الفضائيات والغزو الفكري
بحث من إعداد
د/ محمود بن عبد الرازق
الأستاذ المساعد
بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
كلية الشريعة وأصول الدين جامعة الملك خالد
* ملخص البحث ............
إن أخطر ما يواجه به المسلمون اليوم ، ذلك الغزو الوافد إلينا عن طريق القنوات التلفزيونية الفضائية ، تلك الفتنة التي لم يبق بيت من بيوت العرب إلا دخلته ، فمع بداية كل يوم تبدأ جيوش من وسائل الإعلام نشاطها المحموم لتغزو العالم الإسلامي ، وتقتحم علي المسلمين في الغرفات خلوتهم ، مئات من الفضائيات تلعب دورا خطيرا في قلب مفاهيم الشباب واهتماماتهم ، وتفتح أبوابها وأبواقها وتسخر أدواتها وإمكانياتها للفكر الانحلالي الغربي ، ومن هنا جاءت هذه الدراسة في البحث عن العلاقة بين الفضائيات ومكامن الثغرات التي يتسلل منها الغزو الفكري إلي الشباب وسائر فئات المجتمع الإسلامي ، وقد تناول البحث بعد المقدمة في المطلب الأول كيف يتسلل الغزو الفكري إلى الفضائيات ذات البرامج المختلطة ، تلك الفضائيات المتنوعة في برامجها بين النذر اليسير من البرامج الدينية والإخبارية والثقافية ، والكم الكبير من البرامج التي تمثل امتدادا لقضية الغزو الفكري التي تبناها العدو عبر مراحل صراعه مع الإسلام والمسلمين ، سواء كانت هذه البرامج هي بذاتها برامج غربية أو محاكاة لها في الفكرة والهيكل ، أو خططوا لها دون وعي من القائمين علي هذه الفضائيات ، وفي المطلب الثاني دار الحديث حول الغزو الفكري الذي يتسلل من الفضائيات الإخبارية ، وفي المطلب الثالث تناول الغزو الفكري والفضائيات الانحلالية ، وفي الرابع تناول البحث الغزو الفكري القادم من الفضائيات الإباحية وأثره في هدم المجتمع ، وفي المطلب الخامس دار الحديث حول الغزو الفكري الذي يتسلل إلى زعزعة العقيدة لدى الطفل المسلم من خلال الفضائيات الكرتونية ، وفي المطلب السادس تناول البحث الغزو الفكري الذي يتسلل من(1/1)
الفضائيات المذهبية وفي السابع الفضائيات التعليمية ، ثم في المطلب الثامن تناول البحث خطورة الغزو الفكري الذي يأتي من خلال الشبكات الفضائية المشفرة ، وفي المطلب التاسع تناول بالتفصيل مشروع الفضائيات الإسلامية والحل البديل ، ثم دار الحديث في المطلب العاشر والأخير عن فتنة الفضائيات وما ورد في الحديث النبوي من الفتن التي تشبه قطع الليل المظلم ، وفي الخاتمة تناول البحث تحذير الآباء من خطورة جلب الأطباق الفضائية في الوقت الحالي وترك الأسرة أسيرة بلا قيود يفتك بها هذا البلاء العظيم .
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الذِي خَلقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلقَ مِنْهَا زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَتَساءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَليْكُمْ رَقِيبًا ? (1) ، ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ? (2) ، ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلمُون ? (3) ، أما بعد ..
قال عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ( : أَتَيْتُ النَّبِيَّ S فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ .. فذكر منها ... ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَي بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلا دَخَلَتْهُ ) (4) .(1/2)
إن أخطر ما يواجه به المسلمون اليوم ، ذلك الغزو الوافد إلينا عن طريق القنوات التلفزيونية الفضائية ، تلك الفتنة التي هي أقرب تفسير لحديث عوف بن مالك ، والتي لم يبق بيت من بيوت العرب إلا دخلته ، والذي يؤرق الأعداء أنهم مع ما بذلوا من جهد جهيد ، وجدوا علي مشارف القرن الجديد ، رجالا يحملون قضية الإسلام ويحفظون حدوده ويزودون عن حياضه ، فلا يزال في الأمة الإسلامية من يؤرقهم هم الإسلام ، وهذا ما دعا الأعداء لأن يزيدوا من حملتهم المسعورة ضد الإسلام ويضاعفوا من خططهم المبتورة ومؤامراتهم لإفسادهم المسلمين وإخراجهم من دينهم ، وجعلهم دمي يحركونها كيفما أرادوا ، يقول تعالي :
? وَلاَ يَزَالُونَ يُقَتِلُونَكُم حتى يَرُدوكُم عَن دِينِكُم إِنِ استَطَاعُوا وَمَن يَرتَدِد مِنكُم عَن دِينِهِ فَيَمُت وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَت أَعمَلُهُم فِي الدنيَا وَالآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصحَبُ النارِ هُم فِيهَا خَلِدُون ? (5) .
واستغلالا للتقنية الإعلامية الحديثة في انتشار الصورة المرئية عبر القنوات الفضائية ظهرت حرب الفضائيات كغزو جديد ، غزو لا تشارك فيه الطائرات ولا الدبابات ولا القنابل والمدرعات ، غزو ليس له في صفوف الأعداء خسائر تذكر ، ولا نفقات كبيرة تبذل ، ولكنه علي الرغم من ذلك يؤدي إلي هدم جيل الشباب في صفوف المسلمين .
إن هذا الغزو القادم إلينا من الفضاء يفعل ما لا تفعله الطائرات ولا الدبابات ، ولا الجيوش الجرارة ، إنه يهدمُ العقائد الصحيحة والأخلاق الكريمة والعادات الحسنة والشمائل الطيبة والشيم الحميدة والخصال الجميلة ، ومتي تخلت الأمة عن عقيدتها وأخلاقها وقيمها سقطت في بؤر الضياع والانحلال .
* الغزو الفكري وأنواع الفضائيات :(1/3)
مع خيوط الفجر الأولي تبدأ جيوش من وسائل الإعلام نشاطها المحموم لتغزو العالم الإسلامي وتقتحم علي المسلمين في الغرفات خلوتهم ، مئات من الفضائيات تلعب دورا خطيرا في قلب مفاهيم الشباب واهتماماتهم ، تفتح أبوابها وأبواقها ، وتسخر أدواتها وإمكانياتها للفكر الانحلالي الغربي ، وتصرف هم الشباب وتحول اهتماماتهم من الالتفاف حول العقيدة والانتصار لدين الله ، والاندفاع نحو خدمة الأمة إلي الاهتمام بالمظاهر والانغماس في الشهوات والتعلق بالأضواء والسطحيات ، حتى غدا الشباب وهو في زهرة عمره ، يتطلع إلي البطولات وإبراز الذات ، أو النجاح في التقاط علاقات محرمة ، أملاها عليه فيلم سينمائي أو قصة مكتوبة أو برنامج مذاع أو دعايات مكثفة .
أثبتت الدراسات العلمية وجود علاقة طردية بين ما يشاهده الشباب وبين الانحراف ، فقد أثبتت دراسة بحثية علي شباب الأحداث أن نسبة 16.7% فقط يشاهدون في وسائل الإعلام برامج توجيهية ( دينية ، ثقافية ، علمية ) في حين نسبة 51% يشاهدون البرامج الرياضية ، بينما 64.2% يشاهدون برامج مثيرة كالأفلام والمسلسلات والمسرحيات (6) .
ولاشك أن نوعية البرامج التي يشاهدها الفرد لها أثرها الواضح في سلوكه ، والعكس صحيح ، فمن يشاهد البرامج المثيرة للغرائز قد تكون دافعة للجنوح من خلال ما يكتسبه المشاهد منها من قيم ومواقف تدفعه لتقمصها ومحاولة تقليدها ، وقد أشار أحد الأحداث المنحرفين إلي أن سبب دخوله دار الملاحظة هو محاولة تقليد بعض الأفلام (7) ، كما أثبتت بعض الدراسات أثر وسائل الإعلام المرئية علي الشباب ودورها في انحرافه (8) .(1/4)
وكذلك أظهرت دراسة أخري أن نسبة 32% من المنحرفين يقلدون بعض المشاهد التي يشاهدونها في الأفلام (9) ، وكذلك دراسة توصلت إلي أن مشاهدة برامج العنف قد تؤدي إلي سلوك عدواني مستقبلا (10) ، وأصدرت منظمة اليونسكو الدولية تقريرا عن خطورة برامج الإعلام علي الشباب حيث اعتبرت المنظمة أن أفلام العصابات تؤدي إلي اضطرابات أخلاقية تكمن وراء الجرائم المختلفة (11) ، كل ذلك يدل علي حجم تأثير وسائل الإعلام بمختلف أنواعها المقروءة والمسموعة والمرئية علي الشخصية العادية فضلا عن الفئة الشبابية ، وتبين هذه الدراسات مقدار ما تبثه من دواعي الشر وأسبابه ، وتقديمه لفئة سريعة التأثر والانجذاب إليه ، خاصة وأنه يُعرض في صورة تأسر أصحاب النفوس المضطربة .
إن الأعداء عملوا ولا يزالون يعملون دون كلل أو ملل علي هدم القيم الإسلامية السامية التي تبني الشخصية الإيجابية المؤثرة في رفعة الإسلام ومجد المسلمين ، فهم يرون ثمار مخططاتهم الخبيثة تزداد يوما بعد يوم وعاما بعد عام ، حتى ظهرت هذه الفضائيات التي استطاعوا من خلالها وفي أعوام يسيرة تحقيق ما لم يستطيعوه في قرون طويلة ! لقد استطاعوا من خلالها اقتحام ديارنا وبيوتنا وخلوتنا بلا مقاومة منا ولا غضب ، ولا محاولة لمنعهم من ذلك ، بل بموافقة من عامة الناس ورضي وترحيب ! .
لقد جعلت هذه الفضائيات أغلب المسلمين عاكفين في بيوتهم علي هذه القنوات متنقلين من خلالها بين بلد وأخري ومن قناة إلي قناة ، بحثا عن متعة شهوانية ، أو لذة بهيمية ، أو سعادة زائفة ، حملتها أفلام هابطة ، وسلوكيات ساقطة ، وعقائد فاسدة ، ووثنية بائدة! .(1/5)
لقد حرصت الدول ذات القوة العسكرية والسيطرة السياسية وغيرها علي استغلال الفضائيات بما يخدم مصالحها ويحقق طموحاتها ، فلا يخفي ما للإعلام والاتصالات من الأثر الكبير علي الشعوب وثقافاتها وتصوراتها وتوجهاتها في مجالات عدة ، وتجدر الإشارة هنا إلي أن اليهود وقفوا علي أهمية الإعلام وتأثيره في حياة الشعوب ، فقد هبوا للاستئثار به وتصريفه وفق ما يريدون (12) ، فشبكات التلفزة العالمية الشهيرة تقع تحت سيطرة اليهود ، ومن أشهرها الشبكات الثلاث المسماة : N.B.S و C.B.S. و A.B.C. ، فالأولي رئيسها يهودي يدعي ليونارد جونسون ، والثانية رئيسها ومالكها اليهودي ويليام بيلي ، والثالثة يرأسها اليهودي الفرد سلفرمان .
وبعد حرب الخليج الثانية سعت كثير من الدول العربية لتملك قنوات تلفزة تعبر طبقات الفضاء لتصل إلي أبعد حد ممكن ، وكان هذا بدافع دخول ميدان السباق في هذا المجال ، وقد ظن كثير من الناس بهذا الحدث خيرا لا لذاته ، ولكن لأجل أن يكون تيارا مضادا للبث الفضائي الغربي ، لكن الواقع خالف هذا التصور ، حيث إن تلك القنوات الفضائية العربية انضمت لغيرها ، وأصبحت تابعة لها في تكوين سرطان فضائي يقضي علي البقية الباقية من ثقافة الأمة الإسلامية وموروثاتها .(1/6)
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله : " شاع في هذه الأيام بين الناس ما يسمي بالدش ، أو بأسماء أخري ، وأنه ينقل جميع ما يبث في العالم من أنواع الفتن والفساد والعقائد الباطلة والدعوة إلي أنواع الكفر والإلحاد ، مع ما يبثه من الصور النسائية ، ومجالس الخمر والفساد ، وسائر أنواع الشر الموجودة في الخارج بواسطة التلفاز ، فلهذا وجب التنبيه علي خطورته ، ووجوب محاربته والحذر منه ، وتحريم استعماله في البيوت وغيرها ، وتحريم بيعه وشرائه وصناعته أيضا ، لما في ذلك من الضرر العظيم والفساد الكبير والتعاون علي الإثم والعدوان ونشر الكفر والفساد بين المسلمين ، والدعوة إلي ذلك بالقول والعمل فالواجب علي كل مسلم ومسلمة الحذر من ذلك والتواصي بتركه والتناصح في ذلك عملا بقول الله عز وجل : ? وَتَعَاوَنُوا عَلَي البرِ وَالتقوَي وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَي الإِثمِ وَالعُدوَانِ وَاتقُوا اللهَ إِن اللهَ شَدِيدُ آلعِقَاب ? " (13) ، ومن هنا جاء باعثنا علي البحث في العلاقة بين الفضائيات ومكامن الثغرات التي يتسلل منها الغزو الفكري إلي الشباب وسائر فئات المجتمع الإسلامي ، لاسيما أن ظهور الفضائيات الرقمية سهل انتشارها بصورة كبيرة وفي وقت قصير جدا ، وانفتحت ثغرات هدامة جديدة لم تكن من قبل ، هذه الثغرات يسرت علي الأعداء الوصول إلي غزو القلوب والعقول المسلمة .
( خطة البحث :
* المقدمة : وفيها أهمية الموضوع وسبب الكتابة فيه .
* المطلب الأول : الغزو الفكري والفضائيات ذات البرامج المختلطة .
* المطلب الثاني : الغزو الفكري والفضائيات الإخبارية .
* المطلب الثالث : الغزو الفكري والفضائيات الانحلالية .
* المطلب الرابع : الغزو الفكري والفضائيات الإباحية .
* المطلب الخامس : الغزو الفكري والفضائيات الكرتونية
* المطلب السادس : الغزو الفكري والفضائيات المذهبية .
* المطلب السابع : الغزو الفكري والفضائيات التعليمية .(1/7)
* المطلب الثامن : الغزو الفكري والشبكات الفضائية المشفرة .
* المطلب التاسع : مشروع الفضائيات الإسلامية .
* المطلب العاشر : فتن كقطع الليل المظلم .
* الخاتمة : وقد اشتملت على تحذير الآباء من خطورة جلب الأطباق الفضائية في الوقت الحالي وترك الأسرة أسيرة بلا قيود يفتك بها هذا البلاء العظيم .
أسأل الله أن يجعل هذا البحث معينا لجميع المسلمين في تبصيرهم بخطورة ما يحاط بهم من مؤامرات تولاها أبناء الإسلام دون وعي منهم ، وأن يدركوا كيف أن الأعداء تكاتفوا في عداوتهم واتفقوا في مناهجهم للقضاء علي الإسلام والمسلمين ؟ ، فلم تعد العداوة مقصورة علي دويلات صغيرة يسهل صدها ، أو معاهدات طويلة يسهل مدها ، ولكن تكالبت الأمم واجتمعت علينا كما تتكالب الأكلة علي قصعتها ، فمن حديث ثَوْبَانَ ( أن رَسُولُ اللَّهِ S قال : ( يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَي عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَي الأَكَلَةُ إِلَي قَصْعَتِهَا ، فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ) (14) .
الباحث .
المطلب الأول
الغزو الفكري والفضائيات ذات البرامج المختلطة(1/8)
أعني بالفضائيات المختلطة تلك الفضائيات المتنوعة في برامجها بين النذر اليسير من البرامج الدينية والإخبارية والثقافية ، والكم الكبير من البرامج التي تمثل امتدادا لقضية الغزو الفكري التي تبناها العدو عبر مراحل صراعه مع الإسلام والمسلمين ، سواء كانت هذه البرامج هي بذاتها برامج غربية أو محاكاة لها في الفكرة والهيكل ، أو خططوا لها دون وعي من القائمين علي هذه الفضائيات ، أو أنها تقدم من قبل الحكومات لتصوير المسلمين بالصورة التي يرغب الغربيون أن نكون فيها خشيه التهديد بختم الإرهاب والرجعية ، فالهيمنة لهذه البرامج التي تبث في هذه القنوات الفضائية أسندت إلي من امتلأ جوفه وتشبع بدنه بالأفكار التي تجعله غربيا أكثر من كونه مسلما ولد في الإسلام ، فهم فريسة الغزو الفكري ونتائج الجهد الغربي عبر القرن الماضي ، يقدمون في أغلب برامج الفضائيات المختلطة العلمانية علي أنها الصورة المعتدلة للإسلام ، والخلاعة النسائية تقدم للمشاهدين تحت الدعوة إلي الحرية وتكوين المرأة العصرية ، وكذلك قل في البرامج الرياضية والأغاني الشبابية الماجنة وبث الأفلام العربية والأجنبية التي تصور الجريمة والانحلال والخمور علي أنها أمور مألوفة عادية ، والأفلام الكرتونية وغير ذلك من البرامج التي تفقد الإنسان ضوابط الالتزام بالهوية الإسلامية .
فالقنوات الفضائية المختلطة تحل زائرة بغير استئذان علي بيوت المسلمين ، وببث متلاحق عشوائي عبر ساعات طويلة ، حتى إذا لم تجد تلك القنوات ما تملأ به ساعاتها أقامت مذيعة كاسية عارية قد صبغت وجهها بمختلط من الألوان ، وكلمات مائعة من مائلة مميلة تدعوا إلي الافتتان ، ثم فتحت الكاميرا والميكرفون علي جمهورها من الخليج إلي المحيط ، لتعبث بالأخلاق والآداب كيف ما شاءت ، وفي كل ليلة يتكرر الأمر دواليك استخفافا وعبثا إلي غير ذلك من أكوام البرامج المسفة والأفلام المبنية علي أمور زور وإثم .(1/9)
أما المتلقون والشرائح المستهدفة فهم في معظمهم وسوادهم الأعظم عاكفون أمام الشاشات وقد أسلموا قياد أنفسهم لأكثر القنوات إسفافا ، فبحسب أكوام اللحوم وكمية ما يعرض منها تتحقق الجماهيرية في ظل ما يسمي بالأفلام الرومانسية والبرامج المفتوحة ، حيث وئدت الفضيلة وسفك دم الحياء ، وقد جعلت تلك القنوات والشبكات أنواعا من الطعم والشباك لاصطياد السذج من الناس من خلال التهييج الجنسي الفاضح .
وينبغي أن يعلم أن معظم ما تعرضه الفضائيات المختلطة ضرره ماحق وخطره كبير جدا في مجالات عدة ، وهذا ما يصرح به معظم العقلاء من بني الإنسان ، المسلمون منهم وأهل الكفر والعصيان ، ومن كان له إمكانية الوقوف علي الرصد الإحصائي والموضوعي في بعض المعاهد المتخصصة في الدول الغربية ذاتها ، فإنه سيقف مشدوها من حجم الأرقام المعلنة والتقارير المنشورة والتي ترصد الأضرار والأخطار التي يسببها ما يعرض عبر الشاشات التلفزيونية ، أضرار وأخطار في التصورات والمفاهيم وفي الآداب والأخلاق والقيم الإنسانية ، هذا فضلا عن هدم الثوابت الإسلامية ، وكذلك في الأمن والاستقرار وصحة العقول والأبدان .
فقد أظهرت إحصائية علمية ضمن رسالة جامعية بعضا من السلبيات المنعكسة علي الأسرة بسبب متابعتها للقنوات الفضائية ، وجاء ضمن ذلك أن نسبة 85 % من جمهور المشاهدين يحرصون علي مشاهدة القنوات التي تعرض المناظر الإباحية ، ونسبة 53% قلت لديهن تأدية الفرائض الدينية ، ونسبة 32% فتر تحصيلهن الدراسي ، ونسبة 42% يتطلعن للزواج المبكر ولو كان عرفيا ، 22% تعرضن للإصابة بأمراض نسائية نتيجة ممارسة عادات خاطئة (15) .(1/10)
إن الغزو الذي يأتي من هذه القنوات المختلطة والتي تغلغلت في بيوت المسلمين عكس أضرارا مباشرة علي المشاهد والمجتمع الذي يعيش فيه ، بحيث تظهر آثاره الأشد فتكا علي المدى البعيد في الحاضر والمستقبل وبعد جيل أو جيلين قد أدمن أصحابه التكيف مع هذا البلاء ، ونحن إذا تأملنا في أنواع الأضرار والمخاطر الناجمة عن التأثر بالغزو الذي يعرض عبر شاشات القنوات الفضائية المختلطة نجد أنه يكاد يتمثل فيما يلي (16) :
1- معظم ما تبثه تلك القنوات يورث ضعف الإيمان بالله تعالي ويؤدي إلي الإعراض عن طاعته وعبودية الشهوة ، وهذا الأمر مشاهد وملموس ، فإن المشاهد المحرمة التي تعرضها تلك القنوات تضعف الإيمان وتباعد بين العبد وربه ، فتجعله يستغرق في ارتكاب المحرمات حتى يألفها ويستوحش الطاعات ، فمن حديث حذيفة أنه سَمِعْ رَسُولَ اللَّهِ S يَقُولُ :
( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَي الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حتى تَصِيرَ عَلَي قَلْبَيْنِ ، عَلَي أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا ، فَلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ) (17) ، وإذا وصل الشخص إلي هذه المرحلة تثاقل العبادة واستصعبها ، وفي المقابل يجد نشاطا وإقبالا علي المعاصي ، ثم يصل به الأمر إلي أن تكون الشهوات المحرمة إلها يعبد من دون الله كما قال سبحانه وتعالي : ? أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَي عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَي سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَي بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ? (18) .(1/11)
2- ومن التأثير الخطير الذي تحدثه متابعة معظم هذه النوعية من الفضائيات إضعاف عقيدة الولاء والبراء ، ومن المعلوم أن هذه العقيدة لها أصلها الأصيل من هذا الدين ، كيف لا وقد قال الله تعالي : ? لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ? (19) ، فالواجب هو محبة المسلمين ومحبة الخير لهم والفرح بكل ما به خيرهم ، ويجب بغض الكفار والتبرؤ منهم والحذر من مودتهم ، فمن البرامج ما يقدمه بعض النصارى الرجال والنساء ، فتجد المتابع أو المتصل بالهاتف يبدي إعجابه وتعلقه بهم ، وخاصة إذا كانت المقدمة أو المذيعة امرأة ، وأيضا من خلال المقابلات مع الممثلين والمغنيين المنحلين والذي حازوا ظلما وزورا علي مصطلح الفنانين ، تجد جمهورا عريضا يتابعهم ويتابع إنتاجهم ويتصل بهم عبر هذه الفضائيات ويطلب التوقيع على أوتوجراف ، ويفرح بذلك ويفاخر به بين أهله وعشيرته ، ولا شك أن هذه محبة لهم ، وقد ثبت من حديث عبد الله بن مسعود ( أن النبي S قال : ( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ) (20) ، وهذا عام في الرجال والنساء .(1/12)
3- ومن تأثير الغزو العقدي الناجم عما تبثه كثير من الفضائيات المختلطة ، التشبه بالكفار والانبهار بعاداتهم وتقاليدهم ، وذلك أن معظم ما تبثه كثير من هذه الفضائيات يظهر المجتمعات الغربية المنحلة بوجهها الجميل فقط ، وجه القوة والنظام والإنتاج والإبداع ولا غرابة في ذلك ، إذ أن إنتاج تلك المواد الإعلامية هو تحت نظر وسمع الغرب والمنبهرين بهم المتشبهين بثقافاتهم ، لكن أين ذلك التصوير الحقيقي لحياتهم التي يعيشونها الآن ، من إحساس الغرب بالخواء الروحي المرير والشقاء والحيرة والاضطراب والتفكك الأسري والانحلال الخلقي ، والتشتت الاجتماعي والذي يهربون منه إلي جحيم المخدرات والمغامرات الحمقاء ، والشذوذ في مختلف مناحي الحياة ، الشذوذ في الحركات والمظاهر واللباس والطعام ، الشذوذ الأخلاقي والسلوكي الذي أورث أمراضا عصبية ونفسية لا حصر لها ، وجعلتهم لا يجدون في الحياة ما هو جدير بالبقاء بها ، هذه الصورة لا تعرضها القنوات الفضائية عن واقع الغرب ، ولكن تعرض الصورة علي منحي آخر ، وأن ما لدي الغرب من غرائب في سلوكيات الحياة هو قمة التحضر والتقدم ، ونتيجة لذلك لا نكاد نمر في طريق إلا ونجد واحدا من أبناء المسلمين والبنات المسلمات ، إلا وقد تأثروا بشيء من تلك السلوكيات ، وهذا التشبه يورث المحبة ولا شك ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " أن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن ، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر ، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة ، حتى إن الرجلين إذا كانا من بلد واحد ثم اجتمعا في دار غربة كان بينهما من المودة والموالاة والائتلاف أمر عظيم ، وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين أو كانا متهاجرين ، وذلك لأن الاشتراك في البلد نوع وصف اختصا به عن بلد الغربة بل لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب أو الشعر أو المركوب ونحو ذلك(1/13)
لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما ) (21) .
4- ومن مظاهر الغزو والأضرار الناجمة عما تعرضه الفضائيات المختلطة في جانب العقيدة والتصورات تمييع المفاهيم والثوابت الإسلامية التي لا مجال للمساس بها ، حتى بلغ الأمر أن يعتبر بعض مقدمي البرامج وممثلوا القنوات الفضائية الرقص والخلاعة والتمثيل والغناء والباليه عملا لا يؤاخذ الله عليه حيث يندرج عندهم تحت الكسب من خلال العمل الشريف ، والإبداع الفكري والأدبي والفني .(1/14)
5- ومن الأضرار ما يكون في الأخلاق والأمن ونحو ذلك ، فمن أبرز الأضرار التربوية والأخلاقية والاجتماعية لما تبثه كثير من القنوات الفضائية المختلطة حصول الانحراف السلوكي لدي الأطفال والشباب والفتيات ، وهكذا الكبار من الرجال والنساء ، وذلك أن المشاهد المعروضة عبر تلك الفضائيات تظهر العلاقات المحرمة بين الرجل والمرأة بأنه نموذج أمثل يسلكه كل رجل و امرأة وكل شاب وفتاة ، ومن العجيب حقا أن تلك المشاهد تجد الاستنكار ومحاولة التغيير من قبل كثير من العقلاء في بلاد الغرب ، في حين أن بعض القنوات العربية تعزز هذا المنهج في قنواتها الفضائية ، وتجد الاستجابة لدي كثير من متابعيها ، ولنتوقف قليلا عند التصورات الذهنية التي تخلفها كثير من المشاهد التي تبثها معظم القنوات الفضائية السالفة الذكر في تكوين العلاقة بين الرجل والمرأة ، سنجد التساهل في تكوين العلاقة المحرمة بين الرجل والمرأة واعتباره أمرا طبيعيا ، وسنجد استساغة حمل المراهقات سفاحا ، واعتياد ذلك وشرح كيفية التخلص منه ، وسنجد عدم الاستهجان أو الاستغراب لمواعدة الرجل المرأة الأجنبية لأمر محرم ، مع شرح الكيفية والوسيلة لتحقيق ذلك والتحايل لأجله ، وهكذا الخلوة بينهما ، والقيام بحركات مثيرة من لمس ونحو ذلك ، بل إن كثيرا من الناس لم يعودوا يستغربون أن تعرض بعض القنوات مشهد رجل وامرأة يضطجعان علي سرير واحد في المسلسلات والأفلام ، ماذا ستكون النتيجة لهذه المشاهد المتكررة والمتلاحقة تلاحق الساعات والدقائق ؟(1/15)
سيكون من النتائج انتشار الفواحش علي اختلاف أنواعها مع ما يلحقها من الاختلال الاجتماعي في نواح عدة ، فعرض تلك المناظر لابد وأن يؤثر في الشباب والفتيات وخاصة من لم يتزوج منهم ، ذلك أن تلك المناظر تؤجج الشهوات وتجعل الشخص ذكرا أو أنثي مهيئا للوقوع في الرذيلة متي فتح له بابها ، بل إنه ليعمد إلي كسر كل باب يمنعه من مشتهياته المحرمة ، ومن العجب حقا أنه يوجد تصور لدي كثير من الناس رجالا ونساء ، آباء وأمهات شبابا وفتيات ، مفاد هذا التصور أن النظرة البريئة والحديث الطليق والاختلاط الميسور والدعابة المرحة بين الجنسين والاطلاع علي مواضع الفتنة المخبوءة ، أن ذلك تنفيس وترويح وإطلاق للرغبات الحبيسة ووقاية من الكبت ومن العقد النفسية ، وتخفيف من الضغط الجنسي ، والواقع أن هذا التصور خاطئ جملة وتفصيلا .
6- وفي الجانب التربوي والأخلاقي أيضا وما يتبعهما من التداعيات الاجتماعية ، أن مشاهد مناظر الحب والغرام المحرم تؤدي إلي ضعف الغيرة وانعدامها ، وإلا فبأي وجه يمكن أن تبدي المرأة العربية في خلاعة مألوفة إعجابها بالفنان أو الممثل الفلاني ، وأنه جميل قسيم وسيم ، وتتلفظ به أمام زوجها ولا تتحرك لذلك مشاعره وكأنها تتحدث من فراغ .(1/16)
وبعض الناس يغفل أنه بتساهله في تمكين زوجته النظر إلي المشاهد المحرمة ومناظر أسباب الفاحشة ومقدماتها ، وجلبه للأفلام والمجلات الهابطة الداعية للفحش والغرام ، أنه بفعله ذلك يكون قد مهد الطريق لإفساد بيته ، وقد أكدت أحد الدراسات الأكاديمية في رسالة علمية حول الانحرافات الأسرية وظاهرة الخيانة الزوجية ، وقد ذكرت البحث جملة من الأسباب ، منها خروج المرأة للعمل واختلاطها بزملائها الرجال وتحادثها معهم بخصوصياتها ، ومن ذلك الاطلاع علي الكتب والأفلام الجنسية والتي يحضرها الزوج أو لا يمانع في تعاطي زوجته لها ، وهكذا المرأة التي تشاهد زوجها وقد كادت عيناه أن تخرجا من الحدقتين يقلبهما في وجه الممثلة أو المغنية وهي لا تعير لذلك اهتماما ، فالغيرة بين الزوجين علي بعضهما مطلوبة ، الزوج يغار علي زوجته فيحفظها ويصونها ويحرص علي أن تقصر طرفها عليه ، والمرأة تغار علي زوجها أن يمتد نظره إلي غيرها .(1/17)
7- ومن التداعيات الاجتماعية في هذا الجانب الاستظهار بالمنكرات وعدم الاكتراث بنظر وعلم الآخرين ، وهذه القضية نجدها في تزايد يوما بعد آخر ، ومن له اطلاع علي مجتمعات الشباب من الفتيان والفتيات يلمس ذلك الأمر عن كثب ، حيث تبدو آثار ذلك جلية في جوانب مختلفة ، فعند الشباب تجد الواحد منهم منذ صغره يعتاد شرب الدخان لأنه يري نماذج متعددة في هذه الفضائيات ، ثم إنك تجد تلك المسالك والتصرفات المنحرفة التي تظهر في التعامل واللباس وغير ذلك ، وستجد لديهم أيضا الميل لتكوين العلاقات المحرمة ، فتجده ينصب شركه لاصطياد من يستطيع اصطياده ليمارس من خلاله الفاحشة التي تكرس مفهومها لديه عبر مئات المناظر والمشاهد التي جعلت منه إنسانا مهيجا جامحا لارتكاب الفاحشة بأي سبيل ممكن ، وبعض الشباب تحدث له مناظر القنوات الفضائية المغرية انتكاسا في فطرته وسقوطا في رجولته ، حيث يعمد إلي المسلك الأنثوي ، فهو ينافس البنات في ميوعته ونعومته وانعدام خشونته لتشبهه بالنساء في الكلام والحركات واللباس ، ولم يعد غريبا أن توجد الأعداد المتكاثرة من الشباب الذين يسافرون في أوقات الأجازات إلي الشرق والغرب ، حيث موابئ الفتنة ومعارض الفحش بأبخس الأثمان .
وهذا ما حمل كثيرا من وكالات السفر والسياحة إلي إعداد قوائم متعددة بالبلدان والمدن وتخفيض تكاليف السفر للمجموعات ، وهكذا الخطوط الجوية الأجنبية ، حيث تقوم بتقديم العروض الخاصة لاصطياد أولئك السذج من الشباب الذين عبث بأفكارهم في عقر دارهم من خلال تلك الفضائيات ، وجعلت لهم الطعم اللذيذ المهيأ لاصطيادهم عبر برامج إغراء الدعاية في هذه القنوات الفضائية ، والذي تصنعه وكالات السفر طمعا في الربح المادي حتى ولو تسببت في هدم أخلاق الأمة بأسرها .(1/18)
8- الفتيات المتابعات لبرامج الإسفاف ستلحظ جنوحا مقيتا عندهن نحو أنواع من الارتكاسات الأخلاقية بما تظهر معه نذر الخطر علي أخلاقيات المجتمع بأسره ، فكل فتاة وكل امرأة ، لديها استعداد فطري ككل الرجال للتفاعل مع الغرائز التي وظفتها الشريعة توظيفا حسنا ووجهتها إلي ما فيه صلاح الأمة وعمارة الأرض ، لكن الفتيات والنساء المتأثرات ببرامج وتمثيليات التفلت الأخلاقي يظهر عليهن التبرج والسفور المحرم ، بل إنهن يتسابقن في مجاراة المذيعات والممثلات والمغنيات الانحلاليات ، فيقلدنهن في اللباس العاري وسلوكيات الموضة المتهتكة وقد نزعن جلباب الحياء ، فأقحمن أنفسهن فيما به هلاكهن ، وسيجد الناظر من هذا الصنف من الفتيات والنساء جنوحا نحو إقامة العلاقات المحرمة ، حيث تتلقفها الكلاب المسعورة لقمة سائغة ليعبثوا بها كيفما شاءوا ، ثم يرمون بها زهرة ذابلة قد أفسدوا رحيقها ، فانظر إلي هذه النهايات والنتائج المؤسفة التي تؤول إليها الفتيات والنساء في مستنقعات عفنة ، بعد أن كانت الآمال المعلقة عليها عريضة عرض ما بين المشرق والمغرب ، فأين هي الآن من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ S قَالَ : ( الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ) (22) ، ماذا ينتظر من فتيات تفتحت أعينهن ومداركهن يوم تفتحت علي مناظر الإسفاف والتهتك وعلاقاته ومقدماته ، فهل ينتظر منهن بعد ذلك إلا ثمارا من جنس تلك المشاهد ؟(1/19)
9- وفي كثير من المجتمعات الإسلامية المحافظة والتي غزيت بثقافة الفن الرخيص تتابعت الانتكاسات في الأفهام لدي كثير من النساء ، ورحن يتبارين في استحداث كل غريب ، ففي مجال الألبسة وطرق التجميل جعلن من أنفسهن ألاعيب لمصممي الأزياء في شرق الدنيا وغربها ، فتأتي تلك المسلمة العفيفة الساذجة لتتلقف هذه السلوكيات تحت مسمي الموضة والتمدن ، ثم يتتابع هؤلاء النسوة في تقليد بعضهن البعض للخروج عن المألوف .
10- ومن الأضرار والمخاطر التربوية والأخلاقية ، العزوف عن الزواج ، والاكتفاء بالمناظر المحرمة ، فالشباب الذين تأثروا بمناظر العري والفاحشة التي هي المادة الرئيسية في معظم القنوات الفضائية المختلطة ، ظهر من توجهاتهم عزوف عن الزواج ورغبة عنه ، وربما يتعلل الشاب بأن الزواج مسئولية وتكاليف ، أو بسفرة أو سفرتين نحصل ما يحصله المتزوجون وأحسن ، ولن نجد من النساء الجميلات من يشابه الممثلة فلانة أو الراقصة فلانة لنتزوج بها ، والمرأة لا تستحق من يتعب من أجلها ، هي للمتعة فقط ، مثل ما رأينا ونري في المسلسلات والأفلام ، إلي غير ذلك من المبررات الساذجة ، إن إدامة نظر الشباب إلي مناظر الفضائيات المحرمة التي تبثها الفضائيات المختلطة أحدثت عندهم خمولا نحو فرائض الله وتشريعاته ، وشرها نحو الفواحش المحرمة يأخذ صورا متعددة ، ولدي عزوف هؤلاء الشباب عن الزواج ، تنشأ مشكلة أخري لدي الفتيات اللاتي لم يتقدم لهن أحد ، مما يزيد من عدد العوانس وفي ذلك من الأضرار ما لا يخفي .(1/20)
11- ومن الأضرار التربوية والأخلاقية للقنوات الفضائية المنحرفة ، الإخلال بهوية المجتمعات الإسلامية ، والقضاء علي البقية الباقية مما لديها من تراثها وأخلاقياتها ، ومن محص ما تعرضه القنوات الفضائية المختلطة ، فإنه يلحظ أنها تقدم النموذج الغربي المتحلل من الأخلاق علي أنه هو محل التقليد والإعجاب ، مع تنحيتها للأخلاق والآداب الإسلامية في أغلب الأحيان ، وبذلك دخل المجتمع المسلم في نفق التبعية والتقليد لما فيه هلاكه ، ومن الأمثلة علي ذلك :
أ - أن القنوات الفضائية المنحرفة تعرض العلاقة بين الرجل والمرأة علي أنها علاقة جنسية ، يقتحم كل منهما الأعراف الشرعية لأجلها ، فيتعرف كل منهما علي الآخر ، ويختلي ويختلط ويمارس معه ما تشاء نفسه ، ليس لأحد عليه أمر أو نهي كائنا من كان ، حتى ولو كانت تلك العلاقة علاقة سفاح وخدن .
ب - تصوير تعاطي الخمور بأنه لا شيء فيه وأنه شيء اعتيادي يشبه شربه شرب العصير والماء .
ت - ومن الأمثلة أيضا الدعاية للتقليعات الغربية في اللباس وتطويل الشعر وحلقه وتسريحه ، وغير ذلك من المسالك المثيرة للاشمئزاز .(1/21)
ث - ومن أخطر الأضرار للفضائيات تقديمها لنماذج منحرفة باعتبارها قدوة مقتفاة ، فقد درجت معظم القنوات الفضائية علي إعداد اللقاءات بنماذج سيئة من المنتسبين والمنتسبات إلي ما يسمي الفن وهذه النماذج عندها من السقوط الأخلاقي والتخلف الثقافي ما جعلها لا تجد غضاضة في المجاهرة بسوءها وفحشها ، ومن النماذج علي ذلك أن إحدى القنوات عرضت برنامجا بعد الإفطار في رمضان يستضيف الممثلين والممثلات ، استضاف ذات مرة إحدى الراقصات ، فسألتها مقدمة البرنامج : كيف وصلت إلي ما وصلت إليه من الشهرة والمجد ؟ قالت : أنا هربت من أسرتي وأنا في الثانية عشر من عمري ، ومارست حياتي حتى وصلت وأصبحت صاحبة الشهرة والملايين ، ثم سألتها المذيعة : أنت تزوجت ثلاث مرات رسميا وأربع عرفيا ؟ فقالت : لا ، بل أربع مرات رسميا وسبع عرفيا ، هكذا يقدم هذا النموذج ، وفي شهر رمضان بكل إسقاطاته الأخلاقية ، ومن الأمثلة أيضا أنهم استضافوا إحدى الممثلات ، فسألوها عدد مرات الزواج فقالت أربع مرات رسميا ، أما العرفي فلا أعرف له عددا ، فسألوها : ولماذا كل هذا العدد هل العيب في الرجال ؟ ، قالت : لا ، إن العيب في نظام الزواج ، لأنه نظام بالٍ متخلف عافاه الزمن ، وهي تعني بذلك نظام الزواج الإسلامي .
هكذا يجاهرون بالفاحشة وينتقصون شريعة الإسلام ، ثم يكافأن علي هذه الجرأة بإعادة اللقاء معهن في التوقيت نفسه من العام التالي في برنامج يبين سر التفوق !! وتقدم تلك النماذج علي أنها نجوم في المجتمع ، وهكذا تصبح هذه النماذج وما ماثلها قدوة لكل من أرادت السقوط في أوحال العهر والفواحش ، هروب من المنزل ، مخادنة وسفاح ، وتنقيص لشريعة الله واعتراض أحكامها .(1/22)
12- أما في جانب الإخلال بالأمن فهذه الفضائيات دأبت علي استساغة الجريمة واعتيادها من خلال عرض أفلام الجريمة ، المسماة بالأفلام البوليسية ، وتكرار هذه المناظر للجريمة علي أنظار الناس بمختلف طبقاتهم وأعمارهم يجعل الجريمة في أنفسهم أمرا اعتياديا ، حتى يصبح المجتمع ويمسي وروح الجريمة يدب فيه وتكون بمثابة الأحداث اليومية من حياة الناس .
كما أنها تمكن المنحرفين من ارتكاب الجريمة المنظمة ، والمراد هاهنا أن الجرائم منها ما يكون عرضا من غير احتراف لها ، وإنما تحت تأثير وقتي ولغرض محدد فهذا نوع ، وثم نوع ثان وهو الأخطر وهو الجريمة المنظمة ، بحيث تصير الجريمة حرفة أو مهنة يمتهنها الشخص ، فيرتب لها وينظم خطواتها بحيث يحكم تنفيذها لينال بغيته وينفذ بجلدته من القبض عليه ، فمما تبثه تلك الشاشات فيما يسمي الأفلام البوليسية عرض كيفية الخطف ، خطف النساء ، خطف الأطفال ، وخطف عموم الأشخاص ، ومن ذلك السرقة وكيفية التخطيط لها ، وكيفية الوصول للأماكن المستهدفة والأدوات المستخدمة ، ومن ذلك إعداد السموم والمخدرات والمواد المكونة لها ، وكيفية دسها علي الشخص المستهدف ، ومن ذلك توضيح إعداد المتفجرات وإعدادها من المواد الأولية القريبة من الأشخاص في حياتهم اليومية ، وكيفية وضعها ونشرها للغرض المستهدف ، ومن ذلك توضيح الخطوات المتبعة لإخفاء معالم الجريمة والتخلص من أدواتها وإتلاف كل ما يدل عليها أو علي الجناة ، ومن ذلك عرض كيفية التهرب ، والوسائل المتبعة للتعمية علي التفتيش ، ومن ذلك التشجيع علي تعاطي المخدرات ، وإظهار المتعاطين بمظهر البطولة والقوة والذكاء ، وتوضيح وسائل وطرق تعاطيها ، وكل تلك المشاهد لها متابعوها من مختلف الشرائح والأعمار ليصيروا فيما بعد عصابات مدربة تدريبا عاليا من خلال المشاهد التي حفظوا خطواتها ، فسعوا إلي تطبيقها في ممارساتهم .
المطلب الثاني
الغزو الفكري والفضائيات الإخبارية(1/23)
الفضائيات الإخبارية هي التي يغلب عليها الطابع الإخباري في برامجها (23) ، وهذه الفضائيات غالبا ما تقدم نفسها علي أنها فضائيات نزيهة محايدة ، أو ليس لها مصلحة مع طرف ينازع طرفا آخر ، وأنها تعطي كل طرف فرصة إبداء الرأي ، وتوضيح وجهة النظر دون انحياز أو تمييز بغض النظر عن توجهاته الفكرية حتى لو كان ضيفها رأس اليهودية ، ولا بد أن نشير إلي طرف من إيجابيات تلك الفضائيات قبل أن نبين كيف يتسلل منها الغزو الفكري للعالم الإسلامي .
لم تتواجد هذه الفضائيات إلا من وقت قريب ، ولم يكن آنذاك في البلاد العربية إلا القنوات المحلية التي لم تكن معنية بصورة أساسية إلا بأخبار القادة في كل قطر ، فلما تطورت وسائل الإعلام وأدت إلي سرعة تداول المعلومات والآراء ، انقلبت الأوضاع رأسا علي عقب ، وأحدثت هزة كبيرة في البلاد العربية ، ومشكلة هذه التطورات أنها علي المستوي العربي الإسلامي تأخذ أبعادا أخري جعلتها مصدرا للقلق والخوف والإزعاج لعدد لا يستهان به من النظم الحاكمة ، وقد كان مجرد نشر مقال ينتقد أوضاعا هنا ، أو بث برنامج مرئي يكشف نقصا هناك ، يعني التعرض لبلاء يصعب تحمله ، لقد خرجت هذه الفضائيات عن دوائر التأثير الحكومي والسيطرة الرسمية ، فوسائل الإعلام العربية المؤممة ، والمملوكة للحكومات العربية ، أو المسئولين فيها ، أو لوكلائهم ظهرت عاجزة أمام أجهزة إعلام ذات تأثير خرج عن النطاق المعمول به ، وأصبحت متنفسا للمغيبين عن عمد من قبل الآخرين ، وأصبح حضور القارئ والمشاهد العادي ملحوظا علي صفحاتها وفي برامجها ، بجانب أن هذا أتاح الفرصة أمام مفكرين وكتاب وأصحاب رأي ، ممن ضاقت بهم أجهزة الإعلام الرسمية لطرح أرائهم وأفكارهم دون وصاية أو ضغط ، وإن كان الأمر لم يخل من تدخل من هنا أو من هناك .(1/24)
إلا أن الظاهرة في مجملها ظاهرة إيجابية أثرت في القائمين سلفا علي أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ، وكانت ذات تأثير كبير علي الرأي العام ، وترتب علي ذلك تحريك الماء الراكد في الإعلام العربي ، حتى يصبح علي مستوي المنافسة ، وقد تنامي تأثير هذه الفضائيات بفعل الحرب الأمريكية في أفغانستان ، واستمر مواكبا للحرب المستمرة علي العالم الإسلامي حتى الآن ، وكذلك حرب الإبادة الجارية للمسلمين في فلسطين ، وهذا يفسر العلة في أن هذا النوع الجديد من أجهزة الإعلام بدأ يكشف جوانب لم تكن معروفة من قبل ، وصار له دور في تحديد درجة الشفافية ومستواها ، (24) .
هذا فضلا عن أن هذه الفضائيات الإخبارية كانت عينا علي نقل الأحداث المباشرة علي هول ما يحدث من عظائم الأمور في فلسطين وغيرها ، فالقنوات المحلية لم تكن معنية كثيرا بفتح عيون المشاهدين العرب علي هذه الأحداث .
هذه جوانب من إيجابيات القنوات الفضائية ، أما كونها من الوسائل الحديثة للغزو الفكري ، فذلك لأنها تحتوي علي سلبيات وثغرات تحقق ما يصبوا إليه الغرب في صراعه مع الإسلام ، ويمكن عرض أبرزها في النقاط التالية :
1- تعميق الهوة بين الحاكم والمحكوم ، فليس معني التعبير عن الآراء وحرية الكلمة في هذه الفضائيات ، إحداث انقلابات ومنازعات في البلاد الإسلامية تؤدي إلي الفتك بالمسلمين المستضعفين ، واستجلاب قوي الغرب للدفاع عن الحكام ضد المحكومين ، فإن هذا مراد المتربصين من الغربيين وأساس تخطيطهم للوقيعة بالأمة .(1/25)
2- في خضم الإعجاب بجرة الفضائيات وما تحدثه من تأثيرات فعاله في الواقع ، فإنها تقدم برامج لا تعبر عن هموم الفرد والأمة ، بل إن هذه البرامج تصب في واد ، وهموم الفرد والأمة في واد بعيد ، وكذلك احتوائها علي برامج تبيح الشرعية للسفور ، والرضا بوضع المسلمات السافرات من خلال المذيعات اللاتي يقدمن البرامج ونشرات الأخبار ، فقضية الحجاب لا محل لها عندهم ، فهذه القنوات ما زالت تسير في صمت وفق استراتيجية شاملة وحاسمة تسعي إلي تغريب المواطن العربي المسلم ، وإشباعه بسلوكيات الغرب ومناهجهم ، والدعوة إلي الإعجاب بخوارقهم حتى يصبح مسخا كما أراد له الواقفون خلف أسلحة الغزو الفكري .
3- تقديم الفضائيات الإخبارية لمتحدثين إسرائيليين واستضافتهم لأكبر رجال دولتهم مع هالة من الاحترام تعطي انطباعا لدي المشاهد علي أنه يمثل صورة حضارية ، وهو في حقيقته محتل غاصب قاتل للمواطن العربي المسلم ، ففي دعوته للقنوات الإخبارية دعوة ضمنية لقبوله والتطبيع معه وتسهيل دخوله علي قلوب المسلمين وإذهاب غيرتهم ، فالمتحدث الإسرائيلي يتم تقديمه أنيقا لبقا بلغة عربية غير هجينة ، وليس كما تقدمنا وسائل إعلامهم في كل مكان كقتلة وإرهابيين ومتخلفين متطرفين ، فنحن ما رأينا وما سمعنا فلسطينيا أو عربيا أو مسلما علي شاشة دولة إسرائيل أو فضائياتها أو إذاعاتها أو أذرعها الإعلامية يقدم كما يقدم الإسرائيلي علي قنواتنا الفضائية .(1/26)
4- البرامج المفتوحة للحوار كالاتجاه المعاكس وما يدار في حوار المستقلة والمنار وغير ذلك وبالصور الحالية من أكبر الأخطار ، التي تفعل ما لا يفعله جند مسلحون بأنكى أسلحة الغزو الفكري ، فربما تستضيف قناة الجزيرة علمانيا حاقدا علي الإسلام كارها للالتزام ليقابل داعيا إسلاميا ، وبأخطاء فادحة من المحاور يبدو للنظر أن العلماني متفوق في فكره علي الإسلامي ، والشيعي أصدق من السني ، والنصر الذي يحققه الحزب الفلاني فهو بفضل إيمانه بالمذهب الشيعي أو الفكر الماركسي أو الرأسمالي .
5- في خضم تفاعل المسلم مع البرامج المثيرة ، وانجذابه إلي جوهر الموضوع ، وإحساسه بأهمية الانتباه والمتابعة ، خصوصا إذا كانت الشخصيات البارزة في البرنامج لهم ثقل إسلامي أو ثقافي يهم المسلمين ، يشير مقدم البرنامج فجأة إلي فاصل إعلاني ، ثم يتابع بعده الموضوع ، ويذهل المشاهد الذي يخاف الله مما يراه في الإعلانات التجارية ، من خلاعة نسائية وانحلال أخلاقي وعرض المرأة بصورة عليها بصمة الشيطان ، والمشاهد في حيرة أيغلق التلفاز حتى تنتهي الإعلانات أم يغمض عينه ويغلق سمعه حتى يواصل المتابعة ، أمران متناقضان ، وضدان لا يجتمعان وقع فيهما المشاهد المحافظ علي أوامر الله ، وهنا يكمن الغزو فمع مرور الزمن في بقاء القنوات الفضائية الإخبارية علي هذا الحال ، يصبح الأمر مألوفا لطبقة المحافظين علي إسلامهم ، فإما يتقبلوا هذا الوضع المتناقض ، وإما يوصفون بأنهم متشددون متعصبون ، وسيبقوا متخلفين مع من ينادي بتحريم كل شيء .(1/27)
6- إذا كان صحيحا أن بعض هذه الفضائيات قد ألقت بحجر في المياه العربية الراكدة والآسنة مما أحدث تموجات وانقلابات متتالية في مزاج المشاهد والجمهور الباحث عن الحقيقة والموضوعية والتسلية الهادئة والهادفة ، فإنه صحيحا بالقدر ذاته أن هذه الفضائيات استهدفت منذ البداية خلق وصناعة بنية مزاجية ونفسية ومعنوية للمواطن العربي المسلم تؤسس لثقافة معولمة ولحالة عربية مبهورة ، أسيرة ومسلوبة للثقافة الغربية (25) .
7- انعدام الثبات علي المفاهيم والقيم الإسلامية في عرض البرامج المعدة ، فهي كما يصرح بعضها بكل ألوان الطيف ، ولا مانع عند معد البرامج أن يجلس بين يديه أرذل الخلق من حثالة الأدباء والمفكرين ، معاكسا في وجه أعلم الخلق من المؤمنين ، مستويان رأسا برأس حتى لو كان الأول مفلسا صفر اليدين لا يساوي في سوق الفكر فلسا أو هللة ، ولا مانع عندهم من تقديم أصحاب الفكر الخبيث رجالا ونساء ، علمانيين أو حداثيين أو متحررين من كل دين أو مفتونين بكل ما هو غربي ، يقدموا علي أنهم ضيوف في البرنامج يعبرون عن أفكارهم وكما يحلو لهم مما يدغدغ مبدأ الولاء لقضية الإسلام والالتزام به في نفوس المشاهدين ، وتدفعهم بالضرورة إلي التحرر من ضوابط الشرع عند النظر إلي الآخرين .
هذه أبرز السلبيات لتلك القنوات التي يغلب عليها الطابع الإخباري ، والتي تعد وسيلة من الوسائل الحديثة للغزو الفكري تتم علي يد أبنائنا المشرفين عليها ، والمفترسين بالغزو من قبل الأعداء .
المطلب الثالث
الغزو الفكري والفضائيات الانحلالية
وأقصد بها القنوات العربية التي لا تراعي حرمة لدين ، ولا مبادئ أخلاقية ، ولا قيود اجتماعية بل هي حرب فضائية وغزو جديد ، غزو الشهوات غزو الكأس والمخدرات ، غزو المرأة الفاتنة والرقصة الماجنة والشذوذ والفساد ، غزو الأفلام والمسلسلات والأغاني والرقصات ، وإهدار الأعمار بتضييع الأوقات ، إنه غزو لعقيدة المسلمين في إيمانهم .(1/28)
ليس أهم سلبية في هذه القنوات محصورة في مجرد صورة فاضحة متحركة للإعلان عن جسد شبه عار لفتاة عربية تسوق نفسها من خلال برامج تمارس من خلاله استعراض الجسد في أشكال مختلفة تحت ستار ما يطلبه المشاهدون من أغنيات وفيديو كليب أو مسلسلات مدبلجة ، أو عروض أزياء أو مسابقات لملكات الجمال وهن شبه عاريات ، أقل ما يقال عن ذلك أنه تصوير حي لانحطاط الأخلاق وانحلال القيم ، واتهام مقصود للعرب المسلمين بأنهم ظاهرة جنسية ، عبر تمويل عربي جاهل بعواقب الكسب غير المشروع ، أو جيش من النصارى يهيمن علي البرامج في تلك الفضائيات (26) .
في القنوات الغربية الجادة يستحوذ الصحفي علي إدارة برنامج ما ربما يحمل اسمه بحكم تميزه وعمق تجربته وخلفيته الثقافية وقدرته الفريدة كمحاور ، استنادا إلي رصيد هائل من المعرفة (27) ، أما عند أصحاب تلك الفضائيات ، فالعكس هو الصحيح ، ففي الوقت الذي تتشبث فيه المحطة الجادة بالمذيع كلما كبر في السن فإن الفضائيات العربية الانحلالية ، ترمي بالمذيعة قبل ظهور التجاعيد علي وجهها ، إن هذه القنوات تمثل النموذج الأمثل للإعلام الذي يشجعه الغرب في بلادنا بكل سبيل ، لأنه يسيء لنا ويطعن في هويتنا ، ويخدم أعداء المسلمين بتمويل من العرب أنفسهم ، وليس بعد ذلك غزو وانتحار للذات التي شرفها الله بوجودها في بيئة مسلمة ، ولنحاول أن نحدد بصور أكثر دقة الآثار السلبية التي تنجم عن هذه الفضائيات وتسهم بشكل سريع وخطير في غزو عقول الأمة وإهدار كرامتها :(1/29)
1- المحاربة لله عز وجل ولدين الإسلام ونبي الرحمة والهدي ، حيث أن معظم الفضائيات الانحلالية تدعم من قبل الدول الغربية ماديا وثقافيا ، فأغلب برامجها نقل مباشر للصورة الحية لحياة الكفار وأحلامهم ، وطعامهم وشرابهم ، والموضة في ملابسهم ، ووسائل ترفيههم ، وتفاهة أفكارهم فهي أسلحة موجهة ومسلطة علي محاربة دين الإسلام ، وتشويه صورته ، والنيل منه ، وإبعاد الناس عنه ، ويكفي النظر إلي الأسماء التي تظهر علي الشاشة لمعدي البرامج والمشاركين والمخرجين ، لنعلم أن أغلبهم من النصارى المدعومين بالإمكانيات من قبل الغرب لإهلاك الجيل وتقويض هويته الإسلامية .
2- الدعوة المحمومة للتفسخ الأخلاقي والإباحية والمجون ، والتبرج والاختلاط والسفور والحرية البهيمية ، وذلك من خلال الأفلام الماجنة والمسلسلات الهدامة ، وما تجره من تأثير سلبي علي الشباب والفتيات ، فقد حدث تبديل سريع في نوعية الحجاب المستخدم من قبل الفتيات في البلدان الإسلامية المحافظة ، وتطور هذا الحجاب بشكل واضح وملفت ، وتحول من لباس للتستر إلي لباس للزينة والاستعراض الجسدي ، والتخفيف منه عبر اختراع موديلات جديدة يقدمها النصارى في هذه الفضائيات ، لقد تطور لباس الفتيات سواء اللباس المنزلي منه أو اللباس الذي يرتدي عند الخروج ، بحيث تجد أن اللباس الذي تلبسه فاسقات الفضائيات الانحلالية ، يرتدينه الفتيات العربية والخليجية مباشرة ، مما أدي لانحسار أنماط اللباس الإسلامي واحتشام المظهر .
3- نشر البرامج التي تدعو إلي الاحتفال بالأعياد المحرمة كعيد رأس السنة ، وعيد ميلاد المسيح وعيد الزواج وعيد الميلاد ، ويصاحب كل حفل شرب الخمر ، ومماسة الكاسات وتفجير زجاجات الخمر ، والدعوة إلي ترويج المخدرات والمسكرات ، والسموم والآفات القاتلة من خلال الأفلام والمسلسلات .(1/30)
4- بعض برامجها الاجتماعية تورث التمرد علي الدين والأخلاق ، والعادات والتقاليد الحسنة الموروثة عن الآباء والصالحين ، مثل الترابط الأسري والاجتماعي وبر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار ، والشفقة بالضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام ، والكرم والشجاعة والأمانة وغير ذلك من الأخلاق الطيبة والسجايا الحسنة ، وفي المقابل تدعو هذه الفضائيات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلي الأخلاق السيئة كالظلم والكبر ، والعجب والسرقة ، والقتل والضرب والخيانة وتضييع الأمانة وغير ذلك من الأخلاق السيئة .
5- الآثار الصحية علي المخ والأعصاب والنظر والتفكير ، لمن يطيل المتابعة لتلك المحطات ، مما يحدث الإرهاق والكسل والخمول خاصة في النهار ، بسبب السهر عليها في الليل ، فيحدث ذلك خللا في التحصيل العلمي ، والعمل الوظيفي ، والقعود عن النهوض بالأمة ، ورعاية مصالحها ، والتخلف عن أداء الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين .(1/31)
6- الأفلام التي تعني بالسحرة والمشعوذين والكهنة والدجالين وما فيها من الشركيات ، فاقت في هذه الفضائيات ما حدث في عصور الجاهلية بمئات المرات ، فهذه القنوات في الآونة الأخيرة حملت لنا أفكارا ومعتقدات طالما حاربها رسول الله S ، وحث أتباعه من تجنب الوقوع فيها أو اللجوء إليها ، فمن ذلك الكهانة والرجم بالغيب ، وقراءة الطالع أو ما يسمي بالأبراج ، فبعدما غزت هذه الآفات صفحات المجلات والصحف ، وألفت فيها كتب وتصنيفات ، تصف كيفية قراءة الكف والفنجان ومعرفة الأبراج والسحر والشعوذة ، نري هذه الأيام وللأسف الشديد أن الأمر أصبح موضة ومنافسة بين بعض هذه الفضائيات التي خصصت برامج وحلقات للأبراج ، والتوجه للمشاهدين ومحاوراتهم ومشاركتهم لمعرفة أسماء أبراجهم ، وتحديد يوم وتاريخ مولدهم لإعطائهم تحليلا عن أحوالهم وحياتهم ، والتنبؤ بمستقبل أيامهم ، وذلك بإحضار ما يسمي بالعلماء المنجمين وما في ذلك من ادعاء للغيب ، بل زاد البعض بإحضار بعض السحرة المعروفين علي نطاق العالم العربي ، والذين يتصل المشاهدين بهم ويحضر هؤلاء السحرة ما يسمونها بالبلورة ، ويتحدثون مع المشاهدين ، ويحدثونهم عن أحوالهم وأوضاعهم من خلال البلورة التي يستكشفون بها أحوالهم ، وأنهم سوف يفكون عنهم السحر ، ويحلون مشاكلهم في أمور لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالي ، من عطاء أو رزق أو كشف سوء أو إبراء مرض ، وكلها أمور يختص بها الله عز وجل ، وليست من اختصاص البشر ، وللأسف كثير ما تنطلي هذه الخزافات علي بعض السذج من هذه الأمة الذين لم يتعلموا العلم الشرعي ولا يحصنون بعقيدة سليمة ، فيصدقون هؤلاء السحرة الذين يفسدون العقل ويخربون المعتقدات .(1/32)
7- الاتصال بهذه القنوات من قبل فئة مستهترة ينتمون إلي أفضل البلاد محافظة علي الإسلام والعمل بأحكامه ، يقوم من خلاله المتصل بتقديم إعجابه بمقدمة البرامج وجمال شحمها وإبداع لحمها ، ويقدم اهداءاته إلي نسائه وأقاربه ، سواء كانت أسماء وهمية أو حقيقية ، هذه الاتصالات الكثيرة والمتكررة تحمل غزوا فكريا يعطي انطباعا بأن هذه البلاد المتمسكة بدينها ، يرغب شعبها في أن تكون المذيعة علي هذا النموذج ، وأن ذلك هو المطلوب لفتيات بني جنسه ، فهذه إساءة للكل عبر تصرفات البعض ، يجب عدم التقليل من أهميتها .
8- تغيير نمط تفكير الشباب والفتيات لمفهوم الهوية والعادات والتقاليد ، فلم يعد ينظر باهتمام بالغ للهوية الإسلامية وخاصة من قبل الشباب ، بل بات الأمر الهام هو كيف يحقق كل من الشاب والشابة حلمهما في تحقيق السعادة والمتعة ، وكيف يجاريان فتيات الفضائيات في تغنجهن ودلالهن ولباسهن ومكياجهن الأنيق ، وبالتالي ضعفت العلاقة بين الشباب وبيئتهم المحلية ، وباتوا ينظرون لما هو موجود في الخارج من أنواع الفساد العصري ، ويبحثون عن نمط الحياة والمعيشة والعلاقات كما تعرضه لهم الفضائيات الانحلالية ، وهذا كله قاد في وقت قصر إلي تبديل المستوي الفكري لرؤية المفاهيم كالهوية والقيم والأخلاق والالتزام .
9- سعت هذه الفضائيات إلي تحويل ثقافة الجيل نحو مناحي استهلاكية غير منتجة ، وذلك عبر إغراقه في بحر من الإعلانات التجارية ذات النكهة الشبقة الحارة ، وعبر تقديم نماذج سلوكية لشباب علي الطراز الأوربي أو العبثي ، أو الشباب المستمتع بحياته وملذاتها وفقط ، مما يجعل شبابنا مقلدا ومنقادا بشكل لا شعوري نحو هذه الثقافة ، اعتقادا منه بكمالها وصحتها ومقدرتها علي إسعاده ، فيما هو يسير نحو الاستهلاك والهدر .(1/33)
10- من السلبيات التي تضاف إلي تأثير هذه القنوات الانحلالية إضعاف العلاقات الاجتماعية وانعزال الفرد وانزوائه في ركن أو زاوية ، ممسكا جهاز التحكم من بعد يتصفح مئات الفضائيات وما يبث فها من أنواع الخلاعة والأفلام والمسلسلات ، يبحث عن وجبة من الشهوات واللذة في رؤيته المحرمات ، فمثل هذه الممارسات جعلت الشباب أمام تناقضات اجتماعية شديدة حادة ، يمارس الانضباط أمام عوام الأفراد والجماعات ، ويتحلل منه في عالمه الذاتي أو مع خواصه من الأصدقاء ، فتكونت لدينا شخصية مزدوجة بخطابين وسلوكين متضاربين بل ومتناقضين للغاية .(1/34)
11- من كثرة المتابعة وإدمان البرامج التي تبث في تلك القنوات ظهر صنف من النساء خالفن فطرة الله التي فطر الناس عليها ، وتخلقن بصفات لا تليق بطبيعة الأنثى التي خلقها الله لتتميز بها عن طبيعة الرجل ، يحسبن بزعمهن أنهن أصبحن كالرجال بحسن التدبير وحرية التصرف ، والفردية في مواجهة الحياة ، والتنافس علي الأعمال والخوض في مجالات تخص الرجال ولا تليق إلا لهم وبهم ، فواجه ذلك الصنف من النساء من العنت والضيق الشيء الكثير ، وحصلت لهن المشكلات النفسية والجسدية ، ومضايقة الرجال والتعدي عليهن ، وأصبحن منبوذات يمقتهن أزوجهن وأبناؤهن ، وقد بدت من تلك المظاهر ، التشبه بالرجال في اللباس ، وكذلك لبس أحذية تشبه أحذية الرجال ، وللأسف الشديد انتشرت في الأسواق أحذية غريبة الأشكال قبيحة المنظر ، يتنزه الرجل العاقل عن لبسها ويزعمون أنها أحذية نسائية ، ومع ذلك يوجد إقبال كبير علي شرائها من قبل النساء تحت شعار الموضة ، هذا في المقابل أتي علي الالتزام بالحجاب الشرعي ، الذي هو غطاء الوجه الساتر والعباءة الفضفاضة التي توضع علي الرأس من أعلي ، ومن بقيت متمسكة بحجابها حياء من زوجها أو مجتمعها ، غيرت من معالمه فوضعت غطاء للوجه شفاف فاتن ، وعباءة مزركشة مطرزة توضع علي الكتف ، تفتن أكثر من أن تستر ، أو تلبس ما يسمي بالكاب الذي يظهر تفاصيل جسم المرأة وكأنه ثوب رجل ، ويكون إما مزين أو خفيف ، ومع ذلك كله لا تهتم بستر جسمها ، أو تغطية وجهها عن الأجانب ، فيظهر جزء من لباسها وتكشف وجهها أحيانا دون مبالاة .(1/35)
12- أثرت هذه القنوات بطريقة التقليد المباشر أو غير المباشر في كثرة خروج المرأة من البيت لغير حاجة ، إما مع السائق أو في سيارة الأجرة ، أو تقود السيارة بنفسها في كثير من الدول ، أو علي قدميها حتى ولو كان المكان بعيدا عنها ، خراجة ولاجة لا تهتم ببيت ولا أولاد ولا تقيم لذلك وزنا ، زعما أنها تحاول أن تكون امرأة عصرية متطورة تمارس الحرية بشكلها المرسوم في القنوات الانحلالية ، مع أنه يمكن لأحد من رجال الأسرة أن يقوم بعملها دون الحاجة إليها ، كل ذلك رغبة في مزاحمة الرجال ومخالطتهم في الأسواق والأماكن العامة ، بل بعضهن لا تستحي أن تقف في صف الرجال ، وتدخل وتجلس بينهم وخاصة في المحلات التجارية ، وتتكلم مع الباعة في خلاعة أو كأنه أحد محارمها ، وتشترك في البيع والشراء وحدها .
13- قلة الحياء فقد نزعت أغلب النساء الحياء من شخصيتهن وأخلاقهن ، فالمرأة التي تدمن الفضائيات ، أصبحت كالشجرة بلا لحاء ، مصيرها إلي العطب أو الموت سريعا ، فالمسترجلة تتكلم في كل موضوع ، وتتحدث مع كل الناس ، وتذهب إلي كل مكان ، بلا حياء ولا خلاق ، ترفع الصوت بالكلام ، وتجادل الرجال بصوت عال يسمعه البعيد قبل القريب ، مع أن المرأة من سماتها خفض صوتها ، والبعد عن محادثة الأجانب ، بل إن بعضهن يمشين في الطرقات والأسواق مشية الرجل بقوة وجلد ، وتتمثل المرأة منهن حركات الرجل التي تظهر الصلابة والخشونة ، بل وصل الحال ببعضهن المشاركة في أندية الكاراتيه ورفع الأثقال وألعاب القوي ، ومختلف الأنواع الرياضية رغبة في الميدليات الذهبية ، أو تشبيها بتمارين الصباح التي تبث في القنوات الانحلالية ، ولم تعد الواحدة منهن تقبل أن تكون تحت قوامة رجل أو تصرف ولي ، تريد حرية التصرف المطلقة دون إذن أو مراعاة رجل البيت .(1/36)
14- أثرت القنوات الفضائية في رغبة المرأة الشديدة في السفر المتكرر دون محرم بوسائل النقل المختلفة ، ومن أشهرها الطائرة ، فهي التي تستخرج التذكرة وتذهب إلي المطار بنفسها ، وتسافر دون محرم يرافقها ، ويحميها من الفساق ، مخالفة بذلك دينها وأوامر خلقها ، ولا وزن عندها لما رواه عبد الله بن عمر ( أن رَسُولُ اللَّهِ S قال : ( لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ) (28) ، والمرأة تستدل بجرأة علي فعلها بما تراه في القنوات الانحلالية من دعوة إلي الحرية المنكوسة والقيم الموكوسة والمبادئ المعكوسة ، فكم حصل لهذا النوع من النساء من الضرر والفتنة ما لا ينفع معه الندم ، فهذه الفضائيات بمختلف أشكالها وأنواعها ، تبث وتنشر الأفكار الضالة والمنحرفة التي تغوي المرأة وتشجعها علي التمرد علي الدين والمبادئ السليمة ، وعلي رفض قوامة الرجل عليها ، وتشجع المرأة علي المطالبة بحقها في التصرف والحرية ، وتعرض أنواعا من الملابس الفاضحة والمشابهة لملابس الرجل باسم الموضة والأزياء ، فتأثر كثير من النساء بما يعرض عليهن فخرجن عن الدين والخلق ، وعن قوامة الرجل ، وتشبهن بأخلاق الفاجرات وتصرفاتهن دون تفكير أو تمييز بين الخير والشر ، وظهر نوع من النساء ، الشكل شكل امرأة واللبس والتصرفات والأخلاق كأحط الرجال ، اكتسون بالتقليد الأعمى ، فهي تلبس وتتصرف دون وعي أو إدراك لما تفعله ، ودون تفكير في فوائد أو أضرار ما تعمله ، فهي تقلد من حولها من صويحبات أو فنانات وإن كان الأمر منافيا لطبيعتها ، كذلك أحدث شعورا لدي المرأة بالنقص النفسي والرغبة في لفت الأنظار ، ومحاولة منها لسد ذلك .(1/37)
15- كما أن الفضائيات أوجدت القدوة السيئة من الأمهات ، فمن المعلون أن القدوة من أهم عناصر التربية ، فإذا كانت الأم بالصورة التي صورتها الفضائيات علي أنها العصرية المتحررة ، فمن الطبيعي أن يقتدي بها بناتها ، وفي الغالب أن البنات يكتسبن شخصيتهن من أمهاتهن ، فالأم التي لا تقدر الأب ولا تحترمه ، غالبا ما تكون بناتها كذلك ، لا يقدرن أزواجهن ، والأم التي تكون شديدة اللهجة في الخطاب ، ترفع صوتها في الكلام ، تكتسب البنت منها هذه الصفة ، وكذلك التشبه بالرجال وباقي الصفات .
16- انعدام الغيرة من قبل أولياء الأمور فلا يمنع الزوج زوجته أو ابنته مخالفتها لأمر الله في الحجاب واللباس ، ولا ينهاها عن التصرفات والأفكار التي تليق بها ، بل يسعده أن تظهر أمام الأجانب أو تخرج إلي الشارع والأسواق وهي لابسة لباسا ضيقا يحدد جسمها ووصفها لمن أراد ، بل يفتخر بأن زوجته أو بنته جميلة مثير جذابة ، وهذه الظاهرة مع الأسف انتشرت في المجتمعات الإسلامية .
والعجيب أنه في وسط هذا الانحلال الخلقي التي تقدمه هذه الفضائيات تستضيف نوعية معينة من شواذ الدعاة في مناسبات رمضانية وغيرها أو احتفالات بدعية ، لتذر الرماد في عيون المنكرين ويكون الداعي بدعوته في هذه الفضائيات الانحلالية مسخرة المشاهدين ، ففي أثناء حديثه تأتي الفواصل الإعلامية الانحلالية لتقول للمتابعين إن كبار الدعاة لا يمانعون فيما نقدمه للمسلمين ، وكل ذلك يزيد من تناقض الهوية لدي الشخصية الإسلامية .(1/38)
وفي دراسة بحثية ميدانية حول أخلاقيات الفضائيات وأثرها في المجتمعات ، أفادت الباحثة جيهان البيطار أن 89% من الإعلانات الموجهة للشباب تحتوي قيما سلبية كالشراهة والتبذير والانحلال ، وأن 93% من الفضائيات تستخدم السيدات ، وأن 73% منها يتم تقديمها من خلال حركات المرأة ومفاتنها ، وأن 58% منها تحتوي تجاوزا في اللغة ، وأن أكثر من النصف يحتوي إثارة في المضمون ، ومن دراسة بحثية أخري تبين أن للتلفزيون العديد من الآثار السلبية علي النوم ، والجهاز العصبي ، والجهاز الدوري ، والشعور بالتعب ، وفقدان النشاط ، والصداع واحمرار العينين وضعف الذاكرة ، وسرعة الغضب وبعض المشكلات الجلدية كالبثور وضعف المناعة ، بسبب السهر وضعف التركيز وغيرها (29) ، وليس بعد هذه الآثار المدمرة نتيجة مثمرة لمحصلة الغزو الفكري وما يريد الأعداء للفرد المسلم .
المطلب الرابع
الغزو الفكري والفضائيات الإباحية
هدف التبشير أو التنصير قائم علي إدخال الشعوب الإسلامية في الديانة النصرانية أو تشكيك المسلمين في دينهم وإخراجهم منه أو تثبيت النصارى علي ملتهم ودعوتهم إلي التدين ، فالتبشير حركة سياسية استعمارية تستهدف هدم أمة الإسلام للاستيلاء عليها ، وقد كان المبشرون ولا يزالوا يستغلون انتشار الجهل والفقر والمرض للتغلغل بين شعوب الأمم من خلال وسائل الإعلام التقليدية من كتب ومطبوعات وإذاعة وتلفاز وأشرطة سمعية ومرئية فضلا عن المخيمات والتعليم والطب إلي جانب الأنشطة الاجتماعية الإنسانية والإغاثية الموجهة لمنكوبى الفتن والحروب ، مسخرين إمكاناتهم الضخمة لتحقيق مآربهم .(1/39)
كانوا يعتمدون في غزوهم علي تقديم الخدمات الطبية أو إنشاء المدارس والكليات والجامعات والمعاهد العليا وكذلك إنشاء دور للحضانة ورياض للأطفال واستقبال الطلبة في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية ، وإيجاد بيوت للطلبة من الذكور والإناث ، وكذلك الأندية والاهتمام بدور الضيافة والملاجئ للكبار ودور لليتامى واللقطاء والاعتناء بالأعمال الترفيهية وحشد المتطوعين لأمثال هذه الأعمال وإنشاء المكتبات التبشيرية واستغلال الصحافة بشكل واسع وإنشاء مخيمات الكشافة التي تستغل أفضل استغلال في التنصير وزيارة المسجونين والمرضي في المستشفيات وتقديم الهدايا والخدمات لهم .
وإذا كان التنصير خطرا يهدد المسلمين منذ زمن بعيد ، فهو اليوم يمد يديه ويكشر عن أنيابه ويفتل سواعده لحرب ضروس مع الهوية الإسلامية ، فلم تعد وسائله السابقة في التدمير الأخلاقي كافية ، بل إن فكرتهم في تدمير الجيل والتي بنيت علي دعوة الشباب إلي الحفلات والمخيمات أو حتى داخل الكنيسة حيث تدار فيها الخمور وتقام فيها حفلات الرقص الماجن للمراهقين والمراهقات حتى أوصلوهم إلي الكفر بالله وعبادة الشيطان ، لقد أصبح لفكرتهم اليوم في تدمير الجيل بعدا آخر بعد وجود الفضائيات .
فأساليبهم الماكرة الخبيثة التي تلونوا فيها ليكونوا أخفي من دبيب النمل ، أصبح لها قنوات فضائية صريحة ، لا تكلفهم الجهد والمشقة التي بذلوها في السابق ، فمن إيطاليا بلد الفاتيكان ومن قبرص وإسرائيل ولبنان وغيرهما من البلدان الأوربية ، أنشئت قنوات تبشيرية في النهار إباحية جنسية في الليل .(1/40)
في النهار ينقلون في إرسالهم الموجه صورة محاضر من الكنيسة بلباس عصري يختلف عن اللباس الكنسي يحاضر في قاعة تستوعب ألاف الناس من عوام النصارى أو غيرهم ، وهم جالسون في صمت شديد وانتباه ، وهو يشرح لهم الإنجيل ويروي القصص بدقة وتفصيل ، ومن المعلوم أن عوام النصارى لا يعرفون حتى قانون الإيمان عندهم ، ولا يرغبون في معرفة دينهم ، لأنه لا يناسب في أغلب مواضيعه عقولهم ، فمن الصعب أن يكونوا مجتمعين بالآلاف لطلب العلم بمحاضرات متكررة يوميا علي النحو المعروض في هذه القنوات ، إلا إذا كانوا كمبارس مأجورين ومجتمعين لاكتمال الصورة التي أرادوا أن يصدروها إلي المسلمين ومختلف المشاهدين ، ليضعوا في صدورهم أن ما عندهم يقبل علي استماعه الملايين .
وربما يأتي في هذه القنوات إيحاءات مفتعلة للقاءات مؤثرة ومواقف مزعومة تحققت فيها معجزات خارقة بسبب صدق إيمانه بالمسيح المصلوب ، ويخرجونها في صورة تجعل دموع عوام المشاهدين تتحرك من شدة التأثر والحنين ، فهذا ولده التهم السرطان جميع خلاياه، وقرر الأطباء أنه سيموت بعد ساعات ، ولكن أباه لما استغاث بالصليب في هذه الساعات ، قام الولد سليما من جميع الآفات ، والرسالة الموجهة للمشاهدين من المسلمين أن التمسك بالصيب فيه العصمة والنجاة ، وهذه امرأة ذهب بصرها وبقيت عمياء عشرات السنين ، ولكنها لما آمنت بالصليب وكررت زياراتها للكنيسة والقسيسين جاءتها مريم ومسحت علي وجهها فعاد بصرها كما كان ، حكايات مفتعلة كثيرة ومتكررة تبث كل يوم من خلال هذه القنوات لغرض تحسين النصرانية في بلاد المسلمين .(1/41)
لكن ليس هذا ما يعنينا في الموضوع ، فلا نظن أن مسلما سيقنع بأن الإيمان بالصليب يحقق المعجزات وخوارق العادات ، أو هو سبب النجاة من المهلكات ، ولكن ما يعنينا أن تلك القنوات تنقلب بالليل رأسا علي عقب ، إذ أنها تتحول إلي قنوات إباحية يمارس فيها الزنا واللواط والشذوذ علانية ، وقد أوجدت تلك القنوات مشكلة في الدول الإسلامية التي تطل علي البحر المتوسط ويمكن لمواطنيها محدودي الدخل استقبال هذه القنوات من خلال البث الأرضي الذي لا يتطلب دشا ولا تقنية رقمية ، وقد احتارت هذه الدول في صد هذا الغزو الإباحي الذي سيدمر جيلا بأكمله ، وحاولت تمديد ساعات البث في قنواتها لتشوش علي تلك القنوات ، مع تطعيم البرامج بمواد راقصة ماجنة يمكن أن تكون بديلا عن القنوات الإباحية التي تغزو الشباب فالمثل يقول : مرض أخف من مرض ، لكن دون جدوى فما زال البث الأرضي للغزو الموجه يزداد ضراوة وفتكا بالمسلمين حتى برزت سلبيات سيأتي تفصيلها بعد قليل ، ولكن الأمر تطور وانتقلت هذه المؤامرة الفتاكة لتشمل جميع دول العالم ، حيث نقلوا فكرة القنوات التبشيرية الإباحية من البث الأرضي إلي القنوات الفضائية بعد انتشار التقنية الرقمية عبر الأقمار الصناعية الأوربية وغيرها ، ففي غياب وعي الآباء انتشر بين الشباب الإدمان علي تلك القنوات الإباحية وتسجيل موادها ونشرها بين الشباب علي أشرطة الفيديو واسطوانات الكمبيوتر بصورة مفزعة .
جاء في صحيفة الجزيرة أن شابا يافعا ذا خمسة عشر ربيعا أتي إلي مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكانت زيارته غريبة للغاية حيث دخل مرتبكا خوفا مما سيقول ! رحب به رئيس المركز وعرض عليه أية خدمة يقدمها له ؟! فأخبره أن زيارته لأجل إنكار منكر ، لكنه لا ككل المنكرات ، إنه منكر بل مرض خبيث ، سري في أوساط الشباب ، وانتشر انتشار النار في الهشيم .(1/42)
قال هذا الشاب : لقد انبنى ضميري من انتشار هذه الفيروس الذي دمر زملائي الشباب ، لقد أدمن عليه الصغير والكبير ، حتى أصبح حديث الشباب في المدرسة ، في الشارع في كل مكان ، وبدأ رئيس المركز في البحث والتأكد من صحة وجود هذا المرض الخبيث ، وبعد تحر دقيق إذا برجال الهيئة يقضون علي هذا المنكر وهذا المرض الخطير ، حيث كان له وقع كبير في قلوب أصحاب الغيرة ، الكل ارتعدت فرائصه خوفا علي أبنائه عندما عرف أن هناك مرضا خبيثا انتشر بين الشباب والأولاد صغارا وكبارا ، الكل اتجه نحو بيته باحثا عن أبنائه ليتأكد من سلامة أخلاقهم ، بعضهم أتي إلي مركز الهيئة يصرخ فرحا وبعضهم معاتبا ، أين أنتم ؟ إلي هذا الحد كان المرض منتشرا دون علم الناس ، أحدهم بعد أن صلي مع الجماعة استوقف الإمام والمصلين ، وقال انتظروا قليلا ، وذهب لبيته المجاور للمسجد ، واحضر هذا المرض الخبيث وحطمه أمام الناس وقال : أعاهدكم أن أحاربه بعد اليوم ، ولا أجعل له مدخلا علي وعلي أبنائي وأسرتي .
تقول صحيفة الجزيرة : لعلك أخي القارئ قد ازددت حماسا لمعرفة هذا المرض الخبيث ؟ إنه مرض إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا ، إنها الأفلام الخليعة والقنوات الإباحية ، إنه التحول من الحياة الطيبة إلي الحياة البهيمية ، إنه الغزو الفضائي ، إنها العولمة في الفساد والانحراف ، إنه حدث عظيم وفق الله سبحانه وتعالي فيه رجال الهيئة من القبض علي الأوكار التي تعمل لنشر الفاحشة ، كميات ضخمة ، تجهيزات مخيفة ، استعدادات مذهلة ، تضحيات كبيرة ، وما خفي كان أعظم ، نعم إنه محل فيديو (30) .(1/43)
ويذكر الشيخ خالد بن عبد الله الحامد رئيس قسم القضايا والشؤون الميدانية الذي باشر الموضوع بنفسه ، أنه قد تم بفضل الله وتوفيقه القضاء علي وكر من أوكار الفساد والضلال التي تنشر السموم بين الشباب والفتيات خاصة ، والتي لها دور كبير في انتشار الرذيلة ، بل لا نكون مبالغين إذا ما قلنا انه سبب رئيسي في ارتفاع معدلات الجرائم الأخلاقية ، حيث تم القبض علي صاحب محل فيديو , والعاملين معه والبالغ عددهم ستة أشخاص وهم يقومون بترويج وحيازة ونسخ الأشرطة الجنسية المتمثلة في ممارسة الزنا واللواط والسحاق والشذوذ الجنسي وأشرطة الحفلات الخاصة والأفلام الممنوعة بكميات كبيرة بيعا وتأجيرا ، حيث بعد الكشف والتحري تبين أن هذا المحل يتاجر ويروج الأشرطة الجنسية الخليعة علنا ، إذ يعد هذا المحل أكبر محل من نوعه في المحافظة حيث يتكون من ثلاثة أدوار ، ويضم بين جنباته أكثر من عشرة آلاف شريط ، وأكثر من ثلاثمائة جهاز فيديو للعرض والنسخ ، وأكثر من ثلاثين جهاز تلفاز ، وأحد عشر جهاز رسيفر ، منها خمسة مزودة بمداخل الكروت الالكترونية التي يمكن من خلالها التقاط القنوات الفضائية الرقمية الإباحية المشفرة وهي أحد مصادر النسخ لدي المحل ، وبعد الكشف علي عينات من الأشرطة عثر علي كميات كبيرة من الأشرطة ، وهي حصيلة مبدئية تجاوزت سبعمائة شريط تحتوي علي مادة جنسية إباحية .(1/44)
فبالإضافة إلي قيام المحل بنشر الفجور التي يساهم مباشرة في انحراف الشباب عن جادة الصواب ، والسعي لإشباع رغباتهم وشهواتهم من أي طريق كان ، ولو كان محرما ، فإن المحل يستقبل القنوات الفضائية والرقمية المشفرة ، وينسخ منها الأفلام الجنسية كما ينسخ منها المواد المسمومة ، كما أن الكميات الكبيرة من الأشرطة الجنسية والممنوعة التي وجدت هي من الكثرة والكثافة في الترويج والبيع حسب البلاغات والمشاهدات بحيث لا تعطي أحدا فرصة سواء لصاحب المحل أو بقية العاملين أن يزعم أو ينكر عدم معرفته أو علمه بما يدور في المحل ، فبيع وترويج الأشرطة الجنسية والممنوعة شبه علني إذ أن البائع يعرض لقطات من الفيلم الجنسي للزبون علي أحد الشاشات في صالة استقبال الزبائن وإذا وافق عليه الزبون باعه أو أجره نسخة منه .
فلا شك أن هذه القضية تنذر بخطر جسيم ، ومنكر عظيم علي الفرد المسلم والمجتمع ، إن الغرب يعتبر أن الإسلام هو العدو الأول اللدود الذي يهدد كيانهم ، لاسيما بعد انحسار الشيوعية فهم لا يهدأ لهم بال ولا يقر لهم قرار إلا حين يرون دولة الإسلام في ضعف مستمر ، فهم دائما يكيدون للإسلام وأهله ، ويسلكون في سبيل ذلك شتي الوسائل ، ففي عصرنا الحديث أدرك أعداء الإسلام أن سر قوة المسلمين وبقاء دولتهم ، تكمن في مدي تمسكهم بدينهم الإسلامي وتطبيقه في شتي مجالات الحياة وهذا مالا يرضونه قال تعالي : ? وَلَنْ تَرْضَي عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النصارى حتى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَي اللَّهِ هُوَ الْهُدَي وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ? (31) .(1/45)
ولإخراج المسلم من هويته وتشكيكه في دينه أتونا عن طريق الشبهات أو الشهوات أو بهما معا ، والتركيز حاليا علي باب الشهوات الذي فتح علي مصراعيه ، ومن وسائله ما يسمي بالغزو الفكري أو قل الغزو الفضائي أو ضمن عناصر ما يسمي بالعولمة ، فهو مما دخلوا به علي المسلمين وغزوهم فكريا بوسائل الإعلام ، والاتصالات المعلوماتية الحديثة بإمكانياتها الكبيرة ذات القدرة التأثيرية المباشرة ، وقد ركز أعداء الإسلام علي توجيه هذه الوسائل للقضاء علي مقومات الأمة الإسلامية وهدم قيمها وعمدوا إلي الشباب عماد الأمة وسر نهضتها وتقدمها ، وقد قيل إنك إذا أردت أن تعرف حال أمة فانظر إلي شبابها ، فإن كان جادا منتجا صالحا قاد أمته إلي الخير والنجاح وإذا كان شبابها لاهيا غارقا في الشهوات والفساد مال بأمته إلي الهاوية ، وأصبح وبالا عليها يذيقها ويلات العذاب ، فالأعداء أمطرونا بالقنوات الإباحية المشفرة الرقمية التي تستقبل بيسر بواسطة كرت الكتروني لقمر فضائي معين سواء كان كرتا أصليا أو مزورا ، وكليهما موجود في الساحة وهي الطريقة السهلة لترويج الأفلام الإباحية الجنسية من زنا ولواط وسحاق وشذوذ ، ولاشك أن هذه الأفلام تثير الغرائز وحين يشاهدها المراهقون والمراهقات فلابد أن تفسد مفاهيمهم وتأثر علي نفوسهم وتدفعهم إلي الرغبة بإجراء ممارسات مماثلة ، فهذه القنوات الفضائية الإباحية التي ترد عن طريق الأطباق الفضائية ، وكذلك أفلام الفيديو تيب الإباحية التي تنسخ من الدشات أو الانترنت ما هي إلا واحدة من أهم الوسائل التي تدمر الشباب فتيان وفتيات وتجعله ينغمس في مشاهدة ما يبث من أفلام ومسلسلات ومواد جلها هابطة وهدام للقيم والأخلاق ، فنعلم يقينا أن أغلب الشباب للأسف يقضي جل وقته في المشاهدة وبقيته في التفكير وانشغال البال فيما شاهد (32) .(1/46)
ولاشك أن هذه الفضائيات الإباحية وانتشار بيع الأفلام التي تبثها ، وتبادلها بين الشباب ينتج عنه من الأضرار مالا يختلف عليه اثنان ، وسوف نجمل أبرز الآثار المترتبة علي هذه الفضائيات الإباحية ، والتي تنسف الجيل نسفا ، في النقاط التالية :
1- متابعة القنوات الانحلالية تؤدي إلي ضياع الدين ، وذهاب الورع ، وفساد المروءة ، وقلة الغيرة ، ووأد الفضيلة وقتل الحياء وتلبس الوجه رقعة من الصفاقة والوقاحة والسواد والظلمة ، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو للناظرين ، هذا إضافة إلي ظلمة القلب ، وطمس نوره .
2 - لا شك أن النظر إلي هذه القنوات الإباحية من أعظم أسباب الزنا ، وانتهاك الحرمات حتى مع المحرمات ، والواقع خير شاهد علي ذلك ، فتارة نسمع عن شاب وقع علي أخته أو ابنته أو خالته أو ما شابه ذلك من الفواحش .
3 - انتشار هذا الوباء في المجتمع يؤدي إلي كثرة جرائم الاغتصاب والشذوذ واللواط ، وإهدار كرامة المسلمين ذكورا وإناثا ، مما يهيج العداوات ، ويزكي نار الانتقام بين أهل المرأة والزاني ، فالغيرة التي طبع عليها الإنسان علي محارمه تملأ الصدر ، ومن ثم تؤدي إلي وقوع المقاتلات والفتنة انتشار المحاربات ، فلو بلغ الرجل أن امرأته أو إحدى محارمه قتلت كان أهون عليه من أن يقال إنها زنت ، كما أن المرأة يكسوها عارا لا يقف عندها بل يتعداها إلي أسرتها ، ومن حديث المغيرة أن سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ( أنه قال : ( لَوْ رَأَيْتُ رَجُلا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ S: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي ) (33) ، ومن حديث ابن مسعود ( مرفوعا : ( لا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) (34) .(1/47)
4 - لاشك أن هذه القنوات الإباحية ستؤدي إلي أضرار جسدية يصعب علاجها أو السيطرة عليها ، فأبسطها الفتور والخمول ، وضياء قوة الأمة من خلال القضاء علي الخلية النشطة المنتجة ، أما أسوأها فذهاب الحياة من خلال انتشار الأمراض بين المسلمين ، كالإيدز والزهري والسيلان ونحو ذلك .
5- انتشار الزنا يقضي علي المرأة الزانية ، فيتجنب الشباب زواجها ، وإن ظهرت توبتها مراعاة للوصمة التي أُلصقت بعرضها سالفا ، وكذلك الجناية علي الولد ، فإن الزاني يبذر نطفته علي وجه يجعل النسمة المخلقة منها مقطوعة عن النسب إلي الآباء ، والنسب معدود من الروابط الداعية إلي التعاون والتعاضد ، فالزنا سبب لوجود ولد عاري من العواطف التي تربطه بأمه وأسرته ، فيعيش وضيعا في الأمة ، مدحورا من كل جانب ، فإن الناس يستخفون بولد الزنا وتنكره طبائعهم ، ولا يرون له من الهيئة الاجتماعية اعتبارا ، وإذا حملت المرأة من الزنا راودتها نفسها علي قتله فجمعت بين الزنا والقتل ، وإذا حملته وخدعت زوجها أنها ليست كذلك أدخلت علي أهلها وأهل زوجها أجنبيا ليس منهم ، فورثهم ورآهم وخلا بهم ، وانتسب إليهم وهو ليس منهم إلي غير ذلك من المفاسد الناجمة عن الزنا وانتشاره بفعل هذه القنوات .(1/48)
6- ومن الأضرار والمخاطر التربوية والأخلاقية ممارسة العلاقة الزوجية علي وجه محرم ، يقول تعالي : ? نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ ? (35) ، وقد بين أهل العلم في ضوء هذه الآية ما جاء في معناها من أحاديث المصطفي S أن محل الوقاع هو محل الولد ، وحيث أن القائمين علي القنوات الفضائية الإباحية والانحلالية لا يعتدون بشرعة ولا فضيلة ، وإنما الأمر عندهم شهوات مسعورة ، فهم يعرضون كل ما من شأنه تهييج الشهوات بالشذوذ بين الرجل والمرأة واللواط والسحاق وغير ذلك من أنواع الإباحية الجنسية ، فظهر الشذوذ الجنسي والانتكاس الفطري ، حيث يكتفي الذكور بالذكور ، والإناث بالإناث مما يستوجب الخسف الذي حل بقوم لوط (36) .
فالدعوة إلي الجريمة بمشاهدة الأفلام الإباحية وإقامة العلاقات المحرمة بين الجنسين وإثارة الشهوات وفضح العورات والوقوع بالتالي في الفاحشة ، كان ولا يزال دأب الغرب في غزوهم الفكري ، وما زال الصليبيون يتربصون الدوائر بأهل الإيمان وينصبون لهم الشباك ، ويضعون الخطط للوقيعة بالمسلمين ، ولئن كان ذلك في الأزمان السابقة خفيّا وبعيدا عن الأنظار ، فإنّهم اليوم يصرحون بحقدهم الدفين من خلال القنوات التبشيرية الإباحية ، وما تخفي صدورهم أكبر .
المطلب الخامس
الغزو الفكري والفضائيات الكرتونية(1/49)
لقد أشغلت الرسوم المتحركة أطفالنا أيما إشغال ، فما عادوا يطيقون أن يجلسوا يوما بدون أن يشاهدوا تلك الرسوم ، أو كما يحلو لأطفالنا تسميتها بأفلام الكرتون ، حتى إنهم يرفضون اصطحاب آبائهم في أبرز المناسبات بحكم أن برنامجا كرتونيا يعارض هذا الوقت ، ويكفيك أن هذه الرسوم قد أكلت أوقات أبنائنا ، فما عاد لهم وقت لمراجعة دروسهم فضلا علي أن يجلسوا مع أهليهم ، يقول الدكتور أحمد بن عبد الرحمن الغامدي من جامعة أم القرى : ( من البديهي أن يكون المجتمع قد أدرك أن تأثير التلفزيون عموما علي الأطفال يأتي من خلال الرسوم المتحركة ومتابعتهم لها لمدة قد تصل إلي عشرة آلاف ساعة بنهاية المرحلة الدراسية المتوسطة فقط ، وهذا ما أثبتته البحوث والدراسات من خلال الواقع المعاش ) (37) .
وفي الأثر الذي تخلفه تلك الرسوم المتحركة ، قالت الكاتبة سارة الخثلان : ( من العوامل التي تؤدي إلي انحراف الطفل هو ما يشاهده من خلال شاشة التلفزيون ، خاصة أفلام الرسوم المتحركة التي قد تبلد ذكاء الطفل ، وتضعف عقيدته وتميع خلقه لأن الطفل أشبه ما يكون بالمادة اللينة ، سرعان ما يتشكل بما يشاهده فيأخذ أحط العادات وأقبح الأخلاق ) (38) .
وتضيف فتقول : ( بل يسير في طريق الشقاوة بخطي سريعة ، فالرسوم المتحركة تلعب دورا كبيرا في شد انتباه الطفل ويقظته الفكرية والعقلية ، وتحتل المركز الأول في الأساليب الفكرية المؤثرة في عقله لما لها من متعة ولذة ، علي الرغم من أن الرسوم المتحركة التي تعرضها الفضائيات لا تعتمد علي حقائق ثابتة ، وإنما علي خرافات وأساطير ومشاهد غرائزية لا يمكن الاعتماد عليها في تنشئة أطفالنا وهي في الأصل قادمة من دول بعيدة كل البعد عنا في الدين ) (39) .(1/50)
ويكفيك أن تعلم أن الرسوم المتحركة ما هي إلا حكاية عن واقع راسمها كما يثبته علماء الاجتماع ، ومن ثم فإن كل ما تراه من مشاهد في تلك الرسوم فما هي إلا حكاية عن واقع المجتمع الذي رسم فيه الراسم تلك المشاهد ، أو عقائد وأخلاق يعترف ويتعامل بها ، ومن أبرز آثار الغزو الفضائي الكرتوني في هدم بنيان الطفولة الإسلامية (40) :
1- زعزعة عقيدة الطفل في الله ، فهذه الرسوم لها دور عظيم في زعزعة عقيدة الطفل في ربه ، فربما يعرض للطفل رجلا يغرس بذرة ، ثم يسقيها فما تلبث أن تنمو وتكبر وتطول حتى تجاوز السحاب ، فيصعد الرجل ويقف علي متن السحاب وينظر ، فإذا به يري قصرا ضخما هائلا ، فيتقدم إليه ويدخل من تحت الباب وينظر ، وإذا بكل ما حوله يفوقه حجما أضعافا مضاعفة ، وإذا برجل آخر قبيح المنظر كث اللحية نائما ، شخيره يدوي في أرجاء القصر ، فيحرك الأول ساكنا من غير قصد فإذا بهذا العملاق ينتبه من نومه يلتفت يمنة ويسره يبحث عن مصدر الإزعاج حتى تقع عينه علي هذا القزم ، فيلاحقه ليقضي عليه ، ويخرجان من القصر حتى ينزل القزم من الشجر حتى متن الأرض ويتبعه العملاق ، فيلاحقه مرة أخري ثم يأكل هذا القزم أكلة تقويه فيتصارع مع العملاق فيصرعه ، ومن ثم يرسله بلكمة إلي قصره ، هذا المشهد الذي يصور فيه الراسم للطفل رجل السماء علي أنه هو الله ينام في سبات عميق ولا يتحرك إلا عند إزعاجه من قبل سكان الأرض مما يبث الجرأة في الطفل علي السؤال عن ماهية الله عز وجل ، ذلك السؤال الذي منعنا نحن من السؤال عنه ، وهناك أكثر من تساؤل يطرح نفسه حيال هذا المشهد ، لماذا يصور الشخص فوق السماء ذا لحية ، تلك العلامة التي تعتبر من رموز الدين لدي المسلمين ؟(1/51)
وكذلك ما يحصل في برنامج ميكى ماوس ، هذا الفأر الذي يعيش في الفضاء ، ويكون له تأثير واضح علي البراكين والأمطار ، فيستطيع أن يوقف البركان وينزل المطر ويوقف الرياح ، ويساعد الآخرين ، لماذا يجعل هذا الفأر في السماء ؟ ولماذا يصور علي أن له قوة في أن يتحكم بالظواهر الأرضية ؟ إن تلك تلميحات خبيثة ، أهدافها واضحة للجميع ، لا تتطلب إجهادا ذهنيا لمعرفتها .
2- نشر بعض النظريات والأفكار الباطلة ، ومن ذلك برنامج البوكيمون ذلك البرنامج الذي بلغت شهرته ومحبة الأطفال له ، أن تباع بعض البطاقات التي تمثل شخصياتها بمائة وخمسين ريالا أو أكثر ، هذا البرنامج تقوم فكرته علي أن هناك حيوانات يطلق عليها اسم بوكيمون ، وهي في تطور مستمر ، فتجد البوكيمون يتطور وحدة ويصبح شكلا آخر ، أو يتطور بالاتحاد مع بوكيمون آخر وينتج كائنا آخر مختلف كليا عن اليوكيمونين المتحدين ، وكل ذلك يضع في عقيدة الطفل أرضا لقبول النظريات الإلحادية والحلولية والدارونية وما شابه ذلك .
3- اشتمالها علي الكثير من الأخطاء العقدية الخطيرة والتي قد يعتاد عليها الطفل ويعتقد صحتها ، وهذا كثير جدا في الفضائيات الكرتونية ، كظاهرة الانحناء للغير ، حتى تكون الهيئة أقرب ما تكون للسجود والركوع ، مثل البرنامج الشهير كابتن ماجد ، فعند نهاية المباراة يقوم أعضاء الفريقين بالانحناء لبعضهما البعض بشكل أشبه ما يكون بالركوع للصلاة ، كتعبير للمحبة والصفاء ، وما يحصل في برنامج النمر المقنع ، فأحيانا يطلب المصارع من تدريب أحدهم علي شيء ما صعب وعسير ، فينحني له حتى يكون كالساجد ، وكذلك كاشتمالها علي بعض العبارات القادحة في العقيدة ، كعبارة : أعتمد عليك ، وهذا بفضلك يا بوكيموني العزيز ، أو هذا بفضل ماجد وياسين وغير ذلك من العبارات والأفكار التي يحفظها الأطفال ويرددونها دون وعي أو توجيه .(1/52)
ومن ذلك أيضا الإشارة لبعض تعاليم الديانات الأخرى ، فتجد فتاة تطلب الانضمام للكنيسة ، وتعلم العادات الدينية الوثنية المختلفة ، أو إظهار الراهب ومعه الصليب ، أو حتى إظهار الصليب في غير تلك المواطن ، كأن يظهر رجل قوي وشجاع ، ثم يخرج من داخل ثيابه الصليب ويقبله ، ويبدأ المعركة .
ومن ذلك اشتمالها علي السحر وهذا في الفضائيات الكرتونية كثير جدا ، والغريب أنهم يصورون السحر علي أن حكمه حسب المقصد من استعماله ، فربما يصورون الساحر أحيانا بأنه رجل أو امرأة كل منهما قد امتلأ بالشر والبغضاء والحسد حتى يستعملانه فيما يحقق لهما ما يصبون إليه كما في برنامج السنافر ، والذي يتمثل في الرجل الشرير شرشبيل ، وأحيانا يصور الساحر علي أنه رجل أو امرأة مليء بالطيبة ومحبة الخير للناس ويساعد المظلومين كما في السنافر أيضا ، ويمثل بزعيم القرية ، أو كما في برنامج سندريلا ، والتي تصور فيها امرأة ساحرة طيبة تساعد سندريلا علي حضور حفلة الملك والاستمتاع بالرقص وغير ذلك ، وقد وبلغ تأثير مثل هذه المشاهد إلي حد أن أطفالنا يرددون الكثير من عباراتهم بشكل خطير نخاف فيه أن يطلب الأبناء من الآباء تعلم السحر .
4- تشويه صورة المتدينين سواء قصدوا أو لم يقصدوا ويظهر هذا جليا في برنامج ببياي ، والذي يصور رجلين أحدهما طيب وخلوق والآخر شرير ، يصورون ذلك الشرير علي صورة رجل ملتحي ، معيدين الكرة في استخدام أحد رموز الدين والالتزام ألا وهي اللحية ، فهم يصورون الملتحي هذا بأنه شرير ومختطف وسارق ويحب الشر ويقوم بالتفجير ويلاحق النساء أو بمعني آخر إرهابي ، فلماذا صور الرجل الشرير رجلٌ ملتحي ؟ ولماذا استخدم رمز الدين لدي المسلمين ؟ ولماذا لم يجعل ذلك الشرير حليق والطيب ملتحي ؟ تساؤلات تطرح يمكن أن يجيب عليها منتجو تلك الرسوم من اليهود .(1/53)
5- نشر التبرج والتفسخ و تنبيه الطفل إلي بعض الأمور المخلة بالأخلاق وهذا كثير وكثير جدا في تلك الرسوم ، ويمكن القول أنه ليس هناك برنامج كرتوني يعرض الآن يخلو من عري أو غزل أو وملاحقة الفتيات ، ولا عجب فهذا ما يحتويه مجتمعهم ، وهذا ما يريدوه من العالم ، مشاهد تحتوي علي صدور بادية وأفخاذ عارية وغزل بين الجنسين وتعبير عن المحبة في جو رومانسي عجيب وملاحقة الفتيات ، وتقديم الهدايا لهن لكسب مودتهن ، وترك الأشغال والأعمال بمجرد ما يري الفتاة ، ففي البرنامج الكرتوني كابتن ماجد يصور حضور الفتيات للمباريات وتشجيع اللاعبين والرقص والصراخ والمعانقة بين الجنسين حال تسجيل الهدف أمر عادي جدا ، فتجد الفتاة تلاحق لاعبها المفضل ، وتقدم له الهدية كتعبير عن المحبة ، ويقبلها اللاعب الخلوق ، وقد تأثير ذلك علي أطفالنا حتى بعد الكبر والبلوغ خاصة علي فتياتنا ، فكثير ما يعلقن صورة لاعبهن المفضل في الغرفة ويتابعن أخباره ومبارياته ولو حصل لهن الاتصال بهم لما ترددن في ذلك .
وكذلك برنامج بوكيمون فيه النساء بملابس تتجاوز نصف الفخذ وتظهر البطن وتشتمل علي قصات غريبة لم تأت إلا من اليهود والنصارى وملاحقة الفتيات والتصريح بمحبتهن وترك الصحبة من أجلهن ، والذهول عن الأعمال الخاصة بمجرد رؤية فتاة جميلة ، ومن ذلك أيضا برنامج سندريلا فتاة يتيمة تتعرف علي شاب غني ، يشتمل علي مشاهد المعانقة والرقص والتبرج والسفور ، وكذلك برنامج طرزان شاب نشأ في مجموعة من الغوريلات ، يجد فتاه من جنسه تتكون علاقة محبة بينهما ، تنتهي بأن تعيش معه وتلبس تلك الملابس الغريبة العارية ، وتجد العناق علي أشده بينهما وغير ذلك من مشاهد الانحلال الأخلاقي تقدم في الفضائيات الكرتونية ، إن عرض مثل تلك المشاهد دون رقيب يجعل الطفل يعتاد مثل هذه الصور والمظاهر ، بل قد تربي الطفل علي تلك الأعمال المشينة والمنافية لديننا وأخلاقنا.(1/54)
6- نشر الرعب والخوف بل يتجاوز الأمر إلي فتح أفاق كبيرة للطفل في عالم الجريمة ، ذكر أن والدا طفل أرادا الذهاب لأمر ما ، وترك ابنهما في البيت لوحده فغضب الطفل ، فلما ركب والدا الطفل السيارة وجدا ضوء الإنذار مضيء كدلالة علي خلل معين ، فلما تكشف الوضع وجدا أن سلكا قد قطع وأثر القطع يبين أنه بسكين لا من نفسه ، فلما استخبرا الأمر اعترف الابن بأنه هو من فعل هذا ، وكان يريد أن يقطع سلك فرامل السيارة انتقاما منهما لأنهما سيتركانه وحده ، ولما سُأل كيف حصل علي هذه الطريقة ؟ أخبرهما أنها من إحدى الرسوم المتحركة ، وذكر أيضا أن أبا أمر أبنه بأن يذهب بساعته لمهندس الساعات ، فرفض وأصر علي الرفض ، ولما سألاه : لماذا ؟ فقال إن المهندس أحدب ، وأنا رأيت في الأفلام الكرتونية رجلا شريرا أحدب مثله وأخاف .(1/55)
فالفضائيات العربية لم تساهم في وضع حلول للطفل العربي ، ولكن تعاملت مع قضايا الطفولة بمفهوم سطحي وغير هادف ، فالطفل العربي اكتسب آثار سلبية من مشاهدته للفضائيات العربية التي قدمت لعقلية الطفل العربي أفلام كرتون مستوردة من الدول الأوربية ، ووجد نفسه يعيش طفولة وهموم غير التي يعيش فيها ، وجد نفسه طفل أوروبي العادات والتقاليد مما جعله يكتسب العدوانية في سلوكه وفكره ، وساعدت ألعاب الفيديو علي تدمير البراءة في نفس الطفل العربي ، وغاب عن المسئولين في الفضائيات العربية أن الإعلام وخاصة التليفزيون يؤثر في الشخصية سلبا أو ايجابيا خاصة أن هناك برامج تؤثر في عقلية المشاهد الذي يتعايش مع ما يشاهده في الفضائيات بشكل واقعي ، ووزارات التعليم في كل دولة تأتي بالخبراء لوضع المناهج الخاصة بالأطفال ، بينما التليفزيونات العربية ، تستورد أفكار برامجها وتضع خططها من قبل المسئولين في الفضائيات دون وجود خبير إعلامي مسلم يحدد أهمية المواد التي تنتج لصالح الطفل العربي ، الأمر الذي ساعد في اكتساب الطفل العربي لميول عدوانية أثرت سلبا علي تكوينه الفكري .
وما نحتاج إليه هو أن تحدد فضائياتنا القضايا الفعلية التي يحتاجها الطفل العربي ، وإعداد برامج تنمي القيم وتحافظ علي العادات التي نشأ عليها ، وتحثه علي التحلي بأخلاق المجتمع الذي يعيشه ، ولابد من إنتاج برامج وحكايات إسلامية بأسلوب مبسط ، تؤثر بإيجابية في عقلية الطفل وتساعده في المحافظة علي عاداته التي نشأ عليها ، وقد تساعد البرامج الهادفة في إدراك الأطفال لمفهوم الانتفاضة ، مثلا فنحن نري أطفالنا اليوم متفاعلين مع ما يشاهدونه في الأخبار ، وفي برامج الكبار وسيكون الأثر أكبر لو توجهت لهم برامج تناسب إدراكهم وتوضح مفهوم النزاع وجرائم إسرائيل ضد الإنسانية (41) .(1/56)
وأغلب أفلام الكرتون تنقل بحذافيرها من القنوات الأجنبية ، الطفل العربي لا يفهم غالبا لغة الحوار في القنوات الأجنبية ، ولكنه يشاهد صورة ربما تؤثر في فكره ، وتجعله يعتقد أن هناك إباحية في كل المجتمع الذي يعيش فيه ، فالطفل يصدق ما يشاهده مهما كان خياليا ويتأثر به حتما .
ومن الممكن أن تعالج الأسرة العربية سلوك الطفولة إذا تأثر سلبا بما شاهده في الفضائيات بأسلوب المصارحة والحوار للمساعدة في بناء فكر الطفل ، والمصداقية وبث الثقة داخل الشخصية التي يكون لها أثر ايجابي علي سلوك الطفل ولابد أن يسود الحب والثقة بين أفراد الأسرة الواحدة ، فالثقة أمر مطلوب لأن وجودها يجعل الابن قادرا علي التعبير عما يفكر فيه وبالتالي تصبح لدينا القدرة علي التصحيح والتوجيه وأنه مستقبلا لن يرتكب شيء يرفضه الدين أو المجتمع .
وحول قناة سبيس تون Space Toon التي انتشرت انتشارا واسعا في فترة وجيزة فإنها جذبت الطفل العربي وقيدته صامتا أما شاشة التلفاز ، لكنها لا تمتلك منهجا لتعليم الأطفال علي أساس إسلامي فشعار القناة واسمها ، أول مكامن الغزو في إبعاد الطفل عن لغته العربية وجذبه إلي الإنجليزية , كما أنها تتلقف المنتج الغربي من أفلام الكرتون والتمثيليات وغير ذلك من الشخصيات الوثنية والخيالية التي تقدم للطفل الغربي ، ولا يخفي ما يحمله ذلك في طياته من بذور مدمرة لثقافة طفلنا العربي والإسلامي ، فكلها تستهدف تخريب المؤسسة التربوية , إذ ليست لهذه المواد علاقة بقيمنا وتقاليدنا وعاداتنا ، وبهذه الطريقة يظل الغرب يفترسنا ويهيمن علينا بصورة كاملة .(1/57)
ولعل هذه الفترة العمرية المبكرة لهذه القناة تجعلها تصحح مسارها فربما وجد المسئولون عنها مشكلة في عملية الإمداد بالبرامج الشيقة التي تبع من صميم الإنتاج الإسلامي ، ولذا لن نتحدث عن القناة علي اعتبار أنها أنهت رسالتها المنوطة بها وغرست ما يجب أن يغرس في الطفل ، إذ لا تزال هذه القناة في مرحلة البدايات وبحاجة إلي الكثير من العناية والتوجيه (42) .
المطلب السادس
الغزو الفكري والفضائيات المذهبية
استغلت الدول والأحزاب التي تتبني مذهبا معينا أو فرقة من الفرق ، استغلت الفضائيات لنشر أفكارها والتعبير عن أرائها بصورة أكثر جرأة من مؤسسي المذهب أنفسهم ، وسوف نركز علي بعض الفضائيات الإيرانية التي تبث بالعربية والفارسية والإنجليزية ، وقناة المنار التي يتبناها حزب الله الشيعي والقنوات الصوفية التي تبث عبر الأقمار الأوربية والكندية وغيرها .
فالشيعة هي تلك الفرقة التي زعمت أن عليا هو الأحق في وراثة الخلافة دون الشيخين وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ، وقد أطلق عليهم الإمامية لأنهم جعلوا من الإمامة هي القضية الأساسية التي تشغلهم ، وسُمُّوا بالإثني عشرية لأنهم قالوا باثني عشر إماما ، دخل آخرهم السرداب بسامراء علي حد زعمهم ، كما أنهم يمثلون القسم المقابل لأهل السنة والجماعة في فكرهم وآرائهم ، وهم يعملون من خلال وسائلهم المتعددة وخصوصا الفضائيات والإنترنت لنشر مذهبهم في العالم الإسلامي بلهفة وحماس .(1/58)
فإعلامهم الفضائي يبرز عوامل القدوة للمشاهدين في اثني عشر إماما ، ويحيطهم بهالة من التقديس ، كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، الذي يلقبونه بالمرتضي والحسن والحسين ، وعلي زين العابدين بن الحسين ويلقبونه بالسجاد ، ومحمد الباقر بن علي ويلقبونه بالباقر ، وجعفر الصادق بن محمد ، ثم ولده موسي الكاظم ، ثم علي الرضا ثم محمد الجواد بن علي الرضا ويلقبونه بالتقي ، وعلي الهادي بن محمد ويلقبونه بالنقي ، ثم الحسن العسكري بن علي ويلقبونه بالذكي ، ثم محمد المهدي بن الحسن العسكري ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر والإمام الغائب ، هؤلاء هم أبرز إعلام الشيعة ، الذين يمثلون القدوة المفروضة على المشاهدين ، حيث تدور حولهم برامج هذه الفضائيات وخصوصا الإمام الغائب ، فإنهم يزعمون أنه قد دخل سردابا في دار أبيه بِسُرَّ من رأي ولم يعد ، وهذا ما يرفضه معظم الباحثين ، فإنهم يذهبون إلي أنه غير موجود أصلا ، ولكن العجب أن تشاهد في أحد برامجهم التي تابعتها في قناة المنار ، تشاهد أستاذا جامعيا طبيبا علي أرقي المستويات العلمية ، يستدل علي وجود الإمام الغائب في السرداب بأنه منوم من خلال عملية تشبه عملية تجميد الخلية ، فالعلم أثبت أن الخلية إذا جمدت في درجات معينة فإنها لا تموت ، وإذا عادت إليها الحرارة بعد مئات السنين ، فإنها تعود صحيحة سليمة ، وهذا كله أولي به المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري الذي يخرج في آخر الزمان عندما يأذن الله له بالخروج ، وأنه حين عودته سيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما وسيقتص من خصوم الشيعة .(1/59)
وأبرز موضوعاتهم تدور حول الإمامة والمبالغة في أوصاف الأئمة ، وأن كل إمام من الأئمة أُودع العلم من لدن الرسول صلي الله عليه وسلم بما يكمل الشريعة ، وهو يملك علما لدنيا خاصا ، ولا يوجد بينه وبين النبي S من فرق سوي أنه لا يوحي إليه ، وقد استودعهم رسول الله S أسرار الشريعة ليبينوا للناس ما يقتضيه زمانهم ، كما أن التقية التي هي عندهم أصل من أصول الدين تظهر غالبا في إظهار صورتهم في البرامج بأنهم هم أهل السنة والجماعة .
وفضائياتهم تنقل مظاهر الاحتفال بأعيادهم كعيد غدير خم ، وهو عيد لهم يصادف اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة ويفضلونه علي عيدي الأضحى والفطر ويسمونه بالعيد الأكبر وصيام هذا اليوم عندهم سنة مؤكدة ، وهو اليوم الذي يدعون فيه بأن النبي S قد أوصي فيه بالخلافة لعلي من بعده ، ويعظمون أيضا عيد النيروز وهو من أعياد الفرس ، وبعضهم يقول غسل يوم النيروز سنة ، ولهم عيد يقيمونه في اليوم التاسع من ربيع الأول الذي قتل فيه عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه .
كما أنهم يقيمون حفلات العزاء والنياحة والجزع وتصوير الصور وضرب الصدور ، وكثير من الأفعال المحرمة والمخزية التي تصدر عنهم في العشر الأول من شهر محرم ، معتقدين بأن ذلك قربة إلي الله تعالي وأن ذلك يكفر سيئاتهم وذنوبهم ، ومن يشاهد فضائياتهم التي تنقل وقائع الاحتفالات في المشاهد المقدسة في كربلاء والنجف وقم ، فسيري من ذلك العجب العجاب .(1/60)
أما علاقة هذه القنوات بقضية الغزو الفكري فإنها أحدثت فتنة عند كثير من الجاهلين بالمذهب الشيعي ، عندما رفعت الشعارات الإسلامية مقترنة بالثورة الإيرانية ، ومحاولة تصدير أفكارهم إلي العالم الإسلامي تحت مسمي التقارب بين الشيعة والسنة ، وإظهار التقية بإيحاء الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي المعاصر ، وإظهار العداء الكامل للغرب الصليبي والدولة الصهيونية ، وهذه الصورة التي تبث لعامة المسلمين العرب تختلف عن الصورة التي تبث باللغة الفارسية .
ولعل وضع قناة المنار التي تعبر عن حزب الله الشيعي قد أسهمت بشكل فعال في اختلاف المثقفين حولها ومتابعة برامجها ، فطائفة تتابعها إعجابا بما حققه حزب الله من انتصارات علي اليهود وإخراجهم من لبنان ، وطائفة أخري تفهم خطورة المذهب الشيعي ، وكيف أنها تبث من خلال برامجها الطعن في أصول أهل السنة والجماعة .
وفي الآونة الأخيرة قدمت الفضائيات الإيرانية طفلا إيرانيا صغيرا حفظ القرآن الكريم علي أنه معجزة المعجزات ، هذا الطفل يدعي السيد محمد حسين الطبطبائي ويلقب بعلم الهدي ، استخدمه علماء الشيعة كصورة ينقلونها للسنة في إثبات أن الشيعة لا يهملون القرآن ، وأنهم يحفظونه ولا يقولون بتحريفه كما هو حقيقة مذهبهم ، فهم سلطوا الضوء علي هذا الطفل في فضائياتهم لا من أجل القرآن ، بل فرحا بحجة تسهم في إسكات أهل السنة ، ومنعهم من لومهم بسبب إهمالهم القرآن (43) .(1/61)
إن تسمية الشيعة لهذا الطفل بالمعجزة أكبر دليل علي أن حفظ القرآن عند الشيعة من الأمور المعجزة الخارقة للعادة ، أما عند أهل السنة فليس بمعجزة أن يحفظ أطفالهم القرآن الكريم ، بل هذا من الطبائع والعادات المألوفة في كل مجتمعات أهل السنة ، وبينما الشيعة تفتخر بهذا المعجزة علي الفضائيات ، إذ بخبر ينشر بين عوام الشيعة وخاصتهم تتناقله وسائل الإعلام مفاده أن الطفل المعجزة مختف هذه الأيام ، ولم يعد يخرج علي التلفاز والفضائيات كما هو الحال كل يوم ، فماذا حدث للطفل المعجزة ؟
يقول الخبر إنه معتقل في سجن سري بأمر من المسئول الأكبر في إيران ، ويعلل والد الطفل السبب في اعتقاله بأن ابنه الذي حفظ القرآن والذي أصبحت فضائيات إيران تفتخر به ، شاهد في منامه النبي يقول له : يا ولدي أهجر هؤلاء الحكام لأنهم علي ضلالة ، ودينهم ومذهبهم ليس مذهبي ، وليس ديني ، وأنا بريء منهم ، فقام الطفل براءته وصعد المنبر وأخبر بالرؤيا التي شاهد فيها الرسول S ، فضج الناس ووصل الخبر إلي مرشدهم ، الذي بدوره أمر باعتقال الطفل وإخفاءه (44) .(1/62)
وقد نشرت مجلة المنبر الشيعية هذا الخبر بعد تكتم شديد حرصا من الرافضة علي كتمان كل ما يسيء لهم ، تقول المجلة : ( اشتداد الحصار علي علم الهدي ، وفشلت كل محاولات الاتصال به ، ولا يزال الطوق الأمني الصارم محيطا بقضية اعتقال المعجزة القرآنية ، وسط أجواء من الذعر والقلق في الحوزة العلمية ، وبات في حكم المؤكد أن ثمة مكروه يتعرض له السيد علم الهدي الذي لا يزال مغيبا عن الأنظار منذ أشهر ، خاصة أن جميع محاولات الالتقاء به أو محادثته ولو هاتفيا باءت بالفشل ، إذ يجيب والده علي الاتصالات الواردة إليه في هذا الشأن بقوله : إن ابننا لا يقطن عندنا حاليا ، وهو تحت نظر السيد القائد ومرتبط ببرامجه ، وتتساءل الأوساط المهتمة عن مكان تواجد علم الهدي الذي لا يزال بعيدا عن منزله ووالديه ، فيما تؤكد مصادر أنه لا يزال محتجزا وسط حراسة أمنية مشددة ، مشيرة إلي أن كل من يحاول تحري أمره يتعرض لملاحقة أجهزة المخابرات الإيرانية والمضايقة الأمنية ) (45) .
فهم من خلال فضائياتهم لا يقدمون إلا ما يخدم التشيع ويساعد علي نشره في الأوساط السنة أما قضية التمسك بالكتاب والسنة ، واحترام الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، فهذه القضية لا محل لها عندهم ، بل إن بعض الفضائيات السنية تأثرت بهذا الغزو الشيعي ، وجعلت من رؤوس الشيعة مصدرا للفتوى ، ففي عصر عولمة الفتاوى ، يفتي الشيخ حسين فضل الله ، مفتي حزب الله بعدم تحريم لعبة البوكيمون مع تحفظه عليها وعلي غيرها من ألعاب العنف من الناحية التربوية ، وقال :(1/63)
( قدمت إلي دراسات من الذين اطلعوا بشكل مباشر علي برنامج هذه اللعبة ، كما قرأت بعض الآراء الفقهية التي تنوعت في عناوينها التحريمية بين من يتحدث عن نظرية التطور الداروينية التي قد تشجعها اللعبة ، ومن يتحدث عن تشجيع القمار أو العنف ، ومن يتحدث عن بعض الكلمات التي قد توحي يهودية اللعبة ، لكني من دراستي لكل هذه المفردات لم أجد أي نتائج مباشرة سلبية ، فالحديث عن فكرة التطور عبر تحول حشرة إلي حشرة أخري وارتباطها بفكرة تحول القرد إلي إنسان ليست واضحة في ما يمكن أن يستوحيه الطفل ، لأننا نعلم أن مثل هذه الألعاب في الرسوم المتحركة تتحرك علي أساس إثارة خيال الطفل ، الذي قد يعرف بعد ذلك أنها خيالية وليست حقيقية ) وأضاف : ( أما مسألة الميسر التي يمكن أن تشجع الطفل علي أن يحصل علي البطاقة الأقوى مما يمكن أن يشجع القمار ، فلا أتصور أن هذه اللعبة قد توحي إيحاء مباشر للطفل بلعبة القمار ، وإلا فعلينا تحريم الكثير من الألعاب التي تقوم علي الغلبة ، أما مسالة الكلمات التي قيل أنها يهودية فإن التدقيق فيها لا يدل علي أنها توحي هذه المعاني كما أكد لي بعض الخبراء ) (46) .
ويبدو أن العولمة قد امتدت آثارها حتى لحقت بالفقه والأحكام الشرعية ، فقد اختلط الحابل بالنابل ، والسني بالشيعي ، والسلفي بالتنويري ، والفضل الأول في ذلك يرجع إلي الفضائيات العربية التي أتاحت الفرصة لظهور الكثير من الرموز التي لم تكن معروفة أو مسموعة من قبل ، وآخر ما أتحفتنا به تلك الفضائيات محاولتها الزج ببعض الرموز الشيعية الإمامية الإثنى عشرية في ساحة الفقه والفكر والإفتاء ، ولا ندري متي أصبح رموز الشيعة الإمامية يمثلون مرجعية لأهل السنة حتى تتم استضافتهم والحديث معهم عن قضايا إسلامية عامة ، من قبيل الفقه الإسلامي والتجديد في الإسلام ؟(1/64)
هل هي رغبة زائفة في التقريب بين السنة والشيعة ؟ أم هي محاولة لتمييع المزيد من الثوابت الإسلامية ؟ ولعل الجانب الأكبر من المسئولية عن هذه الفوضى العقدية يرجع إلي الحركات والرموز الإسلامية التي أبدت قدرا كبيرا من التساهل في تعاملها مع الشيعة خاصة الإمامية مثل حزب الله في لبنان .
إن اهتزاز الثوابت الإسلامية وتمييعها لهو نذير خطر يتهدد الإسلام والمسلمين ويخدم فكرة الغزو التي خطط لها ومارسها الأعداء ، فهو أشبه بمد كاسح ، لو ترك لن يتوقف إلا عند آخر معلم من معالم الإسلام ، إن غاية ما يفعله هؤلاء وأولئك أنهم يهدمون الإسلام ولكن باسم الإسلام ، وعلي ضوء اعتياد البابا هذه الأيام علي زيارة بلاد المسلمين ، قد يأتي علينا يوم نري فيه إحدى الفضائيات تقدم لنا برنامجا دينيا بعنوان فتاوى الفاتيكان (47) .
ولعل ما أقدمت عليه قناة المستقلة الفضائية من طرح الحوار الصريح بين السنة والشيعة طيلة شهر رمضان 1423هـ ، كشف بوضوح زيغ الشيعة ، وما عليه علماهم من تقية وإضلال عند بداية الحوار ، ثم تهجم أظهر عقيدتهم وكشف عن بغضهم المكنون في قلوبهم لأصحاب النبي S وكل ما يؤيد حبهم ، حتى وصل الأمر ببعض علمائهم إلى تحريم النظر إلى الفضائية المستقلة ، ومن يتابع الفضائيات الشيعية سوف يجد الكثير من القضايا التي أشرنا إليها آنفا .(1/65)
أما الفضائيات التي تبث الفكري الصوفي في البلاد الغربية فإنها عمدت إلي أسوأ ما في التصوف وبرضا أصحابه ، لتقدمهم للغربيين كصورة منفرة للإسلام والمسلمين ، ومن هنا نجحوا في تعميق الكره والبغض لدي الإنسان الغربي ، وقد رأيت في كندا في أحدي القنوات الفضائية ما يندي له الجبين ، إذ أن الفضائيات الكندية أعطت أحد الطرق الصوفية برامج مفتوحة بساعات طويلة يعبرون فيها عن الأفكار والمعتقدات التي جاء بها الإسلام ، وهم يعلمون أن هذه الطرق الصوفية مثال للجهل والتخلف ، فنقلوا بإخراج تشمئز منه النفس ، نقلوا حلقات الذكر الصوفي وصورة الصوفية وهم بين المسابح يتراقصون ، الرجال والنساء مختلطون ، يميل الرجل علي المرأة وتميل المرأة علي الرجل ، ثم يظهر مخرج البرنامج علي شاشة التلفاز عبارة : (( التصوف قلب الإسلام )) .
ثم تنتقل الكاميرا مباشرة من قلب الحدث في كندا لتنقل صورة للمزدحمين العاكفين علي قبر الحسين في القاهرة أثناء احتفالهم بمولده ، كيف يطوفون ويعفرون الخدود في التراب ؟ وكيف يقبلون هذه الأعتاب في ذل وخضوع ؟ وكيف ينام الناس بالآلاف علي الأرصفة وفي الطرقات علي الأوراق وأمام المارة ، في صورة مذرية تدل علي حقارة الإنسان وهوانه عند المسلمين .
بل الأبشع من ذلك أنهم صوروا بكمراتهم في هذا المولد بعض أفراد الطرق الصوفية يرفعون أعلام طريقتهم الرفاعية ، وهم يسحبون بقرة ليقدموها قربانا لضريح الحسين ، فلما اقتربوا من الضريح اجتمع هؤلاء علي البقرة ليذبحوها أمام أعين الناس في الساحة بين النائمين والمريدين ، وبالفعل ذبحوها وسال دمها حتى لطخ المارة والجالسين ، وتهافت الناس علي الذبيحة متلهفين متكالبين طمعا في قطعة لحم من هذا القربان ، هذه الصورة رأيتها بعيني تبث في الفضائيات الكندية تحت شعار الحرية ومنح الصوفية فرصة للتعبير عن الإسلام .(1/66)
هذا ما يقدم من قبل الصوفية في الفضائيات الغربية تقديس الأموات والغلو فيهم واعتقادهم أن الأولياء والأنبياء هم في الدنيا بعد موتهم أحياء ، وأنه متي أرد الواحد منهم أن يلتقي مع مريديه أو ذويه فذلك عليه أمر يسير , وربما تفقد أتباعه ومريديه وأعطاهم ورادا يتعبدون به ، إلي غير ذلك مما يعبر عن عقيدة موغلة في الجهل بعيدة عن عقيدة الإسلام الصافية .
لقد بدا للمشاهد الغربي أن تقديس المشاهد والبناء علي القبور صار معلما من معالم الدين الإسلامي ، فوسائل الإعلام الحاقدة تنقل وتقدم هذا التقديس علي أنه صورة الإسلام ، وبالتالي وضعوا جدارا مانعا لانتشار الإسلام في الغرب .
المطلب السابع
الغزو الفكري والفضائيات التعليمية
في القرنين الماضيين قبل وجود الفضائيات والإنترنت أدرك الأعداء أن الغزو الفكري أشد وأنكي من الغزو العسكري ، فأوقدوها معركة فكرية ماكرة ، ونارا ماردة خبيثة ، وسيوفا خفية علي قلوب المسلمين باستعمارها ، عقيدة وفكرا ومنهجا ، ليصبح العالم الإسلامي غربيا في أخلاقه ومقوماته ، متنافرا مع دين الإسلام الحق ، وكان أنكي وسائله جلب نظام التعليم الغربي في مؤسسات علمية أجنبية عالمية إلي عامة بلاد العالم الإسلامي ، ولم يبق منها بلد إلا دخلته هذه الكارثة (48) .
والتعليم هو جوهر كل أمة ، فإذا تبنت أمة من الأمم نظام التعليم في عقيدتها وأخلاقها أنتج أهدافه منعكسة علي شد الأمة إلي عقيدتها وأخلاقها وسياستها وآدابها الاجتماعية والثقافية ووحدتها في ذلك ، وتضييق مساحة الصراع والتبدد والانقسام .(1/67)
أما إذا تبنت أمة نظام تعليم وافد في ظل عقيدة غير عقيدتها ، وأخلاق غير أخلاقها ، فإنه ينتج أهدافه منعكسة عليها في الاعتقاد والأخلاق والسياسة ، والاجتماع بأفكار وانحرافات مغايرة لما عليه إيمانها وعقيدتها وسلوكها ، مفضيا ذلك إلي زعزعة العقيدة ، ثم الردة الفكرية فالعقدية وبه تؤول حياة الأمة إلي تبدد وانقسام ، وتصدع وصراع ، وتعيش في ظله بين البناء والهدم ، والتصديق والتكذيب ، والاحترام والازدراء ، وامتداد الصراع في تصاعد واتساع ، ولا تسأل حينئذ عن انتشار الفوضى واضطراب الأحوال .
والحاصل أن نظام التعليم الوافد ينفذ إلي صخرة الوحدة والاجتماع ، ويفككها إلي الفوضى والصراع ، حتى تصل إلي حال يصعب التغلب عليها ، فتكون بداية النهاية (49) .
ونظرا لفظاعة الأهداف الخفية والغايات الإفسادية في المدارس الاستعمارية وعظيم نكايتها بالمسلمين بين الإلحاد والإباحية ، لبسوا لها زخارف اللين ، وأفاضوا بغشاوة علي أبصار المسلمين ، وخادعوا بصائرهم ، وأتقنوا فن الخداع والمكر ، إنها وداعة الأفعى في صورة العلم والحضارة والتقدم والثقافة ، ثم سياسة الانفتاح والخلط والعولمة ، فهرع إليها جهّال المسلمين وفسقتهم ومُرّاقُهم ، فأنشئت المدارس باسم المدارس التثقيفية ، التي تهدف إلي التثقيف العام وتنوير الأذهان ، ونشر العلوم الحضارية بين المسلمين ، وإقناع الناس بأنها نماذج متقدمة للثقافة والعلوم وتعليم اللغات ، وإيهام الناس بأنها رفيعة المستوي ، فيلهثون وراءها مصابين بداء الغرور والاستعلاء ، وباسم مكافحة ما يعانيه المسلمون من الجهل والتخلف ، وباسم تعليم أولاد الجاليات ورصد الأموال الطائلة لها وبذلها .(1/68)
وقد اتخذ أعداء الله وسيلتين لضمان الإقبال عليها ودفع أولاد المسلمين إليها ، فجعلوها أولا وسيلة للرزق من ناحية جعل الأولوية للمتخرجين منها في الوظائف ، كما أكسبوها مكانة اجتماعية تفوق مكانة الدارسين في المدارس الحكومية أو الخاصة ، ولهذا يلقب المنتسبون إليها بالطبقة الجديدة والطبقة المعاصرة والطبقة المتطورة (50) .
وكان أبرز أهداف نشر التعليم الأجنبي بين المسلمين تغليب اللغة الأجنبية علي اللغة العربية لتدريس المواد ، وبث الفكر الأجنبي في عقول الناشئة من خلالها ، ولا يخفي أن فرض اللغة الأجنبية كلغة لتعليم المواد الدراسية ، هو في حد ذاته اقتحام للحصن الإسلامي المتمثل في اللغة العربية بإبعاد مظهريتها شعارا لأهل الإسلام ، وحجبها عن لسان الناشئة ، وكم في هذا من إضعافها وتبغيضها في نفوسهم ، بل عزل لهم عن إسلامهم ، فإنه إذا حيل بين المسلم ولغته لغة القرآن ، تم العزل له بطبيعة الحال عن إسلامه وأمجاده وحضارته ، وأول ما ينزع منه اعتقاده في كتاب ربه الذي نزل بلسان عربي مبين علي خاتم الأنبياء والمرسلين .
ونتيجة لتدريس المواد بغير العربية يتكون لدي الطالب عقدة الإحساس المعمق بقصور لغته عن تدريس العلوم الحديثة ، ثم قطع صلة هذه العلوم بالإسلام ولغته العربية ، ثم أنفة الشباب المسلم من لغتهم وآدابها ، وزهدهم فيها حتى لا يعلموا منها إلا ما يعلمه العامي منها ، وهذا سبب فعّال في تدهور اللغة العربية وحجب شيوعها واستعمالها (51) .
ومن آثار خطتهم وجود استعداد تام لدي عامة هذا النشأ المسلم الذي تربّي في هذه المدارس الأجنبية ، والذي بقي له شيء من إسلامه بتصويب السهام إلي اللغة العربية من كل جانب ، وأصبحت عنده حساسية مفرطة ضد من يخطئ في اللغة الأجنبية التي تلقنها ، أما لغته العربية فلا بأس أن يجمع هو أو يمر علي سمعه جميع سوآت اللحن .(1/69)
هذا الوضع المزري ينتقل بالطبع إلي كل ما هو مكتوب باللغة العربية ، وأعظم ذلك القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين ، فلا يحسن قراءته فضلا عن فهمه وتدبره ، وهذا آخر المطاف المطلوب ، صرف الجيل عن تراث الأمة الإسلامية المكتوب بلسانها العربي ، وفي مقدمتها الوحيان الشريفان الكتاب والسنة ، والانصراف إلي التراث الوافد المكتوب باللغة التي تلقنها وشب عليها ، وكسر عقود حياته في دراستها ، كما هو مشاهد ومعروف في أبناء كثير من الدول العربية التي سلخ الاستعمار لسانها (52) .
فهذه المدارس المظلمة بالقومية القائمة مِهادٌ لنشر ثقافتها التاريخية ، ولضرب الحصار علي عقلية الجيل المسلم عن تاريخه وشحنه بتاريخ أوروبا وأمريكا مثلا ، فهو لا يري من خلال دراسته وموادها وأساتذتها ومناهجها إلا تاريخ أوروبا مثلا ، وأنها أرقي الشعوب ، مدنيتها هي الأم للعالم ، وأنها هي الجديرة بالسيطرة علي العالم قوة وفكرا ، وأما تاريخ الإسلام فمحجوب عنه مشوب بالنقص والاحتقار ، والحاصل أن التعليم الأجنبي إبادة للأجيال المسلمة ، وصياغة لها في ثقافتها التاريخية بما لا صلة له بالإسلام ولا بالمسلمين .
إن الوليد المسلم الذي يرمي به أبواه في أحضان هذه المدارس الاستعمارية إما أن يخرج مسلما خواء مفرغا من مقوماته من حيث لا يشعر ، مشحونا بمقومات غيره في دينه وثقافته ، يستخدمونه لأغراضهم وغاياتهم ، وإما رِدّة إلي غير دين ، وإما الرِّدة إلي النصرانية واستحسان شعائرهم وترانيمهم ، وإثارة الشبه حول الإسلام وتلقينها تلكم النفوس البريئة (53) .(1/70)
فمن آثار التعليم الوافد وجود طبقة بين المسلمين من ذراريهم مسلوبة خاوية مفرغة من موالاة المسلمين والبراءة من الكافرين ، والغيرة علي الدين ، يعيشون بين أمراض الشبهات وعقدة الشك والصراع الفكري والعقدي ، وبين أمراض الشهوات ، فيعايشون الحياة الغربية بلسانهم ومعلوماتهم ولباسهم ونمط حياتهم وغدوهم ورواحهم في غاية من التغريب والتفرنج ، وهم بهذه المعايشة في الفكر والسلوك ينشرون التغريب والتشبه بأعداء الله بين المسلمين ، وهذه الطبقة خسارة في الوجود الإسلامي وانكسار في رأس مال المسلمين (54) .
ومن فعاليات هذه الطبقات وآثارها في انحراف المسلمين ، ما يحصل من ابتلاء الأمة الإسلامية بهذا الجيل مما هو شوكة في نحرها إذ تتعالي صيحاتهم ، وتتعدد نداآتهم بفرنجة المسلمين ، وتجاوز القيود الشرعية عن حياتهم ، وبث جرائمهم وسلوكياتهم الأوروبية أو الأمريكية بين المسلمين ، ويتنكرون لحياتهم المبنية علي العبودية لله ، والاحتشام والمثل العليا في الإسلام ، ويبغونها إباحية ماجنة ، وهم في الحقيقة دعاة التمرد علي الوحي والإرهاب .
هذا الجيل المظلوم من أبويه الظالم لأعقابهم ، هم سعاة الفتنة في المبادئ الإباحية والإلحادية ، مثل إلحاحهم علي قضايا فصل الدين عن الحياة ، وتهميش دور العلماء ، وصرف النظر عن تحريم الربا والخمر والميسر ، والتركيز علي قضايا المرأة باسم تحريرها وحريتها ومساواتها بالرجل ، وبالجملة الدعوة إلي صياغة المجتمع الإسلامي وصبغة من جديد بالصبغة الأوروبية أو الأمريكية أو غير ذلك ، كل بحسب فكر من تولي تلويثه (55) .(1/71)
أما بعد ظهور الفضائيات وسهولة استقبالها ، وسرعة تلقي المعلومات من خلال شبكة الإنترنت ، فإن الهدف النصراني الذي حقق نتائج مبهرة في تغير الجيل الإسلامي من خلال العملية التعليمية أخذ بعدا جديدا ، فلم تعد هناك حاجة لفتح المزيد من المدارس الأجنبية في بلاد المسلمين ، لأن الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة أذابت الحواجز الجغرافية ، ونشأ ما يسمي التعليم عن بعد .
والتعلم عن بعد هو برنامج أو دورة تعليمية تعتمد علي استخدام الفضائيات والإنترنت والتقنية الحديثة من برامج صوت وصورة وقواعد بيانات لتقدم الدروس للطالب حيثما كان ، وفي أي موقع علي خارطة العالم يتواجد وفيه ، ويستطيع عن طريقه الاتصال بالإنترنت أو غيره ، ويعتبر الآن في أغلب الأحيان دورة مساعدة لتعزيز القدرات ، وأن كانت بعض الجامعات تقدم دراسات البكالوريوس والدراسات العليا الرسمية عن بعد ، كما تعد هذه الطريقة في نظر الكثيرين من دعاة العصرية والتطور هي الطريقة المثلي للأشخاص الذين ليس بإمكانهم الانتظام بحضور الدروس التعليمية والالتزام بجدول المحاضرات اليومية كما لا يتطلب هذا النوع من التعليم إلي تفرغ تام ، بل يمكن الانضمام إليه دون ترك الوظيفة أو الدراسات الأخرى (56) .
فبوسع كل كجامعة شرقية أو غربية أن تستأجر أحد القنوات الفضائية وتعلن عن برنامج للدراسة علي المستوي التمهيدي أو الثانوي أو المستوي الجامعي وما بعده ، ومن خلال التواصل عبر الإنترنت تتم المراسلة والمشاركة من قبل الدارسين مع القائمين علي الهيئة التعليمية ، ويعتقد الكثيرون أن التعليم في السنوات المقبلة سوف يعتمد اعتمادا كليا علي هذا الأمر ، وسوف تتأثر العملية التعليمية بنمطها التقليدي تأثرا بالغا .(1/72)
ولعل قنوات النيل التعليمية خير دليل علي المساهمة في تحقيق هذه الفكرة ، فقد تعددت القنوات وتنوعت بحيث تجذب الدارسين علي مختلف أعمارهم ، ويذكر المشرفون علي تلك القنوات أن قناة التعليم الابتدائي تقوم بعرض المنهج الدراسي باستخدام وسائل تعليمية جذابة ومشوقة ، من مشهد تمثيلي مبسط إلي الجرافيك والرسوم المتحركة ، وأيضا التصوير الخارجي ببعض المعامل ، واللجوء إلي الشكل التسجيلي التعليمي ، والدراما التعليمية في برامج اللغات ، وقناة التعليم الإعدادي تقوم بإخراج البرامج التي تتسم بالبساطة والقدرة علي شرح المادة العلمية بأسلوب مشوق ومبسط باستخدام الشكل الدرامي التعليمي والأفلام العلمية والتصوير الخارجي وغيرها من وسائل تبسيط وشرح المادة العلمية ، وقناة التعليم الثانوي تقدم المنهج بصورة متطورة باستخدام التصوير الخارجي في معامل المدارس وأعمال الجرافيك في الرياضيات ، والاستعانة ببعض أساتذة الجامعات واستخدام المشهد التمثيلي في بعض الأحيان حسب طبيعة البرنامج ، وقناة التعليم الفني ، وتتناول برامجها كافة التخصصات لإكساب الطلاب المهارات الحرفية ، والخبرة العلمية في مختلف المجالات باستخدام التصوير داخل المزارع والمصانع والبنوك والشركات ، واستضافة متخصصين في المجالات المختلفة لتنمية قدرات الطلاب وإكسابهم الخبرة والمهارات ، وقناة المعارف تهدف إلي إثراء المادة العلمية وإعطاء معلومات مفيدة لتناسب جميع الأعمار ، وذلك بهدف المساهمة لتوصيل المعلومة المقررة للطلبة بطريقة شيقة وغير مباشرة ، والمساهمة في العملية التعليمية ، وتنمية المهارات والمواهب لدي الطلبة ، وأنتجت القناة برامج عديدة كبرنامج ذاكرة التعليم إلي ابنتي الحبيبة ، والاستثمار في البورصة عالم المعرفة ، وقناة اللغات تقوم بتعليم اللغات المختلفة مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية والإيطالية والعربية للناطقين بالفرنسية وغيرها ، وتعمل(1/73)
قناة النيل للتعليم العالي علي رفع كفاءة التعليم الجامعي ، وتساعد علي تذويب التباينات الجغرافية وتتيح فرص التعليم بعد الجامعي ، والتعليم المستمر لأكبر عدد ممكن محليا وإقليميا من خلال قنوات وأساليب ملائمة لتوفير متطلبات التحويلات الاقتصادية ، والتنمية من الموارد البشرية (57) .
أما قناة المنارة من وجهة نظر القائمين عليها فهي قناة لها جذور قومية كبيرة تعكس الاهتمام المتزايد بأهمية البحث العلمي في تطوير حياتنا ، فبدون العلم لن يكون هناك تقدم ومن هنا يبرز دور هذه القناة ، فتقوم قناة المنارة بنشر الوعي العلمي والتكنولوجي حتى يمكن الوقوف علي ما يقدمه المجتمع العلمي والمجتمعات الدولية من معارف و خبرات جديدة .
وكذلك قناة النيل الثقافية توالي نشاطها في كافة مجالات الثقافة من فنون وآداب وعلوم اجتماعية ، حتى تقدم للمشاهدين تلك الوجبة الثقافية المتنوعة ، وراعت القناة أن تقدم جرعات فنية ثقافية عن عروض البالية المصرية والعالمية ، وحفلات ومهرجانات الموسيقي العربية بالإضافة إلي برامج الثقافة المتنوعة ، وبذلك تحاول قناة النيل الثقافية أن تمد المشاهد المصري والعربي بجرعات ثقافية تبرز الحضارة العربية الإسلامية والتراث الثقافي في صورتها الحقيقة في محاولة لإحداث توازن مع إشعاعات الثقافة العربية كل ذلك من خلال أشكال إبداعية حديثة (58) .
وعلى الوتيرة نفسها تأتي قناة المناهج حيث نهجت الطريق نفسه في استخدام الفضائيات والتعليم عن بعد في قنوات المناهج التعليمية ، وصرح القائمون علي الشبكة بأن قناة المناهج هي أحد الأوعية الإعلامية التي ستعمل علي استثمار قدرات الطالب وتفعيل دور المدرسة والمنزل للنهوض بالعملية التعليمية(1/74)
وقال المدير العام لقناة المناهج : ( لقد بدأت اللجان المتخصصة في الشبكة وبالتعاون مع خبراء ومؤسسات التربية والتعليم في العالم العربي ، مثل مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي ، والمنظمة العربية للعلوم والثقافة ، بدأت بوضع أسس وخطط واستراتيجيات القناة ، والتي تهدف من خلالها إلي تقديم الرسالة التعليمية بالأسلوب العصري المشوق ، وتعزيز قيم الشريعة واللغة العربية وربط العلوم بالحياة اليومية ، ومساعدة وإعداد الطلبة نفسيا وتربويا وعلميا ، لتجاوز المراحل التعليمية المختلفة بكل يسر وسهولة ، مما سيساعد مستقبلا في النهوض بالعملية التعليمية وإنشاء جيل أكثر ثقافة واطلاعا وتفهما ، كما أنها ستعمل علي إبراز المواهب الطلابية ورعايتها ) (59) .
ويواصل المدير العام حديثه بأن هذه القناة ستعمل علي بلورة نظرة شمولية للمناهج التعليمية المختلفة في بلادنا العربية ، وتوطيد العلاقات بين الدارسين والتربويين العرب ، كما أنها ستمثل دعما تدريبيا وتطويريا للمدرسين من خلال برامج خاصة بالمهارات والندوات التعليمية ، كما سيكون للمنزل حصة كبيرة في تنمية العملية التعليمية ، وتحفيز دور أولياء الأمور للمشاركة بما يعود علي الطلاب بالنفع بشكل عام (60) .
والقائمون علي هذه القناة اتبعوا في إنتاج برامجها المنهج الغربي شبرا بشبر وذراعا بذراع كما أشار المدير العام للبرامج التربوية بأن قناة المناهج ، قد قامت بتجربة الإنتاج التلفزيوني التعليمي النموذجي ، وهي تجربة فريدة وجديدة ليس علي العاملين في شبكة راديو وتلفزيون العرب بل علي جميع العاملين في مجال الإنتاج في الوطن العربي ، وتم الاستفادة من التجربة الأوروبية والأمريكية واليابانية مع استخدام تقنية مشابهة لتتمشي مع متطلبات العصر ، وتقدم الجرعات التربوية في حجمها المطلوب (61) .(1/75)
صحيح أن التطور والنهوض بالعملية التعليمية التي تؤدي إلي فهم الإسلام بصورة صحيحة أمر مطلوب ، ولكن يجب الحذر من الثغرات المفتوحة التي يتسلل منها الغزو الفكري إلي عقول شبابنا وقلوبهم ، والتي يتمثل أبرزها في النقاط التالية :
1- أن القنوات الفضائية التعليمية مرسلة إلي الأسرة عبر أثير حر ، وليس إرسالها مقصورا علي التعليم فقط ، فأغلب ما يحدث أن الطالب إن ترك بمفرده دون إشراف ، ترك القنوات التعليمية وبحث عن قنوات الأفلام والأغاني والرقص ، وهي وفيرة بمباركة الشيطان عند الذين نفذوا هذا المشروع .
2- إن لم يكن رب الأسرة قد أدخل في بيته نظام الاستقبال الرقمي ، وأصبح التعليم عن بعد ضرورة في المؤسسات الرسمية معتمدة علي هذا النظام ، فسيتوجب عليه إدخاله ، وإلا سوف يبقي في نظر الكثيرين رجعيا متخلفا ، وإن وافق ليكون في نظرهم عصريا متحضرا وقع في المحذور الأول وفتح علي أبنائه باب جهنم .(1/76)
3- أن هذه القنوات ليست سعيا في إصلاح التعليم وانتشاله مما وقع فيه ، ولكنها تطوير بشكل فعال لتثبيته علي ما هو عليه ، فالسعي في إصلاح التعليم وإصلاح الأخلاق والعناية بتعاليم الدين ، وفي تطبيق أخلاق الدين علي المعلمين والمتعلمين ليس له نصيب مناسب في برامجهم ، فأغلب ما يبث من البرامج يدور حول المواد العلمية كالكيمياء والفيزياء والأحياء وتعليم اللغة الإنجليزية والقواعد الرياضية والهندسية وغير ذلك من العلوم المادية ، لكن تعاليم الدين كأساس في تربية الجيل ليس هدفا أساسيا ، ولذلك لا نري دورا يذكر للمؤسسات العريقة كالأزهر الشريف والجامعات الإسلامية في العالم العربي ومؤسسات المعاهد الإسلامية العلمية في تتبني مثل هذا المشروع ، فتعاليم الدين إذا جعلت هي الأساس أو الأصل في التعليم ، فإن الدين يهدي ويرشد للتي هي أقوم وأصلح من جميع العلوم التي تفيد الناس في دنياهم ، ولا مانع عند ذلك إن طبقت العلوم الأخرى كوسائل تعين عليها وترجع إليها .
ولا يعني هذا الدعوة إلي قصر النظر وإضعاف البصر عن العلوم العصرية أو القدح في العلوم الكونية ، فإن الواجب التمييز بين العلوم العصرية النافعة التي لا تؤثر في العقائد الدينية أو تحدث فيها آثارا ضارة ، وبين العلوم العصرية التي سلكت سبيل النظريات الخاطئة الباطلة المبنية علي الجهل والضلال ، وعلي خلاف المعلوم من دين الرسل ، فكم لهذه العلوم الضارة من الآثار والنتائج القبيحة ، وكم أهلكت من ضعفاء البصائر ، ومن لا معرفة لهم بالدين ، وكم كان المشتغلون بها أعداء لدينهم وقومهم وأوطانهم ، وسلاحا للأعداء عليهم .(1/77)
4- أن الطلاب الذين سلموا أنفسهم وعقولهم وأفئدتهم لمقدمي البرامج في تلك القنوات ، في خضم الاهتمام بالتحصيل العلمي أمام تلك الفضائيات تنقدح في أذهانهم الصورة التي يظهر عليه مقدموا البرامج كقدوة للناشئة ، ويعتبرونها الأصل في تقييم ما يجب وما لا يجب ، فلا مانع أن تكون المعلمة كاسية عارية ، أو ملابسها ضيقة فاتنة ، تنتهج في ذلك كل ألوان الموضة التي يبثها الأعداء ، ولا مانع ألا يري في صفوة الأساتذة إلا كل أمرد حليق متشبه بالنساء ، أو أن تقدم بعض المناظر التوضيحية من سلوكيات الغرب وغيرهم من الأعداء ، فهي تنتهج نفس المنهج الذي تبنته المدارس الأجنبية التي لم تؤسس إلا كمصائد يصطادون بها كل من تعلم فيها ، ويلقونهم في هُوّة الهلاك ، ومعلوم لكل عاقل ما أفرزته من نتائج وخيمة وعواقب ذميمة ، فانظروا حالة المتعلمين بها وهم أغلب المقدمين للبرامج التعليمية في الفضائيات ، فإنهم لا يزالون في ترد من سوء إلي أسوأ منه ، لأنها انتهجت لهم منهجا مرسوما علي الغاية التي يريدها الأعداء ، فإنها تعمل علي التحلل من الدين ، ومن جميع تقاليده وأخلاقه ، وأخلاق أمته وشعائره الدينية وفضائله السامية ، وتمسخ الجيل المتعلم بها مسخا مشوها ، تربي المتعلمين تربية تضعف عقولهم وتسلب أخلاقهم ، وتتمسك بأهداب الغرب المادية ، حتى تنتج جيلا يحيا في عزلة تامة عن كل ما يربطه بدينه وتاريخه المجيد ، فهي دائبة علي محو كل طابع وصلة بدينهم وأمتهم من أذهان التلاميذ ، ولا تزال تنفخ في عقولهم روح التعظيم لأعدائهم ، والإعجاب بهم ، والرغبة العارمة في اتباعهم ، وهذه سلسلة عظيمة من سلاسل الغزو الفكري ، يجرون به النشء المطاوع لهم وصفوة الجيل إلي كل خلق رزيل ويبعدونهم عن كل خلق جميل .(1/78)
5- من أنكي وأخطر أسلحة الغزو الفكري في التعليم عن بعد ، هو ما يبث أو سيبث في القنوات الفضائية التي تتبناها الجامعات الغربية وغيرها ، فأصبح الحصول علي الشهادة مع ضعف الكفاءة أمرا سهلا ميسورا لكل مبتغي ، ولنضرب بعض الأمثلة الواقعية :
أ- جامعة التكوين المتواصل للتعليم عن بعد ، فإعلانهم يذكر للمتابع أن الجامعة في متناولك ، إن فرع قانون الأعمال مفتوح هذه السنة في المراكز الآتية : بوزريعة ، غرداية ، أدرار ، تلمسان ، الجلفة ، الشلف ، قسنطينة ، باتنة ، البليدة ، تيزي وزو ، مستغانم ، مدة التكوين ثلاث سنوات بما يعادل ستة سداسيات لتحضير شهادة الدراسات الجامعية التطبيقية ، إن مضمون هذا التخصص الأهداف المتوخاة منه يرمي إلي تعريف الطالب بمختلف الجوانب القانونية المرتبطة بالانفتاح علي اقتصاد السوق ، هذا الفرع يسمح للطالب بتحصيل معلومات معمقة عن القانون المدني والقانون التجاري ، وتكوين العقد وعقد البيع وحماية المستهلك والإفلاس وحتى الملكية ، وأيضا القوانين المختلفة المتعلقة بالجوانب القانونية التي تخص عالم الأعمال ، والبرنامج التفصيلي للسنة الأولي : قانون العقود ، وقانون الاستهلاك ، والمنهجية ، والعلاقات التجارية الدولية ، والإنجليزية التقنية ، والفرنسية التقنية ، والقانون التجاري ، ومدخل للعلوم القانونية ، أما الدعائم المنهجية ، فعبارة عن مطبوعات ودروس مسجلة وتجمعات دورية وهاتف وفاكس ودروس عن طريق الإذاعة ، ودروس اللغة الإنجليزية عن طريق التلفزيون (62) .(1/79)
ب- وتجد إعلانا آخر يجعل كل شهادة من أرقي الجامعات الأمريكية ممكنة دون عناء ، يقول الإعلان العجيب : حقق طموحاتك اليوم للحصول علي شهاداتك العليا من أرقي الجامعات الأمريكية ، برامج متكاملة للحصول علي الدبلوم والبكالوريوس والماجستير والدكتوراه ، والمحاسبة والزراعة وأستاذ مساعد والتّجارة والعدالة الجنائيّة ، والتّجارة الإلكترونيّة والتّعليم والهندسة والصّحّة والتّاريخ والموارد البشريّة وعلم الكمبيوتر ، والصحافة والاتّصالات والقانون وعلم المكتبات واللّغويّات والتّسويق وإدارة الأعمال ، والتمريض وإدارة المشاريع وعلم النفس والأمن والتحقيقات والكتابة ، والتّقنيّة واتّصالات سلكية ولاسلكية ، والسياحة والضيافة والتعلم عن البعد ، ومناهج الفن وعلم الفلك والطهي والتجارة الإلكترونية ، والبيئة والاستثمار والاهتمام العام والتعليم الدولي ، ومناهج الإنترنت ومناهج اللغة والتشفير الطبي والصحة ، ومناهج الموسيقي والتغذية والصحة الكلية ، وتطوير الشخصية ومناهج التصوير ومناهج العلم والرياضات والترفيه وإعداد المعلم والتدريس علي الشبكة والكتابة التقنية ، ومناهج تصميم الويب ومناهج الكتابة وتدريب تصميم الجرافيك ، وتدريب الموارد البشرية والتدريب والتوثيق ، وتدريب لينكس وتدريب الكمبيوتر علي الشبكة ، والتدريب المحترف والأمان والتدريب الصناعي ، وتدريب المبيعات ، والتدريب المهني وتوثيق ويب ماستر (63) وللقارئ أن يتصور كيف يتم كل هذا دون لقاء تعليمي بين المعلم وطلابه ؟(1/80)
حـ- وتعلن جامعة برنجهام الدولية أن هدفها تقديم الشهادات الجامعية للذين يملكون خبرة في مجال معين ، وتقدم جامعة برنجهام الدولية جميع الشهادات في جميع التخصصات ما عدا التخصصات الطبية ، وتقدم جامعة برنجهام الدولية شهادة البكالريوس والماجستير والدكتورة ، يقول الإعلان إن جامعتنا تقدم الشهادة الجامعية للناس الذين يملكون الخبرة في مجالهم ، ومن خلال خبرتهم نحن نمنحهم الشهادة الجامعية بما علمتهم الحياة (64) .
ولنري رأي من جربوا هذا النوع من التعليم يقول أحدهم من الأردن : ( سجلت بأحد الدورات المتخصصة في البرمجة مجال عملي ، ولم تكن هناك أي مشاكل تذكر في المصداقية أو التواصل معهم وحصلت علي الشهادة التي وعدوا بها لكن بصراحة أعتقد أن الاستفادة لم تكن كما توقعت ، وليست كالحضور بانتظام في الدراسة التقليدية ) (65) .
وتقول احدي الدارسات من القاهرة في شأن التعليم عن بعد ، تقول باستنكار : ( لا يمكن أن أخوض تجربة من هذا النوع ، فلا يوجد ما يضمن لي الفائدة ولا أستطيع أن أطلب إعادة الشرح لو لم أفهم نقطة ما ، ولا أتخيل أن يقوم جهاز بدور المعلم فللمعلم مكانته واحترامه ، ولو استبدلناه بآلة فغدا سنلغي دور الإنسان ) (66) .
ويحكي أحدهم من السعودية عن تجربته الغريبة يقول : ( كانت لي تجربة لم تكن ناجحة وبرزت فيها مشكلة انعدام الاتصال المباشر وصعوبة مراجعتهم ، فبعد أن أرسلوا المقررات وطلبوا مني أن أذاكر كل أسبوع عددا من الأبواب ، حتى أجيب علي الواجب الأسبوعي المحدد وأرسله لهم بالبريد الإلكتروني ، حدث شيء غريب وهو أنني كلما أرسلت الواجب أتلقي بعدها بقليل إنذار لأن الواجب لم يصلهم ، وأعيد إرساله ويزعمون بأنه لم يصل حتى انقضت المهلة ولا أدري إن كانت بالفعل رسائلي لا تصلهم أو شيء آخر ) (67) .(1/81)
تقول أخري : ( لقد فتحت لنا هذه الدورات نافذة جديدة ، وأمل لإتمام تعليمنا والحصول علي شهادات ، فأنا علي سبيل المثال تزوجت بعد انتهائي من المدرسة مباشرة ، ولم أتمكن من الذهاب إلي الجامعة ، وهناك عدد من زميلاتي لهن نفس ظروفي ، فما أن سمعنا عن هذه الجامعات حتى بدأنا بالبحث عن طريقة التسجيل بها للاستفادة ، وقد سبقتنا بتجربتها احدي قريباتي وشجعتنا عليها ولكن العقبة الوحيدة هي عدم إجادتي للغة الإنجليزية ) (68) .
? تجربة رائدة في نشر رسالة الإسلام :
التعليم عن بعد في البلاد الإسلامية ضرره أكبر من نفعه ، فهو يمثل ثغرات بل فجوات يتسلل منها الغزو الفكري إلي قلب العالم الإسلامي ، ومن الإيجابيات لمثل هذا النوع من التطور هو الغزو العكسي من خلال استخدام هذه الوسائل في تأهيل دعاة الإسلام في البلاد الغربية ، ودعوة الغربيين إلي ما ينفعهم في الدنيا والآخرة ، ومن التجارب الرائدة مشروع الجامعة الأمريكية المفتوحة ، وهي كما يذكر القائمون عليها مؤسسة تعليمية تربوية مستقلة ، مقرها عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية ، ويشرف عليها نخبة من المتخصصين في العلوم الشرعية والتربوية ، وهي جامعة إسلامية رائدة في مجال التعليم عن بعد ، تقف علي ثغرة عظيمة هي أمانة نشر العلم الشرعي ، المستند إلي كتاب الله وسنة رسوله S ، وإيصاله إلي كل راغب فيه ، مع استخدام أحدث وسائل التقنية المعاصرة لطريقة التعليم عن بعد ، بضوابطه التي تقربه من التعليم المباشر ، وقد خطت الجامعة خطوات ثابتة ومتزنة ، واستفاد منها كثير من الدارسين والدارسات في مختلف أنحاء العالم وبخاصة في أمريكا .(1/82)
وتتميز الجامعة الأمريكية المفتوحة بسلامة المنهج الذي تسير عليه الجامعة ، وهو منهج أهل السنة والجماعة في الأصول والفروع ، مع وسطية الطرح الذي ينأى عن الإفراط والتفريط ، كما أنها تستفيد من جميع الأساتذة والمشايخ الموثوقين دينا وعلما أينما كانوا ، دون الحاجة إلي وجودهم في مكان واحد ، وكذلك مرونة النظام الدراسي الذي يمنح الطالب فرصة اختيار عدد المقررات التي تناسب ظروفه ، وهي تتبني خدمة القضايا التي تمس المسلمين في المجتمعات الغربية بصفة خاصة مع تدريس بعض المقررات التي تمس الحاجة إليها ، كحجية السنة وفقه النوازل ، وهي تقوم بإعداد المقررات بأسلوب جذاب يتناسب مع متطلبات التعليم عن بعد ، وييسّر للدارسين التعلم الذاتي تحت إشراف أساتذة متخصصين ، ولا تتقيد بمواعيد محددة تلزم الدارس بالحضور ، مما ييسر الأمر علي الدارسين من الجمع بين التحصيل العلمي والعمل الوظيفي ، وهي تستفيد بشكل فعال من وسائط التقنية المتقدمة في خدمة علوم الشريعة وإيصالها للراغبين فيها ، غير أنها من وجهة نظري تفتقر إلي قناة فضائية في خضم معمعة الفضائيات الكبرى لشرح برامجها ومقرراتها (69) .
وفي الحقيقة يجب تبني مثل هذه الجامعة في حملة أمانة حسن التعريف بالإسلام في الغرب ، بعيدا عن آراء المستشرقين ، والعمل علي إزالة الشبهات الكثيرة والخطيرة عن الإسلام من العقلية الغربية ، كما أن ظهور المعتقدات الباطلة والبدع والأفكار الخطيرة التي تتبناها وتبثها بعض الفرق باسم الإسلام في أمريكا والبلاد الغربية ، يستوجب بيان حقيقة الإسلام عقيدة وشريعة للمسلمين خاصة وللغربيين عامة وهذا في حد ذاته يمثل غاية سامية .(1/83)
فاستخدام التعليم عن بعد تعليم في نشر الإسلام من نعم الله التي هيأها في هذا العصر ، فالتعليم عن بعد تعليم لا تحده أسوار ولا جدران ولا فصول ولا بلدان ، يعتمد طريقة نقل العلم وإيصاله إلي الدارسين حيثما كانوا ، وقد ساعد علي ذلك التطور التقني الهائل ، بظهور وسائل البث المباشر في الفضائيات وشبكة الانترنيت ، ووسائل الاتصالات الحديثة ، التي جعلت من الكرة الأرضية قرية صغيرة ، يتخاطب أهلها ويتواصلون صوتا وصورة وإن تباعدت أماكنهم (70) .
ومما يشار إليه أيضا في هذه التجربة الرائدة جامعة لندن المفتوحة ، فهي مؤسسة علمية مستقلة تكرس جهودها لتطوير الدراسات الإسلامية العربية العليا ، وتسعي لتأمين الدراسات الجامعية لكل راغب بطريقة سهلة ومبسطة من خلال الدراسات المفتوحة عن بعد علي منهج أهل السنة والجماعة ، وهدفها من ذلك إحياء المعارف والعلوم الإسلامية وتيسير دراساتها لكافة الراغبين ، دون النظر للجنس أو العرق أو المكان ، مستفيدة من وسائل التقنية الحديثة في نقل المعلومات وتداولها بين الأوساط الأكاديمية ، كما أنها تقوم بإعداد البرامج الدراسية لكافة المستويات من قبل نخبة من الأساتذة ذوي الخبرة العلمية العالية المتواجدين في أقطار مختلفة من العالم (71) .
المطلب الثامن
الغزو الفكري والشبكات التلفزيونية المشفرة(1/84)
تعتبر الشبكات التلفزيونية المشفرة في تعاملها مع أهواء المشاهدين بحر بلا شطئان ، وكأس إدمان لكل ظمآن ، متاهة عميقة ، وهوة سحيقة ، لا مجال للخروج منها إلا بالغرق في هذا الطوفان ، فهم أعدوا لكل مشترك ما يحقق رغبته ويشبع شهوته ، فيها كل لون من الألوان ، إن أردت أخبارا تأتيك من كل مكان ، فها هي القنوات الإخبارية ، وإن أردت الفسوق العصيان ، فها هي القنوات الانحلالية ، فيها ما تريده من مشاهد إباحية ، وها هي قنوات الرقص والخلاعة والأغاني الغربية ، وها هي قنوات الأزياء الإباحية العالمية ، وإن أردت أن تضيع الأوقات في متابعة الألعاب الرياضة فها هي القنوات الرياضية تنقل كل المباريات العالمية ، ولا تنسوا اصطحاب أطفالكم في القنوات الكرتونية ، وبناتكم في قنوات المسلسلات الهزلية والأفلام العربية والعالمية ، التي تقدم الجريمة بكل أشكالها التقليدية والعصرية ، بلا قيود أو حذف للمشاهد الغرامية ، وإن أردت جرعة إيمانية تحدث التوازن للذات الإنسانية فها هي قناة اقرأ الإسلامية والبرامج التثقيفية .
انتشرت الفضائيات المشفرة علي هذا النحو بصورة مفزعة ، فالطبقة التي تتعامل مع هذه الشبكات هم الطبقة أصحاب الذوات ، التي تتسم بالدخل العالي وتوفر الإمكانيات ، وغالبا ما تستهدف مثل هذه الفئات ، فالحصول علي وحدة فك الشفرة الرقمية المدمجة ، مع صحن الاستقبال المناسب وإبرة استقبال البث الفضائي ، بالإضافة إلي بطاقة الاشتراك التي وفرها وكيل الأجهزة والمعدات اللازمة للاستقبال ليس في إمكانيات الجمهور من العوام .
ولذلك فإن من يقع في مصيدة هذه الشبكات ، يتعرض لأسلة الغزو الفكري الأنكى تأثيرا والأوسع دمارا ، ولا يبقي من الفريسة سوي لحم علي عظم ، وهذه نماذج من تلك الشبكات ، ويكفي من القصيدة عنوانها :(1/85)
1- قنوات أوربت العربية ، ماذا تقول أوربت عن أفضل قنواتها ؟ القناة الأولي قناة الأفلام العربية التي تعرض مختلف أنواع الأفلام الحديثة والكلاسيكية ، وتغطي مهرجانات السينما العربية والعالمية ، وقد كانت القناة الأولي أول قناة عربية تبث أفلاما عربية مدبلجة إلي العربية إلي جانب تقديمها لقاءات معمقة مع نجوم السينما العربية والعالمية ، أما القناة الثانية فهي قناة أوربت العربية الفريدة التي تجمع بين متعة الترفيه وفائدة الثقافة عن طريق تقديم مجموعة جديدة من البرامج العربية والعالمية من كوميدية ووثائقية ودرامية وحوارية ، بالإضافة إلي المنوعات والموسيقي والأزياء العالمية ، القناة الثانية قناة الترفية العربية التي أسرت قلوب المشاهدين في المنطقة ، وتجد جيوشا جرارة من قنوات الغزو بعد الأولي والثانية ، كقنوات المسلسلات والأفلام والرياضة والأطفال والأخبار وغير ذلك مما يصعب حصره ووصفه (72) .
وقد قدر لي أن كنت ضيفا عدة مرات علي القناة الثانية التي يزعمون أنها أسرت قلوب المشاهدين في المنطقة في البرنامج الشهير علي الهواء ، حيث كان محور الحديث عن الأسماء الحسني وقضية الابتلاء ، وكان معي في اللقاء أخوان كريمان ، ونحن بالطبع مشايخ ليس لنا في التعرف علي القناة أو أهدافها أو ما يتخلل حديثنا من فواصل إعلانية انحلالية ، رآها المشاهدون في مثل هذه اللقاءات ، غير أن المحاور يقطع الحديث فترة للإعلان ثم يعاوده ، وكان الغريب في الأمر أن المحاور جاهل بمفردات الحوار الذي شاركنا فيه معد البرنامج قبل اللقاء ، وبدا للمشاهد أنهم أقحمونا كمشايخ متخصصين في العقيدة ، ليوحوا للناس أن الشبكة يحاضر فيها فلان وفلان وهم أساتذة في الجامعات ، فأصبحنا كطعم الصياد ، ونسأل الله العفو والمغفرة .(1/86)
2- شبكة قطر كيبل فيجن أو QCV كيوتل ، وهي المؤسسة العامة القطرية للاتصالات السلكية واللاسلكية التي أدخلت خدمة الكيبل التلفزيوني اللاسلكي ، وهي خدمة تقدم علي أفضل وأحدث التقنيات لتوصيل البرامج التلفزيونية الفضائية إلي البيوت في قطر بنظام لاسلكي ، وتقدم خدمة قطر كيبل فيجن إلي المشتركين علي أسس تجارية ، ويسمح للمشتركين بطلب الاشتراك في قنوات تلفزيونية فضائية عديدة ، محلية وإقليمية خليجية وعربية وأمريكية وأوروبية وآسيوية وغيرها ، الكثير من القنوات الاختيارية مدفوعة الاشتراك مقدما ، قطر كيبل فيجن كما تقول عن نفسها قادرة علي إرضاء الاهتمامات المتنوعة للجماعات المختلفة (73) .(1/87)
3- شبكة شوتايم تقول عن نفسها : نأتيك بترفيه العالم ، تقدم شبكة شوتايم خمسة وعشرين قناة من أفضل القنوات الترفيه العالمية ، تتضمن أربع قنوات رياضية وأربع قنوات للأفلام التي تناسب أذواق كافة أفراد العائلة المختلفة ، بالإضافة إلي عشر قنوات إذاعية تبث بصوت استريو فوني نقي ، وهذا يعني قنوات أكثر وخيارات أكبر لا توجد في أية شبكة أخري في الشرق الأوسط ، وهي قناة ذا موفي تشانل ، فيها عرض متواصل علي مدار الساعة لأحسن ما أنتجته هوليود من أفلام سينمائية عالمية ، إن ذا موفي تشانل هي أفضل قناة تبث الأفلام الضخمة الجديدة والعديدة شهريا وحصريا في الشرق الأوسط ، وذا موفي تشانل الثانية تقدم كافة الأفلام التي ترغب في مشاهدتها في الوقت الذي تريد ، إذ تقدم ذا موفي تشانل الثانية المزيد من خيارات الأفلام بتوقيتات مناسبة مع ترجمة عربية ، ويبدأ عرض فيلم من الأفلام الناجحة كل ساعة بين قناة الأفلام الأولي وقناة الأفلام الثانية ، وهناك قناة ترنر الكلاسيكية قناة الأفلام التي تقدم أفضل وأرقي الأفلام وأمتنها ، منذ ولادة السينما علي مدار اليوم ، وقناة هول مارك وهي قناة شوتايم الرابعة للأفلام التي تعرض أفلاما عائلية علي مدار اليوم ، تتضمن أفلاما مثيرة فازت بجوائز عالمية ومسلسلات قصيرة مسلية ، ستنال إعجاب المشاهدين من كافة الأعمار ، وهوم سينما إنها الخدمة السينمائية التفاعلية الأولي في الشرق الأوسط القائمة علي المشاهدة حسب الدفع والمتوفرة في عشر قنوات تعرض أرقي الأفلام العربية والأجنبية هوم سينما مسرح سينمائي متعدد الشاشات في بيتك طوال اليوم علي مدار السنة ، مما يمنحك فرصة مشاهدة فلمك المفضل في الوقت الذي تريده .(1/88)
وقناة باراماونت للكوميديا ، وقناة إي الترفيهية ، وقناة تي في لاند لأفلام الحركة السريعة والمغامرات والدراما والإثارة الشيقة ، والمسلسلات المشهورةK وقناة سوني الهندية القناة الأولي في الترفيه وتقدم مباريات الكريكيت ، وبرامج ديزني مدبلجة بالهندية ، وعروضا للألعاب ومسلسلات وأفلاما متعددة أخري ، و قناةCNN الاقتصادية وهي القناة الأولي في البث التلفزيوني الحي لأخبار الاقتصاد العالمية ، المدعومة من مصادر البث التابعة لمحطة CNN الدولية ، وتتضمن تقارير كل نصف ساعة عن سوق المال ، وسي إن إن الدولية التي ليس لها منازع في تقديم تغطية مستمرة وتحليل للتقارير الإخبارية العالمية ، وشبكة كارتون نيت ويرك أفضل شبكة للأفلام المتحركة التي تقد طوال اليوم وكل يوم ، إذ لديها مكتبة ضخمة من أفلام الرسوم المتحركة من دور السينما العالمية العملاقة وقناة نيكلوديون التي تقدم أفلام كارتون وعروض ألعاب وأفلام حركة حية للأطفال ، وعدد من هذا القنوات والأسلحة الفتاكة مما لا يمكن للمشاهد حصره واستيعابه (74) .(1/89)
4- شبكة راديو وتلفزيون العربART : وهي تقول عن نفسها : الشبكة تمتلك واحدا من أكبر مراكز الإرسال التليفزيوني والإذاعي في العالم ، والذي تم تأسيسه في أفيزانو بإيطاليا مزودا بأحدث تكنولوجيا الاتصال في العالم ، وتم ربطه بأكبر المراكز الإنتاجية المنتشرة في العواصم العربية والعالمية في كل من القاهرة والأردن وجدة ، وبيروت وروما وتونس والمغرب ، والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ، هذه التقنيات الحديثة تجعل مشتركينا يتمتعون بأفضل وأرقي أنظمة للصوت والصورة ، وهو ما يسمي بالنظام الرقمي DIGITAL ، والتي كانت الريادة فيها لـ ART واليوم باقي الأنظمة الإذاعية والتليفزيونية تسعي إلي محاكاتها مما يؤكد النظرة المستقبلية لـART ، بامتلاك ART لهذه الاتصالات الضخمة والاستثمارات الهائلة المتزايدة أصبح في مقدورها أن تمتلك وتنتج سنويا ما يزيد عن ستة آلاف برنامجا ، ما بين برامج مباشرة علي الهواء وبرامج مسجلة وبرامج وثائقية وتسجيلية ، وتمتد لتشمل أكبر كم إنتاجي من الموسيقي والأغاني القديمة والحديثة والدراما السينمائية ، والبرامج التعليمية والمسلسلات والمسرحيات والرياضة بكافة أنواعها ومستوياتها المحلية والعربية والإقليمية والعالمية ، وتنفرد ART اليوم وبحكم امتلاكها أو مشاركتها أو ارتباطها بكبريات شركات الإنتاج الدرامي في الوطن العربي علي مدار ثلاثين عاما بأكبر مكتبة للأفلام العربية تحتوي علي ما يزيد عن ثلاثة آلاف وخمسمائة فيلما يستحيل أن يجاريها في ذلك أي شبكة تليفزيونية أرضية أو فضائية (75) .(1/90)
أما ما يبث فيها من قنوات فهي تماثل الشبكات السابقة وتدندن علي نفس منهجها غير أنها في خضم الاختلاط الانحلالي لقنواتها ، قدمت قناة اقرأ التي يغلب عليها الطابع الإسلامي ، لكنها قناة تذروها رياح الغزو القادم من بقية قنوات الشبكة ، فالشبكة تقول عن إحدى قنواتها : ART العالمية أكثر من مجرد قناة فهي بانوراما تقطف أحلي ثمار قنواتART ، فتأخذ من قناة الشرق الأوسط العالمية أقوي برامجها الجماهيرية ، ومن قنوات الرياضة أكبر أحداثها ومناسباتها ، ومن الموسيقي أحدث إنتاجها ، ومن أرتينز أهم ما يميزها ، ومن قناة الحكايات أشهر ما لديها من مسلسلات ومسرحيات ، وفوق كل ذلك محتويات الفضائية اللبنانية LBC ، وقناة الجزيرة الاقتصادية ، وقناة MBC وتليفزيون لبنان MTV ، وتستهدف قناة الأفلام أمريكا تلبية متطلبات العرب خارج بلادهم ، تتشارك القناة مع كثير من محتويات قناة الأفلام ، التي تعتبر قناة الأفلام الرائدة في الشرق الأوسط ، ولها نفس حقوق الحصول علي الأفلام من أكبر مكتبة من نوعها في العالم العربي ، وتقدم القناة مجموعة هائلة من الأفلام الكلاسيكية والجديدة من كل الأنواع مضافا إليها المسرحيات والمسلسلات الجديدة التي لا تتوفر حاليا علي قناة الأفلام (76) .(1/91)
طبعا لا يخفي علي المشاهدين من عامة المسلمين إدراك حقيقة الغزو التي تبثه هذه الشبكات وتروج فيه العصيان لله عز وجل ، حتى ولو أنشئوا قناة إسلامية في خضم ذلك ففي أحد ساحات الحوار مدح أحدهم قناة اقرأ فقال : ( قناة اقرأ قناة تهتم بالمستجدات الإسلامية علي وجه الخصوص ولغة الحوار فيها هادفة وموزونة ، وليست مثل القنوات الأخرى صاحبة الصراخ والضجيج ) ، فرد عليه آخر بقوله : ( أحب أن أضيف إلي معلوماتك أن القناة التي ذكرت ما هي إلا أضحوكة علي أهل الخير والاستقامة وهي من باب كما يقال ( دس السم في العسل ) وإلا كيف يمكن لمن يحب إشاعة الفاحشة بين أفراد المجتمع أن ينشئ قناة إسلامية ؟ يعني بمعني أوضح لا بأس أن يبث فيلم غرامي يدعو إلي الفاحشة في الصباح في قناة (ART) وفي المساء يبث برنامج عن تحريم الزنا في قناة اقرأ ، لكننا صحيح نعيش في عصر المتناقضات ، ثم لا تنسي يا أخي أن هذه القناة قد تكون مبرر لأصحاب الأهواء والبسطاء لإدخال جهاز الدش الذي دمر الأسر والمجتمعات وحتى لا أكون مبالغا اسأل أهل الاختصاص من الشئون الاجتماعية وغيرها ، ولتعلم أننا نحن المسلمون دائما نبدأ من حيث بدأ الآخرون ولا نبدأ من حيث انتهوا ، فهذه بعض الدول الأوربية بدأت الآن تشعر بخطر القنوات الفضائية وتحاول الرقابة والحد من المسلسلات الإجرامية والأفلام الهابطة وذلك لما ارتفعت عندهم معدلات الجرائم والاغتصاب ) وعقب ثالث بقوله : ( لا فض فوك ، فهذا من اللذين يسعون في الأرض فسادا ) (77) .
المطلب التاسع
مشروع الفضائيات الإسلامية والتصدي للغزو الفكري(1/92)
كان طبيعيا لقنوات تكرس لمثل هذه البرامج ألا تعير اهتماما للبرامج الدينية والأخلاقية والتي تدعو إلي القيم والفضيلة ، فمن العجب أن أغلب الفضائيات ما زالت تتعامل مع الإسلام كشعار ديني للتبرك به عند افتتاح البرامج ، حيث تقدم عدة دقائق تلاوة من القرآن الكريم وكذا عند الختام ، مرورا بنقل شعائر صلاة الجمعة والأعياد ، والإشارة إلي مواعيد الأذان ، فضلا عن تقديم الأحاديث الدينية في دقيقتين قبل نشرات الأخبار ، كما هو معروف وفق الأساليب اليومية النمطية القديمة ذات الأسلوب التلقيني الخطابي الجامد ، الأسلوب الخال من إثارة كوامن المعرفة وتلقيها والتشويق بوسائل الجذب المشروع ، بالرغم من أن روح العصر تفرض علينا الابتكار والجدة والإبداع وإيجاد وسائل تشويق ، تجذب الأطفال والشباب ، ومن ثم الانطلاق نحو فضائيات أرحب وأوسع لإيصال صورة الإسلام الحقيقية إلي الآخرين (78) .
ومن هنا توجبت الدعوة إلي إنشاء فضائيات إسلامية ، وأصبح الأمر ملحا منذ أن ظهرت الأقمار الصناعية الرقمية واستخدمت في مجالات البث التليفزيوني ، وخصوصا بعدما تعرضت المنطقة العربية الإسلامية للعديد من القنوات الفضائية الغربية ، التي حملت أفكارا وثقافات تختلف عن ثقافتنا وقيمنا ، فهذه القنوات تهدد الهوية الثقافية العربية والإسلامية ، ومن هنا شعرت بعض المؤسسات بالمسئولية وأسهمت في إنشاء العديد من القنوات الفضائية ، التي يغلب عليها النمط الإسلامي ، وكان أحد الأهداف التي تسعي إليها هذه القنوات تحسين صورة العرب والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية والرد علي الافتراءات التي تقدمها وسائل الإعلام الغربية عن الإسلام (79) .(1/93)
إن حاجتنا لفضائية إسلامية حاجة ماسة ، فلو سخرت قناة كاملة لبيان التوحيد ونواقصه وإرشاد الناس إلي صحيح السنة ، وتحذيرهم من الخرافات والبدع ، ورفع راية الفضائل وكشف عوار الرذائل ، لكان ذلك زبدة الخير في هذا العصر الذي يبحث عنه الخلص من المسلمين ، بل ما زالوا في تلهف إلي رؤيته علي أرض الواقع .
إن الطموحات الإعلامية تكمن في إطلاق أقمار صناعية إسلامية كما أطلقنا قمرا صناعيا عربيا وآخرين مصريين ، لأن هذا القمر يهدف إلي الدفاع عن الدعوة الإسلامية ، كما أن الغاية من هذه المنظومة أيضا هي الوصول إلي الجمهور الأجنبي باللغات الأجنبية ، والتوجه صوب الولايات المتحدة الأمريكية وصوب دول أوروبا الغربية .
ولذا فإننا نطالب الملوك والأمراء وحكام المسلمين وأصحاب المليارات ، أن يتحملوا مسئولياتهم أمام الله عز وجل ، نريد أقمارا صناعية إسلامية بهدف الوصول إلي المسلمين في كافة أنحاء العالم لزيادة معارفهم بأحكام دينهم وعقيدتهم ، وتعريفهم برسالة الإسلام ، فنسبة كبيرة جدا منهم لديهم أمية دينية وأمية تعليمية خاصة في الدول العربية ، كما أن هذا يفيد بشكل فعال الدول الإسلامية غير الناطقة بالعربية ، لأن هذه الدول تشتاق إلي معرفة الدين الإسلامي الصحيح وتعلم اللغة العربية لغة القرآن الكريم ، وفهم تعاليم الدين الإسلامي ، ومن ثم تتشارك الجهود في تحقيق الغاية والهدف من حياة المسلمين في كل مكان .
كما أنه أصبح من الضروري الآن تعديل أو تغيير الصورة المكونة عن الإسلام والدول الإسلامية لدي الدول الأجنبية ، وهذا يستلزم التوجه إليهم بلغتهم ، وهو ما بدأت فيه بعض الدول العربية والإسلامية ، ونشير إلي أهمية إنشاء قناة باللغة العبرية للوصول للرأي العام النصراني والإسرائيلي ، وشرح وجهة النظر الإسلامية .(1/94)
مشروع القناة الهادفة هام جدا ويجب أن تبذل له الكثير من الجهود والطاقات ، ويجب أن ترصد له موازنة ضخمة ، حتى يستطيع المنافسة في خضم هذه القنوات ، ولذلك لابد أن تكون البداية قوية حتى تعطي مصداقية وقبولا منذ بدء البث وليس بعد حين .
فمن الأسس التي يجب أن تقوم عليها تلك القناة الإسلامية أن تعتمد الشمولية فيما تقدمه ، فهي تقدم المادة التربوية والثقافية والدينية فضلا عن المواد الترفيهية ضمن الضوابط الإسلامية ، ويجب أن تكون القناة عامة لكل أفراد المجتمع ، الطفل له نصيب ، والمرأة كذلك فضلا عن الرجل وشريحة الشباب بجنسيه مهمة حتى تكون القناة بديلا معقولا عن الغثاء النازل من الفضاء ، أما لغة الخطاب فتكون بسيطة وعامة وتستهدف المشاهد العادي بالجملة ، ولا بأس من وجود مواد قليلة للمثقفين والنخب الاجتماعية ، ويمكن لها أن تنافس وبقوة في ظل الزخم الفضائي الهابط والممل ، فالناس أصابها الضجر من القنوات الأخرى التي لا تحترم عقل المشاهد ولا ذوقه ، ولا تعبأ بخلفيته الدينية وقيمه الاجتماعية ، ولا نشك في أنها بإذن الله سوف تنجح ، ليس بالضرورة ماديا لكن من المؤكد إسلاميا وأدبيا ، فالناس يتلمسون مثل هذا المشروع وينتظرونه .
وليس من مهمة القناة جمع الناس حول قضايا معينة ، بل يكفي أنها تؤدي دورا توعويا في قضايا الأمة الكلية ، أما واقعها الحالي فهي تساهم في دعم قضايا المسلمين وعلي رأسها قضية الصراع اليهودي في فلسطين وسائر المضطهدين من المسلمين .(1/95)
إن النجاح والفشل بيد الله ، لكن الأخذ بالأسباب في إمداد هذه القنوات بجيل من الإعلاميين الإسلاميين أصحاب القدرة علي المحاورة وفهم الإسلام بصورته الصحيحة يعد أمرا ضروريا علي رأس أسباب النجاح ، وإني لأعجب من وجود ألاف المتفوقين النابغين في الدراسات الإسلامية في مختلف الكليات ، كيف لا يصرفون إلي مثل هذه الغايات ، وهم لديهم من الإمكانيات ما يجاوزون فيه بمراحل المتأهلين في كليات الإعلام وغيرها ، الذين نبتوا علي التربية العلمانية الانحلالية ، إن جيلا واحدا من النابغين في الدراسات الإسلامية إذا شكلوا أدوات لتنفيذ البرامج الإسلامية مكتسين بحسن النية والإخلاص لله تعالي وبذلوا الأسباب الصحيحة وتوكلوا علي الله ، فإنهم لا محالة ناجحون مقدمون علي غيرهم ، ليس بالضرورة بالمعيار المادي الزائل ولكن بالمعيار الأخروي الذي ينالون فيه ثواب الدنيا والآخرة .
فالقناة الإسلامية الهادفة ، ليست قاصرة علي البرامج الدينية بكافة وسائلها ولكنها أوسع من ذلك ، فهي تقدم مواد دينية ومواد تعليمية عامة ، ومواد ترفيهية لأفراد الأسرة لكن كل ذلك داخل الإطار الإسلامي ، بمعني آخر أنها تقدم كل شيء بشرط ألا يخالف أصول الدين وضوابطه المحددة والمتفق عليها .
ولا يخفي علي أحد أهمية القنوات الفضائية لسعة الرقعة التي تصلها من أرجاء العالم أولا ، ولزيادة أهمية جهاز التلفاز في حياة كل فرد تقريبا في المجتمعات العالمية عامة وفي مجتمعاتنا الشرقية خاصة ، ولأن المجال مفتوح فإن الفضائيات التي تقدم من أنواع الترفيه الغث والسمين لاقت رواجا عند فئات مختلفة من المشاهدين ، ووسط هذه المعمعة لابد من بروز رسائل الخير ووسائط الحق ، فلا بد أن نحدد أولوياتنا .(1/96)
وإذا كان عالمنا الإسلامي والعربي يحفل بخطوط حمراء عديدة ، وعلي القنوات المختلفة أن تختار بين الوصول للجميع مما يفي إرضاء الجميع مع التنازل عن بعض الأهداف ، أو عبور بعض الخطوط الحمراء لتحجب رسالتها عن بعض الفئات ، والحل الوسط هو الذكاء في المعالجة والمداراة بعيدا عن المماراة والتورية بعيدا عن التعرية (80) .
? بعض القنوات التمهيدية في المشروع الإسلامي :
1- قناة اقرأ : حول الهدف المعلن من قبل القائمين علي هذه القناة الفضائية يقول مؤسسوها : ( قناة اقرأ الفضائية بادرة طيبة ومميزة لترسم ملامحنا العربية العريقة ، وتؤكد هويتنا الإسلامية السمحة ، وتناقش قضايانا الدينية والثقافية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والسياسية بموضوعية وشمولية ، منطلقة من قاعدة الكتاب والسنة ، لتلبي حاجات جميع الناطقين باللغة العربية علي امتداد خارطة العالم تسعي قناة اقرأ لتقديم إعلام عربي هادف ومميز يلبي حاجة المشاهد من خلال مجموعة متنوعة من البرامج الجادة التي تمس حياته وتتناول اهتماماته الروحية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتشبع رغباته الإنسانية من منظور إسلامي وتقدمها برؤية عصرية ، وهي تصل للمشاهدين في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وأفريقيا حيث تقدم لهم البرامج التسجيلية والدرامية والحوارية والتفاعلية ) (81) .(1/97)
لكن لابد أن نلاحظ أن الشركة التي أسست هذه القناة هي شبكة راديو وتلفزيون العربART التي تبث كل ألوان المتناقضات من القنوات والبرامج التي تغضب الله ورسوله S ، وتدعوا إلي التحلل من قيود الشرع ، وقد تقدم الحديث عن الشبكة وما يأتي فيها من قنوات ماجنة ، كما أن هذه القناة مهدوا لها لتكون مشفرة باشتراك يصعب علي أغلب العامة من المسلمين ، فمن راودته نفسه علي الاشتراك فيها انجر من خلالها إلي متاهة عميقة ، وهوة سحيقة من الغزو الفكري الذي تحمله الشبكات التلفزيونية المشفرة وقد تقدم الحديث عنها بالتفصيل ، في الآن أشبه بطعم يجذب الفريسة للصياد .
2- قناة المجد الفضائية : مع إطلالة شهر رمضان المبارك 1423هـ بدأ البث التجريبي لقناة المجد الفضائية عبر القمر الصناعي نايل سات 102 وعربسات 3 ، ليتم بذلك الإعلان عن تأسيس قناة فضائية عربية جديدة مقرها مدينة دبي للإعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة ، وقد تم الترويج للمحطة الجديدة باعتبارها خالية تماما من الموسيقي وصور النساء والمحاذير الشرعية الأخرى ، وستكثف القناة برامج الدعوة والإرشاد والإفتاء وستنقل بعض الدروس العلمية والمحاضرات التوجيهية للدعاة البارزين ، بالإضافة لإجراء لقاءات وحوارات وندوات توجيهية (82) .(1/98)
وأوضح رئيس مجلس إدارة المجد للبث الفضائي أن القناة ستقدم للمشاهد العربي خيارا إعلاميا إضافيا يعزز مبدأ التكامل والتنوع في صناعة الإعلام العربية ، فهي تسعي لبناء الشخصية السوية للطفل العربي ، بتقديم مادة إعلامية وتربوية وترفيهية متميزة ، تناسب مداركه وتنمي مهاراته ، وتفتح أمامه أبواب المستقبل ، كذلك تلبي احتياجات المرأة العربية في مختلف مراحلها ، ابتداء من كونها طفلة صغيرة ثم فتاة مراهقة ثم امرأة متزوجة وامرأة عاملة وربة بيت ، ثم الأم والجدة ، واستطرد قائلا : ( إن قناة المجد لن تنافس في تقديم الترفيه ، بل ستسعى إلي تطوير الشخصية والمهارات والقدرات، وتفتح أبواب النجاح في الحياة الأسرية والعملية وبذلك ، فإن القناة تهدف لبناء أسرة عربية ناجحة في حياتها ومتميزة في ارتباط أفرادها فيما بينهم ، وعلاقتهم بالآخرين ، لأن الأسرة هي اللبنة الأساسية لبناء مجتمع سعيد ، أ ما فيما يتعلق بالبرامج التي ستبث عبر القناة فإنها ستجمع بين باقة متنوعة من البرامج الدينية التي تقدم الفائدة ، والإرشاد والتوجيه ضمن أشكال فنية متجددة تغطي جميع مجالات الثقافة الدينية ، والتراث الإسلامي العريق ، كما تقدم باقة متنوعة من برامج الثقافة العامة التي تغطي مجالات التاريخ والعلوم والتقنية ومستجدات العصر الحديث ، مع متابعة المنجزات الأدبية والعلمية والإبداعية ، وتطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال ، بالإضافة إلي برامج ذات تنوع كبير وشامل لمختلف أوجه الحياة اليومية ، تغطي مجالات السلوك الاجتماعي والصحة والغذاء وبناء الشخصية وتطور المهارات والرياضة والفن والترفيه والدراما والمنوعات والمسابقات ، وأخيرا تأتي برامج الأطفال التي تمثل أولوية قصوى من اهتمامات القناة ، إذ تقدم لهم برامج جديدة ومختلفة ذات أشكال ترفيهية مبهرة ومضامين تربوية هادفة ) (83) .(1/99)
وقناة المجد إلي الآن لم يلاحظ عليها في برامجها مخالفة شرعية وإن كانت تفتقد إلي التشويق والجاذبية ، فليس معني أنها إسلامية أن تقتصر علي جلب المشايخ والحديث معهم في موضوعات قد لا تتصل بعامة المشاهدين ، كما أن ما نخشاه أن تتحول إلي قناة تجارية مشفرة وتصبح طعما لشبكة من الشبكات كما حدث لقناة اقرأ .
3- قناة طيبة الفضائية : تم الإعلان عن تأسيس قناة طيبة التلفزيونية الفضائية وهي ثاني فضائية إسلامية تنطلق من دبي بعد قناة اقرأ التابعة لمحطة راديو وتلفزيون العرب ، ومن المقرر أن يبدأ البث المباشر لقناة طيبة في بداية العام المقبل 1424هـ ، وتنطلق من مدينة دبي للإعلام ، وهي تهدف إلي نشر الصورة الصحيحة للإسلام ، و العمل علي تحقيق منظومة من الأهداف الحضارية ، أبرزها الاهتمام بالأسرة المسلمة وتثقيفها بأمور دينها ودنياها ، وتثمين دور المرأة المسلمة في المنزل والعمل ومحاولة تفعيل أدائها في المجتمع لمواكبة النظرة الإسلامية الراقية في الكتاب والسنة ، والاهتمام بالطفل وتثقيفه عبر برامج متنوعة تتسم بالحداثة والتشويق وتقديم بدائل عربية تتفق وحاجات الطفل العربي وتتواءم مع قيمه وأعرافه .
فالمحطة الإسلامية الدينية الجديدة تسعي إلي تقديم برامج تتسم بالشمولية والتنوع ، والتي تجمع بين علوم التاريخ والتربية والاجتماع والنفس والجغرافيا واللغة العربية وآدابها ، وستتوجه إلي جميع الشرائح الاجتماعية ، كما ستولي المحطة اهتماما خاصا بعلوم تكنولوجيا المعلومات ومواكبة مستجداتها وإتاحة الفرصة للمشاهد للاستفادة من البرامج الخاصة في هذا المجال ضمن خطة تقوم علي تبسيط البرامج وعرضها بلغة شيقة واضحة (84) .(1/100)
4- قناة مكة الفضائية : مشروع إسلامي ضخم لإنتاج قناة إسلامية مفتوحة وملتزمة بالضوابط الشرعية ، هادفة ومنوعة تقدم مواد تعليمية وتربوية وتوجيهية وترفيهية تخلو من المحاذير الشرعية وتفضل أسلوب الدعوة غير المباشر بالحوار أو البرامج الوثائقية أو الدرامية أو غيرها بهدف إبقاء المشاهد لفترة أطول أمام شاشة قناة مكة الفضائية ، وعن أهداف هذه القناة ذكر القائمون عليها أنه من السهل تسطير أهداف كثيرة وكبيرة يعجز القائمون علي تنفيذها ولذلك لا بد من أهداف واقعية قابلة للقياس والتنفيذ مثل الأهداف السامية التي تشترك فيها بعض الوسائل الإعلامية الإسلامية في تصحيح مسار الأمة من أجل القضايا ألا وهي العقيدة حيث تهدف قناة مكة الفضائية في أول الأمر إلي بيان العقيدة الصحيحة وما يضادها ، وكذلك كشف شبهات أهل الباطل وبيان ضلالهم وانحرافاتهم وكذلك الدفاع عن قضايا المسلمين وإيجاد حلول لمشكلاتهم ، ومن الأهداف أيضا إظهار العلماء والدعاة وبيان فضلهم ، وكذلك الانفتاح علي الناس بغرض الإمساك بأيديهم نحو التعاليم الإسلامية الصحيحة ، بغرض تقديم بديل مأمون للأسرة المسلمة في جانب قل رواده من الإسلاميين ، وهو الإعلام المرئي ، وكذلك بغرض إقناع الناس بأن الإسلام ليس فقط شعائر تعبدية محضة ينصرف بعدها الناس إلي حياة لا تلتزم بضوابط الدين، بمعني أن الإسلام منهج حياة متكامل وحاكم للبشر ، كما أن هناك أهدافا مفصلة علي شرائح المجتمع مثل الشباب والمرأة والأطفال بغرض تقديم العلاج لمشكلاتهم بدل أن تكون طي الكتمان السيئ من جانبهم ، أو مسكوت عنها من جانب نخب الإسلاميين ، وتقول الدراسة استطرادا ، إن أهم خاصية للقناة أنها عامة غير متخصصة تشمل القضايا الفكرية والتربوية والسياسية والاقتصادية والترفيهية ، كل ذلك في إطار الشريعة الإسلامية وضوابطها ، ثم تقول الدراسة : من جانب آخر فإن القناة مشروع متفرد في الجانبين الفني والموضوعي يجب(1/101)
استغلال كافة الإمكانيات الفنية من إخراج وتصوير وخدع سينمائية وجرافيك وتقنيات معاصرة لتقديم نماذج عالية الجودة فنيا ولا تقل بأي حال عن القنوات الحالية وفي الجانب الموضوعي ينبغي أن تكون المواد المعروضة ممتعة ومغرية للمشاهد للمتابعة باعتماد النصوص الجيدة والمعدين المهرة ، أما المواد المشتراة فينبغي اعتماد معايير دقيقة عند الاختيار للفكرة والموضوع والمحتوي وجوانب الإبداع الفني كذلك .
أما الجمهور المستهدف لقناة مكة الفضائية ، فتقول : إن صنفا من الناس لا يرغب في كل القنوات لسبب أو لآخر ، وصنف ثاني يرغب في القنوات ، ولكنها ليست علي طريقة مكة الفضائية ، والصنف الثالث هو سواد الناس وعامتهم وهم أهل فطرة سليمة ينتظرون هذه القناة هؤلاء هم الذين تستهدفهم القناة ، هم الذين يمتلكون الأطباق ويدمنون مشاهدة القنوات ، أما المنطقة الجغرافية التي تستهدفها القناة ، فبما لغة القناة هي اللغة العربية ، فإن العالم العربي هو المستهدف الأول ، ولكن نظرا لاحتمالات اتساع نطاق موجة البث وفقا للتطور التقني المتسارع ، فإنه من المتوقع الوصول حتى القارة الهندية شرقا وجنوب أوروبا وأمريكا ، وذلك من خلال الاشتراك في شبكات الكيبل المحلية المتاحة للمقيمين في هذه البلدان .
? محاور خريطة البث وأنواع البرامج :
طبيعي أن تجد تباينا في حاجة الناس للبرامج المرئية واهتماماتهم بها، ولذلك لا بد من تغطية رغبات الناس وميولهم المتنوعة ولكن التركيز لا بد أن يكون علي محاور أربعة محددة هي :
1- المحور التربوي الذي يهتم بسلوك الناس وتوجيههم نحو إصلاح الدنيا ونجاح الآخرة .
2- المحور الثاني هو التعليمي الذي يهتم بإيصال المادة الشرعية الضرورية للإنسان وما يناسب عرضها مرئية .
3- المحور الثالث هو الثقافي وهو بطبيعة الحال يحمل التنوع بداخله .(1/102)
4- أما المحور الرابع فهو الترفيهي والترفيه في هذه القناة جزء مكمل مطلوب وليس مقصود بذاته ورغم حاجة هذا المحور لضوابط عديدة إلا أنه لا يمكن إغفاله بل يجب صياغته بالطريقة المناسبة .
وقد تم بالفعل تسجيل قناة مكة الفضائية بمدينة دبي الإعلامية كما يجري التفاهم حول المكاتب الفرعية للقناة ببعض العواصم العربية والعالمية فرغ أصحاب المشروع تماما من كل الأُطر النظرية التي لازمت الفكرة وتستمر حتى السنين الأولي من انطلاق البث (85) .
المطلب العاشر
فتن كقطع الليل المظلم
روى الإمام مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ S قَالَ : ( بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا) (86) ومن حديث عَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ( في فتنة العامة والدهماء أن رسول الله S قال : ( ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً ، فَإِذَا قِيلَ : انْقَضَتْ ، تَمَادَتْ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ ، فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لا إِيمَانَ فِيهِ ، فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ ) (87) .(1/103)
فنحن في زمان تتجاذبه الأهواء ، تتلاطم فيه أمواج الفتن والإغواء ، فغزو أرضي ومثله فضائي يشنه علينا الأعداء ، وعلي أهداف معينة ، وقواعد أساسية وبنية قوية ، ألا وهم شبابنا شباب الإسلام ، فالشباب قلعة حصينة ودرع منيع وقوة وعزة للإسلام علي مر التأريخ ، إذا هم صلحوا واستقاموا علي منهج الله ، ومن ثم كانوا هم الهدف الأسمى والغنيمة العظمي ، التي يسعى لكسبها أعداءُ الله الحاقدين ، فيحيكون الدسائس لهم وينصبون الفخاخ في طرقهم ، منها الخفي ومنها الواضح المرئي ، حتى يخرجوهم من حصنهم المنيع الذي تحصنوا به ، وهو هذا الدين الذي ما تعلق به إنسان إلا وسمي به وارتفع إلي قمم المجد العالية ، بعيدا عن السفاسف ، وقاذورات الأديان المحرفة وإباحيتها المضللة المفتنة (88) .
فالأعداء يستهدفون الشباب في أي قطر كان ، منذ أزمنة عديدة ، وآماد بعيدة ، ولا يزالون يحيكون لأمتنا الدسائس ويتربصون بها الدوائر ويستهدفون فيها مراكز القوة والدماء الفتية ، وأمل هذه الأمة بعد الله في انتصارها علي الأعداء ، ألا وهم الشباب ، فوجهوا إليهم السهام وخططوا بالليل ونحن نيام ، ليقتلعوا تلك الجذور القوية ويلقوا بها في حمأة الفساد والرذيلة حتى لا تكون عضوا فعالا نافعا لهذه الأمة ، فتصبح أمتنا خائرة القوي ، ويصبح شبابها ما بين مدمن مخدرات ، وما بين مشغول في إتباع الملذات والشهوات ، وما بين صريع لأمراض جنسية قاتلة ، وما بين مدخن قد أتلف رئتيه وقلبه تلك السجائر المسمومة فخارت قواهم عن ومواجهة الأعداء (89) .(1/104)
فالأعداء خططوا ونفذوا وشنوا حربا خفية منذ سنين عديدة وآماد بعيدة تمهيدا لهذه الحرب التي يعلمها الجميع ، فأصابوا بتلك الحرب الضروس الخفية قلب أمتنا النابض وهم الشباب ، فأرسلوا إليهم القنوات الفضائية التي تهافت عليها كثير من شباب المسلمين تهافت الفراش علي النار ، فأضحت الفضائيات في عصرنا عدوا قاتلا لا بالسيف والسنان ولكن بسيئ الأقوال والأفعال ، فتقتل العفة والحياء والمروءة ، بل وإنها تنشئ المودة بين والمحبة بين المسلم والكافر ، فكثير من شبابنا اليوم تجده قد تعلق بممثل كافر أو ممثلة أو مغنية كافرة ويواليهم ويحبهم حتى أنك تسمع أصوات أغنياتهم في سيارته بلا حياء منه ، فصار البيت كله متعلق بهذه الفضائيات وما يعرض فيها ، معرضا عن نصيحة الناصحين ، لأن القلوب افتتنت وأشربت بهذا العفن الساقط من بالوعات الغرب المنتنة فأصبح هو المتحكم ، ولا تتعجب إن رأيت طفلا وطفلة في الخامسة من عمرهما يتعانقان ويقبلان بعضهم بعضا ، أو رأيت هذا الصغير البرئ يرقص كالمرأة الطروب والغانية اللعوب (90) .
وهل اكتفي الأعداء بذلك ؟ لا بل أرسلوا وما زالوا يرسلون إلينا سموما عديدة ، فجعلوا ديار الإسلام هدفا وسوقا لتجارة المخدرات ، فتناولها من لا يعقل من الشباب ، فأدمن عليها وربما باع عرضه من أجل جرعة ، وربما سرق وربما قدم أمه أو أخته ، ولا غرابة لمثل هذا أن يقدم زوجته أو ابنته لمروج مخدرات يفعل بها ما شاء ليعطيه جرعة من هذا المخدر المسموم .(1/105)
فإذا بعد كل هذا كيف نقوي بعد ذلك علي إيقاف مخططاتهم والوقوف تجاههم متي ما دعا الواجب لذلك ، فالقوة منهكة ، والبنية مهدمة ، والقلوب مأسورة بحب الشهوات ، والركون إلي الملذات ، لقد كان الشباب في صدر الإسلام يطلبون الشهادة في سبيل الله ، بل وكان أحدهم يبكي بكاء شديدا لأنه منع من قتال العدو ومواجهته مواجهة الأبطال وجها لوجه بالسيف ، فكانت قلوبهم تمتلئ غلا وحنقا علي المشركين وشوقا إلي نيل الشهادة والفوز بجنات النعيم ، لا موالاة وحبا لهم ورفعا علي الأعناق والدوران بهم ، وشبابنا المسلم إلا من رحم الله ينقاد لتلك القطعان البهيمية الكافرة التي شبهها الله بالأنعام ، بل إنه سبحان فضل الأنعام عليهم لهوانهم علي الله فقال عنهم سبحانه : ? أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ? (91) ، لأن الأنعام تهتدي لراعيها وتنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها وتعرف من يحسن إليها ممن يسئ إليها ، وهؤلاء لا ينقادون إلي ربهم ، ولا يعرفون إحسانه إليهم ، ولا يطلبون الثواب ولا يهربون عن أسباب العقاب ، ومع ذلك تري كثيرا من الناس ، وللأسف من المسلمين يمجد أفكارهم ويمتدح عقولهم وبلادهم ويثني علي أنظمتهم وتعاليمهم ، ويعلق صورهم علي جدران غرفته أو في سيارته ، وأعظم من ذلك كله من يعلق تلك الصور علي صدره دون خوف من الله أو حياء من الناس ، وبالمقابل تري بعضهم يستحي من إرخاء لحيته وتقصير ثوبه وتلاوة آيات ربه والتمسك بدينه والعض عليه بالنواجذ ، ولا يجد بأسا أو خجلا أن يجوب أطراف البلد وأعماقه وهو يرفع صوت الأغاني الغربية ، أو أغاني من تلوثت أفكاره من العرب وهو لا يعرف معني ما يردده هذا المغني الغربي ، فربما كان فيها سب وشتم للإسلام والمسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأعظم من ذلك كله ما يكون من موالاة وألفة وإعجاب ومحبة لهؤلاء الكفرة ،(1/106)
وهذا من أعظم الجهل وأصدق البراهين عليه ، إذ كان أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم لم يفعلوا ذلك مع إخوانهم في النسب وأبناء عمومتهم وأقرب الناس إليهم من الكفار ، لأنهم عاصروا التنزيل وتعلموا في المدرسة النبوية دروسا في العقيدة من أهمها الولاء للمسلمين والبراءة من المشركين ، وكيف لا يتعلمون وهم يقرؤون ويسمعون ويرددون ويفهمون معني قوله سبحانه : ? لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُم الْمُفْلِحُونَ ? (92) ، وكذلك قوله :
? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ? (93) .(1/107)
فكان المسلم يلقي قريبه المشرك وربما سعي إليه ليقتله طاعة لله ولرسوله وبغضا لهذا القريب المشرك الذي حاد الله ورسوله ، فينبغي الحذر من الركون إلي الأعداء وموالاتهم ومحبتهم فإن ذلك يستوجب غضب الله ونقمته كما قال تعالى : ? فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ? (94) .
ومن موالاة العدو حب النظر إليهم ومشاهدة صورهم وحب بلدانهم وتفضيلهم علي المسلمين ، وتقليدهم في زيهم وتسكعهم وشرب منكرهم الذي عملته أيديهم مكرا وخديعة ووقيعة بشباب الإسلام ، بل ومن شبابنا من يقلدهم في كثير من أقوالهم وأفعالهم فتراه يلبس الملابس المزرية ، ويحلق شعره حلاقة مخجلة ، قد التقطها من مجلة أو فيلم ، أو اقتدي بلاعب أو ممثل كافر ليس لهم هدف يسمو بهم عن الرذائل، ولا دين ولا شرف ولا حسب ولا نسب ولا حياء ، مما يعاب علي كثير من شبابنا المسلم الطيب هذا التقليد الأعمى ، وهم يبصرون ويسمعون ويعقلون ، فيكونون في ذلك قد جمعوا أمور كثير ة نهي عنها رسول الله S (95) .(1/108)
إن الإسلام يأمرنا بالخير ومكارم الأخلاق ، والقرآن يدعونا إلي الاعتصام بحبل الله وينهانا عن الافتراق ، ويحذرنا عاقبة الركون إلي الأعداء وحبهم ويدعونا لأكمل الأخلاق ، فتدبروا أيها المسلمون تعاليم هذا الدين ، وتمسكوا بالكتاب المبين ، وحافظوا علي المجد العظيم والتراث الثمين ، وحببوا ذلك للبنات والبنيين ، وإياكم أن تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وتتبعوا سبيل المضلين الذين جعلوا القرآن عضين وتركوا تعاليمه ، واتبعوا أمر كل جبار عنيد : ? أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَي أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ? (96) .(1/109)
أيها الشباب لا أشك أنكم توافقون من يدعوكم إلي الالتزام والتمسك بهدي خير الأنام ، وأنكم تعلمون أن الالتزام والاستقامة علي شرع الله واجبة علي كل واحد منكم وإن كان بعضكم يري أنه لا يطيق ذلك ولا يستطيعه ، خاصة مع هذه الموجات المفسدة والفتن المغرية ، ولكن نؤكد لك تماما أن ذلك الذي تشعر به ما هو إلا تهويل وإرجاف من الشيطان ليصدك عن ذكر الله وعن الصلاة لينفرد بك وحيدا بعيدا خاليا من العلم والإيمان حتى يوقعك في مزابل الفساد والعصيان ، وما عليك إلا أن تعلنها توبة نصوحا ، وتدعو معك رفقاءك فإن استجابوا فالحمد لله وما أظنهم يمتنعون ، وإن عصوك فقل لهم ما ورد في كتاب الله : ? لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِين ? (97) ، ثم التحق بركب الإيمان أولئك الشباب الأخيار الذين يتسابقون إلي المساجد حين يتسابق غيرهم إلي الملاعب ، ويتسابقون حلق العلم ومجالس الذكر حين يتسكع الآخرون في الأسواق ، ويتسابقون لحفظ القرآن وتلاوته واستماعه وتدبره حين هام غيرهم بالأغاني الساقطة الماجنة ، وفي جوف الليل يبكون بين يدي الله ، بينما يضحك غيرهم في نفس الوقت بين يدي معصية من معاص الله ، ويتورع أحدهم عن الصغائر واللمم حين يفاخر سواهم بالكبائر والموبقات ، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ، أولئك الذين اتبعوا دينهم واقتدوا برسولهم ، أم الذين بدّلوا أخلاقَهم وغيروا مبادئهم واتبعوا كلّ شيطان مريد (98) .(1/110)
إن الشباب كانوا في صدر الإسلام لا هم لهم إلا طاعة الرحمن ، وليس لهم هدف إلا دخول الجنان ، حيث الحياة الخالدة والعيش الهنيء فكانوا يجتمعون علي كتاب الله عز وجل حفظاً وعلما وتطبيقا ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ( قَالَ : ( كَانَ شَبَابٌ مِنَ الأَنْصَارِ سَبْعِينَ رَجُلا يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ ، كَانُوا يَكُونُونَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَإذا أَمْسَوُا انْتَحَوْا نَاحِيَةً مِن الْمَدِينَةِ ، فَيَتَدَارَسُونَ وَيُصَلُّونَ ، يَحْسِبُ أَهْلُوهُمْ أَنَّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ ، وَيَحْسِبُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَنَّهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ ، حتى إذا كَانُوا فِي وَجْهِ الصُّبْحِ اسْتَعْذَبُوا مِنَ الْمَاءِ ، وَاحْتَطَبُوا مِن الْحَطَبِ ، فَجَاءُوا بِهِ فَأَسْنَدُوهُ إِلَي حُجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ S ، فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ S جَمِيعًا ، فَأُصِيبُوا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ ، فَدَعَا النَّبِيُّ S عَلَي قَتَلَتِهِمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي صَلاةِ الْغَدَاة ) (99) .(1/111)
فانظروا رحمكم الله إلي أولئك الشباب وكيف كانوا يقضون أوقاتهم بين المدارسة والمراجعة ثم يختمون ذلك بعمل عظيم ألا وهو جلب الحطب والماء لمن كان له الفضل بعد الله علي الأمة أجمع وهو سيد المرسلين S ، فكيف يكون حالهم ، هل يشعرون بالملل أو السآمة ؟ وكان الشباب يغزون مع رسول الله S حيث الموت والرحيل عن الدنيا ، ولم يبالوا لأنهم عرفوا أن ما عند الله خير وأبقي ، بل كان أحدهم إذا قتل يصرخ بأعلى صوته وقال : ( اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ) (100) ، فتدوي هذه الكلمة في أذن الكافر ويظل يتساءل بم فاز وهو المقتول ، فيجد الجواب بعد حين أنه فاز بالجنة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر ، فيشرح الله صدره للإسلام فيسلم ، فكانت حياتهم جهادا ودعوة حتى الرمق الأخير ، بل كانوا رضوان الله عليهم يستمتعون بفعل الطاعات ويتلذذون بها ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ( قَالَ : ( جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُهُ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ S إِنِّي أَخْشَي أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ الزَّمَانُ وَأَنْ تَمَلَّ ، فَاقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ فَقُلْتُ : دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ، قَالَ : فَاقْرَأْهُ فِي عَشْرَةٍ ، قُلْتُ : دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ، قَال : فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ ، قُلْتُ : دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي فَأَبَي ) (101) .(1/112)
فانظروا رحمكم الله إلي ذلك العهد الزاهر والشباب الصادق مع نفسه ومع ربّه ? فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئا جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَه بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً ? (102) فيا شباب الإسلام ، إن من كان في أسنانكم يقود الجيوش الجرارة ضد الأعداء أمثال أسامة بن زيد رضي الله عنه ، وكثير منكم اليوم لا يستطيع أن يقود نفسه إلي الطاعات أو يجاهدها علي ترك المنكرات ، فيا أمة الإسلام شبابا وشيبا ، رجالا ونساءا ، تمسكوا بدينكم ، وقوموا بما أمركم به ربّكم ولا تتخطفكم الأهواء ، واعلموا أن الله غفور لمن استغفر تواب لمن تاب ، قال تعالي : ? قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِر الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ? (103) ، إذا فعودوا إلي ربكم قبل فوات الأوان واستجيبوا لندائه حيث قال في كتابه الكريم : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِين َظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب ? (104) .
الخاتمة(1/113)
في خضم هذا الغزو الفكري الذي يهجم على الفرد المسلم في عقر داره ، فإن النصيحة التي تقدم للقارئ هي الابتعاد في الوقت الحالي عن جلب الأطباق الفضائية وأجهزة المتابعة للقنوات الفضائية المحلية والعالمية ، لأن نسبة النفع فيها لا يكاد يذكر ، والضرر الذي ينتج عنها ضرر ماحق ينسف الفرد والأسرة ، ولا مجال لاعتذار بعض الناس في جلب الأطباق الفضائية وأجهزة المتابعة للقنوات الفضائية ببعض الأعذار التي لا تسلم لهم ، فمن قائل إنه يتابع أخبار العالم ونشرات الأخبار والاكتشافات العلمية وما دار في فلك ذلك ، وهؤلاء لم يكلفهم الله هذا العنت ، ولن يسألهم يوم القيامة عن تركهم متابعة الأخبار ، ولكن سيسألهم عما سمعوا وما رأوا وما أنفقوا فيه أموالهم ، وإنك لتجد أن الواحد من أولئك لم يتحمس ولم يسع لتعلم ما خفي عليه من لوازم دينه في العقيدة والعبادة ، كتحمسه وحرصه علي متابعة ما تنفثه الفضائيات من السوء والفحشاء .
ومن قائل إنه يجد في متابعته لبرامج القنوات الفضائية متعة وترويحا عن النفس وانفتاحا علي العالم يبعده وأهل بيته عن الكبت والانغلاق ، وتالله إن هؤلاء قد وضعوا أقدامهم علي طريق الكبت الحقيقي الذي لا يفيقون منه إلا إلي أعظم منه ، يوم يوافون ربهم بذلك العمل الذي يسود صحائفهم ووجوههم ، كما قال تعالى :
? وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُون ? (105) .(1/114)
وإن في حال الغرب الذين أطلقوا لأنفسهم العنان فركبوا كل ما اشتهته أنفسهم من الشهوات المحرمة ، لهم فيهم أعظم معتبر ، فإن ذلك لم يزدهم إلا حسرة وضيقا ونكدا ، فكثر اكتآبهم وتتابعت عندهم الأزمات النفسية ، وزادت نسب الانتحار بينهم ، ومهما اعتذر معتذر فإنه ما دام مخالفا لشريعة الله متبعا لشهوات نفسه فإنما يختار حتفه بنفسه ، ويسلك سبيل شقائه ، ألا فليتق الله وليرجع إلي ربه ما دام في الزمن مهلة ، وما بقي في الأجل فسحة (106) .
وربما يقول البعض : كيف المخرج وما البديل حاليا ، خاصة وأن متابعة ما يعرض عبر الشاشات بات أمرا لصيقا بالحياة اليومية لجميع الناس علي اختلاف أعمارهم وأجناسهم وثقافاتهم ؟
لا شك أن معالجة مثل هذا الأمر ليست سهلة ميسورة ، فلو أن الشخص رعي الأمور في بيته وتابع رعيته ، فلن يسلم من آثار الخلطة بمن له بهم صلة من جيرة أو رحم أو غير ذلك ، ولكن ثمة أمور مسلمة يمكن أن نجملها فيما يلي (107) :
أولا : أن جلب أجهزة القنوات الفضائية المختلفة وشراءها وإحضارها للمسكن دون تحفظ أو قيود ، خطأ فادح لما يترتب عليه من الأضرار الحاضرة والمستقبلية ، ولذا أفتي أهل العلم بتحريم اقتناء تلك الأجهزة لما فيها من الشر المؤكد ، كما أفتي بذلك الشيخ ابن باز رحمه الله ، وأفتي بذلك أيضا العلامة محمد بن صالح بن عثيمين ، وقد يتعلل بعض الناس بعلل لا تسلم لهم كقولهم : إنهم يحضرون تلك الأجهزة حتى لا يذهب أولادهم لبيوت الآخرين ، أو قولهم : إنهم يحددون القنوات التي يمكن متابعتها ويحذفون ما لا يناسب ، أو غير ذلك من الأعذار ، ومهما يكن ، فليتصور الواحد من أولئك ، لو هجم عليه الموت بين لحظة أو أخري ، أيسره أن يكون ضمن ما يورثه لمن بعده جهاز فيه حرب لله ورسوله والمحادة لدينه .(1/115)
ثانيا : أن التربية والتأصيل الشرعي تزداد أهميتهما في مثل هذه الأحوال ، فلا بد من الحرص علي تنمية المدارك الشرعية وتقوية الإيمان ، والخوف من الله ومراقبته في قلوب الناشئة ، مع الحرص علي تعظيم الشريعة في نفوسهم ، وملاحظة جلسائهم وحسن اختيارهم ، لا كما يقول بعض الناس دع الشاب يطرق كل الأبواب حسنها وقبيحها ، ثم يختار هو ما شاء عن قناعة ودراية .
ثالثا : يوجد من البدائل الثقافية والترفيهية اليوم ما لا حصر له ، وذلك عبر برامج الكمبيوتر النافعة والمفيدة ، فيمكن أن يملأ الشباب بذلك فراغهم من غير إضرار بهم ، بل بما ينفعهم ويوسع مداركهم ، وتلك البرامج تتناسب مع جميع أفراد الأسرة ذكورا وإناثا ، صغارا وكبارا .
فحقيق بكل مكلف أن يبادر بأخذ الأسباب لينجو بنفسه ، فإن النقلة عن هذه الحياة الدنيا وشيكة ، وذلك أن ملك الموت قد تخطانا إلي غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، والله جل وعلا قد عزانا جميعا في أنفسنا ، فقال سبحانه : ? كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ? (108) .
وقد حذر جل وعلا من الغفلة والتمادي في المنكرات ، وأن عذابه وعقوبته قد تحل بمن عصاه بين لحظة وأخرى ، كما قال سبحانه : ? أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُون ? (109) .
ومن حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أن رسول الله S قال : ( وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيم ِ) (110) ، وقد تقرر أن دسائس السوء والإقامة علي المعاصي والإصرار عليها توجب سوء الخاتمة والعياذ بالله .
أهم المراجع والمصادر(1/116)
* ابن تيمية : أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني ، 1369هـ ، اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ، تحقيق محمد حامد الفقي ، القاهرة ، مطبعة السنة المحمدية .
* ابن حنبل : الإمام أحمد ، 1374 هـ ، 1955م ، المسند ، تحقيق الشيخ أحمد شاكر ، القاهرة ، طبعة دار المعارف .
* الإمام البخاري : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ، الجامع الصحيح ، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي ، طبعة دار الريان للتراث ، القاهرة سنة 1407 هـ ، 1986 م .
* الإمام مسلم : ابن الحجاج القشيرى ، الجامع الصحيح ، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي ، القاهرة ، المكتبة السلفية ، بدون تاريخ .
* الدوري : عدنان ، 1984، أسباب الجريمة وطبيعة السلوك الإجرامي ، الكويت ، ذات السلاسل.
* السجستانى : أبو داود سليمان بن الأشعث ، السنن ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ، بيروت ، دار الفكر .
( السدحان : عبد الله بن ناصر :
- 1417هـ ، رعاية الأحداث المنحرفين في المملكة العربية السعودية ، مكتبة العبيكان ، الرياض .
- 1415هـ ، قضاء وقت الفراغ وعلاقته بانحراف الأحداث ، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب ، الرياض .
* جريدة الجزيرة العدد رقم 10109 ، الطبعة الأولي .
* جريدة المحايد ، السنة الثانية ، العدد 37 .
* حسون : تماضر ، 1411هـ وسائل الاتصال الجمعية وانحراف الأحداث في الوطن العربي مجلة الأمن ، العدد الثالث ، وزارة الداخلية ، المملكة العربية السعودية ، الرياض .
* عبد المنعم : سعد ، السينما والشباب ، قضاء وقت الفراغ وعلاقته بانحراف الأحداث .
* محمد الأحمر ، الحركة النسوية الغربية وأثرها في المجتمعات الإسلامية ، مجلة المنار ، العدد 19 .
* محمود : إبراهيم إمام ، موقف الإعلام من التحدي القائم بين الحضارة الحديثة والشباب العربي المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب ، الرياض ، 1408هـ .
* ملحق مجلة الأهرام العربي العدد 17.(1/117)
مواقع على الإنترنت
* http://alarabnews.com/alshaab/GIF/12.htm .
* http://alarabnews.com/alshaab/GIF/16-08-002/n%20%20.htm .
* http://writers.alriyadh.com.sa/kpage.asp .
* http://www.albayan.co.ae/albayan/2001/11/28/mnw/23.htm .
* http://www.alhadaf.cc/old1/moon.htm .
* http://www.almodarresi.com/23moh22/alam/d70zxbwg.htm .
* http://www.alsaha.com/sahat/Forum1/HTML/005052.html .
* http://www.alshaqaeq.com/d1.htm .
* http://www.alshaqaeq.com/d2.htm.
* http://www.arabiyat.com/magazine/publish/article_300.shtml .
* http://www.art-tv.net/arabic/advertise/arm_art_iqraa.asp .
* http://www.art-tv.net/arabic/ramadan/artAflam.asp .
* http://www.iqraatv.com .
* http://www.mknon.net/new2/fthaeah.htm .
* http://www.orbit.net/Channels .
* http://www.qcv.com/arabic/static/index.htm .
* http://www.saaid.net/arabic/ar19.htm.
* http://www.showtimearabia.com .
* http://www.spacetoon.com/soonfla.htm .
* http://www.suhuf.net.sa/2000jazhd/jun/2/is.htm .
فهرس الموضوعات
الموضوع
الصفحة
المقدمة
2
خطة البحث
5
* المطلب الأول : الغزو الفكري والفضائيات ذات البرامج المختلطة .
7
* المطلب الثاني : الغزو الفكري والفضائيات الإخبارية
15
* المطلب الثالث : الغزو الفكري والفضائيات الانحلالية .
18
* المطلب الرابع : الغزو الفكري والفضائيات الإباحية .
24
* المطلب الخامس : الغزو الفكري والفضائيات الكرتونية .
30
* المطلب السادس : الغزو الفكري والفضائيات المذهبية .
35
* المطلب السابع : الغزو الفكري والفضائيات التعليمية.
40
* المطلب الثامن : الغزو الفكري والشبكات الفضائية المشفرة .
51
* المطلب التاسع : مشروع الفضائيات الإسلامية .
55
* المطلب العاشر : فتن كقطع الليل المظلم .
62
* الخاتمة .
67
أهم المراجع والمصادر
69(1/118)
********
(1) النساء:1 .
(2) الحشر:18 .
(3) آل عمران/102 .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجزية والموادعة برقم (3176) .
(5) البقرة : 217 .
(6) السدحان : عبد الله بن ناصر ، قضاء وقت الفراغ وعلاقته بانحراف الأحداث ، ص 169 .
(7) السابق ، ص170.
(8) الدوري : عدنان ، أسباب الجريمة وطبيعة السلوك الإجرامي ، ص 274 ، 292 .
(9) عبد المنعم : سعد ، السينما والشباب ، قضاء وقت الفراغ وعلاقته بانحراف الأحداث ، ص 179 .
(10) حسون : تماضر ، 1411هـ ، وسائل الاتصال الجمعية وانحراف الأحداث في الوطن العربي ، مجلة الأمن العدد الثالث ، وزارة الداخلية ، المملكة العربية السعودية ، الرياض ، ص 111 - 135 .
(11) محمود : إبراهيم إمام ، موقف الإعلام من التحدي القائم بين الحضارة الحديثة والشباب العربي ، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب ، الرياض ، 1408هـ ، ص 53 .
(12) في مجال وكالات الأنباء ، وكالة رويترز مؤسسها اليهودي جوليوس رويتر ، ووكالة أسوشيتدبرس هي شركة تأسست عام 1955 من قبل صحف ومجلات أمريكية تقع معظمها تحت سيطرة اليهود ، وفي مجال الصحافة اشتري مليونير يهودي يدعي روبرت ميردوخ عددا من الصحف والمجلات البريطانية ، وهي صحيفة التايمز والصنداي تايمز ، ومجلة الصن ، ونيوز أُف ذا وورلد ، وسيتي مجازين ، وفي أمريكا اشتري اليهودي أودلف أوش أشهر صحيفة أمريكية وهي نيويورك تايمز ، وذلك عام 1896 ، ولليهود سيطرة علي صحف أخري مثل الواشنطن بوست ، والديلي نيوز ، وغيرهما ، ومن المجلات الأمريكية يسيطر اليهود علي عدد منها كمجلة التايم ونيوزويك ، وفي الصحافة الفرنسية يسيطر اليهود ويؤثرون بوضوح علي أشهر صحفها مثل لوفيجارو .
(13) المائدة : 2 .
(14) أخرجه أبو داود في الملاحم (4297) وأحمد في المسند (21891) وصححه الألباني .(1/119)
(15) الشايع : خالد عبد الرحمن ، مقال بعنوان القنوات الفضائية وآثارها العقيدة والثقافية والاجتماعية والأمنية ، انظر بتصرف http://www.mknon.net/new2/fthaeah.htm.
(16) السابق بتصرف .
(17) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (144) .
(18) الجاثية : 23 .
(19) المجادلة : 22 .
(20) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (6168) .
(21) ابن تيمية : أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني ، 1369هـ ، اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ، تحقيق محمد حامد الفقي ، القاهرة ، مطبعة السنة المحمدية ، ص221.
(22) أخرجه مسلم في كتاب الرضاع برقم (1467) .
(23) انظر هذه القنوات في ملحق مجلة الأهرام العربي العدد 17، بتاريخ 27/72002 ، ص 30 : ص41 .
(24) دياب : محمد عبد الحكم ، مقال بعنوان : أكاذيب إعلامية لنشر ثقافة العجز وتجريم المقاومة ، انظر بتصرف http://alarabnews.com/alshaab/GIF/12.htm .
(25) عارف سليمان ، فضائيات تتولي التطبيع ، انظر بتصرف http://www.alhadaf.cc/old1/moon.htm .
(26) الأحيدب : محمد بن سليمان ، عن مقالته بعنوان : أرقام الفضائيات الهابطة أولي بالحجب ، انظر بتصرف http://writers.alriyadh.com.sa/kpage.asp .
(27) خذ علي سبيل المثال استحواذ لاري كنج علي مسمي برنامجه المباشر في شبكة CNN .
(28) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة برقم (1086) .
(29) محمد الأحمر ، الحركة النسوية الغربية و أثرها في المجتمعات الإسلامية ، مجلة المنار الجديد ، العدد 19 ، وانظر أيضا : مجلة البيان عدد ربع الآخر 1420 ص18 .
(30) جريدة الجزيرة العدد رقم (10109) الجمعة 29 صفر 1421هـ ، الطبعة الأولي .
(31) البقرة : 120 .
(32) http://www.suhuf.net.sa/2000jazhd/jun/2/is.htm .
(33) أخرجه البخاري في كتاب الحدود برقم (6846) .
(34) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن برقم (4634) .
(35) البقرة : 223 .(1/120)
(36) الشايع : القنوات الفضائية http://www.mknon.net/new2/fthaeah.htm .
(37) السبيعي : أبو رعد محمد ، http://www.saaid.net/arabic/ar19.htm.
(38) الموقع السابق .
(39) الموقع السابق .
(40) الموقع السابق .
(41) دكتورة حنان سليم ، مقالة علي الإنترنت بعنوان : الفضائيات العربية اغتالت براءة الطفل العربي ، انظر بتصرف http://www.arabiyat.com/magazine/publish/article_300.shtml .
(42) http://www.spacetoon.com/soonfla.htm .
(43) 43 http://www.14masom.com/menbar/6/02.htm .
(44) مجلة المنبر الشيعية ، العدد الرابع ، جماد الآخرة ، 1421هـ ، ص 24 .
(45) السابق ، نفس المكان .
(46) http://www.islammemo.com/mesbar/mesbar_files/mesbarfile_64.htm .
(47) إحياء الفكر الديني الأستاذ منصور بن بدر الشملاني الموقع السابق على الإنترنت .
(48) أبو زيد : بكر بن عبد الله ، 1421هـ ، المدارس العالمية الأجنبية الاستعمارية الطبعة الأولي ، ص3 بتصرف .
(49) السابق ص24 تصرف .
(50) السابق ص24 تصرف .
(51) السابق ص24 تصرف .
(52) السابق ص24 تصرف .
(53) السابق ص24 تصرف .
(54) السابق ص24 تصرف .
(55) المشاط ، حكم الشريعة الإسلامية ص8 ، والندوي ، الصراع ص182-183.
(56) http://www.arabiyat.com/aug2000/social1.htm .
(57) http://www.ertu.org/Nile_Chan/NL_culture.html .
(58) السابق نفس الموقع .
(59) http://www.albaraka.com/publication/magazine/story3.htm .
(60) السابق نفس الموقع .
(61) السابق نفس الموقع .
(62) http://www.ufc-dz.net/eadarab.htm .
(63) http://expage.com/jeddah .
(64) http://www.geocities.com/babandist .
(65) http://www.arabiyat.com/aug2000/social1.htm .
(66) الموقع السابق .
(67) الموقع السابق .
(68) الموقع السابق .(1/121)
(69) http://www.open-university.edu/aboutusA.htm .أشير إلي أنني شخصيا شاركت مع هيئة التدريس في هذه الجامعة في تولي تدريس مادة العقيدة ، وثبت لدي صدق ما أعلنوا عنه في مناهجهم وبرامجهم وفاعليتها في دعوة الغرب إلي الإسلام .
(70) http://www.open-university.edu/aboutusA.htm .
(71) http://www.loa.co.uk .
(72) http://www.orbit.net/Channels .
(73) http://www.qcv.com/arabic/static/index.htm .
(74) http://www.showtimearabia.com .
(75) http://www.art-tv.net/arabic/ramadan/artAflam.asp .
(76) السابق .
(77) http://www.alsaha.com/sahat/Forum1/HTML/005052.html .
(78) http://www.alshaqaeq.com/d1.htm ، حوار أجرته مجلة الشقائق بعنوان : أين الفاتح المنتظر لفضائية هادفة ؟ بتصرف .
(79) مثال ذلك قناة اقرأ ، وقناة الشارقة ، وقناة المنار ، وقناة المجد ، ومشروع قناة مكة ، وغير ذلك من القنوات التي تبث باللغات الأخرى علي الأقمار الأوربي والأمريكية والكندية ، انظر المزيد في ملحق مجلة الأهرام العربي ، والعدد 19 بتاريخ 10/8/2002 ، ص 29 : ص40 .
(80) الأحمد الدكتور مالك ، الطريق إلي فضائية هادفة http://www.alshaqaeq.com/d2.htm ، بتصرف .
(81) http://www.art-tv.net/arabic/advertise/arm_art_iqraa.asp و.http://www.iqraatv.com .
(82) http://alarabnews.com/alshaab/GIF/16-08-2002/n%20%208.htm .
(83) http://www.albayan.co.ae/albayan/2001/11/28/mnw/23.htm .
(84) http://www.almodarresi.com/23moh22/alam/d70zxbwg.htm .
(85) جريدة المحايد ، السنة الثانية ، العدد (37) ، الأربعاء 12جمادي الآخرة 1422 .
(86) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (118) .
(87) أخرجه أبو داود في كتاب الفتن والملاحم برقم (4242) .
(88) http://www.mknon.net/new2/fthaeah.htm .
(89) http://www.mknon.net/new2/fthaeah.htm .(1/122)
(90) http://www.mknon.net/new2/fthaeah.htm .
(91) الفرقان :44 .
(92) المجادلة:22 .
(93) الممتحنة:1.
(94) هود:112.
(95) http://www.mknon.net/new2/fthaeah.htm .
(96) البقرة:85 .
(97) القصص:55 .
(98) http://www.mknon.net/new2/fthaeah.htm .
(99) أحمد في المسند برقم (13050) .
(100) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (2801) .
(101) أخرجه ابن ماجه في إقامة الصلاة برقم (1346) .
(102) مريم:59/61 .
(103) الزمر:53 .
(104) الأنفال:24/25 وانظر .
(105) الأحقاف : 20 .
(106) الشايع : القنوات الفضائية وآثارها http://www.mknon.net/new2/fthaeah.htm بتصرف .
(107) السابق بتصرف .
(108) آل عمران :185 .
(109) النحل : 45 .
(110) أخرجه البخاري في كتاب القدر برقم (6607) .
??
??
??
??
73
- 10 -
73(1/123)