العمل الجماعى
بين
الإفراط
والتفريط
لفضيلة الشيخ الدكتور :
ياسر بن حسين برهامي
غفر الله له و لوالديه و لجميع المسلمين
__________________________________________________
عن معاوية بن أبى سفيان أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال :
" ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب إفترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفرق على ثلاث وسبعين ، ثنتان وسبعون فى النار وواحدة فى الجنة ، وهى الجماعة "
صحيح رواه أبو داود وأحمد والدرامى والحاكم
عن ابن عباس - رضي الله عنهم - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال :
" من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية "
رواه البخارى ومسلم
عن أبى ذر - رضي الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال :
" من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه "
رواه أبوداود
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال :
" لايحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم "
رواه أحمد
___________________________________
___________________________________ 3
إن مسألة العمل الجماعى قد أخذت حيزاً لايستهان به من إهتمام كثير من المسلمين وخاصة الدعاة منهم وازداد الإهتمام فى الآونة الأخيرة بعد الإصدارات التى تجاوز مؤلفوها حداً بعيداً عن الإنصاف والواقعية فضلاً عن أنه بعيد عن الفهم الصحيح للأدلة وأقوال الأئمة ، فمنهم من ذهب إلى أن العمل الجماعى بدعة ، ومنهم من قال إن الجماعات الإسلامية قائمة على الحزبية والعصبية ولايجوز الإنتماء إليها إلى غير ذلك من الأقوال التى دفعتنا إلى بيان موقفنا من هذه المسألة لحسم مادة الخلاف بين العاملين فى الساحة الإسلامية ، ولتقليل ظاهرة تشرذم الدعاة ، ولبتر فكرة العمل الفردى التى باتت ترواد الدعاة الذين لهم إشتغال محمود بالعلم الشرعى .(1/1)
إن هذه الكتب لها آثار سلبية مدمرة على الكيانات القائمة العاملة فى الدعوة إلى الله ودورنا هو علاج السلبيات الموجودة فى كيان قائم وليس بترها جميعاً ، ولاينبغى أن يعيب الرجل وينهى عن نور فيه ظلمة إلا إذا حصل نور لاظلمة فيه ( راجع الفتاوى لشيخ الإسلام 10/364 ) ، وهذا أوان الشروع فى المقصود ندعوا الله أن يفتح له قلوب إخواننا إنه ولى ذلك والقادر عليه .
___________________________________
لابد لنا من وقفة نتعرف فيها على معنى الجماعة لغة وشرعاً .
أولاً : الجماعة لغة :-
إما أن تعنى الإجتماع : وهو ضد التفرق وضد الفرقة يقال تجمع القوم إذا اجتمعوا من هنا وهناك ، وجمع المتفرق ضمه بعضه إلى بعض وجمع إليه القلوب ألفها .
وإما أن تعنى الجمع : وهو إسم لجماعة الناس ، والجمع مصدر قولك جمعت الشئ .
قال الفراء : إذا أردت جمع المتفرق قلت جمعت القوم فهم مجموعون .
وإما أن تعنى الإجماع : وهو الإتفاق والإحكام يقال أجمع الأمر أى أحكمه ويقال أجمع أهل العلم أى اتفقوا والجماعة العدد الكثير من الناس وطائفة من الناس يجمعها غرض واحد ( راجع المعجم الوسيط 1/135 ، لسان العرب 8/53 ، مختار الصحيح صفحة 110 ) .
ثانياً : الجماعة شرعاً :-
إن لفظ الجماعة لم يرد ذكره فى القرآن الكريم إلا أنه قد كثر ذكره فى السنة النبوية وقد فسره العلماء حسب وروده فى السنة وبينوه فقالوا :
__________________________________
1- الجماعة هى السواد الأعظم من أهل الإسلام :
وهم الناجون من الفرق فما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق ومن خالفهم مات ميتة الجاهلية سواء خالفهم فى شئ من الشريعة أو فى إمامهم وسلطانهم فهو مخالف للحق ، وممن قال بهذا القول أبو مسعود الأنصارى وابن مسعود - رضي الله عنهم - ( الإعتصام 2/260 ) .(1/2)
2- هى جماعة أئمة العلماء المجتهدين من أهل العلم والفقه والحديث: فمن خرج مما عليه علماء الأمة مات ميتة جاهلية لأن جماعة الله العلماء جعلهم الله حجة على العالمين ، وممن قال بهذا القول عبد الله بن المبارك واسحق ابن راهويه وجماعة من السلف وهو رأى الأصوليين فعلى هذا القول لامدخل فى السؤال لمن ليس بعالم مجتهد ولايدخل أحد من البتدعين بينهم .
3- الجماعة هى الصحابة - رضي الله عنهم - على الخصوص :
فإنهم لايجتمعون على ضلالة أصلاً ، وممن قال بهذا القول عمر بن عبد العزيز فكل ماسنه الصحابة فهو سنة من غير نظر فيه بخلاف غيرهم فإن فيه لأهل الإجتهاد مجالاً للنظر رداً وقبولاً فأهل البدع إذاً غير داخلين فى الجماعة قطعاً على هذا القول .
___________________________________ 6
4- الجماعة تعنى جماعة أهل الإسلام :
إذا أجمعوا على أمر فواجب على غيرهم من أهل الملل إتباعه وهم الذين ضمن الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أن لايجمعهم على ضلالة فإن وقع بينهم إختلاف فواجب تعرُّف الصواب فيما اختلفوا فيه .
قال الشافعى : الجماعة لاتكون فيها غفلة عن معنى كتاب الله ولاسنة ولاقياس وإنما تكن الغفلة فى الفرقة .
5- الجماعة تعنى الفريق من الناس الذى يجتمع على شئ ما
(غير الإمامة العظمى ) .
كجماعة المصلين فى المسجد أو المجتمعون على طعام أو سفر أو طلب علم كما ورد فى حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" كلوا جميعاً ولاتفرقوا فإن البركة مع الجماعة "
وكما فى حديث جندب بن عبد الله حيث يقول فيه
"وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا فزعنا بالجماعة والصبر والسكينة إذا قاتلنا"
___________________________________
وبوب الإمام البخارى فى صحيحه باب إثنان فما فوقهما جماعة يعنى فى الصلاة .
6- الجماعة تعنى جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير :(1/3)
وهو الإمام الموافق للكتاب والسنة وذلك ظاهر فى أن الإجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة .
7- الجماعة تعنى جماعة أهل الحل والعقد :
وممن قال بهذا القول الإمام ابن بطال كما ذكر الحافظ فى الفتح 13/316 وشروط أهل الحل والعقد كما ذكرها الإمام المواردى فى الأحكام السلطانية هى :-
أ- العدالة الجامعة لشروطها .
ب- العلم الذى يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط
المعتبرة فيها .
جـ- الرأى والحكمة المؤديان إلى إختيار من هو للإمامة أصلح وبتدبير المصالح أقوى وأعرف .أهـ. وعلى هذا فهم يختلفون عن أهل الحل والعقد عند الأصوليين وشروطهم مدونة فى باب افجماع فى كتب الأصول .
___________________________________
8- الجماعة هم أهل المنعة والشوكة :
حيثما كانوا وممن قال بهذا القول الإمام السرخسى وشيخ الإسلام ابن تيمية
قال السرخسى فى شرح الكبير 1/393 جماعة المسلمين أهل المنعة حيثما كانوا .أهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية فى منهاج السنة (1/141)
الإمامة عند أهل السنة تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها ولايصير الرجل إماماً حتى يوافقه أهل الشوكة الذى يحصل بطاعتهم له مقصود الولاية فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماماً .
قال أئمة السنة من صار له قدرة وسلطان يفعل بها مقصود الولاية فهو من أولى الأمر الذين أمر الله بطاعتهم مالم يأمروا بمعصية الله ، فالإمامة ملك وسلطان والملك لايصير ملكاً بموافقة واحد ولا إثنين ولا أربعة إلا أن تكون موافقة هؤلاء إلى موافقة غيرهم بحيث يصير ملكاً بذلك .أهـ.
مما تقد نستطيع أن نقول إن الإستعمال لكلمة " الجماعة " ينصرف إلى معنيين :-
___________________________________
الأول :- معن الطريقة والمنهج :(1/4)
وهو المذكور فى قول النبى - صلى الله عليه وسلم - عن الفرقة الناجية " هم الجماعة " ولزوم الجماعة بهذا المعنى بينه الإمام الشافعى فى الرسالة حيث يقول ( فلم يكن فى لزوم الأبدان لايصنع معنى لأنه لايمكن ، ولأن إجتماع الأبدان لايصنع شيئاً فلم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا ماعليه جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيها ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم ومن خالف ماتقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التى أمر بلزومها وإنما تكون الغفلة فى الفرقة فأما الجماعة فلايمكن فيها كافة الغفلة عن معنى كتاب ولاسنة ولاقياس إن شاء الله ) .أهـ. فعلى هذا فاتباع أهل السنة والجماعة وإجماع أهل العلم لازم لكل إنسان لايسعه الخروج عن ذلك ، ويستحيل أن تضيع الجماعة بهذا المعنى من الأرض كلها فىأى زمن إلى قيام الساعة لقوله - صلى الله عليه وسلم - " لاتزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لايضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى تقوم الساعة " .
والخروج عن الجماعة بهذا المعنى يعنى به الفرق المخالفة لأهل السنة وإجماع السنة أهل الهلم ، فالمخالف لهم مبتدع ، وقد يصل الأمر إلى الكفر والعياذ بالله فى البدع المكفرة ومنه قول النبى - صلى الله عليه وسلم - " التارك لدينه المفارق للجماعة " .
___________________________________
الثانى :- هو إجتماع الملمين تحت إمرة أمام :
وهذا المذكور فى قول النبى - صلى الله عليه وسلم - " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان "
ولزوم الجماعة بهذا المعنى تعنى :-(1/5)
طاعة الإمام المسلم فى ماأمر به من غير معصية وترك الخروج على أئمة المسلمين بالسيف والأحاديث الواردة فى الأمر بالسمع والطاعة تدل على هذا الأمر وهذا أيضاً لايزول من الأمة بالكلية فقد قال - صلى الله عليه وسلم - " لاتزال عصابة من أمتى تقاتل عن هذا الدين ظاهرين على من خالفهم حتى تقوم الساعة ".
وفى رواية " حتى يقاتل آخرهم الدجال " .
والخروج عن الجماعة بهذا المعنى تنطبق عليه الأحاديث الواردة فى تحريم الخروج عن السلطان مثل حديث ابن عباس - رضي الله عنهم - " من فارق الجماعة شبراً فمات ميتة جاهلية " متفق عليه ، فإن كان لسفك الدماء والإستيلاء على الأموال فهو حرابة ينطبق عليه قوله - عز وجل - { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله
___________________________________
ويسعون فى الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } ] المائدة33[ .
وإن كان طلباً للملك فهو يعنى طالما كان الإمام عدلاً وأما إن كان الإمام فاسقاً فالخروج عليه مختلف فيه عند أهل السنة ، والذى عليه جمهورهم بل نقل انعقاد إجماع المتأخرين منهم غير واحد من العلماء
كالإمام النووى وغيره : هو عدم الخروج والصبر على جور الأئمة لأن الخروج فى الغالب مفسدته أكثر من مصلحته ، أما إذا طرأ عليه الكفر انعزل ووجب خلعه وإقامة عدل مكانه على من تمكنوا من ذلك .
وأما الخروج عن الجماعة المتضمن للكفر واللحاق بمعسكر الكافرين فهو ردة والعياذ بالله .
___________________________________
شغور الزمان عن الإمام
المقصود بشغور الزمان عن الإمام هو عدم وجود الحكومة المسلمة التى تحمل المكانة على مقتضى الحكم الشرعى وهذا الشغور يكون فى صورتين :
الأولى :- إنعدامه حساً .(1/6)
كما لو مات الإمام أو عزل بسبب يقتضيه أو أسر وبقى الناس بعده أوزعاً متفرقين ، فالواجب فى هذه الحالة على جماعة أهل الحل والعقد أن يبايعوا من يصلح للإمامة ثم تبايعه الأمة بعد ذلك والأدلة على وجوب التأمير كثيرة مستفيضة من الكتاب والسنة والإجماع
قال الله - عز وجل - { ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم } ]النساء95[ ، وقوله - عز وجل - { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } ]النساء83[ .
___________________________________
فلابد للناس من ولى أمر يتولى شئونهم ويدبر مصالحهم وذلك بدلالة إشارة النص ، وقوله - عز وجل - { ياداود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى } ]ص26[ .
من السنة قول النبى - صلى الله عليه وسلم - " لايحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم "رواه أحمد عن ابن عمرو ورواه أبو داود عن أبى سعيد .
قال الإمام الشوكانى فى نبل الأوطار 9/157 بعد سياق روايات الحديث المتعددة : ( وفيها دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعداً أن يؤمروا عليهم أحدهم لأن فى ذلك السلامة من الخلاف الذى يؤدى إلى التلف فمع عدم التأمير يستبد كل واحد برأيه ويفعل مايطابق هواه فيهلكون ومع التأمير يقل الإختلاف وتجتمع الكلمة وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون فى فلاة من الأرض أو مسافرون فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ويحتاجون لدفع التظالم وفصل التخاصم أولى وأحرى وفى ذلك دليل لقول من قال :( إنه يجب على المسلمين نصب الأئمة والولاة والحكام ) نيل الأوطار 9/157 .
___________________________________(1/7)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لاقيام للدين ولا للدنيا إلا بها فإن بنى آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالإجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولابد لهم عند الإجتماع من رأس حتى قال النبى - صلى الله عليه وسلم - " إذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا أحدهم " رواه أبو داود من حديث أبى سعيد وأبى هريرة ورواه الإمام أحمد فى المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال " لايحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم " فأوجب - صلى الله عليه وسلم - تأمير الواحد فى الإجتماع القليل العارض فى السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الإجتماع ولأن الله - سبحانه وتعالى - أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولايتم ذلك إلا بقوة وإمارة وكذلك سائر ماأوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لاتتم إلا بالقوة والإمارة .أهـ .
تنبيه :
يتضح من كلام الأئمة السابق أن نصب افمارة ليس قاصراً على ولاية السفر بل هو أمر عام فى السفر والحضر وهذا الفهم من العلماء بخلاف مايتوهمه البعض .
___________________________________
الثانية :- الإنعدام الشرعى :
كما لو ارتد الإمام عن الإسلام أو بدل الشرائع وغير الأحكام فسقطت بذلك بيعته وانحلت عقدة إقامته وإن بقى فى موقعه قابضاً على أزمة الأمور .
قال الإمام النووى فى شرح مسلم 6/20 قال القاضى عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لاتنعقد لكافر وعلى أنه لوطرأ عليه الكفر إنعزل ، قال وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها .(1/8)
قال القاضى : فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكمه الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إما عادل إن أمكنهم ذلك فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ولايجب فى المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه فإن تحققوا العجز لم يجب القيام وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه .أهـ.
ومحل الفرار فيما إذا لم يكن للمرء مدخل فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإنقاذ المسلمين من الهلكة .
___________________________________
قال الشوكانى رحمه الله فى السيل الجرار 4/576 إن كانت المصلحة العائدة على طائفة من المسلمين ظاهرة كأن يكون له مدخل فى بعض الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أو فى تعليمه معالم الخير بحيث يكون ذلك راجحاً على هجرته وفراره بدينه فإنه يجب عليه ترك الهجرة رعاية لهذه المصلحة الراجحة لأن هذه المصلحة الحاصلة له بالهجرة تقيد مفسدة بالنسبة إلى المصلحة المرجوة بتركه للهجرة .أهـ.
ومن هنا تعلم ان القول بأن الواجب على جميع المسلمين الإعتزال بناءاً على حديث حذيفة فى الصحيح " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة " قول باطل لأن حديث حذيفة أولاً مخصوص وليس عاماً فى الأرض كلها كما سبق قول النبى - صلى الله عليه وسلم - " لاتزال عصابة من أمتى تقاتل عن هذا الدين " .
قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى فى باب ( تغير الزمان حتى تعبد الأوثان ): هذا الحديث وما أشبهه ليس المراد به أن الذين ينقطع كله فى جميع أقطار الأرض حتى لايبقى منه شئ لأنه ثبت أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أن يضعف ويعود غريباً كما بدأ .
___________________________________(1/9)
ثم ذكر حديث " لاتزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق " قال فتبين فى هذا الحديث تخصيص الأخبار الأخرى ، ثم إن الإشارة فى قول النبى - صلى الله عليه وسلم - "فاعتزل تلك الفرق كلها " إنما ترجع إلى ماسبق ذكره فى الحديث وهم الدعاة على أبواب جهنم وليس إعتزال أهل الخير .
قال الإمام النووى فى شرح مسلم 6/37 : (قال العلماء هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلالة آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة )
الواجب على المسلمين فى حالة شغور الزمان عن الإمام :
إن المتتبع لكلام اهل العلم فى إستقراء مقاصد الشرع من وجوب الخلافة والإمامة وإجتماع الأمة فى جماعة واحدة بالمنعى الثانى وهو الإجتماع تحت إمرة خليفة ، وهو بمعنى الجماعة المذكور فى قول النبى - صلى الله عليه وسلم - " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان " رواه مسلم ، يظهر له بوضوح أن الغرض من الإمامة هو إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين أى إقامة الواجبات الشرعية المنوطة بالأمة الإسلامية .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فى مجموع الفتاوى 34/175:
___________________________________
خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطاباً مطلقاً كقوله - عز وجل - { السارق والسارقة فاقطعوا } ]المائدة38[ ، وقوله - عز وجل - { الزانية والزانى فاجلدوا } ]النور2[ ، وقوله - عز وجل - { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم } ]النور4[ ، وكذلك قوله - عز وجل - { ولاتقبلوا لهم شهادة أبداً } ]النور4[ .(1/10)
لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لابد أن يكون قادراً عليه والعاجزون لايجب عليهم وقد علم أن هذا فرض على الكفاية وهو مثل الجهاد بل هو نوع من الجهاد ، فقول { كتب عليكم القتال } ، وقوله { وقاتلوا فى سبيل الله } ، وقوله { إلا تنفروا يعذبكم } ونحو ذلك إنما هو فرض على الكفاية من القادرين والقدرة هى السلطان فلهذا وجب إقامة الحدود على ذى السلطان ونوابه .
ويقول الإمام الشوكانى رحمه الله فى السيل الجرار 3/331 عند قول المصنف (ولمن صلح لشئ ولا إمام فعله بلا نصب على الأصح )
أقول : جاء المصنف رحمه الله بهذه الكلية لما قدمه من الكلام فى عموم الولايات وينبغى أن تعلم أن تنصيب الأئمة الثابت فى هذه الشريعة ثبوتاً لاينكره من يعرفها من أقواله - صلى الله عليه وسلم - ثم وقوعه بالفعل بعد موته - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة
___________________________________
فمن بعدهم ليس فيه ماينبغى وجوب المر بالعروف والنهى عن المنكر على أفراد المسلمين وإن كان الأئمة هم المقدمون فى ذلك والأحقون به ولكن إذا فعلوا كان ذلك مسقطاً لهذا الفرض المعلوم بالأدلة القطعية فى الكتاب والسنة والمجمع عليه من جميع الأمة وإن لم يفعلوه أو لم يطلعوا على ذلك فالخطاب باق على أفراد المسلمين لاسيما العلماء فإن الله - سبحانه وتعالى - قد أخذ عليهم البيان للناس .
ثم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : وليصح وجود الإمام مسقطاً لذلك ( أى الأمر بالعروف والنهى عن المنكر للمسلمين ) لكنه إذا قام بشئ منه وجب على المسلمين معاضته ومناصرته وإن لم يقم به فالخطابات المقتضية لوجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على المسلمين على العموم باقية فى أعناقهم معدودة فى أهم تكاليفهم لا خلوص لهم عنها إلا بالقيام بها على الوجه الذى أمر الله به وشرعه لعباده .أهـ. مختصراً .(1/11)
قال الإمام البغوى فى شرح السنة : إن الأمور المكولة إلى الأئمة إذا غابوا عنها فإنه يتولاها من وجد من المسلمين من غير إمرة من الأئمة والخلفاء .أهـ.
___________________________________
قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى 6/180 فى شرح حديث أنس خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال " أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبدالله بن رواحة فأصيب ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة ففتح الله عليه " قال فيه جواز التأمر فى الحرب بغير تأمير أى بغير نص من الإمام .
قال الطحاوى : هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلاً إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر .
وقال أيضاً : وقال ابن المنير يؤخذ من حديث الباب أن من تعين لولاية وتعذرت مراجعة الإمام أن الولاية تثبت لذلك المعين شرعاً وتجب طاعته حكماً ، كذا قال ولايخفى أن محله إذا إتفق الحاضرون عليه .أهـ.
قال الإمام ابن قدامة فى المغنى 8/374 : فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره وإن حصلت غنيةة قسمها أهلها على موجب الشرع .
___________________________________
قال القاضى : ويؤخر قسمة الإماء حتى يظهر إمام إحتياطاً فإن بعث الإمام جيشاً وأمر عليهم أميراً فقتل أو مات فللجيش أن يؤمروا أحدهم كما فعل أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - فى جيش مؤتة .
وقد سبق نقل كلام القاضى عياض على حديث عبادة ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ) ، ( وأنه يجب على المسلمين خلع الكافر ونصب العادل ) وذلك لايتحقق إلا بشوكة وقوة وهو لايحصل إلا بمطاع وإجتماع .
قال الإمام الجوينى فى الغياثى : إذا لم يصادف الناس قواماً بأمورهم يلوذون به فيستحيل أن يؤمروا بالقعود عما يقتدرون عليه من دفع الفساد فإنهم لو تقاعدوا عن الممكن عم الفساد العباد والبلاد .أهـ.(1/12)
وقد سبق ذكر إحتجاج شيخ الإسلام والإمام الشوكانى بأحاديث إمارة السفر على سائر الإجتماعات .
قال الإمام الجوينى فى الغياثى 391 : فإذا شغر الزمان عن الإمام وخلا عن سلطان ذى نجدة وكفاية ودراية فالأمور موكولة إلى العلماء وحق على الخلائق على إختلاف طبقاتهم أن يرجعوا إلى علمائهم .
___________________________________
ثم قال : فإن عسر جمعهم على واحد استبد أهل كل صقع بعالمهم وإن كثر العلماء فى الناحية فالمتبع أعلمهم وإن فرض إستواؤهم وفرضه نادر لايكاد يقع فإن اتفق فإصدار الرأى عن جميعهم مع تناقض المطالب والمذاهب محال فالوجه أن يتفقوا على تقديم واحد منهم فإن تنازعوا وتمانعوا وأفضى الأمر إلى شجار وخصام فالوجه عندى فى قطع النزع الإقراع.أهـ.
يتضح مما سبق أن الأمة الإسلامية مطالبة بالأوامر الشرعية التى يسميها العلماء فروض الكفاية وهى فى أكثرها لايمكن لفرد ولا لأفراد متفرقين القيام بها بل المة فى مجموعها والأئمة وكلاء عنها فى إقامتها وهى تشمل :-
إقامة الجمع والجماعات والأعياد والتعلم لجميع أحكام الديانة حتى يوجد العلماء المجتهدون فى كل جماعة فى قرية أو مدينة أو حصن .
كما يقول ابن حزم : والحسبة والإمارة والخلافة والجهاد بنوعيه الدفع والطلب ونظام القضاء والحكم بين الناس بمقتضى الشريعة الإسلامية .
وتنفيذ هذه الأحكام من حدود وحقوق وتعزيزات وغيرها ، ونظام المال الإسلامى القائم على سد حاجات المسلمين وخاصة فقراءهم وأراملهم وأيتامهم وغيرهم .
___________________________________(1/13)
ووجود أنواع المهن والصناعات التى يحتاج إليها المسلمون وغير ذلك مما بينه أهل العلم وأدلته من كتاباً وسنة وإجماعاً من أوضح الأدلة : وهى كما يرى كل مصنف مضيعة فى واقعنا الحاضر جزئياً أو كلياً فى الأقطار إما واقعياً فى البلاد التى يتولى حكامها زمام الأمور بإسم الإسلام أو واقعياً ورسمياً معاً فى البلاد التى يتولى حكامها الأمور بإسم القانون والدستور ويقسمون على إحترامه وحمايته فالعقد بينهم وبين ممثلى الأمة فى زعمهم لم يتم على إقامة هذا الدين وبالتالى فهم لم يقوموا به وبالتالى وقعت ولايتم أصلاً باطلة شرعياً ،وإن كانت مفروضة واقعاً على المسلمين لكنها لاتحقق شيئاً من هذه الفروض فهل تسقط هذه الفروض عن المسلمين أم هل هم يفعلونها الآن أم هل يمكن للأفراد المتفرقين القيام بها .
الحق أنه لم يقل ذلك فى الماضى إلا الخوارج ولايقول به فى زماننا إلا من ينكر شرعية قيام الجماعات الإسلامية لأداء هذه الواجبات لأن هذه الواجبات لا تقام إلا بالتعاون ولا يتم التعاون والإجتماع إلا بقيادة وطاعة
وجندية كما هى من فطرة جميع البشر وكما نص العلماء فى شروط إعتبار الطائفة باغية وليست من قطاع الطرق وجود التأويل والشوكة قالوا ولا تتحقق الشوكة إلا بمطاع وهذا مقطوع به ( روضة الطالبين جـ1 ) .
___________________________________
ونحن بلاشك لاننكر إمكانية القيام ببعض هذه الصور دون قيادة كغسل ميت وتكفينه ولكن هل يتصور إقامة الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإقامة الخلافة إلا بإجتماع وطاعة وقيادة ولاشك أن هذه الأمور لاتوجد فى الأمة بين يوم وليلة بل هى من أشق المور فى التربية والتنشئة ولابد من السير على مبادئها للوصول إلى غاياتها ومن يتصور الوصول إلى الغايات وهو يهدم المبادئ وينكرها فلاشك أنه يتناقض(1/14)
والصورة المثلى لعودة الخلافة من غيبتها أن يكون أهل الحل والعقد من أهل السنة والجماعة مجتمعين على مطاع هو أمثل أهل العلم منهم للقيام بالمقدور عليه من فروض الكفاية فإن تعذر ذلك إستقل كل أهل بلد بعالمهم إلى أن يتيسر جمعهم وإن كان لابد لهم أن يأخذوا بالأسباب التى تؤدى إلى جمعهم لأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
قال الجوينى رحمه الله : ( أما ما يسوغ إستقلال الناس فيه بأنفسهم ولكن الأدب يقتضى فيه مصالحة ذوى الأمر ومراجعة مرموق العصر يعنى
الإمام كعقد الجمع وجر العساكر إلى الجهاد وإستيفاء القصاص فى النفس والطرف فيتولاه من الناس عند خلو الدهر يعنى من الإمام طوائف من ذوى النجدة والبأس ).أهـ. وانظر إلى قوله طوائف فإنه يدل على المقصود .
___________________________________
ثم يقول رحمه الله : وقد قال العلماء : لو خلى الزمان عن السلطان فحق على قطان كل بلدة وسكان كل قرية أن يقدموا من ذوى الأحلام والنهى وذوى العقول والحجى من يلتزمون إمتثال إشارته وأوامره وينهون عن مناهيه ومزاجرة فإنهم إن لم يفعلوا ذلك ترددوا عند إلمام المهمات ولو إنتدب جماعة فى قيام الإمام أى وجوده للغزولت وأوغلوا فى مواطن المخالفات التى كانت تعين عليهم أن ينصبوا من يرجعون إلى رأيه
وقد سبق كلام النووى والخطاب على غزوة مؤتة فهذه كلمات الأئمة العلماء فى الإستدلالبالقواعد الشرعية والعمومات القرآنية والنبوية على الإجتماع والإلتزام بقيادة أهل العلم للقيام بالواجبات الشرعية فإن تجرأ زاعم بأن العمل الجماعى بدعة لم يعرفها السلف فهذه وغيرها من التقول توضح قول العلماء بمناهج السلف مع أن أفعال السلف وأقوالهم تدل على ذلك وتأمل ماذكره العلماء فى الحسبة فى جمع الأعوان للقيام بهذا الواجب
وجوازه بل وجوبه مالم تخشى فتنة ( راجع إحياء علوم الدين ، صحيح مسلم وغيرها ) .
___________________________________(1/15)
قال ابن كثير رحمه الله فى البداية والنهاية 11/14 : وفى بكرة يوم الجمعة المذكور دار الشيخ تقى الدين ابن تيمية رحمه الله وأصحابه على الخمارات والحانات وكسروا آنية الخمور وشققوا الظروف وأراقوا الخمور وعزروا جماعة من أهل الحانات المتخذة لهذه الفواحش .
وقال عن شيخ الإسلام أيضاً 15/14 : وقال لهم يعنى للسلطان ومن معه إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطاناً يحوطه محمية ويستغله فى زمن الأمن .
فالجماعات الإسلامية المعاصرة ينبغى أن يُعلم أنها مرحلة متوسطة تهدف إلى إقامة جماعة المسلمين عن طريق القيام بما تقدر عليه من فروض الكفاية من الدعوة والحسبة والتعليم والإفتاء ونظام المال من جمع زكاة وتفريقها ورعاية اليتامى والمساكين وإقامة الجمع والأعياد والجهاد فى سبيل الله كما فى أفغانستان وأولى الناس بالوصول إلى الغاية هم السائرون على منهج أهل السنة والجماعة لأن من سواهم قد فارق الجماعة بمعناها العلمى
___________________________________
وبالتالى فإجتماعهم على منهج بدعى أو يشتمل على جمل من المخالفات المتناثرة التى ترقى أن تكون بمثابة أصل بدعى ليس مأموراً به.
ولذا كان التعدد الناشئ عن إختلاف المناهج بين أهل السنة وبين غيرهم تعدداً مذموماً وباطلاً وغير مشروع ويتحمل إثم تقطيع الروابط ووجود الأمراض من غيبة ونميمة وحق وضغينة أهل البدع الذين خالفوا أهل السنة ، وأهل يجب ان يعاملوهم بمقتضى الشرع دون تجاوز فى ذلك .
وأما التعدد الناشئ عن تعدد القيادة مع إتحاد المنهج فلاشك أن يلزم إزالته بالإجتماع على الأمثل من اهل العلم ، فهذا مانص على وجوب العلماء كما نقل الجوينى عنهم ذلك دون تخصيص لبعضهم .(1/16)
وأما التعدد الناشئ عن تنوع الواجبات لمن يقوم بمن لايقوم به غيره وكذا الناشئ عن إختلاف البلاد وتباعدها وعدم إمكانية إدارتها بإدراة واحدة فهذا لاحرج فيه لأنه متكامل يوشك أن يتحد بإذن الله على زيادة العمل وإتساعه فإن من عمل بطاعة الله وفقه الله لطاعات غيرها والبركة فى الإجتماع مضاعفة والأمل والحماس للعمل لدين الله من أعظم أسباب القوة فى الحق بإذن الله .
___________________________________
وإذا كان هذا هو أصل مشروعية العمل الجماعى فاإجابة عن السؤال التقليدى عن حكمه هل هو واجب أو مستحب هو الأمر مرتبط بالمقصود
فإذا كان الأمر واجباً كإقامة الجمعة مثلاً كان تنفيذ الأمر الصادر من عالم البلد ومطاع أهل السنة واجباً فمن قصر فيه حتى وقع محظور شرعى من ترك إقامة الجمعة مثلاً لتخلف الخطيب فصلاها الناس ظهراً أو تقدم مبتدع ضال أضل الناس ونشر البدعة إثم من قصر فى هذا الواجب وكذلك إذا كان ترك الإجتماع مؤدياً وهو بلا شك مؤدى إلى تأخير النصر فى الجهاد أو إلى هزيمة المسلمين وتمكن أعدائهم منهم فيأثم من خالف مطاع أهل العلم والسنة .
وأما إذا كان الأمر مستحباً كقيام ليل أو قيا تطوع ونحوه فلا تكون الطاعة واجبة وإنما هى مستحبة مالم يكن فى ترك هذا المستحب تضييع لواجب أو تسبباً فى حرام كمن عين لإقامة الناس فى التراويح فتركه فتقدم من لايحسن القراءة أو من ينفر الناس أو يضلهم فيترك الناس الجماعة فى العشاء الواجبة مثلاً وهذا فى الحقيقة مأخوذ مما بينه أهل العلم كما سبق نقله
وإذا كان هناك من يدعى أن العمل الجماعى بدعة فإنه يوجد أيضاً من يزعم أن جماعته هى جماعة المسلمين التى من فارقها مات ميتة جاهلية وهذا
___________________________________(1/17)
الخطأ مما يحتج به من يرى بدعية العمل الجماعى ولا يعالج الخطأ بالخطأ بل لابد من التنبيه على الفرق بين المرحلة التى لم توجد فيها جماعة المسلمين التى تجمعهم وبين وجودها بالفعل .
فالجماعات الإسلامية كما ذكرنا جماعات من المسلمين وليست جماعة المسلمين وإنما يلزمها السعى إليها ولاشك أن مراعاة الواقع وعذر من خالف فى مثل هذه الأحوال التى يلتبس فيها الحق بالباطل أمر لازم والغلو فى الإنتماء إلى درجة التعصب الممقوت الذى ينبنى عليه الولاء والبراء على مجحرد الإسم لابد من الحرزمنه وليعالج بتعميق معانى الإيمان فى النفوس
وتربية الناس على نصرة الحق لا الأسماء والشخاص والحب فى الله والبغض فى الله لا التقليد الأعمى والتعصب المذموم فالنبى - صلى الله عليه وسلم - عندما سمع بدعوى الجاهلية مع أنها كانت تحت أسماء شريفة هى المهاجرين والأنصار نهاهم عنها بقوله " دعوها فإنها منتنة " من غير أن يلغى إسم المهاجرين وإسم الأنصار وإنما نهاهم عن الجاهلية فهذا هو التوسط الواجب فى علاج هذا الأمر لا كما يقوله البعض بحرمة التسمى بأى إسم مطلقاً سوى إسم الإسلام ظاناً أن نصرة الأسماء تناقض التسمى بإسم الإسلام وهذا وهم
___________________________________
عظيم شنيع تأباه نصوص الكتاب والسنة من وجود التسميات الدالة على المعانى الجملية كأنصار الله والطائفة المنصورة وأهل السنة والجماعة .
وأما عمل السلف وأهل العلم فلا يزال يوصف العلماء بأنهم عراقيين أو شاميين أو حجازيين دون تعقب ودون إلغاء أيضاً للأسماء وبعد ذلك وجدك أسماء المذاهب نسبة إلى أصحابها من حنفية ومالكية وشافعية وحنابلة وحتى عندما وجد التعصب لم يلغ العلماء التسمى بهذه الأسماء وإنما نهوا عن التعصب المذموم والتقليد الأعمى فهذا سلوك أهل الحق .(1/18)
وعلاج المرض هو الواجب لا قتل المريض تخلصاً من المرض ، فالجماعات الإسلامية المعاصرة أمل الأمة ونبض حياتها ومادة عزتها وبعثها بإذن الله فالقضاء عليها قتل للأمة ندعوا الله أن لا يقع أبداً .(1/19)