الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
العنف في نطاق الأسرة
من خلال واقع الأسرة المهاجرة
أو المقيمة في الغرب
إعداد
محمد صلاح الدين المستاوي
عضو المجلس الإسلامي الأعلى تونس
بسم الله الرحمان الرحيم
العنف في نطاق الأسرة من خلال واقع الأسرة المهاجرة
(المقيمة في الغرب)
حرص الإسلام على رعاية الأسرة ودعم أسسها وأركانها وأرادها قوية متينة لأن في قوتها وسلامتها قوة المجتمع وسلامته لأجل ذلك حرصت تشريعات الإسلام وأحكامه على تركيز لبناتها وسمت بالعلاقة التي تربط بين أفرادها فجعلتها فوق الغايات والمصالح المادية وإن كانت هذه الغايات وتلك المصالح تتحقق لكل أفراد الأسرة من باب الحاصل غير المقصود.
ولأن موضوع هذا البحث لا يتعلق بالأسرة في الإسلام ولا بجانب تشريعي معين من تشريعات الإسلام في مجال الأحوال الشخصية إلا إنني أجد نفسي مضطرا إلى الإشارة العابرة إلى روح التوجيهات الإسلامية في هذا المجال لأنطلق منها إلى موضوع التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة المقيمة في ديار الغرب إذ لعل هذه التوجيهات الإسلامية النيرة تساعد الأسرة المسلمة هناك إن هي عادت إليها في تخطي كثير من المشاكل ومواجهة عديد التحديات وتجاوزها بسلام.
إن القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة يزخران بالنصوص المذكرة بالحقائق الأولية من مثل قوله تعالى: [يا أيها اللذين آمنوا إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم] (الحجرات 13). ومثل قوله تعالى : [والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة] (النحل 72). أو قوله تعالى: [ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون] (الروم 21).(1/1)
إن لاجتماع الزوجين: الذكر والأنثى غاية تتعدى تلبية الحاجات الغريزية الشهوانية إلى الإنجاب الذي به يتواصل عمران هذا الكون. والبنون والحفدة هم ثمرة ود ومحبة وصفاء ووئام جعله الله بين قلبي الزوجين حتى أصبح كل منهما سكنا للآخر أو كما عبر القرآن في موضع آخر: [هن لباس لكم وانتم لباس لهن] (البقرة 187). وهل هنالك شيء أقرب للإنسان من لباسه؟
والزوجة الصالحة في منظار الإسلام هي التي بين صفاتها الرسول صلى الله عليه وسلم: [تنكح المرأة لما لها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك] (البخاري).
والزوج الصالح هو ذلك الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: [إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد كبير] (الترمذي والحاكم)
وبين الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين صفات الزوجة الصالحة فيقول: [إنها تلك التي إذا غاب زوجها حفظته في نفسها وماله وإذا أمرها أطاعته وإذا نظر إليه سرته]
ويجعل الرسول صلى الله عليه وسلم من أسباب سعادة المرأة وإحرازها على رضوان الله تبارك وتعالى طاعتها لزوجها فيقول في حديث شريف: [إن المرأة إذا صلت خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت الجنة] (أحمد والطبراني)
وسوف لن استرسل في ذكر توجيهات الإسلام في هذا المجال مكتفيا بالتذكير فقط بأن الإسلام أكد على دور الزوج وأمره بالالتزام بآداب الإسلام وتوجيهاته فقد وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عرفات يخطب: [استوصوا بالنساء خيرا فإنهم عوان بين أيديكم] (مسلم والطبراني)(1/2)
والأبناء وهم ثمرة الزواج: اعتنى الإسلام بهم عناية عظمى وهي عناية تسبق ولادتهم إلى اختيار أمهم حيث نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: [تخيروا لنطفكم فان العرق دساس] (ابن ماجه والحاكم والبيهقي). وإذا ما نزل الوليد إلى هذا العالم فان من حقه على والديه أن يحسنا اختيار اسمه ويشرفا على شؤونه أحسن إشراف ويربيانه تربية أصيلة خصوصا وهو صفحة بيضاء: [يولد الولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه] (أبو يعلى والطبراني والبيهقي)
وجعل الإسلام الأولاد ثمرة زواج شرعي ينسبون به إلى أصولهم المعروفة المعلومة مع ما في ذلك من حفاظ على كرامتهم وعزتهم وعدم إلحاق أي ضرر معنوي بهم إذ لا يخفى على احد ما يعانيه الأطفال غير الشرعيين من عقد ومشاكل تظل مسيطرة عليهم طيلة حياتهم ومهما تطورت المجتمعات البشرية وتحررت من القيم السماوية فإنها لا تزال حريصة على إثبات الأصول والمحافظة على الأنساب. ومنهج الإسلام في هذا المجال واضح لا غبار عليه يسد كل منافذ الانحراف والأبواب المؤدية إليه ويدعو إلى وقاية المجتمع من كل الآفات والأمراض.
ونظرة الإسلام إلى الأولاد نظرة تحررية تقدمية لا تفرق بين الذكر والأنثى ونحن لا ندرك عمقها وبعد مداها إلا متى وضعنا في اعتبارنا الظروف الاجتماعية التي ظهر فيها الإسلام سواء كان ذلك في المجتمع العربي الذي وصل به الأمر إلى حد وأد البنات واعتبارهن عارا على جبين الأسرة يجب التخلص منها : [ وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت؟] (التكوير الآية 81). وصور القرآن الكريم الحالة النفسية السيئة التي يصبح عليها من بشر بأنثى إذ يظل مسودا وهو كظيم يتوارى عن الناس.
ويستأصل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه العقلية فيقول: [أنا أب البنات وأحب من يحب البنات] ويبشر الذين يرزقون البنات فيقول: [من كانت له إبنة فأدبها فأحسن تأديبها ورباها فأحسن تربيتها وغذائها فأحسن تغذيتها كانت له وقاية من النار].(1/3)
وفي ظل هذه التوجيهات النيرة نشأت البنات إلى جانب الأبناء في جو يسوده الوئام والاحترام كل يعمل على شاكلته: [من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها] (الجاثية آية 15) إن الحسنة حسنة من الأنثى مثلما هي حسنة ممن الذكر وكذلك السيئة: [ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينهم حياة طيبة ولنجزينهم بأحسن ما كانوا يعملون] (غافر آية40).
وهكذا انطلقت المرأة تطلب العلم وتطالب بحقها فيه وها هي إحداهن تأتي الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري: [قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك فواعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن]. ونرى الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر يشيد بنساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين.
وعندما يقرر الإسلام حقها في الإرث: [يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين] (سورة النساء الآية 11) ويدعو الرجال الأزواج إلى إعطاء النساء صدقاتهن نحلة لا تحل لسواهن إلا عن طيب خاطر. وبذلك يقرر الإسلام منذ أربعة عشر قرنا استقلال المرأة المالي وشخصيتها المتميزة عن زوجها الذي يجب عليه الإنفاق عليها مهما كان ثراؤها. مع العلم أن المرأة الغربية لم تنل حق التصرف في مالها في العقود الأخيرة واعتبرت القوانين الغربية إلى عهد قريب المرأة والصبي والمجنون على قدم المساواة في أنهم جميعا غير راشدين.
وعندما يسيء بعض الآباء التصرف في سلطته فيزوج ابنته ممن لا ترغب فيه من أجل دافع مادي بحت تثور البنت وتأتي إلى الرسول صلى الله علليه وسلم قائلة: [إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع خسيسته فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر إليها فقالت: قد أجزت فعل أبي ولكن أردت أن اعلم النساء أن ليس للآباء من المر شيء].(1/4)
وفي هذا الإطار غزت المرأة وجاهدت إذ أورد البخاري رضي الله عنه قول إحداهن : [غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات اخلفهم في رحالهم واصنع لهم الطعام وأداوي لهم الجرحى وأقوم على المرضى] فلا غرابة إذا ما زخرت كتب الثقافة الإسلامية من تفسير وحديث وسيرة وفقه بآراء نساء جليلات مثل عائشة وفاطمة وأسماء ولا عجب أن قامت إحدى النساء العجائز صارخة في وجه عمر عندما أراد تحديد المهور فإذا بعمر يذعن ويعود إلى رأيها ويقول: [اخطأ عمر وأصابت عجوز كل الناس اعلم منك يا عمر حتى العجائز].
وثقة عمر في كفاءة المرأة جعلته يولي بنت الشفاء الأنصارية خطة حسبة المدينة وفي المدينة كبار الصحابة والتابعين.
ولن أواصل استعراض توجيهات الإسلام وأوامره في هذا المجال فإنها أكثر من أن تحصى أو تحصر وقبل أن انتقل إلى بيان المشكلات الني جدت والتحديات التي تواجه الأسرة المسلمة المقيمة في الغرب أبين جانبا آخر من جوانب عناية الإسلام بالأسرة إلا وهو تنظيم العلاقة بين الكبار والصغار بين الآباء والأبناء حيث لا نجد القرآن الكريم يأمر الآباء والأمهات بإحسان معاملة أبنائهم ذكورا وإناثا وسبب ذلك يعود إلى أن هذه المعاملة تلقائية من الآباء والأمهات. والتنكر يكون من الأبناء نحو الآباء ولأجل ذلك يزخر القرآن بالدعوة إلى بر الوالدين الذي يأتي مباشرة بعد طاعة الله في أكثر من آية. مثل قوله تعالى: [وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر احدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا].(الإسراء الآية 23)
[واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا].(النساء الآية36)
[ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير].(لقمان الآية14)(1/5)
وقد روى أن رجلا كان يطوف حاملا أمه فسال النبي صلى الله عليه وسلم: هل أديت حقها؟ قال: [لا ولا زفرة واحدة].
ومن الثلاثة الذين لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث-النسائي.
واعتبر الإسلام التواصل والترابط بين الأجيال أساس العلاقة بين الأباء والأبناء والحادثة التالية تصور ما يجب أن تكون عليه طبيعة هذه العلاقة اخرج الطبراني في الأصغر والبيهقي في دلائل النبوة عن جابر جاء رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. فقال: يا رسول الله: إن أبي اخذ مالي. فقال عليه السلام: [أدعه لي]. فلما جاء قال له عليه الصلاة والسلام: [إن ابنك يزعم أنك تريد أن تأخذ ماله]. فقال: سله هل هو إلا عماته أو قراباته أو ما أنفقه على نفسي وعيالي. فقال: [فهبط جبريل عليه السلام]. فقال يا رسول الله إن الشيخ قال في نفسه شعرا لم تسمعه أذناه، فهاته. فقال: لا يزال يزيدنا الله بك بصيرة ثم انشأ يقول:
غذوتك مولودا ومنتك يافعا ... ... تعل بما أجني إليك وتنهل
إذا ليلة ضاقتك بالسقم لم أبت ... ... لسقمك إلا ساهرا أتململ
تخاف الردى نفسي عليك وإنها ... ... لتعلم أن الموت وقت مؤجل
كأني أنا المطروق دونك بالذي ... ... طرقت به دوني فعيناي تهمل
فلما بلغت السن والغاية التي ... ... إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفضاضة ... ... كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي ... ... فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأوليتني حق الجوار ولم تكن ... ... علي بمال دون مالك تبخل
قال: فبكى النبي صلى الله عليه وسلم ثم اخذ بتلابيب ابنه وقال : [اذهب أنت ومالك لأبيك].
وتتجاوز علاقة برّ الأبناء بالآباء الحياة الدنيا فهذا رجل يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: هل بقي علي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال: [نعم : الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما].(1/6)
إن العلاقة بين الكبار والصغار في المجتمع الإسلامي علاقة أساسها الود والمحبة والاحترام إذ الرسول يقول: [ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا].
والتربية الإسلامي الأصيلة تربية تراعي الأمكنة والأزمنة: قال صلى الله عليه وسلم: [ألزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم] وكم هو واقعي ومعبر ذلك الأثر المروى عن عمر بن الخطاب: [علموا أولادكم السباحة والرماية ومروهم أن يثبوا على الخيل وثبا]. ويورد نفس الأثر عن الإمام علي رضي الله عنه مضافا إليه قوله: [فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم].
فالأسرة في الإسلام خلية حية سليمة على خلاف الاشتراكية الماركسية التي تعتبرها كيانا رجعيا من مخلفات عهود الانحطاط والإقطاع لأجل ذلك سعى الماركسيون جاهدين إلى تمزيقها وتشتيتها ففي مقال نشرته صحيفة Wenhuips الشيوعية التي تصدر في شنجهاي إبان الثورة الثقافية بتاريخ كانون الأول سنة 1967 عنوانه (مواجهة نقد الأسرة عمل ممتاز) ذلك النقد الذي يوجه هجوما غير مباشر على ذلك الموقف المليء بالاحترام تجاه حياة الأسرة الذي لم يزل يقفه كثير من أفراد الشعب الصيني تقول الصحيفة: "إن تبادل الوالدين والأطفال وتبادل الأزواج والزوجات ستكون له نتائج مثمرة رغم انه في بعض الأحيان مبكر... ولنأخذ على سبيل المثال حيا من الوحدة الأسرية أسس على أسس جديدة". في احد أحياء شنجهاي إن عاصفة الثورة العمالية الثقافية العظيمة نفذت إلى كل الدروب والأقسام كوحدة تنظيمية اجتماعية أساسية بحيث أن الأسرة كسحت بعيدا عنها المثل القديمة والعادات والتقاليد التي خيمت آلاف السنوات على الحياة. ولأول مرة منذ إنشاء المجموعات الشعبية في الصين تقدم الصيني القديم في تحطيم هذه المثل والتقاليد والعادات وإعادة صياغة الوحدة الأسرية على أسس جديدة" (1) .
__________
(1) ... تهافت الفكر المادي بين النظرية والتطبيق للدكتور محمد البهي ص:40.(1/7)
إن كل القيم الأخلاقية والدينية في نظر الاشتراكيين يجب القضاء عليها واستئصالها لبناء الفرد والأسرة المتحررة من كل القيود والتي يجوز فيها كل شيء. لأجل ذلك لم يعد يعرف في المجتمع الاشتراكي الزوج والوالد والولد إنها الشيوعية الأولى تعود في شكل جديد أو قل الجاهلية الجديدة.
وإذا ما قدمنا الحديث عن الأسرة في المجتمع الاشتراكي فلأنه يناصبها العداء ويعلن الحرب عليها صراحة ويهدف إلى استئصالها من جذورها وقد قطع في هذا المجال خطوات عادت عليه ولا شك بالوبال يتجلى ذلك في التقارير والتحقيقات المؤلمة التي ترد من تلك الديار المتحدثة عن الإباحية المطلقة والتسيب الذي لا حد له التي عمت كل الميادين: النقل، الرياضة، والعمل، والتعليم، وكل أماكن الاختلاط.
وفي المجتمعات الغربية تحاول السلطات الدينية ممثلة في الكنيسة إنقاذ الموقف المتردي والحفاظ على كيان الأسرة ولكن التيار تخطاها إذ أن المجتمع الغربي الرأسمالي تسوده الأنانية والانتهازية وتطغى عليه المادية والروح المصلحية.(1/8)
إن القيم الخلقية والمبادئ السماوية والمذاهب الاجتماعية الإصلاحية فقدت تأثيرها على الناس وانتشرت مع ذلك كل مظاهر الترف والمجون والإباحية واللامبالاة. الزوجة تصادق من تشاء وتتصل بمن تشاء تغازل من تشاء تراقص من تشاء على مرأى ومسمع من الزوج الذي عليه أن يصنع نفس الصنيع فيتخذ العدد الذي يريد من الخليلات بائعات الهوى. انتشرت العلب الليلية وحوانيت الجنس والمجلات العارية والأفلام الخليعة أما الأطفال، المولودين في ظل هذا المجتمع فهم مجهولو الهوية والأصل لا غرابة أن لا تربطهم بآبائهم الشكليين أية علاقة ودية فلا سلطان للآباء على الأبناء والبنات فللبنت أن تسهر إلى ساعة متأخرة وتدخل إلى غرفتها من شاءت من الأصدقاء ويمكنها أن تحمل قبل الزواج ولها أيضا أن تجهض إن شاءت ولا تسأل عن مصدر ذلك الجنين ولا غرابة إذا كانت الفتيات تمارس كل وسائل التوقي من الحمل ومنعه. ولا سبيل إلى وجود تلك العلاقة من البر بين الآباء والأبناء إذا ما إن يبلغ الآباء سن الشيخوخة فإنهم يؤخذون إلى مآوى العجز وهناك ينسون إن التعامل معهم تعامل مادي بحت وما دام هؤلاء قد فقدوا القدرة على العطاء المادي فهم غير مرغوب فيهم وكثيرا ما يموت الأب أو الأم ولا يعلم الأبناء بالوفاة إلا عندما تخرج رائحة الجثة من نوافذ وأبواب الشقة أو عندما تعلم إدارة الملجأ الأبناء برقم قبر الأب أو الأم في المقبرة.
إن الأسرة في الغرب تفككت أواصرها وتهدمت دعائمها وتفكك تبعا لذلك المجتمع وصدق عليه قول الله تعالى : [تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى] (الحشر آية 14)
لأجل ذلك فإن الأسر المسلمة المقيمة في الغرب تواجهها تحديات عديدة ولا عاصم لها إلا تلك القيم والمبادئ السامية الإسلامية التي أشرنا إليها سابقا.(1/9)
ولا احد ينكر تأثير الفكر الغربي والحضارة الغربية على حياة المجتمعات المتخلفة أو السائرة في طرق النمو، فالغرب يصدر العلم والتقنية والصناعة ويصدر مع كل ذلك نمط عيشه وأسلوب حياته: طريقة لباسه ونوعية أكله ومختلف معاملاته وتصرفاته، انه يفرضها فرضا بواسطة الكتب والمجلات والصحف والإذاعات المسموعة والمرئية وغيرها من الوسائط الإعلامية والمعلوماتية.
ومهما حاولت الأسرة المسلمة التحصن والتوقي فإنها لن تظفر بسهولة بما تريد وترغب. ولن يقبل احد اليوم الانغلاق والانطواء على النفس. فتيار الأفكار الغربية والأخلاق الغربية والأذواق الغربية يدخل بيوتنا صباح مساء انه يشارك–إن لم نقل: إنه افتك منا- في تربية أبنائنا وتوجيههم. وكيف تستطيع المواعظ والدروس الأخلاقية أن تصمد إمام تيار العراء والمجون والإباحية؟!.(1/10)
ويعيش في الغرب بمختلف بلدانه الأروبية والأمريكية عدد كبير من المسلمين هم اليوم بالملايين جاء اغلبهم من البلدان العربية والإسلامية قبل عقود طويلة تمتد إلى أوائل القرن الماضي ذلك بحثا عن العمل أو طلبا للعلم ولم يلبث هؤلاء إن استوطنوا البلدان الأروبية والأمريكية واستقدم العديد منهم أسرهم من بلدان الأصول وفضل البعض الآخر إن يتزوجوا من بلدان الإقامة وشيئا فشيئا وبمرور السنين تنامي كيان المهاجرين وتعاقبت أجيال الهجرة الجيل بعد الآخر ونشأ هؤلاء بعيدا عن مجتمعات الأصول والجذور ولئن تهيأ لبعض هؤلاء المهاجرين أن يظلوا موصولين ببلدانهم بحكم قربها من البلدان التي يقيمون فيها كما هو بالنسبة لبلدان الشمال الإفريقي فإن البعض الآخر ونظرا لعوامل كثيرة تكاد صلتهم ببلدانهم الأصلية تنقطع كليا ولم يعودوا يعرفون عنها إلا ما بقي في ذاكرة الكبار أو ما تذكر به بين الفينة والأخرى وسائل الأعلام والاتصال ومن الطبيعي أن تكون لهذه الجاليات مشاكلها الحياتية والاجتماعية التي تزداد حدة كلما ضعف لدى أفراد واسر الجالية المسلمة الوازع الديني ولم تجد الإحاطة بها من النواحي الاجتماعية والنفسية والدينية وهذه الإحاطة ولئن توفرت في المجالات الاجتماعية والنفسية والمادية من طرف سلطات وهيآت وجمعيات بلدان الاستقبال فإنها في المجال الديني تكاد تكون معدومة ومطالبة بلدان الاستقبال بتوفير الإحاطة الدينية والروحية للمهاجرين في غير محلها وهي غير واردة فتبقى حينئذ المسؤولية تتحملها بلدان الأصول اعني بها البلدان العربية والإسلامية التي تنحدر منها هذه الجاليات.
والجالية المسلمة المقيمة في البلدان الأروبية هي اليوم تعد ما يقارب العشرة ملايين عربي ومسلم في بلد واحد مثل فرنسا والعدد هو بالملايين في ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وأسبانيا وكندا وأمريكا.(1/11)
وهذه الأعداد من أجيال الهجرة تنحدر من بلدان عربية وإسلامية مختلفة وانتهت بهؤلاء المهاجرين الإقامة في عديد المدن وحتى القرى في البلد الواحد بحثا عن العمل وأسباب الاستقرار مما يجعل مهمة الإحاطة بهم تكون صعبة ليس فقط على المستويين المادي والبشري ولكن أيضا على المستوى الفعلي التنفيذي فلمجتمعات الاستقبال عاداتها وتقاليدها ونمط عيشها ولها برامجها الاجتماعية والثقافية والتربوية ولها قوانينها وتنظيماتها التي كثيرا ما تكون متعارضة متضاربة تصل إلى درجة التناقض إذ لا ينبغي أن يغيب عن الذهن أن مجتمعات الاستقبال في أروبا وأمريكا هي مجتمعات مسيحية بينما أصول هؤلاء المهاجرين هي عربية إسلامية وهي أصول يظل حضورها واضحا ليس فقط في اللاشعور وفي الأذهان بل وفي الممارسات والسلوكيات والأخلاق مهما كانت درجة تحرر هؤلاء المهاجرين.
إن أجيال المهاجرين الأولى والثانية وحتى الثالثة تعيش تمزقا وانفصاما الأمر الذي يجعل من مهمة الإحاطة الدينية التربوية والأخلاقية بها تكون صعبة فضلا على إنها ليست بالقدر الكافي فهي موسمية إذ ترسل بعض بلدان الأصول المغاربية (تونس والمغرب والجزائر) في المواسم والمناسبات الدينية بالخصوص في شهر رمضان وذكرى المولد النبوي ببعثات دينية وتقوم بالإرشاد والتوجيه الديني في بقية السنة اطر دينية محلية اغلبها من غير أهل الاختصاص الديني مما ينعكس سلبا على مستوى التوجيه والإرشاد ويكون مردوده على الأفراد والأسر ضعيفا الأمر الذي ينجر عنه فراغا يدفع هؤلاء الأفراد ذكورا وإناثا للانحرافات السلوكية والأخلاقية التي تصل في كثير من الأحيان إلى درجة من الحدة والتعقيد يستحيل معها الإصلاح والتقويم.(1/12)
لقد نتجت عن هذا الفراغ الديني أوضاع صعبة أذكتها المشكلات الاجتماعية الحادة المتمثلة في البطالة والتهميش والممارسات العنصرية التي تمارس ضد الجالية العربية المسلمة من طرف بعض فئات مجتمعات الاستقبال لا سيما اليمين العنصري المتطرف مما يتمثل في ممارسات التسلط والظلم المتمثلة في الاعتداءات الجسدية التي تصل إلى درجة القتل وكثيرا ما سقط العديد من أفراد الجالية العربية المسلمة قتلى ضحايا لهؤلاء العنصريين الذين يزداد يوما بعد يوم حجم ممارساتهم العنصرية والتي يتبناها بعض الساسة ويتخذونها برامج في حملاتهم الانتخابية وحتى على الأصعدة الوطنية وليس عنا ببعيد بقاء مرشح اليمين الفرنسي لوبان إلى الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية قبل الأخيرة.
كما أن مشكلات الأفراد والأسر وما تعيشه من صعوبات وخلافات وصراعات في علاقاتها ببعضها البعض سواء كان ذلك بين الأزواج أو بين الآباء والأبناء وأصبحت مادة ثرية لعديد الحصص الإذاعية والتلفزية الحوارية وملفا تشتغل عليه الجمعيات ذات الاهتمامات الاجتماعية والإنسانية لا سيما منها المنظمات النسائية والمدافعة عن حقوق الإنسان وبالخصوص حقوق المرأة.
ومن يتابع نسق الإصدارات باللغة الفرنسية في السنوات الأخيرة يلاحظ حضورا بارزا للبحوث والدراسات المخصصة لمشاكل الأسر العربية والمسلمة وما تعانيه المرأة بالخصوص من سوء معاملة سواء كان ذلك من طرف أبويها قبل زواجها حيث تضخم سوء معاملة الآباء والأمهات لبناتهن والتمييز بينهن وبين أشقائهن أو كان ذلك بعد الزواج الذي يكون في اغلب الأحيان زواجا بالإكراه والإلزام بحيث تزوج بنات الأسر المهاجرة مكرهات بأبناء بلدانهن أي (من المغرب أو الجزائر وتونس) بالنسبة للمهاجرين المقيمين في فرنسا.(1/13)
وكثيرا ما يكون هذا الزواج فاشلا وتشب ومنذ الوهلة الأولى له النزاعات التي تصل إلى صنوف من التصرفات العنيفة التي تصل إلى درجة الضرب المبرح الذي لا تقر عليه لا القيم الأخلاقية ولا القوانين السائدة في بلد الإقامة فضلا عن قيم الدين أي دين وبالخصوص قيم الإسلام الحنيف.
وتمكّن قوانين بلدان الإقامة في أروبا من يتسلط عليه أدنى تصرف فيه تعسف وتسلط من اللجوء إلى الجهات المسؤولة أمنيا واجتماعيا وقضائيا بحيث توفر لهؤلاء المتضررين من الأبناء والبنات اللاتي تعشن تجربة زواج فاشلة من مآوى وإقامات فضلا عن منح وأصنافٍ متعددة من الرعاية الاجتماعية وقد نشطت في إبراز هذه الظواهر من الخلافات والنزاعات داخل الأسر المهاجرة والتي هي في اغلبها عربية مسلمة هيآت وجمعيات ومنظمات حقوقية ونسائية واتخذت من هذه الأوضاع مادة لتقارير ودراسات قدمتها للرأي العام في شكل شهادات على النظرة الدونية والمتخلفة للمرأة من طرف الدين والحضارة الإسلامية حسب دعواها كل ذلك في غياب مقصود للموضوعية وفي خطاب تحريضي على الإسلام وثقافته وكتابه القرآن الكريم ونبيه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حيث تعرض الآيات والأحاديث أحداث السيرة المحمدية مبتورة خارجة عن سياقها بتأويلات متعسفة تتخذ من ممارسات بعض أفراد الجالية العربية المسلمة (الأزواج تجاه أزواجهم أو الآباء نحو أبنائهم وبناتهم) تتخذ من ذلك حجة للحكم على الإسلام والمسلمين ويمكن في هذا السياق إن ذكر مجرد عناوين الإصدارات الأخيرة التي أمكن الاطلاع عليها والتي تطبع في طبعات شعبية بأثمان رمزية وتعرض في المساحات التجارية الكبرى (أي المغازات التي يكثر ارتيادها) وذلك تعميما لوصولها إلى أكثر عدد ممكن من القراء.
واذكر هنا بعض عناوين هذه الإصدارات
1) ... المهتدية ... : لماري أوزون : Convertie Marie d’Auzon
2) ... فتوى المهددة بالقتل : لجاكي تريفان ... Jacky Trevane(1/14)
Fatwa condamnée à mort par les siens
3) ... حياتي المتمردة ... لأيان هيرسي علي : Ayaan Hirsi Ali
4) ... المتمردة: لأيان هيرسي علي : ... Ayaan Hirsi Ali Insoumise
5) ... صافيا قصة نساء : لصافيا اوتوكري ... Safia Otokoré ...
Safia, un conte de fées Républicain
6) ... كريمة ثمن الصمت :Karima le prix du silence
7) ... كادي المشوهة : Khady Mutilée
8) ... موكاتار التي لا تشرف : Mukhatar Déshonorée
وليست هذه العناوين إلا عينات لما يتوالى إصداره في شكل سلاسل كتاب الجيب تجدها في أكشاك المجلات والجرائد المنتشرة في محطات القطارات الكبرى وفي المطارات في كل المدن مثلما تجدها كما أسلفنا في المساحات التجارية الكبرى.
وتكاد لا تختلف مادتها عن بعضها البعض وكثيرا ما تكتب نصوصها من طرف محررين مختصين متمكنين من اللغة (الفرنسية) ومن حسن العرض المؤثر على القارئ وبالطبع في خط واضح لا تخفى غايته إلا وهي تشويه الإسلام ورموزه كل ذلك بالاستناد إلى ممارسات خاطئة ولكن بإصرار واضح على إنها هي تعاليم الإسلام!!.
ولا يخفى على احد مدى تأثير مثل هذه الإصدارات وتمكن مضامينها الخاطئة والمتحاملة على الإسلام من عقول من تقع بين أيديهم ليس فقط من الأروبيين الذين يراد تكريس هذه الصورة للإسلام في أذهانهم ولكن أيضا تكريسها في أذهان أغلبية أبناء وبنات الجالية المسلمة ممن لا يتوفرون على التحصين الديني والثقافي اللازمين.(1/15)
غير أن ما لا ينبغي إن نخفيه أو نتجاهله هو أن أوضاع الجالية العربية المسلمة المقيمة في أروبا وأمريكا أفرادا وأسرا وجماعات ليست دائما على ما يرام سواء كان ذلك في علاقاتها بأهل بلدان الاستقبال أو كان ذلك في علاقاتها ببعضها البعض وهذا النوع الأخير من العلاقات هو الذي نريد أن نسلط عليه المزيد من الأضواء لنتعرف عليه كما هو بالفعل لعلنا نستطيع بعد التشخيص للخلافات والنزاعات بين أفراد واسر الجالية المسلمة (بين الآباء والأبناء وبين الأزواج والزوجات أو بين الأجيال والفئات) أن نشير بما من شأنه أن يصلح ما أفسدته الأيام والعادات وأعراف مجتمعات الإقامة التي غير الإسلامية.
والمعطيات المتوفرة حول هذه الأوضاع ليست كافية ولا دقيقة والوصول إلى رؤية متكاملة ومحيطة يحتاج إلى أبحاث ميدانية لا بد أن تتوفر لها الإمكانات المادية والبشرية والتسهيلات التي ليست ميسورة في اغلب الأحيان لكن ما لا يمكن تحقيقه والإحاطة به من كل جوانبه لا ينبغي أن يثنينا عن القيام بمجهود ولو كان متواضعا يلامس ولو جزئيا الأوضاع غير السليمة للكثير من الأسر المسلمة المقيمة في المهجر (في أروبا وأمريكا)
والوثيقة التي اعتمدت عليها في تقديم هذا العرض للخلافات العائلية داخل الأسرة المهاجرة صادرة عن إدارة الدراسات والإعلامية التابعة لديوان التونسيين بالخارج وكما جاء في مقدمة هذه الوثيقة (فقد اعتمدت هذه الدراسة الأولية على استطلاع رأي موجه إلى الملحقين الاجتماعيين والمرشدات الاجتماعيات العاملين بالبلدان الأروبية في شكل استبيان يهدف إلى تحليل أوضاع الأسر التي تعرف خلافات داخلها وتحديد أسبابها ورسم أهم انعكاساتها على المحافظة على البناء الأسري) (1)
__________
(1) انظر الصفحة 2 من الخلافات العائلية داخل الأسرة التونسية المهاجرة.(1/16)
وإذا كان الفصل الأول من هذه الدراسة الميدانية الموثقة بالأرقام والنسب المأوية والرسوم البيانية هو عبارة عن مدخل عام يرصد تطور الهجرة التونسية عامة والعائلية خاصة فيه تحليل لعلاقة أجيال الهجرة التونسية بالوطن وعلاقة الأسرة التونسية بمحيط الهجرة وإستراتيجية الآباء في تنشئة الأبناء. فإن الفصل الثاني وهو الأهم من هذه الدراسة الميدانية فقد خصصه معدوه لنتائج استطلاع الرأي الموجه للعاملين الاجتماعيين والذي تضمن دراسة الخلافات الأسرية (الخلافات الزوجية والخلافات بين الآباء والأبناء وأسبابها ومقارباتها (1) .
وحسب الإحصائيات الرسمية لسنة 2002 فإن عدد أفراد الجالية التونسية بالخارج هو 794.000 تونسي أي ما يمثل 7،4% من مجموع سكان البلاد وتتوزع الجالية التونسية المقيمة بالخارج في البلدان الأروبية 85%، ولم يكن عدد التونسيين بفرنسا سنة 1955 يتجاوز 5800 تونسي وقد تواصل تطور عدد الجالية من سنة 2001 حيث ارتفع إلى 763.000 خلال سنة 2002 وقد تابعت هذه الدراسة تطور عدد أفراد الجالية التونسية المقيمة في البلدان الأروبية (فرنسا، ألمانيا، ايطاليا، بلجيكا، سويسرا، هولاندا وأمريكا وكندا) من سنة 1970 إلى سنة 2000.
وسجلت الدراسة خصائص المهاجرين التونسيين المقيمين بالبلدان الأروبية وهي أن 34% منهم هم دون سن السادسة عشرة وأنّ 45،8% هم دون سن 25 سنة وغالبية هذه الأجيال الجديدة للهجرة تتعرض لمشاكل وصعوبات في الاندماج ببلدان الإقامة وبينت الدراسة إن أسباب ذلك تعود إلى:
- ضعف المستوى التعليمي 1/10 ينهي المرحلة الثانية من التعليم.
- الافتقار للمهارات المهنية.
__________
(1) انظر الصفحة 2 من الخلافات العائلية داخل الأسرة التونسية المهاجرة.(1/17)
وفي هذه الدراسة جدول بياني لتوزيع الأسر التونسية المقيمة بالخارج حسب الدوائر القنصلية في (باريس وانزان وتولوز وليون ومرسيليا ونيم وطولون ونيس وقرونوبل واسترازبورغ) وعدد هذه الأسر في باريس 38.000 أسرة وفي مرسيليا 12.000 أسرة وفي نيس 20.000 أسرة وفي قرونوبل 11.000 أسرة ومجموع الأسر التونسية في كامل التراب الفرنسي 106.753 أسرة وفي ايطاليا بمختلف مدنها 102.000 أسرة وفي ألمانيا بمختلف مدنها 14.300 أسرة وفي بلجيكا (بروكسال) 4.000اسرة وفي كندا 1671 أسرة
والمجموع العام للأسر التونسية 136.934 أسرة وذلك حسب إحصائية سنة 2002 (1)
والقراءة الرقمية تبين لنا إن عدد الأسر كبير وطبيعي أن تعتري علاقات مختلف مكوناتها اختلافات ونزاعات خصوصا عندما يضعف الوازع الديني والأخلاقي لدى أفرادها.
وتتابع الدراسة مختلف وأسباب هذه المشاكل من بطالة حيث تورد إحصائيات معبرة في فرنسا وايطاليا وألمانيا وبلجيكا والسويد ففي أروبا يبلغ عدد أفراد الجالية الذين هم في سن النشاط 474.423 الناشطون منهم 346.424 نسبة النشاط 73،0% نسبة البطالة 25،6% وتجري الدراسة مقارنة مع نسب البطالة لدى الفرنسيين ولدى أصيلي البلدان الأروبية ولدى غير الأروبيين وتبين الدراسة أن البطالة تنعكس سلبا على ظروف السكن وكذلك طموح الأجيال الجديدة من المهاجرين للاستقلال الاقتصادي وفي السكن وتعيد الدراسة الانقطاع عن التعليم إلى
- عدم الاستقرار الأسري والخلافات العائلية التي تهمش الأطفال
- انعدام المستوى التعليمي والثقافي لدى الأولياء مما ينتج عنه ضعف المساندة المدرسية للأبناء
- الاكتظاظ المدرسي وافتقار المدارس التي بها أبناء المهاجرين إلى الإطار التعليمي والعناية الفردية.
وتستعرض الدراسة علاقة مختلف أجيال الهجرة من التونسيين ببلاد الأصل
__________
(1) انظر الصفحة 8 وما قبلها من وثيقة الخلافات العائلية داخل الأسرة المهاجرة.(1/18)
والجيل الأول من أجيال الهجرة هو اليوم في خريف العمر يعيش على هامش الأجيال الجديدة.
أما الجيل الثاني فإن علاقته ببلدان الإقامة قوية ففي هذه البلدان ولد ونشأ وترعرع وتعلم وتطبع بثقافة وعادات وتقاليد بلدان الإقامة وهو يحمل جنسيات بلدان الإقامة المنشأ وكل ذلك على حساب علاقته ببلد الأصل وتبين الدراسة كيف إن الجالية التونسية (ولا شك أن الأمر كذلك بالنسبة للجاليات المغاربية والعربية والإسلامية الأخرى) تعيش موزعة بين ثقافتين.
وفي هذا المحيط الجديد فقدت العائلة بعض ملامحها الذاتية بحيث يصعب تحديد ملامح هوية الجالية.
وانقسمت اتجاهات الآباء واستراتيجياتهم في التنشئة الاجتماعية للأجيال الجديدة فهي بين اتجاه رافض لثقافة البلد المضيف واتجاه منغمس في ثقافة البلد المضيف واتجاه يحاول التوفيق بين ثقافة المنشأ وثقافة البلد المضيف وتربية الأبناء ضمن هذا الاتجاه التوفيقي تتخذ منهجين فهي أحيانا تتميز بالليونة في بعض المواقف في الأخذ من ثقافة البلد المضيف إذا تعلق الأمر بالاندماج صلب المؤسسات التعليمية لاكتساب العلوم والمهارات التي سبق بها الأروبييون أو الأخذ من بعض العادات خاصة إذا كانت لا تتعارض مع تقاليدهم وقيمهم ولا تتعارض وروح الدين الإسلامي (1) .
وإستراتيجية الآباء في تطبيع أبنائهم حسب مرجعيتهم الثقافية تتمثل في الالتزام بعادات وتقاليد بلد المنشأ بركيزتيها من لغة (العربية) ودين (الإسلام).
إن تفكك الأسر المهاجرة يعود إلى عدة عوامل ثقافية واجتماعية فأبناء المهاجرين في سن المراهقة يتأثرون بالسلوك الاجتماعي لمجتمع الإقامة وذلك بما يتعلمونه من أقرانهم وأصدقائهم ويترتب عن ذلك انفصال هؤلاء الأبناء عن أسرهم بمجرد حصولهم على عمل ولو وقتي.
__________
(1) انظر الصفحة 26 من الخلافات العائلية داخل الأسرة التونسية المهاجرة.(1/19)
ولمرونة القوانين الأروبية فيما يتعلق بالزواج والطلاق أثرها في التفكك الأسري وهذه المرونة فتحت الأبواب على مصراعيها أمام عدد لا يستهان به من المهاجرين للدخول في مغامرات زواج.
كما إن ما أطلق عليه بعض الباحثين نسائية المجتمع الأروبي لها الأثر الكبير في التفكك الأسري لدى الجالية فالتشريعات تتحيز عن قصد إلى صف المرأة لمساعدتها على تأكيد ذاتها وفرض وجودها في صلب النسق الأسري والاستقلال ماديا عن الرجل والانخراط الفاعل في مؤسسات المجتمع الرسمية وقد تزامن ذلك كله مع خطاب إيديولوجي نسائي تروجه وسائل الإعلام فتستسيغه النساء ولا سيما نساء المهاجرين من المجتمعات المحافظة فلا يجدن حرجا في مواجهة أزواجهن أو تعييرهم بالبطالة وخاصة عندما يكون الزوج عاطلا عن العمل ... فلا يرضى بدور هامشي في صلب المنظومة الأسرية...) (1) .
وأوردت الدراسة معطيات عن الخلافات العائلية والتي أرجعتها إلى سبب اجتماعي وسبب اقتصادي يمثلان منطلقا لأسباب أخرى نذكر
- الإدمان (على الخمر في اغلب الأحيان)
- العنف اللفظي
- الخيانة الزوجية
- خروج الزوجة إلى الشارع وتغير سلوكياتها بعد اختلاطها بالمحيط الخارجي
- قرار العودة النهائية إلى ارض الوطن
- عدم تكافأ المستوى الاجتماعي والثقافي والتعليمي (نتيجة زواج المصلحة)
- الملكية العقارية المشتركة الاقتناء عند استيلاء احد الزوجين عليها
- الزواج المختلط
وتقر الدراسة الميدانية أن عديد الخلافات العائلية تنتهي بالطلاق وبالتالي تفكك العائلة وضياع الأبناء الذين تزداد حياتهم سوءًا بعد الطلاق
أما الأسباب المباشرة للخلافات الزوجية في صفوف الأسرة المهاجرة حسب المستجوبين في هذه الدراسة الميدانية فهي :
بالنسبة للرجال:
السبب الأول : الخيانة الزوجية
السبب الثاني : إهمال الزوج والأطفال
السبب الثالث : انهيار السلطة الأبوية
__________
(1) انظر الصفحة 41 من الخلافات العائلية داخل الأسرة التونسية المهاجرة.(1/20)
السبب الرابع : رفض الزوجة العودة إلى ارض الوطن
السبب الخامس : تدخل العائلة في شؤون الزوجين
السبب السادس : تغير سلوك الزوجة بعد الحصول على أوراق الإقامة
السبب السابع : عدم التفاهم على عقار موجود في ارض الوطن
السبب الثامن : سوء تصرف في الأموال دون علم الزوج
السبب التاسع : اختلاف وجهات النظر في تربية الأبناء
السبب العاشر : السحر والشعوذة
السبب الحادي عشر : الرفض لعمل الزوجة
السبب الثاني عشر : عدم القيام بالواجبات الزوجية الجنسية
السبب الثالث عشر : عدم إنجاب الأطفال
أما بالنسبة للزوجة
السبب الأول : الخيانة الزوجية
السبب الثاني : إهمال الزوج للأسرة ماديا ومعنويا
السبب الثالث : العنف الشديد تجاه الزوجة والأبناء
السبب الرابع : الزوج يريد العودة بالعائلة إلى ارض الوطن
السبب الخامس : تغير السلوك بعد الحصول على أوراق الإقامة
السبب السادس : الشك في تصرفات الزوج والغيرة
السبب السابع : تدخل العائلة في شؤون الزوجين
السبب الثامن : عدم التفاهم على عقار موجود بأرض الوطن
السبب التاسع : الزوج لا يريد العمل
السبب العاشر : اختلاف في الطباع
السبب الحادي عشر : اختلاف وجهات النظر في تربية الأبناء
السبب الثاني عشر : تجارة المخدرات
السبب الثالث عشر : اكتشاف الزوجة بعد التحاقها به أن زوجها مكون لأسرة في فرنسا دون قران
السبب الرابع عشر : سوء تصرف في الأموال
السبب الخامس عشر : عدم إنجاب أطفال (1)
__________
(1) انظر الصفحة 49 وما قبلها من الخلافات العائلية داخل الأسرة التونسية المهاجرة.(1/21)
تلك هي بعض أسباب الخلافات والنزاعات داخل عينة من الأسر المهاجرة وهي تكاد تكون متطابقة نجدها في كل الأسر المنحدرة من أصول مغاربية وعربية وحتى افريقية ولا شك أنها خلافات ونزاعات لها في بعض الأحيان أسبابها الموضوعية الظرفية اجتماعيا واقتصاديا ولكن مما زادها حدة افتقار هذه الأسر والعائلات إلى التربية والأخلاق الإسلامية سواء كان ذلك عند نشوئها وتكونها أو عند بداية بروز وظهور الخلافات والنزاعات الآنفة الذكر في صفوفها ولا شك أن لضعف التوجيه والإرشاد الديني إن لم نقل فقدانه وانعدامه الأثر الكبير في تفاقم ظاهرة تفكك الأسرة المسلمة المهاجرة الأمر الذي يستوجب من بلدان الأصول وكل الهيآت والمنظمات والجمعيات الإسلامية أن تتكامل جهودها من اجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه وإصلاح ما يمكن إصلاحه وذلك قبل فوات الأوان إذ تترصد أفراد هذه الأسر أطراف مختلفة لا تؤتمن على دينها وقيم وتقاليد الأسر المهاجرة./.
مشروع قرار يصدر عن المجمع
يدعو مجمع الفقه الإسلامي الدولي جميع الأطراف ذات الصلة بالأسرة المسلمة المهاجرة كي تنهض بمسؤولياتها من اجل المحافظة على كيان الأسرة المسلمة وحمايتها من الذوبان والانحلال والتفكك وذلك :
أولا : ... بتوعية أفراد الأسر المهاجرة (أزواجا وزوجات وآباء وأمهات وأبناء) بهدي الإسلام الحنيف في حقوق وواجبات جميع الأطراف وذلك بواسطة الدروس الدينية بمختلف الوسائط المقروءة والمسموعة والمرئية بالعربية وغيرها من لغات بلدان الإقامة.
ثانيا : ... التدخل بالحسنى لإصلاح ذات البين في الأسر التي تمر بصعوبات وتعيش خلافات ونزاعات وذلك من قبل أهل الفضل وذوي الصلاح ومن يقومون على المساجد والجمعيات الدينية.
ثالثا : ... حث بلدان الأصول على مضاعفة رعايتها لجالياتها المقيمة بأروبا وأمريكا (أفرادا وأسرا) والحرص على أن تظل قوانين أحوالها الشخصية تابعة لقوانين بلدان الأصول.
المراجع المصادر
1) ... القرآن الكريم.(1/22)
2) ... البخاري ومسلم.
3) ... رياض الصالحين.
4) ... تفسير ابن كثير.
5) ... المرأة في القرآن والسنة لمحمد عزة دروزة .
6) ... المرأة بين الفقه والقانون للدكتور مصطفى السباعي.
7) ... تهافت الفكر المادي بين النظرية والتطبيق للدكتور محمد البهي.
8) ... جوار مع شاب يبحث عن الحقيقة محمد صلاح الدين المستاوي
9) ... من توجيهات الإسلام في إصلاح الفرد والمجتمع محمد صلاح الدين المستاوي
10) ... محاضرات الملتقى الرابع للفكر الإسلامي قسنطينة الجزائر 1390/1970.
11) ... الأسرة والتصنيع للدكتور محمد فؤاد حجازي.
12) ... مجموعة مقالات نشرت بجريدة " لومند" الفرنسية عن الزواج المختلط.
13) ... الخلافات العائلية داخل الأسرة التونسية المهاجرة ديوان التونسيين بالخارج
14) ... موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر الجزء الثالث للدكتور عبد الحليم عويس
15) ... واجبات مسلمي أوروبا نحو قضاياهم الكبرى للدكتور احمد البغدادي
16) ... الأسرة المسلمة في أوربا وأمريكا لعادل معروف
17) ... حالة المسلمين اليوم وأزمات الأسرة المعاصرة للطاهر بدوي
18) ... مجلة "جوهر الإسلام" العدد 1-2، ص13.
19) ... Converti Marie d’Auzon
20) ... Fatwa condamnée à mort par les siens Jacky Trevane
21) ... Ma vie rebelle Ayaan Hirsi Ali ...
22) ... Ayaan Hirsi Ali Insoumise
23) ... Safia, un conte de fées Républicain Safia Otokoré
24) ... Karima le prix du silence
25) ... Khady Mutilée
26) ... Mukhatar Déshonorée(1/23)