلى إصلاح النفس الإنسانية ، واعتبار الإيمان مصدر قوة واطمئنان ، وتنظيم حياة الإنسان وحياة المجتمع ، والابتعاد عن التبذل والتحلل والانغماس في الشهوات الناتجة من ضعف العقيدة الدينية والإيمان ، وتبصير المواطنين وخصوصاً الشباب منهم بالقيم الواضحة التي تجنبهم الحيرة الفكرية وتكون لهم سنداً في توضيح صورة المستقبل .
3 ـ مبدأ القومية :
تعد التربية ذات وظيفة اجتماعية وتتفاعل مع مجتمعها تأثرا به وتأثيرا فيه وتعمل على خيره وتقدمه .
والتربية ذات انتماء قومي تتأثر بالخصائص الحضارية القومية في مجتمعها وتساهم في تحقيق أهدافها .
والتربية تهدف إلى إعداد المواطن الصالح الذي يخدم أمته ووطنه ، وان يتميز العمل التربوي بالأبعاد القومية الشاملة والمعتمدة على التعاون والتكافل فكراً وتطبيقاً .(1/45)
لقد برزت القومية كحركة ترمي إلى تحرير الشعوب ، وتكوين الدول الحديثة ، وظهور التجمعات الإقليمية على أساس المصالح المشتركة ، ودور التربية في الحركة القومية هو بناء الأمم والدول الحديثة وتعاظم مهماتها في هذا المجال ، ولكون الأمة العربية حقيقة تاريخية حضارية ، اتصل كيانها بالحضارة الإنسانية وهي تملك من مقومات الوحدة ما يندر أن تمتلكه أمة أخرى ، فتميزت عن غيرها بوحدة اللغة والوطن والتاريخ والمصالح والمصير المشترك والدين الإسلامي .
ويترتب على ذلك إرساء النظام التربوي بجملته على أسس قومية ، ويسهم علماؤه في تطوير فكر تربوي عربي نابع من فلسفة عربية موحدة نابعة من واقع الأمة العربية وقيمها وتقاليدها ، بعيداً عن النقل والتقليد .
وعليه لابد من وضع استراتيجيات وتخطيط لبناء مؤسسات ذات كفايات عالية من الاختصاصيين لتبادل الخبرات والتعاون والتكامل في الموارد والإمكانات .
4 ـ المبدأ التنموي :
بما أن التنمية الشاملة هي الصيغة الحديثة لتقدم المجتمع وتحقيق الرفاهية القائمة على وفرة الإنتاج وعدالة التوزيع فيه فلا بد من مشاركة المواطنين في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لانتفاعهم منها على شرعية التعاون والمساواة.
وان تكون العلاقات بين التربية ومنظومات النشاط المجتمعي متميزة بالشمول والتكامل واعتمادها على الإنسان كونه غاية وأداة ، وتنمية مهاراته وكفاءاته وقيمه نحو الحياة والعمل ، وإحداث التغيرات في المجتمعات ،والعناية بالبيئة وصيانة مواردها ، وتنمية المواقف السليمة إزاءها وحسن استثمار خيراتها واعتبارها مصدراً غنياً للتربية وللتنمية ، والتأكيد على ما في الإسلام من حق للإنسان في الحياة الكريمة .
5 ـ المبدأ الديمقراطي :(1/46)
يؤكد هذا المبدأ على المساواة لجميع المواطنين في الحقوق والواجبات ، وفي تكافؤ الفرص ، وتقدير كرامة الإنسان واحترامها ، وتنظيم المجتمع تنظيما مستندا إلى إرادة الجماهير ، والاعتماد على الشورى في ممارسة السياسة والإدارة ، وان تطبق الديمقراطية في المجالات كافة ، لتكون تعبيرا عن طموح الشعب لنيل حقوقها وتحسين مستوياتها ومشاركتها في تنظيم شؤونها ، وهذا يتخذ من التربية وسيلة فعالة للتنشئة على الديمقراطية أسلوبا في الحياة ، والتمتع بحرية التفكير والتعبير .
6ـ مبدأ العلم:
إن من وظائف التربية العناية بترسيخ العلم لدى المتعلمين منهجا ومحتوى ، وفكرا وتطبيقا ، وجعله جانبا مهما من جوانب الثقافة العامة ، وأساسا للحياة وللتنمية الشاملة . وان تسهم في تطوير البحث العلمي ، أن تكون أداة فعالة في الثورة العلمية ، وتطبيق العلوم في مجالات الحياة ، وتكيفها لمطالب التنمية الشاملة وفي إنشاء فكر تربوي متميز منبثق من فهم الطبيعة ،وما فيها من موجودات واستثمارها وجعلها قوة للخير والبناء ،بدلا من قوة للشر والفناء .
إن تطور العلوم الأساسية للتربية ، وبخاصة العلوم السلوكية وتطبيقاتها العلمية وتحسين طرائقها وأساليبها ووسائلها ، والإسهام فيه والانتفاع منه منهجا ومحتوى ، فكرا وتطبيقا ، وتجنب أخطاء نقل التقنية بصيغتها الجاهزة والاعتماد فيها على التصورات والكفايات الأجنبية .
7ـ مبدأ العمل:
لقد اهتمت التربية بالربط بين الفكر والعمل ، واعتبار العمل ركيزة للتربية وجانبا مهما في حياة الإنسان ، وهو أساس نشأة الحضارة وعماد تقدم الأمم والشعوب ، وإدراك حق المرأة في العمل بما يصلح لها .(1/47)
وقد تعنى التربية بإعداد المتعلمين لمطالب العمل ، والاستجابة لحاجات التنمية الشاملة ، واعتبار العمل حقا أصيلا للإنسان وارتباطه بمستوى حياته وصيانة كرامته ومكانته الاجتماعية ، فقد أكد الدين الإسلامي على العمل ودعا إلى السعي في طلب الرزق واستثمار خيرات الأرض .
لقد انتقدت التربية البطالة المقنعة ، وضعف الإنتاج ، وهذا ناتج عن ضعف المهارات والكفايات الإدارية والتنظيمية في مؤسسات المجتمع .
لقد كشفت لنا الدراسات السلوكية ومنها علم النفس عن شمول الشخصية الإنسانية وتعدد قدراتها وتكاملها في الخبرات وأنماط السلوك ، وهذا يؤدي إلى ارتباط الفكر بالعمل ويترتب عليه إجراء التغيرات في طرائق التربية وأساليبها في تنمية القدرات واستثمار المهارات والكفايات في العمل لخير المجتمع وتقدمه .
8 ـ مبدأ التربية للحياة :
إن إقرار الحياة باعتبارها نعمة يمن الله بها على الإنسان ، يجب المحافظة عليها . والتعلم قائم على الحياة وبه تتطور ، والتربية حياة متجددة ومتواصلة .
وتعتمد التربية على الخبرات الإنسانية المستمدة من واقع الحياة . وهي تعنى بهذه الخبرات وتحولها إلى أنماط سلوكية سليمة ملائمة لقدرات الأفراد واستعداداتهم .
والتربية تعد سبيلا لنمو شخصيات الأفراد ، وجعلها وسيلة لاستثمار الخير والتطور باستمرار .
إن فرض القيود على التربية يجعلها تقتصر على الصور التقليدية وعلى النخبة بدلا من أن تكون شاملة لصور الحياة عامة ، واستمرارها على المحافظة والتقليد ، وتمسكها بالأساليب النمطية الثابتة ، وانعزالها عن مجتمعها، كل هذه الأسباب تجعلها قاصرة في تأدية واجباتها ووظائفها ، وعليه لا بد من إعطاء أهمية كبيرة للمدرسة ، والمؤسسات المجتمعية الأخرى كالأسرة والمجتمع للنهوض في بناء الأنظمة التربوية وتقدمها .
9ـ مبدأ القوة والبناء :(1/48)
تتجلى قوة التربية بالشمول والتكامل ، وبقوة شخصية المتعلم والمجتمع المتماسك فالحضارة والعلم الحديث لهما الأثر في قوة الإنسان ، ولتكون سبيلاً للخير والبناء ، والقوة هي دعامة الأمم والمجتمعات ، وعليه فقد أكد الإسلام على العقل والاعتماد عليه لأنه يمنح الإنسان القوة بهداية الإيمان ، وبما أن العلم مصدر من مصادر القوة فقد تنافست الكثير من الدول للحصول عليه وامتلاكه عن طريق التربية باعتبارها أداة من أدوات القوة والبناء .
10ـ مبدأ التربية المتكاملة :
إن الإنسان بحاجة إلى تربية شاملة متكاملة متوازنة لجميع جوانب الشخصية ، وانه قادر على التعلم في كل زمان ومكان ، وطوال مراحل العمر ،والإنسان لديه القدرة على التكيف والتوافق مع البيئة التي يعيش فيها .
إن ما يتطلبه مفهوم التربية الشاملة المتكاملة من اعتماد الإنسان غاية وأداة ، ويترتب عليه المشاركة الواسعة في تحقيقها ، وتنمية المواقف الإيجابية والاستعدادات لتقبل التغيير من اجل تحسين مستويات الحياة وتطوير أساليب الإنتاج ، اعتماداً على التعلم المستمر .
11 ـ مبدأ الأصالة والتجديد :
الأصالة تعني التمسك بخير الماضي العريق والذاتية والابتكار وتصلح لاعتمادها في الحياة .
والتجديد نعني به توليد أصول نابعة من الجهود الذاتية متميزة بالابتكار ملائمة لتغير مطالب الحياة زمانياً ومكانياً مطلة على المستقبل .
وهذان الاتجاهان متكاملان لتطوير المجتمعات معتمدان على القدرات الذاتية والإبداع والابتكار .
إن الإسلام أتى ليتم رسالات السماء ويؤيدها ويختمها ، واتى ليجدد عقيدة التوحيد ويحددها ، ويرسم للإنسان مساراً جديداً في التدين والإيمان ، فهو بمثابة أنموذج رائع للتكامل بين الأصالة والتجديد ، وعلى الإنسان استثمار حصيلة الخبرات السابقة ، ومواجهة المشكلات بخبرات جديدة ، ويفيد اللاحق من السابق .(1/49)
ان موقف الأمة العربية الإسلامية اتسم بالقوة والاعتدال ، ويتميز بالتوفيق بين الأصالة والتجديد .
12ـ مبدأ الإنسانية :
تؤكد التربية الإنسانية على وحدة الجنس البشري ، والمساواة بين الشعوب ، والتخلص من كل ما يهدد حياة الإنسان من نزعات عنصرية أو عدوانية واستغلال ، والمناداة بالسلام العالمي القائم على الحق والعدالة والمساواة وترسيخ كرامة الإنسان .
وقد أكد الإسلام على حرية الإنسان والمساواة بين الناس ، وقد تميزت الحضارة العربية الإسلامية من الاتصال بالحضارات الأخرى أخذا وعطاءً ، وتأثرا بها وتأثيرا فيها فهي تؤمن بالتعاون والأمن والحرية والسلام وتكافؤ الفرص ، وترصين القيم السليمة والسيادة على ثروات شعوبها ، والعمل على توفير الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تتيح القضاء على الاستغلال والفروق بين الشعوب وفئات المجتمع الواحد ، والعمل من اجل السلام ، وسلامة الرؤية والأهداف وملاءمتها مع المقاصد والغايات .
ـ المصادر الأجنبية :
162ـ L_KANDEL،THE METHODOLGY OF COMPARATLRE EDUCATHON ، ((INTE MATTONAL REVLEW OF EDUCATHON ))
1ـ 1959 _ P _P _ 47 .
163 ـ UNESCO, SUMMARY, ROPORT OF THE INTERNATIONAL CONTERENOC ON ADUIT EDCATION, ELSINORE. DENMERK, 19 ـ 25 ـ JUNE , 1947 ـ PARIS , Pـ 4 ـ 6 .
164 ـ
165 ـ ZEINEN ـ M ـ A ـpH . D. THE EMERGENCE OF ARAP NATIONALISM BEIRUT . RHAGATS , 1966 ـ P . P , 69 ـ 71 .
166 ـ ZEINE N. ZEINE, THE EMERGENCE OF ARAB NATIONALISM OP ـ CIT ـ P . 200(1/50)
المصادر
أ ـ المصادر العربية :
* ـ القرآن الكريم
1 ـ آل ياسين ، محمد مفيد ، الحركة الفكرية في العراق في القرن التاسع الهجري ، بغداد ، 1979 م .
2 ـ الالوسي ، سالم ، من أعلام الفكر في العراق ، العلامة محمد بهجة الأثري ، المجمع العمي العراقي ، بغداد ، 2000م .
3 ـ أباظة ، عزيز ، مقدمة في ديوان الأثري ، ج1 ، المجمع العلمي العراقي ، بغداد ، 1990 م .
4 ـ أبو حديد ، محمد فريد ، موقف اللغة العامية من اللغة الفصحى ، محاضرة ألقيت في مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، الدورة ، 14 ، القاهرة ، 1948 م .
5 ـ أبو العينين ، علي خليل ، منهجية البحث في التربية الإسلامية ، من مجلة رسالة الخليج العربي ، العدد ، 24 ، السنة الثانية ، 1988م .
6 ـ الأثري ، محمد بهجة ، الإضبارة الشخصية المحفوظة في المجمع العلمي العراقي ، بغداد .
7 ـ الأثري ، محمد بهجة ، أعلام العراق ، محمد شكري الالوسي ، القاهرة 1969م .
8 ـ الأثري ، محمد بهجة ، أعلام العراق ، المطبعة السلفية ، بغداد ، 1924م.
9 ـ الأثري ، محمد بهجة ، الألوان في الفصحى والدراسات العلمية واللغوية، محاضرات الندوات المفتوحة ، مطبوعات المجمع العلمي العراقي ،1993م.
10 ـ الأثري ، محمد بهجة ، ديوان الأثري ، بغداد ،1990 م .
11 ـ الأثري ، محمد بهجة ، كتاب المجمع العلمي العراقي في تكريمه ، المجمع العلمي العراقي ، بغداد ، 1994 م.
12 ـ الأثري ، محمد بهجة ، محمود شكري الالوسي وآراؤه اللغوية ، القاهرة 1951 م .
13 ـ الأثري ، محمد بهجة ، ملامح وأزهار ، القاهرة 1974 م .
14 ـ الأثري ، محمد بهجة ، نظرات خاصة في قواعد رسم الكتابة العربية ، ضوابط اللغة وطريقة تدوين تاريخ الأدب العربي ، دار الشؤون الثقافية بغداد ، 1991 م .
15 ـ احمد ، ابراهيم خليل ، أوضاع التعليم في العراق ـ بين سنتي 1869 ـ 1914، مجلة التربية والتعليم ، جامعة الموصل ، العدد ، 3 ، شباط ، 1981م .(1/1)
16 ـ احمد ، ابراهيم خليل ، تطور التعليم الوطني في العراق ، البصرة ، 1986م .
17 ـ أحمد ، نازلي صالح ، التعليم في الوطن العربي ، في التربية المقارنة ، عالم الكتب ، مصر ، 1974م .
18 ـ أمين ، احمد ، مدرسة القياس في اللغة، محاضرة ألقيت في مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، الدورة ، 15 ، القاهرة ، 1949م ، محاضر الجلسات للدورة الخامسة عشرة .
19 ـ الأصيل ، ناجي ، فهمي المدرس ، بغداد ،ب ـ ت .
20 ـ الأعظمي ، علي ظريف ، مختصر تاريخ بغداد ، بغداد ، ب ـ ت .
21 ـ الأنصاري ، احمد أنور ، النصرة في أخبار البصرة ، تحقيق يوسف عز الدين ، بغداد ، 1969 م .
22 ـ بحري ، منى يونس وعايف حبيب ، المنهج والكتاب المدرسي ، كلية التربية ، جامعة بغداد ، بغداد ، 1985 م .
23 ـ برو ، توفيق علي ، العرب والترك في العهد الدستوري العثماني من 1908ـ 1914 ، القاهرة ، دار الهنا للطباعة ، 1960م .
24 ـ البزركان ، علي ، الوقائع الحقيقية في الثورة العراقية ، بغداد ، 1952م .
25 ـ البسام ، عبد العزيز ، الإنكليزية اللغة والأدب ، وزارة المعارف البريطانية ، مرشد المعلم ، تعريب وزارة المعارف العراقية ، ط3 ، 1957م.
26 ـ البسام ، عبد العزيز ، البحث التربوي في تعليم الكبار ، بين النظرية والتطبيق ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم / ج7 ، تونس ،1994م.
27 ـ البسام ،عبد العزيز ، التعلم عن بعد والجامعة المنفتحة ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، بغداد 1992م .
28 ـ البسام ، عبد العزيز ، التقرير السنوي عن جامعة الإمارات العربية المتحدة ، مطبعة صوت الخليج ، الشارقة ، 1980م .
29 ـ البسام ، عبد العزيز ، العربية الفصيحة لغة التعليم ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، لبنان ، ط2 ، 1986م .
30 ـ البسام ، عبد العزيز ، محمد بهجة الأثري ، المتربي والمربي ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، بغداد ، 1994م .(1/2)
31 ـ البسام ، عبد العزيز ، المراهقة ، الحقائق الأساسية وصلتها بالتربية مع الإشارة لأحوال المراهقين في المجتمع العربي ، من مطبوعات نقابة المعلمين ، بغداد ، مطبعة السجل ، 1962م .
32 ـ البسام ، عبد العزيز ، نزار العاني ، أنموذج دراسة واقع التربية على الصعيد القطري ، نحو تنفيذ استراتيجية تطوير التربية العربية ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، تونس ، 1982م .
33 ـ البستاني ، سليمان ، الدولة العثمانية قبل الدستور ، 1908م .
34 ـ البصير ، محمد مهدي ، نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر ، بغداد ، 1946م .
35 ـ البكاء ، محمد ، الثقافة العربية في ضوء التحديات السياسية للعولمة ، مجلة الموقف الثقافي ، دار الشؤون الثقافية العامة ، السنة الرابعة ، العدد ، 23، 1999م .
36 ـ بكر ، منير، الصحافة العراقية واتجاهاتها مع فصل فهمي المدرس ، مطبعة الإرشاد ، بغداد ، 1969م .
37 ـ بكر ، منير ، الكاتب الصحفي الأديب ، فهمي المدرس ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 1979م.
38 ـ البهي ، محمد ، الدين والحضارة والإنسانية ، دار الهلال ، القاهرة ، ط1 ، 1964م.
39 ـ الجابري ، محمد عايد ، قضايا الفكر المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1977م .
40 ـ جامعة الدول العربية ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، استراتيجية تطوير التربية العربية ، تقرير لجنة وضع استراتيجية لتطوير التربية في البلاد العربية ، بيروت ، 1979م .
41 ـ الجبوري ، حنان عيسى ، مشكلات إدارة المدرسة الثانوية في العراق ، بغداد ، 1970م.
42 ـ الجبوري ، عبد الله ، من أعلام الفكر العراقي ، فهمي المدرس ، كلية الآداب ، الجامعة المستنصرية ، 1998م .
43 ـ جدعان ، فهمي ، أسس النقد عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث ، بيروت ، ط1 ، 1979م .
44 ـ جعفر ، نوري ، اللغة والفكر ، مكتبة القومي ، الرباط ، 1971م .(1/3)
45 ـ الجعفري ، ماهر إسماعيل ، فلسفة التربية عند الغزالي ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، الجزء الثاني ، المجلد ، 44 ، بغداد ، ب ـ ت .
46 ـ جلال ، يحيى ، العالم العربي الحديث ،فترة ما بين الحربين العالميتين ، القاهرة ، دار المعارف ، 1966م .
47 ـ جلال ، يحيى ، المدخل إلى تاريخ العالم العربي الحديث ، القاهرة ، مطبعة الصدى ، دار المعارف بمصر ، 1965م .
48 ـ الجمالي ، محمد فاضل ، آفاق التربية الحديثة في البلاد النامية ، الدار التونسية للنشر ، 1968م .
49 ـ الجنابي ، احمد نصيف ، علوم القرآن في العهد العثماني ، حضارة العراق ، ج1، بغداد ، 1985م .
50 ـ الجندي ، أنور ، أعلام وأصحاب أقلام ، القاهرة ، دار النهضة المصرية ، ب ـ ت.
51 ـ الجندي ، أنور ، مقدمات العلوم والمناهج ، المجلد الأول ، القاهرة ، دار الأنصار ، 1979م .
52 ـ جواد ، هاشم ، مقدمة في كيان العراق الاجتماعي ، بغداد ، 1946م .
53 ـ الجواري ، احمد عبد الستار ، اللغة الشاعرة ، مزايا النفس والتعبير في اللغة العربية ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1960م .
54 ـ جورج أنطونيوس ، يقظة العرب ، تاريخ حركة العرب القومية ، ترجمة ناصر الدين الأسد وآخرون ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ط2 ، 1966م.
55 ـ الحسني ، عبد الرزاق ، تاريخ الوزارات العراقية ، ج1 ، بيروت ، 1978 م .
56 ـ الحسني ، عبد الرزاق ، العراق في دوري الاحتلال والانتداب ، ج2 ، 1948م .
57 ـ حسين ، ابراهيم ، حسن ، تاريخ الإسلام السياسي ، النهضة المصرية ، ط3، 1953م .
58 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، آراء وأحاديث في التاريخ والاجتماع ، بيروت ، مطبعة كرم ، ط2 ، 1960 م .
59 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، الحولية الثقافية العربية ، ج1 ، القاهرة ، جامعة الدول العربية ، الإدارة الثقافية ، مطبعة الآداب ، 1950 م .(1/4)
60 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، البلاد العربية والدولة العثمانية ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ط3 ، 1965 م .
61 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، أحاديث في التربية والاجتماع ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الأعمال القومية لساطع ، بيروت ، 1984 م .
62 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، مذكراتي في العراق من 1921 / 1927 ، بيروت ، منشورات دار الطليعة ، ج1 ،1967م .
63 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، محاضرات في نشوء الفكرة القومية ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ط3 ، 1956 م .
64 ـ الحصري ، أبو خلدون ساطع ، نقد تقرير لجنة مونرو ، رسائل موجهة إلى الأستاذ بول مونرو حول التقرير الذي قدمه إلى وزارة المعارف العراقية باسم لجنة الكشف التهذيبي ، بغداد ، مطبعة النجاح ، 1932 م .
65 ـ حمادة ، عبد المحسن عبد العزيز ، مقدمة في تاريخ التربية ، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع ، الكويت ، كلية التربية ، جامعة الكويت ، ط1،1982م .
66ـ الحمداني ، طارق نافع ، طبيعة الحركة الفكرية ، حضارة العراق ، ج11، بغداد ، 1985م .
67 ـ خطاب ، فرات فائق ، قصة الرموز والمصطلحات والمعادلات في الكيمياء القديمة ،مجلة المورد ، المجلد /6 ، العدد /4 ، بغداد ،1977م .
68 ـ الخطيب ، محمد عجاج ، أصول الحديث وعلومه ومصطلحه ، بيروت ، ط2، 1971م .
69 ـ الخفاجي ، محمد عبد المنعم ، الإسلام والحضارة الانسانية ، لبنان ، دار الكتب اللبنانية ، 1973 م .
70ـ عبد الدايم ، عبد الله ، التراث محتواه وأهمية إيجابياته وسلبياته ، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1985 م .
71ـ عبد الدايم ، عبد الله ، التربية عبر التاريخ ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1978م .
72 ـ عبد الدايم ، عبد الله ، التربية عبر العصور القديمة حتى أواخر القرن العشرين ، دار الملايين ، ط3 ، 1973م .(1/5)
73 ـ الذيفاني ، عبد الله احمد ، تاريخ التربية وفلسفتها ، مؤسسة إيداع اليمن ، ط1 ، 1977م .
74 ـ رؤوف ، عماد عبد السلام ، الموصل في العهد العثماني ، فترة الحكم المحلي من 1726 ـ 1834 ، النجف ، 1975 م .
75 ـ الرازي ، محمد بن أبي يحيى ، مختار الصحاح ، الكويت ، دار الرسالة ، 1983م.
76 ـ ربيع ، حامد عبد الله ، البترول العربي واستراتيجية تحرير الأرض المحتلة ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1971 م .
77 ـ رشودي ، عبد الحميد ، خالد محسن إسماعيل ، فهمي المدرس ، ( مقالات ) ، ج1، بغداد ، 1930م .
78 ـ روزه ، محمد عزة ، حول الحركة العربية الحديثة ، تاريخ ومذكرات وتعليقات، دمشق ، المطبعة العصرية ، صيدا ـ ج1 ، 1950م .
79 ـ روفائيل ، أبو اسحق ، تاريخ نصارى العراق ، بغداد ، 1948 م .
80 ـ زكي ، صالح ، بريطانيا والعراق حتى عام 1914 ، بغداد ، مطبعة العاني ، 1968 م.
81 ـ زكي ، محمد فاضل ، الفكر السياسي العربي الإسلامي ، دار الحرية للطباعة والنشر ، بغداد ، ط2 ، 1976 م .
82 ـ السامرائي ، ابراهيم ، الأب أنستاس ، ماري الكرملي وآراؤه اللغوية ، القاهرة ، 1969م .
83 ـ السرحان ، محي هلال ، الفقه وأصوله ، حضارة العراق ، ج11 ، بغداد ، 1985م.
84 ـ سعد ، نهاد صبيح ، الفكر التربوي عند ساطع الحصري ، مصر ، عين شمس ، 1975م .
85 ـ سلمان ، حسن محمد ، التطور الاقتصادي في العراق ، التجارة الخارجية والتطور الاقتصادي ما بين 1964 ـ 1958 ، بيروت ، 1965 م .
86 ـ سليمان ، فيضي ، في غمرة النضال ، نشرة عبد الحميد فيضي ، بغداد ، 1963م.
87 ـ سمعان ، وهيب محمد مرسي ، مدخل في التربية المقارنة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، ط2 ، 1974م .
88 ـ سويف ، مصطفى ، الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة ، ط3 ، القاهرة ، 1974 .
89 ـ شكر ، ابراهيم صالح ، بواكير النشر في العراق ، بغداد ، ب ـ ت .(1/6)
90 ـ صالح ، عبد العزيز ، عبد العزيز عبد المجيد ، التربية وطرق التدريس ، ج1 ، دار المعارف ، مصر ، 1956 م .
91 ـ العابد ، صالح محمد ، حضارة العراق ، النظام الإداري في الدولة العثمانية ، بغداد ، ج10 ، 1985 م .
92 ـ العافين ، ابراهيم ، مدرسة الإحياء والتراث ، دراسة في اثر الشعر العربي القديم على مدرسة الإحياء في مصر ، دار الأندلس ،ط1، 1981م .
93 ـ العاني ، نوري عبد الحميد ، الثقافة العربية ومراكز العلم في العراق في العهد الجلائري ، بحث غير منشور ، ب ـ ت .
94 ـ عبد الحميد ، محسن ، أزمة المثقفين تجاه الإسلام ، دار الصحوة ، القاهرة ، ط1، 1984م .
95 ـ عبد الرحمن ، عدنان ، الأثري ملامح في سيرته ومشاركاته في المجامع والجامعات العربية ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ،1994م .
96 ـ عبد الغفور ، عبد الغني ، العولمة ملاحظات سياسية ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 1999م .
97 ـ عبد الفتاح ، جلال ، وآخرون، استراتيجية مقترحة لمحو الأمية في الوطن العربي، المركز الدولي للتعليم الوظيفي للكبار في العالم العربي ، سرس الليان ، مصر ، مجلد ، 2 ، 1976م .
98 ـ عبد الكريم ، احمد ، القومية والمذاهب السياسية ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، المطبعة الثقافية ، القاهرة ، 1970 م .
99 ـ عبود ، عبد الغني ، الأيدلوجيا والتربية ، مدخل لدراسة التربية المقارنة ، ط1، 1976 م .
100 ـ عبود ، عبد الغني ، نحو فلسفة عربية للتربية ، دار الفكر العربي ، ط1 ، القاهرة ، 1976 م .
101 ـ عتايب ، لاجي ، عبد الرحمن الكواكبي ـ مصلح عربي وعالم ، ب ـ ت .
102 ـ العدوان ، احمد مشاري ، في الفكر الإسلامي ، مجلة عالم المعرفة ، المجلد السادس ، العدد الثاني ، الكويت ، 1975 م.
103 ـ عز الدين ، نجلاء ، العالم العربي ، ترجمة محمد عوض ابراهيم وآخرون ، القاهرة ، دار إحياء الكتب العربية ، ط2 ، 1962م .(1/7)
104 ـ عز الدين ، يوسف ، الأستاذ محمد بهجة الأثري ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، ج3 ، المجلد 41 ، بغداد ، 1992م .
105 ـ عز الدين ، يوسف ، بواكير الحركة الفكرية في العراق ، ب ـ ت .
106 ـ عز الدين ، يوسف ، التراث العربي المعاصر ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، ج1، مجلد 38 بغداد ، 1987م .
107 ـ عز الدين ، يوسف ، فهمي المدرس من رواد الفكر الحديث ، جامعة بغداد ، ط2 ، 1976م .
108 ـ العزاوي ، عباس ، تاريخ الضرائب في العراق ، بغداد ، ب ـ ت .
109 ـ العزاوي ، عباس ، تاريخ علم الفلك في العراق ، بغداد ، 1958 م .
110 ـ العزاوي ، عباس ، العشائر العراقية ، أربعة أجزاء ، بغداد ، 1956م .
111 ـ العزي ، عزيز العلي ، عجائب المخلوقات للقزويني ، دراسة في تراثنا العلمي ، مجلة المورد ، المجلد / 6 ، العدد / 4 ، بغداد ، 1977م .
112 ـ عزيز ، مؤيد ، الإسلام والغرب ، من مجلة الموقف الثقافي ، العدد /23 / دار الشؤون الثقافية العلمية / السنة الرابعة ، 1999 م .
113 ـ العقاد ، عباس محمود ، اللغة الشاعرة ، مزايا النفس والتعبير في اللغة العربية ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1960 م .
114 ـ العلواني ، طه جابر ، الأزمة الفكرية المعاصرة ، تشخيص ومقترحات علاج ، المعهد العالي للفكر الإسلامي ، الولايات المتحدة (هيرنرن) ، فرجينيا ، ط1، 1989م .
115 ـ علي ، سعد إسماعيل ، الفكر التربوي العربي الحديث ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1978 م .
116 ـ العلي ، صالح احمد ، دراسة العلوم الرياضية ومكانتها في الحضارة العربية الإسلامية ، مجلة المورد ، المجلد /3 ، العدد ، 4 ، بغداد ، 1974 م .
117 ـ عمارة ، محمد ، الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، ط1 ، ج2 ،1973م .
118 ـ عمارة ، محمد ، الأعمال الكاملة لعبد الرحمن الكواكبي ، القاهرة ، 1970 م.(1/8)
119 ـ عمارة ، محمد ، تيارات الفكر الإسلامي ، دار الوحدة للطباعة ، القاهرة ، 1981م.
120 ـ العمر ، ابراهيم حلمي ، الطباعة في دار السلام والنجف وكربلاء ، مجلة لغة العرب ، السنة الثانية ، العدد السابع ، كانون الثاني ، 1913 م .
121 ـ عمر، عودة ، المسالة الاجتماعية ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ،ط3 ،1979 م .
122 ـ غربال ، محمد شفيق ، الموسوعة العربية الميسرة ، القاهرة دار العلم ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر ، ط1 ، 1965 م.
123 ـ غزوان ، عناد ، بناء القصيدة والصورة الشعرية عند الأثري ، جامعة بغداد ، كلية التربية ، مجلة المورد ، العدد الثاني ، 1996م .
124 ـ فاضل ، حسين ، تاريخ الحزب الوطني الديمقراطي ، بغداد ، 1963م .
125 ـ الفياض ، عبد الله ، الثورة العربية الكبرى ، بغداد ، 1963م .
126 ـ قلعجي ، قدري ، جيل الفداء ، القاهرة ، دار الكاتب العربي ، مطابع دار الغد ، 1967م .
127 ـ القهواتي ، حسين محمد ، أضواء على تجارة البصرة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، مجلة الخليج العربي ، 1980 م .
128 ـ القهواتي ، حسين محمد ، الاقتصادية من القرن التاسع عشر حتى العصر العثماني ، حضارة العراق ، بغداد ، 1985 م.
129 ـ القهواتي ، حسين محمد ، دور البصرة التجاري في الخليج العربي من 1869 ـ 1914 ، بغداد ، 1980 م .
130 ـ القومي ، محمد عمر، الفكر التربوي بين النظرية والتطبيق ، طرابلس ، ليبيا ، ط1، 1985م .
131 ـ الكبيسي ، عناد إسماعيل ، الصحافة العربية ونهضتها الحديثة ، بحث مستل من مجلة الآداب ، جامعة بغداد ، مطبعة المعارف ، العدد /14 ، المجلد الأول 1970ـ1971 م .
132 ـ الكلداني ، بطرس نصري ، ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان ، الموصل ، 1913 م .
133 ـ لطيف ، بركات احمد ، في مجالات الفكر التربوي ، دار الشروق ، القاهرة ، ط1 ، 1983م .(1/9)
134 ـ محمد ، أنيس ، السيد رجب حراز، الشرق العربي في التاريخ الحديث المعاصر، القاهرة ، دار النهضة العربية ، المطبعة العالمية ، 1967 م.
135 ـ محمود ، زكي نجيب ، ثقافتنا في مواجهة العصر ، دار الشروق ، القاهرة ، ط2، 1982م .
136 ـ مدكور ، علي احمد ، علم تعليم الكبار ، نشأته وتطوره بين النظرية والتطبيق ، القاهرة ، 1998م .
137 ـ مراد ، خليل علي ، تاريخ العراق الإداري والاقتصادي في العهد العثماني الثاني من 1638ـ 1750 ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 1975م .
138 ـ مرسي ، سعد ، سعيد إسماعيل علي ، تاريخ التربية والتعليم ، القاهرة ، عالم الكتب ، 1980م .
139 ـ مرسي ، سعد احمد ، تطور الفكر التربوي ، القاهرة ، دار الهنا للطباعة ، عالم الكتب ، ط2 ، 1970م .
140 ـ مرسي ، محمد منير ، الاتجاهات المعاصرة في التربية المقارنة ، عالم الكتب ، القاهرة ، 1974م .
141 ـ مرسي ، محمد منير، التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية ، القاهرة ، عالم الكتب ، 1977م .
142 ـ المشهداني ، محمد جواد ، محمد بهجة الأثري ، حياته ، شعره ، رسالة ماجستير ، جامعة القاهرة كلية العلوم ، القاهرة ، 1978م .
143 ـ مطلوب ، احمد ، الأثري الإنسان والشاعر ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 1992م .
144 ـ معروف ، ناجي ، أصالة الحضارة الإسلامية ، مطبعة التضامن ، بغداد ، ط2 ، 1969م.
145 ـ المغربي ، عبد القادر ، تقريض كتاب أعلام العراق ، مجلة المجمع العلمي العربي ، المجلد السابع ، دمشق ، ب ـ ت .
146 ـ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، اتجاهات التربية في البلدان العربية على ضوء استراتيجية تطوير التربية العربية ، تونس ، 1982 م.
147 ـ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، الفكر التربوي العربي الإسلامي ، الأصول والمبادئ ، تونس ، 1987م .(1/10)
148 ـ موسيس ديرها كوبيان ، حالة العراق الصحية في ربع قرن ، الموصل ،1948م.
149 ـ ميرزا ، حسن خان ، تاريخ ولاية البصرة ، ترجمة : د. وصفي أبو مغلي ، بغداد ، 1980 م .
150 ـ ميشال زكريا ، الألفية التوليدية والتحويلية وقواعد اللغة العربية ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ، بيروت ، ط1 ، 1982م .
151 ـ النجار ، جمال موسى ، التعليم في العراق في العهد العثماني الأخير ، 1918ـ1869 ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 2001 م .
152 ـ النجيحي ، محمد لبيب ، فلسفة التربية ، القاهرة ، مكتب سعد رأفت ، 1976م .
153 ـ نعمان ماهر ، وسعيد البدري ، الرصافي في أعوامه الأخيرة ، بغداد ، 1950م.
154 ـ النعيمي ، حسام ، الأثري والبعث اللغوي في كتاب تكريم الأثري ، بغداد ، 1994م .
155 ـ نفوسة ، زكريا سعيد ، تاريخ الدعوة إلى العامية ، وآثارها في مصر ، القاهرة ، دار المعارف ، 1964 م.
156 ـ نورس ، علاء موسى ، الحياة الاقتصادية من احتلال بغداد حتى القرن الثامن عشر ، حضارة العراق ج10 ، بغداد ، 1985م .
157 ـ النوري ، عبد الغني ، وعبد الغني عبود ، نحو فلسفة عربية للتربية ، دار الفكر العربي القاهرة ، 1976م .
158 ـ هـ.س ، بولا ، تعليم الكبار ، اتجاهات وقضايا عالمية ، ترجمة عبد العزيز بن الأمية عبد الله السنبل وصالح عرب ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، الجهاز العربي لمحو ولتعليم الكبار ، تونس ، 1993م .
159 ـ الهلالي ، عبد الرزاق ، تاريخ التعليم في العراق في عهد الانتداب البريطاني ، من 1921ـ 1932 ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 2000م .
160 ـ الهلالي ، عبد الرزاق ، تاريخ التعليم في العراق في العهد العثماني ، بغداد ، شركة الطبع والنشر الأهلية ، ط1 ، 1959م .
161 ـ الهلالي ، عبد الرزاق ، نظرات في إصلاح الريف ، بغداد ، 1950م .(1/11)
162 ـ الوائلي ، ابراهيم ، الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر ، مطبعة المعارف ، ط2، بغداد ، 1978م .
********
ب ـ المصادر الأجنبية :
*************************************************
163 . L_KANDEL ،THE METHODOLOGY OF COMPARATIVE EDUCATHON ، ((INTERNATLONAL REVIEW OF EDUCATION )) 1ـ 159 . P .P . 47 .
164. UNESCO, SUMMARY, REPORT OF THE INTERNATIONAL CONFERENCE ON ADUIT EDUCATION, ELSINORE. DENMARK, 19 ـ 25 , JUNE , 1949 , PARIS PP 4 - 6 .
165 . WEDSTER , MERRIAM , (1971 ), WEBSTER , S NEW INTERNATIONAL DICTIONARY . VOL .I . LONDON: ENCYCHLOPEDID BRITANICA , INC .
166 . ZEINEN , ZEINE M ـ A ـPH . D. THE EMERGENCE OF ARAB NATIONAL IS SM BEIRUT . RHAGATS , 1966 PP , 69 ـ 71 .
167 . ZEINE N. ZEINE, THE EMERGENCE OF ARAB NATIONALISM OP _ CIT _ P . 200 .(1/12)
المحتويات
الموضوع ... الصفحة
الإهداء ... أ
شكر و عرفان ... ب
ملخص الأطروحة باللغة العربية ... 1- 5
المحتويات ... 6-11
الفصل الأول / أهمية البحث والحاجة إليه ـ مشكلة البحث ... 12-31
مشكلة البحث ... 13 - 15
أهمية البحث والحاجة إليه ... 15-29
هدف البحث ... 29
حدود البحث ... 29
تحديد المصطلحات ... 29-30
منهجية البحث ... 31
الفصل الثاني ... 32-76
القوى والعوامل المؤثرة في الفكر التربوي خلال القرن العشرين ... 33
أولاً : العوامل الجغرافية والتاريخية ... 33-39
ثانياً : العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... 39-62
ثالثاً: العوامل الفكرية والعلمية ... 62-76
الفصل الثالث / فهمي المدرس وفكره التربوي ... 77-102
تمهيد ... 78
فهمي المدرس ... 78
مولده ونسبه ... 78-85
مؤلفاته ـ النوع الأول ... 85-86
مؤلفاته ـ النوع الثاني ... 86
فكره التربوي ... 87
القومية العربية ... 87-89
الإسلام ... 89-91
اللغة العربية ... 91-92
القضية الفلسطينية ... 92-94
الصحافة ... 94-96
التربية والتعليم ... 96 -98
المدرس وجامعة آل البيت ... 98-102
الفصل الرابع / محمد بهجة الأثري وفكره التربوي ... 103-141
محمد بهجة الأثري ... 104
مولده ونسبه ... 104-107
خبراته العلمية ومصادرها ... 107-109
مدارس مساجد بغداد ... 109-111
علاقاته بأعلام الأسرة الآلوسية ... 111-113
زواجه وأبناؤه ... 113-114
الوظائف التي تقلدها ... 114-116
المؤتمرات والندوات العلمية ... 117-120
آثاره العلمية والتربوية ... 120-127
مؤلفاته المدرسية ... 120-121
مؤلفاته المحققة والمشروحة (المطبوعات) ... 121-123
مؤلفاته المحققة والمشروحة (المخطوطات) ... 123
المؤلفات المستقلة (المطبوعات) ... 124-125
المؤلفات المستقلة (المخطوطات) ... 125-127
الفكر التربوي عند الأثري ... 127-141
مفهوم العروبة والإسلام ... 127-130
اللغة العربية ... 130-136
الأصالة والمعاصرة ... 136-137
فلسطين ... 138
التربية والتعليم ... 139-140
الميدان المدني والعمراني ... 140-141
الفصل الخامس / عبد العزيز البسام وفكره التربوي ... 142-196
عبد العزيز البسام ... 143
نشأته ... 143-145(1/1)
المتربي ـ التعليم العام ... 145-146
المتربي ـ التعليم الجامعي ... 147-149
المربي ـ التدريسي ... 149-152
المربي ـ التدريسي الجامعي ... 152-153
الإدارة والاستشارة ... 153-155
فكر البسام التربوي ... 155
فكره التربوي ... 155-156
مفهوم وحدة اللغة ... 156-167
مدير جامعة العين ... 167 -174
المخطط والستراتيجي للتربية العربية ... 175-182
المراهقة والحقائق الأساسية ... 182-187
التعليم عن بعد والجامعة المنفتحة ... 188-191
علم تعليم الكبار ... 192-194
نتاجه العلمي ... 194-196
الكتب المترجمة ... 194
الكتب المؤلفة ... 195
المعجمات والمجمعيات العلمية ... 195-196
الفصل السادس ... 197-220
مقارنة أوجه التشابه والاختلاف بين المفكرين ... 198-199
أوجه التشابه والاختلاف بين المفكرين ... 199
الوطنية والقومية ... 199-201
اللغة العربية ... 201-203
العروبة والإسلام ... 203-205
الأصالة والمعاصرة ... 206-207
التربية ... 207-209
أوجه الاختلاف بين المفكرين ... 209-211
القيم والمجتمع ... 209-210
الاختلاف المهني ... 210-211
نظرة مستقبلية للفكر التربوي ... 211-219
المبحث الثالث ... 219-220
الاستنتاجات والتوصيات والمقترحات ... 219-220
المصادر العربية والأجنبية ... 221-236
ملخص الأطروحة باللغة الإنكليزية ... 237-240(1/2)