الصَّحَفِيُون
قال الأوزاعي – رحمه الله - :
كان هذا العلم شيئا شريفا إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه ، فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله.
مَنْ لاَ يَشْكُر النَّاس لاَ يَشْكُر الله
أَبْدُ أَوَّلاً وَآخِرًا بحَمْدِ اللهِ - عَزَّ وَجَلّ - الذِي وَفَّقَنِى لإِنجَازِ هَذِهِ الرِسَالَةِ ثمَّ أَشْكُر الوَالِد الزَّاهِد والمُرَبي الفَاضِل الشَيْخ الفَقِيه العَلامَة أَحمَد بن يحيى النَّجْمِي – حَفِظَهُ الله – الذِي زُرْتُهُ في بَيْتِهِ ضُحَى اليَومِ الثَالِثِ مِنْ شَوَّال وَأْعْطَيْتُهُ رسَالَتي لِيَتَفَضّلَ بِقِرَاءَتها بَعْدَ أَنْ أَعْطَيْته نُبْذَة عَنْ محتَوَاهَا فَأَمَرَني أَنْ أَقْرأَهَا عَلَيْهِ فَقَرأتها عَلَيْهِ فَرَأيتُ عَلَيْهِ عَلامَات الإعْجَابِ وَسَطَّرَ أِعْجَابَهُ عَلَيْهَا بِِقَلَمِهِ السَّيَّال بمقدِّمة زَادَتِ رسَالَتي بهْجَةً وَجمَالاً فَجَزاهُ اللهُ خَيرَ الجزَاءِ عَلى تَشْجِيعِهِ لأَبْنَائهِ طُلابِ العِلْمِ.
وَكَذَلِكَ أَشْكُرُ الشَيخ الفَاضِل النَّاصَح الأَمِين يَحْيَى بن عَلِي الحَجَورِي الذِي تَفَضَّلَ بِقِرَاءَةِ رسَالَتي فَدَبَّجَهَا بِقَلَمِهِ في وَرَقَتينِ : الأُولى تَضَمَّنَت مقدِّمة لِلرسَالَةِ رَقَمْتُهَا كَمَا هِي في مقدِّمةِ بحْثِي وَالثَّانِية تَوْجِيهَات وَتَوصِيات حَيْثُ أَوْصَاني بِتَوسِيعِ البَحْثِ قَلِيلاً وَالتَّطرُقِ لِلصَّحَفِيين المُعَاصِرين وَهُمْ كُتَّاب الصُّحُفِ وَالمَجَلاتِ وَمَا هُمْ فِيهِ مِن غَفْلَةٍ، وَجَعَلتُ تَوصِيات الشَّيخِ محَلَّ اهْتِمَامِي في طَبْعَةٍ قَادِمَةٍ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى فَجَزَى اللهُ الشَّيخ عَلَى حُسْنِ ظَنِّهِ بأَخِيهِ خَيْرَا .
وَكَذَلِكَ أَشْكُرُ إِخْوَاني طُلاب العِلِمِ الذِين قَرَأوا رسَالَتي وَأَفَادُوني بِفَوائدَ جَمَّة فَجَزاهُم الله خَيرًا . ... ...(1/1)
كَتَبَهُ أَبُو عَبْد اللهِ خَالِد بن محَمّد الغُرْبَاني
الصَّحَفِيُون
قال الأوزاعي – رحمه الله - :
كان هذا العلم شيئا شريفا إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه ، فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله.
تَقْرِيظُ فَضَيلَة الشَّيْخ العَلاَّمَة
أَحْمَد بن يحْيى النَّجْمِي
حَفِظَهُ اللهُ وَنَفَعَ بِعِلْمِهِ –
الْحَمْدُ للهِ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَبَعْد :
فَقَدْ قَرَأَ عَلَيَّ أَبُو عَبْد اللهِ خَالِد بن مُحَمّد الغُرْبَاني رسَالَته هَذِهِ المَوْسُومَة بِالصَّحَفِيين وَهْي في ذَمِّ مَنْ يَعْتَمِدُونَ في أَخْذِ العِلْمِ عَلَى الصُّحُفِ فَأَلْفَيْتُهُا رسَالَة قَيِّمَة في مَوْضُوعِها لِذَلِكَ فَإِنِّي أَنْصَحُ طُلاَّبَ العِلِمِ بِقِرَاءَتِهَا وَالعَمَلِ بِهَا وَأَخْذِ العِلْمِ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ الذِينَ أَخَذُوهُ عَن الشِّيُوخِ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ .
وَبِاللهِ التَّوْفِيق .
كَتَبَهُ أَحْمَد بن يحْيى النَّجْمِيّ
3/10/1428 .
تَقْرِيظُ فَضِيلَة الشَّيخ النَّاصِح الأَمِين
يحْيى بن عَلِيّ الحَجَورِي
حَفِظَهُ اللهُ وَنَفَعَ بِعِلْمِهِ –
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدهُ وَرَسُولهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِينِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَرَأْتُ رِسَالَة (الصَّحَفِيون) لِلأَخِ الفَاضِلِ الدَّاعِي إِلى اللهِ خَالِد بن محَمَّد الغُرْبَاني - حَفِظَهُ اللهُ - فَرَأَيْتُهَا نَافِعَة في بَابِهَا شَأْن تَآلِيفِ أَهْلِ السُّنّةِ المَعْنِيّةِ بِالأَدِلَّةِ وَالآثَارِ وَبِاللهِ التَّوْفِيق .
كَتَبَهُ يحْيى بن عَلي الحَجُورِي
14صفر 1429هـ
مقدمة(1/2)
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّهُ لا يَضُرُّ إِلاّ نَفْسَهُ وَلا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم الَّذِي خَلَقَكُم مَنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } أَمَّا بَعْدُ :
(((1/3)
فَإِنَّ أَوْلَى مَا يَتَنَافَسُ بِهِ الْمُتَنَافِسُونَ ، وَأَحْرَى مَا يَتَسَابَقُ فِي حَلَبَةِ سِبَاقِهِ الْمُتَسَابِقُونَ ، مَا كَانَ بِسَعَادَةِ الْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ كَفِيلًا ، وَعَلَى طَرِيقِ هَذِهِ السَّعَادَةِ دَلِيلًا ، وَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ اللَّذَانِ لَا سَعَادَةَ لِلْعَبْدِ إلَّا بِهِمَا ، وَلَا نَجَاةَ لَهُ إلَّا بِالتَّعَلُّقِ بِسَبَبِهِمَا ، فَمَنْ رُزِقَهُمَا فَقَدْ فَازَ وَغَنِمَ ، وَمَنْ حُرِمَهُمَا فَالْخَيْرُ كُلُّهُ حُرِمَ ، وَهُمَا مَوْرِدُ انْقِسَامِ الْعِبَادِ إلَى مَرْحُومٍ وَمَحْرُومٍ ، وَبِهِمَا يَتَمَيَّزُ الْبَرُّ مِنْ الْفَاجِرِ وَالتَّقِيُّ مِنْ الْغَوِيِّ وَالظَّالِمُ مِنْ الْمَظْلُومِ ، وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ لِلْعَمَلِ قَرِينًا وَشَافِعًا ، وَشَرَفُهُ لِشَرَفِ مَعْلُومِهِ تَابِعًا، كَانَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِلْمَ التَّوْحِيدِ ، وَأَنْفَعُهَا عَلَى أَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعَبِيدِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى اقْتِبَاسِ هَذَيْنِ النُّورَيْنِ ، وَتَلَقِّي هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ ، إلَّا مِنْ مُشَكَّاةِ مَنْ قَامَتْ الْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَةُ عَلَى عِصْمَتِهِ ، وَصَرَّحَتْ الْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ بِوُجُوبِ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَتِهِ ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى ؛ إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى ))(1).
__________
(1) - مقدمة ابن القيم على كتابه القيم إعلام الموقعين 1/5 .(1/4)
وَعِلْمُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَجَلِّ العُلُومِ وَأَرْفَعِهَا ، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لِحَامِلِهَا، تَسَابَقَ لِنَيْلِهِ السَّلَفُ الصَّالح ، فَتَحَرَّكَتْ هِمَمَهُمْ ، وَبَرَكَتْ تَحْتَ كَرَاسِي العُلَمَاءِ رُكَبَهُم ، فَتَبَارَكَتْ أَوَقَاتَهُمْ، فَصَلَحَتْ أَحْوَالَهُم فَكَانُوا بِحَقٍّ خَيْر (من مشى على الأرض ما عدا النبيين صلوات الله وسلامه عليهم)(1).
وَكَانَ لِلصَّحَابَةِ مَفْخَرَةُ أَخْذِ العِلْمِ مُشَافَهَةً مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَيّما مَفْخَرَة ، فَأَخُذُوهُ بِلا وسَاطَة فَحَازُوا قَصبَاتِ السِّبِاقِ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوةِ خَالِصًا صَافِيًا . فَأَحْسَنُوا النُّطْقَ ، وَعَظَّمُوا الْحَقَّ ، وَقَالُوا بِهِ ، فَنُسِبُوا لِلْعِلْمِ ، وَنُسِبَ العِلْمُ إِلَيْهِم، فَهُمْ أَهْلُ العِلْمِ ، وَهُم مَنْبَعُهُ. كَيْفَ لا وَسَنَدُهُم فِيهِ عَنْ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جِبْرِيل عَنْ رَبِّ العَالَمِين سَنَدًا صَحِيحًا عَالِيًا.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا شَأْنهمْ تَسَابَقَ إِلَيْهِمُ التَبَعُ مُشَاهَدَةً بَأَعْيُنِهِم وَإِنْصَاتًا بِآذَانِهِمُ، فَسَلَكُوا عَلَى آثَارِهِمُ اقْتِصَاصًا وَاقْتَبَسُوا هَذَا الأَمْرَ عَنْ مِشْكَاتِهِمُ اقْتِبَاسًا، فَتَسَلْسَلَ العِلْمُ بِالْمُشَافَهَةِ، وَانْتَشَرَتِ الإِجَازَاتِ بِسَبَبِ الاسْتِمَاعِ ، فَلاَ عِلْمَ بِدُونِ مُشَافَهَةٍ وَاسْتِمَاعٍ .
((فَرَحِمَ اللهُ السَّلَفَ المَاضِينَ كَانَ العِلْمُ مَطْلُوبًا فِي زَمَانِهِم وَالرَّغَبَابُ مُتَوَافِرَةُ وَالجُمُوعُ مُتَكَاثِرَةُ فَالآن خَمِدَ نَارُهُ وَقَلَّ شَرَارُهُ وَكَسدَ سُوقه))(2).
__________
(1) - ما بين القوسين أضافه الشيخ أحمد النجمي – حفظه الله - .
(2) - أدب الإملاء والاستملاء للسمعاني 1/18(1/5)
ثُمَّ ظَهَرَتْ فِتْنَةٌ أَضَاعَتْ حَقَّ العُلَمَاءِ ، وفتحت باب التعالم للجهلاء ، ألا وهي فتنة طلب العلم عن طريق الكتب والأشرطة ، يزعم أربابها أن العلم له أبواب واسعة ، وطرق عديدة ، فنسب العلم لهم زورا وبهتانا ، واتخذهم الناس رؤوسا وهم جهالا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله . فهل من رافع قلمه تجاه هؤلاء بالنصيحة والإرشاد ، وجارحا لهم إن لم يحصل منهم عواد. فكم تفاجئنا بفلان بأنه عالم وله ومركز للتدريس ، ثم يعرف بعدم تلقيه عند العلماء الثقات لطلب العلم. ولقد أحسن الصحابي الجليل حذيفة رضي الله عنه حيث قال : ((إذا عمت الفتنة ميز الله أولياءه))(1).
وقد وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري لأنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ ولا تأدب بآدابهم وكذلك ابن الجوزي لأخذه العلم من الصحف وليس هذا البحث تزهيد في القراءة في كتب السنة والفقه والتفسير وغيرها أو أن هذا منقصة في طالب العلم لاهتمامه بالقراءة بل هي منبع عظيم للتزود من العلم لكن بعد التزود من المشايخ لأنهم مفاتيح العلم ومفاتيح الكتب ، لذلك كانت الرحلات لطلب العلم شاهد من شواهد العلم يعرف بها الرجل العالم من الرجل الصحفي الذي بقي في بلده .
وقد عاب السلف الذي يقتصر على طلب العلم عند علماء بلده ولا يرحل إلى غيره، فكيف بالذي لم يطلب العلم أصلا عند أي عالم ولكنه تفقه وتعلم من بطون الكتب فقط ، فإذا سألنا عن شيخه وسنده ومرجعه قالوا كتابه.
فالعلم يبدأ بالسماع من العلماء كما ذكر ذلك سفيان بن عيينة – رحمه الله – فقال:
أول العلم الاستماع ثم الإنصات ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر .(2)
__________
(1) - فتح الباري 9/241 وأحاله ابن حجر فقال : وروى على بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية من حديث حذيفة .
(2) - الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضي عياض 1/221.(1/6)
إن انتشار العلم بين الناس بدون العلماء أمر يدعو للخوف الشديد لا سيما انتشاره في عصرنا الحاضر عن طريق ما يسمى بـ (الكمبيوتر) الذي أصبح فيه العلم عن طريق أقراص صغيرة تحتوي على مئات المجلدات والكتب، وعن طريق أيضا ما يسمى (بالإنترنت) شبكة الإتصالات العالمية التي تحتوي على محطات لأهل العلم تحوي كتبهم وأشرطتهم .ولا شك ولا ريب – مع ما فيه من الخير – إلاّ أن هذا يزهد من الرحلة في طلب العلم عند العلماء – علماء أهل السنة .
وهذا الأخير ( الإنترنت ) خطره أعظم من خطر التلفاز والقنوات الفضائية لما فيه من محطات خلاعة منافية للفطرة السليمة تدعو إلى الزنا والفجور والسفور بل إلى الشرك والبدع والخرافات لا سيما أن المتصفح في (الإنترنت) يخلو بشاشة (الكمبيوتر) لوحده ، إلا إن وجدت ضوابط محددة لنشر العلم وتلقيه عن طريقه .
وقد ادّى الاكتفاء بالكتب وغيرها الشر العظيم على الشباب المسلم نظرا لعدم تفريقهم بين الغث والسمين وبين ما ينفعهم وما لا ينفعهم ، مما جعل بعضهم يرد على علماء السنة ظانا أنه أهل للمناطحة والمناظرة والمنازلة لما معه من معلومات جمعها من بطون الكتب . وكم بليت الأمة من أمثال هؤلاء الذين أصبحوا عالة على الأمة .(1/7)
وفي هذا البحث المتواضع أردت أن أبين أهمية تلقي العلم من أفواه المشايخ والعلماء ، وبينت خطر أخذ العلم من الكتب دون الرجوع إلى أهل العلم الأجلاء – علماء أهل السنة والجماعة – حاثا أخواني طلبة العلم إلى جمع الهمة للتزود من العلم والبروك عند أهله قبل رفعه لأنه إذا مات العلماء رفع العلم ولم تنفع الكتب وغيرها عند ذلك فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله لا يقبض العلم إنتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ))
قال الشاطبي معلقا على هذا الحديث (فإذا كان كذلك فالرجال هم مفاتيحه بلا شك).(1)
فإذا قبض العلماء انتهى العلم ولم تنفع الكتب والأشرطة و(الكمبيوتر) وإن كانت موجودة متوفرة لكن لما ذهب الأصل ذهب الخير . فماذا عسى أن تنفع الكتب بدون العلماء فقد أخرج الدارمي في سننه في مقدمته عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (( خُذُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ )) قَالُوا وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ قَالَ فَغَضِبَ لَا يُغْضِبُهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ (( ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ أَوَلَمْ تَكُنِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمْ شَيْئًا إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ )) .(2)
__________
(1) - وسيأتي كلامه - رحمه الله - كاملا في هذا البحث.
(2) - رواه الدارمي في سننه ، وابن ماجه في سننه وأحمد في مسنده عن زياد لبيد وصححه الألباني في سنن ابن ماجه.(1/8)
وإذا علمنا أن سيد البشر عليه الصلاة والسلام قد تلقى العلم مشافهة من جبريل عليه السلام ، تيقنا أن أصل تلقي العلم هو المشافهة ، دل على ذلك ما جاء في التنزيل في قوله تعالى ((وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5)))النجم. وشديد القوى هو جبريل عليه السلام .
وهكذا تلقى الصحابة العلم منه عليه الصلاة والسلام مشافهة ، بل ربما كان يعلمهم الحديث الواحد كما يعلمهم السورة من القرآن ، وبعضهم كان يسمع به فيرحل إليه ، وفي عام الوفود دليل شاهد على ذلك.
ومع حثه عليه الصلاة والسلام بكتابة العلم وتقييده ، إلا أننا لم نسمع ممن جاء بعدهم أنه أخذ تلك الألواح والكراريس واكتفى بها ، بل كان الذي يكتبها هو الذي يقرؤها ، فوقعت الثمرة في العلم وعم ونفع .
والآن وقد حان الشروع في المقصود طالبا العون من المعبود ، اتمنى من الله أن أوفق ، وأن أنطق بالحق، وأن أقول الحق ، وأن أهدي بالحق والله وكيلي ومعيني .
ولا أقول أنني من مجيدي هذه الصنعة ولا ممن ينال قلمه البلغة، ولم أكن بمطلوبها مليا وانتسابي إلى أهلها وإن كنت في النسبة إليها دعيا:
وليس دعي القوم في القوم كالذي ... ... حوى نسبا في الأكرمين عريقا
فرحم الله من وقف فيه على سهو أو خطأ فأصلحه ناصحا لا شامتا وموجها لا منقبا، فليس المبرأ من الخطأ إلا من وقى الله وعصم وقد قيل الكتاب كالمكلف لا يسلم من المؤاخذة ولا يرتفع عنه القلم. والله تعالى يقرن عملي بالتوفيق ويرشد فيه إلى أوضح طريق. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وقد رتبت بحثي على أقسام قليلة وهي كما سترى على الصحفيين ثقيلة :
? مقدمة وقد سبقت وأيضا سبب إقدامي على طرق هذا الموضوع ثم:
? الفصل الأول : تعريف لمعنى الصحفي .
? الفصل الثاني : الرحلة في طلب العلم لأخذه من أفواه المشايخ وفضل ذلك .
? الفصل الثالث : الحث على أخذه من أفواه المشايخ .(1/9)
? الفصل الرابع : جرح السلف في الصحفيين .
? الفصل الخامس : أقوال أئمة العصرفي ذلك .
? الفصل السادس : نصيحة للصحفيين .
? ثم خاتمة والله الموفق.
سبب إقدامي على طرق هذا الموضوع :
1- عدم تفريق الناس بين العالم السني الذي أمضى جل عمره في البروك عند أهل العلم والرحلة إليهم، وبين الصحفي الذي أخذ العلم من بطون الكتب ولم يجهد نفسه في البروك عند أهل العلم ولا التأدب بآدابهم .
2- كثرة المشيخة بين صفوف طلاب العلم فمن رأوه منهمكا في القراءة والتأليف قالوا عنه شيخ ، وربما قالوا عالم أو مستفيد .
3- بذل النفقة في شراء الكتب أكثر من بذلها في الرحلة لطلب العلم عند أهله، فأصبح التفاخر بشراء الكتب منتشر بكثرة .
4- التسرع في إصدار الفتاوى من الكتب دون الرجوع إلى أهل العلم ، وهذا خطر عظيم، لأن الفتوى وإن كان مصدرها من الكتاب والسنة لكن لا ينبغي أن تصدر إلا من عالم (بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عالم بناسخه ومنسوخه ومجمله ومفصله ومطلقه ومقيده)(1).
5- قلة الرحلة في طلب العلم والاكتفاء بالكتب والأشرطة والكمبيوتر .
6- تناقص العلماء وعدم وجود البديل ، لأن البديل تفقه وتعلم من بطون الكتب ، واكتفى بها ، وهذا لا يؤهله لمنصب العلماء السابقين .
7- أن بعضا ممن تفقه وتعلم من بطون الكتب ولم يرحل أصبح يرحل إليه ، وهذا من قلة فهم المتيمم لأنه ما عرف إلى أين يتيمم في طلب العلم . وزاد الأمر سوءا في عصرنا أن البعض يتزود في علمه من المجلات والصحف والإذاعات فيصعد إلى منبر المسجد يوم الجمعة وفي المحاضرات فلا تكاد تفرق بينه وبين الإذاعة ونشرات الأخبار . فبالأمس كان صيدليا أو مهندسا واليوم هو عالم بسبب كتب قرأها وصحف ومجلات وإذاعات عكف عليها ، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) - ما بين القوسين أضافه الشيخ أحمد النجمي – حفظه الله - .(1/10)
8- الحث على أن نتدارك أنفسنا بطلب العلم لمن فاته الوقت ليدرك منه ما يسر الله له .
9- كثرة التأليف من الشباب دون الرجوع وعرض التأليف على العلماء لمراجعته والتقديم له .
تنبيه وإفادة :
حاول البعض التنقيص من فضيله العلامة الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني رحمه الله زاعمًا بأنه لم يطلب العلم عند العلماء وإنما تعلم من مكوثه بين الكتب ، وهذا الزعم مجانب للصواب لقصر معلومات هذا المتنقص عن حياة الشيخ العلمية ، فالشيخ قد طلب العلم عند العلماء وعرف مفاتيح الكتب عن طريق العلماء ثم عكف بعد ذلك عند الكتب . أوضحت هذا لأننا سمعنا كثيرا من أمراض القلوب يطعن في هذا العالم الرباني رحمه الله .
قال الشيخ العلامة ربيع المدخلي(1): ويحتجون بالشيخ الألباني - يعني أنه أخذ من الكتب - ! يا أخي الشيخ الألباني له شيوخ .
الفصل الأول : تعريف الصحفي :
قال صاحب التعاريف : وقال الزمخشري الصحفة قصعة مستطيلة والصحيفة قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه وإذا نسب إليها قيل صحفي بفتحتين ومعناه يأخذ العلم منها دون المشايخ(2).
قال الحسن بن عبد الله العسكري :
وأما معنى التصحيف وقوله صحفي فقد قال الخليل بن أحمد : الصحفي الذي يروي الخطأ على قراءة الصحف باشتباه الحروف .
وقال غيره: أصل هذا أن قوما كانوا أخذوا العلم من الصحف قبل أن يلقوا فيه العلماء فكان يقع فيما يروونه التغيير فيقال عندها صحفوا : إي قد رووه عن الصحف فهو مصحف ومصدره التصحيف(3)
قال الفيروز آبادي في مادة صحف في قاموسه : الصحفي محركة من يخطئ في قراءة الصحيفة وبضمتين لحن الخطأ في الصحيفة وقد تصحف عليه .
وقال صاحب لسان الميزان :
والمصحف والصحفي : الذي يروي الخطأ عن قراءة الصحف بأشباه الحروف مولدة.
__________
(1) - سيأتي كلامه كاملا .
(2) - التعاريف 1/449 .
(3) - تصحيفات المحدثين 1/ 24 .(1/11)
وقال السيوطي رحمه الله : ومن اللحن أيضا قولهم: لا يؤخذ العلم عن صُحُفي بضمتين والصواب صَحَفي بفتحتين ردا إلى صحيفة(1).
هذا تعريف الصحفي عند السلف(2)، فليحرص المسلم على طلب العلم عند العلماء ولا يكتفي بطلبه عند شيخ واحد .
وقال أيوب : ليس تعرف خطأ معلمك حتى تجالس غيره .(3)
وعليه أن يرحل حتى ينفي عنه صفة الصحافة ويبحث عن العلماء في الأمصار فقد قال بعضهم : لا ينبغي لأحد أن يسكن بلدة ليس فيها عالم أو طبيب .(4)
وبالغ بعضهم فقال : من لا شيخ له فلا دين له ، ومن لم يكن له استاذ فإمامه الشيطان .(5)
قيل لأحمد بن حنبل : رجل يطلب العلم يلزم رجلا عنده علم كثير أو يرحل ؟
قال يرحل يكتب عن علماء الأمصار فيشافه الناس ويتعلم منهم .(6)
فالكتب وحدها لا تكفي بل قد يكون فيها ضلالة :
قال ابن سيرين رحمه الله : كانوا يرون أن بني اسرائيل إنما ضلوا بكتب ورثوها.(7)
قال الشاطبي : والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئا دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد.(8)
__________
(1) - تدريب الراوي 2 / 208 تحت النوع التاسع والثلاثين .
(2) - أما تعريفه في عصرنا فيراد به الذي يكتب في الصحف والمجلات وليس هو محل بحثنا .
(3) - المصدر السابق 391.
(4) - إعداد المعلم 11.
(5) - إعداد المعلم 13.
(6) - ذكره الحافظ في فتح الباري 1/175 ولم يعزه لأحد . قلت راجع الأثر في الرحلة في طلب الحديث 1/88 . والجامع لأخلاق الراوي 2/224. تدريب الراوي 2/143 . بلفظ : قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي رحمه الله عمن طلب العلم ترى له أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه أو ترى أن يرحل إلى المواضع التي فيها العلم فيسمع منهم . قال يرحل يكتب عن الكوفيين والبصريين وأهل المدينة ومكة ... الناس لسماعه منهم
(7) - رواه أبو خيثمة في كتاب العلم ص35 ومصنف ابن أبي شيبة 6/230 . بإسناد لا بأس به.
(8) - الموافقات في أصول الشريعة 68.(1/12)
فلا بد من التماس المعلم فهو أس العلم : قال صالح بن عبد القدوس(1):
يا أيها الدارس علما ألا تلتمس العون على درسه
لن تبلغ الفرع الذي رمته إلا ببحث منك عن أُسِّه
وقد كان بعض السلف يفخر بكثرة الشيوح .
الفصل الثاني: الرحلة في طلب العلم لأخذه من أفواه المشايخ وفضل ذلك:
قال تعالى (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) التوبة122
قال القاضي عياض عند هذه الآية :
((فهذا أصل في وجوب طلب العلم والرحلة في طلب السنن))(2).
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم))(3).
قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب العلم :
بَاب مَا ذُكِرَ فِي ذَهَابِ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ إِلَى الْخَضِرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ( هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا. قال ابن حجر رحمه الله تعالى شارحا في الفتح 1/ 202 :
هذا الباب معقود للترغيب في احتمال المشقة في طلب العلم .
وقال البخاري أيضا :
بَاب الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ.
عن أبي العالية قال :
كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواههم(4).
وقيل لأحمد بن حنبل رحمه الله : رجل يطلب العلم يلزم رجلا عنده علم كثير أو يرحل؟ .
قال يرحل يكتب عن علماء الأمصار ، فيشافه الناس ويتعلم منهم .
__________
(1) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 460.
(2) - الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبى 1/8.
(3) - رواه أحمد وأبو داود وقال الشيخ الألباني : صحيح
(4) - أخرجه الدارمي في سننه 1/149 ورجاله ثقات .(1/13)
قال سعيد بن المسيب رحمه الله :
إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد .(1)
حدث علي بن صالح عن أبيه قال : حدثنا الشعبي بحديث ثم قال لي :
أعطيكه بغير شيء ، وإن كان الراكب ليركب إلى المدينة فيما دونه .(2)
وقال بسر بن عبيد الله الحضرمي :
إن كنت لأركب إلى المصر من الأمصار في الحديث الواحد لأسمعه .(3)
قال عبد الملك بن الماجشون : إن كنت تريد العلم فارحل له(4).
قال أبو عاصم : سمعت سفيان الثوري وقد حضر مجلسه شاب من أهل العلم وهو يترأس ويتكلم ويتكبر بالعلم على من هو أكبر منه قال فغضب سفيان وقال : لم يكن السلف هكذا !! كان أحدهم لا يدعي الإمامة ولا يجلس في الصدر حتى يطلب هذا العلم ثلاثين سنة وأنت تتكبر على من هو أسن منك قم عني ولا أراك تدنو من مجلسي(5).
قال يحي بن معين : أربعة لا تأنس منهم رشدا حارس الدرب ومنادي القاضي وابن المحدث ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث(6).
قال أبو الفضل العباس بن محمد الخرساني :
رحلت أطلب أصل العلم مجتهدا ... ... وزينة المرء في الدنيا الأحاديث(7)
وقال أبو بكر بن أسلم : رحل أبي من نيسابور إلى مرو ليكتب عن ابن المبارك فقال أبيات شعر أنشدها لابن المبارك(8):
خلفت عرسي يوم السير باكية ... ... يا ابن المبارك تبكيني برنات
خلفتها سحرا في النوم لم أرها ... ... ففي فؤادي منها شبه كيات
أهلي وعرسي وصبياني رفضتهم ... ... وسرت نحوك في تلك المفازات
أخاف والله قطاع الطريق بها ... ... وما أمنت بها من لدغ حيات
__________
(1) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 105.
(2) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 105 .
(3) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 105.
(4) - الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضي عياض 1/94.
(5) - المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي ص 388 .
(6) - الرحلة في طلب الحديث 1/89 . والجامع لأخلاق الراوي 2/225 .
(7) - الرحلة في طلب الحديث 1/96 .
(8) - الجرح والتعديل 1/275 .(1/14)
مستوفزات بها رقش مشوهة ... ... أخاف صولتها في كل ساعاتي
اجلس لنا كل يوم ساعة بكرا ... ... إن خف ذاك وإلا بالعشيات
يا أهل مرو أعينونا بكفكم ... ... عنا وإلا رميناكم بأبيات
لا تضجرونا فإنا معشر صبر ... ... وليس نرجو إلا رب البريات
وأما أحاديث فضل طلب العلم لأخذه من أفواه المشايخ فكثيرة جدا أذكر منها ثلاثة أحاديث علَّ الهمة تشتد لنيل طلب المعالي بعلم الكتاب والسنة فمن ذلك :
الإول حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ .(1)
الثاني : حديث صفوان بن عسال المرادي .
عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ فَقَالَ مَا جَاءَ بِكَ قَالَ فَقُلْتُ جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((
__________
(1) - رواه مسلم في صحيحه والبخاري تعليقا .(1/15)
يَقُولُ مَا مِنْ خَارِجٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتٍ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إِلَّا وَضَعَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا بِمَا يَصْنَعُ قَالَ جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْمَسْحِ بِالْخُفَّيْنِ قَالَ نَعَمْ لَقَدْ كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنَا أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ ثَلَاثًا إِذَا سَافَرْنَا وَيَوْمًا وَلَيْلَةً إِذَا أَقَمْنَا وَلَا نَخْلَعَهُمَا إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ)).(1)
الثالث : حديث أبي الدرداء :
عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
((
__________
(1) - رواه أحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي وحسنه العلامة الألباني .(1/16)
مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)).(1)
فاحرص أخي المسلم على مجالسة أهل العلم :
قال ميمون بن مهران : وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء .(2)
وأختم هذا الفصل بقصة قصيرة تثير الهمة عند طالب العلم ليشتد ساعده ويبعد الملل عن نفسه :
__________
(1) - رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي والدارمي وصححه العلامة الألباني .
(2) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 47.(1/17)
... عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَا فُلَانُ هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ فَقَالَ وَا عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَتَرَى النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَرَى فَتَرَكَ ذَلِكَ وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ كَانَ لَيَبْلُغُنِي الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ فَآتِيهِ وَهُوَ قَائِلٌ فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ فَتَسْفِي الرِّيحُ عَلَى وَجْهِي التُّرَابَ فَيَخْرُجُ فَيَرَانِي فَيَقُولُ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ مَا جَاءَ بِكَ أَلَا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيَكَ فَأَقُولُ لَا أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ فَأَسْأَلُهُ عَنِ الْحَدِيثِ قَالَ فَبَقِيَ الرَّجُلُ حَتَّى رَآنِي وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ فَقَالَ كَانَ هَذَا الْفَتَى أَعْقَلَ مِنِّي(1)
فأنت يا أخي المسلم عندما تجالس العلماء – علماء أهل السنة والجماعة - فإنك:
تجالس من زكاهم الله وأشهدهم على وحدانيته قال تعالى ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) (18)آل عمران
وتجالس من أمرنا الله بسؤالهم قال تعالى ((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ))(43) النحل
__________
(1) - رواه الدارمي في مقدمة سننه رقم 569 . والحاكم في مستدركه والطبراني في الكبير وهو أثر صحيح رجاله ثقات .(1/18)
وتجالس من يستنبط الأحكام ويفهمك الكتاب والسنة قال تعالى ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)) (83)النساء
وتجالس من يخشى الله قال تعالى ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)) فاطر(28)
وتجالس ورثة الأنبياء لقوله عليه الصلاة السلام ((وإن العلماء ورثة الأنبياء)) . .... وهكذا.... وهذا كله فخر لك .
الفصل الثالث : الحث على أخذ العلم من أفواه المشايخ :
قال صلى الله عليه وآله وسلم :
((إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يعطه ، ومن يتق الشر يوقه))(1)
قال ابن حجر معلقًا على هذا الحديث- إنما العلم بالتعلم- قال:
والمعنى ليس العلم المعتبر إلاّ المأخوذ من الأنبياء وورثتهم على سبيل التعلم .(2)
قال البخاري رحمه الله في كتاب العلم : باب التناوب في العلم :
__________
(1) - الحديث حسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع عن أبي هريرة عند الدار قطني والخطيب ومن حديث أبي الدرداء عند الخطيب .
(2) - فتح الباري 1/194.(1/19)
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ ح قَالَ أَبو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ...))
ويروى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :
لا بد للناس من معلم يعلم أولادهم ولولا ذلك لكان الناس أميين.(1)
قال أبوالدرداء : من فقه الرجل ممشاه ومدخله ومخرجه مع أهل العلم .(2)
قال محمد بن سيرين : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .(3)
وقال الأوزاعي رحمه الله : كان هذا العلم شيئا شريفا إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله.(4)
قال الشعبي : جالسوا العلماء ، فإنهم إن أحسنتم حمدوكم ، وإن أسأتم تأولوا لكم وعذروكم، وإن أخطأتم لم يعنفوكم ، وإن جهلتم علموكم ، وإن شهدوا لكم نفعوكم .(5)
قال ميمون بن مهران : وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء .(6)
قال وكيع - رحمه الله - : ولا بد للمتفقه من أستاذ يدرس عليه ويرجع في تفسير ما أشكل إليه ويتعرف منه طرق الاجتهاد وما يفرق به بين الصحة والفساد(7).
__________
(1) - إعداد المعلم 17.
(2) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 155.
(3) - مقدمة صحيح مسلم .
(4) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 65.
(5) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 158.
(6) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 47.
(7) - نصيحة أهل الحديث 1/42(1/20)
وقال أبو حنيفة : الحكايات عن العلماء ومجالستهم أحب إلي من كثير من الفقه ، لأنها آداب القوم وأخلاقهم .(1)
قال إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: قال لي أبي :
يا بني ايت الفقهاء والعلماء وتعلم منهم وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم فإن ذاك أحب إلي من كثير من الحديث.(2)
قال إبراهيم بن داود البغدادي :
يابني اقترب من الفقهاء وتعلم تكن من العلماء .(3)
وقال بعضهم :
عليك بأهل العلم فارغب إليهم يفيدوك علما كي تكون عليما(4)
قال أبو حمزة الزيات : قال لي أبي :
دع المصحف وتلق من أفواه الرجال .(5)
وقال بعضهم :
لا يأخذ الحاء في القراءة بالخاء ولا يأخذ إسناده عن الصحف
قال أبو القاسم بن عساكر رحمه الله تعالى:
ألا إن الحديث أجل علم ... ... وأشرفه الأحاديث العوالي
وأنفع كل نوع منه عندي ... ... وأحسنه الفوائد والأمالي
فإنك لن ترى للعلم شيئا ... ... تحققه كأفواه الرجال
فكن يا صاح ذا حرص عليه ... ... وخذه عن الشيوخ بلا ملال
ولا تأخذه من صحف فترمى ... ... من التصحيف بالداء العضال(6)
ووما قيل(7):
أخي لن تنال العلم إلا بستة ... ... سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص وافتقار وغربة(8) ... وتلقين أستاذ وطول زمان
قال القلقشندي الشافعي صاحب صبح الأعشى :
__________
(1) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 155.
(2) - الجامع لأخلاق الراوي 1/80 .
(3) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 88.
(4) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 98.
(5) - أخبار المصحفين 1/ 56.
(6) - سير أعلام النبلاء 20/ 569 .
(7) - الأبيات ذكرها صاحب كتاب الوافي بالوفيات ج19/ص118 . والسبكي في طبقات الشافعية الكبرى ج5/ص208 . ونسبوها إلى إمام الحرمين أبو المعالي الملقب ضياء الدين رئيس الشافعية . ونسبها ابن مفلح في الآداب الشرعية ج1/ص236 عن ابن الجوزي إلى أبي بكر أحمد بن محمد الدينوري الحنبلي المتوفى في سنة 532هـ وذكرها صاحب المستطرف في كل فن مستظرف ج1/ص53 ونسبها للشافعي .
(8) - وفي بعض ألفاظها : ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة .(1/21)
ثم المرجع في معرفة النحو إلى التلقي من أفواه العلماء الماهرين فيه والنظر في الكتب المعتمدة في ذلك من كتب المتقدمين والمتأخرين(1).
كلام نفيس للأمام الشاطبي :(2)
من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام.
وذلك أن الله خلق الإنسان لا يعلم شيئًا ، ثم علمه وبصره ، وهداه طرق مصلحته في الحياة الدنيا. غير أن ما علمه من ذلك على ضربين :
[الأول] ضرب منها ضروري داخل عليه من غير علم : مِن أين؟ ولا كيف ؟ بل هو مغروز فيه من أصل الخلقة ، كالتقامه الثدي ومصه له عند خروجه من البطن إلى الدنيا – وهذا من المحسوسات . وكعلمه بوجوده ، وأن النقيضين لا يجتمعان – من جملة المعقولات .
[الثاني] وضرب منها بواسطة التعليم ، شعر بذلك أو لا ، كوجود التصرفات الضرورية ، محاكات الأصوات، والنطق بالكلمات ، ومعرفة أسماء الأشياء – في المحسوسات ، وكالعلوم النظرية التي للعقل في تحصيلها مجال ونظر – في المعقولات .
وكلامنا في ذلك فيما يفتقر إلى نظر وتبصر ، فلا بد من معلم فيها . وإن كان الناس قد اختلفوا هل يمكن حصول العلم دون معلم أم لا ؟ فالإمكان مسلّم ، ولكن الواقع في مجاري العادات أن لا بد من المعلم .وهو متفق عليه في الجملة ، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل ، كاختلاف جمهور الأمة والإمامية – وهم الذين يشترطون المعصوم – والحق مع السواد الأعظم الذي لا يشترط العصمة ، من جهة أنها مختصة بالأنبياء عليهم السلام ، ومع ذلك فهم مقرون بافتقار الجاهل إلى معلم، علمًا كان المعلَّم أو عملاً .
__________
(1) - صبح الأعشى في معرفة الإنشا 1/208 . والقلقشندي الشافعي هو القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد نزيل القاهرة توفي سنة 821هـ .راجع ترجمته في شذرات الذهب ج7/ص149 .
(2) - الموافقات في أصول الشريعة الصفحات : 64-66-67-68 بتصرف.(1/22)
واتفاق الناس على ذلك في الوقوع وجريان العادة كافٍ في أنه لا بد منه . وقد قالوا : ((إن العلم كان في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب وصارت مفاتحه بأيدي الرجال )) وهذا الكلام يقضى بأن لا بد في تحصيله من الرجال ، إذ ليس وراء هاتين المرتبتين مرمى عندهم .
وقال رحمه الله في علامات وإمارات العالم المتحقق :
منها أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم لأخذه عنهم ، وملازمته لهم ، فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك وهكذا كان شأن السلف الصالح .
فأول ذلك ملازمة الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذهم بأقواله وأفعاله ، واعتمادهم على ما يرد منه ، كائنا ما كان ، وعلى أي وجه صدر .فهم فهموا مغزى ما أراد به أو لا، حتى علموا وتيقنوا أنه الحق الذي لا يعارض والحكمة التي لا ينكسر قانونها ، و لا يحوم النقص حول حمى كمالها ، وأنما ذلك بكثرة الملازمة، وشدة المثابرة.
وتأمل قصة عمر بن الخطاب في صلح الحديبية حيث قال: يارسول الله ! ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال : بلى.قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال: بلى . قال : ففيما نعطي الدنية في ديننا ، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : يابن الخطاب ! إني رسول الله ، ولم(1)يضيعني الله أبدا . فانطلق عمر ولم يصبر متغيظا، فأتى أبا بكر فقال له مثل ذلك فقال أبوبكر : إنه رسول الله ولم يضيعه الله أبدا . قال : فنزل القرآن على رسول الله بالفتح فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه ، فقال : يارسول الله : أوفتح هو ؟ قال نعم . فطابت نفسه ورجع .
فهذا من فوائد الملازمة والإنقياد للعلماء، والصبر عليهم في مواطن الإشكال ، حتى لاح البرهان للعيان .
__________
(1) - كذا في الأصل وفي الصحيحين ( ولن ) وكذلك الثانية .(1/23)
وقال رحمه الله : وصار مثل ذلك أصلا لمن بعدهم فالتزم التابعون في الصحابة سيرتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى فقهوا، ونالوا ذروة الكمال في العلوم الشرعية . وحسبك في صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالما اشتهر في الناس الأخذ عنه إلا وله قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك . وقلما وجدت فرقة زائغة ، ولا أحد مخالف للسنة ، إلا وهو مفارق لهذا الوصف. وبهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري وأنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ ، ولا تأدب بآدابهم .
وقال رحمه الله : وإذا ثبت أنه لا بد من أخذ العلم عن أهله فلذلك طريقان :
[الطريق الأول]: المشافهة وهي أنفع الطريقين وأسلمهما لوجهين الأول : لأن المشافهة خاصية جعلها الله تعالى بين المعلم والمتعلم يشهدها كل من زاول العلم والعلماء.
فكم من مسألة يقرأها المتعلم في كتاب ويحفظها ويرددها على قلبه فلا يفهمها، فإذا ألقاها إليه المعلم فهمها بغتة وحصل له العلم بالحضرة ، وهذا الفهم يحصل إما بأمر عادي من قرائن أحوال، وإيضاح موضع إشكال لم يخطر للمتعلم ببال ، وقد يحصل بأمر غير معتاد ، ولكن بأمر يهبه الله للمتعلم عند مثوله بين يدي المعلم ظاهرَ الفقر باديَ الحاجة إلى ما يلقى إليه .(1/24)
وهذا ليس ينكر ، فقد نبه عليه الحديث الذي جاء ( أن الصحابة أنكروا أنفسهم عندما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، وحديث حنظلة الأسدي حين شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم إذا كانوا عنده وفي مجلسه كانوا على حالة يرضونها، فإذا فارقوا مجلسه زال ذلك عنهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لو أنكم تكونون كما تكونون عندي لأظلتكم الملائكة بأجنحتها))، وقد قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : ((وافقت ربي في ثلاث )) وهي من فوائد مجالس العلماء ، إذ يفتح للمتعلم بين أيديهم ما لا يفتح له دونهم ، ويبقى ذلك النور لهم بمقدار ما بقوا في متابعة معلمهم وتأدبهم معه ، واقتدائهم به ، فهذا الطريق نافع على كل تقدير .
[الطريق الثاني] : مطالعة كتب المصنفين ، ومدونى الدواوين . وهو أيضًا نافع في بابه بشرطين :
الأول : أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ، ومعرفة اصطلاحات أهله ، ما يتم له به النظر في الكتب . وذلك يحصل بالطريق الأول من مشافهة العلماء، أو مما هو راجع إليه ، وهو معنى قول من قال : (كان العلم في صدور الرجال ، ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال) والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئًا دون فتح العلماء ، وهو مشاهد معتاد .
والشرط الثاني : أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد ، فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين .(1)
__________
(1) - قلت أين الذين يقدمون كتب اليوم على كتب السلف زاعمين أن كتب العصر مواكبة للعصر . فيقدم تفسير سيد قطب المبتدع على تفسير ابن كثير والطبري . فيا لها من انتكاسة وعمى في القلوب .(1/25)
كلام لابن خلدون(1): قال ابن خلدون في مقدمته :
الفصل الثالث والثلاثون : في أن الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعلم، والسبب في ذلك أن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما ينتحلون به من المذاهب والفضائل تارة علما وتعليما وإلقاء، وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة ، إلا أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكاما وأقوى رسوخا ، فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها ، والاصطلاحات أيضا في تعليم العلوم مخلطة على المتعلم ، حتى لقد يظن كثير منهم أنها جزء من العلم ، ولا يدفع عنه ذلك إلا مباشرته ، لاختلاف الطرق فيها من المعلمين ، فلقاء أهل العلوم وتعدد المشايخ يفيده تمييز الاصطلاحات بما يراه من اختلاف طرقهم فيها فيجرد العلم عنها ويعلم أنها أنحاء تعليم وطرق توصل وتنهض قواه إلى الرسوخ والاستحكام في المكان وتصحح معارفه وتميزها عن سواها مع تقوية ملكته بالمباشرة والتلقين وكثرتهما من المشيخة عند تعددهم وتنوعهم وهذا لمن يسر الله عليه طرق العلم والهداية .
فالرحلة لا بد منها في طلب العلم لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.(2)
__________
(1) - قال صاحب كشف الظنون ج1/ص278 عن بن خلدون هو : القاضي عبد الرحمن بن محمد الحضرمي المالكي المتوفى سنة 808 هـ . وقال عن كتابه : كبير عظيم النفع والفائدة رتب على السنوات . وقال أيضا في كشف الظنون ج2/ص1124 عن كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر هو على مقدمة وثلاث كتب المقدمة في فضل علم التاريخ والكتاب الأول في العمران وما يعرض فيه وهذا الكتاب الأول ذهب باسم المقدمة حتى صار علما عليها والكتاب الثاني في أخبار العرب منذ بدء الخليفة ودول المعاصرين لهم والكتاب الثالث في أخبار البربر بديار المغرب وهو كتاب مفيد جامع منافع لا توجد في غيره.
(2) - المقدمة لابن خلدون 1/ 541.(1/26)
قال صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات 1/1590:
وحكى أبو أحمد العسكري في كتاب التصحيف أن الناس غبروا يقرأون القرآن في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه نيفاً وأربعين سنة إلى أيام عبد الملك بن مروان ثم كثر التصحيف وانتشر بالعراق ففزع الحجاج إلى كتَّابه وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهات علامات فيقال : إن نصر بن عاصمٍ قام بذلك فوضع النُّقط أفراداً وأزواجاً وخالف بين أماكنها فغبر الناس بذلك زماناً لا يكتبون إلاّ منقوطاً وكان مع استعمال النقط يقع التصحيف فأحدثوا الإعجام فكانوا يتَّبعون النقط والإعجام فإذا أغفل الاستقصاء عن الكلمة لم توفّ حقوقها إعترى التصحيف فالتمسوا حيلةً فلم يقدروا فيها إلاّ على الأخذ من أفواه الرجال بالتلقين .
فائدة : ما جاء في بعض الآثار عن السلف في قراءة الكتب والاعتكاف عليها إنما ذلك بعد الاستفادة من العلماء وطلب العلم على أيديهم ، وكما تقدم بأن العلماء هم مفاتيح الكتب فإذا وُجد المفتاح سهل الدخول ، ولا بأس أن أسوق هنا بعض الآثار والأشعار عن السلف في فضل النظر في الكتب ، وقد أفرد لها الحافظ ابن عبد البر النمري الأندلسي فصلاً في كتابه (جامع بيان العلم وفضله) عنونه في الباب الحادي والسبعون بقوله:
باب في فضل النظر في الكتب وحمد العناية بالدفاتر .
وأنا أذكر إن شاء الله بعضًا مما نقله رحمه الله عن السلف ، فمن ذلك :
سئل الإمام البخاري رحمه الله : ما البلاذر ؟ قال : إدامة النظر في الكتب .
ومما يحفظ قديمًا :
نعم المحدث والجليس كتاب تخلو به إن مَلَّك الأصحاب
لا مفشيًا سرًا ولا متكبرًا وتفاد منه حكمة وصواب
وأنشدني أحمد بن محمد بن أحمد :
وألذ ما طلب الفتى بعد التقى علم هناك يزينه طلبه
ولكل طالب لذة متنزه وألذ نزهة عالم كتبه
وسألني أن أزيد فيها فزدته بحضرته :
يُسلِّى الكتاب هموم قارئه ويبين عنه إذا قرأ نصبه(1/27)
نعم الجليس إذا خلوت به لا مكره يخشى ولا شغبه
وقال أبو عمرو بن العلاء : ما دخلت على رجل قط ولا مررت ببابه فرأيته ينظر في دفتر وجليسه فارغ إلا حكمت عليه واعتقدت أنه أفضل منه عقلاً .
وروى عن الحسن اللؤلؤي- إن صح عنه – أنه قال : لقد غبرت لي أربعون عامًا ما قمت ولا نمت إلا والكتاب على صدري .
الفصل الرابع : جرح السلف للصحفيين:
لقد نعت السلف من لم يطلب العلم عند العلماء أو اعتمد على الصحف بأنه صحفي ، فأصبح اسم الصحفي منقصة في الرجل بل ربما فيه تحذير بعدم أخذ العلم والرواية عنه مع وجود شيوخ لهم بل ربما كان من الثقات ومع ذلك جرحوهم.
فمن الذين جرحهم السلف على سبيل التمثيل لا الحصر :
? خلاس بن عمرو الهجري :
وهو وإن وثقه أحمد وروى له الجماعة إلا أنه قال شعبة قال لي أيوب : لا ترو عن خلاس فإنه صحفي، ثم قال لي بعد ذلك فإني أراه صحفيا.(1)و قال الأزدى : خلاس تكلموا فيه ، يقال كان صحفيا .
? أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي ت 599هـ :
قال فيه الذهبي : هكذا هو له أوهام وألوان مِنْ ترك المراجعة وأخذ العلم من الصحف.(2)
? عبد الملك بن حبيب بن سليمان الأندلسي القرطبي ت 239هـ:
__________
(1) - التعديل والتجريح 2/562- أحوال الرجال 1/116- الجرح والتعديل 3/ 402- من تكلم فيه الذهبي 1/75- الكامل في ضعفاء الرجال للجرجاني 3/67- العلل في معرفة الرجال 1/ 364- تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل 1/ 97- ضعفاء العقيلي 2/ 28- زاد المعاد 5/723.
(2) - السير 21 / 378. وقال في " التاريخ الكبير " :لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة بل باعتبار كثرة إطلاعه وجمعه.(1/28)
وهو وإن روى له الجماعة قال الحافظ المزي وفى " تاريخ أحمد بن سعيد بن حزم الصدفى " توهينه ، فإنه كان صحفيا لا يدرى ما الحديث . قلت – أي المزي - : هذا القول أعدل ما قيل فيه ، فلعله كان يحدث من كتب غيره فيغلط .(1)
? عمر بن محمد بن إسحاق العطار الرازي :
كان كثير المحدثات له مخرجات ورحلة الى العراق والحجاز وكان حافظا يعرف هذا الشأن ويفهم فهما جيدا لكنه تغير عقله وصار ممرورا لا يعده أحد شيئا ولا يكترث به لاعجابه بنفسه وكان أكبر من يذكر له من الحفاظ يقول صحفي .(2)
? أحمد بن أبي دؤاد الجهمي ت 240هـ :
قال صالح بن أحمد : سمعت أبى يقول ما الناس إلا من قال حدثنا وأخبرنا ولقد التفت المعتصم إلى أبى فقال له كلم ابن أبى دؤاد فأعرض عنه أبى بوجهه قال كيف أكلم من لم أره على باب عالم قط(3).
? علي بن رضوان المصري الطبيب ( 453) هـ :
قال الذهبي : لم يكن له شيخ، بل اشتغل بالأخذ عن الكتب وصنف كتابا في تحصيل الصناعة من الكتب، وأنها أوفق من المعلمين ، وهذا غلط .(4)
وقال صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي المتوفى : سنة 764 في كتابه الوافي بالوفيات جزء 1 - صفحة 2895 :
__________
(1) - تهذيب التهذيب 6/ 347- الميزان 4/ 395- لسان الميزان 4/ 59.
(2) - لسان الميزان 4/ 326.
(3) - الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبى 1/28 .
(4) - السير 18/ 105.(1/29)
لم يكن له معلم في صناعة الطب ينسب إليه وله مصنف في أن التعلم من الكتب أوفق من المعلمين . ورد عليه ابن بطلان هذا الرأي وغيره في كتاب مفرد وذكر فصلاً في العلل التي من أجلها صار المتعلم من أفواه الرجال أفضل من المتعلم من الصحف إذا كان قبولهما واحداً وأورد عدة علل الأولى منها تجري هكذا: وصول المعاني من النسيب إلى النسيب خلاف وصولها من غير النسيب إلى النسيب . والنسب الناطق أفهم للتعليم بالنطق وهو المعلم وغير النسيب له حماد وهو الكتاب وبعد الجماد من الناطق مطيل طريق الفهم وقرب الناطق من الناطق مقرب للفهم . فالنسيب تفهيمه أقرب وأسهل من غير النسيب وهو الكتاب.
الثانية منها : النفس العلامة علامة بالفعل وصدور الفعل عنها يقال له التعليم والتعليم من المضاف . وكلما هو للشيء بالطبع أخص به مما ليس هو بالطبع . والنفس المتعلمة علامة بالقوة وقبول العلم فيها يقال له تعلم والمضافان معاً بالطبع . فالتعليم من المعلم أخص بالمتعلم من الكتاب.
الثالثة : المتعلم إذا استعجم عليه ما يفهمه المعلم من لفظه نقله إلى لفظ آخر الكتاب لا ينقل لفظ فالفهم من المعلم أصلح للمتعلم من الكتاب وكلما هو بهذه الصفة فهو في اتصال العلم أصلح للمتعلم.
الرابعة : العلم موضوعة اللفظ واللفظ على ثلاثة أضرب : قريب من العقل وهو الذي صاغه العقل مثالاً لما عنده من المعاني . ومتوسط وهو المتلفظ به بالصوت وهو مثال العقل وبعيد وهو المثبت في الكتاب وهو مثال ما خرج باللفظ . فالكتاب مثال مثال مثال المعاني التي في العقل . والمثال الأول لا يقوم مقام الممثل لعوز المثل فما ظنك بمثال مثال مثال الممثل فالمثال الأول لما عند العقل أقرب في الفهم من مثال المثال . والمثال الأول هو اللفظ والثاني هو الكتاب . وإذا كان الأمر على هذا فالفهم من لفظ المعلم أسهل وأقرب من لفظ الكتاب.(1/30)
الخامسة : وصول اللفظ الدال على المعنى إلى العقل يكون من جهة حاسة غريبة من اللفظ وهو البصر. لأن حاسة النسيبة للفظ هي السمع لأنه تصويت والشيء الواصل من النسيب وهو اللفظ أقرب من وصوله من الغريب وهو الكتابة . فالفهم من المعلم باللفظ أسهل من الفهم من الكتابة بالخط .
السادسة : يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم وهي معدومة عند المعلم وهي التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ والغلط بزوغان البصر وقلة الخبرة بالإعراب أو عدم وجوده مع الخبرة بالإعراب أو فساد الموجود منه وإصلاح الكتاب ما لا يقرأ وقراءة ما لا يكتب ونحو التعليم ونمط الكلام ومذهب صاحب الكتاب وسقم النسخ ورداءة النقل وإدماج القارئ مواضع المقاطع وخلط مبادئ التعليم وذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة وألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة كالثوروس وهذه كلها معوقة عن العلم . وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته على المعلم . وإذا كان الأمر على هذه الصورة فالقراءة على العلماء أفضل وأجدى من قراءة الإنسان لنفسه وهو ما أردنا بيانه . قال : وأنا آتيك ببيان سائغ أظنه مصدقاً لما عندك وهو ما قاله المفسرون في الاعتياض عن السالبة البسيطة بالموجبة المعدولة فإنهم مجمعون على أن هذا الفصل لو لم يسمعه من أرسطو تلميذاه ثامسطيوس وأوذيموس لما فهم قط من كتاب انتهى كلام ابن بطلان .
ولهذا قال العلماء : لا تأخذوا العلم من صحفي ولا مصحفي يعني : لا يقرأ القرآن على من قرأ من المصحف ولا الحديث وغيره على من أخذ ذلك من الصحف . وحسبك بما جرى لحماد لما قرأ في المصحف وما صحفه وذلك مذكور في ترجمة حماد الراوية . وقد وقع لابن حزم وابن الجوزي أوهام وتصحيف معروفة عند أهلها وناهيك بهذين الاثنين.ا.هـ
? علي بن سالم بن صدقة اللخمي المالكي الشهير بتاج الدين الفاكهاني ت 734هـ:(1/31)
قال ابن حجر في ترجمة كعب بن أبي حمزة متكلما على الشيخ تاج الدين الفاكهاني شارح العمدة عندما صحف في اسم كعب بن أبي حمزة قال:
وهذا شأن من يأخذ الحديث من الصحف .(1)
? ابن مالك :
كان أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي ( 745) هـ إذا ذكر عنده ابن مالك يقول : أين شيوخه ؟(2)
فائدة : من المعاصرين ممن اشتهر أنه لم يتلق العلم عند العلماء : أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل المصري نزيل مأرب فهو صحفي كما ذكر ذلك بعض أهل العلم(3)
__________
(1) - الإصابة في تمييز الصحابة 5/ 163.
(2) - السير 7 / 114.
(3) - وقد تصدى لهذا الصحفي المتعالم جمع من أهل العلم منهم العلامة حامل لواء الجرح والتعديل في هذا العصر ناصر السنة وقامع البدعة فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله حيث أخمد فتنته وأبان عواره وكشف الستار عن أصوله الفاسدة . ومما قاله الشيخ ربيع : " أبو الحسن جاهل تطفل على أهل العلم وهو رجل كذوب ، رجل فتنة ورجل تلبيس " . وقال أيضًا حفظه الله : " جاء أبو الحسن إتجه بعلم الجرح والتعديل إلى غايات منها الذب عن أهل البدع " قلت: وهذا بسبب عكوفه عند الكتب وترك طلب العلم ، فالرجل صحفي ! وقد أجمع علماء أهل السنة في اليمن على هجره والتحذير منه .
وقد جلب هذا الرجل الخبيث أصولاً فاسدة جديدة مبتدعة على أهل السنة مما جعل أهل العلم يحذروا منه ومن أصوله. ومن تلك الأصول : "تحكيم طلبة العلم" فيما يلقيه عليهم من أصوله الفاسدة ، وفي نفس الوقت يحذر من الرجوع إلى العلماء ويعُدُّه تقليدًا ، وهذا من جهله المركب حيث رأى أن أصوله الفاسدة لن تنطلي على أهل العلم ولكنها تنطلي على طلبة العلم الذين ما بلغوا رتبة الاجتهاد ولم يتأهلوا بعد للفتاوى الشرعية فضلاً عن الفتاوى المنهجية, فكانت قرارات وأحكام طلبة العلم هؤلاء تبعًا لأقوال وأوامر أبي الحسن .فأخذ يردد مقولته : "احكموا يا طلاب العلم" كما في كثير من أشرطته الفاسدة .
لقد اغتر بعض طلبة العلم بهذا الأصل الجديد الذي سينقلهم من طلبة علم إلى علماء دون أن يقطعوا مفاوز العلم الطويلة، فترى ذاك المسكين قد أصبح الحرس عن يمينه وشماله والسلاح معهم إضافة إلى التزي بزي العلماء وخروج الفتاوى كالمطر دون تورع ورجوع إلى العلماء مما جعل بعضهم – إن لم نقل الكل – يحتقر العلماء لا سيما من كان له الفضل في تدريسه السنوات الطوال، فهلا رجع هؤلاء إلى مكانهم المعروف.
فالله لم يأمر بالرجوع إلى طلبة العلم بل أمر بالرجوع إلى أهل العلم كما قال تعالى : (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى وأولي الأمر منهم لَعَلِمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلاّ قليلاً) وقال تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ))
وهذا الصحفي المصري يناديهم : يا طلبة العلم احكموا . فيسارع طلاب العلم - الذين تزببو قبل أن يتحصرموا – إلى نصرته والدفاع عنه ورمي مخالفيه بأنهم ظلموه مما يقتضي وقوع الظلم من علماء السنة . بل وقّع هؤلاء في التوقيع على ورقة باسم براءة الذمة وحري أن تسمى بتوريط الذمة .
فمهلاً يا طلبة العلم – لا سيما أصحاب براءة الذمة – فقد رمتم خيرًا فأفسدتم من غير قصد ، فأنتم ما زلتم قصارًا في العلم . ولعلكم اغتررتم بمناداته لكم بالتحكيم، فكفاكم ما قد حصل وعودوا إلى حلقات العلم وتحت راية العلماء لعلكم تفلحون وإلاّ فإن حلقات (( تحكيم طلبة العلم)) ستنتقل إلى طلبتكم أنفسكم فهم سيطالبونكم بحقوق التحكيم، حتى تصل إلى عامة الناس فهم أيضًا لهم الحق في التحكيم ، ومن هذا الذي يمنع عنهم التحكيم طالما أن النداء مستمر ((أحكموا ، أحكموا , أحكموا))!!.
إن نشأت الأصل الجديد الذي ينادي به أبو الحسن المصري إنما كان تبعًا واضطرارًا لأصل سابق أسسه وغرسه بين طلبة العلم ألا وهو قوله (( إن هذه الدعوة ليس عليها وصاية ولا ملى من الملل ولا أب روحي)) وغرضه بهذا الإطاحة بعلماء السنة بدعوى ترك التقليد ليتم تقليده ليصبح هو القائد والأب الروحي لأنه يحكم الأصول وينادي بالأصول ولكن هيهات. وبذلك يتضح لكم لماذا ينادي أبو الحسن بتحكيم طلبة العلم !.(1/32)
هذا جرح لأشخاص معينين . أما الجرح العام فمن ذلك :
قال الوليد بن مسلم :
لا تأخذوا العلم من الصحفيين ، ولا تقرؤا القرآن على الصحفيين ، إلا من سمعه من الرجال وقرأ على الرجال .(1)
هجى أحدهم أبا حاتم السجستاني فقال :
إذا أسند القوم أخبارهم فإسناده الصحف والهاجس.(2)
قال ثور بن يزيد :
لا يفتي الناس صحفي ، ولا يقرئهم مصحفي .
قال الخطيب : ويجب أن يكون حفظه مأخوذا عن العلماء لا عن الصحف.(3)
قال سعيد بن عبد العزيز التنوخي :
لا تحملوا العلم عن صحفي ، ولا تأخذوا القرآن عن مصحفي.(4)
قال سليمان بن موسى :
كان يقال : لا تأخذوا القرآن من المصحفين ولا العلم من المصحفين .(5)
قال النووي :
(( وقالوا : لا تأخذوا العلم ممن كان أخذه له من بطون الكتب من غير قراءة على شيوخ أو شيخ حاذق ، فمن لم يأخذه إلا من الكتب يقع في التصحيف ، ويكثر منه الغلط والتحريف )) .(6)
قال بن جماعة :
وليجتهد أن يكون الشيخ ممن له من العلوم الشرعية تمام الإطلاع، وله مع من يوثق به من مشايخ عصره كثرة بحث وطول اجتماع ، لا ممن أخذ من بطون الأوراق ولم يعرف بصحبة المشايخ الحذاق.(7)
قال أبو القاسم بن عساكر رحمه الله تعالى:
ألا إن الحديث أجل علم ... ... وأشرفه الأحاديث العوالي
وأنفع كل نوع منه عندي ... ... وأحسنه الفوائد والأمالي
فإنك لن ترى للعلم شيئا ... ... تحققه كأفواه الرجال
فكن يا صاح ذا حرص عليه ... ... وخذه عن الشيوخ بلا ملال
ولا تأخذه من صحف فترمى ... ... من التصحيف بالداء العضال(8)
__________
(1) - تهذيب الكمال 31/ 98.
(2) - أخبار المصحفين 1/ 31.
(3) - الكفاية في علم الرواية 1/ 162.
(4) - السير 8/34- ـ أخبار المصحفين 1/ 32.
(5) - تصحيفات المحدثين 1/ 6.
(6) - في المجموع في المقدمة 1 /66 .
(7) - تذكرة السامع 85 .
(8) - سير أعلام النبلاء 20/ 569 .(1/33)
ومما قيل(1):
ومن لم يقيد رواياته ... ... بخط الشيوخ فما يذكر
ومن أخذ العلم عن نفسه ... ... فإن سواه به أخبر
ويروى عن بعضهم :
من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة ... يكن عن الزيغ والتصحيف في حَرَم
ومن يكن آخذًا للعلم من صحف ... فعلمه عند أهل العلم كالعدم
وقال بعضهم :
وإن تجد طالبًا لا شيخ له ... ... بهيمة على فلاة مهملة
وفي المقابل تأمل ما ذكره الخطيب في الرحلة في طلب الحديث:
قال يعقوب بن سفيان كتبت عن ألف شيخ وكسر كلهم ثقات .
الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي الشعراني المتوفي سنة 282 هـ
قال ابن المؤمل : كنا نقول ما بقي بلد لم يدخله الفضل الشعراني في طلب الحديث إلا الأندلس.
محمد بن المسيب بن إسحاق الأرغياني المتوفي سنة 315 هـ قال الإمام أبو عبدالله الحاكم كان من العباد المجتهدين سمعت غير واحد من مشايخنا يذكرون عنه أنه قال ما أعلم منبرا من منابر الإسلام بقي علي لم أدخله لسماع الحديث.
محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده الأصبهاني الرحالة 395 هـ : بقي في الرحلة نحوا من أربعين سنة ثم عاد إلى وطنه شيخا فتزوج ورزق الاولاد ويقال أنه رجع إلى بلده أصبهان قدمها أربعون حملا من الكتب والاجزاء قال ابن منده رحمه الله كتبت عن ألف شيخ وسبعمائة شيخ وكان من دعاة السنة وحفاظ الأثر .
أبو حاتم محمد بن إدريس بن منذر الحنظلي الرازي المتوفي سنة 277هـ رحلته من أطرف رحلات المحدثين. روى ابنه عبد الرحمن عنه في كتابه تقدمة الجرح والتعديل قال :
__________
(1) - الوافي بالوفيات 1/516 لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي المتوفى : سنة 764 . والشعر قاله ناصر الدين ابن النقيب في الشاطبي.(1/34)
سمعت أبي يقول أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ لم أزل أحصي حتى زاد على ألف فرسخ تركته أما ما كنت سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فمالا أحصي كم مرة ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة وخرجت من البحرين من قرب مدينة صلا إلى مصر ماشيا ومن مصر إلى الرملة ماشيا ومن الرملة إلى بيت المقدس ومن الرملة إلى عسقلان ومن الرملة إلى طبرية ومن طبرية إلى دمشق ومن دمشق إلى حمص ومن حمص إلى انطاكية ومن انطاكية إلى طرسوس ثم رجعت من طرسوس إلى حمص وكان بقي علي شيء من حديث أبي اليمان فسمعت ثم خرجت من حمص إلى بيسان ومن بيسان إلى الرقة ومن الرقة ركبت الفرات إلى بغداد وخرجت قبل خروجي إلى الشام من واسط إلى النيل ومن النيل إلى الكوفة كل ذلك ماشيا كل هذا في سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة أجول سبع سنين خرجت من الري سنة ثلاث عشرة ومائتين في شهر رمضان ورجعت سنة احدى وعشرين ومائتين . ا.هـ من 206 إلى 213 .
فهذا غيض من فيض وقطرة من بحر ولو استقصينا لطال البحث ، وهذا يدل على حب السلف في تلقي العلم من أفواه المشايخ .
الفصل الخامس : أقوال أئمة العصر في الصحفيين :
هذا ما تيسر لي الوقوف عليه لبعض أهل العلم في العصر :
? الشيخ العلامة المجدد عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
سئل – رحمه الله - : يقول بعض الناس إن قراءة الكتب وحدها لا تنفع ولابد أن تقرأ على شيخ فهل هذا صحيح أم لا ؟.(1/35)
فأجاب - رحمه الله - : نعم إذا كان الشخص عاميا ليس عنده أدوات العلم ولم يتعلم ما يؤهله لمطالعة الكتب فلا يستفيد الفائدة المطلوبة. قد يستفيد إذا كان يفهم العربية قد يستفيد إذا كان بلغته قد يستفيد إذا كان يفهم كما يستفيد من كلام الله إذا قرأ القرآن يستفيد باللغة التي يفهمها لكن ما يستفيد الفائدة الكاملة العظيمة إلا إذا تعلم على أهل العلم المعروفين بالخير والعقيدة الصالحة والطريقة السلفية التي يتبع إليها السلف الصالح وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، واتباعه بإحسان، هذا العالم يبصرك ويرشدك إلى ما قد يخفى عليك من كتاب الله ومن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام ويعينك على فهم الصواب، أما وحدك فقد تغلط كثيرا، ولا سيما إذا كنت لم تتعلم الأصول التي تهتدي بها إلى فهم النصوص ولم تجالس أهل العلم، أما الذي قد جالس مجالس العلماء وحضر حلقات العلم واستفاد فإنه يمكن أن يطالع ويستفيد، فنوصيك أن تجمع بين هذا وهذا، تطالع الكتب التي تفهمها وتدبر القرآن وتعتني بقراءة القرآن، بالتدبر والتعقل،وتسأل أهل العلم عما أشكل عليك ولا تثق بنفسك بل عليك أن تسأل أهل العلم المعروفين بالاستقامة بالفضل والديانة والعبادة وصحة المعتقد، هذا هو الذي ينبغي .
وسئل – رحمه الله - : بارك الله فيكم. حبذا سماحة الشيخ لو ذكرتم الأشياء التي تؤهله للاستفادة من القراءة دون أن يكون عنده أحد، أو دون أن يكون له شيخ كما يقولون.(1/36)
فأجاب - رحمه الله - : يراجع كتب التفسير تفسير القرآن الكريم، ويعرف أصول أهل العلم. أصول الفقه يطالعها مصطلح الحديث حتى يستفيد، وبكل حال لا يستفيد الفائدة المطلوبة إلا بعالم يبصره لا بد لأن هذه أصول وقواعد تحتاج إلى بعض الشرح بعض البيان وكونه يستقل بنفسه من أول وهلة هذا لا يتم به المطلوب وإن كان حاذقا وإن كان عربيا لكنه محتاج إلى أن يعرف المصطلحات بواسطة أهلها العارفين بها. لكن لا يمتنع من تدبر القرآن، ولا يمتنع من حفظ الأحاديث وقراءة كتب مفيدة، فإنه لا بد أن يستفيد بعض الفائدة، لكن لا يكتفي بهذا ننصحه ألا يكتفي بل يطلب العلم في حلقات العلم وفي مجالس العلم الموثوقة الطيبة ومن طريق زيارة العلماء في بيوتهم ومساجدهم للسؤال والتبصر هكذا يكون طالب العلم .[من فتاوى الشيخ بن باز].
وقال – رحمه الله - : ولا سبيل إلى معرفة هذا الأمر إلا بالتفقه في الدين والعناية بالقرآن العظيم والسنة المطهرة وتلقي ذلك عن أهل العلم اللذين اتبعوا الكتاب والسنة وعظموهما وساروا عليهما .(1)
وقال – رحمه الله - : والعلم النافع لا يمكن الحصول عليه إلا بواسطة المعلم.(2)
? الشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله-:
قال - رحمه الله - في الأسباب المعينة على طلب العلم :
رابعا : ملازمة العلماء : يجب على طالب العلم أن يستعين بالله – عز وجل – ثم بأهل العلم ، ويستعين بما كتبوا في كتبهم ، لأن الإقتصار على مجرد القراءة والمطالعة يحتاج إلى وقت طويل ، بخلاف من جلس إلى عالم يبين له ، ويشرح له ، وينير له الطريق .
__________
(1) - تعليق سماحته على محاضرة الفوزان بعنوان الفقه في الدين عصمة من الفتن وقد طبع في كتيب صغير47.
(2) - مقال بعنوان على طريق العلم لسماحته .(1/37)
وأنا لا أقول : إنه لا يدرك العلم إلا بالتلقي من المشايخ ، فقد يدرك الإنسان بالقراءة والمطالعة ، لكن الغالب أنه إذا ما أكب إكبابا تاما ليلا ونهارا ، ورزق الفهم فإنه قد يخطئ كثيرا ، ولهذا يقال : من كان دليله كتابه ، فخطئه أكثر من صوابه ، ولكن ليس هذا على الإطلاق في الحقيقة .
ولكن الطريقة المثلى أن يتلقى العلم على المشايخ .(1)
وقال رحمه الله : ولنيل العلم طريقان :
أحدهما : أن يتلقى ذلك من الكتب الموثوق بها ، والتي ألفها علماء معروفون بعلمهم، وأمانتهم ، وسلامة عقيدتهم من البدع والخرافات ، وأخذ العلم من بطون الكتب لا بد ان الإنسان يصل فيه إلى غاية ما ، لكن هناك عقبتان :
العقبة الأولى : الطول في أن الإنسان يحتاج إلى وقت طويل ومعاناة شديدة ، وجهد جهيد حتى يصل إلى ما يرومه من العلم ، وهذه عقبة قد لا يقوى عليها كثير من الناس ، لا سيما وهو يرى من حوله قد أضاعوا أوقاتهم بلا فائدة ، فيأخذه الكسل، ويكل ، ويمل ، ثم لا يدرك مايريد.
العقبة الثانية : أن الذي يأخذ العلم من بطون الكتب علمه ضعيف ، لا ينبني عليه قواعد أو أصول، ولذلك نجد الخطأ الكثير من الذي يأخذ العلم من بطون الكتب ، لأنه ليس له قواعد وأصول يقعد عليها ، ويبني عليها الجزئيات التي في الكتاب والسنة ، نجد بعض الناس يمر بحديث ليس مذكورا في كتب الحديث المعتمدة من الصحاح والمسانيد ، وهذا الطريق يخالف ما في هذه الأصول المعتمدة عند أهل العلم بل عند الأمة، ثم يأخذ بهذا الحديث ويبني عقيدته عليه ، وهذا لا شك أنه خطأ ، لأن الكتاب والسنة لهما أصول تدور عليها الجزئيات ، فلا بد أن ترد هذه الجزئيات إلى أصول ، بحيث إذا وجدنا في هذه الجزئيات شيئا مخالفا لهذه الأصول مخالفة لا يمكن الجمع فيها ، فإننا ندع هذه الجزئيات .
__________
(1) - كتاب العلم 60.(1/38)
الثاني : أن تتلقى ذلك من معلم موثوق في علمه ودينه ، وهذا الطريق أسرع وأتقن للعلم ، لأن الطريق الأول قد يضل فيه الطالب ، وهو لا يدري ، أما لسوء فهمه، أو قصور علمه ، أو لغير ذلك من الأسباب ، أما الطريق الثاني فيكون فيه المناقشة والأخذ والرد مع المعلم، فينفتح بذلك للطالب أبواب كثيرة في الفهم ، والتحقيق ، وكيفية الدفاع عن الأقوال الصحيحة ، ورد الأقوال الضعيفة ، وإذا جمع الطالب بين الطريقين كان ذلك أكمل وأتم ، وليبدأ الطالب بالأهم فالأهم ، وبمختصرات العلوم قبل مطولاتها، حتى يكون مترقيا من درجة إلى درجة أخرى ، فلا يصعد إلى درجة حتى يتمكن من التي قبلها، حتى يكون صعوده سليما.(1)
وقال رحمه الله : أوجه الطلبة أن يتلقوا العلم عن شيخ عالم ، لأن تلقي العلم عن العالم فيه فائدتان عظيمتان :
الأولى : أنه أقرب تناولا ، لأن العالم عنده اطلاع ، وعنده معرفة، ويعطيك العلم ناضجا سهلا .
الثانية : أن الطلب على عالم يكون أقرب للصواب ، بمعنى أن الذي يطلب العلم على غير عالم يكون له شطحات وآراء شاذة بعيدة عن الصواب ، وذلك لأنه لم يقرأ على عالم راسخ في علمه حتى يربيه على طريقته التي يختارها .
فالذي أرى أن يحرص الإنسان على أن يكون له شيخ لطلب العلم ، لأنه إذا كان له شيخ ، فإنه سوف يوجهه التوجيه الذي يرى أنه مناسب له .(2)
وسئل – رحمه الله - : هل يجوز تعلم العلم من الكتب فقط دون العلماء ، وخاصة إذا كان يصعب تعلم العلم من العلماء ، وما رأيك في القول القائل : من كان شيخه كتابه ، كان خطؤه أكثر من صوابه ؟
__________
(1) - كتاب العلم 64 – 65 .
(2) - كتاب العلم 112 – 113 .(1/39)
فأجاب - رحمه الله - : لا شك أن العلم يحصل بطلبه عند العلماء وبطلبه في الكتب ، لأن كتاب العالم هو العالم نفسه ، فهو يحدثك من خلال كتابه ، فإذا تعذر الطلب على أهل العلم ، فإنه يطلب العلم من الكتب ، ولكن تحصيل العلم عن طريق العلماء أقرب من تحصيله من طريق الكتب ، لأن الذي يحصله عن طريق الكتب يتعب أكثر ، ويحتاج إلى جهد كبير جدا ، ومع ذلك فإنه قد تخفى عليه بعض الأمور ، كما في القواعد الشرعية التي قعدها أهل العلم والضوابط ، فلا بد أن يكون له مرجع من أهل العلم بقدر الإمكان.
وأما قولهم : من كان دليله كتابه ، فخطؤه أكثر من صوابه ، فهذا ليس صحيحا على إطلاقه ، ولا فاسدا على إطلاقه ، أما الإنسان الذي يأخذ العلم من أي كتاب يراه، فلا شك أنه يخطئ كثيرا ، وأما الذي يعتمد في تعلمه على كتب من رجال معروفين بالثقة والأمانة والعلم فإن هذا لا يكثر خطؤه ، بل قد يكون مصيبا في أكثر مايكون.(1)
وقال – رحمه الله - : ينبغي له – إي لطالب العلم – أن يختار عالما يثق بعلمه ليطلب العلم عليه ، لأن طلب العلم عن المشايخ أوفر وأقرب وأيسر، فهو أوفر لأن الشيخ عبارة عن موسوعة علمية ، لا سيما الذين عندهم علم نافع والتفسير والحديث والفقه وغيره فبدلا من أن يحتاج إلى قراءة عشرين كتابا يتيسر تحصيله من الشيخ ، وهو بذلك يكون أقصر زمنا ، وهو أقرب للسلامة كذلك ، لأنه ربما يعتمد على كتاب ، ويكون نهج مؤلفه مخالفا لنهج السلف ، سواء في الاستدلال أو في الأحكام .(2)
وسئل – رحمه الله - : عن الأمور التي يجب توافرها فيمن يتلقى عنه العلم ؟
__________
(1) -كتاب العلم 146.
(2) - كتاب العلم 160.(1/40)
فأجاب - رحمه الله - : لا بد أن يطلب العلم على شيخ متقن وذي أمانة ؛ لأن الإتقان قوة ، والقوة لا بد فيها من أمانة : (إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) القصص26. ربما يكون العلام عنده القصص . ربما يكون العالم عنده إتقان وسعة علم وقدرة على التفريع والتقسيم ، ولكن ليس عنده أمانة ، فربما اضلك من حيث لا تشعر ، كذلك لا تأخذ العلم بالتحصيل الذاتي ، أي : أن تقرأ الكتب فقط دون أن يكون لك شيخ معتمد ، ولهذا قيل : من دليله كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه، فالأصل أن من اعتمد على التحصيل الذاتي وعلى مراجعة الكتب ، أن يضل ، لأنه يجد بحرا لا ساحل له ، ويجد عمقا لا يستطيع التخلص فيه ، أما من أخذ من عالم شيخ فإنه يستفيد فوائد عظيمة :
الفائدة الأولى : قصر المدة .
الفائدة الثانية : قلة التكلفة .
الفائدة الثالثة : أن ذلك أحرى بالصواب.
لأن هذا الشيخ قد علم وتعلم ، ورجح ، وفهم ، فيعطيك الشيء ناضجا ، لكنه يمرنك على المطالعة والمراجعة إذا كان عنده شيءمن الأمانة ، أما من اعتمد على الكتب فلا بد أن يكرس جهوده ليلا ونهارا ، ثم إذا طالع الكتب التي يقارن فيها بين أقوال العلماء ، فيسقت أدلة هؤلاء وسيقت أدلة هؤلاء ، من يدله على أن هذا أصوب، يبقى متحيرا ، ولهذا نرى أن ابن القيم حينما يناقش قولين لأهل العلم سراء في زاد المعاد أو أعلام الموقعين ، إذا ساق أدلة القول الأول وعلله نقول : هذا هو القول الصواب ولا يجوز العدول عنه بأي حال من الأحوال، ثم ينقض ويأتي بالقول المقابل ، ويذكر أدلته وعلله فتقول : هذا هو القول الصواب، فيحصل عندك من الإشكال والتردد ، فلا بد أن تكون قراءتك على شيخ متقن أمين.(1)
وقال – رحمه الله - : مما ينبغي لطالب العلم مراعاته تلقي العلم عن الأشياخ، لأنه يستفيد بذلك فوائد عدة :
__________
(1) -كتاب العلم 190 –191.(1/41)
1 - اختصار الطريق ، فبدلا من أن يذهب يقلب في بطون الكتب ، وينظر ما هو القول الراجح ، وما سبب رجحانه ، وما هو القول الضعيف ، وما سبب ضعفه ، بدلا من ذلك يمد إليه المعلم ذلك بطريق سهل يقول :اختلف أهل العلم في كذا على قولين أو ثلاثة ، والراجح كذا ، والدليل كذا ، وهذا لا شك أنه نافع لطالب العلم .
2 - السرعة في الإدراك ، فطالب العلم إذا كان يقرأ على عالم ، فإنه يدرك بسرعة أكثر مالو ذهب يقرأ الكتب ، لأنه إذا قرأ في الكتب تمر عليه العبارات المشكلة والغامضة ، فيحتاج إلى التدبر ، وتكرار العبارة مما يأخذ منه الوقت والجهد ، وربما فهمها على وجه خطأ ، وعمل بها .
3 - الربط بين طلاب العلم والعلماء الربانيين(1)، لذلك القراءة على العلماء أجدى وأفضل من قراءة الإنسان لنفسه.(2)
? الشيخ العلامة محمد أمان الجامي – رحمه الله - :
سئل – رحمه الله - : ما هي الكتب التي تنصح بقراءتها في العقيدة، في التفسير، في الحديث وعلومه، في الفقه؟ .
فأجاب - رحمه الله - : أول رسالة أنصح بها لمن يريد أن يبدأ في طلب العلم أن يحفظ الأصول الثلاثة وأدلتها وأركان الصلاة وواجبات الصلاة وشروط الصلاة نسخة جامعة لهذه المعلومات، مع القواعد الأربعة، ويستحسن أن يحفظ أيضا شروط ( لا اله إلا الله) ونواقض ( لا اله إلا الله) وينبغي أن يحفظ هذه المسائل حفظا جيدا ثم يعرض على طلاب العلم ليأخذ العلم من أفواه الرجال لا من بطون الكتب .(3)
وقال – رحمه الله - : لا ينبغي أن يكتفي طالب العلم بالمطالعة بل لابد من العرض على أهل العلم.(4)
? الشيخ العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي – رحمه الله-:
__________
(1) - فالذي يحث على تلقي العلم من الكتب دون العلماء إنما يهدر حقًا من حقوق العلماء
(2) - كتاب العلم 121- 122.
(3) - 27سؤالا في الدعوة السلفية مفرغ من شريط .
(4) - المرجع السابق .(1/42)
قال : ومن الأمور التي تساعد على حفظ القرآن، التكرار والمراجعة، وقيام الليل به إن استطعت أن تقوم الليل، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {إنّ ناشئة اللّيل هي أشدّ وطئًا وأقوم قيلاً} سورة المزمل، الآية:6.، ويقول: {ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك}. سورة الإسراء، الآية:79. وكذلك الأخذ من المشايخ والحفظ على أيديهم، فإن لم تجد فأنصح باقتناء أشرطة القرّاء المتقنين الذين يقرءون قراءةً سليمة.(1)
سئل – رحمه الله - : عن طالب علم مبتدئ في أمريكا – مثلا – ماذا تنصح من الكتب التي يبدأ فيها ويمشي بالتدريج ؟
فأجاب - رحمه الله - : إن استطاع أن يجلس عند شيخ ويلقنه ويدله على الطريق ، فهذا أمر طيب ، فإن تلقين المشايخ والمحبة بين الطالب والمدرس تجعل الطالب ترتسم في ذهنه ما قاله شيخه ، التلقين شيء عجيب جدا والأخذ والرد إن تيسر فننصحه قبل ، ومن لم يتيسر له ذلك فننصحه بالكتب المختصرة ....(2).
وسئل – رحمه الله - : بم تنصحنا في كيفية طلب العلم وما هي الكتب والأشرطة التي يحتاج إليها الطالب المبتدئ للعلم؟
فأجاب - رحمه الله - : الذي ننصح به، أن يراسلوا أهل العلم، وان استطاعوا أن يرحلوا إليهم فعلوا، مثل الشيخ الألباني، والشيخ ابن باز، والشيخ عبدالمحسن العباد، والشيخ ربيع بن هادي، والشيخ ابن عثيمين، فإن استطاعوا أن يرحلوا إليهم فعلوا، وإن لم يستطيعوا أن يرحلوا إليهم فبواسطة الهاتف والمراسلات، وإن وجد في تلك البلد التي هم فيها عالم مبرز فننصحهم أن يلتفوا حوله، وأن يدعوا الناس للالتفاف حوله، بشرط ألا يكون متمذهبًا ولا حزبيًّا، فإن الحزبي همّه أن يجمع الناس إلى حزبه، والمتمذهب يدعو الناس إلى مذهبه:{ألا لله الدّين الخالص145}.(3)
__________
(1) - تحفة المجيب ص107 .
(2) - الرحلة الأخيرة لإمام الجزيرة لأم سلمة السلفية صـ 273 .
(3) - تحفة المجيب : أسئلة إخوة من أمريكا(1/43)
وقال – رحمه الله - : فلا بد من مجالسة العلماء، والاستفادة منهم، كما فعل علماؤنا المتقدمون، فقد جالس سلمان الفارسي أول عالم، حتى مات، والثاني والثالث، حتى لحق بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهكذا أصحاب معاذ رضي الله عنه قبل أن يموت قالوا له: إلى من نذهب؟ قال: إلى عبدالله بن مسعود.(1)
? الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله -
سئل : ما رأيكم في بعض الطلاب الذين لم ترسخ أقدامهم في علم التخريج والتصحيح والتضعيف والتأليف ثم يرون أنهم يجلسون في بيوتهم للتخريج والتضعيف والتصحيح والتأليف فقط ولا يحضرون دروس المشايخ بحجة أنهم لا يستفيدون من دروسهم ؟ آمل من الله ثم من فضيلتكم أن توجهوا لهم نصيحة .
فأجاب : والله ننصح هؤلاء بطلب العلم واحترام العلماء وملازمتهم ؛لأن هذا العالم أو الأستاذ عنده خبرة وقد يأتيك بالفائدة التي لا تقف عليها إلا بعد بحث طويل وزمن مديد فملازمة المشايخ علامة على استقامة هذا الإنسان وبعده عن الغرور والإعجاب بالنفس فتواضع يا أخي ,خذ عن العالم القوي والعالم الضعيف تلازمه تقرأ عليه البخاري ومسلم ,تقرأ عليه كتابا من كتب التفسير حتى ولو لم يكن ذلك العالم قوياً, لكن بملازمتك له يحصل لك هذا الخير ,البخاري كان يأخذ عمّن دونه ويستدرك على العالم الكبير وهو في الحادية عشر من عمره واستمر في طلب العلم طول حياته ,الناس الآن دونه بمراحل ,فلا تستكبر ولا ترفع نفسك فوق من ترى من العلماء أنهم لا يروون غليلك من العلم ,فلن تجد مثل الإمام أحمد ولا مثل ابن تيمية وغيرهما ,لن تحصل هذه الأصناف ,خذ من الموجودين واستفد منهم ولازمهم تكسب خيرا كثيرا إن شاء الله .
__________
(1) - هذه السرورية فاحذروها:(1/44)
أنا أخاف على كثير من هؤلاء المغرورين - ولا أريد أن أسمي - يعني يجلس أحدهم في بلاد العلماء سنين طويلة لا يجلس عند العالم أبدا,ويعكف على الكتب ثم يطلع بالدواهي والطوام على الأمة والمشاكل, وقديما قالوا : من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه وكانوا يُسمون هؤلاء بالصحفيين لأنه لم يتلق العلم من أفواه الرجال وإنما تلقاه من الصحف.
ويحتجون بالشيخ الألباني - يعني أنه أخذ من الكتب - ! يا أخي الشيخ الألباني له شيوخ ثم هو رجل فذ لا تقاس عليه هذه الأصناف ,الله أعطى هذا الرجل ووهبه يمكن هو مثل البخاري في الإدراك والوعي والذكاء ,أنا قرأت في ترجمته الأيام القريبة يعني في بداية طلبه للعلم ناقش رئيس القراء فغلبه في فنه ,فإذا كنت أنت من هذا النمط فتفرغ,لكن هذا نادر بارك الله فيكم ,ثم لما بدأ الشيخ في التصحيح والتضعيف والتخريج بدأ بخبرة يعني ما بدأ في التصحيح والتضعيف إلا بعدما درس وتمرس ومارس وكتب تخريج الإحياء للحافظ العراقي بيده وعرف مناهج العلماء وأساليبهم .. و.. الخ ,بعد هذا كله نزل في الميدان يحقق ويصحح ويضعف ولم يلحقه أحد لا علماء الأزهر ولا غيرهم فعلى من يأخذ ويدرس ؟ لكن أنت الناس كلهم فوقك يا أخي فتعلم وتواضع.(1)
? الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:
__________
(1) - المرجع : أسئلة وأجوبة مهمة في علوم الحديث للشيخ ربيع منشورة في شبكة سحاب السلفية قام بجمعها وتفريغها من عدة أشرطة وترتيبها وعرضها على الشيخ فواز الجزائري .(1/45)
قال : وهناك صنف آخر من المتعلمين يتلقى العلم عن الكتب ولا يتصل بالعلماء زاعما أنه يستغني بتلك الكتب عن العلماء ، وهذا خطأ عظيم ويترتب عليه خطر كبير ، لأن الكتب ما عدا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيها الغث والسمين وفيها الخطأ والصواب ، بل في بعضها الدس والكذب على الإسلام وزرع الشبهات. والمتعلم المبتدئ لا يميز بين ما فيها من النافع والضار بل ربما يكون الضار أعلق بذهنه. فلا بد له من معلم بصير يفحص له الكتب ويضع يده على ما فيها من نافع وضار وخطأ وصواب . ومن ثم كان طلبة العلم قديما يسافرون إلى الأقطار النائية ليتلقوا عنهم العلم النافع ، ولم يكتفوا بمطالعة الكتب . فهذا الإمام سافر إلى الحجاز وإلى اليمن وإلى غيرها من الأقطار ، وهذا الإمام البخاري سافر الأسفار الطويلة لرواية الحديث ، وهذا الإمام محمد بن عبد الوهاب سافر من نجد إلى الحجاز وإلى الأحساء وإلى البصرة للأخذ عن العلماء ، وهذا وهذا..... وأخبارهم في ذلك طويلة. فلو كانت الكتب تكفي كان بإمكانهم الحصول على نسخ منها ولم يتكلفوا عناء الأسفار في وقت لم تكن فيه سيارة ولا طائرة .
وخلاصة القول أن الكتب إنما هي أداة فقط لا تغني عن المعلم.
لا بد من الصبر ، والعلم لا يحصل بالقراءة ، ولا يحصل تلقائيًا ، وإنما يحصل على أيدي العلماء الصالحين ، والفقهاء العارفين ، الذين يبصرون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فلا بد من الانتظام في سلك التعلم ، ولا بد من أخذ العلم من أبوابه والدخول من الأبواب ، كما قال تعالى: ((وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من أبوابها))البقرة189 .(1/46)
فالعلم له أبواب ، وله حملة ، وله معلمون ، فلا بد – أيها الإخوان – من انضمامكم لحلق التدريس سواء كانت في المساجد ، أو المدارس ، أو في المعاهد ، أو في الكليات . المهم أن نأخذ العلم عن العلماء ، ما داموا موجودين وما دامت الفرصة ممكنة. أما أن نتفرق وكل واحد يجلس في غرفة ، ويجعل له مكتبة يطالع فيها ، وهو لم يبن على أساس ولم يتعلم قواعد العلم ، فهذا يضيع . فلا بد من التفقه في دين الله علي أيدى الفقهاء .(1)
وقال أيضًا : والعلم إنما يتلقى عن العلماء الثقات ... فالواجب على المتعلمين أن يرتبطوا بالعلماء الثقات المعروفين بسلامة المعتقد فيتلقوا عنهم العلم والدين حتى تتصل السلسلة والسند بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيتلقوا عنه العلم النافع الصافي بواسطة هؤلاء العلماء الثقات فيكونوا على بصيرة من دينهم وبينة من ربهم وصلة بنبيهم .(2)
وقال أيضًا : فالتفقه في دين الله لا يحصل عفوا واماني كما قال تعالى (( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون)) العلم لا يحصل بكثرة القراءة أو كثرة الكتب أو كثرة المطالعة ، لا يحصل العلم بهذا ، إنما يحصل العلم بالتعلم على أهل العلم وتلقي العلم عن العلماء . فالعلم بالتلقي لا تلقائيا كما يظن بعض الناس اليوم ، بعض الناس اليوم يقتنون كتبا ، ويقرؤون في كتب الحديث والجرح والتعديل، والتفسير ، وكذا وكذا ويزعمون أنهم بذلك حصلوا على علم . لا، هذا علم لم يبن على أساس ولا على قواعد ، لأنه لم يتلق عن أهل العلم، فلا بد من الجلوس في حلق الذكر وفي فصول الدراسة عند المعلمين الفقهاء العلماء ، ولا بد من الصبر على طلب العلم:
__________
(1) - الفقه في الدين عصمة من الفتن 33- 34- 35 .
(2) - الخطب المنبرية 58 نقلاً من كتاب وجوب الارتباط بعلماء الأمة خصوصًا عند الفتن المدلهمة 25(1/47)
ومن لم يذق ذل التعلم ساعة تجرع كأس الجهل طول حياته(1)
? فضيلة الشيخ عبيد بن عبد الله الجابري– حفظه الله - :
قال : الجلوس إلى الكتب والأشرطة لا ينفع أحدا إلا إذا كان الشخص قد درس شيئا من العلوم الشرعية على أهل العلم وفهم عنهم فان من تلقى أصول العلم الشرعي عن أهل العلم وكانت عنده مقدرة هو الذي ينتفع من الكتب والأشرطة وأما من يجلس لسماع الأشرطة وقراءة الكتب قبل أن يأخذ عن أهل العلم فهذا لا ينفع نفسه ولا ينفع غيره(2).
الفصل السادس : نصيحة للصحفيين :
قال الأوزاعي : كان هذا العلم شيئا شريفا إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه ، فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله.(3)
وقال الشافعي : من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام .(4)
إنني أنصح نفسي وإخواني لا سيما هؤلاء الصحفيون بأن يتداركوا أنفسهم ليخرجوا من مأزق الصحافة فيسارعوا إلى طلب العلم عند العلماء ويتركوا الدعة والراحة والجلوس عند الكتب :
قال يحيى بن أبي كثير وزيد بن علي بن حسين : لا يستطاع العلم براحة الجسد.(5)
قال بعضهم :
من لم يشافه عالما بأصوله فيقينه في المشكلات ظنون
وأن لا يسارعوا بالجلوس على كراسي العلماء :
قال إسماعيل بن جعفر بن سليمان الهاشمي : عجبت لمن لم يكتب العلم كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة .(6)
قال الشاعر :
تصدر للتدريس كل مهوس ... بليد تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى سامها كل مفلس.
__________
(1) - كلام الشيخ الفوزان من حاشية كتاب صحيح جامع بيان العلم وفضله .
(2) - اللقاء المفتوح الأسبوعي الذي يبث عبر إذاعة الدروس عندما سئل الشيخ ما الضابط في قولك هذا شيخي .
(3) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 65.
(4) - تذكرة السامع 85 نقلاً من كتاب وجوب الارتباط بعلماء الأمة 13
(5) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 97.
(6) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 52.(1/48)
وقال بعضهم : من دخل في العلم وحده خرج وحده .(1)
فليس كل من قرأ وحفظ كتابًا أصبح عالمًا :
سئل سهل بن عبد الله التستري :
متى يجوز للعالم أن يعلم الناس؟ فقال : إذا عرف المحكمات من المتشابهات.(2)
قال الشعبي : إنما العالم من خاف الله عز وجل .(3)
فالله الله بعدم الغرور : كان أبو حيان كثيرا ما ينشد :
يظن الغمر أن الكتب تهدي ... أخا فهم لإدراك العلوم
وما يدري الجهول بأن فيها ... غوامض حيرت الفهيم
إذا رمت العلوم بغير شيخ ... ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتى ... تصير أضل من توما الحكيم
ولباس التواضع فيه رفعة للمؤمن لا سيما في أخذ العلم ممن رزقه الله علمًا ولو كان صغيرا، قال أيوب بن المتوكل: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : ’’ كان الرجل من أهل العلم إذا لقي من هو فوقه في العلم فهو يوم غنيمته؛ سأله وتعلم منه، وإذا لقي من هو دونه في العلم علمه وتواضع له، وإذا لقي من هو مثله في العلم ذاكره ودارسه .
الخلاصة :
? أن الصحفي هو الذي أخذ العلم من بطون الكتب وترك الرحلة والأخذ من أفواه المشايخ .
? حرص السلف للرحلة لأخذ العلم الشرعي من أفواه المشايخ ليستمر اتصال السند إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
? أن مجالسة العلماء وأخذ العلم عنهم أعظم وأفضل وأجدى فائدة من أخذه من الكتب .
? أن السلف كانوا لا يقبلون ولا يأخذون العلم من الصحفيين لأن الصحفي ليس أهلاً أن يُرحل إليه ويؤخذ العلم عنه لأنه لم يرحل ولم يشافه العلماء .
? أن السلف كانوا يجرحون ويطعنون في الذي أخذ العلم من الكتب دون العلماء.
? أن السلف كانوا يسألون عن شيوخ شيوخهم للتأكد من صحة السند ومرتبتهم .
? على الصحفيين أن يحذروا من الجلوس على كراسي العلماء حتى يطلبوا العلم .
__________
(1) - الجواهر والدرر للسخاوي 1/ 58.
(2) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 155.
(3) - صحيح جامع بيان العلم وفضله 166.(1/49)
? على من أحب التصدر للفتوى والعلم أن يحصل على إجازة من العلماء.
? على كل من أراد تأليف كتاب أن يحفظه ، وإذا أراد نشره أن يعرضه على العلماء حتى يقرضوه له.
? التحرز من اطلاق لفظ شيخ أو عالم أو ما شابه ذلك على أي شخص حتى يزكيه علماء السنة ويطلقوا عليه هذا اللفظ والصفة .
الخاتمة :
كَانَ أَهْل الخيرِ يَكْتُبُ بَعْضهمْ إِلى بَعْضٍ بِهَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ وَتَلقَاهُنَّ بَعْضهم بَعْضَا:
مَنْ عَمِلَ لآخِرَتِهِ كَفَاهُ الله دُنْيَاهُ وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَينَ النَّاسِ وَمَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللهُ عَلانِيَتَهُ(1)
قَدِ انْتَهَى القَوْلُ بِنَا فِيمَا حَرَّرْنَاهُ ، وَانْتَجَزَ الغَرَضُ الذِي انْتَخَبْنَاهُ ، عَلَى يَدِ جَامِعِهِ أَفْقَرِ العِبَادِ/ أَبِي عَبْدِ اللهِ خَالِد بن مُحَمَّدِ الغُرْبَانِي غَفَرَ اللهُ لَهُ وَلِمَنْ سَتَرَ عَيْبًا رَآهُ وَأَصْلَحَ فِيهِ خَلَلاً أَبْصَرَتْهُ عَيْنَاهُ ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَى هَذَهِ الوَرَقَاتِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَرَأَى فِيهَا شَيْئًا مِنَ الخَلَلِ فَلاَ يَعْجَل بِالمُؤَاخَذَةِ فِيهَا فَإِنِي تَوَخَيْتُ فِيهَا مَا صَحَحَهُ أَئِمَتِنَا الأَعْلامِ أُولُو النُّهَى وَالأَحْلاَمِ، مَعَ أَنَّهُ كَمَا يُقَالُ أَبَى اللهُ أَنْ يَصِحَّ إِلاَّ كِتَابَهُ، لَكِنْ هَذَا جَهْدُ المُقِلِ وَبَذْلُ الاسْتِطَاعَةِ وَمَا يُكَلَّفُ الإِنْسَانُ إِلاَّ مَا تَصِلُ قُدْرَتَهُ إِلَيهِ وَفَوْقَ كُل ذِي عِلْمٍ عَلَيمٍ وَاللهُ يَسْتُرُ عُيُوبَنَا :
__________
(1) - رواه هناد في الزهد1/300 . عن عون بن عبد الله وفي سنده زيد العمي وهو ضعيف وذكره شيخ الإسلام في فتاواه عن ابن عيينة . ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 7/217 عن أبي عون الثقفي ورجاله ثقات . والأثر مشهور .(1/50)
إِنْ تَجِدْ عَيْبًا فَسُدَّ الخَلَلاَ جَلَّ مَنْ لاَ فِيهِ عَيْبٌ وَعَلاَ
فَرَحِمَ اللهُ عَبْدًا نَظَرَ فِي وَرَقَاتِنَا هَذِه فَاسْتَحْسَنَهَا ، أَوْ رَضِيَهَا وَاسْتَصْوَبَهَا : إِلاَّ دَعَا لَنَا بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ أَلاَّ يَجْعَلَهَا عَلَيْنَا وَبَالاً يَوْمَ نُسْأَلُ عَنِ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ وَالدَّقِيقِ وَالجَلِيلِ حِينَ لاَ يَنْفَعُ عُذْرٌ وَلاَ تَذْلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي صَدِيقٍ وَلاَ خَلِيلٍ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَعَمِلَ لِذَلِكَ المَوْقِفِ العَظِيمِ وَخَافَ مِنْ ذَلِكَ الخَطْبِ الجَسِيمِ يَوْمَ يَجْثُو الأَنْبِيَاءُ عَلَى الرُّكَبِ وَيَنْقَطِعُ كُلُ سَبَبٍ وَنَسَبٍ ، وَإِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ جَزِيلَ الضَّرَاعَةِ أَنْ يَحْمِى أَعْراضَنَا عَنْ نَارِهِ المُوقَدَةِ وَبَجْعَلَنَا مِمَّنْ لاَ يُذَادُ إِذْ ذِيدَ عَنْ حَوْضِهِ يَومَ الكَرَامَةِ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا دَائِمًا أَبَدًا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَا لاَحَ فِي غَسَقٍ عَلَم وَسَاحَ فِي وَرَقٍ قَلَم وَالحَمْدُ للهِ رَبِ العَالَمِين .
المحتويات
مقدمة
سبب إقدامي على طرق هذا الموضوع
الفصل الأول : تعريف الصحفي
الفصل الثاني : الرحلة في طلب العلم لأخذه من أفواه المشايخ وفضل ذلك
الفصل الثالث : الحث على أخذ العلم من أفواه المشايخ
كلام نفيس للأمام الشاطبي
فائدة في قراءة الكتب بعد فتح العلماء
الفصل الرابع : جرح السلف في الصحفيين
الفصل الخامس : أقوال أئمة العصر في الصحفيين
الفصل السادس : نصيحة للصحفيين
الخلاصة
الخاتمه
الفهرس(1/51)