الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
العنف في نطاق الأسرة
إعداد
أ. د / أحمد على طه ريان
أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر
ورئيس لجنة موسوعة الفقه الإسلامي
بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف بالقاهرة
بسم الله الرحمن الرحيم
العنف في نطاق الأسرة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فإن إرادة الله تعالى قد شاءت أن تختار لهذه الأمة – بعد أن اكتملت مراحل التطور البشري– المنهج القرآني، لتحيا به، وتسيرعليه، وتعيش فى كنفه، وتنعم بظلاله، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، جعله تعالى صالحًا لكل زمان ومكان، مهما اختلفت الألسنة، وتباينت الأجناس وتغايرت الألوان، فوسع هذا المنهج مشارق الأرض ومغاربها، فاستضاءت بأنواره البشرية كلها، وعمت بركاته أرجاء المعمورة أربعة عشر قرنًا من الزمان؛ وفيما يلى، بيان لمعالم هذا المنهج.
أولاً:- أهمية بناء الأسرة فى الإسلام(1/1)
من أهم معالم هذا المنهج؛ إقامة كيان صلب للأسرة؛ ذي قوائم فولاذية حتى يتحمل الأعباء الثقيلة التى ستلقى عليه والعواصف العاتية التى تضرب أركانه بين الحين والآخر، حيث ربط الإسلام بين عمودي الأسرة برباط قويم؛ فجعل أحدهما جزءا من الآخر، وجعل الأصل مرتهنا فى راحته وهدوئه و سكنه بهذا الجزء بحيث لا يشعر براحة و لا بطمأنينة إلا فى رحابه وبين يديه؛ قال جل شأنه: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون } (1) ثم ربط بين هذين العمودين بنفحتين ربانيتين؛ وهما المودة والرحمة، فصارا بذلك مرتبطتان معا ارتباطًا وثيقًا حسًا ومعنى، ومن أعظم ما يصور شدة هذا الارتباط؛ هذا التصوير القرآني الكريم: { هن لباس لكم و أنتم لباس لهن } (2) حيث يندمج كل منهما فى الآخر حتى يصيرا كأنهما كيان واحد.
الدعائم التي تعطي هذا الكيان القدرة على الاستمرار:
هذه الدعائم تقوم على قاعدة صلبة وهي الرضا: بحيث لا يحصل الارتباط إلا بعد التأكد من حقيقة رضا أحد الطرفين بالآخر؛ لذلك كانت هناك عدة حلقات للتأكد من حقيقة الرضا، وتمثل الدعائم التى تساعد الأسرة، وهى:
الأولى: التعرف على شخص الطرف الآخر خلقًا وخُلقًا؛ والأساس فى هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - [ تنكح المرأة لأربع لجمالها ولحسبها ونسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ]. (3)
__________
(1) - سورة الروم الآية 21.
(2) - سورة البقرة من الآية 187.
(3) - صحيح مسلم جـ4 صـ175 ط الشعب القاهرة.(1/2)
الثانية: تحقق الكفاءة بين الطرفين؛ بحيث يكون المتقدم للزواج كفئا للمرأة التى يرغب فى الارتباط بها؛ وقد فصل أكثر الفقهاء عناصر الكفاءة حتى وصل بها بعضهم كالحنفية إلى الاشتراك فى المهنة التى يمتهنها كل من أهل الزوج وأهل الزوجة، وذلك رغبة فى توفير أكبر قدر من عوامل الاستقرار للأسرة في المستقبل، وإن كان الإمام مالك قد قصرها على أمرين: أحدهما: الالتزام بالدين، وثانيهما: السلامة من العيوب المنفرة كالجذام والبرص والجنون، ويقويه حديث الحجام أبي هند فقد جاء فيه [ قال - صلى الله عليه وسلم - يابني بياضه أنكحوا أبا هند وانكحوا إليه]. (1)
الثالثة: إظهار الموافقة الحقيقية من جانب المرأة على هذا الارتباط؛ بالقول الصريح من الثيب، وبالسكوت الدال على الرضا من جانب البكر، وقضية خنساء بنت خدام جلت الأمر بوضوح في هذه القضية؛ يقول أبو داود " إن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فرد نكاحها (2) "(2) وفى حديث ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: [ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر فى نفسها وإذنها صمتها ] (3) وقد رفضت المرأة الزواج من عمر – رضي الله عنه- وهو أمير المؤمنين وقد وافق والدها، فنهرها على رفضها، فقال له عمر أقسمت عليك لتزوجنها من الرجل الذي ترغب فى الزواج منه"
__________
(1) - سنن أبى داود جـ1 صـ484.
(2) - سنن أبى داود جـ1 صـ484.
(3) - سنن أبى داود جـ1 صـ484.(1/3)
الرابعة: أن يقدم الرجل برهانا على صدق رغبته في الزواج، وذلك بتقديم صداق يتناسب مع ظروف الزوج وحال المرأة من عسر أو يسر، قال تعالى: { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } (1) والقدوة في هذا سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - : فعن أبي سلمة قال: [ سألت عائشة- رضي الله عنها- عن صداق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ قالت: ثنتا عشر أوقية ونش، فقلت: وما نش؟ قالت: نصف أوقية ] (2) وفى حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ من أعطى صداق امرأة ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل ] (3) .
الخامسة: العمل على إعلان هذا الارتباط، وذلك بحضور الزوج وولى الزوجة وشاهدين من أعدل الناس عقد النكاح على الأقل، وإن زيد على ذلك بعمل وليمة، وحضور عدد أكبر كان أقوى، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن عوف [ مَهُيَم - أي ما شأنك - فقال يا رسول الله تزوجت امرأة, قال: ما أصدقتها, قال وزن نواة من ذهب, قال: أولم بشاة ] (4) .
السادسة: إعداد المكان المناسب لظروف الزوج وحال الزوجة؛ للاستقرار الأسرى, تتوافر فيه شروط الأمان ووسائل الحياة و الحفاظ على العفاف, بحيث يكون بين قوم صالحين. قال جل شأنه:{ أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن.. } (5)
السابعة: القدرة على الإنفاق في المطعم والمشرب والملبس, بحيث يتناسب مع ظروف الزوج وحال الزوجة: من غنى وفقر ويسر وعسر, ففي حديث معاوية القشيرى قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , قال: فقلت [ ما تقول في شأننا ؟ قال: أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون, ولا تضربوهن ولا تقبحوهن ] (6)
__________
(1) - - سورة النساء من الآية 4.
(2) - سنن أبى داود جـ1 صـ485.
(3) - سنن الدارقطنى جـ3 صـ243
(4) - سنن أبى داود جـ1 صـ486.
(5) - سورة الطلاق الآية 6.
(6) - سنن أبى داود جـ1 صـ494،495.(1/4)
الثامنة: الالتزام بالحقوق المتبادلة بين الطرفين الناشئة من عقد الزواج فعلى كل طرف أن يلتزم بما عليه من حقوق للآخر, حيث أوجب المولى تبارك وتعالى للزوج على زوجته حقوقًا كما أوجب لها على زوجها حقوقًا كذلك؛ وإن اختلفت طبيعة الحقوق بالنسبة لكل منهما. قال جل شأنه: { ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف } (1)
فإنه يجب على الزوجة طاعة زوجها فيما يأمرها به وينهاها عنه فى غير معصية الله تعالى. فإن نشزت كان له الحق فى علاج هذا بالضوابط الشرعية، وألا تدخل أحدا فى بيته إلا بإذنه, ولا تخرج من بيته إلا بإذنه وألا تجلس أحدًا على فرشه إلا بإذنه, ولا تنفق من ما له شيئا إلا بإذنه.. و نحو ذلك.. وقد قال عليه الصلاة والسلام – معظمًا حق الزوج على زوجته – [ لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن؛ لما جعل الله لهم عليهن من الحق ] (2)
أما حقوق المرأة على زوجها فهى أيضا كثيرة: و منها: أن يعلمها أمور دينها وأن يسمح لها بحضور دروس العلم, وأن يقدم لها ما يكفيها من المطعم والملبس ونحو ذلك مما سبقت الإشارة إليه حتى لو أنه قتر عليها فى ذلك فإنه يحق لها أن تأخذ من ماله بغير إذنه ما يكفيها وبنيها كما جاء فى حديث هند بنت عتبة, وأن يعفها, وأن يؤنسها بمبيته معها فى فراش واحد, حتى لو اضطر إلى هجرها فإن الهجر لا يتعدى البيت و فى رواية من حديث حكيم بن معاوية القشيرى عن أبيه قال:[ قلت: يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت, وتكسوها إذا اكتسيت – أو اكتسبت- ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلا فى البيت ]. قال أبو داود ( لا تقبح ) أن تقول قبحك الله. (3)
__________
(1) - سورة البقرة من الآية 228.
(2) - سنن أبى داود جـ1 صـ494.
(3) - سنن أبى داود جـ1 صـ494.(1/5)
هذه أهم الدعائم التى أقام الإسلام الأسرة المسلمة عليها, هذا التكوين الحكيم للأسرة أعطاها صلابة وقوة جعلها تصمد أمام كل الرياح العاتية التى هبت على المسلمين, والعواصف الهوجاء التى أطاحت بنظمهم السياسية ومنجزاتهم الحضارية؛ من مدن ومؤسسات وجامعات، ولم تستطع أن تقضى على الأسرة المسلمة التى احتفظت بروح الإسلام, التى ظلت كامنة فيها, وسرعان ما عادت حركة الحياة إلى المسلمين من جديد على أنقاض تلك النظم التى بادت وذهبت رموزها وذلك من خلال الأفراد البسطاء الذين يكونون هذه الأسر المسلمة, وكان النجاح يفوق كل ما يمكن تصوره إلى الدرجة التى صار الغزاة الهمج الذين حطموا حضارة المسلمين هم أنفسهم رموز حضارة إسلامية جديدة فى بلاد الهند والسند والأفغان وخراسان والعراق وما وراء النهر... قائمة أيضا على موروث المسلمين من كتاب وسنة وما بقى من علوم المسلمين مما كان قد خفي عن أعين الغزاة أثناء الاجتياح والقتل والتدمير.
مخاطر الغزو الجديدة على الأسرة:
لقد رأى أعداء الإسلام, أن الغزوات الهمجية التى دمرت حضارة المسلمين فى العصورالوسطى وإن كانت نجحت جزئيا فى تدمير مظاهر الحضارة الإسلامية ولكنها لم تنجح فى اجتثاث الإسلام واقتلاعه من جذوره.(1/6)
لذلك يعمل الأعداء جاهدين الآن على أن يبقى المسلمون مجرد اسم- بلا مسمى- في شهادات الميلاد, وذلك بالتركيز على تدمير الأسرة المسلمة من داخلها, لأنهم أدركوا من خلال دراسات المستشرقين المتعمقة أن بقاء الأسرة المسلمة متماسكة محافظة على النمط الإسلامي المعهود هو السر في حركة الحياة التى دبت فى المسلمين وأعادت روح الإسلام إلى شرايين العالم الإسلامي من جديد, لذلك اتجهت المعركة رأسًا إلى الأسرة المسلمة؛ فبدأوا من زمن غير قصير يثيرون الشبهات, فى علاقة الرجال بالنساء؛ بقصد إثارة الفرقة بين الجنسين وخلق معسكرين متناحرين داخل كل أسرة, حيث أخذ جنودهم؛ من المستشرقين والمبشرين والمتغربين من العلمانيين؛ يتنادون من داخل جمعيات مشبوهة، ونوادي عالمية ذات اتجاهات إلحادية, بتحرير المرأة حينًا, و برفع حجابها حينًا آخر، وبمساواتها بالرجل فى الميراث حينًا ثالثًا, وبمنع تعدد الزوجات حينًا رابعًا، وغير ذلك من الدعاوى الخبيثة, و التى لا قصد من ورائها فى النهاية إلا زعزعة الثقافة الإسلامية وإزالتها من بلاد المسلمين, ثم إحلال الثقافة الغربية محلها, ليتحقق الهدف المرحلي الآن وهو التبعية الكاملة للثقافة الغربية وبكل ألوانها, ومعلوم أن التبعية هذه لو تحققت كما يريدها هؤلاء, لم يبق لدى المسلمين مقدس يستثير الحمية ويحرك الغيرة عليه إذ يصير المسلمون مجرد أشخاص يعيشون ليأكلوا ويتناكحوا, مما يسهل الأمر على الأعداء للوصول إلى المراحل التالية, التى تنتهي بتحقيق الهدف الرئيسي الذى أشرنا إليه قبل قليل.
لذا أرجو أن يتنبه المسلمون لدرء هذه الأخطار التى تحيط بهم وبثقافتهم وأرجو من الله العلى القدير أن يحفظ دينه وشريعته, وأن يرد كيد الأعداء إلى نحورهم, إنه قريب مجيب.
ثانيًا:- طبيعة العلاقة بين أفراد الأسرة في الإسلام؛
الزوجين و الأبناء والآباء والأمهات(1/7)
لقد أقام الإسلام هذه العلاقة بين الزوجين والأولاد, ومعهما الآباء والأمهات, على أركان رئيسية, وهى المودة والتعاون والمرحمة ورعاية قيم المجتمع المسلم.
أولا:- قيام العلاقة على المودة:
أما قيام علاقة الزوجين ببعضهما البعض على المودة: فهذه نفحة إلهية عطف بها المولى جل شأنه عليهما وأودعها قلبهما لينشغلا ببعضهما عما حولهما من الأكوان ومكوناتهما, لبناء هذه الخلية التي جمعتهما معا؛ حيث فارق الزوج أهله وعشيرته بالرغم أنه لم يعرف الحياة وما يجرى فيها إلا عن طريقهما و كذلك الحال بالنسبة للمرأة؛ فارقت أهلها وعشيرتها اللذين كانا مصدر حياتها وحمايتها.
ولولا هذا السر الإلهي لما استطاع كل منهما أن ينخلع عن حياته السابقة كلها حتى تصير لديه مجرد صلات قربى وذكريات.
ولولا هذا السر الإلهي لما انشغل كل منهما بكل قواه وسخر كل إمكاناته وواصل ليله بنهاره, فى استكمال بناء جوانب هذه الخلية, من تحسين لسكنهما ورفع لقيمة نفقتهما, ومستواهما العلمي والعملي؛ والانشغال بالحصول على النسل الذى يزيد من قوة ارتباطهما ببعضهما البعض, ثم الشعور بالمرارة والحزن إذا أصيب أحدهما بمكروه ثم مشاعر التعاسة والإحباط إذا انسحبت من بينهما هذه النفحة الإلهية.
هذه النفحة الإلهية أو السر الإلهي يشير إليه النص القرآني الكريم في قوله جل شانه:{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون } فقد تضمن هذا النص الكريم أربع آيات جليلات ووجه المولى جل شانه أنظار أهل الفكر إليها وهي:
الأولى: خلق الزوجة من نفس زوجها.
الثانية: جعل هذه الزوجة سكنا وراحة لزوجها.
الثالثة: أودع سبحانه نفحة المودة ليعمر بها قلوب كل من الأزواج والزوجات.
الرابعة: غمر هذه القلوب برحمته سبحانه فلا يجد كل منهما من يواسيه ويقوم بشأنه أثناء أزماته الممتدة إلا شريك حياته.(1/8)
وهذه النفحة الربانية تسرى منهما إلى ما ينسل عنهما من بنين وبنات, حتى يبذل كل منهما كل غال ورخيص للحصول على ولد, ثم بعد وصوله: تنحصر سعادتهما فيما يظهر على هذا الولد من نمو وتقدم: حيث تظهر البهجة والسرور بسرعة عليهما, في كل ما يطرأ على هذا الوليد من نظرة عارضة أو بسمة عابرة, يقول المولى جل شأنه مشيرًا إلى عطائه العظيم لتلك النفحة الربانية – { وحنانًا من لدنا وزكاةً وكان تقيًا }. (1)
هذه النفحة الربانية التي تودع قلوب الخلق إنما هي عطاء خاص من المولى جل شانه, وليست من مجال الاكتساب بمقابل ولا بدون مقابل, لذلك يزداد هذا العطاء لبعض الخلق إذا حصلوا على رضا المولى سبحانه ففى الحديث القدسي:[ يا جبريل نادى في أهل السماء إن الله أحب فلانًا فأحبوه فينادى جبريل فى أهل السماء إن الله أحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يكتب له القبول فى الأرض ] (2) بزيادة المودة التى تودع قلوب الخلق نحوه.
وهذه النفحة هى التى تدفع الآباء والأمهات للتضحية فى سبيل أولادهما فى مجالات التربية والحضانة والتعليم وما بعد ذلك كله ... .. وتستمر هذه النفحة حتى بعد وصول الأولاد إلى مرحلة النضج والاعتماد على النفس حيث يظل تعلق الآباء والأمهات بهم, وتنحصر السعادة والمسرة فى وصول الأخبار السارة عنهما؛ بنين وبنات, وينحصر الحزن والهم والغم فيما إذا وصلت عنهما الأخبار غير السارة.
ثانيًا:- قيام العلاقة بين أفراد الأسرة على التعاون فيما بينهم:
علاقة التعاون بين أفراد الأسرة هى حجر الزاوية الذى تعتمد عليه فى قيامها واستمرار بنيانها وارتفاعها حتى تصبح حصنا للمنتسبين إليها.
فمنذ البداية: يجب أن يتعاون كل منهما فى إطلاع الآخر على المعلومات الضرورية عنه حتى يبنى الآخر ما يتصوره من مراحل فى قيام هذه الأسرة؛ سواء كانت مالية أو اجتماعية أو تعليمية.
__________
(1) - سورة مريم الآية13.
(2) - صحيح مسلم جـ5 صـ40 ، 41 طبعة الشعب القاهرة.(1/9)
ثم تأتى مرحلة التلاقي وقيام الميثاق الغليظ؛ وهذا لا يتم إلا بعد أن يستريح كل طرف إلى نتائج المعلومات التى تلقاها عن الطرف الآخر، واستعداد كل منهما للمساهمة فى قيام هذا البناء.
ثم تأتى مرحلة التعاون الحقيقي, فى التزام كل من الطرفين بما فرض عليه هذا الميثاق الغليظ حيث يقوم الزوج بكل ما يستطيع القيام به لتدبير نفقات أسرته مهما يكلفه ذلك من الجهد والمشقة حتى يصل بها إلى الوضع الاجتماعي المناسب الذى يتلاءم مع مركزه فى الوحدة الاجتماعية التى ينتمي إليها إلى جانب إعالته لوالديه إن كانا فى حاجة إلى إعالة و رعاية, استجابة لقوله تعالى: { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ... .}. (1)
ومعلوم أن الوالدين كانا قد قاما بنصيبهما فى التعاون على بناء هذه الأسرة, فقد ساهما مع ابنهما فى تأسيسها وبنائها وتجهيز ما تحتاج إليه بحسب امكاناتهما. وبعضهم ممن يملك امكانات اكبر قد يستمر فى هذا الإسهام إلى ما شاء الله.
أما تعاون الزوجة: فهو قائم على رعايتها لزوجها ولأولادها فهى مديرة مملكتها الصغيرة؛ من تجهيز احتياجات الزوج والأولاد؛ من الطعام والسوائل التى يرغب فى تناولها وتهيئة ملابسه التى يحتاجها فى عمل يومه إلى جانب انشغالها بحاجة أولادها من ذلك كله إلى جانب مسئوليتها عن تهيئتهم لتلقى التعليم فى كل مرحلة بما يناسبها, والاطمئنان عليهم فى طريقهم وعودتهم من المدرسة, وكذلك فى حال تواجدهم فى المدرسة ثم مدى تقدمهم فى دراستهم, وما يعترضهم من المشاكل الصغيرة التي يمكنها حلها دون عرضها على الزوج المنهك فى عمله.
__________
(1) - سورة الإسراء الآية 22.(1/10)
ثم مطالبتها برعاية والدي زوجها إن كانا في حاجة إلى هذه الرعاية؛ وهذا له أثره في تعاونها مع زوجها؛ لأن هذا الكيان شركة بينهما لن ينجح في رسالته كخلية إسلامية فاعلة في المجتمع المسلم إلا بإخلاص طرفيه؛ وهما الزوج والزوجة. وفى الحديث الشريف: [ الرجل راع فى بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية فى بيتها ومسئولة عن رعيتها ] (1) فقد حملها الحديث الشريف مسئولية الرعاية الكاملة لكل أفراد الأسرة و أي قصور في جانب أي منهما سينعكس على الرعية الكائنة فى هذه الأسرة.
نعم مسئولية الزوج أكبر؛ لأنه عمود الأسرة, والمسئول عن حمايتها, وتوفير متطلباتها, وبيده القوامة التي وكلها المولى إليه, بما أعطاه المولى سبحانه وتعالى من صبر وجلد في مواجهة تحديات الحياة, قال تعالى: { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } (2) .
ثالثًا:- قيام العلاقة على المرحمة:
__________
(1) - سنن الترمذي الحديث رقم 1705 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(2) - -سورة النساء من الآية 34.(1/11)
وهى نفحة إلهية: يودعها المولى جل شأنه فى قلوب عباده وفى قلوب كل ما يدب على هذه الأرض, حتى الحيوان الأعجم فإنه يأخذ بنصيب منها حيث يرحم وليده: فيعطيه من لبنه ما يشبعه ويرفع رجله لينام فى حضنه والدجاجة تنام على بيضها للمساعدة على تنمية ما بداخله مما سيصير دجاجًا فيما بعد وهكذا...ولكن تلك المرحمة فى الإنسان أعظم وأبلغ ففى الحديث الشريف: [ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء والراحمون يرحمهم الرحمن] (1) فالمرحمة خلق رفيع لا يتصف به فى درجته العليا إلا أهل الخلق الكامل, لذلك مدح المولى جل علاه الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - به حيث قال جل شأنه: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } (2) .
والأسرة المسلمة فى حاجة ماسة إلى أن تأخذ بنصيب وافر من هذا الخلق الكريم حتى يتراحم أفرادها فيما بينهم.
فالرجل الذى يخرج إلى عمله فى الصباح ويكدح طول يومه ليوفر احتياجات بيته فى حاجة إلى أن يلمس من زوجته وأولاده شيئا من المرحمة فلا يرهق بكثرة مطالبهم كما لا ينبغي أن يرهق من الزوجة بالشكوى مما يحدث من شقاوة الأولاد وسوء التصرفات التى تحدث منهم طوال اليوم.
وكذلك: الزوج يجب أن يشعر بما تعانيه زوجته فى العمل فى المنزل؛ سواء فى التجهيز للطعام والملابس وحقائب الأولاد واحتياجاتهم, فلا يحمل معه هموم عمله إلى منزله بل عليه أن يشعرها بسعادته لرؤيتها ولرؤية أي شيء حدث فيه تغيير فى المنزل, ويطرى خبرتها فى طهي الطعام و وضع كل شىء فى المنزل فى مكانه المناسب, ويثنى على جهدها فى تربية الأولاد وحل مشاكلهم..
ثم إذا حدث تقصير من أي طرف يجب على الطرف الآخر أن يتناول الموضوع بلطف وسعة صدر ولا يشعره بالتقصير بل يلفت نظره بهدوء وأنه سيكون أحسن مما هو عليه الآن فى المستقبل.
__________
(1) - سنن الترمذي الحديث رقم 1994 من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
(2) - سورة التوبة الآية 128.(1/12)
أما نصيب الوالدين من هذه المرحمة فيجب أن يكون أعظم؛ لأن الأسرة ما كان بنيانها ليقوم إلا بإنجابهما لهذا الزوج والمعاناة فى تربيته حتى وصل إلى ما وصل إليه لذلك يجب أن يشعر الجميع بالوفاء لهما على ذلك المجهود الذى بذل خلال تلك السنين الطويلة.
وبالجملة: فإن التراحم بين أفراد الأسرة: هو أحد الأركان الأساسية التى يقوم عليها بنيانها, بل هو المظلة التى تيسر التعاون بينهم وتجعله فضيلة يتسابق إليها أفرادها وليس عبئا يحمله بعضهم عن بعض.
رابعًا:- رعاية قيم المجتمع:
أما رعاية قيم المجتمع: فهو السياج الذى يحمى أفراد الأسرة من الانحراف نحو أحد التيارات الوافدة على المجتمع المسلم. وهذه الرعاية واجب كل زوج وزوجة نحو أنفسهما بإعتبارهما قدوة لأولادهما. ثم هي واجبهما نحو أولادهما.
وقيم المجتمع؛ تتكون من واجبات, مثل الالتزام بأركان الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج. وأخلاق: مثل رعاية حقوق الجار والزملاء فى مجال العمل, وصلة الأرحام والعطف على الفقراء ومواساة المرضى وأصحاب الأزمات سواء كانت صحية أو اقتصادية أو اجتماعية... والبعد عن الكذب والغيبة والنميمة والأنانية. والتحلي بالشجاعة والنجدة والترفع عن سفا سف الأمور..
... والتعبير عن هذا العنصر بالرعاية ليفيد معنى اللطف فى الالتزام به وذلك لأنه يحتاج إلى صبر وطول نفس, وعدم التشدد فى التطبيق.(1/13)
ثم هذه القيم معظمها تشتمل على حد أدنى وحد أعلى, والعمل على الارتقاء من الحد الأدنى إلى الحد الأعلى يحتاج إلى شيء غير قليل من المرونة والتصبر والجلد, وإعادة النظر المرة تلو المرة, ونظرا للمتغيرات السريعة التى تجتاح المجتمع المسلم الآن, وكثرة الضغوط الخارجية التى تشتد يوما بعد يوم وتحمل فى طياتها الكثير من ألوان البلاء التى تستخفي داخل الوسائل النافعة التى تدخل إلى كل البيوت بلا استثناء, فجهاز التلفاز وتطوراته وجهاز الهاتف الخلوي وما يجد عليه كل يوم من تطور وجهاز الحاسب الآلي الذى يشتمل على الكثير من المنافع والأكثر من المضار, كل ذلك جعلت عنصر رعاية قيم المجتمع من أخطر العناصر التى يجب الانشغال بها والسهر على حراستها.
ثالثًا:- التأديب فى نطاق الأسرة؛ مشروعيته،و شروطه، وضوابطه
التأديب فى نطاق الأسرة؛ إنما هو علاج موضعي مؤقت يستخدم إذا دعت الضرورة إليه وذلك إذا خرج أحد أفراد الأسرة عن المنظومة التى تحكم العلاقة بين أفراد الأسرة و التى أجملناها فى تلك العناصر: وهي المودة، و التعاون، والرحمة، ورعاية قيم المجتمع المسلم وقد وضع القرآن الكريم المنهج العام لقضية تأديب المرأة كما أشار إلى عدم البغي عليها من جانب الزوج: قال تعالى: { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليًا كبيرًا }. (1)
__________
(1) - سورة النساء الآية 34.(1/14)
فالرجل أعطي حق القوامة على المرأة بأمرين؛ بما أعطاه المولى جل شأنه من طاقة للعمل الشاق المتواصل، وبما منحه من صبر وجلد ومكابدة لمصاعب الحياة عكس ما أعطى للمرأة من ذلك ثم قيامه بالإنفاق على الزوجة وما ينتج عنهما من أولاد من بداية التفكير فى إنشاء الأسرة، ثم فى كل المراحل اللاحقة، و إلى انتهاء تلك العلاقة بالافتراق بالطلاق أو بالموت.
هذا التأديب للمرأة ليس حقا مطلقا للزوج يستخدمه فى كل وقت ومع كل امرأة بل هو مقيد أولاً بحصول موجبه؛ وهو حدوث النشوز من الزوجة؛ والنشوز معناه؛ عدم طاعة الزوج والطاعة هذه مقررة شرعا وعقدا؛ فالصالحات الملتزمات بالطاعة لا يحق للزوج أن يبغي عليهن سبيلا، و العقد أوجب حقوقا على الطرفين ومن هذه الحقوق؛ وجوب طاعة الزوجة لزوجها فى غير معصية الله تعالى. وقد أطلق القرآن الكريم على بداية نشوز الزوجة على زوجها لفظ؛ خوف النشوز؛ أي بداية النشوز فى وقت يمكن فيه تدارك الأمر وإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي بين الزوجين؛ لأن النشوز الكامل لا يتأتي معه العلاج، إذ تصير الحالة ميؤسًا منها ولا يفيد فيها العلاج وتبدأ مراحل العلاج؛ بالكلام اللين الهين اللطيف الذى يساعد على تهدئة النفوس. والحيلولة دون تصدعها؛ وذلك بالتذكير بالحقوق الشرعية، ثم ما يترتب على النشوز من مخاطر على الزوجين وبقية أفراد الأسرة؛ ثم أثر ذلك على عائلة الزوج وعائلة الزوجة، وما يحيط بكل ذلك من تداعيات فى مجال العلاقات الاجتماعية والاقتصادية...(1/15)
ويستمر على ذلك فترة من الوقت... فإن لم يلمس لذلك نتائج طيبة فإنه يلجأ إلى الوسيلة التالية فى مرحلة العلاج، وهى مرحلة الهجر فى المضجع، إن كان يجدي و إلا هجر فى البيت بأن ينام على سرير آخر أو فى حجرة أخرى وهذه الوسيلة ذات تأثير قوي على المرأة التى تملك سلاح الإغراء وترى أنه السلاح الفعال فى مواجهة الرجل، وجذبه وإخضاعه؛ و فى الهجر إخماد لهذا السلاح وإبطال لفاعليته. فإذا استمرت المرأة فى عنادها، ولم تتأثر بهجر الزوج لها؛ حينئذ تأتي المرحلة الثالثة؛ وهي مرحلة الضرب. وهذه المرحلة مقيدة بمجموعة من الضوابط:
أحدها: أن تفشل الوسائل الأخرى فى علاج هذا النشوز، فإلى جانب الوسيلتين السابقتين مثلا إذا رأى أن الهدايا المناسبة قد تؤثر وهو يملك ما يشتريها به ولم تجحف به فعليه أن يلجأ إلى ذلك.
ثانيها: أن يرى أن الضرب سيفيد فى العلاج - وذلك من خلال التجارب السابقة أو من خلال الأمثلة المماثلة فى البيئة التى نشأت بها, أو يعيشان بها, وللمفكر الكبير الأستاذ العقاد كلام نفيس فى هذا؛ إذ يرى أن بعض النسوة لا يعالج النشوز لديهن إلا بالضرب نظرا للظروف البيئية التى نشأن بها، و إلا بأن لم يعتقد إفادة الضرب فلا يقدم عليه.(1/16)
ثالثها: ألا يضربها ضربا مبرحا وذلك كما جاء في حديث عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:[ استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عوان عندكم, ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن فى المضاجع واضربوهن ضربًا غير مبرح ] (1) وذلك: ألا يضرب بآلة تهشم العظم أو تشق اللحم أو تؤثر فى الجلد وألا يضرب على الوجه بأي حال من الأحوال للأحاديث الواردة بالنهى عن ذلك. بل يكون الضرب بشيء مما يؤلم ولا يترك أثرا وراءه, وقد مثله الإمام ابن عباس - رضي الله عنه - بآلة السواك, لأن المقصود منه إحداث الأثر النفسي الذى يترتب عليه الإنزجار والتراجع عن الوصول بالنشوز إلى مداه الذى لا أمل فى الإصلاح عنده.
رابعها: عدم التمادي فى الضرب, سواء أفاد فى وقف حالة النشوز أو لم يفد؛ لأن التمادي بعد الإفادة يسمى بغيا يعرض الزوج للمسائلة بل والعقاب كما أنه فى حالة عدم الإفادة, يكون الزوج قد خالف قاعدة التأديب بالضرب لأنه مشروط بحصول الفائدة منه.
وقبل أن نترك قضية ضرب الزوجة للتأديب بالضوابط الشرعية التى أشرنا إليها؛ نقول إن ضرب الزوجات فى المجتمع المسلم بقصد التأديب إنما أبيح بقيود وشروط وضوابط أشرنا إليها؛ ويعتبر حالة غير عادية ألجأت إليها الضرورة، لأن سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - لم يضرب زوجة من زوجاته ولا خادمًا من خدمه قط، وهو القدوة لأمته بل كان يستهجن صدور ذلك من بعض أصحابه: فقد أخرج النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: [ ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة له ولا خادمًا قط ] (2) .
__________
(1) - سنن ابن ماجه جـ1 صـ568 ط دار الفكر بيروت.
(2) - سنن ابن ماجه جـ1 صـ612.(1/17)
وفى سنن أبى داود عن إياس بن عبد الله بن أبى ذياب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :[ لا تضربوا إماء الله , فجاء عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: زئرن النساء على أزواجهن فرخص في ضربهن, فأطاف بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير يشكون أزواجهن, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن, ليس أولئك بخياركم ] (1)
وفى نهاية هذه الكلمة أشير إلى بعض التقارير العالمية التى تفيد بأن ضرب النساء ظاهرة عالمية ففى تقرير لمنظمة الصحة العالمية يظهر أن امرأتين من بين كل ست نساء تتعرض للضرب من قبل الأزواج أو الشركاء وهذا التقرير يستند إلى مقابلات مع 24 ألف امرأة فى عشر دول تتراوح من اليابان وتايلاند إلى ناميبيا وبيرو.
ويرسم التقرير صورة مروعة؛ من العظام المكسورة والكدمات والحروق والرؤوس المشجوجة والفكاك المخلوعة والاغتصاب والخوف. (2)
ويفيد تقرير بريطاني أن ضرب الزوجات فى بريطانيا يتم دون سبب مبرر بنسبة 77% وفى أمريكا كما تقول الوكالة الأمريكية [ F. P.I ] أن هناك زوجة يضربها زوجها كل 18 ثانية, وفى فرنسا هناك مليون امرأة تضرب فى كل سنة, وفى روسيا يتم ضرب 36 ألف روسية يوميا, وفى كندا 150 ألف كندى يضربون زوجاتهم و هناك حوالي أربعة آلاف زوجة من حوالي ستة ملايين زوجة مضروبة تنتهي حياتهن نتيجة الضرب. و هناك حوالي 4 % من حوادث قتل السيدات من قبل الأزواج, و 25 % من محاولات الانتحار يسبقها الضرب. بينما فى مصر فالنسبة أقل كثيرا وكذلك غالبا فى الدول العربية. (3)
أما التأديب بالنسبة للرجل: فهو يتراوح بين فقده لزوجته, وهذا باتفاق الفقهاء وبين تعرضه للعقاب البدنى بالضرب.
__________
(1) - سنن أبى داود جـ1 صـ495.
(2) - العنف فى الحياة الزوجية للدكتور أكرم العمرى صـ26.
(3) - رؤية فقهية معاصرة لدية المرأة صـ13 ، 18 للدكتور عبد الحليم عويس.(1/18)
فإذا أساء الزوج لزوجته بأن اعتدى عليها بالضرب أو بالسب بألفاظ غير لائقة لاتصل إلى مرحلة القذف. فإن الشريعة الإسلامية تعطى الزوجة حق التطليق؛ إما بطريق الخلع كما يقول الفقهاء جميعا, أو التطليق لأجل الضرر كما يقول المالكية, وفرق بين الحالين؛ ففى حال الخلع ستخسر الزوجة على الأقل مهرها التى كانت قد قبضته منه فى بداية ارتباطها به ولن تطالبه بحقوق أخرى كنفقة عدة أو سكن، أما التطليق للضرر فإنها تحصل على كل حقوقها ولا تخسر شيئا منها.
ويزيد المالكية: أنه فى حالة تعدى الزوج على زوجته بالضرب غير المبرر أو الهجر بلا موجب شرعي أو سبها وسب أبيها نحو يا بنت الكلب، يا بنت الكافر، يا بنت الملعون كما يقع كثيرا من رعاع الناس, فيؤدب على ذلك زيادة على التطليق إن أرادته كما سنبين ذلك ففى هذه الحالة فإنه يحق للزوجة أن ترفعه للقضاء ليأخذ لها حقها منه, فإن كانت تريد الطلاق طلقها للضرر كما قلنا, و إلا أمر بضربه بما يتناسب مع ضربه لزوجته. (1)
لكن على القاضي أن يتدرج مع الزوج فى حالة تعديه على زوجته بأن يبدأ بوعظه فإن أفاد و إلا أمرها بهجره, فإن أفاد و إلا ضربه (2) وفى القرآن الكريم إيماء إلى ضرورة التشدد مع الزوج الذى يتعدى على زوجته حيث وصفه بالبغي قال تعالى { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً } (3) والباغي عقابه التأديب.
__________
(1) - الشرح الكبير للدردير جـ2 صـ325.
(2) - الشرح الكبير للدردير جـ2 صـ343.
(3) - سورة النساء من الآية 34.(1/19)
أما تأديب الأولاد: فى السن المبكرة؛ قبل عشر سنين؛ فإنه يكون بالتبصير بما هو صحيح وما هو خطأ من التصرفات والأقوال, كما ينبغي حضهم على رعاية أمور دينهم سواء بالواجبات كالصلاة والزكاة والتعويد على الصيام، (1) أو بالالتزام بالأخلاق الفاضلة كمراعاة الصدق فى القول والسلامة فى العمل, والوفاء بالوعد, والانضباط فى السلوك, واحترام الكبار من الوالدين وغيرهما....... ونحو ذلك مما ورد فى نصائح الحكيم لقمان لابنه مما قصه القرآن الكريم: } ولا تصعر خدك للناس ولا تمش فى الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور ? واقصد فى مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير }. (2)
أما إذا بلغ العشر من السنين فإنه يشدد عليه فى ذلك كله وخاصة الالتزام بالصلاة حيث ورد فى الحديث الشريف: [مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم فى المضاجع ] (3) لكن شرط هذا الضرب أن يعلم مقدمًا أنه سيفيد فى توجيه الولد نحو الصلاة و إلا فلا يجوز.
وإلى جانب الحض على رعاية قيم المجتمع التى أشرنا إليها؛ ينبغي أن يوجهوا إلى التعليم فى مراحله المختلفة, كما يوجه البنات خاصة إلى التدرب على الأعمال المنزلية توطئة لتكون كل منهن ربة بيت صالحة ويؤدبوا فى حالة التقصير فى التعليم والتدريب إذا كان هذا التأديب سيؤدى إلى نتائج طيبة فى مصلحة الأولاد ومستقبلهم.
رابعًا:- خصائص العنف فى نطاق الأسرة
يختلف العنف شدة وضعفًا و نوعًا، من أسرة لأخرى، ومن بيئة لأخرى، كما يختلف تأثيره فى الدائرة المحيطة بالأسرة، من أسرة لأخرى، ومن بيئة لأخرى، ونعرض ذلك بشيء من الإيجاز غير المخل، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) - على رأى جمهور الفقهاء.
(2) - سورة لقمان الآيتان 18 ، 19.
(3) - سنن أبى داود جـ 1 صـ115 ط مصطفى الحلبى.(1/20)
أ – أما اختلافه من حيث الشدة والضعف والنوع؛ فإن الأسرة المثقفة ذات الوعي الاجتماعي المرتفع، الغالب فيها: أن العنف يكون أخف حدة وأبعد مدى، حيث يبدأ باللوم على عدم الالتزام بما سبق التعهد به أو الالتزام به من أحد الطرفين للآخر أو للأسرة.
فإذا تكرر عدم الالتزام فى فترات متقاربة، فإن درجة العنف ترتفع إلى الكلمات الحادة المرتفعة شيئا ما ذات التأثير الشديد على الطرف الآخر؛ بأنه لا يؤدي ما يجب عليه، وبأنه لا يراعي مصلحة الأسرة، أو أنه مشغول بنفسه، أو بشيء آخر بعيد عن مصلحة الأسرة، وكان الواجب هو الانشغال بمصلحة الأسرة وتقديمه على أي مصلحة أخرى.
ب – إذا تمادى الطرف لآخر فى إهماله لاحتياجات صاحبه أو احتياجات الأسرة، حينئذ يرتقي العنف إلى التهديد بشيء يمس العلاقة بين الطرفين، و يكون فى ذات الوقت إنذارا بانهيار الأسرة وتفككها، وذلك كالتهديد من الزوجة بطلب الطلاق، و إن استمر الحال من الزوج أو لم يستجب لطلب الطلاق، فإنها تصعد وتيرة العنف، حيث تضحي بمهرها و تطلب الخلع وذلك عن طريق القضاء، وذلك عند جمهور الفقهاء، أو تضحي بما هو أكثر من المهر بأن تعرض مبلغا زائدا على المهر حتى يوافق الزوج على الخلع، كما هو مذهب المالكية؛ أخذا بظاهر قوله تعالى: { فلا جناح عليهما فيما افتدت به }. (1)
جـ - أما إذا كان الغضب من جانب الزوج، فإن الغالب – مادام الزوج من هذه البيئة – أن يظهر عدم الراحة، ربما يصحب ذلك شيء من تغير اللهجة، وتعلو الوجه الكآبة، وإظهار التأفف من كل شيء تقدمه الزوجة له وإذا لم تفد هذه الدرجة من العنف و استمرت الزوجة على تجاهل طلبات زوجها أو أسرتها فإنه يصعد العنف، وذلك بترك الدخول إلى المنزل إلا فى أوقات النوم مع هجر المضجع و حجرة النوم، ويصحب ذلك التقصير فى إحضار طلبات الأسرة أو التقليل منها.
__________
(1) - سورة البقرة من الآية 229.(1/21)
فإن لم يحصل تقدم من جانبها؛ فإنه يرتقي بالتهديد بالطلاق، أو بالزواج من أخرى لتصنع له ما عجزت عنه تلك الزوجة؛ وهذا النوع من التهديد هو الأكثر إيلاما للزوجة، خصوصا إذا كان بينهما أولاد.
وبالفعل يبدأ فى تنفيذ ما هدد به إن كان ذا قدرة مالية تساعده على التنفيذ، وهذه أخطر مرحلة تمر بها الزوجة لأنها بذلك تكون قد خسرت نصف زوجها؛ كزوج وكل ما كان يمثله – هذا إن كان موفقا فى تنفيذ ما أمر به الشارع الحكيم من العدل بين الزوجات، و إلا فإنها تكون قد خسرت الجمل و ما حمل لأنه سينشغل عنها بالثانية، وينسى هذه أو يتناساها ويهمل فى تلبية احتياجاتها الضرورية حتى تصير كالمعلقة، لا هى زوجة تحصل على حقوقها المقررة شرعا و لا هي مطلقة تأمل فى الزواج من آخر.
فإذا حاولت الحصول على حقوقها الشرعية و المادية بطريق القضاء، فإنه يطلقها مضحيا بدفع ما لها عليه من حقوق مادية.
وهكذا تكون قد التحقت بزوجة العشنق التى وردت قصتها فى حديث أم زرع فى صحيح مسلم حيث قالت: [ زوجي العشنق إن أسكت أعلق و إن أنطق أطلق ]. (1)
نعم قد يتخلل ذلك – على المدى الطويل – شكوى من الزوج إلى أهل الزوجة – مرة أو أكثر – بما لا يرضى عنه من تصرف زوجته.
وقد يصحب ذلك أيضا خروج من الزوجة إلى أهلها غضبا من زوجها – مرة أو أكثر - وقد تثمر شكوى الزوج وقد لا تثمر، وقد يتحسن الحال بالنسبة للزوجة بعد ذهابها لأهلها وقد لا يتحسن.
المهم أن العنف فى الأسر المثقفة أو البيئة ذات الوعي المرتفع يتدرج حتى يصل إلى النهاية التى أشرت إليها. لكنه قل أن يصل إلى الضرب المبرح أو القتل.
__________
(1) - مسلم جـ7 صـ149 ط الشعب القاهرة.(1/22)
د – أما فى البيئة التى تغلب عليها الأمية الثقافية، و التى تعيش فى الأحياء الشعبية أو على أطراف المدن. أو فى القرى و الأرياف، وكذلك البدو فى الصحراء. فإن وتيرة العنف فى الأسرة تكون ذات وقع أسرع و حدة أشد و ضجيج أعلى، و ذلك لأن الغالب عليهم الانهماك فى أعمال شاقة، أو تشغلهم معظم الوقت مما يساعد على سرعة الانفعال و انفلات الأعصاب، كما إنه ليس لدى الزوجات من الثقافة ما تستطيع به تهدئة غضب زوجها، أو تسترضيه باعتذارها عن التقصير الذي حدث منها، سواء بالكلمات الحانية الرقيقة أو تقدم له شيئا ذا قيمة كتعويض عن هذا التقصير.
لذلك كله؛ يكون الغضب هنا أشد، و العنف أقوى؛ العبارات الملتهبة المصحوبة غالبًا بالسباب والشتائم، و الاتهام بالخيبة والهبل وعدم المعرفة وخصوصا إذا كان التقصير فى شيء مادي محسوس مثل عدم تقديم العلف للماشية أو ماء الشرب لها من بعض نساء القرى و الأرياف و بدو الصحارى.
و يبلغ العنف مداه حيث يصل إلى الضرب الشديد المبرح أو التهديد بالطلاق، أو بالزواج من أخرى تستطيع أن تقوم بتلك الأعمال التى عجزت عنها هذه الزوجة.
وقد يكتفي بالحلف عليها بعدم المبيت فى البيت أو الخروج إلى أهلها لبعض الوقت الذى قد يمتد من بضعة أيام إلى عدة أسابيع أو أشهر، حتى يتدخل بعض العائلة لمحاولة جمع الشمل مرة أخرى.
هـ - و أما غضب الزوجة من زوجها فى البيئات القروية و نحوها مما يجعلها تعامله بعنف فهو قليل؛ إذ ينحصر فى خروجها من بيت الزوجية غاضبة أو طلبها الطلاق أو طلبها الخلع، و سنشير إلى ذلك حينما نتكلم عن أسباب العنف فى الحلقة التالية إن شاء الله تعالى.
وفى كل الأحوال تنعكس آثاره على بقية الأسرة من البنين والبنات وكذلك عائلتى الزوجين، فتنقلب المودة بينهما إلى عداوة والمحبة إلى بغض وحقد من كلا الطرفين للآخر.(1/23)
و – أما وصول العنف إلى أقصى مدى له فى هذه البيئات فإنه يكون فى حالة واحدة بالنسبة للزوج و ذلك فى حالة اكتشافه أن زوجته على علاقة بشخص آخر فإن الغالب: أن علاج ذلك هو القتل؛ إما من جانب الزوج أو أنه يوكل ذلك إلى أهلها حتى يغسلوا ما لحقهم من العار – كما يعبر بذلك – و كثيرا ما يحدث ذلك نتيجة إشاعة أو شبهة دون يقين بحصول الجريمة.
و قد يحصل العكس بأن تتفق الزوجة مع المجرم الذى انحرفت معه على قتل الزوج و هذا قليل. وسنشير إلى ذلك بالتفصيل فيما بعد إن شاء الله تعالى.
أما فى البيئات المثقفة ذات الوعي المرتفع فإن غاية ذلك إذا حدث هو الطلاق مع تنازل الزوجة عن كل حقوقها التى كانت تجب لها على زوجها.
ز - أما العنف ضد الأولاد فى مرحلة ما قبل المراهقة: فإن الوالدين - فى البيئة المثقفة - يعالجان قصور الأولاد فى أداء الواجب, أو فى التصرفات غير اللائقة أو إضاعة الوقت فيما لا يفيد؛ يحرمان الأولاد من لعبهم التى تعودوا اللعب بها, أو بحرمانهم من بعض البرامج فى التلفاز أو من جهاز الحاسب الآلي, أو بحرمانهم من المصروف اليومي, أو من الرحلات المدرسية.
أما فى البيئة القروية ونحوها, فإن القصور وإساءة الأدب يعالج فى هذه المرحلة إما بالشتم والسباب بالألفاظ النابية؛ مثل يا خائب, يا بليد..ونحوهما, ثم بالضرب فى حالة التكرار, وأذكر أنى عوقبت فى هذه المرحلة بأن ظللت عامًا كاملاً أذهب إلى مكتب التحفيظ حافيًا ودون غطاء للرأس بسبب أنى ضربت بحذائي ولدًا كان يلعب معي, وقد مس طرف الحذاء رجلاً كان يحجز بيننا, وقد قطع الحذاء إلى أجزاء متناثرة.(1/24)
أما فى المرحلة التالية للمراهقة؛ بالنسبة للبيئة المثقفة؛ فإن الولد يمنع من اللقاء بأصدقائه إذ توجه إليهم التهم بأنهم السبب فى إخفاقه فى أداء واجبه فإذا تكرر فإنه يعرض على الأطباء النفسيين لمعرفة سبب القصور فى أداء واجبه أو التعرف على أسبابه: فقد يكون ضعفًا فى السمع أو درجة التركيز, أو عقد نفسية داخلية.
أما العلاج للفشل فى البيئة القروية لمن كان فى هذه المرحلة؛ فهو إشراكه فى العمل اليدوي سواء فى الزرع أو فى التجارة أو فى بعض الحرف, ليدرك: أن الدراسة وما يعقبها من وظائف مدنية خير له من هذه الحرف التى يعانى منها والده أو إخوته الكبار وبقية المجتمع حوله, والحمد لله كان لنا نصيب فى هذه المشاركة بعد الفشل فى حفظ القرآن الكريم على مدى خمس سنوات, والتنقل من مكتب تحفيظ لآخر, لكن بعد هذه المشاركة التى لم تدم طويلا وفقني المولى جل شأنه فى حفظ القرآن فى عام واحد إذ حفظت فيه أربعة وعشرين جزء بينما لم أحفظ فى خلال خمس سنوات إلا ستة أجزاء.
أما الكبار الذين فشلوا فى التعليم: ففى البيئة المثقفة؛ يبحث لهم عن وظائف متدنية تتناسب مع مقدار ما حصلوه من التعليم, وقد يفتح لهم بعض المشاريع التجارية أو الصناعية الصغيرة.
وأما هؤلاء الكبار الذين فشلوا فى التعليم فى البيئة القروية فليس أمامهم إلا المهن والحرف التى يعمل بها آباؤهم فإنهم يدفعون إليها ويرغمون على العمل بها, أو الخروج من البلاد للبحث عن رزق فى بلاد الله الواسعة. . .هذا إذا سارت الحياة رتيبة فى هذه البيئة لكن إن تخللها سوء أدب من الشاب أو تصرف غير لائق فإن الولد؛ يواجه بالطرد من الأسرة, والحرمان من الميراث وقد يحدث العكس؛ بأن يتحسن حال الولد وينسى أهله؛ وهم فى حاجة إلي مساعدته حينئذ يلجأ الأب والأم إلى القضاء ليفرض على الولد قدرًا من المال يفي بحاجة والديه.(1/25)
ولا يصل العنف إلى مدى أبعد من هذا إلا فى حالات نادرة, وغالبًا ما يكون فى هذه الحالة مصحوبًا بشيء من الخلل العقلي لأحد الطرفين، وذلك مثل الشاب الذى قتل والديه المذيعين بإذاعة القاهرة منذ عشر سنوات وقيل فى سبب ذلك أنه كان مصابًا بخلل عقلي.
أما الحالات النادرة. فكما حدث فى هذا العام فى خلال شهرين فى مصر (1) من قتل الزوج لزوجته فى سبع حالات، ويضربها أو يشوه وجهها أو يوثقها بالحبال فى أربع حالات ويطلقها فى حالة واحدة.
أما عنف الزوجة ضد زوجها فى هذه الحالات النادرة؛ فهى تقتله أو تشترك فى قتله فى تسع حالات؛ وتطلب الخلع فى أربع حالات؛ وتطلب الطلاق فى ثلاث حالات وزوجة تنبش قبر زوجها بعد وفاته فى حالة واحدة، وزوجة تحرق شقة ضرتها فى حالة واحدة.
أما قتل الآباء والأمهات لأبنائهم وبناتهم: فتوجد ثمان حالات يقتل الأب ابنته أو ابنه، كما توجد ثلاث حالات تقتل فيها الأم ابنها أو ابنتها.
أما قتل الابن لأبيه فتوجد حالة واحدة وكذلك قتل الابن لأمه فتوجد حالة واحدة وفى حالة واحدة يضرب الابن أباه ويقتل الابن أخاه لأنه فض المشاجرة بينه وبين أبيه.
أما العنف بين الإخوة والأخوات؛ فتوجد أربع حالات يقتل الأخ أخته، وتوجد حالة تقتل الأخت أختها الصغرى. وتوجد حالة واحدة تقتل فيها الضرة ابن ضرتها من زوجها.
هذه الحالات سنشير إلى أسباب العنف فيها حين نتحدث عن أسباب العنف فى نطاق الأسرة فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الملامح العامة لخصائص العنف فى نطاق الأسرة:
1 – أنه يؤثر بصور متنوعة على الاستقرار للأسرة وهو هدف عظيم من أهداف إقامة الأسرة فى الإسلام.
2 – أنه يؤثر على معاني المودة والمرحمة التى يجب توافرهما بين أفراد الأسرة.
__________
(1) - هذه دراسة لعينة للعنف فى درجاته العليا فى جمهورية مصر العربية فى شهرين وهى تعطينا صورة تقريبية؛ لأن بعض الحوادث لا تنشر.(1/26)
3 – له تأثير بعيد المدى على الأولاد حتى أنه يخشى أن يصيبهم بعقد نفسية يصعب علاجها.
4 – أنه يساهم مساهمة فعالة فى فشل الأولاد فى تحصيلهم الدراسي.
5 – إن هذا العنف يؤثر تأثيرًا سلبيًا فى وحدة العائلة إذا كان الزوجان من عائلة واحدة، ويغرس بذور العداوة والبغضاء بين عائلتي الزوجين إذا كانا من عائلتين.
6 – إذا تعدى العنف مرحلة الغضب إلى الطلاق أو الخلع كان تأثيره مدمرًا للأولاد خصوصًا إذا كانوا فى مرحلة التربية والتعليم.
7 – إذا تطور العنف إلى مرحلة الضرب والقتل تعدى تأثيره التدميري إلى العائلة أو العائلتين، كما يساهم فى تأثيرات سلبية شديدة على بقية المجتمع.
خامسًا:- أسباب العنف فى نطاق الأسرة؛
ودوافعه: ذاتية واقتصادية واجتماعية
أسباب العنف فى نطاق الأسرة كثيرة جدًا ومتنوعة بتنوع النزعات البشرية إلى جانب ما تتعرض له من مؤثرات بيئية واقتصادية وأخلاقية واجتماعية وثقافية وغير ذلك من المؤثرات التى تختلف باختلاف العصور والأماكن والأعراف وسنحاول أن نجمل هذه الأسباب بما تتعرض له من مؤثرات، حتى يمكن ضبطها والتعرف على قواسمها المشتركة.
أولاً:- الجوانب التى ترجع إلى قصور فى الذات: وتنحصر فيما يلى:
أ – التقصير فى أداء الواجبات والحقوق المنبثقة عن عقد الزواج، والذى رتب على كل طرف واجبات نحو الطرف الآخر ونحو بقية أفراد الأسرة، والذى ينتهى غالبًا – كما أشرنا من قبل – بالزوجين إلى الطلاق أو الخلع أو الزواج بأخرى سواء كان هذا التقصير أو القصور ناتجًا عن سوء التربية، أو تباين فى الطباع بين أهل الريف وأهل المدن، أو اختلاف فى الثقافة بين الزوجين.
وبالنسبة إلى الأولاد: التقصير فى القيام بما يجب نحوهم من التربية والتعليم، مما سيكون المصير فيه إلى الفشل فى التحصيل، وعدم الحصول على الدرجات العلمية المرجوة.(1/27)
وبالنسبة إلى الوالدين: التقصير فى حقوقهم سيؤدى إلى اللجوء إلى القضاء والإلزام بالنفقات التى تكفيهما.
ب – من النادر تصاعد العنف إلى ما هو أخطر من ذلك – خصوصًا إذا كان مصحوبًا بمؤثرات خارجية – ومن العينة التى وضعتها تحت الدراسة نجد عددًا من الحالات يصل بعضها إلى القتل بسبب هذا التقصير: مثل الزوج الذى يضرب زوجته ويهددها بحرمانها من أولادها إذا لم ترقص فى الملاهى الليلية، مما دفعها إلى طلب الخلع بأي ثمن.
ومن ذلك: الزوج الاسكندراني الذى يشوه وجه زوجته لرفضها تجهيز العشاء له.
ومن ذلك: الزوج الذى يوثق زوجته بالحبال لإجبارها على عدم الذهاب إلى أمها رغم إصرارها.
ومن ذلك: الزوج الذى يقتل زوجته أمام طفليه لرفضها تنفيذ أوامره.
وفى المقابل: نجد الزوجة تطلب الطلاق من زوجها لإصراره على معاشرتها معاشرة غير شرعية إلى جانب تعذيبه لها بالضرب والصعق الكهربائى.
وزوجة أخرى: تطلب الطلاق عن طريق المحكمة لأن زوجها يجبرها على الجلوس وسط أصدقائه وهم يتعاطون المخدرات ويشاهدون الأفلام الإباحية.
ثانيًا:- الناحية الاقتصادية:
لقد برزت الناحية الاقتصادية وازداد تأثيرها فى العلاقات داخل الأسرة، خصوصًا فى العصر الحاضر بعد ارتفاع الأسعار ومع شح الموارد لعدد كبير من الشعوب الإسلامية. فالجانب الاقتصادى له دور مؤثر فى حالات العنف داخل الأسرة. ومن ذلك:
الزوج الذى يحاول أن يطعن زوجته بقصد قتلها، لأنها طلبت مبلغًا ماليًا تحت بند مصروف البيت.
والزوج الذى يقتل زوجته لأنها رفضت إعطاءه مكافأة الامتحانات الخاصة بها حتى بعد أن عرضت عليه أخذ ثلث المبلغ، لكن مع ذلك قتلها!
وفى المقابل: نجد زوجة تقتل زوجها طعنًا بالسكين لأنها ضاقت به من شدة العيش معه بسبب بخله الشديد وتسببه فى استدانتها من أشخاص كثيرين.
والزوجة التى تلقى بنفسها من شرفة المنزل وهى حامل فى الشهر التاسع لفشلها فى تدبير نفقات الولادة.(1/28)
وبالنسبة لبقية أفراد الأسرة:
نجد: الأب الذى يذبح ابنه بسبب خلاف بينهما على شقة.
كما نجد: الابن الذى يقتل أمه لأنها رفضت أن تعطيه حاجته من المال.
وأيضًا نجد: الشقيقين يحبسان أختهما فى إحدى حجرات المنزل خمس سنوات مع التعذيب وذلك للاستيلاء على مالها الذى باعت به أرضها التى ورثتها عن أبيها.
ثالثًًا:- الجوانب الاجتماعية:
أما الجوانب الاجتماعية فى أسباب العنف داخل الأسرة، فهي كثيرة ومتنوعة:
أ – ومن هذه الأسباب اشتداد الغيرة؛ من الزوجة على زوجها مما يدفعها للإنتقام من زوجها أو من ضرتها؛ لذا نجد الزوجة التى تنبش قبر زوجها بعد وفاته لأنه كان قد تزوج بأخرى دون علمها, ولم تعلم بذلك إلا بعد وفاته.
كما نجد الزوجة التى تحرق شقة ضرتها انتقاما منها, لزواج زوجها منها ورضاها بذلك.والزوجة التى تقتل زوجها السائق وتضع له السم فى الطعام لأنه تزوج عليها.
وزوجة الأب التى تقتل ابن زوجها لأن زوجها يفضله على أولادها منه.
والزوج الذى يطلق زوجته لاتصالاتها الهاتفية بالممثل التركي وإعجابها الشديد به.
والزوج الذى يقتل زوجته لأنها تطلب الطلاق منه لأنه لا ينجب.
ب - ومن أخطر أسباب العنف داخل الأسرة: الانحراف الذى يحدث من أحد الزوجين بإنشاء علاقة غير شرعية خارج نطاق العلاقة الزوجية؛ وسنلاحظ أن القتل هنا قد يحدث لمجرد الشك أو الإشاعة, دون تحقق من وقوع الجريمة.
ومن ذلك: الزوج الذى يقرر قتل نفسه وأولاده الثلاثة, وزوجته؛ بوضع السم فى طعام العشاء, بعد أن اكتشف أنه عقيم لا ينجب, وأن زوجته قد خانته مع آخرين فى إنجاب هؤلاء الأولاد.
والزوج الذى يقتل زوجته لإصرارها على العمل كخادمة فى البيوت وشكه فى سلوكها.
وهذا الزوج بالإسماعيلية يعذب زوجته ويضربها حتى الموت لشكه فى خيانتها له.
وهذا الزوج بالمحلة الكبرى يقتل زوجته طعنا بالسكين لأنه عاد من عمله ولم يجدها بالمنزل فأخبرته ابنتها أنها كانت بصحبة أحد الأشخاص.(1/29)
وهذا الزوج الذى يقتل زوجته؛ لأنها تركت منزل الزوجية وهربت منه بعد ثلاثة شهور من الزواج.
وفى المقابل: نجد الزوجة التى تطلب الخلع من زوجها لاكتشافها خيانته لها مع أقرب صديقاتها.
ونجد الزوجة التى تتفق مع عشيقها على قتل زوجها والزوجة التى تحرض عشيقها على قتل زوجها لتستمر علاقته غير الشرعية بها.
أما العنف بسبب الخيانة خارج نطاق الزوجية؛
فنجد الأب الذى يقتل ابنته لشكه فى سلوكها وتأخرها خارج المنزل.
ونجد الأم تقتل ابنتها بسبب سمعتها السيئة بعد تعذيبها.
ونجد الأخ الذى يقتل أخته طعنا بالسكين لسوء سمعتها ولبياتها المستمر خارج المنزل, كما نجد الأخ الذى يقتل أخته بعد أن حملت سفاحا.
وكذلك نجد الأخ الذى يقتل أخته بخنقها لشكه فى سلوكها ورؤيته لها مع أحد الشباب فى وضع مريب.
والأخت الصغرى تقتل أختها الكبرى لأنها وجدتها مع زوجها.
جـ - وهناك مجموعة متفرقة من الأسباب الاجتماعية ساهمت فى التأثير على شدة العنف داخل الأسرة: فنجد الأب الذى يقتل ابنه المعاق ذهنيا حتى يتمكن من تلفيق تهمة القتل لأهل قريته بسبب نزاع على طريق بوسط القرية, وبذلك يضرب عصفورين بحجر واحد.
وهذا الأب الذى يضرب ابنه - ابن الحادي عشرة - ضربًا شديدًا حتى الموت لأنه يتبول لا إراديًا.
وهذه الزوجة التى تحاول الانتحار, لأن والدها رفض أن تعود إلى منزل زوجها الذى كان يضربها إلا بعد أن يعتذر لها زوجها.
وهذه الزوجة التى تقتل زوجها بالساطور بعد أن خدرته بسبب سوء معاملته لها ومعايرته لها بعدم الإنجاب.
وهذه الزوجة تكتشف أن زوجها الذى تزوجته منذ عام ونصف وهي حامل منه: مسيحي الديانة, وقد قبضت عليه النيابة بتهمة التزوير والاغتصاب، حيث أن زواجها منه باطل لاختلاف الديانة.
وهذه المرأة تزوجت من اثنين عرفيا وتطلب من المحكمة إثبات طلاقها من الأول رجل الأعمال, واثبات زواجها من الثاني الطيار.(1/30)
وتلك المرأة التى خدعت زوجها بأن ادعت أن ابنتها خطفت حتى تحتفظ بها بعد طلاقها منه.
وكذلك هذه الزوجة التي تتزوج فى السر من آخر, وهي لازالت على ذمة الأول لشعورها بعدم حصولها على ما تريد جنسيا من زوجها.
هذه حصيلة حوادث العنف الأسرى التى نشرت فى مجموعة الأعداد الأسبوعية التسعة لمجلة الحوادث التى تصدر بالقاهرة وهي تعطى صورة تقريبية لنوع العنف وأسبابه داخل الأسرة المصرية.
وبالتأكيد ليست الصورة الكاملة لأن هناك حوادث لم تنشر بل لازالت فى طي الكتمان, لأن مدبريها اتقنوا خطط تنفيذها وإخفاء معالمها. لكنهم فى النهاية سيجدون عقابهم إن لم يكن فى هذه الحياة, ففي الدار الآخرة قال تعالى: { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } (1) .
التقارير الرسمية: (2)
وفيما يلي مجموعة من التقارير العامة الرسمية التي أجريت عن طريق المراكز الرسمية, وتظهر مجموعة من الأسباب التي تكمن وراء العنف الأسرى:
أولاً:- هناك دراسة شملت 131 دولة على مستوى العالم تشير إلى أن العنف قد تسبب فى قتل 53 ألف طفل خلال عام 2002, وأن النسبة من 80 : 98 من الأطفال يعاقبون بدنيًا فى منازلهم مع استخدام أدوات، وبما يتراوح ما بين 133 – 275 مليون طفل تعرضوا لعنف أسري. (3)
ثانيًا:- فى مصر:
تشير دراسة حديثة حول أسباب جرائم الشرف فى مصر أنها تتنوع بين الشك فى السلوك واكتشاف الخيانة، وقد احتلت جرائم القتل للزوجة نتيجة الشك فى السلوك نسبة 41% من إجمالي جرائم القتل، ثم قتل الابنة بنسبة 34%. ثم قتل الأخت 18% وأخيرًا قتل الأقارب 7%.
__________
(1) - سورة الشعراء من الآية 227.
(2) - المركز القومى للبحوث الاجتماعية، والمجلس القومي للمرأة بالقاهرة، وهيئة الأمم المتحدة، ومكتب الإعلام بباب اللوق بالقاهرة.
(3) - هذه الدراسة أجريت فى أكتوبر 2006 م عن طريق الأمم المتحدة.(1/31)
وتشير إحدى الدراسات على أن 52% من النساء المصريات يتعرضن للضرب مرة واحدة على الأقل فى حياتهن الزوجية.
... وفى المسح الصحي فى مصر عام 2005م وجد أن : 75% من السيدات المطلقات أو المنفصلات عن أزواجهن أقررن بحدوث عنف جسدي لهن مرة على الأقل بعد بلوغهن 15 سنة، مقارنة بنسبة 43% من السيدات الأرامل، 47% من المتزوجات حديثا.
وهناك سبع نسوة من كل عشر ذكرن أن أزواجهن سواء الزوج الحالى أو السابق. هو مرتكب لعنف مرة على الأقل، وتعرضن للضرب من قبل الأب بنسبة 53%.
وتوجد نسبة 1% من السيدات اللاتى سبق لهن الزواج أقررن بأنهن بدأن بالعنف ضد الأزواج.
من مصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية المصرية:
تبين من تحليل البيانات الإحصائية الصادرة من مصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية المصرية والخاصة بجنايات العنف الأسري خلال المدة من 1986م حتى آخر 1998م بجميع محافظات مصر:
أن جناية القتل العمد أو الشروع فيه تحتل المرتبة الأولى بين جنايات العنف الأسري، حيث يبلغ عددها 1956 جناية بنسبة 69.2% من إجمالى جنايات العنف الأسرى، والبالغ عددها خلال تلك الفترة 2852 جناية، تليها جنايات الضرب المفضي إلى الموت 17% ثم جنايات الحريق العمد 5%، ثم جنايات هتك العرض والاغتصاب 4.2% ثم جنايات الضرب المفضي لعاهة 3.3% وأخيرًا جنايات السرقة بالإكراه 0.45%.
تشير نتائج المسح الإحصائي لبلاغات حوادث العنف الأسري المسجلة بدفاتر أحوال أقسام شرطة المطرية وروض الفرج والبساتين وقصر النيل، إلى أن نسبة كبيرة من هذه البلاغات؛ كانت جنح الضرب المحدث إصابات بالمجنى عليه 55.1% من إجمالي 417 بلاغ، ثم الضرب المقترن بالطرد من منزل الزوجية 27.8%، ثم الضرب البسيط 11.8%، ثم اعتداء جنسي من زوج على زوجته 1.9%، ثم اعتداء من أخ على أخته 0.5%، ثم باقي أسباب البلاغات.
وكانت أسباب هذا العنف الأسري:(1/32)
الخيانة الزوجية 18.3%، والزواج من أخرى 17.5%، والدفاع عن الشرف 15%، ثم الخلافات المادية 12.5%، والقسوة فى المعاملة 10.9%، والدفاع عن النفس 7.5%، ثم الإصابة بمرض نفسي 2.5%، وإهمال شئون المنزل 1.6%.
أما استخدام وسيلة معينة لممارسة العنف الأسري فإنه متوقف على عدة عوامل، منها: صلة الجاني بالمجني عليه، ووقت ارتكاب الجناية وأسباب العنف.
فنجد الارتفاع فى نسبة العلاقة الزوجية 55.9%، ثم علاقة الأخوة 23.3%، ثم علاقة البنوة 10.9%، وأخيرًا علاقة الأبوة 5.9%، والأمومة 4.1%.
ومعظم الجرائم ارتكبت ليلاً حيث بلغت 69.1% بالمقارنة بالنهار 30.9%.
توصلت دراسة مصرية موسعة عن رؤى النخبة والجمهور العام حول قضية العنف ضد المرأة إلى أن أكثر الأشخاص ممارسة للعنف إنما هو الزوج بنسبة 71.9%، والأب بنسبة 42.6%، والأخ بنسبة37%، أما الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالمرأة فلا تزيد نسبتهم عن 24%. (1)
ثالثًا:- فى المغرب:
فى التقرير التمهيدي للشركة الوطنية لمراكز الاستماع: أنا روز بالمغرب:
تمثل نسبة النساء اللاتى تعرضن لعنف من طرف عضو من عائلاتهن أو من عائلة الزوج حوالي 4.5%، ونسبة 82.1%، من حالات العنف المسجلة تمارس فى سياق الزوجية و 6.3% فى خارجها.
ولا يتم التصريح بحالات العنف المقترف فى السياقات العائلية والاجتماعية إلا لمامًا ما بين 2.8%، 2.6%.
أصناف العنف الزوجي:
- العنف القانوني حوالي 82.1% كالحرمان من النفقة، أو عدم الاعتراف بالأطفال، أو الطرد من المنزل.
- أما العنف الجسدي: الضرب 75.4%، ثم الصفع 17.6%.
- العنف السيكولوجي [ النفسي ] 44.6%، وذلك كالشتائم المتكررة، والحرمان من الحرية، والدراسة، أو مصادرة الأشياء الشخصية.
رابعًا:- فى فلسطين:
... جاء التقرير السنوي السابع للمنظمات الأهلية العربية 2007م:
__________
(1) - اشترك فى إعداد هذه الدراسة أ. ناهد رمزى ، و أ. عادل سلطان 2000 م.(1/33)
دراسة تفيد أن العنف الأسري فى الأراضي الفلسطينية بالنسبة للأطفال؛ أن 93.3% من الأطفال، تعرضوا له من قبل أحد أفراد الأسرة، وفى داخل المنزل.
بمعنى أن العنف الممارس ضد الأب فى المجتمع ومن التنظيمات والسلطات الأقوى منه يجد له مأرب للتفريغ ضد الأسرة ضد الأسرة، وفى حيز المنزل حيث يمارسها على من هم أضعف منه، سواء الزوجة أو الأبناء.
وفى دراسة صادرة عن الجهاز المركزي، للإحصاء الفلسطيني ما بين كانون الأول عام 2005م وكانون ثاني 2006م تفيد أن 61.7% من النساء الفلسطينيات تعرضن لعنف نفسي، 23.3% تعرضن للعنف الأسري.
خامسًا:- فى اليمن:
... في تقرير لرابطة المرأة العربية 2003م ضمن مؤتمر العنف ضد المرأة:
46.6% من النساء فى اليمن تعرضن للضرب من أزواجهن أو أعضاء آخرين فى الأسرة، وأن 50.9% كن ضحايا للتهديد باستخدام العنف، 54.9% تعرضن للإيذاء الجسدي،3.17% تعرضن للعنف جنسي.
سادسًا:- آثار العنف على الفرد والأسرة والمجتمع
للعنف في نطاق الأسرة آثاره الخطيرة والبعيدة المدى على كل فرد من أفراد الأسرة، ومن ثم تتراكم آثاره السيئة على مجموع الأسرة حيث تتفكك الروابط المتينة التى تجمع بين إحدى الخلايا التى يتكون منها المجتمع، فيسعد المجتمع بسعادة خلاياه وتماسكها، كما يشقى ويضعف؛ بشقاء خلاياه وضعفها، وسنحاول تتبع هذه الآثار على كل من الفرد والأسرة والمجتمع فيما يلي :
أولاً:- آثار العنف على الفرد:
فى المثل العربي: وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة؛ والمراد أن الرجل يكون ناجحًا فى عمله مستقيمًَا فى عبادته، مطمئنًا فى حياته، إذا كانت الزوجة تقوم بواجبها المنوط بها شرعًا؛ بأن ترعاه فى طعامه ولباسه ومنامه، ورعاية أولاده، من حيث حسن تربيتهم ورعاية شئون مطعمهم وملبسهم ودراستهم، وتلبية احتياجاتهم.(1/34)
كما ترعى والده ووالدته إذا كان أحدهما أو كليهما يعيشان معهما أو قريبًا منهما، وهذه حسنة الدنيا على رأى كثير من المفسرين لقوله تعالى:{ ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار }. (1)
حينئذٍ يجد الرجل نفسه متفرغًا لعمله أو أعماله؛ فتزداد جهوده فى هذه الأعمال، وتنمو تجارته إن كان تاجرًا، وتنمو ثقافته إن كان معلمًا، وتزداد مهارته إن كان مهنيًا. . . و هكذا
أما إذا كان هناك قصور من جهة المرأة فى هذه المجالات، فستضطرب أفكاره ومن ثم ستتضاءل جهوده فى أعماله، وتقل مهارته فى مهنته بسبب انشغاله بأحوال الأسرة ومحاولته سد الفراغ داخل الأسرة مع رعاية أعماله وغالبًا ما يفشل فى ذلك.
ثم سيزداد هذا الإضطراب إذا تصاعد التوتر بينه وبين زوجته، ووصل إلى التهديد بالطلاق أو الخلع أو الزواج بأخرى.
ثم ما يترتب على تنفيذ هذا التهديد من تحمل تكاليف الانفصال من مؤخر المهر إلى نفقة العدة إلى نفقات الحضانة وغير ذلك.
ثم ما يجد بعد ذلك: من حاجته إلى الزواج مرة أخرى؛ من تحمل أعباء بالغة قل من يستطيعها هذه الأيام.
وتكون النتيجة الغرق بين تسوية مشكلات الزوجة السابقة وخصوصًا إذا كان بينهما أولاد، وبين تجديد حياته مع زوجة أخرى، وما تحتاجه من تكاليف ونفقات.
وكذلك الحال بالنسبة للزوجة إذا رزقت بزوج يختلف عنها ثقافة، أو كان عصبي المزاج، أو كان ممن يتعاطى شيئًا من المخدرات، أو كان بخيلاً، ونحو ذلك من الأشياء التى باعدت بينه وبين زوجته.
فتكون النتيجة شجارًا دائمًا بينهما وانهيارًا للأسرة، فلا رعاية للأولاد، ولا التزام بمتطلباتهم التربوية أو التعليمية، وهكذا اجتمع عليها قسوة المعاملة، وعدم الالتزام بمتطلباتها ومتطلبات أولادها.
__________
(1) - سورة البقرة من الآية 201.(1/35)
وفى مثل هذه الحالة ستكون هذه الزوجة؛ مثل زوجة العشنق التى أشرنا إليها من قبل – إن نطقت تطلق وإن سكتت تعلق – فهى إن رضيت بهذه الحالة ستصاب بأمراض الكبت والكآبة، ثم الخبل العقلي، وإن طالبت بحقوقها وحقوق أولادها، فسيكون مآلها الانفصال؛ وآثاره الخطيرة على المرأة، حيث حرمت من دفء الأسرة ورعاية الزوج ثم تدبير نفقاتها بعد انتهاء العدة، وما أعلمه من فقه المالكية: أن نفقتها لا تعود على والدها – فضلاً عن أخوتها – إذا طلقت بعد البلوغ بل تكون فقيرة من المسلمين؛ تنتظر الرعاية من المجتمع، وإذا لم تكن هذه الرعاية موجودة فى المجتمع فإنها ستضطر إلى البحث عن عمل يناسبها، ويتناسب مع قدراتها. هذا إن وجدت فرص العمل، و إلا توجد فمآلها الضياع إلا إذا أدركتها رحمة الله تعالى؛ بتحريك حاسة صلة الرحم لدى أهلها وأقربائها.
وحتى إذا وجدت هذه الرعاية لدى أهلها، فستعيش بقلب يتمزق على أولادها ويكون حالها حال خولة بنت ثعلبة حين شكت حالها للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين ظاهر منها أوس بن الصامت؛ فقالت: ولى منه أولاد؟ إن ضممتهم إلى جاعوا، وإن تركتهم له ضاعوا.
ثم تأتى بعد ذلك نظرة المجتمع التى لا ترحم نحو المطلقة، وأنها ما طلقت إلا لأنها افترت على زوجها وبيتها، وهكذا يحكم عليها بقسوة دون إجراء أي تحقيق. وإذا كان الانفصال نتيجة اختلاع من المرأة فستكون النظرة إليها على أنها: خربت بيتها بيدها.
ويشتد الأمر عليها حين يتزاور مريدوا الزواج عنها ويحجموا عن التقدم إليها ويفضلون التقدم إلى الأرملة بحجة أن المطلقة لازالت ظلال الزوج الأول تسكن قلبها، خصوصًا إذا كان يعيش فى نفس القرية أو المدينة.
ثانيًا:- آثار العنف على الأسرة:(1/36)
الاستقرار والهدوء والمودة والمرحمة هذه المعانى التى تظلل أفراد الأسرة كلها ضحايا هذا العنف الذى تفجر داخلها؛ فوجدنا ما حل بالأب من اضطراب فكري وتشتت عملى، وخسارة على كل الجبهات؛ فى مجال العمل وفى مجال رعاية الأولاد، وفى مجال راحته فى البيت، ثم غرقه فى تسوية مشكلاته مع زوجته التى فارقته، ومحاولة إعادة تلك الحياة الزوجية إلى بيته مرة أخرى... وهل يتوقع نجاته من هذا الغرق فى نهاية المطاف؟ ويتمكن من إعادة تلك المعانى التى ذهبت ضحية هذا الانفجار، البعض قد ينجح لكن بعد تقديم تضحيات كثيرة، ولكن البعض الآخر يفشل بكل تأكيد بسبب القصور المادي أحيانًا، أو التعثر فى حل مشكلات الأولاد، الذين تتنازعهم؛ عواطفهم نحو أمهم التى يعيشون داخل قلبها ووجدانها، وبين أبيهم الملتزم بتوفير متطلباتهم الحياتية والدراسية وقليلون جدًا هم الذين يستطيعون فض هذا الاشتباك.
ثم عرفنا ما حل بالأم من تدهور عاطفي, وحياتي, وتجرد من كل ما كانت تحظى به من حماية داخل الأسرة ثم ما تصاب به من تمزق قلبي بين رغبتها فى حفظ كرامتها وخوفها على أولادها, ثم انطلاقها وحيدة فى المجتمع لا ترى إلا العاتبة ولا تسمع إلا الكلمة القاسية. ثم تحاشى الاقتران بها بسبب معان قد لا يكون لها ظل من الحقيقة.
أما الأثر بالنسبة للأولاد فهو الأشد والأخطر بالنسبة لكل الأطراف إذ هم يجدون أنفسهم داخل أسرة متفجرة, يحاول كل من الأب والأم أن يجذبهم إليه وأن يشعرهم بقربه وعطفه, وأنه أحق وأشفق عليهم من الآخر. ثم الانشغال بتطورات المعركة عن لوازمهم التربوية والتعليمية, وستكون الحصيلة؛ هي فشلهم فى التحصيل وعجزهم عن الوصول إلى الدرجات العلمية التي كانوا يتوقعون الحصول عليها.
أما الأب والأم للزوج إذا كانا يعيشان داخل الأسرة أو قريبا منها فلا يجدان الرعاية من الزوجة الغاضبة, كما أن الزوج غارق عنهم فى حل مشاكله مع زوجته وتكون النتيجة هى الضياع بينهما.(1/37)
ثالثا: آثار العنف على المجتمع:
المجتمع هو عبارة عن مجموعة من الأسر المتشابكة مع بعضها البعض فى الصهارة والتجارة, والخدمات الأمنية, والسياسية والتربوية, والتعليمية والاقتصادية وغيرها, وبقدر ما يحظى به التجمع الأسرى فى كل قرية ومدينة, من هدوء واستقرار وتعاون, كلما ارتقت هذه التجمعات عمرانيا واقتصاديا وحضاريا, وبرزت ككيانات فاعلة ومتعاونة ومتآلفة مع بعضها البعض, وتسارعت فى النمو فى كل المجالات, وازدهرت كوحدات سكانية متطورة بها كل مستلزماتها الحياتية والثقافية, ومن ثم يصب كل ذلك فى بوتقة الدولة التي تجمع بين جناحيها كل هذه التجمعات من المواطنين الذين ينسبون إليها ويعتزون بالانتماء إليها.
ثم نتساءل عما سيكون عليه حال هذا المجتمع إن تفتت وحداته الأسرية من داخلها, وغرقت أركانها فى المشاكل التى نشبت بين أفرادها, وانشغل كل طرف بتدبير المكائد للطرف الأخر من خلال الوسائل العملية والقانونية, وهو يصور ذلك بأنه يحاول أن يستخلص حقوقه من الطرف الأخر.
بالتأكيد سيصاب هذا المجتمع بالشلل الرعاش الذى يتخيل من يراه من بعد بأن صاحبه يتحرك إراديًا مع أن هذا مظهر مرضى لا يملك صاحبه من أمره شيئا؛ فكثير من قضاته مشغولون بمشاكلهم مع زوجاتهم وما تفرع من ذلك من مطالبات بحقوق الأولاد ورعايتهم. وكثير من معلميه غارقون فى علاج مشكلاتهم الأسرية مع أولادهم أو آبائهم أو أمهاتهم, وكثير من المهنيين يصبحون ويمسون على أبواب المحاكم ومكاتب المحامين, وقل مثل ذلك عن أصحاب المؤسسات التجارية والصناعية والزراعية, وبقية القطاعات الإنتاجية والخدمية.
النتيجة المتوقعة من كل ذلك؛ هي ضعف الإنتاج الزراعي والصناعي وتدهور الخدمات التى تقدم للمواطنين وتأخر المستويات التربوية والتعليمية.(1/38)
أما الجانب الاجتماعي فيشاهد فيه التمزق العائلي على مستويات مختلفة حيث يحاول كل فريق أن ينتصر لأحد طرفي النزاع داخل الأسرة, وقد يتطور هذا الانتصار من المشادات الكلامية والحجج القانونية والأحكام الدينية - بالحلال والحرام- إلى الأدوات المختلفة, ويتربص كل فريق بالآخر, وتتحول القرى, والأحياء, إلى ساحات مساجلات فى جانب منها, وساحات قتال فى الجانب الآخر, بعد أن توزعت العائلات بل تفتت بسبب كثرة الخلافات الأسرية داخل العائلة الواحدة ومحاولة الانتصار من كل فريق لكل طرف من تلك الأسر التي مزقتها نلك الخلافات.
وهكذا يغرق الجميع فى طوفان هذا العنف الأسرى, فلا ينجو منه فرد أو أسرة إلا من رحم ربى سبحانه.
سابعًا:- علاج العنف فى نطاق الأسرة
العلاج لهذا العنف يأتي في مرحلتين:
المرحلة الأولى: وهى مرحلة الوقاية من ازدياد العنف وتفجر الأسرة.
المرحلة الثانية: وهى مرحلة الإنقاذ، إن أمكن أو تسوية الأوضاع.
أولاً:- مرحلة الوقاية:
الوقاية خير من العلاج. حكمة قديمة أثبتت أحقيتها وجدواها على مختلف الأصعدة سواء فى نطاق الأسرة أو خارجها، فى مختلف البيئات و الأعصار.(1/39)
وقد نبه القرآن الكريم إلى هذه المرحلة ورسم لها؛ العلاج على مراحل متعددة بحيث لا نقفز إلى مرحلة متقدمة قبل أن نتأكد من عدم جدوى العلاج المرسوم للمرحلة التى تسبقها، وأعنى بذلك ما جاء فى آية علاج النشوز. فالقرآن الكريم بعد أن أثبت معاني الصلاحية والالتزام لجملة النساء، أشار إلى أن هناك قلة من النساء قد تخرج من هذه القاعدة، وعلى الزوج – و معه أهل الصلاح والإصلاح من أفراد الأسرة – إذا خيف ظهور شىء من هذا النشوز أن يبادر بسد أي خلل قد يظهر من ذلك بمجرد الإحساس بشىء من بوادره، ولا ينتظر حتى يكون النشوز حقيقة واقعة تفرض نفسها على الأسرة؛ قال تعالى: { فالصالحاتُ قانتاتٌ حافظاتٌ للغيبِ بما حفظ الله واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليًا كبيرًا ? وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًا }. (1)
فالتعبير القرآني: ( واللاتى تخافون نشوزهن ) يشير إلى سرعة المبادرة إلى العلاج بمجرد ظهور شىء من مقدمات النشوز، والذى يناسب هذه المرحلة هو الموعظة الحسنة المغلفة بالكلمات الرقيقة الحانية التى تنبئ عن معزة الزوج للزوجة وحرصه عليها، وعدم تحمل غضبها منه أو بعدها عنه، وإنها من جملة النعم التى أنعم الله تعالى بها عليه، وأن أثرها فى حياته؛ واضح فى بيته، وفى عمله، وعلاقته بأسرته وعلاقته بربه عز وجل وأنها لو فرض أن بعدت عنه، لن تجد الشخص الذى يقدرها كتقديره أو يعزها كمعزته... وهكذا بمثل تلك العبارات الرقيقة يستطيع أن يعالج ما وصل إليه حالها من بوادر هذا النشوز، لأنه من المعلوم أن الكلام الرقيق المغلف بمعانى الارتباط بالمرأة و التعلق بها سريع الدخول إلى قلوب النساء لارتفاع نسبة العاطفة لديهن.
__________
(1) - سورة النساء من الآية 34 ، 35.(1/40)
ويستمر فى هذه الموعظة الحسنة حتى يشعر بالاستجابة و العودة إلى الحياة الطبيعية التى كانت عليها قبل ظهور بوادر هذا النشوز، مع انتقاء الأوقات المناسبة لذلك... مثل أوقات التهيؤ للنوم ووقت اليقظة فى الصباح وعلى الإفطار.
وكذلك الحال بالنسبة للمرأة التي تشم من زوجها رائحة النشوز، كرد فعل لبعض تصرفاتها، أو وجود عوامل خارجية فى نطاق العمل أو العائلة، حينئذٍ يجب على المرأة أن تزيد من اهتمامها به وباحتياجاته سواء تلك التى تتعلق بالمنزل أو بالخارج. مع إشعاره بأن حياتها لا قيمة لها إلا وهى معه، وأنها لا راحة لها منذ رأت منه هذا الإعراض والجفاء، وأن قلبه أكبر من أن يتأثر بما حدث منها وأنه لن يتكرر وأنه لن يرى فى المستقبل إلا ما يشرح قلبه ويسر خاطره و هكذا... حتى ترى منه العودة إلى سابق رضاه عنها وإقباله عليها.
ثانيًا:- مرحلة الضغط النفسي:(1/41)
وهذه المرحلة لا تحين إلاَ بعد التأكد من عدم نجاح علاج المرحلة السابقة. وتتأتى هذه المرحلة بأن يحجب الرجل بشاشته وبسمته عن زوجته، مع إظهار جفائه لها وعدم اهتمامه بما تقدمه له من طعام أو خدمات يحتاجها فى البيت أو فى الخارج، مع الإعراض عن جماعها سواء بإعطائها ظهره فى المضجع كما يقول بعض العلماء، أو بترك المضجع لها ويتخذ له مضجعًا آخر داخل حجرة النوم كما يقول البعض الآخر، أو يتخذ له مكانًا منفردًا، كما يقول بعض ثالث، وهو ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ضاق بإلحاح زوجاته عليه بمطالبته بالتوسعة عليهن فى النفقات، كما يفعل أصحابه مع زوجاتهم، فاتخذ له حجرة مرتفعة لينام فيها منفردًا ولمدة شهر كامل؛ حتى جاءه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقال له عمر أنه يمكن إسكاتهن بغير أن تقسو على نفسك بأن يقوم هو بأن يجأ عنق ابنته حفصه – أي يلوى عنقها – وأن يجأ أبو بكر عنق ابنته عائشة، كما فعل هو بزوجته حين ألحت بالتوسعة فى النفقة حيث قام إليها و وجأ عنقها، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج من عزلته وعاد إلى زوجاته. وفى ذلك نزلت الآيات المباركات فى سورة الأحزاب: { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً ، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا...} وبقية الآيات. (1)
ويصعب على المرأة أن تجاري الرجل في هذه المرحلة من العلاج لأن قدرة الزوج على الصمود أكثر بكثير من المرأة في هذه الناحية، لكنها مطالبة؛ بأن تحاول أن تقترب من الزوج أكثر، وذلك بأن تحسن من مظهرها، وأن ترقق من عباراتها معه، وأن تعالج جوانب القصور لديها سواء في نفسها أو في حاجة زوجها أو في خدمة بيتها، وتستمر في ذلك حتى تشعر بتحسن نفسيته وعودته إلى طبيعته في التعامل معها.
__________
(1) - سورة الأحزاب الآيات من 28 : 34.(1/42)
ثالثًا:- مرحلة القسوة البدنية:
وهذه المرحلة لا تأتى إلا بعد استنفاد الأمل في علاج المرحلتين السابقتين؛ ويشترط لاستعمال العلاج هنا التأكد من فعاليته هذا من جهة ومن جهة أخرى, أنه لا يستعمل مع كل النساء, بل في طائفة خاصة من النساء وهن من نبتن في بيئة اجتماعية متدنية فكريا واقتصاديا, وفى مثل هذه البيئة يكون الاتجاه إلى القسوة البدنية سواء مع الأطفال أو الزوجات أمرا متعارفًا.
ونقول ذلك؛ لما ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يستخدم هذه الوسيلة مع أي زوجة من زوجاته بل لام أبى بكر حين رآه يمد يده لضرب عائشة لشدتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض المواقف وقال له: [ لم نأت بك لأجل هذا ] كما لم يعهد هذا عن أكثر أصحابه ومع ذلك فقد كان بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم قلة - كانوا يضربون نساءهم فقد قال عن أبى جهيم رضي الله عنه [ أنه لا يضع عصاه عن عاتقه ] (1) .
كما أن استعمالها لابد أن يكون في حده الأدنى, وقد مثل ابن عباس رضي الله عنه الأداة التي يضرب بها بالسواك.
فإذا خرج الزوج عن هذا الإطار في العلاج فقسي على زوجته دون مبرر فإن من حقها أن ترفعه للقضاء لينزل به عقوبة تتساوى مع ما فعله بزوجته, ويخيرها القاضي بين البقاء معه أو مفارقته, مع التزامه بكل حقوقها الشرعية.
ولعل هذا هو المراد من قوله جل شأنه:{ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا }.
مرحلة الإنقاذ من التصدع والانشقاق:
__________
(1) - سنن النسائى جـ6 صـ208ذكره بالمعنى ط إحياء التراث العربى بيروت.(1/43)
وهذه المرحلة تأتى, إذا تمادى الخلاف داخل الأسرة بين الزوجين, ووصل إلى قرب نهايته؛ وهنا تأتى عملية محاولة الإنقاذ, وذلك بتدخل من أهل الزوجين؛ بأن يختار رجل صالح من أهله وآخر صالح من أهلها, ويشترط فيهما؛ معرفة أحكام النكاح خاصة إلى جانب إلمامهما بالأحكام الفقهية الأخرى, وأن يشتهرا بالصلاح بين الأهل, وأن يكونا على دراية بطريقة الإصلاح بين الزوجين, وأن تتحقق لديهما الرغبة في الوفاق بين الزوجين, قال تعالى: { إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما }.
وعلى هذين الحكمين: أن يدرسا سبب الشقاق دراسة متأنية حتى يصلا إلي مكان الخلاف ومن الذي ساهم فيه بالقسط الأكبر
أ- فإن أمكنهما التوفيق بين الطرفين فبها ونعمت.
ب- و إلا فإن كان المساهم الأكبر في هذا الشقاق هو الزوج فإنه يحق لها أن تطلق مع احتفاظها بكل حقوقها الشرعية.
جـ - وإن كان المساهم الأكبر هي المرأة فإنه يحكم بتنازلها عن كل حقوقها الشرعية بل وتدفع للزوج ما يحكم به الحكمان.
د- وإن كانت المساهمة متساوية منهما؛ فيؤمر الزوج بالطلاق مع تنازلها عن بعض حقوقها الشرعية ويدفع لها الزوج البعض الآخر من هذه الحقوق.
وبذلك يكون قد تم تسوية الأوضاع بين الطرفين, وقد أوصى القرآن الكريم بالإحسان والتقوى للطرفين في هذه المرحلة التي يتم فيها تسوية الأوضاع حيث قال جل شأنه: { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرًا }. (1)
علاج العنف بين الابن ووالديه:
__________
(1) - سورة النساء الآية 128.(1/44)
أما علاج العنف بين الأب والابن أو بين الابن وأمه, فإن كان من قبل الابن اتجاه أبيه؛ فقد رسم القرآن الكريم والسنة النبوية كيفية استرضاء الابن لأبيه وأمه في طريق واحد, وهو سلوك طريق الإحسان إليهما؛ وذلك في قوله جل شأنه: { وقضى ربك أل تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا } ثم فصلت الآيات التالية كيفية هذا الإحسان الذي يوصل إلى رضا الوالدين فيما يلي: { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا }وبقية الآيات (1)
هذه الآيات الكريمات مع وجازتها فيها العلاج التام لو أديت كما يراها أهل العلم, وهي على أربع مراحل:
المرحلة الأولى: كف الأذى عنهما مهما قل شأنه, بحيث يكون بالتأفيف أو في درجته من حيث القلة بأن لا يقبل أيديهما أو رأسهما, أو يخرج من المنزل دون أن يستأذنهما.
كما يجب عليه أن يكف عن أذيتهما بأعلى درجات الأذية كأن يشتمهما بلسانه أو يضربهما بيده وعصاته.
كما يجب أن يكف نفسه عن أذيتهما بما بين أدنى الأذية وأعلاها, وذلك بأن لا يسأل عن حاجتهما, ومن باب أولى أن يفضل أولاده وزوجته عليهما. وقد نبه المولى سبحانه بالنهى عن التأفيف ليشمل النهى عما هو أعلى منه من ألوان الأذية.
المرحلة الثانية: استعمال حسن الخلق معهما, وذلك من خلال حسن التخاطب معهما بيا أبت ويا أمي, ويا أبتاه ويا أماه, وذلك بصوت لطيف رقيق هادئ مع سؤالهما عن حاجتهما إن لم يفطن لها, وهو أفضل من السؤال مع المداومة على رؤيتهما عن قرب, و إلا فبالسؤال عنهما بالهاتف.
__________
(1) - سورة الإسراء الآيات من 23 : 26.(1/45)
المرحلة الثالثة: وهى مرحلة خفض الجناح للوالدين؛ وذلك بإظهار حاجته إليهما, وأن النجاح الذي يلقاه في حياته, سواء في أسرته أو في عمله هو ببركتهما, وأنهما يمثلان له حصن الأمان له ولأسرته, وأن دعاءهما له هو المظلة التي ترفرف عليه وتقيه من ألوان الشر كلها في هذه الحياة, مع الدعاء لهما بطول العمر مع الصحة والسلامة لهما, والدعاء بالشفاء للمريض منهما.
المرحلة الرابعة: تأتى بعد وفاتهما؛ وهى تذكرهما بالترحم عليهما؛ بألوان هذا الترحم الذي يكون بالدعاء لهما بالمغفرة والرحمة, مع ذكر المقتضى لذلك: وهو تفضلهما بالإحسان إليه؛ في حمله وولادته وإرضاعه وتربيته وتعليمه وغير ذلك من ألوان الخير التي قدماها له, ثم تقديم الصدقة على روحهما, وخصوصا إذا كانت جارية, مع البر بمن كان ذا صلة بهما في حياتهما.
أما إذا كان العنف من الأب أو الأم لابنهما؛ وهو أمر في غاية الندرة, كما أنه لا يحدث إلا كرد فعل لتصرف خاطئ من الابن لأحد والديه, ولذلك كان العلاج فيه أيسر لتوفر شفقة الأبوة عند الأب ولوجود عاطفة الأمومة عند الأم, إذ يتوقف هذا العنف بظهور أي بادرة طيبة من الابن تجاه والده أو تجاه والدته, كما يكفى لتوقف هذا العنف قيام أحد الأهل أو الأصدقاء للأسرة بأي جهد لتذكير الأب أو الأم بغريزة الأبوة أو الأمومة نحو ابنهما.
ولذا نجد أحكام القضاء تفرض النفقة للآباء أو الأمهات على الأبناء , أكثرها لا تنفذ , وخصوصا إذا وصل الأمر إلى الحبس لعدم قيام الأبناء بتنفيذ هذه الأحكام, إذ يعز عليهما أن يريا ابنهما في أقفاص الحبس.
ولذا كان الشاعر أحمد شوقي يصف رحمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي لا نظير لها في الخلق برحمة الأب والأم حيث قال:
فإذا رحمت فأنت أب أو أم هذان في الدنيا هما الرحماء
ثامنًا:- التدابير الجزائية للحد من العنف في نطاق الأسرة(1/46)
تمهيد: إذا كان العنف في مراحله الأولى؛ فقد يفيد فيه تدخل الأهل أو الحكمين اللذين أشرت لهما في السابق: علاج العنف,
فيراعى ما قلته في التفصيل الوارد في مقترحات الحكمين لتسوية العنف بين الزوجين, وقد تكون التسوية بموافقة الزوجة على زواج زوجها بزوجة ثانية, مع احتفاظها هي بحقوقها الشرعية معه.
فإذا تصاعد العنف بين الزوجين: بأن وصل إلى اتهام الزوجة بالزنا أو أن ما في بطنها من حمل ليس منه؛ فقد راعى الشارع التخفيف على الطرفين:
يبدأ الزوج مع حضور مجموعة من خيار الناس في القرية أو الحي؛ بأن يحلف خمسة أيمان بأنها زنت مع اقتران الحلف في الأربعة الأيمان الأولى بأنه من الصادقين, وفى الخامسة بأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
وبهذه الأيمان يرفع عنه الحد, مع أنه لو قذف امرأة أجنبية بذلك لجلد الحد - ثمانين جلدة- لكنه نظرًا لحالته النفسية السيئة, ودفاعه عن عرضه خفف عنه الشارع وعفاه عن إقامة الحد عليه مع إعطائه الفرصة للحفاظ على عرضه, أو عدم نسبة الولد إليه بهذا الحلف.
وكذلك الزوجة؛ فأنها تحصل على جانب من هذا التخفيف؛ وذلك بإعطائها فرصة الدفاع عن نفسها بحلفها خمسة أيمان لتبرئ نفسها, واليمين الخامسة عليها أن تقرنها بقولها: بأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. وبذلك يرفع عنها الحد بالرجم, وحسابها على الله تعالى.
ثم يتم الانفصال بينهما.
وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - [ لولا الأيمان لكان لي ولها شأن ] (1) ومعنى هذا فإنه توجد قرائن على كذبها كالحمل مثلا, لكن روعي جانب الستر عليها وعدم تعريض أهلها لشىء من العار إذا أثبت عليها الزنى وطبق عليها الحد.
أما إذا حصل العنف بالقتل للزوجة أو للزوج من أحدهما لأحد ابنائهما فقد روعي في الواقعة جانب من التخفيف وآخر من التغليظ:
__________
(1) - سنن الدارقطنى جـ3 صـ278- بلفظ [ لولا ما مضى من كتاب الله لكان لى ....].(1/47)
أما جانب التخفيف فعدم القصاص من أحد الأبوين إذا قتل أحدهما ولدهما, للحديث الشريف: [ لا يقاد والد بولده ] (1) مهما كانت درجة القتل وصفته وآخذًا بحكم سيدنا عمر رضي الله عنه على قتادة المدلجى الذي حذف ابنه بالسيف فقتله فحكم عليه بالدية مغلظة [ ثلاثون حقة, وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها ] وتعطى للأخ أو الأخوة ولا يعطى منها الأب شيئا.
وبهذا قال الجمهور ماعدا الإمام مالك الذي وافق الجمهور في حالة واحدة وهى ما إذا كان القتل لم يقصد به إزهاق الروح بأن كان نتيجة غضب أو أدب, أما إن كان قد قصد إزهاق روحه فإنه يقتص منه, وذلك مثل أن يضجعه ويذبحه, أو يشق جوفه وينظر إلى ما حصل من المدلجى على أنه إنما كان نتيجة غضب أو أدب, ولم يكن فيه قصد إزهاق الروح.
لكن في الجانب الآخر حين يستبدل القصاص بالدية, فأنها تغلظ في حقه كما فعل عمر رضي الله عنه حيث ثلث الدية وبهذا الوصف الذي ذكرته قبل قليل حيث حكم عليه بثلاثين حقة- وهى ما أوفت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة, وثلاثين جذعة, وهى ما أوفت أربع سنين، وأربعين خلفة وهى الناقة الحامل.
مواقف الفقهاء حول تغليظ الدية:-
اختلفت مواقف الفقهاء في تحديد العقوبة التي توقع على من صدر منه العنف الذي يصل إلى القتل العمد أو شبه العمد أو الخطأ, سواء كان ذلك في النفس أو فيما دونها؛ فهل يجب أن تطبق على الجاني العقوبة العادية المقررة في قتل النفس أو فيما دونها سواء كان بين الآباء والأبناء والزوجات, أو غيرهم دون وجود أي فرق, أو أن العقوبة يجب أن تغلظ على من قتل أحدًا من أهل أسرته, وذلك ردعًا له وزجرًا لغيره.
يذهب فريق من العلماء إلي وجوب التغليظ في حالة قتل أحد من ذي رحم محرم له كالأب والأم والجد والابن؛
__________
(1) - سنن الدارقطنى جـ3 صـ140.(1/48)
وإلي ذلك ذهب أصحاب الشافعي وأبو بكر عبد العزيز من الحنابلة إلى التغليظ في دية الخطأ وذلك بزيادة ثلث الدية عند بعضهم. وقال أصحاب الشافعي: التغليظ يكون بإيجاب دية العمد في القتل الخطأ.
وقال مالك: إذا قتل الجاني ذا رحم محرم عمدا من أسرته فعليه ثلاثون حقة, وثلاثون جذعة, وأربعون خلفة, وتغليظها على أهل الذهب والورق؛ أن ينظر قيمة أسنان الإبل غير مغلظة وقيمتها مغلظة ثم يحكم بزيادة ما بينهما, فإن كانت قيمتها مخففة ستمائة ففي العمد؛ ثمانمائة؛ وذلك ثلث الدية المخففة.
وقال أيضًا: تغلظ على الأب والأم والجد دون غيرهم إذ هي في العمد مطلقا مربعة لكنها داخل الأسرة تغلظ بأن تثلث.
قال أبو البركات الدردير: [ وثلثت أي غلظت بالتثليث على الأصل؛ فيشمل الأم والأجداد كان الأصل مسلمًا أو كتابيًا ولو مجوسيًا, فلا يقتل بفرعه ولو كان مسلمًا في عمدٍ لم يقتل به؛ وضابطه عدم قصده إزهاق الروح فإن قصد إزهاق روحه فإنه يقتص به عندنا, والتغليظ بالتثليث بما تقدم كما يكون في النفس يكون التغليظ في جرح العمد فتغلظ فيه كما تغلظ في النفس لا فرق في الجرح بين ما يقتص فيه كالموضحة أو كالجائفة, ففي الجائفة ثلث الدية مغلظًا على قدر نسبته من الدية... فعن ثلث الدية يؤخذ من الحقاق خمس ونصف خمس الثلث ومن الجذعات كذلك ومن الخلفات خمسان. (1)
والدية في مذهب مالك إنما تغلظ في الإبل فقط ولا تغلظ في الذهب والورق في الدية المربعة في العمد خارج نطاق الأسرة وذلك للاقتصار على ما ورد. (2)
جاء في الموسوعة الكويتية [ ولا تغلظ الدية في غير الإبل عند الفقهاء لأنها مقدرة ولم يرد النص في غير الإبل (3) وهذا ما عدا مذهب الإمام مالك فإن التغليظ يشمل الذهب والفضة فيما إذا كان العمد داخل الأسرة.
__________
(1) - الشرح الصغير جـ4 صـ373 – 375.
(2) - الشرح الصغير جـ4 صـ376.
(3) - الموسوعة الكويتية جـ21 صـ51.(1/49)
واستدل هذا الفريق على صفة التغليظ بما روى عن عمر رضي الله عنه أنه أخذ من قتادة المدلجى دية ابنه حين حذفه بالسيف ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة، ولم يزد عليه في العدد شيئًا. قال ابن قدامة: [ وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر فكانت اجماعًا، كما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: من قتل في الحرم أو ذا رحم أو في الشهر الحرام فعليه دية وثلث].
كما احتجوا على التغليظ في العمد؛ بأنه إذا غلظ الخطأ مع العذر فيه، ففي العمد مع عدم العذر أولى، وكل من غلظ الدية، أوجب التغليظ في بدل الطرف بهذه الأسباب، لأن ما أوجب تغليظ دية النفس أوجب تغليظ دية الطرف كالعمد. (1)
الفريق الثاني: فإنهم يرون عدم التغليظ؛ قال القاضي أبويعلى: ظاهر كلام أحمد بن حنبل أن الدية لا تغلظ... ونقل ابن قدامة هذا عن الحسن والشعبي والنخعي وأبي حنيفة والجوزجاني وابن المنذر، وروى ذلك عن الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [ في النفس المؤمنة مائة من الإبل ] (2) ، لم يزد عن ذلك وقال: [ وعلى أهل الذهب ألف مثقال ] (3) وفى حديث أبي شريح، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ وأنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله، من قتل له قتيل بعد ذلك فأهله بين خيرتين، إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية ] (4) وهذا القتل كان بمكة في حرم الله تعالى فلم يزد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الدية، ولم يفرق بين الحرم وغيره.
وقول الله تعالى: { ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلمةٌ إلى أهله } (5) يقتضي أن الدية واحدة في كل مكان وفى كل حال.... (6)
__________
(1) - المغنى جـ 12 صـ24 ، 25 طبعة هجر.
(2) - الموطأ جـ2 صـ181 تنوير الحوالك.
(3) - الموطأ جـ2 صـ181.
(4) - سنن الترمذى جـ4 صـ662 دار الاتحاد للطباعة.
(5) - سورة النساء الآية 92.
(6) - المغنى جـ12 صـ25 ، 26.(1/50)
قال ابن المنذر – تأييدًا لهذا القول – وليس بثابت ما روى عن الصحابة في هذا، ولو صح فقول عمربن عبد العزيز يخالفه، وقوله أولى من قول من خالفه، وهو أصح في الرواية، مع موافقته الكتاب والسنة والقياس (1) .
وأقول: إن القول الأول هو المختار؛ لصحة قضية التغليظ على المدلجي، ولشدة الحرمة في قتل ذي الرحم، نظرًا لشدة التوصية برعاية الرحم وصلتها والإحسان إليها فالقاتل قد قلب كل هذه المعانى إلى أضدادها فيجب أن يشدد في حقه ردعًا له وزجرًا لغيره.
هذا في قتل الأب أو الأم لابنها أو ابنتها, أما في قتل الولد لأحد والديه أو أخيه أو أخته, فنوجز القول فيه فيما يلى:
الحكم في قتل الأدنى للأعلى أو المساوى:
إذا حدث العكس: بأن قتل الابن أباه أو أمه, أو قتلت البنت الأب أو الأم عمدًا فإنه يقتص منهما, وكذلك إذا قتل الأخ أخاه أو قتل الأخ أخته أو قتلت الأخت أخاها؛ الحكم في كل ذلك سواء وهو وجوب القصاص.
وإن حدث عفو عن القصاص إلى الدية فإن الفريق الذي يذهب إلى التغليظ؛ وهم بعض الحنابلة والشافعية: فإنهم يقولون بالتغليظ هنا أيضا سواء بسواء, وبنفس المقادير, قياسًا على قضية المدلجى , وكذلك في كل ذى رحم محرم.
أما الإمام مالك فقد قصر التغليظ على حالة قتل الأعلى للأدنى ولم يجر القياس في حالة العكس من باب الاقتصار على ما ورد.
ولم يرد التغليظ إلا في حالة قتل الأعلى للأدنى , وكذلك لا تغليظ في قتل الأخ أخاه ولا في قتل زوجة لزوجها أو قتل زوج لزوجته, حيث يجب القصاص إن تعين بشروطه ما لم يحصل إرث من القاتل لدم نفسه أو لبعض دم نفسه, فلا يقتص منه. وإن حصل عفو على الدية فكدية الأجنبى دون تغليظ: جاء في الذخيرة [ ولا تغليظ في أخ ولا أخت ولا زوجة ولا زوج ولا قريب غير ما تقدم ....]. (2)
__________
(1) - المغنى جـ12صـ26.
(2) - الذخيرة جـ12 صـ397 ، 425 – دار الغرب الإسلامي.(1/51)
ونكتفي بهذا الموجز من التدابير الجزائية إذ تتبع كل ما قيل في كتب الفقهاء من آراء وأدلة ومناقشات يحتاج إلى كتابة أطروحة, ويخرج بنا عن رسم صورة تقريبية لنظرة الشريعة إلى العلاقة الخاصة التي يرتبط بها أفراد الأسرة فيما بينهم وما يجب لتقويم هذه العلاقة سواء في جانب التخفيف أو التغليظ؛ رعاية للحفاظ على صلة الرحم التي تجمع بين أفرادها.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أ.د / أحمد على طه ريان
1 / 12 / 1429 هـ أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر
29 /11 / 2008 م ورئيس لجنة موسوعة الفقه الإسلامي
بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف بالقاهرة
المصادر والمراجع بعد القرآن الكريم
1 - الذخيرة للإمام القرافى - طبعة دار الغرب الإسلامي بيروت.
2 - رؤية فقهية معاصرة لدية المرأة للدكتور / عبد الحليم عويس.
3 - سنن الإمام ابن ماجه مطبعة دار الفكر – بيروت.
4 - سنن الإمام أبى داود - مطبعة مصطفى البابى الحلبي بالقاهرة.
5 - سنن الإمام الترمذي - مطبعة دار الإتحاد العربى للطباعة بالقاهرة .
6 - سنن الإمام الدارقطنى - مطبعة دار المحاسن بالقاهرة.
7 - سنن الإمام النسائي - مطبعة إحياء التراث العربى بيروت.
8 - الشرح الصغير لأبى البركات الدردير – مطبعة دار المعارف القاهرة.
9 - الشرح الكبير لأبى البركات الدردير- مطبعة مصطفى البابى الحلبي بالقاهرة.
10- صحيح مسلم – مطبعة الشعب.
11- الموسوعة الكويتية.
12- الموطأ للإمام مالك مع شرحه تنوير الحوالك للإمام السيوطى– مطبعة مصطفى البابى الحلبي بالقاهرة.
13- المغنى لابن قدامة – مطبعة هجر القاهرة.
فهرس الموضوعات
الموضوع ... رقم الصفحة
·?بحث: العنف فى نطاق الأسرة. ... 1
? التقديم ... 1
·?أولاً:- أهمية بناء الأسرة فى الإسلام ... 1
? الدعائم التى تعطي هذا الكيان القدرة على الاستمرار ... 2
·?مخاطر الغزو الجديدة على الأسرة ... 4(1/52)
? ثانيًا:- طبيعة العلاقة بين أفراد الأسرة في الإسلام ... 6
·?أولا:- قيام العلاقة على المودة ... 6
? ثانيًا:- قيام العلاقة بين أفراد الأسرة على التعاون ... 7
·?ثالثًا:- قيام العلاقة على المرحمة ... 8
? رعاية قيم المجتمع ... 10
·?ثالثًا:- التأديب فى نطاق الأسرة؛ مشروعيته،و شروطه، وضوابطه ... 11
? رابعًا:- خصائص العنف فى نطاق الأسرة ... 16
·?الملامح العامة لخصائص العنف فى نطاق الأسرة ... 21
? خامسًا:- أسباب العنف فى نطاق الأسرة؛ ودوافعه: ذاتية واقتصادية واجتماعية ... 22
·?ما يرجع إلى قصور فى الذات ... 22
? ما يرجع إلى النواحى الاقتصادية ... 23
·?ما يرجع إلى الجوانب الاجتماعية ... 23
? التقارير الرسمية؛ المحلية والدولية عن العالم ومصر وبعض الدول العربية ... 26
·?سادسًا:- آثار العنف على الفرد والأسرة والمجتمع ... 29
? سابعًا:- علاج العنف فى نطاق الأسرة ... 33
·?أولاً:- مرحلة الوقاية ... 33
? ثانيًا:- مرحلة الضغط النفسي ... 34
·?ثالثًا:- مرحلة القسوة البدنية ... 35
? مرحلة الإنقاذ من التصدع والانشقاق ... 36
·?علاج العنف بين الابن ووالديه ... 36
? ثامنًا:- التدابير الجزائية للحد من العنف في نطاق الأسرة ... 39
·?مواقف الفقهاء حول تغليظ الدية ... 40
? الحكم في قتل الأدنى للأعلى أو المساوى(1/53)