... ... ... ...
الغرب من الداخل
دراسات للظواهر الاجتماعية
تأليف مازن صلاح مطبقاني
الأستاذ المشارك بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود
الطبعة الثانية -1425هـ 2005م
نشر في الرياض.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
... بعد صدور كتابي هذا عن الغرب من الداخل تلقيت العديد من الاتصالات تسأل عنه وعن توزيعه، وتشير إلى أهمية هذا الموضوع وضرورة مواصلة الكتابة في هذا المجال. بل إن فكرة دراسة الغرب ظهرت في العديد المقالات منها مقالة لعبد الرحمن العشماوي يذكر فيها أهمية إنشاء مراكز معلومات حول الغرب بعد أن ذكر أهمية مراكز المعلومات في الغرب التي تسعى إلى معرفة أدق التفاصيل عن العالم الإسلامي، وتساءل في ختام مقالته أين مراكز المعلومات عندنا عن الغرب؟
... وقد ظهر مثل هذا التساؤل على لسان مستشرق في أحد المؤتمرات الدولية للمستشرقين قبل أكثر من خمسين سنة حين التفت مستشرق إلى عالم مسلم وسأله "لماذا لا يوجد لديكم دراسات حول الغرب كما يوجد لدينا دراسات حول الإسلام والمسلمين؟"
... وما تزال الأصوات تتعالى بضرورة دراسة الغرب، وتأسيس مراكز بحوث وأقسام علمية وحتى كليات لتحقيق هذا الهدف. وكان من ضمنها الاقتراح الذي تقدمت به إلى مجلس عمادة البحث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لإنشاء وحدة للدراسات الأوروبية والأمريكية وتمت موافقة المجلس وكذلك موافقة مدير الجامعة ومن المؤمل أن تبدأ الوحدة عملها في بداية عام 1424/1425هـ
... ولكن مع قوة الدعوات لدراسة الغرب فإن هناك من يشكك في قدرتنا على دراسة الغرب، وأننا لا بد أن نصل إلى مستوى الغرب في المجال الفكري والحضاري كي ندرسه. وسخر البعض من هذه الدعوة. بل أنشأ أحمد الشيخ مركزاً لدراسة الغرب ولكن أول إصدار له كان عبارة عن حوار مع عدد من المستشرقين الذين دافعوا عن الاستشراق، ولم يأت بجديد في أهمية دراسة الغرب رغم العنوان الضخم لكتابه.(1/1)
... وها هو الكتاب في طبعته الثانية بعد أن تمت إضافة قسم جديد بعنوان (جوانب إيجابية في الغرب) وكذلك بعض الإضافات حول الحياة الاجتماعية في الغرب. آملاً أن أستطيع مستقبلاً تحديث المعلومات الواردة فيه بشكل أوسع ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.
... وأرجو أن لا تتوقف كتاباتنا عن الغرب على الجوانب السلبية كما يخشى بعض الغيورين على أمتنا أن الكتابة عن سلبيات الغرب وأن انهياره بات وشيكاً يفعل بنا فعل المخدر فنستكين ولا نسعى إلى النهضة والرقي. والحقيقة أنه ما زال في الغرب كثير من عوامل القوة وأننا بحاجة إلى معرفة هذه الجوانب عن قرب. ومن الأمثلة على ذلك أن وكالة إعلام الولايات المتحدة قد دعت عدداً من مدراء الجامعات العرب وبخاصة من دول الخليج لزيارة الجامعات الأمريكية والاطلاع على الطريقة الأمريكية في إدارة الجامعات فاعتذر البعض، وكم كان بودي أن لا يعتذروا فإن بعض جامعاتنا العربية ما تزال تدار بعقلية إدارة مدرسة ابتدائية أو تدار بعقلية إدارة مصنع أو أي إدارة حكومية. فأحد مدراء الجامعات مثلاً يرفض أعطاء موعد لمقابلة بعض أساتذة الجامعة بحجة أن الجامعة أبوابها مفتوحة وما درى المسكين أن وقت الأستاذ مهم وربما أكثر أهمية من وقت مدير الجامعة.
... آملاً أن يكون هذا الكتاب مشجعاً لغيري من الباحثين للمشاركة في الكتابة حول الغرب. وأن يكون حافزاً لمن بيدهم القرار أن نبدأ بالخطوة الأولى للدراسات الأوروبية والأمريكية وحتى دراسة الشعوب الأخرى، والله الموفق.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... د.مازن مطبقاني
... ... ... ... ... ... الرياض، 12جمادى الأولى1424هـ
... ... ... ... 12 يوليو 2003م
مقدمة الطبعة الأولى(1/2)
عقدت خلال شهر أغسطس عام 1996م "ندوة أصيلة" السنوية في المغرب تحت عنوان: "الواحد من منظور الآخر"، وكان حضور هذه الندوة يتكون من أدباء ومفكرين من العالم العربي ومجموعة من الباحثين الأمريكيين، وكان من بين الموضوعات التي طرحت العلاقات بين العالم العربي والغرب، واتفق المجتمعون على أن العالم العربي تنقصه المعرفة الحقيقية بالغرب فاتفقوا على إنشاء مركز الدراسات الأمريكية في أصيلة نفسها.(1)
وفي شهر ربيع الأخر 1418هـ (أغسطس 1997م) عقد منتدى أصيلة ندوته السنوية وقرر إنشاء معهد الدراسات الأمريكية بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد الأمريكية. وقد حضر الجلسة الافتتاحية للندوة الأمير بندر بن عبد العزيز سفير المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة وقدّم تبرعاً سخياً لإنشاء المعهد وكذلك لإنشاء مكتبة مركزية في مدينة أصيلة.(2)
__________
(1) - مازن مطبقاني. "جامعة الإمام سبقت ندوة أصيلة." في صحيفة المدينة المنورة. عدد (12189)،10ربيع الآخر 1416الموافق 24أغسطس 1996م.
(2) -كتبت ثلاث مقالات في زاويتي بجريدة المدينة المنورة في 27ربيع الآخر و5و12جمادى الأولى معلقاً على هذا الحدث مشيراً إلى أننا يجب أن نفيد من تجارب الأمم الأخرى في دراسة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد ذكرت أنني راسلت معهد دراسات الولايات المتحدة التابع لجامعة لندن وحصلت على معلومات قيمة عن البرنامج الدراسي للمعهد لعام 1996/1997م. وقد أشارت إذاعة لندن في خبر لها عن وجود معهد لدراسة الولايات المتحدة الأمريكية في كندا، وأشرت إلى دراسة قام بها باحث سعودي يدرس القانون في الولايات المتحدة حول بنوك الحيوانات المنوية فحبذا لو اهتم شبابنا العربي المسلم بدراسة القضايا التي تهم المجتمعات الغربية عقدياً وسياسياً واقتصاديا واجتماعياً..الخ.(1/3)
وقد سبقت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض هذه الندوة بأكثر من خمس عشرة سنة حيث أنشأت وحدة الاستشراق والتنصير بعمادة البحث العلمي بالرياض وعمل فيها أساتذة يعرفون الغرب معرفة متميزة أذكر منهم الدكتور قاسم السامرائي والدكتور محمد فتحي عثمان والدكتور السيد محمد الشاهد والدكتور إبراهيم عكاشة. وقد قامت الوحدة بإصدار العديد من الدراسات حول الاستشراق ومنها على سبيل المثال (المستشرقون الناطقون باللغة الإنجليزية) للدكتور الطيباوي وقام بترجمتها الدكتور قاسم السامرائي، وكذلك كتابات الدكتور إبراهيم عكاشة في مجال التنصير في البلاد العربية، وإن لم تكن هذه الوحدة تدرس الغرب من جميع النواحي ولكنها اهتمت بمجالي الاستشراق والتنصير وأصدرت العديد من الكتب في هذين المجالين.
ثم أنشأت جامعة الإمام قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة منذ عام 1403هـ وهو مقتصر على الدراسات العليا حيث لا بد أن يكون الطالب متخرجاً في أحد العلوم الإسلامية أو يعطى سنة تأهيلية لإعداده في هذه العلوم ليتمكن من دراسة كتابات المستشرقين. وقد ضم القسم متخصصين بالإضافة إلى العلوم الشرعية في مجال التاريخ وفي الاجتماع وفي الاقتصاد وفي الإدارة والاقتصاد. وتضمنت المناهج الدراسية في هذا القسم دراسة أصول الحضارة الغربية بالإضافة إلى دراسة اللغات الأوروبية التي من المتوقع أن يكون الطالب متقناً لإحداها.
جوانب إيجابية من الغرب
اهتم القسم الأول بتحديد مفهوم الآخر وفقاً لما ورد في القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، ثم بعض الجهود الأوروبية في معرفة العالم الإسلامي منذ بداية الدراسات الاستشراقية التي تطورت لتشمل جميع مجالات الحياة في العالم الإسلامي، ثم تناولت الدعوة التي ظهرت حديثاً لدراسة الغرب وأوضحت في هذه الجزئية مختلف الشخصيات التي اهتمت بهذا الجانب.(1/4)
أما القسم الثاني فهو حول الظواهر الاجتماعية في الغرب، قدمت أولاً تعريفاً بما يسمى ظواهر اجتماعية وفقاً لبعض الموسوعات الأمريكية، وتناول هذا القسم الظواهر الاجتماعية من خلال المراجع الأوروبية أو من خلال ما تنشره الصحف والمجلات العربية حول هذه الظواهر التي تضمنت: الأسرة، والمرأة، والطفل، والجريمة، والأخلاق وغير ذلك من الظواهر.
أما القسم الثالث فيهتم بإظهار بعض الجوانب الإيجابية في الغرب علنا نفيد منها، مثل التنظيمات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وذلك عملاً بالقول المأثور (الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها).
ولعل سائلاًً يسأل ما علاقة دارس الاستشراق بالظواهر الاجتماعية في الغرب فأقول إن كان لنا أن نفهم الغرب على حقيقته وأن تؤتي دراستنا للدراسات العربية الإسلامية في الغرب ثمارها فعلينا أن نفهم الغرب فهماً دقيقاً وعميقاً. وكما أشار الدكتور حسنين ربيع -نائب رئيس جامعة القاهرة للشؤون الأكاديمية- في مناقشة أول رسالة دكتوراه يمنحها قسم الاستشراق بالمدينة المنورة إلى أننا يجب أن ننتقل من دور المدافع إلى المهاجم. وإن كان مثل هذا البحث لا يقصد تماماً الهجوم ولكنه يسعى إلى الفهم.(1/5)
أشكر الأستاذ الدكتور أبو بكر باقادر المتخصص في علم الاجتماع الذي قرأ البحث وأبدى رأيا مفاده أننا بالحديث عن سلبيات الغرب إنما نتوجه إلى الناس ليستمروا في نومهم وسباتهم وإنما علينا أن نبحث عن الإيجابيات في الغرب لنتعلم منها ولننهض بدلاً من تخلفنا الذي نعيشه. وهو محق إلى حد ما في هذا التصور ولكن يجب أن يدرك الجمهور المسلم أن نهضة الغرب وتركيزه على المادة كانت له هذه الآثار السلبية، ولعل مثل هذا البحث يقع في أيدي بعض المنبهرين بالغرب فيكفوا عن هذا الانبهار ويكتفوا بالإيجابيات إن صدقوا في نصحهم لأمتهم. (1)
ويسرني أن أشكر كل من الأستاذ الدكتور أحمد الخراط الذي قدم ملاحظات لغوية وفكرية والابن المهندس المثقف خالد المغامسي رحمه الله تعالى، والابن الدكتور محمد السرحاني المتخصص في الاجتماع ثم الاستشراق اللذين أبديا ملاحظات قيمة. كما أشكر الأستاذ عائض الحجيلي على تخريجه الأحاديث الشريفة وبعض الآيات القرآنية وأشكر الابن علي باقيس على قيامه بتخريج بعض الآيات والمراجعة الطباعية.
مازن مطبقاني
المدينة المنورة في 20ربيع الآخر 1418هـ
الموافق 23 أغسطس 1997م
القسم الأول
المعرفة بالآخر
أولاً: الآخر في القرآن الكريم والسنّة الشريفة
إن المعرفة الحقيقية بالنسبة للمسلم هي التي تبدأ من القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، لذلك بحثت في هذه المسألة فوجدت أن القرآن الكريم قد أولاها عناية خاصة، فقد قسمت سورة البقرة البشر إلى ثلاثة أصناف: المؤمنين، والكافرين، والمنافقين. وبعد ذلك تحدث القرآن عن نماذج من هذه الأصناف وصفاتهم.
__________
(1) - طلبت إلى الدكتور أبو بكر باقادر-أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك عبد العزيز بجدة أن يكتب لي مقدمة لهذا البحث حرصاً منيّ على الإفادة من ثقافته الواسعة وتخصصه في هذا المجال، ولم يتمكن من ذلك ولكنه أفادني شفهياً ببعض الأفكار التي ذكرت في متن البحث.(1/6)
والآخر في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا كفار قريش، واليهود، والنصارى، والمنافقون. وقد قدمت الآيات الكريمة صوراً واضحة لكل فئة من هؤلاء، وأوضحت كيفية التعامل معهم، فبالإضافة إلى توضيح صورة الآخر عقديا فقد اهتم أيضا بالجوانب الأخرى، فها هي صورة العربي الجاهلي وموقفه من المرأة {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون}(1). وأوضح القرآن الكريم انحرافات قوم لوط وانحرافات قوم شعيب، وقد روى البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها صور النكاح في الجاهلية مقارنة إياها بالصورة التي ارتضاها الإسلام.(2) وورد في السيرة النبوية الشريفة وصف جعفر بن أبي طالب للإسلام وكان من هذا الوصف بعض الأمور الاجتماعية.(3)
__________
(1) - سورة النحل آية 58
(2) -صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلاّ بولي. حيث تقول السيدة عائشة :" أنَّ النكاحَ في الجاهلية كان على أربعةِ أنحاءٍ: فنكاحٌ منها نكاحُ الناس اليومَ يَخطُبُ الرجُلُ إلى الرجل وليَّتَه أو ابنتَه فيُصدِقها ثم يَنكِحُها ..ثم ذكرت الأصناف الأخرى.
(3) -انظر السيرة النبوية لابن هشام، م1 ص349.(1/7)
ويسبق معرفة الآخر معرفة الذات أو النفس، ليؤكد أمرين أولهما: تثبيت الهوية الخاصة بالمؤمنين بتوضيح صفاتهم، وأخلاقهم، وعلاقاتهم بالكون والحياة، فقد وردت كلمة الإيمان بمشتقاتها المختلفة، آمن، آمنوا، يؤمنون، مؤمنون، مؤمنين، مؤمنات .. أكثر من سبعمائة مرة، ولو أضفنا الصفات الأخرى المرادفة مثل: الصادقين، والقانتين، والمتصدقين، والخاشعين، لكان أكثر من ذلك. فمن الآيات التي توضح خصائص المؤمنين قول الله تعالى في وصفهم في مقدمة سورة البقرة {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}(1) ومن ذلك قول الله عز وجل {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رءوف العباد}(2) وقد وردت أحاديث كثيرة توضح صورة المسلم ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)(3) وقوله - صلى الله عليه وسلم - (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)(4) وقوله - صلى الله عليه وسلم - في وصف المؤمنين (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منهم عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.)(5)
__________
(1) -سورة البقرة الآيات من 3-5.
(2) -سورة البقرة آية 207.
(3) -البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه.
(4) -البخاري، كتاب الإيمان ، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
(5) -أخرجه مسلم 8/20واحمد 4/70.(1/8)
ثانيا: معرفة الآخر بصفاته، فقد وردت لفظة الكفر أيضا بمشتقاتها المختلفة، كفر، كفروا، كافرون، كافرين، يكفرون حوالي خمسمائة مرة، وكذلك الأمر بالنسبة لصفات الكافرين والمشركين مثل الكذب، والظلم، والفساد، والخداع، والجحود. ومن ذلك وصف الكافرين في سورة البقرة {إنّ الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم}(1) وقد جاءت أوصاف المنافقين في مقدمة سورة البقرة في ثلاث عشرة آية ومنها قوله تعالى {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}(2) ومن أوصاف الكفّار في القرآن الكريم قوله الله تعالى {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}(3) وبالنسبة للمنافقين فقد جاءت سورة باسمهم (المنافقون) وجاءت سورة أخرى تفضحهم بأعمالهم وهي سورة (التوبة) حتى إنها سميت سورة الفاضحة لكثرة ما ورد فيها من صفات المنافقين. ومن الأحاديث الشريفة التي توضح صفات المنافقين قوله - صلى الله عليه وسلم - (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب وإذا وعد اخلف وإذا أؤتمن خان)(4)
__________
(1) -سورة البقرة الآيتين 6-7.
(2) -سورة البقرة الآيات من 8-10
(3) -سورة البقرة الآيات 204-206.
(4) -البخاري ، كتاب الإيمان باب علامة المنافق.(1/9)
وهكذا فالحدود الفاصلة بين "نحن" و "الآخر" واضحة جداً لدى المسلم، وقد يتساءل المرء: ما سر هذا الأمر؟ وما أسبابه؟ إن أسباب هذا الوضوح هو أننا أمة الدعوة، وأمة الشهادة، والأمة الوسط، ونحن مكلفون بالدعوة إلى هذا الدين {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن}(1).
ويرى محمد عمارة "أن الحديث عن ’الذات‘ و’الآخر‘ ثقافياً لابد أن يقود إلى تحديد المعالم المميزة للنموذج الثقافي الإسلامي عن النموذج الغربي"(2) ويؤكد عمارة بأن "الإسلام هو المكون لذاتيتنا الثقافية والمحدد لمعالم نموذجنا الثقافي وتميزنا عن ’الآخر‘ الغربي قائم فقط حيث يكون التميز والاقتران الأمر الذي يجعل علاقة نموذجنا الثقافي -الذات الثقافية- بالآخر هي علاقة التميز والتفاعل."(3)
والآخر ليس هو فقط النصراني أو اليهودي أو المنافق بل الآخر أيضاً أناس من أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ويتسمون بأسمائنا ولكنهم اختاروا نهجاً يجعلهم أقر ب إلى الآخر، فهم ليسوا في الصف الإسلامي وإن زعموا أنهم حريصون على مصالح الأمة، وهؤلاء ليسوا المقصودين تماماً بهذا البحث، ولكني سأعرج عليهم لأصف بعض مواقفهم وأقدم نماذج من فكرهم.
__________
(1) سورة يوسف آية 108.
(2) -محمد عمارة " مكانة الإسلام في صياغة نموذجنا الثقافي."في الحياة،ع12224،3 ربيع الآخر 1417( 14أغسطس 1996م)
(3) -عمارة المرجع نفسه.(1/10)
وعندما خرج المسلمون من الجزيرة العربية منطلقين من طيبة الطيبة، كانوا أولا يعرفون دينهم معرفة حقيقية، ويعرفون ما يدعون إليه، كما كانوا يعرفون الأمم الأخرى، دخل أحد رسل جيش سعد ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - على القائد الفارسي، وأراد أن يجلس معه على سريره، فحاول الحرس منعه، فقال لهم: (كنا نظنكم أولي أحلام تتساوون فيما بينكم، فإذ بكم يستعبد بعضكم بعضا) ثم أضاف تلك المقولة البليغة: (إن قوما هذا حالهم فمصيرهم إلى زوال)(1) وكان المسلمون يعرفون الروم ونظام حياتهم، فلذلك نجحوا تماما في دعوتهم.
__________
(1) -انظر تاريخ الطبري ج2، ص402-403.(1/11)
واستمرت معرفتنا بالآخر قوية وواسعة ودقيقة. فبدأت الترجمة كما يصنفها حسن حنفي على عدة مراحل ودرجات منها: الأولى الاهتمام بالنصوص وترجمتها حرفياً أي الاهتمام باللفظ، ثم كانت المرحلة الثانية التي اهتمت بالمعنى، ثم المرحلة الثالثة التي اهتمت بالشرح والإضافة والنقد.(1) واستمرت معرفتنا بالأخر حتى عندما التقى المسلمون بالنصارى في الحروب الصليبية قدم لنا أسامة بن منقذ وصفاً دقيقاً لطباع الإفرنج، فهو يصف شجاعتهم وقوتهم وجلدهم، ولكنه يتعجب من ضعف غيرتهم أو عدمها على الأعراض، ويتحدث عن هذه النقطة بتفاصيل دقيقة مثيرة للاهتمام(2).
__________
(1) -حسن حنفي. مقدمة في علم الاستغراب.( بيروت: الدار الجامعية للنشر والتوزيع، 1412-1992) ص44-45. لابد من الإشارة إلى العلماء المسلمين الذين اهتموا بعقائد الآخر وفكره وثقافته ومن هؤلاء ابن حزم في الفصل والبغدادي في الفرق والأشعري في مقالات الإسلاميين وابن تيميه في اقتضاء الصراط المستقيم والغزالي في تهافت الفلاسفة وفضائح الباطنية.
(2) -أسامة بن منقذ: الاعتبار، تحقيق د. قاسم السامرائي (الرياض: دار العلوم، 1407)ص 152 تحدث فيها عن طب الإفرنج، وفي الصفحات التالية تحدث عن أخلاقهم، وقد وردت عبارة لطيفة عنهم يقول فيها ابن منقذ:" فكل من هو قريب عهد بالبلاد الإفرنجية أجفى أخلاقاً من الذين تبلدوا (أي عاشوا في البلدان) وعاشروا المسلمين."(1/12)
وفي الوقت الذي توقفنا أو تراجعنا عن معرفة أنفسنا، وكذلك عن معرفة الآخر، انتبه الغرب إلى هذا الأمر، فبدأ نشاطه العلمي بدراسة الحضارة الإسلامية ومنجزاتها في شتى المجالات، وتأكد لديهم ضرورة معرفة الذات فعادوا إلى جذورهم اليونانية اللاتينية وكذلك اهتموا بتراثهم النصراني اليهودي، فلا يمكن للأديب الغربي أو المفكر الغربي أن يزعم أنه أديب أو مفكر لو لم يكن على دراية بهذا التراث. ويرى الدكتور حسن حنفي أن مصادر الفكر الغربي أربعة، مصدران معلنان، ومصدران غير معلنان، فالمصدران المعلنان هما المصدر اليوناني -الروماني والمصدر اليهودي- المسيحي، أما المصدران غير المعلنين فهما المصدر الشرقي القديم الذي يتضمن المصدر الإسلامي والرابع هو البيئة الأوروبية، ويرى أن "أحد أسباب مؤامرة الصمت على المصادر غير المعلنة هي العنصرية الدفينة في الوعي الأوروبي التي جعلته لا يعترف إلاّ بذاته وينكر وجود كلَّ غَيْرٍ له، فهو مركز العالم احتل صدارته وله مركز الريادة فيه."(1)
نعم كثفت أوروبا جهودها في مجالين: معرفة الذات، ومعرفة الآخر، فبالإضافة إلى الجهود الضخمة في الترجمة والنقل عن اللغة العربية واللغات الإسلامية الأخرى بدأوا في إرسال الرحّالة المستشكفين إلى عالمنا الإسلامي، تزيا بعضهم بأزياء البلاد التي زارها، وأعلن بعضهم إسلامه ليتعمقوا في معرفتنا(2). وساند هذا الجهد نشاط الاستشراق، ومن تتح له الفرصة لدراسة ترجمات المستشرقين يذهله ما بذله القوم من جهود مضنية في دراستنا.
__________
(1) -حنفي، مرجع سابق،الصفحات من 81-104 والنص من صفحة 104.
(2) - أصف حسين: صراع الغرب مع الإسلام، فصل (الرّحالة والتجسس) قمت بترجمة الكتاب ونشرته الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمدينة المنورة عام 1418 ورقم الصفحة لهذا الفصل هي 55-73(1/13)
وتميز عمل القوم بالنظام الشديد الصارم، وهو ما تميزنا به يوم أن كنا متفوقين، فعقدوا المؤتمرات السنوية للجمعية الدولية للمستشرقين، وقد بدأ أول مؤتمر عام 1873 وما زالت هذه المؤتمرات تعقد حتى اليوم حيث عقد المؤتمر الخامس والثلاثون في بودابست بالمجر(1) وعقد المؤتمر السادس والثلاثون في مونتريال بكندا عام 2000م وسيعقد المؤتمر السابع والثلاثون في موسكو عام 2004م. كما أنهم إذا نبغ فيهم مستشرق أصبح قبلة لهم وقد حدث هذا عندما كان سلفستر دو ساسي Silvestre de Sacy يرأس مدرسة اللغات الشرقية الحية في باريس.
وليست المؤتمرات هي النشاط الوحيد، فإنهم أسسوا مئات الأقسام العلمية للدراسات العربية والإسلامية، وأنشأوا مراكز البحوث والمعاهد وعقدوا وما زالوا مئات الندوات والمؤتمرات، ونشروا ألوف أو عشرات الألوف من الكتب والدوريات، ولم يكتفوا بجهودهم وحدهم في معرفتنا، بل استقدموا أبناء الأمة الإسلامية للدراسة عندهم وبخاصة طلاب الدراسات العليا، فأصبحت رسائل الماجستير والدكتوراه تنقل إليهم أدق التفاصيل في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأدبية والثقافية، وكذلك بعض الندوات والمؤتمرات التي تعقد في بعض البلاد العربية الإسلامية بتمويل من بعض المؤسسات العلمية الغربية حيث يحضرها بعض المراقبين من الغربيين.
__________
(1) عقد هذا المؤتمر في بودابست بالمجر في الفترة من 3-8ربيع الأول 1418 الموافق 7-12 يوليه 1997 وحضره حوالي ألف وخمسمئة عالم من جميع أنحاء العالم جلهم من الغرب، وقدمت فيه أكثر من ألف محاضرة في أكثر من عشرة محاور.(1/14)
واهتمام الغربيين بالذات ما زال قائماً فبالرغم مما يجمع الدول الأوروبية من صلات في المعتقد والتاريخ واللغات فإن هذه الدول حريصة على هويتها القومية. وقد ذكرت الصحف أن شاباً عربياً أراد أن يضع صحناً هوائياً فوق منزله في ألمانيا فرفضت السلطات المحلية بحجة "حماية الإنتاج الوطني، والحفاظ على خصوصية الثقافة الألمانية." وأشار عاصم حمدان إلى أن الفرنسيين أصروا على استثناء القضايا الثقافية من معاهدة (الجات) حرصاً منهم على مقاومة المد الإعلامي الأمريكي المتمثل في المسلسلات التي تنتجها هوليوود وتمثل ثقافة مختلفة عن ثقافة المجتمع الأوروبي(1).
ويأتي إصرار فرنسا على استثناء الإنتاج السينمائي والتلفزيوني من مباحثات (الجات) هو أن الجانب الأمريكي هو الجانب المتفوق حالياً في التبادل السينمائي بين أوروبا وأمريكا، ويصر المخرج الفرنسي روجيه بلانشو على أن مشكلة أوروبا الثقافية والفنية التي لم ينظر إليها رجال السياسة ولم يخطط لها أحد، وقال "في حرب الصور التي بدأت اليوم حكم القوي على الضعيف هو المنتصر."(2)
__________
(1) - عاصم حمدان." الأوروبيون والخصوصية الثقافية" في المدينة المنورة.عدد 9698، 24 جمادى الآخرة 1414، 7 ديسمبر 1993.
(2) -رلى الزين." حملة فرنسية ضد الهيمنة الثقافية الأمريكية" في الحياة.ع 11178، 5ربيع الآخر 1414،(21سبتمبر1993)(1/15)
وقد نشرت جريدة التايمز تقريراً صحفياً يشير إلى أن دور عرض السينما البريطانية تلقت دعماً نقدياً من الاتحاد الأوروبي لقيامها بعرض الأفلام المنتجة في أوروبا وذلك لمواجهة الأفلام الأمريكية، فقد تسلمت ثمانية دور سينما في بريطانيا عام 1993م (13,500 جنيه إسترليني) -حوالي سبعين ألف ريال- لعرضها على الأقل خمسين في المئة من الأفلام الأوروبية، وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المساعدات النقدية هي جزء من برنامج أكبر وأشمل لتطوير صناعة السينما والوسائل المرئية-المسموعة ودعمها.(1)
وقد تناولت الصحف القرارات التي أصدرتها الحكومة الفرنسية قبل عامين لحماية اللغة الفرنسية وذلك بفرض عقوبات على كل من يستخدم أي لغة أجنبية في المعاملات الحكومية أو غير الحكومية أو في الإعلانات، كما جعلت اللغة الفرنسية هي لغة المؤتمرات والندوات العلمية التي تعقد في فرنسا. وقد اتخذت فرنسا هذه الإجراءات لمقاومة الهجمة الشديدة من اللغة الإنجليزية بصفة خاصة.
ثانياً: الدعوة إلى دراسة الغرب
ظهرت في عالمنا الإسلامي منذ عدة سنوات دعوات لدراسة الغرب أو إخضاعه لدراستنا، ومن ذلك ما كتبه السيد محمد الشاهد حول أهداف هذه الدراسة فذكر منها "طلب علوم الغرب للإفادة من صالحها وبيان فساد طالحها، والخلفية الفكرية للفكر الغربي" (2)، وأوضح من ضمن الموضوعات التي يمكن دراستها:
أ- دراسة عقيدة الغرب دراسة موضوعية بعيداً عن الحماسة والعاطفة.
__________
(1) - The Sunday Times. 31 July 1994.
(2) - السيد محمد الشاهد. "الاستغراب" في مرآة الجامعة، عدد 120، 20 جمادى الأولى 1410.(1/16)
ب- دراسة الشخصية الغربية من حيث مكوناتها وبنائها النفسي والاجتماعي.(1) وأكد السيد الشاهد في مقالة أخرى على قضية مهمة وهي "إن علينا أن نبحث عن مخرج من موقفنا الضعيف إلى موقع قوي مؤثر، ولا يمكن ذلك إلاّ بدراسة علمية صادقة لما عليه أعداؤنا ولا حرج أن نتعلم من تجاربهم ومناهجهم ونأخذ منها ما ينفعنا ونترك منها ما عدا ذلك."(2)
كما أصدر الدكتور حسن حنفي كتابا ضخما بعنوان مقدمة في علم الاستغراب، تناول فيه أهمية دراسة الغرب فأوضح أن مهمة علم "الاستغراب" هي "فك عقدة النقص التاريخية في علاقة الأنا بالآخر، والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر بتحويله من ذات دارس إلى موضوع مدروس، والقضاء على مركب النقص لدى الأنا بتحويله من موضوع مدروس إلى ذات دارس. مهمته القضاء على الإحساس بالنقص أمام الغرب لغة وثقافة وعلماً ومذاهب ونظريات وآراء."(3) وأشار في مواضع أخرى إلى مهمات أخرى لعلم "الاستغراب" ومنها أنه يسعى إلى القضاء على "المركزية الأوروبية Eurocentricity،Eurocentris ، بيان كيف أخذ الوعي الأوروبي مركز الصدارة عبر التاريخ الحديث داخل بيئته الحضارية الخاصة، مهمة هذا العلم الجديد رد ثقافة الغرب إلى حدوده الطبيعية بعد أن انتشر خارج حدوده إبان عنفوانه الاستعماري من خلال سيطرته على أجهزة الإعلام وهيمنته على وكالات الأنباء ودور النشر الكبرى ومراكز الأبحاث العملية والاستخبارات."(4).
__________
(1) -المرجع نفسه.
(2) -السيد محمد الشاهد." المواجهة حضارية.. والنقد لا يكفي"، في المسلمون. عدد 270، 11-17رمضان 1410، 6-12أبريل 1990.
(3) -حنفي، مرجع سابق، ص 24.
(4) - المرجع نفسه، ص 28.(1/17)
ويرى حسن حنفي أنه ظهر في العالم العربي من اهتم بدراسة الغرب ولكنه أطلق على هذه الدراسات بالاستغراب "المقلوب" ويبرر هذه التسمية بأنها تؤدي إلى أنه "بدلاً من أن يرى المفكر والباحث صورة الآخر في ذهنه رأى صورته في ذهن الآخر، بدل أن يرى الآخر في مرآة الأنا رأى الأنا في مرآة الآخر. ولما كان الآخر متعدد المرايا ظهر الأنا متعدد الأوجه." وضرب حسن حنفي المثال لهذا بكتابات محمد عابد الجابري وهشام جعيط، ومحمد العروي، وهشام شرابي وغيرهم.(1)
وتأتي أهمية دراسة الغرب لمواجهة حالة الانبهار التي أصابت كثيراً من أبناء الأمة الإسلامية، فيرى البعض أن النظام السياسي الأمثل هو الذي أوجدته الحضارة الغربية وقد دعوت إلى هذه الدراسة في كتابي الغرب في مواجهة الإسلام، فقد ورد في هذا الكتاب العبارة الآتية "انظر كيف يدرسوننا، وكم يبذلون من الجهود والأموال لمعرفة ما يدور في بلادنا. وهل نحن ندرسهم بالمقابل؟ بل قبل ذلك هل عرفنا أنفسنا كما يعرفون عنّا ؟ إن هذا الأمر يحتاج من مفكرينا وعلمائنا وقفة متأنية."(2) وقد تأكدت لي ضرورة هذه الدراسة نتيجة لما تعرفت إليه من بعض الصور الحياتية التي تدل على عدم ثقة البريطانيين في حكومتهم رغم أنها أقدم ديموقراطية في أوربا.
__________
(1) -المرجع نفسه، ص 55-65. وأذكر أن أستاذ مادة (التاريخ العربي الحديث ) في الدراسات العليا في قسم التاريخ بجامعة الملك عبد العزيز كان يصرح بأن أي بحث تاريخي لا يمكن أن يكون مقبولاً ما لم يتضمن بعض المراجع الأجنبية.
(2) - مازن مطبقاني: الغرب في مواجهة الإسلام.(المدينة المنورة: مكتبة ابن القيم، 1409.)ص 78. ظهرت طبعة ثانية من هذا الكتاب عن مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمدينة المنورة عام 1418هـ/1998م.(1/18)
واستمرت مقالاتي تدعو لدراسة الغرب وكان منها مقالة بعنوان "بل لابد من دراسة الغرب ونقده" جاءت رداً على مقالة عبد الرحمن العرابي التي ينتقد فيها الاهتمام الزائد بالغرب والكتابة عنه، ومما بررت به ضرورة دراسة الغرب أنه ظهر من أبناء المسلمين من درس في الغرب ورجع إلينا متشبعاً بالروح الغربية حريصاً على تقليد الغرب في كل شيء فكان لابد من معرفة الغرب معرفة حقيقية ومما كتبته في حينها "في مثل هذه الأجواء يجب الاستمرار في دراسة الغرب والإطلاع على عوراته وعيوبه وتبصير الأمة بها ولا بد كذلك من دراسة إيجابيات الغرب فإن للسلف أقوالاً في وصف أعدائهم لم يمنعهم الإسلام من ذكر محاسنهم وهذا ما جاء في قوله تعالى {ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}(1)، وختمت المقالة بالقول "إننا بحاجة لدراسة الغرب كيف نهض نهضته الصناعية المدنية، وكيف بنى مؤسساته ثم كيف بدأ الانهيار حتى نأخذ بأسباب الانطلاق ونتجنب أسباب الانهيار."(2)
__________
(1) - سورة المائدة، أية 8.
(2) - مازن مطبقاني."بل لابد من دراسة الغرب ونقده." في المدينة المنورة، عدد 11256، 13شعبان 1414(24يناير1994) ومن ذكر مزايا الآخر أو الاعتراف بما له من حسنات ما ورد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في وصف الروم بقوله:" إنّ فيهم لخصالاً أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، و أوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين، ويتيم، وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك" رواه مسلم في صحيحه في كتاب الفتن وأشراط الساعة.(1/19)
وكانت كلية الآداب بالرباط بالتعاون مع مدرسة الملك فهد العليا للترجمة وجمعية الدراسات المشرقية في المغرب ومكتب تنسيق التعريب في العالم العربي قد عقدت ندوة حول الاستشراق عام 1994م، وجاء في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها أحمد شحلان دعوته إلى الاهتمام بالدراسات الاستشراقية مشيراً إلى أن الهدف من ذلك هو "أن نعرف ونقوّم الدرس الاستشراقي تاريخاً وحضارة بمنظور مغربي (إسلامي) رزين يعيد النظر في تاريخ الاستشراق ويعرِّف بمعاهده وأعلامه ويبرز أعمالهم كما هي."(1) وأضاف شحلان في تلك الكلمة إلى دراسة الغرب بقوله "أليس من الجميل أن يصبح في جامعاتنا أقسام نسميها أقسام الاستغراب في مقابل الاستشراق؟ أليس من الجميل أن نعتبر الطرف الآخر هو أيضاً موضوع الدرس والتنقيب؟"(2) وكتبت في حينها أؤيد ما دعا إليه الدكتور شحلان في ثلاثة مقالات أوضحت فيها جهود جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في دراسة الاستشراق ومنابعه الفكرية من خلال إنشاء وحدة الاستشراق والتنصير بعمادة البحث العلمي في الرياض، ثم إنشاء قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة. وأيدت الدعوة التي نادى بها شحلان في المؤتمر المغربي وأضفت بأننا نحتاج بالفعل إلى إنشاء كلية للدراسات الأوروبية (والأمريكية) وختمت تلك المقالات بالعبارة الآتية "لهذا كله فلا بد من التفكير الجاد في هذا الاقتراح بإنشاء كلية متخصصة لدراسة الغرب دراسة عميقة، وهذه الدعوة موجهة إلى الجامعات الإسلامية بعامة وإلى الجامعات في بلادنا بخاصة. وإن جامعة الإمام التي كانت سبّاقة ورائدة في دراسة الاستشراق لقادرة بإذن الله على مثل هذه المشروعات الكبرى بعد دراستها من قبل المتخصصين"(3)
__________
(1) -الشرق الأوسط، عدد 5667، 25ذو الحجة 1414( 4يونيه 1994)
(2) -المرجع نفسه.
(3) - مازن مطبقاني، "دراسة الاستشراق وريادة جامعة الإمام1" في المدينة المنورة، ع 11396، 4محرم 1415(13/6/1994) و"دراسة الاستشراق وريادة جامعة الإمام2، المرجع نفسه، عدد 11397، 11محرم= =1415، و" الاستشراق وكلية الدراسات الأوروبية"، المرجع نفسه، عدد 11410، 18محرم 1415(27يونيه 1994.(1/20)
ونبهت إلى أن الذي يدرس الغرب ينبغي له أن يكون على معرفة عميقة وصحيحة بالإسلام، حتى يكون قادراً على فهم الغرب من منطلق إسلامي(1).
وكتبت في مناسبة أخرى أدعو إلى إخضاع الغرب إلى الدراسة في شتى المجالات بالقول "لا شك أن دراسة الغرب تتطلب تخصصاً كالقانون أو الاجتماع أو السياسة أو علم الإنسان أو التاريخ...الخ.. وقبل أن يتساءل القارئ وما شأننا بكل هذا فنقول أليس الغرب أمة يجب أن نتوجه إليهم بالدعوة ونحن مطالبون بالشهادة على الأمم فكيف للشاهد أن يشهد دون أن يعرف معرفة دقيقة موضوع شهادته"(2) وهو ما ورد في قوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}(3)
__________
(1) قررت ندوة أصيلة التي عقدت في شهر أغسطس 1997 إنشاء معهد الدراسات الأمريكية في أصيلة بالتعاون مع قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد الأمريكية فكتبت مقالتين معلقاً على هذا الموضوع مشيراً إلى أنه بالإمكان أيضاً أن يتم التعاون مع المعاهد الأوروبية المتخصصة في دراسة الولايات المتحدة مثل معهد دراسات الولايات المتحدة في لندن والتابع لجامعة لندن، وكذلك معهد الولايات المتحدة في مونتريال بكندا.
(2) -" متى نخضعهم لدراستنا؟" في المدينة المنورة ،عدد 11534، 24جمادى الأولى 1415، (29أكتوبر 1994)
(3) – سورة البقرة آية 143(1/21)
ويرى محمد عثمان الخشت بأن فهم الغرب أمر ضروري لفهم موقفهم من الإسلام ويقول في ذلك "ولذلك يتعين على المثقفين الإسلاميين لا نقد الفهم الغربي للإسلام وحضارته فقط وإنما كذلك إقامة ’علم الاستغراب‘ كعلم يدرس الحضارة الغربية لا لهدمها وبيان إفلاسها الروحي وأنها على وشك الانهيار بل لفهمها من الداخل واكتشاف هويتها بعقل مفتوح وقلب ملتزم"(1) ويضيف الخشت قائلاً "وإنما نحن نعاني مما يعاني منه الغرب في هذا الإطار فنحن لم نفهم الغرب بعد فهماً موضوعياً، والسبب ببساطه هو أنه لم يقم عندنا ’علم الاستغراب‘ كعلم دقيق حتى الآن، وإنما مزاعم بهذا الشأن هي مجرد أهواء وسراب."(2)
وقد ازدادت الأصوات المنادية بدارسة الغرب فقد كتب قسطنطين زريق يقول "إن الحضور الأمريكي في الذهن العربي ليس في مجمله صحيحاً وكافياً لأنه ليس وليداً لدينا من معرفة صادقة وموثوق بها ومن علم حي متنام."(3)
__________
(1) - محمد عثمان الخشت." الإسلام والغرب : من الصراع إلى الحوار." في الحياة،عدد 12103 ، 26 ذو القعدة 1416، 14يناير 1996.
(2) -المرجع نفسه.
(3) - قسطنطين زريق." حضور أمريكا في الذهن العربي والحضور العربي في الذهن الأمريكي." في الحياة، عدد 12134، 28 ذو الحجة1416 (16 مايو 1996)(1/22)
وقد انتقد إدوارد سعيد عزوفنا في العالم العربي عن دراسة الغرب، فذكر أن العديد من المثقفين العرب المسلمين يذهبون إلى الغرب ليكتبوا عن العالم الإسلامي ومما قاله "إن صادق جلال العظم مثلا الذي يفترض أنه ناقد كبير قضى ثلاث سنوات في أمريكا وجل ما فعله هو تدريس الشرق الأوسط إلى صغار أمريكا.." وأطلق سعيد على ذلك بأنه نوع من "النرجسية التي تدعو إلى الأسى عند جزء من المثقفين العرب" وتساءل سعيد "لماذا لا تكون لدينا إسهامات عربية معاصرة أكثر أهمية في دراسة فرنسا وألمانيا أو أمريكا" فالعرب أصبحوا في نظر سعيد "أسرى حالة من الـ (غيتو) لأنهم يكتبون عن العالم العربي بالفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية، وينظر إليهم كمخبرين محليين."(1)
ويؤكد سعيد هذه الفكرة حين التقى مجموعة من الشباب اللبناني يكتبون عن لبنان في أمريكا، فقال لهم "لستم هنا لكي تكتبوا عن أنفسكم، تستطيعون الكتابة عن لبنان في لبنان، هنا يتوجب عليكم أن تكتبوا وتشاركوا في الجدالات الدائرة حول أمريكا في أمريكا."(2)
__________
(1) ادوارد سعيد: تعقيبات على الاستشراق، ترجمة صبحي حديدي، عمان: دار الفارس، 1996، ص 149-150.
(2) المرجع نفسه.(1/23)
ولعل إدوارد سعيد فاته أن هذا الأمر قد خطط له منذ عشرات السنين، فقد جاءت لجنة حكومية بريطانية برئاسة السير وليام هايترSir William Hayter للتعرف على الدراسات العربية الإسلامية في أمريكا وكندا فوجدت أن معهد الدراسات الإسلامية في جامعة مقيل McGill قد وجه طلابه المسلمين ليكتبوا عن بلادهم، وأقنعهم بأن هذه الكتابة ستكون في مصلحتهم لأنهم سينظرون إلى مشكلاتهم من بعد (مسافة) وربما قيل لهم "إنكم ستحررون هناك من بعض القيود في بلادكم"، فأعجبت الفكرة أعضاء اللجنة، وجعلوها ضمن توصياتهم(1). ولكن الأمر من هذا حين تتحول بعض الرسائل إلى نوع من التجسس على العالم العربي الإسلامي، بما تقدمه من معلومات يصعب على الغربيين الوصول إليها، كما أشار إلى ذلك أحمد غراب من توجيه بعض الأساتذة تلاميذهم من العرب والمسلمين دراسة قضايا معينة في بلادهم.(2)
وأعود إلى إدوارد سعيد لأقتبس من مقالته التي نشرت في 17 صفر 1417هـ والتي أكد فيها ضرورة معرفة الآخر، فهو يقول "ولا أعتقد أن من الإجحاف القول إن العرب هم الأقل مساهمة في تغيير الحضارة والسياسة والمجتمع في الغرب، ونحن نتمتع في بلداننا بأحدث البضائع الاستهلاكية وكل وسائل الراحة المستوردة من الخارج وليس من يضارعنا فيم عرفة آخر طراز سيارة مر سيدس أو البرامج التلفزيونية المفضلة، لكنني لا أعرف جهدا منظما في الجامعات العربية وفي مؤسساتنا الدينية لتعميق معرفتنا بالآخر، أي بالمجتمعات المختلفة واللغات والتواريخ التي تشكل عالمنا الحالي.."(3)
__________
(1) -Sir William Hayter.
(2) أحمد عبد الحميد غراب: رؤية إسلامية للاستشراق.ط2( ببرمنجهام : المنتدى الإسلامي) 1412هـ.
(3) ادوارد سعيد: الحياة، العدد 12182، 17 صفر 1417هـ (3 يوليه 1996م).(1/24)
وكنت أشرت من قبل إلى مقولة عبد الرحمن العرابي بعدم ضرورة إشغال أنفسنا بدراسة الغرب والكتابة عنه فقد كتب هاشم صالح -تلميذ محمد أركون- منتقداًً الدعوة إلى "علم الاستغراب" بدعوى أننا ما زلنا غير قادرين على الوصول إلى ما وصل إليه الغرب من تقدم في العلوم ومناهج البحث، بل إنه استهزأ بمشروع حسن حنفي في دراسة الغرب (الاستغراب) بقوله "كيف يمكن لهذا ’العلم‘ الغريب الشكل أن ينهض على أسس قويمة إذا كنّا عاجزين حتى الآن عن استيعاب الثورات اللاهوتية والابستمولوجية والفلسفية للفكر الغربي، وإذا كنّا عاجزين عن إحداث مثلها في ساحة الفكر العربي؟ وكيف يمكن لنا أن نقف موقف الند من الغرب إذا كنّا لا نملك أبسط المقومات حتى مشروع الترجمة لم نقم به كما ينبغي."(1)
وهناك من يرى أننا لم نصل بعد إلى إنتاج فكر يقف في وجه الفكر الغربي ومن هؤلاء من كتب قائلاً:" علم الاستغراب يحتاج إلى أن يكون لدينا فكر يستطيع مواجهة الفكر الغربي الحديث لكن للأسف نحن لم نصل بعد إلى المستوى الأوروبي ولم نقف بعد في مصاف ما ينتج هناك ففي مجال الفكر ما زلنا عالة على الغرب"(2)
__________
(1) -هاشم صالح." علم الاستغراب لا يضير الغرب بل يرتد علينا بأفدح الأخطار." في صحيفة الحياة،عدد 11740 ،13 ذو القعدة 1415(13 أبريل 1995).
(2) - الشرق الأوسط، تحقيق بعنوان "بين الانبهار الشديد والرفض المطلق هل يمكن رسم منطقة محايدة" والعبارة للدكتور حامد أبو أحمد نشرت في 30 نوفمبر 2001م(1/25)
وما يمكن قوله لهذا المتعجب من دراسة المسلمين للغرب هو هل من الضروري أن يمر المسلمون بالأدوار الفكرية والفلسفية التي مرّ بها الغرب حتى نفهم الغرب؟ وهل من الضروري أن ننقد القرآن الكريم والسنة المطهرة وفقاً لنقد النص الذي قام به الغربيون لنصوصهم "المقدسة" حتى يمكننا أن ندرسهم؟ ولكن ألا يعرف الكاتب أن الأمة الإسلامية مطمئنة إلى أن كتاب ربها قد نقل إليها بالتواتر فليس في الدنيا كتاب نال من العناية والاهتمام ما ناله القرآن الكريم. ومن ناحية أخرى يؤمن المسلمون بأن الله عز وجل قد تكفل بحفظ كتابه {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(1) فهذا هو المنطق المعكوس أن نتوقف عن التفكير في دراسة الغرب حتى نمر بجميع المراحل الفكرية التي مر بها الغرب، وأن نطعن في نصوصنا دون النظر إلى الجهود التي بذلها العلماء المسلمون في الحفاظ على الكتاب والسنة وهي جهود لم تقم بها أمة من الأمم لحفظ كتاب ربها وسنة نبيها.
__________
(1) -سورة الحجر آية 9.(1/26)
وجاءت ندوة "أصيلة" لتدعو إلى إنشاء مركز الدراسات الأمريكية فكانت المبررات التي نشرت تتلخص فيما يأتي "فقد اتفق الحضور على وجود بعض أشكال من عدم الفهم للعروبة والإسلام في أمريكا وهذا ما يصعّب تقديم قضايا العرب والمسلمين بصفة جيدة كذلك اتفقوا بالمقابل على عدم التفهم العربي الكافي لأمريكا ومجتمعها وعمل إدارتها السياسية."(1) ورأى المجتمعون أن من الأهداف التي من الممكن تحقيقها من إنشاء المعهد "تقريب وجهات النظر وتقديم رؤية معتمدة على المعلومات المعاصرة وليس على الحساسيات التاريخية التي تتحكم بالجانبين" أما الوسائل التي سيستخدمها المعهد في تحقيق أهدافه فكما أشار الخبر "تقوية الحوارات والاتصالات بين الأكاديميين والصحافيين والعلماء والاقتصاديين من كلا الطرفين، كما يطبع الأعمال الثقافية والفكرية التي تخدم كافة أشكال الحوار الحضاري بين الثقافتين العربية والأمريكية."(2)
ومن الطريف أنني قبل ندوة "أصيلة" بأسبوعين تقريباً وفي المحاضرة التي ألقيتها بدعوة من نادي أبها الأدبي وفي 8 ربيع الأول 1417 ناديت بإنشاء كلية الدراسات الأوروبية والأمريكية و هذا ما قلته في تلك المحاضرة "وأجدها فرصة مناسبة لأدعو من هذا المنبر لإنشاء كلية للدراسات الأوربية أو مركز أبحاث الدراسات الأوروبية في المدينة المنورة، تكريما لهذه المدينة العظيمة التي انطلقت منها الدعوة الإسلامية فعم نورها أرجاء الدنيا وما زال."(3)
__________
(1) - " أول معهد للدراسات الأمريكية." في صحيفة الشرق الأوسط، العدد 6465، 26ربيع الأول 1417 (10أغسطس1996م)
(2) -المرجع نفسه.
(3) كان هذا في النادي الأدبي بأبها في يوم 8 ربيع الأول 1417 حيث ألقيت محاضرة بعنوان ( المعرفة بالآخر: ظواهر اجتماعية من الغرب)(1/27)
وقد أثار هذا الاقتراح الكثير من ردود الأفعال المؤيدة، ومنها ما كتبه عبد القادر طاش مشيراً إلىً أن الواقع يشهد نقصاً في "المعرفة العلمية الموضوعية... لابد لمثل هذا المعهد أن يعنى عناية فائقة بالدراسات الجادة التي تقدم لنا -نحن العرب والمسلمين- رؤية عميقة وموضوعية عن الفكر الأمريكي في تجلياته الإيجابية وفي قصوره السلبي وعن التيارات الثقافية التي يموج بها المجتمع الأمريكي وذلك لنعرف أمريكا على حقيقتها عوضاً عن الاعتماد على الانطباعات العجلى والرؤى القاصرة."(1)
ولكن طاش توقف عند فكرة الحساسيات التاريخية(2) التي يريد مؤسسو المركز استبعادها من أن تكون مصدراً للمعرفة فقال "ولكننا -مع ذلك- لا ينبغي أن نقلل من أثر الدوافع التاريخية في توتير العلاقة بين الطرفين فكرياً وثقافياً. كما لا ينبغي إهمال النظر إلى العوامل الأيديولوجية والسياسية وحتى الاقتصادية التي تؤثر على تلك العلاقة سلباً أو إيجاباً. لذلك فإن الرؤية المتكاملة تفرض علينا دراسة ظاهرة العلاقة بين أمريكا والعرب في ضوء كل هذه العوامل مجتمعة ولا يمكن فصل الحاضر عن الماضي."(3)
__________
(1) - عبد القادر طاش، " الدراسات الأمريكية" في المدينة المنورة ، عدد 12180، 1ربيع الآخر 1417(15/8/1996م)
(2) أشار الأمير الحسن بن طلال في كلمته التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الخامس والثلاثين للدراسات الأسيوية والشمال أفريقية الذي عقد في بودابست بالمجر على ضرورة الاهتمام بالتاريخ ذلك أن الماضي لا ينفصل عن الحاضر ويجب أن نتخذ من الماضي دروساً وعبراً، وليس من مصلحة الغرب أو الشرق نسيان الماضي.
(3) -المرجع نفسه.(1/28)
وتعجب عبد الرحمن الراشد أن لا توجد في العالم العربي دراسة "العلوم الأمريكية بتخصيص كلية أو مركز لها." وأشار إلى أن لدى الأمريكيين العشرات من المراكز والكليات المتخصصة في تدريس وإجراء بحوث عن منطقة الشرق الأوسط. وهناك مئات الجامعات الأمريكية التي تدرس العلوم الإسلامية وحضارتها ضمن برامج مكثفة في حين أننا لا نملك قسماً واحداً متخصصاً في العلوم الأمريكية مع أننا نعيش في القرن الأمريكي."(1) وأكد الراشد على ضرورة هذه الدراسات بقوله بأننا "لا يمكن أن نفهم ممارسات النظام الأمريكي سياسة واقتصاداً وثقافة من خلال تفاسير بسيطة تنطلق من روح المؤامرة الدائمة أو اللوبي الصهيوني أو لوبي السلاح، بل هناك دولة عظمى تتنازعها قوى داخلية كبرى وتؤثر على سياساتها طروحات حزبية أهم من إسرائيل وغيرها."(2)
ولا بد هنا من التأكيد على أن أمريكا وإن كانت القوة العظمى في العصر الحاضر فإن هذا لا يمنع من دراستها ليس بالروح الانهزامية التخاذلية، كما نؤكد ما قاله عبد القادر طاش بأننا لا ينبغي أن نغفل العامل التاريخي أو الأيديولوجي أو السياسي أو حتى الاقتصادي في العلاقات بين العالم العربي الإسلامي وأمريكا والغرب عموماً.
وقد علّق أحد القراء على هذه القضية وأضاف بُعداً جديداً بأن دراسة الولايات المتحدة وحدها لا تكفي فلا بد أن تتسع هذه الدراسات لتشمل دول الاتحاد الأوروبي ونمور آسيا والصين والهند وروسيا.(3) وهو ما ينطبق عليه تعريفنا للآخر وفقا للمفهوم القرآني كما أوضحناها في بداية هذا البحث.
__________
(1) -عبد الرحمن الراشد. "أصيلة ومشروع المركز الأمريكي." في الشرق الأوسط، ع (6466)، 27ربيع الأول 1417(11/8/1996)
(2) -المرجع نفسه، ع ( 6467)، 28ربيع الأول 1417.
(3) - عوض عباس أمين،" آفاق مركز الدراسات الأمريكية في العالم العربي" في الشرق الأوسط .ع6479، 10ربيع الآخر 1417 (24أغسطس1996م)(1/29)
ولابد أن تنطلق رحلتنا لمعرفة الآخر من أسس شرعية، وقد كانت محاضرة الدكتور جعفر شيخ إدريس في مهرجان الجنادرية لهذا العام رائعة جدا في تحديد هذه المنطلقات، وأحب أن ألخصها هنا في النقاط الآتية:
1- كل جماعة من البشر ترى أن ما هي عليه من المعتقد والقيم والعمل أفضل مما عليه غيرها مهما كان ما هي عليه باطلا بمقياس الشرع، والدليل على هذا قوله تعالى {كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبؤهم بما كانوا يعملون}(1).
2- تتقارب الأمم مع من كان على شاكلتها، ألم تذهب جهود تركيا طوال عشرات السنين هباء للالتحاق بالسوق الأوروبية المشتركة، وهاهي ليتوانيا وأستونيا تدخلان السوق ولم يمض على استقلالهما سنتان أو ثلاثة.
3-عدم الرضا التام إلاّّ على من كان على شاكلتهم، {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}(2).
4- إن حرصهم على أن يكون غيرهم معهم يدفعهم للضغط على المخالف ولاسيما مخالفا يساكنهم بأنواع من الضغوط تصل أحيانا حد الضرب أو السجن أو النفي أو حتى القتل {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك}(3). وقوله تعالى {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنّكَ يا شُعَيْبُ والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا، قال أولو كنا كارهين}(4).
5- يرى أهل بعض الحضارات والأديان أن دينهم أو حضارتهم من خصائصهم القومية التي لا يريد أحدا أن يشاركه فيها وحتى إنهم لا يروا أنفسهم ملزمين بالتعامل معهم بالقيم الأخلاقية {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك، ومنهم من إن تأمنه بدينار لايؤده إليك إلا مادمت عليه قائما، ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}(5).
__________
(1) -سورة الأنعام آية 108.
(2) - سورة البقرة آية 120.
(3) - سورة الأنفال آية 30.
(4) - سورة الأعراف آية 88.
(5) -سورة آل عمران آية 75.(1/30)
6- الرغبة الجامحة لدى بعض الحضارات في السيطرة والسيادة "تدفعهم لأن يعدوا العدة لبقاء حضارتهم والدفاع عنها في حال وجود خطر يهددها، والعمل لإخضاع الآخرين لها "وذكر الشيخ جعفر الرغبة الجامحة لدى الغرب في السيطرة، فمثلا في دولته الكبرى في الولايات المتحدة وهم لا يخفون ذلك، كما هو واقع لمن يتابع أحداث العالم بقلب واع وأفق واسع(1).
أما موقفنا من الآخر، فقد حدد الدكتور جعفر ذلك في عدة نقاط هي:
1- الدعوة إلى الحق عملا بقوله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}(2).
2- إعداد القوة الرادعة، فلابد أن يكون للمسلمين قوة حتى لا يظهر أحد تحدثه نفسه بالغزو، وحتى لا يكون المسلمون فتنة حيث نكون على الحق ونكون الأضعف فينفر الناس من الحق الذي معها (القوة من أجل السلام).
3 - الجنوح للسلم.
4 - تبادل المنافع.
ويخلص الدكتور جعفر إلى القول بأن (الحضارة الغربية هي التي تدفع الآخرين لمعاداتها حيث تعمل في طريق التطور الطبيعي لغيرها، وتعد كل ماعداها خطر عليها، فتتحدث عن الغربي والآخر The West & The Rest تماما كما كان بعضهم ولا يزال يصف كل من ليس على دينه بالأميين (أو الأمميين) ولا يرى أنه ملزم في التعامل معهم بخلق أو دين)(3).
__________
(1) جعفر شيخ إدريس: موقفنا من الحضارات والأديان الأخرى، رؤية شرعية، في الشرق الأوسط، ع 6311، 9 مارس 1996م.
(2) - سورة النحل آية 125.
(3) جعفر شيخ إدريس، المرجع نفسه، الحلقة الثانيةـ عدد 6312، 10/3/1996م.(1/31)
وقبل أن نختم هذه الفقرة نشير إلى أن الآخر الذي نقصده ليس هو فقط العدو الخارجي ولكن ثمة أناس من أبناء جلدتنا يمكن أن يكونوا أخطر من العدو الخارجي: هم أولئك الذين تأثروا بالفكر الغربي وأصبحت لهم مواقف مختلفة في النواحي الفكرية والثقافية والسياسية لا تتفق مع المنهج الإسلامي في التفكير، فقد يبدي عداءً للغرب أو للآخر الحقيقي ولكنه في الوقت نفسه يتبنى كثيراً المواقف المنافية لمصالح الأمة الإسلامية والمنطلقة من المنهج الإسلامي وأضرب لذلك بأمثلة محدودة من هذه المواقف:(1/32)
لقد زعم هؤلاء بأنهم حزب التنوير الحديث في العالم الإسلامي ولكن أي تنوير هذا وهم يعاندون توجهات الأمة فقد أقر مجلس الأمة في الكويت في الشهور الأخيرة منع الاختلاط في المدارس والجامعات الكويتية ولكن ظهر أعداء الفصل بين الجنسين وشنوا حملة شعواء على هذا القرار وكان من الذين كتبوا عن هذا الموضوع محمد صلاح الدين حيث كتب يقول "جندت (في الشهور التي تلت التصديق على قرار منع الاختلاط) القوى العلمانية قواها وأطلقت عقال أحقادها وافتراءاتها لحث الحكومة على رد القانون الجديد إلى البرلمان والتحذير من آثاره على سمعة الكويت الدولية."(1) وتحدث صلاح الدين في المقال نفسه عن تولي حزب الرفاه رئاسة الوزارة في تركيا بعد صراع سياسي استمر عدة شهور تحالفت فيه كل الأحزاب العلمانية لحرمان الرفاه الإسلامي من ثمار نصره الانتخابي وحقه الديموقراطي."(2) ووصف محمد صلاح الدين الديموقراطية التي ينادي بها العلمانيون العرب والمسلمين بأنها "ديموقراطية صليبية تقوم على أساس استئصال الإسلام ودعاته من حياة العباد وتوجهات البلاد، وأن التعددية التي يتخوفون عليها هي في حقيقتها دكتاتورية مقنّعة تعتمد على نفي الشريعة وأحكام الدين من الحياة السياسية الاقتصادية
__________
(1) - محمد صلاح الدين." الديموقراطية الصليبية." في المدينة المنورة، ع 12140، 20صفر 1417(6يوليو1996م)
(2) استطاع العسكر في تركيا بتأييد ظاهر وخفي من الغرب أن يفرضوا على نجم الدين أربكان رئيس الوزراء التركي ورئيس حزب الرفاه الاستقالة بعد حكم لم يدم أكثر من سنة، ثم جاء يلماظ ليحاول أن يتخذ عدداً من= = القرارات للحد من المدارس الدينية وتمديد التعليم العلماني وبالرغم من التكاليف المالية الضخمة لمثل هذا القرار فإن صندوق النقد الدولي الذي تسيطر عليه الدول الكبرى قد قرر تقديم القروض لتركيا. انظر سرعتهم في تأييد كل قرار ضد الإسلام والمسلمين مع تشدقهم بالديموقراطية وحرية التدين.(1/33)
الاجتماعية والثقافية، والسماح لكل ما عدا ذلك من مذاهب وأيديولوجيات باعتبار الإسلام هو العدو الأول والوحيد."(1)
وقد ظهرت مواقف هذا الآخر من الإسلام والمسلمين في مواقف كثيرة منها أن إحدى الصحف أجرت استطلاعاً عن أبرز الكتب التي أثرت في حياة المسلمين في القرن الماضي فتواطأت رؤية عدد من الذين استطلعت آراؤهم على الإشادة بكتاب علي عبد الرازق ’أصول الحكم الإسلامي‘ وكتاب طه حسين ’في الشعر الجاهلي‘، وكتاب قاسم أمين ’تحرير المرأة‘ و’المرأة الجديدة‘ وكتب أخرى على شاكلتهما. وليت الأمر اقتصر على الاستطلاع الذي نشرته الصحيفة بل إن الهيئة المصرية العامة للكتاب قامت بإعادة نشر هذه الكتب في طبعة فاخرة وبأسعار زهيدة -كما أشار إلى ذلك عبد الله الجفري الذي تلقى هذه الكتب هدية من الهيئة-(2)
ومن مواقف الآخر الداخلي استئثاره بالدعوات لبعض المؤتمرات والندوات واستبعاد من ليس على شاكلتهم. فقد كتب عبد العزيز عطية الزهراني حول الندوة التي نظمتها مؤسسة الأهرام بالقاهرة تحت عنوان "مشروع حضاري عربي" فيقول الزهراني: "ليس مستغرباً من ندوة الأهرام أن تغيِّب الإسلام من محاورها وموضوعاتها فالغرب منذ عصر النهضة وحركة التنوير -في مفهومهم للنهضة والتنوير- وهم يركضون ركض الإبل في القفار والصحارى الشاسعة دون أن يصلوا إلى نبع الماء وبقيت الحلقة الرئيسية في نهضتهم المزعومة مفقودة."(3)
__________
(1) -المرجع نفسه.
(2) -مازن مطبقاني ." (أتواصوا به )...التنوير المزعوم" في المدينة المنورة ، ع 9536، 8 محرم 1414.
(3) -عبد العزيز عطية الزهراني." وجموا وهم جاهلون." في رسالة الجامعة،(صحيفة تصدر عن جامعة الملك سعود بالرياض) ع 547، 25جمادى الآخرة 1415.(1/34)
وأكد الزهراني في مقالته على أهمية دور العقيدة بقوله: "إن المشروعات الثقافية والفكرية التي لم تقدر على استيعاب العبر والدروس من التاريخ في ماضيه وحاضره لن يكون لها نصيب من النجاح... وسوف تذكر الأجيال القادمة أن حضارتهم لم تكن لتتعثر لو قام المخلصون ذوو القلوب الواعية بمزجها بهذا العنصر الأساس في مكوناتها (العقيدة) والتي لا تكتمل بدونه"(1)
ومن مظاهر الآخر الداخلي تهجمه على التشريعات الربانية كالتهجم على مظاهر الحياة الإسلامية التي من ملامحها الحجاب حيث كتب أحدهم في جريدة الأهرام عن الملابس والاحتشام فأطلق على الحجاب بأنه غزو ثقافي بدوي قادم من الصحراء. ويعلق محمد صلاح الدين على ذلك بقوله: "وهكذا أصبحت الأحكام الشرعية مرتعاً لعبث العابثين والمتزلفين وعدت الأوامر الإلهية حمى مستباحاً في ديار المسلمين للمنحرفين والمتحللين والعياذ بالله."(2)
__________
(1) -المرجع نفسه وانظر مقالتي " ما ذا لو تفسحوا في مجالسهم " في المدينة المنورة، ع 11592، 24رجب 1415 (26ديسمبر1994)
(2) -محمد صلاح الدين." الحجاب..غزو ثقافي بدوي؟!" في المدينة المنورة.ع11467 16ربيع الأول 1415، (23أغسطس1994)(1/35)
و ظهر هذا الآخر الداخلي أيضاً في مجال الأدب وفي الثقافة وفي التاريخ وفي علم الاجتماع وفي الفكر السياسي والاقتصادي. ففي مجال الأدب تبنى بعض هؤلاء نظريات الحداثة الغربية التي تنادي بالقطيعة مع التراث، بل إنها تسعى إلى "تحطيم السائد والموروث، وتفجير اللغة" وأما ما يتذرعون به من التجديد في الأشكال الأدبية للشعر والنثر فإنما جزء من خداع الذين أتقنوا فنه، وإلاّ فإن الحداثة تتضمن نظرة متكاملة إلى الحياة والكون بعيداً عن الدين وبخاصة الدين الإسلامي. ومن الأدلة على ذلك أنهم حين أصدروا مجلة "أبواب" كانت في أول أعدادها تعلن الحرب على ما أطلقوا عليه الأصولية حيث يقول في ذلك محمد نور الدين: "أبواب تفتح أبواباً للتحديث والديموقراطية (على النسق الغربي، وهل هناك نسق عالمي آخر؟) وتحمل عصا غليظة تهش بها الأصولية والأصوليين."(1)
__________
(1) - محمد نور الدين." أبواب المجلة الجديدة تبالغ في التركيز على الديموقراطية ونفي الأصولية." في الحياة،عدد (11513)، 19ربيع الأول 1415، (26أغسطس 1994)(1/36)
وفي المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين تحدث يوهانس يانسن Johannes Jansen تحت عنوان (فشل المشروع الليبرالي) تناول فيه بالحديث فشل النخبة العلمانية في التأثير في المجتمع المصري بخاصة وفي العالم العربي بعامة، وأرجع ذلك إلى أن هؤلاء يعيشون في بروج عاجية وأن الحاجز كبير بينهم وبين عامة الشعب. وقد ذكر يانسن في ملخص موضوعه أن كتابات النخبة من أمثال حسن أحمد أمين ومصطفى أمين وفؤاد زكريا ونصر حامد أبو زيد، ومحمد سعيد العشماوي التي تركز على الهجوم على "الأصولية" الحديثة تجد رواجاً ولهم قراء كثيرون لكنهم فشلوا في تحريك الجماهير.(1) وفي المؤتمر نفسه تحدث نبيل عبد الفتاح و هاله مصطفى -وهما من مؤسسة الأهرام- عن الحركات الإسلامية (الأصولية) وموقفها من الديموقراطية الحديثة فحشدا كثيراً من الاتهامات والدعاوى والزعومات ضد هذه الحركات دون تمييز بين حركات تدعو إلى تحكيم شرع الله وتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع ميادين الحياة، وبين تلك التي اتخذت خط العنف مهما كان حجمها صغيراً، وأصر المتحدثان على أن الحركات الإسلامية لا يمكن أن يكون لديها القابلية للقبول بالتعددية أو القبول بمعطيات الحضارة الغربية.(2) ولاشك أن المحاضرين ينطلقان من منطلق العداوة للحركات الإسلامية فلم يكن
__________
(1) -Johannes Jansen. “ The Failure of the Liberal Alternative.” in The First International Conference on Islam and the 21st Century :Porogramme and Abstracts (Leiden: Leiden University,1996) p.51.لقد حضرت المؤتمر واستمعت لمحاضرة يانسن وناقشته في بعض الأفكار التي طرحها في محاضرته.
(2) -Nabil Abdul Fattah and Halah Mustafa.” Western Democracy and Islamic Movements in The Middle East.” Two parts each presented a part. in The First International Conference on Islam and The 21st Century. Leiden ,June 4-7,1996.(1/37)
النقاش حول مواقف الحركات الإسلامية عقلانياً أو منطقياً، كما أن إدارة المؤتمر ربما تعمدت أن لا يكون في الحضور من يمثل وجهة نظر الحركات الإسلامية ليناقش مثل هذه المفتريات. ومن الأمثلة على هذه الآراء قول هالة مصطفى إن قبول الإسلاميين بالديموقراطية إنما هو قبول بإجراءات الديموقراطية أما الاتجاهات الفكرية والأيديولوجية لهذه الحركات فبعيدة جداً عن الجوهر التعددي للديموقراطية، كما زعمت الباحثة أن الإسلاميين يسعون إلى تأسيس الدولة الدينية التي لا يمكن أن تقبل بأي خيار آخر بعد أن يضفوا هالة من الشرعية لا تسمح بوجود خيار آخر. وكأن هالة مصطفى لم تقرأ التاريخ الإسلامي الذي يعد مضرب المثل في التسامح مع الأديان الأخرى منذ نشأة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة حيث كتب الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيفة بينه وبين يهود يضمن لهم فيها حرية الاعتقاد وحرية التصرف في ممتلكاتهم، كما لم يعرف التاريخ الإسلامي اضطهاد أصحاب الديانات الأخرى كما عرفتها أوروبا في حركة الإصلاح الديني وفي محاكم التفتيش في أسبانيا.
القسم الثاني
ظواهر اجتماعية من الغرب
... ... ...
تعريف الظواهر الاجتماعية:
تقول الموسوعات انكارتا ENCARTA ، وجرويلر GROILER، وغيرهما أن الظواهر الاجتماعية هي أقدم فرع من فروع علم الاجتماع لم تتم دراستها في السابق تحت أي علم من العلوم الاجتماعية، وهي الزواج، الأسرة والظلم الاجتماعي والعلاقات العرقية والانحرافات السلوكية والمجتمعات الحضرية والمنظمات الرسمية أو المعقدة(1).
أولاً: الأسرة: الزواج والطلاق وعدد الأفراد:
__________
(1) -Encarta, Social Phenomenon.(1/38)
ولما كانت الأسرة هي اللبنة الأساس في المجتمع فلتكن أول ما نتناوله في الحديث بعض مظاهر الأوضاع الأسرية في الغرب، وفقا للمصادر الغربية، وأول هذه المصادر وأهمها مما اطلعت عليه، التقرير السنوي الذي تصدره الحكومة البريطانية، وعنوانه: "التقرير المنزلي العام لسنة 1993م"General Household Survey(1)
يذكر التقرير أن حجم الأسرة البريطانية بدأ يتقلص بالنسبة للبريطانيين البيض، فقد كان حجم الأسرة البريطانية يتكون من 2.91 فرد عام 1971م ثم أصبح 2.44 فرد عام 1993م، ويشير التقرير إلى أن أسر البريطانيين من أصل هندي أو باكستاني أكبر حجما. أما عدد الأطفال في الأسرة فقد وصل إلى 1.8 فرداً منذ بداية الثمانينات، وهذا العدد يتضمن الأطفال المتبنين وأطفال أحد الزوجين، ومن المظاهر المهمة في تكوين الأسرة البريطانية أن الأسرة المكونة من والد واحد (أب أو أم) ارتفع من 8% عام 1971م إلى 22% عام 1993م. وبالنسبة للأمهات الوحيدات فقد ارتفع من 8% عام 1971م إلى 22% عام 1993م. وبالنسبة للأمهات الوحيدات فقد ارتفعت نسبتهن من 1% عام 1971م إلى 18% عام 1993م.(2)
__________
(1) - General House Hold Survey 1993. فقد حصلت عليه مباشرة من الإدارة الحكومية المختصة في الحكومة البريطانية مباشرة من الإدارة المختصة التي تطلب ممن يستخدم التقرير في مقالة أو محاضرة أن يعرض عليها ما كتبه قبل نشره أو إلقائه حتى يتسنى لهم التعليق عليه.
(2) -General House Hold Survey 1993.(1/39)
وكتبت إيان موراي Ian Murray حول التقرير السنوي للسكان قائلة: "إن الأسرة البريطانية التقليدية المكونة من أبوين أصبحت أكثر ندرة وفقاً لآخر تقرير سكاني حكومي، فإن الترتيب الأكثر شيوعاً للأسرة هو رجل وامرأة بلا أطفال، ووفقاً للإحصائيات التي تم إعدادها من أبريل عام 1991م حتى مارس 1992م فإن زوجاً (رجل وامرأة) من بين كل خمس أزواج لا يعيشون تحت مظلة الزواج، وأسرة واحدة من بين سبع أسر يعولها والد واحد (أب أو أم) وعائلة من بين كل اثنتي عشرة عائلة تتضمن طفلاً من زواج سابق لأحد الزوجين.(1)
وقد كتبت ليزلي وايت Lesley White حول انخفاض معدل الزواج في بريطانيا فقالت: "إن مؤسسة الزواج تكاد تختفي في بلادنا، فقد أصبح الإقبال على الزواج أقل وفي سن متأخرة، وارتفعت نسبة الطلاق حتى وصلت 40% وهي أعلى نسبة في أوربا. وبالنسبة لانخفاض الزواج فقد انخفض بنسبة الثلث عام 1992م، وتصف الكاتبة موقف البريطانيين من الزواج فتقول "لقد أصبح الزواج مخيفا جدا، فمن الصعب جدا أن يقدم الناس على الزواج."
ومن النتائج التي حدثت أن أصبح متوسط عمر المرأة عند إنجاب أول طفل هو 28.6 سنة، وهناك عشرون في المئة من النساء لا يفكرن في الإنجاب مطلقا، ويفضلون إنفاق أموالهم على الترفيه والمتع الذاتية، أو هكذا يظنون(2).
ولو عدنا إلى التقرير الحكومي البريطاني لوجدنا أن عدد النساء اللاتي لم يتزوجن قد ارتفع من 18% عام 1979م إلى 28% عام 1993م، أما العيش مع الرجل دون زواج فقد ارتفع من 9% عام 1981م إلى 23% عام 1993م.(3)
__________
(1) -Ian Murray. “Marriage rate slumps as more choose single life...” in The Times, April 29, 1993.
(2) -Lesley White, The Times, 9 July 1996.
(3) -G.H.H S. Op Cit.,(1/40)
ويشير تقرير موراي إلى ارتفاع نسبة الزواجات التجريبية (يعيش الرجل مع المرأة كأزواج دون عقد رسمي) فثمة امرأة من كل أربعة نساء تعيش مع رجل بلا زواج، بينما تتمنع الأخريات عن الإقدام على الزواج كليا.(1)
أما التعليق على هذه الأرقام فكما يأتي:
1 - انخفاض معدل الإنجاب في أوربا سيؤدي بعد حين إلى ارتفاع نسبة كبار السن وانخفاض الفئة القادرة على الإنتاج، وقد بدأت نذر هذا حيث إن الإحصائيات الحالية تشير إلى أن عدد الذين تجاوزوا الستين من العمر وصلوا إلى سبع عشرة في المئة في الولايات المتحدة، وعشرين في المئة في أوربا، وسبع عشرة في المئة في اليابان، وذكر برنامج تلفازي في الولايات المتحدة أن من أسباب هذا انخفاض نسبة المواليد واقتصار العائلة الأمريكية على طفلين فقط.(2) فقد أشارت دراسة أعدتها المفوضية الأوروبية في بروكسل إلى أن عدد الشباب والشابات في دول الاتحاد الأوروبي سوف يتقلص بحلول عام 2025م ليصبح 9,5مليون، أما الذين ستزيد أعمارهم عن الستين فسوف تزيد على 113,5 مليون بينما لا تزيد الآن عن 76,3 مليون عام 1995م، كما أشارت الدراسة إلى أن عدد البالغين عشرين سنة من أعمارهم عام 2025سوف يتدنى إلى 4,2مليون من مجموع السكان بينما كان يساوي 5,1مليون عام 1995م. وأكدت الدراسات أن عدد السكان في دول الاتحاد الأوروبي سوف يتراجع إجمالياً.(3)
__________
(1) -Murray. Op. cit.,
(2) - مازن مطبقاني " أيام في واشنطن (1)" في المدينة المنورة، ع11872، 13جمادى الأولى 1416 (7أكتوبر 1995)
(3) - عبد الحميد اليحياوي: تقلص أعداد الشبان والشابات دون العشرين في أوربا، في الشرق الأوسط، ع 6307، 15 شوال 1416هـ (5/3/1995م). وانظر مقالي (أيام في واشنطن (1) في المدينة المنورة عدد 11872، 13/5/1416هـ (7 أكتوبر 1995). وأذكر أنني كنت أدرس في جامعة اورجين بمدينة يوجين في صيف عام 1969 مادة (مختبر أحياء) فكتبت في أحد الواجبات عن تحديد النسل بأنه يؤدي إلى تقلص القوة الإنتاجية بزيادة عدد كبار السن وانخفاض عدد الشباب، ولم أكن حينها قد اطلعت على دراسات من هذا النوع. وقد تعجب الأستاذ من أن طالباً في السنة الأولى من الجامعة يصل إلى مثل هذا الاستنتاج الخطير.(1/41)
وقد علق المفوض الأوروبي بيدريج فلين المكلف بحقيبة العمل والشؤون الاجتماعية في الاتحاد الأوروبي إن الدراسة الديموغرافية لطبيعة سكان الاتحاد الأوروبي لعام 1995م قد أكدت التوجهات التي أشارت إليها الدراسة المماثلة التي أجريت عام 1994م التي حذرت من شيخوخة مرتفعة المعدلات في أوروبا الغربية … وهو الأمر الذي سوف يتسبب في اختلال النظم الاجتماعية المعمول بها حالياً حيث لن يكون هناك أعداد كافية من العاملين لتأمين المنح الهائلة لكبار السن المتقاعدين الذين سيشكلون الغالبية العظمى عام 2025م.(1)
أما تأخر النساء في الزواج فإن ثمة دراسات تؤكد أن المرأة لا تنضج إلا بعد إنجاب الطفل الأول أو الثاني، فها هي المرأة الغربية تتأخر أكثر من عشرة سنوات عن الإنجاب، وقد لا تنجب مطلقا.
وبالنسبة للعزوف عن الزواج بحجة إنفاق المال في المتع والترفيه فقد ذكر الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله في كتابه الحجاب، أن من أسباب انهيار الحضارات وسقوطها (الشح) وهذا هو الشح بعينه، حين يرغب الوالدان إشباع متعهم الذاتية ويمتنعون عن الإنجاب أو عن الزواج.(2)
الأسرة في الولايات المتحدة
كتب ديفيد بلانكنهورن David Blankenhorn يقول: (هذه الليلة سينام أربعون في المئة من أطفال أمريكا بعيدا عن المنازل التي يعيش فيها آباؤهم، ويضيف بأن فقدان الأب يعد من أكثر الاتجاهات الديموغرافية (السكانية) إيلاما لهذا الجيل، فهي السبب الأول لتراجع صحة الطفل في مجتمعنا، وهي الدافع لكثير من المشكلات الاجتماعية من الجريمة إلى عمل الصغار إلى التحرش الجنسي بالأطفال، ويقدم المؤلف بعض الأرقام في هذا المجال وهي:
__________
(1) - المرجع نفسه
(2) - أبو الأعلى المودودي، الحجاب.(جدة: الدار السعودية للنشر ،1405-1985)(1/42)
أ - كانت نسبة الأطفال الذين يعيشون مع آبائهم عام 1960م هي 82.4% وتراجعت هذه النسبة حاليا إلى 61.7%.(1).
ب - كانت نسبة الذين يعيشون بعيدا عن آبائهم عام 1960م هي 17.5% وبلغت هذه النسبة عام1990م 36.3%.
وقد أشار ريتشارد نيكسون إلى تضاعف حالات الطلاق أربع مرات وأصبح طفل واحد من كل ثمانية يعيش على حساب الرعاية الاجتماعية أي أكثر بثلاثة أضعاف ما كان عليه الحال عام 1960م.(2)
... وتقول آخر الإحصائيات عن الطلاق والزواج في الولايات المتحدة أن عدد حالات الطلاق( مع أن بعض الولايات ليس لديها إحصائيات لذلك) كان في عام 2000 م هو 957.200وفي عام 1999هو 944.317وفي عام 1998م هو 947.348 أما حالات الزواج فكانت 2.355.005 وفي عام 1999هو 2.366.623 وفي عام 1998هو 2.267.854 وتضيف الإحصائيات أن 43% من الزواج الأول تنتهي بالانفصال أو الطلاق خلال الخمس عشرة سنة.(3)
ألمانيا
__________
(1) وفي أثناء دراستي في الولايات المتحدة في عام 1389(1969) ذكرت لي مسؤولة مبنى النشاط الطلابي في جامعة أريزونا الحكومية بأنه في إحدى المدن كان ثمة أربعة مستشفيات يستقبلن حالات الولادة، ونظراً لنقص حالات الولادة فتوقفت ثلاث منها عن استقبال حالات الولادة.
1-David Blankenhorn, Fatherless America. (New York: Basic Books, 1995) p.1&18.
== وقد أشارت جريدة الحياة في عددها 11534 في 14/5/1415هـ (19/10/1994) إلى أن عدد الأطفال الذين يعشون في أسرة تقليدية بلغ 25% فقط، وانظر تعليق محمد صلاح الدين في جريدة المدينة المنورة عدد(11500 )، 20 ربيع الآخر 1415هـ.
(2) -ريتشارد نيكسون.ما وراء السلام. ترجمة مالك عبّاس.( عمّان -الأردن: الأهلية للنشر، 1995) ص 186.(1/43)
وفي ألمانيا ينقل لنا نبيل شبيب بعض الإحصائيات منها أن ثلث الأطفال المولودين هناك ليسوا شرعيين(1)، وهي نفس النسبة لكل من بريطانيا والولايات المتحدة كما نقل الدكتور عبد القادر طاش عن الكاتبة غريتوود هلمفار أستاذة التاريخ بجامعة سيتي بمدينة نيويورك City University of New York، وأضاف طاش بأن إيطاليا تعاني من التناقص السكاني، وهي (ظاهرة توشك أن تتحول فعليا إلى أزمة على أبواب القرن الحادي والعشرين على امتداد الأمة الإيطالية(2).
ويرى الرئيس علي عزت بيجوفتش أن الحضارة الغربية قد تسببت في تحطيم الأسرة حيث بدأ ذلك بهجر الرجل للبيت ثم تبعته المرأة ثم تبعهم الأطفال. ومن مظاهر تحطم الأسرة انخفاض حالات الزواج وارتفاع نسبة الطلاق وازدياد عدد النساء العاملات والازدياد الكبير في عدد المواليد غير الشرعيين وارتفاع عدد الأسر القائمة على والد واحد (الأم) ويضيف بيجوفتش أن عدد ربات البيوت من الأرامل صغار السن قد ازداد شيوعاً بسبب ارتفاع معدل الحوادث وارتفاع عدد ضحايا السكتة القلبية وأمراض السرطان وهذه الأمور شديدة الصلة بالحضارة.(3)
__________
(1) - نبيل شبيب." الحضارة في غياب القيم: التقدم إلى الخلف"، في المسلمون، ع 374، 1/10/1410هـ.
(2) عبد القادر طاش"، مصادمة الفطرة"، في المدينة المنورة، عدد 11711، 29ذو القعدة1415ـ (29/4/1995م).
(3) -علي عزت بيجوفتش. الإسلام بين الشرق والغرب. ترجمة محمد يوسف عدس ( الكويت وألمانيا: مجلة النور ومؤسسة بافاريا،1414) ص 118.(1/44)
هذه الأوضاع الأسرية الصعبة جع(1)لت المفكرين الأوروبيين يخشون على الجنس الأبيض من خطر الزوال، فيذكر على عزت بيجوفيتش أن معدل المواليد في ألمانيا قد انخفض بحيث أن الألمان قد يتلاشون في القرن القادم، ويضيف بان تقديرات السكان الذين يبلغ تعدادهم الآن ( في السبعينيات) 52مليوناً سوف ينخفض إلى 17 مليوناً في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين.
كما أن التقرير الإحصائي السنوي للسويد يشير إلى أن كل واحد من اثنين من أطفال السويد هو الطفل الوحيد في الأسرة، وينطبق الأمر نفسه على تشيكوسلوفاكيا التي يرى سكانها أن الأسرة التي تتكون من ثلاثة أطفال ترف غير معقول. وتشير الإحصائيات إلى أن السويد لن تكون قادرة في عام 1990م على الاحتفاظ بمعدل المواليد المعتاد.(2)
وأما صاحب كتاب صدمة المستقبلFuture Shock فيذكر أن الأسرة في الغرب على وشك الاندثار الكلي وينقل عن الكاتب فيرديناند لندبيرج Ferdinand Lundberg أن الأسرة ميتة عدا في السنتين الأولى والثانية من حياة الطفل، ولعل هذه هي مهمتها الوحيدة.(3) ويثير المؤلف قضية خطيرة تعرضت وما زالت تتعرض لها مؤسسة الأسرة في الغرب وهي الزواج المؤقت أو الزواج التجريبي الذي بدأ يجد قبولاً لدى كثير من المفكرين وقادة الرأي ورجال الدين حتى أن القس جاك لازور Jacque Lazure أقترح ما أسماء "الزواج التجريبي" وأن يستمر ما بين ثلاثة إلى ثمانية عشر شهراً.(4)
__________
(1) - طلبت إلى الدكتور أبو بكر باقادر-أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك عبد العزيز بجدة أن يكتب لي مقدمة لهذا البحث حرصاً منيّ على الإفادة من ثقافته الواسعة وتخصصه في هذا المجال، ولم يتمكن من ذلك ولكنه أفادني شفهياً ببعض الأفكار التي ذكرت في متن البحث.
(2) -المرجع نفسه، ص 263-264
(3) - Alvin Toffler. Future Shock.(New York: Batnam Books 1971) p238
(4) -Ibid. p. 254.(1/45)
ومما يهدد وجود الأسرة ارتفاع عدد الشاذين جنسياً وإصرارهم على الزواج وقد سنّت بعض الدول الأوروبية تشريعات تسمح بزواج هؤلاء مثل هولندا وبريطانيا بينما ما زالت القضية تثير كثيراً من النقاش والجدال في دول أخرى. ويرى مؤلف كتاب (صدمة المستقبل) بأن بعض الشاذين جنسياً يقوم بتبني أطفال مما يشكل صورة جديدة للأسرة (1).
ثانياً: الأطفال والجريمة
إذا كانت هذه حال الأسرة في الغرب فكيف تصير حال أطفالهم؟ لاشك أنهم سيتأثرون بالفعل، وقد بلغ عدد الجرائم التي يرتكبها الأطفال ونوعها حداً جعلهم يلجأون إلى حظر التجول على الأطفال والشباب ليلا، وأصبحت قضية حظر التجول من القضايا السياسية التي تتنافس الأحزاب في مواقفها منها.
حمل السلاح والعنف
ذكر تقرير حكومي بريطاني أن ثلث تلاميذ بريطانيا في سن الخامسة عشرة استبدلوا الأسلحة بالكتب الدراسية، وتتنوع الأسلحة التي يحملونها في حقائبهم من سكاكين حادة إلى مشرشرة، ومدى وجنازير وعصي بيسبول وسلاح ناري يمكن شراؤه بسهولة، تقول الإحصائيات إن واحداً من خمسين تلميذاً في المدارس البريطانية يحمل مسدسا، هذه الأوضاع جعلت ربع الطلاب يتخوفون من الذهب إلى المدرسة، بينما ثلث الطالبات في المدارس الثانوية المختلفة يتخوفن من الاعتداءات الجسدية(2). هذا بالإضافة إلى الإيذاء اللفظي الذي يتعرض له بصفة خاصة الطلاب المستجدون له في المدارس، ويتعرض للسخرية أيضاً الطلاب الذين يعانون من بعض الأمراض الجسدية مثل حَب الشباب، أو العيوب الخًلقية أو ممن لهم هوايات غريبة(3).
__________
(1) -Ibid. p 247.
(2) محمد الشافعي." حمل الأسلحة في المدارس البريطانية"، في الشرق الأوسط، عدد 6379، 28/12/1415هـ (16/5/1996م.
(3) -Cathy Scott-Clark. “Scourge of the bullies brings fear to schools.” in The Sunday Times.9 June 1996.(1/46)
وحمل السلاح هذا لم يكن للتسلية، فقد قام أحد الطلاب عمره خمس عشرة سنة بقتل ناظر مدرسة ثانوية في شمال لندن، ومن حوادث الجرائم التي هزت المجتمع البريطاني قتل طفل عمره سنتان من قبل طفلين في العاشرة. أما الإحصائيات فتقول إن جرائم الأطفال في سن 11-17 ازدادت بنسبة 50% من البيض، و 300% بين السود، وقد وقعت في نيويورك في العام الدراسي 1994م/1995م (1914م) جريمة قتل قام بها أطفال ينتظمون فيما يسمى بقبائل أو جماعات الذئاب، وفي لوس أنجلوس وحدها 40 جماعة ذئاب(1).
حظر التجول
ومن أجل مواجهة جرائم الأطفال فقد بدأت العديد من المدن الأمريكية فرص حظر التجول ليلا على الشباب في سن مادون الثامنة عشرة أو السابعة عشرة، وقد بدأ الحظر في مدينة نيو أولينز New Orleans منذ سنتين، وقد انخفضت حوادث القتل بنسبة 37% لنفس الفترة من العام الماضي، ولكن هذا الحظر وجد من يعارضه من جماعات الدفاع عن الحقول المدنية التي ترى أن الحظر مخالف لحقوق الوالدين في التربية، ومخالفة للحقول المدنية للشباب، ويرى بعض الباحثين أن وقت الجرائم سينتقل من الليل إلى النهار، وإن الشغل الشاغل للشرطة قد أصبح فرض هذا الحظر، ومع ذلك فإن الكثير من المدن الأمريكية بدأت في تطبيق هذا الحظر الذي وجد الدعم من الرئيس الأمريكي الحالي بيل كلينتون(2).
وكتبت صحيفة الجارديان الأسبوعيةGuardian Weekly بأن حظر التجول يضر بالأولاد الفقراء الذين لا يجدون من ينقلهم في الليل، فليس لديهم سائقون في بيوتهم، وتقول الصحيفة بأن أقسى نقد جاء من اتحاد الحريات المدنية الأمريكي بأن ما تفعله هذه القوانين هو عقاب الناس العاديين المطيعين للقانون(3).
__________
(1) فهمي هويدي: الطفولة المفترسة، في مجلة المجلة، عدد 835، 17/2/1996م.
(2) The Economist, June 8th, 1996.
(3) -The Guardian Weekly , Vol. 154, No 23 June 8th, 1996.(1/47)
وقد انتقلت فكرة حظر التجول من أمريكا إلى بريطانيا وقد دعا لها كل من حزب العمال وحزب المحافظين جزءا من برنامجه السياسي، ولكن هناك من يعارض هذا الحظر، ومن هؤلاء أحد الوزراء البريطانيين الذي يقول: (إن الحظر إهانة للغالبية من الشباب الحسني السلوك، وهذه السياسة تذكر بسياسة الأخ الأكبر في النظام الاشتراكي الذي يريد السيطرة على كل شيء(1).
وعلقت صحيفة الجارديان بأن أمريكا ليست النموذج المناسب لتقليده في تطبيق حظر التجول على الشباب والأطفال، فنسبة الجريمة في الولايات المتحدة أعلى من بريطانيا، كما أن الأوضاع الاجتماعية تختلف من بلد لآخر، وأضاف بأن هذه السياسة ستعاقب الأغلبية من الأبرياء وبخاصة في مجتمعات السود، فهذه السياسة خاطئة في تأثيرها وفي مبدئها(2).
ولابد من كلمة حول هذا الأمر، فقد اقتنعنا مدة طويلة بتفوق الغرب في شتى المجالات ومنها التربية بلا شك، وأرسلنا أعداداً كبيرة من طلاب الدراسات العليا للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في التربية في الغرب، وهذا الواقع يؤكد فشل تربيتهم، أما التربية الإسلامية الصحيحة فهل فكرنا لماذا يتقدم شبابنا الذين لم يبلغوا الخامسة عشرة للدخول إلى المعارك، وكان هذا في أُحُد وفي الخندق وغيرها، ألم يكن أسامة بن زيد رضي الله عنهما في السابعة عشرة حينما ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم قيادة جيش للتوجه إلى الشام. وكم كان سن محمد بن القاسم الثقفي ومحمد الفاتح وغيرهما؟
إن التكليف في الإسلام يبدأ بالبلوغ الذي لا يتجاوز الخامسة عشرة، أليس في هذا دليل على أن تربيتنا أنجح من تربيتهم فمن يعيد الثقة إلينا؟
الجرائم ضد الأطفال
__________
(1) -Noel Rogers “ Zero Tolerance and Britain proposal for youth curfew.” in Saudi Gazette.No.6925, June 17,1996.
(2) 2-The Guardian Weekly, Op. cit.,(1/48)
كثيرة هي الجرائم التي ترتكب ضد الأطفال ولكن بعضها ينال اهتماماً خاصاً من الإعلام، ومن بينها قضية المرأة التي اشتركت مع زوجها في جرائم اغتصاب وقتل عشر فتيات إحداهن ابنتها البالغة من العمر ست عشرة سنة، وابنة زوجها البالغة من العمر ثماني سنوات، وقد تكون هذه الجرائم أكثر بكثير من العشرة الذين وجدت جثثهم مدفونة في أنحاء المنزل(1).
وقد علقت صحيفة "الحياة " بالتساؤل "هل سبب العنف والانتهاك الجنسي عائد لخلل في جينات الدماغ أم إلى تدهور أخلاقي ناجم عن اضطراب أو تحلل في المجتمع الذي يعيشان فيه، أم سببه انتشار أفلام الجنس والجريمة التي كانت تعرض باستمرار في منزل المجرمين."(2)
وتساءلت صحيفة الحياة وكذلك مجلة "التايم" Time Magazine كيف تمت هذه الجرائم على مدى ثلاثين سنة دون أن تكتشفها شبكة الخدمات الجنائية والاجتماعية الكثيفة في المجتمع البريطاني، والتي تضم إلى الشرطة البريطانية التي تتمتع بسمعة عالية مؤسسات الخدمة الاجتماعية المختلفة من المدارس والباحثين الاجتماعيين حتى الكنيسة؟ أم إن هذه الجرائم تؤيد وجهات النظر الراديكالية التي تعتقد بأن المجتمع البريطاني يعاني من انحلال وتفكك اجتماعي وأخلاقي كبيرين."(3)
جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال
__________
(1) -Helen Gibson. ” The Banality of an Evil woman.” in The Time. December 4th, 1995.
(2) - الحياة، العدد (11975 )، 13 رجب 1416 (5/12/1995)
(3) -المرجع نفسه.(1/49)
رُوِّعت بلجيكا بأخبار مجرم اختطف عدداً من الفتيات وتم اكتشاف جثثهن في حديقة منزله، ثم قادت التحريات إلى أن المجرم إنما هو فرد من عصابة تقوم باختطاف الأطفال لاستغلالهم في الدعارة. وقد كتبت جريدة "الحياة" تقول: "لا تزال بلجيكا تعيش حالة ذهول بعد كشف التفاصيل المروِّعة لأعمال شبكة من الشاذين الذين يقيمون علاقات جنسية مع الأطفال، وهذه القضية تعد الأخيرة في سلسلة شبكات مماثلة كشف عن تورطها في ارتكاب جرائم جنسية ضد أطفال أوروبا وأمريكا الشمالية خلال السنوات الأخيرة."(1)
وأوردت صحيفة أخرى بأن ما حدث في بلجيكا لم يكن حالة منعزلة حيث" تفيد الأوساط القضائية في بروكسل أن منطقة وسط أوروبا وشرقها قد تحولت بعد انهيار الشيوعية إلى أهم المراكز العالمية للاتجار بأجساد الأطفال ومخزن كبير لتطعيم أسواق الدعارة التي تقوم عليها سياحة الجنس في تلك البلدان."(2)
وقد تداعت مئة وست وعشرون دولة لعقد مؤتمر دولي لمكافحة الاستغلال التجاري الجنسي للأطفال، -هل غير التجاري مسموح به؟_ وتضمنت الوفود المشاركة عدد من الأطباء وعلماء النفس، وعلماء الاجتماع ورجال القانون. ويستمر المؤتمر من 27حتى 31 أغسطس 1996م. وقد يناقش المؤتمر تسعة موضوعات تتصل بنشاطات الشبكات الإجرامية وتعريف الاستغلال الجنسي وتعريف الأطفال، والعقوبات التي ينبغي إنزالها بالشبكات التي تعمل في هذا المجال.(3)
__________
(1) - سوزانا طربوش." بلجيكا في حالة ذهول." في الحياة،ع 12230،6ربيع الآخر 1417هـ (20أغسطس1996م)
(2) -عبد الحميد اليحياوي." بلجيكا تودع ضحيتي الاعتداء الجنسي." في الشرق الأوسط، ع6478، 9ربيع الآخر 1417هـ( 23أغسطس 1996م)
(3) -"126دولة تشارك في مؤتمر مكافحة استغلال الأطفال جنسياً" في الشرق الأوسط.ع6482،13ربيع الآخر 1417هـ(27 أغسطس 1996م)(1/50)
وقد أوردت صحيفة "الشرق الأوسط" أن عدد الأطفال (تحت سن 18) الذين يعملون في الدعارة تجاوز المليون طفل في آسيا، ومن مئة إلى ثلاثمئة ألف طفل في أمريكا الشمالية وفقاً لإحصائيات اليونسيف والمركز الوطني للأطفال المشردين والمفقودين في واشنطن.وتشير الصحيفة إلى أن السياح الأوروبيين يعدون من أبرز الأسباب في انتشار هذه التجارة نظراً لما يبذلونه من أموال في الدول الفقيرة مثل تايلند والفلبين وغيرهما حيث تقول الصحيفة: "إن السياح الأجانب وبسبب المبالغ الطائلة التي ينفقونها على هذه الممارسات جعلوا سوق الدعارة أكثر نشاطاً، كما إنهم أغرقوا العالم أيضاً بالأفلام الجنسية الخليعة وزادوا من انتشارها."(1)
وقد أصبح المؤتمر فرصة لفضح كثير من الممارسات الأوروبية في مجال الدعارة والصور الفاحشة سواء بالنسبة للأطفال أو الكبار فقد أورد تقرير وكالة الأنباء الفرنسية أن تقريراً إيطالياً كشف عن "أرقام مثيرة للصدمة بالنسبة لممارسات دعارة الأطفال ولا سيما في جنوب إيطاليا، وذكر التقرير أن الفضيحة التي أثيرت منذ شهرين في مدينة باليرمو بجزيرة صقلية حول استغلال عدد من الأطفال الإيطاليين دون العاشرة في الدعارة المباشرة مع بالغين ليست هي حالات معزولة بحال."(2)
__________
(1) -كاميرون بار."الاستغلال الجنسي للصغار." في الشرق الأوسط،ع 6482،13ربيع الآخر 1417هـ(27 أغسطس 1996م) نقلاً عن لوس أنجلوس تايمز.وانظر أيضاً:Susan H. Greenberg. “Children for Sale.” in Arab News, August 27,1996.
(2) -مدحت شفيق-ميلانو والوكالة الفرنسية من استكهولم ." مؤتمر استكهولم يناقش أبشع الجرائم وأكثرها وحشية." في الشرق الأوسط،ع 6483،14 ربيع الآخر 1417( 28أغسطس1996)(1/51)
والحقيقة أن استغلال الأطفال جنسياً ليس بالأمر الجديد فالغرب يعرف هذا، وقد سنّت الحكومة الألمانية عدداً من التشريعات ضد مواطنيها الذين يسافرون إلى جنوب شرق آسيا لممارسة هذه الجرائم، وقد نشرت الصحف الأوروبية أيضاً عن اكتشاف شركات دنمركية تتاجر في الصور الخليعة للأطفال. كما أن الولايات المتحدة تعاني من ظاهرة الأطفال الضائعين والهاربين و/أو المخطوفين، وقد خصصت محطة التلفاز الإخباري (سي إن إن CNN ) عدة برامج لبحث هذه المشكلة، ومما ورد في هذه البرامج أن أمريكا تعاني من تفاقم مشكلة اختطاف البنات والأولاد دون سن العشرين، وذكرت المحطة أن عدد المخطوفين يصل إلى عشرات الألوف، وقد تكونت جمعيات تطوعية للبحث عن الأطفال المخطوفين وتستخدم هذه الجمعيات وسائل كثيرة من بينها الطائرات.(1)
ولما اكتشفت بلجيكا عدداً من الجثث لأطفال بيض من ذوي العيون الزرق ذهلت وثارت ولا كان لا بد أن يتحرك العالم كله لإنقاذ الأطفال. والسؤال أين كانت أوروبا وأمريكا عندما كان الصِرْبُ يمارسون كل أنواع الجرائم الوحشية ضد المسلمين في البوسنة والهرسك، وعندما كانت روسيا تدك المدن الشيشانية على رؤوس الأطفال، والشيوخ والنساء من المدنيين العزّل في الشيشان، وعندما قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف ملجأ الأمم المتحدة في قانا في لبنان على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ؟
ظاهرة تشغيل الأطفال
__________
(1) - مازن مطبقاني." يومان مع الصحن الهوائي " في المدينة المنورة،ع 9704،30 جمادى الآخرة 1414( 13ديسمبر 1993)(1/52)
ليست ظاهرة تشغيل الأطفال بالأمر الغريب على العقلية الأوروبية فإن الروائي الإنجليزي المشهور تشارلز ديكنز قد سَخِرَ في العديد من رواياته من هذه الظاهرة المؤلمة، وربما كانت المجتمعات الأوروبية تجد مبرراً لها لأنها كانت في ذروة نهضتها الصناعية، وكانت في حاجة للأيدي العاملة، كما كانت التشريعات لا تمنع ذلك. ولكن بعد أن وضعت التشريعات التي تمنع تشغيل الأطفال في الأعمال التي يقوم بها الكبار عادت أوروبا وأمريكا من جديد لتشغيل الأطفال ففي تقرير سنشر الذي نشرت إحدى الصحف مقتطفات منه قبل نشره رسمياً جاء فيه: "تفشت في الأعوام الأخيرة ظاهرة اشتغال الأطفال بشكل مثير إلى درجة أن حوالي ثلاثة أربعا الأطفال الذين تقل أعمارهم كثيراً عن ست عشرة سنة نجدهم يشتغلون أشغالاً لا يمكن أن يقوم بها إلاّ كبار السن، مثل أن يشتغلوا في المقاهي والمطاعم أو يشتغلوا كبستانيين أو في المحلات التجارية."(1)
ويشير تقرير الصحيفة إلى أن مجموعة من الأساتذة الباحثين من جامعة بيزلي الإنجليزية Paisley قد قاموا بإجراء مقابلات مع أكثر من ألفي طفل موزعين على اثنتين وعشرين مدرسة تشمل اسكتلندا كشفت لهم عدة حقائق مدهشة أهمها أن هناك سبعين في المئة ممن يشتغلون أو سبق لهم الاشتغال في أعمال أو مهن شتى، منهم من بدأ العمل وسنّه لا يزيد عن عشر سنوات مقابل أجر مادي لا يتجاوز بضعة جنيهات إسترلينية في الأسبوع مما يجعل من ظاهرة تشغيل الأطفال القاعدة وليس الاستثناء."(2)
__________
(1) -" اشتغال الأطفال القاعدة وليس الاستثناء." في الشرق الأوسط،ع6377،29ذو الحجة 1416( 14مايو 1996)
(2) -المرجع نفسه.(1/53)
ولم تقتصر ظاهرة تشغيل الأطفال على أوروبا بل امتدت لتشمل الولايات المتحدة الأمريكية، وفقا لما ورد في تقرير لمنظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة. ويذكر التقرير أن من مبررات تشغيل الأطفال هو سعي أرباب العمل وراء " قوى العمل المرنة".(1)
ثالثاً: الجريمة في المجتمعات الغربية
لا تكاد تخلوا الصحف ووسائل الإعلام الأخرى طوال العام من الحديث عن الجريمة التي أخذت أبعادا أخرى حيث إن "فئة الشباب الذكور هم الفئة التي تنفذ جرائم القتل والموت في المجتمع الأمريكي، وإن نسبة الانتحار بين الشباب تفوق عشرين ضعفا مثيلتها في أوروبا وأربعين ضعفا عن اليابان."(2)
وكأن القتل في الغرب أصبح بديلا للحوار الحضاري، فقد كتبت صحيفة التايمز اللندنية مقالة بعنوان (أمريكا تفقد حريتها) تناولت حوادث القتل التي يقوم بها جماعة من المتطرفين الدينيين ضد الأطباء والعاملين في عيادات الإجهاض، ويتعجب كاتب المقال عن هذه الحضارة المزعومة التي يضطر فيها الطبيب أن يرتدي سترة ضد الرصاص وهو متوجه إلى عمله أو أن تضطر هذه العيادات للاستعانة بالشرطة.(3)
الاغتصاب
__________
(1) - الشرق الأوسط، عدد 6406،26 محرم 1417هـ( 12يونيه 1996م)
(2) جيمس باترسون، وبيتر كيم. يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة. ترجمة محمد بن سعود البشر، الرياض 1414، ص 88.
(3) -Bennard Levin. “ America Loses its Liberty ” in The Times, 12 Aug. 1994.
مازلت أذكر واعظا أمريكيا كان يتحدث إلى المشاهدين قبل أكثر من عشرين سنة يقول: أيها الأمريكيون إنكم تقتلون أنفسكم، فالقتل أصبح السبب الأول للموت بين الشباب في سن من 18-24. والذي يقتل لا يفعل ذلك لخصومة أو شجار ولكنه يقتل أي شخص يعرفه أو لا يعرفه.(1/54)
كما عانى الشباب والأطفال من توجه الجريمة ضدهم فقد نالت المرأة نصيبها من الجريمة ضدها، ولاسيما جريمة الاغتصاب، فقد نشر (مركز الضحايا الوطني) و(مركز الأبحاث ومعالجة ضحايا الاغتصاب) أن ثمان وسبعين امرأة يتعرضن للاغتصاب كل ساعة أي 683 ألف امرأة سنويا)(1).
أما التعرض للمضايقات الجسدية أو التحرش الجنسي فحدث ولا حرج، فإذا كان الاغتصاب يصعب تحديد حالاته بدقة لأن نسبة كبيرة من النساء لا يبلغن عن حدوثه وذلك لصعوبة إثباته أو للمضايقات التي يتعرض لها إذا ما أقدمن على الشكوى(2)، فإن تعرض المرأة للمضايقات الجنسية بلغ حداً كبيراً، ومما يلفت الانتباه أن ثلثي الشرطيات البريطانيات يتعرضن للمضايقات الجنسية من زملائهن في العمل مما أدى إلى قيام إدارة الشرطة بتكليف عالمة نفس بدراسة الوضع واقتراح الحلول المناسبة(3).
ولكن هل ستقدم عالمة النفس من المقترحات ما يمنع التحرش الجنسي في إدارة الشرطة؟ أعتقد أن المجتمعات الغربية عموما بلغت ما يسمونه نقطة ألّا رجوع إلا أن يكتب الله لهم الهداية، فقد بدأ الاختلاط بالزعم أنه "يخفف التوتر الجنسي لدى الطرفين، ويسمو بالعلاقة بينهما إلى مستوى إنساني فلا يعود أحدهما ينظر إلى الآخر من زاوية جنسية فحسب.. وهكذا فالمجتمعات التي تقر الاختلاط تشكو من تفاقم المشكلات الأخلاقية التي تنجم عن العلاقات بين الجنسين."(4)
__________
(1) - محمد صلاح الدين. "جرائم ضد النساء"، في صحيفة المدينة المنورة عدد 9717، 12/13/1412هـ.
(2) -Richard Ford. “ Women Fail to Report Sex Attacks.” in The Times. 25 August 1994.
(3) -The Times, July 9th, 1994.
(4) - عبد القادر طاش. "مزاعم ينقضها الواقع". في المدينة المنورة، عدد 11933، 15 رجب 1416هـ (7/12/1995).(1/55)
وقد خصصت مجلة النيوزويك الأمريكية Newsweek ملفاً للحديث عن السلوك الجنسي للرجال مع النساء والنساء مع الرجال وحرصت على تقديم تعريف للاغتصاب، ونظراً للاختلاط الذي تعرفه المجتمعات الغربية منذ مئات السنين فمن الصعب تحديد ما هو الاغتصاب. وقد أوردت المجلة تعريف مكتب التحقيقات الفيدرالي للاغتصاب ولكنها ترى أن هذا التعريف غير كاف. كما إن العقلية الغربية غريبة حقاً في هذه المسألة فإن المرأة تريد أن تكون مع الرجل في خلوة تامة وفي موعد تعرف مسبقاً أن عقلية الرجل الغربي لا تدفعه لدعوة امرأة لعشاء أو سهرة إلاّ وهو يتطلع إلى الحصول على عائد ما ولكنها تستنكر لو أقدم الرجل على المطالبة بتعويض عمّا أنفقه.(1)
ووصل الأمر بانتشار حالات الاغتصاب إلى أن امرأة تعمل شرطية في شرطة لندن تعرضت للاغتصاب في أحد القاطرات في لندن في وقت متأخر وهي في طريق عودتها إلى بيتها.(2) وقد انزعجت الشرطة في لندن من ازدياد حوادث الاغتصاب لذلك قامت بإصدار بعض التعليمات لمواجهة هذه الحوادث ومن التعليمات:
أ - الاحتشام في اللباس.
ب-عدم وضع الأيدي في الجيوب حتى تكون المرأة مستعدة للدفاع إذا ما تعرضت للاعتداء.
ج- عدم الجلوس في الحافلات في الطابق العلوي إذا كانت الحافلة خالية، والحرص على الركوب قريبا من السائق.
ولكن أنى لهن أن يسمعن موعظة وقد ذكرني هذا بمحامية أمريكية عجوز استضافها التلفزيون الأمريكي قبل أكثر من عشرين سنة للتحدث في مشكلة الاغتصاب فذكرت أن النساء هن سبب ما يقع لهن من حوادث اغتصاب حيث الملابس الفاضحة والخروج وحيدات دون حماية من رجل، وأضافت أن الرجل مهما كان مكتفيا غريزيا فإن منظر عري النساء يثيره.
__________
(1) -Sara Crichton. “Sexual Correctness has it gone too far? in Newsweek. October 25,1993
(2) - الشرق الأوسط.عدد 6473 ، 4ربيع الآخر 1417، (18 أغسطس 1996م)(1/56)
كما أن الاختلاط الذي يعيشه الغرب يتسبب إلى حد ما فيما يعانيه الغرب، حتى إن مجلة "المختار" Reader’s Digest قد نشرت تحقيقاً حول الاختلاط في العمل في مجالات الحياة المختلفة وما يتسبب فيه من إثارة الغرائز هو أحد أسباب انتشار الجرائم الجنسية. ومما أوردته المجلة في تحقيقها: "أينما يعمل الرجال والنساء معاً فإن ’الافتتان‘ يأتي بوحي من واقع الميدان (العمل المختلط) وليس هذا الانجذاب بسبب سيطرة إفرازات زائدة لهرمون ’الادريانين‘ فحسب، ولكن في أي مكان عمل (مختلط طبعاً) من المعمل إلى المكتبة العامة."(1)
هذه الفطرة التي فطر الخالق سبحانه وتعالى عليها وهي الانجذاب بين الجنسين يريد الغرب كبتها في العمل، وهو ليس بمستطيع وهذا ما يقوله أحد العاملين بمعهد العلاقات بين الجنسين في مدينة سانتا باربرا بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية: "لا يمكننا أن نشرع قانوناً لإبقاء الميول الغريزية خارج نطاق العمل، فهذه الميول جزء من شخصية الفرد لا تستطيع أن تعطل أداءها بضغطة زر لأنك موجود في العمل."(2)
ولعل من أسباب هذه الأوضاع أن الحضارة الغربية كما يرى علي عزت بيجوفتش قد "أحالت المرأة إلى موضوع إعجاب أو استغلال، ولكنها حُرِمَت من شخصيتها وهو الشيء الوحيد الذي يستحق التقدير والاحترام. وهذا الموضوع مشهود بشكل مضطرد، وقد أصبح أكثر وضوحاً في مواكب الجمال أو في بعض مهن نسائية معينة مثل ’الموديلات‘، وفي هذه الحالات لم تعد المرأة شخصية ولا حتى كائناً إنسانياً وإنما هي لا تكاد تكون أكثر من حيوان جميل."(3)
اغتصاب الذكور
__________
(1) -عصام مدير وأنس فودة. " مجلة أمريكية تفضح أجواء العمل المختلط." في المسلمون.ع 601،25 ربيع الآخر 1417(9 أغسطس1996) نقلاً عن الريدرز دايجست Reader’s Digest عدد فبراير 1996.
(2) - المرجع نفسه.
(3) -بيجوفتش، مرجع سابق، ص 264.(1/57)
ولم تقتصر جرائم الاغتصاب في الغرب على اغتصاب النساء بل إن الغرب بدأ يشهد أمراً عجباً وهو تعرض الرجال للاغتصاب، فقد ذكرت صحيفة التايمز اللندنية أن الرجال أصبحوا هم أيضا ضحايا الاغتصاب، وأن القانون قد يعترف بجريمة جديدة هي اغتصاب الرجال، فالقانون الذي وضع عام 1956م لا يعترف باغتصاب الرجال، ولكن الاتجاه الآن إلى اعتبار الاغتصاب جريمة بغض النظر على من وقعت رجلا أو امرأة، وقدمت الصحيفة بعض الأرقام حول حوادث اغتصاب الرجال فقد وصلت إلى الشرطة 516 حالة عام 1982م ارتفعت إلى 1255 حالة عام 1992م، أما حالات التحرش بالرجال فقد ارتفعت من 2082 حالة عام 1982م إلى 3119 عام 1992م وأشارت الصحيفة إلى أن مثل هذه الحالات تقع في السجون(1).
الرقيق الأبيض:
انتشرت في أوروبا تجارة النساء فبعد أن كانت بضاعتها تأتي من الدول الأسيوية وأفريقيا وأمريكا اللاتينية أصبحت دول أوروبا الشرقية منبعاً لهذه التجارة. ويحكي تقرير جريدة التايمز اللندنية عن امرأة بولندية كانت تبحث عن وظيفة لإعالة ولديها، عرضت عليها وكالة عمل وظيفة مقابل ثمانمئة دولار شهرياً للعمل في مطعم في ألمانيا، ولكنها لم تعمل قط في مطعم حيث أُخذت واغتصبت وأُجبرت على العمل بغياً، ثم نقلت بعد عدة أشهر إلى هولندا لتعمل في المنطقة الحمراء من المدينة، ولما حاولت الهرب أعيدت واعتدي عليها بالضرب المبرح على رأسها وفي بطنها وكان يطلب منها دخلٌ معينٌ كل يوم.
__________
(1) -The Times, July 12, 1991.(1/58)
وتداعت أوروبا أيضاً بعقد مؤتمر للنظر في هذه التجارة المتزايدة في شهر يونيه عام 1996م. وتقول أنيتا جاردينAnita Gardin المكلفة من قبل الاتحاد الأوروبي بتنظيم هذا المؤتمر بان القضية ليست قضية أمن بحيث يمكنك إغلاق الحدود، وحتى لو تم القبض على المجرمين المتهمين بتهريب الأشخاص فإن الأحكام في العادة لا تتجاوز سنة أو سنتين في السجن بينما عقوبة تهريب المخدرات بين عشر إلى اثنتي عشرة سنة في السجن. وذكر التقرير أن القائمين على تجارة الرقيق الأبيض غاية في التنظيم. فمن بين هؤلاء تم القبض على رجل بولندي مسؤول عن إرسال أكثر من مائتي امرأة إلى ألمانيا وهولندا منذ عام 1994م، ومن بين هؤلاء النساء من لا تتجاوز أعمارهن السادسة عشرة.
ومما يدفع النساء إلى العمل هو الحصول على المال، ولكنهم بعد فترة من العمل الإجباري على البغاء ولو قررت إحداهن ترك العمل فإنها في الغالب لا ترجع إلاّ بأقل المكاسب بينما يحقق الغنيمة الكبرى هم الذين يديرون شبكات استرقاق النساء.(1)
محاولات القضاء على الجريمة
قبل أن أتناول بعض الإجراءات التي اتخذتها الدول الغربية للقاء على الجريمة أو أن أروي هاتين القصتين اللتين رواهما لي صديق وأستاذ فاضل يعيش في هولندا منذ أكثر من عشرين سنة، أما القصة الأولى فملخصها أن هذا الصديق ذهب إلى محطة وقود لملأ خزان سيارته، فوجد العامل في المحطة مهموماً مغموماً، فسأله ما به؟ فقال له: "لقد جاءني اثنان قبل قليل وقيداني وأخذا كل ما في الصندوق." فقال له الزبون: "وما يحزنك وشركة التأمين تتكفل بدفع ما سُرِق. قال: "ليس هذا ما يهمني، ولكن لو وجد نظام عقوبات كما في السعودية لما أقدم هذان على فعلتهما."
__________
(1) -Mark Frenchetti and Peter Conradi. “ Europe’s roaring trade in sex slaves.” in The Sunday Times, 9June 1996.(1/59)
أما القصة الثانية ففي متجر لبيع الساعات كان هذا الصديق يقف في مكان من المتجر فسمع حواراً بين صاحب المحل وصديق له، وكان صاحب المحل يروي حادثة دخول بعض اللصوص وسرقة عدة ساعات ثمينة جداً، وتمنى لو طبق نظام العقوبات الذي يطبق في السعودية لوضع حد لهذه السرقات.(1)
وهكذا فهم يتوقون إلى الفطرة، يريدون أن يعيشوا في أمان، لكن من يهديهم إليه لقد ارتفعت الأصوات في بريطانيا وأمريكا بتشديد العقوبات على المجرمين، فهذه نائبة بريطانية تطالب بجلد المجرمين، وعرض ذلك خلال برنامج اليانصيب الذي يشاهده أكبر عدد من الجمهور، وهناك مطالبات بإعادة تطبيق حد القتل في المجرمين، وقد عادت بالفعل في بعض الولايات الأمريكية، ولكن بعض الأصوات مازالت تعارض معاقبة المجرمين بما يستحقون.(2)
__________
(1) - هذا الصديق هو أستاذي الدكتور قاسم السامرائي.الذي يعمل في جامعة لايدن منذ أكثر من عشرين سنة ، وعمل فترات مختلفة في جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية في قسم الثقافة الإسلامية وفي قسم المكتبات وفي المكتبة.
(2) -الحياة عدد 11729، 2 ذو القعدة 1415هـ (2 ابريل 1995م).(1/60)
ولابد من كلمة هنا إن نظام العقوبات أو الحدود ليس هو وحده الرادع في المجتمع الإسلامي، فالحدود هي آخر طابق في بناء الإسلام، فالأساس هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ثم الأخلاق، ويأتي بعد الأخلاق العبادات والشعائر التي تقوي الرابطة بين البشر والخالق التي تجعل صلة الفرد مع خالقه وازعاً قوياً ضد ارتكاب الجريمة ثم تأتي المعاملات ومن هذه التشريعات الحدود. وفي ذلك يقول علي جريشة في كتابه القيم "شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها:" ليس بالحدود تقام الشريعة.. لأن الحدود جزء من أحكام المعاملات، والمعاملات تمثل الطابق الثالث أو الرابع في بناء الشريعة... وإقامة الحدود وحدها أو حتى المعاملات كلها يعني أننا نقيم طابقاً رابعاً أو ثالثاً من غير طابق أول أو ثان، ومن غير أساس فأنى له أن يقوم!! " (1)
ومن أساليب مواجهة الجريمة عودة الأخذ بالثأر، أو كما يقال أخذ القانون بأيديهم، حيث إن معظم الناس لم يعد يثق في العدالة، فهذا أحدهم يصرح: "إنني لا أؤمن بالعدالة البريطانية، ولذلك قررت أن آخذ حقي بيدي." وقد تظاهر رجل اعتُدي على ابنته بأنه محام، ودخل إلى السجن حيث يوجد المتهم وانهال عليه ضربا. وأجرت مؤسسة جالوب استطلاعا للرأي عن العدالة فأجاب 76% من الإنجليز أنهم يعتقدون بأن الأفراد محقون أحيانا في تطبيق القانون بأنفسهم، وتألفت فرق خاصة من أفراد الشعب للمحافظة على الأمن، وقد بلغ عدد أفراد هذه المجموعات عام 1985م ألف وثلاثمائة شخص ووصلوا الآن أكثر من مئة ألف.(2)
__________
(1) علي محمد جريشة، شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها،( القاهرة: مكتبة وهبة،1397،1977)ص26..
(2) -Newsweek, September 20, 1993.
انظر مقالتي في جريدة عكاظ،" الأخذ بالثأر على الطريقة الإنجليزية"، عدد 9956، 21/5/1414هـ (5 نوفمبر 1993م).(1/61)
وقد نشرت جريدة التايمز تحقيقا صحافيا عن جهود المسلمين وغيرهم في منطقة بالسال بمدينة بيرمنجهام في تنظيف منطقتهم من البغايا وتجار المخدرات والمجرمين، ويروي كاتب التحقيق كيف بدأ هذا العمل بأن كانت امرأتان من البغايا تقفان على الرصيف قريبا من المسجد، وخرج بعض المصلين من المسجد ووقفوا بجوارهما، مما اضطرهما للانسحاب، ففكر المسلمون أنهم إذا استمروا في هذا العمل فلن يبق في منطقتهم نساء بغايا، وبالفعل نجحوا فيما بدأوا به. وكذلك فعلوا مع بقية أصناف المجرمين. ويقول أحد المشاركين: "لقد نجحنا في ثلاثة أسابيع بتحقيق ما لم تستطع الشرطة عمله في ثلاثين سنة." ومع أن الخبر أشار إلى مشاركة غير المسلمين، لكن الصورة المصاحبة للتقرير تؤكد أن المسلمين هم الأساس في هذا العمل.(1)
وأود أن أتوقف هنا لأروي صورة إسلامية يجب أن يتعلم منها الغرب، ففي أحد مؤتمرات (جمعية مسلمي شمال أمريكا) استأجر المؤتمرون فندقاً بكامله مما جعل صاحب الفندق يشدد الإجراءات الأمنية، ولكن بعد انتهاء المؤتمر وجد أنه لم تُرَق قطرة خمر واحدة، ولم تحدث مشاجرة واحدة، كما كان سلوك الحاضرين غاية في الانضباط والاحترام. وهذا ما جعل صاحب الفندق يتساءل أهؤلاء بشر أم ملائكة؟ فهل يتعلم الغرب؟
رابعاً: التجسس على الناس
... عاش أستاذي الدكتور علي الغمراوي رحمه الله دهراً طويلاً في أوروبا أتقن خلالها أكثر من عشر لغات أوروبية وتعرف خلال تلك المدة على حياة الغربيين وتاريخهم وثقافتهم، فكان يقول رحمه الله إن العيش في بلادنا العربية الإسلامية أفضل ألف مرة من العيش في الغرب ويشير بصفة خاصة إلى العيش في المملكة العربية السعودية التي فضّل العيش فيها أكثر من عشرة أعوام.
__________
(1) -The Times, July 21, 1994.(1/62)
وأشار ذات مرة إلى أن المواطن الغربي تحول إلى رقم يعرف به في سجلات دولته وأن حركاته مرصودة منذ أن يخرج من بيته صباحاً وحتى يعود إلى منزله مساءً وهو مراقب بين ذلك. وكان هذا الحديث قد دار بيني وبينه قبل أكثر من خمس سنوات. وتأكد لي هذا الأمر عندما قرأت في الصحف عن انتشار الكاميرات في الشوارع الغربية ترصد حركة الناس لدرجة أنه لم يعد يملك الإنسان هناك إلى حياة خاصة.
والحقيقة أن موضوع مراقبة المواطن في الغرب بدأت منذ أن نشر جورج أورويل كتابه (1984م)وأشار فيه إلى أنه في عام 1984م سيكون المواطنون في الغرب خاضعين إلى المراقبة المستمرة والاستبداد السياسي. وقد أعيد الحديث عن هذا الكتاب في بداية السبعينيات عندما أعلنت وكالة التحقيقات الفدرالية (FBI) أنها تحتفظ بملفات لعدد كبير من المواطنين الأمريكيين العاديين، وتساءل الأمريكان حينها لماذا تهتم هذه الوكالة بالاحتفاظ بكل هذا العدد من الملفات؟ وقد عرض برنامج في إحدى القنوات الثقافية الجادة أن الحكومة الأمريكية تقوم بمراقبة المظاهرات السلمية وتلتقط الصور لهذه المظاهرات وتستطيع بوسائل إلكترونية أن تتعرف إلى كل فرد في تلك المظاهرات وربما رُفض طلبه للعمل في الحكومة الفدرالية لهذا السبب مع أن المادة الأولى من الدستور الأمريكي تبيح هذا الأمر.(1/63)
وعوداً للمراقبة فقد نشرت ( الشرق الأوسط) في 16ذي القعدة 1413هـ أن الأجهزة الإلكترونية أصبحت تساعد على القبض على المجرمين من خلال الكاميرات المنصوبة في الشوارع في المدن البريطانية. ويبدو أن الأمر قد راق الذين بدأوا في نشر هذه الكاميرات في الشوارع فازدادت عدداً وفي الوقت الذي تطورت فيه هذه الآلات أصبح الإنسان يعيش في فزع من أن يكون هناك من يتجسس عليه في كل لحظة من حياته. ومن الأمور التي تساعد في الغرب على التجسس أن الشقق المبنية من الخشب لا يفصل بين الجار والجار إلاّ جداراً رقيقاً وقد اخترعوا آلات عجيبة في التصنت وفي التصوير دون أن يشعر المواطن أنه يخضع لذلك.
وعادت (الشرق الأوسط،17ذو القعدة 1419) فنشرت تقرير نقلاً عن جريدة لوس أنجلوس تايمز عنونته ب (خصوصية الأفراد وحرياتهم تختفي في القرن المقبل أمام التطور التكنولوجي) وأوردت فيه مختلف الأقوال والتحليلات عن أوضاع مواطني دول الغرب من حيث ضياع خصوصياتهم الشخصية. ومن الأقوال المهمة في هذا التقرير ما قاله جون فالنتاين- رئيس شركة انفوجيلد – "انتهت أيام الحرية الشخصية ، ولا تستطيع في هذه الأيام حتى تغيير اسمك بسرية تامة." وقال جيمس ديمبسي –أحد نشطاء مركز الديموقراطية والتكنولوجيا في واشنطن:" قبل خمسة وعشرين عاماً كان الخوف من الملف الكبير والسجل الكبير وقاعدة المعلومات الكبيرة ، أما الآن فقد أصبحت أجهزة الكمبيوتر متصلة بعضها ببعض الأمر الذي يساعد على خزن المعلومات بسرعة فائقة وبدون عناء"(1/64)
وقد عرضت محطة السي إن إن CNN يوم الأحد 19ذو القعدة برنامجاً خاصاً عن هذا الأمر استضافت أحد رجال الشرطة الداعين إلى التجسس ونشر الكاميرات في الأماكن العامة وبين مناضل عن الحريات الشخصية فظهر الاختلاف واضحاً فرجل الشرطة يريد لهذه الكاميرات أن تقوم بدور مساعد للحد من الجريمة والتعرف على سلوكيات رجال الشرطة بينما يخشى الآخر من طغيان هذه الكاميرات التي ستحد من الحريات الشخصية وأن القانون مازال عاجزاً عن مواجهة هذه التطورات المتسارعة في مجال المراقبة.
وإن حمّى نشر الكاميرات في الشوارع العامة وفي الميادين قد أصابت بعض العقلاء هناك بالفزع فأخذوا ينادون بأن الحرية الفردية الشخصية أصبحت مهددة. وتساءل البعض عن النواحي القانونية في هذا المجال. وربما كان هذا من أهم ما يميز حياة الغرب أن التكنولوجيا تتطور تطوراً أسرع مما يتطور التشريع لديهم ذلك أنه تشريع بشري خاضع لأهواء البشر.
أما الإسلام فله تشريعاته السامية في هذا المجال والتي أرجو أن تتيح لنا العولمة لنقول لهم إن لدينا من التشريعات- والحمد لله- ما يمكنهم تطبيقه مهما تطورت الوسائل التكنولوجية وهذا من خصائص هذه الشريعة التي تتسم بالشمول والعموم.(1/65)
وأول هذه التشريعات ما جاء في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اجتنوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم } (الحجرات 12). فلم يقع الابتداء بالنهي عن التجسس ولكن سبقه الحديث عن الظن السيء الذي يقود إلى التجسس فذكر القرطبي رحمه الله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا) فقال القرطبي بعد ذلك: "قال علماؤنا: فالظن هنا وفي الآية هو التُّهمة. ومحل التحذير والنهي إنما هو تُهمة لا سبب لها يوجبها، كما يتهم بالفاحشة أو بشرب الخمر مثلاً ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك …والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها، أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراماً واجب الاجتناب."
أما في قوله تعالى (و لا تجسسوا) فقال بعد أن بحث في الفرق بين التحسس والتجسس فالأول أن التجسس هو البحث عما يكتم عنك والتحسس طلب الأخبار والبحث عنها ويمكن أن يكون الفرق أيضاً أن التحسس ما أدركه الإنسان ببعض حواسه أو طلبه لنفسه أما التجسس أن يكون رسولاً لغيره. ومعنى الآية:" خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين ، أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلّع عليه بعد أن ستره الله. وأورد بعد ذلك الحديث الذي رواه أبو داود عن معاوية وفيه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم) فقال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها .ووردت أحاديث أخرى تنهى عن التجسس واتباع أخبار الناس ومن ذلك ما رواه المقدام بن معدي كرب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم)(1/66)
ولعل من أبلغ النهي عن التجسس حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم حَلّ لهم أن يفقئوا عينه.) رواه البخاري ومسلم وقد أورد أبو داود ( ففقئوا عينه فقد هّدِرت) وجاء في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم (ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صبّ في أُذنيه الآنُك (الرصاص المذاب) يوم القيامة.)
وقد تحدث الشيخ حسن أيوب في هذا الموضوع في كتابه القيم (لسلوك الاجتماعي في الإسلام) بقوله:" وهكذا يجب أن يفهم المسلمون دينهم وأن يدركوا أن للمسلم ولكل إنسان مسالم حرمته، وأن حرمة المسلم في مسكنه وفي أقواله وأفعاله وآرائه وأفكاره يحب أن تصان وتحترم.
فهل يتعلم الغرب من تشريعات الإسلام العظيمة. وكم كنت أتمنى لو أن محرر الصحيفة التي نقلت تقرير الصحيفة الأجنبية (لوس أنجلوس تايمز) ذكر التشريعات الإسلامية في هذا الباب لكنّا أفدنا من سعة انتشار هذه الجريدة وما يمكن أن تؤديه من خدمة للدعوة الإسلامية.
خامساً: العلاقات الاجتماعية
ترتبط العلاقات الاجتماعية ارتباطاً وثيقاً بالمبادىء والقيم والعقائد التي يتبناها المجتمع. فبالرغم من مزاعم الغرب أن أحد مصادر ثقافته وفكره هو المصدر الديني اليهودي-المسيحي، لكن حسن حنفي يرى أن "نوعية المعطى الديني في المصدر اليهودي المسيحي واحدة وهي اللاعقلانية."(1) ففي اليهودية يزعم اليهود أنهم شعب الله المختار دونما سبب معين لهذا الاختيار ومهما كانت أعمال هذا الشعب من عصيان أوامر الله عز وجل، وقتل الأنبياء أو الجحود بنعم الله، فالله يعطي الشعب كل شيء دون مقابل من الشعب.
__________
(1) -حنفي، مرجع سابق، ص 96.(1/67)
أما اللاعقلانية في المعطى الديني المسيحي فهي على نحو فردي شخصي فالإيمان سر لا يمكن إدراك كنهه بالعقل، والمسيح ثالث ثلاثة، ولا يمكن فهم علاقة الأقانيم داخل الثالوث بالعقل، والكنيسة سلطة متوسطة بين الله والإنسان تفسر الكتاب، ويعترف الفرد المذنب أمامها وتهبه الغفران. ثم تمرد النصارى على هذه اللاعقلانية لتظهر العلمانية التي تركز على الصلة المباشرة بين الإنسان والله وحرية تفسير "الكتاب المقدس" وبراءة الإنسان من خطيئة آدم عليه السلام، وضرورة تأسيس الدولة وأنها مستقبل الإنسان في هذا العالم.(1)
ولقد تناول القرآن الكريم معتقدات أهل الكتاب وسلوكهم، فأوضح ما أدخلوه على كتبهم من تحريفات وتبديلات وتغييرات، كما أوضح أن سلوكهم قائم على العداوة للغير والعصيان. وهذا ما يمكن أن نصفه بمصطلحات عصرنا "عنصريتهم وأنانيتهم وتمركزهم حول ذواتهم" ويضيف حنفي " فوصف أهل الكتاب في القرآن الكريم هو وصف ضمني لحال الغربيين اليوم وصلتهم بغيرهم."(2)
وكانت الكنيسة تؤيد النظام الإقطاعي، وكانت هي من أكبر الملاك في العصور الوسطى (الأوروبية) وكان العلاقات الاجتماعية قائمة في هذا النظام على أن للإقطاعي حقاً مقدساً يطلب بموجبه خدمات وأشياء أخرى من أتباعه، ولكنه في الوقت نفسه كان مرتبطاً تقليديا أن يكون مسؤولاً عن حمايتهم ويكفل لهم على الأقل الحد الأدنى من المستوى المعيشي.(3)
__________
(1) -المرجع نفسه، ص 97.
(2) - المرجع نفسه.
(3) -Erich Fromm. The Sane Society. (New York: Henry Holt &Co. 1990) p. 92.(1/68)
وظلت السلوكيات الاجتماعية والاقتصادية في القرنين السابع عشر والثامن عشر متأثرة بسلوكيات القرون الوسطى، فكان يعدُّ قيام أي شخص بمحاولة كسب الزبائن بتخفيض الأسعار إلى أدنى من السعر السائد يعد سلوكاً غير نصراني، وكانت التشريعات تنص على هذا. وكما يقول إريك فروم Erich Fromm "كأنّ الاقتصاد والمجتمع وجدا من أجل الإنسان وليس العكس، وما كان أي تطور اقتصادي يعد صحياً لو أدى إلى إيذاء الإنسان."(1)
وما أن حلّ القرن التاسع عشر حتى تغيرت الأحوال فلم يعد الإنسان مقياس الأشياء في دائرة الاقتصاد، وكان من أبرز خصائص الرأسمالية في هذا القرن الاستغلال القاسي للعمال، وكان من المعتقد أنه من الطبيعي وهو القانون الاجتماعي أن يعيش مئات الألوف من العمال في حد المجاعة.(2) وأصبحت الرأسمالية تقوم على أن العمل هو "منتج يشتريه مالك المال، ولا يختلف جوهرياً عن أي سلعة في السوق. واستخدمه المشتري إلى أقصى حد. ومادام قد اشتراه في السوق فليس هناك إلزام على مالك المال فيما عدا دفع الأجور، فلو هلك مئات الألوف من العمال جوعاً فهذا حظهم العاثر بسبب مواهبهم المتدنية، أو ببساطة إنّه القانون الاجتماعي والطبيعي الذي لا يمكن تغييره.(3)
وهكذا أصبح المجتمع الغربي يتكون من طبقات يمتلك بعضها القوة فتستأثر بأفضل المنتجات الاجتماعية لنفسها وتترك الأعمال الأشق والأقذر لغيرها من الطبقات، وقدراً أقل من الناتج الاجتماعي. وكان هذا التقسيم يتم عن طريق التقاليد الاجتماعية والدينية التي احتوت على قوة نفسيه في الناس مما يجعل تهديد القوة المادية غير ضروري.(4)
__________
(1) -Ibid. p.84-85.
(2) -Fromm. Op. cit. p.85.
(3) 5-Ibid.P.92.
(4) -Ibid. P. 87-88.(1/69)
ويستنتج فروم أن المشكلة بين رأس المال والعمال أكبر بكثير من المشكلة بين طبقتين وأكبر من صراعهم من أجل نصيب أكبر من الناتج الاجتماعي، إنها مشكلة بين مجموعتين من القيم، إنها بين عالم الأشياء وتثمينها، وعالم الحياة و إنتاجيتها.(1) ونتيجة لهذه التطورات "أصبحت الطبقة العمالية نموذجاً لجماعة مُسْتَغَلّة يُتلاعب بها، ويمكن مداهنتها والإشادة بها، ولكن يندر استشارتها أو ابتاع رأيها، إن أكبر طبقتين عماليتين في العالم تلك التي في الولايات المتحدة والتي في الاتحاد السوفيتي، ليس لهما تأثير حقيقي على البناء السياسي في دولتيهما وعلى القرارات التي تتخذ فيهما."(2)
وقد وصل الأمر بالرأسمالية أن لا يبالي الرأسماليون في تدمير المنتجات الزراعية، بل كما يقول فروم إننا بدل أن نفرح بالمحصول الجيد نقوم بإحراقه أو رميه في البحر في الوقت الذي يوجد ملايين من البشر لا يجدون لقمة العيش ، ويبررون ذلك " من أجل استقرار السوق".(3)
__________
(1) -Ibid. P. 95.
(2) - بيجوفتش ، مرجع سابق ،ص 112 نقلاً عن Herbert Marcus. A Critique of Pure Tolerance.( Boston: Beacon Press, 1969)
(3) -Fromm. Op. Cit. P. 5.(1/70)
وليت الأمر توقف عند تدمير المنتجات بل وصل الأمر بالرأسمالية أن تدمر حياة العمال حرصاً على استمرار مستوى الأرباح أو تخفيض تكاليف الإنتاج . وقد أعدت مجلة نيوزويك Newsweek ملفاً خاصاً أطلقت عليه ( الرأسماليون القتلة) أوردت فيه أعداد العمال الذين قامت بعض كبريات الشركات الأمريكية بفصلهم عن العمل . فشركة آي تي أند تيAT&T قام رئيسها بفصل أربعين ألف عامل ، وقام مدير شركة إي بي إم IBM بفصل ستين ألف موظف في يوليو عام 1993، وقام مدير شركة جنرال موتورز General Motors بفصل أربعة وسبعين ألف موظف. وتقول المجلة أن هؤلاء العمال وإن وجدوا تعويضاً لدى مصلحة العاطلين عن العمل ، لكن ما قيمة الإنسان بلا عمل. ومما يدل على فداحة المصيبة أن شركات أخرى تقوم باستثمار مبالغ كبيرة في توفير فرص الدراسة لموظفيها حتى يكتسبوا مهارات جديدة ودرجات علمية حتى إذا اضطرت لفصلهم وجدوا العمل المناسب. كما أن إحدى الشركات قامت بتخفيض رواتب كبار الموظفين-مؤقتاً- بنسبة خمس وعشرين في المئة حتى لا تضطر لفصل أي من موظفيها. (1)
__________
(1) - سالم سحاب. الرأسماليون القتلة والأثرياء البررة." في المدينة المنورة، ع12039، 8ذو القعدة 1416،(27 مارس 1996) نقلاً عن Newsweek العدد الثامن من عام 1996.(1/71)
كل هذا يقودنا إلى مؤتمر رابطة علماء السياسة الأمريكية الذي عقد في أوائل سبتمبر 1995 وتحدث فيه روبرت د. باتنام Robert D. Putnam أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد قائلاً بأن الثقة بين الأمريكيين قد ضعفت، وكذلك المشاركة الاجتماعية، وقد قدم وثائق تؤكد تراجع المشاركة الاجتماعية في العقود الماضية، وأن النسيج الاجتماعي قد أصبح أقل متانة من ذي قبل. ويمكن إرجاع هذه الظاهرة إلى عدد من العوامل بما فيها ارتفاع نسبة الطلاق، ودخول المرأة قوة العمل، وتغيير مكان الإقامة، وتوسيع الرعاية الاجتماعية، والتراجع الاقتصادي بعد عام 1973 ونمو ضواحي المدن. ولعل أبرز الأسباب التي ذكرها البرفسور روبرت باتنام هي التلفزيون الذي بدأ بقوة في الخمسينيات من هذا القرن فأولئك الذين لم يدمنوا التلفاز مازالت لديهم روح المشاركة والثقة.(1)
ويرى بعض الباحثين الاجتماعيين أن للتلفزيون آثاراً سيئة في القيم الأخلاقية في المجتمعات الغربية ومن هؤلاء إريك فروم الذي يقول:" يملأ الإعلام عقول الناس بأرخص النفايات التي لا صلة لها بالواقع وفيها الكثير من الخيالات السادية مما لا يقبله الشخص العامي. وفي الوقت نفسه تتعرض فيه العقول صغاراً وكباراً للتسمم فإننا نواصل سعينا أن لا يعرض على الشاشة ما هو مناف للأخلاق، وأي اقتراح بأن تقوم الحكومة بتمويل إنتاج أفلام أو برامج تنوّر العقول وتحسنّها ستجد من يعترض عليها باسم الحرية والمثالية."(2)
__________
(1) -Washington Post, Sunday September 3 , 1995.
(2) -Fromm, Op.,Cit.P.5.(1/72)
ولعل من أقوى ما قيل في تأثير التلفزيون ما كتبه بيجوفتش :" لقد أثبت علم نفس الجماهير، كما أكدت الخبرة أنه من الممكن التأثير على الناس من خلال التكرار الملح لإقناعهم بخرافات لا علاقة لها بالواقع ، وتنظر سيكولوجية وسائل الإعلام الجماهيرية إلى التلفزيون على الأخص باعتباره وسيلة ليس لإخضاع الجانب الواعي فحسب ، بل الجوانب الغريزية والعاطفية بحيث تخلق فيه الشعور بأن الآراء المعروضة عليه هي آراؤه الخاصة."(1)
ويؤكد ريتشارد نيكسون على تأثير التلفاز في الصغار وقيمهم وأن هذا التأثير -كما كشفت دراسة أجريت عام 1991-أكثر من تأثير الوالدين والمعلمين والمرشدين الدينيين مجتمعين.(2)
التفرقة العنصرية
ومن مظاهر ضعف العلاقات الاجتماعية ازدياد التفرقة العنصرية ضد السود والملونين حتى إن أندرو شايير مؤلف كتاب (نحن القوة الأولى) يقول عن السود: " إنهم هنا في أمريكا يعيشون كأفراد غرباء وأجانب على أرض ولدوا وترعرعوا فيها، ولا يعرفون سواها.. يمكننا النظر إلى أمريكا على أنها دولة تتكون من شعبين: البيض وهم الأغلبية المسيطرة، والسود وهم الأقلية المضطهدة."(3)
وتظهر معاناة السود من أصل أفريقي في الأرقام الآتية: فهم يشكلون 45% بين المساجين في الولايات المتحدة، ومن النواحي الاجتماعية فالأسر ذات الوالد الواحد ارتفعت بين السود لتبلغ 56% من عدد الأسر، أما حالات الولادات خارج الزواج فهي بين السود 63%.(4)
__________
(1) -بيجوفتش، مرجع سابق،ص 108.
(2) -نيكسون ، مرجع سابق ص186.
(3) سعود البشر،السقوط من الداخل :ترجمات ودراسات في المجتمع الأمريكي. (الرياض:دار العاصمة،1415)نص 62-63 نقلاً عن اندروشبير، نحن القوة الأولى: أين تقف أمريكا، وأين تسقط في النظام العالمي الجديد، 1992.
(4) حسن حمدان العلكيم. "العرب وأمريكا والنظام العالمي الجديد"، في المجلة العربية للدراسات الدولية، عدد 3/4، السنة الرابعة، صيف/ خريف 1993. ص 5-27.(1/73)
وقد نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"Wall Street Journal تقريراً عن وضع السود في مجال الشرطة ذكرت فيه أن شرطيا من أصل أفريقي وصل إلى رتبة كابتن في مدينة سنسناتي -وهذه هي المرة الرابعة التي يصل فيها أسود لهذه الرتبة- ولكن بعض البيض اعترض على هذه الترقية، مما جعل السلطات القضائية تتدخل للنظر في القضية. أما في المدن الأخرى فالحال ليست أفضل، ففي ولاية نيويورك حيث يبلغ الأمريكيين الأفارقة 28.7% من عدد سكان الولاية، ولكنهم لا يؤلفون أكثر من 11.4% من قوة الشرطة، أما الذين وصلوا إلى رتبة قيادية فلم يتجاوز 6.6%. ويقول التقرير إن السود بالرغم مما بلغوه في العصر الحاضر فأنهم لا يزالون يعانون من العقبات في التوظيف والترقيات والمضايقات من زملائهم البيض الذين يعترضون على ترقية زملائهم السود، حتى إن بعضهم يرفض إطاعة أوامر رئيس أسود.(1)
وقد انفجرت الأوضاع الأمنية في مدينة لوس أنجلوس حيث اندلعت أعمال عنف وشغب قيام محطات التلفاز بعرض شريط لبعض رجال الشرطة من البيض وهم يضربون أحد السود وهو رودني كينج بعنف ووحشية . وكانت نتائج هذه الاضطرابات أن قتل ثمانية وخمسون منهم عشرون شرطياً، وبلغ عدد الجرحى 2382، منهم 220 جريحاً في حالة خطرة. واعتقل 13505شخصاً، ودمرت الحرائق 5537 محلاً تجارياً ، وقدرت الخسائر المالية ب785 مليونا ، وساهم من رجال الشرطة والحرس القومي وجنود البحرية واحد وعشرون ألفاً.(2)
وذكر كارل بيل - مدير مجلس الصحة العقلية بشيكاغو - إن المواطنين السود لا يزالون يتعرضون يومياً للإهانة والعنف بحيث أصبح ذلك جزءاً من لا شعورهم المحبط.(3)
__________
(1) The Wall Street Journal, September 7, 1995.
(2) -محمد وقيع الله ." اضطرابات لوس أنجلوس ." في مجلة الإصلاح(الإمارات) ع178،14مايو 1992
(3) - المرجع نفسه.(1/74)
ويعترف نيكسون بأن المحاكم الأمريكية حاولت فرض حصص تميزية على أساس العرق في القَبول في الجامعات والتوظيف والترقية ، وتغاضت عن التمييز في إشغال الوظائف العامة والقطاع الخاص وإبرام العقود مع الحكومة مما جعل الجامعات وبعض الوظائف تقبل بالأقل كفاءة لتغطية الحصص الخاصة بالأعراق.(1)
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة جماعات متطرفة في المجتمعات الغربية ومن هذه الجماعات جماعة تطلق على نفسها "الأحرار" والتي تتزعم حرباً عرقية ودينية ضد السود وبقية الملونين الذين لا ينحدرون من أصول شمال أوروبية، ويزعم هؤلاء أنهم -البيض- شعب الله المختار ، وأن الولايات المتحدة الأمريكية هي أرض الميعاد وليست أرض فلسطين (إسرائيل) .ويبلغ تعداد هذه الجماعة من عشرة آلاف إلى أربعين ألفاً.(2)
ويشبه هذه الجماعة أيضاً حركة أخرى تطلق على نفسها (حليقي الروس)Skin Heads وهي جماعة مسلحة متطرفة تنطلق من منطلقات عنصرية حاقدة على كل الأجناس غير البيض، وقد قدمت محطة التلفزيون H.B.O. برنامجاً خاصاً عن هؤلاء في صيف عام 1995.
__________
(1) -نيكسون ، مرجع سابق، ص99.
(2) -لوري شارن وبوب منزيسهايمر ." البيض شعب الله المختار" في الشرق الأوسط.ع 6343، 2ذو القعدة 1416( 10 أبريل 1996)عن صحيفة لوس أنجلوس تايمز.(1/75)
وقد أوردت وكالة الأنباء الفرنسية تقريراً من لوس أنجلوس مفاده أن جرائم الكراهية ضد الأسيويين قد ارتفعت بنسبة ثمانين بالمئة في العام الماضي في ولاية كاليفورنيا عن العام الذي سبقه. وقد نقلت الوكالة عن التقرير السنوي الثاني للتجمع القانوني لأسيويي المحيط الهادى الأمريكيين بأن هناك أربعمئة وثمان وخمسين حالة اتهام مثبتة لحوادث ضد الأسيويين مع وجود حالات كثيرة لا تصل إلى الشرطة بسبب اللغة والحاجز الثقافي وعدم وجود سجلات كاملة لدى الشرطة. ومن الطريف أن التجمع يوجه اللوم للخطاب السياسي المعادي للمهاجرين الذي يتسبب في إثارة العواطف وأعمال العنف ضد الأسيويين. ومن الأمثلة على ذلك أن حاكم ولاية أريزونا استخدم حق النقض ضد قانون يحارب الكراهية بسبب العرق بالرغم من ارتفاع هذه الجرائم في ولايته بأكثر من خمسمئة في المئة في الخمس سنين الماضية. (1)
وتشهد فرنسا تطرفاً عرقيا حيث ارتفعت الطوائف المتطرفة بنسبة خمسين في المئة في الفترة من 1983 حتى 1995، فهناك مئة واثنتين وسبعين مجموعة ترتبط بها ثمانمئة فرقه تابعة لها بينها خمس عشرة طائفة تتميز بخطورتها الشديدة على الأوضاع العامة. وقد أشارت مجلة لو بوينت Le Point إلى أن الحكومة الفرنسية تتغاضى عن هذه المجموعات المتطرفة ، كما أشار السيد ولد أباه إلى أن الأصوليين في أمريكا كان لهم تأثير كبير في انتخاب الرئيس ريجان Regan وأن هؤلاء قد بلغوا درجة عالية من التنظيم حيث إن لهم جامعات، وكليات طب ، ومدارس وإذاعات ومحطات تلفاز.(2)
__________
(1) -Arab News , 4 August 1996.
(2) -السيد ولد أباه."التظرف ظاهرة موجودة في الغرب أيضاً" في الشرق الأوسط، ع6312، 20شوال 1416هـ( 10مارس 1996.)(1/76)
ويحاول مأمون فندي- الأستاذ بجامعة جورجتاون Georgtown - تفسير أصول هذه العنصرية بقوله :" إن الرجل الأبيض ينظر باحتقار للإنسان الأسود ويبرر عنفه تجاهه من خلال منظومة ثقافية والتي معها كان يقتل البيض إخوانهم السود ويعلقونهم في الأشجار في حفل عنف جماعي ، وكانوا يبررون ذلك لأنفسهم من خلال كتابهم المقدس فاللون الأسود بالنسبة للمسيحي الجنوبي هو لون الشيطان."(1)
ويرى أحد الباحثين الأمريكيين أن جذور العنصرية ضد الأعراق الأخرى بدأت في الغرب ليس من نتاج اللاعقلانية ولكن كمشروع عقلاني وعلمي لفهم العالم .فقد أوحى بفكرة العنصرية الرحالون الأوروبيون والتي أنتجت مشروعاً لتصنيف نباتات العالم وحيواناته وشعوبه. فبالنسبة للرحالة الأوروبيين و المنصّرين وعلماء الأجناس قدمت النظرية العنصرية بياناً متناسقاً حول الاختلافات الحضارية يمكن إرجاعه إلى المناخ أو البيئة وبالتالي اعتبرت أموراً جوهرية.(2)
__________
(1) -مأمون فندي." الجذور الثقافية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه العرب والمسلمين." في المجتمع (الكويت) ع1213، 5ربيع الآخر 1417(20 أغسطس1996م) ص 31-32.وقد ظهرت العنصرية الغربية بوضوح في الصومال حيث مارست القوات الإيطالية و الدنماركية وغيرها من القوات الأوروبية ألواناً من التعذيب ضد الصوماليين العزل ومن العجيب أن هؤلاء كانوا ضمن قوات دولية أُطلق عليها ( إعادة الأمل ) فأي أمل كان!!؟؟
(2) - Dinesh D’Souza.“ Is Racism a Western Idea?” in The American Scholar. Autumn 1995. .P.P. 517-524(1/77)
ومن مظاهر التفرقة الاجتماعية التفرقة ضد النساء المصابات بأمراض القلب حيث يحصلن على عناية أقل من الرجال من حيث الأدوية، وفي الغالب يواجهن الموت أكثر من الرجال، كما أكدت ذلك ثلاث دراسات مختلفة، وهناك أدلة على أن الأطباء يميزون الرجال المصابين بالقلب على النساء، فقد فحص الباحثون ثمانمائة حالة على مدى خمس سنوات فوجدوا أن ثلث النساء قد توفين بعد ست أشهر من الإصابة بأول أزمة قلبية.(1)
خامساً:الأخلاق
لو زعمنا أن الأخلاق في الغرب في تراجع لقال المنبهرون بالغرب: أنتم تتجنون على الغرب وتتحاملون عليه، ولكن ماذا يقولون إذا كانت هذه المزاعم بأقلام الغربيين أنفسهم؟
يقول مؤلفا كتاب (مواجهة أزمة أمريكا الأخلاقية): "لقد أصبح من المؤلم بوضوح أن القيم الأخلاقية ليست كما يجب، قد تكون متطورة من بعض النواحي، لكن هذه الأخلاق تواجه الانهيار عموما، وما زالت منذ مدة طويلة." ويضيفان:" إن مجتمعنا مصاب بالفساد والفوضى، كثير من الأمريكيين يتجاهلون مسألة الصح والخطأ (الحق والباطل) إنهم يهتمون بمنافعهم الذاتية، ويبررون سلوكهم غير الأخلاقي."(2)
__________
(1) The Times, September, 2 1994.
(2) -Thomas Hansen and Frank Macchiarola, Confronting America’s Moral Crisis (New York: Hasting House, 1995), P3-4.(1/78)
ومن أبرز الانحرافات الخلقية في المجتمع الأمريكي انتشار الكذب، هذه الخصلة الذميمة التي تورع عنها رجل عربي في جاهليته حيث قال حين سأله هرقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم: " خشيت أن تؤثر عني كذبة"، أما جاهلية أمريكا فتستحل الكذب كما يقول بذلك مؤلفا كتاب (يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة) :"إن عادة الكذب أصبحت سمة من سمات المجتمع الأمريكي، إن الكذب تجسد في شخصيتنا الوظيفية لكن هذا لم يتضح بعد للشعوب الأخرى". ويقول المؤلفان : " الأمريكيون يكذبون في كل صغيرة وكبيرة."(1) ويوردان إحصائية عن الكذب بأن عشرين في المئة من العينة أفادوا بأنهم لا يصبرون عن الكذب ولو يوما واحداً.(2)
ومن مظاهر تراجع الأخلاق ما كتبه هاملتون هوز عن ظاهرة تحول الرجال إلى نساء والنساء إلى رجال، والأفراد في ممارسة الحرية في المجتمع الأمريكي قد تجاوزت كل الحدود، ويضيف هوز قائلا: " ومن الظواهر التي لم تكن مألوفة في مجتمعنا ثم تحولت إلى سلوك طبيعي بدعوى "الحرية الشخصية" ظاهرة الإقبال على اقتناء أو مشاهدة الصور والمجلات الخليعة بين كل طبقات المجتمع الأمريكي وفئاته وعلى وجه الخصوص بين موظفي الكونجرس وموظفي المحكمة العليا."(3)
__________
(1) - جيمس باترسون وبيتر كيم .يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة.ترجمة سعود محمد البشر (الرياض: المؤلف، 1414-1994) ص58.
(2) المرجع نفسه.
(3) -سعود بن محمد البشر.السقوط من الداخل: ترجمات ودراسات في المجتمع الأمريكي.(الرياض:دار العاصمة،1414هـ)ص 85 نقلاً عن هاملتون هوز .السقوط التراجيدي: أمريكا عام 2020.(1/79)
ويرى بيجوفتش أن الدول الغربية تتعرض لغزو بشع من الأدب الإباحي، وتحتل فرنسا و الدنمارك وألمانيا الغربية المركز الأول في هذا المجال. ويرى أحد خبراء الطب النفسي في تحليله لهذه الظاهرة أن أسبابها تعود إلى نمط الحياة الغربي الشديد الرتابة( نوم- قطار- عمل) "وهي خطة تمنح مستوى معيناً من المعيشة لكنها تحرم الإنسان من الخبرة والإثارة الحقيقية ..ولهذا يحتاج معظم الناس غريزياً إلى الهرب من أنفسهم ليجربوا أنواعاً من الإثارة الرخيصة ، وتجد هذه الحاجة إشباعها في الأفلام الإباحية."(1)
الأخلاق والسياسة:
بالرغم مما كتبه كاتب --يتم تلميعه- بأن السياسة لا علاقة لها بالأخلاق، لكني لا أجد أجمل من عبارة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام فقال: "كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونسيء الجوار ونأكل الميتة، و يأكل القوي منا الضعيف، فجاءنا من نعرف صدقه وأمانته فدعانا إلى عبادة الله وترك عبادة الأوثان، ودعانا إلى مكارم الأخلاق.."(2)
وقد تزامن البناء الأخلاقي مع البناء الإيماني، حتى إذا تكونت الدولة الإسلامية في المدينة وكان بذورها قد بذرت في دار الأرقم بن أبي الأرقم وفي بيعتي العقبة لم تنفصل الأخلاق عن السياسة مطلقا، وما كان لها في الدولة الإسلامية.
__________
(1) -بيجوفتش، مرجع سابق،ص119-120، نقلاً عن Keneth H. Blanchard and Paul Hersey. Management of Organisational Behaviour :Utilizing Human Resurces.2ed Edition( Englewood Cliffs, N. J.: Prentice Hall,1972
(2) سيرة ابن هشام.(1/80)
وقد عانت السياسة في الغرب من تراجع الأخلاق، فقد كتبت ليبي بيرفيز Lippy Purves تحت عنوان (عندما تتحول حمرة الخجل إلى خد بليد أو وقح) وأشارت إلى المرشحة لرئاسة بلدية مدينة ليفربول بأنها أدينت ثلاث مرات بممارسة البغاء على مدى خمس سنوات حتى عام 1978، وأطلق سراحها بشروط في أربع عشرة حالة تزوير في الثمانينات، وغرمت خمسمئة جنيه عام 1990 لحصولها على ممتلكات بطريق الخداع، وتناولت الكاتبة حالات أخرى تدل على تدهور الأخلاق في المجتمع الإنجليزي حتى إن الشخص يرتكب الجرم ثم يصبح شخصية عامة تنال الاحترام والتقدير.
وقبل سنة من الآن اضطر السناتور (النائب) الأمريكي بوب باكوود Bob Packwood (جمهوري من ولاية أوريجن) رئيس اللجنة المالية إلى الاستقالة بعد أن قررت (لجنة الأخلاق) في الكونجرس طرده بالإجماع، وحاول أن يدافع عن نفسه لكن تحقيقات اللجنة ومذكرات النائب التي بلغت عشرة آلاف صفحة أثبتت إدانته. وتتلخص التهم الموجهة إلى النائب باكوود في سوء سلوكه وأخلاقه جنسياً ومالياً ، ودار الحديث في وسائل الإعلام الأمريكية في تلك الأيام عن الفساد والسلطة هل هما متلازمان ، وما موقف الشعب الأمريكي من مؤسساته السياسية ،وهل تستحق الثقة أو إن هذه الثقة قد تزعزعت ؟(1)
ولا بد أن البعض ما زال يذكر فضيحة واتر جيت التي أخرجت الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون من البيت الأبيض بسبب تجسسه على مقر الحزب المنافس. ولدى الأمريكان جيت جديدة باسم وايت ووتر جيت وكان هناك إيران جيت وغيرها.
__________
(1) -Washington Post, 8 September 1995.(1/81)
وفي فرنسا وقبل ستة أشهر من انتخابات الرئاسة الأخيرة التي أتت بالرئيس جاك شيراك إلى رئاسة الجمهورية ظهرت مجموعة من الفضائح التي تسببت في استقالة وسجن بعض الوزراء ، كما كان لدى القضاء الفرنسي ملفات فضائح مالية حول عدد من الوزراء منهم وزير الصناعة والبريد والهاتف ، ورئيس الحزب الجمهوري ، و وزيرة التعاون، و وزيرة الشباب والرياضة.(1)
وظهرت فضائح في شرطة نيويورك بسبب سوء استخدام السلطة لإشباع الغرائز والإثراء الفاحش بالتعاون مع تجار المخدرات إما بالتستر عليهم أو مشاركتهم ، وقد طالت هذه الفضائح رتباً عليا.(2)وكذلك في هولندا أكدت لجنة برلمانية استشراء الفساد في إدارة الشرطة والأمن حيث كشفت التحقيقات أن هذا الجهاز يعد أكبر مصدر لتهريب المخدرات والتعامل مع تجارها وغسل أموالها في هولندا وخارجها.(3)
الإنفاق على السجون والإنفاق على الجامعات
__________
(1) -رندة تقي الدين." فرنسا قبل ستة أشهر من انتخابات الرئاسة:فضائح وفوضى." في الحياة، ع11576، 23جمادى الأولى 1415( 28 أكتوبر 1994م)
(2) -الحياة،ع 11198، 15 ربيع الآخر 1415(11 أكتوبر 1993) وانظر تعليقي بعنوان " شرطة نيويورك تحتاج إلى شرطة" في المدينة المنورة ،ع 9688، 14جمادى الآخرة 1414هـ( 27 نوفمبر 1993م)
(3) -الحياة،ع 12145، 10 محرم 1417(27 مايو 1996م)(1/82)
اطلعت على بحث نشرته صحيفة النهار البيروتية في ملحقها الشهري لشهر تموز( يوليو) 1998) وعنوان البحث (البؤس والجريمة في الولايات المتحدة) للأستاذ الجامعي الأمريكي لويك واكنت Loic Wacquant الأستاذ بجامعة بيركلي. وفي هذا البحث من المعلومات الشيء الكثير الذي ينبغي أن نعرفه عن الغرب، ولعله يشكل نواة للدراسات التي من المطلوب أن يقوم بها أبناؤنا عندما يلتحقون بالجامعات الغربية لنيل الدرجات العليا في مجال علم الاجتماع وغيره من العلوم.(1)
بدأ الباحث بالحديث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية وما تميزت به من ازدهار اقتصادي وفر الكثير من الوظائف، ولكنه في الوقت نفسه وسّع الفوارق بين الطبقات فانتشرت الجريمة في الطبقات المحرومة مما أدى إلى التوسع في المؤسسات البوليسية والجزائية. ويلخص الباحث هذه التطورات في أربع نقاط:تزايد عدد نزلاء السجون ، وتزايد عدد الأشخاص الخاضعين للرقابة وتضخم المؤسسات الجزائية داخل الإدارات الفيدرالية والمحلية، الارتفاع المذهل لأعداد السود داخل السجون الأمريكية .
__________
(1) - إن هذا البحث مليء بالمعلومات وأتمنى أن ينشر كاملاً في إحدى صحفنا ومجلاتنا بعد استئذان الجهة صاحبة الحق، ولعل باحثين آخرين في الدراسات الاجتماعية يدلون بدلوهم في هذا المجال.(1/83)
لقد كان للتركيز على السياسة الجزائية أن ارتفع عدد المحكوم عليهم إلى أرقام كبيرة جداً أدت إلى عجز في السجون الحالية؛ فقد تضاعف عدد الموقوفين ( الذين لم يجددوا لهم مكاناً في السجون) أربع مرات في ستة عشر عاماً ليصل إلى حوالي أربعة ملايين عام 1995، يتمتع ثلاثة ملايين تقريباً منهم بحرية مشروطة Parole وسبعمائة ألف (700,000)تحت الرقابة حتى بلغ عدد الأمريكيين الخاضعين للوصاية الجزائية عام 1995 خمسة ملايين وأربعمائة ألف أي ما يقارب خمسة في المائة من الرجال فوق الثامنة عشرة من العمر وما نسبته واحد إلى خمسة من الرجال السود.
أما النفقات على السجون فقد بلغت أرقاماً مذهلة فقد بلغت نفقات ولاية كاليفورنيا 3,2مليار دولار بينما تخصص ولاية نيويورك 2,1 مليار وتكساس 1,3مليار سنوياً. ولمواجهة هذه الزيادة في موازنة السجون فقد تقدم حاكم كاليفورنيا بيت ويلسون عام 1995 بمشروع موازنة للولاية اشتمل على إلغاء ألف وظيفة في التعليم العالي من أجل تمويل ثلاثة آلاف وظيفة حارس سجن جديدة. ويذكر الباحث أن ما يتقاضاه حارس السجن يزيد على مرتب الأستاذ الجامعية بنسبة ثلاثين بالمائة وذلك بسبب النفوذ السياسي لنقابات موظفي السجون.
أما عن ارتفاع نسبة الجريمة أو المحكومين بجرائم مختلفة بين السود فيذكر الباحث أنه في عام 1995 من بين 22 مليون أسود راشد كان يمكن إحصاء 767ألف سجين و999 ألفاً تحت الرقابة و325 ألفاً آخرين يتمتعون بحرية مشروطة، وهي نسبة تفوق بكثير ما هو حاصل لدى البيض حتى إنه يمكن وصف النظام القضائي الأمريكي بأنه يقوم بمهمة " تحديد موقع الشبيبة السوداء وتدميرها."(1/84)
وهناك مسألة الرقابة أو ما يسمى الحرية المشروطة حيث يستخدمون "الاختبار المكثف" والرقابة الهاتفية والإلكترونية (بواسطة المعاصم وغيرها من الحيل التقنية)، والنظام الجزائي يبسط سلطته في شكل واسع عبر تكاثر بنوك المعلومات الجرمية وما تتيحه من مضاعفة عشرات المرات لوسائل المراقبة و نقاطها عن بعد. وأصبحت هذه المعلومات متاحة لمن يريدها فأصبحت كالسيف المصلت على رأس صاحبها تضايقه أينما ذهب.
تطلعات إلى الخير:
يتنازع الغرب تياران أحدهما يدفعه إلى مزيد من الانحراف والانحلال والضلال، وآخر يدعوه إلى العودة إلى القيم الخلقية الرفيعة وإلى العودة إلى الدين، ويتزعم تيار الفساد المؤسسات الإعلامية وبخاصة هوليوود بكثافة ما تنتجه من أفلام، وكذلك الآلة الإعلامية الضخمة التي تضفي على هذا الإنتاج وعلى نجوم السينما هالة من الاحترام والتقديس بل تجعلهم القدوة التي يجب أن يجتذبها العالم أجمع، فقد كتب الناقد السينمائي مايكال ميدفيد Michael Medved (يهودي) كتابا بعنوان (هوليوود وأمريكا) ذكر في مقدمته" أن تأثير هوليود في المجتمع هادىء ومتدرج، إنه ليس تأثيرا ضخما أو فجائيا أو فوري)(1).
ويشير ميدفيد إلى أن الدراسات أثبتت التذمر العميق لدى الجمهور الأمريكي من إنتاج هوليوود، ففي عام 1989 أجرت دراسة على عينة علمية مختارة بعناية فأثبتت أن 80% موجودا أن أفلام هوليوود تحتوي على بذاءة، و 82% يشعرون أن الأفلام تحتوي على كمية زائدة من العنف، واشتكى 72% من العري الزائد، وأكد ثلاثة إلى واحد من العينة أن نوعية الأفلام في هبوط.(2)
__________
(1) -Michael Medved. Holly Wood Vs America, (New York: Harper Perennial, 1993) p. xx1v.
(2) - Ibid. P. 38.(1/85)
والعجيب أن القائمين على هوليوود لا يهتمون بالدين حيث إن الملتزمين منهم لا يزيدون على 7% ، ويقول أحد المختلطين بهؤلاء :" لا اعرف أحداً سواءً كان منتجاً أو ممثلاً أو كاتباً تحت سن الخامسة والأربعين يذهب إلى الكنيسة أو البيعة.(1)
ومن التطلع إلى الخير ما ذكره جيمس بترسون وبيتر كيم من أن 80 % من الأمريكيين يؤيدون تدريس المبادىء والقيم الأخلاقية في المدارس الأمريكية، ويعتقد الكثيرون أن الانحطاط الأخلاقي هو المشكلة التي تعاني منها البلاد.(2)
وفي كتاب دعونا نصلي يقول مؤلفه: " الصلاة في المدارس علاقة ثقافية تدل على قضية أكبر أن كل مواطن يدفع الثمن لإلغاء الصلاة في المدارس والروحانية من الحياة العامة.. إن الصلاة ظاهرة إنسانية كونية وهي دافع لا يمكن أن ينتهي في وقت الحاجة إليه وجزء أساسي من كل دين .."(3)
وكتبت صحيفة الجارديان الأسبوعية قبل شهرين تقريبا تتناول مسألة الحرب التي أعلنت على الكحول، وقد قدم المقال بعض الأرقام المفيدة ومنها أن استهلاك الخمور قد انخفض إلى أدنى حد منذ عام 1964 ووصلت مبيعات الخمور إلى أدنى حد خلال الخمسين سنة الماضية، وهناك جهات تسعى إلى أن يصدر الكونجرس الأمريكي قوانين ضد الكحول(4).
وقد أجرت مجلة (أخبار الولايات المتحدة والعالم)U.S. News & World Report استطلاعاً في شهر ديسمبر 1991 أكد فيه أكثر من 56% من الأمريكيين بأن أعلى هدف لهم في الحياة هو تحقيق صلة أفضل بالله .(5)
__________
(1) -Medved, Op. Cit. P. 72.
(2) جيمس باترسون، مرجع سابق، ص 197.
(3) 1 William J. Murray, Let Us Pray: A Plea for prayer in our schools,( New York, Willion Marrow, 1995), P3.
(4) -Jonathan Freedland, “Battle of The Bottle Breaks Out”, in The Guardian Weekly, June9,1996
(5) -Medved. OP., cit. P.71.(1/86)
ويعلق ميدفيد على ذلك بقوله:" وعلى ضوء هذه الأرقام فإن إصرار هوليوود في عدائها للقيم الدينية ليس غريباً، إنه فعلاً حالة مرضية. فبدلاً من تعديل هوليوود رؤيتها للواقع حتى تتصالح مع الصحوة الدينية في أمريكا والصحوة الواسعة في الذهاب إلى الكنيسة والارتباط بها، فإن معظم الناس في عاصمة السينما اختاروا ببساطة أن يهملوا ما تقوله الاستطلاعات."(1)
وقد تناول نيكسون موقف هوليوود هذا بقوله:" تزعم هوليوود أنهم يعكسون أحوال أمريكا، وأنها مريضة وأرى إنهم إنما ينظرون في المرآة ، لأن هوليوود هي المريضة وقيمها ليست قيم الاتجاه العام .والعنف والجنس الإباحي سلعتان رائجتان وهوليوود بصدد جمع الأموال عملت على تعجيل انهيار تلك المعايير، فحُقّ للأمريكان الغضب من وسائل جني الأرباح هذه، وإن فشلت هوليوود في مراقبة نفسها علينا إخضاعها لرقابة الحكومة.(2)
هذه الآراء الجريئة ضد هوليوود هل يمكن أن تصل إلى نتيجة ؟ هذا ما يرجوه أي محب للفضيلة والعفة والحياء، ولكن هل ينجح الأمريكيون في الحد من غلواء هوليوود أو تستمر هوليوود في طريقها في إفساد العالم. وهذا يقودنا إلى الكتابين اللذين صدرا في الولايات المتحدة حول الشعب الأمريكي حيث كتب أحدهم كتاباً بعنوان أمة من الغنم فكتب الآخر أمة من الأسود لكن مكبّلة . والحقيقة أن هوليوود قد تكون أقوى من كل هذه التوجهات الأمريكية إلاّ أن يشاء الله لفساد هوليوود أن يهزم ليس في الولايات المتحدة فقط بل على دول العالم كلها أن تقف في وجه فساد هوليوود وأختها بولي ود ( الهندية).
__________
(1) -Ibid.
(2) -نيكسون ، مرجع سابق ، ص 246.(1/87)
ومما يدل على قوة هوليوود أن شركة ورنر إخوان (Warner Brothers ) أنتجت فيلما بعنوان قتلة بالفطرة Born Killers ، وكان سبباً مباشراً في ارتكاب مجموعة من الشباب جرائم قتل. ولما أرادت الشركة أن تعرض الفيلم في بريطانيا قام مجلس مراقبة الأفلام بالامتناع عن السماح للفيلم بالعرض في صالات السينما البريطانية ،ولكن أكدت وسائل الإعلام (الإذاعة) أن الفيلم سوف يعرض في بريطانيا ذلك أن المنتج للفيلم شركة ورونر لديها الوسائل التي تستطيع أن تضغط بها على الحكومة البريطانية.(1)
القسم الثالث
جوانب إيجابية من الغرب
أولاً: البحث العلمي ومؤسسة راند أنموذجاً
تأسست مؤسسة راند RAND كمشروع تحت مظلة شركة دوجلاس المتخصصة في الصناعات الحربية، ووضعت القواعد التي تضمن استقلاليتها ،وأن تكون بحوثها ذات اهتمام بالأهداف طويلة المدى ،ولها أن تحصل على المعلومات الاستخباراتية، ومعلومات التخطيط من سلاح الجو الأمريكي.وبالتالي تقدم تقاريرها وتوصياتها كما يقتضي البحث العلمي.
وتركزت بحوث هذه المؤسسة على الموضوعات الحربية والتكنولوجية مثل: المحركات النفاثة، ومحركات الصواريخ، والوقود ذي الطاقة العالية والنظرية الإحصائية للرادار والفيزياء الفضائية.
__________
(1) - مازن مطبقاني." العنف رغم أنوفهم " في المدينة المنورة ،ع11597،29 رجب 1415(31 ديسمبر 1994) وقد أشارت صحيفة الحياة (اللندنية ) في عددها 11579 ،31أكتوبر 1994 إلى أن الحكومة البريطانية سرعان ما تخضع للضغوط من الشركة المنتجة لأنها من الشركات الكبرى، وقد يكون هذا المنع المؤقت نوعاً من الدعاية للفيلم.(1/88)
ولمّا كانت العلوم الفيزيائية غير كافية كحل فعّال لمشكلات وحيد لمشكلات الأمن القومي، ولا يمكن فصلها عن الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،فقد سعت مؤسسة راند للاستعانة بخبراء من خارجها في التخصصات المطلوبة.ولوضع أسس للعلاقات بين خبراء المشروع مع المتخصصين من خارجه فقد عقدت ندوة عام 1947 استمرت ستة أيام لهذا الغرض.
وفي عام 1948 بدأت الخطوات الفعلية لتحويل المشروع إلى مؤسسة غير ربحية،وتم اختيار مجلس أمناء لإدارتها، واختيار المسؤولين الكبار فيها.وكانت الميزانية المبدئية لها لا تتجاوز ثلاثة ملايين وسبعمائة وخمسين ألف دولار.(3750000.00) وأصبحت ميزانيتها عام 1963 تزيد على عشرين مليون دولار.
ومن الأسس المهمة التي شجعت البحث العلمي أكثر من مجرد استمرار الدعم المادي، الظروف التي عمل فيها الباحثون حيث إن الأفكار غير المألوفة والجديدة لم تكن في حاجة إلى موافقات موسعة من الهيكل الإداري، أو الإداريين الحكوميين واللجان المتخصصة.ومثل هذه البيئة الجذابة جداً للأشخاص المبدعين، وبالإضافة إلى الظروف الأخرى التي وفرتها المؤسسة فقد ساعد ذلك كله على تعدد المستفيدين من بحوث المؤسسة.
ويتكون مجلس أمناء مؤسسة راندRAND شخصيات علمية وسياسية ورجال أعمال ورجال إعلام وأساتذة جامعات أذكر منهم على سبيل المثال: مستشار الدراسات الاستراتيجية والدولية، ورئيس مؤسسة التايم ورنر، ورئيس مجلس إدارة شركة سيتي كورب، ورئيس جامعة ستانفورد بكاليفورنيا (وهي من جامعات القمة في أمريكا) ورئيس معهد الطب بالأكاديمية القومية للعلوم، وأستاذ الإدارة بجامعة كاليفورنيا (لوس أنجيلوس).(1/89)
وفي الكتاب الصادر عن المؤسسة عام 1993 نجد نماذج من البحوث التي أجرتها المؤسسة أذكر بعضها لنرى مدى اتساع موضوعات البحوث وشمولها مختلف المجالات: "صورة حياة المدينة الأمريكية:حيث تناول البحث تغير الحياة في المدينة الأمريكية منذ عام 1965، وما الذي لم يتغير، وهل تساعد سياسة الحكومة على تحسين الأحوال أو تؤدي إلى إفسادها،وما الذي يمكن تعلمه من البرامج الحكومية السابقة،وما الذي يمكن عمله مستقبلاً.
وثمة بحث آخر بعنوان (إعادة تخطيط الدراسات العليا) وقد دعا إلى القيام بهذا البحث ازدياد الاهتمام بحالة الدراسات العليا في الجامعات الأمريكية حيث لوحظ أن المشكلات المادية في الجامعات أدى إلى تخفيض نسب القبول في الجامعات ،وتقليص عدد المواد المقدمة،وزيادة حجم الفصول وتأخير صيانة المباني ،وتخفيض التزويد في المكتبات ،كما إن من هموم الدراسات العليا أن نوعية الطلاب قد انخفضت ، وكذلك لم تعد الداسات العليا تستجيب لمشكلات الأقليات وأن تخريج العلماء والمهندسين لا يفي بالحاجة القومية.
وثمة جانب آخر جديد لنشاطات المؤسسة وهو التعليم حيث تتعاون مع الجامعات في تقديم منح للدراسات العليا ،ووضع برامج للحصول على الدرجات العلمية في مجالات البحث المختلفة.
إن الحديث عن مثل هذه المؤسسة لا يكفي العديد من المقالات، ولكننا نتساءل كم عدد مؤسسات البحث العلمي المستقلة في عالمنا العربي الإسلامي ؟ لا شك أننا في بداية الطريق، فمراكز البحوث موجودة لدينا ،ولكن بعضها يدار بأسلوب يغلب عليه الروتين الإداري ،والإجراءات الإدارية الطويلة.(1/90)
إننا بحاجة إلى من يدرس هذه المؤسسات دراسة علمية ميدانية يطلع عليها، ويعرف كيف تعمل، فإن لدينا الكثير من المشكلات في العالم الإسلامي ولا يمكن أن تستمر هكذا دون إجراء البحوث المستقلة وإتاحة الفرصة للمفكرين والمبدعين من أبناء الأمة للعمل الجاد بدلاً من تركهم ليهاجروا إلى الغرب فنفقدهم مرتين ؛مرة بعدم الإفادة من عقولهم وعلمهم وإمكاناتهم والثانية بأن تصبح هذه العقول في خدمة دول أخرى لا تخفى مواجهتها لنا.
ثانياً: مؤسسة المجتمع المفتوح
تناول أحد أعداد مجلة(السياسة الخارجية) (1) موضوع (مؤسسة المجمتمع المفتوح).فأعجبني الحماسة والإخلاص اللذين يصبغان نشاط هذه المؤسسة التي تأسست قبل أكثر من خمس عشرة سنة لمقاومة انغلاق مجتمعات أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي (سابقا) .
وفي هذه المقالة يتحدث جورج سوروس George Soros - رئيس هذه المؤسسة- قائلاً إن هذه المؤسسة هي إحدى المؤسسات الخاصة (غير الحكومية) التي عملت على مساعدة روسيا ودول أوروبا الشرقية على التغلب على العيش في مجتمعات منغلقة. وقد تأسست عام 1979 ولم يبدأ عملها حتى عام 1984 ، وكانت البداية في المجر ، وازداد عمل هذه المؤسسة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حيث ارتفع عدد الدول التي تعمل فيها هذه المؤسسة عشرين دولة.
ومن أبرز ملامح هذه المؤسسة أن ميزانيتها عند التأسيس(1979) كانت ثلاثة ملايين دولار فقط، وارتفعت الميزانية إلى ثلاثمئة مليون دولار في عام 1993.وكان من إنجازاتها أنها كلّفت عدداً من المؤلفين لكتابة ألف كتاب منهجي لتحل محل الكتب التي كانت تبث االفكر الماركسي اللينني.
__________
(1) - Foreign Policy العدد 98 ربيع 1995م(1/91)
وكيف تبرر هذه المؤسسة عملها ؟ يذكر سوروس أن الشيوعية منذ ظهورها أدت إلى ظهور مجتمعات منغلقة تخضع لسلطة الحزب ، وكان الأفراد يعيشون تحت رحمة جهاز الدولة . ونظراً لأن العقيدة الشيوعية عقيدة زائفة تزعم لنفسها أنها تملك الحقيقة النهائية والكاملة ولذا لم يكن من الممكن أن تنتشر عقيدتها إلاّ عن طريق العنف . وحتى مع هذا العنف لم يكن من الممكن للشيوعية أن تحافظ على وجودها كثيراً. وقد أصبحت الفجوة بين العقيدة والواقع أكثر وضوحاً.
ويقول سورس :" إن انهيار المجتمع المغلق لا يعني تحولاً آلياً إلى المجتمع المفتوح، لأن المجتمع المفتوح مجتمع أكثر تقدماً وأكثر حنكة وثقافة في تنظيمه من المجتمع المغلق.إن الحرية ليست مجرد غياب الاضطهاد.إن المجتمع الذي ينعم أفراده بالحرية يتطلب مؤسسات تحمي الحرية ، وفوق ذلك يحتاج إلى أناس يؤمنون بهذه المؤسسات."
وتناول سورس ردود الأفعال المختلفة لانهيار الشيوعية في روسيا ودول أوروبا الشرقية، وعدم قناعة تلك الشعوب بالانتقال إلى النمط الغربي الذي يدعو إلى الديموقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون أو المجتمع المفتوح حيث عادت بعض هذه الشعوب إلى نموذج معدل من الشيوعية.ثم عاد إلى الحديث عن المجتمعات المفتوحة فقال:" إن هذه المجتمعات المفتوحة تتيح الفرصة للشعوب لاستخدام طاقاتها الإبداعية. وإن الحرية تقود إلى الازدهار. ولكن الشعوب التي تعيش في مجتمعات مفتوحة لا تدرك ذلك ،بل إنهم لا يتعاملون مع مفهوم المجتمعات المفتوحة كمسألة تستحق التضحية من أجلها.(1/92)
ويقترح سورس أن تجعل الولايات المتحدة في قمة سياستها الخارجية إيجاد المجتمعات المفتوحة والمحافظة عليها.ويرى أن يكون الاتحاد السوفيتي السابق على قمة الأهداف الأمريكية ولذلك لأن الاتحاد السوفيتي(سابقا) عانى من الانهيار، ولم تعان المجتمعات الأخرى من الانهيار وبالتالي فلا بد من مجتمع بديل. ويرى الكاتب(سورس) ضرورة العودة إلى المفاهيم القديمة التي تجعل الشيوعية مقابل العالم الحر.ويقترح أن تقوم الأمم المتحدة بدور رائد بعد أن تتغلب الدول الأوروبية وأمريكيا على خلافاتهم ، فليس باستطاعة الولايات المتحدة أن تكون شرطي العالم و لا هي قادرة على ذلك.
وهكذا ينفق الغرب مادياً وفكرياً لنشر معتقداته وأسلوب حياته، ونحن في العالم العربي الإسلامي ابتلينا بالقومية والاشتراكية والشيوعية والعلمانية أو اللادينية حتى أصبحت جزءاً أساساً في فكر أجيال متلاحقة في العالم العربي الإسلامي مازال بعضهم يتسنم منابر التوجيه .فهل لو قامت لدينا مؤسسات تدعو إلى تحرير العقول و الأفهام وإعادتها إلى عقيدة الأمة الصافية النقية يمكن أن تجد التأييد والدعم؟ لا شك أن الإسلام يقدم الحرية لأفراده ولمن يعيشون تحت ظله الفرصة للإبداع والابتكار، وقد قاد العالم إلى الازدهار الحقيقي بعيداً عن الظلم والعصبيات القومية والعرقية والدينية.
إن هذه تجربة غربية هل يمكن لنا دراستها دراسة وثائقية ميدانية ونفيد من وسائلها عملاً بالأثر المشهور الذي بدأت به المقالة ( الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها؟
ثالثاً: المعرفة بالآخر –برنامج الزائر الدولي أنموذجاً
... كتب أحمد عائل فقيهي(1) حول معرفة الغرب بنا وجهلنا به، وكان مما كتبه عن معرفة الغرب: "إنه يعرف عنّا أكثر مما نعرف عنه، ونجهله أكثر مما يجهل دقائقنا، وبين معرفته بنا وجهلنا به ثمة بون شاسع.. ثمة مسافة تتوالى إلى ما لانهاية."
__________
(1) 2 – "الجهل بالآخر" في عكاظ 29ربيع الأول 1416هـ(1/93)
وهذا أمر أوافقه عليه وأجد أن التجربة الأمريكية عموماً وتجربة برنامج الزائر الدولي تستحق أن يشار إليها، ولكن لا بد أن ندرك أن المعرفة بالآخر تتطلب جهداً ومالاً وهمة عالية، فأمريكا قد أنشأت المئات من مراكز البحوث والمعاهد العلمية وأقسام الجامعات التي تدرس العالم أجمع ليس دراسة نظرية فحسب بل تضيف إليها الدراسة الميدانية. ولكني هنا سأقتصر على الحديث عن برنامج الزائر الدولي التابع لوكالة إعلام الولايات المتحدة الأمريكية
هذا البرنامج يتبع مكتب الشؤون التعليمية والثقافية. ويؤكد البرنامج على زيادة التفاهم المتبادل من خلال الاتصالات الشخصية والمهنية. ويركز البرنامج في اختياره على الشخصيات التي يدعوها لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون من ضمن النخبة التي يتوقع لها مستقبلاً في مجال عملها في بلادها سواءً كان ذلك في الأعمال الحكومية، أو السياسية، أو الإعلام، أو التعليم،أو العلوم وغيرها من الميادين الحساسة.
ويتم اختيار هؤلاء الأشخاص من قبل سفارات الولايات المتحدة ليقوموا بزيارة أمريكا للالتقاء بنظرائهم في المجالات التي يعملون بها. وقد بلغ عدد الذين شاركوا في هذا البرنامج على مدى نصف قرن أكثر من مئة ألف زائر كما يقول مدير وكالة إعلام الولايات المتحدة جوسف دفي Joseph Duffey في تقديمه للكتيب الذي صدر بمناسبة مرور خمس وخمسين سنة على بدء برنامج الزائر الدولي. وقد بلغ عدد هؤلاء الزوار عام 1993 أكثر من خمسة آلاف زائر.(1/94)
وتتعاقد الوكالة مع العديد من المؤسسات لتنظيم برامج الزيارة لهؤلاء الضيوف وفي المجال الثقافي والتعليمي يتم التعاقد مع المعهد الدولي للتعليم International Institute of Education ، ويقوم المعهد بدوره بالاتصال بالعديد من المنظمات المحلية التي يطلق على بعضها مجلس الزوار الدوليين للقيام بترتيبات الزيارة .وهناك عدد كبير من المتطوعين الذين يهتمون بالزوار الدوليين لأنهم يدركون أن التعرف على هذه الشخصيات سيكون تجربة مثمرة وثرية، فتجد بعضهم يتطوع لاصطحاب الزائر إلى الأماكن الأثرية أو المعالم السياحية أو يستضيفه في بيته .
ماذا يستفيدون من هذا البرنامج الذي يكلف سنوياً عدة ملايين من الدولارات ؟ إنهم يكسبون معرفة بالآخر معرفة وثيقة فهذا الزائر الذي جاء إليهم يقدم لهم نموذجا حياً من العاملين في مجال من المجالات وبالتالي لم يكن من الممكن التعرف إلى مثل هذه الشخصيات دون الاتصال الشخصي بها.
ونحن في هذه البلاد نستقبل سنوياً آلاف الزوار والمدعوين لبرامج مختلفة مثل موسمي الحج والعمرة، ومهرجان الجنادرية، والمؤتمرات العلمية التي تعقد في مختلف مدن المملكة. لكن هل يمكن أن ننظر في برنامج الزائر الدولي وأهدافه وطريقة تنفيذه فنفيد منه (فالحكمة ضالة المؤمن). وقد علمت أن مجلس العلاقات العربية الأمريكية بالتعاون مع المملكة سيدعو مجموعة من أساتذة الجامعات الأمريكية لزيارة المملكة خلال الشهر القادم، فهل نظمنا لهم لقاءات مع بعض أساتذة الجامعات السعودية ورجال الفكر ليتعرفوا إلينا عن قرب بدلاً من أن تكون معلوماتهم عنا من بعض الصحافة أو الإعلام المغرض ؟(1/95)
وهاهي مناسبة كريمة أن أقدم هذا الاقتراح ويتلخص في أن يكون لبعض الضيوف الرسميين في مواسم الحج والعمرة أو غيرها مرافقون من أساتذة الجامعات حسبما يسمح به وقتهم إما بمقابل أو تطوعاً، أو أن يتم ترتيب لقاءات لهؤلاء الضيوف في موسم الحج مع نظرائهم في المملكة لنفيد من خبراتهم وليتعرفوا إلى بلادنا والإنجازات الحضارية الكبيرة والكثيرة التي تمت على مدى سنوات قليلة. فليس الإعلام مجرد صحيفة أو برنامج إذاعي أو تلفازي بل من الإعلام والدعوة الاتصال الشخصي الذي قد يفعل أحياناً مالا تفعله آلاف الكلمات والخطب
رابعاً : إيجابيات متفرقة
... ... ... ... ...
... طالما انتقدنا الغرب وبحثنا في وعن سلبياته وأشبعناها حديثاً في كتاباتنا وفي مقالاتنا وفي خطبنا وفي مجالسنا. ألم يأن الأوان أن نبحث في بعض الإيجابيات التي نعرف أنها موجودة هناك؟ ونحن نردد دائماً (الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها) ولنتذكر قول عمرو بن العاص رضي الله عنه في وصف الروم: " إن فيهم لخصالاً أربعاً : إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، و أوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة وأمنعهم من ظلم الملوك" رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة.
... فهل يمكننا أن نفكر في إعداد برنامج إذاعية وتلفزيونية عن هذه القضايا أي إعداد حلقات عن هذه الصفات، كما يمكننا أن نعد حلقات عن الإخلاص والدقة في العمل، والالتزام بالمواعيد. وكيف استطاعوا أن يشجعوا الإبداع الفردي. يجب على الأمة الإسلامية أن تقبل التحدي فالمسألة مع العالم ليس مجرد علاقات اقتصادية متبادلة أي لدينا المال ولديهم السلعة ومن الممكن أن نشتري بفلوسنا ما نشاء، القضية أكبر من هذا. يجب أن نبدأ من نقطة معينة.(1/96)
... كم أرسلنا من أبنائنا للدراسة في الغرب وتعلموا الكثير في الغرب فعندما رجعوا إلينا كأنهم لم يذهبوا إلى هناك. وجدوا المعوقات والعراقيل فاستسلموا دون أن يقدموا الكثير منهم شيئاً يذكر. كما أن بعضهم عاد وهو لم يفهم الغرب الفهم الحقيقي بل فهمه فهماً ظاهرياً تمثل في القشور وفي حياة الفساد والترف والانحراف. وما دمنا قد أصبحنا نعقد دورات للمبتعثين فإننا يجب أن ننبهم إلى أن يفهموا المجتمعات التي سيعيشون فيها ونطلب إليهم أن يكون لهم تأثير في هذه المجتمعات وكذلك حين يعودون إلى بلادهم.
... يتطلب هذا البرنامج إجراء لقاءات مع الناس عند حدوث بعض الفتن عندهم أو بعض المصائب كالزلازل والكوارث الطبيعية. فمن الملاحظ أنهم يعملون بسرعة على تلافي أي مصيبة تحدث لهم. لقد حدثت اضطرابات في لوس أنجلوس قبل عدة أعوام ولكني أعتقد أنه لم تمر سوى أشهر حتى عادت الحياة إلى طبيعتها، وكذلك أصابت ولاية فلوريدا بعض الأعاصير (وهي وبعض الولايات الشرقية من الولايات المتحدة مهددة بهذه الأعاصير سنوياً) ولا بد أن الحياة تعود إلى طبيعتها بعد هذه الأعاصير بأسابيع.
ويمكن العودة إلى الأيام التي تلت الحرب العالمية الأولى والثانية وكيف استطاع الغرب أن يعيد بناء مدنه بسرعة عجيبة.
... ومن الموضوعات التي أعتقد أننا بحاجة إلى تعلمها العدد الهائل من الجمعيات الخيرية أو جمعيات النفع العام. فقد شحنت أوروبا وأمريكيا ملايين الأطنان من الكتب للدول الشيوعية ونحن نعلم مدى حاجة المسلمين للمصحف الشريف أو الكتب الإسلامية ولا نجد من يتبرع بكتاب. أعرف أنهم في الغرب يتبرعون بالورق ( الصحف وغيره من أنواع الورق) فتجمعه بعض الجمعيات الخيرية لصالح الكنائس. ... ...
... وبعد أن كتبت إلى مدير عام إحدى القنوات الفضائية أقترح عليه هذه الفكرة طلب منّي أن أقدم إليه بعض التفاصيل وفيما يأتي التفاصيل التي بعثتها:(1/97)
إن مما يشكو منه كثير من الموظفين في الدوائر الحكومية أنهم لا يعرفون كيفية إجراء أي معاملة أو ليس لديهم دليل لمثل هذه الأمور، كما لا يعرف حقيقة ما له وما عليه فليس هناك في أي مؤسسة دليل للأنظمة والإجراءات أو توصيف حقيقي للوظائف بينما أخذت الخطوط السعودية عن الشركات الأمريكية هذا الأمر ففيها ما يسمى دليل الأنظمة والإجراءات Manual of Procedures and Practices (MP&P) هذا الدليل يحدد طريقة إجراء كل المعاملات في الخطوط السعودية الخطوط" وهو بلا شك ييسر العمل في الخطوط فكل إجراء له خطوات محددة لا بد من اتباعها. كما أنه يحدد طريقة وضع أي توصيف لأي وظيفة فيبين حدود الواجبات والصلاحيات. كما أن العلاقات بين الموظفين ورؤسائهم تخضع كثيراً لنظام الخدمة المدنية الذي لا يعرفه معظم الموظفين. ولا بد أن أرامكو والشركات التابعة لها فيها مثل هذه الأدلة التي توضح الإجراءات.
... ومن النماذج الأخرى التي يمكن أن يكون لنا فيها دروس جيدة ما يأتي: ... ...
البريد الداخلي للخطوط السعودية . لابد أن الخطوط السعودية قد أخذت بهذا النظام من شركة تي دبليو إي TWA الأمريكية . وهذا البريد يتطلب وجود أظرف عليها العديد من الخانات فتوضع الرسالة في الظرف ويكتب عليه اسم الإدارة ومركز التكلفة ، ثم إذا وصل إلى الإدارة المعنية وأرادت إرسال خطاب إلى جهة ما شطبت الاسم الموجود وكتبت الاسم الجديد. ولعل البريد الإلكتروني هذه الأيام حل كثيراً مشكلة إرسال الخطابات بين الإدارات، وربما حلّها أيضاً وجود الفاكس.
وفيما يتعلق بالبريد أيضاً فإن الخطوط السعودية ولها في جدة ما يزيد على عشرة آلاف موظف ليس لديها سوى صندوق بريد واحد أو اثنين هما 620 و167 بينما لبعض الجامعات أو حتى الصحف عدد من الصناديق.(1/98)
وإذا وصلت مادة بالخطأ إلى جهة فإنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل إيصالها بسرعة إلى الجهة الصحيحة. فلو حسبنا عشرين صندوق بريد في إحدى الجامعات فإنها تحتاج إلى إرسال عشرين مراسلاً خمسة مرات في الأسبوع لكان لدينا مائة مشوار فكم ستكلف مثل هذه المشاوير من جهد بشري واستهلاك بنزين وسيارات وجهد موظفين في البريد وأجور وغير ذلك.
الجامعات وتسهيل الإجراءات: تعرفت في أثناء بحثي للماجستير والدكتوراه على الإجراءات الميسرة في المكتبات الأجنبية في أوروبا وأمريكا بينما مازلنا نعيش تعقيدات لا أول لها ولا آخر. فحين ذهبت إلى المكتبة الوطنية في بلد عربي كان لابد من مقابلة أمين المكتبة الذي لا يحضر إلاّ متأخراً وقد لا يحضر بعض الأيام. وبعد اللقاء وقيامه بالتحقيق معي حول بحثي أعطاني التصريح بالاطلاع على المواد التي أرغب الاطلاع عليها. أما في المكتبة الوطنية في باريس فهناك موظفة قريبة من الباب تطلع على ما لديك من وثائق ثم تعطيك التصريح اللازم.
أما بالنسبة للوثائق ففي مديرية الوثائق يوجد عناوين للوثائق في كل علبة ولا يسمح لك بالاطلاع على العلبة كاملة بل تعطى وثيقة واحدة في كل مرة. أما في الأرشيف الوطني الفرنسي لما وراء البحار فكان الأمر أسهل بكثير حيث تعطى العلبة كاملة تتصفحها وتصور ما تشاء.
سكرتارية الأقسام العلمية في الجامعات: يمكننا أن نتعلم من الغرب في المجال الجامعي حيث لكل قسم سكرتارية تقوم بخدمة الأستاذ من حيث المراسلات واستقبال المكالمات وترتيب المواعيد وطباعة بعض الأوراق أو تصوير الأوراق. فما ذا يحصل الأستاذ الجامعي في جامعاتنا؟ إنني أستغرب أن بعض الجامعات في الطفرة اهتمت بشراء المكاتب الفخمة والإنفاق على بعض الأمور بدل أن يضعوا أسساً للإنفاق على التعليم الجامعي بكرم حقيقي.(1/99)
تقويم التعليم العام والتعليم الجامعي : تقوم جهات محايدة في الغرب على تقويم الجامعات وكذلك التعليم العام وقد تعجبت جهة أجنبية أن المؤسسة التي تقوم بتقويم التعليم العام في بلادنا تابعة لوزارة المعارف. وقد كتب الدكتور سالم سحاب عن تقويم الجامعات ومؤسسات التقويم Accreditation ونحن بحاجة إلى مثل هذا ، صحيح أن مثل هذه المؤسسات قد تفضح كثيراً من الأوضاع الخاطئة ولكن إذا أردنا اليقظة الحقيقية فعلينا مواجهة الحقائق.
في المجال التجاري: لقد استحدثنا قانون ( البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) بينما جاء في الحديث الشريف ( من أقال أمرؤا بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة)، فلو تعرفنا إلى بعض الإجراءات التي يتعامل بها الغرب في البيع والشراء وحاولنا تأصيلها إسلامياً فالناس درجوا على أن يحبوا ما يأتي من الغرب فليكن ذلك شريطة أن نعرف أصولنا معرفة صحيحة.
... هذه نماذج مما يمكن أن نتعلمه من الغرب وهي تحتاج إلى جهود كبيرة لتوضيحها، وليت وسائل الإعلام تأخذ على عاتقها مسؤولية ذلك.
الخاتمة
تناول هذا البحث مسألة معرفة الآخر وعرض لبعض الظواهر الاجتماعية في الغرب. وكانت نقطة الانطلاق هي تحديد هوية " الذات" أو " الأنا" و " الآخر" من خلال الرجوع إلى آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وأوضحنا كيف أن الحضارة الإسلامية قد شُيِّدت بعقول وسواعد وإبداع شعوب أدركت موقعها من العالم . أدرك المسلمون أنهم أمة " الشهادة" وأمة "الدعوة" والشاهد لا بد أن يعلم موضوع شهادته. والداعية لا بد أن يعرف البيئة التي سيدعو فيها. لذلك درس المسلمون الحضارات الأخرى وفهموها فسهل عليهم التعامل معها.(1/100)
ونحن نعيش في عصر تهيمن فيه الحضارة الغربية فلا بد لنا أن نعرفها معرفة حقيقية ، وقد توصل بعض المثقفين المسلمين إلى معرفة الحضارة الغربية معرفة عميقة ومن هؤلاء طارق البشري الذي يقول :" إن الحضارة الأوروبية الأمريكية لا تعترف بغيرها ،و لا تتيح بالتالي إمكانية الحوار الذي يسهم بهضم و استيعاب قيم وخبرات مستمدة من حضارات أخرى."(1)
__________
(1) -محمد سيد أحمد." الحضارة الغربية لا تعترف بغيرها، ولا تتيح الحوار معها." في الرياض، ع 10032، 21 رجب 1416،(21ديسمبر 1995) تقرير عن ندوة فكرية عقدت في القاهرة بعنوان (صراع الحضارات :نظرة جديدة للشرق.) وقد كتب الدكتور يوسف نور عوض في صحيفة المدينة المنورة، عدد( 12548) في 19ربيع الآخر 1418(22أغسطس1997م. يشير إلى ما ظهر في الغرب مؤخراً من الاهتمام بالمغني المشهور إلفس برسلي الذي هلك منذ اكثر من عشرين سنة وعرف بالإدمان على المخدرات وغيرها من الآثام بأن الغرب يروج لهذه الصرعة باعتبار إلفيس قديساً. ويرى الدكتور عوض أن في الغرب قوى تحاول تشويه ثقافات العالم ومعتقداته الدينية من اجل إحكام السيطرة على العقل الإنساني.(1/101)
ولئن كان هذا صحيحاً لا ينبغي أن يثبط همتنا في الحرص على عرض ما لدينا من علم وهداية ونور عملاً بقول الله عز وجل{ ادع إلى سبيل ربط بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن. (1) هذا الأمر للوجوب وكما يقول علماء التفسير إذا أطلق الأمر هو للوجوب ما لم يصرفه صارف ، أو تأتيه قرينة تصرفه عن حالة الوجوب إلى الندب.، والحكمة تقتضي الاعتدال في الخطاب فلا ننزلق إلى -كما فعل دعاة الشيوعية والاشتراكية أو اليسار العربي- استعداء الغرب بأساليب فجة ، واستخدام وسائل الإعلام للعنتريات الفارغة . وقد كانت قواميس شتائم اليساريين تحتشد بربط الغرب بالامبريالية والاستعمار واستغلال الشعوب واستعبادها. وكأني بهؤلاء مثل الأعرابي الذي سرقت منه إبله فعاد يقول:" أوسعتهم شتماً ، وذهبوا بالإبل" وفي هذا يقول عبد القادر طاش:" إن الحاجة ماسّة الآن لإعادة النظر في الخطاب الإسلامي المعادي للغرب وترشيده وإعادة التوازن لكيلا نفاجأ يوماً بانزلاق الطرفين إلى صدام مدمر يقودنا إليه ذلك الشحن الأيديولوجي الأعمى من قبل الغلاة هنا وهناك."(2)
__________
(1) -سورة النحل آية 125
(2) -عبد القادر طاش، " المغالاة في عداوة الغرب"، في المدينة المنورة، عدد 12135،15 صفر 1417هـ( 1يوليه 1996م)(1/102)
والمعرفة اليوم لا تبنى من زيارة عاجلة أو قراءة عدة كتب عن الغرب أو المكوث في الغرب عدة سنوات للتحصيل العلمي للدراسات العليا وبخاصة إذا اختار الباحث أطروحة تخص البلد الذي ينتمي إليها. لقد تطورت أساليب المعرفة ووسائلها ولا يمكن تحقيقها إلاّ من خلال الدرس العميق والبحث الجاد الرصين ، ودراسة الظواهر الاجتماعية والفكرية للعالم الغربي. ولا بد أن تكون أهدافنا واضحة لا نبحث عن طريقة لاستعمار أراضيهم واستغلال خيراتها وكما قال أحد الخلفاء حينما أراد أن يبقي الجزية على من أسلم من أهل الذمة: " إنما بعث محمد صلى الله عليه وسلم هادياً ولم يبعث جابياً"(1)
وانتقالنا من ذات موضع الدرس إلى ذات دارس إنما هي خطوة في الطريق لنأخذ مكاننا الصحيح في هذا العالم، وذلك من أجل الوصول إلى حوار هادف وبنّاء مع الغرب لا بد أن نتفق فيه على " المصطلحات والمفاهيم والدلالات وذلك لتحرير الغرب من خطر مزعوم."(2) وهذا ينتقل بنا إلى ما قاله فؤاد صادق مفتي عن دور " المدافع" وممارسة "رد الفعل" على كل فعل يصدر عن الآخر دون أن يكون لنا استراتيجية واضحة للتفاعل مع هذه التطورات المحتملة والتأثير فيها قبل أن ترغمنا على التأثر بها أو "الإذعان " لنتائجها بكل سلبياتها."(3)
يجب أن ننظر إلى الآخر (الغرب) على أنه أفاد من معطيات الحضارة الإسلامية والحضارات السابقة وبنى مؤسسات فاعلة في شتى المجالات الفكرية والثقافية والسياسية والعسكرية والعلمية وباستطاعتنا أن نفيد من تنظيمه لهذه المؤسسات فائدة عظيمة إذا ما قمنا بدراستها دراسة واعية.
__________
(1) - هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى .
(2) - السيد ولد أباه، " الإسلام والغرب واجب الحوار وحق الاختلاف." في الشرق الأوسط ،ع5989،24 ذو القعدة 1415هـ ( 24أبريل 1995م).
(3) -فؤاد صادق مفتي." نعم للحوار ..لا للمواجهة." في الشرق الأوسط ،ع 5454،3نوفمبر 1993م.(1/103)
أما الظواهر الاجتماعية التي قدمتها في الصفحات السابقة فقد غلب عليها الطابع السلبي وهو ليس مقصوداً وذلك أن الغرب كما ذكر مؤرخوه وفلاسفته يمر بطور التراجع والانحدار فلا بد للسلبيات أن تطغى وأن تكون أظهر من الإيجابيات. ومع ذلك فثمة إيجابيات يعرفها من عاش في الغرب ويدركها من يرى استمرار هيمنة الغرب في المجالات السياسية والعسكرية والثقافية. ومن هذه الإيجابيات أن العلم مازال يحتل مكانة بارزة لديهم فهذه الجامعات الغربية تحتل مكان القمة في الجامعات العالمية ولديهم مراكز البحوث والمعاهد العلمية التي ما تزال تغري أبناء العالم النامي (الثالث) بالسعي للالتحاق بها والدراسة فيها والعمل فيها تاركين أوطانهم التي أنفقت الكثير عليهم مضحين بالسكنى في الوطن قريباً من الأهل والأحباب.
بينما نحن في العالم الثالث(النامي) لدينا الكثير من حوافز لاحترام العلم والعلماء وتقدير دور العلماء كما توضح ذلك النصوص المقدسة ومنها قول الله عز وجل:{ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }(1)ويعطي الإسلام العلم مكانة رفيعة حتى في الحرب ومن ذلك قول الله تعالى{ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم}(2)
__________
(1) -سورة المجادلة آية 11.
(2) -سورة التوبة، آية 122.(1/104)
والحضارة الغربية مهما كانت إيجابياتها وتفوقها لكنها كغيرها من الحضارات والغرب كغيره من الشعوب والأقوام يخضع لسنن الله عز وجل . فمهما زعم الزاعمون أن الغرب يمارس النقد الذاتي وهو الذي يعطى لهذه الحضارة حيويتها و" ديناميتها" وكما يقول أحدهم:" وأن هذا يكذب سلفاً كل النبوءات حول وشكان موتها."(1) فإن هذا الزعم لا سند له من الواقع والتاريخ. فإن سنة الله ماضية فإذا بلغ انحرافهم وفسادهم وضلالهم الدرجة التي توجب غضب الله والتدمير فلن يرد بأسه سبحانه وتعالى مهما ملك الغرب من قوة، فهؤلاء الفراعنة الذين بنوا الأهرامات التي ما زال العلم الحديث يتعجب كيف استطاعوا نقل تلك الأحجار الضخمة ولم يكن لديهم الرافعات الهيدروليكية أو غيرها من التقنية الحديث، وهذه مدائن صالح ذات القصور في الجبال، بأي وسيلة نحتوا تلك الجبال؟ ونحن نؤمن بقول الله عز وجل {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد بطشاً}(2) وقول الله سبحانه وتعالى{ فأهلكنا أشد منهم بطشاً ومضى مثل الأولين}(3) وقول الله تعالى: {أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}(4)
__________
(1) - جورج طرابيشي." الغرب ينهار، أم أن الحديث عن انهياره قوة له؟" في الحياة ،ع 1203، 7رمضان 1416(4فبراير 1996) وقد كتب كاتب سعودي قبل عدة أعوام بعنوان (هل إن الغرب يسقط) قدم المزاعم نفسها وهي أن الغرب يمارس النقد الذاتي، وشاء الله أن أرد عليه بمقالتين بعنوان " موازيننا وموازينهم في سقوط الحضارات " في المدينة المنورة ،ع8943،3جمادى الأولى 1412،و عدد 8950 في 10 جمادى الأولى1412.
(2) -سورة ق آية 36.
(3) -سورة الزخرف آية 8.
(4) - سورة الروم آية 9.(1/105)
تناولت فيما سبق تعريف الأخر، وأوضحت الموقف الإسلامي من الآخر من خلال آيات القرآن الكريم واهتمامه أولا بمعرفة الذات وتحقيق الذات ثم الانطلاق لمعرفة الآخر على أسس شرعية، وأفدت في ذلك كثيراً من محاضرة الدكتور جعفر شيخ إدريس التي ألقاها في الرياض في شهر شوال من هذا العام.
وأوضحت حرص الغرب على معرفة الذات وانطلاقه لمعرفة الأخر، ومن هذا الآخر العالم العربي الإسلامي، وأشرت إلى تأخرنا في الوقت في معرفة الذات بله معرفة الأخر.
وفي القسم الثاني اخترت بعض الظواهر الاجتماعية وحرصت أن تكون مراجعي ما صدر عن الغرب بنفسه.
وقد أضفت في الطبعة الثانية قسماً ثالثاً تناول بعض الإيجابيات في المجتمعات الغربية وكان أولها اهتمام الغرب بالبحث العلمي وبدلاً من اللجوء إلى الأرقام والإحصائيات قدمت أنموذجاً خاصاً وهو مؤسسة راند للبحث العلمي وأوضحت بعض خصائص هذه المؤسسة ومزاياها. ثم تحدثت عن مؤسسة المجتمع المفتوح التي كان هدفها انتشال الدول الشيوعية ودول أوروبا الشرقية من الانغلاق ودعوة تلك الشعوب إلى الانفتاح على العالم، ثم كان الحديث عن برنامج الزائر الدولي كوسيلة يستخدمها الأمريكيون لمعرفة الشعوب الأخرى، ثم الحديث عن إيجابيات متفرقة.
وهذا الموضوع في حقيقته يحتاج إلى جهد أكبر ووقت أوسع، فقد تركت كثيرا من المادة العلمية التي توفرت لدي حيث لم أجد متسعا لذكرها كما أن هذا الموضوع يستحق أن يكون موضوع عدد من الرسائل العلمية.
المصادر والمراجع
أولاً: العربية
المصادر
1- القرآن الكريم
2- كتب السنة المطهرة.
المراجع: كتب ومقالات
1- أحمد، محمد سيد." الحضارة الغربية لا تعترف بغيرها، ولا تتيح الحوار معها." في صحيفة الرياض.ع(10032)21رجب 1416(21/12/1995).
2- إدريس، جعفر شيخ." موقفنا من الحضارات والأديان الأخرى:رؤية شرعية." في الشرق الأوسط.ع( 6311و6312)في 9و10 مارس 1996. ونشرت المحاضرة ضمن مطبوعات الحرس الوطني.(1/106)
3- أمين، عوض عباس. "آفاق مركز الدراسات الأمريكية في العالم العربي." في الشرق الأوسط.ع( 6479)،10 ربيع الآخر 1417، (24أغسطس 1996م) (بريد القراء)
4- باترسون، جيمس ،وبيتر كيم. يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة. ترجمة سعود بن محمد البشر.(الرياض، 1414).
5-بار، كاميرون."الاستغلال الجنسي للصغار." في الشرق الأوسط.ع(6482)،13 ربيع الآخر 1417(27 أغسطس1996م)
6- البشر، سعود بن محمد.السقوط من الداخل:ترجمات ودراسات في المجتمع الأمريكي.(الرياض:دار العاصمة 1414)
7-بيجوفيتش، علي عزت .الإسلام بين الشرق والغرب.ترجمة محمد يوسف عدس(الكويت وأمانيا: مجلة النور ومؤسسة بافاريا)1414هـ
8-تقي الدين، رندة،" فرنسا قبل ستة أشهر من انتخابات الرئاسة: فضائح وفوضى." في الحياة.ع(11976)32جمادى الأولى 1415(28 أكتوبر 1994م)
9- جريشة، على محمد.شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها. (القاهرة: مكتبة وهبة 1977)
10-حسين، آصف.صراع الغرب مع الإسلام:استعراض للعداء التقليدي للإسلام في الغرب.ترجمة مازن مطبقاني ( تحت الطبع)
11-حمدان، عاصم." الأوروبيون والخصوصية الثقافية." في المدينة المنورة.ع (9698)24جمادى الآخرة1414(27 ديسمبر 1993م)
12- حنفي، حسن .مقدمة في علم الاستغراب.(بيروت: الدار الجامعية للنشر، 1412-1992)
13- الحياة.ع(11975)13رجب 1416(15ديسمبر 1995)
14- ==.ع(11729)2ذو القعدة 1415(2أبريل1995م)
15 -==.ع(11198)15ربيع الآخر 1415، (11أكتوبر 1993)
16-==، ع(12145)10 محرم 1417(27مايو 1996م)
17-==، ع(11579)31أكتوبر 1994م.
18- الخشت، محمد عثمان." الإسلام والغرب:من الصراع إلى الحوار." في الحياة، ع( 12103)26ذو القعدة1416(14يناير1996م)
19- الراشد، عبد الرحمن." أصيلة ومشروع المركز الأمريكي." في الشرق الأوسط.ع( 6466)27ربيع الأول1417(11أغسطس1996).(1/107)
20- زريق، قسطنطين،" حضور أمريكا في الذهن العرب، والحضور العربي في الذهن الأمريكي."في الحياة، ع(12134)28ذو الحجة1416(16مايو1996)
21- الزهراني، عبد العزيز عطية." وجموا وهم جاهلون." في رسالة الجامعة.(جريدة تصدر عن جامعة الملك سعود)ع (547)25 جمادى الآخرة 1415
22-الزين، رلى." حملة فرنسية ضد الهيمنة الثقافية الأمريكية." في الحياة،ع(1178)5 ربيع الآخر 1414، (21سبتمبر 1993م)
23- سحاب، سالم،" الرأسماليون القتلة والأثرياء البررة" في صحيفة المدينة المنورة.ع (12039)، 8ذو القعدة 1416، (27مارس 1996م)
24- سعيد، إدوارد. تعقيبات على الاستشراق. ترجمة صبحي حديدي.(عمان:دار الفارس، 1996)
25- ==. مقالة في الحياة، عدد(12182)17صفر 1417(3يوليه1996)
26- شارن، لوري وبوب منزيسهايمر." البيض شعب الله المختار." في الشرق الأوسط.ع( 6343)2ذو القعدة 1416(10أبريل 1996) عن جريدة لوس أنجلوس تايمز.
27-الشافعي، محمد " حمل الأسلحة في المدارس البريطانية." في الشرق الأوسط.ع(6379)28 ذو الحجة 1415(16مايو 1996م)
28-الشاهد، السيد محمد، " الاستغراب "في مرآة الجامعة(صحيفة تصدرها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)ع( 120)20جمادى الأولى 1410.
29 - ==." المواجهة حضارية.. والنقد لا يكفي." في المسلمون.ع (270) 11-17رمضان1410(6-12أبريل 1990).
30-شبيب، نبيل، " الحضارة في غياب القيم:التقدم إلى الخلف." في المسلمون، ع(374)1شوال 1410م.
31-شفيق، مدحت- ميلانو والوكالة الفرنسية من استكهولم." مؤتمر استكهولم يناقش أبشع الجرائم وأكثرها وحشية." في الشرق الأوسط.ع(6483)،14ربيع الآخر 1417(28أغسطس1996)
32- الشرق الأوسط.ع(5667) 25ذو الحجة 1414(4يونيه 1994)
33-==." أول معهد للدراسات الأمريكية."ع( 6465)26ربيع الأول 1417(10أغسطس1996م)
34==،" 26دولة تشارك في مؤتمر مكافحة استغلال الأطفال جنسياً."ع(6482)13ربيع الآخر1417(27أغسطس1996م)(1/108)
35- ==، عدد(6406)26محرم 1417(12يونيه1996م).
36-==.ع(6473)4ربيع الآخر 1417(18أغسطس1996م)
37-صالح، هاشم." علم الاستغراب لا يضير الغرب بل يرتد علينا بأفدح الأخطار." في الحياة،ع(11740)13ذو القعدة 1415(13 أبريل 1995م).
387- صلاح الدين، محمد. " الديموقراطية الصليبية." في صحيفة المدينة المنورة.ع(12140)20صفر 1417(6يوليو 1996م).
39-==، الحجاب غزو ثقافي بدوي؟!" في المدينة المنورة ع(11467)16ربيع الأول 1415(23أغسطس 1994)
40- ==."جرائم ضد النساء." في صحيفة المدينة المنورة.ع(9717)12ربيع الأول 1412.
41-طاش، عبد القادر." الدراسات الأمريكية" في صحيفة المدينة المنورة.ع(12180)1ربيع الآخر 1417(15أغسطس1996م)
42-==." مصادمة الفطرة." في صحيفة المدينة المنورة.ع(11711)29ذو القعدة 1415(29أبريل 1995)
43-==." مزاعم ينقضها الواقع." في صحيفة المدينة المنورة.ع(11933)15رجب 1416،(7ديسمبر 1995م)
44-==." المغالاة في عداوة الغرب." في صحيفة المدينة المنورة.ع(12135،15صفر 1417(1يوليه 1996م.)
45-طرابيشي، جورج." الغرب ينهار أم أن الحديث عن انهياره قوة له؟" في الحياة، ع(12130)7رمضان 1416(4فبراير 1996م)
46-طربوش، سوزانا." بلجيكا في حالة ذهول." في الحياة.ع (12230)6ربيع الآخر 1417(20 أغسطس1996م)
47-علكيم، حسن حمدان." العرب وأمريكا والنظام العالمي الجديد." في المجلة العربية للدراسات الدولية، عدد 3/4، السنة الرابعة، صيف /خريف 1993، ص 5-27.
48- عمارة، محمد. مكانة الإسلام في صياغة نموذجنا الثقافي." في الحياة.ع (12224)3 ربيع الآخر 1417(4 أغسطس1996م).
49-فندي، مأمون." الجذور الثقافية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه العرب والمسلمين." في مجلة المجتمع(الكويت) ع(12139) 5ربيع الآخر 1417(20 أغسطس1996) ص31-32.
51- مدير، عصام وانس فودة." مجلة أمريكية تفضح أجواء العمل المختلط." في المسلمون.ع(601)25ربيع الآخر 1417(9أغسطس 1996م)(1/109)
52-مفتي، صادق."نعم للحوار…لا للمواجهة." في الشرق الأوسط.ع 5454، 3نوفمبر 1993.
53-المودودي، أبو الأعلى. الحجاب. (جدة: الدار السعودية للنشر 1405-1985)
54-مطبقاني، مازن." موازيننا وموازينهم في سقوط الحضارات" مقالتان، في المدينة المنورة ع (8943و8950)في 3و10 جمادى الأولى 1412.
55- ==.جامعة الإمام سبقت ندوة أصيلة." في صحيفة المدينة المنورة،ع (12189)10 ربع الآخر 1417(24أغسطس1996م)
56-==.الغرب في مواجهة الإسلام.( المدينة المنورة: مكتبة ابن القيم، 1409) صدرت طبعة ثانية عن مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمدينة المنورة 1418.
57-==." بل لابد من دراسة الغرب ونقده." في صحيفة المدينة المنورة.ع(11256)13شعبان 1414(24يناير 1994)
58-==." دراسة الاستشراق وريادة جامعة الإمام1."في المدينة المنورة.ع(11396)4محرم 1415(13يوينه 1994م)
59- ==." دراسة الاستشراق و ريادة جامعة الإمام 2" في المدينة المنورة ،ع (11403)11محرم 1415.
60-==." كلية الدراسات الأوروبية" في المدينة المنورة.ع (11410)18محرم 1415(27يونيه1994 )
61-==" متى نخضعهم لدراستنا؟" في المدينة المنورة.ع (11534)24جمادى الأولى1415( 29 أكتوبر 1994)
62-==." أ تواصوا به (التنوير المزعوم)" في المدينة المنورة.ع(9536)8محرم 1414.
63-==" ماذا لو تفسحوا في مجالسهم؟" في المدينة المنورة، ع(11592)24رجب 1415(26ديسمبر 1994م)
64- ==" أيام في واشنطن،"ست حلقات .في المدينة المنورة.الأولى في عدد (11872)13جمادى الأولى 1416(7 أكتوبر 1995)
65-==" يومان مع الصحن الهوائي" في المدينة المنورة.ع(9704)30 جمادى الآخرة 1414(3ديسمبر 1993)
66-==."الأخذ بالثأر على الطريقة الإنجليزية." في عكاظ ع(9956)21جمادى الأولى 1414(5نوفمبر 1993م)
67-=="العنف رغم أنوفهم." في المدينة المنورة،ع (11597)29 رجب 1415(31ديسمبر 1994)(1/110)
68-منقذ، أسامة. الاعتبار. تحقيق قاسم السامرائي(الرياض:دار العلوم 1407
69- نور الدين، محمد." أبواب المجلة الجديدة تبالغ في التركيز على الديموقراطية وتنفي الأصولية "في الحياة.ع(11513) 19 ربيع الأول 1415(26 أغسطس 1994م)
70- نيكسون ، ريتشارد. ما وراء السلام. ترجمة مالك عباس.(عمّان:الأهلية للنشر، 1995)
71- هويدي، فهمي." الطفولة المفترسة." في مجلة المجلة.ع (835)17فبراير 1996.
72- وقيع الله، محمد." اضطرابات لوس أنجلوس." في مجلة الإصلاح.(الإمارات العربة المتحدة)ع (178)14مايو 1992.
73- ولد أباه، السيد." التطرف ظاهرة موجودة في الغرب أيضاً." في الشرق الأوسط.ع (6312)20 شوال 1416(10مارس 1996م)
74-==" الإسلام والغرب واجب الحوار وحق الاختلاف." في الشرق الأوسط.ع(5989)24ذو القعدة 1415(24 أبريل1995م)
75- اليحياوي، عبد الحميد. " تقلص عدد الشبان دون العشرين في أوروبا." في الشرق الأوسط.ع (6307)15شوال 1416(5مارس 1995)
76-==" بلجيكا تودع ضحيتي الاعتداء الجنسي." في الشرق الأوسط.ع (6478)9 ربيع الآخر 1417(23 أغسطس 1996م)
ثانياً : المراجع الأجنبية:
1- abdul-Fattah, Nabil and Halah Mustafa. “ Western Democracy and Islamic Movements in the Middle East.” A Paper of two parts presented in The Fisrst International Conference on Islam and the Twenty first Century. Leiden, June4-7, 1996.
2-Arab News Newspaper, August 4, 1996.
3- Blankenhorn, David. Fatherless America: Confronting Our Most Urgent Social Problem.(New York: Basic Books, 1995)
4-Crichton, Sara. “Sexual correctness: Has it gone too Far?” in Newsweek. October 25,1993.
5- D’Souza Dinesh. “Is Racism a Western Idea?” in the American Scholar. Autumn 1995.pp. 517-541.
6- The Economist, June 8th, 1996.(1/111)
7- Freedland, Janatan. “Battle of the Bottle Breaks Out.” In the Guardian Weekly, June 9th, 1996.
8- Frenchette, Mark and Peter Conradi. “ Europe’s roaring trade in sex slaves.” In The Sunday Times, June 9th, 1996.
9-Ford, Richard. “Women Fail to Report Sex Attacks.” In The Times, July 9th, 1994.
10- Fromm, Erich. The Sane Society. (New York: Henry Holt&Co. 1990)
11-General House Hold Survey (London: Government Printing Press, 1993)
12- Gibson, Helen. “The Banality of an Evil Woman.” In The Times, December 4th, 1995.
13-Greenberg, Susan. “Children for Sale.” In The Arab News .August 27th, 1996.
14-The Guardian Weekly. Vol.154, June 23ed, 1996.
15- Hansen, Thomas and Frank Macchiarola. Confronting America’s Moral Crisis.(New York: Hasting House, 1995)
16- Jansen Johannes. “ The Failure of the Liberal Alternative .” in The First International Conference on Islam and the Twenty First Century: Programmes and Abstracts(Leiden: University of Leiden ,1996)
17- Levin, Bernard. “America Loses its Liberty.” In The Times, August 12th, 1994.
18- Medved, Michael. Hollywood Vs America.( New York: Harper Pernnial ,1993)
19- Murray, Ian. “Marriage rate Slumps as more Choose Single Life.” In The Times, April 29th, 1993.
20- Murray, William. Let Us Pray: A Plea for Prayer in Schools.( New York: Willion Marrow 1995)
21- Newsweek, September 20th, 1993.
22- Rogers, Noel. “Zero Tolerance and Britain Proposal for Youth Curfew.” In Saudi Gazette, No.6925, June 17th, 1996.
23- Scott-Clark. “Scourge of the Bullies Brings Fear to School.” In The Sunday Times, June 9th, 1996.(1/112)
24- The Sunday Times, July 31st, 1994.
25- The Times, July 9th, 1994.
26- =. July 12th, 1991.
27- =. July 21st, 1994.
28- The Wall Street Journal. September,7th, 1995.
29- Toffler, Alvin. Future Shock. (New York: Batnam Books 1971)
30 - The Washington Post. September 3ed, 1995.
31- =. September 8th, 1995.
32- White, Lesley, The Times, July 9th, 1996.
فهرس المحتويات
مقدمة ... ... ... ... ... ... ...
القسم الأول: المعرفة بالآخر ... ... ... ... ...
أولاً:الآخر في القرآن الكريم والسنة الشريفة ... ...
ثانياً: الدعوة إلى دراسة الغرب ... ... ...
القسم الثاني
تعريف الظواهر الاجتماعية ... ... ...
أولاً الأسرة: الزواج والطلاق وعدد الأفراد ...
الأسرة في الولايات المتحدة ... ... ...
الأسرة في ألمانيا ... ... ... ... ...
ثانياً: الأطفال والجريمة ... ... ... ...
حمل السلاح والعنف ... ... ... ...
حظر التجول ... ... ... ... ...
الجرائم ضد الأطفال ... ... ... ...
جرائم الاستغلال الجنسي ... ... ... ...
ظاهرة تشغيل الأطفال ... ... ... ...
ثالثاً: الجريمة في المجتمعات الغربية ... ... ...
الاغتصاب ... ... ... ... ...
اغتصاب الذكور ... ... ... ...
الرقيق الأبيض ... ... ... ... ...
محاولات القضاء على الجريمة ... ... ...
رابعاً: العلاقات الاجتماعية ... ... ...
التفرقة العنصرية ... ... ... ... ...
خامساً: الأخلاق ... ... ... ...
الأخلاق والسياسة
أمريكا والسجون ... ... ... ...
تطلعات إلى الخير
القسم الثالث: جوانب إيجابية من الغرب
البحث العلمي: مؤسسة راند أنموذجاً
مؤسسة المجتمع المفتوح
معرفة الآخر– برنامج الزائر الدولي
إيجابيات متفرقة.
الخاتمة. ... ... ... ... ... ...
المصادر والمراجع.
-العربية ... ... ... ... ... ...
-الأجنبية ... ... ... ... ... ...(1/113)