الصحفُ والمجلاتُ
تأملاتُ وَ وقفاتُ
تأليف
د . محمد بن عبدالله الهبدان
المشرف العام على مؤسسة نور الإسلام
مؤسسة شبكة نور الإسلام
www.islamlight.net
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فتعوذوا باللهِ جلّ وعَلا من الفتنِ ، تعوذوا بالله جلّ وعلا من الفتنِ التي تحرقُ الدِّين ، الفِتن التي تحرقُ العقلَ ، الفِتن التي تحرقُ البدنَ ، الفتنَ التي تحرقُ كلَّ خيرٍ ، تعوذوا باللهِ منها ؛ فإنَّ نبيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يتعوذُ باللهِ كثيراً من الفتنِ ، وكانَ عليه الصلاة والسلام يحذرُ من الفتنِ.قالََ اللَّهِ تَعَالَى { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً }(2)اتقوا الفتنَ التي تسري إلى القُلوبِ فتصدها عن ذِكرِ اللهِ وعنِ الصلاةِ ، اتقوا الفتنَ لأنها تسري إلى القلوب النقيةِ والنفوسِ الزكية فتكسبَها شُبهةً وظُلمةً ، وتكسبُها قسوةً واستكباراً ..وتسري في القلوبِ كما يسري السُمُّ في الجِسم فيفتكُ بهِ ..
__________
(1) الجمعة :26/1/1419هـ
(2) سورة الأنفال آية رقم (25)(1/1)
أيُّها الأخُ المباركُ : لقد كثرتْ في هَذَا الزمانِ الفتنُ وتكاثرتِ المحنُ ، وتنوعتِ الأساليبُ الماكرةُ ، والحيلُ الفاجرةُ التي تصدُّ المسلمَ عن دينِه وتجعلهُ ينكصُ على عقِبيهِ عياذاً باللهِ من ذلكَ ، ومن تلكَ الفِتن التي عظُمَ فيها الخطبُ واشتدَّ فيها الكربُ وسائلُ الأعلامِ ؛ مقروءةً كانتْ أو مرئيةً ، تلك الفتنةُ التي عكفَ عليها الكثيرونَ ، وانفتن بها آخرونَ ، فأصبحتْ حديثَ مجالسِهم ، وأنيسَ وحدتِهم ، ومصدَرَ عِلمهم ، لا همَّ لهمْ إلا تقليبُ صَفحَاتِها ، والنظرُ في أخبارِها ، ولا ضيرَ في ذلك ..نعم لا ضيرَ ! إذا كانت تلكَ المجلاتُ والصحفُ التي تقلِّبها ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشِّمالِ وسائلَ فعّالةً في ترسيخِ بناءِ العقيدةِ في القُلوبِ ،وتربيةِ النفوسِ ، وتبصيرِ الناسِ معالمَ دينهم وأمورَ دُيناهم ، لا ضيرَ لو كانتْ تكتُبُ عن الغزوِ الفكريِّ وأهدافِهِ الخفيَّةِ التي يُرادُ منها صَرفُ الأمةِ عن دينها ..لا ضيرَ لو كانتْ تكتُبُ عن الفسادِ الأخلاقيِّ في الغربِ الكافرِ وما يجرُّه على الناسِ من آثارٍ سيئةٍ في حياتهم ..لا ضَيرَ لو كانتْ تكتبُ عن الرِّبا ، وكيف يحدثُ الظلمُ الاقتصاديُّ والاجتماعيُّ عن إدارةِ المالِ بطريقِ الرِّبا ..لا ضيرَ لو كانت تكتبُ عن كشفِ المؤامراتِ التي يرادُ منها القضاءُ على الإسلام وأهلهِ ..(1/2)
إنَّها لو كانت بهذه المثابةِ لكان فيها من النَّفع ما لا يخطرُ على بالٍ ولتغيَّرَ الحالُ وتبدَّل المقالُ ولكُنَّا على أجملِ حالٍ(1)، ولكنْ يا حسرةً على العبادِ فإنَّ الناظرَ في أحوالِ بعضِ الصُّحفِ والمجلاتِ التي تباعُ في أسواقِنا ، يجدُ فيها ما يندى لهُ القلبُ وتحزنُ له النفسُ ، وتتفطرُ له الكبدُ ، عن ماذا أتحدَّث وماذا أدعُ ؟ وماذا أخذُ وماذا أتركُ ؟ من الغُثاء الذي تُطالعنا به تلكَ الصُّحفُ والمجلاتُ ..هل أتكلَّم عن سُخفهم وضَلالاتهم ..أم أتكلَّم عن الإباحيةِ ..أم عن السخريةِ والاستهزاءِ ..أم عنِ الشركِ والكفرِ باللهِ عزَّ وجلَّ ..أم عن تِلكَ الفتاوَى التي يصدُرُها من لا خلاقَ لهُ من الفنانينَ وأذنابِهم ..
دعني يا أُخيَّ أسمعكَ طرفاً من كلامهم حتَّى تعلمَ خُطورةَ الأمرِ وهولَ الكارثةِ وفداحةِ المُصيبةِ :
__________
(1) انظر فتاوى الشيخ العلامة ابن جبرين في بيان جواز ذلك فتاوى إسلامية (4/387-388)(1/3)
ففي مجلَّة طبيبكَ الخاصِّ عدد ( 280) جاء ما يلي : ( إنَّ زيارةَ الموالِدِ الخاصَّة بالأولياء الصالحينَ ، و الاندماجَ بالتمايلِ في حلقات الذِّكر تشفي العديدَ من الأمراضِ النفسيةِ والعضويةِ المستعصيةِ )!!؟ متى أيها الأحبةُ كان الإشراكُ باللهِ تعالى شِفاءً !؟ وفي مجلة زينة عددِ(82) تقولُ إحدى الكاتِبات : ( أنا لا أعتقدُ بالحسدِ رغمَ أنَّ المجتمعَ من حولِكَ يُرغمكَ على الاعترافِ بِوجوده ، ومعَ ذلكَ ( قبلَ افتتاحَ مَعرضي طلبتُ من التلاميذِ أن ينحروا لي وأنْ يتصدَّقوا بخروفٍ خوفاً من الحسَدِ ) فهذه الضالةُ لا تعترفُ بالقرآنِ ولكنها تُسايرُ المجتمعَ كما تقولُ وإلا فالقُرآن يُثبتُ هذه الحقيقةَ { ومن شرِّ حاسدٍ إذا حَسَدَ } أضفْ إلى ذلكَ الذبح لغيرِ اللهِ وقد جاءَ في الحديثِ : ( لعنَ اللهُ من ذبحَ لغيرِ اللهِ ) وفي مجلةِ نصفِ الدُّنيا عددِ(112) تقولُ فيها الكاتبةُ ( نشأتُ في بلدٍ يتعانقُ فيهِ الإسلامُ والمسيحيةُ ، ويتفقُ الناسُ على ألا يختلِفوا على وُجودِ اللهِ ) فيا للهِ – للمسلمينَ - من هذا الكلامِ فهل كان أبو جهلٍ وغيرهُ من صناديد قريشٍ ينكرونَ وجودَ اللهِ ! فما الفرقُ بينهمْ وبينَ هؤلاءِ ؟!
وفي مجلةِ المختلفِ عددِ(12) قالوا : ( لعنةٌ ..يا كُلَّ مخلوقٍ يموتُ بداخلِه خالقُ !!!) فأي إلحادٍ بعدَ هذا فما أحلمَ اللهَ . وفي ملحقِ جريدةِ الرياضِ الثقافي في تاريخِ 10/1/1419هـ جاءَ وصفٌ لنبيِّ اللهِ نوحٍ عليهِ السلام ومن معه بأنهم أُناسٌ جبناءُ فيقولُ : ( هاهم الجبناءُ بفرون نحوَ السفينة ..) وبدأ يُمجِّد ابنَ نوحٍ الكافرَ الذي أبى أن يَركبَ مع والدهِ واعتبرَ ذلك تضحيةً كُبرى من أجلِ الوطنِ الغالي !!(1/4)
وفي مجلةِ المجالسِ عددِ (1056) قالوا فيها ( عَلينا أن نحتكمَ إلى العَقِل دائماً فهوَ السَّيِّدَ المنتصِرُ ) والله يقول { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [ النساء :65]
وفي جريدةِ الحياة عددِ(10742) فتاوى لمِثلِ هؤلاءِ تقولُ فاتِن حمامة رداً على سؤالٍ عن توبةِ الممثلاتِ ( الفنُّ مِشْ حرامْ وعُمْرُه ما كان حَرام !!؟) وفي مجلةِ فيديو 2000 عددِ (61) تُسأل راقصةٌ عن الغناءِ فتقولُ : ( الغناءُ في الملاهي الليلةِ ليسَ عَيباً !!) اللهُ أكبرُ إذاً ما هو العَيبُ ؟ ومَا الحَرام ؟
وفي مجلةِ روز اليوسف عددِ (3326) تقولُ مفتيةُ العصر د. ثُريا مرغَنِي : ( الدينُ للهِ والوطنُ للجميعِ شعارٌ إسلاميٌّ !!) وتقولُ : ( لا مَانعَ من الإختلاطِ تحتَ سِتارِ الشَّرعِ لأن عائشةَ عندما كَانتْ تُعلِّمَ الرِّجالَ تختلطُ بهمْ طَبعاً ) وتقولُ : ( حفلاتُ الجامعةِ المختلطةِ لا غُبارَ عَليها !!) فرحمَ اللهُ العِلمَ وأهلَهُ !
وفي جريدةِ عكاظ عددِ (7813) يقولُ أحدُ الُكُتَّابِ فيها : ( من شِدَّةِ احترامي لأوتارِ الكمانِ آمنتُ بتعدُّدِ الزَّوجاتِ ) وفي مجلةِ زهرةِ الخليجِ عددُ (710) قالوا ( تَعالى نُغامِر سوياً في هذه الدُّنيا ..نتحدّى ظُلمَ القدرِ لنا ) وقَالوا : ( المرأةُ مظلومةٌ في كُلِّ الأحوالِ ) واللهُ تعالى يقولُ : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [النساء :40] فمن نُصدِّقُ ؟
وفي مجلة نصفِ الدُّنيا عددِ (112) قالوا : ( عَفواً ..صداقةُ الرجالِ أفضلُ !!) يعني للنِّساء .
وفي جريدةِ الهدفِ عددِ (1246) قالوا : ( غِيرةُ الرجلِ تعرقلُ تقدمَ المَرأة ..)(1/5)
وفي جريدةِ الشرقِ الأوسطِ عددِ (5104) قالُوا ( حِلاقةُ الذقنِ سلوكٌ حضاريٌّ ) مع أنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ : ( خَالِفُوا المشركينَ أعفُو اللِّحَى ..(1) فمن نطيعُ ؟!
ولم يبقَ من مشاكلِ الأُمَّةِ إلا ما نشرتهُ جريدةُ الرياضيةُ عددِ 16/3/1413هـ قالوا ( تُراسلُني وتُراسِلهُ فهلْ أُحبُّها ؟!)
وفي مجلةِ اليمامةِ عددِ (1234) واستمِع إلى ركاكةِ الألفاظِ وتحيطمِ عقيدةِ الولاءِ والبراءِ ( إتفَقَ جميعُنا مع اللبنانيِّين على حُبِّ فيروزَ ، لأنَّنا كأناسٍ نحبُّ البساطَةَ وكلَّ ما يَصِلنا بالإنسانيةِ ويعبرُ عنَها !!
وفي مجلةِ كلِّ الناس عددِ (172) قالوا ( الزواجُ عبءٌ رهيبٌ وكارثةٌ اقتصاديةٌ )هكذا يقولونَ أما صداقةُ النساء للرجالِ فهي أفضلُ ..قاتلهمُ اللهُ أني يؤفكونَ؟! .
و أخيراً هل اكتفوا بذلك ؟ كلا ؛ فما تخلو مجلةٌ من المجلاتِ أو جريدةٌ وإلا ويعرضُ فيها صوراٌ للنساءِ الساقطاتِ من الممثلاتِ والمغنياتِ والراقصاتِ ، ويتمُّ العرضُ بأبهى الصُّورِ وأكثرِها إثارةً وفتنةً . أضف إلى ذلك تتبع أخبارِ الساقطاتِ على أنهنَّ قدواتٌ لغيرهنَّ من النساءِ ، ممَّا يثيرُ في النفوسِ الخاويةِ الرغبة في تقليدهنَّ في اللباسِ والزينةِ وأسلوبِ الحياةِ ، وقد حصلَ بالفعلِ من بعضِ نسائِنا ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ . قال العلامَّةُ ابنُ عثيمينَ في خطبِتِه الشهيرةِ : ( ..أقسمُ باللهِ في هذا المكانِ وأنتم تشهدونَ ، واللهُ من فوقِنا شهيدٌ على ما أقولُ وعلى ما تسمعونَ ، وجدتُ هذه المجلاتِ هدامةً للأخلاقِ مفسدةً للأمةِ لا يشكُ عاقلٌ فاحصٌ ماذا يُريدهُ مروجوها بمجتمعٍ إسلاميٍّ محافظٍ ، وجدتُ النظرَ شراً منَ المَسمَعِ ..)(2)
__________
(1) - رواه مسلم(259) من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -
(2) فتاوى إسلامية (4/380)(1/6)
أيها الأحبةُ : هذا غيضٌ من فيضٍ من قاذوراتِ الصحفِ والمجلاتِ وعفنِها ونتنِها التي صمَّتِ الأذانَ وأعمتِ العُيونَ والهدفُ من ذلكَ واضحٌ وضوحَ الشمسِ في رابعةِ النهارِ فحينَ تُعرضُ مثلُ تلكَ الأقوالِ وهاتيكَ القصصِ والأشعارِ الغراميةِ والصُّور الفاتنة هي من أجل إشاعة السفور ، ومن ثم إشاعة الفاحشةِ ..فالشابُ حينَ يقرأُ مثل تلك القصصِ والأقوالِ والأشعارِ الغراميَّةِ ويُصور هذا الزخم المنتنُ بصورة جذابة فإنه سيتمنىَّ في دخيلة نفسه أن يجيء اليومُ الذي تتحطم فيه تقاليد مجتمعه ، والتي تعتبر هي السَّدُّ بينه وبين الاستمتاعِ على النحوِ الذي يتمُّ في المجتمعات الأخرى ، التي تحرَّرت من مثل تلك التقاليدُ فإذا جاء اليومَ الذي تُحطمُ فيه هذه التقاليدِ، فلن يكونَ هذا الفتى من المعارضينَ ! بل سيكونُ أوَّل المُرحبينَ !
إن ما يُنشرُ في بعضِ الصحفِ والمجلاتِ من قضايا الاختلاط والعلاقات المشبوهة ، وقضيَّة المرأة و دورِ الدِّين في الحياة العصرية والعلمانيةِ و الصور الفاتنةِ .. المُرد منها تغييبُ الحسِّ الإسلامي الذي ينفرُ من مثلِ هاتيكَ القضايا ، حتى إذا جاء اليومُ المنشودُ ؛ لم تكن النفوس نافِرةً ، ولا القلوبُ منكرةً ، إنما كان هناك تقبلٌ مسبقٌ لهذه الأمورِ ! وكانَ المعارضونَ لها هُم المتزمتينَ ، الجامدينَ ، المتحجرينَ الذين لا يريدونَ أن يُسايِرُوا ركبَ الحضارةِ ، و لا روحَ التطورِ الساريةِ في العالمِ كُلِّهِ !(1/7)
لقد أدت هذه الصحافةُ دوراً خطيراً في حياةِ المُسلمينَ ..على محورينِ رئيسيينِ : تقليصُ دورِ الإسلامِ ..فالإسلامُ أصبحَ حديثَ المناسباتِ الدينيةِ فقط ،أما أن يُتحدثَ عنه على أنه نِظامُ حياةٍ أو شريعةٌ يحتوى على حلولِ المشاكلِ فلا ! والأمرُ الثاني :ليُّ الأعناق ليّاً إلى أورُوبا بحيث تصبحُ تدريجياً هي الوجهةُ التي يتجهُ المسلمونَ إليها بدلاً من الإسلامِ ، والتي يتوسمونَ فيها طريقَ الخلاصِ من حاضِرهمُ السيئِ الذي يعيشونهُ ، ويتطلعونَ من خلالها إلى مستقبلٍ سعيدٍ باسمٍ يُلحقهمْ بركبِ الحضارةِ ، ويدفعُ عنهم وصمةَ التأخُّر والانحطاطِ ، فأنت تلحظُ الذكرَ اليوميَّ الدائمَ للغربِ الكافِرِ ، وفي كلِّ مناسبةٍ من المناسباتِ ..وقد يبدو ذِكرها أمراً طبيعياً لا غرابةَ فيه البتةَ ..لأنَّ مهمةَ الصحفِ أن تطلعَ قارئَها على أخبارِ العالمِ الذي يعيشُ فيهِ ، وليسً فقط لأنَّ الغربَ الكافرَ يعتبرُ مركزَ النشاطِ الدائبِ الذي لا يفترُ في جميعِ الاتجاهاتِ ، بل لأن الحقيقةَ الواقعةَ ـ رضينا أم أبينَا ـ أن الغربَ يمسكُ بيدهِ أزمَّة الأمورِ ، ويقررُ للعالمِ ما يقولُهُ وما يفعلُهُ ، بحكمِ غلبتِهِ الظاهِرةِ في الجوانِبِ العسكريِةِ والسياسيةِ والعلميةِ والحضاريةِ ..
* * *
دورنا تجاه هذه القضية
هذه هي قصة الصحافة والمجلات وبعد ، فما هو دورنا ؟ وما هو واجبنا تجاه مثل هذه القضية الجلل ،التي عرفنا خطرها و أثرها على الأمةِ ؟(1/8)
بادئ ذي بدءٍ يجب على الجميع مقاطعة تلكَ المجلاتِ الداعية إلى الرذيلة والسُّفور والتحذير منها وترك شرائها ،لأنَّ في شرائك لها دعماً لمسيرتها الباطلة ، و إعانةً منك على استمرار عطائها العفنِ ، وتقويةً لرصيدها المالي الذي من خلاله يستطيعون أن ينشروا ما هو أفظع من ذلك وأقبح متى سنحت لهم الفرصة فتكون ممَّا أعان على نشرِ الفسادِ ويصيبكَ من الإثمِ بقدر مساهمتك في مثل هذا البلاء قال عليه الصَّلاة والسَّلام : " ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً "(1).واحذر يا رعاكَ اللهُ من أن تسقط إحدى هذه المجلاَّت في أيدي أفراد أسرتِكَ أو تتسرَّب إليهم فإنها تصرِفهُم عن صراط ربهم وتؤُثر على أفكارهم ولقدْ علمتَ الآنَ ما يُعرض فيها من الفتن والأفكار المضللةِ المنحرفةِ .وقد أفتت هيئةُ كبارِ العلماءِ بالتحريمِ اقتنائِها فقالتْ : ( لا يجوزُ للمسلم أن يُدخل في بيته مجلاَّت أو روايات فيها مقالاتٌ إلحاديةٌ أو مقالاتٌ تدعو إلى البِدع والضلالِ أو تدعُو إلى المجونِ والخلاعةِ فإنها مفسدةٌ للعقيدةِ والأخلاقِ وكبيرُ الأسرةِ مسئولٌ عن أسرتِهِ لقولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : " الرجل راع في بيته وهو مسئول عن رعيته"(2)(3)
__________
(1) رواه مسلم ورقمه (2674) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(2) -رواه مسلم (893)من حديث عبدالله بن عمررضي الله عنهما
(3) فتاوى إسلامية (4/387)(1/9)
ثانياً : إن كنتَ من أصحابِ المحلاتِ التجاريَّةِ فإنه يجبُ عليكَ أن تقلعَ عن بيعِها وتسويقِها على الناسِ طاعةً للهِ تعالى وامتثالاً لأمرهِ { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة :2]ولا أظنُّك ستتجرَّأُ على بيعها بعدَ أن علمت ما فيها من الكفر والإلحادِ وإلا فكيف تُسوِّقُ بين إخوانكَ ما فيه فسادُهم وانحرافُهم عن منهجٍ ربِّهم ؟ هذا من جهةٍ ، ومن جهةٍ أخرى كيف يمكن أن يتصوَّر أن تسوِّق من يسبُّ إلهك ويتجرأُ على دينك وينخرُ في عقيدُتك ؟ لو كان هذا الكلامُ الذي سمعتهُ قيلَ في أحدِ آبائك أو في نفسكَ أنتَ ، أكنتَ ترضَى لأحدٍ من الناسِ أن ينشرَهُ وأن يُذيعهُ ؟ لا أظُّنك ترضى ..فإذا كان هذا في حقكَ أنتَ فكيفَ بحقِّ الجبار جلَّ جلالُهُ ! فكيف بحقِّ المُنعم عليكَ ، المسبغِ عليكَ من فضله وجوده ! و لا أظنُّ أحداً سيسأل عن حكم مثل هذه المجلاَّت بعد أن عَرَف ما يُنشرُ فيها ويُكتب ..(1/10)
وقد أفتى العلامةُ ابنُ جبرينَ بتحريمها فقال ( فإنَّ الصحفَ والمجلاتِ التي تنشرُ ذلك ـ أي صورَ النساءِ العارياتِ ـ قد دعت إلى الفتنة والفساد والدَّعارة وما هو وسيلةٌ إلى فعل الجرائم والمنكرات ، فمن أصدرَ هذه المجلاَّت بهذه الصِّفة أو بَاعَها أو أهداهَا أو اشتراها أو اقتناها ، فقد شارك في الإثم فقد لَعَنَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الخمرِ وبائعهَا ومشتريهَا وعاصرهَا ومعتصرهَا وشاربهَا وساقيهَا وحاملهَا والمحمولةُ إليهِ وآكلِ ثمنِها(1)، وكذلك هذه المجلاتُ فإن مفسدتها على الأخلاقِ والعفافِ والأديانِ أعظمُ من مفسدةِ الخمرِ أحياناً لاسيَّما إذا اشتملت على الأفكار المنحرفةِ والإعلان عن الفناناتِ والمتبرجاتِ تبرجَ الجاهليةِ الأولى ، فنشرُها على هذه الصفةِ، وكتابةُ مقالاتِها، واستيرادُها، والترغيبُ فيها مشاركةٌ في الفسادِ، وإشاعةٌ للفاحشةِ، ونشرٌ للرذيلةِ، ودعوةٌ إلى الخلاعةِ والتفسخِ، والانحلالِ من الأخلاقِ والحياءِ ..). إلى أن قالَ: ( فنصحيتي لمن أرادَ النجاةَ أن يبتعدَ عن هذه الصُّحفِ، ولا يشاركَ فيهن أدنى مُشاركةٍ، رجاءَ أن ينجوَ بنفسِهِ، ويستبرأ لديِنهِ وعِرضه، واللهُ أعلمُ )(2)
__________
(1) -رواه أبوداود (3674)من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
(2) فتاوى إسلامية (4/385)(1/11)
ثالثاً : إن الكثيرَ منا لاشكَّ أنه يطالعُ تلكَ الصُّحفَ وقد يلمسُ أحياناً أنَّ هذه الصحيفةَ نحتْ منحىً خاطئاً كأن يكونَ هناك دعوةٌ إلى شيءٍ محرمٍ أو تحايلٌ لفعلِ شيءٍ محرمٍ أو نحوِ ذلكَ ، فإنَّ مِنَ الواجبِ أن يُبادرَ الإنسانُ بالإنكارِ وعدمِ السكوتِ ،وذلكَ بالمكاتبةِ للجريدةِ أو الاتصالِ هاتفياً ومناصحتهم بالتي هي أحسنُ ،ولا يقولونَّ قائلٌ هذه مسؤوليةُ العلماءِ أو رجالِ الحسبةِ ، فالأمرُ بالمعروفِ يشملُ الجميعَ كما في حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ الذي رواهُ مسلم في صحيحه قالَ - صلى الله عليه وسلم - : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطيع فبلسانه فإن لم يستطيع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان "(1)وإن في إنكار أفراد المجتمع كافةً ردعاً لمثل هؤلاءِ ،حتى يعلموا أن المجتمعَ لا تُعجبه تصرُّفاتهم ، ولا يُقرُّ ذلك النشازُ الذي يكتبونه وينشرونه ، وإن لم يستطيع الإنكار هو فإنَّ أقلَّ الأحوالِ أن يوصلَ هذا الأمرَ إلى مَنْ يستطيعُ إنكارهُ من العلماءِ والدعاة وغيرِهم.(2)
__________
(1) رواه مسلم ورقمه (49)
(2) قالت اللجنة الدائمة ما نصه ( يحرم على كل مكلف ذكرا أو أنثى أن يقرأ في كتب البدع والضلال والمجلات التي تنشر الخرافات وتقوم بالدعايات الكاذبة وتدعو إلى الانحراف عن الأخلاق الفاضلة ، إلا إذا كان من يقرأها يقوم بالرد على ما فيها من إلحاد وانحراف ، وينصح أهلها بالاستقامة وينكر عليهم صنيعهم ويحذر الناس من شرهم .) فتاوى إسلامية (4/386)(1/12)
رابعاً : وللهِ الحمدُ والمنةُ أن المسلمَ في هذهِ البلادِ قد وجدَ البديلَ المناسب الذي يُمكن من خلاله أن يعرفَ ما يريدُ معرفتهُ من أخبار ونَحوها من خلالِ المجلات الإسلامية وهي كثيرةٌ وللهِ الحمدِ فهناكَ مجلاتٌ متخصصةٌ بأمورِ العالمِ وأحوالهُ وتعرضُ لكَ الموضوعاتِ بمنضارٍ إسلاميٍّ ، ومجلاتٌ متخصصةٍ بالأسرةِ ومعالجةِ قضاياها ، ومجلاتٍ متخصصةٌ بالأمورِ العلميةِ والدراساتِ الشرعيةِ وغيرها كثيرٌ ، وأنتَ مطالبٌ بدعمِ تلكَ المجلاتِ التي سدَّت ثغرةً من ثغورِ الإسلامِ وذلك بالاشتراكِ فيها وحثِّ أقاربكَ وزملائِكَ على المشاركةِ فيها وشرائِها.
خامساً :يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ { ا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ } (المائدة: من الآية2) وإنَّ من سبلِ التعاونِ المطلوبةِ شرعاً من جهتينِ :(1/13)
الأولى : عدم تأجير المحلاتِ على أولئك الذين يصرُّونَ على بيعِ تلكَ المجلاتِ وغيرها من المحرماتِ قالَ العلامةُ ابنُ عثيمينَ ( تأجيرُ المحلاتِ والمستودعاتِ لمن يبيعُ فيها أو يودعُ الأشياءَ المحرمةَ حرامٌ ، لأنَّ ذلكَ من التعاونِ على الإثمِ والعدوانِ الذي نهى اللهُ عنه في قولِهِ : { وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(1)} فليتقِ اللهَ أصحابُ الأملاكِ ومكاتبُ العقارِ في أبناءِ المسلمينَ وبناتهم وليعلموا أنهم مسئولونَ يومَ القيامةِ عن ذلك ، ولا شكَّ أنَّ الآخرةَ أعظمُ في قلبكَ من الدُّنيا ، وأن دينَكَ وأمتَّك أكبرُ في نفسِكَ من أن تُضحِّيَ بجزءٍ منه مقابلَ دراهمَ معدودةٍ لكنها الغفلةُ عن حقارةِ هذه الدارِ وعظمةِ الواحدِ القهار ، وإلا فأيُّ عاقلٍ يرضى بأن يقتحمَ من الذنوبِ ما يعرضه لعذابِ النارِ التي أخبر الصادقُ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ أهونَ أهلها عذاباً من يوضعُ تحتَ قدميهِ جمرتانِ يَغلي منهما دماغُهُ(2)
ثانياً :مقاطعة من يبيع مثلِ هذهِ المجلاتِ وعدم الشِّراء منه وإشعارُهُ بأن المانعَ من الشراءِ منه استمرارُهُ على بيعِ ما حرَّم اللهُ عز وجلَّ ، وبالمقابلِ الحرصُ على الشراءِ من المحلاتِ التي امتنعت عن بيعِ تلك المجلاتِ الفاسدةِ ومساندتهمْ و حثَّهم على المواصلةِ والاستمرارِ على هذا الخيرِ العظيمِ.
__________
(1) المائدة :2
(2) كما جاء ذلك في حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري ورقمه (3885)(1/14)
وأخيراً ينبغي أن يعلمَ الجميعَ أنَّ هذه المجلاتِ والصحفَ يصدقُ عليها قولُ اللهِ عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } (الحجرات:6)(1)خاصةً فيما يتعلق بقضايا الإسلامِ والمسلمينَ ، فلا تأخذُ أخبارُها على وجهِ التسليمِ والصحةِ فالأصلُ خلافُ ذلك بناءً على هذه الآيةِ العظيمةِ ، وأيضا كيف يُصدَّقُ من يثلمُ في الإسلامِ ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً ، كيف يصدقُ من يميِّع قضايا الإسلامِ الكبرى ! كيف يصدقُ من يتحايلُ على أحكامِ الشريعةِ الغراءِ ! كيف يصدقُ من يمجدُ أهل الفسقِ والمجونِ ويعتبِرُهمْ النجومَ !فاحذَرْ يا رعاكَ اللهُ من هَذا السُّمِّ الزعافِ أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الأنفال :65]
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
__________
(1) الحجرات : 6(1/15)