الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
.
العنف في نطاق الأسرة
إعداد
أ.د. كايد يوسف قرعوش
جامعة العلوم التطبيقية
عمان – الأردن
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.
لم تزل الأسرة منذ فجر التاريخ مثابة لأفرادها وأمناً، يأوي أليها الشارد، ويأنس بها الخائف، تضوع بين جنباتها مشاعر الود والحنان، وتضخ الدفء في أوصال بنيها، فهي وحدة البناء الأولى، ومحضن التربية المبكرة ومهدها، فإذا استحالت المودة بين أفرادها بغضاً، والإيثار أثرة، والسكينة شجاراً وعنفاً، وحلت الندّية محل التكامل، والصراع بدل الحوار، والمطالبة بالحقوق بدلاً من القيام بالواجبات، فنحن إذ ذاك أمام وضع يؤذن بنهاية الأسرة و تنتقض فيه العرى و الوشائج المجتمعية ، كما نرى نذر ذلك عياناً في المجتمعات الغربية .
والحياة الأسرية لا تمضي على سمت واحد، إذ يجد العنف إلى ثناياها سبيلاً ، وهكذا كانت الأسرة عبر تاريخها الممتد تنتابها حالات من العنف ، يشب مرة ويخمد أخرى ، فيما يمكن أن يشكل ظاهرة عالمية ، ربما تكون أكثر بروزاً في بعض المناطق أكثر من الأخريات .
ففي بريطانيا وجد أن أكثر من 50 % من القتيلات كن ضحايا الزوج أو الشريك، وارتفع العنف في البيت بنسبة 46% خلال عام 1992 م ، وسجلت أمريكا المرتبة الأولى في العالم في الاغتصاب ، حيث يتعرض 21% من كل نساء أمريكا للاغتصاب (1) .
أما في فرنسا فقد كانت نسبة النساء اللواتي يتعرضن للعنف قبل الزواج 51% (2) .
__________
(1) ... مثنى أمين الكردستاني و كاميليا حلمي محمد ، الجندر - المنشأ ، المدلول ، الأثر - بحث مقدم إلى مؤتمرالأسرة في ظل العولمة ، جمعية العفاف الخيرية ، عمان ، 2004 م ، ص 34 ، 119
(2) ... نظام عساف ، العنف الأسري و عمالة الأطفال ، مركز التوعية و الإرشاد الأسري ، الزرقاء، 2000م ص27(1/1)
لكن هذا لا يعني أن عالمنا الإسلامي في عافية من أمره ، فإن من الخداع للنفس الادعاء بأن وضع الأسرة لدينا مكين أمين . العنف لدينا واقع من الوقائع ، شأن المجتمعات الأخرى ، لكن قد يختلف عنه في المجتمعات الغربية من حيث الماهية والاتساع .
ونظراً لأهمية هذا الموضوع فقد ارتضته الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي محوراً للبحث في دورتها التاسعة عشرة ، وتم تحديد عناصره على النحو الآتي :
? أهمية بناء الأسرة في الإسلام.
? طبيعة العلاقة بين أفراد الأسرة في الإسلام.
? التأديب في نطاق الأسرة.
? خصائص العنف في نطاق الأسرة.
? أسباب العنف في نطاق الأسرة.
? أثار العنف على الفرد و الأسرة و المجتمع.
? علاج العنف في نطاق الأسرة.
? التدابير الجزائية للحد من العنف.
هذا والله نسأل أن يلهمنا التوفيق و السداد إنه أكرم مسؤول وأعظم مأمول ، و أن يجعل عملنا هذا عملاً متقبلاً، و الحمد لله رب العالمين .
الباحث
محتوى البحث
المبحث الأول – أهمية بناء الأسرة في الإسلام ... 4
المطلب الأول – معنى الأسرة ... 4
المطلب الثاني – أهمية بناء الأسرة ... 5
المبحث الثاني – طبيعة العلاقات بين أفراد الأسرة ... خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.
المطلب الأول – طبيعة العلاقة بين الزوجين ... 9
المطلب الثاني – طبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء ... 14
المطلب الثالث – طبيعة العلاقة بين الأخوة ... 17
المبحث الثالث – التأديب في نطاق الأسرة ... 20
المطلب الأول – مشروعية التأديب الأسري ... 20
المطلب الثاني – ضوابط التأديب الأسري ... 22
المطلب الثالث – شروط التأديب . ... 24
المبحث الرابع – أسباب العنف في نطاق الأسرة ودوافعه ... 26
المطلب الأول – الأسباب الذاتية ... 26
المطلب الثاني – الأسباب الاجتماعية ... 27
المطلب الثالث – الأسباب الاقتصادية ... 29
المطلب الأول – خصائص العنف الأسري ... 30
المطلب الثاني – آثار العنف الأسري ... 31
المبحث السادس – علاج العنف الأسري والتدابير الجزائية للحد منه ... 35(1/2)
المطلب الأول – علاج العنف من منظور تربوي واجتماعي ... 35
المطلب الثاني – التدابير الجزائية للحد من العنف ... 37
المبحث الأول – أهمية بناء الأسرة في الإسلام
لا بد لنا قبل البدء بالحديث عن أهمية بناء الأسرة في الإسلام أن نوضح المراد بهذا المفهوم، الأمر الذي يرتب علينا توضيح معنى الأسرة أولاً ثم بيان أهمية بنائها وذلك في مطلبين:
المطلب الأول – معنى الأسرة
الأسرة لغة لفظ مشتق من الفعل الثلاثي (أسر)، وأسره يأسره شده بالإسار، والإسار هو الحبل الذي تشد به أكتاف الأسير، والإسار القيد، والأسر شدة الخلق، وفي التنزيل { نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا } (الإنسان: 28) أي شددنا خلقهم، والأسر: القوة والحبس، والأسرة: الدرع الحصينة. وأسرة الرجل عشيرته ورهطه الأدنون لأنه يتقوى بهم (1) .
ويفهم من كلام الثعالبي أن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الدنيا في الترتيب العددي، إذ يأتي الشعب أولاً ثم الفصيلة ثم العشيرة ثم الذرية ثم العترة ثم الأسرة (2) .
هكذا فإن الأسرة لغة لفظ ينبئ عن وحدة اجتماعية صغرى تتميز بوجود حالة من التماسك والارتباط القوي بين أفرادها حتى لكأنما ربطوا بحبل يجمعهم بعضهم إلى بعض بقوة وإحكام، فكان أحدهم للآخر كالدرع الحصينة.
أما الأسرة اصطلاحاْ فيعرفها علماء الاجتماع بأنها ( بناء اجتماعي يتكون من جماعة من الناس الذين يرتبطون عن طريق روابط الدم أو الزواج ) (3) .
__________
(1) ... ابن منظور، لسان العرب، مادة أسر – وابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة أسر 1/50،51 .
(2) ... الثعالبي، أبو منصور عبدالله بن محمد، كتاب فقه اللغة وأسرار العربية، مكتبة القرآن، القاهرة ، ص 130.
(3) ... د.عصام منصور، المدخل إلى علم الاجتماع، دار الخليج، عمان، ط1، 2008م، ص 108(1/3)
و هذا التعريف يجعل للأسرة معنى شمولياً يتعدى حدود الرابطة الزوجية ، فالأسرة موضوع البحث (لا تقتصر على الزوجين و الأولاد فقط ، وإنما تمتد إلى شبكة واسعة من ذوي القربى من الأجداد والجدات ، والإخوة والأخوات ، و الأعمام والعمات، والأخوال و الخالات ، وغيرهم ممن تجمعهم رابطة النسب أو المصاهرة أو الرضاع أينما كان مكانهم ) (1) .
وفي هذا السياق فإن الأسرة بمعناها الاصطلاحي تتشكل من حلقات ملتفة من القرابات تشكل الأسرة بمعناها اللغوي حلقتها المركزية، وهو معنى يتسق مع النظرة الإسلامية بهذا الخصوص . ولقد ألفنا في هذا المقام تقسيم الأسرة إلى قسمين:
1. ... الأسرة الأحادية: وتتألف من الزوج و الزوجة والأطفال، وقد تسمى الأسرة النووية، أو المفردة، أو الصغيرة، أو البيولوجية.
2. ... الأسرة المركبة: وتتألف من عدة أسر أحادية ترتبط معاً برباط التسلسل القرابي، وقد تتألف من أكثر من جيلين، جيل الأجداد وجيل الآباء و جيل الأحفاد، وقد تسمى الأسرة الممتدة (2) .
المطلب الثاني – أهمية بناء الأسرة
الإنسان كائن اجتماعي، وهو مدني بطبعه، وتشير المعاجم اللغوية، إلى أن الإنسان إنما سمي بهذا الاسم أخداً من الأنس الذي هو ضد الوحشية، وتعد الأسرة بالمعنى الذي قدمنا ترجمة عملية وواقعية لهذا الأنس في أبهى صوره وأشكاله.
__________
(1) ... اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، ميثاق الأسرة في الإسلام، عمان، جمعية العفاف الخيرية، 2008م،ص30.
(2) ... د. محمد رياض، الإنسان - دراسة في النوع والحضارة- دار النهضة العربية، بيروت، ط2، 1947، ص510 وما بعدها.(1/4)
لقد أثبت الدراسات الاجتماعية المتعددة وجود نظام للأسرة عند بعض الحيوانات، فإن كان الأمر كذلك، فمن الطبيعي أن يكون الإنسان قد عرف النظام الأسري منذ أول الأمر (1) . ومبدأ هذا النظام وأساسه الزواج، ويجب أن نميز منذ البدء بين المفهوم الأسري ومفهوم الزواج، فمفهوم الأسرة هو مفهوم سوسيولوجي، بينما مفهوم الزواج هو مفهوم بيولوجي (2) .
ومع كل المعاني الجميلة التي يتضمنها المفهوم الأسري ، من حيث المبدأ ، من تجسيد لمعاني الترابط والتماسك والتوادّ ، إلا أن هذا النظام كان يتعرض لبعض الهزات عبر التاريخ دون أن يؤدي ذلك إلى تقويضه ، بيد أنا بدأنا نشهد في العصور الأخيرة ، وفي العالم الغربي على وجه الخصوص ، نوعاً من النكوص عن هذا النظام، حيث عمت الدعوة للتمرد على الموروث ، وإحلال أنماط و أشكال جديدة من العلاقات الاجتماعية تتجاوز حدود ما هو معروف ( تحطم الحواجز الأخلاقية ، وتعارض القيم الدينية ، وتنشر الإباحية باسم الحرية ، وتشجع على التحلل باسم التحرر) (3) .
__________
(1) ... د. محمد عاطف غيث، د. اسماعيل علي سعد، المشكلات الاجتماعية-دراسة نظرية وتطبيقية- دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، ص157
(2) ... عصام منصور، المرجع السابق، ص 107.
(3) ... د. أمينة الجابر، د.صالح الصنيع ، الشيخة العنود بنت ثامر آل ثاني ، التفكك الأسري - الأسباب والحلول المقترحة- كتاب الأمة ، قطر، العدد 83، 1422 هـ ، ص 21(1/5)
لم يعد للزواج قدسية وفقاً لهذا النهج ، و أصبحت الدعوة إلى اتخاد الأخدان شيئاً أقرب إلى الطبيعي، يعبر عن ذلك قولهم : (If you can have the milk, why do you buy the cow?) ، كما أصبح الشذوذ الجنسي حقاً يدافع عنه أهله ، وتدعمه القوانين من بعد ، وتناضل دونه حركات التحرر ، ولم يعد التعري عيباً ولا بذاء ، ولم يعد الإقدام على الإجهاض والتخلص من الحمل جريمة ، سواء تم الحمل بطريق شرعي أو نتيجة للزنا ، وللمرء أن يفعل في نفسه ما يشاء ، شعارهم في ذلك (Your body is your own).
لم يعد غريباً أن تنجب العلاقات الجنسية غير المشروعة قوافل من الأطفال غير الشرعيين يلقي بهم ذووهم في الشوارع ليكونوا لقطاء تتولاهم مؤسسات الرعاية ، وقد تنتهي تلك العلاقات غير المشروعة بزواج لاحق بعد سنين ، حتى لكأنما أصبح الزواج حالة استثنائية ، ومحطة عابرة في مسيرة الحياة الأسرية، في قلب واضح لكل ما هو طبيعي ، وقد أسهبت الكاتبة سيمون دي بوار في وصف ما تنطوي عليه الحياة الأسرية من سأم ورتابة ، وأفاضت في الحديث عن انخفاض مستوى المرأة من الناحيتين العقلية والاجتماعية ، بسبب انهماكها في أعمال التدبير المنزلي والحياكة والطبخ إلخ....
يقول الدكتور زكريا إبراهيم إننا ( لا نفهم معنى لهذه الثورة الجامحة على نظام الأسرة في حين أن أجمل ما تحلم به كل امرأة سوية لا تعرف الشذوذ، هو أن تكون أماً صالحة ، و حتى إذا لم نسلم مع بعض الباحثين النفسانيين بأن معظم نشاط المرأة موجه في العادة نحو الداخل (لا الخارج) فإننا لا بد من أن نعترف بأن حلم (البيت السعيد) أو (العش الهانئ) هو حلم طبيعي يراود كل فتاة) (1) .
__________
(1) ... د. زكريا إبراهيم ، سيكولوجية المرأة ، مكتبة مصر ، القاهرة ، ص113.(1/6)
لقد تبدل الحال في تلك المجتمعات حتى استحال المعروف منكراً و المنكر معروفاً، وليت أن هذا البلاء كان شأناً خاصاً بعالم الغرب الغريب ، يبتلي بالمرّ من ثمره ، فقد حرص الغرب والمستغربون على ترويج هذا الوباء في العالم ، تحت شعارات زائفة من الدعوة للحرية و التحرر والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وانتشرت حركات التحرر النسوي في طول البلاد وعرضها ، معززة بطوابير من الخبراء والمستشارين ضمن برامج موجهة لما يسمونه مساعدة الدول النامية، ووقعت في سبيل ذلك معاهدات دولية ، ونظمت مؤتمرات إقليمية وعالمية تستهدف من غير مواربة إعادة صياغة الأسرة في عالمنا الآخر على نمط ما هو غربي ، وإلا عد الداعون لمناهضة هذه الدعوات أعداء للحرية والتقدم .
لقد أصبح مطلوباً من العالم ، و العالم الإسلامي على وجه الخصوص ، أن يوقع على وثيقة نهاية الأسرة ، و هذه دعوة خطيرة تستهدف أهم المعاقل الإسلامية من حيث إطارها التنظيمي والقيمي، بكل ما يترتب عليها من مضاعفات و نتائج مدمرة.
إن العالم الإسلامي مطالب أن يواجه التحدي بمثله ، وألا يكون أقل اهتماماً من العالم الغربي في الدعوة إلى تبني النموذج الإسلامي ، وأن يحافظ على ذاتيته في البناء الأسري بعيداً عن الضغوطات و التأثيرات الدولية، و ان تكون المرجعية في ذلك النصوص الشرعية ، دون الأعراف والتقاليد الجائرة التي تسود هذا البلد أو ذاك، والتي تلقي ظلالاً قاتمة على وضع الأسرة في الإسلام.(1/7)
لقد أولى الإسلام البناء الأسري جل اهتمامه ، حتى إنه – كما يقول الشيخ محمد الغزالي (1) - جعل الأسرة من آيات الله ، قرن تكوينها بتكوين العالم قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } (الروم: 22 ) .
ثم إنه أفرد النظام الأسري بمساحة واسعة من الأحكام الفقهية التي تنظم العلاقة الزوجية والوالدية في أبواب الزواج والطلاق والنفقة والرضاع والحضانة والنسب والتركات والمواريث.
وإذا كان الغالب على المنهج القرآني في تناوله للأحكام الشرعية اللجوء إلى الإجمال دون التفصيل ، فإنه في تناوله لأحكام الأسرة كثيراً ما يلجأ إلى التفصيل ، كما في موضوع المحرمات من النساء و أحكام الطلاق و تبيان فرائض أهل الاستحقاق في الميراث الخ... و في هذا دلالة واضحة على مدى عناية الإسلام بالأسرة ، وعلى أهمية دورها في منظوره (2) .
ومرد هذا الاهتمام أن الأسرة تمثل المحضن الأساس الذي يبدأ منه تشكل شخصية الطفل . قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) (3) .
__________
(1) ... محمد الغزالي، مشكلات في طريق الحياة الإسلامية ، كتاب الأمة ، العدد الأول، ط3 ، 1402هـ ، ص72 .
(2) ... أمين نعمان الصلاحي ، من وسائل القرآن في إصلاح المجتمع ، كتاب الأمة، قطر ، العدد (127) ، 1429هـ، ص87،88
(3) ... رواه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب إذا أسلم الصبي 2/97، ورواه مسلم ، كتاب القدر ، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، رقم 2658.(1/8)
والحديث الشريف إذ يلفت الأنظار إلى دور الأبوين في التأسيس العقدي للطفل فإنما ليدل على أن العقيدة هي العنصر الأهم في تشكيل الشخصية ، والأسرة كذلك هي البيئة التي يكتسب فيها الطفل قيمه الاجتماعية والدينية والخلقية ، هذه القيم التي تشكل معايير سلوكه وأفكاره وعاداته واتجاهاته.
وبمعنى آخر فإن مهمة الأسرة تتمثل بصورة رئيسة في القيام بالتنشئة الاجتماعية التي تعده ليكون مواطناً صالحاً وإنساناً يتجاوب مع القيم الإنسانية النبيلة. وهذه التنشئة الأسرية تتلخص في (عملية تعليم الأبناء اللغة والآداب والقيم والممارسات وفق نظامها الثقافي ومعاييرها واتجاهاتها التي ترتضيها لنفسها ويرتضيها المجتمع) (1) .
ولا بد لنا من التنويه إلى أنه في غياب هذه التنشئة ، وتخلي الأسرة عن مسؤولياتها، وحدوث حالة من التفكك الأسري بدلاً من الوئام ، كل ذلك سيؤدي إلى جنوح الأولاد وانحرافهم. وفي دراسة اجتماعية أجراها الباحث وليد حيدر في سوريا تبين أن 55% من أفراد العينة البالغ عددها (113) حدثاً يعيشون في أسر مفككة إما بطلاق أو وفاة أحد الوالدين، كما بينت دراسة أخرى ل ( تماضر حسون) أن 78% من أفراد العينة المنحرفة انحدروا من أسر تتميز علاقاتها بالاضطراب والتوتر (2) .
المبحث الثاني – طبيعة العلاقات بين أفراد الأسرة
لكل حلقة من حلقات الأسرة طبيعتها الخاصة بها ، سواء ما تعلق منها بالزوجين أو الوالدين أو الإخوة ، وإن كان ثمة جوامع تجمعها ، وفيما يلي بيان بطبيعة هذه العلاقات في دوائرها الثلاث ، كل في مطلب مستقل.
المطلب الأول – طبيعة العلاقة بين الزوجين
__________
(1) ... رفيق المصري ، الدين والسياسة والديمقراطية ، مركز حقوق الإنسان والمشاركة الديمقراطية ، رام الله ، ط1 ، 2007 ، ص63
(2) ... عبدالله بن ناصر السدحان ، الترويح وعوامل الانحراف –رؤية شرعية- كتاب الأمة ، قطر، العدد (74) ، 1440 هـ ، ص144،145(1/9)
بين يدي حديثنا عن هذه العلاقة في المنظور الإسلامي نقدم بكلمات عن نظيرتها في المجتمعات الغربية التي يراد لها أن تسود العالم ، وتعقد لتسويقها المؤتمرات العالمية كمؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة 1994م ، ومؤتمر بكين عام 1995م ، ونلخص فيما يلي ملامح هذه العلاقة كما تريدها هذه المؤتمرات:
1. ... اعتبار أن الأسرة والأمومة والزواج من أسباب قهر المرأة ، والمطالبة بأن تكون الأعباء المنزلية مناصفة بين الرجال والنساء.
2. ... إحلال لفظ (الاقتران) بدل (الزواج) لإفساح المجال للقول بمشروعية العلاقات الشاذة الجنسية الأخرى ، سواء أكانت بين الذكور أم بين الإناث.
3. ... اعتبار النشاط الجنسي بكل صوره (التقليدية) و (الشاذة) حقاً طبيعاً كالغذاء، ينبغي العمل على توفيره بين مختلف الأعمار ، بل والعمل على حمايته كذلك.
4. ... للمرأة أن تمارس نشاطها الجنسي مع من يروق لها داخل إطار الحياة الزوجية أو خارجها ، وكل علاقة جنسية لا تخضع لرغبتها تعد اغتصاباً حتى لو كانت من قبل الزوج (1) .
وهذا الوضع القائم في العالم الغربي يصدق مقالة البروفيسور الأمريكي (ويلكنز) ( إن المجتمع الغربي قد دخل دوامة الموت ، ويريد أن يجر العالم وراءه) (2) .
اما عن طبيعة هذه العلاقة في المنظور الإسلامي فيمكن تبين ملامحها في حديثنا عن المبادىء والحقوق الزوجية الآتية:
__________
(1) ... د.إبراهيم مصحب الدليمي ، الأسرة والتنشئة الأجتماعية للطفل العربي في ظل العولمة. مقال عجلة (الآفاق) ، جامعة الزرقاء الأهلية ، السنة الثالثة ، العدد التاسع، 2000م، ص78،80.
(2) ... مثنى أمين الكردستاني وكاميليا حلمي محمد ، الجندر ، بحث مقدم إلى الأسرة في ظل العولمة ، جمعية العفاف الخيرية ، عمان ، 2004م، ص120(1/10)
(1) إنها علاقة محددة بين الرجل والمرأة ممن تحل له شرعاً ، يربطها عقد وصفه الله تعالى بأنه ميثاق غليظ ، وهو عقد يقوم على التراضي وينتفي معه عنصر الإكراه ، سواء قبل الاقتران أو بعده. ومبنى هذا العقد وغايته أن يحقق السكن في النفوس. قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ - وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (الروم: 21 ) ، وأن يكون قرة للعين تطمئن به بحيث لا تلتفت إلى المحرمات . قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } (الفرقان:74) ، يرضى معه كل طرف بما قدر له، قال تعالى في صفات المؤمنين : { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } (المؤمنون: – 7).(1/11)
(2) الرجل قيم على المرأة بمقتضى العقد. قال تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } (النساء: 34) ، وهذا المبدأ الذي يبوىء الرجل رئاسة الأسرة بحكم التزاماته المقررة شرعاً في دفع المهر والنفقة ، لا يمنح الرجل سلطة استبدادية تخوله ممارسة غطرسته وجبروته كما يحلو لأعداء الإسلام تصويره، و لكن القوامة ضرب من الرعاية كما عبر عنها في الحديث الشريف: ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم...) (1) . هذا ولا يسعنا أن نتبين معنى القوامة حقاً دون الاستعانة بمعاجم اللغة. وقد ورد في لسان العرب أن ( القيام بمعنى المحافظة والإصلاح ، ثم قال : وليس يراد ههنا -والله أعلم- القيام الذي هو المثول والتنصيب ضد القعود، إنما هو من قولهم: قمت بأمرك فكأنما –والله أعلم- الرجال متكفلون بأمور النساء معنيون بشؤونهن) ، ومنه قيل للخليفة هو القائم بالأمر ، وكذا فلان قائم بكذا إذا كان حافظاً له متمسكاً به) (2) .
__________
(1) ... رواه البخاري في الأحكام ، في المقدمة، 8/104، ومسلم في كتاب الإمارة ، باب فضيلة الإمام العادل ، رقم 1829
(2) ... ابن منظور ، لسا ن العرب ، مادة (قوم)(1/12)
هذه المعاني المشرقة لمفهوم القوامة هي التي دفعت الشيخ محمد أبو زهرة إلى القول ( إنني أقرر أن قيام الرجل على شؤون الزوجة ليس فيه رياسة ، إنما فيه حماية و رعاية، وهو من قبيل توزيع التكليفات) (1) وما دفع الدكتور أحمد الكبيسي إلى القول: ( إن القوامة تكليف لا تشريف ، ومغارم لا مغانم ) (2) .
وأقول إن كلاً من الرجل والمرأة معنيان بالرعاية على تفاوت بينهما في امتداد هذه الرعاية وشمولها ، فرعاية الرجل تطال المرأة والأولاد على حد سواء ، وذلك لأفضلية في الرعاية يعرف بها الرجال أكثر من النساء وفاقاً لما ورد في قوله تعالى { الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } ، يقول الشيخ محمد رشيد رضا: (إن هذا التفضيل إنما هو للجنس على الجنس ، لا لجميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء فكم من امراة تفضل زوجها في العلم والعمل ، بل في قوة البنية والقدرة على الكسب ) (3) .
وقد روى هشام بن محمد عن أبيه في قوله تعالى { وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ } قال: إذا كانوا رجالاً. وأنشد:
أكل امرىء تحسبين امرءاً ... وناراً توقد بالليل ناراً (4)
وأفاد أبو هلال العسكري (أن قولنا (رجل) يفيد القوة في الأعمال) (5) .
__________
(1) ... محمد أبو زهرة ، زهرة التفاسير ، دار الفكر العربي ، القاهرة، 3/1667
(2) ... د. أحمد الكبيسي ، فلسفة نظام الأسرة في الإسلام ، مطبعة الحوادث ، بغداد، ط2 ، 1990 ،ص118
(3) ... محمد رشيد رضا ، تفسير المنار ، دار الفكر للطباعة والنشر ، ط2 ، 1973م ، 5/69 .
(4) ... ابن الجوزي ، زاد المسير في علم التفسير ، 2/74 .
(5) ... أبو هلال العسكري ، الحسن بن عبدالله ، الفروق اللغوية ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط1، 2002م ، ص500 .(1/13)
هكذا فإننا لا نجد حقاً أشبه بواجب من حق القوامة التي أسندت للرجال للقيام بواجب النساء من نفقة وغيرها ، حتى لقد سوغ المذهبان المالكي والشافعي فسخ النكاح عند الإعسار عن النفقة والكسوة، لأنه إذا خرج الرجل عن كونه قواماً عليها فقد خرج عن الغرض المقصود من النكاح (1) .
إن القوامة – فيما يقول الدكتور محمد محمد حسين– ( قاعدة تنظيمية تستلزمها هندسة المجتمع واستقرار الأوضاع في الحياة الدنيا ، و لا تسلم الحياة في مجموعها إلا بالتزامها ، فهي تشبه قوامة الرؤساء وأولي الامر التي لا تستلزم أن يكون الرؤساء أفضل من المحكومين) (2) .
(3) ... المعاشرة بالمعروف بين الزوجين ، مع تحميل الزوج المسؤولية الأولى في هذا الجانب . قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً } (النساء: 19) .
__________
(1) ... الآلوسي ، روح المعاني ، 5/33 .
(2) ... محمد محمد حسين ، حصوننا مهددة من داخلها ، المكتب الأسلامي ، بيروت ، 1988م ، 1/363 .(1/14)
والوقوف على تحديد مفهومي (العشرة) و(المعروف) يسعفنا كثيراً في تبيان طبيعة العلاقة بين الزوجين ، أما مفهوم (العشرة) فيقول ابن العربي في تفسيره لهذه الآية الكريمة : ( و حقيقة (عشر) في العربية الكمال والتمام ، ومنه العشيرة ، فإنه بذلك كمل أمرهم وصح استبدادهم عن غيرهم . وعشرة تمام العقد في العدد، ويعشر المال لكماله نصاباً ، فأمر الله سبحانه الأزواج إذا عقدوا على النساء أن يكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على التمام والكمال، فإنه أهدأ للنفس وأقر للعين و أهنأ للعيش ) (1) .
أما المعروف فهو (اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه ، والإحسان إلى الناس ، وكل ما ندب إليه الشرع و نهى عنه من المحسنات والمقبحات) (2) .
واللافت للنظر في تتبع الآيات الكريمة أن الله تعالى قد حث على فعل المعروف (13) مرة في الآيات التي تتناول موضوع الطلاق في سورة آل عمران (الآيات 228-236) وفي سورة الطلاق ، هذا مع التحذير من تجاوز حدود الله في كل من الموضعين.
__________
(1) ... ابن العربي ، أبو بكر محمد بن عبدالله ، أحكام القرآن ، دار الجيل، بيروت ، 1988م ، 1/363
(2) ... ابن منظور ، لسان العرب ، مادة (عرف) .(1/15)
قال تعالى: { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (البقرة: 229) ، { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } (الطلاق: 1) .
إن المعاشرة بالمعروف تقتضي أن يكون الزوج واسع الصدر حسن الخلق . وفي هذا يقول حجة الإسلام الإمام الغزالي : ( واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها ، والحلم عن طيشها وغضبها) (1) . ومن وصاياه - صلى الله عليه وسلم - : (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقهن من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ) (2) .
__________
(1) ... الغزالي ، أبوحامد محمد بن محمد ، احياء علوم الدين ، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 1967م ، 2/55.
(2) ... رواه البخاري في كتاب النكاح ، باب الوصاة بالنساء 6/145 ، ومسلم في كتاب الرضاع ، باب الوصية بالنساء ، رقم 1468(1/16)
(4) ... التكامل في الوظائف والمهمات : فكما أن الليل يكمل النهار فيكونان يوماً ، كذلك فإن الرجل يكمل المرأة فيكونان الجنس البشري ، ومن الظلم للفطرة البشرية أن تعامل المرأة على قدم المساواة في الأعمال دون النظر إلى خصائص كل منهما ، يقول الدكتور ألكسيس كاريل : ( على النساء أن ينمين أهليتهن تبعاً لطبيعتهن دون أن يحاولن تقليد الذكور ، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال ، فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة) (1) .
ويقول أحد الشعراء البولنديين: (إن قلوب النساء لهي كخلايا النحل ، إن لم يملأها شهد المحبة وحنان الأمومة استحالت سريعاً إلى أوكار للأفاعي ) (2) .
وفي إطار توزيع العمل بين الرجل والمرأة يرسم الإسلام خطوطاً عريضة تتوجه فيها الأمور لعمل المرأة داخل المنزل ، في حين يتولى الرجل العمل خارجه في صورة قاعدة مرنة تفسح المجال لحركة كل منهما بين الداخل والخارج. ويروى في هذا المقام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بين ابنته فاطمة و زوجها علي رضي الله عنهما ، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة (خدمة البيت) وعلى علي بالخدمة الظاهرة (خارج البيت). وقد ذهب جمهور الفقهاء من مالكية وشافعية وحنفية وظاهرية إلى أن هذا الحكم لا يحمل على الوجوب، بل إنه توجيه إلى مكارم الأخلاق ، ذلك أن عقد النكاح إنما اقتضى الاستماع لا الاستخدام كما يقولون ، وخالفهم الحنابلة في ذلك (3) .
__________
(1) ... د. ألكسيس كاريل ، الإنسان ذلك المجهول ، مكتبة المعارف ، بيروت ، 1989م.
(2) ... زكريا إبراهيم ، سيكولوجية المرأة ، ص121
(3) ... ابن القيم الجوزية ، زاد المعاد في هدي خير العباد ، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ، الرياض ، 4/32،33 .(1/17)
ووفقاً لمذهب الجمهور لا يعود العمل في المنزل والمطبخ حكراً على المرأة ، مثلما أنه لا يمتنع أن تعمل المرأة في مجالات معينة كالتعليم والتمريض خارج المنزل ، فقد كانت امرأة عبدالله بن مسعود امرأة صناعاً ، وليس لعبدالله بن مسعود مال ، فكانت تنفق عليه وعلى ولدها من ثمن صنعتها (1) . ثم إنه ليس العمل في الخارج امتيازاً لصاحبه ، بل إنه نوع من الكدح والشقاء يبتلى به الرجل وتعفى منه المرأة. وقد ورد في محكم التنزيل قوله تعالى: { فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } (طه: 117 ) ، فجعل الشقاء من نصيب آدم دون حواء. ومن لطيف ما طالعتنا به صحيفة الرأي الأردنية ، نقلاً عن صحيفة ديلي اكسبرس، أن رئيس الوزراء البريطاني السابق (جون ميجور) كان يعتزم تقديم خطة تستهدف تعزيز الأسرة ودعمها، وأنه سيقدم حوافز للأمهات اللاتي يمكثن في البيوت لتربية أبنائهن (2) .
إن تدويل فكرة الصراع بين الرجل والمرأة هو نتاج مجتمعات، لم تنصف المرأة في داخل البيت ولم تؤمن لها حقوقها المشروعة كالنفقة ، فراحت تطالب بالعمل خارج البيت، وليتها حظيت بمثل ما يحظى به الرجل من حقوق وامتيازات. قال تعالى : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } (النساء: 32) .
__________
(1) ... د. عصمت الدين كركر ، المرأة في العهد النبوي ، ص219.
(2) ... جريدة الرأي الأردنية ، العدد 9340 تاريخ 27/3/1996م .(1/18)
(5) ... التزام قيم العدل والشورى ، هذه القيم التي تجافي ما تعارفته مجتمعات وأفراد من ظلم المرأة والاستبداد بالرأي دونها ، استناداً إلى مقولات زائفة تروى على أنها أحاديث شريفة، من مثل قولهم (شاوروهن وخالفوهن) (1) ، (طاعة النساء ندامة) (2) .
لقد جعل الإسلام الشورى شأناً عاماً للمجتمع الإسلامي، إذ قال تعالى : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } (الشورى: 38 )، وهي تسهم في تعزيز الثقة بين الأزواج وإدامة الاحترام والمودة بينهم.
أما العدل مع الزوجة بتأمين احتياجاتها ، ومع الزوجات عند التعدد بعدم محاباة إحداهن على الأخريات في المأوى والنفقة والمعاملة والمبيت ، فهو الأساس في استقرار الحياة الزوجية ، وتوفير السكينة والمودة ، وإلا استحالت حياتهما جحيماً لا يطاق.
المطلب الثاني – طبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء
ترسم النصوص الشرعية صورة رائقة للعلاقة الوالدية ، تتجسد فيها معاني القداسة والطهر ، حتى كانت موضعاً للقسم في قوله تعالى : { لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ - وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ - وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } (البلد: 1 - 3 )، فقوله { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } عام في كل والد ومولود ، روي هذا المعنى عن ابن عباس واختاره الطبري (3) .
إن هذه العلاقة عظيمة في بعديها ؛ علاقة الأبناء بالآباء ، وعلاقة الآباء بالأبناء ، وتتجلى هذه العظمة في التوضيح الآتي .
1- علاقة الأبناء بالآباء :
__________
(1) ... العجلوني ، اسماعيل بن محمد الجراحي ، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ، مؤسسة مناهل العرفان ، بيروت ، 2/3
(2) ... العجلوني ، اسماعيل بن محمد الجراحي ، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ، مؤسسة مناهل العرفان ، بيروت ، 2/3
(3) ... القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 20/62 .(1/19)
يطالب الشرع الأبناء بأن يحسنوا إلى والديهم في صيغ مختلفة ، كقوله تعالى : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (البقرة:83 ، والنساء 36 ، الإسراء23 ) ، وقوله { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } (العنكبوت: 8) .
واللافت للنظر أن الأمر بالإحسان إلى الوالدين ورد مقروناً بالأمر بطاعة الله سبحانه وشكره في مواطن مختلفة ، كما في قوله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (الإسراء: 23) ، وفي هذا قال ابن عباس رضي الله عنهما :" ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث ، لم تقبل منها واحدة بغير قرينتها : إحداهما قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ } (النساء: 59) ، فمن أطاع الله ولم يطع رسوله لم يقبل منه. والثانية قوله تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } (النور: 56)، فمن صلى ولم يزكّ لم يقبل منه ، والثالثة : قوله تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير } (لقمان: 14)، فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه (1) .
__________
(1) ... ابن حجر الهيتمي ، أبو العباس أحمد بن محمد ، الزواجر عن اقتراف الكبائر ، دار المعرفة، بيروت ، 1982،2 .(1/20)
ولهذا ورد في الحديث ( رضى الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد ) (1) . والأحاديث الشريفة في سياق الحث على بر الوالدين كثيرة ، يضيق المقام عن ذكرها، بيد أن الشارع جعل بر الأم في الاعتبار الأول ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : (من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أمك . قال: ثم من ؟، قال : أمك . قال: ثم من ؟، قال: أبوك ) (2) .
والبر بالوالدين والإحسان إليهما يبلغ مداه حتى لا يجوز التأفف أمامهما امتثالاً لقوله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا } (الإسراء : 23) ، ولو كان هناك شيء أدنى من (أف) لنهى الله عنه .
يعلق سيد قطب على هذه الآيات الكريمة بقوله : ( بهذه العبارات الندية والصور الروحية ، يستجيش القرآن الكريم وجدان البر والرحمة في قلوب الأبناء ، ذلك أن الحياة وهي مندفعة في طريقها بالأحياء ، توجه اهتمامهم القوي إلى الإمام ، إلى الذرية، إلى الناشئة الجديدة ، إلى الجيل المقبل ، وقلما توجه اهتمامهم إلى الوراء ، إلى الأبوة ، إلى الحياة المولية ، إلى الجيل الذاهب ، ومن ثم تحتاج البنوة إلى استجاشة وجدانها بقوة لتنعطف الى الخلف ، وتتلفت الى الآباء والأمهات ) (3) .
__________
(1) ... أخرجه الترمذي في البر والصلة ، باب ما جاء في بر الوالدين ، رقم 190 ، وإسناده صحيح .
(2) ... رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب من أحق الناس بحسن الصحبة ، ومسلم في كتاب البر ، باب بر الوالدين ، رقم 2048 .
(3) ... سيد قطب ، في ظلال القرآن ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط5، 1967 . 15/25 .(1/21)
وقد عد الشرع عقوق الآباء ( الوالدين ) من الكبائر ، فقد ورد في الحديث الصحيح : ( إن من الكبائر شتم الرجل والديه . قالوا : يا رسول الله ، وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : نعم ، يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ) (1) . ومن الجدير بالذكر أن حق الوالدين الذي يحوطه الإسلام بكل هذا الاهتمام قد خلا منه إعلان الأمم المتحدة (2) .
2- علاقة الآباء بالأبناء :
تمثل هذه العلاقة شق المعادلة الآخر بعد الحديث عن علاقة الأبناء بالآباء ، ويصورها أحسن تصوير عبارات للأحنف بن قيس وقد سأله يزيد بن معاوية : ( ياأبا بحر ، ما تقول في الولد؟ قال : يا أمير المؤمنين ، ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ، ونحن لهم أرض ذليلة ، وسماء ظليلة، وبهم نصول على كل جليلة ، فإن طابوا فأعطهم ، وإن غضبوا فأرضهم ، يمنحوك ودهم ويحبونك جهدهم ، ولا تكن عليهم ثقلاً ثقيلاً فيملوا حياتك ، ويودوا وفاتك ، ويكرهوا قربك . فقال معاوية : لله أنت يا أحنف ، لقد دخلت علي وأنا مملوء غضباً وغيظاً على يزيد . فلما خرج الأحنف من عنده رضي عن يزيد ، وبعث إليه بمائتي ألف درهم ومائتي ثوب ..) (3) .
__________
(1) ... رواه البخاري في الأدب ، باب لا يسب الرجل والديه ، ومسلم في الإيمان ، باب بيان الكبائر وأكبرها ، رقم 90.
(2) ... لطفي محمود عبدالحليم ، حقوق الإنسان بين إعلان الأمم المتحدة والقرآن ، المصباح للنشر والترجمة ، القاهرة ، 1992 ، ص207 .
(3) ... الغزالي ، إحياء علوم الدين ، 2/278 .(1/22)
وهذه العبارات الرقيقة من الأحنف تلامس كبد الحقيقة ، ثم إن البر في إطار بناء العلاقات الاجتماعية ، وبخاصة بين أفراد الآسرة ، لا يسير باتجاه واحد ، وإنما ضمن شبكة من العلاقات ومنظومة متكاملة من الدوائر ، إذ لا يتفرد الآباء بالبر دون سواهم ، فكما أن لهم حقاً يؤديه أبناؤهم تجاهم ، كذلك ينبغي أن يكون بر الآباء بأبنائهم موصولاً ، وقد ورد في الحديث الشريف ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) (1) .
وقد أخذ الشاعر أبو الحسن الهاشمي هذا المعنى فقال :
الناس كلهم عيال الله تحت ظلاله فأحبهم طراً إليه أبرهم لعياله
وقد جاءت وصية الله تعالى بالأولاد في آيات المواريث في قوله : { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا } (النساء: 11).
__________
(1) ... أخرجه الترمذي في المناقب ،باب في فضل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، رقم 3892 ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .(1/23)
وقد حذرت الآيات الكريمة من قتل الآولاد بسبب فقر واقع { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } (الأنعام: 151) ، أو بسبب فقر متوقع { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } (الإسراء: 31) ، ذلك أن الرزاق هو الله سبحانه . وقد حكي أن رجلاً اشتكى كثرة عياله إلى بعض الزهاد فقال : ( انظر من كان منهم ليس رزقه على الله عزوجل فحوّله الى منزلي) (1) .
وكما خص الإسلام الأمهات بمزيد من البر ، فإنه قد خص البنات بمثل ذلك . فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول - صلى الله عليه وسلم - ( من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ، ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة ) (2) . وفي حديث آخر ( من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات ، أو بنتان ، أو أختان ، فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة ) (3) . وفي هذه النصوص الكريمة إدانة صارخة لبعض الممارسات الجافية بحق البنات والأخوات ، وهضم حقوقهن والتضييق عليهن مما لم يأذن به الله ورسوله . دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده بنت له فقال : أبعدها الله عنك يا أمير المؤمنين ، فوالله ما علمت أنهن يلدن إلا عدواً، ويقربن البعداء ، ويورثن الضغائن . فقال معاوية : لا تقل هذا يا عمرو ، فوالله ما مرض المرضى ، ولا ندب الموتى ، ولا أعون على الأحزان منهن ، ولرب ابن أخت قد ينفع خاله.
وقال منصور الفقيه :
أحب البنات وحب البنات فرض على كل نفس كريمة
لأن شعيباً من اجل البنات أخدمه الله موسى كليمه
__________
(1) ... الماوردي ، أبو الحسن علي بن محمد البصري ، أدب الدنيا والدين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ص199 .
(2) ... رواه أبو داود في الأدب ، باب فضل من عال يتيماً ، رقم 5146 .
(3) ... رواه أبو داود في الأدب ، باب فضل من عال يتيماً ، رقم 5147 .(1/24)
وقال قتادة : رب جارية خير من غلام قد هلك أهله على يديه (1) .
المطلب الثالث – طبيعة العلاقة بين الأخوة
للعلاقات بين الإخوة في التصور الإسلامي طبيعة مميزة ، وإليها يرتد القول في تصوير العلاقة الحميمة بين المؤمنين . قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة ٌ } ( الحجرات : 10). وقد أطلق على عملية التوليف بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة اسم " المؤاخاة "، حيث جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أخوة العقيدة بين الأطراف بمثابة أخوة النسب ، بكل ما ترتبه هذه الأخيرة بين ذويها من نفقة وإرث وغير ذلك . وقد امتن الله تعالى على هذه الأمة بأن جمع قلوب بينها بالإسلام بعد التفرق والشتات فقال تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } (آل عمران: 103 ).
وقد جعل الشارع الإخوة من العصبات ، أي ممن يشتد بهم ويتقوى بهم ، فهم كالعصب بالنسبة للشخص . وورد في ( رسالة الحقوق ) للإمام علي بن الحسن زين العابدين: ( وحق أخيك أن تعلم أنه يدك التي تبسطها وظهرك الذي تلتجئ إليه ، وعزك الذي تعتمد عليه، وقوتك التي تصول بها ) (2) .
__________
(1) ... ابن مفلح المقدسي ، شمس الدين أبو عبدالله محمد بن مفلح الحنبلي ، الأداب الشرعية والمنح المرعية ، 1/509 .
(2) ... القبانجي ، حسن السيد علي ، شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين ، ص 623 .(1/25)
هذا هو الأصل في بناء هذه العلاقة ، ود ومحبة ودعم وإسناد ، لكن هذه الصورة الوضيئة تفقد بهاءها ويخبو إشراقها أحياناً ، فترتكس على نحو يذهل السامع والمشاهد ، كما كان من شأن ابني آدم { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } (المائدة: 27 )، وكما كان من شأن أبناء يعقوب عليه السلام { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ - اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ } (يوسف: 8 – 9) . لكن هذه المواقف بين الإخوة لا تعدو أن تكون نزوات عارضة لا تشين قاعدة بناء العلاقات الأخوية ، إنها نزعات شيطانية قد تعرض في غير ما دائرة أو علاقة ، فنترك آثارها السيئة ، إذ قد يحدث مثل ذلك في دائرة الأزواج أو الآباء أو الأبناء أو الأرحام بعامة ، ولا تشكل شرخاً في إطار العلاقات من حيث المبدأ .
وأراني ههنا بحاجة الى التذكير بدور الآباء في توجيه العلاقة الأخوية توجيهاً راشداً ، وعدم السماح بالتمييز بين الأخوة بما يفضي الى إثارة الشحناء بينهم ، وقد ورد في الحديث الصحيح :" اعدلوا بين أولادكم في العطية " (1) .
__________
(1) ... رواه البخاري في كتاب الهبة ، باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئاً ، 3/133،134 .(1/26)
وعن النعمان بن بشير أن أباه أتى به الى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( إني نحلت ابني هذا غلاماً ، فقال: أكلً ولدك نحلت مثله ؟ قال : لا . قال : فارجعه ) (1) ، وفي رواية مسلم : ( قال : فأشهد على هذا غيري ، ثم قال : أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال : بلى ، قال : فلا إذاً) (2) .
ثم إن العلاقات بين الإخوة ينبغي أن تقوم على التناصح والتناصر ، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، فقالوا : يا رسول الله ، هذا ننصره مظلوماً ، فكيف ننصره ظالماً ، قال : تأخذ فوق يديه ) (3) .
ومن جانب آخر فإنه يتحتم على الإخوة أن يتجاوزوا ما يكون بينهم من أخطاء وهفوات ، وألا يجعلوا من صغائر الأمور كبائر تفضي بهم إلى القطيعة والتدابر، وفي هذا يقول النابغة الذيباني :
ولست بمستبق أخاً لا تلمه ... ... على شعث أي الرجال المهذب
وعلى صغيرهم أن يقدر كبيرهم ، فقد ورد في الحديث الشريف : ( حق كبير الأخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده ) (4) .
المبحث الثالث – التأديب في نطاق الأسرة
يمثل التأديب – من حيث المبدأ – إحدى آليات النظام العام في المجتمع ، ومن هنا كانت قوانين العقوبات من أجل تنظيم شؤون الناس وإعادة الخارجين عن النظام إلى الجادة القويمة . والأسرة باعتبارها مجتمعاً صغيراً لا غنى لها عن نظام تأديبي يأخذ بعين الاعتبار خصوصية وضعها وطبيعة العلاقات بين أفرادها ، مما نبينه في المطلبين الآتيين .
المطلب الأول – مشروعية التأديب الأسري
__________
(1) ... رواه البخاري في كتاب الهبة ، باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئاً ، 3/133،134 .
(2) ... رواه مسلم في الهبات ، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة ، رقم 1623 .
(3) ... رواه البخاري في كتاب المظالم والغضب ، باب أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً 3/98.
(4) ... رواه البيهقي في شعب الإيمان ، باب في بر الوالدين ، فصل من حفظ حق الوالدين بعد موتها ، رقم 7929 .(1/27)
1- مشروعية تأديب الزوجة .
أ . ... قال تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } (النساء: 34) .
والنساء وفقاً لهذه الآية الكريمة صنفان:
·? ... الصنف الأول من الصالحات القانتات ، حفظن الله فحفظهن ، فهن لسن هدفاً لعقوبة، أدبن أنفسهن فلم يعدن بحاجة إلى تأديب أحد .
·? ... الصنف الثاني من الناشزات ، وهذا الصنف هو المستهدف بالتأديب ، والنشوز هو الخروج عن طاعة الزوج وخروجها من المسكن بغير حق . وقد عرف قانون الأحوال الشخصية الأردني المرأة الناشز بأنها ( التي تترك بيت الزوجية بلا مسوغ شرعي ، أو تمنع الزوج من الدخول إلى بيتها قبل طلبها النقلة إلى بيت آخر ) ( المادة 69 ) ، ويعتبر من المسوغات المشروعة لخروجها من المسكن إيذاء الزوج لها بالضرب أو سوء المعاشرة.
ب . ... روى مسلم في صحيحه من خطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع قوله : (فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ) (1) . قال المازري ، قيل المراد بذلك أن لا يستخلين بالرجال ولم يرد زناها لأن ذلك يوجب جلدها ، ولأن ذلك حرام مع من يكرهه الزوج ومن لا يكرهه . وقال القاضي عياض : كانت عادة العرب حديث الرجال مع النساء ، ولم يكن ذلك عيباً ولا ريبة عندهم ، فلما نزلت آية الحجاب نهوا عن ذلك .
__________
(1) ... رواه مسلم في كتاب الحج ، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، رقم 1218 .(1/28)
ويعقب النووي على هذين الرأيين فيقول : والمختار أن معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم ، سواء كان المأذون له رجلاً أجنبياً أو امرأة ، ولا محرم ولا غيره (1) .
وأورد الترمذي حديثاً بمعناه قال فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. ألا إن لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً ، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون . ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) (2) .
ويستوقفنا بعد استعراض هذه النصوص الشرعية ، قوله تعالى: : { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } (النساء: 34) ، تأكيداً على أن التجاوز على الطيّعات من النساء بغي ، والبغي هو الظلم والعدوان وتجاوز ما ليس للشخص فيه حق .
2- مشروعية تأديب الأولاد .
__________
(1) ... النووي ، صحيح مسلم بشرح النووي ، 8/183،184 .
(2) ... رواه الترمذي في كتاب الرضاع ، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها ، رقم 1163 . وقال : هذا حديث حسن صحيح .(1/29)
قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهو أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع ) (1) . وفي رواية ( علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر ) (2) ، وقد ذكر الإمام الصنعاني ( أن التعزير من حق الأب، فإن له تعزير ولده الصغير للتعليم ، وللزجر عن سيء الأخلاق ، والأم لها هذا الحق ، فالتعزير سواء باليد أو باللسان (التوبيخ) من أجل تغيير المنكر ، والتزام المعروف من حق الوالدين ) (3) . وتوسع ابن نجيم في أصحاب الحق في تأديب الصبي ، فجعل ذلك حقاً للأبوين والأجداد والجدات (4) .
المطلب الثاني – ضوابط التأديب الأسري
يمكننا تبين ملامح هذه الضوابط فيما يلي :
أولاً – بالنسبة للزوجة :
1- إن التلويح بعقوبة الضرب لا يعني بالضرورة المصير إليها أو اللجوء إليها عند وجود المقتضي ، فهذا عطاء يذهب إلى عدم الضرب وإن أمرها ونهاها فلم تطعه ، ولكن يغضب عليها ، ويعلق ابن العربي على مذهب عطاء فيقول : هذا من فقه عطاء ، فإنه من فهمه بالشريعة ووقوفه على مظان الاجتهاد ، علم أن الأمر بالضرب ههنا أمر إباحة (5) .
__________
(1) ... رواه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة ، رقم 495 ، وقال : حديث حسن صحيح .
(2) ... رواه الترمذي في كتاب الصلاة ، باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة ، رقم 407 ، وقال حديث حسن صحيح .
(3) ... الصنعاني ، محمد بن اسماعيل الكحلاني ، سبل السلام ، مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي وأولادة بمصر ، ط4 ، 1960 ، 4/38 .
(4) ... ابن نجيم الحنفي ، زين العابدين بن ابراهيم ، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1985 ، ص 332 .
(5) ... ابن العربي ، أبو بكر محمد بن عبدالله ، أحكام القرآن ، دار الجيل ، بيروت ، 1988 ، 1/420 .(1/30)
وكأن عطاء قد استدل على مذهبه بما رواه يحيى بن سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استؤذن في ضرب النساء فقال : ( اضربوا ولن يضرب خياركم ) .
وعن إياس بن عبدالله بن أبي ذئاب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تضربوا إماء الله"، قال : فأتاه عمر بن الخطاب فقال ؟ يا رسول الله ، ذئر النساء على أزواجهن ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن ، ولا يجدون أولئك خياركم) (1) ، قال البيهقي وفي قوله : ( لن يضرب خياركم ) 2. دلالة على أن ضربهن مباح لا فرض أن يضربن .
وقال شريح :
رأيت رجالاً يضربون نساءهم ... ... فشلت يميني حين أضرب زينبا
هكذا فإننا في هذا السياق أمام صنفين من الرجال :
·?صنف أخيار لا يرون الضرب سبيلاً تربوياً يتعاملون به مع نسائهم عند المخالفة .
·?صنف دون ذلك يلتمسون في الضرب علاجاً لتقويم المعوج.
وللمسلم أن يضع نفسه مع أي الفريقين شاء ، وليذكر أن له في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة.
2- إن المصير إلى الضرب لا يكون عند ابتداء النشوز ، وهذا هو اختيار جمهور العلماء ومنهم المالكية والحنفية والحنابلة، وينبغي مراعاة الترتيب الوارد في الآية الكريمة، فالوعظ يكون عند خوف النشوز، والهجر عند ظهور النشوز، والضرب عند تكرره واللجاج فيه (2) . ويترتب على الأخذ بهذا الرأي أن يعاقب من يضرب زوجته لأول معصية ، أو لثاني معصية (3) .
__________
(1) ... البيهقي ، معرفة السنن والآثار ، باب نشوز المرأة على الرجل ، ورواه أبو داود في كتاب النكاح ، باب في ضرب النساء ، رقم 2146 .
(2) ... ابن الجوزي ، زاد المسير ، 2/72 ، تفسير القرطبي 5/172 ، وابن عاشور، التحرير والتنوير 5/42 والغزالي ، إحياء علوم الدين 2/63.
(3) ... عبدالقادر عودة ، التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي ، مكتبة دار المعرفة ، القاهرة ، ط3 ، 1963م ، 1/514 .(1/31)
3- إن الضرب إن كان يصلح مع بعض النساء فإنه لا يصلح لأخريات ، وفي هذا يقول ابن العربي : ( والذي عندي أن الرجال والنساء لا يستوون في ذلك ، فإن العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة ، ومن النساء ، بل من الرجال ، من لايقيمه إلا الأدب ) (1) .
ويقول ابن عاشور : ( وعندي أن تلك الآثار والأخبار محمل الإباحة فيها أنها قد روعي فيها عرف بعض الطبقات من الناس ، أو بعض القبائل ، فإن الناس متفاوتون في ذلك ، وأهل البدو منهم لا يعدون ضرب المرأة اعتداء ، ولا تعده النساء أيضاً اعتداء ) (2) . ويقول القرطبي : ( ويختلف الحال في أدب الرفيعة والدنيئة ، فأدب الرفيعة العذل ، وأدب الدنيئة السوط ) (3) .
ومن الجدير بالذكر أن الفقه المالكي يذهب إلى أن الزوج إذا ظلم زوجته وشكته إلى القاضي وعظه ، فإن تكررت الشكوى حكم لها بالنفقة ولم يحكم لها بالطاعة زمناً ، فإن شكته بعد ذلك عزره بالضرب . وهذه عقوبات ثلاث تقابل عقاب الزوج لزوجته ، ولكنها أشد وأعنف، فالضرب لا يكون غير مبرح (4) .
ثانياً – بالنسبة للصبيان :
__________
(1) ... ابن العربي ، أحكام القرآن ، 1/420،421 .
(2) ... ابن عاشور ، التحرير والتنوير ، 5/41،42.
(3) ... تفسير القرطبي ، 5/174 .
(4) ... محمد أبو زهرة ، زهرة التفاسير ، 3/1671 .(1/32)
1- عدم المعاجلة إلى إيقاع العقوبة على الصبي عند وقوع المخالفة منه – ويرسم لنا رجال التربية في الإسلام منهجاً لمعالجة أخطاء الصبية ، يقول حجة الإسلام الغزالي : ( فإن خالف [أي الصبي] ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة ، فينبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره ولا يكاشف .... ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه ... إن عاد سراً فينبغي أن يعاتب سراً ويعظم الأمر فيه ، ويقال له : إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا وأن يطلع عليك في مثل هذا فتفتضح بين الناس ، ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين ، فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح ، ويسقط وقع الكلام من قلبه . وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه فلا يوبخه إلا أحيانا ) (1) .
ويقول أبو علي بن مسكويه : ( إن طريقة التأديب إذا وقع من الصبي مخالفات هي التغافل أولاً ، ثم التوبيخ ثم الضرب) ، وينهي بدوره عن المبالغة في التوبيخ ( لأنك إن عودته التوبيخ والمكاشفة حملته على الوقاحة ) (2) .
2- إن تأديب الصبيان على ترك الصلاة أو مخالفتهم الأخلاقية لا يصدر من تصور أنهم يرتكبون جرائم ، ذلك أن هذه الأفعال لا تعد جرائم في حقهم ، لأنهم ليسوا أهلاً للتكليف، ولا تعد معاصي وإنما يعزرون حماية للمصلحة العامة والنظام العام (3) . وهو – كما ذكر ابن القيم – ضرب تأديب وتمرين (4) .
__________
(1) ... الغزالي ، إحياء علوم الدين ، 3/93 .
(2) ... نقلاً عن البشري الشوربجي ، رعاية الأحداث في الإسلام والقانون المصري ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1985 ، ص333 .
(3) ... عبدالقادر عودة ، التشريع الجنائي الإسلامي ، 1/151 .
(4) ... ابن قيم الجوزية ، تحفة المودود بأحكام المولود ، ص231 .(1/33)
المطلب الثالث – شروط التأديب (1) .
للتأديب شروط كثيرة أهمها :
1- أن يكون بقصد الإصلاح لا الانتقام والتشفي ، فليس أي من المستهدفين بالتأديب خصماً، إنها الزوجة التي خلقها الله والرجل من نفس واحدة ، وجعل الله من الحياة معها وبها مودة وسكناً ، أو الأولاد ، ذكوراً كانوا أو إناثاً ، فهم زينة الحياة الدنيا ، وهم بعض من آبائهم ، وماذا فوق ذلك رابطة ؟ ولا يغيبن عن الذاكرة أن الهدف من العقوبة هو حماية الفضيلة من جانب ، وتحقيق منفعة أو مصلحة من جانب آخر (2) ، يروى في هذا المقام أن أبا الدرداء رأى ذات يوم جماعة يشتمون رجلاً ويضربونه فسألهم : ما الخبر ؟ قالوا: رجل وقع في ذنب كبير . قال : أرأيتم لو وقع في بئر أفلم تكونوا تستخرجونه منه ؟ قالوا : بلى . قال : لا تسبوه ولا تضربوه ، وإنما عظوه وبصروه ، واحمدوا الله الذي عافاكم من الوقوع في ذنبه . قالوا : أفلا تبغضه ؟ قال : إنما أبغض فعله فإذا تركه فهو أخي .
2- إذا كان التأديب بالضرب فينبغي ألا يكون مبرحاً . وقد ذكر القرطبي أن المقصود بالضرب في الآية ( واضربوهن ) هو ضرب الأدب غير المبرح ، وهو الذي لا يكسر عظماً ولا يشين جارحة ، كاللكزة ونحوها ، فإن المقصود منه الصلاح لا غير . ونقل عن عطاء قوله: ( قلت لابن عباس : ما الضرب غير المبرح ؟ قال : بالسواك ونحوه) (3) . وقد مر بنا سابقاً في الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم ( ... فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ).
__________
(1) ... د. سليمان أحمد عبيدات ، الطفولة في الإسلام ، جمعية عمال المطابع التعاونية ، ط1 ، 1989م ، ص143 . عالية أحمد ضيف الله ، العنف ضد المرأة بين الفقه والمواثيق الدولية ـ دراسة مقارنة ـ أطروحة دكتوراة مقدمة لكلية الدراسات العليا في الجامعة الأردنية .
(2) ... محمد أبو زهرة ، العقوبة ، ص29 .
(3) ... تفسير القرطبي ، 5/172 .(1/34)
وعن عبدالله بن زمعة رضي الله عنه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ، ثم لعله يجامعها من آخر اليوم ) (1) .
3- أن يتقي الوجه والمواضع الخطرة . فعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال : ( قلت يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت ) (2) . ومعنى قوله ( لا تقبح ) أن تقول : قبحك الله .
4- أن يوازن بين المصلحة والمفسدة من إيقاع التأديب ، فلا يجعل الضرب أو التوبيخ إلا أحياناً، وهكذا فلا يلجأ إلى تكرار الضرب إذا كان الضرب لا يؤتي الثمرات المرجوة .
5- أن يتم التأديب على أمر واقع ومخالفة موجودة ، ومن هنا جعلت الآية الكريمة الوعظ فقط عند التخوف من نشوز المرأة ، أما الهجر فكان عند وقوعه ، والضرب عند تكراره.
6- أن يتولى الزوج أو ولي الأمر التأديب بنفسه ، فلا يكل الزوج تأديب زوجته إلى أمه أو أهله أو إحدى ضرائرها ، ولا يكل الأب ضرب الابن إلى الإخوة أو من لا علاقة له من أجنبي ونحوه . ودليل ذلك أن الآية توجهت بالخطاب إلى الأزواج دون أولياء الأمور فقال تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } (النساء: 34) .
7- ألا يقدم على الضرب وهو في ثورة الغضب ، فقد يحدث من الضرر حينذاك أكثر مما يرجى من الصلاح . وقد ورد في الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ( إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنا : إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع) (3) .
__________
(1) ... رواه البخاري ، كتاب النكاح ، باب ما يكره من ضرب النساء ، 6/153 .
(2) ... رواه أبو داود في كتاب النكاح ، باب في حق المرأة على زوجها ، رقم 2142 .
(3) ... رواه أبو داود في كتاب الأدب ، رقم 4782 .(1/35)
المبحث الرابع – أسباب العنف في نطاق الأسرة ودوافعه
لعل من المناسب أن نعاجل إلى تعريف العنف قبل الحديث عن أسبابه ، ونحن أمام هذا المطلب نجد أن للعنف تعريفات عدة تختلف بحسب الجهة التي تعنى به والهدف من وراء ذلك . وأنى كان من أمر فقد عرفت منظمة الصحة العالمية العنف بأنه( الاستعمال المتعمد للقوة المادية أو القدرة ، سواء بالتهديد أو الاستعمال الفعلي لها ، من قبل الشخص ضد نفسه ، أو ضد مجموعة أو مجتمع ، بحيث يؤدي إلى حدوث أو رجحان احتمال حدوث إصابة أو موت ، أو إصابة نفسية ، أو سوء النماء أو الحرمان ) (1) . وهذا التعريف من الشمول أو السعة بحيث يدخل فيه التهديد وبث الرعب . وعرفه آخرون بأنه ( عمل مباشر أو غير مباشر من أعمال العنف ضد أحد أفراد الأسرة ، يترتب عليه أذى بدني أو جنسي أو نفسي) (2) .
هذا والخلاف في تعريف العنف لا يقل عنه الخلاف في استيعاب أسبابه وتبويب هذه الأسباب، وسنقسم الحديث فيها إلى ثلاثة أقسام : ذاتية واقتصادية واجتماعية .
المطلب الأول – الأسباب الذاتية
لهذه الأسباب اتصال بالفاعل ذاته والجوانب النفسية لديه ، ويمكن الإشارة في هذا المقام إلى بعض الأمثلة منها :
__________
(1) ... المجلس الوطني لشؤون الأسرة ، منظمة الصحة العالمية ، الصحة والعنف ، تحرير د. منذر زيتون ، 2005م ، ص 11،12 .
(2) ... نظام عساف ، العنف الأسري وعمالة الأطفال ، مركز التوعية والإرشاد الأسري ، الزرقاء ، 2000م ، ص 25 .(1/36)
1- الاضطرابات النفسية ، وذلك كالإحباط والاكتئاب وفصام الشخصية ، وظهور نزعات عدوانية كالسادية ، والماسوشية (1) .
2- ضعف احترام الذات والهروب من المشكلات الخاصة إلى تعاطي المخدرات ، مما يفضي إلى تعقيد الموقف والوقوع في مشكلات أكبر .
3- تبني أنماط ثقافية مغلوطة ، وبخاصة في إطار العلاقة الزوجية ، منها اعتقاد أن القوامة على المرأة سلطة ، وأن الرجولة تقضي بتحجيم المرأة والتطاول عليها ، وأن له الحق في أخذ مالها إذا ما أعسر ، وأن الأولاد لا يستقيم أودهم إلا بالقوة ، وأن التربية الحازمة هي التربية التي تستند إلى إنفاذ أمر الأب دون نقاش ، وأن كلمته هي العليا التي لا معقب عليها .
4- التوقعات غير الواقعية في النظر إلى الحياة الزوجية وافتراض أنها حالة مستديمة من الغرام العارم ، وكأنما كانت استثناء من الحياة العامة ، وليست جزءاً منها لها حالات من الصفاء وأخرى من الكدر ، وتناسي أن المطلوب من كل من الطرفين أن يعد نفسه لحالة من التوافق أو التكيف مع الآخر ، ومن ثم فإن الزواج ليس ( منحة ) ، بل ( مكسباً ) بطيئاً يتم بتضافر الكثير من الجهود (2) ، وإذا لم يقع إدراك هذه الأمور موقعه الصحيح كان اللجوء إلى الطلاق هو الخيار الأول ، بل هو الخيار الذي لا خيار بعده عند كثير من الأزواج حديثي العهد بالزوجية .
__________
(1) ... السادية مصطلح يعني السيطرة على الآخر وممارسة نوع من الإذلال له ، أي حب التعذيب ، وتنسب إلى المركيز ( دي ساد ) الفرنسي الذي عرف عنه اللجوء إلى العنف أثناء ممارسة الجنس ، فالسادية هي التلذذ الجنسي بإيلام الشريك بالضرب أو العض أو غيره .أما الماسوشية فتمثل في حب العذاب والحصول على المتعة الجنسية عند تلقي التعذيب ، وتنسب الماسوشية إلى الكاتب والروائي النمساوي ليبولد زاخر مازوخ .
(2) ... د. زكريا ابراهيم ، سيكولوجية المرأة ، مكتبة مصر ، القاهرة ، ص 109 .(1/37)
5- عدم وجود وازع ديني ، أو ضعف هذا الوازع لدى بعض أفراد الأسرة حتى تنقلب وشائج القربى وما تستتبعه من بر وتواصل ، حالة من القطيعة الملفعة بصنوف من الأذى والسباب والتدافع البغيض .
6- حالة المراهقة التي تعرض للشباب في حياتهم ، وما يصاحب هذه المرحلة من شعور المراهق بالاعتداد بالذات ، وعدم الاتزان العاطفي ، واللجوء إلى العنف سبيلاً لحل مشكلاته مع الآخرين، والانسياق مع مجموعة الرفاق في سلوكات تؤذن بالخطر إذا ندّت عن الرقابة والمتابعة والتوجيه الأسري .
7- وجود أزمة ثقة بين الزوجين لا تلبث أن تعبر عن ذاتها باتهامات متبادلة ، يرافقها أو يعقبها نوع من العنف بينهما ، وقد كان لهم مندوحة في المكاشفة والاحتكام إلى قوله تعالى (فتبينوا)، وقوله ( إن بعض الظن إثم).
المطلب الثاني – الأسباب الاجتماعية
من أبرز الأسباب الاجتماعية للعنف الأسري :
1- التفكك الأسري وغياب دور الآباء والأمهات في رعاية أولادهم وتربيتهم تربية فاضلة ، وما استفحال ظاهرة أطفال الشوارع في بلادنا وفي البلاد الأخرى ، شرقية كانت أو غربية – إلا ثمرة مرة من ثمرات التفكك الأسري ، وهذه الظاهرة تشكل قنبلة موقوتة تهدد النسيج الاجتماعي بصورة عامة (1) .
__________
(1) ... أ. د. عبدالإله أبو عياش ، أضواء على ندوة أطفال الشوارع في المدن العربية ، مقال منشور في ( مجلة الرابطة ) التي تصدر عن الأمانة العامة الرابطة المؤسسات العربية الخاصة للتعليم العالي ، المجلة السابع ، العدد الأول ، 2007 ، ص133،114 .(1/38)
2- سماح الآباء لأنفسهم بأن تكون مشاجراتهم أمام أولادهم ، وهذا يفضي إلى تقليد الأولاد للآباء . فقد كشفت دراسة قام بها ( شتراوس ) وزملاؤه عن أن الأطفال الذين شاهدوا آباءهم يضرب بعضهم بعضاً ، قاموا بممارسة العنف بدرجة أعلى من الأطفال الذين لم يشاهدوا آباءهم على هذا الحال . كما تشير التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة ( 1989) إلى أن 20% من الأزواج الذين عاشوا في أسر مارست العنف قد مارسوا العنف ضد زوجاتهم (1) .
3- اتجاه كثير من المجتمعات بفعل تأثير العولمة إلى رفض فكرة ( السلطة الأبوية ) ، ووقوف الحركات النسوية إلى جانب هذا التوجه ، ورفعهن شعار معاداة ( الأبوية ) . وقد أسهم ذلك في خلق حالة من التحسس من قبول أي من توجيهات الأب في إدارة الأسرة ، بل والتمرد عليها ، وزاد الأمر سوءاً اتجاه دوائر التشريع في المجتمعات الغربية إلى منع الأبوين من تأديب أولادهما .
ويذكر مؤلف كتاب ( أمريكا بلا آباء ) أن المجتمع الأمريكي أصبح ينظر إلى الأباء باعتبارهم عبئاً لا ضرورة له ، بل إن بعضهم ينظر إلى فكرة ( الأبوة ) وكأنها شر مستطير، وأن الرجال ليسوا سوى عنصر مضايقة للنساء . ويصور المؤلف المشاكل النفسية غير المحدودة التي تنتج عن اختفاء دور الأب ، ويعلل انتشار ظاهرة العنف والجريمة في ذاك المجتمع بعدم تلقي الأولاد الضالين التوجيه من الآباء ، وبخاصة في أعوام التكوين الأولى (2) .
4- محاولة الآباء فرض عزلة اجتماعية على أولادهم ، يحولون من خلالها بين أولادهم وبين أقرانهم وأترابهم ، فيحرمونهم بذلك من تأسيس علاقات اجتماعية طبيعية ، في وقت يكون هؤلاء الأولاد بأمس الحاجة إلى مجتمع الرفاق ، ولا شك أن هذا يؤسس لعدم قبول الآخر بل ووجود حالة من العنف في إطار علاقاتهم الداخلية والخارجية .
__________
(1) ... نظام عساف ، العنف الأسري وعمالة الأطفال ، ص 37 .
(2) ... مثنى أمين الكردستاني وكاميليا حلمي محمد ، الجندر ، ص 29-31 .(1/39)
5- انشغال الآباء بشؤونهم الخاصة ، وضعف الرقابة على الأولاد ، أو الاهتمام بشؤونهم ، اتكالاً على دور الخادمات في ذلك ، حتى أصبحت هذه الظاهرة مكافئة لليتم المبكر ، وفي ذلك يقول حافظ ابراهيم :
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له أما تخلت أو أبا مشغولا
6- المناهج الموازية التي تفرضها وسائل الإعلام على الناشئة ، على نحو يتعارض مع المقررات التربوية التي يتلقونها في المؤسسات التعليمية ، هذه المناهج التي تكتنف الناشئة على مدار الساعة ، بكل ما تتضمنه من أفلام ومسرحيات ومسلسلات ومجلات ، يبتذل فيها الجنس ، وتستهدف فيها القيم النبيلة ، ولا يخفى على أي مشاهد للأفلام الأمريكية مبلغ تركيزها على العنف ، لدرجة أصبح اللجوء إلى العنف بين الأطفال وطلبة المدارس ظاهرة تؤرق الرؤساء قبل غيرهم ، حتى إن ( نيكسون ) اتهم ( هوليوود) بتدمير المجتمع الأمريكي من خلال ما تنتجه من مادة إعلامية تدعو إلى الإباحة الجنسية ، وهذا ما دعا ( كلنتون ) إلى الاجتماع ( 400 ) سينمائي من ( هوليوود ) ملتمساً منهم الرحمة بالمجتمع والكف عن إنتاج الأفلام الجنسية الإباحية (1) .
7- غياب العدالة في سياسة الرجل لأسرته ، سواء من خلال تجاوزه وافتئاته على حقوق زوجته، أو التحيز لبعض أولاده أو زوجاته ، حيث يهيج هذا السلوك حفيظة الأولاد والزوجات ممن حاف عليهم ، وتبدأ المشاحنات بين الأولاد كما تتأزم العلاقة بين الزوجات ، ويأخذ العنف مجراه بمختلف صوره النفسية واللفظية والبدنية بعد ذلك .
المطلب الثالث – الأسباب الاقتصادية
للعوامل الاقتصادية آثارها الواضحة في إحداث العنف ، ويظهر ذلك فيما يلي :
__________
(1) ... د. ابراهيم مصحب الدليمي ، الأسرة والتنشئة الاجتماعية للطفل العربي في ظل العولمة ، مقال بمجلة الآفاق الصادرة عن جامعة الزرقاء الأهلية ، العدد التاسع ، السنة الثالثة ، 2002، ص77 .(1/40)
1- لم يزل الفقر من أقوى الأسباب الباعثة على العنف الأسري ، وقد نوهت الآيات الكريمة بأهمية العوامل الاقتصادية في اقتراف الأعمال العنفية ، فنددت بأعمال الجاهلية في إقدام بعضهم على التخلص من أولاده بسبب الفقر ، قال تعالى: { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } (الأنعام: 151) ، وقال كذلك { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } (الإسراء: 31).
2- والبطالة كذلك الحال تعد سبباً آخر للعنف على مستوى الأسرة والمجتمع ، فالشخص إذ تضيق به السبل ثم لا يجد ما يسعف به وضعه ، أو يقيم أوده ، يضيق حينذاك صدره ، وقد يفرغ غيظه على زوجته أو أولاده ، من حيث يريد ذلك أو لا يريد .
3- الهجرة طلباً للرزق والعمل ، والانغماس فيه إلى حد نسيان الزوجة والأولاد ، والاهتمام بتحصيل المال وجعله هدفاً أول ، كل ذلك يؤذن بوجود حالة من التسيب وعدم الانضباط في شؤون الأسرة. وفي دراسة قام بها رمزون عام 1995 حول أثر غياب رب الأسرة للعمل في دول الخليج العربي على أسرته ، توصل الباحث إلى أن ذلك يؤدي إلى خلل كبير في أدوار أفراد أسرته ، وفي غياب النموذج القدوة للأبناء ، وبالتالي ظهور جنوح بين الأبناء (1) .
المبحث الخامس – خصائص العنف الأسري وآثاره
المطلب الأول – خصائص العنف الأسري
للعنف في نطاق الأسرة عدد من السمات والخصائص أهمها :
__________
(1) ... د. حسين فرحان رمزون ، قراءة في مشكلات الشباب الجامعي في الجامعات الأردنية ، مقال في ( مجلة الرابطة ) التي تصدر عن الأمانة العامة لرابطة المؤسسات العربية الخاصة للتعليم العالي ، المجلد السابع ، العدد الأول ، 2007 ، ص 58 .(1/41)
1- إن العنف يؤذن بتفكك الأسرة ، والتفكك مفهوم يضاد مفهوم الأسرة ، فالأسرة تقوم على التساند والتعاضد ، والتفكك مبناه على التناقض والتعارض . الأسرة لحمة وسدى ، والتفكك نقض كفعل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً .
2- العنف في نطاق الأسرة يرقى إلى مستوى الكبائر ، فالشتم والتحقير مردود بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (الحجرات: 11) . وعقوق الوالدين كبيرة . قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة : العاقّ لوالديه ، والمرأة المترجلة ، والديوث ، وثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه ، والمدمن على الخمر ، والمنان بما أعطى) (1) . وقطيعة الرحم كذلك الحال، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يدخل الجنة قاطع رحم ) (2) . وقل مثل ذلك في ظلم الزوجة وحرمان البنات من الإرث ، ومحاباة بعض الأولاد دون الآخرين الخ ... . وهذه الأمور مع كونها محرمة خارج النطاق الأسري فهي في نطاق الأسرة أشد حرمة .
3- والعنف الأسري أشد وقعاً على النفس مما سواه ، وقديماً قال الشاعر :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند
وقد يكون مدعاة للندم الشديد الذي يلازم الإنسان حياته ، يروى في هذا المقام أن الفرزدق طلق امرأته ( نوار ) ، ثم تبعتها نفسه وندم على طلاقها أيما ندم ، وفي ذلك يقول :
__________
(1) ... رواه النسائي في الزكاة ، باب المنان بما أعطى ، رقم 2562.
(2) ... رواه البخاري في الأدب باب إثم القاطع ، ومسلم في البر والصلة، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها ، رقم 2556 .(1/42)
ندمت ندامة الكسعي لما ... ... غدت مني مطلقة نوار
فاصبحت الغداة ألوم نفسي ... ... بأمر ليس لي فيه اختيار
وكانت جنتي فخرجت فيها ... ... كآدم حين أخرجه الضرار
والطلاق من حيث المبدأ رد فعل عنيف لا يخلو من أذى ، وفي ذلك يقول الغزالي : ( ومهما طلقها فقد آذاها ، ولا يباح إيذاء الغير إلا بجناية من جانبها ، أو بضرورة من جانبه ) (1) . ومن هنا فقد عد الشارع الصبر على أذى المسيئ والعفو عنه من عزم الأمور، قال تعالى: { وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ - وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ - إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ - وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } (الشورى:40– 43).
أما عن خصائص العنف من حيث الأفراد المسببين والمعرضين للعنف ، فقد كشفت الدراسات عن أن أكثر الأفراد تسبباً للعنف هم من الشباب الذين هم في الثلاثينيات من عمرهم ، وأكثرهم من النساء اللآتي هن في العشرينيات من أعمارهن (2) .
المطلب الثاني – آثار العنف الأسري
للعنف الأسري آثاره التي تمس كلاً من الفرد والأسرة والمجتمع . وبيان ذلك فيما يلي.
أولاً – آثاره على الفرد :
يعاني الفرد المستهدف بالعنف من آثار سيئة في مختلف المجالات العقلية والنفسية والخلقية:
__________
(1) ... الغزالي ، إحياء علوم الدين ، 2/70 .
(2) ... المجلس الوطني لشؤون الأسرة ، الصحة والعنف ، ص44،45 .(1/43)
فمن الناحية العقلية نجد أن الأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري يتأخر نموهم العقلي واستيعابهم اللفظي وتتدنى نسبة الذكاء وقوة التركيز لديهم . ومن الناحية النفسية يعاني الطفل من الاضطهاد والكبت والاكتئاب وضعف الثقة بالنفس ، بل وعدمها أحياناً،كما يعاني من القلق ، وإيثار العزلة .
أما من الناحية الخلقية فيلجئه العنف إلى الكذب والمخاتلة والمكر والنفاق . يصور ذلك كله أجمل تصوير عبارات لابن خلدون يقول فيها : ( ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر ، وضيق على النفس في انبساطها ، وذهب بنشاطها ، ودعاه إلى الكسل ، وحمل على الكذب والخبث ، وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه ، وعلمه المكر والخديعة لذلك ، وصارت له هذه عادة وخلقاً ، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمرن ، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله ، وصار عيالاً على غيره في ذلك ، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل ، فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها ، فارتكس وعاد في أسفل السافلين . وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ، ونال منها العسف ، واعتبره في كل من يملك أمره عليه ، ولا تكون الملكة الكافلة له رفيقة به ، ونجد ذلك فيهم استقراء. وانظره في اليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق السوء ... ) (1) .
وبالإضافة إلى ذلك فقد يؤدي العنف إلى بعض الشطط في السلوك ، كالإقدام على الانتحار ، أو تعاطي المخدرات ، أو إيذاء الذات .
__________
(1) ... ابن خلدون ، عبد الحمن بن محمد ، المقدمة ، دار الشعب ، القاهرة ، ص 508 .(1/44)
أما الانتحار فهو جريمة أخلاقية ، يدفع الفرد إليها إحساسه بالقهر والاحباط ، فتضيق به السبل إلى حد إيثار الموت على الحياة . وقد بينت دائرة الإحصاءات في مديرية الأمن العام في الأردن أن الخلاف العائلي كان يتصدر قائمة الأسباب الباعثة على الانتحار ، إذ كان وراء (10 ) عشر حالات (1) .
وأما تعاطي المخدرات فيمكن تصنيفه ضمن الأسباب الدافعة إلى العنف ، وقد يكون أثراً ونتيجة ، فإذ لم يأنس بعضهم في نفسه جرأة للإقدام على الانتحار ، تراه يلقي بنفسه في مهالك أخرى يعلل النفس من خلالها بتجاوز مشكلاته ، فيقدم على تعاطي المخدرات، وهو لا يدري أنه يضيف إلى مشكلاته الأسرية مشكلة من نوع أشدّ قد تستعصي على الحل ، فكان حاله كحال المستجير من الرمضاء بالنار ، تدفعه إلى ذلك الأجواء المشحونة بالتوتر والخصام ، المشوبة بالقهر والعنت .
وأما إيذاء الذات فيلجأ المستهدف من خلاله إلى إيذاء نفسه وإلحاق الضرر بها ، سواء بالجرح أو العض أو الحرق أو الإلقاء في بئر أو السقوط من شاهق ، أو ازدراد مواد معدنية ، أو ابتلاع السم أو بعض الأدوية الضارة بكميات كبيرة ، وهو في ذلك كله كمن يطفئ النار بالمنفاخ فلا يزيدها إلا اشتعالا ً ، أو كمن يلقي ضغثاً على أبالة ، ويزيد سوءه سوءاً .
ثانياً – آثاره على الأسرة :
__________
(1) ... المجلس الوطني لشؤون الأسرة ، الصحة والعنف ، ص 88 .(1/45)
يحدث العنف في بناء الأسرة خلخلة قد تفضي إلى تقويضه ، فالإكراه على الزوج مثلاً قد يفضي إلى التشاحن والذم والتحقير والوقوع في شقاق يطول أمده بحيث يستعصي على الإصلاح ، وهكذا تجد الأسرة نفسها أمام أبغض الحلال ( الطلاق ) ، حلقة جديدة في سلسلة ممتدة من العنف والعنف المضاد ، فتضيع في ربوع ( البيت السعيد ) قيم السكينة والمودة والرحمة التي أرادها الله سبحانه وتعالى بالزواج { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } (الروم: 21) ، وتغيض معاني الصهر والمصاهرة { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا } (الفرقان: 54). فقد ذكر الماوردي أن المناكح إنما سميت صهراً لاختلاط الناس بها كما يختلط الشيء إذا صهر (1) . وتصبح الجنة المفترضة تحت أقدام الأمهات ناراً تحرق أفئدتهن نتيجة لعقوق الأولاد .
__________
(1) ... ابن الجوزي ، زاد المسير في علم التفسير ، 6/97 .(1/46)
ونقرأ في التقرير الإحصائي الصادر عن دائرة قاضي القضاة في الأردن عام 2007م ، أن مجموع حالات الطلاق خلال السنوات الخمس الماضية بلغ (47142 ) حالة ، موزعة كما يلي : ( 9314 ) حالة طلاق رجعي ، ( 25084 ) حالة طلاق بائن بينونة صغرى قبل الدخول ، و (21740 ) حالة طلاق بائن بينونة صغرى بعد الدخول، و ( 1004 ) حالة طلاق بائن بينونة كبرى (1) . وهي أرقام لها دلالاتها الرهيبة، وبخاصة الطلاق قبل الدخول مما ينبئ عن أن أسس الاختيار الزوجي لم تكن جيدة . وتذكر الدكتورة أمينة الجابر أن نسبة الطلاق إلى الزواج في قطر تراوحت في العقد الأخير ما بين 24-33% ، وهي نسبة عالية في مجتمع مستقر اقتصادياً ومترابط أسرياً (2) .
والمشكلة لا تقف عند هذا الحد ، إذ إننا نجد أن للطلاق الواقع في أسرة ما ارتدادات جانبية ، وبخاصة في الأسر القائمة على زواج البدل ، إذ ينعكس ذلك غالباً على الأسرة الثانية فيقع الطلاق فيها على غير أساس إلا على أساس من الرغبة في تحقيق التوازن في الشر لا في الخير . يضاف إلى ذلك كله ، تلك السمعة السيئة التي تلحق بتلك الأسرة نتيجة للفعل ورد الفعل من العنف والعنف المضاد .
ثالثاً – آثاره على المجتمع :
قال تعالى : { وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } (الأنعام: 82) . إنه انعدام الأمن في المجتمع إذا كان العنف والظلم سبيلاً ومنهجاً ، ولنا في واقع المجتمعات الغربية من الدلالات ما يغني عن التعليق .
__________
(1) ... النشرات الإحصائية لعام 2007م ، الصادرة عن دائرة قاضي القضاة في المملكة الأردنية الهاشمية ، ص 2و3 .
(2) ... د. أمينة الجابر ورفاقها ، التفكك الأسري ، ص 134 .(1/47)
فقد أفادت الإحصائيات التي أعدها مجلس مكون من رؤساء المنظمات الصحية والتجارية في أمريكا أن مليون مراهقة أمريكية ، أي ما يعادل واحدة من كل عشرة مراهقات – يتورطن بحمل غير مرغوب فيه كل عام ، وأن أمريكا هي الدولة الأولى في العالم من حيث وقوع حالات الاغتصاب إذ تصل نسبة اللاتي يتعرضن للأغتصاب 21% من مجمل النساء هناك (1) .
وفي أمريكا تشير الإحصاءات إلى أن 79% من الرجال يضربون زوجاتهم ضرباً يؤدي إلى عاهة ، و 17% منهن تستدعي حالاتهن الدخول للعناية المركزة . أما في فرنسا فهناك مليونا امرأة معرضة للضرب سنوياً ، وفي بريطانيا يفيد تقرير أن 77% من الأزواج يضربون زوجاتهم دون أن يكون هناك سبب لذلك ، وأن أكثر من 50% من القتيلات كن ضحايا الزوج أو الشريك (2) . إنها المجتمعات نفسها التي تغذيها ثقافة العنف ، حتى رأينا طلبة المدارس فيها يتسلون بإطلاق النار على زملائهم في صور متكررة جعلت المجتمع الأمريكي يضج منها .
المبحث السادس – علاج العنف الأسري والتدابير الجزائية للحد منه
للحد من العنف الأسري ، أو التقليل منه ، مسربان: أولهما ينحو منحى تربوياً اجتماعياً ، وينحو الآخر منحى قانونياً تنظيمياً ، و نتناول كلاً منهما في مطلب مستقل.
المطلب الأول – علاج العنف من منظور تربوي واجتماعي
يتأتى علاج العنف من منظور تربوي من خلال التصدي لأسبابه ، على وفرة هذه الأسباب وتنوعها، وإنشاء المؤسسات اللازمة للاضطلاع بهذه المهمة، ويتضح ذلك فيما يلي:
__________
(1) ... مثنى أمين الكردستاني ، الجندر ، ص 119،120.
(2) ... عالية أحمد ضيف الله ، العنف ضد المرأة بين الفقه والمواثيق الدولية ـ مخطوطة رسالة دكتوراة ، كلية الدراسات العليا / الجامعة الأردنية ، ص18،19 .(1/48)
1. ... تجنب الممارسات والاتجاهات الخاطئة في تربية الأطفال، سواء في ذلك الإفراط في تدليلهم والاستسلام لمطالبهم ، أو التفريط في إهمالهم وعدم تمكينهم من حقوقهم ، بل وممارسة العنف بحقهم ومعاملتهم بقسوة ، وحرمانهم من العطف والحنان.
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً ، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً. فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: (من لا يرحم لا يرحم) (1) .
2. ... اهتمام المناهج الدراسية بالحقوق الأسرية ، سواء بالنسبة للأولاد أو الأزواج أو الوالدين أو ذوي الأرحام ، أو الإطار المجتمعي الأوسع. والتركيز على قيم العدل والتسامح والشورى ، بديلاً عن التسلط والاستبداد والمحاباة.
3. ... إعداد برامج موجهة لمقاومة العنف والحد منه ، بحيث تشمل المجالات الثقافية والاجتماعية (وتهدف برامج التنمية الاجتماعية إلى مساعدة الأطفال والمراهقين على تطوير مهاراتهم الاجتماعية ، وكيفية حل الصراعات بينهم وضبط الغضب) ، والبرامج العلاجية التي تهدف إلى تقديم المشورة لضحايا العنف ، والمعالجة السلوكية للاكتئاب والاضطرابات النفسية . وكذلك برامج تأهيل الآباء وتدريبهم على تطبيق الطرق القويمة في معاملة الأبناء (2) .
4. ... تهيئة المناخ المناسب للشباب من أجل ممارسة أنشطة رياضية واجتماعية يفرغون من خلالها طاقاتهم في النافع المفيد ، بدلاً من تفريغها في الصراعات والمنافسات القائمة على التحدي والسيطرة.
__________
(1) ... رواه البخاري في الآداب ، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته ، 7/75. ومسلم في الفضائل ، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - بالصبيان والعيال، رقم 2318.
(2) ... المجلس الوطني لشؤون الأسرة ، الصحة والعنف ، ص 99،98.(1/49)
5. ... تجنب الآباء اللجوء إلى حل مشكلاتهم بالعنف والقوة من حيث المبدأ، فإن ألجأتهم الظروف إلى العنف فليحرصوا على أن يكون ذلك بمنأى عن مشاهدة أولادهم ، فإن الولد يتعلم كثيراً من السلوك الاجتماعي عن طريق ملاحظة أبويه وتقليدهما.
6. ... تغيير البيئة التي يسود فيها العنف ، سواء في ذلك المنزل الذي تعيش فيه الأسرة بإعادة ترتيبه (1) ، أو هجر المنطقة المعروفة بأجوائها العكرة واحتكامها إلى العنف سبيلاً.
عن ابي سعيد رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنساناً ، ثم خرج يسأل فأتى راهباً فسأله، فقال له: هل من توبة؟ قال: لا، فقتله، فجعل يسأل ، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا ، فأدركه الموت ، فناء بصدره نحوها ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي ، وأوحى إلى هذه أن تباعدي ، وقال: قيسوا ما بينهما ، فوجد إلى هذه أقرب بشبر ، فغفر له (2) .
7. ... إنشاء المؤسسات المعنية بحقوق الأسرة والدفاع عنها ، ومتابعة قضاياها . وإذا اتخذنا من الأردن مثلاً وجدنا أن هناك مؤسسات عدة، حكومية وغير حكومية، تعنى بالأسرة بصورة مباشرة ، ومن ذلك (المجلس الوطني لشؤون الأسرة) ، و(دائرة حماية الأسرة) ضمن دوائر مديرية الأمن العام ، و(دار الوفاق) التي أنشأتها وزارة التنمية الاجتماعية بهدف استقبال النساء اللواتي يهربن من منازلهن لتعرضهن للضرب أو العنف بمختلف صوره ، و (دار الأمان للعلاج والتأهيل) ، و (مؤسسة نهر الأردن) التي تعنى بحماية الطفل ، وغير ذلك.
__________
(1) ... شارلز شيفر وهوارد ميلمان ، مشكلات الأطفال والمراهقين.
(2) ... رواه البخاري ، في الأنبياء، باب ما ذكر في بني اسرائيل 4/149 ، ورواه مسلم في التوبة / باب قبول توبة القاتل ، رقم 2766(1/50)
8. ... توظيف البرامج الإعلامية بطريقة راشدة تنأى عن العنف ، وفي هذا السياق لابد من تحديد ساعات مشاهدات الأطفال للبرامج التلفزيونية ومراقبة البرامج التي يعتادونها ، وعدم السماح بمشاهدة أفلام الرعب ، نظراُ لما تحدثه هذه المشاهدة من تأثيرفي سلوكها ومحاولة تقليد مشاهد العنف.
9. ... التنسيق بين مختلف المؤسسات القائمة بحيث تتجه في معالجتها لقضايا العنف على نحو ينتفي فيه التعارض بينها ، سواء من ناحية السياسات والبرامج أو من النواحي الإجرائية والتنفيذية.
10. ... سن القوانين والتشريعات اللازمة للحد من أعمال العنف ، وتدريب القضاة على كيفية معالجة القضايا الأسرية ، بدعوة الفرقاء إلى تقوى الله وإحلال الصلح والوئام بدلاً من الخصام.
المطلب الثاني – التدابير الجزائية للحد من العنف
إن الركون إلى ما قدمنا من حلول مقترحة للحد من أعمال العنف لا يشكل ضمانة كافية ، فلابد أن يكون للعقوبات دورها في عملية الردع ، يظهر ذلك على وجه الخصوص في قوانين العقوبات وقوانين الأحوال الشخصية.
أولاً – التدابير الجزائية في قانون العقوبات:
نتناول تحت هذا العنوان آراء الفقهاء في العنف بين الآباء والأبناء والأزواج والإخوة، وبخاصة إذا بلغ الأمر إلى حد قتل أحد الطرفين للآخر.
1. قتل الأصل للفرع
إذا قتل الأصل فرعه ، فهل يقتل به أولاً ؟؟ في ذلك أقوال:(1/51)
أ . ... أماعند الحنفية فلا يقتل والد بولده (1) . وبه قال الثوري و الأوزاعي والشافعي وأحمد و إسحاق ، واستدلوا على ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - : (لا يقاد الوالد بالولد) (2) . ولأن القصاص شرع للزجر ، والحاجة إلى الزجر في جانب الولد لا في جانب الوالد ، ثم إن الوالد سبب لوجود الولد فلا يكون سبب عدمه.
ب . ... و قال مالك وابن نافع وابن عبد الحكم : يقتل به لعموم النصوص الشرعية، ومنها قوله تعالى: { بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ } (البقرة: 178)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( المسلمون تتكافأ دماؤهم) (3) .
وبين هذين الرأيين آراء أخرى ليس ههنا بسط القول فيها (4) . ويعقب الشيخ محمد أبو زهرة على مذهب الإمام مالك فيقول : ( إن المالكية لا يأخذون بالأحاديث الواردة بمنع القود من الوالد للولد ، ويسمون بعضها باطلاً ، ولم يلاحظوا شهرة العمل بها ، مع أن شهرة العمل بها يزكي صحتها ، وإذا كان في بعض إسنادها إرسال ، فالمرسل كان المتقدمون يأخذون به ، ولا يعتمدون إلا على الثقة ممن ينقل ، والإمام مالك كان يأخذ بالمرسل، وارجع إلى الموطأ فإنك واجد فيه الكثير من المرسلات) (5) .
__________
(1) ... الكاساني ، بدائع الصنائع 7/347 ، وابن نجيم ، الأشباه و النظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان ، ص 332، و ابن قدامة ، المغني 7/666 ، والمرداوي ، الإنصاف 9/473 .
(2) ... رواه الترمذي في الديات ، باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه يقاد منه أم لا ، رفم 1400 . والحديث صحيح.
(3) ... رواه أبو داود في الديات ، باب إيقاد المسلم بالكافر، رقم 4531 وإسناده حسن.
(4) ... أنظر هذه الأقوال تفصيلاً في كتاب يوسف علي غيظان، عقوبة القتل في الشريعة الإسلامية، دار الفكر، ط1 ، 1995 ، ص41-55.
(5) محمد أبو زهرة ، العقوبة ، دار الفكر العربي ،القاهرة ، ص 421.(1/52)
والذي أراه أن الصيرورة إلى الاقتصاص من الوالد حين قتل ولده يدخل في باب السياسة الشرعية ، ويترك لولي الأمر تقدير الموقف و النظر في ملابسات الجريمة لتقدير العقوبة تخفيفاً أو تغليظاً ، فليس من يضرب ابنه تأديباً ضربة يقضي بها عليه ، وهو لا يريد قتله ، كمن يعمد إلى ذبحه ، أو حرقه أو تقطيعه، فالتجاوز عن الأولى ممكن بخلاف الأخرى.
هذا وظاهر أقوال الفقهاء الذين نفوا القصاص بين الأب والولد في النفس أنه ينتفي أيضاً في الأطراف والجروح (1) .
ولقد نشرت جريدة الرأي الأردنية في عددها رقم (13914) خبراً مفاده أن اللجنة القضائية بمحكمة جدة قد قضت بإعدام سعودي عذب طفلته حتى الموت في ثاني حالة من نوعها (2) .
2. قتل الفرع بالأصل
إذا قتل الفرع أصله فهل يقتل به أو لا ؟ الذي تتجه إليه آراء الأئمة هو القول بقتل الولد إن قتل أحد والديه. قال ابن قدامة (هذا قول عامة أهل العلم منهم مالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي؛ لعموم الأدلة ، ولا يصح قياس الابن على الأب، لأن حرمة الوالد على الولد آكد ، والولد مضاف إليه بلام التمليك ، بخلاف الوالد مع الولد (3) ، ثم إنه ربما أقدم الولد على قتل والده لمنفعة يرجوها من تركته ، ومثل هذا يندر من جانب الأب) (4) .
3. قتل الزوج زوجته
إذا عمد الرجل إلى تأديب زوجته و أفضى فعله إلى قتلها ، فهل يقتص منه أو لا؟
يرى جمهور العلماء أنه يجب القصاص، وبهذا أخذ الحنفية والشافعية وعمر بن عبدالعزيز والنخعي والثوري ، أخذاً بعموم النصوص ، ثم إنهما شخصان متكافئان.
وقال الزهري: لا يقتل الزوج بامرأته لأنه ملكها بعقد النكاح (5) .
__________
(1) ... محمد أبوزهرة ، العقوبة، ص419،420.
(2) ... جرية الرأي ، العدد 13914، الخميس 13 تشرين الثاني 2008 ، ص16
(3) ... ابن قدامة، المغني، 7/670،671 ، وابن عبدالبر ، الكافي في فقه أهل المدينة 2/1097.
(4) ... الكاساني ، بدائع الصنائع ، 7/348.
(5) ... ابن قدامة ، المغني ، 7/668.(1/53)
وقول الزهري مردود ، فإن ملكيته لها ليست أكثر من ملك منفعة الاستمتاع ولهذا تجب ديتها عليه.
وقد نسب عدم وجوب القصاص إلى فقيه مصر الليث بن سعد. ويعقب الشيخ أبو زهرة على مذهب الزهري والليث فيقول: ( والذي نراه في هذه المسألة أن نسبة هذا إلى ابن شهاب الزهري والليث بن سعد موضع نظر ، ولم يثبت من طريق صحيح لا يتطرق الريب إليه ، وإنه لغرابته وشذوذه في الفقه الإسلامي ، ولنسبه إلى عالمين جليلين لا نعتقد أن النسبة إليهما صحيحة ، وإنه غريب عن الفقه الإسلامي) (1) .
جرائم قتل الشرف:
لكن ماذا لو تبين للزوج خيانة زوجته بأن ضبطها متلبسة بالزنا فقتلها ، فهل يقتل بها أو لا؟ ، الجمهور على أنه يقتص منه لأن قتله لها لا يستند إلى أي دليل شرعي وإنما يستند إلى عوائد اجتماعية ليس أكثر.
يرى الحنفية وبعض المالكية أنه يسقط القصاص (2) ، لما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يوماً يتغدى فجاء رجل يعدو وفي يده سيف ملطخ بالدم ، ووراءه قوم يعدون خلفه ، فجاء حتى جلس مع عمر ، فجاء آخرون فقالوا: يا أمير المؤمنين إن هذا قتل صاحبنا ، فقال له عمر: ما تقول؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إني ضربت بين فخذي امراتي فإن كان أحد قتلته، فقال عمر: ما تقولون؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، إنه ضرب بالسيف فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة ، فأخذ عمر سيفه فهزه ثم دفعه إليه وقال: إن عادوا فعد.
وهكذا فإن إقدام الرجل على قتل زوجته في هذه الحال يعد عذراً محلاً يعفيه من كل عقاب ، وبهذا أخذ قانون العقوبات الأردني قبل تعديله في المادة (340/1) التي كانت تنص على أنه ( يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه حال التلبس بالزنا مع شخص آخر وأقدم على قتلهما أو جرحهما أو إيذائهما كليهما أو أحدهما ).
__________
(1) ... محمد أبو زهرة ، العقوبة ، ص426.
(2) ... عالية أحمد ضيف ، العنف ضد المرأة بين الفقه والمواثيق الدولية ، ص148،147.(1/54)
وقد عدلت هذه المادة بعد مناقشات مطولة ، فجعل قتله لها ولمن يزني بها عذراً مخففاً ، أسوة بما عليه العمل في قانون العقوبات المصري في المادة (237) التي رتبت على الزوج القاتل عقوبة الحبس.
والمشكلة في جرائم الشرف لا تكمن فيمن قتل زوجته متلبسة بالزنا ، وإنما في تعدية الأمر إلى حالات تقوم على الظن والشك ، أو الإقدام على قتل الفتاة، زوجة أو بنتاً أو أختاً ، لمجرد أن لها علاقة عاطفية بشخص آخر ، أو إقدامها على الزواج الشرعي من شخص لا تريده العائلة ، وهذا من الإسراف في القتل المنهي عنه شرعاً، ومما لا ينبغي التساهل معه. وتشير الإحصائيات إلى أنه يقتل سنوياً ما يصل إلى (5000) امرأة وفتاة فيما يسمى القتل بذريعة حماية الشرف ، كثيرات منهن بسبب العار المتمثل في تعرضهن للاغتصاب (1) .
4. قتل الزوجة زوجها:
إذا قتلت الزوجة زوجها في غير ما بأس فعليها القصاص ، لكنها تستفيد من العذر المخفف في القانون الأردني إذا قتلته حال تلبسه بالزنا . فقد ورد في المادة (340/2) من قانون العقوبات الأردني ما نصه: ( ويستفيد من العذر ذاته [أي العذر المخفف] الزوجة التي فوجئت بزوجها حال تلبسه بجريمة الزنا ، أو في فراش غير مشروع في مسكن الزوجية ، فقتلته في الحال ، أو قتلت من يزني بها ، أو قتلتهما معاً ، أو اعتدت عليه أو عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة).
5. قتل الأخ لأخيه
ذكر القرافي من علماء المالكية أن الأخ يقتل بأخيه إن قتله عداوة ، فإن قتله على وجه التأديب فالعقل ل(الدية) أسوة بالمعلم في ضربة التلميذ (2) .
ثانياً – التدابير الجزائية في قانون الأحوال الشخصية
__________
(1) ... د.إلهام محمد المتوكل ومحمد عبدالملك المتوكل ، العنف ضد النساء وثقافة وتقاليد المجتمع اليمني ، ص 22.
(2) ... القرافي ، الذخيرة ، 12/336.(1/55)
كثيرة هي التدابير الجزائية في قوانين الأحوال الشخصية للحد من العنف ، وحسبنا هنا إيراد بعض الأمثلة ، ومن ذلك:
1. التعويض في طلاق التعسف:
فقد قضى قانون الأحوال الشخصية في الأردن بالتعويض على من طلق زوجته تعسفاً، فنصت المادة (134) على أنه ( إذا طلق الزوج زوجته تعسفاً ، كأن طلقها لغير سبب معقول ، وطلبت من القاضي التعويض حكم لها على مطلقها بالتعويض الذي يراه مناسباً ، بشرط أن لا يتجاوز مقدار نفقتها عن سنة...).
وغني عن البيان أن هذا التعويض مما لم يقل به أحد من الفقهاء السابقين . ولكنه مما تدعو إليه مبادئ السياسة الشرعية في هذه الأيام.
2. سلب الولاية عمن يمارس العنف على أولاده:
فقد قرر القانون المصري رقم 118 لسنة 1952 سلب الولاية عن الأب في الأحوال الآتية:
أ . إذا حكم على الولي في جريمة اغتصاب أو هتك عرض أو جريمة من الجرائم التي يكون فيها تحريض على الدعارة ، وكانت الجريمة على من هو في ولايته.
ب . من حكم عليه لجناية وقعت على نفس أحد من تشملهم الولاية ، أو حكم عليه لجناية وقعت من هؤلاء .
وسلب الولاية في هاتين الحالتين وجوبي لا جوازي (1) .
3. عدم إكراه البكر على الزواج ممن لا تريد:
فقد ورد في الحديث الذي يرويه ابن بريدة عن أبي بريدة عن أبيه قال : جاءت فتاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته ، قال : فجعل الأمر إليها فقالت : قد أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء (2) .
__________
(1) ... محمد أبو زهرة ، الأحوال الشخصية ، دار الفكر العربي ، 1957 ، ص 491.
(2) ... رواه ابن ماجه في النكاح ، باب من يزوج ابنته وهي كارهة ، رقم 1874.(1/56)
يقول ابن القيم معلقاً على مضمون الحديث : وموجب هذا الحكم أنه لا تجبر البكر البالغ على النكاح ، ولا تزوج إلا برضاها . وهذا قول جمهور السلف ومذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه ، وهو القول الذي ندين الله به ولا نعتقد سواه، وهو الموافق لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره ونهيه وقواعد شريعته ومصالح أمته (1) .
قائمة المراجع
1. ... القرآن الكريم .
2. ... ابراهيم مصحب الدليمي ، الأسرة والتنشئة الاجتماعية للطفل العربي في ظل العولمة ، مقال بمجلة ( الآفاق ) ، جامعة الزرقاء الأهلية ، السنة الثالثة ، العدد التاسع ، 2002م .
3. ... ابن الأثير الجزري ، مجدالدين أبو السعادات المبارك بن محمد ، النهاية في غريب الحديث والأثر ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1997م .
4. ... د. أحمد الكبيسي ، فلسفة نظام الأسرة في الإسلام ، مطبعة الحوادث ، بغداد ،ط2 ، 1990م.
5. ... د. الكسيس كاريل ، الإنسان ذلك المجهول ، مكتبة المعارف ، بيروت ، 1989م .
6. ... الآلوسي ، شهاب الدين محمود البغدادي ، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط1 ، 1999م .
7. ... أمين نعمان الصلاحي ، من وسائل القرآن في إصلاح المجتمع ، كتاب الأمة ، قطر ، العدد (127) ، 1429 ھ .
8. ... د. أمينة الجابر ، د. صالح الصنيع ، الشيخة العنود بنت ثامر آل ثاني ، التفكك الأسري ـ الأسباب والحلول المقترحة ـ كتاب الأمة ، قطر ، العدد ( 83 ) ، 1422 ھ .
9. ... البخاري ، أبو عبدالله محمد بن اسماعيل ، المكتبة الإسلامي ، استانبول .
10. ... البشري الشوربحي ، رعاية الأحداث في الإسلام والقانون المصري ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 1985م .
11. ... الترمذي ، أبو عيسى محمد بن عيسى ، جامع الترمذي ، بيت الأفكار الدولية ، عمان .
__________
(1) ... ابن قيم الجوزية ، زاد المعاد ، 3/2.(1/57)
12. ... ابن تيمية ، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ، دار الكتب العربية، بيروت ، 1966 م .
13. ... الثعالبي ، أبو منصور عبدالملك بن محمد ، كتاب فقه اللغة وأسرار العربية ، مكتبة القرآن ، القاهرة .
14. ... ابن الجوزي ، أبو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي القرشي ، زاد المسير في علم التفسير ، المكتب الإسلامي ، ط1 .
15. ... ابن حجر الهيتمي ، أبو العباس أحمد بن محمد ، الزواجر عن اقتراف الكبائر ، دار المعرفة ، بيروت ، 1982م .
16. ... د. حسين فرحان رمزون ، قراءة في مشكلات الشباب الجامعي في الجامعات الأردنية . مقال بمجلة ( الرابطة ) ، الأمانة العامة لرابطة المؤسسات العربية الخاصة للتعليم العالي ، المجلد السابع ، العدد الأول ، 2007م .
17. ... ابن خلدون ، عبدالرحمن بن محمد ، المقدمة ، دار الشعب ، القاهرة .
18. ... أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، سنن أبي داود ، بيت الأفكار الدولية ، عمان .
19. ... رفيق المصري ، الدين والسياسة والديمقراطية ، مركز حقوق الإنسان والمشاركة الديمقراطية، رام الله ، ط1 ، 2007 م .
20. ... زكريا إبراهيم ، سيكولوجية المرأة ، مكتبة مصر ، القاهرة .
21. ... سليمان أحمد عبيدات ، الطفولة في الإسلام ، جمعية عمال المطابع التعاونية ، ط1 ، 1989 م .
22. ... سيد قطب ، في ظلال القرآن ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط5 ، 1967م .
23. ... عالية أحمد ضيف الله ، العنف ضد المرأة بين الفقه والمواثيق الدولية ، رسالة دكتوراة ، كلية الدراسات العليا ، الجامعة الأردنية .
24. ... عبدالقادر عودة ، التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي ، مكتبة دار المعرفة ، القاهرة ، ط3 ، 1963م .
25. ... عبدالله بن ناصر السدحان ، الترويح وعوامل الانحراف – رؤية شرعية – كتاب الأمة ، قطر ، العدد ( 74 ) ، 1420 ھ .
26. ... ابن العربي ، ابو بكر محمد بن عبدالله ، أحكام القرآن ، دار الجيل ، بيروت ، 1988م .(1/58)
27. ... عبدالإله أبو عياش ، أضواء على ندوة أطفال الشوارع في المدن العربية ، مقال بمجلة ( الرابطة )، الأمانة العامة لرابطة المؤسسات العربية الخاصة للتعليم العالي ، المجلد السابع ، العدد الأول ، 2007 م .
28. ... العجلوني ، إسماعيل بن محمد الجراحي ، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ، مؤسسة مناهل العرفان ، بيروت .
29. ... عصام منصور ، المدخل إلى علم الاجتماع ، دار الخليج ، عمان ، ط1 ، 2008 م .
30. ... القبانجي ، حسن السيد علي ، شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين
31. ... ابن قدامة ، أبو محمد عبدالله بن أحمد المقدسي ، المغني ، مكتبة الرياض الحديثة ، الرياض ، 1981 م .
32. ... القرافي ، شهاب الدين أحمد بن إدريس ، الذخيرة ، تحقيق د. محمد حجي ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط1 ، 1994 .
33. ... القرطبي ، أبوعبدالله محمد بن أحمد ، الجامع لأحكام القرآن ، مؤسسة مناهل العرفان ، بيروت.
34. ... ابن قيم الجوزية ، زاد المعاد في هدي خير العباد . الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ، الرياض .
35. ... الكاساني ، علاء الدين أبوبكر بن مسعود ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، دار الفكر ، بيروت ، 1996م.
36. ... لطفي محمود عبدالحليم ، حقوق الإنسان بين إعلان الأمم المتحدة والقرآن ، المصباح للنشر والترجمة ، القاهرة ، 1992 م .
37. ... اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة . ميثاق الأسرة في الإسلام ، جمعية العفاف الخيرية ، عمان ، 2008م.
38. ... الماوردي ، أبو الحسن علي بن محمد البصري ، أدب الدنيا والدين ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
39. ... مثنى أمين الكردستاني وكاميليا حلمي محمد ، الجندر ، بحث مقدم إلى مؤتمر الأسرة في ظل العولمة ، جمعية العفاف الخيرية ، عمان ، 2004 م .(1/59)
40. ... محمد أبو زهرة ، زهرة التفاسير ، دار الفكر العربي ، القاهرة .
41. ... محمد أبو زهرة ، العقوبة ، دار الفكر العربي ، القاهرة .
42. ... محمد رياض ، الإنسان ـ دراسة في النوع والحضارة ـ ، دار النهضة العربية ، بيروت ، ط2 ، 1974 .
43. ... محمد رشيد رضا ، تفسير المنار ، دار الفكر للطباعة والنشر ، ط2 ، 1973م .
44. ... د. محمد عاطف غيث ، د. إسماعيل علي مسعد ، المشكلات الاجتماعية ـ دراسة نظرية وتطبيقية ـ دار المعرفة الجامعية ، الاسكندرية .
45. ... محمد الغزالي ، مشكلات في طريق الحياة الإسلامية ، كتاب الأمة ، قطر ، العدد الأول ط3 ، 1402 ھ .
46. ... محمد محمد حسين ، حصوننا مهددة من داخلها ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط4 ، 1977م .
47. ... ابن مفلح المقدسي ، شمس الدين ابو عبدالله محمد بن مفلح ، الآداب الشرعية والمنح المرعية ، رئاسة إدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والإرشاد ، الرياض ، 1977م .
48. ... ابن نجيم الحنفي ، زين العابدين بن ابراهيم ، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1985 م .
49. ... النسائي ، أبوعبدالرحمن أحمد بن شعيب بن علي، سنن النسائي ، بيت الأفكار الدولية .
50. ... النشرات الإحصائية لعام 2007 م الصادرة عن دائرة قاضي القضاة في المملكة الأردنية الهاشمية .
51. ... نظام عساف ، العنف الأسري وعمالة الأطفال ، مركزالتوعية والارشاد الأسري ، الزرقاء ، 2000 م .
52. ... النووي ، صحيح مسلم بشرح النووي ، مؤسسة مناهل العرفان ، بيروت .
53. ... يوسف علي غيظان ، عقوبة القتل في الشريعة الإسلامية ، دار الفكر ، عمان، ط1 ، 1995م .
مشروع قرار
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورته التاسعة عشرة في الشارقة من (...........) إلى (..............) بعد استماعه البحوث المقدمة في موضوع ( العنف في نطاق الأسرة ) ، وبعد المناقشة يقرر ما يلي :(1/60)
أولاً – التأكيد على الثوابت الشرعية المتعلقة بالأسرة:
1- من حيث الإنشاء :
·?الأسرة هي الوحدة الرئيسة المكونة للمجتمع ، والحفاظ على ديمومتها إدامة لوجود المجتمع نفسه .
·?الزواج بين الذكر والأنثى التي تحل له شرعاً هو مادة البناء الأسري في حلقته الدنيا ، وكل اتصال جنسي يتم بغير الزواج يعد جريمة دينية وأخلاقية ، كاللجوء إلى الاغتصاب وممارسة البغاء .
2- من حيث البقاء :
·?الأسرة نظام متعدد الأطراف محكوم بمنظومة قيمية رفيعة من المودة والسكينة والتراحم والتعاطف .
·?التأديب الشرعي يمثل آلية من آليات صيانة البناء الأسري من عوامل التمزق والانحراف ، سواء في ذلك تأديب الزوج لزوجته ، أو تأديب الآباء للأولاد .
3- من حيث الانتهاء :
·?الطلاق ضرب من العلاج ، وهو حق للزوج في مواجهة نشوز المرأة ولجوئها إلى العنف في مواجهة الزوج .
·?الخلع آلية أخرى منحها الشرع للمرأة لمواجهة عنف الزوج عند الاقتضاء .
·?عدم وضع الغايات في البدايات ، فهجر الزوجة إنما يكون بعد وعظها ، وضربها بعد هجرها ، واللجوء إلى الطلاق آخر الدواء .
ثانياً – اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتصدي للعنف في نطاق الأسرة ، ومن ذلك:
1- تحريم كل أنواع العنف ، سواء ما تعلق منه بالعنف البدني بالضرب والإيذاء ، أو بالجانب النفسي بالذم والتحقير ، أو العضل بمنع الفتاة من الزواج ممن تريد أو إكراهها على الزواج بمن لا تريد .
2- محاربة الثقافة المغلوطة التي تسود بعض المجتمعات ، باعتبار الرجولة مرادفة للاستبداد، والقوامة سلطة غير مقيدة ، والأنوثة حالة ترتبط بالدونية .
3- ترتيب الضمان على ممارسة العنف إن أفضى ذلك إلى إحداث تلف في عضو من أعضاء الشخص .
4- اللجوء إلى القصاص ممن أقدم عمداً على إزهاق نفس متجاوزاً الأصول الشرعية ، وبخاصة في الجرائم الواقعة بين الأزواج ، أو من الفروع ضد الأصول.(1/61)
5- تطوير التشريعات المتعلقة بالأحوال الشخصية ، وعدم التزام مذهب معين إن كان في المذاهب الأخرى سعة .
6- دعوة الوزارات والمؤسسات ذوات العلاقة من أجل التنسيق فيما بينها ، لدحض العنف ، وإزالة التعارض في برامجها وتوجهاتها بهذا الخصوص .
7- تخصيص برامج ثقافية لتوعية الأفراد بخطر العنف على الأسرة .
8- توجيه طلبة الدراسات العليا لإيلاء ظاهرة العنف الأسري قدراً من اهتمامهم من الدراسة والبحث.
9- إنشاء مجالس على مستوى العشيرة والقبيلة للحد من ظاهرة العنف في الأسر المنضوية فيها .
10- تأسيس مجالس ودوائر متخصصة في شؤون الأسرة محلياً وإقليمياً لمتابعة قضايا العنف فيها .(1/62)