الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
العنف
في نطاق الأسرة
إعداد
الشيخ د. محمد رشيد راغب قباني
مفتي الجمهورية اللبنانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا ونبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنَّ رسالة الإسلام _ دين الله تعالى _ هي رسالة الرحمة للبشرية جمعاء جاءت لتنهض بها من سقطاتها الفكرية، وتنتشلها من وحولها ومستنقعاتها الاجتماعية، ولتؤسس هذه الرسالة الربانية المداميك الأصيلة والجذور العميقة لبناء حضارة الإنسان وفق منهج الخالق جلَّ جلاله وشريعته السمحاء لينصهر معنى عمارة الأرض في قول الله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? چ (1) ، ومعنى العبودية في قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? چ (2) ، في قالب واحد من سمو الروح وواقعية البناء. فحركة الإنسان المنسجمة مع فطرة ثقافة الحياة نحو عمارة الأرض هي إلا مظهر من مظاهر العبودية لله تعالى إن حققنا فيها شرط اتباع المعصوم سيدنا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - والاسترشاد بهديه المستنير.
وعندما نتكلم عن مشروع حضارة الإنسان منطلقين من الفرد لا يسعنا إلا أن نتوقف عند موضوع الأسرة وبنائها في الإسلام.
فالأسرة في الإسلام هي الدعامة التي يقوم عليها المجتمع، وهي اللبنة الأساسية التي تتكون منها الأمة، وبقدر ما تكون هذه اللبنة متينة قوية ملتحمة، يكون بناء الأمة قوياً راسخاً وصامداً. وعلى العكس فإن اللبنة الهشة الضعيفة سبب رئيسي في تفكك المجتمع وضعف الأمة.
وفي هذا البحث المختصر سنتكلم عن موضوع العنف في نطاق الأسرة، وخطورة هذا الموضوع على مفهومنا المتقدم لدور الأسرة في بناء الأمة وتهديد العنف لقوة المجتمع، وثمَّ بيان السبل الرامية لإنقاذ واقع الأسرة المسلمة من العنف المؤدي لانهيارها وتفكُّكها.
__________
(1) ... سورة: هود؛ الآية: 61.
(2) ... سورة: الذاريات؛ الآية: 56.(1/1)
وقد قسمنا بحثنا إلى أربعة محاور وخاتمة:
- المحور الأول: أهمية الأسرة في الإسلام، وطبيعة العلاقة بين أفرادها.
- المحور الثاني: مفهوم التأديب في نطاق الأسرة.
- المحور الثالث: العنف في الأسرة أسبابه ودوافعه وآثاره.
- المحور الرابع: علاج العنف والتدابير اللازمة للحدِّ منه.
- الخاتمة.
... ... - ... ... - ... ... - ... ... - ... ... -
المحور الأول
أهمية الأسرة في الإسلام
وطبيعة العلاقة بين أفرادها
... الأسرة: هي النواة الأساسية التي ينعقد عليها بناء المجتمع، وتتكون من زوجين (ذكر وأنثى) بعقد شرعي يتم برضاهما.
ويرفض الإسلام الرهبانية لكونها تتصادم مع الفطرة، كما يحرم العشرة بغير زواج، يقول الله تعالى:چ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ?? ? ? ? ? ? ? چ (1)
والزواج سنة من سنن المرسلين إذ يقول سبحانه وتعالى: چ ? ? ں ں ? ? ? ? ? چ (2) . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني " (3) .
ويعتبر الإسلام نظام الأسرة المحضن الوحيد الذي يمكن أن تنمو فيه العلاقات الاجتماعية السوية، لهذا فإنَّ التعاليم التي وضعت في هذا المجال هيأت كل الفرص لتحقيق مجموع من الفوائد:
أولاً: الفوائد الإنسانية:
1) إنَّ قيام الأسرة على عقد شرعي يلتزم فيه الطرفان أمام الله تعالى بجميع الحقوق والواجبات المترتبة على العقد، يؤسس جواً من الطمأنينة والسكينة والاستقرار بين أفراد الأسرة.
2) يؤدي هذا العقد إلى تأصيل وترسيخ المسؤوليات والمثل الأخلاقية التي ينبغي أن تقوم عليها الأسرة.
3) يفرز نظام الأسرة هذا إنساناً سوياً متوازناً آمناً مطمئناً في مختلف مراحل حياته منذ أن يكون طفلاً حتى آخر عمره.
__________
(1) ... سورة: الروم؛ الآية: 21.
(2) ... سورة: الرعد؛ الآية: 38.
(3) ... متفق عليه.(1/2)
4) نظام الأسرة هو المجال الوحيد الذي يلبي حاجات الإنسان الداخلية في معرفة أصوله وأنسابه معرفة مطمئنة، كما أنه يحقق الإحصان بما يسده من ثغرات وإنشاء سلسلة العلائق والروابط العائلية لحفظ النسل.
ثانياً: الفوائد الاجتماعية:
1) التعاون والتعارف بين الشعوب والقبائل المنصوص عليها صراحة في القرآن الكريم.
2) زيادة النسل وحفظ النوع الإنساني.
3) إقامة أسس التراحم وعلاقات الأخوة والربط بين أطراف المجتمع.
4) ذوبان النظرة الفردية في الكيان الأسري.
ثالثاً: الفوائد الصحية:
وتتجلى في توفير الإحصان الذي يحمي من الأمراض التي كثيراً ما تنشأ من العلاقات الجنسية غير المشروعة.
رابعاً: الفوائد الاقتصادية:
1) ... التكافل بين أفراد الأسرة يؤدي إلى تحسين وضعها الاقتصادي وضبط الإنفاق وتوفير الدخل وحسن استغلاله.
خامساً: وهو الأهم المشاركة بمشروع بناء الحضارة الإنسانية وفق منهج الله تعالى الذي به سلامة الفرد والمجتمع وتحقيق سعادة الدارين.
طبيعة العلاقة بين أفراد الأسرة المسلمة
أولاً: حقوق الأبوين على الأولاد:
لم ينسَ الإسلام أن يبين حقوق الوالدين، وأن يشرع منهاج معاملتهم، فهما أصل الأسرة اللذان تحمَّلا العبء وواجها المصاعب في سبيل رعاية الأبناء وتوفير الأمن والسعادة لهم.
فجعل لهما حق البر واللطف والرعاية والرحمة، وأكّد هذا الحق حيث قرنه بحقِّ الله تعالى چ ? ? ? ? ? ? ? ں چ (1) .
وخصَّ حال الشيخوخة بمزيد من الحنوِّ والترفق والإكرام والتوقير فهي المرحلة التي يجنيان فيها ثمار الكدح، ويتوجان في زمانها بتاج الكفاح، ويجزيان جزاء الجهاد والدأب چ ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ (2) .
ولذا كان عقوق الوالدين وجحد إحسانهما من كبائر الذنوب التي لا تنبغي لمسلم، إذ هو قرين الشرك بالله.
__________
(1) ... سورة: الإسراء، الآية: 23.
(2) ... سورة: الإسراء، الآية: 23،24.(1/3)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أُنبِّئكم بأكبر الكبائر؟ الشرك بالله، وعقوق الوالدين..." (1) .
والفشل في الظفر برضا الوالدين من دلائل الخسران والبوار، إذ أنَّ رضا الوالدين من رضا الله، وسخطهما من سخطه، وحسبك بهذا قدسية وجلالاً.
وفي الحديث: " رَغِمَ أنفُ من أدْرَك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة " (2) . ما أجلَّ ذلك!.
إنَّ الولد جزءٌ من الأم، حملته في الأحشاء وغذته من الغذاء، فلما خرج على الدنيا حضنته وسهرت عليه وربطت حياتها به، تتحمل الأثقال وتنهض بالأحمال عن رضا وفرحة.
فهل يسوغ أن يذهل الإنسان عن تلك المُضحية من أجله المنهكة في سبيله، وهل يهون عليه كفاحها وضناها..؟! لذا نبه القرآن على تلك المرحلة التي لا يعيها الإنسان، ولفته إلى ما فيها من بذل وفداء، حتى يضع ذلك أمام عينيه وينظر على أمه من خلاله.
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله: يا رسولَ الله من أحقُّ الناس بحسن صحبتي؟! قال: أمُّكَ، قال: ثُمَّ مَن؟ قال: أمُّك، قال: ثُمَّ مَن؟ قال: أمُّكَ، قال: ثُمَّ مَن؟ قال: أبُوك " (3) . ذلك لأنَّ الإنسان يرى جهد أبيه في سبيله ورعايته له وإنفاقه عليه، ولكنَّه لا يرى حمل أمه له وقيامها عليه في مهده، فاحتاجت الأم إلى تأكيد الوصيَّة وتثبيت الحقِّ لها في الحبِّ والتوقير والإكرام.
ومن ذلك إيجاب الإحسان إليهما ولو مشركَينِ.
فلا يمنع كفرهما من الإحسان إليهما ، ولا يحمل على مضارتهما وجحد حقهما ، يقول الله تعالى: چ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گگ ? ? ? ? چ (4) .
ثانياً: حقوق الأولاد على الأبوين:
النسل هدفٌ أصيل من أهداف الحياة الزوجية، وهو رغبة لها جذورها في نفس الرجل وفي نفس المرأة على السواء فكل إنسان يرغبُ في بقاء اسمه ودوام أثره.
__________
(1) ... رواه البخاري.
(2) ... رواه مسلم والترمذي.
(3) ... رواه البخاري.
(4) ... سورة: لقمان، الآية: 15.(1/4)
وقد عدَّ الإسلام النسل من النعم التي تُبهج الحياة، وتحقق السعادة: چ ? ? ? ? ? چ (1) .
ومهما قاسى الناس المتاعب والمصاعب في كفالة الأولاد وتعهدهم، فلن تجفَّ في نفوسهم الرغبةُ نحوهم والحنين إليهم!.
لهذا اهتم الإسلام برعاية النسل وإعداد العدَّة له، كي ينشأ سليماً من الآفات بعيداً عن المعاطب.
ويبدأ الإعداد لمستقبل الذرية باختيار الأم الصالحة الطاهرة، المستقيمة السلوك.
فهذا إحسان مقصود إلى الأبناء، يضمن صفاء النشأة وسلامة الوجهة.
ومن مظاهر ذلك إحسان اسمه، كي لا يتأذى به إن كان كريهاً. وهذا من حقوق الولد على والده، ثم يُوجب الإسلامُ نفقة الأولاد على الوالد ما داموا عاجزين عن العمل والكسب.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وابدأ بمن تعولُ... يقولُ الولدُ أطعمني إلى من تدعني" (2) .
وبعد الرعاية المادية تأتي الرعاية المعنوية، فلأولاده حقّ الحب والرحمة والتعليم، وذلك وإن كان مما تدعو إليه الفطرة و تحمل عليه، إلا أن ما قد يصيب الطبائع من شذوذ وما يطرأ على الفطرة من مسخ وتشويه، اقتضى الإيقاظ والتنبيه.
إنَّ الإسلام ينكر الجفاء والغلظة مع الأولاد، ويفترض أن تعمهم الرحمة ويحيطهم الحنو الشفقة، والرعاية والتوجيه السليم حق ضروري للأبناء على الآباء في كل طور من أطوار النشأة.
ففي الطفولة يجب بذر بذور الدين الصحيح وتأكيد أساسه في نفوس الأطفال بقدر ما يطيقون، ولا بدَّ من التدريب على شعائر الدين وإعطاء القدوة في ذلك.
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " مُروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع " (3) .
وفي كل مرحلة ينبغي بذل الرعاية الواجبة لها، بما يخرج الفرد السوي المكتمل، الذي تتضح فيه معالم الفطرة وخصائص الإنسانية.
__________
(1) ... سورة: الكهف، الآية: 46.
(2) ... رواه البخاري.
(3) ... رواه الطبراني، صحيح الجامع: 5868.(1/5)
ونختم هذا المحور بطائفة من الآيات والأحاديث المتعلِّقة بالموضوع:
قال الله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?چ (1) .
وقال تعالى: چ ? ? ? ? ? ? چ (2) .
وقال الله عزَّ وجلَّ : چ ھ ھ ھ ھ ےے ? ? ? ? ? چ (3) .
ومن أقوال سيدنا المصطفى الكريم عليه الصَّلاة والسَّلام:
1- " ليس منَّا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حقَّ كبيرنا " (4) .
2- وروى أبو رافع قال: " رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذَّن في أُذُن الحسن بن عليٍّ حين ولدته فاطمة رضي الله عنها " (5) .
3- عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: " وُلِد لي غلام فأتيتُ به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمَّاه إبراهيم وحنَّكه بتمرة ودعا له بالبركة، ورفعه إليَّ " (6) .
4- " كلُّ غلام مرتهنٌ بعقيقته تذبح عنه يومَ سابعه، ويسمى فيه ويحلَقُ رأسُه " (7) .
5- " إنَّكم تُدعون يومَ القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم" (8) .
6- " الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها " (9) .
7- " كفى بالمرءِ إثماً أن يحبس عمَّن يملك قوته " (10) .
8- " من كان له ثلاثُ بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أُختان فأدَّبهنَّ وأحسن إليهنَّ وزوَّجهنَّ فله الجنَّة " (11) .
9- " دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدَّقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك " (12) . (13)
... ... - ... ... - ... ... - ... ... - ... ... -
__________
(1) ... سورة: التحريم، الآية: 6.
(2) ... سورة: البقرة، الآية: 233.
(3) ... سورة: البقرة، الآية: 233.
(4) ... رواه الترمذي، حديث رقم: 1566.
(5) ... رواه أبو داود والترمذي.
(6) ... رواه البخاري ومسلم.
(7) ... رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
(8) ... رواه ابن حبان.
(9) ... رواه البخاري ومسلم.
(10) ... رواه مسلم.
(11) ... رواه الترمذي.
(12) ... رواه مسلم.
(13) ... بناء الأسرة المسلمة في ضوء الكتاب والسنة، الشيخ خالد العك، ص: 249-257.(1/6)
المحور الثاني
مفهوم التأديب في نطاق الأسرة
( شروطه وضوابطه )
لقد عالج الإسلام كلَّ المشاكل الطارئة على مشروع بناء الإنسان المستقيم، ومن العلاج التأديب داخل الأسرة، ونعني به عملية الإصلاح التربوي والسلوكي في الأسرة ذاتها سواء كان التأديب للزوجة أو الأولاد أو حتى للزوج نفسه، والذي ينبغي أن يكون حاضراً في الذهن أنَّ عملية التأديب ليست ضرباً من ضروب السادية أو الاستعلاء أو الظلم أو التنفيس عن العقد الدفينة بل هو علاج عنوانه درء المفسدة، ولبُّه الرحمة، وظاهره الشدِّة في بعض الأحيان؛ لأنَّ التأديب لا يكون في الشدِّة فحسب بل هو في كثير من الأحيان تأديب بالمرغبات والمحفزات. وعلى كلٍّ فهذه أبرز معالم التأديب والتربية في الأسرة.
أولاً- تربية الأولاد بالتأديب:
1- معاملة الأولاد باللين والرحمة هي الأصل:
- روى البخاري في الأدب المفرد: " عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش ".
- فيدخل الولد بهذه التوجيه النبوي دخولاً أولياً باعتبار أنه محط الرعاية، ومحل العطف.
ومما يؤكد أنَّ المعاملة بالرفق واللين هي الأصل ملاطفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأولاد.
2- مراعاة طبيعة الطفل المخطئ في استعمال العقوبة:
الأولاد يتفاوتون فيما بينهم ذكاء ومرونة واستجابة... كما أن أمزجتهم تختلف على حسب الأشخاص، فمنهم صاحب المزاج الهادئ المسالم، ومنهم صاحب المزاج المعتدل، ومنهم صاحب المزاج العصبي الشديد... وكل ذلك يعود إلى عوامل الوراثة، وإلى مؤثرات البيئة، وإلى عوامل النشأة والتربية...
فبعض الأطفال ينفع معهم النظرة العابسة للزجر والإصلاح، وقد يحتاج طفل آخر إلى استعمال التوبيخ في عقوبته، وقد يلجأ المربي إلى استعمال الشدَّة في حالة اليأس من نجاح الموعظة، واستعمال طريقة التوبيخ والتأنيب...(1/7)
وعند كثير من علماء التربية ومنهم ابن سينا وابن خلدون أنه لايجوز للمربي أن يلجأ إلى العقوبة إلا عند الضرورة القصوى، وأن لا يلجأ إلى الضرب إلا بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء... لإحداث الأثر المطلوب في إصلاح الطفل، وتكوينه خلقيًّا ونفسياً.
وقد قرر ابن خلدون في مقدمته أن القسوة المتناهية مع الطفل تعوّده الخور والجبن، والهروب عن تكاليف الحياة فمما قاله: ( من كان مُربَّاه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم.. سطا به القهر، وضيَّق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل، وحمله على الكذب والخبث خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة، ولذلك صارت له هذه عادةً وخلقاً، وفسدت معاني الإنسانية التي له ).
3- التدرج في المعالجة من الأخف إلى الأشد:
مما نوَّهنا عنه قبل قليل أنَّ العقوبة التي يجريها المربي للولد يجب أن تكون في مرحلتها الأخيرة، ومعنى هذا أن هناك مراحل من المعالجة والتأديب يجب أن يمر عليها المربي قبل اللجوء إلى الضرب؛ لعلها تؤدي الغرض في تقويم اعوجاج الطفل، ولعلها تصلح من شأنه، وترفع من مستواه الأخلاقي والاجتماعي، وتجعله إنساناً سويًّا!!
لأنَّ المربي كالطبيب _ كما يقول الإمام الغزالي -، فكما أنَّ الطبيب لا يجوز أن يعالج المرضى بعلاج واحد مخافة الضرر، كذلك المربي لا يجوز أن يعالج مشاكل الأولاد، ويقوّم اعوجاجهم بعلاج التوبيخ وحده مثلاً مخافة ازدياد الانحراف عند البعض، أو الشذوذ عند الآخرين. ومعنى هذا أن يعامل كل طفل المعاملة التي تلائمه، ويبحث عن الباعث الذي أدى إلى الخطأ وعن عُمُر المخطئ وثقافته، والبيئة التي يكتسب منها. كل ذلك مما يساعد المربي على فحص علَّة الانحراف في الولد، وتشخيص مرضه، ليصف له العلاج الذي يناسبه.
ومن الطرق التي فتح معالمها المعلم الأول عليه الصلاة والسلام:
1- الإرشاد إلى الخطأ بالتوجيه:(1/8)
روى البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كنتُ غلاماً في حِجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أي تحت رعايته ) وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا غلام سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك ".
2- الإرشاد إلى الخطأ بالملاطفة:
روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ _ وهذه هي الملاطفة وأسلوب التوجيه _ فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، فتلَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده ( أي وضع الشراب في يده)، وهذا الغلام هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
3- الإرشاد إلى الخطأ بالإشارة:
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان الفضل رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إنَّ فريضة الله تعالى على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحجّ عنه؟ قال: نعم. وذلك في حجة الوداع.
فلقد رأيت أنه - صلى الله عليه وسلم - عالج خطأ النظر إلى الأجنبيات بتحويل الوجه إلى الشق الآخر، وقد أثَّر ذلك في الفضل.
4- الإرشاد إل الخطأ بالتوبيخ:
روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ساببتُ رجلاً، فعيرته بأمه ( قال له : يا ابن السوداء ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أبا ذر! أعيَّرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفتموهم فأعينوهم ".(1/9)
فلقد رأيت أنه - صلى الله عليه وسلم - عالج خطأ أبي ذر حين عيَّر الرجل بسواده بالتوبيخ والتأنيب؛ وذلك في قوله: يا أبا ذر " إنَّك امرؤ فيك جاهلية "، ثم وعظه بما يلائم المقام وما يناسب التوجيه!!.
5- الإرشاد إلى الخطأ بالهجر:
روى البخاري أنَّ كعب بن مالك حين تخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تبوك قال: " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا، وذكر خمسين ليلة.." حتى أنزل الله تعالى توبتهم في القرآن الكريم.
6- الإرشاد إلى الخطأ بالضرب:
روى أبو داود والحاكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع ". چ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? چ (1) .
وهذا كلّه بمراعاة الضوابط التي ذكرها العلماء في موضوع الضرب والتي ستأتي معنا في قضية معالجة نشوز الزوجة (2) .
ثانياً: تأديب الزوجة الناشزة:
قال الله تعالى: چ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? چ چ چ چ (3) .
هذه ثلاث وسائل بينتها الآية الكريمة وهي: الوعظ، والهجر، والضرب.
أما الموعظة: فهي أن يخِّوفها مثلاً من عدم رضاء الله تعالى عليها، مبيناً حقه عليها، وما أوجبه الله تعالى من الطاعة عليها للزوج إلى غير ذلك من المواعظ الحكيمة والنصائح النافعة. فإذا لم تجد وسيلة الوعظ ثمرة واستمرت على ما هي عليه ينتقل إلى الوسيلة الثانية وهي الهجر في المضجع، وهو نوع وأسلوب من أساليب التأديب، لمن تحب زوجها ويشقُّ عليها هجره إياها.
__________
(1) ... سورة النساء؛ الآية: 34.
(2) ... تربية الأولاد في الإسلام للدكتور عبد الله ناصح علوان 2/564-570.
(3) ... سورة: النساء، الآية:34.(1/10)
والهجر هو عبارة عن عدم التفات الزوج إلى زوجته، وعدم استمتاعه بها، وليس معناه ترك الفراش والحجرة فهذا فهم خاطئٌ بعيد كلَّ البعد عن مراد الآية القرآنية. إنَّ الهجر في المضجع معناه أن ينام الزوج مع زوجته في الفراش ولكن يوليها ظهره ولا يلتفت إليها، ولا يتصل بها اتصالاً جنسياً، لعل ذلك يكون مؤثراً عليها في رجوعها عن نشوزها ولزومها طاعة زوجها وبرَّه والإحسان إليه.
وأما الهجر بالكلام فلا يجوز له أن يهجرها فوق ثلاثة أيام للنهي عنه.
فإذا لم تَصلُح هذه الوسيلة فله أن يضربها ضرباً غير مبرح أي غير شاقٍّ ولا مؤذٍ، فلا يكسر لها عظماً ولا يجرح لها جلداً. فالضرب المبرح لا يجوز حتى ولو علم أنَّها لن ترجع عمَّا هي عليه إلا بهذا النوع من الضرب، والأولى الأخذ بما هو أقلُّ من هذا، فضرب الزوجة في الشريعة الإسلامية ليس بعزيمة بل هو رخصة، ولا يحل استعمال هذه الرخصة إلا مع زوجة لم تصلح معها الموعظة، ولم يُفلحْ معها الهجر. بل إنَّه لا يحل استعمال الضرب مع المرأة إذا عرف أنَّه لا ينفع في تهذيبها وزجرها عما هي عليه من العصيان.
وأكرّرُ القول بأنَّ الضرب المرخَّص فيه ليس ضرب وحشيَّةٍ ولا قسوة، ولا يكون بالسوط والعصا، بل يكون بيد لينة رحيمة.
هذا هو الضرب المرخص فيه شرعاً، وتركه أولى وأفضل، فهو وسيلة لإظهار الغضب أكثر منه وسيلة للعقاب. وهذه هي حقيقة الضرب في شريعة الإسلام، وتلك الحقيقة التي لم يفهمها بعض المسلمين فهماً صحيحاً، فأساؤوا استعمالها إساءة لا تُقرّها إنسانيتُهم ولا دينُهم (1) .
أما الضرب الذي نسمع عنه في زماننا فإنَّه لا يمُتُّ إلى القرآن والسنَّة بشيء بل هو ضرب من ضروب الظلم والاستبداد.
... ... - ... ... - ... ... - ... ... - ... ... -
المحور الثالث
العنف في الأسرة: أسبابه ودوافعه وآثاره
أولاً: تعريف العنف الأسري:
__________
(1) ... بناء الأسرة المسلمة في ضوء الكتاب والسنَّة للشيخ خالد العك، ص109-110.(1/11)
هو سلوك عدواني موجه من واحد أو أكثر من أفراد الأسرة تجاه فرد أو أكثر من أفراد ذات الأسرة، بحيث يكون هذا السلوك فيه ترجيح لميزان القوة بكفة الطرف المعتدي مما يشكل طرفاً ضعيفاً غير قادر على مواجهة هذا العنف.
ويمكننا أن نقول بأنَّ العنف الأسري هو:
" أحد أنماط السلوك العدواني الذي ينتج عن وجود علاقات قوة غير متكافئة في إطار نظام الحياة بين المرأة والرجل أو بين الآباء والأبناء داخل الأسرة مما يترتب على ذلك تحديد لدور ومكانة كل فرد من أفراد الأسرة بصورة غير طبيعية ".
ثانياً: أسباب العنف في الأسرة:
1- إنَّ أبرز المسببات وأكثرها انتشاراً هو تعاطي الكحول والمخدرات.
2- يأتي بعده في الترتيب الأمراض النفسية والاجتماعية لدى أحد الزوجين أو كلاهما.
3- ثم اضطراب العلاقة بين الزوجين لأي سبب آخر غير المذكورين أعلاه.
4- الجهل بالدين وعدم معرفة الحقوق المتبادلة.
5- بعض التقاليد البالية الموروثة.
ثالثاً: دوافع العنف الأسري تفصيلياً:
أ الدوافع الذاتية:
وهي تلك الدوافع التي تنبع من ذات الإنسان ونفسه، والتي تقوده نحو العنف الأسري بسبب عقد دفينة أو طبائع مشوّهة.
ب الدوافع الاقتصادية:
في محيط الأسرة لا يروم الأب الحصول على منافع اقتصادية من وراء استخدامه العنف إزاء أسرته وإنما يكون ذلك تفريغاً لشحنة الخيبة والفقر الذي تنعكس آثاره بعنف من قبل الأب إزاء الأسرة.
ج الدوافع الاجتماعية:
فمن ذلك بعض العادات والتقاليد التي اعتادها أقوامٌ معينون والتي تتطلب من الرجل -حسب مقتضيات هذه التقاليد- قدراً من الرجولة في قيادته لأسرته من خلال العنف والقوَّة، وذلك أنهما المقياس الذي يبين مقدار رجولته كما يعتقد، وإلاّ فهو ساقط من عداد الرجال.(1/12)
وهذا النوع من الدوافع يتناسب طردياً مع الثقافة التي يحملها المجتمع، وخصوصاً الثقافة الأسرية فكلما كان المجتمع على درجة عالية من الثقافة والوعي والمعرفة بأحكام الشريعة السمحاء، كلما تضاءل دور هذه الدوافع حتى ينعدم في المجتمعات الراقية، وعلى العكس من ذلك في المجتمعات ذات الثقافة المحدودة، إذ تختلف درجة تأثير هذه الدوافع باختلاف درجة انحطاط ثقافات المجتمعات.
رابعاً: الآثار المترتبة على العنف الأسري:
أ- الآثار النفسية للعنف على المرأة:
1- فقدان المرأة لثقتها بنفسها، وكذلك احترامها لنفسها.
2- شعور المرأة بالذنب إزاء الأعمال التي تقوم بها.
3- إحساسها بالاتكالية والاعتمادية على الرجل.
3-شعورها بالإحباط والكآبة.
4- إحساسها بالعجز.
5- إحساسها بالإذلال.
6- عدم الشعور بالاطمئنان والسلام النفسي والعقلي.
7- الاضطراب في الصحة النفسية.
8- فقدانها الإحساس بالمبادرة واتخاذ القرار.
لا شك أنَّ هذه الآثار النفسية، أو بعضها تفضي إلى أمراض نفسية أو نفسية - جسدية متنوعة كفقدان الشهية، واضطراب الدورة الدموية، واضطرابات المعدة أو البنكرياس، وآلام وأوجاع الرأس، ...الخ.
ب- الآثار الاجتماعية للعنف على المرأة:
1- الطلاق.
2- التفكك الأسري.
3- سوء واضطراب العلاقات بين أهل الزوج وأهل الزوجة.
4- فشل الأبناء في المدارس.
5- عدم التمكن من تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة نفسية واجتماعية متوازنة.
6- جنوح أبناء الأسرة التي يسودها العنف.
7- العدوانية والعنف لدى أبناء الأسرة التي يسودها العنف.
8- يحول العنف الاجتماعي ضد المرأة عن تنظيم الأسرة بطريقة علمية سليمة.
أي أنه يقف عائقا أمام هذا التنظيم من جهة، ويبعثر مداخيلهم الاقتصادية.
ج- الآثار الاقتصادية للعنف:(1/13)
إن ظاهرة العنف الممارس على المرأة بشكل رئيسي، وعلى الأولاد بصفتهم الملحق داخل الأسرة، لا يعكس في الحقيقة حجم العنف المعنوي – والاجتماعي فحسب، بل أيضا حجم العنف الاقتصادي وبما يحدثه من خلل واضطرابات في البنية الاقتصادية. حيث يفوت هذا العنف على الأفراد فرص تدريبهم وإعدادهم لسد ثغرات العمل من جهة، واستيعابهم في سوق العمل بشروط أفضل من جهة ثانية.
ومن آثار العنف على الأطفال:
1- العقد النفسية والانطوائية والكآبة.
2- الفشل في الدراسة والعلم.
3- الشخصيّة العدوانيّة وكراهية المجتمع.
4- ضياع مفهوم الأبوّة والأمومة.
5- فقد الطموح والأمل في الحياة.
6- كراهية الذات.
... - ... ... - ... ... - ... ... - ... ... - ...
المحور الرابع
علاج العنف والتدابير اللازمة للحدِّ منه
عرفنا في ما مضى من المحاور السابقة أهمية بناء الأسرة والمحافظة عليها لأنَّه كما بينا لا يتصور تحقيق مشروع بناء حضارة الإنسان المعاصر إلا من خلال تماسك الأسرة ونجاحها.
ولذلك فإنَّ من أهم الواجبات المسارعة إلى علاج أشكال العنف الحاصلة في بعض الأسر، سواء العنف على الزوجة أو العنف على الأولاد، وشد الهمم والمسارعة إلى خطوات عملية تستنقذ واقع كثير من العائلات التي سقطت في براثن عنف أعمى نابع عن عقد وأزمات نفسية وعادات وتقاليد مشوهة فمن ذلك أخذ العلماء دورهم الصحيح في التوجيه والإرشاد بناءاً على هدي الكتاب والسنة وتركيز جزء من الخطاب الديني في المراحل المختلفة من المناهج التعليمية لتنقية مفهوم التربية والتأديب عند الجيل الصاعد وكذا التوجه بالخطب والدروس للتحذير من خطورة هذا الأمر.(1/14)
كما يتعين على مواقع الإفتاء في عالمنا إصدار الفتاوى اللازمة التي تبين حرمة العنف الذي يمكن أن يمارس على الزوجة أو الأولاد وتبيان شروط التأديب من الناحية الشرعية وإصدار النشرات التوجيهية والكتيبات التثقيفية وتوزيعها على العموم، هذا فضلا عن إنشاء مراكز متخصصة لإرشاد الخاطبين ذكوراً وإناثاً للحقوق الشرعية المتبادلة بالتنسيق مع المحاكم الشرعية المختصة.
كما لا ينبغي غياب وسائل الإعلام وخاصة في هذا العصر الذي هو عصر الإعلام بامتياز أن تقصر في الندوات والمحاضرات التي تحد من انتشار ثقافة الجهل الأسري وما يترتب عليها من مظاهر العنف.
كما يتعين على مؤسسات المجتمع المدني القيام بعمليات الرصد والبحث والإحصاء لأشكال العنف المنتشرة ضد النساء والأطفال وبحثها ومعرفة مدى انتشارها لكشفها أمام الجهات المختصة للقيام بعملية الحد منها.
ومن واجب الجامعات بالإضافة إلى مراكز الأبحاث أن تعمل على رفد الشارع الثقافي بالدراسات النظرية وورش العمل التطبيقية التي تعمل على إظهار مشكلة العنف وطرق العلاج المناسب لها.
وأما بالنسبة لدور الحكومات فهو دورٌ رائدٌ في إصدار القرارات المتعلّقة ببيان العقوبات المترتبة على الممارسين لأشكال العنف الأسري فضلاً عن الدور الذي تنبغي أن تقوم به مراكز القرار من توعيةٍ وترويجٍ في موضوع حقوق العائلة ومناهضة العنف.
ثمَّ إنَّ المسؤولية الإيمانيّة تفرض على الفرد المسلم بصفته الشخصيّة أن يكون آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر انطلاقاً من قول الله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹچ (1) ، ومن قاعدة " الضرر يُزال " فيترتّب على كلِّ مسلمٍ النصح بالمعروف لرفع أيِّ شكلٍ من أشكال العنف الأسري بقدر استطاعته أو الاستعانة بأهل الاختصاص والاستفادة من إمكاناتهم وخبراتهم أو سلطتهم.
... - ... ... - ... ... - ... ... - ... ... - ...
الخاتمة
__________
(1) ... سورة: آل عمران؛ الآية: 110.(1/15)
إنَّ المتأمّل في هذه الشريعة الإسلامية السمحاء تتجلى أمامه حقيقتان الحقيقة الأولى: أنّ هذه الشريعة هي وحي من الله تبارك وتعالى على قلب النبي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - تواكب حركة الإنسان في هذه الحياة وتحفظ له مقوّمات سعادته واستقراره واستمرار نسله حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
ومن هذا أنَّ الشريعة أسست نظام الأسرة المتكامل وجعلت هذا النظام الأُسري محفوظاً بجملةٍ من الضوابط والقيود والإرشادات والقيم التي من خلالها تُحفظُ الحقوق المتبادلة بين الزوجين وتُحفظ رعاية الطفل بالصورة المناسبة.
والحقيقة الثانية أنّه لا تُتصور سعادةٌ أسريّة إلا من خلال اتباع المنهج النبوي السديد فالمتابع لسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام رضي الله عنهم يرى المشهد الأسري الجميل والراقي الذي تسوده حقيقة العدالة الاجتماعية والرحمة والمودّة وحقيقة العطف على الصغار والرأفة بهم.
إننا اليوم ونحن أمام تحديّاتٍ كثيرةٍ تواجه بناء المجتمع الفاضل المنشود ينبغي علينا بذل الجهود الحثيثة والعطاءات الكبيرة على كلّ الأصعدة للنهوض بواقع الأسرة المسلمة خصوصاً والأُسر الإنسانية عموماً.
فحضارة الإنسان لا تكتمل إلا بالإنسان ومفهوم الإنسان لا يكتمل إلا بالإيمان، وسمو الإيمان لا يكتمل إلا بحقيقة الرحمة چ ک ک گ گ گ چ (1) .
والحمد لله أولاً وآخراً، وصلَّى الله على سيدنا محمَّد النبي الأميِّ وعلى آله وصحبه وسلَّم.
__________
(1) ... سورة: الأنبياء؛ الآية: 107.(1/16)