عيد الدويهيس
http://www.saaid.net/
حقوق الطبع
حقوق طبع هذا الكتاب مهداة من المؤلف إلى كل مسلم وجزى الله خيراً من طبعه أو أعان على طبعه وغفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
الطبعة الثانية
ربيع الأول 1412 هجرية
سبتمبر 1991 ميلادية
مقدمة
…ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله.(1/1)
وبعد ايها القارئ الكريم والقارئة الكريمة فكلنا يعرف أن الأنسان يتعلم ويعمل يحدوه الأمل في الوصول إلى السعادة، وكلنا يعرف أيضاً أن كثيراً ممن نالوا ما يتمنون من شهادة أو مال أو منصب أو غير ذلك ليسوا بسعداء وما دام الأمر كذلك فإنه من الضروري قبل أن نندفع للعمل أن نتأكد أن الطريق الذي نسلكه سيوصلنا بإذن الله إلى السعادة، وبالتالي علينا أن نجيب أولاً إجابه صحيحه عن السؤال التالي: ما هي السعادة؟ وأقول إجابة صحيحة، لأن هناك إجابات كثيرة جداً خاطئه عن هذا السؤال فنجد من يخبرك أن السعادة في المال أو المنصب أو الزواج أو الفساد أو غير ذلك، ولكن الإجابة الصحيحة هي أن السعادة كتبها الله فقط لمن اتبع هداه وكتب الشقاء لمن أعرض عن ذكره ولن تجد لسنة الله تبديلا. فسعادة الإنسان تحقق إذا عرف كيف يعبد الله بإخلاص أما من لم يعرف كيف يعبد الله أو عرف ولم يلتزم فقد شقى فالتوحيد ليس كالشرك وحصاد الحسنات ليس كعاقبة السيئات. ومع أن الأدلة من القرأن والسنة تؤيد هذه الحقيقة بصورة واضحة الإ أن الغريب أن كثيراً من المسلمين لا يعرفون ذلك فكأننا نكتشف لأول مرة أن هدف الرسل ليس فقط تحقيق سعادة الإنسان في الأخرة بل أيضاً تحقيق سعادته في الدنيا وذلك عن طريق تصحيح عقائد الناس وترشيد وتنظيم أعمالهم وأهدافهم فالعلم الصحيح والعمل لصالح هما العمود الفقري لسعادة الأفراد والأمم. وقد يقول قائل: لماذا إذن نفتقد السعادة في حياة كثير من المسلمين؟ والجواب على ذلك أن كثيراً من المسلمين غير ملتزمين بالاسلام بل هم يقلدون الغرب أو الشرق ويتبعون أهوائهم ومصالحهم وشهواتهم. وللأسف فقد ابتعدنا كثيراً عن الإسلام إلى درجة أنك تكاد ترى النفاق في كل مكان من المجتمعات الإسلامية مع أن موقف الإسلام الرافض للنفاق والمنافقين موقف واضح، بل أصبح يتهم بالسذاجة والمثالية من يدعو إلى الصدق والأمانة والأخلاص. ويجب أن نعي أن السعادة ليست(1/2)
ثمرة سهلة نقطفها بعلم قليل أو بأعمال صغيرة بل هي تتطلب الكثير من الجهد فالطريق إلى السعادة طريق طويل، ولنعلم أننا كلما ازددنا علما وعملا واخلاصا زاد نصيبنا من السعادة، وكلما ازددنا جهلا ومعاصيا ونفاقا ازددنا شقاء وما ربك بظلام للعبيد. ولا أريد أن أطيل على القارئ واتركه مع الكتاب سائلا الله تعالي أن يجد فيه ما يفيد وفي الختام أسال الله سبحانه وتعالي أن يجزي خير الجزاء كل من ساعدني في كتابة هذا الكتاب واساله أن ينفع به خلقاً كثيراً وأن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم وأسال كل من انتفع بشئ منه أن يدعو لي ولوالدي وللمسلمين أجمعين.
عيد بطاح الدويهيس
الكويت في 6 جمادي الأولى 1410
4 ديسمبر 1989
السعادة .. ما هي؟
علينا أن نفرق بين السعادة كحالة دائمة
وبين أمور مفرحة تسعد الإنسان لدقائق أو أيام(1/3)
…من الطبيعي أن نسعى لأن نعيش حياة سعيدة وأن نبحث عن السعادة فكل إنسان عاقل يريد أن يبتعد عما يكدره وما يشقيه ويقترب مما يفرحه ويسعده ولهذا نجد الإنسان يفكر ويخطط ويعمل حتى يحقق ما يريد أي حتى يكون سعيدا، ولا شك أن بعضنا يظن أن السعادة في الحصول على المال ولكننا نعلم أن الغنى لا يجعل الإنسان سعيدا ولقد قيل ((إن الفقراء يعتقدون إن السعادة في المال في حين أن الاغنياء ينفقون المال بحثاً عن السعادة)) وبعضنا يظن أن السعادة في الزواج أو حياة العزوبية أو المنصب أو الشهادة أو غيرذلك ولكننا نعلم أيضاً أن السعادة ليست في الزواج وليست في المناصب أو الشهادات. فما هي السعادة إذن؟ وكيف يمكننا أن نعيش سعداء؟ ان علينا أولا ان نفرق هنا بين السعادة كحالة دائمة وبين أمور مفرحة تسعد الانسان لدقائق أو ايام فالحصول على الشهادة مثلا يفرح الانسان ولكن لا يجعله سعيدا وكذلك علينا أن نوضح ان المصائب كموت احد الاقارب أو غير ذلك تحزن الانسان ولكن قد لا يجعله مهموما شقيا قال ابن القيم قال بعض العلماء "فكرت فيما يسعى فيه العقلاء فرأيت سعيهم كله في مطلوب واحد وان اختلفت طرقهم في تحصيله رأيتهم جميعهم انما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم فهذا بالاكل والشرب وهذا بالتجارة والكتب وهذا بالنكاح وهذا بسماع الغناء والاصوات المطربة وهذا باللهو واللعب فقلت هذا المطلوب مطلوب العقلاء ولكن الطرق كلها غير موصلة إليه بل لعل اكثرها إنما يوصل إلى ضده ولم أر في جميع هذه الطرق طريقاً موصلة إليه الا الاقبال على الله ومعاملته وحده وايثار مرضاته على كل شئ فان سالك هذه الطريق ان فاته حظه من الدنيا فقد ظفر بالحظ الغالي الذي لا فوت معه وان حصل للعبد حصل له كل شئ وان فاته فاته كل شئ وان ظفر بحظه من الدنيا ناله على أهنا الوجوه فليس للعبد أنفع من هذه الطريق ولا أوصل منها إلى لذته وبهجته وسعادته وبالله التوفيق" (1) السعادة إذن في(1/4)
الراحة النفسية والتي لا تتم الا بالقرب من الله والسعادة أيضا في المقدرة على التعامل مع افراح ومصائب الحياة بكفاءة. وحتى تتضح صورة السعادة نقول ان المجتمع الغربي ليس سعيداً مع كل ما يملكه من مستوى مادي مرتفع وحريات كثيرة فالقلق والملل من الأمراض الرئيسية للحضارة الغربية. فلا الاباحية الجنسية ولا المال ولا الاستقلال ولا غير ذلك جعل الغرب سعيدا وعلينا أن لا نخدع باقوالهم وبادعائهم السعادة فحياتهم شقاء في شقاء قال ابن القيم"وقد حكم الله تعالى حكما لا يبدو أبدا: أن العاقبة للتقوى والعاقبة للمتقين فالقلب لوح فارغ والخواطر نقوش تنقش فيه فكيف يليق بالعاقل أن يكون نقوش لوحه ما بين كذب وغرور وخدع وأماني باطلة وسراب لا حقيقة له؟ فأي حكمة وعلم وهدى ينتقش مع هذه النقوش؟"(2) وقال ابن القيم أيضا "أنه امتثال لامرالله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده فليس للعبد في دنياه وأخرته انفع من امتثال أومر ربه تبارك وتعالى وما سعد من سعد في الدنيا والاخرة الا بامتثال أومراه وما شقى في الدنيا والاخرة الا بتضييع أوامره"(3).(1/5)
السعيد اذن هو الانسان المؤمن بالله والراضي عن أعماله والقادر على التعامل مع الحياة بكفاءة عالية فالمؤمن سعيد لانه يشعر انه قريب من الله القادر العزيز الجبار المتكبر الرحمن الرحيم. وهذا القرب يعطي الانسان اطمئنانا نفسيا كبيرا لان الانسان ينسجم مع فطرته ويشعر أن الله قادرعلى ان يحميه ويعطيه وينصره. وعندما يقترب الانسان من الكتاب والسنة فإنه يبتعد عما يشقيه ويقترب مما يسعده بقدر تمسكه، فكلما زاد التمسك زادت سعادته، فالتوحيد يربط الانسان باكبر قوة في الوجود والالتزام بالاسلام يجعل الانسان راضيا عن تصرفاته في أقواله وأفعاله فهو يحاول الا يقول أو يفعل الا الخير، ومعنى ذلك أن السعادة لا تكون الا بأخذنا بأمرين الاول معرفة الله واحكام الاسلام وهذه المعرفة تعرفنا الحق من الباطل والصواب من الخطأ في الاقوال والافعال أي أننا سنعرف بالقراءة والاطلاع والاستماع والنقاش والتفكير ما يجب أن نقول ونفعل في مسيرة الحياة وما يجب أن نتجنب من أقوال وأعمال والجهل في هذا كثير وما زال مما جعل البعض يعيش حياة قلقة لانه يرتكب الاخطاء الكثيرة في عقائده وأعماله فيعيش نادما على أعمال عملها أو اقوال تلفظ بها والعلم وحده لا يكفي فلابد من الامر الثاني وهو: تطبيق ما نعرفه من حق وصواب وخير فالمعرفة وحدها لاتجعلنا سعداء فاذا علمنا أن السعادة هي في طاعة الله ولكننا أخذنا نعصيه فكأننا تركنا بلد خير وسعادة وذهبنا ونحن نعلم إلى بلد شر وشقاء أي لابد ان نطبق ما نعرف والا فلن ننال السعادة ابدا ولم نتصرف تصرف العقلاء فالمعرفة لا تكفي. قال سفيان بن عيينة: "ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر أنما العاقل الذي اذا راى الخير اتبعه واذا رأي الشر اجتنبه" ومعنى ذلك أن معرفتنا كيف نزرع لا تعني أننا سنحصل على انتاج طيب فلابد من العمل وحرث الارض وسقيها. فقراءة الالاف من الكتب الزراعية لن يكون لها أثر في الفرد أو المجتمع ان لم يكن(1/6)
هناك عمل وتطبيق فبدون العمل لن نحصل إلا على المجاعة والفقر مهما تعلمنا. وكذلك السعادة لن نحصل عليها ان لم نطبق ما نعرف من احكام الاسلام فاذا علم الموظف ان الرزق من الله فلن يشعر بالشقاء والهم عندما يفصل من وظيفته لانه يؤمن بأن الله كتب رزقه ولن يستطيع احد أن يأخذ من رزقه دينارا واحدا.
…وكلما كان ايمان الفرد قويا كلما كان تأثره بالهموم والمشاكل أقل أي لا تجد الهموم لقلبه مدخلا. قال ابن تيمية كلمته المشهورة "ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أين رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة وقتلي شهادة واخراجي من بلدي سياحة" فانظر الى الكفاءة العالية في التعامل مع الحياة عند من قرن العلم الصحيح بالعمل الصالح. قال ابن القيم "قال تعالي "ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين أمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوزالعظيم" يونس 62-64. فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشاً وأنعمهم بالا وأشرحهم صدرا وأسرهم قلبا وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الاجلة" (4) ومن المهم أن ننتبه في الأية السابقة الى أن سعادة المؤمن في الدنيا والاخرة وليست فقط في الاخرة كما يظن بعض الناس ولنؤمن فعلا كما تدعونا الاية الى أنه لا تبديل لكلمات الله ولا قوانينه وان الله ولي المؤمنين في الدنيا فهل نحن مؤمنون بذلك؟ ام نظن أن البشرى والسعادة هي في المال والشهادة والمركز والملذات؟(1/7)
…ان صاحب الايمان الضعيف او الكافر يصبح مهموما اذا فصل من عمله يحمل هم الاطفال والزوجة وهو غير مقتنع بأن الله موجود وهو يرزق من يشاء وهو من قسم بين الناس ارزاقهم وهو الذي طمأن عباده المؤمنين وأرشدهم الى القول بأنه "لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا" ومصادر الهموم ومنابعها كثيرة وليست هي فقط الفصل من العمل وهي كثيرة وتصيب المسلم والكافر فمن الهموم موت قريب أو صديق والزواج الفاشل والمرض والولد العاق أو الكسول وغير ذلك وحين يتعامل الانسان مع كل هذه القضايا منطلقا من عقائد الاسلام وأحكامه فلا شك أنه سيتعامل معها بما يرضى الله فاذا مات له عزيز قال انا لله وانا اليه راجعون وعلم أن الاعمارقد قدرها الله والعبد يرضى بما قدر مولاه وبكاء الانسان وحزنه لا ينفي اطمئنان نفسه ولا يتعارض معها. أما تعامل المسلم ضعيف الايمان أو الكافر مع هذه القضايا فهو في غالبه تعامل القلق والساخط والمتذمر يظن أنه لو فعل كذا لما مات ابنه أو خسرت تجارته أو اصطدمت سيارته والمؤمن عندما تنزل به مصيبه يقول قدر الله وما شاء فعل. والتعامل مع المصائب بهذا الاسلوب ناتج عن اقتناع بان الله لا يظلم وهو ارحم بعباده من الام بابنها فعقابه عدل وجزء مما نستحق على معاصينا في حين انه تجاوز عن أجزاء. ويعلم المسلم أن المصائب تأتي احيانا كاختبار لتكشف الصادقين من الكاذبين ومن يتخذ الاسباب ويبذل الجهد ويرى الامور تسير على غير ما يريد يثق بأن هذه مشيئة الله ولا رد لحكمه ويعلم يقينا بان الله لو اراد لمنع حدوث المصيبة. والتوحيد الصحيح والاعمال الصالحة تسعد النفس وتفرحها وصحيح ان بعض الطاعات فيها بعض التعب والعناء ولكن الصحيح أيضا ان السير في طريق الطاعة يوصل الى سعادة عظيمة لا ياتي بها المال والمركز والشهادة. قال احد الصالحين: "لوعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا عليه بالسيوف" ففي القرب من الله جنة دنيوية لا يعملها كثيرون(1/8)
والطريق الى هذه الجنة يتاتى بعمل الطاعات واجتناب المعاصي وهذا هو الطريق الى السعادة فالسعادة هي سعادة القلب والشقاء هو شقاء القلب قال ابن القيم "ولا تحسب أن قوله تعالي ?ان الابرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم? مقصور على نعيم الاخرة وجحيمها فقط بل في دورهم الثلاثة هم كذلك أعنى دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار فهؤلاء في نعيم وهؤلاء في جحيم وهل النعيم الا نعيم القلب؟ وهل العذاب الا عذاب القلب؟ وأي عذاب اشد من الخوف والهم والحزن وضيق الصدر وأعراضه عن الله والدار الاخرة وتعلقه بغير الله وانقطاعه عن الله بكل واد منه شعبة" (5) قال تعالي ?يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي?.
نور الحقائق الكبرى(1/9)
…عقائد البشر وأراؤهم وأهدافهم كثيرة جدا ومتنوعة ومتناقضة فمن البشر من يؤمن بوجود الله كالمسلمين والنصارى واليهود ومنهم من هو ملحد ومنهم من يؤمن بمصلحته أو لذته ومنهم من تحركه مفاهيم عنصرية فيتعصب لشعب أو أمة ومن الناس من يقلدون الآباء أو الزعماء أو الفلاسفة والحكماء ومنهم من هو ضائع لم يستقر على عقيدة والمؤمنون بوجود الله ينقسمون الى أديان وطوائف وفرق ويختلفون في بعض أو كثير من العقائد والاحكام وان تشابهوا في بعضها فالعقيدة في صفات الله سبحانه وتعالي فيها اختلاف كبير ليس فقط بين من يؤمنون بالله بل حتى بين من يدينون بالاسلام ولهذا اظهرت الفرق الكثيرة واختلف الناس حول القوانين العادلة فأصبحت هناك دساتير وأنظمة وقوانين متناقضة وكل أصحاب مبدأ أو دين وحزب يرون أن ما يتبنون هو الحق وما عداه باطل فما يراه البعض مثلا من الامور الاجتماعية حلالا وحقا يراه أخرون حراما وباطلا. وباختصار شديد الاختلافات بين البشرية فيما يعتقدون أنها حقائق كبرى كثيرة ولن يصل إلى السعادة من يسير في ظلام عقائد مشوهة أو شرائع ظالمة أو اقتناعات خاطئة لأنه سيصطدم بالعقل الواعي وبالفطرة البشرية السليمة فالنفس تسعد في ظل العقائد الصحيحة والاحكام العادلة والحقوق والواجبات المنصفة فكما أن من لا يعرف حقائق الفيزياء والهندسة والطيران لن يتمكن من الطيران فكذلك لن يتمكن من يجهل الحقائق الفكرية من أن يعيش حياة سعيدة فلن يرى السعادة من يفضل طبقة على أخرى أو يعبد مصلحته أو يتبع الخرافات والاوهام فاصحاب العقائد الباطلة يتخبطون في سيرهم ويرتكبون كثيرا من الاخطاء السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهذا واقع مشاهد فعقائد الشيوعيين. أنتجت الاستبداد والفقر والكسل وعقائد الغرب أنتجت الحروب والانانية والامراض النفسية والجنسية والخوارج تبنوا عقائد منحرفة فكفروا كثيرا من الناس فحصدوا العنف والشر والاسلام الصحيح هو الطريق للحقائق(1/10)
الكبرى والصغرى والعلاقة بين نور الحقائق وبين السعادة هي علاقة وثيقة جدا فمن الحقائق الكبرى أن الاطمئنان النفسي لا يأتي من سلطة أو ثروة أو قبيلة أو عائلة أو حلف بل يكون من نصيب من يحميه الله العزيز الجبار القادر فمن كان الله معه فل يحزن وممن يخاف ولمن يحتاج؟ اليس من المفروض أن نؤمن كمسلمين بأن الله على كل شئ قدير وأنه وحده القادر على أن ينصرنا ويعزنا ويبدل أحزاننا أفراحا وفقرنا غنى وضعفنا قوة ومرضنا صحة وأن نعلم أن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء ويحيط بكل شئ علما فيعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وأهم الحقائق الكبرى يتعلق بصفات الله وأسمائه قال ابن القيم رحمه الله: "فاطيب ما في الدنيا معرفته ومحبته وألذ ما في الجنة رؤيته ومشاهدته فمحبته ومعرفته قرة العيون ولذة الارواح وبهجة القلوب ونعيم الدنيا وسرورها بل لذات الدنيا القاطعة عن ذلك تنقلب آلاما وعذابا ويبقى صاحبها في المعيشة الضنك فليست الحياة الطيبة الا بالله".(6)
…وقال ابن القيم ايضا "ولا شئ على الاطلاق أنفع للعبد من اقباله على الله واشتغاله بذكره وتنعمه بحبه وايثاره لمرضاته بل لا حياة ولا نعيم ولا سرور ولا بهجة الا بذلك" (7) ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أنه لو اجتمع الناس على أن يضرونا بشئ لن يضرونا الا بشئ قد كتبه الله علينا وان اجتمعوا على أن ينفعونا بشئ لن ينفعونا الا بشئ قد كتبه الله لنا وأن نعلم أن من العقيدة الصحيحة أن نؤمن بأن رزقنا قد كتبه الله ولا سلطة للبشر عليه مطلقا والايمان بذلك سيطمئن نفوسا كثيرة تعيش قلقة على رزقها وبعض هؤلاء ينافقون ويغشون لظنهم أن الرزق بيد العباد فيخافون أن ينقطع أو لا يأتي.
…ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أن نعم الله علينا لا تحصى فالانسان الذي لا يقابل كرم الله واحسانه وفضله بالطاعة والشكر هو انسان جاهل أو لئيم قال الشاعر:
ان انت …اكرمت…الكريم…ملكته *** وان أنت أكرمت الئيم تمردا(1/11)
فمن قابل نعم الله بالجحود فهو قد تنكر لمن خلقه ورزقه ووهب له العقل والصحة والماء والهواء فتنكره لوالديه أو لمن أحسن إليه أمر متوقع.
ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أن ما عند الله من خير وفضل في الحياة الدنيا وفي الاخرة أكبر مما يمكن أن يحققه لنا ربا أو رشوة أو نفاق أو امتناع عن الزكاة وأن نعلم أن الله شديد العقاب وله جنود السموات والارض وأنه قادر علينا فمن الحكمة أن نخافه ونحذر وعيده وأذا آمنا بذلك سيرتدع القوى فينا عن ظلم الضعيف وسنعمل الخير ونتجنب الشر فرأس الحكمة مخافة الله والظلم يأتي في غالبيته ممن لا يخاف الله.(1/12)
ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سواء كان هذا المخلوق عالما أو حاكما أو ابا أو اما أو قبيلة أو حزباأو جماعة فالطاعة لهؤلاء جميعا هي في حدود ما شرع الله وهي طاعة في المعروف وليست طاعة في المنكر والايمان بذلك يحقق فوائدعظيمة للفرد والامة منها أن الطاعة في الباطل مرفوضة وأن الولاء هو الحق وليس للافراد ومنها أنه لن تتعارض واجبات الطاعة للدولة والاحزاب والافراد مع بعضها البعض بل ستتكامل ولن يحتار الانسان فيمن يرضي ومن يسخط ورضي الناس غاية لا تدرك لانه جعل رضى الله هو أساس كل قول وعمل ومن الحقائق الكبرى أن يزن الانسان الانظمة والافكار والاجتهادات والاحزاب والجماعات وأقوال العلماء والجهلاء بميزان القرآن والسنة حتى يعرف الحق والصواب. واذا استخدم هذا الميزان فسيعرف ما يأخذ من حضارة الغرب وما يدع وسيجعل انفعالاته من غضب وحب وكره وغير ذلك خاضعة لاحكام الشريعة فلا تنفجر فيندم على نتائجها وسيعرف أن الوحدة الحقيقية ليست وحدة المصلحة أو الجنس أو اللغة بل هي وحدة الفكر والايمان قالى تعالي ?وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين. (62) وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم (63)? فإذا كان جزء من سعادة الامم في وحدتها وجزء من شقائها في تفرقها فإن من شقاء الأمم أن لا يلتزم أفرادها بالاسلام فيصل الاختلاف بين الافراد إلى درجة التناقض والاختلاف الاساسي شر كله ومثل هذا الاختلاف ليس اختلافا اجتهاديا يحدث في ظل اتفاق على اسس واحدة.(1/13)
…ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أن المسلم الملتزم هو أساس سعادة الاسر والوظائف والانظمة فالمسلم يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الاخرون ويمنع نفسه عن الظلم أو عن أخذ الرشاوي أو الكذب أو النفاق أو غير ذلك ومن السهل ارجاعه الى الصواب إذا أخطأ أو ظلم وذلك بتذكيره بأيات القرأن أو بأحاديث الرسول (() أما ضعيف الايمان أو فاقده فمن الصعب أن تجعله يرتدع عن ظلمه أو عن اهماله في عمله أو تعصبه لباطل فالرقابة لها حدود والنصيحة قد لا تؤثر وسلطة القوانين محدودة ولا تطول كل الاقوال والتصرفات ولنعلم أن النوعيات الرديئة لا تبني أمة قوية أو أسرة سعيدة فغياب الايمان يفتح الباب واسعاً أمام أمراض كثيرة كالظلم والحسد والغرور والطمع والتسلط والأنانية والفسق والكذب والتبذير والتعصب لقبيلة أو شعب أو أمة فضيعف الايمان أو فاقده إذا لم يردعه عقل أو سلطان يتعامل بالواسطة ويظلم ويأكل الحرام ويحرص على المنصب حرصا شديدا وكم ملأ حب المناصب من قلوب فأعماها ولو ملئت هذه القلوب بالايمان لما وجد حب المناصب مكانا له.(1/14)
ومن الحقائق الكبرى أن يعلم الانسان أن الفهم الخاطئ للقضاء والقدر والايمان والكفر والتوكل ودور العقل ومفهوم العبادة والحلال والحرام من شأنه أن ينتج الكسل والتفرق والتعصب والجدل والدروشة وعموما فالحقائق الكبرى كثيرة وهي تبين صفات الله واسمائه والطريق إلى النصر وعاقبة الذنوب ومتطلبات الاسرة السعيدة وغير ذلك فمن آمن بها فقد سار في ظل أنوار عظيمة تنير له طريق الحياة ولقد جهل الغرب والشرق كثيرا من هذه الحقائق ولهذا يتخبطان في ظلمات الشقاء ويفتقدان الجزء الاكبر من السعادة والقرآن والسنة هما المصدر لمعرفة الحقائق الكبرى قالى تعالى ?ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين? (89) سورة النحل. فكلما فهمنا آية أو حديثا ازددنا سعادة ولا بد أن نذكر أن هناك أحاديث موضوعة فلنحذرها فخطرها كبير وأحدأكبر أبواب الجهل والشقاء والتفرق والبدع قديما وحديثا هو الجهل بأحدايث الرسول (() الصحيحة فلنبذل الغالي والرخيص في سبيل معرفتها ودراستها ولقد قال الامام أحمد بن حنبل كلمات قيمة جدا حين قال في تفسير حديث رسول الله (() عن الفرقة الناجية "أن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم؟".(1/15)
…ولا بدأن ننبه أن حفظ الآيات القرأنية والاحاديث النبوية وتطبيقها من غير علم وفقه ومعرفة بالواقع وبأقوال العلماء يضر ولا ينفع لان المعرفة السطحية تؤدي إلى ظلال ومن هذا الباب ضل الخوارج فالحفظ من غير وعي وفقه لم يكن يوما ما علما ولا بد أن نذكر ايضا قضية مهمة جدا وهي أن نصيب الافراد والامم من السعادة والشقاء في الدنيا والآخرة مرتبط بدرجة نصيبهم من العقائد الصحيحة والاعمال الصالحة فكلما زاد علمهم وعملهم زاد نصيبهم من السعادة وقل نصيبهم من الشقاء وهذا النصيب يختلف من فرد إلى أخر ومن بلد إلى آخر ومن جيل إلى آخر فالسعادة ليست مرتبطة بمسمى المسلمين بل هي مرتبطة بالعقائد والاعمال والنوايا ومن المهم أيضا أن نذكر أن معنى السعادة لا يستنبط بناء على اراء شخصية أو نظرة سطحية فالبعض يظن أن الانسان السعيد لن تصيبه مصائب وأن حدوث المصائب والكوراث ينفي عن الفرد والامة صفة السعادة وهذا فهم خاطئ فالانبياء من اكثر الناس ابتلاء بالمصائب ومع هذا فهم اسعد الناس فهم واثقون من نصر الله وتأييده ورضوان بقضائه وقدره وعالمون بالحقائق الكبرى فهذا رسول الله (() تطرده ثقيف وترميه بالحجارة وتؤذيه فلا يخشى الا أن تكون هذه المصيبة غضبامن الله سبحانه وتعالى ولهذا قال مخاطبا ربه "أن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي" فسعادة الرسول هي في محبة الله له ومحبته فمن السعادة التعرف على الحقائق الكبرى والتمسك بها وجعلها على رأس الاولويات والسير في ظل نورها قال تعالى "ومن لم يجعل له نورا فماله من نور" (40) سورة النور ولا بد من نشر هذه الحقائق بأسلوب كله حكمه وموعظة حسنة لا تكفير وتنفير وشدة وذلك لأن هذا هو الأسلوب الصحيح فكثير ممن اقتنع بعقائد وأفكار خاطئة جاء اقناعه بناء على أحاديث موضوعة أو كتب ملوثة أو أمية أو سوء فهم أو تأثر بحضارة الغرب أو بجمود فكري متوراث فلكل هذه الاسباب لابد من الترفق فاسلوب تصحيح الخطأ يجب أن يكون(1/16)
أسلوبا صحيحا فالصبر واللين والحوار الهادي سيؤدي بإذن الله إلى خير كثير قال تعالى ?ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. (34) وما يلقاها إلا الذين صبروا وما بلقاء إلا ذو حظ عظيم (35)? سورة فصلت.
وقال رسول الله (() "ان الرفق لا يكون في شئ الا زانه، ولا ينزع من شئ الا شانه" (8)
الطريق الى السعادة
…من الحقائق الثابتة في الكتاب والسنة أن السعادة في الدنيا هي من نصيب المؤمنين وأن الشقاء هو للكافرين والعصاة وهذه الحقيقة من سنن الله في الكون والادلة على قولنا هذا كثيرة نذكر منها:
1- قال تعالي ?قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى(123) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى(124)? سورة طه. خاطب الله بهذه الأية أدم وحواء وبين لهما ان من اتبع هداه ودينه فلا يضل ولا يصيبه الشقاء أما من عصى وكفر فله الشقاء والمعيشة الضنك في الحياة الدنيا وله العمى يوم القيامة وبهذه الاية بين الله للانسان الاول ولكل انسان أن معرفة دينه وطاعته هي الطريق الى السعادة وان جهل دينه والمعاصي والكفر هي الطريق الى الشقاء.
2- قال تعالي ?أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم؟ ساء ما يحكمون (21) وخلق الله السموات والارض بالحق ولتجزي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (22) ? سورة الجاثية.
3- قال ابن القيم "والأبرار في النعيم وان اشتد بهم العيش وضاقت عليهم الدنيا والفجار في جحيم وان اتسعت عليهم الدنيا قال تعالى ?من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة(97)? سورة النحل" (9)(1/17)
4- قال ابن القيم قال تعالي ?ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى? وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر ولا ريب أنه من المعيشة الضنك والاية تتناول ما هو أعم منه وان كانت نكرة في سياق الاثبات فان عمومها من حيث المعنى فانه سبحانه رتب المعيشة الضنك على الاعراض عن ذكره فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب اعراضه وان تنعم في الدنيا باصناف النعم ففي قلبه من الوحشة والذل والحسرات التي تقطع القلوب والاماني الباطلة والعذاب الحاضر ما فيه وانما يواريه عنه سكرات الشهوات والعشق وحب الدنيا والرياسة وان لم ينضم الى ذلك سكر الخمر فسكر هذه الامور أعظم من سكر الخمر فأنه يفيق صاحبه ويصحو وسكرالهوى وحب الدنيا لا يصحو صاحبه الاذا كان صاحبه في عسكر الاموات فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله (() في دنياه وفي البرزخ ويوم ميعاده ولا تقر العين ولا يهدأ القلب ولا تطمئن النفس الا بالهها ومعبودها الذي هو حق وكل معبود سواه باطل فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات والله تعالى انما جعل الحياة الطيبة لمن أمن به وعمل صالحا كما قال تعالى ?من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97)? سورة النحل. فضمن لاهل الايمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة والحسنى يوم القيامة فلهم أطيب الحياتين فهم أحياء في الدارين" (10)(1/18)
فاذا كان الله عالي قد حكم أن السعادة في الدنيا هي من نصيب المؤمنين ولا أحد سواهم فكيف نصل الى السعادة؟ والجواب كما بين ابن القيم رحمه الله في كتابه "زاد المهاجر الى ربه" هي في معرفة ما جاء به الرسول (() علما والقيام به عملا ودعوة الخلق اليه والصبر والاجتهاد على تلك الدعوة فالمدخل إلى السعادة هي هذه الامور الاربعة وما لم نأخذ بها فلن نصل أبدا الى السعادة فكما أن الوصول الى بلد بعيد يتطلب الانتقال له بوسيلة كالطائرة أو السيارة أو غير ذلك ولا وصول له بدون ذلك فكذلك الامر لا وصول للسعادة دون اتخاذ الطاعة وسيلة وسببا وطريقا ومنهجا وسلوكا ولا بد من التنبيه هنا على ضرورة فهم الاسلام فهما صحيحا والحذر من التفسيرات الخاطئة والاحاديث الموضوعة وبالتأكيد فان هداية الله للفرد لا تتحقق والفرد مصر على معاصيه وتارك للصلاة والطاعات فالبعض عندما تسأله لماذ لا تصلي أو لا تبتعد عن المعاصي يجيب سأفعل عندما يهديني الله وهذا من الجهل الكبير وهو من تلبيس ابليس فالهداية والسعادة لا تأتيان ان لم تبدأ أولا بعمل الطاعات قال تعالي ?والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين? (69) سورة العنكبوت. أي الذين بذلوا الجهد في السعي لمعرفتنا وطاعتنا سنهدينهم للسعادة والفوز بالدنيا والآخرة فهؤلاء من وعد الله بهدايتهم أما من لم يفعل ذلك فقد عاش في ظنو حول الهداية لا تغني من الله شيئا ولم يخدع الا نفسه لان الآيات والأحاديث واضحة جداً في هذا الصدد قال تعالي: ?والله لا يهدي القوم الفاسقين? وقال تعالى ?والله لا يهدي القوم الظالمين? فلا عذر لمن جهل أو تجاهل وخاصة من الذين يقرأون ويكتبون فالعقائد الباطلة والمعاصي هي سبب الشقاء والتعاسة وتأمل في حياة كثيرة من ممثلي الغرب ومطربيهم فستجد ان لديهم الشهرة والمال والمعجبين ويتمتعون بالملذات المحرمة ولكنهم ليسوا سعداء فعقائدهم ومعاصيهم أشقت نفوسهم فالنفس البشرية(1/19)
لا تستقر اذا كان العقل مملوءا بتصورات خاطئة أو كان الجسد منغمساً بملذاته وكثير منا لا يعرفون أن القلق والملل من الامراض الرئيسية في الغرب ولهذا انتشرت عندهم العيادات النفسية ولم يحقق لهم المال والحريات والتكنولوجيا أي سعادة ولقد بحث الغرب عن السعادة في المال فلم يجدها ولم يجدها في الملذات وهكذا يستمر الى مالا نهاية الانسان العاصي في بحثه عن السعادة على هذه الارض ولا يصل الا الى التعاسة مهما حقق من آمال كلما وصل الى أمل اكتشف أن السعادة ليست فيه ومن تأمل في حياتهم يعلم صدق ما نقول فالهم والقلق والندم والطمع والانانية أمراض لا تعالج الا بالايمان والقناعة وقراءة القرأن والصبر وكمثال لاطمئنان المؤمن وسعادته نذكر ان المؤمن يربي أبناءه تنفيذا لاحكام الاسلام فهو يريد الاجر والثواب من الله وليس من أبنائه واذا عقه أبناءه فلن يندم لأنه اضاع عمره في تربيتهم بل سيطمئن أن ثواب عمله عند الله والله لا يضيع أجر العاملين فالمؤمن يختزن عمره وماله في صلاة وصوم وصدقات وأعمال طيبة يزرعها ليحصد بعض ثمارها في الدنيا وليحصد أكثرها في الأخرة أما عمر ومال الكافر فهو يمضي سريعا فالشباب يذوي والمال يستهلك والآمال هي أمال دنيوية زجاجية سرعان ما تتحطم فيعيش خائفا على استثماره في حين أن المسلم استثمر حياته مع الله وهو استثمار مضمون وهناك تصور خاطئ وهو الظن أن الانسان المؤمن يعيش في عالم من المحرمات والقيود تحرمه السعادة والصحيح ان المحرمات هي الأشياء القذرة كالكذب والدعارة والنفاق والجشع والغيبة فالمؤمن زاهد في الامور الخبيثة فقط وليس زاهدا في الطيبات من مأكل وملبس ومسكن وسياحة وتجارة وعلم وطرائف وغير ذلك من الطيبات وهي كثيرة جدا قال تعالى ?قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين أمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون (32) قل إنما حرم ربي الفواحش(1/20)
ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون (33)? سورة الأعراف. ولا تكتمل السعادة بالتنعم بالطيبات بل لا بد من الصبر على المصائب فالحياة بحاجة الى قدر هائل من الصبر فصعوباتها كثيرة ولهذا نجد آيات كثيرة تدعو للصبر فقد صبر الانبياء والمؤمنين وعلموا أن الله أمرهم بالصبر وعلموا أن الله لا يضيع أجر الصابرين قال تعالي: ?يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة أن الله مع الصابرين (153)? سورة البقرة. وفقنا الله واياكم إلى سعادة الدنيا والآخرة وباعد بيننا وبين السراب والآماني الباطلة.
مثقونا ..... وتعاسة الغرب(1/21)
…ان احد الاسباب الرئيسية لافتقادنا السعادة تأثرنا بمفاهيم وعقائد وعادات غربية ضارة، فكما استوردنا أشياء كثيرة مفيدة من الغرب وخاصة في مجال التكنولوجي فكذلك استوردنا كثيرا من الشقاء لاننا قلدنا الانسان الغربي في كثير من أهدافه وعقائده وأخلاقه ونظمه التعليمية واستيراد الشقاء الغربي يرجع إلى أننا كشعوب وأفراد أرهقنا تخلفنا السياسي والتكنولوجي والاداري فتنكرنا لكل ما عندنا من خير وشر وسحرتنا الحضارة الغربية فاصبح المثقف في نظرنا هو من يتكلم بلغة الغرب ويستشهد بأقواله ويعرف ثقافته واصبحت المراة المثقفة والمتحضرة هي التي تتابع الموضة وتعرف الماركات العالمية في الملابس والاحذية والعطور وهي التي زارت أو تحلم بزيارة لندن وباريس. نفعل كل هذا وغيره لاننا نعتقد أن الانسان الغربي سعيد ومتحضر فهل هو كذلك؟ وهل الحضارة الغربية حضارة راقية؟ قبل الإجابة على هذا السؤال نقول ان انتقادنا حضارة الغرب لا يتضمن بصورة مباشرة أو غير مباشرة تبريراً أو رضى عن واقعنا، فواقعنا له ايجابياته وسلبياته وهو ليس موضوع نقاشنا في هذا المقال كما ان ذكر تخلف الغرب في مجالات ليس معناه أن الغرب لم يحقق التقدم والتطور في مجالات اخرى، فلا شك أن الغرب متقدم جدا في مجالات الصناعة والزراعة والطب والسياحة وغير ذلك والادلة التي تبين تخلف الغرب وشقائه كثيرة نذكر منها:
(1) تبين الاحصائيات أن الحضارة الغربية حضارة متخلفة وإليكم ما تقوله هذه الاحصائيات:
( أ ) بلغ عدد جرائم القتل في الولايات المتحدة سنة 1986 - 19.526 جريمة قتل أي 100 جريمة لكل مليون أما في الكويت فكانت هناك 19 جريمة قتل 1986 أي 10 لكل مليون.(1/22)
(ب) بلغت عدد الجرائم في أمريكا في سنة 1986 حوالي عشرة ملايين جريمة أي ما يعادل حوالي 5% من عدد السكان ارتكبوا جرائم في حين أن عدد الجرائم في الكويت في 1987 كان 11.171 جريمة أي ما يعادل 0.6% من عدد السكان أي أن معدل الجرائم في الولايات المتحدة هو ثمان أضعاف معدلها في الكويت.
(حـ) نسبة حالات الطلاق إلى الزواج في الولايات المتحدة في سنة 1986 هي 48% في حين أنها في مصر 18% في سنة 1984 أما في الكويت فكانت النسبة 27% في سنة 1987.
( د ) سجلت سنة 1986 في أمريكا 72.626 جريمة اغتصاب وحصلت حوالي سبعمائة الف جريمة تعاطي المخدرات وبلغت حالات الإجهاض في سنة 1983 1.574.000 (مليون وخمسمائة وأربع وسبعون ألف) أما عدد الأطفال غير الشرعيين فكان سنة 1985- 828.200 طفل (ثمانمائة وثمانية وعشرون ألف ومائتا طفل) وهؤلاء يشكلون 22% من المواليد في تلك السنة في حين نسبة الاطفال غير الشرعيين في سنة 1960 كانت 5.3% ولا شك أن الفرق شاسع بين الولايات المتحدة والوطن العربي في احصائيات جرائم الاغتصاب والايدز والمخدرات والابناء غير الشرعيين، وهذه الاحصائيات تبين بوضوح أن عالمنا العربي أكثر تقدما في الجانب الاجتماعي مقارنة مع الغرب فكيف لو تمسكنا أكثر بالأسلام؟!(1/23)
(2) ان الغرب لا يعرف هل الله واحد أو ثلاثة ولا يعرف صفات الله، ولا الهدف من خلق الإنسان ولا أين يذهب من يموت من البشر ولا يعرف الصواب من الخطأ في قصص الانبياء فهم لديهم معلومات كثيرة وحقائق قليلة ولديهم ثقافة لا علم قال تعالى "يعلمون ظاهراً من الحياة وهم عن الأخرة غافلون" (7) سورة الروم. وهذا الضياع جعل عقائد الغرب متناقضة كالرأسمالية والشيوعية والعلمانية والفلسفات القديمة والحيثة وما أكثر فلاسفتهم ومفكروهم الذين يتباهون بهم، فطالما سمعنا عن سقراط وهو احد أكبر فلاسفتهم والذي قال "انني جاهل وأعرف إني جاهل وأما هم فجهلة ويجهلون أنهم يجهلون" (11) وسقراط صادق في قوله فهو يعترف أنه احتار في فهم الكون والإنسان وحكماء الغرب الحاليون على شاكلة حكيم اليونان وفيلسوفها قديما فأقوالهم يختلط فيها الحق بالباطل والصواب بالخطأ أما علمؤنا فهم يعلمون ويعلمون أنهم يعلمون وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم وابن عباس والشافعي وابن حنبل وابن تيمية وغيرهم كثيرون قال رسول الله صلى الله علية وسلم "فوالله أني لأعلمهم بالله واشدهم له خشية" (12).(1/24)
(3) تجعل الحضارة الغربية المال في رأس إهتماماتها وأهدافها ونشاطها وتفكيرها ولهذا فحضارتهم حضارة مادية أو رأسالمية، ودول هذه الحضارة على استعداد لان تشعل الحروب وتضطهد الشعوب وتدبر الانقلاب من أجل الحفاظ على مصالحها المادية، والدول الغربية هي الدول الاستعمارية خلال القرون الثلاثة الماضية. ولا تزال دولهم لا تطبق العدل والمساواة والحرية عندما تتعارض مع مصالحهم الاقتصادية وتاريخ الاستعمار فيه الكثير من الادلة على جرائم الغرب، فقد أعادوا عهود الرقيق وساندوا الانظمة العنصرية واستنزفوا الثروات وأشعلوا الفتن والحروب وقتلوا الاحرار وعذبوهم فأين هم من العدل والمساواة والحرية؟ وعندما يقتصر العدل على شعب أو أمة ويمنع عن البقية فهذا دليل تخلف وليس معنى قولنا هذا أنه لا توجد جوانب إنسانية في الغرب بل توجد ولكن الاولوية تعطي للمصالح وليس للمبادئ فالمال أعمى بصائرهم قال جون جونز في كتابه في داخل أوربا " ان الانجليز يعبدون بنك انجلترا ستة أيام في الأسبوع ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة" (13) ومن قلد الغرب في مناهجه أصيب ببعض شقائه وتخلفه قال محمد اقبال "مسلمون ولكن عقولهم تطوف حول الاصنام، ان الافرنج قد قتلوه من غير حرب وضرب عقول وقحة، وقلوب قاسية، وعيون لا تعف عن المحارم، وقلوب لا تذوب بالقوراع، كل ما عندهم من علم وفن ودين وسياسة، وعقل وقلب، يطوف حول الماديات قلوبهم لا تتلقى الخواطر المتجددة وأفكارهم لا تساوي شيئاً حياتهم جامدة، واقفة، متعطلة" (14).(1/25)
(4) من الامور المعروفة أن النظافة دليل تقدم وأن القذراة دليل تخلف ونظافة الاجسام عندنا واجب شرعي وعند الغرب كانت ولا زالت قناعات شخصية وقبل قرون قليلة فقط كان الانجليز نادرا ما يستحمون في حين أن المسلمين الملتزمين ومنذ أربعة عشر قرنا يستحمون على الاقل كل اسبوع مرة ولو قارنا بين أحكام الاسلام واحكام الغرب في الزواج والطلاق والاخلاق وبر الوالدين والبيع والربا والخمر وغير ذلك لاتضحت جوانب من تقدمنا وتخلفهم فاحكام الطلاق تتغير عندهم باستمرار فقد كان الطلاق محرما الا في حالات نادرة فلما إكتشفوا ضرر ذلك اباحوه واختلفوا في احكامه والحقوق المترتبة عليه وتخلف الغرب في الاحكام شئ طبيعي وذلك لان احكامهم وضعية تصيب في جوانب وتخطي في جوانب أخرى في حين ان احكام الاسلام شرعها الله سبحانه وتعالى وهو يعرف النفس البشرية وما يناسبها قال تعالى "الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (14) سورة الملك وقد لا يشعر البعض بتقدمنا أو بتخلف الغرب وذلك لأن الغرب نجح نجاحاً كبيرا باعلامه الذكي في اظهار عيوبنا وأخطأئنا وفي ستر عيوبه وأخطائه فهو يتهمنا بالهمجية حتى لو أعدمنا مجرما واحدا في حين أن ضحايا الحرب العالمية الثانية كانوا أكثر من أربعين مليونا اغلبهم من المدنين، فمن الهمجي؟ وليت الغرب يشرح لنا كيف تم اقتسام الشعوب والاراضي بين الحلفاء بعد انتصارهم في هذه الحرب؟ أليس من النفاق انه في نفس الوقت الذي كان يتم فيه توزيع "الغنائم" كان يتم إنشاء هيئة الأمم المتحدة كأن الغرب حريص فعلا على العدل والحرية وعموما فان تخلف الغرب واضح في ظلمه وشرائعه واخلاقه ، ولكن هناك من لا يريد أن يراه، وتكاد تكون الحريات ودور الشعب في الحكم هما المجالين الذين حقق فيهما الغرب نجاحاً كبيراً فكراً وممارسة.(1/26)
(5) عدد الابناء المجهولي الأب أو الوالدين في الغرب عدد كبير ولا يشفع للغرب أن يوفر لهؤلاء الأطفال حضانات، فحنان الأم لا يعوضه أي شئ وقيم الغرب وعقائده واهدافه حطمت الكثير من الأسر، ودعونا نتأمل صورة ونفسية طفل لا يعرف أمه او ابيه أو كليهما، كم ارتكب المجتمع بحق هذا الطفل البرئ من جرائم ومن قال أن الانسان حر في أن يمارس الجنس ثم يلقي نتيجة لذته في الشارع ليضيع طفل رضيع ان مثل هذا الانسان رجلا أو أمراة يرتكب جريمة من اكبر الجرائم في حق الانسانية لانه سلب من طفل رضيع حق أن تكون له أم وأب واخوة وأسرة، وقارنوا هذا الوضع باطفال الامة الاسلامية الذين يعيشون مع اسرهم وفي كل الاحوال يعرفون اباءهم وأمهاتهم وما أعدل واحكم قوانين الشريعة الإسلامية التي تنصفنا أطفالاً ورجالا ونساءا وتعلمنا حدود الحريات الصحيحة.(1/27)
(6) قدمت الحضارة الغربية الكثير للمراة فقد فتحت لها المدارس والجامعات وشجعتها على العمل وأعطتها الحرية في اختيار الزوج، ولكنها من ناحية اخرى اضرت المرأة، فقد فككت الاسرة والتي تعتبر مملكة المرأة وازهدت الناس في الزواج، واستسهلت الطلاق، وضيعت حقوق الام، فلا يرى الابناء حقوقا عظيمة لامهم وقد لا يذكرونها الا في أعياد الميلاد ويتركونها للوحدة ومن يعرف حنان الأم وعطاءها يعرف كم هي قاسية هذه الحضارة التي لا تعرف للام حقوقا عظيمة وظلمت الحضارة الغربية المرأة عندما استغلت جمالها الجسدي أسوأ استغلال فدور المرأة في كثير من الأفلام لا يزيد عن دور جنسي والرجل الغربي يجد الباب مفتوحاً أمامه لإقامة عشرات العلاقات الجنسية دون أن يتحمل أي تكاليف أو مسئوليات قانونية، وعندما يذبل جمال المرأة تكسد في سوق الرجال وتعيش وحيدة منبوذة أما في شريعتنا فلا يسمح إطلاقا للرجل بإقامة علاقة جنسية إلا ضمن إطار الزواج الذي يلزم الرجل بمهر ومسكن ومصاريف وما يترتب على هذا الزواج من أبناء بينما المرأة الغربية وباسم الحرية المزورة تفقد كل هذه الحقوق فالفرق شاسع بين رابطة زوجية ورابطة شيطانية واختيار الرجل للمرأة كزوجة معناه الاحترام والحب والاقتناع فقد اختار شريكة لحياته وأما لأبنائه واختيار للمرأة كعشيقة هو اختيار لجسد يلهو به ولا يحترم صاحبته ولا يراها أهلا لأن تحمل اسمه أو تكون أما لأبنائه والحضارة التي تسمح قانونا وعرفا بأن تكون المرأة جسدا بلا كرامة هي حضارة متخلفة لانها تخالف القيم الانسانية السامية التي تدعو لها جميع الاديان السماوية. بعد هذه الادلة الواضحة على تخلف الغرب وتعاسته والتي تثبت أن الحضارة الغربية ليست حضارة راقية وبالتالي لا تصلح لان تكون مثلاً يحتذى أو نموذجا يقلد. نقول رحم الله أحمد شوقي الذي لخص جزءاً هاما من الرقي الحضاري في قوله:(1/28)
وإنما الامم الاخلاق ما بقيت فان همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا وما يحز في النفس أن نجد بعض مثقفينا لا يزالون يقلدون الغرب في عقائده وفلسفته وعاداته ويظنون أن ديننا هو سبب تخلفنا، وهم لا يعرفون من ديننا إلا القليل ولا يعرفون ما كتب علماؤنا وليتهم تعلموا من الغرب كيف نزرع ونحصد ونصنع ونبحث ونخطط ولكنهم فشلوا في أغلب هذا ولم يأخذوا من الغرب الا تخلفه الفكري ونهمس بإذن هؤلاء وحجم التخلف الهائل الذي نعيشه يرهقنا ونقول المثل المصري (( جيتك يا عبدالمعين تعين لقيتك يا عبدالمعين تنعان)).
ونقول: المستجير بعمرو عند كربته ……كالمستجير من الرمضاء بالنار
كم من مريد للخير لن يصيبه!
قال عمر بن عبالعزيز رضي الله عنه:
" من عبدالله بغير علم كان يفسد أكثر مما يصلح".(1/29)
الأهداف العامة لكثير من العقائد والسياسات والنظم أهداف نبيلة لاغبار عليها ومع ذلك نجد أن الأفراد المخلصين من حملة المبادىء لايحققون السعادة التي يريدونها لقومهم أو للبشرية أي أن نواياهم الطيبة وإخلاصهم لم تكن كافية لتحقيق ما يريدون بل أن بعض هؤلاء المخلصين قد يصبحون من أكثر الناس إجراما واستبداد وشرا، فالشيوعية مثلا هدفت إلى إنصاف الفقراء والعمال ومساواة البشر وحققت جزءا من أهدافها ولكنها أنتجت كذلك الاستبداد والتخلف الاقتصادي والأنظمة البوليسية ومنعت الناس حتى من حرية الخروج والهرب من الجنة الشيوعية المزعومة بل حتى هدف القضاء على الفقر وهو الهدف الذي قامت من أجله فشلت في تحقيقه. فالعالم الغربي أكثر غنى ورفاهية من العالم الشيوعي، والرأسمالية الغربية حملها المؤمنون بالحرية والعدل والمساواة وحقق المخلصون بعض أهدافهم ولكنهم فشلوا في قضايا مهمة فقد عبدوا المال وتفككت الأسرة وأنتجت الحضارة الغربية الاستعمار والقلق والايدز والمخدرات وغير ذلك،والبوذية ركزت على الجوانب الروحية والأخلاقية وأهملت الجوانب المادية والتشريعية، والنازية تمادت في اعتزاز الإنسان بوطنه وجنسيته فأنتجت الغرور والحروب وباختصار فإن الأهداف النبيلة والنوايا الحسنة يضيع أصحابها أن لم يهدهم الله للطريق المستقيم ولهذا قيل: الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة وقال العلماء: لاعمل بدون علم، ولاشك أن بعض هؤلاء المخلصين الضائعين قد حققوا ايجابيات في المساواة والحرية والقوة والتقدم التكنولوجي ولكن الحقيقة الواضحة أن المحصلة النهائية لإعمالهم هي الفشل الذريع فروسيا تئن من الضياع الشيوعي وأمريكا عملاق تنتشر الأمراض في عقله وجسده، والنجاح هدف قامت من أجله ثورات وأنظمة ومع هذا لم يصل أصحابها إلى ما يريدون من أهداف فحققوا بعضها وفشلوا في أكثرها وكم من مخلصين وقفت معهم شعوبهم ووصلوا إلى الحكم ومع هذا وبعد سنوات أصبحوا(1/30)
مكروهين كما أصبحوا أكثر ضررا على شعوبهم من سابقيهم مع أن نواياهم كانت وما زالت نوايا طيبة وأصحاب النوايا الحسنة ضاعوا لأنهم يجهلون الحياة والكون والانسان ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ومن يضل الله فلا هادي له والاسلام يعمل على ترشيد النوايا الحسنة والأهداف النبيلة ويحققها فيعطي الفقراء والعمال حقوقهم كاملة ويسمح كذلك بوجود الغنى الشريف ويعطي مجالا لاعتزاز الفرد بشعبه وأمته دون أن يتحول هذا الاعتزاز الى عنصرية ويعطي كذلك مجالا للاخلاق والروحانيات ومجالا للماديات ويحقق الاسلام المساواة والعدل والحرية بطريقة واقعية وسليمة فالاسلام دين شامل يعطي كل ذي حق حقه ولا يعطي الاغنياء والفقراء أقل أو أكثر من حقوقهم ولا يجعل الجوانب المادية تطغى على الجوانب الروحية أو العكس كما أنه لا يكبت الغريزة الجنسية ولا يتركها بلا قيود أو ضوابط هو دين وسط يحقق التوازن والعدل في كل شىء فهناك حقوق الله وحقوق للعباد والدولة والحكومة والوالدين والاقارب وهكذا وما لم يستطع أن يحققه كثير من أصحاب النوايا الحسنة هو معرفة تحقيق هذا التوازن، وقد رأت الشعوب الفشل واضحا واقتنعت بأن النظرية الدافعة لهؤلاء المخلصين نظرية فاشلة وأصبح المخلصون يتحدثون عن تصحيح نظرياتهم وعقائدهم وهكذا يستمر مسلسل التصحيح الى الابد ويستمر خداع الشعوب والامم بشعارات جديدة ونبيلة وتكتشف الشعوب مع الايام ومع زيادة الوعي أن السعادة حلم وسراب والبشرية اليوم حائرة وضائعة فالتوازن عملية لا تتم الا في ظل الاسلام وحرص الرسول (() على التوازن وحذر بشدة من الانحراف حتى لو كانت النية طيبة ولهذا قال لمن كان يقوم الليل يصلي ولا ينام ولمن يصوم ولا يفطر ولمن اعتزل النساء فلا يتزوج أنا أصوم وأفطر وأقوم الليل وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني، ولاحظوا تبرأ الرسول ممن يفقد التوازن ويبتدع في الدين لان التمادى حتى في الخير غالبا ما(1/31)
يكون شرا لان التوازن للفرد والحكومة والامة يختل وفقدان التوازن حدث لكثير من الفرق والاتجاهات الاسلامية فالمتصوفة ركزوا على الاخلاق والزهد تركيزا شديدا ففقدوا التوازن العقائدي والتشريعي والمعتزلة تمادوا في الاعتداد بالعقل والرأي فأصابتهم بعض عيوب الفلاسفة كالجدل والقيل والقال والخوارج فقدوا التوازن لانهم تمسكوا تمسكا أعمى بالنصوص القرأنية وأهملو العقل والفهم فضلوا. وفقدان التوزان حدث في عصرنا لحكومات وأحزاب وجماعات وأفراد وذلك مع وجود حسن النية فهناك من أعطى الحكومات سلطة أكبرها مما لها في شرع الله فضل. وهناك من أعطى الشعوب أو العلماء أو الاولياء أو الحكام أو الجماعات أكثر أو أقل مما يجب وهنالك أيضا من أعطى مصالحه الشخصية أكثر مما لها فضل وهناك من أهتم بالدنيا على حساب الاخرة، وهم كثيرون فضلوا وهناك العكس وهم قليلون فضلوا أيضا وهناك من اعطى زوجته أو أولاده أو أصدقائه أكبر أو أقل مما ينبغي فضل وشقى والتوازن مطلوب أيضا في دائرة الفرد فهناك حقوق الله وحقوق للنفس وحقوق للاهل وهكذا فمن الخطأ أن يكون عقلك نشيطا. وجسمك كسولا، وهناك من فقد التوازن نتيجة لظروفه فاحساسه بظلم حكومة أو حزب أو اتجاه جعله يتطرف في العداوة أو البغضاء وقد يستدل بآيات وأحاديث ولكنه يتجاهل آيات أخرى لا تحقق مراده وتفضح تطرفه. والتوازن ووضع كل شىء في موضعه السليم مطلوب حتى في قضايا الاصلاح الإداري الذي يطالب به كثيرون ونواياهم حسنة ولكن قلة هم من لديهم العلم بالتخطيط والتطوير الوظيفي والتدريب والتقييم وغير ذلك من معلومات أساسية.(1/32)
ونقول باختصار إن أسباب فقدان التوازن كثيرة جدا حتى قال القائل: "لا أعجب ممن هلك كيف هلك ولكني أعجب ممن نجا كيف نجا" ولعل أهم أسباب الضياع التطرف في عقيدة او خلق أو عادة أو فكرة أو عبادة أو شدة أو لين كما أوضحنا أعلاه وقد يكون سبب الضياع هو جزئية الدعوة وغموضها بمعنى أن المعلن من الدعوة لا بأس به ومقبول عقلا كما حدث مع الشيوعية، فحقوق الفقراء أمر مطلوب ولكن موقف الشيوعية من الحريات والانتخابات والاغنياء الشرفاء وحقوق الانسان وغير ذلك كان شيئا مجهولا ولا بد لمن يحرص على اصلاح الامة أن يطالب كل قوة رئيسية في الامة بتصورها الشمولي للقضايا المهمة ومن الخطأ الظن بأن التاريخ النضالي للافراد والاحزاب والحكومات يكفي للوصول لخير الامة فالنوايا الحسنة لا تكفي وحدها وفي الختام نقول أن أسباب الشقاء والضلال كثيرة والنجاة منها تكون أساسا باستخدام العقل في فهم القرآن والسنة على ضوء ما قاله العلماء المخلصون فإذا كان مصدرنا في ترشيد نوايانا وأعمالنا هو القرآن والسنة فنحن بخير وعلى هدى في جميع أمورنا العقائدية والسياسية والاجتماعية والشخصية وسنكون كما قال رسول الله (() على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها الا هالك والتمسك بكنوز العلم والتوازن والعدل في الكتاب والسنة في ظل فهم سليم ليس جمودا وتعصبا ورجعية بل هو فطنه وذكاء ونور وهداية والمتأمل في عقائد البشر وعاداتهم وأسباب شقائهم يدرك ما نقول فلنقرأ الكتب المفيدة والواقع ولنبحث عن الحقائق فكلما ازددنا علما ازددنا سعادة فالجهل ظلام والعلم نور ونترككم مع هذه الحادثة التي تحمل الكثير من المعاني والعبر قال عمرو بن سلمة: ((كنا نجلس على باب عبدالله بن مسعود قبل صلاة الغداة فاذا خرج مشينا معه الى المسجد فجاءنا أبو موسى الاشعري فقال: أخرج اليكم أبو عبدالرحمن بعد؟ قلنا: لا فجلس معنا حتى خرج فلما خرج قمنا اليه جميعا فقال له أبو موسى: يا أبا عبدالرحمن إني(1/33)
رأيت في المسجد أنفا أمر أنكرته ولم أر والحمد الله إلا خيرا قال: فما هو؟ فقال: ان عشت فستراه قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصا فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة ويقول سبحوا مائة فيسحبون مائة قال: فماذا قلت لهم؛ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك أو انتظار أمرك قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبدالرحمن حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شىء ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابه نبيكم (() متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر والذي نفسي بيده انكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا والله يا أبا عبدالرحمن ما أردنا إلا الخير قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه أن رسول الله (() حدثنا (( أن قوما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم)) وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ثم تولى عنهم فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج" (15).
العلم سعادة والجهل شقاء
كلما ازددنا علما ازددنا سعادة
عندما تضيع الحقائق يضيع المخلصون فالحياة في ظلام الجهل شقاء والحياة في نور العلم سعادة قال تعالى: ? أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون? (122) سورة الانعام.(1/34)
وقال تعالى ? يهدي الله لنوره من يشاء? سورة النور وما أكثر النور في الكتاب والسنة لو درسناهما وتفكرنا وعقلنا فلنحرص على العلم بكافة أنواعه فجزء من شقائنا منبعه الاقتناع بآراء ومفاهيم وعقائد خاطئة فكلما عرفنا الحقائق الفكرية والمادية وحقائق الواقع والتاريخ ازددنا سعادة والطرق التي أضاعت الحقائق كثيرة وهذه الطرق جعلت جزءا غير قليل من مثقفينا يرتكبون كثيرا من الاخطاء العقائدية والسياسية ويجهلون أسس الاصلاح وطبائع البشر ونخطىء عندما نظن أن المقصود بالجهل هو الامية بل الجهل هو عدم معرفة الحق من الباطل والصواب من الخطأ فالجاهل قد يكون من أصحاب شهادة الدكتوراه ولكنه مقتنع بأن لا خالق لهذا الكون أو أن الاستبداد نظام صحيح أو لديه تعصب وعنصرية لشعب أو أمة أو غير ذلك وعموما فقد دخل الجهل ولا يزال يدخل للعقل البشري من أبواب كثيرة نذكر منها.
(1) أخذ العلم من غير أهله:
من أهم مصادر ضياع العلم أخذخ من غير أهله فمثلا وجدنا من قال أن الانسان تطور من قرد وأن ذلك حدث عن طريق الطفرة وعندما نسأل علماء الوراثة والطفرة نجد أن الطفرة التي يعرفها علماء الاحياء لم يثبت أنها نقلت جنسا الى جنس آخر أي لا تحول القرد الى انسان ابداً ووجود بعض التشابه بين القرد والانسان لا يعني أنه ليس هناك اختلافات كبيرة بينهما وبالتالي فحديث أهل الجهل عن الطفرة يسبب تزويرا للحقائق العلمية ولهذا وجدنا بعض الفلاسفة يتحدثون عن خلق الانسان وهم غير مطلعين حتى على المعلومات الاساسية في علم الاحياء وكم من حقائق تم تزويرها لان الناس لم يسألوا أهل العلم وسألوا غيرهم قال تعالى ? فاسئلوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون? (7) سورة الانبياء وكم من معلومات ورآء تتداول في مجالسنا وصحافتنا واجتماعاتنا والمتحدثون في موضوع النقاش ليسوا من أهل العلم وما أكثر الحقائق الني ضاعت من هذا الباب.
(2) غياب الادلة الفكرية:(1/35)
يعتمد أسلوب الوصول للحقائق في العلم المادي وهو العلم المختص بقضايا الصناعة والزراعة والطب والهندسة وغير ذلك على أسلوب التجربة والمشاهدة والاستنتاج في حين أن هذا الاسلوب لا يوصلنا للحقائق في الالهيات والانسانيات والقوانين والشرائع فالحقائق في هذه القضايا يتم التوصل لها عن طريق الادلة الفكرية فمثلا وجدنا من قال في الأمور الغيبية أن الكون خلق من صدفة أو من صدفتين أو مائة صدفة أو غير ذلك وهذا لا يجوز فما هو الدليل الفكري على ما يقول؟ وهناك تزوير أكثر كفاءة ويقدم أدلة فكرية مزورة فنجد الشيوعيين والملاحدة يقولون أن الله غير موجود ودليلهم اننا لا نراه فهو اذن غير موجود والعقل والعلمية يفرضان علينا أن لا نحكم بوجود شيء من عدمه الا بعد بحث فمثلا لا نقول أنه لا يوجد في هذا البيت جهاز تلفاز إلا بعد أن نبحث في جميع حجرات البيت فإذا لم نجد تلفازا يصبح كلامنا حقيقة ودليل الشيوعيين مزور لانهم لم يبحثوا في هذا الكون العظيم عن الله ولم يجدوه بل أن الله حسب اعتقادنا هو خالق هذا الكون ففي هذا الكون كواكب ونجوم ومجرات تحتاج الى ملايين السنين حتى نعرف ما يوجد فيها فكيف يحق للشيوعيين اعتبار عدم وجود الله حقيقة علمية فكلامهم مدعوم بدليل مزور ومع هذا نفوا صحة الدين وصدق الانبياء وشرعوا للانسان ولا دليل لديهم يقبله العقل.
(3) الثقة الزائدة بحجم ما نعلم:(1/36)
أحد أبواب الضلال هو اعتقاد العلماء والناس بأن ما يعرفونه من العلم هو شىء كثير ونحن نعلم عن يقين أن علم العلماء محدود وسيبقى محدودا الى أن يرث الله الارض ومن عليها والدليل هو قوله تعالى?وما أوتيتم من العلم إلا قليلا? (85) سورة الاسراء فما يعرفه علماء الارض من علم هو قليل، فكيف بما يعرفه عالم أو علماء فثقة الناس الكبيرة في العلماء بحاجة الى ترشيد وخاصة عندما يتعارض علمهم مع حقائق الدين أو عندما يبدأ العلماء كما حدث في الغرب في التشريع للانسان والتكلم عن السعادة والشقاء وأمور التربية والاخلاق فزلة العالم يزل بها عالم ولقد كان علماؤنا مع استرشادهم بحقائق الكتاب والسنة يحترمون العلم ويعلمون أن الكلمة أمانة فقد سئل مالك بن أنس رضي الله عنه عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري وكان عبدالله بن زيد يقول (ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري حتى يكون أصل منه في أيديهم إذ سئل أحدهم عما لا يعلم أن يقول: لا أدري وسئل أبو يوسف عن شىء فقال ( لا أدري، قيل له تأكل من بيت المال كل يوم كذا وكذا وتقول لا أدري فقال (أكل منه بقدر علمي ولو أكلت بقدر جهلي ما كفاني ما في الدنيا جميعا) وقال اعرابي ?لا تقل فيما لا تعلم فتتهم فيما تعلم? وقال علماؤنا: من قال لا أدري فقد أفتى ومع ما أنتجه الانسان من تكنولوجيا حديثة ومتطورة جدا كالآلات الحاسبة والطائرات والصواريخ وغير ذلك الا أن مساحة الجهل ما زالت وستبقى هي السائدة فما نعرفه عن الكون بنجومه وكواكبه هو شىء قليل لو قارناه بما نجهل ولو اجتمع علماء الارض كلهم لاحياء ميت مات قبل دقائق لعجزوا ولو اجتمعوا على خلق ذبابة لعجزوا فإذا كان علمنا كله عاجزا عن ذلك فأي علم وقدرة تلك التي خلقت بلايين النجوم والبشر والكائنات قال تعالى?أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون? (17) سورة النحل. وقال تعالى ?هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه(1/37)
بل الظالمون في ضلال مبين? (11) سورة لقمان. وقال تعالى ? ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له أن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وأن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب? (73) سورة الحج.
(4) الاحاديث الموضوعة والتاريخ المزور:
نظن أحيانا أننا نعرف الحقائق التاريخية بتفاصيلها فأحداث الفتنة التي حدثت في عهد عثمان أو غيرها واضحة لدرجة أن كل أو أغلب مانطق به أصحاب العلاقة معروف لنا مع أننا لم نكن مشاركين بالاحداث ولانطمئن الى كثير من المصادر لعدم حيادها أو لعدم تواجدها في مركز الحدث أو لعدم وجود وسائل أمينة لنقل المعلومات أو لجميع هذه الاسباب ولقد تم تشويه صور كثير من الصحابة والخلفاء والابطال بروايات مختلفة تتهمهم بالانانية أو الجهل أو الفسق أو الكذب ولماذا نذهب بعيدا الا يكفي أن نقول أن أغلبنا صدق لسنوات طويلة أن أحد أسباب هزيمتنا في حزيران 67 هو أن اغلب الطيارين المصريين كانوا في حفل ساهر في ليلة 5 يونيو ولكن وجدنا بعد سنوات طويلة من يصرح من كبار المسؤولين المصريين ممن لديهم علم بالحقائق أنه لم يكن هناك حفل ساهر وأن استثمار هذه الاشاعة أو تأليفها كان لاسباب معينة وحدث هذا التزوير وعرفنا أنه تزوير بعد سنوات طويلة ولم نكتشفه بأنفسنا مع وجود الجرائد وسهولة نقل المعلومات وكثرة المتخصصين بالسياسة والعلوم العسكرية فماذا نقول عن أحداث كثيرة حدثت في ظل غياب أغلب هذه الامكانات ويكفي أن نعرف أن أحاديث الرسول (() وهي الاحاديث التي أهتم بها الصحابة والتابعون والعلماء وعملوا أن طاعة الرسول (() من طاعة الله حاول كثيرون تزويرها الى درجة أن أصبحت الاحاديث الموضوعة والضعيفة بالآلاف والحمدالله أن العلماء ركزوا جهودهم وفضحوا الاحاديث الموضوعة وصنفوا الكتب الكثيرة في علم الحديث وما زالت الاحاديث الموضوعة والضعيفة مصدر ضلال فلنحذرها فشرها كبير وأثرها عظيم(1/38)
ولنبتعد عن ربط علمنا بأحداث تاريخية مزورة فلا يبني على أحداث التاريخ عقائد أو شرائع فالاسلام هو الكتاب والسنة.
(5) وضع الدليل في غير موضعه:
يأتي الضلال أحيانا مدعوما بأدلة من الكتاب والسنة فنجد المتحدث يأتي بأدلة من آيات القرآن والاحاديث الصحيحة تؤيد ما يدعو له من عنف أو تخاذل أو ربا فيأتي مثلا بآيات تتحدث عن قتال الكفار في حين أنه يستخدمها في تبرير توجيه سهامه الى مسلمين وأحيانا يأتي بآيات قرآنية ويتجاهل آيات قرآنية تفسر هذه الآيات وهذا التزوير للحقائق يحدث نتيجة جهله أو جهل المستمعين بمعاني الاحاديث وتفاسير العلماء فالاستشهاد بالآيات القرآنية والاحاديث الصحيحة هو الاسلوب السليم ولكن الاستشهاد يتطلب وضع كل آية في موضعها ويتطلب فهم معنى كل حديث فالعقول والنصوص تعمل معا والفهم الاعمى كارثة ونحذر المخلصين من التحدث في الدين بغير علم فهذا مصيبة كبرى لانه كذب على الله وما أجرم من يصور دين الله للناس على أنه تعصب وعنف وقسوة.
(6) ربط النظرية بالأفراد والدول:(1/39)
من الضروري الفصل بين النظرية وأصحابها فالخلط بين الحكام والشعوب والجماعات والاحزاب والافراد وبين المبادىء والافكار والعقائد والسلوك يسبب في بعض الاحيان ضياعا للحقائق فقد تكون النظرية صحيحة ولكن أخلاق وعقائد من يدعون الانتساب لها سيئة ولا تمثل ما تدعو له هذه النظرية فقد نجد فيمن ينتسبون للاسلام اسميا منافقون ومرتشون وفاسقون ومتطرفون وظالمون في حين أن الاسلام يدعو الى الصدق والأمانة والعفة والعدل وفي نفس الوقت قد نجد شيوعيين يدافعون عن مصالح الشعوب في دعوتهم فالإخلاص وعدمه ليس المدخل للبحث عن الحقائق والحكم على النظريات لان المعروف أن الشعوب والافراد لا يعكسون في كل وقت وحين المبادىء التي ينتمون لها فكما نجد شيوعيين صادقين فإننا نجد كذلك ستالين وهو من أكبر المجرمين في تاريخ فقد قتل الملايين من أبناء الاتحاد السوفيتي. فالحكم على النظريات يجب أن يتم بناء على ما تقول هذه النظريات وما هي أدلتها العقلية ولهذا نجد الامام على ابن أبي طالب كرم الله وجهه يقول لرجل قال له ما معناه هل تريدني أن أقاتل طلحة والزبير وهما من الصالحين قال: (ويحك أعرف الحق تعرف أهله) وطلحة والزبير من الصحابة ولكن الذي يبحث عن الصواب لا ينظرا الى أخلاق الناس ثم يبني على أخلاقهم أنهم على صواب أو الخطأ في اجتهاداتهم أو عقائدهم فالامام علي نبه الرجل الى أن على الانسان أن يبحث عن الحق أولا وإذا عرفه سيعرف مع من يحارب.
(7) النظرة السطحية:(1/40)
نقص المعلومات وقلتها تجعلنا نصل الى قناعات غير صحيحة للقضايا الفكرية والمادية والاحداث والتعمق في الدراسة يجعلنا نصل الى الحقائق فالنظرة السطحية للديمقراطية قد تجعلنا نرفضها فقد نعتبرها كفرا أو الحادا أو تقليدا للغرب ولكن النظرة العميقة تجعلنا نقتنع أن جوهر الشوري والديمقراطية واحد وأن المرفوض من أجزاء الديمقراطية هي أجزاء صغيرة فلنطالب بمزيد من المعلومات قبل أن نصل الى قناعات وكلما زادت المعلومات الصحيحة وليست الخاطئة لدينا كلما سهل علينا أن نعرف حقائق كثيرة وسنرى الصورة واضحة فالتفصيل خير لا بد منه وإذا تعمقنا في نظرتنا للامور سنرى أن الاتجاه الاسلامي ليس اتجاها واحد بل هو اتجاهات منها المعتدل ومنها المتطرف وفي الاتجاهات المعتدلة مخلصون ومنافقون ومن المخلصين أذكياء واغبياء وكذلك الامر بالنسبة للاتجاه القومي وسنرى الدولة العثمانية بايجابياتها وسلبياتها وسنرى العلاقة بين العقل والشريعة ومجال كل منهما وسنرى حسنات الغرب وسيئاته والشىء الجميل في هذا الموضوع أنه كلما زادت المعلومات الصحيحة والدراسات العلمية اسهمنا بصورة كبيرة في حل كثير من الاختلافات في الأراء التي تحدث في مجالسنا النيابة وصحفنا واجتماعاتنا فالحقائق ستظهر واضحة ولهذا نجد القضاة يحرصون قبل أن يصدروا أحكامهم على رؤية القضية من مختلف جوانبها والتأكد من صحة المعلومات ولو فعلنا ذلك لاصحبت الصورة واضحة فلنطلب مزيدا من المعلومات والشرح فهذا من السعادة.
(8) غياب الموضوعية:(1/41)
ما أكثر الكتب والمجلات والصحف التي لا تتحدث بموضوعية فالاعداء أو الخصوم يتم تشويههم بصورة واضحة ولهذا تكون المعلومات التي عندنا عن آراء أو احداث أو أفراد أو حكومات معلومات مشوهة فالموضوعية وللاسف يفتقدها الكثيرون بحسن نية أو بسوئها والمفروض أن يتحدث المخلصون حديثا صادقا لان عدم الموضوعية كذب والكذب رذيلة وزاد الطين بلة أننا نمارسها ونشجعها من حيث لا ندري حيث نسمع الرواية من طرف واحد ولا نحاول أن نسمعها من الطرف الآخر فنصدق صحيفة أو كتابا أو حزبا أو جماعة أو حكومة لاقتناعنا بهم ولا نسمع حتى لمن يخالفهم وحتى نقترب من الموضوعية لابد من الاستماع لمختلف الاطراف وتشجيع الندوات والمحاضرات العامة ومواجهة الآخرين بما يقال عنهم فقد تكون عندهم ردود مقنعة واحد الادلة الواضحة التي تبين غياب الموضوعية هي أننا نتحدث عن ايجابياتنا وانجازاتنا ولا نتحدث عن سلبياتنا وفشلنا فانجازات الوزارة والمؤسسة والجامعة تكون دائما كبيرة وواضحة أما السلبيات فغالبا ما تكون غير موجودة أو قليلة ولا يتحدث عنها الا بصفحات مختصرة والاخطاء تبقى موجودة حتى لو لم نعترف بها بل يزداد خطرها لانها تكبر مع كل صمت فلنكن موضوعيين مع أنفسنا ومع الآخرين ولنعترف أننا أمة نامية ومن الطبيعي أن ترتكب الأمم النامية أخطاء كثيرة وكبيرة لقلة علمها وخبرتها فالاخطاء في مؤسساتنا لا تعني أبدا أننا فاشلون اذا اعترفنا بها وعالجناها ولكننا بالتأكيد فاشلون اذا أنكرناها لأننا لا نملك أحد أسس النجاح ألا وهو الأمانة العلمية.
(9) اتباع الآباء والاجداد:(1/42)
منحنا الله سبحانه وتعالى عقولا لنفكر بها لا لنقلد الآخرين ولكن الملاحظ أن عدد كبيرا من الناس يتبعون افكار وأديان وعادات وتقاليد ابائهم وأجدادهم دون ان يستخدموا عقولهم في التفكير والحكم على هذه العقائد وحظها من الصواب والخطأ ولهذا ينشأ كثير من ابناء الهندوس هندوسا وكذلك كثير من ابناء البوذيين والمسيحيين والمسلمين وكذلك يتبع كثير من ابناء الطوائف والفرق ما توارثوه من عقائد ولقد انتقد الله هذا التقليد الأعمى بقوله ?وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أولو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون? (170) سورة البقرة. وهذا احد ابواب الضلال ويسانده ان المقلد يسمع فقط لأقوال علمائه وابائه ويكون افكاره عن الآخرين بناء على ما يقوله علماؤه فيضل ويجهل وتغيب عنه حقائق كثيرة فالاوروبيون مثلا يعتقدون ويربون ابناءهم على أن ديننا العظيم هو فقط دين الزواج من أربع ودين الحرب وقطع يد السارق ويتناسون أن لهذه القضايا أحكاما وضوابط ويتناسون بل يجهلون ما في ديننا من عقائد وأنظمة وافكار وعدل ورحمة وأخلاق وإنسانية وعقلانية وعموما فعلى الانسان أن يبحث عن الحقائق بقدر ما يستطيع وأن يبتعد عن العزلة الفكرية والعملية ولقد وهبنا الله عقولا لنفكر فيها لا لنجمدها ونقلد الآخرين واذا لم نفعل ذلك سنشقى والغريب فعلا ان هناك الكثير جدا من البشر لا يفكرون وأغلب هؤلاء في ظني اشتغلوا بجمع المال وبالعمل أو بالابناء أو بتوافه الامور أما الحقائق الكبرى في هذا الكون والتفكير الذي أمرنا الله به فهم عنه لاهون فالميزة التي ميز الله بها الانسان عن الحيوان وهي العقل عطلوا استعمالها فلنزداد ثقافة وعلما وتفكيرا ولنعلم أن الاهتمام بالعقول وتغذيتها بالمعلومات الصحيحة وبطرق التحليل والتفكير وتشجيعها على القراءة والمشاهدة المفيدة هي أحد اسس سعادة الأمم وهو ما نفتقد الكثير منه في مجالات التعليم(1/43)
والعمل حيث يسيطر اسلوب الحفظ والتلقين في مدراسنا وجامعاتنا ويضعف التفكير والحوار والنقاش ولقد ذكرنا بعض أبواب الجهل فلنحذرها فاذا دخل الجهل خرجت السعادة.
السعادة بين النظرية والتطبيق
…بينا في مقالات سابقة أن الطريق إلى السعادة يتطلب الالتزم بعقائد الاسلام الصحيح وأحكامه واحيانا نظن اننا نعبد الله وملتزمون بالاسلام ولكن حقيقة الأمر أن عبادتنا مشوهة او مفرغة من معانيها ولهذا تبقى السعادة سرابا لا حقيقة له في حياة الكثيرين فمثلا شهر رمضان هو شهر العبادة والقرآن والذكر والصدقات ولكننا حولناه إلى شهر الأكل وملأناه بالسهرات الطويلة والبرامج التلفازية المنوعة والصلاة التي هي عمود الدين لا يلتزم بها كثيرون فكيف نبحث عن السعادة والله سبحانه وتعالي يقول ?فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون? (5) سورة الماعون وترك الصلاة ليس اهمال جزئية بسيطة من الدين بل تركها هو ترك للدين كله كما بين الامام احمد بن حنبل في كتابه رسالة الصلاة حيث قال [وجاء الحديث عن النبي (() أنه قال: "اول ما تفقدون من دينكم الامانة وأخر ما تفقدون منه الصلاة وليصلين أقواما لا خلاق لهم"(16). وجاء الحديث "ان أول ما يسال عنه العبد يوم القيامه من عمله الصلاة فان تقبلت منه صلاته تقبل منه عمله وان ردت عليه صلاته رد سائر عمله" فصلاتنا اخر ديننا وهي أول مانسأل عنه غدا من أعمالنا فليس بعد ذهاب الصلاة اسلام ولا دين فاذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الاسلام فكل شئ يذهب أخر فقد ذهب جميعه].(1/44)
والحديث في شرح واقع المسلمين اليوم ونصيب الاسلام الصحيح من التطبيق حديث يطول ولكن ساكتفي بالتطرق بشئ من التفصيل لعبادة الشكر فنحن مقصورن في فهم وأداء هذه العبادة فكثير منا يظنون ان أكبر نعم الله علينا وأهمها هي نعمة المال ولو فكرنا لوجدنا أن نعم الله لا تحصى وأنها متاحة للفقير والغني فالسمع والبصر والعقل والاهل والابناء والصحة والهواء والماء والتوحيد وغير ذلك كثير هي بعض من نعم الله قال الحسن "من لا يرى لله عز وجل عليه نعمة الا في مطعم أو مشرب او لباس فقد قصر علمه وحضر عذابه" ومن الجهل الشديد ألا يعرف الانسان هذه النعم ويشكر الله عليها فنحن وللاسف لا نشكر الله على نعمة الصحة إلا بعد أن تصيبنا الامراض ونحن لا نرضى بأن نفقد عينا أو يداً حتى لو دفع لنا المال الكثير ومع هذا لا نشعر بقيمة هذه النعمة كما اننا نادرا ما نشكر الله على نعمة العقل وهي نعمة كبيرة نميز بها الخير من الشر ولا نشعر بنعمة الاقارب إلابعدأن نعيش في غربة ولا نشعر بنعمة الماء إلا بعد أن تجف الارض وتحل بنا المجاعات ومن الغفلة الا نشعر بهذه النعم الا بعد أن نفقدها مع أننا نعلم أن النعم بالشكر تدوم وبالكفر تزول قال تعالى ?واذ تأذن ربكم لئن شكرتكم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد? (7) سورة ابراهيم وقال ابن قدامة المقدسي في مختصر منهاج القاصدين بعدأن ذلك جملة من النعم التي أنعم الله عز وجل بها على بنى آدم" أعلم: أن الخلق لم يقصروا عن شكر النعمة الا للجهل والغفلة فانهم منعوا بذلك عن معرفة النعم، ولا يتصور شكر النعمة الا بعد معرفتها، ثم أن عرفوا نعمة ظنوا أن الشكر عليها أن يقول احدهم بلسانه: الحمدلله ولم يعرفوا ان معنى الشكر أن تستعمل النعمة في اتمام الحكمة التي اريدت بها وهي طاعة الله تعالى. أما الغفلة عن النعم فلها أسباب: أحدها: أن الناس لجهلهم لا يعدون ما يعم الخلق في جميع أحوالهم نعمة فلذلك لايشكرون على جملة(1/45)
مما ذكرناه من النعم لانها عامة الخلق مبذولة لهم في جميع أحوالهم فلا يرى واحد منهم اختصاصا به فلا يعده نعمة فلا تراهم يشكرون الله على الهواء ولو أخذ بمخنقهم لحظة حتى انقطع الهواء عنهم ماتوا ولو حبسوا في حمام أو بئر ماتوا غما فان ابتلى احدهم بشئ من ذلك ثم نجا قدر ذلك نعمة يشكر الله عليها وهذا غاية الجهل اذ صار شكرهم موقوفا على أن تسلب عنهم النعمة ثم ترد اليهم في بعض الاحوال، فالنعم في جميع الاحوال أولى بالشكر فلا ترى البصير يشكر صحة البصر الا أن يعمى فإذا أعيد بصره أحس بالنعمة وشكرها حينئذ وعدها نعمة وهو مثل عبد السوء يضرب دائما فاذا ترك ضربه ساعة شكر وأن ترك ضربه أصلا غلبه البطر وترك الشكر"ومن الشكر أن لا ننفق أموالنا في الحرام وان لا نخدع بعقولنا الذكية من هو أقل منا ذكاء وان لا نستغل قوة الاهل أو القبيلة أو المركز في ظلم الضعفاء وأن لا ننظر إلى ما حرم الله قال ابن تيمية في تعريف الشكر "هو أداء الواجبات الشرعية" وقال ابن القيم "هو العمل بالطاعة".
وكثير من الناس لا يقدر ما عنده من النعم ويطمع بالمزيد ويخدعه الشيطان بالأماني ويهلكه بالطمع فلا يدعه يحس بنعم الله ويغريه كل يوم بأمل جديد في مال يزيد أو منصب رفيع أو شهادة أعلى وليس عيبا أن يكون الانسان طموحا ولكن العيب أن ينسى شكر ما عنده من النعم ولو نظر الانسان لمن هم أقل منه في الشهادة أو العلم أو المال أو الصحة لاستحى أن يعصى الله وخجل من نفسه قال رسول الله (() "أنظروا الى من اسفل منكم ولا تنظروا الى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمةالله (قال ابو معاوية) عليكم" (17) ونترككم مع بعض ما قاله عقلاء المسلمين وجمعه ابي بكر عبدالله بن ابي الدنيا في كتاب الشكر:
1- قال مخلد بن حسين "كان يقال: الشكر ترك المعاصي".
2- قال ابو حازم:"كل نعمة لا تقرب من الله عز وجل فهي بلية".
3- قال عمر بن عبدالعزيز: "قيدوا نعم الله بشكر الله".(1/46)
4- قال أبو حازم: "اذا رايت الله عز وجل يتابع نعمة عليك وأنت تعصيه فاحذره".
5- قال الحسن:"بلغني أن الله عز وجل إذ انعم على قوم سألهم الشكر فإذا شكروه كان قادرا على ان يزيدهم فإذا كفروه كان قادرا على ان يقلب نعمته عليهم عذابا".
6- قال الحسن بن أبي الحسن في قوله تعالي ?إن الانسان لربه لكنود?(6) سورة العاديات: يعدد المصائب وينسى النعم.
7- قيل:"ومما ينبغي أن تعالج به القلوب البعيدة عن الشكر أن يعرف أن النعمة اذا لم تشكر زالت".
8- قال سفيان في قوله - جل وعز- ?سنستدرجهم من حيث لا يعلمون? (182) سورة الاعراف يسبغ عليهم النعم ويمنعهم الشكر".
9- قال بكر بن عبدالله المزني: "يا ابن آدم اذا اردت ان تعلم قدر ما أنعم الله عز وجل عليك فغمض عينيك".
10- مر محمد بن المنكدر بشاب يقاوم (18) امرأة فقال: يا فتى ما هذا جزاء نعم الله عز وجل عليك".
الذنوب منبع الشقاء (19)(1/47)
…ابتلينا والحمد لله على كل حال ببعض المثقفين الذين لا يؤمنون بأن اخطر أعدائنا هي معاصينا، فالطاعات هي سبب كل خير وسعادة ونصر، والمعاصي هي سبب كل شر وشقاء وهزيمة، قال ابن القيم [وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الامم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على ان التقرب إلى رب العالمين وطلب مرضاته والبر والاحسان إلي خلقه من أعظم الاسباب الجالبة لكل خير واضدادها من أكبر الاسباب الجالبة لكل شر فما استجلبت نعم الله تعالى وأستدفعت نقمه بمثل طاعته والتقرب إليه والاحسان إلى خلقه وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والاخرة وحصول الشرور في الدنيا والاخرة في كتابه على الاعمال ترتب الجزاء على الشرط والمعلول على العلة والمسبب على السبب وهذا في القرأن يزيد على ألف موضع فتارة يرتب الحكم الخبري الكوني والامر الشرعي على الوصف المناسب له كقوله تعالي ?فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين? سورة الاعراف، وقوله ?فلما ءاسفونا انتقمنا منهم? سورة الزخرف] وقال عبدالله بن مسعود "إذا ظهر الزنى والربا في قرية أذن الله عز وجل بهلاكها" وقال ابن القيم [وها هنا نكته دقيقه يغلط فيها الناس في أمر الذنب وهي أنهم لايرون تأثيره في الحال وقد يتأخر تأثيره فينسى"]. وقال ["وسبحان الله ماذا أهلكت هذه النكتة من الخلق؟ وكم أزالت من نعمة؟ وكم جلبت من نقمة؟ وما أكثر المغترين بها من العلماء والفضلاء، فضلا عن الجهال؟ ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقض ولو بعد حين كما ينقض السم وكما ينقض الجرح المندمل على الغش والدغل]، ولقد بين الله سبحانه وتعالى ان رحمته للمحسنين والطائعين والتائبين وليست للعاصين قال تعالى ?ان رحمة الله قريب من المحسنين? سورة الاعراف، وقال ابن القيم [فيالله ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله اذا لقوه ومظالم العباد عندهم فان كان ينفعهم قولهم حسنا ظنونا بك أنك لم تعذب ظالما ولافاسقا فليصنع(1/48)
العبد ما يشاء وليرتكب كل ما نها الله عنه وليحسن ظنه بالله فان النار لا تمسه فسبحان الله؟ما يبلغ الغرور بالعبد وقد قال ابراهيم لقومه ?أئِفكا آلهة دون الله تريدون؟ فما ظنكم برب العالمين? سورة الصافات، اي ما ظنكم به ان يفعل بكم اذ لقيتموه وقد عبدتم غيره ومن تأمل هذا الموضوع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه فان العبد انما يحمله على حسن العمل حسن ظنه بربه أنه يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه فالذي حمله على حسن العمل حسن الظن فكلما حسن ظنه بربه حسن عمله والا فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز كما في الترمذي والمسند من حديث شداد بن أوس عن النبي (() "قال الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله" وبالجملة فحسن الظن انما يكون مع انعقاد أسباب النجاة واما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتي إحسان الظن].(1/49)
وقال الحسن "ان قوما ألهتهم أماني المغفرة حتىخرجوا من الدنيا بغير توبه يقول أحدهم: لأني أحسن الظن بربي وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل" ومما يثبت كذب هؤلاء قوله تعالى ?إنما المؤمنون الذين أمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله واولئك هم الصادقون? سورة الحجرات، فمن عمل هذه الاعمال فهو الصادق ولا عذر لمن علم، وقال ابن القيم [ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف] ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الكثيرين لا يقدرون بصورة سليمة خطر تقصيرهم في العبادات أو فعلهم للمعاصي فقد جاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنه قال "انكم لتعلمون أعمالا هي ادق في أعينكم من الشعر وان كنا لنعدها على عهد رسول الله (() من الموبقات" وذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال " أن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه وان الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار" واليكم بعض الادلة الواضحة للارتباط القوي بين المعاصي والخسران في الدنيا والاخرة وبين الطاعات والفوز في الدنيا والاخرة.
1- المعاصي تذهب الخيرات وتزيل النعم وتجلب المصائب:
قال ابن القيم [ومن عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم فما زالت عن العبد نعمة الا بذنب ولا حلت بعبد نقمة الا بذنب كما قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه "ما نزل بلاء الا بذنب ولا رفع الا بتوبة" وقد قال تعالي ?وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير? سورة الشورى، وقال تعالى ?ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم? سورة الانفال] وقال ابن القيم [ومن أثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الارض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن قال تعالى ?ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون? سورة الروم].(1/50)
2- حرمان العلم:
المعاصي تذهب العلم وتزرع الجهل، والطاعات تورث الحكمة والبصيرة والامم المطيعة هي الامم المهتدية والقوية لان البناء في نور العلم ليس كالبناء في ظلمات الجهل فالصواب في الاسس والاجتهادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعقائدية مرتبط ارتباطا وثيقا بالطاعات قال تعالى ?ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور? سورة النور، وقال تعالى ?يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر الا أولو الالباب? سورة البقرة، فجهل الشعوب وتخلفها العلمي لا يعالج فقط ببناء المدارس والجامعات بل لا بد من العمل بالطاعات واجتناب المعاصي. ولنفرق بين العلم والمعرفة النظرية للحق والصواب فالطاعة تحول ما ندرس من معلومات صحيحة وأخلاق فاضلة إلى واقع عملي نطبقه والمعصية تجعله مثاليات ندرسها ولكننا لسنا على استعداد لتطبيقها، وبالتالي فبركة المعرفة ونور العلم لا تظهر في المجتمعات العاصية فالعلم بدون تطبيق كالجهل تماما. قال ابن القيم [لما جلس الامام الشافعي بين يدى الامام مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه فقال: اني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية].
3- المعاصي تسبب نسيان الله للعبد ونسيان العبد لنفسه:(1/51)
قال ابن القيم [ومن عقوباتها أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بين وبين نفسه وشيطانه وهناك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة. قال تعالى ?يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله أن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون? سورة الحشر، فامر بتقواه ونهى أن يتشبه عباده المؤمنون بمن نسيه بترك تقواه وأخبر أنه عاقب من ترك التقوى بأن أنساه نفسه أي أنساه مصالحها وما ينجيها من عذابه وما يوجب له الحياة الابدية وكمال لذتها وسرورها ونعيمها وقال ابن القيم ["ونسيانه سبحانه للعبد إهماله وتركه وتخليه عنه واضاعته فالهلاك أدنى إليه من اليد للفم واما أنساؤه نفسه فهو أنساؤه لحظوظها العالية واسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها وما تكفل به ينسيه ذلك جميعه فلا يخطر بباله ولا يجعله على ذكره ولا يصرف إليه همته فيرغب فيه فأنه لا يمر بباله حتى يقصده ويؤثره ايضا فينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها فلا يخطر بباله إزالتها].
4- الذل من نتائج المعاصي:
ومن عقوبة المعاصي ما ذكره ابن القيم ["ومنها أن المعصية تورث الذل ولا بد فان العز كل العز في طاعة الله تعالي قال تعالى ?من كان يريد العزة فلله العزة جميعا? سورة فاطر، أي فليطلبها بطاعة الله فأنه لا يجدها الا في طاعة الله وكان دعاء بعض السلف: "اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك" وقال الحسن البصري: أنهم وان طقطقت (20) بهم البغال وهملجت (21) بهم البراذين(22)، إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم ابى الله الا أن يذل من عصاه"] وقال رسول الله "اذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" (23).
5- المعصية تجر المعصية والطاعة تجر الطاعة:(1/52)
قال ابن القيم [ان المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها كما قال بعض السلف: "ان من عقوبة السيئة السيئة بعدها وأن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها" فالعبد اذا عمل حسنة قالت أخرى الى جانبها: اعملني ايضا فاذا عملها قالت الثالثة كذلك وهلم جرا فتضاعف الربح وتزايدت الحسنات وكذلك جانب السيئات أيضا حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة فلو عطل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت وأحس من نفسه بأنه كالحوت (24) إذ فارق الماء حتى يعاودها فتسكن نفسه وتقر عينه ولو عطل المجرم المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاق صدره] وقال الاستاذ احمد باقر قال رسول الله (() "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم" (25) وبمقدور اى مسلم عاقل أن يلاحظ هذا الختم على القلوب الذي يترتب على المعصية تلو المعصية فالاقدام على جريمة الزنى او شرب الخمر يكون أمرا صعبا للمرة الاولى ولكنه يضحي في غاية السهولة لدى الموغلين في المعصية وهذا الختم على القلوب ليس قصرا على تكرار الكبائر قد يؤدي الاصرار على صغار الذنوب إلى مصير مشابه" (26).
6- المعاصي تمنع استجابة الدعاء:
الله لا يستجيب لدعاء العاصي قال ابن القيم من موانع إستجابة الدعاء [وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو وغلبتها عليها] وقال ابن القيم [وكثيراً ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم ويكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله أو حسنه تقدمت منه جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكراً لحسنته أو صادف وقت اجابة ونحو ذلك].
7- حرمان الغيرة:(1/53)
ومن عقوبة المعاصي ما قال الامام ابن القيم [كلما إشتدت ملابسته (العبد) للذنوب أخرجت من قلبه الغيره على نفسه وأهله وعموم الناس وقد تضعف في القلب حداً حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيره وإذا وصل إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك وكثير من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح بل يحسن الفواحش والظلم لغيره ويزينه له ويدعوه إليه ويحثه عليه ويسعى له في تحصيله ولهذا كان الديوث أخبث خلق الله والجنة حرام عليه] وقال أيضاً [وهذا يدلك على أن اصل الدين الغيرة ومن لا غيرة له لا دين له فالغيرة تحمي القب فتحمي له الجوارح فتدفع السوء والفواحش وعدم الغيرة تميت القلب فتموت له الجوارح].
الطريق الى النصر
…هل ما يصيبنا من هزائم وتفرق وضياع هو عقاب من الله تعالى على معاصينا؟ وهل يعاقب الله الكافرين والعصاة في الحياة الدنيا؟ ولماذا ينتصر بعض هؤلاء كالصهاينة علينا في اكثر من حرب مع الحادهم؟ هذه الاسئلة وغيرها يمكن أن تطرح حول موضوع النصر وحول أي موضوع مهم آخر كالقضاء والقدر والايمان والكفر. وما زلنا نخطئ عندما نسرع إلى الدخول في نقاش حول هذه المواضيع المهمة دون أن نكون من أهل العلم فيها أو حتى دون أن نكون قد قرأنا ما يكفي حول هذه المواضيع المتشعبة.فنحن مثلا لا نلم بالايات والأحاديث المتعلقة بهذه المواضيع ولسنا على اطلاع على بعض ما قاله اهل العلم في ذلك والتزاما باحترام العلم وأهله فقد بذلت بعض الجهد بحثا عن بعض الحقائق في موضوع النصر والتي ألخص أهمها في النقاط التالية:(1/54)
1- بين الله سبحانه وتعالى أن الذنوب والمعاصي والكفر مصدر الهزيمة والشقاء والهلاك قال تعالى ?كداب ءال فرعون والذين من قلبهم كذبوا بأيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا ءال فرعون وكل كانوا ظالمين? (54) سورة الانفال وبين سبحانه وتعالى أن السير في طريق الطاعة هو منبع الخير والنصر والتوفيق. قال تعالى ?ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون? (96) سورة الأعراف وقال تعالى ?ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوى عزيز? (40) سورة الحج وقال تعالى ?ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون? (123) سورة أل عمران وقال تعالى ?ان تنصروا الله ينصركم? سورة محمد وان هنا هي ان الشرطية أي ان لم تنصروا الله فلن يكون هناك نصر ونصر الله يكون بطاعته والابتعاد عن المعاصي وبالتالي فلن يكون مع ترك الصلاة ومنع الزكاة وانحطاط الاخلاق والاستهتار بالدين أي نصر وفي أحداث الماضي ما يثبت ما نقول ولقد ظننا في الستينات أن النصر يحتاج فقط إلى سلاح واستعداد مادي وتحالف مع روسيا وتعالت أصوات الشيوعيون وأشباهم واضطهد المصلون والعلماء فماذ حدث؟ لقد أذل الله الأمة وهزمها وبين لها أن النصر من عنده.(1/55)
2- ان الالتزام بالطاعات لا ياتي بالنصر اذا كان التزاما جزئيا وليس شاملا فمن الالتزام بالطاعات تنفيذ الامر الرباني في الآية الكريمة ?وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم? (60) سورة الانفال فالأخذ بالأسباب المادية من الفنون العسكرية وحسن الإدارة والتدريب والحرص على المعنويات وغير ذلك مما يفرضه الشرع والعقل عملية لا اختلاف حولها فالمسلمون هزموا في غزوة أحد مع أن معهم رسول الله (() ومع أنهم كانوا أفضل القرون وذلك لأنهم أخطأوا في الأخذ بالاسباب المادية فاستغل العدو تخلى الرماة عن مواقعهم فانتصر، وكان الرسول (() يأخذ بالأسباب المادية والفكرية فمن راه كيف يأخذ بالاسباب المادية في هجرته مثلا قد يظن أن الرسول لا يؤمن بوجود أسباب فكرية للنجاح كالدعاء والصلاة واللجوء إلى الله وقد طبق الرسول كل ما يستطيع لخداع قريش وفي غزوة بدر أخذ بالاسباب المادية والفكرية ايضا واخذ يدعو الله بالحاح شديد لأنه يعلم ان النصر من عند الله ونصره الله مع ان ميزان القوى المادية كان يميل بشدة لصالح الكفار. ولقد قيل ان من يرى الرسول ياخذ بالاسباب المادية للنصر يظن أنه لا يؤمن بوجوب أسباب فكرية ومن يراه ياخذ بالاسباب الفكرية يظن أنه لا يؤمن بوجود اسباب مادية للنصر والاخذ بالاسباب الفكرية والمادية معا وبأقصى ما يمكن من جهد هو أسلوب الرسول (().(1/56)
3- الايمان بان الرجوع للدين والالتزام بأمر الله هو الطريق إلى النصر ليس فيه اطلاقا الغاء لدور العقل أو هروب من الواقع فمن الالتزام بأوامر الله أن نستخدم عقولنا في البحث عن الاسباب المنطقية والمادية التي تؤدي للهزائم ونعالجها كالتخلف التكنولوجي والتفرق والفوضى والكسل وغير ذلك فلا بد من الاخذ بالاسباب المادية ليس في الحرب فقط بل لابد من اخذها في كل مجال فهي مطلوبة في الزراعة والصناعة والتجارة والتدريس وعلاج الفقر وغير ذلك فعدم الاخذ بالاسباب المادية دروشة وجهل فالمنهج الاسلامي يتبنى نظرية "اعقلها وتوكل على الله" والاخذ بنصف هذه النظرية باب من أبواب شقاء الافراد والامم قديما وحديثاً.(1/57)
4- قال الاستاذ محمد حسنين هيكل "ولعلي اذكر بعض هؤلاء الذين حاولوا ايهامنا بأننا نسينا الله فنسينا بأن اسرائيل ليست مجتمع العودة الى الله وإنما هي مجتمع من الملحدين طبقاً لاستفتاء عام جرى ونشر علنا في إسرائيل بل أن مؤسس الدولة وهو ديفيد بن غريون كان ملحدا بنص ما قاله عن نفسه في مذكراته"، لقد فكر الاستاذ هيكل بطريقة منطقية ولكنه لم يفكر بطريقة علمية لان الطريقة العلمية التي نؤمن بها كمسلمين تفرض علينا أن نرجع للقرآن والسنة ولو فعلنا ذلك لعلمنا أن مقارنتنا مع من هم اشر منا ثم محاولة أثبات أن هزائمنا ومصائبنا ليس من اسبابها المتوقعة بعدنا عن الله بدليل أن اليهود أكثر منا بعدا راي ينطوي على فهم خاطئ لان القرآن بين ان الله ينسى من ينساه ويعاقب من يعصيه لاننا نجد أن الله عاقب يونس عليه السلام وهو نبي والقاه في بطن الحوت لانه خرج مغاضبا قومه بعدما يئس منهم مع أن الله لم ياذن له بالخروج وظن يونس أن الله لن يقدر عليه بمعنى لن يضيق عليه ولكن الله عاقبه والقاه في بطن الحوت ولولا فضل الله ورحمته لظل في بطن الحوت إلى يوم القيامة. وعرف يونس معصيته وعلم أن الله عاقبه ولهذا قال ?لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين? سورة الأنبياء ولم يقل يا رب أنا من الموحدين، وأفضل من غيري ومن هنا نسنتنج أن مقارنتنا مع غيرنا ممن أهم أظلم منا والظن بأن الله لن يعاقبنا على ذنوبنا لان الغير أكثر ذنوبا عملية تعطي الفرد والامة اطمئنانا كاذبا وظنونا لا تغني من الحق شيئا. فالله أرسل لنا محمد (() وأنزل القرآن بلغتنا وبلغنا وعده ووعيده فاذا عصينا فلا شك أن جرمنا كبير.(1/58)
واعتراف بن غريون بأنه ملحد أي لا يؤمن بوجود الله ليس دليلا على أنه ليس عندنا ملحدون عن جهل أو عن علم فالقول الشائع بأن الملحد هو فقط من لا يؤمن بوجود الله خطأ يجب أن يصحح، فجزء من الالحاد هو انكار وجود الله وعندنا وللاسف ملحدون عرب فكل من اقتنع بأن هناك نظام حكم افضل من الاسلام فهو ملحد ومن سخر من الصلاة أو الحج أو أي حكم من الشريعة فهو ملحد ومن عادى الصالحين وأبغضهم فهو ملحد ومن أعطى الاولياء أو الحكام أو العلماء حقوقا لا تعطى إلا لله وحده كالطاعة المطلقة فهو ملحد ومن أحب أعداء الدين فهو ملحد لأن محبة الله ومحبة أعداءه لا تجتمع في قلب واحد ولا نريد أن نسترسل أكثر ونقول ما اكثر الملحدين والمنافقين والعصاة في أمتنا.(1/59)
5- خطأ فادح ذلك الذي نرتكبه عندما نعتقد أن أسباب النجاة والنصر هي فقط اسباب مادية أي أن الله لا يتدخل في أمور النصر والعزة والقوة والخير فكم من ضيعف انتصر وهو لا يملك من اسباب النصر المادية الا القليل أو لا شئ. وكم من ظالم لم يستطع أن يضر رجلا تقيا أو أمراة ضعيفة أو طفلا رضيعا فالله حمى موسى طفلا ورجلا من فرعون وظلمه. قالى تعالى لموسى وهارون ?لا تخافا إنني معكما اسمع وأرى? (46) سورة طه ولم يكون لموسى عليه السلام نصيب في القوة المادية مقارنة مع فرعون وعندما طارد فرعون وجنوده موسى وجدنا الله يتدخل ويأمر البحر بانقاذ موسى واغراق فرعون. وابراهيم عليه السلام كان بالموازين المادية هالكا لا محالة فقد ألقى في النار ولكن الله امر النار ان تكون بردا وسلاما. فلماذا لانفهم هذه الأيات والقصص ونعتبر. ألم نقرأ قوله تعالى ?ان الله يدافع عن الذين أمنوا ان الله لا يحب كل خوان كفور? (38) سورة الحج. الم نقرأ قوله تعالى ?وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى? (17) سورة الانفال. وعموما فتدخل الله سبحانه وتعالى قد لا يكون واضحا في كل الاحوال ولكنه موجود وهو ليس تدخلا مقصورا على الانيياء أو على العهود الماضية بل الله ولي المؤمنين والمؤمنات في كل وقت فقد ينشر العدواة بين أعداء دينه فينشغلوا عن ظلم أوليائه أو يسلط بعض الظالمين على بعض فينتقم وهو يمهل ولا يهمل وله جنود السموات والارض ومن ظن بعد الذي قلنا أن الله لا يتدخل في تسيير أمور الناس السياسية ةالاقتصادية وغيرها في الحياة الدنيا فقد ضل ضلالا بعيدا قال تعالى ?قل اللهم مالم الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير? (26) سورة ال عمران.
اللامبالاة في قراءة الواقع
السعادة والأنانية
لا تجتمعان في فرد ولا أمة(1/60)
من السهل على المتأمل في اوضاع الامة العربية أن يقتنع بأنها تواجه تحديات هائلة تتمثل في الفقر والامية والفرقة والتخلف العلمي والاقتصادي وغير ذلك. وتشير الحقائق والارقام الى أن المستقبل القريب سيكون أكثر مرارة من الحاضر والامر الغريب هو هذه اللامبالاة التي تكاد تكون رد فعلنا الوحيد على ما نرى. فهل نحن جاهلون بهذه الحقائق أم اننا أنانيون لا تهمنا الا مصالحنا الخاصة وراحتنا واذا لم نتحرك نحن لنغير الواقع فمن سيتحرك؟ وهل ستمطر السماء ذهبا وفضة؟ ام أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم من اللامبالاة والمعاصي والجهل والكسل؟ الاجابة معروفة فما ننتظر؟ وقد لا يشعر بعض المخلصين بمرارة الواقع لانهم يعيشون في أجزاء يقل فيها حجم التخلف نسبيا مقارنة باجزاء اخرى، ونقول لهؤلاء ان اخطبوط التخلف قد أطبق على أغلب أجزاء الامة، واصبحت أمتنا كالمريض الميئوس من شفائه من كثرة أمراضه والبعض لا يدرك حجم التخلف ومرارة الواقع ولكن لنثق باننا كلما ازددنا علما بواقعنا السياسي والادراي والاجتماعي والعقائدي وغير ذلك ادركنا بالفعل أننا نعيش في كوارث وان المستقبل القريب يحمل كوارث اخرى.
ان المطلوب ان يتحرك شعورنا لنحس بمرارة واقع امتنا وان من سافر لبعض أجزاء الوطن العربي فان بامكانه اذ شاء أن يرى شدة فقر الفقراء وشدة جهل الجهلاء وصعوبة شراء دواء لمريض أو اجراء عملية واستحالة الحصول على مسكن متواضع وبامكانه ان يرى كذلك الفوضى والتخلف الاداري، وغير ذلك، بل اصبح الحصول على عمل متواضع عملية شبه مستحيلة للبعض وبعضنا للاسف يرى هذا ويتحرك شعوره ولكنه ينسى بعد ان تبتعد مناظر الفقر الشديد والانتفاضة والبؤس عن عينيه كأن البؤس اختفى من واقعنا وكأنه يشاهد فيلما مأساويا انتهى وليس واقعا يزداد كل يوم مرارة وبؤسا فهل هذه أنانية؟ أم أن الضمائر ماتت والحياة تفرض علينا أن ننفعل ونتأثر والا فنحن أموات.(1/61)
وقد أحسن الشاعر الذي قال:
لقد…اسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا …حياة لمن تنادي
…كما أحسن الاستاذ يوسف العظم الذي ذكرنا برأيه - وان كنا لا نتفق معه حرفيا ولكن نتفق مع الفكرة التي يدعو لها بقوله:
لا تسلني يا اخي في…عجب *** لم لا تملأ دنياك…ابتساما؟
أنا مذ مزق قدسي غاصب *** صارت البسمة في…شرعي حراما
…والتأثر المطلوب ليس هو التأثر اللفظي أو الوقتي بل هو الذي يتم ترجمته إلى أفعال وهناك للاسف أجابات جاهزة تبرر تجاهلنا لواقع أمتنا ولا مبالاتنا، فهناك المقتنع بأن الدائرة المسؤول عنها تقتصر على نفسه أو اسرته أو بلده، وهناك المقتنع بأنه حتى لو عمل فلن يكون لعمله اثرأو فائدة فالتخلف شديد وهناك من يقول أنني في لا مبالاتي أفعل ما يفعله الاخرون، أو من يضمن لي أن ما ابذله من مال سيصل الى شخص محتاج؟ وما أكثر التبريرات التي نستخدمها، ولكنها مرفوضة شرعا فلكل مشكلة حلول، وتبرير الكسل واللامبالاة انحراف كبير عن الصراط المستقيم وليس هذا مجال التفصيل فمثلا لا يسال الانسان يوم القيامة عما فعله الناس بل يسال عما فعله هو اي هو مسؤول عن كسله ولا مبلاته.
فانحراف الناس لا ينفعك ولا يضرك وباختصار فان قاموس التبريرات الواهية لن يفيد الانسان اللامبالي وهو لا يخدع الا نفسه. وكثيرا ما وجدنا نتائج عدم المبالاة تعم الجميع أو الاغلبية، فاذا شب حريق في بيت جارك فان النار ستصل لبيتك اذا لم تساعده، فقد يصيبك من مساعدة جارك في اطفاء الحريق جروح بسيطة ولكن ان لم تفعل قد يسبب الحريق لك كارثة وفي حكاية الاسد والثيران الثلاثة التي اتبعت اسلوب اللامبالاة عبرة كبيرة، فتبريرات الاسد أقنعت ثورين من الثيران باتخاذ موقف اسلوب اللامبالاة ولهذا افترسهم جميعاً، وقال الثور الاخير حكمة خالدة وهي "أكلت يوم أكل الثور الابيض" فكأنه قال بأن اللامبالاة تهلك الافراد والأمم.
…(1/62)
ونحن مطالبون كأفراد وحكومات وتكتلات تذكير المواطن العربي بمشاكله والصعوبات التي تواجه الامة فعلاج المشاكل يكون بمعرفتها وتتبع جذورها ووضع الحلول وليس بتجاهلها، فمعرفة المشكلة نصف الحل وكشف نقاط الضعف هو قوة وشجاعة وحكمة وتجاهلها هو الضياع فالواقع لا تحركه الا الحقائق سواء نشرناها ام كتمناها، فاليابان وهي البلد المتطور تكنولوجيا تعلم أطفالها بأن بلدهم في خطر اذا لم يعلموا بجد واجتهاد فالموارد محدودة وبذلك تزرع في نفوسهم الاحساس بالمشكلة والاندفاع للعمل أما نحن فنعيش في قلب الخطر والمعاناة والمرارة ومع هذا نتصرف كأننا نعيش في رخاء وتقدم وليت الجمعيات التربوية والخيرية تقوم بتنظيم رحلات لشبابنا ورجالنا ونسائنا ليشاهدوا صورا على الطبيعة من واقعنا العربي والاسلامي، ونريد رحلات لا تتعامل مع فنادق الدرجة الاولى ولا مع الشوارع الرئيسية بل مع واقع الاغلبية، وهناك دروس كثيرة في عالمنا العربي اذا قرأنا الواقع بصورة صحيحة فإنه من شاهد فقراء بنغلاديش سيري الفقر ومن راى ليس كمن سمع ومن شاهد جراح اطفال أفغانستان سيتعلم اشياء كثيرة ولا سعادة لامة لا تعرف قراءة واقعها التي هي ضرورية حتى جعلها بعض العلماء شرطاً للاجتهاد وكلما كنا كنا قادرين على قراءة الواقع السياسي والاداري والاخلاقي كلما كنا أكثر صوابا في قراراتنا واجتهادتنا وأفكارنا فان هذا وليس الشعارات والاقوال تعطينا تصورا صحيحا عن وضع الشعوب وبالتالي يمكننا وضع خطط تتناسب مع كفاءة الشعوب وما تعلق عليها من أمال.(1/63)
ان مرارة الواقع تعنى ان المعركة بل المعارك هي على اشدها فكيف يتصرف الجنود في قلب المعركة؟ اليس باستغلال كل دقيقة في صناعة أو حراسة أو توفير أو تخطيط ونخطئ اذا ظننا أن المعارك العسكرية والسياسية والاقتصادية تحددها خطوط المواجهة وساعاتها بل نتائجها تحددها سنوات الاستعداد والعمل الطويلة التي تمت قبل ذلك فليسأل كل واحد فينا نفسه ماذا قدم وهل أخلص في عمله؟ وهل تبرع بجزء من ماله؟ وهل قال كلمة الحق؟ وهل أعطى جزءا من وقته لعمل خيري او تربوي أو غير ذلك والاحساس بمرارة الواقع يجب ان يترجم في كل مجال واحد أهم المجالات هو في استخدامنا للمال، اننا نحتاج الى الكثير من الترشيد في هذا المجال وعلى القادرين فينا ان يقوموا بإثبات احساسهم بواقع الامة فحسن استخدام المال يعالج مصائب كثيرة فلنبتعد عن المظاهر والعادات والتقاليد التي نتمسك بها رجالا ونساء وليست من الشرع في شئ فالمبالغ التي نصرفها على المهور وحفلات الزواج والفساتين هي مبالغ طائلة واذا اضفنا لها التبذير في المساكن والسيارات والرحلات والاثاث والولائم تصبح عندنا بلايين ضائعة فليس قيمة المراة فيما تلبس من فساتين والجمال لا تصنعه المساحيق وغيرها وقيمة الرجال لا يدخل في حسابها ما يملكون من مال وعقار وتجارة، فقد كان الصحابة رجالا تتجسد فيهم معاني الرجولة مع أنهم كا نوا لا يملكون شيائا أو يملكون القليل وكانت ثياب بعضهم ممزقة ونحن لا ندعو للامتناع عن الطيبات ولكن ندعوا الى حسن استخدام المال فالله هو الذي رزقنا والمال مال الله ونحن مستخلفون فيه وسيسألنا الله عما فعلناه به قال تعالى ?والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (34) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذقوا ما كنتم تكنزون? (35) سورة التوبة ولان كثير من المال يبذر في القضايا الاجتماعية فاننا ندعو المراة(1/64)
المسلمة بأن تثبت احساسها بالواقع في توفير المال وانفاقه على المحتاجين والمشاريع الخيرية والدنانير القليلة التي توفرها المراة من اكتفائها بفساتين قليلة من شأنها أن تسعد عائلات كثيرة، والمراة اليوم حصلت على كثير من حقوقها فلتساهم في بناء المجتمع الذي لا يكون بشراء الفساتين والجري وراء الموضة والاناقة والتباهي بالمسكن والاثاث والمجوهرات وطبعا بعض النساء بحاجة للذهب والموجوهرات حتى تصبح لهن قيمة وليت نساءنا يعلمن بأن جمال المراءة الدائم والاصيل هو جمال اخلاقها وحنانها وعطائها أما جمال الفساتين والذهب فهو جمال مزور يتعامل فقط مع القشرة الحارجية ومع الجسد وليس الروح وما أكثر وللاسف ما نحرص على الجمال المادي واكتسابه وما اقل ما نحرص على الجمال الروحي واكتسابه ومن ترشيد استخدام المال ان يصطاف من يريد منا في البلاد العربية والاسلامية، والسياحة صناعة تدر البلايين لو احسنا استخدامها، وعموما فان جروح الامة عميقة وكثيرة، فلنتأثر بهذه الجروح وليظهر هذا التأثر في اعمالنا واقوالنا وسلوكنا والا فنحن أنانيون لا تهمنا الا مصالحنا الدنيوية التي سرعان ما تتلاشى والمبكي هو أننا قد نكتشف متاخرين أن ما ظنناه حكمة وذكاء ومصلحة تحول الى جهل وغباء وضرر ففي الاسلام خير الناس أنفعهم للناس والرسول (() تاثر بمصائب الناس ومشاكلهم. اما تجاهل مصالح الامة وجروحها فليس فيه فقط هلاك للامم والشعوب والمجتمعات والمؤسسات والاسر بل هو ايضا هلاك للفرد نفسه لان الانسان مسؤول أمام الله عن اهماله وأنانيته وهو بذلك قد عرض نفسه لسخط الله وغضبه وحرم نفسه من ابواب عظيمة للخير والثواب فقد غفر الله لمن سقى كلباً عطشانا فكيف بمن أحس باحساس اخيه الانسان واروى ظمأه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من نفس عن مؤمن كربه من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والاخرة، ومن ستر(1/65)
مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة، والله في عون العبد ماكان في عون أخيه" (27).
فهل في اللامبالاة التي نشاهدها حكمة؟ وهل هناك أعمال قادمة تثبت فعلا أننا نريد أن نتصرف كمسلمين؟ ام أن اكثرها ما نقدر عليه هو أن تتاثر نفسياتنا دون أن يكون هناك رد فعل عملي؟
فلنعلم ان كل يوم يمضي لن يعود وسيسألنا الله عماً عملناه في أيامنا ولنحذر أن يكون جوابنا أننا قد قضيناه في الاستماع إلى الأغاني وحضور الحفلات والولائم والديوانيات ولم نتفاعل مع هموم الناس، والحمدلله الذي جعل الاعمال هي المرجع والمقياس حتى للايمان والحمدلله الذي ذكرنا في أيات كثيرة في القرآن الكريم بأهمية العمل بقوله "الذين آمنوا وعملوا الصالحات" والحمدلله الذي جعل الناس تصدق الاعمال فجعل من الفطرة احترام وحب وتقدير من يضحي بوقته وماله وصحته في سبيل الاخرين وما أكثر ما شاهدنا من بين قومنا من لا يتقنون غير التنظير والتحليل والكتابة والكلام، ولم نشاهد لهم أفعالا فهم بخلاء وأنانيون ولو كان الاحتكام للكلام لتساوى البخلاء والكرماء والصادقون والكاذبون والمنافقون والمخلصون فما اسهل الكلام وما اصعب العمل وهذا غاندي يعكس احساسه بالواقع في شبابه عندما سأله رجل رآه يركب في الدرجة الثانية في قطار: أنت غاندي وتركب بقطار الدرجة الثانية؟ فقال: لانه لم توجد هناك درجة ثالثة. فغاندي ترجم احساسه بفقر بلاده بأعماله ولهذا أثرت أعماله في مئات الملايين ولقد قيل "عمل رجل في الف رجل أبلغ من قول الف رجل في رجل".(1/66)
وقال ابن تيمية "ولما كان صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم الا بالشجاعة والكرم بين الله سبحانه أنه من تولى عنه بترك الجهاد بنفسه ابدل الله به من يقوم بذلك ومن تولى عنه بانفاق ماله أبدل الله به من يقوم بذلك" (28) ونقول ونكرر ان الانتماء للاسلام ليس هو انتماء اسمى أو وراثي كما يظن كثير من الناس بل هو أيمان وافعال والايات القرآنية واضحة جدا وجاءت بلسان عربي يفهمه كل عاقل فلا عذر لاحد. وتأملوا في قوله تعالى ?قل ان كان أباؤكم وأبناءكم واخوانكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين? (24) سورة التوبة.
وذهب ملك سليمان(1/67)
قال أبو عمران الجوني: مر سليمان بن داود عليهما السلام في موكبه والطير تظله والجن والانس عن يمينه وشماله قال: فمر عابد من عباد بني اسرائيل فقال: والله يا ابن داود لقد اتاك الله ملكا عظيما قال: فسمع سليمان كلمته فقال: تسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أعطى ابن داود وما أعطى ابن داود يذهب والتسبيحة تبقى" فاذا كان ملك سليمان وما أعظمه من ملك قد ذهب، فهل سيبقى ما يسعى له أهل الدنيا من ثروة ومركز وجاه؟ وماذا نقول لمن شغل حب الدنيا قلوبهم فاندفعوا يعملون نهارا ويسهرون ليلا وكل اعمالهم تدور حول الاستثمار في الدنيا وليس للاخرة نصيب من وقتهم أو مالهم ولا حتى من تفكيرهم؟ يقضون نهارهم في السعي لاجل المال أو الشهرة أو المركز أو غير ذلك بينما يجعلون ليلهم لراحتهم وحفلاتهم وشهواتهم، كل همومهم تدور حول شراء سيارة أو بناء بيت أو بيع عقار أو استيراد بضاعة. ماذا نقول لاهل الدنيا الذين اتبعوا أهواءهم ومصالحهم وتخلوا عن حمل راية الاسلام؟ فلا غيرة لهم على دينهم أو أوطانهم وما أكثر أهل الدنيا فينا وأخشى أن لا نصحو من غفلتنا الا بالموت وهي صحوة نتأخرة لا تنفع قال تعالى ?حتى اذا جاء أحداهم الموت قال رب ارجعون (99) لعلي أعمل صالحا فيما تركت، كلا أنها كلمة هو قائلها ومن ورآئهم برزخ الى يوم يبعثون (100)? (سورة المؤمنون).(1/68)
نقول لاهل الدنيا ان المال لا يجلب السعادة ولا يصنع الرجال والغريب أن الذين يتفاخرون بأموالهم وعقاراتهم كأنهم يقولن أن قيمة الانسان بما يملك وهذا اعتراف منهم بأنهم اذا فقدوا ثروتهم فلا قيمة لهم وحقيقة الامر أن هذه هي قيمتهم الفعلية عند الله ورسوله والعقلاء. وأهل الدنيا حريصون على توفير المال لأبنائهم وتشجيعهم على الدراسة حتى يصبحوا أطباء ومهندسين ومحامين وهم ليسوا بحريصين على تعليم أبنائهم الصلاة والاخلاق فالمهم أن ينجحوا في متطلبات الدنيا وليس مهما أن ينجحوا في متطلبات الاخرة فالخسارة هي أن نخسر مناصبنا وأموالنا أما ان نخسر الاخرة وديننا وشرفنا وصدقنا فهذه خسارة بسيطة وتعصب لا داعي له فما أسوأ ما نربي أبناءنا عليه.
وأهل الدنيا أنواع فمنهم من لم يستعبده المال لقلة طمعه فيه ولكن استعبده المنصب والجاه فلا هم له الا الطواف حول الكرسي والسجود لمن يملكه فتجد هؤلاء ينافقون لرؤسائهم في العمل أو ينافقون للشعب هم يجاملون الحق والباطل فالمهم عندهم الوصول للمنصب وكم للمناصب من عبيد صرفوا المال والوقت والجهد فمنهم من وصل ومنهم كثيرون لم يصلوا؟ ومن وصل لم تدم له ولو دامت لغيره ما اتصلت اليه وليتهم تذكروا أن ملك سليمان لم يدم.(1/69)
ونقول لهؤلاء جميعا كل أعمالكم ستحاسبون عليها ولن ينفعكم من حرصتم على ارضائهم ان كنتم اسخطتم ربكم ولقد حذركم رسول الله (() حين قال "لاطاعة في معصية الله انما الطاعة في المعروف" (29) وعموما فنحن لسنا ضد أهل الدنيا فهم أحرار في اختيارهم ولكننا أردنا أن نحذر من أن نكون منهم أو تكون فينا بعض صفاتهم واردنا أن تنتبه أمة تسعى إلى السعادة والتقدم على خطر هؤلاء فتنبذهم فأمه لا تعرف الاحرار من العبيد غير قادرة على اختيار قيادات صالحة وعزيزة، فلنبتعد عن بيئة لا تحرص على العلم والعمل الصالح وحبها للدنيا كبير قال ?واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قبله عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا? (سورة الكهف) ولنتأمل طويلا في قول الرسول (() "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المر على المال والشرف لدينه" (30)
والمطلوب هو تحرير النفس من حب المال والمظاهر والازياء والمناصب والالقاب والاهواء قال رسول الله (() "فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما اهلكتهم" (31) وقال رسول الله (() "من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وحعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة" (32) وإليكم أخيرا بعض ما قاله أهل العلم في موضوعنا اخترت معظمها من كتاب الأخ عبدالملك الكليب "من روضة الزاهدين":
1- قال حسن البصري: والذي نفسي بيده لقد أدركت أقواما كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي تمشون عليه.
2- عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه قال: انما أهلك من كان قبلكم هذا الدينار والدرهم وهما مهلكاكم.(1/70)
3- قال سفيان الثوري"الزهد في الدنيا قصر الامل ليس بأكل الغليظ ولا لبس العبا".
4- قال الفضيل "ان قدرت أن لا تعرف فافعل وما عليك ان لم يثن عليك وما عليك أن تكون مذموما عند الناس اذا كنت عند الله محموداً".
5- قال ابو الدرداء: "اللهم أني اعوذ بك من تفرقة القلب قيل وما تفرقة القلب؟ قال أن يوضع لي في كل واد مال".
6- عن محمد بن زيد قال سمعت سفيان الثوري يقول : بلغني أنه يأتي على الناس زمان تمتلي قلوبهم في ذلك الزمان من حب الدنيا فلا تدخله الخشية قال سفيان: وانت تعرف ذلك اذا ملأت جرابا من شئ حتى يمتلئ فاردت ان تدخل فيه غيره لم تجد لذلك من خلاء.
7- قال مالك بن دينار: خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيئ فيها قالوا: وما هو يا ابا يحيى قال معرفة الله تعالى.
8- قال اليتمي: كم بينكم وبين القوم؟ أقبلت عليهم الدنيا فهربوا منا وادبرت عنكم فاتبعتموها.
9- قال الفضيل بن عياض: ما حليت الجنة لامة ما حليت لهذه الامة ثم لا ترى لها عاشقاً.
10- عن قتادة عن طرف بن عبدالله قال: ان هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم فأطلبوا نعيما لا موت فيه.
11- قال عمرو بن مرة: من طلب الاخرة أضر بالدنيا ومن طلب الدنيا أضر بالاخرة فاضروا بالفاني للباقي.
12- قال وهب بن منبه: مر رجل عابد على رجل عابد فقال: مالك؟ قال عجبت من فلان كان قد بلغ من عبادته ومالت به الدنيا فقال: تعجل، لا تعجب ممن تميل به الدنيا ولكن أعجب ممن استقام.
13- قال محمد بن كعب القرظي: اذا أراد الله تعالى بعبد خيرا جعل فيه ثلاث خلال: فقه في الدين وزهاده في الدنيا وبصرا بعيوبه.
14- قال سفيان بن عيينه: ان كان يغنيك ما يكفيك فادني عيشك يكفيك وان كان لا يغنيك ما يكفيك فليس في الدنيا شئ يغنيك.
15- قال وهيب: لوقمت قيام هذ ه السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال أم حرام.
16- قيل: ما مضى من الدنيا فحلم وما بقى فأماني.(1/71)
17- انتهى حكيم الى قوم يتحدثون فوقف عليهم وسلم عليهم فقال: تحدثوا بكلام قوم يعلمون ان الله يسمع كلامهم والملائكة يكتبون.
18- قال رجل لمحمد بن واسع: أوصني قال: أوصيك أن تكون ملكا في الدنيا والاخرة قال: كيف لي بذلك قال: ازهد في الدنيا.
19- قال بلال بن سعد: لا تكون وليا لله في العلانية وعدوه في السر.
20- عن ابن السماك: قال أوصاني أخي داود بوصية: أنظر أن لا يراك الله حيث نهاك وان لا يفقدك حيث امرك واستح من قربه منك وقدرته عليه.
21- قيل لعبد الله بن المبارك: اذا صليت معنا لم لا تجلس معنا؟ قال: أذهب مع الصحابة والتابعين قلنا ومن أين الصحابة والتابعون؟ قال: أذهب في علمي فادرك آثارهم وأعمالهم فما أصنع معكم؟ أنتم تغتابون الناس.
22- قال بعض السلف: احذروا الدنيا فانها اسحر من هاروت وماروت فانهما يفرقان بين المرء وزوجة والدنيا تفرق بين العبد وربه.
23- قيل للفضيل بن عياض: ما أزهدك قال: أنتم أزهد مني قيل كيف قال: لأني أزهد في الدنيا وهي فانية وأنتم تزهدون في الأخرة وهي باقية.
24- قال عالم لتاجر: كم مضى عليك وأنت تطلب الدنيا؟ قال: خمس وعشرون عاماً قال: هل نلت ما تريد منها؟ قال: لا قال: فكيف بالتي لم تطلبها "يقصد الأخرة".
25- قال يوسف بن الحسين: في الدنيا طغيانان طغيان العلم وطغيان المال والذي ينجيك من طغيان العلم العباده والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه.
26- كان عبد الواحد بن زيد يحلف بالله لحرص المرء على الدنيا أخوف عليه عندي من أعدى أعدائه.
27- قال أبو علي الروذبائي "في طلب الدنيا مذلة النفوس وفي طلب الاخرة عز النفوس فيا عجباً ثم يا عجباً لمن يؤثر مذلة النفوس في طلب ما يفنى على عز النفوس في طلب ما يبقى".
28- قال الحسن: اذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة.
29- قيل: يا ابن أدم إذا أفنيت عمرك في طلب الدنيا فمتى تطلب الأخرة؟
الاسرة السعيد ... كيف نبنيها؟(1/72)
نقضي جزءا كبيرا من وقتنا في بيوتنا فاذا وجدنا بيوتا سعيدة، فقد حصلناعلى جزء أساسي من السعادة أما اذا وجدنا بيوتا قلقة فقد خسرنا جزءا أساسيا من السعادة، فلنحاول أن نبنى البيت الاسلامي، فقد انتشرت أفكار وأعمال وأقوال ضارة حولت كثيرا من الاسر إلى اسر تعيسة وقضايا الاسرة كثيرة ومتشبعة ولهذا سأمر مرورا سريعا على بعض القضايا المهمة والتي منها:
…1- هناك أسباب كثيرة قد تجعل حياتنا الاسرية تعيسة، منها العناد والانانية والدلع والاهمال وتقليد الناس وتصرفات ظالمة لاحد الزوجين أو كليهما، والحل الأساسي لكل هذا وغيره هو تطبيق أحكام الاسلام في الأسرة، فبهذا سيقوم الزوج بواجباته الاسرية التي فرضها الله فسيعطي زوجته حقوقها وسيرعى أطفاله، وسيحاول أن يكون قدوة في الاقوال والافعال، وكذلك ستقوم الزوجة باحترام زوجها وطاعته بالمعروف.
…وتطبيق الشريعة في الأسرة معناه أن لا يتعدى طرف على حقوق الطرف الاخر، ولا يتخلى عن مسؤوليته ولا يظلمه، ومعناه ايضا أن نرجع في خلافتنا إلى حكم الشريعة في موضوع الخلاف ونطبقه، وهو يعني ايضا أن نتساهل ونعفو ونتسامح والا يقوم طرف بالتحكم في مال الطرف الاخر. وكم سببت الامور المالية من خلافات وذلك لغياب الالتزام باحكام الاسلام في هذه الامور!(1/73)
…2- مطلوب تشجيع الزواج بشتى الوسائل وذلك لفوائده الكبيرة للفرد والمجتمع، وهذا يتطلب نسف بعض العادات والتقاليد التافهة، ويتطلب تقديم تسهيلات مادية، كتخفيض المهور والبساطة في الحفلات والاثاث ومطلوب كذلك التساهل في شروط اختيار الزوج والزوجة فمثلا نجد بعض الفتيات يضعن شروطا ليست جوهرية، كاشتراط حصول الزوج على شهادة جامعية أو راتب مرتفع او غير ذلك، والامثلة كثيرة، والغريب أننا نعقد حياتنا قبل الزواج وبعده ونعيش في صعوبات وقيود نحن صنعناها بايدنا ولو التزمنا بشريعتنا السمحاء لاسترحنا وما ظلمنا الله ولكن نحن الظالمين وكثيرا ما عانى الشباب من هذه الصعوبات فعلينا أن نتذكر دائما فوائد الزواج السعيد لابنائنا وبناتنا ففيه راحة نفسية واشباع جنسي وأبناء وغير ذلك كثير قال الامام أحمد بن حنبل "ليس العزوبة من أمر الاسلام في شئ" فلنعمل على تسهيل الزواج وتشجيعه، ونقول للاباء والامهات: لا تكرهوا ابناءكم وبناتكم على شريك لا يريدونه، ولا تحرموهم من شريك يريدونه اذا كان حسن الاخلاق، ولقد قيل "تزوج الابناء بالاكراه، ليس في حد ذاته جريمة وقتية وانما مقدمة لجرائم كثيرة في مستقبل حياتهم" وقال أحد العلماء لرجل استشاره في من يزوج ابنته "زوجها لرجل صالح فان احبها أكرمها وان كرهها لم يظلمها".
…3- المرأة المسلمة ضاعت بين عقليتين: عقلية متخلفة تنفر من تعليمها وعملها وتفضل سجنها في البيت وترفض أي دور لها في بناء المجتمع، وعقلية متفسخة تريد لها أن تعمل في كل مكان وزمان وأن تتبرج وتعصي الزوج وتهمل الاطفال.(1/74)
العقلية الاولى حرمت المرأة من العلم والعمل، والعقلية الثانية حرمتها من الزوج والامومة والراحة النفسية، ونحن نريد أن ترفض المرأة كلا العقليتين وأن تعيد بناء حياتها بصورة اسلامية صحيحة تنسجم مع فطرة المرأة واهتماماتها وامكاناتها، فنعم لتعليم المرأة ونعم للمساهمة الجادة في بناء المجتمع من خلال العمل الرسمي والتطوعي ولا للتبرج ولا للتضحية بالأسرة. ولا بد أن تعرف المرأة دورها الصحيح في الأسرة والمجتمع ولا بد أن يساهم الرجال في ايجاد البيئة السليمة حتى تتمكن المرأة من القيام بواجبها دون ان نرهقها بالاعمال الوظيفية والمنزلية ولا بد أن نعترف كرجال أننا قصرنا كثيرا في حق امهاتنا وزوجاتنا وبناتنا فقد حرمناهن من أشياء كثيرة والمطلوب الان القيام بثورة اجتماعية تنصف المرأة وترفض لها الدور الهامشي في بناء المجتمع وحسنا فعلت بعض دولنا ببناء أماكن خاصة للصلاة للنساء في المساجد ويمكن بناء الاندية البحرية للنساء، فالرياضة عملية ضرورية لتنشيط الجسد والترفيه عن النفس ويمكن كذلك اعطاء النساء فرصة لاستخدام أندية الرجال الرياضية اياما محددة في الأسبوع اذا لم تتوفر حاليا ميزانيات لبناء أندية خاصة بهن والافكار كثيرة لو بحثنا عنها، وأحسن الشاعر الذي قال:
الام مدرسة إذا… أعددتها *** أعددت شعبا طيب الاعراق(1/75)
4- كثيرون هم الذين لا يعرفون أصول التريبة السليمة فأحيانا يقتلون ابناءهم بالدلع واحيانا يحطمونهم بالضرب والتخويف، ومن الجهل أن نظن أن المقصود بالتربية هو توفير الماكل والمشرب والمسكن لابنائنا، بل المقصود منها تعليمهم العقائد الصحيحة والاخلاق الفاضلة والحكم المفيدة، فتربيتهم والله أهم من تلبية كثير من رغباتهم وهي أهم بكثير كذلك من شهادة جامعية يحملها من لا أخلاق له، إن أكبر عمل يمكن أن نقوم به هو أن نحاول أخراج ابنائنا من الظلمات إلى النور ومن شقاء الطمع والمصالح والشهوات إلى سعادة الدنيا والاخرة، وسنحصد ما زرعنا فيهم، فقد وجدت اباء يتعجبون من جحود أبنائهم أو سخافة أفكارهم ولكن عجب هؤلاء يزول لو عرفوا أنهم ساهموا في وصول ابنائهم لهذه النتيجة لانهم اهتموا فقط بالمأكل والملبس والشهادة واهتموا بأمراض الجسد ولم ينتبهوا إلى أمراض الروح والفكر وأهملوا بذلك واجبهم الرئيسي فلم يعطوه الوقت ولا التفكير وأحسن الشاعر الذي قال:
"ليس اليتيم من انتهى ابواه من *** هم الحياة وخلفاه ذليلا
ان اليتيم هو الذي…تلقى له *** اما تخلت أو أبا مشغولا
…تربية الأبناء ليست مهمة سهلة بل بحاجة إلى علم وصبر ووقت، وهي مسؤولية الاب والام معا، ومن الخطا أن تظن المرأة أن تربية أبنائها عمل ثانوي بل هو عمل رئيسي ويجب أن يعطى الأولوية اذا ما قورن بعملها في الصناعة أو الزراعية أو غير ذلك فليس هناك أهم ولا أغلى من الانسان اذا صلح ولا أسوأ وأرخص من الإنسان اذا فسد والاستثمار في الانسان هو أهم أنواع الاستثمار. فبناء الانسان هو ما سعى له الانبياء والصالحون فهل نتعلم كيف نربي ابناءنا؟ وهي نجعل التربية على رأس أولوياتنا؟ اسال الله أن يوفقنا لذلك.(1/76)
…5- لا يدمر الحياة الزوجية شئ كما يدمرها العناد والتحدي فالخلافات الصغيرة تصبح بالعناد كبيرة والخلافات الكبيرة تصبح باللين والصبر صغيرة ومن المهم أن ندرك أن كلا من الزوجين بشر والبشر يخطئون، ولذلك لابد من أن نسامح ونتحمل ونصبر فلا يوجد انسان مثالي والقضايا التي يمكن أن يختلف حولها الزوجان كثيرة جداً. فمثلا قد يعارض الزوج عمل الزوجة فاذا أصرت الزوجة على العمل فقد يكون رد فعل الزوج عنيفا، ولكن لو استجابت لطلبه فقد يغير رأيه بعد فترة وقيل يؤخذ باللين مالا يؤخذ بالعنف وإذا لم يغير رأيه فلتتنازل الزوجة عن رغبتها حتى تسير السفينة الزوجية ومن المهم أن نقتنع بأن الانسان لن يتمكن غالبا من تحقيق كل ما يريده ودائما عليه أن يتحمل بعض مالا يريده، فعلى الإنسان أن يأخذ ويعطي فقد يطلق الزوج زوجته لبعض سلبياتها، ولكن لا يدرك الا متأخرا أنه طلق ايجابياتها أيضا وكذلك الامر بالنسبة للزوجة ولقد قال الشاعر:
رب يوم بكيت منه فلما *** صرت في غيره بكيت عليه
…ومن العادات السيئة جدا تدخل الاهل والاصدقاء تدخلا سيئا يعقد الامور ويصعبها والواجب الشرعي عليهم أن يساهموا في حل المشاكل لا زيادتها ولقد كانت الام العربية قديما عاقلة جدا عندما قالت توصي ابنتها: "كوني له أمة يكن لك عبدا".
من حصون السعادة
أحكام الاسلام حصون
تحمينا لا سلاسل تقيدنا(1/77)
قال الامام ابن القيم "فان الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة الى العبث فليست من الشريعة، وان أدخلت فيها بالتأويل فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول الله (() أتم دلالة وأصدقها" (33) هذه هي شريعتنا ولكن للاسف كثير من أحكام الاسلام تم تشويهها فأصبح الإسلام في نظر البعض قسوة وتعصبا واستبدادا وقيودا.(1/78)
وليت هؤلاء فهموا الدين وأهدافه وأحكامه، وليتهم فهموا الواقع بعيدا عن المثالية والخيالية والجهل. ولا نريد أن نذكر فوائد الزكاة والشورى والعدل ومضار الربا والخمر والكذب، فهذه أمور معروفة بل نريد أن نتحدث عما يمكن أن نسميه الاختلاط الردئ وهو الاختلاط غير الملتزم بأحكام الاسلام وأدابه، قد زاد الاختلاط زيادة كبيرة في هذا العصر مما أشقى الكثيرين. فقد زاد تبرج النساء وأصبح الفرد رجلا أو أمراة يتعامل مع كثيرين من الجنس الآخرة وأصبحت الاحاديث بين جنس واخر طويلة كانها أحاديث رجل إلى رجل أو امرأة إلى امرأة، وزاد الاختلاط الردئ في العمل والحفلات والجامعات. وكل هذا أحدث مفاسد كثيرة منها العزوف عن الزواج وعدم الثقة بالطرف الاخر، وانتشر الفساد الاخلاقي وأصبح بعض الرجال لا يقنع بجمال زوجته، فالجمال المنافس يراه كل يوم، وكلما مضى قطار العمر قلت قدرة الزوجان على المنافسة بل أن الزوجة الشابة والجميلة لن تسطيع منع زوجها من التأثر بالجمال المتوفر فلكل جمال فتنته وأنتج الاحتلاط الردئ شباب مائعا يعتبر الزواج سجنا والفساد حرية والاحتشام تخلفا والحياء سذاجة ومعرفته في الغناء والطرب أغزر من معرفته في الدين وقضايا الامة، وهذا الشباب المخدر لا يبني أمة، فالأمم لا تبنيها النوعيات الرديئة. ويظن بعض هؤلاء أنهم سعداء وأنهم أهل الحب ونقول: لا سعادة مع المعاصي بل معها القلق والكذب والملل، أما حديث هؤلاء عن الحب فكارثة. فالحب الشريف هدفه الزواج والطريق إلى الزواج هو أقصر الطرق وأصدقها قال رسول الله (() "لم يُر للمتحابين مثل النكاح"(2) وعموما فبيئة الاختلاط الردئ تساعد على الانحراف النفسي والجسدي للرجال والنساء، ونحن لا ندعو الى منع الاختلاط فهذه عملية مستحيلة وغير إسلامية ولكن ندعو إلى تقليله قدر المستطاع وضبطه وترشيده بآداب الاسلام، لان ذلك من شأنه المساهمة في علاج أمراض اجتماعية كثيرة كالطلاق والخيانة(1/79)
الزوجية والشك والاغتصاب وهذه الأمراض تتناسب طرديا مع رداءة الاختلاط وحجمه وقد يظن البعض أننا نبالغ في تصوير هذه القضية ونقول لهؤلاء، تأملوا في أنواع كثيرة من الشقاء الاجتماعي كالمشاكل الاجتماعية والجرائم، وشاهدوا الافلام والتمثيليات واقرأوا كثيرا مما قال الشعراء لتجدوا أن جذور كثير من هذا الشقاء سببها الاختلاط الردئ. فهذه زوجة تغار على زوجها من زميلاته في العمل ولهذا حولت حياته الى جحيم- والغيرة لا تعني عدم الثقة فالغيرة شئ فطري - وهذه أخرى وجدت الكلام الرقيق عند زميلها وافتقدت مثله عند زوجها فزهدت فيه وهذا زوج تعاظم سلبيات زوجته عندما رأي الحنان الصادق أو الكاذب من أمراة أخرى. وهذه فتاة خدعت لسنين طويلة بكلام معسول من شاب يجيد الغزل والتهرب من الزواج، وهذا حب من طرف واحد وما أكثر هذا النوع، وهذه اشاعة تناقلتها الالسن واضرت. وهذا رجل يغازل زوجة أو اخت صديقه في حفلة وهكذا. وما دام أخر المطاف في أكثر الحالات هو الطلاق والفساد والخيانة والعشق وغير ذلك، فلماذا نسير في طريق الاختلاط الردئ ونحن قادرون على تلافي كثير من هذه النتائج لو توقفنا منذ الخطوات الاولى قال تعالى ?يا أيها الذين أمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فانه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم? (21) سورة النور. ونحب أن ننبه إلى أن الانسان الطبيعي قد لا يستطيع منع نفسه من أغواء الشيطان في بعض الاحيان قال تعالى ?وخلق الانسان ضعيفا? (28) سورة النساء. ولهذا نبه الله سبحانه وتعالى الصحابة وهم من أفضل البشر الى الحذر من الاختلاط الردئ قال تعالى ?وإذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن? (53) سورة الأحزاب. ونبه زوجات الرسول (() وهن أشرف النساء وأعفهن فقال تعالى ?فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض(1/80)
وقلن قولا معروفا? (32) سورة الاحزاب. وأمر المؤمنين بغض البصر وما أدراك ما غض البصر فقال عز وجل ?قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ان الله خبير بما يصنعون (30) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر? .. الى آخر الاية (31) سورة النور.
…وهناك رأى مفاده أن الاختلاط يقلل من نسبة العنوسة ويؤدي الى التعارف وحسن اختيار الزوج والزوجة ونقول لا مانع من أن يتعارف الرجل والمرأة خلال فترة الخطبة وبوجود الضوابط الشرعية فاذا اقتنعا ببعض فعلى بركه الله أما اذا كانت الاخرى فالله ولي التوفيق واللقاء في هذه الحالة تم بين أناس جادين وندعو الى ايجاد طرق سليمة تسهل اختيار الازواج والزوجات ونقول ليس من الصواب أن يقيم الرجل أو المرأة عدة علاقات حتى يكون قادرا على اختيار الشريك المناسب فامكانية التعرف بهذه الطريقة هي امكانية محدودة وسلبياتها أكبر من ايجابياتها بكثير جدا كما أن الظن أن المعرفة بهذه الطريقة هي معرفة كافية ظن خاطئ لان المعرفة الفعلية لا تحدث الا بعد الزواج أما قبله فغالبا ما تكون معرفة سطحية ولا أدري لماذا نعقد الامور وهي بسيطة وسهلة فاذا كان هناك اقتناع كاف فلنعجل بالزواج فالزواج ليس اخر المطاف والطلاق ليس نهاية الدنيا فتسهيل الزواج عملية مطلوبة لسعادة المجتمع ولكننا وللاسف جعلنا عملية الزواج معقدة وصعبة بل أصبحت أبواب الحرام اسهل دخولا واقل تكلفة. أما بالنسبة لارتفاع نسبة العنوسة فنقول ان للعنوسة اسباب كثيرة ومعروفة ولعل أهمها قلة الامكانات المادية والشروط الصعبة أو التافهة التي يضعها الرجال والنساء والاهل وتفضيل البعض لحياة العزوبية لضعف الوازع الديني أو لما يسمعونه من مشاكل الزواج الفاشل ونقول للمدافعين عن الاختلاط الردئ انظروا الى نتائج الاختلاط في الغرب فستجدون الغرب أكثر عنوسة وطلاقا وفسادا واغتصابا بل نقول لهؤلاء انظروا(1/81)
الى كثير ممن انغمسوا في الاختلاط الردئ فسترونهم أكثر الناس عزوفا عن الزواج فما عاد جمال أمراة واحدة يكفيهم وهم أكثر الناس خيانة اذا تزوجوا وبعض هؤلاء يدافع عن الاختلاط الردئ فقط لانه يفتح المجال لهم للفساد ونقول لهؤلاء قال تعالى ?فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين? (5) سورة الصف.
…وفي الختام نقول أنه من صالح الفرد والمجتمع أن نقلل من الاختلاط بصورة عامة ونرفض الاختلاط الرديء ولعل من أهم الاماكن التي يحدث فيها الاختلاط والاختلاط الرديء الجامعات وأماكن العمل والحياة الاجتماعية فبالنسبة للجامعات لا نعتقد أن الاغلبية الساحقة من الطلاب قادرون على تحمل تكاليف الحياة الزوجية أما بالنسبة لاماكن العمل فالمفروض أن تكون أماكن انتاج وعمل وليس اختيار زوج أو زوجة وبالنسبة للحياة الاجتماعية فالافضل هو لقاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء فمثل هذه اللقاءات أكثر فائدة وصراحة وطرافة. ونعود لما بدأنا به المقال وهو أن في تطبيق احكام الاسلام فائدة عظيمة ليس فقط في علاقة الرجل بالمرأة بل في كل القضايا التي تهم الانسان ولم تأت هذه الاحكام لتشقينا أو تعقدنا فاحكام الاسلام هي حصون تحمينا وليست سلاسل تقيدنا فاذا كان خروج الجندي من حصونه يعرضه للاخطار فليس هذا من الشجاعة والثقة بل من التهور والغرور فكذلك المسلم اذا خرج من حصون السعادة عرض نفسه لسهام الشقاء.
تسلية أهل المصائب (34)
المصائب تصيب المسلم والكافر
وسعادة المسلم بتعامله معها بكفاءة عالية(1/82)
…كلما زاد فهمنا للاسلام والحياة وزادت أعمالنا الصالحة بنينا حصونا قوية تصيبها سهام المصائب والمشاكل فتسقط دون أن تؤثر في نفسياتنا فتأثر العالم ليس كتأثر الجاهل وتأثر المطيع ليس كتأثر العاصي فلنبن حصوننا فمصائب الدنيا الشخصية والاجتماعية والسياسية كثيرة وفي الاسلام تصور لعلاج المصائب ولن يكون لهذا التصور والعلاج مفعول اذا تأخر الاخذ به قال تعالى ?ءآلئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين?(91) سورة يونس فلنحذر الجهل والمعاصي فقد قال الحسين بن أرجك وما أصدق ما قال "من خير المواهب العقل ومن شر المصائب الجهل" (35) وقد قام بعض علمائنا ببيان المنهج الصحيح في التعامل مع المصائب ولقد جمعت بعض ما قالوا لعله باذن الله ينفعنا جميعاً. ورأيهم أن الصمود للمصائب يتطلب الآتي:
…1- العلم بأن الدنيا دار ابتلاء واختبار: ومعرفة ذلك يؤدي الى توقع الانسان للمصائب واستعداده النفسي لها وكثيرا ما يكون الانسان المتوقع للمصائب أكثر صلابة من الانسان المطمئن الى الدنيا فيفاجأ بالمصائب والفتن قال تعالى ?أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين? (13) سورة العنكبوت. والفتنة والاختبارات تكون بالمصائب كالفقر والمرض والسجن وموت الولد وغير ذلك وتكون بالنعم كالثروة والمركز والصحة وغير ذلك والفائز هو من يتعامل مع المصائب والنعم بما يرضي الله فاذا دفعه الفقر العادي للغش والرشوة فقد رسب في الاختبار واذا دفعه الظلم الى رد فعل أظلم فقد رسب بالامتحان ولكن اذا تعامل مع كل مصيبة بما يرضي الله فقد نجح والا فهو من الكاذبين والخاسرين ولا ندعو هنا للتشاؤم بل ندعو للاستعداد النفسي للاحتمالات السيئة.. قال أحمد شوقي رحمه الله:
يا نفس دنياك تخفي كل…مبكية *** وإن بدا لك…منها …حسن… مبتسم(1/83)
…2- يجب أن يعلم الانسان علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه قال تعالى ?ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم الا في كتاب (36) من قبل أن نبرأها (37) ان ذلك على الله يسير (22) لكيلا تأسوا (38) على ما فاتكم ولا تفرحوا (39) بما ءاتاكم والله لا يحب كل مختال (40) فخور (41) (23)? سورة الحديد. ومن تأمل في هذه الأية الكريمة وجد فيها شفاء من أدواء (42) المصائب فالاقتناع بان الموت أو المرض أو الفشل أو الخسارة أو غير ذلك قدر مكتوب لا مفر منه مهما فعلنا يجعلنا أكثر قدرة على تحملها وهذا الاقتناع والايمان لا يعني اطلاقا الكسل والخمول والتهور وترك العمل بحجة أن ما كتبه الله سيحدث بل الاحتياط من الموت والمرض والفشل والهزيمة واجب لابد منه ولكن عندما تحدث المصائب بعد استنفاد كل الجهد البشري في منعها فهو قدر الله الذي لا مفر منه واذا اخذنا بالاسباب فبعد ذلك فلنقرأ هذه الحكاية: يروي أن حكيما رأى رجلا حزينا فقال له: هل ينقص من رزقك شئ كتبه الله لك قال لا قال هل ينقص من عمرك شئ كتبه الله لك قال لا قال هل يجري في هذا الكون شيء لا يريده الله قال لا قال فلم الحزن؟ ومعنى لا يريده الله أي لا يقع جبرا على الله فالله لا يجب الظلم والفساد ولكن سمح أن يقع في ملكه.
…3- النظر في حال من ابتلى بمثل هذا الابتلاء فان التأسي راحة عظيمة: المقصود هنا مقارنة الانسان بالسلف الصالح وبالعقلاء من الناس في تعاملهم مع المصائب فاذا قلت مثلا كثيرون هم المصابون بمثل مرضي فلم يؤثر فيهم فلماذا أتاثر بشدة واذا قلت هناك كثيرون في مثل مستواي المعيشي ومع هذا صابرون فلماذا أكون أقلهم صبرا وأكثرهم جزع وهكذا فقد أصابت الاخيار مصائب كثيرة وضربوا أمثلة رائعة في التعامل معها فلنقلد هؤلاء الكرام فالتشبه بالكرام فلاح ولنحذر أن نتصرف كما يتصرف الكفار والمنافقون والعصاة والجهلاء.(1/84)
4- النظر في من ابتلى اكبر من هذا البلاء: لنا في رسول (() قدوة حسنة فقد ابتلى هو والانبياء والصالحون بأشد مما أصابنا ومع هذا صبروا فالرسول (() كان من الفقراء وحاربه قومه ومات ابنه وأخرج من بلده وصبر على كل هذا وغيره وأيوب أصابه المرض وصبر ويعقوب فقد ابنه يوسف لسنين طويلة وصبر. وفي عصرنا هذا نرى المصائب الكثيرة ونجد هناك من صبر عليها ولو قارنا جزعنا على بعض مصائبنا وصبر غيرنا على مصائب اكبر لكان علينا أن نخجل من أنفسنا ونعاتبها ولنعلم أن كثيرا ممن صبروا نالوا ما يتمنون فالتقوى والصبر سلاحان فعالان فالعاقبة للمتقين والله مع الصابرين فعن عبدالله خباب بن الارت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله (() وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: الأ تستنصر لنا؟ الأ تدعو لنا؟ فقال كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتي بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمة ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف الا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون" رواه البخاري وفي رواية وهو متوسد بردة وقد لقينا من المشركين شدة.(1/85)
5- أن يقدر وجود ما هو أكثر من تلك المصيبة: مما يجب أن تعالج به المصائب أن يحمد الله على أن المصيبة كان من الممكن أن تكون أكبر ولكن الله لطف فكثير من المصائب تهون عندما تقارن بغيرها فاذا مات لك طفل فهناك من مات لهم أطفال ولكن الله لطف بك وإذا أصابتك جروح في حادث سيارة فهناك من جروحهم أشد واذا شكوت غربة أو ظلما فهناك من هو أكثر منك غربة وظلما وهكذا واذا اقتنع الانسان بأن أكبر نعمة هي الايمان والاعمال الصالحة ولم يفرط بها فكل مصيبة تهون واذا اقتنع أن اكبر المصائب الشرك والكبائر وما لم يصب من ذلك بشيء فليحمد الله فاذا حافظ الانسان على ربح الايمان والطاعة فهو رابح مهما كانت خسارته من المصائب واذا خسر الايمان والطاعة فهو خاسر مهما كان ربحه من النعم. قال شريح اني لا صاب بالمصيبة فاحمد الله عليها أربع مرات وأشكره اذا لم تكن أعظم مما هي عليه واذا رزقني الصبر عليها واذ وفقني الاسترجاع (43) لما ارجوه فيه من الثواب واذا لم يجعلها في ديني (44).
6- ان يعلم العبد كيف جرى القضاء فهو خير له: قال رسول الله (() "عجبا لأمر المؤمن ان أمره كله له خير وليس ذاك لاحد الا المؤمن أن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" (45) فالمسلم يستطيع أن يستثمر المصائب بالصبر والرضى فيكون صبره على المصائب منبعا للاجر والخير فقد بشر الله المسلم الصابر على موت ابنه أو ابنائه بالخير الكثير فتحويل المصيبة الى خير وثواب فضل أعطاه الله للمسلمين فالحمدلله على كرمه وفضله ورحمته ولذلك وجدنا بعض الصالحين يتمنون المصائب حتى يصبروا ويناولوا خيرها وهذا ليس من سنة الرسول (() فالرسول أمرنا أن نسأل الله العافية والخير قال (() "يا ايها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسالوا الله العافية فاذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" (46).(1/86)
7- ان هذا الواقع وقع برضى المالك فيجب على العبد أن يرضى بما رضى به السيد: شاء الله أن يختبر الناس بالخير والشر وأن يكتب للناس رزقهم وأعمارهم وما يصيبهم وهو عدل في قضائه حكيم في تقديره عالم بما ينفع عباده الصالحين وهو ولي المتقين في الدنيا والاخرة ولا يضيعهم فما دام الله هو الذي قدر لي رزقي فعلي أن أرضى بما رضي الله عنه وكتبه لي وما يخشاه المسلم ليس المصيبة بل الخوف هو أن تكون هذه المصيبة ناتجة عن غضب الله عليه وهنا يجب أن يكون الحزن والرجوع الفوري الى الله والاستغفار. وعلى العموم فالتوبة كما يقول العلماء واجبة فورا ومن الجهل انتظار المصائب الشخصية والعامة حتى نتوب فهذا من تبليس ابليس وكم أهلك تاجيل التوبة من بنى ادم فهل ننتبه ونصلي ونتوب أم نكون من الهالكين وعموما فالرضى يجلب السعادة ويخفف المصيبة قال تعالى ?فلنحيينه حياة طيبة? قيل في تفسيرها الرضى والقناعة وقال ابو الدرداء رضي الله عنه: "ان الله اذا قضى قضاء أحب ان يرضى به" ومن الضروري أن نعلم أن النعم ليست دائما دليل رضى من الله والمصائب ليست دليل غضب والايات القرآنية تدل على ذلك كما يدل عليه قول رسول (() "إن اشد الناس بلاء الانبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" (47).(1/87)
8- لا ملجا من الله الا إليه: النفس البشرية السوية لا تشعر بالاطمئنان الا بالالتجاء الى الله قال تعالى ?الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب? سورة الرعد فالالتجاء إلى الله هو ما يجب أن يكون رد فعل كل مسلم كجزء اساسي من علاج اية مصيبة فاذا كان المظلوم يلجأ إلى القضاء لانصافه والمحتاج يلجأ لمن عنده مال والمريض للطبيب وهكذا فلاشك أن الاطمئنان الاكبر هو في اللجوء الى الله مع الأخذ بالاسباب فالله لديه القوة والغنى والعزة والصحة وكل خير وهو على كل شئ قدير قال تعالى ?وقال ربكم ادعوني استجب لكم? وقال تعالي ?امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء? سورة النمل واستجابة الدعاء من الله في دفع مصيبة أو تحقيق أمنية لها شروط منها الاخذ بالاسباب. والرسول (() كان اذا حز به (48) امر لجأ إلى الصلاة كما جاء في البخاري واللجوء الى الله يكون بالدعاء والاستغفار والصلاة وقراءة القرآن وغير ذلك قال تعالى ?وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا? سورة الاسراء، ولنحذر من الغفلة قال تعالى? فلولا إذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعلمون? (43) سورة الانعام. ولنحذر أشد الحذر من أن نكون ممن يلجأ الى الله في فقره أو مرض أبنه أو وقت الإمتحان أو غير ذلك، ثم بعد ذلك ينسى نعمة الله واستجابته لدعائه قال تعالى ?واذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون? سورة يونس.(1/88)
…9- أن يعلم أن المصائب أحيانا تكون نتائجها ذات فوائد كبيرة على مستوى الفرد والامة فقد تكون المصيبة تنبيها للعبد من غفلته أو غروره أو ظلمه أو تعامله بالربا أو انغماسه بالزنا وقد تأتي المصائب كعقاب من الله على ذنوب عملها فتسقط عنه عذاب الأخرة أو جزء منه ففي بعض المصائب خير كثير فهزيمة حزيران 1967 كانت مصيبة كبرى تألمنا منها ولكن فوائدها كانت كبيرة فقد كشفت لنا الاهمال والفوضى والفساد والبعد عن الله وما كان من الممكن أن تنكشف هذه الأمور في ظل الاستبداد والاعلام المتخلف والجهل العقائدي والسياسي لو لم تحدث كارثة بهذا الحجم والفقر الذي يكاد يراه الجميع مصيبة فيه فوائد للبعض قال تعالى ?ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض ولكن ينزل بقدر ما يشاء أنه بعباده خبير بصير? (27) سورة الشورى. ومن فوائد المصائب ما ذكره الشيخ محمد المنبجي حيث قال" وليعلم أهل المصائب أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لاصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا أو أجلا فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الاحيان بانواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الادواء وحفظ لصحة عبوديته واستفراغا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة، فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه فلولا أنه سبحانه وتعالي يدواي عباده بادوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا وتجبروا في الأرض، وعاثوا فيها الفساد فان من شيم النفوس اذا حصل لها أمر ونهي وصحة وفراغ وكلمة نافذة من غير زاجر شرعي يزجرها تمردت وسعت في الأرض فسادا مع علمهم بما فعل بمن قبلهم فكيف لو حصل لهم مع ذلك اهمال" (49).(1/89)
…10- معاتبة النفس عند الجزع. أن هذا الامر لابد منه فما وجه الجزع مما لابد منه: قال الشيخ محمد المنبجي " وليعلم المصاب أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها وهو في الحقيقة يزيد في مصيبته بل يعلم المصاب أن الجزع يشمت عدوه ويسوء صديقه ويغضب ربه ويسر شيطانه ويحبط أجره ويضعف نفسه واذا صبر واحتسب أخزى شيطانه وأرضى ربه وسر صديقه وساء عدوه" (50).
…وقال الاشعث بن قيس: "انك ان صبرت ايمانا واحتسابا والا سلوت كما تسلو البهائم" وقال الشيخ المنبجي "وليعلم المصاب الجازع وان بلغ به الجزع غايته ونهايته فآخر أمره الى صبر الإضطرار وهو غير محمود" وعزى ابن السماك رجلا فقال "عليك بالصبر فبه يعمل من احتسب وإليه يصير من جزع" وقال عمرو بن دينار قال عبيد بن عمير "ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب ولكن الجزع القول السيئ والظن السيء" وقيل "لا تجمع الى ما اصبت به من المصيبة الفجيعة بالاجر فانها أعظم المصيبتين عليك" وعزى رجل رجلا فقال "يا أخي العاقل يصنع في أول يوم ما يفعله الجاهل بعد عام" وقال بعض السلف وقد عزى مصابا " ان صبرت فهي مصيبة واحدة وان لم تصبر فهما مصيبتان".
…11- انما هي ساعة فكأن الصبر لم يكن: ان الحياة بحاجة الى كمية هائلة من الصبر فالصبر مطلوب في تعاملنا مع الاهل والناس والعمل والنعم والمصائب والطاعات فمن يصبر ويخطط غالبا ما يصل الى ما يريد وكم من جيش انهزم لقلة الصبر وكم من مشكلة فجرها الغضب والتسرع فالدراسة والبناء والانتاج والتعاون كل ذلك بحاجة الى صبر حتى يعطي ثماره والصبر علاج للمصائب والانسان بحاجة له في النعمة والمصيبة قال الامام علي رضي الله عنه "الصبر ثلاثة صبر على المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية".
ولأهمية الصبر أمر الله سبحانه وتعالى رسوله والمؤمنين به في آيات كثيرة قال تعالى ?فاصبر كما صبر اولى العزم من الرسل? (35) الاحقاف.(1/90)
…وقال تعالى ?وبشر الصابرين الذين اذا أصباتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون? وقال تعالى ?ولمن صبر وغفر ان ذلك من عزم الامور?.
…قال الامام على بن أبي طالب كرم الله وجهه: ألا ان الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فاذا قطع الرأس بار الجسد ثم رفع صوته فقال: ألا أنه لا ايمان لمن لا صبر له" وقال الحسن: "الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله الا لعبد كريم عنده". وقال بعض السلف: "البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر ولا يصبر على العافية الا صديق" وقال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه "ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر".
من ادوات السعادة
…ان سعادة الفرد والامة ليستا قضيتين قابلتين للتحقق بالقليل من العلم أو البسيط من العمل فالطريق الى السعادة طريق طويل أساسه العمل والعمل والاخلاص وقد بينت في مقالات سابقة بعض متطلبات السعادة وأساسياتها ، وسأذكر هنا بإختصار المزيد من هذه المتطلبات:
(1) الاعتماد على الذات:-(1/91)
قالوا قديما "ما حك جلدك مثل ظفرك" فلا بد من الاعتماد على النفس والعمل ونحن لا نحصد قبل أن نزرع، ولن نزرع اذا اعتمدنا على الآخرين ولن نزرع اذا انتظرنا نتائج حوار الشمال مع الجنوب ومن تعاسة الفرد والامة اللجوء الى تبريرات للكسل والاعتماد على الغير، فاذا لم تتوفر البيئة المناسبة للنجاح فلنصنعها، وصحيح أن الصعوبات كثيرة ولكن الصحيح ايضاً أن الامكانيات المتوفره هائلة، فلا بد من الأخذ بالاسباب الايمانية والمادية معاً، ولا بد من حسن الادارة والتخطيط والتنظيم ولقد وجدنا دولاً كثيرة في عصرنا هذا تحقق نجاحات كثيرة في الصناعة والزراعة وغيرها وجميع هذه الدول شمرت عن سواعدها وانطلقت تفكر وتخطط وتبني وتتعلم من أخطائها وتنمي خبراتها وتطور أنظمتها وقوانينها. أما الذي يظن أن السماء ستمطر ذهبا وفضة فسيطول انتظاره، فالطريق إلى العزة والغنى والقوة واضح وهو ليس طريقا مفروشاً بالورود بل لابد من التعب والتضحية والسهر والتدريب والصبر ولا بديل لهذا إلا الفقر والجوع والذل ويعجبني الفرد الذي يعتمد على نفسه وينطلق يبني نفسه علميا وعمليا لا تعيقه الصعوبات في كلا المجالين بل يفكر بحلول لها ويتخطاها ولا يتكاسل ولا يبحث عن تبرايرات ولا يتنظر حتى تعطى له الفرصة بل يبحث عن الفرص ويقتنصها ولا ييأس، وكثيراً ماوجدنا موظفين يقولون لا نجد الفرصة المناسبة حتى نتعلم ونطور مهاراتنا ولا يدري هؤلاء أن الوسيلة الرئيسية للتعليم هي أن تعلم نفسك بنفسك لا أن يعلمك الآخرون. بإختصار ان الذين ينتظرون مساعدة الغير يضيعون وقتهم وللعمل فوائده الكثيره منها أنه يساهم في ابتعاد الفرد عن الفراغ والوحده والملل وينسى الانسان جزءاً من همومه.
(2) يد الله مع الجماعه:-(1/92)
أمرنا الله سبحان وتعالى أن نعتصم بحبله وأن لا نتفرق، ففي التعاون والتكاتف والوحده خير كثير للفرد والأمة. ولقد وضحت في كتاب الطريق إلى الوحده بعض جوانب هذه القضية فنحن بحاجة ماسة اليوم أن نتعاون على البر والتقوى وأمور الخير كثيرة حتى لو كنا مختلفين في غيرها فلا بد أن تتحرك كفريق واحد، فالاختلافات الاساسية شر كلها ولا بد أن نتذكر ما يربطنا مع الآخرين من روابط العقيدة والدم والارض، فالايمان يفرض أن يكون المسلمون جسداً واحداً لا يفرقهم الاختلاف حول موقف سياسي أو مصلحة أو غير ذلك والا فإيماننا ضيعف أو غير موجود. ومن الضروري أن ندرك أنه من الطبيعي جداً أن نختلف حول قضايا كثيرة فخبرتنا وعقولنا وتجاربنا الشخصية وأولوياتنا تختلف من فرد إلى أخر ومن دولة إلى أخرى. فالاختلافات الاجتهادية شئ طبيعي، ووجودها لا يمنع اطلاقا أن نعمل ضمن فريق واحد فيما ينفعنا جميعا. ولقد وحد الله بالاسلام أمما كثيرة في الخلافة الاموية والعباسية والعثمانية، فكيف بأمه واحده فإذا توفر المنهج والفكر وهو موجود في الاسلام وتوفر الاخلاص والحكمة والصبر والتخطيط فلا شك أبدا في أن تعاونا جاداً أو اتحاداً أو وحده ستكون ثمرة لذلك.
(3) محاربة التقليد:-(1/93)
من الضروري أن نتعلم ما نحتاجه من علوم الغرب والشرق وأن نطلب العلم ولو في الصين، ولكن من الخطأ أن ننقل حرفيا ما تعلمناه لنطبقه دون اعتبار لواقعنا السياسي والإداري،والاجتماعي والتعليمي، فالمستوى الإداري الذي وصلنا له يختلف كلياً عما وصلوا إليه والبيئة التي نعمل فيها تختلف عن بيئتهم، فما ينجح عندهم قد لا ينجح عندنا والابحاث العلمية التي تحتاجها بلادنا تختلف عما يحتاجونه وبالتالي فأهداف جامعاتنا يجب أن تختلف عن أهداف جامعاتهم ومعاهدهم وكذلك يجب أن تعكس مناهجنا التعليمية آمالنا كأمه ومبادئنا وعقائدنا وحاجات التنمية في مجتمعنا وحرية الاستيراد والتصدير مثلا تنفع الغرب ولكنها تضرنا فلا بد لها من ضوابط. ان الامة بحاجة الى تفكير جديد وأفكار جديده وثقه كافيه بالنفس، فالتعلم من الغرب شئ وتقليده شئ آخر. بل أن التقليد معناه أننا لم نفهم ما تعلمناه بل حفظناه، اننا بحاجه إلى أفكار تساهم في ترشيد البلايين من الدنانير الضائعة في سوء استخدام الموارد البشرية في الأمة، وبحاجة إلى أفكار تساهم في تشجيع الصناعة العربية وبحاجة إلى حلول واقعية ورخصية تساهم في حل جزء من مشاكلنا الكثيره في المدن والقرى والصحاري، فميزانية التعليم والصحه يمكن تخفيضها بدرجة كبيرة لو توجهنا الى تشجيع القطاع الخاص على الدخول في هذه المجالات حتى لو تطلب تشجيعه بناء المدارس والمستشفيات والجامعات ثم تسلميها جاهزه له، وفي هذه الحالة ستوفر الحكومة رواتب المدرسين والاطباء. إننا نريد باختصار حلولاُ علمية جريئة لا تتأثر بالتقليد ولا بالجمود.
(4) التركيز على النوعية:-(1/94)
يتم التركيز في مجتمعاتنا على الكم وتجاهل الكفاءة والنوعية، فأعداد الطلبه والمدرسين والعمال وخطباء الجمعة والتجارة والصحفيين والاداريين هي أعداد كبيرة نسبيا أما كفاءتهم فهي في الغالب منخفضة وما أكثر الاحصائيات التي تتعامل مع الاعداد وما أقل التي تتعامل مع النوعية وصحيح أن زيادة العدد جزء من النجاح ولكنه الجزء الصغير فمثلاً من السهل جداً زيادة نسبة المواطنين في سوق العمل ولكن الصعب هو الارتفاع بكفاءتهم ونحن بحاجة إلى مدارس وجامعات ومستشفيات ووزارت وشركات تتبنى الخبرات وتشجيعها وتطورها وتقدم لها الحوافز المعنوية والمادية السخيه. ومما من شأنه المساهمة في الارتفاع بالنوعية والكفاءة فتح مجال التنافس بين الشركات والمدارس والمزارع والجامعات في الدولة الواحده وبين بقية الدول العربية.
(5) الشورى:
تساهم الشورى مساهمة رئيسية في ترشيد السياسات والاهداف والقرارات السياسية والاقتصادية والادارية، فمثلاً نجد كثيراً من القرارات الادارية التي تصدر بدون شورى تفشل وذلك لانها تعكس خبره عدد محدود وتتجاهل خبرة عشرات أومئات أو حتى آلاف العقول بل تفشل هذه القرارات حتى لوكانت صحيحه لأن العاملين لا يشعرون ان القرارات قراراتهم أو أنهم شاركوا فيها بصوره جدية فلا يتحسمون لتنفيذها ولا يدركون أهميتها ولقد قيل قديما "ما خاب من استشاره" وقيل "شاور العاقل يكن عقله لك".
(6) اختيار الاولويات:(1/95)
تتفاوت الامور والقضايا والاهداف في أهمتيها، فهناك اشياء مهمة واخرى اكثر أهمية ومجموعة ثالثة ذات أهمية ثانوية، فمثلاً من الاسياسات أن نصرف على المأكل والملبس والمسكن ولكن نجد هناك من يستدين من أجل أمور ثانوية فيشقى بالديون، وحسن استخدام المال والاقتصاد فيه سعادة الافراد والامم. قال الامام أبو حنيفة رضي الله عنه: "لا اسراف في الخير كما لا خير في الاسراف" وهناك من يحرصون على أن يحصل ابناؤهم على أعلى الشهادات العلمية وفي نفس الوقت لا يحرصون على تعليمهم عقائد الاسلام واخلاقه فيربح أبناؤهم حفنه من الدنانير ويخسرون سعادة الدنيا والاخرة. ونجد هناك من يبذل الجهد الكبير في عمله أو تجارته أو علمه أو عبادته ويهمل أموراً ذات اولوية مرتفعه كحقوق أسرته أو الزواج أو الحج أو صلة الرحم. وعموما فمن السعادة أن نعرف أن هناك أولويات في الحياة الشخصية والعلم والسياسة والقراءة والدعوة والادارة والبناء وأن نبدأ بهذه الأولويات.
(7) التفاؤل:(1/96)
العالم من حولنا يتطور تكنولوجيا بسرعة كبيرة ونحن متخلفون، وتتجه دول كبيرة الى الوحدة ونحن متفرقون،وهناك الاعداء الطامعون وهناك المتخاذلون والمنافقون والمرتشون والانانيون، وهناك الاختلاف العقائدي والسياسي وقد يقول قائل: فأي سعادة أو تقدم يمكن أن يحدث مع كل هذا؟ ونقول أن الصعوبات كثيرة ولكن الصحيح أيضا أن القوة الموجودة في الامة قوة هائلة يمكنها أن تحقق قفزات هائلة في عقدين او ثلاثة أو خمسة لو أحسنا استخدامها واستغلالها فالمعلمون بالملايين والخبره السياسية تراكمت خلال الخمسين سنة الماضية، ولنا تجارب سياسية واقتصادية واجتماعية كثيره يمكن أن نتعلم منها الكثير، وما حققته الامة خلال العشرين سنة الماضية من طرق وموانئ ومدراس وجامعات وشركات هو انجازات كبيره مقارنه بما كان الوضع عليه قبل خمسين سنة فقط، ولو يئس هؤلاء لما شقوا طريقا ولا بنوا مدرسه وقد قيل لأن تشعل شمعه خير من أن تلعن الظلام ونقول ان الانهار الكبيرة عبارة عن قطرات مطر صغيرة فالمطلوب من كل واحد منا أن يعمل قدر استطاعته وجهده حتى تتكون عندنا أعمال صغيرة وكثيرة لنجمعها ونشكل منها أنهاراً كبيره تغذي الامة فتأليف مسرحيه هادفه انجاز رائع، وتشجيع المدرس لطلبته على حب العلم عمل جبار. وايجاد حلول لمشاكل اجتماعية علاج لجروح مؤلمة وليس مطلوب من أي واحد منا فوق طاقته أو أن يغير واقع الامة في سنين قليله، فهذا خيال واحلام لان التحديات والصعوبات كبيره. ولنعلم أن الله قد أمرنا بالعمل ولسنا مسئولين عن النتائج فالمسلم عليه أن يعمل بجد وإخلاص ونحن ننال أجر أعمالنا حتى لو لم نر لها فائدة في الواقع، ان المتشائمين واليائسين يضرون أمتهم وأنفسهم بل يضيفون صعوبه جديدة تعيق تقدم الأمة ونقول لهم ما اسهل الهروب والكسل والاهمال واللامبالاة وما اصعب العمل وحمل المسئوليه قال تعالى: "أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" (87) سورة يوسف.
المحتوى(1/97)
الموضوع
الصفحة
مقدمة ...........................................................................
7
السعادة ... ما هي؟ .............................................................
9
نور الحقائق الكبرى .............................................................
13
الطريق إلى السعادة .............................................................
18
مثقفونا ... وتعاسة الغرب .......................................................
22
كم من مريد للخيرلن يصيبه .....................................................
27
العلم سعادة والجهل شقاء ........................................................
31
السعادة بين النظرية والتطبيق ...................................................
38
الذنوب منبع الشقاء ..............................................................
41
الطريق إلى النصر ..............................................................
46
اللامبالاة في قراءة الواقع .......................................................
50
وذهب ملك سليمان ..............................................................
55
الأسرة السعيدة .. كيف نبنيها؟ ..................................................
60
من حصون السعادة .............................................................
64
تسلية أهل المصائب .............................................................
68
من أدوات السعادة ...............................................................
75
كتب المؤلف
1- الطريق إلى الوحدة الشعبية "دعوة لبناء الجسور بين الاتجاهيين القومي والإسلامي".
2- الطريق إلى السعادة.
3- إصلاح الشعوب أولا.
4- لا للتعصب العرقي.
5- عجز العقل العلماني.
6- الكويت الجديدة.
7- العلمانية في ميزان العقل.(1/98)
8- العلمانية تحارب الإسلام.
9- تطوير البحث العلمي الخليجي "تحت الإعداد".
(1) …ص 199 الجواب الكافي لمن يسال عن الدواء الشافي - ابن القيم
(2) …ص 165 المصدر السابق
(3) …ص 186 المصدر السابق
(4) …ص 203 المصدر السابق
(5) …ص 87 المصدر السابق
(6) …ص 240 الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي - لابن القيم.
(7) …ص 204 المصدر السابق.
(8) …حديث رقم 1784 مختصر صحيح مسلم - الالباني.
(9) …ص 203 الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي- ابن القيم
(10) …ص 130 - المصدر السابق
(11) …جريدة القبس الكويتية 18-6-88
(12) …كتاب الأدب - المجلد العاشر-فتح الباري شرح صحيح البخاري -للعسقلاني
(13) …ص 225 كتاب أقوال اعجبتني - صلاح الشاهد
(14) …ص 43 نحو التربية الإسلامية الحره - أبو الحسن على الحسني الندوي
(15) …ص 14 ، 15 البدعه وأثرها السيء في الأمة الاستاذ سليم الهلالي.
(16) …لا خلاق لهم: لا نصيب لهم من الدين ولا من الخير والصلاح
(17) …مختصر صحيح مسلم حديث رقم 2087.
(18) …في عدة الصابرين "يغامز".
(19) …ناقش الامام ابن القيم موضوع الذنوب وأثارها في كتابه "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" وهذا المقال شبه تلخيص لبعض الافكار الرئيسية في الكتاب.
(20) …الطقطقة: صوت قوائم الخيل على الأرض الصلبة.
(21) …الهملاج: حسن سير الدابة مع التبختر.
(22) …البرذون: يطلق على الدابة.
(23) …حديث رقم 11 المجلد الأول - سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني.
(24) …الحوت: السمك.
(25) …حديث رقم 426 مختصر صحيح مسلم للألباني.
(26) …ص 23 من كتاب عذاب الدنيا للاستاذ احمد باقر.
(27) …حديث رقم 1888 - مختصر صحيح مسلم. للالباني.
(28) …ص 66 كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الاسلام ابن تيمية.
(29) …حديث رقم 1225 مختصر صحيح مسلم للالباني.
(30) …حديث صحيح - رواه الترمذي.
(31) …حديث رقم 2080 مختصر صحيح مسلم للالباني.(1/99)
(32) …حديث رقم 950- المجلد الثاني - سلسلة الأحاديث الصحيحة - للالباني.
(33) …ص 3- الجزء الثالث - اعلام الموقعين عن رب العالمين - ابن القيم.
(34) …فكرة المقال مستوحاة من كتاب "تسلية أهل المصائب" لأبي عبدالله محمد الصالحي المنبجي المتوفي سنة 785 هـ وفي هذا المقال اقتباس لبعض فقرات من هذا الكتاب والمقصود بالتسلية التخفيف عن أصحاب الهموم والمصائب.
(35) …ص 101 كتاب بستان العارفين للنووي.
(36) …أي في اللوح المحفوظ.
(37) …اي من قبل أن يخلق هذه الكائنات المذكورة في الأرض والانفس والمصائب.
(38) …اي لكيلا تحزنوا حزن قنوط ويأس
(39) …اي لا تفرحوا فرح بطر واختيال.
(40) …اي متكبر.
(41) …متباه.
(42) …أدواء: جمع داء وهو المرض.
(43) …أي قولي: انا لله وانا إليه راجعون.
(44) …أي سلم الله لي ديني ولم يجعل المصيبة منقصة في ديني.
(45) …حديث رقم 2092 مختصر صحيح مسلم (للالباني).
(46) …حديث رقم 1126 مختصر صحيح مسلم (للالباني).
(47) …حديث رقم 145 المجلد الأول - سلسلة الأحاديث الصحيحة للالباني.
(48) …أصابه واشتد عليه.
(49) …ص 35 من كتاب، "تسلية أهل المصائب" لابي عبدالله محمد المنبجي.
(50) …المصدر السابق ص 40.
??
??
??
??
11(1/100)