|
المؤلف : أبوحسام الدين الطرفاوي
تم استيراده من نسخة : المكتبة الشاملة المكية
العائن
وخطره على المجتمع
أبوحسام الدين الطرفاوي
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)([آل عمران آية: (102)]
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )[النساء آية: (1)]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)([الأحزاب آية : (71،70)]
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ( وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فإن العين حق ، فقد أخبر بذلك سيد المرسلين ( ولولا أن كل شئ بقدر الله تعالى ولا يقع شئ في ملك الله إلا بمشئته لسبقت عين الإنسان كل شئ .
(1/1)
ومن أجل تأذى الكثير من الناس بسبب العين ، وهي طبيعة يخلقها الله تبارك في عبد من عباده ، عندما ينظر للشئ يعجبه يصيبه بالأذى ، دون أن يدري أو يدري ، فهناك فريق من العائنين من يتحدى بعينه ، ويضر بغيره ، وهذا من الشر المستطير الذي حل ببعض الناس ابتلاء ، ولا علاقة للعين بالصلاح أو غيره ، فقد تكون العين في رجل صالح ، وهذا ما وقع في الصحابي عامر بن ربيعة رضي الله عنه ، وقد عان أحد الصحابة في ذلك ، ولكن على من ابتلاه الله بهذا البلاء أن يدعو بالبركة لكل ما يراه لئلا يصبه بأذى دون أن يدري ، وكذلك من سمع عن شئ أعجبه ، فليبرك لأصحابه ، لأن العين قد تصيب على السمع أيضا .
ولذلك أفرد هذه الرسالة في توضيح العين وأسبابها والوقاية منها وطرق العلاج ممن أصابته عين سائلا الله تعالى أن ينفعني به والمسلمين وأن يجعله خالصا لوجه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وسلم
وكتبه
أبوحسام الدين الطرفاوي
سيف النصر علي عيسى
*
أولاً : معنى العائن
1 ـ لغة : جاء في مختار الصحاح (1/195) :
عَانَهُ من باب باع أصابه بعينه فهو عَائِنٌ وذاك مَعِينٌ على النقص ومَعْيُونٌ على التمام .أ ـ هـ
2 ـ اصطلاحا : هو الذي يؤذي غيره ـ بإذن الله ـ بالنظر إليه عن دهشة وإعجاب .
وقد أخبر النبي ( أن هذه النظرة حق ولكنها غير سابقة لقدر الله تعالى ؛ بل هي من قدر الله الذي قدره في الأزل
* ثانيا : الأدلة من الكتاب والسنة على وجود العين
1 ـ القرآن :
(أ ) ـ قال تعالى في قصة داود عليه السلام مع بنيه حين أرسلهم إلى عزيز مصر :
(وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (يوسف:67)
(1/2)
والشاهد من هذه الآية : أن يعقوب عليه السلام خشي على أولاده من العين ، ولولا ذلك ما قال لهم هذا الكلام ، فدل على وجود العائن .
ـ قال ابن كثير في تفسيره :
يقول تعالى إخبارا عن يعقوب عليه السلام أنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر أن لا يدخلوا كلهم من باب واحد ؛ وليدخلوا من أبواب متفرقة ؛ فإنه كما قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي ، وغير واحد : إنه خشي عليهم العين ؛ وذلك أنهم كانوا ذوي جمال ، وهيئة حسنة ، ومنظر وبهاء ، فخشى عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم ؛ فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه .
وروى ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله تعالى : (وادخلوا من أبواب متفرقة ) قال : علم أنه سيلقى إخوته في بعض تلك الأبواب وقوله : (وما أغني عنكم من الله من شيء) ؛ أي إن هذا الإحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه ، إذا أراد شيئا لا يخالف ولا يمانع .(إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ) . أ ـ هـ (1)
ـ وقال القرطبي :
لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين ، فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد ـ وكانت مصر لها أربعة أبواب ـ وإنما خاف عليهم العين ؛ لكونهم أحد عشر رجلا لرجل واحد ، وكانوا أهل جمال وكمال وبسطة ، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم الثانية : إذا كان هذا معنى الآية فيكون فيها دليل على التحرز من العين فتكون حق . أ ـ هـ(2)
ـ وقال البغوي :
وقال لهم لما أرادوا الخروج من عنده : (يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) ؛ وذلك أنهم خاف عليهم العين ؛ لأنهم كانوا أعطوا جمالا وقوة وامتدادا قامة ، وكانوا ولد رجل واحد ، فأمرهم أن يتفرقوا في دخولهم لئلا يصابوا بالعين ؛ فإن العين حق ... وعن إبراهيم النخعي أنه قال : ذلك لأنه كان يرجو أن يروا يوسف في التفرق .
(1/3)
والأول أصح ، ثم قال : (وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) معناه : إن كان الله قضى فيكم قضاء فيصيبكم مجتمعين كنتم أو متفرقين ، فإن المقدور كائن ، والحذر لا ينفع عن القدر .
(إن الحكم ) ما الحكم (إلا لله ) هذا تفويض يعقوب أموره إلى الله (عليه توكلت) : اعتمدت (وعليه فليتوكل المتوكلون ) . أ ـ هـ(3)
(ب) وقال تعالى لنبيه :
(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) (القلم:51)
ـ قال ابن كثير :
وفي هذه الآية : دليل على أن العين إصابتها ، وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة الإصابة بالعين حق . أ ـ هـ(4)
ـ وقال القرطبي :
(ليزلقونك) : أي يعنانونك (بأبصارهم ) : أخبر بشدة عداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا أن يصيبوه بالعين ، فنظر إليه قوم من قريش وقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حججه .
وقيل : كانت العين في بني أسد حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمر بهم فيعاينها ثم يقول : يا جارية خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة ، فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر .
وكان الرجل من العرب يمكث لا يأكل شيئا يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة هالكة ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعين ، فأجابهم ، فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم أنشد :
قد كان قومك يحسبونك سيدا : وإخال أنك سيد معيون
فعصم الله النبي صلى الله عليه وسلم ، ونزلت : (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك) .
(1/4)
وذكر نحوه الماوردي ، وأن العرب إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا يعني في نفسه وماله تجوع ثلاثة أيام ، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول : تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن ، فيصيبه بعينه فيهلكه هو وماله ، فأنزل الله تعالى هذه الآية
قال القشيري : وفي هذا نظر لأن الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض . أ ـ هـ(5)
2 ـ أدلة السنة
روى البخاري (3371) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ : إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ .
قال الحافظ :
قوله : ( ومن كل عين لامة ) قال الخطابي : المراد به كل داء وآفة تلم بالإنسان من جنون وحبل .
وقال أبو عبيد : أصله من ألممت إلماما , وإنما قال " لامة " لأنه أراد أنها 0ذات لمم , وقال ابن الأنباري : يعني أنها تأتي في وقت بعد وقت , وقال لامة ليؤاخي لفظ هامة لكونه أخف على اللسان . أ ـ هـ(6)
2 ـ وروى البخاري (5783) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنْ الْعَيْنِ .
الاسترقاء : طلب الرقية : " الرُّقْيَة والرُّقَى والرَّقْي والاسْتِرْقاء في الحديث ، والرُّقْيَة : العُوذة التي يُرْقَى بها صاحِب الآفة كالحُمَّى والصَّرع وغير ذلك يمن الآفات . " (7)
3 ـ قال البخاري : باب : العين حق
(1/5)
وروى ( 5740) ٍ بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ .
الوشم : هو عملية يتم بها غرز الإبرة في الجلد حتى يسيل الدم ثم يوضع عليه أشياء ـ ككحل وغيره ـ ليصير لونها أخضر .
4 ـ وروى مسلم (2188) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا .
استغسلتم : أي طلبن من العاين الاغتسال للمعيون كما سيأتي
5 ـ وروى أيضا (2198) عن أَبي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولا : رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لآلِ حَزْمٍ فِي رُقْيَةِ الْحَيَّةِ ، وَقَالَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ : مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمْ الْحَاجَةُ ؟ قَالَتْ : لا وَلَكِنْ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ .
قَالَ : ارْقِيهِمْ
قَالَتْ : فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ
فَقَالَ : ارْقِيهِمْ .
6 ـ أخرج الترمذي (2058) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الْجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا
قَالَ أَبُو عِيسَى : وَفِي الْبَاب عَنْ أَنَسٍ ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
صحيح :
ورجاله ثقات عدى سعيد بن إياس الجريري قال ابن الجوزي في (الضعفاء والمتروكين : 1/314) :
قال كهمس : أنكرنا الجريري أيام الطاعون
وقال يحيى بن سعيد : لا ترو عنه
(1/6)
وقال عباس : اختلط الجريري إلا أنه ثقة
وقال النسائي : من سمع منه بعد الاختلاط فليس بشيء ، وكذلك ابن أبي عروبة . أ ـ هـ
قلت : وهو من رجال الصحيحين
وقد أخرجه النسائي ( 5494) من رواية عَبَّادٌ بن العوام بن عمر عَنْ الْجُرَيْرِيِّ به إلا أنه زاد (يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ ...الحديث )
7 ـ وروى ابن ماجة (3509) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ : مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ : لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ !! فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ : أَدْرِكْ سَهْلا صَرِيعًا .
قَالَ : مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ ؟
قَالُوا : عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ
قَالَ : عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؛ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلْ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ
قَالَ سُفْيَانُ : قَالَ مَعْمَرٌ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ : وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفَأَ الإِنَاءَ مِنْ خَلْفِهِ .
صحيح :
وقد أخرجه مالك في موطئه ( 1746) ، وأحمد في مسنده (15550) من طريق الزهري به .
* ثالثا : بحث لطيف للحافظ ابن حجر في هذا الباب
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني :
[ معنى العين حق ]*
قوله ** : ( باب العين حق ) أي الإصابة بالعين شيء ثابت موجود , أو هو من جملة ما تحقق كونه .
[ هل الحديث على ظاهره ؟ ]
(1/7)
قال المازري : أخذ الجمهور بظاهر الحديث , وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى , لأن كل شيء ليس محالا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل , فهو من متجاوزات العقول , فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى , وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة .
[المناسبة بين إثبات العين والنهي عن الوشم]
وقال :
قوله ( : ( العين حق , ونهى عن الوشم ) لم تظهر المناسبة بين هاتين الجملتين , فكأنهما حديثان مستقلان , ولهذا حذف مسلم وأبو داود الجملة الثانية من روايتهما مع أنهما أخرجاه من رواية عبد الرزاق الذي أخرجه البخاري من جهته , ويحتمل أن يقال : المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلا منهما يحدث في العضو لونا غير لونه الأصلي .
والوشم ـ بفتح الواو وسكون المعجمة ـ أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو نحوه فيخضر , وسيأتي بيان حكمه في " باب المستوشمة " من أواخر كتاب اللباس إن شاء الله تعالى . وقد ظهرت لي مناسية بين هاتين الجملتين لم أر من سبق إليها , وهي أن من جملة الباعث على عمل الوشم تغير صفة الموشوم لئلا تصيبه العين , فنهى عن الوشم مع إثبات العين , وأن التحيل بالوشم وغيره مما لا يستند إلى تعليم الشارع لا يفيد شيئا , وأن الذي قدره الله سيقع .
[ المقصود بالعين حق ]
وأخرج مسلم من حديث ابن عباس رفعه " العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين , وإذا استغسلتم فاغسلوا " فأما الزيادة الأولى ففيها تأكيد وتنبيه على سرعة نفوذها وتأثيره في الذات , وفيها إشارة إلى الرد على من زعم من المتصوفة أن قوله : " العين حق " يريد به القدر أي العين التي تجري منها الأحكام , فإن عين الشيء حقيقته , والمعني أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر إنما هو بقدر الله السابق لا بشيء يحدثه الناظر في المنظور .
[ الفرق بين القدر والعين ]
(1/8)
ووجه الرد أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين , وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور , لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب إما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك وأودعه فيها , وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر , وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء إذ القدر عبارة عن سابق علم الله , وهو لا راد لأمره , أشار إلى ذلك القرطبي .
وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين . لكنها لا تسبق , فكيف غيرها ؟ وقد أخرج البزار من حديث جابر بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس " قال الراوي : يعني بالعين . وقال النووي : في الحديث إثبات القدر وصحة أمر العين وأنها قوية الضرر .
[ حكم اغتسال العائن ]
وأما الزيادة الثانية وهي أمر العاين بالاغتسال عند طلب المعيون منه ذلك ففيها إشارة إلى أن الاغتسال لذلك كان معلوما بينهم , فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم , وأدنى ما في ذلك رفع الوهم الحاصل في ذلك , وظاهر الأمر الوجوب .
وحكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال : متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين , وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر وهذا أولى .
[صفة الاغتسال للمعيون ]
(1/9)
ولم يبين في حديث ابن عباس صفة الاغتسال , وقد وقعت في حديث سهل بن حنيف عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف " أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء , حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف - وكان أبيض حسن الجسم والجلد - فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال : ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة , فلبط - أي صرع وزنا ومعنى - سهل . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل تتهمون به من أحد ؟ قالوا . عامر بن ربيعة . فدعا عامرا فتغيظ علمه فقال : علام يقتل أحدكم أخاه ؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت . ثم قال : اغتسل له , فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح , ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلقه على رأسه وظهره ثم يكفأ القدح ; ففعل به ذلك , فراح سهل مع الناس ليس به بأس " لفظ أحمد من رواية أبي أويس عن الزهري , ولفظ النسائي من رواية ابن أبي ذئب عن الزهري بهذا السند أنه يصب صبة على وجهه بيده اليمنى , وكذلك سائر أعضائه صبة صبة في القدح , وقال في آخره " ثم يكفأ القدح وراءه على الأرض " ووقع في رواية ابن ماجه من طريق ابن عيينة عن الزهري عن أبي أمامة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل , فذكر الحديث وفيه " فليدع بالبركة . ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره , وأمره أن يصب عليه "
قال سفيان قال معمر عن الزهري : " وأمر أن يكفأ الإناء من خلفه "
قال المازري : المراد بداخلة الإزار الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن , قال : فظن بعضهم أنه كناية عن الفرج . انتهى .
(1/10)
وزاد عياض : أن المراد ما يلي جسده من الإزار , وقيل : أراد موضع الإزار من الجسد , وقيل : أراد وركه لأنه معقد الإزار . والحديث في " الموطأ " وفيه عن مالك " حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أباه يقول : اغتسل سهل - فذكر نحوه وفيه - فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر فقال : ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء , فوعك سهل مكانه واشتد وعكه - وفيه - ألا بركت ؟ إن العين حق , توضأ له , فتوضأ له عامر فراح سهل ليس به بأس "
( تنبيهات ) :
الأول : اقتصر النووي في " الأذكار " على قوله : الاستغسال أن يقال للعائن : اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد , فإذا فعل صبه على المنظور إليه . وهذا يوهم الاقتصار على ذلك , وهو عجيب , ولا سيما وقد نقل في " شرح مسلم " كلام عياض بطوله .
الثاني : قال المازري : هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل , فلا يرد لكونه لا يعقل معناه .
وقال ابن العربي : إن توقف فيه متشرع قلنا له : قل الله ورسوله أعلم , وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة . أو متفلسف فالرد عليه أظهر لأن عنده أن الأدوية تفعل بقواها , وقد تفعل بمعنى لا يدرك , ويسمون ما هذا سبيله الخواص .
وقال ابن القيم :
(1/11)
هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعلها مجربا غير معتقد , وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها بل هي عندهم خارجة عن القياس وإنما تفعل بالخاصية فما الذي تنكر جهلتهم من الخواص الشرعية ؟ هذا مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة , فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها , وهذا علاج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن , فكان أثر تلك العين كشعلة نار وقعت على جسد , ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة . ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها , ولا شيء أرق من المغابن , فكان في غسلها إبطال لعملها , ولا سيما أن للأرواح الشيطانية في تلك المواضع اختصاصا . وفيه أيضا وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذا , فتنطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الماء . الثالث : هذا الغسل ينفع بعد استحكام النظرة , فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة مسهل بن حنيف المذكورة كما مضى " ألا بركت عليه " وفي رواية ابن ماجه " فليدع بالبركة " ومثله عند ابن السني من حديث عامر بن ربيعة , وأخرج البزار وابن السني من حديث أنس رفعه " من رأى شيئا فأعجبه فقال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله , لم يضره " .
[من فوائد الحديث ]
وفي الحديث من الفوائد أيضا :
1 ـ أن العائن إذا عرف يقضي عليه بالاغتسال .
2 ـ وأن الاغتسال من النشرة النافعة
3 ـ وأن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من الرجل المحب , ومن الرجل الصالح
4 ـ وأن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة , ويكون ذلك رقية منه
5 ـ وأن الماء المستعمل طاهر
6 ـ وفيه جواز الاغتسال بالفضاء
7 ـ وأن الإصابة بالعين قد تقتل .
[حكم العين إذا قتل بعينه]
(1/12)
وقد اختلف في جريان القصاص بذلك فقال القرطبي : لو أتلف العائن شيئا ضمنه , ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة , وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا , انتهى .
ولم يتعرض الشافعية للقصاص في ذلك , بل منعوه وقالوا : إنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا .
وقال النووي في " الروضة " : ولا دية فيه ولا كفارة . لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال مما لا انضباط له , كيف ولم يقع منه فعل أصلا , وإنما غايته حسد وتمن لزوال نعمة . وأيضا فالذي ينشأ عن الإصابة بالعين حصول مكروه لذلك الشخص , ولا يتعين ذلك المكروه في زوال الحياة , فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين أ ـ هـ .
ولا يعكر على ذلك إلا الحكم بقتل الساحر فإنه في معناه , والفرق بينهما فيه عسر .
[موقف الحاكم من العائن ]
ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم فإنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس وأن يلزم بيته , فإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به , فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضي الله عنه بمنعه من مخالطة الناس كما تقدم واضحا في بابه , وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة .
قال النووي : وهذا القول صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه .أ ـ هـ(8)
* رابعا : شرح حديث سهل ابن حنيف
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر ـ رحمه الله ـ :
* أما غريب هذا الحديث :
ـ فالمخبأة : مهموز من خبأت الشيء إذا سترته ، وهي المخدرة المكنونة التي لا تراها العيون ، ولا تبرز للشمس فتغيرها .
يقول : (إن جلد سهل كجلد الجارية المخدرة ) إعجابا بحسنه قال عبدالله بن قيس الرقيات :
ذكرتني المخبآت لدى الحجر ينازعنني سجوف الحجال وقال إبراهيم بن هرمة :
يا لك من خلة مباعدة تكتم أسرارها وتخبؤها
ـ ولبط : صرع وسقط ، تقول : منه لبط به يلبط لبطا فهو ملبوط ، وقال ابن وهب : لبط : وعك .
(1/13)
قال الأخفش : يقال : لبط به ، ولبج به : إذا سقط إلى الأرض من خبل أو سكر أو إعياء ذلك
ـ وقال ابن وهب في قوله : (داخلة إزاره ) هو الحقو يجعل من تحت الإزار في حقوه ، وهو طرف الإزار الذي تعطفه إلى يمينك ثم تشد عليه الازرة .
قال : وهذا قول مالك ، وفسره ابن حبيب بنحو ذلك أيضا
قال : داخلة الإزار : هو الطرف المتدلي الذي يضعه المؤتزر أولا على حقوه الأيمن .
وقال الأخفش : داخلة إزاره : الجانب الأيسر من الإزار الذي تعطفه إلى يمينك ثم تشد الإزار .
وقال أبو عبيد : طرف إزاره : الداخل الذي يلي جسده ، وهو يلي الجانب الأيمن من الرجل ؛ لأن المؤتزر إنما يبدأ بجانبه الأيمن فذلك الطرف يباشر جسده فهو الذي يغسل .
قال أبو عمر : الإزار هو المئزر عندنا ، فما التصق منه بخصر هو سرته ، فهو داخلة إزاره .
* وأما ما في هذا الحديث من المعنى :
1 ـ ففيه الاغتسال بالعراء في السفر وذلك بين في هذه الرواية في هذا الحديث .
2 ـ وفيه أن النظر إلى المغتسل مباح ، إذا لم ينظر منه إلى عورة ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لعامر : لم نظرت إليه ؛ وإنما عاتبه على ترك التبريك .
3 ـ وقد يستحب العلماء أن لا ينظر الإنسان إلى المغتسل خوفا أن تقع عين الناظر منه على عورة وليس بمحرم النظر منه عورة
4 ـ وفيه ما يدل على أن في طباع البشر الإعجاب بالشيء الحسن والحسد عليه ، وهذا لا يملكه المرء من نفسه فلذلك لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ؛ وإنما عاتبه على ترك التبريك الذي كان في وسعه وطاقته .
5 ـ وفيه أن العين حق وأنا تصرع وتودي وتقتل ، وقد روى في حديث سهل هذا :( أن العين حق ) من حديث مالك عن محمد بن أبي أمامة عن أبيه .
....
6 ـ وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (علام يقتل أحدكم أخاه ) دليل على أن العين ربما قتلت وكانت سببا المنية
(1/14)
..... وقد ذكرت في باب محمد بن أبي أمامة من هذا الكتاب زيادة في هذا المعنى وشرحا والحمد لله
7 ـ وفي تغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عامر بن ربيعة دليل على أن تأنيب كل من كان منه أو بسببه سوء وتوبيخه مباح وان كان الناس كلهم يجرون تحت القدر ؛ ألا ترى أن القاتل يقتل وإن كان المقتول يموت بأجله
وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا عبدالصمد قال حدثنا أبو هاشم صاحب الزعفراني قال قلت للحسن رجل قتل رجلا أبأجله قتله قال قتله بأجله وعصى ربه
قال أبو عمر : وكذلك يوبخ كل من كان منه أو بسببه سوء وإن كان القدر قد سبق له بذلك
8 ـ وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ( لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين ) دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له ، وإن العين لا تسبق القدر ؛ ولكنها من القدر
9 ـ وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا بركت !) دليل على أن العين لا تضر ، ولا تعدو إذا برك العائن ؛ وأنها إنما تعدو إذا لم يبرك .
* [حكم التبريك وكيفيته ]
فواجب على كل من أعجبه شيء أن يبرك ؛ فإنه إذا دعا بالبركة صرف الله المحذور لا محالة والله أعلم
والتبريك أن يقول : تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه
10 ـ وفيه : أن العائن يؤمر بالاغتسال الذي عانه ويجبر عندي على ذلك أن أباه ؛ لأن الأمر حقيقته الوجوب ، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به ؛ يتحقق هو لا سيما إذا كان بسببه وكان الجاني عليه فواجب على العائن الغسل عندي والله أعلم
* [حكم النشرة وأخذ الأجرة عليها ]
11 ـ وفيه إباحة النشرة وإباحة عملها
وقد قال الزهري في ذلك : أن هذا من العلم
(1/15)
وإذا كانت مباحة ! فجائز أخذ البدل عليها ، وهذا إنما يكون إذا صح الانتفاع بها ، فكل ما لا ينتفع به بيقين فأكل المال عليه باطل محرم ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالنشرة للمعين ، وجاء ذلك عن جماعة من أصحابه ، منهم سعد بن أبي وقاص خرج يوما وهو أمير الكوفة فنظرت إليه امرأة فقالت : إن أميركم هذا لأهضم الكشحين فعانته ، فرجع إلى منزله فوعك ، ثم أنه بلغه ما قالت : فأرسل إليها فغسلت له أطرافها ، ثم اغتسل به فذهب ذلك عنه .
* [كيفية الاغتسال كما ورد عن الزهري]
وأحسن شيء في تفسير الاغتسال للمعين ما وصفه الزهري وهو راوي الحديث ذكر ذلك عنه ابن أبي ذئب وغيره .....
قال : وقال الزهري : أن هذا من العلم ، يغتسل له الذي عانه : يؤتى بقدح من ماء فيدخل يده في القدح فيمضمض ويمجه في القدح ، ويغسل وجهه في القدح ، ثم يصب بيده اليسرى على كفه اليمنى ، ثم بكفه اليمنى على كفه اليسرى ، ثم يدخل بيده اليسرى فيصب بها على مرفق يده اليمنى ، ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى ، ثم يغسل قدمه اليمنى ، ثم يدخل اليمنى فيغسل قدمه اليسرى ، ثم يدخل يده اليمنى فيغسل الركبتين ، ثم يأخذ داخلة إزاره فيصب على رأسه صبة واحدة ، ولا يضع القدح حتى يخلو .
وزاد ابن حبيب في قول الزهري هذا حكاه عن الحنفي عن ابن أبي ذئب عن الزهري : يصب من خلفه صبة واحدة يجري على جسده ولا يوضع القدح في الأرض
قال : ويغسل أطرافه المذكورة كلها وداخلة إزاره في القدح . أ ـ هـ(9)
* خامسا : الحكمة من غسل العائن
قال ابن القيم :
يؤمر العائن بغسل مغابنه وأطرافه وداخله إزاره .
وفيه قولان :
أحدهما : أنه فرجه
والثاني : أنه طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده من الجانب الأيمن ، ثم يصب على رأس المعين من خلفه بغتة .
وهذا مما لا يناله علاج الأطباء ، ولا ينتفع به من أنكره أو سخر منه أو شك فيه أو فعله مجربا لا يعتقد أن ذلك ينفعه (10)
(1/16)
وإذا كان في الطبيعة خواص لا تعرف الأطباء عللها البتة ؛ بل هي عندهم خارجة عن قياس الطبيعة ، تفعل بالخاصية ، فما الذي ينكره زنادقتهم وجهلتهم من الخواص الشرعية ؟ هذا مع أن في المعالجة بهذا الاستغسال ما تشهد له العقول الصحيحة ، وتقر لمناسبته.
فاعلم أن ترياق سم الحية في لحمها ، وأن علاج تأثير النفس الغضبية في تسكين غضبها ، وإطفاء ناره بوضع يدك عليه والمسح عليه ، وتسكين غضبه ، وذلك بمنزلة رجل معه شعلة من نار ، وقد أراد أن يقذفك بها فصببت عليها الماء وهي في يده حتى طفئت .
ولذلك أمر العائن أن يقول : "اللهم بارك عليه " ؛ ليدفع تلك الكيفية الخبيثة بالدعاء الذي هو إحسان إلى المعين ، فإن دواء الشيء بضده ، ولما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد ؛ لأنها تطلب النفوذ فلا تجد ارق من المغابن وداخلة الإزار ، ولا سيما إن كان كناية عن الفرج ، فإذا غسلت بالماء بطل تأثيرها وعملها ، وأيضا فهذه المواضع للأرواح الشيطانية بها اختصاص ، والمقصود : أن غسلها بالماء يطفئ تلك النارية ، ويذهب بتلك السمية وفيه أمر آخر : وهو وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها تنفيذا ، فيطفئ تلك النارية والسمية بالماء ، فيشفي المعين .
وهذا كما أن ذوات السموم إذا قتلت بعد لسعها خف أثر اللسعة عن الملسوع ووجد راحة ، فإن أنفسها تمد أذاها بعد لسعها وتوصله إلى الملسوع فإذا قتلت خف الألم وهذا مشاهد ، وإن كان من أسبابه فرح الملسوع واشتفاء نفسه بقتل عدوه فتقوى الطبيعة على الألم فتدفعه ، وبالجملة : غسل العائن يذهب تلك الكيفية التي ظهرت منه ، وإنما ينفع غسله عند تكيف نفسه بتلك الكيفية ، فإن قيل : فقد ظهرت مناسبة الغسل فما مناسبة صب ذلك الماء على المعين ؟
(1/17)
قيل : هو في غاية المناسبة فإن ذلك الماء ماء طفئ به تلك النارية وابطل تلك الكيفية الرديئة من الفاعل ، فكما طفئت به النارية القائمة بالفاعل طفئت به ، وأبطلت عن المحل المتأثر بعد ملابسته للمؤثر العائن ، والماء الذي يطفأ به الحديد يدخل في أدوية عدة طبيعية ذكرها الأطباء فهذا الذي طفئ به نارية العائن لا يستنكر أن يدخل في دواء يناسب هذا الداء .
[الفرق بين الطب النبوي وطب الطبائعية ]
وبالجملة : فطب الطبائعية وعلاجهم بالنسبة إلى العلاج النبوي كطب الطرقية بالنسبة إلى طبهم ؛ بل أقل ، فإن التفاوت الذي بينهم وبين الأنبياء أعظم ، وأعظم من التفاوت الذي بينهم وبين الطرقية بما لا يدرك الإنسان مقداره ، فقد ظهر لك عقد الإخاء الذي بين الحكمة والشرع وعدم مناقضة أحدهما للآخر ، والله يهدي من يشاء إلى الصواب ويفتح لمن أدم قرع باب التوفيق منه كل باب وله النعمة السابغة والحجة البالغة . أ ـ هـ(11)
* سادسا : أنواع العيون
العيون بالنسبة للعائن إثنان :
عين إنسية
والعين الثانية : عين جنية
فإن الجن يعين كما تعين الإنس .
روى ابن ماجة ( 3511) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ ، ثُمَّ أَعْيُنِ الإِنْسِ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَهُمَا وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ .(12)
وروى البخاري (3759) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ ، فَقَالَ : اسْتَرْقُوا لَهَا ؛ فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ .
السفعة : أثر تغير بالبشرة فيها بعض السواد أو الاحمرار
وقال ابن القيم :
والعين عينان :
ـ عين إنسية
ـ وعين جنية .
(1/18)
فقد صح عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سعفة ، فقال : استرقوا لها فإن بها النظرة.
قال الحسين بن مسعود الفراء : وقوله : ( سعفة) أي نظرة يعنى من الجن ، يقول : بها عين أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح . أ ـ هـ(13)
وقال الحافظ في الفتح :
واختلف في المراد بالنظرة فقيل : عين من نظر الجن , وقيل من الإنس وبه جزم أبو عبيد الهروي , والأولى أنه أعم من ذلك وأنها أصيبت بالعين فلذلك أذن صلى الله عليه وسلم في الاسترقاء لها , وهو دال على مشروعية الرقية من العين على وفق الترجمة . أ ـ هـ (14)
* سابعا : أراء الناس في حقيقة العين وكيفية إيذائها
قال العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله :
فأبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين ، وقالوا : إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها ، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل ، ومن أغلظهم حجابا وأكثفهم طباعا وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها .
وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ، ولا تنكره وإن اختلفوا في سببه وجهة تأثير العين
فقالت طائفة :
إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة ؛ انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيتضرر .
قالوا : ولا يستنكر هذا كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان فيهلك ، وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك ، فكذلك العائن
وقالت فرقة أخرى :
لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية ، فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه فيحصل له الضرر
وقالت فرقة أخرى :
قد أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضرر عند مقابلة عين العائن من غير أن يكون منه قوة ولا سبب ولا تأثير أصلا .
(1/19)
وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتأثيرات في العالم ، وهؤلاء قد سدوا على أنفسهم باب العلل والتأثيرات والأسباب ، وخالفوا العقلاء أجمعين .
ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة ، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ، ولا يمكن لعاقل إنكار الأرواح في الأجسام ؛ فإنه أمر مشاهد محسوس ، وأنت ترى الوجه وكيف يحمر حمرة شديد إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه ، ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه ، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر ، وتضعف قواه ، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح ، ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها وليست هي الفاعلة ؛ وإنما التأثير للروح ، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها :
فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا ؛ ولهذا أمر الله سبحانه ورسوله أن يستعيذ به من شره .
وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية ، وهو اصل الإصابة بالعين ؛ فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة ، وتقابل المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصية ، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى ؛ فإن السم كامن فيها بالقوة ، فإذا قابلت عدوها انبعث منها قوة غضبية ، وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية ، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين ، ومنها ما تؤثر في طمس البصر كما قال النبي في الأبتر وذي الطفيتين من الحيات إنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل (15)
ومنها ما تؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به ؛ لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة .
والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة ؛ بل التأثير يكون تارة بالاتصال ، وتارة بالمقابلة ، وتارة بالرؤية ، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه ، وتارة بالأدعية والرقى والتعوذات ، وتارة بالوهم والتخيل .
(1/20)
ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية ؛ بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره .
وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية وقد قال تعالى لنبيه : (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ )(القلم: من الآية51)
وقال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (الفلق:1 ـ 5)
فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنا
فلما كان الحاسد أعم من العائن ، كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن ، وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسودة ، والمعين تصيبه تارة ، وتخطئه تارة ، فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه أثرت فيه ولا بد ، وإن صادفته حذرا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه ، وربما ردت السهام على صاحبها ، وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء فهذا من النفوس والأرواح ، وذاك من الأجسام والأشباح ، وأصله من إعجاب العائن بالشيء ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين ، وقد يعين الرجل نفسه وقد يعين بغير إرادته بل بطبعه ، وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني . أ ـ هـ(16)
* ثامنا : علاج المصاب بالعين
ذكر ابن القيم رحمه الله جملة من العلاج النبوي لهذه العلة فقال :
فمن التعوذات والرقي الإكثار من قراءة المعوذتين وفاتحة الكتاب وآية الكرسي
ومنها : التعوذات النبوية نحو أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق
ونحو : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة
(1/21)
ونحو : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن
ومنها : أعوذ بكلمات الله التامة من غضبة وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون
ومنها : اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم اللهم إنه لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك سبحانك وبحمدك
ومنها : أعوذ بوجه الله العظيم الذي لا شيء أعظم منه وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته إن ربي على صراط مستقيم
ومنها : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلا بالله أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وإن شاء قال تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء واعتصمت بربي ورب كل شيء وتوكلت على الحي الذي لا يموت واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الرب من العباد حسبي الخالق من المخلوق حسبي الرازق من المرزوق حسبي الذي هو حسبي حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير الله مرمى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم .
(1/22)
ومن جرب هذه الدعوات والعوذ عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها وقوة نفسه واستعداده وقوة توكله وثبات قلبه فإنها سلاح والسلاح بضاربه .
فصل : وإذا كان العائن يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين فليدفع شرها بقوله اللهم بارك عليه كما قال النبي لعامر بن ربيعة لما عان سهل ابن حنيف : إلا بركت أي قلت اللهم بارك عليه ومما يدفع به إصابة العين قول ما شاء الله لا قوة إلا بالله . أ ـ هـ(17)
* تاسعا : الوقاية من العين
هناك طرق عديدة للوقاية من الإصابة من العين منها :
1 ـ ستر محاسن من يخاف عليه العين
قال ابن القيم :
ومن علاج ذلك أيضا ، والاحتراز منه : ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه كما ذكر البغوي في " كتاب شرح السنة " أن عثمان رضي الله عنه رأى صبيا مليحا فقال : دسموا نونته لئلا تصيبه العين .
ثم قال في تفسيره : ومعنى (دسموا نونته) أي سودوا نونته والنونة : النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير
وقال الخطابي في "غريب الحديث" له : عن عثمان إنه رأى صبيا تأخذه العين فقال: دسموا نونته
فقال أبو عمرو : سألت أحمد بن يحيى عنه ؟. فقال : أراد بالنونة : النقرة التي في ذقنه .
والتدسيم : التسويد ، أراد : سودوا ذلك الموضع من ذقنه ليرد العين قال : ومن هذا حديث عائشة أن رسول الله خطب ذات يوم وعلى رأسه عمامة دسماء أي سوداء أراد الاستشهاد على اللفظة ومن هذا أخذ الشاعر قوله :
ما كان أحوج الكمال إلى عيب يوقيه من العين . أ ـ هـ(18)
2 ـ تعويذ الأطفال بتعويذة إبراهيم عليه السلام
(1/23)
روى البخاري (3371) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ : إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ .
3 ـ أن يحصن الإنسان نفسه إذا نزل منزلا
روى مسلم (2708) عن سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ تَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ نَزَلَ مَنْزِلا ثُمَّ قَالَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ .
4 ـ إذا رأى الإنسان شيئا يعجبه يدعو له بالبركة
وذلك كما قال النبي ( لعامر بن ربيعة : إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ .
5 ـ وفي النهاية يعتقد الإنسان أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن كل شئ بقدر الله قال تعالى : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:51)
* عاشرا : مواقف للعائنين
هناك مواقف للعائنين ذكرها العلماء في كتبهم نختار بعضها ليعرف الإنسان مدى تأثير العين على الأشياء .
الموقف الأول : قال الأصمعي ـ رحمه الله ـ :
رأيت رجلا عيونا سمع بقرة تحلب فأعجبه صوت شخبها فقال :
أيتهن هذه ؟
قالوا : الفلانية ـ لبقرة أخرى يورون عنها ـ
فهلكتا جميعا ـ الموري منها والمورى عنها . أ ـ هـ
الشخب : صوت الحليب وهو يخرج من ثديها
الموقف الثاني : وقال أيضا :
وسمعته يقول إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني .
(1/24)
الموقف الثالث : وقال أيضا :
وكان عندنا رجلان يعنان الناس ، فمر أحدهما بحوض من حجارة فقال : تالله ما رأيت كاليوم قط ، فتطاير الحوض فرقتين ، فأخذه أهله فضببوه
الموقف الرابع : قال ابن عبد البر :
أخبرنا عبدالوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا مؤزر ، حدثنا سفيان ، حدثنا حصين ، عن هلال بن يساف ، عن سحيم بن نوفل قال : كنا عند عبدالله نعرض المصاحف فجاءت جارية أعرابية إلى رجل منا فقالت : فلانا قد لقع مهرك بعينه وهو يدور في فلك لا يأكل ولا يشرب ولا يبول ولا يروث فالتمس له راقيا
فقال عبدالله : لا نلتمس له راقيا ؛ ولكن ائته فانفخ في منخره الأيمن أربعا ، وفي الأيسر ثلاثا ، وقل : لا بأس أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت ، فقام الرجل فانطلق فما برحنا حتى رجع فقال لعبدالله : فعلت الذي أمرتني به فما برحت حتى أكل وشرب وبال وارث . أ ـ هـ
الموقف الخامس : وقال أيضا
وحكى المدائني عن الأصمعي قال حج هشام بن عبد الملك فأتى المدينة فدخل عليه سالم بن عبدالله بن عمر فلما خرج من عنده قال هشام ما رأيت ابن سبعين أحسن كدنة منه فلما صار سالم في منزله حم فقال أترون الأحول لقعني بعينيه فما خرج هشام من المدينة حتى صلى عليه . أ ـ هـ(19)
الموقف السادس :
خرج سعد بن أبي وقاص يوما وهو أمير الكوفة ، فنظرت إليه امرأة فقالت : إن أميركم هذا لأهضم الكشحين ، فعانته ، فرجع إلى منزله فوعك ، ثم إنه بلغه ما قالت فأرسل إليها فغسلت له أطرافها ، ثم اغتسل به فذهب ذلك عنه .(20)
وفي الخاتمة
أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى ، وأن يسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ، وأن يجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين ، وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وسلم .
أبوحسام الدين الطرفاوي
هاتف : 086680213
محمول : 0108667913
الفهرس
(1/25)
مقدمة ........................................................... 3
أولا : معنى العين .............................................. 5
ثانيا : الأدلة من الكتاب والسنة على تأثير العين ..................5
ثالثا : بحث لطيف للحافظ بن حجر ............................. 15
رابعا : شرح حديث سهل بن حنيف ........................... 21
خامسا : الحكمة من غسل العائن ............................... 26
سادسا : أنواع العيون .......................................... 29
سابعا : أراء الناس في حقيقة العين ............................ 30
ثامنا : علاج المصاب بالعين .................................. 34
تاسعا : الوقاية من العين ...................................... 36
عاشرا : مواقف للعائنين ...................................... 38
الفهرس ...................................................... 41
(1) تفسير ابن كثير (2/485)
(1) الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي (9/226)
(2) تفسير البغوي (2/437) باختصار
(1) تفسير ابن كثير (4/410)
(1) تفسير القرطبي (18/254،255)
(1) فتح الباري لابن حجر العسقلاني (6/410)
(2) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/254)
* ما بين المعكوفتين عنواين إضافية لتوضيح المعنى
** أي : قول البخاري
(1) فتح الباري لابن حجر العسقلاني (10 /203 ـ 205)
(1) التمهيد لابن عبد البر (6/233ـ 245 ) باختصار
(1) النفع والضر بيد الله تبارك وتعالى فقد يفعل الإنسان الشئ غير معتقد في نفعه فينفعه ، وقد يعتقد في نفعه فلا يكون فيه الدواء وإنما يكون في غيره .
(1) زاد المعاد (171 ـ 173)
(2) صحيح : وأخرجه الترمذي (2058) والنسائي (5494) من طريق أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة عن أبي سعيد الخدري به .
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية (1/129)
(1/26)
(2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني
(1) روى مسلم (2233) عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ ؛ فَإِنَّهُمَا يَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ وَيَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ .
(1) زاد المعاد لابن القيم (4/165 ـ 168)
(1) زاد المعاد (4/167 ،168)
(1) زاد المعاد (4/173)
(1) التمهيد لابن عبد البر (6/238 ، 239)
(2) المصدر السابق (6/241)
??
??
??
??
(13)
(1/27)