الشهر الأخير
من حياة البشير النذير
- صلى الله عليه وسلم -
(( أبو يوسف محمد زايد ))
بسم الله الرحمن الرحيم
- الحمد لله الذي تفرد بالحياة والبقاء ، وقضى على الخلق جميعه بالموت والفناء ، قال سبحانه : (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ) (آل عمران : 185 ) ... وقال :( َلا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (القصص : 88 )...وقال :( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) (الرحمن : 26 ) ... وقال : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (الروم : 40 ) ...
- الحمد لله الذي خاطب عبده ورسوله ، خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم ، بقوله عز وجل : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) (الزمر : 30 )... وعصمه من الناس حتى بلغ ما أرسله به من الهدى ودين الحق ، ثم قبضه إليه ليخرجه من ضيق الدنيا ومحنها إلى سعة الآخرة ومنحها ، في الرفيق الأعلى ، مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ... صلى الله عليه وعلى إخوانه الأنبياء ، وآله الأتقياء ، وصحابته الأوفياء ، وعلى كل عبد رضي بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، إلى اليوم الذي يجمع فيه الواحد القهار، العزيز الغفار ، الأولين والآخرين ...
أما بعد ، فهذا كتاب حول أواخر أيام رسول رب العالمين إلى الناس أجمعين صلى الله عليه وسلم بين ظهراني المومنين في مدينته المنورة حرسها الله ، سميته : الشهر الأخير من حياة البشير النذير - صلى الله عليه وسلم - ...وأصله من " البداية والنهاية " لأبي الفدا إسماعيل بن كثير رحمه الله ...وكان عملي فيه كما يلي :(1/1)
- كتابة الآيات بالضبط التام ، مع التخريج ...
- اختصار الأسانيد ، مع تخريج الأحاديث ...( ما أمكن )
- شرح بعض المفردات...
- وقفات مع شراح الحديث ...
- فوائد من كتب التفسير ، والسيرة ...
* العلامة ? تشير إلى الأصل ، أي ما كتبه ابن كثير رحمه الله في " البداية والنهاية "
*** أسأل الله العلي العظيم أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وأن ينفع به ... إنه قريب مجيب... ***
بسم الله الرحمن الرحيم
- قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية :
? استهلت هذه السنة ، أي سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وقد استقر الركاب الشريف النبوي بالمدينة النبوية المطهرة مرجعه من حجة الوداع ، وقد وقعت في هذه السنة أمور عظام من أعظمها خطبا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ...ولكنه ، صلى الله عليه وسلم ، نقله الله عز وجل من هذه الدار الفانية الى النعيم الأبدي في محلة عالية رفيعة ودرجة في الجنة لا أعلى منها ولا أسنى، كما قال تعالى: ( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) .. ( الضحى 4 – 5 ) ؛ وذلك بعد ما أكمل أداء الرسالة التي أمره الله تعالى بابلاغها ، ونصح أمته ودلهم على خير ما يعلمه لهم ، وحذرهم ونهاهم عما فيه مضرة عليهم في دنياهم وأخراهم.
? روى صاحبا الصحيح من حديث عمر بن الخطاب أنه قال : نزل قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (المائدة : 3 ) يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة ...
? - رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه ؛ وفي كتاب المغازي، باب حجة الوداع ؛ وفي كتاب تفسير الفرآن ، باب قَوْلِهِ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ؛ وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب ....
? - ورواه مسلم في كتاب التفسير ، باب ...(1/2)
? - ولفظ البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة هو =...عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا ) لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ...
? وروينا من طريق جيد أن عمر بن الخطاب حين نزلت هذه الآية بكى فقيل ما يبكيك فقال إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان وكأنه استشعر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
? - أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره والفاكهاني في أخبار مكة =... عن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال: لما نزلت { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ، وذلك يوم الحج الأكبر، بكى عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "ما يبكيك؟ " قال: أبكاني أنّا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذْ أكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص... فقال: " صدقت ".
? - ورواه ابن أبي شيبة عن هارون بن أبي وكيع عن أبيه قال : لما نزلت هذه الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم) قال : يوم الحج الاكبر ، قال : فبكى عمر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك ؟ قال : يا رسول الله ! أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا ، فإما إذا كمل فإنه لم يكمل قط شئ إلا نقض ، قال : صدقت .
?وقد أشار عليه السلام الى ذلك فيما رواه مسلم من حديث ابن جريج عن ابي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عند جمرة العقبة وقال لنا : خذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا(1/3)
?- رواه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا وبيان قوله صلى الله عليه وسلم لتأخذوا مناسككم = ..عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ : لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ ...
? - وأخرجه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن خزيمة ، والطبراني ، والبيهقي في الدلائل .... ولفظ النسائي : عن أَبُي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا ...
? وروى الحافظان أبو بكر البزار والبيهقي =... عن ابن عمر قال نزلت هذه السورة: ( إذا جاء نصر الله والفتح ) في أوسط أيام التشريق فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت ثم ذكر خطبته في ذلك اليوم ...
? - أخرجه البزار، والبيهقي في السنن الكبرى وفي دلائل النبوة ، وعبد بن حميد في مسنده ...
? شرح - أيام التشريق : الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الأضحى
- الراحلة : البَعيرُ القويّ على الأسفار والأحمال، ويَقَعُ على الذكر والأنثى
- القصواء : الناقة المقطوعة الأذن ، وكان ذلك لقبًا لناقة النبي ، ولم تكن مقطوعة الأذن
- رحلت : وُضع عليها الرحل ، وهو كل شيء يعد للرحيل من مركب للبعير ووعاء للمتاع وغير ذلك(1/4)
?وهكذا قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لعمر بن الخطاب حين سأله عن تفسير هذه السورة بمحضر كثير من الصحابة ليريهم فضل ابن عباس وتقدمه وعلمه حين لامه بعضهم على تقديمه واجلاسه له مع مشايخ بدر فقال : إنه من حيث تعلمون ... ثم سألهم وابن عباس حاضر عن تفسير هذه السورة :( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ) فقالوا: أمرنا إذا فتح لنا أن نذكر الله ونحمده ونستغفره ، فقال : ما تقول يا ابن عباس ؟ فقال: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى اليه ... فقال عمر : لا أعلم منها الا ما تعلم ....
?- روى البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله { وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا }=... عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) ؟ قَالُوا: فَتْحُ الْمَدَائِنِ وَالْقُصُورِ... قَالَ: مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: أَجَلٌ أَوْ مَثَلٌ ضُرِبَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعِيَتْ لَهُ نَفْسُهُ ...(1/5)
? - وفي مسند أحمد : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْذَنُ لِأَهْلِ بَدْرٍ وَيَأْذَنُ لِي مَعَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَأْذَنُ لِهَذَا الْفَتَى مَعَنَا وَمِنْ أَبْنَائِنَا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ ...قَالَ فَأَذِنَ لَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَذِنَ لِي مَعَهُمْ فَسَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ السُّورَةِ : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) فَقَالُوا: أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فُتِحَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ وَيَتُوبَ إِلَيْهِ ... فَقَالَ لِي: مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ قُلْتُ : لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بِحُضُورِ أَجَلِهِ فَقَالَ{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ }فَتْحُ مَكَّةَ{ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا }فَذَلِكَ عَلَامَةُ مَوْتِكَ{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا }...فَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ تَلُومُونِي عَلَى مَا تَرَوْنَ ؟...
? وكذلك ما رواه الامام احمد=... عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حج بنسائه قال: إِنَّمَا هِيَ هَذِهِ الْحَجَّةُ ثُمَّ الْزَمْنَ ظُهُورَ الْحُصْرِ ...
?- ورواه عبد الرزاق في مصنفه ، وأخرجه أبو يعلى والطبراني من حديث أم سلمة بلفظ : " هي هذه الحجة ثم الجلوس على ظهور الحصر في البيوت " وأخرجه ابن حبان والطبراني من حديث ابن عمر ولفظه : " إنما هي هذه ثم عليكم بظهور الحصر " وأخرجه أحمد والبيهقي في الكبرى من رواية زيد بن أسلم عن ابن أبي واقد الليثي عن أبيه...
? شرح - ظهور الحصر : ظهور جمع ظهر ، الحصْر جمع الحصير الذي يبسط في البيوت أي عليكن لزوم البيت ولا يجب عليكن الحج مرة أخرى بعد ذلك ...(1/6)
?وقد رواه أبو داود في سننه من وجه آخر جيد ...
?- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنٍ لِأَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَزْوَاجِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ...
? والمقصود أن النفوس استشعرت بوفاته عليه السلام في هذه السنة ونحن نذكر ذلك ونورد ما روى فيما يتعلق به من الأحاديث والآثار وبالله المستعان ...
فصل
في الآيات والأحاديث المنذرة بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكيف ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضه الذي مات فيه
?- قال الله تعالى:( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (الزمر : 30 -31 )
- وقال تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) (الأنبياء : 34 )
- وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء : 35 )
- وقال تعالى: وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران : 185 )
- وقال تعالى : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران : 144 )
وهذه الآية هي التي تلاها الصديق يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعها الناس كأنهم لم يسمعوها قبل...(1/7)
- وقال تعالى :( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً )
?قال عمر بن الخطاب وابن عباس هو أجل رسول الله نعي اليه ...
?- سبق تخريجه.
?وقال ابن عمر نزلت أوسط أيام التشريق في حجة الوداع فعرف رسول الله أنه الوداع فخطب الناس خطبة أمرهم فيها ونهاهم ...
? - أخرجه البزار، والبيهقي في السنن الكبرى وفي دلائل النبوة ، وعبد بن حميد في مسنده ...
? وقال جابر رأيت رسول الله يرمي الجمار فوقف وقال: لتأخذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا
? - سبق تخريجه.
? وقال عليه السلام لابنته فاطمة كما سيأتي: إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني به العام مرتين وما أرى ذلك إلا اقتراب أجلي ...
? - يأتي تخريجه قريبا ...
?وفي صحيح البخاري =... عن ابي هريرة قال: كان رسول الله يعتكف في كل شهر رمضان عشرة أيام فلما كان من العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما ... وكان يعرض عليه القرآن في كل رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه القرآن مرتين
? - الحديث بهذا المتن أخرجه ابن ماجه.
? - ولفظ البخاري في كتاب تفسير القرآن ، باب باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم=... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَام الَّذِي قُبِضَ فِيهِ..(1/8)
? - وقوله : كان رسول الله يعتكف في كل شهر رمضان عشرة ايام فلما كان من العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما... رواه ابخاري في كتاب الاعتكاف ، باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان، وأخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي في الكبرى والدلائل والشعب ، والدارمي ...
? شرح : يعرض عليه : يدارسه .
?وقال محمد بن اسحاق : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في ذي الحجة فأقام بالمدينة بقيته والمحرم وصفرا ، وبعث أسامة بن زيد... فبينا الناس على ذلك ابتدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الذي قبضه الله فيه الى ما أراده الله من رحمته وكرامته في ليال بقين من صفر أو في أول شهر ربيع الأول، فكان أول ما ابتدئ به رسول الله من ذلك فيما ذكر لي أنه خرج الى بقيع الغرقد من جوف الليل فاستغفر لهم ثم رجع الى أهله فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك ...
?قال ابن اسحاق =... عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بعثني رسول الله من جوف الليل فقال: يا أبا مويهبة ، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معي... فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم قال: السلام عليكم يا أهل المقابر، لِيَهْنِ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى ، ثم أقبل علي فقال : يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة ... قال قلت: بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة .. قال : لا والله يا أبا مويهبة ، لقد اخترت لقاء ربي والجنة ...ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف ، فبدئ برسول الله بوجعه الذي قبضه الله فيه ..(1/9)
? - رواه أحمد بهذا اللفظ وبالذي بعده ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني ، والطبراني في الكبير ، والبيهقي في الدلائل ، والدارمي في السنن، وأبو نعيم في معرفة الصحابة ...
? شرح - جوف الليل : ثلثه الأخير
- الخلد : دوام البقاء ، وعدم الزوال
? وقال احمد =... عن أبي مويهبة قال أمر رسول الله أن يصلي على أهل البقيع فصلى عليهم ثلاث مرات ، فلما كانت الثالثة قال : يا أبا مويهبة أسرج لي دابتي ...قال : فركب ومشيت حتى انتهى اليهم ، فنزل عن دابته ، وأمسكت الدابة ...فوقف أو قال قام عليهم فقال : ليَهْنِكم ما أنتم فيه مما فيه الناس، أتت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا ،الآخرة أشد من الأولى ، فليَهْنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس ...ثم رجع فقال : يا ابا مويهبة، إني أعطيت - أو قال: خيرت - بين مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي ...قال فقلت : بأبي أنت وأمي، فاخبرني... قال: لأن تُرَدّ على عقِبها ما شاء الله، فاخترت لقاء ربي ...فما لبث بعد ذلك إلا سبعا أو ثمانيا حتى قبض ..(1/10)
? - ولفظ الحاكم : عن أبي مويهبة ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : طرقني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقال : « يا أبا مويهبة انطلق استغفر فإني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع » فانطلقت معه فلما بلغ البقيع ، قال : « السلام عليكم يا أهل البقيع ، ليهن لكم ما أصبحتم فيه لو تعلمون ما أنجاكم الله منه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها خرها » ثم قال : « يا أبا مويهبة ، إن الله خيرني أن يؤتيني خزائن الأرض والخلد فيها ، ثم الجنة وبين لقاء ربي عز وجل » فقلت : بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن هذه الأرض والخلد فيها ثم الجنة ، قال : « كلا يا أبا مويهبة ، لقد اخترت لقاء ربي عز وجل » ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف ، فلما أصبح بدأه شكواه الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم
?وقال عبد الرزاق - ...عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصرت بالرعب ، وأعطيت الخزائن ، وخيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل .../ قال البيهقي وهذا مرسل وهو شاهد لحديث أبي مويهبة .
? - رواه عبد الرزاق في مصنفه ، والبيهقي في الكبرى والدلائل...(1/11)
? قلت : وفي خروج النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم إلى البقيع للإستغفار لأهله ، روى مسلم واللفظ له ، والنسائي ، وأحمد ، وابن حبان ...عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ أُمِّي؟ قَالَ : فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ ؛ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ : أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْنَا :بَلَى ... قَالَ قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عِنْدِي انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا ، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا ، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ ... فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ فَقَالَ: مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً؟ قَالَتْ قُلْتُ: لَا شَيْءَ ...قَالَ : لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.. قَالَتْ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، فَأَخْبَرْتُهُ... قَالَ : فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ ...(1/12)
فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي، ثُمَّ قَالَ: أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ؟ قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ، نَعَمْ ... قَالَ : فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ فَنَادَانِي فَأَخْفَاهُ مِنْكِ ، فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ .. وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ... قَالَتْ قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ...
? وروى مالك في الموطأ ... عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ خَرَجَ... قَالَتْ : فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي بَرِيرَةَ تَتْبَعُهُ فَتَبِعَتْهُ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَوَقَفَ فِي أَدْنَاهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقِفَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَسَبَقَتْهُ بَرِيرَةُ فَأَخْبَرَتْنِي ، فَلَمْ أَذْكُرْ لَهُ شَيْئًا حَتَّى أَصْبَحَ... ثُمَّ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ لِأُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ ...(1/13)
?قال ابن اسحاق =... عن ابن مسعود عن عائشة قالت : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول : وارأساه ... فقال : بل أنا ، والله يا عائشة ، وارأساه ... قالت ثم قال : وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك ؟ قالت قلت : والله لكأني بك لو فعلت ذلك لقد رجعت الى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك ...قالت : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتمادى به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعزّ به في بيت ميمونة فدعا نسائه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي فأذن له ... قالت : فخرج رسول الله بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر ، عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتي ... قال عبيد الله فحدثت به ابن عباس فقال أتدري من الرجل الآخر؟ هو علي بن أبي طالب .../ وهذا الحديث له شواهد ستأتي قريبا /
?شرح - أعْرَس الرجُل : إذا دَخَل بامْرَأتِهِ عند بِنائِها، وأرادَ به ها هنا الوَطْءَ، فسمَّاه إعْراساً لأنّه من توابع الإعْرَاسِ، ولا يقال فيه عَرَّس...
- تخط قدماه : المعنى يمشي متثاقلا تؤثر رجلاه في الأرض كأنها تخط خطا(1/14)
?وقال البيهقي =... عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت: وارأساه... فقال : بل أنا والله يا عائشة واراساه... ثم قال : وما عليك لو مت قبلي فوليت امرك وصليت عليك وواريتك ... ؟ فقلت : والله إني لأحسب لو كان ذلك لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي من آخر النهار... فضحك رسول الله ، ثم تمادى به وجعه فاستعز به وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة ، فاجتمع اليه أهله فقال العباس: إنا لنرى برسول الله ذات الجنب فهلموا فلنلده ... فلدوه ؛ فأفاق رسول الله فقال : من فعل هذا ؟ فقالوا : عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات الجنب ... فقال رسول الله: إنها من الشيطان وما كان الله ليسلطه علي ، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس... فلد أهل البيت كلهم حتى ميمونة وإنها لصائمة وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له ، فخرج وهو بين العباس ورجل آخر لم تسمه تخط قدماه بالأرض... قال عبيد الله قال ابن عباس الرجل الآخر علي بن أبي طالب...
? - رواه البيهقي في الدلائل ، وقوله : إنها من الشيطان وما كان الله ليسلطه علي ... رواه أحمد والحاكم ، ولفظ في المستدرك : عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قالوا : خشينا أن الذي برسول الله ذا الجنب ، قال : « إنها من الشيطان وما كان الله ليسلطه علي »وقال الحاكم: هذا حديث على شرط مسلم ، ولم يخرجاه .
? شرح - اللد : لد المريض : أخذ بلسانه فمده إلى أحد شقي الفم وصب الدواء في الشق الآخر ...(1/15)
? قال البخاري = ... عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما ثقل رسول الله واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه الأرض، بين عباس - قال بن عبد المطلب - وبين رجل آخر ...قال عبيد الله فأخبرت عبد الله يعني ابن عباس بالذي قالت عائشة فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة ؟ قال قلت: لا...قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب... فكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدث أن رسول الله لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال: هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد الى الناس... فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير الينا بيده أن قد فعلتن قالت عائشة : ثم خرج الى الناس فصلى لهم وخطبهم...
? - رواه البخاري في كتاب الوضوء ، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة ؛ وفي كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ؛ وفي كتاب الطب ، باب اللدود ...
- وروى مسلم طرفه الأول في كتاب الصلاة ، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس ...(1/16)
? شرح - قال ابن حجر رحمه الله : ( لَمَّا ثَقُلَ ) أَيْ : فِي الْمَرَض ، وَهُوَ بِضَمِّ الْقَاف بِوَزْنِ صَغُرَ قَالَهُ فِي الصِّحَاح ، وَفِي الْقَامُوس لِشَيْخِنَا : ثَقِلَ كَفَرِحَ فَهُوَ ثَاقِل وَثَقِيل اِشْتَدَّ مَرَضه ، فَلَعَلَّ فِي النُّسْخَة سَقْطًا وَاَللَّه أَعْلَم .قَوْله : ( فِي أَنْ يُمَرَّض ) بِفَتْحِ الرَّاء الثَّقِيلَة ، أَيْ : يُخْدَم فِي مَرَضه .قَوْله : ( فَأَذِنَّ )بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة وَتَشْدِيد النُّون الْمَفْتُوحَة أَيْ : الْأَزْوَاج ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْقَسْم كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ ، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون فَعَلَ ذَلِكَ تَطْيِيبًا لَهُنَّ .قَوْله : ( قَالَ عُبَيْد اللَّه )هُوَ الرَّاوِي لَهُ عَنْ عَائِشَة ، وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور بِغَيْرِ أَدَاة عَطْف .قَوْله : ( وَكَانَتْ )هُوَ مَعْطُوف أَيْضًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور .(1/17)
قَوْله ( هَرِيقُوا )كَذَا لِلْأَكْثَرِ ، وَلِلْأَصِيلِيِّ " أَهْرِيقُوا " بِزِيَادَةِ الْهَمْزَة ، قَالَ اِبْن التِّين هُوَ بِإِسْكَانِ الْهَاء ، وَنُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ أَهْرَاقَ يُهْرِيق إهْرِيَاقًا مِثْل أَسْطَاعَ يُسْطِيع اسْطِيَاعًا بِقَطْعِ الْأَلِف وَفَتْحهَا فِي الْمَاضِي وَضَمّ الْيَاء فِي الْمُسْتَقْبَل وَهِيَ لُغَة فِي أَطَاعَ يُطِيع فَجُعِلَتْ السِّين وَالْهَاء عِوَضًا مِنْ ذَهَاب حَرَكَة عَيْن الْفِعْل ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ الْهَاء وَاسْتَشْكَلَهُ ، وَيُوَجَّه بِأَنَّ الْهَاء مُبْدَلَة مِنْ الْهَمْزَة لِأَنَّ أَصْل هَرَاقَ أَرَاقَ ثُمَّ اُجْتُلِبَتْ الْهَمْزَة فَتَحْرِيك الْهَاء عَلَى إِبْقَاء الْبَدَل وَالْمُبْدَل مِنْهُ وَلَهُ نَظَائِر ، وَذَكَرَ لَهُ الْجَوْهَرِيّ تَوْجِيهًا آخَر وَأَنَّ أَصْله أَأَرِيقُوا فَأُبْدِلَتْ الْهَمْزَة الثَّانِيَة هَاء لِلْخِفَّةِ ، وَجَزَمَ ثَعْلَب فِي الْفَصِيح بِأَنَّ أَهَرِيقَهُ بِفَتْحِ الْهَاء وَاَللَّه أَعْلَم .قَوْله : ( مِنْ سَبْع قِرَب )
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُشْبِه أَنْ يَكُون خَصَّ السَّبْع تَبَرُّكًا بِهَذَا الْعَدَد ؛ لِأَنَّ لَهُ دُخُولًا فِي كَثِير مِنْ أُمُور الشَّرِيعَة وَأَصْل الْخِلْقَة . وَفِي رِوَايَة لِلطَّبَرَانِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث " مِنْ آبَار شَتَّى " وَالظَّاهِر أَنَّ ذَلِكَ لِلتَّدَاوِي لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة أُخْرَى فِي الصَّحِيح " لَعَلِّي أَسْتَرِيح فَأَعْهَد " أَيْ : أُوصِي .قَوْله : ( وَأُجْلِسَ فِي مِخْضَب حَفْصَة ) زَادَ اِبْن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيق عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَنَّهُ كَانَ مِنْ نُحَاس ، وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى الرَّدّ عَلَى مَنْ كَرِهَ الِاغْتِسَال فِيهِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عُمَر ، وَقَالَ عَطَاء : إِنَّمَا كَرِهَ مِنْ النُّحَاس رِيحه .(1/18)
قَوْله : ( نَصُبّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ )أَيْ : الْقِرَب السَّبْع .قَوْله : ( حَتَّى طَفِقَ ) يُقَال طَفِقَ يَفْعَل كَذَا إِذَا شَرَعَ فِي فِعْل وَاسْتَمَرَّ فِيهِ .
قَوْله : ( ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاس ) زَادَ الْمُصَنِّف مِنْ طَرِيق عَقِيل عَنْ الزُّهْرِيّ " فَصَلَّى بِهِمْ وَخَطَبَهُمْ ثُمَّ خَرَجَ " ...
?وقال البخاري =... عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: أين أنا غدا ؟ أين أنا غدا ؟ يريد يوم عائشة ، فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء ، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها ...قالت عائشة رضي الله عنها : فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه، في بيتي ، وقبضه الله وإن رأسه لبين سحري ونحري وخالط ريقه ريقي ... قالت ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به فنظر اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن... فأعطانيه، فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مسند الى صدري...
? - رواه البخاري في كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ؛وطرفه حتى (وخالط ريقه ريقي ) : في كتاب النكاح باب إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهن فأذن له ...
? - كما روى الشيخان ، البخاري في كتاب الجنائز ، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم ... ومسلم في كتاب الفضائل ، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنهما ...= عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ : أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا ؟ اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَدُفِنَ فِي بَيْتِي ...(1/19)
? - وللبخاري في كتاب المناقب ،باب فضل عائشة رضي الله عنها = حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ جَعَلَ يَدُورُ فِي نِسَائِهِ وَيَقُولُ: أَيْنَ أَنَا غَدًا ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا ؟حِرْصًا عَلَى بَيْتِ عَائِشَةَ ... قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي سَكَنَ.
- وله في كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته = ... عَنْ عَائِشَةَ : دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي ، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِه ، ِ فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَصَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَنَّ بِهِ... فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ : فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى... ثَلَاثًا ثُمَّ قَضَى ، وَكَانَتْ تَقُولُ : مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي.
? شرح – قال ابن حجر رحمه الله : قَوْله : ( وَمَعَ عَبْد الرَّحْمَن سِوَاك رَطْب ) فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَة " وَمَرَّ عَبْد الرَّحْمَن وَفِي يَده جَرِيدَة رَطْبَة ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ، فَظَنَنْت أَنَّ لَهُ بِهَا حَاجَة ، فَأَخَذْتهَا فَمَضَغْت رَأْسهَا وَنَفَضْتهَا فَدَفَعْتهَا إِلَيْهِ " .(1/20)
قَوْله : ( يَسْتَنّ بِهِ )أَيْ يَسْتَاك ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : أَصْله مِنْ السَّنّ أَيْ بِالْفَتْحِ ، وَمِنْهُ الْمِسَنّ الَّذِي يُسَنّ عَلَيْهِ الْحَدِيد .قَوْله : ( فَأَبَّدَهُ )بِتَشْدِيدِ الدَّال أَيْ مَدّ نَظَره إِلَيْهِ ، يُقَال أَبَّدْت فُلَانًا النَّظَر إِذَا طَوَّلْته إِلَيْهِ ، وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " فَأَمَدَّهُ " بِالْمِيمِ .(1/21)
قَوْله : ( فَقَضِمْتُهُ )بِفَتْحِ الْقَاف وَكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة أَيْ مَضَغْته ، وَالْقَضْم الْأَخْذ بِطَرَفِ الْأَسْنَان ، يُقَال : قَضِمَتْ الدَّابَّة بِكَسْرِ الضَّاد شَعِيرهَا تَقْضَم بِالْفَتْحِ إِذَا مَضَغَتْهُ وَحَكَى عِيَاض أَنَّ الْأَكْثَر رَوَوْهُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة أَيْ كَسَرْته أَوْ قَطَعْته ، وَحَكَى اِبْن التِّين رِوَايَة بِالْفَاءِ وَالْمُهْمَلَة ، قَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ : إِنْ كَانَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة فَيَكُون قَوْلهَا : " فَطَيَّبْته " تَكْرَارًا وَإِنْ كَانَ بِالْمُهْمَلَةِ فَلَا لِأَنَّهُ يَصِير الْمَعْنَى كَسَرْته لِطُولِهِ ، أَوْ لِإِزَالَةِ الْمَكَان الَّذِي تَسَوَّكَ بِهِ عَبْد الرَّحْمَن .قَوْله : ( ثُمَّ لَيَّنْته ثُمَّ طَيَّبْته ) أَيْ بِالْمَاءِ وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون طَيَّبْته تَأْكِيدًا لِلَيَّنْتُهُ ، وَسَيَأْتِي مِنْ رِوَايَة ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَة " فَقُلْت آخُذهُ لَك ؟ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَتَنَاوَلْته فَأَدْخَلْته فِي فِيهِ فَاشْتَدَّ ، فَتَنَاوَلْته فَقُلْت : أُلَيِّنهُ لَك ؟ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ " وَيُؤْخَذ مِنْهُ الْعَمَل بِالْإِشَارَةِ عِنْد الْحَاجَة إِلَيْهَا ، وَقُوَّة فِطْنَة عَائِشَة .قَوْله : ( وَنَفَضْته )بِالْفَاءِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة ، وَقَوْله : ( فِيمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ ) أَيْ مِنْ السِّوَاك .قَوْله : ( وَكَانَتْ تَقُول : مَاتَ وَرَأْسه بَيْن حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي )وَفِي رِوَايَة ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَة " تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي ، وَفِي يَوْمِي ، وَبَيْن سَحْرِي وَنَحْرِي ، وَإِنَّ اللَّه جَمَعَ رِيقِي وَرِيقه عِنْد مَوْته فِي آخِر يَوْم مِنْ الدُّنْيَا " وَالْحَاقِنَة بِالْمُهْمَلَةِ وَالْقَاف : مَا سَفَلَ مِنْ الذَّقَن ، وَالذَّاقِنَة مَا عَلَا مِنْهُ .(1/22)
أَوْ الْحَاقِنَة : نُقْرَة التَّرْقُوَة ، هُمَا حَاقِنَتَانِ . وَيُقَال : إِنَّ الْحَاقِنَة الْمُطْمَئِن مِنْ التَّرْقُوَة وَالْحَلْق . وَقِيلَ مَا دُون التَّرْقُوَة مِنْ الصَّدْر ، وَقِيلَ : هِيَ تَحْت السُّرَّة . وَقَالَ ثَابِت : الذَّاقِنَة طَرَف الْحُلْقُوم : وَالسَّحْر بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْمَلَة هُوَ الصَّدْر ، وَهُوَ فِي الْأَصْل الرِّئَة . وَالنَّحْر بِفَتْحِ النُّون وَسُكُون الْمُهْمَلَة وَالْمُرَاد بِهِ مَوْضِع النَّحْر . وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ : هُوَ مَا بَيْن الثَّدْيَيْنِ . وَالْحَاصِل أَنَّ مَا بَيْن الْحَاقِنَة وَالذَّاقِنَة هُوَ مَا بَيْن السَّحْر وَالنَّحْر ، وَالْمُرَاد أَنَّهُ مَاتَ وَرَأْسه بَيْن حَنَكهَا وَصَدْرهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا .وَهَذَا لَا يُغَايِر حَدِيثهَا الَّذِي قَبْل هَذَا أَنَّ رَأْسه كَانَ عَلَى فَخِذهَا ، لِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَى أَنَّهَا رَفَعَتْهُ مِنْ فَخِذهَا إِلَى صَدْرهَا . وَهَذَا الْحَدِيث يُعَارِض مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِم وَابْن سَعْد مِنْ طُرُق " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَرَأْسه فِي حِجْر عَلِيّ " وَكُلّ طَرِيق مِنْهَا لَا يَخْلُو مِنْ شِيعِيّ ، فَلَا يُلْتَفَت إِلَيْهِمْ . وَقَدْ رَأَيْت بَيَان حَال الْأَحَادِيث الَّتِي أَشَرْت إِلَيْهَا دَفْعًا لِتَوَهُّمِ التَّعَصُّب . قَالَ اِبْن سَعْد : " ذَكَرَ مَنْ قَالَ : تُوُفِّيَ فِي حِجْر عَلِيّ " وَسَاقَ مِنْ حَدِيث جَابِر : سَأَلَ كَعْب الْأَحْبَار عَلِيًّا مَا كَانَ آخَر مَا تَكَلَّمَ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : أَسْنَدْته إِلَى صَدْرِي ، فَوَضَعَ رَأْسه عَلَى مَنْكِبِي فَقَالَ : الصَّلَاة الصَّلَاة . فَقَالَ كَعْب : كَذَلِكَ آخِر عَهْد الْأَنْبِيَاء .(1/23)
وَفِي سَنَده الْوَاقِدِيُّ وَحَرَم بْن عُثْمَان وَهُمَا مَتْرُوكَانِ . وَعَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضه اُدْعُوَا إِلَيَّ أَخِي ، فَدُعِيَ لَهُ عَلِيّ فَقَالَ : اُدْنُ مِنِّي ، قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ مُسْتَنِدًا إِلَيَّ وَإِنَّهُ لِيُكَلِّمنِي حَتَّى نَزَلَ بِهِ . وَثَقُلَ فِي حِجْرِي فَصِحْت : يَا عَبَّاس أَدْرِكْنِي إِنِّي هَالِك ، فَجَاءَ الْعَبَّاس ، فَكَانَ جَهْدهمَا جَمِيعًا أَنْ أَضْجَعَاهُ . فِيهِ اِنْقِطَاع مَعَ الْوَاقِدِيِّ ، وَعَبْد اللَّه فِيهِ لِين . وَبِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن : قُبِضَ وَرَأْسه فِي حِجْر عَلِيّ فِيهِ اِنْقِطَاع . وَعَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الشَّعْبِيّ : مَاتَ وَرَأْسه فِي حِجْر عَلِيّ . فِيهِ الْوَاقِدِيُّ وَالِانْقِطَاع ، وَأَبُو الْحُوَيْرِثِ اِسْمه عَبْد الرَّحْمَن بْن مُعَاوِيَة بْن الْحَارِث الْمَدَنِيّ قَالَ مَالِك : لَيْسَ بِثِقَةٍ ، وَأَبُوهُ لَا يُعْرَف حَاله . وَعَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ بْن الْحُصَيْن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس قَالَ : تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ إِلَى صَدْر عَلِيّ ، قَالَ : فَقُلْت : فَإِنَّ عُرْوَة حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : تُوُفِّيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن سَحْرِي وَنَحْرِي ، فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَقَدْ تُوُفِّيَ وَإِنَّهُ لَمُسْتَنِد إِلَى صَدْر عَلِيّ ، وَهُوَ الَّذِي غَسَّلَهُ وَأَخِي الْفَضْل ، وَأَبَى أَبِي أَنْ يَحْضُر .(1/24)
فِيهِ الْوَاقِدِيُّ ، وَسُلَيْمَان لَا يُعْرَف حَاله ، وَأَبُو غَطَفَانَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة ثُمَّ الْمُهْمَلَة اِسْمه سَعْد وَهُوَ مَشْهُور بِكُنْيَتِهِ ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ . وَأَخْرَجَ الْحَاكِم فِي " الْإِكْلِيل " مِنْ طَرِيق حَبَّة الْعُرَنِيِّ عَنْ عَلِيّ : أَسْنَدْته إِلَى صَدْرِي فَسَالَتْ نَفْسه وَحَبَّة ضَعِيف . وَمِنْ حَدِيث أُمّ سَلَمَة قَالَتْ : عَلِيّ آخِرهمْ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَدِيث عَنْ عَائِشَة أَثْبَت مِنْ هَذَا ، وَلَعَلَّهَا أَرَادَتْ آخِر الرِّجَال بِهِ عَهْدًا . وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنْ يَكُون عَلِيّ آخِرهمْ عَهْدًا بِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقهُ حَتَّى مَالَ فَلَمَّا مَالَ ظَنَّ أَنَّهُ مَاتَ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْد أَنْ تَوَجَّهَ فَأَسْنَدَتْهُ عَائِشَة بَعْده إِلَى صَدْرهَا فَقُبِضَ . وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد مِنْ طَرِيق يَزِيد بْن بَابَنُوس بِمُوَحَّدَتَيْنِ بَيْنهمَا أَلِف غَيْر مَهْمُوز وَبَعْد الثَّانِيَة الْمَفْتُوحَة نُون مَضْمُومَة ثُمَّ وَاو سَاكِنَة ثُمَّ سِين مُهْمَلَة فِي أَثْنَاء حَدِيث " فَبَيْنَمَا رَأْسه ذَات يَوْم عَلَى مَنْكِبِي إِذْ مَالَ رَأْسه نَحْو رَأْسِي فَظَنَنْت أَنَّهُ يُرِيد مِنْ رَأْسِي حَاجَة فَخَرَجَتْ مِنْ فِيهِ نُقْطَة بَارِدَة فَوَقَعَتْ عَلَى ثُغْرَة نَحْرِي فَاقْشَعَرَّ لَهَا جِلْدِي ، وَظَنَنْت أَنَّهُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَسَجَّيْته ثَوْبًا " .
? وقال البخاري =... عن عائشة قالت : مات النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لبين حاقنتي وذاقنتي ، فلا أكره شدة الموت لاحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ...
? - رواه البخاري في كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ...
? - وأخرجه النسائي ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الشعب ...(1/25)
?وقال البخاري =... عن عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
? - رواه البخاري في كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ...
? - وللشيخين= ، البخاري في كتاب فضل القرآن ،باب فضل المعوذتان ؛ ومسلم في كتاب السلام ،باب رقية المريض بالمعوذات والنفث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا ...
?وثبت في الصحيحين من حديث ابي عوانة عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن امرأة فجاءت فاطمة تمشي لا تخطئ مشيتها مشية أبيها فقال: مرحبا بابنتي ...فاقعدها عن يمينه أو شماله ثم سارها بشيء فبكت ، ثم سارها فضحكت ؛ فقلت لها: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرار وأنت تبكين ؟ فلما أن قامت قلت: اخبريتي ما سارك؟ فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم... فلما توفي قلت لها : أسألك لما لي عليك من الحق لما أخبرتيني ... قالت : أما الآن فنعم ، قالت : سارني في الأول قال لي : إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة وقد عارضني في هذا العام مرتين ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي فاتقي الله واصبري فنعم السلف أنا لك ... فبكيت ،ثم سارني فقال : اما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ؟ أو سيدة نساء هذه الأمة ؟ فضحكت...
? - رواه البخاري في كتاب المناقب باب علامات النبوة في الإسلام(1/26)
? - ومسلم في كتاب الفضائل ، باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام
? - ولاواه أحمد ، وابن ماجه ، والنسائي في الكبرى ، والطبراني في الكبير ، والبيهقي في الدلائل ، وأبو يعلى في مسنده
? وقد روى البخاري = ... عن عائشة قالت : لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فجعل يشير الينا أن لا تلدوني، فقلنا : كراهية المريض للدواء ؛ فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن لا تلدوني ؟ قلنا: كراهية المريض للدواء ... فقال : لا يبقى أحد في البيت إلا لد وانا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم....
? - رواه البخاري في كتاب المغازي ، باب باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ؛ وفي كتاب الطب ،باب اللدود ؛ وفي كتاب الديات ، باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات...
? - ومسلم في كتاب السلام ، باب كراهة التداوي باللدود ...
- وأخرجه أحمد ، والنسائي في الكبيرى ، وابي حبان...
? شرح : - لددناه : جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره
- اللد : لد المريض : أخذ بلسانه فمده إلى أحد شقي الفم وصب الدواء في الشق الآخر
? وقال البخاري = ...عن عائشة ،كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم../ هكذا ذكره البخاري معلقا ، وقد أسنده الحافظ البيهقي /
? - رواه البخاري في كتاب المغازي ، بَاب مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَفَاتِهِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } (الزمر : 30 -31 )(1/27)
? - ورواه الحاكم و البيهقي في الدلائل ، وذكره أبو داود في حديث أبي هريرة في قصة الشاة المسمومة ، قال : ثُمَّ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ : مَازِلْتُ أَجِدُ مِنْ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي ... وله ولأحمد : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّ أُمَّ مُبَشِّرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَقَالَتْ : بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَتَّهِمُ بِنَفْسِكَ فَإِنِّي لَا أَتَّهِمُ إِلَّا الطَّعَامَ الَّذِي أَكَلَ مَعَكَ بِخَيْبَرَ وَكَانَ ابْنُهَا مَاتَ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : وَأَنَا لَا أَتَّهِمُ غَيْرَهُ هَذَا أَوَانُ قَطْعِ أَبْهَرِي ...
? شرح : الأبهر : عرق في الصلب أو في الذراع أو بباطن القلب تتشعب منه سائر الشرايين إذا انقطع مات صاحبه
? وقال البيهقي = ... عن عبد الله بن مسعود قال : لئن أحلف تسعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا أحب الي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل وذلك أن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا ..
? - ورواه أحمد ، وعبد الرزاق ، والطبرابي غي الكبير ، والبيهقي في الدلائل ، والحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ...(1/28)
? وقال البخاري = ...عن عبد الله بن عباس أن علي بن أبي طالب خرج من عند رسول الله في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس : يا أبا الحسن ،كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال :أصبح بحمد الله بارئا ... فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا ، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت ؛ اذهب بنا الى رسول الله فلنسأله فيمن هذا الأمر؟ إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه فأوضى بنا ...فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده ، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم .../ انفرد به البخاري.
?- رواه البخاري في كتاب المغازي ، باب باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ؛ وفي كتاب الإستئذان ، باب المعانقة وقول الرجل كيف أصبحت ؟ ...
? - ورواه النسائي في السنن الكبرى ، والبيهقي في الكبرى والدلائل ...(1/29)
? شرح : قَوْله : ( أَنْتَ وَاَللَّه بَعْد ثَلَاث عَبْد الْعَصَا ) هُوَ كِنَايَة عَمَّنْ يَصِير تَابِعًا لِغَيْرِهِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَمُوت بَعْد ثَلَاث وَتَصِير أَنْتَ مَأْمُورًا عَلَيْك ، وَهَذَا مِنْ قُوَّة فِرَاسَة الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .قَوْله : ( لَأَرَى ) بِفَتْحِ الْهَمْزَة مِنْ الِاعْتِقَاد وَبِضَمِّهَا بِمَعْنَى الظَّنّ ، وَهَذَا قَالَهُ الْعَبَّاس مُسْتَنِدًا إِلَى التَّجْرِبَة ، لِقَوْلِهِ بَعْد ذَلِكَ . " إِنِّي لَأَعْرِف وُجُوه بَنِي عَبْد الْمُطَّلِب عِنْد الْمَوْت " وَذَكَر اِبْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْم قُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .قَوْله : ( هَذَا الْأَمْر ) أَيْ الْخِلَافَة . وَفِي مُرْسَل الشَّعْبِيّ عِنْد اِبْن سَعْد " فَنَسْأَلهُ مَنْ يَسْتَخْلِف ، فَإِنْ اِسْتَخْلَفَ مِنَّا فَذَاكَ " .قَوْله : ( فَأَوْصَى بِنَا ) فِي مُرْسَل الشَّعْبِيّ " وَإِلَّا أَوْصَى بِنَا فَحُفِظْنَا مِنْ بَعْده " وَلَهُ مِنْ طَرِيق أُخْرَى " فَقَالَ عَلِيّ : وَهَلْ يَطْمَع فِي هَذَا الْأَمْر غَيْرنَا . قَالَ : أَظُنّ وَاَللَّه سَيَكُونُ " .قَوْله : ( لَا يُعْطِينَاهَا النَّاس بَعْده )أَيْ يَحْتَجُّونَ عَلَيْهِمْ بِمَنْعِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَة لِابْنِ سَعْد .(1/30)
قَوْله : ( لَا أَسْأَلهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )أَيْ لَا أَطْلُبهَا مِنْهُ ، وَزَادَ اِبْن سَعْد فِي مُرْسَل الشَّعْبِيّ فِي آخِره " فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَبَّاس لِعَلِيٍّ : اُبْسُطْ يَدك أُبَايِعك تُبَايِعك النَّاس ، فَلَمْ يَفْعَل " وَزَادَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ قَالَ : " قَالَ الشَّعْبِيّ : لَوْ أَنَّ عَلِيًّا سَأَلَهُ عَنْهَا كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ مَاله وَوَلَده " وَرُوِّينَاهُ فِي " فَوَائِد أَبِي الطَّاهِر الذُّهْلِيِّ " بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى قَالَ : " سَمِعْت عَلِيًّا يَقُول : لَقِيَنِي الْعَبَّاس - فَذَكَرَ نَحْو الْقِصَّة الَّتِي فِي هَذَا الْحَدِيث بِاخْتِصَارٍ وَفِي آخِرهَا - قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا يَقُول بَعْد ذَلِكَ : يَا لَيْتَنِي أَطَعْت عَبَّاسًا ، يَا لَيْتَنِي أَطَعْت عَبَّاسًا " وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : " كَانَ مَعْمَر يَقُول لَنَا :أَيّهمَا كَانَ أَصْوَب رَأْيًا ؟ فَنَقُول الْعَبَّاس.فَيَأْبَى وَيَقُول : لَوْ كَانَ أَعْطَاهَا عَلِيًّا فَمَنَعَهُ النَّاس لَكَفَرُوا " .
?وقال البخاري = ... عن سعيد بن جبير قال، قال ابن عباس : يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال : ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ...فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبي تنازع ... فقالوا: ما شأنه يهجر؟ استفهموه ... فذهبوا يردون عنه ، فقال: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني اليه ...فأوصاهم بثلاث قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، وسكت عن الثالثة- أو قال فنسيتها...(1/31)
? ثم قال البخاري =... عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم:: هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ... فقال بعضهم إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله... فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ، ومنهم من يقول غير ذلك ...فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا ... قال عبيد الله قال ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم...
? وهذا الحديث مما قد توهم به بعض الأغبياء من أهل البدع من الشيعة وغيرهم كل مدع أنه كان يريد أن يكتب في ذلك الكتاب ما يرمون اليه من مقالاتهم وهذا هو التمسك بالمتشابه وترك المحكم وأهل السنة يأخذون بالمحكم ويردون ما تشابه اليه وهذه طريقة الراسخين في العلم كما وصفهم الله عز وجل في كتابه وهذا الموضع مما زل فيه اقدام كثير من أهل الضلالات أما أهل السنة فليس لهم مذهب إلا اتباع الحق يدورون معه كيفما دار وهذا الذي كان يريد عليه الصلاة والسلام أن يكتبه قد جاء في الأحاديث الصحيحة التصريح بكشف المراد منه فإنه قد قال الامام احمد حدثنا مؤمل ثنا نافع عن ابن عمرو ثنا ابن أبي مليكة عن عائشة قالت لما كان وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قبض فيه قال ادعو لي أبا بكر وابنه لكي لا يطمع في أمر أبي بكر طامع ولا يتمناه متمن ثم قال يأبى الله ذلك والمؤمنون مرتين قالت عائشة فأبى الله ذلك والمؤمنون انفرد به احمد من هذا الوجه ....
? شرح : قال ابن حجر رحمه الله :(1/32)
- قَوْله : ( يَوْم الْخَمِيس ) هُوَ خَبَر لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوف أَوْ عَكْسه ، وَقَوْله : " وَمَا يَوْم الْخَمِيس " يُسْتَعْمَل عِنْد إِرَادَة تَفْخِيم الْأَمْر فِي الشِّدَّة وَالتَّعَجُّب مِنْهُ ، زَادَ فِي أَوَاخِر الْجِهَاد مِنْ هَذَا الْوَجْه " ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَّبَ دَمْعه الْحَصَى " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق طَلْحَة بْن مُصَرِّف عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر " ثُمَّ جَعَلَ تَسِيل دُمُوعه حَتَّى رَأَيْتهَا عَلَى خَدَّيْهِ كَأَنَّهَا نِظَام اللُّؤْلُؤ " وَبُكَاء اِبْن عَبَّاس يَحْتَمِل لِكَوْنِهِ تَذَكَّرَ وَفَاة رَسُول اللَّه فَتَجَدَّدَ لَهُ الْحُزْن عَلَيْهِ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِنْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مَا فَاتَ فِي مُعْتَقَده مِنْ الْخَيْر الَّذِي كَانَ يَحْصُل لَوْ كَتَبَ ذَلِكَ الْكِتَاب ، وَلِهَذَا أَطْلَقَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنَّ ذَلِكَ رَزِيَّة ، ثُمَّ بَالَغَ فِيهَا فَقَالَ : كُلّ الرَّزِيَّة ...
- قَوْله : ( اِشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعه ) زَادَ فِي الْجِهَاد " يَوْم الْخَمِيس " وَهَذَا يُؤَيِّد أَنَّ اِبْتِدَاء مَرَضه ، كَانَ قَبْل ذَلِكَ ، وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة " لَمَّا حُضِرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بِضَمِّ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة أَيْ حَضَرَهُ الْمَوْت ، وَفِي إِطْلَاق ذَلِكَ تَجَوُّز ، فَإِنَّهُ عَاشَ بَعْد ذَلِكَ إِلَى يَوْم الِاثْنَيْنِ .
- قَوْله : ( كِتَابًا ) قِيلَ هُوَ تَعْيِين الْخَلِيفَة بَعْده ، وَسَيَأْتِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَاب الْأَحْكَام فِي " بَابِ الِاسْتِخْلَاف " مِنْهُ .(1/33)
- قَوْله : ( لَنْ تَضِلُّوا ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ " لَا تَضِلُّونَ " وَتَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ وَكَذَا فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهه .
- قَوْله : ( وَلَا يَنْبَغِي عِنْد نَبِيّ تَنَازُع ) هُوَ مِنْ جُمْلَة الْحَدِيث الْمَرْفُوع ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُدْرَجًا مِنْ قَوْل اِبْن عَبَّاس . وَالصَّوَاب الْأَوَّل ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْم بِلَفْظِ " لَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُع " .(1/34)
- قَوْله : ( فَقَالُوا مَا شَأْنه ؟ أَهَجَرَ ؟) بِهَمْزَةٍ لِجَمِيعِ رُوَاة الْبُخَارِيّ ، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي فِي الْجِهَاد بِلَفْظِ " فَقَالُوا هَجَرَ " بِغَيْرِ هَمْزَة ، وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَاكَ " فَقَالُوا هَجَرَ ، هَجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَعَادَ هَجَرَ مَرَّتَيْنِ . قَالَ عِيَاض : مَعْنَى أَهْجَرَ أَفْحَشَ ، يُقَال هَجَرَ الرَّجُل إِذَا هَذَى ، وَأَهْجَرَ إِذَا أَفْحَشَ . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِم أَنْ يَكُون بِسُكُونِ الْهَاء وَالرِّوَايَات كُلّهَا إِنَّمَا هِيَ بِفَتْحِهَا ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عِيَاض وَغَيْره عَلَى هَذَا الْمَوْضِع فَأَطَالُوا ، وَلَخَصَّهُ الْقُرْطُبِيّ تَلْخِيصًا حَسَنًا ثُمَّ لَخَّصْته مِنْ كَلَامه ، وَحَاصِله أَنَّ قَوْله هَجَرَ الرَّاجِح فِيهِ إِثْبَات هَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَبِفَتَحَاتٍ عَلَى أَنَّهُ فِعْل مَاضٍ ، قَالَ : وَلِبَعْضِهِمْ أَهُجْرًا بِضَمِّ الْهَاء وَسُكُون الْجِيم وَالتَّنْوِين عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول بِفِعْلٍ مُضْمِر أَيْ قَالَ هُجْرًا ، وَالْهُجْر بِالضَّمِّ ثُمَّ السُّكُون الْهَذَيَان وَالْمُرَاد بِهِ هُنَا مَا يَقَع مِنْ كَلَام الْمَرِيض الَّذِي لَا يَنْتَظِم وَلَا يُعْتَدّ بِهِ لِعَدَمِ فَائِدَته .(1/35)
وَوُقُوع ذَلِكَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَحِيل لِأَنَّهُ مَعْصُوم فِي صِحَّته وَمَرَضه لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى ) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَا أَقُول فِي الْغَضَب وَالرِّضَا إِلَّا حَقًّا " وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا قَالَهُ مَنْ قَالَهُ مُنْكِرًا عَلَى مَنْ يُوقَف فِي اِمْتِثَال أَمْره بِإِحْضَارِ الْكَتِف وَالدَّوَاة فَكَأَنَّهُ قَالَ : كَيْفَ تَتَوَقَّف أَتَظُنُّ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ يَقُول الْهَذَيَان فِي مَرَضه ؟ اِمْتَثِلْ أَمْره وَأَحْضِرْهُ مَا طَلَبَ فَإِنَّهُ لَا يَقُول إِلَّا الْحَقّ ، قَالَ : هَذَا أَحْسَن الْأَجْوِبَة ، قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنَّ بَعْضهمْ قَالَ ذَلِكَ عَنْ شَكّ عَرَضَ لَهُ ، وَلَكِنْ يُبْعِدهُ أَنْ لَا يُنْكِرهُ الْبَاقُونَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنهمْ مِنْ كِبَار الصَّحَابَة ، وَلَوْ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ لَنُقِلَ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الَّذِي قَالَ ذَلِكَ صَدَرَ عَنْ دَهَش وَحَيْرَة كَمَا أَصَابَ كَثِيرًا مِنْهُمْ عِنْد مَوْته ، وَقَالَ غَيْره : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَائِل ذَلِكَ أَرَادَ أَنَّهُ اِشْتَدَّ وَجَعه فَأَطْلَقَ اللَّازِم وَأَرَادَ الْمَلْزُوم ، لِأَنَّ الْهَذَيَان الَّذِي يَقَع لِلْمَرِيضِ يَنْشَأ عَنْ شِدَّة وَجَعه . وَقِيلَ : قَالَ ذَلِكَ لِإِرَادَةِ سُكُوت الَّذِينَ لَغَطُوا وَرَفَعُوا أَصْوَاتهمْ عِنْده ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيه وَيُفْضِي فِي الْعَادَة إِلَى مَا ذُكِرَ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْله أَهْجَرَ فِعْلًا مَاضِيًا مِنْ الْهَجْر بِفَتْحِ الْهَاء وَسُكُون الْجِيم وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَيْ الْحَيَاة ، وَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي مُبَالَغَة لِمَا رَأَى مِنْ عَلَامَات الْمَوْت .(1/36)
قُلْت : وَيَظْهَر لِي تَرْجِيح ثَالِث الِاحْتِمَالَات الَّتِي ذَكَرهَا الْقُرْطُبِيّ وَيَكُون قَائِل ذَلِكَ بَعْض مَنْ قَرُبَ دُخُوله فِي الْإِسْلَام وَكَانَ يَعْهَد أَنَّ مَنْ اِشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَع قَدْ يَشْتَغِل بِهِ عَنْ تَحْرِير مَا يُرِيد أَنْ يَقُولهُ لِجَوَازِ وُقُوع ذَلِكَ ، وَلِهَذَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة " فَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّهُ قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَع " وَوَقَعَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن خَلَّادٍ عَنْ سُفْيَان فِي هَذَا الْحَدِيث " فَقَالُوا مَا شَأْنه يَهْجُر ، اِسْتَفْهِمُوهُ " وَعَنْ اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر " أَنَّ نَبِيّ اللَّه لَيَهْجُر " ، وَيُؤَيِّدهُ أَنَّهُ بَعْد أَنْ قَالَ ذَلِكَ اِسْتَفْهَمُوهُ بِصِيغَةِ الْأَمْر بِالِاسْتِفْهَامِ أَيْ اِخْتَبِرُوا أَمْرَهُ بِأَنْ يَسْتَفْهِمُوهُ عَنْ هَذَا الَّذِي أَرَادَهُ وَابْحَثُوا مَعَهُ فِي كَوْنه الْأَوْلَى أَوْ لَا . وَفِي قَوْله فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة : " فَاخْتَصَمُوا ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول: قَرِّبُوا يَكْتُب لَكُمْ " مَا يُشْهِر بِأَنَّ بَعْضهمْ كَانَ مُصَمِّمًا عَلَى الِامْتِثَال وَالرَّدّ عَلَى مَنْ اِمْتَنَعَ مِنْهُمْ ، وَلَمَّا وَقَعَ مِنْهُمْ الِاخْتِلَاف اِرْتَفَعَتْ الْبَرَكَة كَمَا جَرَتْ الْعَادَة بِذَلِكَ عِنْد وُقُوع التَّنَازُع وَالتَّشَاجُر .(1/37)
وَقَدْ مَضَى فِي الصِّيَام أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرهُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْر فَرَأَى رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فَرُفِعَتْ ، قَالَ الْمَازِرِيُّ : إِنَّمَا جَازَ لِلصَّحَابَةِ الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الْكِتَاب مَعَ صَرِيح أَمْره لَهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَامِر قَدْ يُقَارِنهَا مَا يَنْقُلهَا مِنْ الْوُجُوب ، فَكَأَنَّهُ ظَهَرَتْ مِنْهُ قَرِينَة دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَمْر لَيْسَ عَلَى التَّحَتُّم بَلْ عَلَى الِاخْتِيَار فَاخْتَلَفَ اِجْتِهَادهمْ ، وَصَمَّمَ عُمَر عَلَى الِامْتِنَاع لِمَا قَامَ عِنْده مِنْ الْقَرَائِن بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ عَنْ غَيْر قَصْد جَازِم ، وَعَزْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِمَّا بِالْوَحْيِ وَإِمَّا بِالِاجْتِهَادِ ، وَكَذَلِكَ تَرْكه إِنْ كَانَ بِالْوَحْيِ فَبِالْوَحْيِ وَإِلَّا فَبِالِاجْتِهَادِ أَيْضًا ، وَفِيهِ حُجَّة لِمَنْ قَالَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الِاجْتِهَاد فِي الشَّرْعِيَّات . وَقَالَ النَّوَوِيّ : اِتَّفَقَ قَوْل الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ قَوْل عُمَر " حَسْبنَا كِتَاب اللَّه " مِنْ قُوَّة فِقْهه وَدَقِيق نَظَره ، لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكْتُب أُمُورًا رُبَّمَا عَجَزُوا عَنْهَا فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَة لِكَوْنِهَا مَنْصُوصَة ، وَأَرَادَ أَنْ لَا يَنْسَدّ بَاب الِاجْتِهَاد عَلَى الْعُلَمَاء . وَفِي تَرْكه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَار عَلَى عُمَر إِشَارَة إِلَى تَصْوِيبه رَأْيه ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ : " حَسْبنَا كِتَاب اللَّه " إِلَى قَوْله تَعَالَى : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) .(1/38)
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَصَدَ التَّخْفِيف عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ شِدَّة الْكَرْب ، وَقَامَتْ عِنْده قَرِينَة بِأَنَّ الَّذِي أَرَادَ كِتَابَته لَيْسَ مِمَّا لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ ، إِذْ لَوْ كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيل لَمْ يَتْرُكهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَجْلِ اِخْتِلَافهمْ ، وَلَا يُعَارِض ذَلِكَ قَوْل اِبْن عَبَّاس إِنَّ الرَّزِيَّة ... إِلَخْ ، لِأَنَّ عُمَر كَانَ أَفْقَه مِنْهُ قَطْعًا . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَمْ يَتَوَهَّم عُمَر الْغَلَط فِيمَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيد كِتَابَته ، بَلْ اِمْتِنَاعه مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ لَمَّا رَأَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْكَرْب وَحُضُور الْمَوْت خَشِيَ أَنْ يَجِد الْمُنَافِقُونَ سَبِيلًا إِلَى الطَّعْن فِيمَا يَكْتُبهُ وَإِلَى حَمْله عَلَى تِلْكَ الْحَالَة الَّتِي جَرَتْ الْعَادَة فِيهَا بِوُقُوعِ بَعْض مَا يُخَالِف الِاتِّفَاق فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب تَوَقُّف عُمَر ، لَا أَنَّهُ تَعَمَّدَ مُخَالَفَة قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا جَوَاز وُقُوع الْغَلَط عَلَيْهِ حَاشَا وَكَلَّا . ... ،
- وَقَوْله : " وَقَدْ ذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَنْهُ " يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد يَرُدُّونَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدُوا عَلَيْهِ مَقَالَته وَيَسْتَثْبِتُونَهُ فِيهَا ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد يَرُدُّونَ عَنْهُ الْقَوْل الْمَذْكُور عَلَى مَنْ قَالَهُ .(1/39)
- قَوْله : فَقَالَ : ( دَعُونِي : فَاَلَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْر مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ وَغَيْره : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى دَعُونِي فَاَلَّذِي أُعَايِنهُ مِنْ كَرَامَة اللَّه الَّتِي أَعَدَّهَا لِي بَعْد فِرَاق الدُّنْيَا خَيْر مِمَّا أَنَا فِيهِ فِي الْحَيَاة ، أَوْ أَنَّ الَّذِي أَنَا فِيهِ مِنْ الْمُرَاقَبَة وَالتَّأَهُّب لِلِقَاءِ اللَّه وَالتَّفَكُّر فِي ذَلِكَ وَنَحْوه أَفْضَل مِنْ الَّذِي تَسْأَلُونَنِي فِيهِ مِنْ الْمُبَاحَثَة عَنْ الْمَصْلَحَة فِي الْكِتَابَة أَوْ عَدَمهَا . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى فَإِنَّ اِمْتِنَاعِي مِنْ أَنْ أَكْتُب لَكُمْ خَيْر مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَة . قُلْت : وَيَحْتَمِل عَكْسه أَيْ الَّذِي أَشَرْت عَلَيْكُمْ بِهِ مِنْ الْكِتَابَة خَيْر مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ مِنْ عَدَمهَا بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِر ، وَعَلَى الَّذِي قَبْله كَانَ ذَلِكَ الْأَمْر اِخْتِبَارًا وَامْتِحَانًا فَهَدَى اللَّه عُمَر لِمُرَادِهِ وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَى غَيْره .(1/40)
وَأَمَّا قَوْل اِبْن بَطَّال : عُمَر أَفْقَه مِنْ اِبْن عَبَّاس حَيْثُ اِكْتَفَى بِالْقُرْآنِ وَلَمْ يَكْتَفِ اِبْن عَبَّاس بِهِ ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِطْلَاق ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ بِجَيِّدٍ ؛ فَإِنَّ قَوْل عُمَر : " حَسْبنَا كِتَاب اللَّه " لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ عَنْ بَيَان السُّنَّة ، بَلْ لِمَا قَامَ عِنْده مِنْ الْقَرِينَة ، وَخَشِيَ مِنْ الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَى كِتَابَة الْكِتَاب مِمَّا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَيْهِ ، فَرَأَى أَنَّ الِاعْتِمَاد عَلَى الْقُرْآن لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء مِمَّا خَشِيَهُ ، وَأَمَّا اِبْن عَبَّاس فَلَا يُقَال فِي حَقّه لَمْ يَكْتَفِ بِالْقُرْآنِ مَعَ كَوْنه حَبْر الْقُرْآن وَأَعْلَم النَّاس بِتَفْسِيرِهِ وَتَأْوِيله ، وَلَكِنَّهُ أَسِفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْبَيَان بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِنْبَاط وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَسَيَأْتِي فِي كَفَّارَة الْمَرَض فِي هَذَا الْحَدِيث زِيَادَة لِابْنِ عَبَّاس وَشَرْحهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
- قَوْله : ( وَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ ) أَيْ فِي تِلْكَ الْحَالَة ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَكْتُبهُ لَمْ يَكُنْ أَمْرًا مُتَحَتِّمًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكهُ لِوُقُوعِ اِخْتِلَافهمْ ، وَلَعَاقَبَ اللَّه مَنْ حَالَ بَيْنه وَبَيْن تَبْلِيغه ، وَلَبَلَّغَهُ لَهُمْ لَفْظًا كَمَا أَوْصَاهُمْ بِإِخْرَاجِ الْمُشْرِكِينَ وَغَيْر ذَلِكَ ، وَقَدْ عَاشَ بَعْد هَذِهِ الْمَقَالَة أَيَّامًا وَحَفِظُوا عَنْهُ أَشْيَاء لَفْظًا ، فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَجْمُوعهَا مَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَجَزِيرَة الْعَرَب تَقَدَّمَ بَيَانهَا فِي كِتَاب الْجِهَاد .(1/41)
- وَقَوْله : " أَجِيزُوا الْوَفْد " أَيْ أَعْطَوْهُمْ ، وَالْجَائِزَة الْعَطِيَّة ، وَقِيلَ أَصْله أَنَّ نَاسًا وَفَدُوا عَلَى بَعْض الْمُلُوك وَهُوَ قَائِم عَلَى قَنْطَرَة فَقَالَ : أَجِيزُوهُمْ فَصَارُوا يُعْطُونَ الرَّجُل وَيُطْلِقُونَهُ فَيَجُوز عَلَى الْقَنْطَرَة مُتَوَجِّهًا فَسُمِّيَتْ عَطِيَّة مَنْ يَقْدَم عَلَى الْكَبِير جَائِزَة ، وَتُسْتَعْمَل أَيْضًا فِي إِعْطَاء الشَّاعِر عَلَى مَدْحه وَنَحْو ذَلِكَ .
- وَقَوْله بِنَحْوِ : " مَا كُنْت أُجِيزهُمْ " أَيْ بِقَرِيبٍ مِنْهُ ، وَكَانَتْ جَائِزَة الْوَاحِد عَلَى عَهْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُقِيَّة مِنْ فِضَّة وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا .(1/42)
- قَوْله : ( وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثَة أَوْ قَالَ : فَنَسِيتهَا ) يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْقَائِل ذَلِكَ هُوَ سَعِيد بْن جُبَيْر ، ثُمَّ وَجَدْت عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ التَّصْرِيح بِأَنَّ قَائِل ذَلِكَ هُوَ اِبْن عُيَيْنَةَ . وَفِي " مُسْنَد الْحُمَيْدِيِّ " وَمِنْ طَرِيقه أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " : قَالَ سُفْيَان : قَالَ سُلَيْمَان أَيْ اِبْن أَبِي مُسْلِم : لَا أَدْرِي أَذَكَرَ سَعِيد بْن جُبَيْر الثَّالِثَة فَنَسِيتهَا أَوْ سَكَتَ عَنْهَا . وَهَذَا هُوَ الْأَرْجَح ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ : الثَّالِثَة الْوَصِيَّة بِالْقُرْآنِ ، وَبِهِ جَزَمَ اِبْن التِّين ... وَقَالَ الْمُهَلَّب : بَلْ هُوَ تَجْهِيز جَيْش أُسَامَة ، وَقَوَّاهُ اِبْن بَطَّال بِأَنَّ الصَّحَابَة لَمَّا اِخْتَلَفُوا عَلَى أَبِي بَكْر فِي تَنْفِيذ جَيْش أُسَامَة قَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْر : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ بِذَلِكَ عِنْد مَوْته . وَقَالَ عِيَاض : يَحْتَمِل أَنْ تَكُون هِيَ قَوْله : " وَلَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَنًا " فَإِنَّهَا ثَبَتَتْ فِي الْمُوَطَّأ مَقْرُونَة بِالْأَمْرِ بِإِخْرَاجِ الْيَهُود ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَا وَقَعَ فِي حَدِيث أَنَس أَنَّهَا قَوْله : " الصَّلَاة وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " .
? وقال احمد =... عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن ابي بكر: ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه احد ... فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال: أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا ابا بكر / انفرد به احمد من هذا الوجه ايضا ...(1/43)
? وروى البخاري =... عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد هممت أن ارسل الى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى متمنون ... فقال: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون ...
َ ? رواه البخاري في كتاب المرضى ، باب قول المريض إني وجع أو وا رأساه أو اشتد بي الوجع ...؛ وفي كتاب الأحكام ، باب الإستخلاف ...
? َوأخرجه أحمد ، ولفظه : حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : لَمَّا كَانَ وَجَعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ قَالَ : ادْعُوا لِي أَبَا بَكْرٍ وَابْنَهُ فَلْيَكْتُبْ لِكَيْلَا يَطْمَعَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ طَامِعٌ وَلَا يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ ... ثُمَّ قَالَ : يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ ... مَرَّتَيْنِ ، وقَالَ مُؤَمَّلٌ مَرَّةً : وَالْمُؤْمِنُونَ ... قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ ، و قَالَ مُؤَمَّلٌ مَرَّةً : وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَبِي فَكَانَ أَبِي .
? وفي الصحيحين من حديث ابراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : أتت امرأة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع اليه فقالت: ارأيت إن جئت ولم أجدك ؟ كأنها تقول الموت ، قال : إن لم تجديني فات أبا بكر ...(1/44)
?والظاهر والله أعلم أنها إنما قالت ذلك له صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه صلوات الله وسلامه عليه وقد خطب عليه الصلاة والسلام في يوم الخميس قبل أن يقبض عليه السلام بخمس أيام خطبة عظيمة بين فيها فضل الصديق من سائر الصحابة مع ما كان قد نص عليه أن يؤم الصحابة أجمعين كما سيأتي بيانه مع حضورهم كلهم ولعل خطبته هذه كانت عوضا عما أراد أن يكتبه في الكتاب وقد اغتسل عليه السلام بين يدي هذه الخطبة الكريمة فصبوا عليه من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن وهذا من باب الاستشفاء بالسبع كما وردت بها الأحاديث في غير هذا الموضع والمقصود أنه عليه السلام اغتسل ثم خرج فصلى بالناس ثم خطبهم كما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها ...
? َرواه البخاري في كتاب المناقب ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا...؛ وفي كتاب الأحكام ، باب الإستخلاف ...
? ورواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ؛ ولفظه : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ ؟ قَالَ أَبِي كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ ؛ قَالَ : فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ...
ذكر الاحاديث الواردة في ذلك(1/45)
? قال البيهقي = ... عن أيوب بن بشير أن رسول الله قال في مرضه : أفيضوا علي من سبع قرب من سبع آبار شتى حتى أخرج فأعهد الى الناس ... ففعلوا ، فخرج ، فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد الله والثناء عليه ذكر أصحاب أحد فاستغفر لهم ودعا لهم ثم قال: يا معشر المهاجرين إنكم اصبحتم تزيدون والأنصار على هيئتها لا تزيد وإنهم عيبتي التي أوتيت اليها فأكرموا كريمهم وتجاوزوا من مسيئهم... ثم قال عليه السلام : ايها الناس إن عبدا من عباد الله قد خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله... ففهمها أبو بكر رضي الله عنه من بين الناس فبكى وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا وأموالهنا... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلك يا أبا بكر ، انظروا إلى هذه الأبواب الشارعة في المسجد فسدوها إلا ما كان من بيت أبي بكر فاني لا أعلم أحدا عندي أفضل في الصحبة منه .../ هذا مرسل له شواهد كثيرة ...
? وقال الواقدي= ...عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : خرج رسول الله عاصبا رأسه بخرقة فلما استوى على المنبر تحدق الناس بالمنبر واستكفوا فقال : والذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة ... ثم تشهد ، فلما قضى تشهده كان أول ما تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد ثم قال: إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار العبد ما عند الله .... فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه... وقال : بأبي وأمي، نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا...فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخبر، وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم ،وجعل رسول الله يقول له : على رسلك .(1/46)
?وقال الامام احمد = عن أبي سعيد قال خطب رسول الله الناس فقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله ... قال فبكى أبو بكر ؛ قال فتعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد، فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به... فقال رسول الله : إن أمنّ الناس على في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير ربى لاتخذت ابا بكر خليلا ، ولكن خلى الاسلام ومودته ، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر...
? رواه البخاري في كتاب الصلاة ، باب الخوخة والممر في المسجد ؛ وفي كتاب المناقب ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر ؛ و باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة...ومن ألفاظه :... عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ ... فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ إِنْ يَكُنْ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْعَبْدَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا ...قَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، لَا تَبْكِ ... إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ ..(1/47)
? ورواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه... وروى طرفا منه عن عَبْدِ اللَّهِ بْنٍِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي وَقَدْ اتَّخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا
?وقال الامام احمد ...= عن ابن أبي المعلى عن أبيه أن رسول الله خطب يوما فقال: إن رجلا خيره ربه بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها ، يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها ، وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه ... فبكى أبو بكر ؛ فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تعجبون من هذا الشيخ، أن ذكر رسول الله رجلا صالحا خيره ربه بين البقاء في الدنيا وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه ؟ فكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله ، فقال أبو بكر : بل نفديك بأموالنا وأبنائنا... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من الناس أحد أمنّ علينا في صحبته وذات يده من ابن أبي قحافة، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة، ولكن ود وإخاء وإيمان ، ولكن ود وإخاء وإيمان... مرتين، وإن صاحبكم خليل الله عز وجل .../تفرد به احمد .. قالوا وصوابه أبو سعيد بن المعلى ...فالله أعلم...
((1/48)
ورواه الترمذي ، وقال : وفي الباب عن أبي سعيد وهذا حديث حسن غريب وقد روي هذا الحديث عن أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير بإسناد غير هذا ...والطبراني في الكبير ،والبيهقي في الدلائل ، وقال : وهذا الذي رواه أبو سعيد الخدري ، وأبو المعلى الأنصاري في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنما كان ذلك حين خرج في مرضه بعدما اغتسل ليعهد إلى الناس والذي يدل على ذلك = ... عن ابن عباس قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة ، فصعد المنبر ، وحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : « إنه ليس من الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من أبي بكر ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن خلة الإسلام أفضل . سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر » رواه البخاري في الصحيح ...
? شرح : - عصب : ربط وشد
- الخرقة : القطعة من الثوب الممزق
- الثناء : المدح والوصف بالخير
- الخلة : الصحبة والمودة والصداقة
? وقد روى الحافظ البيهقي =...عن جندب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوفى بخمس وهو يقول: قد كان لى منكم أخوة وأصدقاء ، وإني أبرأ الى كل خليل من خلته ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا ، وإن ربي اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا ، وإن قوما ممن كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك...
( رواه مسلم في كتاب الصلاة ، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد ...وابنب حبببان ، والبيهقي في الدلائل ، وأبو عوانة في مستخرجه...
? وهذا اليوم الذي كان قبل وفاته عليه السلام بخمس أيام هو يوم الخميس الذي ذكره ابن عباس فيما تقدم وقد روينا هذه الخطبة من طريق ابن عباس(1/49)
?قال الحافظ البيهقي = ... عن ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من ابي بكر، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الاسلام أفضل ، سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر ...
(رواه البخاري ... وفي قوله عليه السلام سدوا عني كل خوخة يعني الأبواب الصغار الى المسجد غير خوخة أبي بكر اشارة الى الخلافة أي ليخرج منها الى الصلاة بالمسلمين ..
?وقد رواه البخاري =... عن ابن عباس أن رسول الله خرج في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه فجلس على المنبر ... فذكر الخطبة وذكر فيها الوصاة بالأنصار الى أن قال: فكان آخر مجلس جلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض... يعني آخر خطبة خطبها عليه السلام.(1/50)
? وقد روي من وجه آخر عن ابن عباس باسناد غريب ولفظ غريب فقال الحافظ البيهقي=... عن ابن عباس ، عن الفضل بن عباس قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكا شديدا وقد عصب رأسه فقال : خذ بيدي يا فضل ...قال فأخذت بيده حتى قعد على المنبر ، ثم قال : نادي في الناس يا فضل ... فناديت: الصلاة جامعة ...قال: فاجتمعوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: أما بعد، أيها الناس إنه قد دنا مني خلوف من بين أظهركم ولن تروني في هذا المقام فيكم وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عني حتى أقومه فيكم ألا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد ولا يقولن قائل اخاف الشحناء من قبل رسول الله ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي وان أحبكم الي من أخذ حقا إن كان له علي أو حللني فلقيت الله عز وجل وليس لأحد عندي مظلمة ...قال: فقام منهم رجل فقال :يا رسول الله لي عندك ثلاثة دراهم... فقال : أما أنا فلا أكذب قائلا ولا مستحلفه على يمين ؛ فيم كانت لك عندي ؟ قال: أما تذكر أنه مر بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم ؟ قال : أعطه يا فضل ...قال: وأمر به فجلس... قال :ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقالته الأولى ثم قال : يا ايها الناس من عنده من الغلول شيء فليرده ...فقام رجل فقال :يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله... قال: فلم غللتها ؟قال: كنت اليها محتاجا ... قال: خذها منه يا فضل... ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقالته الاولى وقال: يا أيها الناس، من أحس من نفسه شيئا فليقم أدعو الله له ...فقام اليه رجل فقال: يا رسول الله ،إني لمنافق وإني لكذوب وإني لشئوم ...فقال عمر بن الخطاب : ويحك أيها الرجل ، لقد سترك الله لو سترت على نفسك ....(1/51)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه يا ابن الخطاب ، فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ؛ اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وأذهب عنه الشئم اذا شاء... ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر .../ وفي اسناده ومتنه غرابة شديدة .
ذكر أمره صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالصحابة أجمعين
?قال الامام احمد = ... عن عبد الله بن زمعة بن الاسود بن المطلب بن أسد قال لما استعز برسول الله وانا عنده في نفر من المسلمين دعا بلال للصلاة فقال : مروا من يصلي بالناس... قال : فخرجت، فاذا عمر في الناس ؛ وكان أبو بكر غائبا ... فقلت : قم يا عمر فصل بالناس ...: قال : فقام ، فلما كبر عمر ،سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته ،وكان عمر رجلا مجهرا ، فقال رسول الله : فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ، يأبى الله ذلك والمسلمون...قال : فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد ما صلى عمر تلك الصلاة ، فصلى بالناس ...وقال عبد الله بن زمعة : قال لي عمر: ويحك ، ماذا صنعت يا ابن زمعة ؟ ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله أمرني بذلك ، ولولا ذلك ما صليت ...قال : قلت: والله ما امرني رسول الله ، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة.../
( رواه أبو داود ، والطبراني ...
( وأخرجه الحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه.
?شرح : الاستعزاز : اشتداد المرض...
((1/52)
ولفظه في مشكل الآثار للطحاوي : عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب ، قال : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ، قال : مروا من يصلي بالناس ... فلم أر أحدا فيمن حضر أحق بها من عمر بن الخطاب ، وكان أبو بكر رضي الله عنه غائبا ، فأمرت عمر أن يصلي بالناس ، فلما كبر ، وكان رجلا جهير الصوت ، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته ، فقال : » أين أبو بكر ؟ يأبى الله عز وجل والمسلمون ذلك « فدعي أبو بكر ، فصلى بالناس ، فقال عمر لابن زمعة : ويحك ماذا صنعت ؟ والله لولا أني ظننت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أمرك أن تأمرني بالصلاة ما صليت بالناس
?وقال ابو داود =...عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن زمعة أخبره بهذا الخبر، قال : لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت عمر ، قال ابن زمعة : خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أطلع رأسه من حجرته ثم قال: لا.. لا.. لا ...ليصل للناس إلا ابن ابي قحافة ، يقول ذلك مغضبا // صححه الألباني.
?وقال البخاري = ... قال الأسود :كنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والمواظبة لها ، قالت: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه ، فحضرت الصلاة ، فأذن بلال ؛ فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ... فقيل له: إن ابا بكر رجل أسيف ، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس ... وأعاد ، فأعادوا له ... فاعاد الثالثة ، فقال : إنكن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصل بالناس ...فخرج أبو بكر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين كأني أنظر الى رجليه تخطان من الوجع ، فأراد أبو بكر أن يتأخر ، فأوما إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك ؛ ثم أتى به حتى جلس الى جنبه ...قيل للأعمش: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، وأبو بكر يصلي بصلاته ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ؟ فقال برأسه : نعم ...
((1/53)
رواه البخاري في كتاب الأذان ، باب حد المريض أن يشهد الجماعة ؛ وباب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة ؛ وباب من أسمع الناس تكبير الإمام ؛ وباب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم ؛ وباب إذا بكى الإمام في الصلاة ؛ وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع ...// وفي أحد ألفاظه : قالت عائشة : قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِي فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَ ...
(ورواه مسلم في كتاب الصلاة ، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه ونسخ القعود خلف القاعد في حق من قدر على القيام
(ورواه الشيخان والنسائي وابن ماجه من طرق متعددة عن الاعمش به
((1/54)
وفي لفظ لمسلم : ... عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، جَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ ،فَقَالَ : مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ... قَالَتْ : فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعْ النَّاسَ ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ ... فَقَالَ : مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ... قَالَتْ : فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ : قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعْ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ... فَقَالَتْ لَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ... قَالَتْ : فَأَمَرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ؛ قَالَتْ : فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ قَالَتْ فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ، ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُمْ مَكَانَكَ ...فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ ...قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا ؛ يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ ...
((1/55)
وفي موطأ مالك : عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ... فَقَالَتْ عَائِشَةُ : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ... قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ ...قَالَتْ عَائِشَةُ :فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ :قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ ... فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّكُنْ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ ...فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ : مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا . // وقول حفصة هذا أورده البخاري في الحديث الذي رواه في كتاب الأذان ، باب إذا بكى الإمام في الصلاة ...
?شرح : رجل أسيف : رقيق ، سريع الحزن والبكاء
? وقال البخاري =... عن عائشة أنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه : مروا أبا بكر فليصل بالناس... قال ابن شهاب فاخبرني عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أنها قالت : لقد عاودت رسول الله في ذلك وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم الناس بابي بكر وإلا أني علمت أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم الناس به فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر الى غيره ...// رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
((1/56)
ورواه مسلم ، ولفظه = ...قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا وَإِلَّا أَنِّي كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ أَحَدٌ إِلَّا تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ...
( وأخرجه ابن حبان ، والبيهقي في الكبرى والدلائل ...
?وفي صحيح مسلم =... عن عائشة قالت : لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس.. قالت ، قلت : يا رسول الله، إن أبا بكر رجل رقيق ،إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه ، فلو أمرت غير أبي بكر ...قالت : والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ..قالت: فراجعته مرتين أو ثلاثا ، فقال : ليصل بالناس أبو بكر، فانكن صواحب يوسف ...
( كتاب الصلاة ، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه ونسخ القعود خلف القاعد في حق من قدر على القيام.
?وفي الصحيحين =... عن ابي موسى عن أبيه قال : مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس ...فقالت عائشة : يا رسول الله ، إن أبا بكر رجل رقيق متى يقم مقامك لا يستطيع يصلي بالناس ...فقال : مروا أبا بكر يصل بالناس فانكن صواحب يوسف... قال فصلى أبو بكر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
((1/57)
رواه البخاري في كتاب الأذان ، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة .. وفي كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى ((لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) (يوسف : 7 )) ، وفيه : ...فَأَمَّ أَبُو بَكْرٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( ورواه مسلم في كتاب الصلاة ، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس
?شرح : قال ابن حجر رحمه الله في الفتح :
- قوله" صواحب يوسف " وصواحب جمع صاحبة ، والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن . ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط ، كما أن " صواحب " صيغة جمع والمراد زليخا فقط ، ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته ، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه ، ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به . وقد صرحت هي فيما بعد بذلك فقالت " لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا " الحديث ... وأخرجه مسلم أيضا . وبهذا التقرير يندفع إشكال من قال إن صواحب يوسف لم يقع منهن إظهار يخالف ما في الباطن . ووقع في مرسل الحسن عند ابن أبي خيثمة أن أبا بكر أمر عائشة أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرف ذلك عنه ، فأرادت التوصل إلى ذلك بكل طريق فلم يتم . ووقع في أمالي ابن عبد السلام أن النسوة أتين امرأة العزيز يظهرن تعنيفها ، ومقصودهن في الباطن أن يدعون يوسف إلى أنفسهن ، كذا قال وليس في سياق الآية ما يساعد ما قال .
((1/58)
فائدة ) : زاد حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم في هذا الحديث أن أبا بكر هو الذي أمر عائشة أن تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر عمر بالصلاة ، أخرجه الدورقي في مسنده ، وزاد مالك في روايته التي ذكرناها " فقالت حفصة لعائشة : ما كنت لأصيب منك خيرا " . ومثله للإسماعيلي في حديث الباب ، وإنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة في المعاودة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث ، فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسف وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي أمرتها بذلك ، ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضا في قصة المغافير ...
- قوله : ( فليصل بالناس ) في رواية الكشميهني " للناس " .
- قوله : ( فخرج أبو بكر ) فيه حذف دل عليه سياق الكلام ، وقد بينه في رواية موسى بن أبي عائشة ولفظه " فأتاه الرسول " أي بلال لأنه هو الذي أعلم بحضور الصلاة فأجيب بذلك ، وفي روايته أيضا " فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس . فقال أبو بكر - وكان رجلا رقيقا - يا عمر صل بالناس... فقال له عمر : أنت أحق بذلك " انتهى ./ وقول أبي بكر هذا لم يرد به ما أرادت عائشة . قال النووي : تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعا ، وليس كذلك ، بل قاله للعذر المذكور وهو كونه رقيق القلب كثير البكاء ، فخشي أن لا يسمع الناس . انتهى ./ ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى وعلم ما في تحملها من الخطر ، وعلم قوة عمر على ذلك ، فاختاره . ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح . والظاهر أنه لم يطلع على المراجعة المتقدمة ، وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك سواء باشر بنفسه أو استخلف . قال القرطبي : ويستفاد منه أن للمستخلف في الصلاة أن يستخلف لا يتوقف على إذن خاص له بذلك .(1/59)
- قوله : ( فصلى ) في رواية المستملي والسرخسي " يصلي " وظاهره أنه شرع في الصلاة ، ويحتمل أن يكون المراد أنه تهيأ لها ، وفي رواية أبي معاوية عن الأعمش بلفظ " فلما دخل في الصلاة " وهو محتمل أيضا بأن يكون المراد دخل في مكان الصلاة ...
- قوله : ( فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة ) ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم وجد ذلك في تلك الصلاة بعينها ، ويحتمل أن يكون ذلك بعد ذلك وأن يكون فيه حذف كما تقدم مثله في قوله " فخرج أبو بكر " وأوضح منه رواية موسى بن أبي عائشة المذكور " فصلى أبو بكر تلك الأيام . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة " وعلى هذا لا يتعين أن تكون الصلاة المذكورة هي العشاء .
- قوله : ( يهادى ) بضم أوله وفتح الدال أي يعتمد على الرجلين متمايلا في مشيه من شدة الضعف ، والتهادي التمايل في المشي البطيء ،
- وقوله " يخطان الأرض " أي لم يكن يقدر على تمكينهما من الأرض ، وسقط لفظ " الأرض " من رواية الكشميهني ، وفي رواية عاصم عند ابن حبان " إني لأنظر إلى بطون قدميه "
- قوله : ( بين رجلين ) ، هما العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب ... ووقع في رواية عاصم :" وجد خفة من نفسه فخرج بين بريرة ونوبة " ويجمع كما قال النووي بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هذين ، ومن ثم إلى مقام الصلاة بين العباس وعلي ، أو يحمل على التعدد ، ويدل عليه ما في رواية الدارقطني أنه خرج بين أسامة بن زيد والفضل بن العباس . وأما ما في مسلم أنه خرج بين الفضل بن العباس وعلي فذاك في حال مجيئه إلى بيت عائشة ...
( تنبيه ) : نوبة بضم النون وبالموحدة ذكره بعضهم في النساء الصحابيات فوهم ، وإنما هو عبد أسود كما وقع عند سيف في كتاب الردة ، ويؤيده حديث سالم بن عبيد في صحيح ابن خزيمة بلفظ " خرج بين بريرة ورجل آخر " .(1/60)
- قوله : ( فأراد أبو بكر ) زاد أبو معاوية عن الأعمش " فلما سمع أبو بكر حسه " وفي رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس في هذا الحديث " فلما أحس الناس به سبحوا " أخرجه ابن ماجه وغيره بإسناد حسن
- قوله : ( أن مكانك ) في رواية عاصم المذكورة " أن اثبت مكانك " وفي رواية موسى بن أبي عائشة فأومأ إليه بأن لا يتأخر .
- قوله : ( ثم أُتي به ) كذا هنا بضم الهمزة . وفي رواية موسى بن أبي عائشة أن ذلك كان بأمره ولفظه " فقال: أجلساني إلى جنبه ، فأجلساه ... وعين أبو معاوية عن الأعمش في إسناد حديث الباب مكان الجلوس فقال في روايته " حتى جلس عن يسار أبي بكر " وهذا هو مقام الإمام ...وأغرب القرطبي شارح مسلم لما حكى الخلاف هل كان أبو بكر إماما أو مأموما ؟ فقال : لم يقع في الصحيح بيان جلوسه صلى الله عليه وسلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره . انتهى ./ ورواية أبي معاوية هذه عند مسلم أيضا ، فالعجب منه كيف يغفل عن ذلك في حال شرحه له .
- قوله : ( فقيل للأعمش إلخ ) ظاهرها الانقطاع ، لأن الأعمش لم يسنده ، لكن في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك متصلا بالحديث ، وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة وغيرها .
- قوله : ( رواه أبو داود ) هو الطيالسي .(1/61)
- قوله : ( بعضه ) بالنصب وهو بدل من الضمير ، وروايته هذه وصلها البزار قال : حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أبو داود به ولفظه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم بين يدي أبي بكر ، كذا رواه مختصرا ، وهو موافق لقضية حديث الباب ، لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار عن أبي داود بسنده هذا عن عائشة قالت " من الناس من يقول : كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف ، ومنهم من يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقدم " ورواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر " أخرجه ابن المنذر ، وهذا عكس رواية أبي موسى ، وهو اختلاف شديد .(1/62)
ووقع في رواية مسروق عنها أيضا اختلاف فأخرجه ابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عنه بلفظ " كان أبو بكر يصلي بصلاته ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر " وأخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة من رواية شعبة عن نعيم بن أبي هند عن شقيق بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر " وظاهر رواية محمد بن بشار أن عائشة لم تشاهد الهيئة المذكورة ، ولكن تضافرت الروايات عنها بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة ، منها رواية موسى ابن أبي عائشة التي أشرنا إليها ففيها " فجعل أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر " وهذه رواية زائدة بن قدامة عن موسى ، وخالفه شعبة أيضا فرواه عن موسى بلفظ " أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه " فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموما للجزم بها ، ولأن أبا معاوية أحفظ في حديث الأعمش من غيره ، ومنهم من سلك عكس ذلك ورجح أنه كان إماما ، وتمسك بقول أبي بكر في " باب من دخل ليؤم الناس " حيث قال " ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم " . ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد ... ويؤيده اختلاف النقل عن الصحابة غير عائشة ، فحديث ابن عباس فيه أن أبا بكر كان مأموما ... وحديث أنس فيه أن أبا بكر كان إماما أخرجه الترمذي وغيره من رواية حميد عن ثابت عنه بلفظ " آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في ثوب " وأخرجه النسائي من وجه آخر عن حميد عن أنس فلم يذكر ثابتا ،
- قوله : ( وزاد أبو معاوية عن الأعمش : جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما ) يعني روى الحديث المذكور أبو معاوية عن الأعمش كما رواه حفص بن غياث مطولا وشعبة مختصرا كلهم عن الأعمش بإسناده المذكور ، فزاد أبو معاوية ما ذكر ....(1/63)
?وقال الامام أحمد =... عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله قال دخلت على عائشة فقلت : ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : بلى ، ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال : أصلى الناس ؟ قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله ...فقال : صبوا الي ماء في المخضب.. ففعلنا ، قالت : فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ، ثم افاق فقال: أصلي الناس ؟ قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله ... قال :ضعوا لي ماء في المخضب ...ففعلنا ، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم افاق فقال : أصلى الناس ؟ قلنا :لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله ...قال : ضعوا لي ماء في المخضب... ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم افاق فقال : أصلى الناس ؟ قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله... قالت : والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء ؛ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أبي بكر بأن يصلي بالناس ، وكان أبو بكر رجلا رقيقا ، فقال: يا عمر ، صل بالناس ...فقال: أنت أحق بذلك... فصلى بهم تلك الأيام ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر ، فأومأ إليه أن لا يتأخر وأمرهما فأجلساه الى جنبه ، فجعل أبو بكر يصلي قائما ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا ...قال عبيد الله : فدخلت على ابن عباس فقلت : ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله؟ قال : هات ... فحدثته فما أنكر منه شيئا ، غير أنه قال :سمت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت :لا... قال : هو علي .
((1/64)
رواه الشيخان ، البخاري في كتاب الآذان ، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه بالناس وهو جالس... ومسلم في كتاب الصلاة ، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس وأن من صلى خلف إمام جالس لعجزه عن القيام لزمه القيام إذا قدر عليه ونسخ القعود خلف القاعد في حق من قدر على القيام ...
+ وفي رواية : فجعل أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله وهو قائم والناس يصلون بصلاة أبي بكر ورسول الله قاعد ...
? قال البيهقي : ففي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم في هذه الصلاة ، وعلق أبو بكر صلاته بصلاته، قال : وكذلك رواه الأسود وعروة عن عائشة ، وكذلك رواه الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس يعني بذلك ما رواه الامام احمد = ... عن ابن عباس قال: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس ، ثم وجد خفة فخرج ، فلما أحس به أبو بكر أراد أن ينكص ، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فجلس الى جنب أبي بكر عن يساره ، واستفتح من الآية التي انتهى اليها أبوبكر رضي الله عنه ...ثم رواه أيضا عن وكيع عن اسرائيل عن أبي اسحاق عن أرقم عن ابن عباس بأطول من هذا وقال وكيع مرة فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس يأتمون بأبي بكر ...
((1/65)
ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع عن اسرائيل عن أبي اسحاق عن أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس بنحوه ... وفيه :... فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ ، فَلَمَّا رَآهُ النَّاسُ سَبَّحُوا بِأَبِي بَكْرٍ فَذَهَبَ لِيَسْتَأْخِرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن مَكَانَكَ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ ...فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ... قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ...قَالَ وَكِيعٌ : وَكَذَا السُّنَّةُ... قَالَ : فَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ .
?وقد قال الامام = ... عن عائشة قالت : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر قاعدا في مرضه الذي مات فيه .
(وقد رواه الترمذي والنسائي ...(1/66)
+ قال الترمذي : ... عن عائشة قالت : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدًا ../ قال أبو عيسى حديث عائشة حديث حسن صحيح غريب ... وقد روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا ...وروي عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه وأبو بكر يصلي بالناس فصلى إلى جنب أبي بكر والناس يأتمون بأبي بكر وأبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم ... وروي عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر قاعدا... وروي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر وهو قاعد .// وحديث أنس عنده ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحاً به../ وعند النسائي : عن أنس قال : آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم صلى في ثوب واحد متوشحاً خلف أبي بكر ...
? وقال احمد =... عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف .
( ورواه ابن حبان ، وابن خزيمة ، عن عائشة : أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه ...
? وقال البيهقي =... عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر .. وهذا اسناد جيد ولم يخرجوه .// وقال: وكذلك رواه حميد عن أنس بن مالك ، ويونس عن الحسن مرسلا ، ثم اسند ذلك من طريق هشيم : أخبرنا يونس عن الحسن قال هشيم وأنبانا حميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس فجلس الى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها فصلى بصلاته...(1/67)
? وقال البيهقي= ... عن أنس قال : آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم في ثوب واحد ملتحفا به خلف أبي بكر .../ قلت وهذا اسناد جيد على شرط الصحيح ولم يخرجوه وهذا التقييد جيد بأنها آخر صلاة صلاها مع الناس صلوات الله وسلامه عليه...
? وقد ذكر البيهقي =... عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف ابي بكر في ثوب واحد برد مخالفا بين طرفيه ، فلما اراد ان يقوم قال أدع لي اسامه بن زيد فجاء فأسند ظهره الى نحره فكانت آخر صلاة صلاها ...
? قال البيهقي: ففي هذا دلالة أن هذه الصلاة كانت صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة ، لانها آخر صلاة صلاها لما ثبت أنه توفي ضحى يوم الاثنين ...وهذا الذي قاله البيهقي أخذه مسلما من مغازي موسى بن عقبة فانه كذلك ذكر ، وكذا روى أبو الأسود عن عروة وذلك ضعيف ، بل هذه آخر صلاة صلاها مع القوم كما تقدم تقييده في الرواية الأخرى والحديث واحد فيحمل مطلقه على مقيده ، ثم لا يجوز أن تكون هذه صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة لأن تلك لم يصلها مع الجماعة بل في بيته لما به من الضعف صلوات الله وسلامه عليه ...
? والدليل على ذلك ما قال البخاري في صحيحه = ...عن انس بن مالك ، وكان تبع النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه وصحبه ، أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه ، حتى اذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر الينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ، ثم تبسم يضحك ، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج الى الصلاة ، فاشار الينا صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر وتوفي من يومه صلى الله عليه وسلم ...
( رواه البخاري في كتاب الأذان ، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة .
((1/68)
ورواه مسلم في كتاب الصلاة ، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس ، ولفظه : عن أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ ، ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا ... قَالَ فَبُهِتْنَا وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَحٍ بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ لِلصَّلَاةِ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ ... قَالَ ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْخَى السِّتْرَ قَالَ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ ...
? ثم قال البخاري = ... عن أنس بن مالك قال : لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب فرفعه، فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظرا كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا، فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده الى أبي بكر أن يتقدم ، وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب ، فلم يُقْدَر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم ...
( رواه البخاري في كتاب الأذان ، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة .
((1/69)
ورواه مسلم في كتاب الصلاة ، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس ؛ ولفظه : عَنْ أَنَسٍ قَالَ : لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ فَلَمَّا وَضَحَ لَنَا وَجْهُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا قَطُّ كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَحَ لَنَا .. قَالَ : فَأَوْمَأَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَأَرْخَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَابَ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ ...
? فهذا أوضح دليل على أنه عليه السلام لم يصل يوم الاثنين صلاة الصبح مع الناس ، وأنه كان قد انقطع عنهم لم يخرج اليهم ثلاثا ... قلنا : فعلى هذا يكون آخر صلاة صلاها معهم الظهر كما جاء مصرحا به في حديث عائشة المتقدم ، ويكون ذلك يوم الخميس ، لا يوم السبت ولا يوم الأحد كما حكاه البيهقي عن مغازي موسى بن عقبة وهو ضعيف ... ولما قدمنا من خطبته بعدها ولأنه انقطع عنهم يوم الجمعة والسبت والاحد وهذه ثلاثة ايام كوامل ...(1/70)
+ وفي صحيح مسلم = ... عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا ، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ ،فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ...// وعنه قال : كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتْرَ وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ ...
?وقال الزهري عن أبي بكر بن ابي سبرة أن أبا بكر صلى بهم سبع عشرة صلاة... وقال غيره عشرين صلاة ...فالله أعلم ؛ ثم بدا لهم وجهه الكريم صبيحة يوم الاثنين فودعهم بنظرة كادوا يفتتنون بها ثم كان ذلك آخر عهد جمهورهم به ولسان حالهم يقول كما قال بعضهم
وكنت أرى كالموت من بين ساعة فكيف ببين كان موعده الحشر؟(1/71)
والعجب أن الحافظ البيهقي أورد هذا الحديث من هاتين الطريقين ثم قال ما حاصله : فلعله عليه السلام احتجب عنهم في أول ركعة ثم خرج في الركعة الثانية فصلى خلف أبي بكر كما قال عروة وموسى بن عقبة وخفي ذلك على أنس بن مالك ، أو أنه ذكر بعض الخبر وسكت عن آخره ... وهذا الذي ذكره أيضا بعيد جدا لأن أنسا قال: فلم يُقدر عليه حتى مات ... وفي رواية قال : فكان ذلك آخر العهد به ...وقول الصحابي مقدم على قول التابعي ؛ والله أعلم ... والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم ابا بكر الصديق إماما للصحابة كلهم في الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام العملية .
? قال الشيخ ابو الحسن الاشعري: وتقديمه له أمر معلوم بالضرورة من دين الاسلام ، قال : وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة وأقرؤهم لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله ، فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فان كانوا في السنة سواء فأكبرهم سنا ، فان كانوا في السن سواء فأقدمهم مسلما ...قلت : من كلام الاشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بماء الذهب ، ثم قد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق رضي الله عنه وارضاه ، وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم خلفه في بعض الصلوات كما قدمنا بذلك الروايات الصحيحة لا ينافي ما روي في الصحيح ان ابا بكر ائتم به عليه السلام لان ذلك في صلاة أخرى كما نص على ذلك الشافعي وغيره من الأئمة رحمهم الله عز وجل .(1/72)
? فائدة : استدل مالك والشافعي وجماعة من العلماء ومنهم البخاري بصلاته عليه السلام قاعدا وأبو بكر مقتديا به قائما والناس بأبي بكر على نسخ قوله عليه السلام في الحديث المتفق عليه حين صلى ببعض أصحابه قاعدا وقد وقع عن فرس فجحش شقه فصلوا وراءه قياما فأشار إليهم أن اجلسوا ، فلما انصرف قال: كذلك والذي نفسي بيده تفعلون كفعل فارس والروم يقومون على عظمائهم وهم جلوس ...وقال: إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فاذا كبر فكبروا ، واذا ركع فاركعوا ، واذا رفع فارفعوا ، واذا سجد فاسجدوا ، واذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون ...قالوا : ثم انه عليه السلام أمهم قاعدا وهم قيام في مرض الموت فدل على نسخ ما تقدم ،والله أعلم ... وقد تنوعت مسالك الناس في الجواب عن هذا الاستدلال على وجوه كثيرة ؛ وملخص ذلك أن من الناس من زعم أن الصحابة جلسوا لأمره المتقدم وإنما استمر أبو بكر قائما لأجل التبليع عنه صلى الله عليه وسلم ...ومن الناس من قال بل كان أبو بكر هو الامام في نفس الامر كما صرح به بعض الرواة كما تقدم وكان أبو بكر لشدة ادبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم لا يبادره بل يقتدي به فكأنه عليه السلام صار إمام الامام فلهذا لم يجلسوا لاقتدائهم بابي بكر وهو قائم ولم يجلس الصديق لأجل انه امام ولأنه يبلغهم عن النبي صلى الله عليه وسلم الحركات والسكنات والانتقالات والله أعلم... ومن الناس من قال فرق بين أن يبتدأ الصلاة خلف الامام في حال القيام فيستمر فيها قائما وان طرأ جلوس الامام في أثنائها كما في هذه الحال وبين أن يبتدي الصلاة خلف امام جالس فيجب الجلوس للحديث المتقدم ، والله أعلم ... ومن الناس من قال هذا الصنيع والحديث المتقدم دليل على جواز القيام والجلوس وان كلا منهما سائغ جائز الجلوس لما تقدم والقيام للفعل المتاخر ، والله أعلم ...
احتضاره ووفاته
صلى الله عليه وسلم(1/73)
? قال الامام احمد=... عن عبد الله بن مسعود قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته فقلت: يا رسول الله ، إنك لتوعك وعكا شديدا ... قال : أجل ، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم .. قلت : إن لك أجرين ؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده ما على الارض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها ...
( أخرجه الشيخان ، البخاري في كتاب المرضى ، باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ؛وباب وضع اليد على المريض ... ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها ...
?وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده = ... عن أبي سعيد الخدري أنه وضع يده على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك ...فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، إن كان النبي من الأنباء ليبتلى بالقمل حتى يقتله وان كان الرجل ليبتلى بالعري حتى يأخذ العباءة فيجوبها ، وان كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء../ فيه رجل مبهم لا يعرف بالكلية ، فالله أعلم . //
((1/74)
روى الحاكم =...عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو محموم فوضعت يدي من فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمى فقلت : ما أشد حماك يا رسول الله . قال : « إنا كذلك معشر الأنبياء ، يضاعف علينا الوجع ليضاعف لنا الأجر » قال : فقلت : يا رسول الله ، أي الناس أشد بلاء ؟ قال : « الأنبياء » قلت : ثم من ؟ قال : « ثم الصالحون ، إن كان الرجل ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباء فيحويها ويلبسها ، وإن كان أحدهم ليبتلى بالقمل حتى يقتله القمل ، وكان ذلك أحب إليهم من العطاء إليكم » وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. / وذكره الطبري في تهذيب الآثار ،وعبد بن حميد في مسنده // صححه الألباني.
? وقد روى البخاري ومسلم = ... عن عائشة قالت: ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
(البخاري في كتاب المرضى ، باب شدة المرض ؛ قالت : ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
(مسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها قالت عائشة :ما رأيت رجلا أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
?وفي صحيح البخاري = ... عن عائشة قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ...
(رواه في كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته وقول الله تعالى :( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ *ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) ((الزمر : 30- 31 ) ..وقال يونس عن الزهري، قال عروة : قالت عائشة رضي الله عنها :كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه : يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم .(1/75)
? وفي حديث آخر:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون ثم الامثل فالامثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء ...
( قال البخاري في كتاب المرضى، باب : أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل...
?شرح : قال ابن حجر في الفتح : قوله : ( باب أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ) كذا للأكثر ، وللنسفي " الأول فالأول " وجمعهما المستملي ، والمراد بالأول الأولية في الفضل ، والأمثل أفعل من المثالة والجمع أماثل وهم الفضلاء . وصدر هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الدارمي ،والنسائي في " الكبرى " ، وابن ماجه ، وصححه الترمذي ، وابن حبان ، والحاكم ...كلهم من طريق عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟ قال : الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه " الحديث وفيه : " حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة " ، أخرجه الحاكم من رواية العلاء بين المسيب عن مصعب أيضا . وأخرج له شاهدا من حديث أبي سعيد ولفظه " قال : الأنبياء ، قال : ثم من ؟ قال :العلماء ، قال : ثم من ؟ قال : الصالحون " الحديث ، وليس فيه ما في آخر حديث سعد . ولعل الإشارة بلفظ " الأول فالأول " إلى ما أخرجه النسائي وصححه الحاكم من حديث فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة قالت : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نساء نعوده ، فإذا بسقاء يقطر عليه من شدة الحمى ، فقال : إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " .(1/76)
// ومن ألفاظ الحديث في المسند : عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ مِنْ النَّاسِ ؛ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ وَمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ...
+ فائدة : قال الطحاوي في مشكل الآثار : فعقلنا بذلك أن ذلك القول من النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الأديان بالصلابة والرقة لم يرجع على الأنبياء صلوات الله عليهم ؛ لأنهم لا رقة في أديانهم ، وأن ذلك إنما يرجع على من سواهم ممن ذكر معهم . وكان في هذا الحديث أن المسلمين سواهم يحط عنهم بالبلاء الذي يبتلون به في الدنيا خطيئاتهم . وذلك عندنا ، والله أعلم ، لاحتسابهم عند ذلك وصبرهم عليه فتمحص عنهم خطيئاتهم بذلك إذا كانوا ذوي خطايا ، وإذا كان الأنبياء صلوات الله عليهم في ذلك بخلافهم ؛ لأنهم لا خطايا لهم . وبالله التوفيق.
? وقال الامام احمد = ... عن محمد بن اسامة بن زيد قال : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس معي الى المدينة فدخلت على رسول الله وقد أصمت فلا يتكلم فجعل يرفع يديه الى السماء ثم يصيبها على وجهه أعرف أنه يدعو لي ...
(ورواه الترمذي عن أبي كريب عن يونس بن بكير عن ابن اسحاق وقال حسن غريب ...وقال الامام مالك في الموطأ عن اسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، لا يبقين دينان بأرض العرب... هكذا رواه مرسلا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ...(1/77)
?وقد روى البخاري ومسلم = عن عائشة وابن عباس قالا : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فاذا اغتم كشفها عن وجهه ، فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا ...
( البخاري في كتاب الصلاة ، باب الصلاة في البيعة ؛ وفي كتاب الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ؛ وفي كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ؛ وفي كتاب اللباس ، باب الأكسية والخمائص .... وروى في كتاب الجنائز ، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم=... عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ : لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ... لَوْلَا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَوْ خُشِيَ أَنَّ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا...وفي نفس الكتاب والباب، قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ : لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ... قَالَتْ عَائِشَةُ : لَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا ... وروى في كتاب الصلاة ، باب الصلاة في البيعة = ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ...
( مسلم في كتاب الصلاة ، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد //وفيه أخرج حديثي عائشة ، وأبي هريرة ومتنه : لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ...(1/78)
? وقال الحافظ البيهقي = ... عن جابر بن عبد الله قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: أحسنوا الظن بالله ...
( أخرجه في الدلائل...
?وفي بعض الاحاديث كما رواه مسلم = ...عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى ...
( رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت .../ وأحمد، وأبو داود ، ، وابن حبان ، وابن ماجه ، والبيهقي في الشعب ، والطيالسي .../
?وفي الحديث الآخر ،يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا ...
((1/79)
روى البخاري شطره "أنا عند ظن عبدي بي " من حديث أبي هريرة ، في كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى :( يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ ) (الفتح : 15 ) ؛ وفي باب قول الله تعالى :( وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ) (آل عمران 28 /30 ) ولفظه : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ...// وهذا رواه مسلم كذلك في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب الحث على ذكر الله تعالى...وله ، في باب فضل الذكر والدعاء : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي ... وفي كتاب التوبة ، باب في الحض على التوبة والفرح بها ، ولفظه : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ ...
((1/80)
وروي من عدة طرق بلفظ : " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي" // " أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني "- الترمذي ، وأحمد ، وابن ماجه ،والنسائي ، والحاكم...
?وقال البيهقي= ... عن أنس قال :كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الوفاة: الصلاة وما ملكت أيمانكم ... حتى جعل يغرغر بها وما يفصح بها لسانه .
?وقال الامام احمد = ... عن أنس بن مالك قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضر الموت : الصلاة وما ملكت أيمانكم ... حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه ...
+ وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ عَامَّةُ وَصِيَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ : الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ... حَتَّى جَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ .// وعنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ : الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ... فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِهَا وَمَا يَفِيضُ.
? وقال احمد = ... عن علي بن أبي طالب قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده ، قال: فخشيت أن تفوتني نفسه ؛ قال : قلت : إني أحفظ وأعي.. قال : أوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم ...تفرد به احمد من هذا الوجه .(1/81)
? وقال يعقوب بن سفيان = ... عن أم سلمة قالت : كان عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته : الصلاة وما ملكت ايمانكم... حتى جعل يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه ؛ وهكذا رواه النسائي عن حميد ابن مسعدة عن يزيد بن زريع عن سعد بن أبي عروبة عن قتادة عن سفينة عن أم سلمة به / قال البيهقي والصحيح ما رواه عفان عن همام عن قتادة عن أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة به . / وهكذا رواه النسائي أيضا وابن ماجه من حديث يزيد بن هارون عن همام عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة به /
( روى ابن ماجه في صحيحه = ... عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ... فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى مَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ.... وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِنَفْسِهِ : الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ... وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ :كَانَ آخِرُ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ...
((1/82)
وروى النسائي في السنن الكبرى = ... عن أنس قال :كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي عند موته :الصلاة وما ملكت أيمانكم ... وعن قتادة عن سفينة مولى أم سلمة قال كان عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة وما ملكت أيمانكم ...فجعل يرددها حتى يلجلجها في صدره وما يفيض.. وعن أم سلمة قالت :كان عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته : الصلاة وما ملكت أيمانكم... حتى جعل يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه ... وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الموت جعل يقول: الصلاة وما ملكت أيمانكم ...فجعل يقولها وما يفيض .
(وروى الحاكم = ... عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت : « الصلاة الصلاة » مرتين ، « وما ملكت أيمانكم » وما زال يغرغر بها في صدره وما يفيض بها لسانه ...//
+ قال البيهقي في الدلائل : والصحيح =... والصحيح ما أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال : أخبرنا أحمد بن عبيد قال : حدثنا الحسن بن المثنى قال : حدثنا عفان قال : حدثنا همام قال : حدثنا قتادة ، عن أبي الخليل ، عن سفينة ، عن أم سلمة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه : « الله الله الصلاة ، وما ملكت أيمانكم » قالت : فجعل يتكلم به ، وما يفيض ..
?شرح : ( وما ملكت أيمانكم ) = يعني : من عبيدكم وإمائكم ؛ يوصي بهم خيرا ، أن تؤدى إليهم حقوقهم التي جعل الله لهم ... يغرغر = الغرغرة صوت معه بحج ، والمقصود تردد الكلام في صدره عند خروج الروح .... يلجلج = اللجلجة والتلجلج التردد في الكلام ... يفيض = أي يُبَيّن ويظهر ...
+قال الطحاوي في مشكل الاثار :... وكان ما في هذا الحديث من ضم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته ما ملكت الأيمان إلى الصلاة ، وتوكيد الأمر في ذلك على الناس ، ما قد دل على وجوبها الوجوب الذي لا يسع التقصير عنه ، ولا يكمل الإيمان إلا به .(1/83)
? وقال احمد = ... عن عائشة قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدم ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول : اللهم اعني على سكرات الموت ...
(ورواه الترمذى =... عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ :رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَوْتِ وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ وَهُوَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ...أَوْ ، سَكَرَاتِ الْمَوْتِ.. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ //وفي الشمائل ، قال : عن عائشة ، أنها قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت وعنده قدح فيه ماء ، وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ، ثم يقول : « اللهم أعني على منكرات - أو قال : على سكرات الموت »
( ورواه النسائى ، وابن ماجه ، والحاكم ، والطبراني من حديث الليث به ...
?وقال الامام أحمد =... عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ليُهوِّن عليَّ إنى رأيت بياضَ كفّ عائشة في الجنة..// تفرد به أحمد واسناده لا بأس به...
- وهذا دليل على شدة محبته عليه السلام لعائشة رضى الله عنها ؛ وقد ذكر الناس معانى كثيرة في كثرة المحبة ولم يبلغ أحدهم هذا المبلغ وما ذاك إلا لأنهم يبالغون كلاما لا حقيقة له وهذا حق لا محالة ولا شك فيه .(1/84)
? وقال حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبى مليكة قال قالت عائشة : توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتى ، وتوفى بين سحرى ونحرى ، وكان جبريل يعوذه بدعاء اذا مرض ، فذهبت أعوذه فرفع بصره الى السماء وقال: في الرفيق الاعلى.. في الرفيق الاعلى ... ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده جريدة رطبة، فنظر إليها ، فظننت أنّ له بها حاجة.. قالت: فأخذتها فنفضتها فدفعتها إليه فاستن بها أحسن ما كان مستنا ثم ذهب يناولنيها فسقطت من يده .. قالت : فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة ...
( ومن ألفاظ أحمد لهذا الحديث :
(قَالَتْ عَائِشَةُ : مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَيَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي ، فَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ رَطْبٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ فِيهِ حَاجَةً قَالَتْ فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَيْهِ فَاسْتَنَّ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُهُ مُسْتَنًّا قَطُّ ثُمَّ ذَهَبَ يَرْفَعُهُ إِلَيَّ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذْتُ أَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِدُعَاءٍ كَانَ يَدْعُو لَهُ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ هُوَ يَدْعُو بِهِ إِذَا مَرِضَ فَلَمْ يَدْعُ بِهِ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى الرَّفِيقُ الْأَعْلَى يَعْنِي وَفَاضَتْ نَفْسُهُ ...فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ...(1/85)
- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَ دَخَلَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاضْطَجَعَ فِي حِجْرِي ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ وَفِي يَدِهِ سِوَاكٌ أَخْضَرُ .. قَالَتْ : فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ نَظَرًا عَرَفْتُ أَنَّهُ يُرِيدُهُ ، قَالَتْ : فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تُحِبُّ أَنْ أُعْطِيَكَ هَذَا السِّوَاكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ... قَالَتْ : فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغْتُهُ لَهُ حَتَّى أَلَنْتُهُ وَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ.. قَالَتْ : فَاسْتَنَّ بِهِ كَأَشَدِّ مَا رَأَيْتُهُ يَسْتَنُّ بِسِوَاكٍ قَبْلَهُ ، ثُمَّ وَضَعَهُ ... وَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثْقُلُ فِي حِجْرِي؛ قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ فَإِذَا بَصَرُهُ قَدْ شَخَصَ وَهُوَ يَقُولُ : بَلْ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنَّة .. فَقُلْتُ : خُيِّرْتَ فَاخْتَرْتَ ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ... قَالَتْ : وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
((1/86)
وروى البخاري في كتاب المعازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته = ... عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَكَانَتْ إِحْدَانَا تُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِضَ فَذَهَبْتُ أُعَوِّذُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ : فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى.. فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى .... وَمَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَفِي يَدِهِ جَرِيدَةٌ رَطْبَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا حَاجَةً فَأَخَذْتُهَا فَمَضَغْتُ رَأْسَهَا وَنَفَضْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ فَاسْتَنَّ بِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ مُسْتَنًّا ثُمَّ نَاوَلَنِيهَا فَسَقَطَتْ يَدُهُ أَوْ سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الْآخِرَةِ .
? وقال البيهقي =... عن أبي عمرو ذكوان مولى عائشة ، أن عائشة كانت تقول : إن من نعمة الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في يومي وفي بيتي وبين سحري ونحري وان الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت... قالت: دخل علي أخي بسواك معه وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى صدري فرأيته ينظر اليه وقد عرفت أنه يحب السواك ويألفه ، فقلت ك آخذه لك ؟ فأشار برأسه أي نعم ، فلينته له فأمره على فيه... قالت : وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ثم يقول: لا إله إلا الله ، إن للموت لسكرات... ثم نصب أصبعه اليسرى وجعل يقول: في الرفيق الاعلى، في الرفيق الأعلى ...حتى قبض ومالت يده على الماء...
((1/87)
وروى البخاري في كتاب الرقاق ، باب سكرات الموت = ...حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ يَشُكُّ عُمَرُ فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ... ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ : فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى... حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ ؛ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الْعُلْبَةُ مِنْ الْخَشَبِ وَالرَّكْوَةُ مِنْ الْأَدَمِ .
? وروى البخاري =...عن عائشة قالت :كنا نحدث أن النبي لا يموت حتى يخير بين الدنيا والآخرة.. قالت : فلما كان مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه عرضت له بحة فسمعته يقول: ( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) قالت عائشة فظننا أنه كان يخير .// ( الآية 69 من سورة النساء )...
((1/88)
وروى الشيخان : البخاري في كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ؛ ومسلم في كتاب الفضائل ، باب فضائل عائشة رضي الله تعالى عنها =...عن عائشة قَالَتْ : كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ :( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) ..فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ....
? وقال الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم أن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير .. قالت عائشة : فلما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم افاق فأشخص بصره الى سقف البيت وقال : اللهم الرفيق الاعلى... فعرفت أنه الحديث الذي كان حدثناه وهو صحيح: أنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير... قالت عائشة : فقلت إذاً لا تختارنا ... وقالت عائشة: كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم : الرفيق الاعلى... // أخرجاه من غير وجه عن الزهري به .
( رواه البخاري : في كتاب المغازي ، باب آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وفي كتاب الدعوات، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم الرفيق الأعلى ؛ وفي كتاب الرقاق ، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ...// ومسلم في كتاب الفضائل ، باب فضائل عائشة رضي الله تعالى عنها ...(1/89)
?وقال سفيان هو الثوري عن اسماعيل بن ابي خالد عن أبي بردة عن عائشة قالت : أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجري فجعلت أمسح وجهه وأدعو له بالشفاء ، فقال : لا.. بل أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل واسرافيل ...
( رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به ... وأخرجه البيهقي في الدلائل =...عن أبي بردة ، عن عائشة ، قالت : أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجري ، فجعلت أمسح وجهه وأدعو له بالشفاء فقال : « لا ... بل أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام »
(وروى أحمد =...عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذْتُ يَدَهُ فَجَعَلْتُ أُمِرُّهَا عَلَى صَدْرِهِ وَدَعَوْتُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِي وَقَالَ: أَسْأَلُ اللَّهَ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى الْأَسْعَدَ...
? شرح : قال ابن حجر في الفتح =.. حَدِيث عَائِشَة : كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ: ( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) الْآيَةَ ... فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ .(1/90)
- قَوْله : ( كُنْت أَسْمَع أَنَّهُ لَا يَمُوت نَبِيّ حَتَّى يُخَيَّر ) بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة ، وَلَمْ تُصَرِّح عَائِشَة بِذِكْرِ مَنْ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ، وَصَرَّحَتْ بِذَلِكَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي تَلِيهَا مِنْ طَرِيق الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْهَا قَالَتْ : " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَحِيح يَقُول : إِنَّهُ لَمْ يُقْبَض نَبِيّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَده مِنْ الْجَنَّة ثُمَّ يُحَيَّى أَوْ يُخَيَّر " وَهُوَ شَكّ مِنْ الرَّاوِي هَلْ قَالَ يُحَيَّى بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْح الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد التَّحْتَانِيَّة بَعْدهَا أُخْرَى أَوْ يُخَيَّر كَمَا فِي رِوَايَة سَعْد بْن إِبْرَاهِيم . وَعِنْد أَحْمَد مِنْ طَرِيق الْمُطَّلِب بْن عَبْد اللَّه عَنْ عَائِشَة:" أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول: مَا مِنْ نَبِيّ يُقْبَض إِلَّا يَرَى الثَّوَاب ثُمَّ يُخَيَّر " ، وَلِأَحْمَد أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي مُوَيْهِبَةَ قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي أُوتِيت مَفَاتِيح خَزَائِن الْأَرْض وَالْخُلْد ثُمَّ الْجَنَّة ، فَخُيِّرْت بَيْن ذَلِكَ وَبَيْن لِقَاء رَبِّي وَالْجَنَّة فَاخْتَرْت لِقَاء رَبِّي وَالْجَنَّة " وَعِنْد عَبْد الرَّزَّاق مِنْ مُرْسَل طَاوُسٍ رَفَعَهُ " خُيِّرْت بَيْن أَنْ أَبْقَى حَتَّى أَرَى مَا يُفْتَح عَلَى أُمَّتِي وَبَيْن التَّعْجِيل فَاخْتَرْت التَّعْجِيل "... ((1/91)
تَنْبِيه ) : فَهْم عَائِشَة مِنْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فِي الرَّفِيق الْأَعْلَى " أَنَّهُ خُيِّرَ نَظِير فَهْم أَبِيهَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّه بَيْن الدُّنْيَا وَبَيْن مَا عِنْده فَاخْتَارَ مَا عِنْده " أَنَّ الْعَبْد الْمُرَاد هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَكَى ...
- قَوْله : ( وَأَخَذَتْهُ بُحَّة ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَة وَتَشْدِيد الْمُهْمَلَة : شَيْء يَعْرِض فِي الْحَلْق فَيَتَغَيَّر لَهُ الصَّوْت فَيَغْلُظ ، تَقُول : بَحِحْت بِالْكَسْرِ بُحًّا ، وَرَجُلٌ أَبَحّ : إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِيهِ خِلْقَة .(1/92)
- قَوْله : ( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) فِي رِوَايَة الْمُطَّلِب عَنْ عَائِشَة عِنْد أَحْمَد " فَقَالَ : مَعَ الرَّفِيق الْأَعْلَى ( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً)...وَفِي رِوَايَة أَبِي بُرْدَة عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عِنْد النَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ " فَقَالَ : أَسْأَل اللَّه الرَّفِيق الْأَعْلَى الْأَسْعَد ، مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيل " وَظَاهِره أَنَّ الرَّفِيق الْمَكَان الَّذِي تَحْصُل الْمُرَافَقَة فِيهِ مَعَ الْمَذْكُورِينَ . وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ " فِي الرَّفِيق الْأَعْلَى " وَفِي رِوَايَة عَبَّاد عَنْ عَائِشَة بَعْد هَذَا قَالَ : " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ " وَفِي رِوَايَة ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَة " فَجَعَلَ يَقُول : فِي الرَّفِيق الْأَعْلَى" حَتَّى قُبِضَ ، وَفِي رِوَايَة اِبْن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَة " وَقَالَ : فِي الرَّفِيق الْأَعْلَى ، فِي الرَّفِيق الْأَعْلَى " وَهَذِهِ الْأَحَادِيث تُرَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ " الرَّفِيق " تَغْيِير مِنْ الرَّاوِي وَأَنَّ الصَّوَاب الرَّقِيع بِالْقَافِ وَالْعَيْن الْمُهْمَلَة وَهُوَ مِنْ أَسْمَاء السَّمَاء . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الرَّفِيق الْأَعْلَى الْجَنَّة . وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ عِنْد أَبِي إِسْحَاق : الرَّفِيق الْأَعْلَى الْجَنَّة ، وَقِيلَ بَلْ الرَّفِيق هُنَا اِسْم جِنْس يَشْمَل الْوَاحِد وَمَا فَوْقه وَالْمُرَاد الْأَنْبِيَاء وَمَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَة .(1/93)
وَقَدْ خُتِمَتْ بِقَوْلِهِ : ( وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) وَنُكْتَة الْإِتْيَان بِهَذِهِ الْكَلِمَة بِالْإِفْرَادِ الْإِشَارَة إِلَى أَنَّ أَهْل الْجَنَّة يَدْخُلُونَهَا عَلَى قَلْب رَجُل وَاحِد ، نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّهَيْلِيُّ . وَزَعَمَ بَعْض الْمَغَارِبَة أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ كَمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل رَفَعَهُ " إِنَّ اللَّه رَفِيق يُحِبّ الرِّفْق " كَذَا اِقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَالْحَدِيث عِنْد مُسْلِم عَنْ عَائِشَة فَعَزْوه إِلَيْهِ أَوْلَى . قَالَ : وَالرَّفِيق يَحْتَمِل أَنْ يَكُون صِفَة ذَات كَالْحَكِيمِ ، أَوْ صِفَة فِعْل . قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِهِ حَضْرَة الْقُدْس ، وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِهِ الْجَمَاعَة الْمَذْكُورُونَ فِي آيَة النِّسَاء . وَمَعْنَى كَوْنِهِمْ رَفِيقًا تَعَاوُنهمْ عَلَى طَاعَة اللَّه وَارْتِفَاق بَعْضهمْ بِبَعْضٍ ، وَهَذَا الثَّالِث هُوَ الْمُعْتَمَد . وَعَلَيْهِ اِقْتَصَرَ أَكْثَر الشُّرَّاح . وَقَدْ غَلَّطَ الْأَزْهَرِيّ الْقَوْل الْأَوَّل ، وَلَا وَجْه لِتَغْلِيطِهِ مِنْ الْجِهَة الَّتِي غَلَّطَهُ بِهَا وَهُوَ قَوْله : مَعَ الرَّفِيق أَوْ فِي الرَّفِيق ، لِأَنَّ تَأْوِيله عَلَى مَا يَلِيق بِاَللَّهِ سَائِغ . قَالَ السُّهَيْلِيُّ : الْحِكْمَة فِي اِخْتِتَام كَلَام الْمُصْطَفَى بِهَذِهِ الْكَلِمَة كَوْنها تَتَضَمَّن التَّوْحِيد وَالذِّكْر بِالْقَلْبِ حَتَّى يُسْتَفَاد مِنْهُ الرُّخْصَة لِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط أَنْ يَكُون الذِّكْر بِاللِّسَانِ لِأَنَّ بَعْض النَّاس قَدْ يَمْنَعهُ مِنْ النُّطْق مَانِع فَلَا يَضُرّهُ إِذَا كَانَ قَلْبه عَامِرًا بِالذِّكْرِ . اِنْتَهَى مُلَخَّصًا .(1/94)
- قَوْله : ( فَظَنَنْت أَنَّهُ خَيْر ) فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ : " فَقُلْت إِذًا لَا يَخْتَارنَا ، فَعَرَفْت أَنَّهُ حَدِيثه الَّذِي كَانَ يُحَدِّثنَا وَهُوَ صَحِيح " وَعِنْد أَبِي الْأَسْوَد فِي الْمَغَازِي عَنْ عُرْوَة " أَنَّ جِبْرِيل نَزَلَ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَخَيَّرَهُ " .( تَنْبِيه ) : قَالَ السُّهَيْلِيُّ : وَجَدْت فِي بَعْض كُتُب الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَوَّل كَلِمَة تَكَلَّمَ بِهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسْتَرْضَع عِنْد حَلِيمَة " اللَّه أَكْبَر " وَآخِر كَلِمَة تَكَلَّمَ بِهَا كَمَا فِي حَدِيث عَائِشَة " فِي الرَّفِيق الْأَعْلَى " وَرَوَى الْحَاكِم مِنْ حَدِيث أَنَس " أَنَّ آخِر مَا تَكَلَّمَ بِهِ : جَلَال رَبِّي الرَّفِيع " ...
? وقال البيهقي = ... عن عباد بن عبد الله بن الزبير أن عائشة أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم واصغت اليه قبل أن يموت وهو مسند الي صدرها يقول : اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق .
(أخرجاه من حديث هشام بن عروة ؛ البخاري في كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ؛وكتاب المرضى ، باب تمني المريض الموت / ومسلم في كتاب الفضائل ، باب فضائل عائشة رضي الله تعالى عنها... ولفظه : عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ.(1/95)
? وقال الامام احمد = ... عن عائشة قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وفي دولتي ، ولم أظلم فيه أحدا ، فمِن سفهي وحداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبض وهو في حجري ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ألْتَدِم مع النساء وأضرب وجهي ...
(أخرجه البيهقي في الدلائل ، ولفظه =... عن عائشة ، قالت : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين سحري ونحري ، في بيتي ، وفي يومي ، لم أظلم فيه أحدا ؛ فمن سفاهة رأيي وحداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في حجري ، فأخذت وسادة فوسدتها رأسه ، ووضعته من حجري ، ثم قمت مع النساء أبكي وألتدم ...
( وروى الشيخان وغيرهما قولها : " بين سحري ونحري" ؛ والمتفق عليه = ... عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَتَفَقَّدُ يَقُولُ: أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا ؟ اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ ؛ قَالَتْ : فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي ...
?شرح = السَّحْر : الرِّئَةُ ، وقيل السَّحْر ما لَصِق بالحُلقْوم من أعْلَى البَطْن ؛ والنحر : موضع الذبح من الرقبة ؛ والتَدمَ : اضطرب ، والْتَدمتِ المرأةُ : ضربت صدرها ووجهها ...
? وقال الامام احمد = ... قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من نبى إلا تقبض نفسه ، ثم يرى الثواب ، ثم ترد إليه فيخير بين أن ترد اليه وبين أن يلحق ...فكنت قد حفظت ذلك منه ، فإني لمسندته الى صدري فنظرت إليه حين مالت عنقه ، فقلت : قد قضى ؛ فعرفت الذي قال ، فنظرت اليه حين ارتفع فنظر : قالت : قلت : إذاً والله لا يختارنا ...فقال : مع الرفيق الأعلى في الجنة ، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا / تفرد به احمد ولم يخرجوه .(1/96)
?وقال الامام احمد =...عن عائشة قالت: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه بين سحري ونحري ؛ قالت: فلما خرجت نفسه ، لم أجد ريحا قط أطيب منها ... / وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة .
( ذكره البيهقي في الدلائل...
?وروى البيهقي =... عن أم سلمة قالت : وضعت يدي على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ، فمرت لي جمع آكل وأتوضأ وما يذهب ريح المسك من يدي ...
? وقال احمد = ...عن ابي بردة قال: دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من التي يدعون الملبدة فقالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض في هذين الثوبين ...
(رواه الجماعة إلا النسائي من طرق عن حميد بن هلال به ، وقال الترمذي حسن صحيح .
- لفظ البخاري : عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ : أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كِسَاءً مُلَبَّدًا وَقَالَتْ فِي هَذَا نُزِعَ رُوحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ / وَزَادَ سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي يَدْعُونَهَا الْمُلَبَّدَةَ .
- لفظ مسلم ،وأبوداود وابم ماجه ( نحوه ) : عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ وَكِسَاءً مِنْ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمُلَبَّدَةَ قَالَ فَأَقْسَمَتْ بِاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ فِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ ....
- ورواه ابن حبان ، وأبو يعلى ، وأبو عوانة ، وابن أبي شيبة ، والبهقي في الدلائل...
?شرح : الإزار : ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن ؛ والملبد : المرقع ، وقيل الملبد الذي ثخن وسطه وصفق حتى صار يشبه اللبدة ...(1/97)
? وقال الامام احمد = ... عن يزيد بن بابنوس قال ذهبت أنا وصاحب لي الى عائشة فاستأذنا عليها ، فألقت لنا وسادة وجذبت اليها الحجاب، فقال صاحبي: يا أم المؤمنين ، ما تقولين في العراك ؟ قالت وما العراك؟ فضربت منكب صاحبي ...قال : مه ، آذيت أخاك ...ثم قالت : ما العراك ؟ المحيض ؟ قولوا ما قال الله عز وجل في المحيض ؛ ثم قالت :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوشحني وينال من رأسي وبيني وبينه ثوب وأنا حائض ؛ ثم قالت :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر ببابي مما يلقي الكلمة ينفعني الله بها ، فمر ذات يوم فلم يقل شيئا ،ثم مر فلم يقل شيئا مرتين أو ثلاثا ، فقلت : يا جارية ، ضعي لي وسادة على الباب، وعصبت رأسي نفمر بي فقال : يا عائشة ، ما شأنك ؟ فقلت : أشتكي رأسي ...فقال: أنا واراساه... فذهب فلم يلبث إلا يسيرا حتى جيء به محمولا في كساء ، فدخل علي وبعث الى النساء فقال: إني قد اشتكيت ، وإني لا استطيع أن أدور بينكن ، فَأْذَنَّ لي فلأكنْ عند عائشة ...فكنت أمرضه ، ولم أمرض أحدا قبله ؛ فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي ، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة ، فخرجت من فيه نقطة باردة فوقعت على نقرة نحري، فاقشعر لها جلدي ، فظننت أنه غشي عليه ، فسجيته ثوبا ؛ فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا ، فأذنت لهما وجذبت الحجاب ، فنظر عمر اليه فقال: واغشياه ، ما أشد غشي رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ثم قاما ؛ فلما دنوا من الباب قال المغيرة : يا عمر مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت :كذبت ، بل أنت رجل تحوسك فتنة... إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفنى الله المنافقين ...قالت : ثم جاء أبو بكر ، فرفعت الحجاب ، فنظر اليه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ... مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم أتاه من قبل رأسه ، فحدر فاه ، فقبل جبهته ،ثم قال: وانبياه ...(1/98)
ثم رفع رأسه ، فحدر فاه وقبل جبهته ، ثم قال : واصفياه ... ثم رفع رأسه ، وحدر فاه وقبل جبهته وقال : واخليلاه ، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم .... وخرج الى المسجد وعمر يخطب الناس ويتكلم ويقول : إن رسول الله لا يموت حتى يفني الله المنافقين ...فتكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ،ثم قال: إن الله يقول : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) ( الزمر 30 -31 )... ويقول : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (آل عمران : 144 )... ثم قال : فمن كان يعبد الله فان الله حي لا يمون ، ومن كان يعبد محمداً فان محمداً قد مات ... فقال عمر : أو انها في كتاب الله ؟ ما شعرت أنها في كتاب الله ...ثم قال عمر : يا أيها الناس هذا أبو بكر وهو ذو سبية المسلمين فبايعوه فبايعوه .
( روى أبو داود والترمذي في الشمائل من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار عن ابي عمران الجوني به ببعضه .../ وذكره البيهقي في الدلائل.
? وقال الحافظ البيهقي = ... عن عبد الرحمن أن عائشة أخبرته أن ابا بكر اقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل ، فدخل المسجد ، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة ،فيمَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة ، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله ،ثم بكى ...ثم قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، والله لا يجمع عليك موتتين أبدا ، الموتة الأولى كتبت عليك فقدمتها .
((1/99)
رواه البخاري في كتاب الجنائز ، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه ؛ وفي كتاب المرضى ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ... ولفظه : عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ : أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمْ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا ... // وأخرجه ابن حبان ، والنسائي في الكبرى ، والبيهقي في الدلائل والكبرى ...
?شرح = البْرُدُ والبُرْدة : الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل كِساء أسود مُرَبَّع فيه صورٌ ؛ الحبرة : ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط ؛ مسجى : مغطى ؛ أبى : رفض وامتنع ...(1/100)
?قال الزهري وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر... فأبى عمر أن يجلس ؛ فقال: اجلس يا عمر... فأبى عمر أن يجلس ؛ فتشهد أبو بكر ، فاقبل الناس اليه فقال : أما بعد ؛ فمن كان منكم يعبد محمدا فان محمدا قد مات ن ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت ...قال الله تعالى : : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (آل عمران : 144 )... قال : فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم ، فما سمع بشر من الناس إلا يتلوها. // وقال الزهري وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت ابا بكر تلاها فعرفت أنه الحق ، فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى هويت إلى الأرض ، وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ...
(رواه البخاري في كتاب المرضى ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ...// وأخرجه الحاكم في المستدرك ، وعبد الرزاق في المصنف ، والبيهقي في الدلائل ، والطبراني في مسند الشاميين ...(1/101)
* فائدة * قال القرطبي عند تفسير قوله تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (آل عمران : 144 ) قال : أعلم الله تعالى في هذه الآية أن الرسل ليست بباقية في قومها أبدا، وأنه يجب التمسك بما أتت به الرسل وإن فقد الرسول بموت أو قتل...وأكرم نبيَّه وصفيَّه صلى الله عليه وسلم باسمين مشتقين من اسمه : محمد وأحمد ، وتقول العرب: رجل محمود ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة ، قال الشاعر
أبيت اللعن كان كلاله إلى الماجد القرم الجواد المحمد
وقال عباس بن مرداس :
يا خاتم النبآء إنك مرسل بالخير كل هدى السبيل هداكا
إن الاله بنى عليك محبة في خلقه ومحمدا سماكا
- فهذه الآية من تتمة العتاب مع المنهزمين، أي لم يكن لهم الانهزام وإن قتل محمد، والنبوة لا تدرأ الموت، والاديان لا تزول بموت الانبياء ....والله أعلم.
- وهذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجراءته، فإن الشجاعة والجرأة حدهما ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي صلى الله عليه وسلم ، فظهرت عنده شجاعته وعلمه....قال الناس: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم عمر، وخرس عثمان ، واستخفى علي، واضطرب الامر فكشفه الصديق بهذه الآية حين قدومه من مسكنه بالسنح // والسُّنْح موضع بعوالي المدينة ، وهى منازل بنى الحارث بن الخزرج، بينهما وبين منزل النبي صلى الله عليه وسلم ميل .(1/102)
- وفي سنن ابن ماجه عن عائشة قالت: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عند أمرأته ابنة خارجة بالعوالي، فجعلوا يقولون : لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بعض ما كان يأخذه عند الوحي...فجاء أبو بكر فكشف عن وجهه وقبل بين عينيه وقال: أنت أكرم على الله من أن يميتك مرتين...قد والله مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر في ناحية المسجد يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير وأرجلهم ...فقام أبو بكر فصعد المنبر فقال: من كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران : 144 - قال عمر: " فلكأني لم أقرأها إلا يومئذ "، ورجع عن مقالته التي قالها فيما ذكر الوائلي أبو نصر عبيد الله في كتابه الابانة: عن أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب حين بويع أبو بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم واستوى على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد قبل أبي بكر فقال: أما بعد ، فإني قلت لكم أمس مقالة وإنها لم تكن كما قلت ، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا - يريد أن يقول حتى يكون آخرنا موتا - فاختار الله عزوجل لرسوله الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسوله فخذوا به تهتدوا لما هدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم...(1/103)
قال الوائلي أبو: نصر المقالة التي قالها ثم رجع عنها هي " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت ولن يموت حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم " وكان قال ذلك لعظيم ما ورد عليه، وخشي الفتنة وظهور المنافقين ، فلما شاهد قوة يقين الصديق الاكبر أبي بكر، وتفوهه بقول الله عزوجل: " (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ) ( آل عمران ) وقوله : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) (الزمر : 30 ) وما قاله ذلك اليوم - تنبه وتثبت وقال: كأني لم أسمع بالآية إلا من أبي بكر...وخرج الناس يتلونها في سكك المدينة، كأنها لم تنزل قط إلا ذلك اليوم...ومات صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين بلا اختلاف، في وقت دخوله المدينة في هجرته حين اشتد الضحاء، ودفن يوم الثلاثاء، وقيل ليلة الاربعاء.
وقالت صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا وكنت بنا برا ولم تك جافيا
وكنت رحيما هاديا ومعلما ليبك عليك اليوم من كان باكيا
لعمرك ما أبكي النبي لفقده ولكن لما أخشى من الهرج آتيا
كأن على قلبي لذكر محمد وما خفت من بعد النبي المكاويا
أفاطم صلى الله رب محمد على جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول الله أمي وخالتي وعمي وآبائي ونفسي وماليا
صدقت وبلغت الرسالة صادقا ومت صليت العود أبلج صافيا
فلو أن رب الناس أبقى نبينا سعدنا ، ولكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية وأدخلت جنات من عدن راضيا
أرى حسنا أيتمته وتركته يبكي ويدعو جده اليوم ناعيا(1/104)
? وروى الحافظ البيهقي =... عن عروة بن الزبير في ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقام عمر بن الخطاب يخطب الناس ويتوعد من قال مات بالقتل والقطع ، ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غشية لو قد قام قتل وقطع ؛ وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن أم مكتوم في مؤخر المسجد يقرأ : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران : 144)... والناس في المسجد يبكون ويموجون لا يسمعون ، فخرج عباس بن عبد المطلب على الناس فقال : يا ايها الناس، هل عند أحد منكم من عهدٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفاته فليحدثنا ؟ قالوا : لا ...قال : هل عندك يا عمر من علم؟ قال :لا ... فقال العباس : اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يشهد على رسول الله بعهد عهده اليه في وفاته ، والله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت... قال: وأقبل أبو بكر رضي الله عنه من السنح على دابته حتى نزل بباب المسجد ، واقبل مكروبا حزينا ، فاستأذن في بيت ابنته عائشة فأذنت له فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي على الفراش ، والنسوة حوله فخمرن وجوههن واستترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة ، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجثا عليه يقبله ويبكي ويقول: ليس ما يقوله ابن الخطاب شيئا ، توفي رسول الله ، والذي نفسي بيده ؛ رحمة الله عليك يا رسول الله ، ما أطيبك حيّاً وميتاًً ...(1/105)
ثم غشاه بالثوب ، ثم خرج سريعا الى المسجد يتخطى رقاب الناس حتى أتى المنبر، وجلس عمر حين رأى ابا بكر مقبلا إليه ، وقام ابو بكر الى جانب المنبر ونادى الناس فجلسوا وأنصتوا ، فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد وقال : إن الله عز وجل نعى نبيه الى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم وهو الموت حتى لا يبقى منكم أحد إلا الله عز وجل .. قال تعالى: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) ...فقال عمر : هذه الآية في القرآن ؟ والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم... وقد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم :( (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) ...وقال الله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )... وقال تعالى :( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) ...وقال : (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ...(1/106)
وقال أبو بكر: إن الله عمر محمدا صلى الله عليه وسلم وأبقاه حتى أقام دين الله وأظهر أمر الله وبلغ رسالة الله وجاهد في سبيل الله ثم توفاه الله على ذلك ، وقد ترككم على الطريقة فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء ؛ فمن كان الله ربه فان الله حي لا يموت ، ومن كان يعبد محمدا وينزله إلها فقد هلك إلهه ؛ فاتقوا الله أيها الناس، واعتصموا بدينكم ، وتوكلوا على ربكم ، فان دين الله قائم ، وإن كلمة الله تامة ، وإن الله ناصر من نصره، ومعز دينه ، وأن كتاب الله بين أظهرنا ، وهو النور والشفاء ، وبه هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وفيه حلال الله وحرامه ، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله ، إن سيوف الله لمسلوله ما وضعناها بعد ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يبغين أحد إلا على نفسه ...ثم انصرف معه المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكر الحديث في غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه / قلت : كما سنذكره مفصلا بدلائله وشواهده إن شاء الله تعالى.
? وذكر الواقدي عن شيوخه قالوا : ولما شك في موت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : مات... وقال بعضهم: لم يمت ...وضعت اسماء بنت عميس يدها بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : قد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رفع الخاتم من بين كتفيه... فكان هذا الذي قد عرف به موته. هكذا أورده الحافظ البيهقي في كتابه دلائل النبوة من طريق الواقدي وهو ضعيف وشيوخه لم يسمون ثم هو منقطع بكل حال ومخالف لما صح وفيه غرابة شديدة وهو رفع الخاتم فالله أعلم بالصواب.(1/107)
? وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارا كثيرة فيها نكارات وغرابة شديدة أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها ونكارة متونها ولا سيما ما يورده كثير من القصاص المتأخرين وغيرهم فكثير منه موضوع لا محالة ، وفي الاحاديث الصحيحة والحسنة والمروية في الكتب المشهورة غنية عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده، والله أعلم ...............................................................................
فصل
في ذكر أمور مهمة وقعت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وقبل دفنه
?ومن أعظمها وأجلها وأيمنها بركة على الاسلام وأهله بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لما مات كان الصديق رضي الله عنه قد صلى بالمسلمين صلاة الصبح ، وكان إذ ذاك قد أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم إفاقة من غمرة ما كان فيه من الوجع ، وكشف سترة الحجرة ، ونظر الى المسلمين وهم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر فأعجبه ذلك وتبسم صلوات الله وسلامه عليه حتى هم المسلمون أن يتركوا ما هم فيه من الصلاة لفرحهم به وحتى أراد أبو بكر أن يتأخر ليصل الصف فأشار اليهم أن يمكثوا كما هم ، وأرخى الستارة ... وكان آخر العهد به عليه الصلاة والسلام ، فلما انصرف أبو بكر رضي الله عنه من الصلاة دخل عليه وقال لعائشة: ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قد أقلع عنه الوجع ، وهذا يوم بنت خارجة ، يعني إحدى زوجتيه ، وكانت ساكنة بالسُّنح شرقي المدينة، فركب على فرس له وذهب الى منزله ...وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم وقيل عند زوال الشمس ... والله أعلم.(1/108)
فلما مات واختلف الصحابة فيما بينهم ، فمن قائل يقول : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ...ومن قائل: لم يمت ...فذهب سالم بن عبيد وراء الصديق الى السُّنح فأعلمه بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء الصديق من منزله حين بلغه الخبر ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله وكشف الغطاء عن وجهه وقبله وتحقق أنه قد مات خرج الى الناس فخطبهم الى جانب المنبر وبين لهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمنا ، وأزاح الجدل ، وأزال الاشكال ، ورجع الناس كلهم اليه ، وبايعه في المسجد جماعة من الصحابة ، ووقعت شبهة لبعض الانصار ، وقام في أذهان بعضهم جواز استخلاف خليفة من الانصار ن وتوسط بعضهم بين أن يكون أمير من المهاجرين وأمير من الانصار ، حتى بين لهم الصديق أن الخلافة لا تكون إلا في قرش ، فرجعوا اليه وأجمعوا عليه كما سنبينه وننبه عليه ...........................
قصة سقيفة بني ساعدة(1/109)
? قال الامام احمد= ... عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس اخبره أن عبد الرحمن بن عوف رجع الى رحله ، قال ابن عباس: وكنت اقرئ عبد الرحمن بن عوف ، فوجدني وأنا انتظره ، وذلك بمنى في آخر حجة حجها عمر بن الخطاب فقال عبد الرحمن بن عوف: إن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال :إن فلانا يقول: لو قد مات عمر بايعت فلانا... فقال عمر : إني قائم العشية إن شاء الله في الناس، فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم ... قال عبد الرحمن فقلت : يا أمير المؤمنين ، لا تفعل ؛ فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ن وأنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمت في الناس ، فاخشى أن تقول مقالة يطير بها أولئك ، فلا يعوها ولا يضعوها مواضعها ، ولكن حتى تقدم المدينة ، فإنها دار الهجرة والسنة ، وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم فتقول ما قلت متمكنا فيعون مقالتك ويضعوها مواضعها ...قال عمر : لئن قدمت المدينة صالحا لأكلمنّ بها الناس في أول مقام أقومه ... فلما قدمنا المدينة ، في عقب ذي الحجة ، وكان يوم الجمعة ، عجلت الرواح صكة الاعمى ...قلت لمالك : وما صكة الاعمى ؟ قال : إنه لا يبالي أي ساعة خرج لا يعرف الحر والبرد ، أو نحو هذا ... فوجدت سعيد بن زيد عند ركن المنبر الأيمن قد سبقني، فجلست حذاءه تحك ركبتي ركبته ، فلم أنشب أن طلع عمر؛ فلما رأيته قلت: ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة ما قالها عليه أحد قبله.(1/110)
قال : فأنكر سعيد بن زيد ذلك ، وقال : ما عسيت أن يقول ما لم يقل أحد ؟ فجلس عمر على المنبر ، فلما سكت المؤذن ، قام فاثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد ، أيها الناس، فإني قائل مقالة وقد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن وعاها وعقلها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن لم يعها فلا أحل له أن يكذب علي ؛ إن الله بعث محمدا بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها وعقلناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : لا نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله عز وجل، فالرجم في كتاب الله حق على من زنا اذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ؛ ألا وإنا قد كنا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ؛ ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تطروني كما أطرى عيسى بن مريم فانما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله ...وقد بلغني أن قائلا منكم يقول: لو قد مات عمر، بايعت فلانا... فلا يغترن امرءٌ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ؛ ألا وإنها كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها ؛ وليس فيكم اليوم من تقطع اليه الاعناق مثل أبي بكر، وأنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتخلف عنها الانصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون الى أبي بكر، فقلت له : يا ابا بكر ، انطلق بنا الى إخواننا من الأنصار ؛ فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم ، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلت: نريد إخواننا من الأنصار... فقالا : لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين ...(1/111)
فقلت : والله لنأتينهم ؛ فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا هم مجتمعون واذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت: من هذا ؟ قالوا: سعد بن عبادة ... فقلت :ما له ؟ قالوا : وجع ... فلما جلسنا قام خطيبهم فاثنى على الله بما هو أهله وقال : أما بعد ، فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام ، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا وقد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من أصلنا وتحصنونا من الأمر ... فلما سكت أردت أن أتكلم ، وكنت قد زورت مقالة أعجبتني، أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد ، وهو كان أحكم مني وأوقر ... والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بدهته ؟ حتى سكت فقال :أما بعد، فما ذكرتم من خير فأنتم أهله ، وما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم، وأخد بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح ... فلم أكره مما قال غيرها ،كان والله أن اقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك الى اثم أحب الي أن أتأمر على قوم فيهم ابو بكر إلا ان تغير نفسي عند الموت... فقال قائل من الانصار: أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ... فقلت لمالك : ما يعني أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ؟ قال : كأنه يقول: أنا داهيتها ... قال : فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات حتى خشينا الاختلاف، فقلت :أبسطْ يدك يا أبا بكر ... فبسط يده ، فبايعته وبايعه المهاجرون ، ثم بايعه الانصار ، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم : قتلتم سعدا ... فقلت : قتل الله سعدا ... قال عمر : أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أرفق من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة ، فإما نبايعهم على ما لا نرضى وإما أن نخالفهم فيكون فساد ...(1/112)
فمن بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ، ولا بيعة للذي بايعه تَغِرَّةً أن يقتلا ... قال مالك : فأخبرني ابن شهاب عن عروة أن الرجلين اللذين لقياهما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي ...قال ابن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب أن الذي قال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، هو الخباب بن المنذر ...// وقد اخرج هذا الحديث الجماعة في كتبهم من طرق عن مالك وغيره عن الزهري به/
( وأخرجه أحمد ،وعبد الرزاق ، والطبراني ، وابن حبان ، وابن أبي شيبة...
((1/113)
وروى البخاري في كتاب الحدود ، باب: رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت...وأخرج حديثاً آخر من رواية عائشة في كتاب المناقب ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا ، وفيه : وَاجْتَمَعَتْ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا : مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ... فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ؛ فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ : وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ ...ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ : نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ ... فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ : لَا - وَاللَّهِ - لَا نَفْعَلُ ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ... فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا .. وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ ، وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ؛ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ ... فَقَالَ عُمَرُ :بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ ،وَبَايَعَهُ النَّاسُ ...فَقَالَ قَائِلٌ : قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ...فَقَالَ عُمَرُ : قَتَلَهُ اللَّهُ .(1/114)
?وقال الامام احمد = ...عن عبد الله بن مسعود قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت الانصار : منا أمير ، ومنكم أمير ...فأتاهم عمر فقال : يا معشر الانصار ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر ابا بكر ان يؤم الناس ؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ؟ فقالت الانصار :نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر ...
( رواه النسائي ، وعلي بن المديني عن حسين ابن علي وقال صحيح لا أحفظه إلا من حديث زائدة عن عاصم ، وقد رواه النسائي أيضا =...عن عمر مثله
?وعن ابن عباس عن عمر أنه قال : قلت: يا معشر المسلمين ، إن أولى الناس بأمر النبي ثاني اثنين إذ هما في الغار ، وأبو بكر السباق المسن ...ثم اخذت بيده ، وبدرني رجل من الانصار فضرب على يده قبل أن أضرب على يده ، ثم ضربت على يده ، وتبايع الناس ... وقد روى محمد بن سعد عن عارم بن الفضل عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد فذكر نحوا من هذه القصة وسمى هذا الرجل الذي بايع الصديق قبل عمر بن الخطاب فقال هو بشير بن سعد والد النعمان بن بشير ....
((1/115)
رواه ابن أبي شيبة...وفبي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الْآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْمٍ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَشَهَّدَ وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ قَالَ : كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَدْبُرَنَا - يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ - فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ ، هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ ، فَإِنَّهُ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ ... وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ.../ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ اصْعَدْ الْمِنْبَرَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَامَّةً ... وفي الشمائل للترمذي، ونحوه في الكبير للطبراني ، ومسند عبد بن حميد : ... واجتمع المهاجرون يتشاورون ، فقالوا : انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار ندخلهم معنا في هذا الأمر ، فقالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، فقال عمر بن الخطاب : من له مثل هذه الثلاث: ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) من هما ؟ قال : ثم بسط يده فبايعه وبايعه الناس بيعة حسنة جميلة ...
اعتراف سعد بن عبادة بصحة ما قاله الصديق يوم السقيفة(1/116)
?قال الامام احمد = ... عن حميد بن عبد الرحمن قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر رضي الله عنه في صائفه من المدينة ، قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله وقال : فداك أبي وأمي، ما أطيبك حيا وميتا ؛ مات محمد ورب الكعبة ..(فذكر الحديث ) . ...قال : فانطلق أبو بكر وعمر يتعادان حتى أتوهم فتكلم ابو بكر فلم يترك شيئا أنزل في الانصار ولا ذكره رسول الله من شأنهم إلا ذكره ؛ وقال: لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو سلك الناس واديا وسلكت الانصار واديا سلكت وادي الانصار ... ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وأنت قاعد : قريش ولاة هذا الامر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم ... فقال له سعد : صدقت ... نحن الوزراء وأنتم الأمراء .
?وقال الامام احمد = ... عن رافع الطائي رفيق أبي بكر الصديق في غزوة ذات السلاسل قال: وسألته عما قيل في بيعتهم ، فقال وهو يحدثه عما تقاولت به الانصار وما كلمهم به وما كلم به عمر بن الخطاب الانصار وما ذكرهم به من إمامتي إياهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، فبايعوني لذلك وقبلتها منهم وتخوفت أن تكون فتنة بعدها ردة .../ وهذا اسناد جيد قوي ؛ ومعنى هذا أنه رضي الله عنه انما قبل الإمامة تخوفاً أن يقع فتنة أربى من تركه قبولها رضي الله عنه وأرضاه ... قلت كان هذا في بقية يوم الاثنين ، فلما كان الغد صبيحة يوم الثلاثاء اجتمع الناس في المسجد فتمّت البيعة من المهاجرين والانصار قاطبة ، وكان ذلك قبل تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ...(1/117)
? قال البخاري = ...عن أنس بن مالك أنه سمع خطبة عمر الأخيرة حين جلس على المنبر ، وذلك الغد من يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر صامت لا يتكلم ،قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا - يريد بذلك أن يكون آخرهم - فان يك محمد قد مات فان الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به، هدى محمدا صلى الله عليه وسلم ، وأن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين وأنه أولى المسلمين بأموركم، فقدموا فبايعوه ... وكانت طائفة قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر.../ قال الزهري عن أنس بن مالك سمعت عمر يقول يومئذ لأبي بكر اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه عامة الناس.
( رواه البخاري في كتاب الأحكام ، بال : الإستخلاف...
( وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه ، وفيه قول عمر رضي الله عنه : فإن يك محمد قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به ، هذا كتاب الله فاعتصموا به ، تهتدون لما هدى الله به محمدا صلى الله عليه وسلم
ثم إن أبا بكر - رحمه الله - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين ، وإنه أولى الناس بأموركم ، فقوموا ، فبايعوه .../ قال الزهري : وأخبرني أنس قال : لقد رأيت عمر يزعج أبا بكر إلى المنبر إزعاجا .
( وأخرجه ابن حبان ، والبيهقي في الدلائل ،والطبراني في مسند الشاميين ...(1/118)
? وقال محمد بن اسحاق = حدثني الزهري ،حدثني أنس بن مالك قال: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد ، جلس أبو بكر على المنبر وقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهدها الي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكني كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا - يقول يكون آخرنا - وان الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول الله ، فان اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه الله له ، وأن الله قد جمع أمركم على خيركم ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثاني اثنين إذ هما في الغار ، فقوموا فبايعوه ... فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ؛ ثم تكلم ابو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : أما بعد ؛ أيها الناس، فاني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ،وإن اسأت فقوموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله ، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق ان شاء الله ... لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا يشيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء ... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ... قوموا الى صلاتكم يرحمكم الله .../ وهذا إسناد صحيح / فقوله رضي الله عنه : وليتكم ولست بخيركم ، من باب الهضم والتواضع فإنهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي الله عنهم.
((1/119)
ورواه عبد الرزاق في مصنفه ، وفيه : خطبنا أبو بكر قال : يا أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن ضعفت فقوموني ، وإن أحسنت فأعينوني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، الضعيف فيكم القوي عندي حت أزيح عليه حقه إن شاء الله ، والقوي فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالفقر ، ولا ظهرت - أو قال : شاعت - الفاحشة في قوم إلا عممهم البلاء ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.(1/120)
? وقال الحافظ أبو بكر البيهقي= ... عن ابي سعيد الخدري قال : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر، قال: فقام خطيب الانصار فقال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين ونحن كنا أنصار رسول الله ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره ؟ قال : فقام عمر بن الخطاب فقال : صدق قائلكم ، أما لو قلتم على غير هذا لم نبايعكم ؛ وأخذ بيد أبي بكر وقال : هذا صاحبكم فبايعوه ... فبايعه عمر ، وبايعه المهاجرون والانصار... قال: فصعد ابو بكر المنبر ، فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير ...قال : فدعا بالزبير فجاء ، فقال قلت ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين ؟ فقال : لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام فبايعه ...ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا ، فدعا بعلي بن أبي طالب فجاء : فقال: قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين : قال لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعه ... هذا أو معناه / وقال أبو علي الحافظ سمعت محمد بن اسحاق بن خزيمة يقول جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رقعة وقرأته عليه وهذا حديث يسوى بدنة بل يسوى بدرة ...
((1/121)
ورواه الحاكم في مستدركه ، ولفظه = ... عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم ، يقول : يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا ، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا ، قال : فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك ، فقام زيد بن ثابت ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين ، وإن الإمام يكون من المهاجرين ، ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام أبو بكر رضي الله عنه ، فقال : جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار ، وثبت قائلكم ،« ثم قال : أما لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم « ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر ، فقال : هذا صاحبكم ، فبايعوه ، ثم انطلقوا ، فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا فسأل عنه ، فقام ناس من الأنصار فأتوا به ، فقال أبو بكر : ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين ؟ فقال : لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه ، ثم لم ير الزبير بن العوام فسأل عنه حتى جاءوا به ، فقال : ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين ، فقال مثل قوله : لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعاه ... /هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
?شرح : الختن : قريب الزوجة كأبيها وأخيها ، وزوج الابنة ، وزوج الأخت ... والحواري : الناصر والصديق والمعين ...(1/122)
? وقد رواه البيهقي عن الحاكم وأبي محمد بن حامد المقري كلاهما عن أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم عن جعفر بن محمد بن شاكر عن عفان بن سلم عن وهيب به ولكن ذكر أن الصديق هو القائل لخطيب الانصار بدل عمر ، وفيه أن زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعوه ثم انطلقوا فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا فسأل عنه فقام ناس من الانصار فأتوا به فذكر نحو ما تقدم ثم ذكر قصة الزبير بعد علي ...فالله أعلم .(1/123)
? وقد رواه على بن عاصم عن الجريري عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدري فذكر نحو ما تقدم وهذا اسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري وفيه فائدة جليلة وهي مبايعة علي بن أبي طالب إما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة ، وهذا حق فان علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه كما سنذكره ، وخرج معه الى ذي القصة لما خرج الصديق شاهرا سيفه يريد قتال أهل الردة كما سنبينه قريبا، ولكن لما حصل من فاطمة رضي الله عنها عتب على الصديق بسبب ما كانت متوهمة من أنها تستحق ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تعلم بما أخبرها به الصديق رضي الله عنه أنه قال : لا نورث ما تركنا فهو صدقة ؛ فحجبها وغيرها من أزواجه وعمه عن الميراث بهذا النص الصريح ؛ فسالته أن ينظر علي في صدقة الأرض التي بخيبر وفدَك فلم يجبها الى ذلك لأنه رأى أن حقا عليه أن يقوم في جميع ما كان يتولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق البار الراشد التابع للحق رضي الله عنه ، فحصل لها وهي امرأة من البشر ليست براجبة العصمة عتبٌ وتغضُّب ، ولم تكلم الصديق حتى ماتت ، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء ، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنه كما سنذكره من الصحيحين وغيرهما فيما بعد ان شاء الله تعالى مع ما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ويزيد ذلك صحة قول موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن ابراهيم حدثني ابي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر وان محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ثم خطب ابو بكر واعتذر الى الناس وقال : ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة ولا سألتها في سر ولا علانية ...(1/124)
فقبِل المهاجرون مقالته ، وقال علي والزبير : ما غضبنا إلا لأنّا أخرنا عن المشورة وأنّا نرى ان ابا بكر احق الناس بها ، إنه لصاحب الغار وإنّا لنعرف شرفه وخبره ، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يصلي بالناس وهو حي.../ اسناد جيد ولله الحمد والمنة .
فصل خلافة أبي بكر
? ومن تأمل ما ذكرناه ظهر له اجماع المهاجرين منهم والأنصار على تقديم أبي بكر ، وظهر برهان قوله عليه السلام : يابى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ، وظهر له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينص على الخلافة عينا لأحد من الناس لا لأبي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنة ولا لعلي كما يقوله طائفة من الرافضة ولكن أشار إشارة قوية يفهمها كل ذي لب وعقل الى الصديق كما قدمنا وسنذكره ولله الحمد كما ثبت في الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له: ألا تستخلف يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير مني - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال ابن عمر : فعرفت حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غير مستخلف .
( رواه البخاري في كتاب الأحكام ، باب : الإستخلاف ؛ ولفظه : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قِيلَ لِعُمَرَ : أَلَا تَسْتَخْلِفُ قَالَ إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ رَاغِبٌ رَاهِبٌ وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ لَا أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا ...
((1/125)
ورواه مسلم في كتاب الإمارة ، باب : الإستخلاف وتركه ؛ ولفظه : عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : حَضَرْتُ أَبِي حِينَ أُصِيبَ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ وَقَالُوا جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَالَ رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ قَالُوا اسْتَخْلِفْ فَقَالَ أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا لَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّي مِنْهَا الْكَفَافُ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي فَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَإِنْ أَتْرُكْكُمْ فَقَدْ تَرَكَكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ ...
?وقال سفيان الثوري عن عمرو بن قيس عن عمرو بن سفيان قال : لما ظهر علي على الناس قال: يا أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الامارة شيئا حتى رأينا من الرأي أن نستخلف ابا بكر فأقام واستقام حتى مضى لسبيله ، ثم إن ابا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر فأقام واستقام حتى مضى لسبيله أو قال حتى ضرب الدين بجرانه ...
( رواه أحمد ، ولفظه : عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا عَهْدًا نَأْخُذُ بِهِ فِي الْإِمَارَةِ وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ رَأَيْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِنَا ثُمَّ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى عُمَرَ فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ.
((1/126)
وأخرجه الحاكم من طريق أخرى ، عن عمرو بن سفيان قال : خطبنا علي يوم الجمل ، فقال : أين مروحي القوم ؟ قال : قلنا هم صرعى حول الجمل ، قال : فقال : أما بعد ، فإن هذه الإمارة لم يعهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها عهدا يتبع أثره ، ولكنا رأيناها تلقاء أنفسنا ، استخلف أبو بكر فأقام واستقام ، ثم استخلف عمر فأقام واستقام ، ثم ضرب الدهر بجرانه .
?شرح :الجران : باطن العنق ، والمراد : استقامته وقَرارُه، كما أن البعير إذا برَك واسْتَراح مدّ عُنُقَه على الأرض.
?وقال الامام احمد= ... عن عمرو بن سفيان قال : خطب رجل يوم البصرة حين ظهر علي رضي الله عنه فقال علي هذا الخطيب الشحشح : سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر وثلث عمر ثم خبطتنا فتنة بعدهم يصنع الله فيها ما شاء ...
?شرح : الخطيب الشحشح هو الماهر الماضي في الكلام، من قولهم: قطاة شحشح، سريعة حادة، وناقة شحشح.
? وقال الحافظ البيهقي = ... عن أبي وائل قال : قيل لعلي بن ابي طالب : ألا تستخلف علينا ؟ فقال: ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخلف ؟ ولكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم ... / إسناد جيد ولم يخرجوه .
(ورواه الحاكم في مستدركه ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .(1/127)
? وقد قدمنا ما ذكره البخاري من حديث الزهري عن عبد الله ابن كعب بن مالك عن ابن عباس أن عباسا وعليا لما خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل : كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال علي : أصبح بحمد الله بارئا ... فقال العباس : انك والله عبد العصا بعد ثلاث ، إني لأعرف في وجوه بني هاشم الموت ، وإني لأرى في وجه رسول الله الموت، فاذهب بنا إليه فنسأله فيمن هذا الأمر ؟ فإن كان فينا عرفناه ، وإن كان في غيرنا أمرناه فوصاه بنا ...فقال علي: إني لا اسأله ذلك ،والله ان منعناها لا يعطيناها الناس بعده أبدا ...
? وقد رواه محمد بن اسحاق عن الزهري به فذكره ، وقال فيه : فدخلا عليه في يوم قبض صلى الله عليه وسلم ...فذكره ، وقال في آخره : فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم./ قلت فهذا يكون في يوم الاثنين يوم الوفاة فدل على أنه عليه السلام توفي عن غير وصية في الإمارة .
?وفي الصحيحين عن ابن عباس أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب ذلك الكتاب ... وقد قدمنا أنه عليه السلام كان طلب أن يكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده فلما أكثروا اللغط والاختلاف عنده قال : قوموا عني ، فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه ...وقد قدمنا أنه قال بعد ذلك: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر .
((1/128)
حديث ابن عباس رواه البخاري في كتاب العلم ، باب : كتابة العلم ؛ وفي كتاب المغازي ، باب : مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ؛ وفي كتاب المرضى ، باب: قول المريض قوموا عني ؛ وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب كراهية الخلاف ...ورواه مسلم في كتاب الوصية ، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه ؛ ولفظه البخاري في كتاب العلم : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قَالَ : ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ ...قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا ، فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَطُ ، قَالَ : قُومُوا عَنِّي وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ ...فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كِتَابِهِ.
? وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عون عن ابراهيم التيمي عن الاسود قال قيل لعائشة أنهم يقولون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى الى علي فقالت بما أوصى الى علي لقد دعا بطست ليبول فيها وأنا مسندته الى صدري فانحنف فمات وما شعرت ، فيم يقول هؤلاء انه أوصى الى علي ؟
( رواه البخاري في كتاب الوصايا ...
(ومسلم في كتاب الوصية ، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه ؛ ولفظه : ... عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ وَصِيًّا ، فَقَالَتْ : مَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ ؟ فَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِي -أَوْ قَالَتْ :حَجْرِي - فَدَعَا بِالطَّسْتِ فَلَقَدْ انْخَنَثَ فِي حَجْرِي وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُ مَاتَ فَمَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ ...(1/129)
? شرح : انخنث ، بالنون والخاء المعجمة ثم نون فمثلثة ، أي انثنى ومال ...
? وفي الصحيحين من حديث مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ...قلت : فلم امرنا بالوصية ؟ قال: أوصى بكتاب الله عز وجل ... // قال طلحة بن مصرف وقال هذيل بن شرحبيل: أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ود أبو بكر أنه وجد عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرم أنفه بخرامة ...
(رواه البخاري في كتاب الوصايا ، وفي كتاب المغازي ، باب : مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ؛ وفي كتاب فضائل القرآن ،باب الوصية بكتاب الله عز وجل...
(ورواه مسلم في كتاب الوصية ، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه ، ولفظه : عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى : هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟فَقَالَ : لَا ... قُلْتُ: فَلِمَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ ؟ - أَوْ فَلِمَ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ ؟ - قَالَ أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ...(1/130)
? وفي الصحيحين أيضا من حديث الاعمش عن ابراهيم التيمي عن أبيه قال : خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : من زعم أن عندنا شيئا نقرأه ليس في كتاب الله وهذه الصحيفة - لصحيفة معلقة في سيفه فيها اسنان الابل وأشياء من الجراحات - فقد كذب ...وفيها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المدينة حرم ما بين عير الى ثور ، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ، ومن ادعى الى غير أبيه أو انتمى الى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا...
( رواه البخاري في كتاب الحج ، باب : حرم المدينة ؛ وطرفا منه في كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة ، باب : إثم من آوى محدثا ...
( ورواه مسلم في كتاب الحج ، باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها ...(1/131)
+ وهذا الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما عن علي رضي الله عنه يرد على فرقة الرافضة في زعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى إليه بالخلافة ، ولو كان الأمر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة فانهم كانوا أطوع لله ولرسوله في حياته وبعد وفاته من أن يقتاتوا عليه فيقدموا غير من قدمه ويؤخروا من قدمه بنصه ، حاشا وكلا...ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم الى الفجور والتواطئ على معاندة الرسول صلى الله عليه وسلم ومضادتهم في حكمه ونصه، ومن وصل من الناس الى هذا المقام فقد خلع ربقة الاسلام وكفر باجماع الائمة الاعلام ، وكان إراقة دمه أحل من إراقة المدام ؛ ثم لو كان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه نص ، فلمَ لمْ يحتجّ به على الصحابة على اثبات إمارته عليهم وإمامته لهم ؟ فان لم يقدر على تنفيذ ما معه من النص فهو عاجز ، والعاجز لا يصلح للإمارة ، وان كان يقدر ولم يفعله فهو خائن ، والخائن الفاسق مسلوب معزول عن الامارة، وان لم يعلم بوجود النص فهو جاهل، ثم وقد عرفه وعلمه من بعده ، هذا محال وافتراء وجهل وضلال ، وإنما يحسن هذا في اذهان الجهلة الطغام والمغترين من الأنام يزينه لهم الشيطان بلا دليل ولا برهان بل بمجرد التحكم والهذيان والافك والبهتان ، عياذا بالله مما هم فيه من التخليط والخذلان والتخبيط والكفران ، وملاذا بالله بالتمسك بالسنة والقرآن والوفاة على الاسلام والايمان والموافاة على الثبات والايقان وتثقيل الميزان والنجاة من النيران والفوز بالجنان انه كريم منان رحيم رحمن ...وفي هذا الحديث الثابت في الصحيحين عن علي الذي قدمناه رد على مقولة كثير من الطرقية والقصاص الجهلة في دعواهم ان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى الى علي بأشياء كثيرة يسوقونها مطولة : يا علي، افعل كذا ...يا علي ، لا تفعل كذا ... يا علي ، من فعل كذا كان كذا وكذا...(1/132)
بالفاظ ركيكة ومعاني أكثرها سخيفة وكثير منها صحيفة لا تساوي تسويد الصحيفة ....والله أعلم .
?وقد اورد الحافظ البيهقي من طريق حماد بن عمرو النصيبي وهو أحد الكذابين الصواغين عن السري بن خلاد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا علي، أوصيك بوصية أحفظها فانك لا تزال بخير ما حفظها ؛ يا علي ، ان للمؤمن ثلاث علامات: الصلاة والصيام والزكاة ... قال البيهقي: فذكر حديثا طويلا في الرغائب والآداب وهو حديث موضوع ، وقد شرطت في أول الكتاب أن لا أخرج فيه حديثا أعلمه موضوعا ... ثم روى من طريق حماد بن عمرو هذا عن زيد بن رفيع عن مكحول الشامي قال: هذا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب حين رجع من غزوة حنين وأنزلت عليه سورة النصر ...قال البيهقي: فذكر حديثا طويلا في الفتنة وهو أيضا حديث منكر ليس له أصل ...وفي الأحاديث الصحيحية كفاية وبالله التوفيق ...
فصل
في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومبلغ سنه حال وفاته
وفي كيفية غسله عليه السلام والصلاة عليه ودفنه وموضع قبره صلوات الله وسلامه عليه
? لا خلاف أنه عليه السلام توفي يوم الاثنين... قال ابن عباس : ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، ونبئ يوم الاثنين ، وخرج من مكة مهاجرا يوم الاثنين ، ودخل المدينة يوم الاثنين ،ومات يوم الاثنين .
( رواه الامام احمد والبيهقي
?وقال سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال لي أبو بكر :أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : يوم الاثنين ..فقال : اني لأرجو أن أموت فيه ؛ فمات فيه ...
(رواه البيهقي
? وقال الامام احمد = ... عن عائشة قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء
( تفرد به احمد(1/133)
? وقال عروة بن الزبير في مغازيه وموسى بن عقبة عن ابن شهاب: لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، أرسلت عائشة الى ابي بكر وأرسلت حفصة الى عمر وارسلت فاطمة الى علي، فلم يجتمعوا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في صدر عائشة ، وفي يومها يوم الاثنين ، حين زاغت الشمس لهلال ربيع الاول ...
((1/134)
أخرجه البيهقي في الدلائل ، وفي لفظ آخر له : ... عن عمه موسى بن عقبة قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - يعني من حجة الوداع - ، فعاش بالمدينة حين قدمها بعد صدرة المحرم واشتكى في صفر فوعك أشد الوعك واجتمع إليه نساؤه كلهن يمرضنه ، وقال نساؤه : يا رسول الله، إنه ليأخذك وعك ما وجدنا مثله على أحد قط غيرك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كما يعظم لنا الأجر كذلك يشتد علينا البلاء ... واشتد عليه الوعك أياما وهو في ذلك ينحاز إلى الصلوات حتى غلب، فجاءه المؤذن فأذنه بالصلاة فنهض فلم يستطع من الضعف ، ونساؤه حوله ، فقال للمؤذن : اذهب إلى أبي بكر فأمره فليصل ، فقالت عائشة : يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق وإنه إن أقام في مقامك بكى ، فأمر عمر بن الخطاب فليصل بالناس ...(1/135)
فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، قالت : فعدت فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، إنكن صواحب يوسف ، قالت : فصمتُّ عنه ، فلم يزل أبو بكر يصلي بالناس حتى كانت ليلة الإثنين من شهر ربيع الأول فأقلع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوعك فأصبح مفيقا فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن عباس وغلام له يدعى : نوْبة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقد سجد الناس مع أبي بكر من صلاة الصبح وهو قائم في الأخرى فتخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف يفرجون له حتى قام إلى جنب أبي بكر ، فاستأخر أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه فقدمه في مصلاه فصفا جميعا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأبو بكر قائم يقرأ القرآن ، فلما قضى أبو بكر قرآنه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع معه الركعة الآخرة ، ثم جلس أبو بكر حين قضى سجوده يتشهد ، والناس جلوس فلما سلم أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الآخرة ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد ، والمسجد يومئذ سقفه من جريد وخوص ليس على السقف كثير طين ، إذا كان المطر امتلأ المسجد طينا إنما هو كهيئة العريش ...(1/136)
وكان أسامة بن زيد قد تجهز للغزو وخرج في نقله إلى الجرف فأقام تلك الأيام بشكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره على جيش عامته المهاجرون فيهم عمر بن الخطاب وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغير على مؤتة وعلى جانب فلسطين حيث أصيب زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الجذع واجتمع إليه المسلمون يسلمون عليه ويدعون له بالعافية ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد فقال : اغدُ على بركة الله والنصر والعافية ، ثم أغر حيث أمرتك أن تغير ، قال أسامة : يا رسول الله قد أصبحت مفيقا وأرجو أن يكون الله عز وجل قد عافاك ، فأذن لي فأمكث حتى يشفيك الله فإني إن خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي نفسي منك قرحة وأكره أن أسأل عنك الناس ...فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام فدخل بيت عائشة ، ودخل أبو بكر على ابنته عائشة فقال : قد أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا وأرجو أن يكون الله عز وجل قد شفاه ، ثم ركب فلحق بأهله بالسُّنح ، وهنالك كانت امرأته حبيبة بنت خارجة بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج ، وانقلبت كل امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتها ، وذلك يوم الاثنين ، ووعك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع أشد الوعك واجتمع إليه نساؤه وأخذ بالموت فلم يزل كذلك حتى زاغت الشمس من يوم الاثنين يغمى ، زعموا عليه الساعة ثم يفيق ، ثم يشخص بصره إلى السماء فيقول : في الرفيق الأعلى ( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) ...(1/137)
قال ذلك - زعموا مرارا - كلما أفاق من غشيته فظن النسوة أن الملك خيره في الدنيا ويعطى فيها ما أحب ، وبين الجنة فيختار رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة وما عند الله من حسن الثواب . واشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم الوجع فأرسلت فاطمة إلى علي بن أبي طالب ، وأرسلت حفصة إلى عمر بن الخطاب ، وأرسلت كل امرأة إلى حميمها ، فلم يرجعوا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدر عائشة ، في يومها يوم الاثنين حين زاغت الشمس لهلال شهر ربيع الأول صلى الله عليه وسلم ....
?شرح: وعك = أصابه ألم من شدة المرض والحمى والتعب ... الغُدُو= السير أول النهار... العريش = كل ما يستظل به ... الإغارة = النهب والوقوع على العدو بسرعة ، وقيل الغفلة... الغدو = السير والذهاب والتبكير أول النهار ... زاغت الشمس= مالت ... يشخص = ينظر إلى أعلى ويرفع البصر... الرفيق = المراد : قريبا من الله ... الغشي = فقدان الوعي ، والإغماءدلائل النبوة للبيهقي // الآية الكريمة : مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء 69 )
?وقال أبو يعلى= ... عن أنس قال : آخر نظرة نظرتها الى رسول الله يوم الاثنين ،كشف الستارة والناس خلف أبي بكر ، فنظرت الى وجهه كأنه ورقة مصحف، فأراد الناس أن ينحرفوا فأشار إليهم أن امكثوا وألقي السجف ، وتوفي من آخر ذلك اليوم .../ وهذا الحديث في الصحيح وهو يدل على أن الوفاة وقعت بعد الزوال ...والله أعلم.
( رواه بهذا اللفظ النسائي، وأحمد ، وابن ماجه ، والترمذي في الشمائل ، والحميدي ، وأبو عوانة...
((1/138)
ورواه مسلم ، قال : ...عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا ... قَالَ : فَبُهِتْنَا وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَحٍ بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ لِلصَّلَاةِ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ... قَالَ ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْخَى السِّتْرَ ...قَالَ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ // و حَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ السِّتَارَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ / وَحَدِيثُ صَالِحٍ أَتَمُّ وَأَشْبَعُ ...
?شرح : السجف = الستر ، أو الستارة .(1/139)
+ وفي حديث آخر رواه مسلم ، وأحمد ،والنسائي، وأبو داود ،وابن ماجه ، وابن حبان ، وابن خزيمة...وغيرهم ؛ ولفظه عند مسلم :... عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ...//وقَال : كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتْرَ وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ...إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ ...
? وروى يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد بن بكار عن محمد بن شعيب وعن صفوان عن عمر بن عبد الواحد جميعا عن الاوزاعي أنه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار.
( ذكره البيهقي في دلائل النبوة ، وفي آخره : ... ودفن يوم الثلاثاء .
?وقال البيهقي =... عن المعتمر بن سليمان عن أبيه وهو سليمان بن طرخان التيمي في كتاب المغازي قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر ، وبدأه وجعه عند وليدة له يقال لها ريحانة كانت من سبي اليهود ، وكان أول يوم مرض يوم السبت ، وكانت وفاته عيله السلام يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه عليه السلام المدينة .
( ذكره البيهقي في دلائل النبوة(1/140)
?وقال الواقدي = ...حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاربعاء لاحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة احدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة فاجتمع عنده نساؤه كلهن فاشتكى ثلاثة عشر يوما وتوفى يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة .// وقال= وقالوا بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاربعاء لليلتين خلتا من ربيع الاول سنة إحدى عشرة .// وقال = وقالوا بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاربعاء لليلتين بقيتا من صفر وتوفي يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الاول وهذا جزم به محمد بن سعد كاتبه وزاد ودفن يوم الثلاثاء // قال الواقدي = ... عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدئ في بيت ميمونة...
?وقال يعقوب بن سفيان :حدثنا احمد بن يونس ثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر يوما فكان اذا وجد خفة صلى واذا ثقل صلى أبو بكر رضي الله عنه
? وقال محمد بن اسحاق = توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجرا واستكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته عشر سنين كوامل
? وقال الواقدي= وهو المثبت عندنا وجزم به محمد بن سعد كاتبه وقال يعقوب بن سفيان عن يحيى بن بكير عن الليث أنه قال: توفي رسول الله يوم الاثنين لليلة خلت من ربيع الأول وفيه قدم المدينة على رأس عشر سنين من مقدمه
?وقال سعد بن أبراهيم الزهري= توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة رواه ابن عساكر
? ورواه الواقدي عن أبي معشر عن محمد بن قيس مثله سواء وقاله خليفة بن خياط أيضا
? وقال أبو نعيم الفضل بن دكين = توفي رسول الله يوم الاثنين مستهل ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مقدمه المدينة(1/141)
? ورواه ابن عساكر أيضا وقد تقدم قريبا عن عروة وموسى بن عقبة والزهري مثله فيما نقلناه عن مغازيهما فالله أعلم ....
?والمشهور قول ابن اسحاق والواقدي ؛ ورواه الواقدي عن ابن عباس عن عائشة رضي الله عنها فقال: حدثني ابراهيم بن يزيد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة قالا : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الاول
?ورواه ابن اسحاق عن عبد الله بن ابي بكر بن حزم عن أبيه مثله وزاد: ودفن ليلة الأربعاء .
?وروى سيف بن عمر عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ارتحل فأتى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا ومات يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول .
?وروى أيضا عن محمد بن اسحاق عن الزهري عن عروة وفي حديث فاطمة عن عمرة عن عائشة مثله إلا أن ابن عباس قال في أوله : لأيام مضين منه ، وقالت عائشة : بعد ما مضى أيام منه ...(1/142)
+ فائدة : قال أبو القاسم السهيلي في الروض ما مضمونه : لا يتصور وقوع وفاته عليه السلام يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول من سنة احدى عشرة ، وذلك لأنه عليه السلام وقف في حجة الوداع سنة عشر يوم الجمعة فكان أول ذي الحجة يوم الخميس ، فعلى تقدير أن تحسب الشهور تامة أو ناقصة أو بعضها تام وبعضها ناقص لا يتصور أن يكون يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول ، وقد اشتهر هذا الايراد على هذا القول وقد حاول جماعة الجواب عنه ولا يمكن الجواب عنه إلا بمسلك واحد وهو اختلاف المطالع بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس ، وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة ، ويؤيد هذا قول عائشة وغيرها : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة ، يعني من المدينة الى حجة الوداع... ويتعين بما ذكرناه أنه خرج يوم السبت وليس كما زعم ابن حزم انه خرج يوم الخميس لأنه قد بقي اكثر من خمس بلا شك ، ولا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة لأن أنسا قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ، فتعين أنه خرج يوم السبت لخمس بقين ، فعلى هذا انما رأى أهل المدينة هلال ذي الحجة ليلة الجمعة ، واذا كان أول ذي الحجة عند أهل المدينة الجمعة وحسبت الشهور بعده كوامل يكون أول ربيع الاول يوم الخميس فيكون ثاني عشره يوم الاثنين ...والله أعلم.
? وثبت في الصحيحين من حديث مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير ، وليس بالابيض الامهق ، ولا بالآدم ،ولا بالجعد القطط ، ولا بالسبط ، بعثه الله عز وجل على رأس أربعين سنة فاقام بمكة عشر سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء .
((1/143)
رواه البخاري في كتاب المناقب ، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وفي كتاب اللباس ، باب : الجعد ...وفي رواية له :... عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ ...قَالَ رَبِيعَةُ فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ فَسَأَلْتُ فَقِيلَ احْمَرَّ مِنْ الطِّيبِ ...
( ورواه مسلم في كتاب الفضائل، باب : في صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وسنه...
(وأخرجه مالك في الموطأ ، والترمذي ، وأحمد ، والطبراني ، وابن حبان ، وغيرهم..
?وهكذا رواه ابن وهب عن عروة عن الزهري عن أنس وعن قرة بن ربيعة عن انس مثل ذلك قال الحافظ ابن عساكر حديث قرة عن الزهري غريب وأما من رواية ربيعة عن انس فرواها عنه جماعة كذلك ثم اسند من طريق سليمان بن بلال من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وربيعة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين ...
? وكذلك رواه ابن البربري ونافع بن ابي نعيم عن ربيعة عن انس به قال : والمحفوظ عن ربيعة عن انس ستون ...ثم اورده ابن عساكر من طريق مالك والاوزاعي ومسعر وابراهيم بن طهمان وعبد الله بن عمر وسليمان بن بلال وأنس بن بلال وأنس بن عياض والدراوردي ومحمد بن قيس المدني كلهم عن ربيعة عن أنس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين سنة...(1/144)
? وقال البيهقي = ... عن أبي غالب الباهلي قال : قلت لانس بن مالك : ابن أي الرجال رسول الله إذ بعث ؟قال :كان ابن اربعين سنة ...قال: ثم كان ماذا ؟ قال : كان بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين فتمت له ستون سنة يوم قبضه الله عز وجل وهوكأشد الرجال وأحسنهم وأجملهم وألحمهم ...
?وقد روى مسلم = ... عن أنس بن مالك قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وقبض عمر وهو ابن ثلاث وستين .../ انفرد به مسلم وهذا لا ينافي ما تقدم عن أنس لأن العرب كثيرا ما تحذف الكسر.
( رواه في كتاب الفضائل ، باب: كم سن النبي صلى الله عليه وسلم يوم قبض.
? وثبت في الصحيحين من حديث الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: توفي رسول الله وهو ابن ثلاث وستين سنة ...// قال الزهري وأخبرني سعيد بن المسيب مثله.
( البخاري ، رواه البخاري في كتاب المناقب ، باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ... وفي كتاب المغازي ، باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
( مسلم ، رواه في كتاب الفضائل ، باب: كم سن النبي صلى الله عليه وسلم يوم قبض.
+ وروى مسلم من حديث الزبير بن عدي عن أنس ،وعمرو بن دينار عن ابن عباس ، وجرير عن معاوية ...: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ .
?وقال البخاري =... عن عائشة وابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بمكة عشر سنين يتنزل عليه القرآن وبالمدينة عشرا .../ لم يخرجه مسلم .
( رواه البخاري في كتاب المغازي ، باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ... وفي كتاب فضائل القرآن ، باب :كيف نزل الوحي وأول ما نزل ...
?وقال أبو داود الطيالسي في مسنده = ... عن جرير بن عبد الله عن معاوية بن ابي سفيان قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين ، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين ،وعمر وهو ابن ثلاث وستين.../
((1/145)
رواه مسلم في كتاب الفضائل ، باب: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة ... وفيه قول معاوية : قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً ،وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ، وَقُتِلَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ...ورواه عن أنس ( ويأتي قريبا )
? ومنهم من يقول عن عامر بن سعد عن معاوية والصواب ما ذكرناه عن عامر بن سعد عن جرير عن معاوية وروينا من طريق عامر بن شراحيل عن الشعبى عن جرير بن عبد الله البجلى عن معاوية فذكره ...
? وروى الحافظ ابن عساكر من طريق القاضي أبي يوسف عن يحيى بن سعيد الانصاري عن أنس قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستين ...
(رواه مسلم في كتاب الفضائل ، باب: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة ،ولفظه : حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الرَّازِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ زَائِدَةَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ،وَأَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ، وَعُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ...
? وقال ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة عن عائشة قالت: تذاكر رسول الله وأبو بكر ميلادهما عندي فكان رسول الله أكبر من ابي بكر ، فتوفي رسول الله وهو ابن ثلاث وستين ، وتوفي أبو بكر بعده وهو ابن ثلاث وستين ...
( أخرجه الطبراني في الكبير ، ولأبو نعيم في معرفة الصحابة ... وفي آخره : وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين ، لسنتين ونصف الذي عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .(1/146)
?وقال الثوري عن الاعمش عن القاسم بن عبد الرحمن قال: توفي رسول الله وأبو بكر وعمر وهم بنو ثلاث وستين ...
?وقال حنبل حدثنا الامام احمد ثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: انزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث واربعين فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا .../ وهذا غريب عنه وصحيح إليه .
?وقال أحمد = ... عن الشعبي قال: نبئ رسول الله وهو ابن أربعين سنة ، فمكث ثلاث سنين ثم بعث اليه جبريل بالرسالة ، ثم مكث بعد ذلك عشر سنين ، ثم هاجر الى المدينة ، فقبض وهو ابن ثلاث وستين سنة .
?قال الامام أبو عبد الله احمد بن حنبل الثابت عندنا ثلاث وستون .../ قلت وهكذا روي عن مجاهد عن الشعبي ، وروي من حديث اسماعيل بن أبي خالد عنه .
? وفي الصحيحين من حديث ... ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة .
( رواه البخاري في كتاب المباقب ، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة ...
( ورواه مسلم في كتاب الفضائل ، باب: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة
?وفي صحيح البخاري من حديث روح بن عبادة أيضا عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس قال :بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ثم مات وهو ابن ثلاث وستين ...
((1/147)
رواه البخاري في كتاب المباقب ، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدي...وفي باب : باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ( محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ...) ولفظه : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ ، فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَكَثَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
( وأخرجه أحمد ، وأبو داود ، وأبو يعلى، وابن أبي شيبة ....
?ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن أبي حمزة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اقام بمكة ثلاث عشرة يوحى اليه وبالمدينة عشرا ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة
( ورواه مسلم في كتاب الفضائل ، باب: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة
?وقد أسند الحافظ ابن عساكر من طريق مسلم بن جنادة عن عبد الله بن عمر عن كريب عن ابن عباس قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين ... ومن حديث أبي نضرة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس مثله وهذا القول هو الاشهر وعليه الاكثر.
? وقال الامام احمد = ...عن ابن عباس قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة ..
( ورواه الترمذي عن عكرمة عن ابن عباس قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة... وعبد الرزاق في مصنفه عن عن أبي الحويرث عن ابن عباس ...والطبراني في الكبير ....(1/148)
? وقال احمد = ... عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة ثماني سنين أو سبع يرى الضوء ويسمع الصوت وثمانية أو سبعا يوحى اليه وأقام بالمدينة عشرا ...
(ورواه مسلم في كتاب الفضائل ، باب: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة
? وقال احمد أيضا = ... عن عمار مولى بني هاشم قال: سألت ابن عباس، كم أتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ؟ قال : ما كنت أرى مثلك في قومه يخفى عليه ذلك ،قال: قلت : إني قد سألت فاختلف علي فأحببت أن أعلم قولك فيه ، قال : أتحسب ؟ قلت :نعم ...قال: أمسك أربعين بعث لها وخمس عشرة أقام بمكة يأمن ويخاف وعشرا مهاجرا بالمدينة ...
( ورواه مسلم في كتاب الفضائل ، باب: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة
? وقال الامام احمد = ... عن سعيد بن جبير أن رجلا أتى ابن عباس فقال: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرا بمكة ، وعشرا بالمدينة ...فقال: من يقول ذلك ؟ لقد أنزل عليه بمكة خمس عشرة ، وبالمدينة عشرا ، خمسا وستين وأكثر .../ وهذا من افراد احمد اسنادا ومتنا
?وقال الامام احمد = ... عن ابن عباس قال قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة/ تفرد به احمد.
+ قلت : ورواه الترمذي بسنده ، قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً...وقَالَ أَبُو عِيسَى وَهَكَذَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَرَوَى
عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَعِيلَ مِثْلَ ذَلِكَ.// وأخرجه عبد الرزاق والطبراني : عن ابن جريج عن أبي الحويرث عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو ابن خمس وستين سنة ...(1/149)
? وقد روى الترمذي في كتاب الشمائل وأبو يعلى الموصلي والبيهقي من حديث قتادة عن الحسن البصري عن دغفل بن حنظلة الشيباني النسابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين ثم قال الترمذي دغفل لا يعرف له سماعا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان في زمانه رجلا .
?وقال البيهقي وهذا يوافق رواية عمار ومن تابعه عن ابن عباس ، ورواية الجماعة عن ابن عباس في ثلاث وستين أصح فهم أوثق وأكثر وروايتهم توافق الرواية الصحيحة عن عروة عن عائشة واحدى الروايتين عن أنس والرواية الصحيحة عن معاوية وهي قول سعيد بن المسيب وعامر الشعبي وأبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهم ...// قلت وعبد الله بن عقبة والقاسم بن عبد الرحمن والحسن البصري وعلي بن الحسين وغير واحد...
?ومن الاقوال الغريبة ما رواه خليفة بن خياط عن معاذ بن هشام قال : حدثني أبي عن قتادة قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة ... / ورواه يعقوب بن سفيان عن محمد بن المثنى عن معاذ ابن هشام عن أبيه عن قتادة مثله .../ ورواه زيد العمي عن يزيد عن أنس ... / ومن ذلك ما رواه محمد بن عابد عن القاسم بن حميد عن النعمان بن المنذر الغساني عن مكحول قال: توفي رسول الله وهو ابن اثنتين وستين سنة وأشهر .../ ورواه يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد بن بكار عن محمد بن شعيب عن النعمان بن المنذر عن مكحول قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة ونصف ...
? واغرب من ذلك كله ما رواه الامام احمد عن روح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال: نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين بمكة ، وعشرا بعد ما هاجر ...فان كان الحسن ممن يقول بقول الجمهور وهو أنه عليه السلام أنزل عليه القرآن وعمره أربعون سنة فقد ذهب الى أنه عليه السلام عاش ثمانيا وخمسين سنة وهذا غريب جدا .(1/150)
? لكن روينا من طريق مسدد عن هشام بن حسان عن الحسن أنه قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين سنة .../ وقال خليفة بن خياط: حدثنا أبو عاصم عن أشعث عن الحسن قال بعث رسول الله وهو ابن خمس وأربعين فاقام بمكة عشرا وبالمدينة ثمانيا وتوفي وهو ابن ثلاث وستين وهذا بهذه الصفة غريب جدا والله أعلم ...
صفة غسله عليه السلام
? قد قدمنا أنهم رضي الله عنهم اشتغلوا ببيعة الصديق بقية يوم الاثنين وبعض يوم الثلاثاء ، فلما تمهدت وتوطدت وتمت ، شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبي بكر الصديق رضي الله عنه...
? قال ابن اسحاق : فلما بويع أبو بكر ، أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء... وقد تقدم من حديث ابن اسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن رسول الله توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء .
? وقال ابو بكر بن ابي شيبة : حدثنا أبو معاوية ثنا أبو بردة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن ابيه قال : لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل أن لا تجردوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه..
( أخرجه الطبراني في الأوسط والكبير في حديث لابن عباس، وفيه : ... فَسَمِعُوا صَوْتًا فِي الْبَيْتِ : لا تُجَرِّدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاغْسِلُوهُ كَمَا هُوَ فِي قَمِيصِهِ...
(ورواه ابن ماجه ، ولفظه : عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :لَمَّا أَخَذُوا فِي غُسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنْ الدَّاخِلِ: لَا تَنْزِعُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ ...(1/151)
?وقال محمد بن اسحاق = حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه سمعت عائشة تقول: لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : ما ندري ، أنجرِّد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرِّد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه ؟ فلما اختلفوا ، ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم أحد إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه... فقاموا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميص، يصبون الماء فوق القميص، فيدلكونه بالقميص ، دون أيديهم ...فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه ...
(رواه أبو داود ، والبيهقي في الكبرى والدلائل، وقال : هذا إسناد صحيح ، والحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وابن حبان ...(1/152)
?وقال الامام احمد = ... عن ابن عباس قال : اجتمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في البيت إلا أهله: عمه العباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب، والفضل بن عباس ،وقثم بن العباس، واسامة بن زيد بن حارثة ،وصالح مولاه ... فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الناس أوس ابن خولى الانصاري أحد بني عوف بن الخزرج وكان بدريا عليَّ بنَ أبي طالب فقال: يا علي ، ننشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فقال له علي: أدخل ... فدخل ، فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يلِ من غسله شيئا ...فأسنده علي الى صدره وعليه قميصه ، وكان العباس وفضل وقثم يقلبونه مع علي ، وكان أسامة بن زيد وصالح مولاه هما يصبان الماء ، وجعل علي يغسله ، ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما يرى من الميت ،وهو يقول : بأبي وأمي، ما أطيبك حيا وميتا ... حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله ، وكان يغسل بالماء والسدر ، جففوه ثم صنع به ما يصنع بالميت، ثم أدرج في ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين وبرد وحبرة ... قال : ثم دعا العباس رجلين ، فقال لأحدكما ليذهب الى أبى عبيدة بن الجراح وكان أبوعبيدة يضرح لأهل مكة ، وليذهب الآخر أبى طلحة ابن سهل الأنصارى وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة ... قال ثم قال العباس حين سرحهما : اللهم خر لرسولك ... قال : فذهبا فلم يجد صاحب ابي عبيدة أبا عبيدة ، ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة، فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم .../ انفرد به احمد .
((1/153)
وروى ابن ماجه في سننه : ...عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثُوا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَكَانَ يَضْرَحُ كَضَرِيحِ أَهْلِ مَكَّةَ ، وَبَعَثُوا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ وَكَانَ هُوَ الَّذِي يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ يَلْحَدُ ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِمَا رَسُولَيْنِ وَقَالُوا : اللَّهُمَّ خِرْ لِرَسُولِكَ... فَوَجَدُوا أَبَا طَلْحَةَ فَجِيءَ بِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ أَبُو عُبَيْدَةَ ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
? وقال يونس بن بكير عن المنذر بن ثعلبة عن الصلت عن العلباء بن احمر قال :كان علي والفضل يغسلان رسول الله فنودي علي : ارفع طرفك الى السماء .../وهذا منقطع / قلت وقد روى بعض أهل السنن عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا علي لا تبد فخذك ،ولا تنظر الى فخذ حي ولا ميت .../ وهذا فيه اشعار بأمره له في حق نفسه ... والله أعلم.
((1/154)
حديث : يا علي لا تبد فخذك ...( الخ ) ، أخرجه أبو داود = ...عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت... قال أبو داود هذا الحديث فيه نكارة./ ورواه أحمد ، وابن ماجه ، والحاكم ، والدارقطني ، وابو يعلى والبيهقي في الشعب، ومتنه : لا تبرز فخذيك ، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت ...+ فائدة :قال صاحب التلخيص الحبير: حَدِيثُ : لَا تَكْشِفْ فَخِذَكَ ، وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيْتٍ ... وَيُرْوَى : وَلَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ ... أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ ، وَفِيهِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبٍ ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أُخْبِرْتُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ : إنَّ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا هُوَ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ ، قَالَ : وَلَا يَثْبُتُ لِحَبِيبٍ رِوَايَةٌ عَنْ عَاصِمٍ ، فَهَذِهِ عِلَّةٌ أُخْرَى .
وَكَذَا قَالَ ابْنُ مَعِينٍ : إنَّ حَبِيبًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَاصِمٍ وَإِنَّ بَيْنَهُمَا رَجُلًا لَيْسَ بِثِقَةٍ ، وَبَيَّنَ الْبَزَّارُ : أَنَّ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا هُوَ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ ، وَوَقَعَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ ، وَفِي الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَمُسْنَدِ الْهَيْثَمِ بْنِ كُلَيْبٍ ، تَصْرِيحُ ابْنِ جُرَيْجٍ بِإِخْبَارِ حَبِيبٍ لَهُ ، وَهُوَ وَهْمٌ ...+ فائدة :ذكره النووي في الخلاصة وفي المجموع وضعفه ، وقال الشوكاني في نيل الأوطار : غير منتهض على الاستقلال .... وقال الشيخ الألباني في تحقيقه لسنن أبي داود وابن ماجه : ضعيف جدا ، وكذا قال في إرواء الغليل... ثم صححه في تحقيقه لجامع السيوطي ... فالله أعلم.(1/155)
?وقال الحافظ البيهقي =... عن سعيد بن المسيب قال : قال علي : غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا وكان طيبا حيا وميتا صلى الله عليه وسلم.
(رواه أبو داود في المراسيل ، وابن ماجه من حديث معمر به...
(وأخرجه الحاكم في مستدركه ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
? زاد البيهقي في روايته قال سعيد بن المسيب: وقد ولي دفنه عليه السلام أربعة: علي ، والعباس، والفضل، وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ...لحدوا له لحدا ونصبوا عليه اللبِن نصبا .
? شرح : اللحد : الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت ، وقيل الذي يحفر في عرض القبر ؛ واللبن = ما يعمل من الطين يعني الطوب والآجر ؛ والنصب = البناء .
?وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين منهم عامر الشعبي ومحمد بن قيس وعبد الله بن الحارث وغيرهم بالفاظ مختلفة ...
? وقال البيهقي= ... وروى أبو عمرو بن كيسان عن يزيد بن بلال سمعت عليا يقول : أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري ، قال : فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه ؛ قال علي : فكان العباس واسامة يناولاني الماء من وراء الستر قال علي فما تناولت عضوا إلا كأنه يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله .
? وقد اسند هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار في مسنده فقال = حدثنا محمد بن عبد الرحيم ثنا عبد الصمد بن النعمان ثنا كيسان أبو عمرو عن يزيد بن بلال قال قال علي ابن أبي طالب: أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري ، قال : فإنه لا يرى احد عورتي إلا طمست عيناه ؛ قال علي: فكان العباس واسامة يناولاني الماء من وراء الستر.../ قلت هذا غريب جدا .
? شرح : طمست عيناه = ذهب ضوءها وعميت...(1/156)
?وقال البيهقي= انبأنا محمد بن موسى بن الفضل ثنا أبو العباس الأصم ثنا اسيد بن عاصم ثنا الحسين بن حفص عن سفيان عن عبد الملك بن جريج سمعت محمد بن علي ابا جعفر قال غسلت النبي صلى الله عليه وسلم بالسدر ثلاثا وغسل وعليه قميص وغسل من بئر كان يقال له الغرس بقباء كانت لسعد بن خيثمة وكان رسول الله يشرب منها وولي غسله علي والفضل يحتضنه والعباس يصب الماء فجعل الفضل يقول ارحنى قطعت وتيني اني لأجد شيئا يترطل عليَّ ...
? وقال الواقدي = ... عن عمر بن عبد الحكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم البئر بئر غرس ، هي من عيون الجنة ، وماؤها أطيب المياه ... وكان رسول الله يستعذب له منها وغسل من بئر غرس.
( رواه ابن سعد مرسلا ، وقال الألباني :موضوع ...
(وذكر ابن ماجه " بئر غرس " في حديث له عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:إِذَا أَنَا مُتُّ فَاغْسِلُونِي بِسَبْعِ قِرَبٍ مِنْ بِئْرِي بِئْرِ غَرْسٍ...// ضعفه الألباني.(1/157)
? وقال سيف بن عمر عن محمد بن عون عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما فرع من القبر ، وصلى الناس الظهر ، أخذ العباس في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضرب عليه كلة من ثياب يمانية صفاق في جوف البيت ، فدخل الكلة ودعا عليا والفضل، فكان اذا ذهب الى الماء ليعاطيهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله ورجال من بني هاشم من وراء الكلة ومن أدخل من الانصار حيث ناشدوا أبي وسألوه منهم أوس بن خولي رضي الله عنهم أجمعين ... ثم قال سيف عن الضحاك بن يربوع الحنفي عن ماهان الحنفي عن ابن عباس فذكر ضرب الكلة وأن العباس أدخل فيها عليا والفضل وأبا سفيان واسامة ورجال من بني هاشم من وراء الكلة في البيت ، فذكر أنهم ألقي عليهم النعاس فسمعوا قائلا يقول: لا تغسلوا رسول الله فانه كان طاهرا... فقال العباس: ألا بلى ...وقال أهل البيت : صدق ،فلا تغسلوه ... فقال العباس :لا ندع سنة لصوت لا ندري ما هو ... وغشيهم النعاس ثانية فناداهم أن غسلوه وعليه ثيابه ... فقال أهل البيت: إلا لا ...وقال العباس: إلا نعم ... فشرعوا في غسله ن وعليه قميص ومجول مفتوح فغسلوه بالماء القراح وطيبوه بالكافور في مواضع سجوده ومفاصله واعتصر قميصه ومجوله ثم أدرج في أكفانه حجوره عودا وندا ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه ... / وهذا السياق فيه غرابة جدا ...
? شرح : الكلة= غشاء رقيق يتوقى به من البعوض... والمجول= ثوب أبيض يجعل على يد من تدفع إليه القداح إذا تجمعوا... والند: العنبر، أو نوع من الطيب....
صفة كفنه عليه الصلاة والسلام
? قال الامام احمد =... عن عائشة قالت : أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب حبرة ثم أخر عنه. قال القاسم ان بقايا ذلك الثوب لعندنا بعد .../ وهذا الاسناد على شرط الشيخين
( ورواه أبو داود ، والنسائي ، وابن حبان ...
?شرح : أدرج = أدخل ، والإدراج : الإدخال ... والحبرة : ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط .(1/158)
? وقال الامام أبو عبد الله محمد بن ادريس الشافعي = ... عن عائشة قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة اثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة .
( رواه البخاري في كتاب الجنائز ، باب : الكفن بلا عمامة ...وفي باب : موت يوم الإثنين ، ولفظه : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : فِي كَمْ كَفَّنْتُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ : فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ... وَقَالَ لَهَا :فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ : يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ...قَالَ : فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قَالَتْ : يَوْمُ الِاثْنَيْنِ... قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ ، فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ ، فَقَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فَكَفِّنُونِي فِيهَا ...قُلْتُ : إِنَّ هَذَا خَلَقٌ ...قَالَ : إِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ، وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ .
? وقال الامام احمد = ... عن عائشة :كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة اثواب سحولية بيض....
( رواه البخاري في كتاب الجنائز ، باب : الكفن بلا عمامة
( وفي رواية لمسلم : ... عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهَا : فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ : فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ ...
((1/159)
وأخرجه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، والطبراني من رواية عائشة وابن عمر ، وابن حبان...
? شرح : السُّحول = الثوب الأبيض من القطن ، وهو جمع سُحل .
? وقال أبو داود = ...عن عائشة أن رسول الله كفن في ثلاثة اثواب بيض يمانية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة .../ قال فذكر لعائشة قولهم في ثوبين وبرد حبرة فقالت : قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه .
(رواه البخاري في كتاب الجنائز ، باب : الثياب البيض للكفن ، وباب : الكفن بغير قميص ... عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ ...
( ورواه مسلم في كتاب الجنائز ، باب : في كفن الميت ... عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ...( ويأتي بتمامه قريبا )
? شرح : الكرسف = القطن.
?وقال البيهقي = ...عن عائشة قالت :كفن رسول الله في ثلاثة اثواب بيض سحوليه من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة ، فأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها ، أنا اشتريت له حلة ليكفن فيها فتركت وأخذها عبد الله بن ابي بكر فقال: لأحبسنها حتى أكفن فيها ، ثم قال : لو رضيها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لكفنه فيها فباعها وتصدق بثمنها ...
((1/160)
رواه مسلم في كتاب الجنايز ، باب : في كفن الميت ؛ ولفظه : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ أَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا أَنَّهَا اشْتُرِيَتْ لَهُ لِيُكَفَّنَ فِيهَا فَتُرِكَتْ الْحُلَّةُ وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَأَحْبِسَنَّهَا حَتَّى أُكَفِّنَ فِيهَا نَفْسِي ثُمَّ قَالَ لَوْ رَضِيَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ لَكَفَّنَهُ فِيهَا فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا ...
? ثم رواه البيهقي =... عن عائشة قالت : كفن رسول الله في برد حبرة كانت لعبد الله بن أبي بكر ولف فيها ثم نزعت عنه ، فكان عبد الله بن أبي بكر قد أمسك تلك الحلة لنفسه حتى يكفن فيها اذا مات ، ثم قال أن أمسكها ما كنت أمسك لنفسي شيئا منع الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكفن فيه ، فتصدق بثمنها عبد الله...
? شرح : البرد ثوب مربع يلبس فوق القميص/ والبْرُدُ والبُرْدة : الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل كِساء أسود مُرَبَّع فيه صورٌ....والحبرة : قماش يمني متين ، من قطن أو كتان مخطط...
?وقال الامام احمد =... عن عائشة قالت كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة اثواب سحولية بيض
(ورواه النسائي ...
?وقال الامام احمد = ... عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب رياط يمانية../ انفرد به احمد .
(ورواه ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رِيَاطٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ ...
((1/161)
وأخرجه البيهقي في الدلائل ، عن مكحول...والكبراني في مسند الشاميين ، عن مكحول قال: أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في رياط ثلاث يمانية ... / ورواه عن نافع عن ابن عمر ... /
? شرح : الرياط : جمع الريطة ، الملاءة كلها نسج واحد وقطعة واحدة ...
?وقال أبو يعلى الموصلي =... عن ابن عمر قال :كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ...
( رواه الطبراني في الأوسط قال = ... عن نافع ، عن ابن عمر قال : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية.../ وقال : لم يرو هذا الحديث عن نافع إلا سليمان بن موسى ، ولا عن سليمان إلا أبو معيد ...
?وقال سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب / ووقع في بعض الروايات ثوبين صحاريين وبرد حبرة .
( روي ابن أبي شيبة =...عن جعفر بن أبيه قال :كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين صحاريين وبرد حبرة قال وأوصاني أبي بذلك...
( والبيهقي = ...عن علي بن الحسين قال : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة اثواب: ثوبين صحاريين ،وبرد حبرة، أدرِج فيها ادراجا ...
?شرح : " وصحار " قرية باليمن نسب الثوب إليها ، وقيل من الصحرة وهي الحمرة الخفيفة كالقبرة.
يقال ثوب أصحر وصحاري ...
? وقال الامام احمد= ... عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب: في قميصه الذي مات فيه ، وحلة نجرانية ،والحلة ثوبان ...
( ورواه أبو داود، وابن ماجه.../ وهذا غريب جدا .
? وقال الامام احمد أيضا = ... عن ابن عباس قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وبرد حمراء.../ انفرد به احمد من هذا الوجه..(1/162)
? وقد رواه غير واحد عن اسماعيل المؤدب عن يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس عن الفضل قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وفي رواية سحولية ... فالله أعلم.
( وفي حديث آخر ، قال : ... ثُمَّ أُدْرِجَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ ... وهذا ذكره البيهقي في الكبرى // وروى أبو يعلى = ... عن الفضل بن عباس قال :كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين سحوليين ... / وفي حديث آخر : عن الفضل قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين سحوليين - زاد فيه محمد بن عبد الرحمن بن ابي ليلى- وبرد احمر....
? وروى الحافظ ابن عساكر = ...عن أبي اسحاق قال : وقعت على مجلس بني عبد المطلب وهم متوافرون فقلت لهم : في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا قباء ولا عمامة ...
( ورواه ابن أبي شيبة ...
? وقد روى البيهقي من طريق الزهري عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال: كفن رسول الله في ثلاثة أثواب أحدها برد حمراء حبرة ...
?وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من طريق في صحتها نظر عن علي بن أبي طالب قال :كفنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين سحوليين وبرد حبرة ...
?وقد قال أبو سعيد ابن الاعرابي حدثنا ابراهيم بن الوليد ثنا محمد بن كثير ثنا هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ريطتين وبرد نجراني ...// وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن هشام و عمران القطان عن قتادة عن سعيد عن أبي هريرة به .
?وقد رواه الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى ثنا نصر بن طريف عن قتادة ثنا ابن المسيب عن أم سلمة أن رسول الله كفن في ثلاثة اثواب أحدها برد نجراني ...
?وقال البيهقي وفيما روينا عن عائشة بيان سبب الاشتباه على الناس وأن الحبرة أخرت عنه... والله أعلم.(1/163)
+ فائدة : قال البيهقي في " معرفة السنن والآثار " حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة / رواه البخاري// ومسلم وفيه ، من الزيادة : قال : فقيل لعائشة إنهم يزعمون أنه كان قد كفن في برد حبرة ، فقالت عائشة : قد جاءوا ببرد حبرة ، ولم يكفنوه فيها ، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال : أخبرني أبو الوليد قال : أخبرنا الحسن بن سفيان قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن هشام ، فذكره بزيادته إلا أنه قال : يمانية ، ولم يقل : سحولية . قال أحمد : وهذا إسناد لا شك عندي في صحته ، وثبت أيضا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة ،وذلك أولى مما روي في حديث يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، أنه صلى الله عليه وسلم « كفن في ثلاثة أثواب نجرانية الحلة ، ثوبان وقميصه الذي مات فيه » ومن حديث ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم : في ثوبين أبيضين وبرد حبرة ... لقوة إسناد حديث عائشة وكونها أعرف بذلك من غيرها ، والله أعلم ...
? ثم روى الحافظ البيهقي = ... عن هارون بن سعيد قال :كان عند علي مسك فأوصى أن يحنط به ، وقال: هو من فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
( وأخرجه ابن أبي شيبة ، والحاكم عن أبي وائل عن علي
? شرح : التحنط = استعمال الحَنُوط في الثياب وهو ما يُخْلط من الطِّيب لأكفان الموْتَى وأجْسَامِهم خاصَّة ...
+ فائدة :قال اليهقي في " معرفة السنن والآثار : قال الشافعي في رواية أبي سعيد : ولو لم يكن حنوط ، ولا كافور في شيء من ذلك رجوت أن يجزئ ...
كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم(1/164)
?وقد تقدم الحديث الذي رواه البيهقي ... عن ابن مسعود في وصية النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسله رجال أهل بيته ، وأنه قال :كفنوني في ثيابي هذه ، أو في يمانية ، أو بياض مصر ...وأنه اذا كفنوه يضعونه على شفير قبره ثم يخرجون عنه حتى تصلي عليه الملائكة ثم يدخل عليه رجال أهل بيته فيصلون عليه ثم الناس بعدهم فرادى (الحديث بتمامه )../ وفي صحته نظر كما قدمنا والله أعلم...
? وقال محمد بن اسحاق = ... عن ابن عباس قال : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا ، ثم أدخل النساء فصلين عليه ، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه ارسالا لم يأمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ...
?وقال الواقدي = ...حدثني ابي بن عياش بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال : لما أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكفانه وضع على سريرة ثم وضع على شفير حفرته ثم كان الناس يدخلون عليه رفقاء رفقاء لا يؤمهم عليه أحد ...(1/165)
? وقال الواقدي = ...حدثني موسى بن محمد بن ابراهيم قال وجدت كتابا بخط أبي فيه انه لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار بقدر ما يسع البيت فقالا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ...وسلم المهاجرون والأنصار كما سلم أبو بكر وعمر ، ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد ، فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى اعز الله دينه وتمت كلمته ، وأومن به وحده لا شريك له، فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي انزل معه، وأجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به فانه كان بالمؤمنين رؤفا رحيما ، لا نبتغي بالايمان به بديلا ولا نشتري به ثمنا أبدا ... فيقول الناس : آمين ...آمين... ويخرجون ويدخل آخرون حتى صلى الرجال ، ثم النساء ، ثم الصبيان ... وقد قيل إنهم صلوا عليه من بعد الزوال يوم الاثنين الى مثله من يوم الثلاثاء ، وقيل إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه كما سيأتي بيان ذلك قريبا والله أعلم...(1/166)
- وهذا الصنيع وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه وقد اختلف في تعليله فلو صح الحديث الذي أوردناه عن ابن مسعود لكان نصا في ذلك ويكون من باب التعبد الذي يعسر تعقل معناه وليس لأحد أن يقول لأنه لم يكن لهم امام لأنا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه عليه السلام بعد تمام بيعة ابي بكر رضي الله عنه وأرضاه وقد قال بعض العلماء إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه اليه ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة من كل فرد فرد من آحاد الصحابة رجالهم ونساءهم وصبيانهم حتى العبيد والاماء وأما السهيلي فقال ما حاصله إن الله قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه وأمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه اليه والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل قال وأيضا فان الملائكة لنا في ذلك ائمة فالله أعلم ..
+ فائدة : قال البيهقي في الكبري بعدما روى حديث ابن عباس، قال الشافعي رحمه الله : وذلك لعظم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأبى هو وأمي ، وتنافسهم في أن لا يتولى الإمامة في الصلاة عليه واحد، وصلوا عليه مرة بعد مرة
? شرح : الأرسال : جمع رَسَل وهي الأفواج والفرق المتقطعة التي يتبع بعضها بعضا...
? وقد اختلف المتأخرون من أصحاب الشافعي في مشروعية الصلاة على قبره لغير الصحابة فقيل: نعم لأن جسده عليه السلام طري في قبره لأن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما ورد بذلك الحديث في السنن وغيرها فهو كالميت اليوم ؛ وقال آخرون لا يفعل لأن السلف ممن بعد الصحابة لم يفعلوه ولوكان مشروعا لبادروا اليه ولثابروا عليه ... والله أعلم ...(1/167)
+ فائدة : قوله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَام ، ورد في أحاديث أخرجها أحمد ، والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم ، والطبراني ، وابن خزيمة ، والدارمي ....منها حديث أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ... قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟ أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ ... قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَام. ( لفظ النسائي )... وحديث عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ وَإِنَّ أَحَدًا لَنْ يُصَلِّيَ عَلَيَّ إِلَّا عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ...قَالَ : قُلْتُ : وَبَعْدَ الْمَوْتِ ؟ قَالَ : وَبَعْدَ الْمَوْتِ ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ ...فَنَبِيُّ اللَّهِ حَيٌّ يُرْزَقُ....( ابن ماجه )
صفة دفنه عليه السلام وأين دفن ...(1/168)
?قال الامام احمد = ... عن عبد العزيز بن جريج أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يدْروا أين يقبرون النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو بكر :سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لم يقبر نبي الا حيث يموت ... فأخروا فراشه ، وحفروا تحت فراشه صلى الله عليه وسلم.../ وهذا فيه انقطاع بين عبد العزيز بن جريج وبين الصديق فانه لم يدركه ...
?لكن رواه الحافظ أبو يعلى من حديث ابن عباس وعائشة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم فقال= ... حدثنا أبو موسى الهروي ثنا أبو معاوية ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: اختلفوا في دفن النبي صلى الله عليه وسلم حين قبض، فقال أبو بكر :سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :لا يقبض النبي إلا في أحب الأمكنة إليه ... فقال : أدفنوه حيث قبض .
? وهكذا رواه الترمذي =... عن عائشة قالت : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اختلفوا في دفنه ، فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله شيئا ما نسيته ؛ قال : ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه... ادفنوه في موضع فراشه.../ ثم إن الترمذي ضعف المليكي ، ثم قال وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه رواه ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم .
?وقال الاموي عن أبيه عن ابن اسحاق عن رجل حدثه عن عروة عن عائشة ان أبا بكر قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه لم يدفن نبي قط الا حيث قبض .(1/169)
+ وأخرج ابن أبي شيبة حديث ابن جريح عن أبيه ، ولفظه : أنهم شكوا في قبر النبي صلى الله عليه وسلم أين يدفنونه ؟ فقال أبو بكر : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن النبي لا يحول عن مكانه ، يدفن حيث يموت...فنحوا فراشه فحفروا له موضع فراشه.// وأخرجه عبد الرزاق = ...عن ابن جريج قال : أخبرني أبي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يدْروا أين يقبرون النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لم يقبر نبي إلا حيث يموت ، قال : فأخروا فراشه فحفروا له تحت فراشه.// وأخرجه ابن سعد من حديث عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر موصولا ، وأخرجه مرسلا من وجوه ...
?قال أبو بكر بن أبي الدنيا = ... عن عائشة قالت: كان بالمدينة حفاران ، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : أين ندفنه ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : في المكان الذي مات فيه... وكان أحدهما يلحد والآخر يشق ، فجاء الذي يلحد فلحد للنبي صلى الله عليه وسلم ..(1/170)
? وقد رواه مالك بن أنس =... عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما ارادوا أن يحفروا للنبي صلى الله عليه وسلم وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة ، وكان أبو طلحة زيد بن سهل هو الذي كان يحفر لأهل المدينة وكان يلحد ، فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما : اذهب الى أبي عبيدة ، وقال للآخر :اذهب الى أبي طلحة... اللهم خره لرسولك ...قال : فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ... فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه ، فقال قائل : ندفنه في مسجده ...وقال قائل : ندفنه مع أصحابه ... فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض ...فرُفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه ، فحفروا له تحته ،ثم ادخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالا ...الرجال حتى إذا فرغ منهم ادخل النساء ،حتى اذا فرغ النساء ادخل الصبيان... ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ... فدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوسط الليل ليلة الاربعاء...
? وهكذا رواه ابن ماجه عن نصر بن علي الجهضمي عن وهب بن جرير عن أبيه عن محمد بن اسحاق فذكر باسناده مثله وزاد في آخره : ونزل في حفرته علي بن ابي طالب ، والفضل وقثم ابنا عباس ، وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ...قال أوس بن خولي وهو أبو ليلى لعلي بن أبي طالب :انشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ...قال له علي : انزل ... وكان شقران مولاه اخذ قطيفة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها فدفنها في القبر وقال : والله لا يلبسها أحد بعدك ... فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/171)
? وقد رواه الامام احمد عن حسين بن محمد عن جرير بن حازم عن ابن اسحاق مختصرا // وكذلك رواه يونس بن بكير وغيره عن ابن اسحاق به // وروى الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما قبض الله نبيا إلا ودفن حيث قبض...
? وروى البيهقي =... عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين أو محمد بن جعفر بن الزبير قال : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه ، فقالوا :كيف ندفنه ؟ مع الناس أو في بيوته ؟ فقال أبو بكر :إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما قبض الله نبيا إلا دفن حيث قبض ...فدفن حيث كان فراشه رفع الفراش وحفر تحته .
?وقال الواقدي = ... عن عبد الرحمن بن سعيد يعني ابن يربوع قال لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا في موضع قبره ، فقال قائل : في البقيع ، فقد كان يكثر الاستغفار لهم ...وقال قائل : عند منبره ... وقال قائل: في مصلاه ... فجاء أبو بكر فقال : إن عندي من هذا خبرا وعلما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما قبض نبي إلا دفن حيث توفي...
? قال الحافظ البيهقي وهو في حديث يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد وفي حديث ابن جريج عن أبيه كلاهما عن ابي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ؛ وقال البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن سلمة بن نبيط بن شريط عن أبيه عن سالم بن عبيد وكان من أصحاب الصفة قال : دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات ثم خرج ، فقيل له : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ... فعلموا أنه كما قال ؛ وقيل له : أنصلي عليه ؟ وكيف نصلي عليه ؟ قال : تجيئون عصبا عصبا فتصلون ... فعلموا انه كما قال؛ قالوا :هل يدفن ؟وأين ؟ قال :حيث قبض الله روحه ، فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب ...فعلموا أنه كما قال .(1/172)
? وروى البيهقي =... عن سعيد بن المسيب قال : عرضت عائشة على أبيها رؤيا ، وكان من أعبر الناس، قالت : رأيت ثلاثةَ أقمار وقعْن في حجري... فقال لها : إن صدقت رؤياك ، دفن في بيتك من خير أهل الارض ثلاثة... فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا عائشة هذا خير أقمارك.
+++ قلت : صدَقتْ رؤياها ، إذ بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، دُفن إلى جنبه الشريف أبوها ، الخليفة الراشد الأول رضي الله عنه فكان القمر الثاني ، ولما طُعِن الفاروقُ عمر ، الخليفة الراشد الثاني ، رضي الله عنه أرسل من يستأذنها له في أن يُدفن مع صاحبيه فأذِنتْ له ، فكان القمر الثالث ....
? وفي الصحيحين عنها أنها قالت : توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وجمع الله بين ريقي وريقه في آخر ساعة من الدنيا وأول ساعة من الآخرة ...
( وقفة مع بعض روايات البخاري لهذا الحديث :
1 * كتاب فرض الحمس ، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهن =...حدثنا ابن أبي مريم حدثنا نافع سمعت ابن أبي مليكة قال :قالت عائشة رضي الله عنها :توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي ، وفي نوبتي ، وبين سحري ونحري ، وجمع الله بين ريقي وريقه ...قالت: دخل عبد الرحمن بسواك فضعف النبي صلى الله عليه وسلم عنه فأخذته فمضغته ثم سننته به.
2 * كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته = ...حدثني محمد بن عبيد حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد قال أخبرني ابن أبي مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره أن عائشة كانت تقول : إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته...( الحديث )(1/173)
3 * كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته +كتاب النكاح ، باب إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهن فأذن له =... حدثنا إسماعيل قال حدثني سليمان بن بلال حدثنا هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول : أين أنا غدا ؟ أين أنا غدا ؟... يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها ؛ قالت عائشة : فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري وخالط ريقه ريقي...( الحديث ) ..
?وفي صحيح البخاري من حديث أبي عوانة عن هلال الوراق عن عروة عن عائشة قالت :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه يقول : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد... قالت عائشة : ولولا ذلك للأبرز قبره ، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا .
( رواه في كتاب الجنائز ، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور ... وفي باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم ... وفي مواضع أخرى ، منها فيكتاب الصلاة ، باب الصلاة في البيعة = عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال ، وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد... يحذر ما صنعوا ...وهذا رواه مسلم في كتاب الصلاة ، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد
? وقال ابن ماجه = ... عن انس بن مالك قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بالمدينة رجل يلحد والآخر يضرح ، فقالوا نستخير الله ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه... فارسل اليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم // تفرد به ابن ماجه ...
((1/174)
وأخرجه أحمد ، والطبراني في الأوسط ...
? شرح : اللحد : الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت ، وقيل الذي يحفر في عرض القبر...
والضريح : شق وحفر في وسط القبر.
? وقال ابن ماجه أيضا =... عن عائشة قالت :لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في اللحد والشق حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم فقال عمر : لا تصخبوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ولا ميتا ...أو كلمة نحوها ، فارسلوا الى الشقاق واللاحد جميعا فجاء اللاحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دفن.../ تفرد به ابن ماجه ...
? وقال الامام احمد = ... عن ابن عباس قال جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء .// وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن شعبة به ...// وقد رواه وكيع عن شعبة وقال وكيع كان هذا خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن عساكر // وقال ابن سعد أنبانا محمد بن عبد الله الانصاري ثنا أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط تحته قطيفة حمراء كان يلبسها ، قال : وكانت أرضا ندية //وقال هشيم بن منصور عن الحسن قال جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء كان اصابها يوم حنين ؛ قال الحسن جعلها لأن المدينة أرض سبخة // وقال محمد بن سعد ثنا حماد بن خالد الخياط عن عقبة بن أبي الصهباء سمعت الحسن يقول:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:افرشوا لي قطيفة في لحدي فان الارض لم تسلط على أجساد الانبياء ...
? شرح : القطيفة : كساء أو فراش له أهداب ، والأرض السبخة : تكون رخوة صالحة تنبض برطوبة.(1/175)
? وروى البيهقي =... عن سعيد بن المسيب قال :قال علي : غسلت النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر الى ما يكون من الميت فلم أرَ شيئا ، وكان طيبا حيا وميتا... قال : وولي دفنه عليه الصلاة والسلام وإجنانه دون الناس أربعة : علي ،والعباس ،والفضل ،وصالح مولى النبي صلى الله عليه وسلم ... ولحد للنبي صلى الله عليه وسلم لحدا ،ونصب عليه اللبن نصبا ....
( ورواه الحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجا منه غير اللحد...
?شرح : اللحد : الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت ، وقيل الذي يحفر في عرض القبر؛ واللبن : ما يعمل من الطين يعني الطوب والآجر ؛ والنصب : البناء ...
?وذكر البيهقي عن بعضهم أنه نصب على لحده عليه السلام تسع لبنات
(ذكره في حديث ابن عباس قال : لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبو عبيدة بن الجراح ، يضرح لأهل مكة ، وكان أبو طلحة زيد بن سهم يلحد لأهل المدينة ، فدعا العباس رجلين ، فأخذ بأعناقهما ، ثم قال : اذهب أنت إلى أبي عبيدة ، واذهب أنت إلى أبي طلحة ، اللهم خِرْ لرسولك أيهما جاء حفر له ، ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة ، فجاء به ، ولم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : وبلغني أنه بني عليه في لحده اللبن ، ويقال هي تسع لبنات عددا
?وروى الواقدي =... عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الاثنين الى ان زاغت الشمس يوم الثلاثاء ، يصلي الناس عليه ، وسريره على شفير قبره ؛ فلما أرادوا أن يقبروه عليه السلام نحوا السرير قبل رجليه فادخل من هناك ، ودخل في حفرته العباس وعلي وقثم والفضل وشقران ...(1/176)
?وروى البيهقي = عن ابن عباس قال: دخل قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس ، وعلي ، والفضل... وسوى لحده رجل من الانصار وهو الذي سوى لحود قبور الشهداء يوم بدر... / قال ابن عساكر صوابه يوم أحد ...وقد تقدم رواية ابن اسحاق عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال :كان الذين نزلوا في قبر رسول الله : علي ، والفضل ، وقثم ، وشقران ...وذكر الخامس وهو :أوس بن خولي... وذكر قصة القطيفة التي وضعها في القبر شقران .
? وقال الحافظ البيهقي = ... عن أبي مرحب قال: كأني انظر اليهم في قبر النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أحدهم عبد الرحمن بن عوف .// وهكذا رواه أبو داود = ....عن الشعبي حدثني مرحب أو أبو مرحب أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف ؛ فلما فرغ علي قال إنما يلي الرجل أهله وهذا حديث غريب جدا واسناده جيد قوي ولا نعرفه إلا من هذا الوجه ... وقد قال أبو عمر بن عبد البر في استيعابه: أبو مرحب اسمه سويد بن قيس ... وذكر أبا مرحب آخر وقال لا أعرف خبره ؛ قال ابن الاثير في الغابة فيحتمل أن يكون راوي هذا الحديث أحدهما او ثالثا غيرهما ... ولله الحمد.(1/177)
+فائدة : قال الشيخ الألباني رحمه الله في " تحذير الساجد ، تحت عنوان : أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد / عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . قالت : فلولا ذاك أبرِز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً ، أي كشِف قبرُه صلى الله عليه وسلم ولم يتَّخَذ عليه الحائل ، والمراد دفنه خارج بيته ...كذا في " فتح الباري " ... فائدة : قول عائشة هذا يدل دلالة واضحة على السبب الذي من أجله دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ، ألا وهو سد الطريق على من عسى أن يبنيَ عليه مسجداً ، فلا يجوز والحالة هذه أن يتخذ ذلك حجة في دفن غيره صلى الله عليه وسلم في البيت ، ويؤيد ذلك أنه خلاف الأصل لأن السنة الدفن في المقابر، ولهذا قال ابن عروة في " الكوكب الدري " : والدفن في مقابر المسلمين أعجب إلى أبي عبد الله ( يعني الإمام أحمد ) من الدفن في البيوت لأنه أقل ضررا على الأحياء من ورثته وأشبه بمساكن الآخرة وأكثر للدعاء له والترحم عليه ؛ ولم يزل أصحابه والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحارى... فإن قيل : فالنبي صلى الله عليه وسلم قبر في بيته وقبر صاحباه معه ؟ قلنا : قالت عائشة : إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجدا ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع ، وفعله أولى من فعل غيره ، وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك ولأنه روي : " يدفن الأنبياء حيث يموتون "...وصيانة له عن كثرة الطراق تمييزا له عن غيره. -ومثل قول عائشة هذا ما روي عن أبيها رضي الله عنهما ، فأخرج ابن زنجويه عن عمر مولى غفرة قال : لما أئتمروا في دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال قائل : ندفنه حيث كان يصلي في مقامه ...وقال أبو بكر : معاذ الله أن نجعله وثنا يعبد ... وقال آخرون : ندفنه في البقيع حيث دفن إخوانه من المهاجرين...(1/178)
قال أبو بكر : إنا نكره أن يخرج قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع فيعوذ به من الناس من لله عليه حق، وحق الله فوق حق رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن أخرجناه ضيعنا حق الله ، وإن أخفرناه ، أخفرنا قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ... قالوا : فما ترى أنت يا أبا بكر ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما قبض الله نبيا قط إلا دفن حيث قبض روحه ...قالوا : فأنت والله رضي مقنع ، ثم خطوا حول الفراش خطا ثم احتمله عليّ والعباس والفضل وأهله ، ووقع القوم في الحفر يحفرون حيث كان الفراش.
آخر الناس به عهدا عليه الصلاة والسلام(1/179)
? قال الامام احمد =... عن عبد الله بن الحارث قال : اعتمرت مع علي في زمان عمر أو زمان عثمان فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب ، فلما فرغ من عمرته رجع فسكبت له غسلا فاغتسل ، فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق فقالوا : يا أبا حسن ، جئناك نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه ...قال: اظن المغيرة بن شعبة يحدثكم انه كان أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا :أجل عن ذلك جئنا نسألك ... قال : أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن عباس .../ تفرد به احمد من هذا الوجه.// وقد رواه يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق به مثله سواء ، إلا أنه قال قبله عن ابن اسحاق قال :وكان المغيره بن شعبة يقول: أخذت خاتمي فألقيته في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت حين خرج القوم : إن خاتمي قد سقط في القبر ، وإنما طرحته عمداً لأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون آخر الناس عهدا به ... قال ابن اسحاق فحدثني والدي اسحاق بن يسار عن مقسم عن مولاه عن عبد الله بن الحارث قال اعتمرت مع علي فذكر ما تقدم // وهذا الذي ذكر عن المغيرة بن شعبة لا يقتضي أنه حصل له ما أمله فإنه قد يكون علي رضي الله عنه لم يمكنه النزول في القبر بل أمر غيره فناوله إياه ؛ وعلى ما تقدم يكون الذي أمره بمناولته له قثم بن عباس .
?وقد قال الواقدي = ... حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في قبر الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال علي : إنما ألقيته لتقول نزلت في قبر النبي صلى الله عليه وسلم... فنزل فأعطاه ، أو أمر رجلا فأعطاه ...(1/180)
?وقد قال الامام احمد = .... حدثنا بهز وأبو كامل قالا ثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن أبي عسيب أو أبي غنم قال بهز إنه شهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : كيف نصلي؟ قال: ادخلوا أرسالا أرسالا ... فكانوا يدخلون من هذا الباب ، فيصلون عليه ، ثم يخرجون من الباب الآخر... قال :فلما وضع في لحده ،قال المغيرة : قد بقي من رجليه شيء لم تصلحوه ...قالوا:فأدخل فأصلحه ؛ فدخل وادخل يده فمس قدميه عليه السلام ... فقال : أهيلوا علي التراب ...فأهالوا عليه حتى بلغ الى انصاف ساقيه ثم خرج... فكان يقول : أنا أحدثكم عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ...
متى وقع دفنه عليه الصلاة والسلام
? قال يونس عن ابن إسحاق ، حدثتني فاطمة بنت محمد امرأة عبد الله بن أبي بكر ، وادخلني عليها حتى سمعته منها ، عن عمرة عن عائشة أنها قالت: ما علمنا بدفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوة المساحي في جوف ليلة الاربعاء ...
( ورواه ابن أبي شيبة ، والبيهقي في الكبرى ، وعبد الرزاق ...
?شرح : المساحي ، جمع مسحاة ، وهي المجارف.
? وقال الواقدي =... عن أم سلمة قالت : بينا نحن مجتمعون نبكي لم ننم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتنا ونحن نتسلى برؤيته على السرير إذ سمعنا صوت الكرارين في السحر ...قالت أم سلمة : فصحنا وصاح أهل المسجد ، فارتجت المدينة صيحة واحدة ، واذن بلال بالفجر فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى وانتحب فزادنا حزنا ، وعالج الناس الدخول الى قبره فغلق دونهم ... فيالها من مصيبة ما أصِبْنا بعدها بمصيبة إلا هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه وسلم .
( وأخرجه البيهقي في الدلائل ...
? شرح : الكرازين : الفئوس ؛ والسَّحَر : الثلث الأخير من الليل.(1/181)
?وقد روى الامام احمد = ... عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء...// وقد تقدم مثله في غير ما حديث ، وهو الذي نص عليه غير واحد من الأئمة سلفاً وخلفاً منهم سليمان بن طرخان التيمي ، وجعفر بن محمد الصادق، وابن اسحاق ،وموسى بن عقبة ، وغيرهم ....
?وقد روى يعقوب بن سفيان عن عبد الحميد عن بكار عن محمد بن شعيب عن الاوزاعي انه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار ، ودفن يوم الثلاثاء ...// وهكذا روى الامام احمد عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في الضحى يوم الاثنين ودفن من الغد في الضحى.
?وقال يعقوب حدثنا سفيان ثنا سعيد بن منصور ثنا سفيان عن جعفر ابن محمد عن أبيه وعن ابن جريج عن أبي جعفر ان رسول الله توفي يوم الاثنين فلبث ذلك اليوم وتلك الليلة ويوم الثلاثاء الى آخر النهار فهو قول غريب../ والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه عليه السلام توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء ...
?ومن الاقوال الغريبة في هذا أيضا ما رواه يعقوب ابن سفيان عن عبد الحميد بن بكار عن محمد بن شعيب عن أبي النعمان عن مكحول قال : ولد رسول الله يوم الاثنين ، وأوحي إليه يوم الاثنين ، وهاجر يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين ، لثنتين وستين سنة ونصف ، ومكث ثلاثة أيام لا يدفن، يدخل عليه الناس أرسالا ارسالا يصلون ولا يؤمهم عليه أحد.../ فقوله إنه مكث ثلاثة أيام لا يدفن غريب ... والصحيح أنه مكث بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء بكامله ودفن ليلة الاربعاء كما قدمنا ....والله أعلم.
? وضده ما رواه سيف عن هشام عن أبيه قال: توفي رسول الله يوم الاثنين ،وغسل يوم الاثنين ، ودفن ليلة الثلاثاء.../ قال سيف وحدثنا يحيى بن سعيد مرة بجمعيه عن عائشة به وهذا غريب جدا .(1/182)
? وقال الواقدي = ...حدثنا عبد الله ابن جعفر عن ابن أبي عون عن ابي عتيق عن جابر بن عبد الله قال: رُش على قبر النبي صلى الله عليه وسلم الماءُ رشّاً ، وكان الذي رشَّه بلال بن رباح ، بقربة ، بدأ من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى الى رجليه ثم ضرب بالماء الى الجدار لم يقدر على أن يدور من الجدار...
+ فوائد .... بلال بن رباح ...........................................................................(1/183)
* قال ابن الأثير في " أسد الغابة " ( ملخص ) : بلال بن رباح ، وأمه حمامة ، مولى أبي بكر الصديق، اشتراه وأعتقه لله عز وجل ، شهد بدراً والمشاهد كلها، وكان من السابقين إلى الإسلام، وممن عذب في الله عز وجل ، فصبر... وكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته سفراً وحضراً، وهو أول من أذن في الإسلام./.../ فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يخرج إلى الشام، فقال له أبو بكر: بل تكون عندي، فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني لله عز وجل، فذرني أذهب إلى الله عز وجل ... فقال: اذهب... فذهب إلى الشام، فكان به حتى مات... وقيل: إنه أذن لأبي بكر، رضي الله عنه، بعد النبي صلى الله عليه وسلم./ لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال إلى أبي بكر، رضي الله عنه، فقال: يا خليفة رسول الله ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أفضل أعمال المؤمن الجهاد في سبيل الله ؛ وقد أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت، فقال أبو بكر: أنشدك الله يا بلال، وحرمتي وحقي، فقد كبرت واقترب أجلي، فأقام بلال مع أبي بكر حتى توفي أبو بكر، فلما توفي جاء بلال إلى عمر رضي الله عنه فقال له كما قال لأبي بكر، فرد عليه كما رد أبو بكر، فأبى، وقيل إنه لما قال له عمر، ليقيم عنده، فأبى عليه: ما يمنعك أن تؤذن ؟ فقال: إني أذنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض، ثم أذنت لأبي بكر حتى قبض؛ لأنه كان ولي نعمتي، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا بلال، ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله... فخرج إلى الشام مجاهداً، وإنه أذّن لعمر بن الخطاب لما دخل الشام مرة واحدة، فلم ير باكياً أكثر من ذلك اليوم /.../(1/184)
- ثم إن بلالاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وهو يقول: " ما هذه الجفوة يا بلال ؟ أما آن لك أن تزورنا ؟" فانتبه حزيناً، فركب إلى المدينة ، فأتى قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يبكي عنده ويتمرغ عليه، فأقبل الحسن والحسين، فجعل يقبلهما ويضمهما، فقالا له : نشتهي أن تؤذن في السحَر، فعلا سطح المسجد، فلما قال: " الله أكبر، الله أكبر " ارتجَّت المدينة، فلما قال: " أشهد أن لا إله إلا الله " زادت رجَّتها، فلما قال: " أشهد أن محمداً رسول الله " خرج النساء من خدورهن ... فما رئي يوماً أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم.- وذكر الذهبي هذا في " تاريخ الإسلام -
*وقال ابن الجوزي في " المنتظم " : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بلال يؤذِّن، فإذا قال " أشهد أن محمداً رسول الله " انتحب الناس، فلما دُفن رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم ، قال له أبو بكر: أذِّن. فقال له: إن كنت إنما اعتقتني لأن أكون معك، فسبيل ذلك، وإن كنت أعتقتني للّه فخلني ومن أعتقتني له. فقال: ما اعتقتك إلا للّه. قال: فإني لا أؤذِّن لأحد بعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم... قال: فذاك إليك.... قال : فأقام حتى خرجت بعوث الشام، فسار معهم.... وقيل: إنما أقام حياة أبي بكر، فلما ولي عمر رحل إلى الشام .
* وقال السمهودي في " خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى" ... وفي تحفة أبن عساكر عن جابر رضي الله عنه : رُشَّ قبرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكان الذي رش على قبره بلال بنُ رباح بقربة ، بدأ من قبل رأسه حتى انتهى إلى رجليه ثم ضرب بالماء إلى الجدار ولم يقدر على أن يدور من الجدار ، لأنهم جعلوا بين قبره وبين حائط القبلة نحوا من سوط ...
? وقال سعيد بن منصور = ... عن أم سلمة قالت : توفي رسول الله يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء ...
?وقال ابن خزيمة= ... عن ابن عباس قال: توفي رسول الله يوم الاثنين ، ودفن يوم الثلاثاء ...(1/185)
? وقال الواقدي = ... حدثني أبي ابن عياش بن سهل بن سعيد عن أبيه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء ...
?وقال أبو بكر بن أبي الدنيا عن محمد بن سعد : توفي رسول الله يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة من ربيع الاول ودفن يوم الثلاثاء ...
?وقال عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا = عن عبد الله بن أبي أوفىقال : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين :فلم يدفن إلا يوم الثلاثاء ../ وهكذا قال سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو جعفر الباقر...
صفة قبره عليه الصلاة والسلام
? قد علم بالتواتر أنه عليه الصلاة والسلام دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها ، شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة ، ثم دفن بعده فيها أبو بكر ، ثم عمر رضي الله عنهما ...
? وقد قال البخاري = ... ثنا محمد بن مقاتل ثنا أبو بكر بن عياش عن سفيان التمار أنه حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما .../ تفرد به البخاري.
(رواه البخاري في كتاب الجنائز ،باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما...
((1/186)
وأخرجه البيهقي في الكبرى ، والدلائل... وقال في معرفة السنن والآثار : وروينا عن علي ، رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج الأسدي : أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن « لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته ، ولا تمثالا إلا طمسته ؟ » قال الشافعي في رواية أبي سعيد : وكان بعض الناس يسنم القبر ، ومقبرة المهاجرين ، والأنصار تسطح قبورها وتشخص عن وجه الأرض نحوا من شبر ونجعل عليها البطحاء مرة ، ومرة بطين ، ولا أحسب هذا من الأمور التي ينبغي أن يدخل فيها أحد علينا . وقد بلغنا عن القاسم بن محمد قال : رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر مسطحة . قال أحمد : قد رويناه عن ابن أبي فديك ، عن عمرو بن عثمان بن هانئ ، عن القاسم بن محمد ، وروينا عن سفيان التمار ، أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما . فإن كان حفظه عنه أبو بكر بن عياش فكأنه غير عما كان رواه للقاسم بن محمد ، ولا اعتبار بما أحدث ... وقد استحب بعض أهل العلم من أهل الحديث التسنيم وفي هذا الزمان لكونه جائزا بالإجماع ، وأن التسطيح صار شعارا لأهل البدع لئلا يكون سببا لإطالة الألسنة فيمن فعل ذلك بقبره ، وهو منزه عنه ، والله أعلم ...قال الشافعي : ويوضع عند رأسه صخرة أو علامة ما ...
? وقال أبو داود ثنا احمد بن صالح ثنا ابن أبي فديك أخبرني عمرو بن عثمان بن هاني عن القاسم قال دخلت على عائشة وقلت لها : يا أمه ، اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ...فكشفت لي عن ثلاثة قبور ، لا مشرفة ، ولا لاطئة ، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء، النبي صلى الله عليه وسلم ،وأبو بكر رضي الله عنه ، وعمر رضي الله عنه ...
( ورواه البيهقي في الكبرى والدلائل ، وعبد الرزاق في مصنفه ، والحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .(1/187)
? شرح : المشرف =المرتفع عن مستوى الأرض ... لاطئة= مستوية على وجه الأرض ، يقال : لطأ بالأرض أي لصق بها ... مبطوحة = مسواة مبسوطة على الأرض ... العرصة = الأرض الخلاء والساحة ليس فيها بناء .
? وقد روى الحاكم والبيهقي من حديث ابن أبي فديك عن عمرو بن عثمان عن القاسم قال: فرأيت النبي عليه السلام مقدماً ، وأبو بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم ، وعمر رأسه عند رجل النبي صلى الله عليه وسلم ... / قال البيهقي وهذه الرواية تدل على أن قبورهم مسطحة لأن الحصباء لا تثبت إلا على المسطح // وهذا عجيب من البيهقي رحمه الله ، فإنه ليس في الرواية ذكر الحصباء بالكلية ؛ وبتقدير ذلك فيمكن أن يكون مسنما وعليه الحصباء مغروزة بالطين ونحوه .
?وقد روى الواقدي عن الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : جعل قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسطحاً ...
?وقال البخاري = ... ثنا فروة بن أبي المغراء ثنا علي بن مسهر عن هشام عن عروة عن أبيه قال لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه فبدت لهم قدم ففزعوا فظنوا أنه قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما وجد واحد يعلم ذلك حتى قال لهم عروة لا والله ما هي قدم النبي صلى الله عليه وسلم ما هي إلا قدم عمر .
(رواه البخاري في كتاب الجنائز ،باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ...
((1/188)
وذكره البيهقي في شعب الإيمان ، وقال : قال الشيخ أحمد : وقد يجوز أن يكون ذلك في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من جهة الوليد بن عبد الملك ، ثم قد يجوز أن يكون عروة وسالم قالاه ، فلا يكون بين الروايتين اختلاف ، والله أعلم... // وقال قبله :... وكان وردان بنى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمرة عمر بن عبد العزيز ، قال : وقال وردان : كان بيت عائشة سقط شقه الشرقي ، قال : فدُعيت ، فجئت إلى عمر بن عبد العزيز ... قال وردان : فقلت له : إنا نخاف أن يغلبنا الناس على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فأمرت بالعمد ، فأتيت بها ، ثم أمرت بالصياصي ، فجعلت سُرادقاً عليه ، فكان ذلك السرادق أول سرادق رئي بالمدينة ، فسترت عليه فلما أصبحنا ، قال عمر : ادخل يا وردان ، فدخلت وحدي ، وأبناء المهاجرين ، والأنصار ، والعرب يتناولون ما أخرج من التراب حتى وصلت الجدار الذي كان فيه قدمُ عمر بن الخطاب ...فلما رأيته ، قلت : يا أمير المؤمنين ، قدم قد مدت لي ... فارتاع لها ، وارتاع من معه من قريش ، والأنصار ، والعرب ، فقال له سالم : أيها الأمير لم ترع ، هذه قدم أبي وأبيك عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، سمعت ابن عمر ، يقول : كان رجلا طوالا فضاق عنه اللحد ، فحفروا لقدميه في الجدار ...، قال : غيبهما رحمك الله يا وردان ... قال وردان : فبنيْت طاقا على قدميه ... قال عبد الله بن جعفر : وصف أبي كما وصف له أبوه وردان ، هكذا قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أبو زرعة : وصف لي كل قبر بحيال صدر صاحبه : قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبر أبي بكر الصديق ، قبر عمر بن الخطاب...(1/189)
? وعن هشام عن أبيه عن عائشة أنها أوصت عبد الله بن الزبير قالت : لا تدفني معهم ،وادفني مع صواحبي بالبقيع ، لا أزكي به أبدا // قلت: كان الوليد بن عبد الملك حين ولى الامارة في سنة ست وثمانين قد شرع في بناء جامع دمشق وكتب إلى نائبه بالمدينة ، ابن عمه عمر بن عبد العزيز، أن يوسع في مسجد المدينة فوسعه حتى من ناحية الشرق فدخلت الحجرة النبوية فيه ...
(رواه البخاري في كتاب الجنائز ،باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ...
(وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير...
?وقد روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن زاذان مولى الفرافصة وهو الذي بنى المسجد النبوي أيام ولاية عمر بن عبد العزيز على المدينة فذكر عن سالم بن عبد الله نحو ما ذكره البخاري وحكى صفة القبور كما رواه أبو داود.
ما اصاب المسلمين من المصيبة بوفاته صلى الله عليه وسلم
?قال البخاري =... عن أنس قال : لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب ؛ فقالت فاطمة: واكربَ أبتاه ... فقال لها : ليس على أبيك كرب بعد اليوم ... فلما مات قالت : واأبتاه أجاب ربّاً دعاه ، يا ابتاه من جنة الفردوس مأواه ، يا ابتاه الى جبريل ننعاه ... فلما دفن قالت فاطمة : يا أنس ، أطابتْ أنفسُكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب ؟...
( رواه في كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته وقول الله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) ( الزمر 30 - 31 )، وقال يونس عن الزهري قال عروة ، قالت عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه : يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم ...
((1/190)
وأخرجه البيهقي في الكبرى والدلائل ، وعبد بن حميد في مسنده، والطيالسي إلى قوله صلى الله عليه وسلم : ليس على أبيك كرب بعد اليوم
( وأخرجه ابن ماجه ، ولفظه = ... عن أنس أن فاطمة قالت حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم : وا أبتاه إلى جبرائيل أنعاه ، وا أبتاه من ربه ما أدناه ، وا أبتاه جنة الفردوس مأواه ، وا أبتاه أجاب ربا دعاه .../ قال حماد فرأيت ثابتا حين حدث بهذا الحديث بكى حتى رأيت أضلاعه تختلف .
(وأخرجه الحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
( وفي رواية للطبراني في الكبير : عن أنس، أن فاطمة، قالت:يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، وا أبتاه من ربه ما أدناه، وا أبتاه جنة الفردوس مأواه وقالت: وا أبتاه إلى جبريل ننعاه، وا أبتاه أجاب ربا دعاه....
- وأخرجه الدارمي ، وأبو يعلى ، وابن حبان ، وعبد بن حميد ن والطيالسي...
?شرح : طابت نفسه = ارتاحت وسمحت ... حثا وحثي =ألقى التراب ورماه وأهاله ... المأوى = المنزل والمستقر والمقام ... نعى الميت = أذاع موته وأخبر به .(1/191)
++ قال ابن حجر رحمه الله = قوله : ( واكرب أباه ) ، في رواية مبارك بن فضالة عن ثابت عند النسائي " واكرباه " والأول أصوب لقوله في نفس الخبر " ليس على أبيك كرب بعد اليوم " وهذا يدل أنها لم ترفع صوتها بذلك وإلا لكان ينهاها.... وقوله : ( يا أبتاه ) ، كأنها قالت : يا أبي والمثناة بدل من التحتانية والألف للندبة ولمد الصوت والهاء للسكت .... وقوله : ( من جنة الفردوس مأواه ) ، بفتح الميم في أوله على أنها موصولة ، وحكى الطيبي عن نسخة من " المصابيح " بكسرها على أنها حرف جر ، قال : والأول أولى ... وقوله : ( إلى جبريل ننعاه ) ، قيل : الصواب إلى جبريل نعاه ، جزم بذلك سبط ابن الجوزي في " المرآة " ، والأول موجه فلا معنى لتغليظ الرواة بالظن ، وزاد الطبراني من طريق عارم والإسماعيلي من طريق سعيد بن سليمان كلاهما عن حماد في هذا الحديث " يا أبتاه ، من ربه ما أدناه " ومثله للطبراني من طريق معمر ، ولأبي داود من طريق حماد بن سلمة كلاهما عن ثابت به ، قال الخطابي : زعم بعض من لا يعد في أهل العلم أن المراد بقوله عليه الصلاة والسلام : " لا كرب على أبيك بعد اليوم " أن كربه كان شفقة على أمته لما علم من وقوع الفتن والاختلاف ، وهذا ليس بشيء لأنه كان يلزم أن تنقطع شفقته على أمته بموته ، والواقع أنها باقية إلى يوم القيامة لأنه مبعوث إلى من جاء بعده وأعمالهم تعرض عليه ، وإنما الكلام على ظاهره ، وأن المراد بالكرب ما كان يجده من شدة الموت ، وكان فيما يصيب جسده من الآلام كالبشر ليتضاعف له الأجر كما تقدم .... وقوله : ( فلما دفن قالت فاطمة : يا أنس إلخ ) ، وهذا من رواية أنس عن فاطمة ، وأشارت عليها السلام بذلك إلى عتابهم على إقدامهم على ذلك لأنه يدل على خلاف ما عرفته منهم من رقة قلوبهم عليه لشدة محبتهم له ، وسكت أنس عن جوابها رعاية لها ولسان حاله يقول : لم تطب أنفسنا بذلك ، إلا أنا قهرناها على فعله امتثالا لأمره ...(1/192)
وقد قال أبو سعيد فيما أخرجه البزار بسند جيد : " وما نفضنا أيدينا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا " ... ومثله في حديث ثابت عن أنس عند الترمذي وغيره ، يريد أنهم وجدوها تغيرت عما عهدوه في حياته من الألفة والصفاء والرقة ، لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم والتأديب... ويستفاد من الحديث جواز التوجع للميت عند احتضاره بمثل قول فاطمة عليها السلام " واكرب أباه " وأنه ليس من النياحة ، لأنه صلى الله عليه وسلم أقرها على ذلك ... وأما قولها بعد أن قبض " وا أبتاه إلخ " فيؤخذ منه أن تلك الألفاظ إذا كان الميت متصفا بها لا يمنع ذكره لها بعد موته ، بخلاف ما إذا كانت فيه ظاهرا وهو في الباطن بخلافه أو لا يتحقق اتصافه بها فيدخل في المنع ، ونبه هنا على أن المزي ذكر كلام فاطمة هذا في مسند أنس ، وهو متعقب ، فإنه وإن كان أوله في مسنده لأن الظاهر أنه حضره ، لكن الأخير إنما هو من كلام فاطمة فحقه أن يذكر في رواية أنس عنها .(1/193)
? وقال الامام احمد = ...عن أنس قال : فلما دفن النبي صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة يا أنس أطابت أنفسكم أن دفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التراب ورجعتم ...// وهكذا رواه ابن ماجه مختصرا من حديث حماد بن زيد به ، وعنده قال حماد فكان ثابت اذا حدث بهذا الحديث بكى حتى تختلف اضلاعه ... / وهذا لا يعد نياحة بل هو من باب ذكر فضائله الحق عليه أفضل الصلاة والسلام ، وإنما قلنا هذا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النياحة // وقد روى الامام احمد والنسائي من حديث شعبة قال : سمعت قتادة ، سمعت مطرفا يحدث عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه فيما أوصى به إلى بنيه أنه قال : ولا تنوحوا علي ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه .// وقد رواه اسماعيل بن اسحاق القاضي في النوادر عن عمرو بن ميمون عن شعبة به ... ثم رواه عن علي بن المديني عن المغيرة بن سلمة عن الصعق بن حزن عن القاسم بن مطيب عن الحسن البصري عن قيس بن عاصم به ، قال : لا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه ؛وقد سمعته ينهى عن النياحة...وقال الحافظ أبو بكر البزار = ... عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه .
? وقال الامام احمد =... عن أنس قال: لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ... قال : وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا .../ وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه جميعا عن بشر بن هلال الصواف عن جعفر بن سليمان الضبعي به وقال الترمذي هذا حديث صحيح غريب../ قلت وإسناده على شرط الصحيحين ومحفوظ من حديث جعفر بن سليمان وقد أخرج له الجماعة ، رواه الناس عنه كذلك ...(1/194)
?وقد أغرب الكديمي وهو محمد بن يونس رحمه الله في روايته له حيث قال =... عن أنس قال: لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أظلمت المدينة حتى لم ينظر بعضنا الى بعض ، وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها أو لا يبصرها ، وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا .../ رواه البيهقي من طريقه كذلك // وقد رواه من طريق غيره من الحفاظ عن أبي الوليد الطيالسي كما قدمنا وهو المحفوظ ... والله أعلم.
? وقد روى الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر = ... عن أبي سعيد الخدري قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء...
?وقال ابن ماجه =... عن أبي بن كعب قال :كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما وجهنا واحد، فلما قبض نظرنا هكذا وهكذا ...
?وقال أيضا = ... عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلى يصلي لم يعْدُ بصرُ أحدهم موضع قدميه، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر فكان الناس غذا قام أحدهم يصلي لم يعدُ بصر أحدهم موضع جبينه ، فتوفي أبو بكر وكان عمر فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعدُ بصر أحدهم موضع القبلة ، فتوفي عمر وكان عثمان وكانت الفتنة فتلفت الناس يمينا وشمالا...
? وقال الامام أحمد = .... عن أنس أن أم أيمن بكت لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقيل لها : ما يبكيك على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : إني قد سلمت أن رسول الله سيموت ، ولكني إنما أبكي على الوحي الذي رُفع عنّا .../ هكذا رواه مختصرا .(1/195)
?وقد قال البيهقي = ... عن أنس قال : ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم أيمن زائراً ، وذهبت معه ، فقربت إليه شرابا ؛ فإما كان صائما وإما كان لا يريده ، فردَّه ؛ فأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تضاحكه ... فقال أبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : انطلق بنا الى أم أيمن نزورها... فلما انتهينا إليها بكت ، فقالا لها : ما يبكيك ؟ ما عند الله خير لرسوله ...قالت : والله ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله ، ولكن أبكي أن الوحي انقطع من السماء... فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان ...
( رواه مسلم في حديثين في كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنها ... ولفظ الأول : عَنْ أَنَسٍ قَالَ : انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَنَاوَلَتْهُ إِنَاءً فِيهِ شَرَابٌ قَالَ فَلَا أَدْرِي أَصَادَفَتْهُ صَائِمًا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ فَجَعَلَتْ تَصْخَبُ عَلَيْهِ وَتَذَمَّرُ عَلَيْهِ ... ولفظ الثاني : عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا ... فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ ... فَقَالَا لَهَا :مَا يُبْكِيكِ ؟ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ السَّمَاءِ ... فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ مَعَهَا.
((1/196)
وأخرجه ابن ماجه ، وابن أبي شيبة ، وأبو يعلى ، والدارمي في حديث عن عكرمة وفيه : ... وَجَعَلَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَبْكِي، فَقِيلَ لَهَا: يَا أُمَّ أَيْمَنَ ،تَبْكِين عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَتْ : إِنِّى وَاللَّهِ مَا أَبْكِى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا ، وَلَكِنِّى أَبْكِى عَلَى خَبَرِ السَّمَاءِ انْقَطَعَ....
?وروى مسلم منفردا به عن زهير بن حرب عن عمرو بن عاصم به وقال موسى بن عقبة في قصة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبة أبي بكر فيها قال : ورجع الناس حين فرغ أبو بكر من الخطبة ، وأم أيمن قاعدة تبكي ...فقيل لها : ما يبكيك ؟ قد أكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم فأدخله جنته وأراحه من نصب الدنيا ... فقالت : إنما أبكي على خبر السماء ،كان ياتينا غضا جديدا كل يوم وليلة ، فقد انقطع ورفع ، فعليه أبكي ... فعجب الناس من قولها .
( ورواه البيهقي في الدلائل .
?وقد قال مسلم بن الحجاج في صحيحه = ... عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا يشهد لها ، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر إليها فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره.../ تفرد به مسلم اسنادا ومتنا .
( رواه في كتاب الفضائل ، باب إذا أراد الله تعالى رحمة أمة قبض نبيها قبلها ...
( وأخرجه الطبراني فيالأوسط والكبير ، والبيهقي في الدلائل ، وابن حبان ،
?شرح : فرطا = أجرا مقدما ... سَلَف الإنسان = مَن تقَدمه بالمَوت من آبائه وَذَوِى قَرابته أو من أهل دينه أو تكون من سلف المال ، والمراد أجر الصبر على المصيبة ...(1/197)
? وقد قال الحافظ أبو بكر البزار = ... عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام... قال :وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم ؛ فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم ... / ثم قال البزار لم نعرف آخره يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه .../ قلت: أما أوله وهو قوله عليه السلام : إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام ... فقد رواه النسائي من طرق متعددة عن سفيان الثوري وعن الاعمش كلاهما عن عبد الله بن السائب عن أبيه به .
(ورواه أحمد ولفظه : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ .// وفي رواية : إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ ...
( وأخرج هذا الطرف ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق ، والطبراني في الكبير ،والبيهقي في الدلائل ، والدارمي ، وأبو يعلى ، وابن حبان ، وابن المبارك ....
? شرح : السياحون ، الذين يسيحون في الأؤض ، أي يتجولون فيها ...(1/198)
? وقد قال الامام احمد = ... عن أوس بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه فان صلاتكم معروضة علي... قالوا : يا رسول الله ،كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت - يعني قد بليت؟ قال : إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام // رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله وعن الحسن بن علي ، والنسائي عن اسحاق بن منصور ثلاثتهم عن حسين بن علي به ، وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حسين بن علي عن جابر عن أبي الاشعث عن شداد بن أوس فذكره // قال شيخنا أبو الحجاج المزي وذلك وهم من ابن ماجه والصحيح أوس بن أوس وهو الثقفي رضي الله عنه...قلت: وهو عندي في نسخة جيدة مشهورة على الصواب كما رواه احمد وأبو داود والنسائي عن أوس ابن أوس.
? ثم قال ابن ماجه =... عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة ، فإنه مشهود تشهده الملائكة ، وإن أحدا لا يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها ... قال : قلت : وبعد الموت ؟ قال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام ... نبي الله حي ويرزق .../ وهذا من أفراد ابن ماجه رحمه الله ...
(ذكر منه ابن أبي حاتم في تفسيره قوله : أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود ، تشهده الملائكة ...
(ومما جاء في الترغيب في الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة :
+ في مصنف ابن أبي شيبة: عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنها معروضة علي
+ في السنن الكبرى للبيهقي : ... عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكثروا الصلاة على يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا ...(1/199)
+ في الأوسط للطبراني : ... عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا الصلاة علي في الليلة الزهراء واليوم الأزهر ، فإن صلاتكم تعرض علي
+ وفي الكبير له : ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عَلَيَّ فِي اللَّيْلَةِ الزَّهْرَاءِ وَالْيَوْمِ الأَزْهَرِ، فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ ...
+ وفي شعب الإيمان للبيهقي :... عن أبي مسعود الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أكثروا الصلاة علي في يوم الجمعة فإنه ليس يصلي علي أحد يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته ...// وعن ابن عباس قال : سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : أكثروا الصلاة على نبيكم في الليلة الغراء ، واليوم الأزهر ليلة الجمعة ، ويوم الجمعة ...
+ وفي معرفة السنن له : ... أخبرنا الشافعي قال : بلغنا عن عبد الله بن أبي أوفى ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أكثروا الصلاة علي في يوم الجمعة ، فإني أبلغ وأسمع ...
+ وفي مسند الشافعي : عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة ...
ما ورد من التعزية به عليه الصلاة والسلام
? قال ابن ماجه = ... عن عائشة قالت: فتح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم باباً بينه وبين الناس أو كشف ستراً فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم رجاء أن يخلفه فيهم بالذي رآهم ، فقال : يا أيهما الناس، أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدً من أمتي لن يُصاب بمصيبة أشد عليه من مصيبتي .../ تفرد به ابن ماجه..(1/200)
? وقال الحافظ البيهقي = ... عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رجالا من قريش دخلوا على أبيه علي بن الحسين فقال : ألا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : بلى، فحدثنا عن أبي القاسم... قال: لما أن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال: يا محمد إن الله أرسلني إليك تكريماً لك، وتشريفاً لك ، وخاصة لك ، أسألك عما هو أعلم به منك يقول : كيف تجدك ؟ قال : أجدني يا جبريل مغموماً وأجدني يا جبريل مكروباً... ثم جاءه اليوم الثاني فقال له ذلك ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما رد أول يوم ... ثم جاءه اليوم الثالث فقال له كما قال أول يوم ، ورد عليه كما رد ... وجاء معه ملك يقال له اسماعيل على مائة ألف ملك كل ملك على مائة ألف ملك فاستأذن عليه ، فسأل عنه ، ثم قال جبريل: هذا ملك الموت يستأذن عليك ، ما استأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك ...فقال عليه السلام: إيذن له ...فأذن له فدخل فسلم عليه ثم قال: يا محمد إن الله أرسلني إليك ، فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضت ، وإن أمرتني أن أتركه تركته ....فقال رسول الله : أو تفعل يا ملك الموت ؟ قال : نعم ، وبذلك أمرت ، وأمرت أن أطيعك ... قال : فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ... فقال له جبريل: يا محمد، إن الله قد اشتاق إلى لقائك ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لملك الموت: امض لما أمرت به ... فقبض روحه ... فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاءت التعزية سمعوا صوتا من ناحية البيت : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، إن في الله عزاءً من كل مصيبة ، وخلفاً من كل هالك ، ودركاً من كل فائت ،فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فانما المصاب من حرم الثواب ... فقال علي رضي الله عنه: أتدرون من هذا ؟ هذا الخضر عليه السلام ...(1/201)
وهذا الحديث مرسلا وفي اسناده ضعف ، حال القاسم العمري هذا فإنه قد ضعفه غير واحد من الأئمة وتركة بالكلية آخرون .// وقد رواه الربيع عن الشافعي عن القاسم عن جعفر عن أبيه عن جده فذكر منه قصة التعزية فقط موصولا وفي الاسناد العمري المذكور قد نبهنا على أمره لئلا يغتر به
?على أنه قد روى الحافظ البيهقي = ... عن جابر بن عبد الله قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ن يسمعون الحس ولا يرون الشخص ، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاءً من كل مصيبة ، وخلفاً من كل فائت ، ودركاً من كل هالك ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فانما المحروم من حرم الثواب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...// ثم قال البيهقي هذان الاسنادان وان كانا ضعيفان فاحدهما يتأكد بالآخر ويدل على أن له أصلا من حديث جعفر ... والله أعلم .
( وأخرجه الحاكم في مستدركه ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ...
((1/202)
وروى الطبراني في الكبير= عَنْ عَلِيِّ بن حُسَيْنٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي ، يَقُولُ : لَمَّا كَانَ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ ، هَبَطَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَقَالَ : " يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِكْرَامًا لَكَ ، وَتَفْضِيلا لَكَ ، وَخَاصَّةً لَكَ ، أَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ ، يَقُولُ : كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا ، وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا ، قَالَ : فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ هَبَطَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَهَبَطَ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ ، وَهَبَطَ مَعَهُمَا مَلَكٌ فِي الْهَوَاءِ يُقَالُ لَهُ : إِسْمَاعِيلُ عَلَى سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ ، لَيْسَ فِيهِمْ مَلَكٌ إِلا عَلَى سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ ، يُشَيِّعُهُمْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِكْرَامًا لَكَ ، وَتَفْضِيلا لَكَ ، وَخَاصَّةً لَكَ ، أَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ ، يَقُولُ : كَيْفَ تَجِدُكُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا ، وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا ، قَالَ : فَاسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَوْتِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَابِ ،فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ : يَا مُحَمَّدُ ، هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ ، مَا اسْتَأْذَنَ عَلَى آدَمِيٍّ قَبْلَكَ ، وَلا يَسْتَأْذِنُ عَلَى آدَمِيٍّ بَعْدَكَ ، فَقَالَ : ائْذَنْ لَهُ ، فَأَذِنَ لَهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(1/203)
وَسَلَّمَ ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُطِيعَكَ فِيمَا أَمَرْتَنِي بِهِ ، إِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْبِضَ نَفْسَكَ قَبَضْتُهَا ، وَإِنْ كَرِهْتَ تَرَكْتُهَا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَفْعَلُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ أَنْ أُطِيعَكَ فِيمَا أَمَرْتَنِي بِهِ ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ ؟ عَلَيْهِ السَّلامُ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ اشْتَاقَ إِلَى لِقَائِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ : هَذَا آخِرُ وَطْأَتِي الأَرْضَ ، إِنَّمَا كَانَتْ حَاجَتِي فِي الدُّنْيَا ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ ، جَاءَ آتٍ ، يَسْمَعُونَ حِسَّهُ وَلا يَرَوْنَ شَخْصَهُ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ، إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ ، وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ مَا فَاتَ ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا ، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا ، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ...
( وأورده ابن أبي حاتم في تفسيره في موضعين ، ذكر في أحدهما من الآية الكريمة ، قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ... //(1/204)
+ قال تعالى :( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران : 185 ) .
? وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ = ... عن أنس بن مالك قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدق به أصحابه فبكوا حوله واجتمعوا ، فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح ، فتخطى رقابهم ، فبكى ثم التفت الى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن في الله عزآء من كل مصيبة ، وعوضا من كل فائت ، وخلفا من كل هالك ، فإلى الله فانيبوا ، واليه فارغبوا ، ونظره اليكم في البلايا فانظروا ، فان المصاب من لم يجبر ... فانصرف ؛ فقال بعضهم لبعض : تعرفون الرجل ؟ فقال أبو بكر وعلي: نعم ، هذا أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم، الخضر ....// ثم قال البيهقي : وهذا منكر بمرة .
? وقد روى الحارث بن أبي اسامة عن محمد بن سعد ، أنبأنا هشام بن القاسم ، ثنا صالح المري عن أبي حازم المدني أن رسول الله حين قبضه الله عز وجل دخل المهاجرون فوجاً فوجاً يصلون عليه ويخرجون، ثم دخلت الأنصار على مثل ذلك ، ثم دخل أهل المدينة حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء ، فكان منهن صوت وجزع كبعض ما يكون منهن ، فسمعن هزة في البيت يعرفنها فسكتن ، فاذا قائل يقول : إن في الله عزاءً من كل هالك ، وعوضاً من كل مصيبة ، وخلفاً من كل فائت، والمجبور من جبره الثواب، والمصاب من لم يجبره الثواب ...
فصل
فيما روي من معرفة أهل الكتاب بيوم وفاته صلى الله عليه وسلم(1/205)
? قال أبو بكر بن أبي شيبة = ... عن جرير بن عبد الله البجلي قال :كنت باليمن فلقينا رجلين من أهل اليمن ، ذا كلاع وذا عمرو ، فجعلت أحدثهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛قال :فقالا لي: إن كان ما تقول حقا ، فقد مضى صاحبك على أجله منذ ثلاث... قال: فأقبلت ، وأقبلا ، حتى اذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من المدينة فسألناهم ،فقالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر، والناس صالحون ...قال : فقالا لي : أخبر صاحبك أنا قد جئنا ، ولعلنا سنعود إن شاء الله عز وجل... قال : ورجعنا الى اليمن ، فلما أتينا أخبرت ابا بكر بحديثهم ؛ قال : أفلا جئت بهم ؟ فلما كان بعد، قال لي ذو عمرو: يا جرير ، إن لك علي كرامة ، وإني مخبرك خبراً ، إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم اذا هلك أمير تأمرتم في آخر ، وإذا كانت بالسيف كنتم ملوكاً تغضبون غضب الملوك وترضون رضى الملوك .//
هكذا رواه الامام احمد والبخاري عن أبي بكر بن أبي شيبة .// وهكذا رواه البيهقي عن الحاكم عن عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان عنه ..
( رواه البخاري في كتاب المغازي ، باب ذهاب جري إلى اليمن ...
(وأخرجه ابن أبي شيبة ، والطبراني في الكبير ،
? وقال البيهقي = ... عن جرير قال: لقيني حبر باليمن وقال لي: إن كان صاحبكم نبيّاً فقد مات يوم الاثنين ..
? وقد قال الامام احمد = ... عن جرير قال قال لي حبر باليمن إن كان صاحبكم نبيا فقد مات اليوم... قال جرير فمات يوم الاثنين .
( ورواه الطبراني في معجمه الكبير .(1/206)
?وقال البيهقي = ...عن كعب بن عدي قال : أقبلت في وفد من أهل الحيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض علينا الاسلام فأسلمنا ، ثم انصرفنا الى الحيرة ؛ فلم نلبث أن جاءتنا وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فارتاب أصحابي وقالوا : لو كان نبيا لم يمت ...فقلت : قد مات الأنبياء قبله ،وثبتُّ على اسلامي؛ ثم خرجت أريد المدينة فمررت براهب كنا لا نقطع أمراً دونه ، فقلت له : أخبرني عن أمر أردته نفخ في صدري منه شيء ...فقال : رائت باسم من الأسماء ...فاتيته بكعب ، فقال : القِه في هذا السفر... لسفر أخرجه؛ فألقيت الكعب فيه ؛ فصفح فيه ؛ فاذا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم كما رأيته ، واذا هو يموت في الحين الذي مات فيه ... قال : فاشتدت بصيرتي في إيماني ، وقدمت على أبي بكر رضي الله عنه فأعلمته ، وأقمت عنده فوجهني الى المقوقس فرجعت ، ووجهني أيضا عمر بن الخطاب فقدمت عليه بكتابه فأتيته ، وكانت وقعة اليرموك ولم اعلم بها ... فقال لي: أعلمت أن الروم قتلت العرب وهزمتهم ؟ فقلت :كلا ...قال: ولم ؟ قلت: إن الله وعَد نبيَّه أن يظهره على الدين كله ، وليس بمخلف الميعاد... قال: فإن نبيكم قد صدقكم ... قتلت الروم ، والله ، قتل عاد ... قال : ثم سألني عن وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته وأهدى إلى عمر وإليهم ، وكان ممن أهدى إليه علي، وعبد الرحمن ، والزبير ، وأحسبه ذكر العباس ... قال كعب: وكنت شريكا لعمر في البز في الجاهلية ، فلما أن فرض الديوان فرض لي في بني عدي ابن كعب.../ وهذا أثر غريب وفيه نبأ عجيب وهو صحيح ...
فصل
ارتداد العرب بوفاته صلى الله عليه وسلم
? قال محمد بن اسحاق : ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب ، واشرأبت اليهودية والنصرانية ، ونجم النفاق ، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم حتى جمعهم الله على أبي بكر رضي الله ...(1/207)
? وعنه قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا بالرجوع عن الاسلام ، وأرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن أسيد رضي الله عنه فتوارى... فقام سهيل بن عمرو رضي الله عنه فحمد الله واثنى عليه ، ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : إن ذلك لم يزد الاسلام إلا قوة ، فمن رابنا ضربنا عنقَه ن فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، فظهر عتاب بن أسيد ... فهذا المقام الذي اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لعمر بن الخطاب يعني حين اشار بقلع ثنيته حين وقع في الأسارى يوم بدر : إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمنه...
فصل
قصائد حسان بن ثابت رضي الله عنه في وفاة رسول الله
?وقد ذكر ابن اسحاق وغيره قصائد لحسان بن ثابت رضي الله عنه في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أجل ذلك وأفصحه وأعظمه ما رواه عبد الملك بن هشام رحمه الله عن أبي زيد الأنصاري أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال ، يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بطيبة رسم للرسول ومعهد منير وقد تعفو الرسوم وتمهد
ولا تمتحي الآيات من دار حرمة بها منبر الهادي الذي كان يصعد
وواضح آيات وباقي معالم وربع له فيه مصلى ومسجد
بها حجرات كان ينزل وسطها من الله نور يستضاء ويوقد
معارف لم تطمس على العهد آيها أتاها البلا فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وعهده وقبرا بها واراه في الترب ملحد
ظللت بها ابكي الرسول فأسعدت عيون ومثلاها من الجن تسعد
يذكرن آلاء الرسول ولا ارى لها محصيا نفسي فنفسي تبلد
مفجعة قد شفها فقد أحمد فظلت لآلاء الرسول تعدد
وما بلغت من كل أمر عشيره ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها على طلل القبر الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
تهيل عليه الترب أيد وأعين عليه وقد غارت بذلك أسعد(1/208)
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة عشية علوه الثرى لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
ويبكون من تبكي السموات يؤمه ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدى به وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفو عن الزلات يقبل عذرهم وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبيناهم في نعمة الله وسطهم دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثنى جناحه الى كنف يحنو عليهم ويمهد
فبيناهم في ذلك النور إذ غدا إلى نورهم سهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا يبكيه جفن المرسلات ويحمد
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها فقيد يبكيه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده خلاء له فيها مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت ديار وعرصات وربع ومولد
فابكي رسول الله يا عين عبرة ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
ومالك لا تبكين ذا النعمة التي على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع وأعولي لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
وما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد
أعف وأوفى ذمة بعد ذمة وأقرب منه نائلا لا ينكد
وأبذل منه للطريف وتالد إذا ضن معطاء بما كان يتلد
وأكرم حيا في البيوت إذا انتمى واكرم جدا أبطحيا يسود
وأمنع ذروات وأثبت في العلا دعائم عز شاهقات تشيد
واثبت فرعا في الفروع ومنبتا وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
رباه وليدا فاستقم بتمامه على اكرم الخيرات رب ممجد
تاهت وصاة المسلمين بكفه فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
أقول ولا يلفي لما قلت عائب من الناس إلا عازب القول مبعد(1/209)
وليس هوائي نازعا عن ثنائه لعلي به في جنة الخلد أخلد
مع المصطفى أرجو بذاك جواره وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد
? وقال الحافظ أبو القاسم السهيلي في آخر كتابه الروض: وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب،
يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أرقت فبات ليلي لا يزول وليل أخي المصيبة فيه طول
وأسعدني البكاء وذاك فيما أصيب المسلمون به قليل
لقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول
وأضحت ارضنا مما عراها تكاد بنا جوانبها تميل
فقدنا الوحي والتنزيل فينا يروح به ويغدو جبرئيل
وذاك أحق ما سالت عليه نفوس الناس أو كربت تسيل
نبي كان يجلو الشك عنا بما يوحى اليه وما يقول
ويهدينا فلا نخشى ضلالا علينا والرسول لنا دليل
أفاطم إن جزعت فذاك عذر وإن لم تجزعي ذاك السبيل
فقبر ابيك سيد كل قبر وفيه سيد الناس الرسول
باب
ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم
? بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا ولا شيئا يورث عنه، بل أرضاً جعلها كلها صدقة لله عز وجل، فلإن الدنيا بحذافيرها كانت أحقر عنده كما هي عند الله من أن يسعى لها أو يتركها بعده ميراثا ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين ...
? قال البخاري = ... عن عمرو بن الحارث قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة .../ انفرد به البخاري دون مسلم فرواه في أماكن من صحيحه من طرق متعددة عن أبي الاحوص وسفيان الثوري وزهير بن معاوية ...
((1/210)
رواه البخاري في كتاب الوصايا .../ وفي كتاب المغازي ، باب : باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.../ وفي كتاب الجهاد والسير ، باب : بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء ... وباب من لم ير كسر السلاح عند الموت / وفي كتاب فرض الخمس ، باب نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
( ورواه الترمذي ، والنسائي، والبيهقي في الكبرى ، والحاكم، والطبراني في الكبير ، والدارقطني، وابن خزيمة .. =...عن عمرو بن الحارث بن المصطلق بن ابي ضرار أخي جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنهما به
? وقد رواه الامام احمد = ... عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء.
( رواه مسلم في كتاب الوصية ، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه .
(وأخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن أبي شيبة ، والبيهقي في الكبرى، والترمذي في الشمائل ، والطبراني في الأوسط ، ةابن حبان = ... عن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سموات رضي الله عنها وأرضاها .// وفي رواية للطبراني : عن عائشة قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبا ولا فضة ، ولا شاة ولا بعيرا ، ولا ترك إلا شطرا من شعير ، فأكلنا منه زمانا ، ثم كلته ، فوددت أني لم أكله //
? وقال الامام احمد = ... عن عائشة قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا أمة ولا عبدا ولا شاة ولا بعيرا ...
? وحدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عاصم عن ذر عن عائشة: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا قال سفيان وأكثر علمي واشك في العبد والأمة // وهكذا رواه الترمذي في الشمائل عن بندار عن عبد الرحمن بن مهدي به.(1/211)
? قال الإمام احمد = ... عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمةً ولا شاةً ولا بعيراً .../ هكذا رواه الامام أحمد من غير شك.
? وقد رواه البيهقي = ... أنبأنا مسعر عن عاصم عن ذر قال: قالت عائشة: تسألوني عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا وليدة ... قال مسعر أراه قال ولا شاة ولا بعيرا.../ قال وأنبأنا مسعر عن عدي بن ثابت عن على بن الحسين قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً، ولا درهماً ، ولا عبداً ، ولا وليدة ...
? وقد ثبت في الصحيحين من حديث الاعمش عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي الى أجل ورهنه درعا من حديد .// وفي لفظ للبخاري رواه عن قبيصة عن الثوري عن الاعمش عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة رضي الله عنها قالت توفي رسول النبي الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين ...
? ورواه البيهقي من حديث يزيد بن هارون عن الثوري عن الاعمش عن ابراهيم عن الاسود عنها قالت توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بثلاثين صاعا من شعير ... ثم قال رواه البخاري عن محمد بن كثير عن سفيان...
( رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير ، باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم ...// وفي كتاب المغازي ، باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ...
( وأخرج الترمذي = ... عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ بِعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَخَذَهُ لِأَهْلِهِ... قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .// وروى النسائي حديث ابن عباس، ومتنه : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير لأهله.
((1/212)
وفي رواية لأحمد =... عن ابن عباس قال : قبض النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند رجل من يهود على ثلاثين صاعاً من شعير أخذها رزقا لعياله .// وفي آخر: أخذه طعاما لأهله ...//
( وروى ابن ماجه = ... عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بطعام ..// وفي مسند أحمد عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود بوسق من شعير...
( وأخرج حديث رهن درع رسول الله صلى الله عليه وسام عند اليهوديكل من أبي يعلى ، وعبد بن حميد ...
? ثم قال البيهقي = ... عن قتادة عن انس قال : لقد دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على خبز شعير وإهالة سنخة ؛ قال أنس : ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : والذي نفس محمد بيده ، ما أصبح عند آل محمد صاع بر ولا صاع تمر ... وإن له يومئذ تسع نسوة ، ولقد رهن درعاً له عند يهودي بالمدينة ،وأخذ منه طعاما ، فما وجد ما يفتكها به حتى مات صلى الله عليه وسلم ...
+++ روى البخاري في كتاب البيوع ، باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة = ... عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ ، وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعُ بُرٍّ وَلَا صَاعُ حَبٍّ ؛ وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ ...(1/213)
- وأخرجه أحمد ، ولفظه : عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ مَشَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ ، وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعًا لَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فَأَخَذَ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ يَقُولُ -قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ يَقُولُ ذَلِكَ مِرَارًا- : مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ بُرٍّ وَلَا صَاعُ حَبٍّ ؛ وَإِنَّ عِنْدَهُ تِسْعَ نِسْوَةٍ حِينَئِذٍ..
- ورواه الطبراني في الأوسط = ... عن أنس بن مالك قال : دعا رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خبز شعير وإهالة سنخة ... قال : ولقد سمعته ذات مرة ، يقول : والذي نفس محمد بيده ، ما أصبح عند آل محمد صاع تمر ، ولا صاع بر ، وإن له يومئذ لتسع نسوة ، ولقد رهن درعا له عند يهودي بالمدينة ، أخذ فيه طعاما ، ما وجد ما يفتكُّها به .
?شرح :- الصاع : مكيال المدينة تقدر به الحبوب وسعته أربعة أمداد ، والمد هو ما يملأ الكفين .
- الإهالة : ما أذبت من الشحم ، وقيل : الشحم والزيت ، وقيل : كل دهن اؤتدم به إهالة
- السّنِخة : المتَغَيَّرة الرِّيح
- الصاع : مكيال المدينة تقدر به الحبوب وسعته أربعة أمداد ، والمد هو ما يملأ الكفين
- البر : القمح
- الدِّرْع : الزَّرَدِيَّة وهي قميص من حلقات من الحديد متشابكة يُلْبَس وقايةً من السلاح
- يفتكها : يخلصها
? وقال الامام احمد = ... عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر الى أحد فقال : والذي نفسي بيده ، ما يسرني أن أحداً تحوَّل لآل محمد ذهباً أنفقه في سبيل الله ، أموت يوم أموت وعندي منه ديناران ، إلا أن أرصدهما لدين ... قال فمات فما ترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة فترك درعه رهنا عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير .(1/214)
?وقد روى آخره ابن ماجه عن عبد الله بن معاوية الجمحي عن ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب العبدي الكوفي به .../ ولأوله شاهد في الصحيح من حديث ابي ذر رضي الله عنه .
( روى البخاري في كتاب المزارعة ، باب : أداء الديْن = عن أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ، قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لَا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ ...// وفي كتا الرقاق ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا = ... عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ ، فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ...قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ...قَالَ : مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ...عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ( الحديث ) .
( وروى مسلم حديث أبي هريرة في كتاب الزكاة ، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة؛ وأخرج حديثا آخر في باب: في الكنازين للأموال والتغليظ عليهم ، وفيه :... إِنَّ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانِي فَأَجَبْتُهُ ، فَقَالَ : أَتَرَى أُحُدًا ؟ فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنْ الشَّمْسِ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ فَقُلْتُ : أَرَاهُ ... فَقَالَ : مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ...
((1/215)
وروى البيهقي في الكبرى حديث أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يسرني ان لي مثل احد ذهبا انفقه في سبيل الله اموت حين اموت واخلف عشرة اواق الا في ثمن كفن أو قضاء دين...
( وروى الطبراني حديث ابن عباس ، ولفظه : أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَفَتَ إِلَى أُحُدٍ، فَقَالَ:وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أُحُدًا هَذَا يُحَوَّلُ لآلِ مُحَمَّدٍ ذَهَبًا، أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمُوتُ يَوْمَ أَمُوتُ وَأَدَعُ مِنْهُ دِينَارَيْنِ إِلا دِينَارَيْنِ أُعِدُّهُمَا لِدَيْنٍ إِنْ كَانَ عَلِيَّ.
( وأخرج الطبري في تهذيب الآثار ضمن حديث أبي ذر =...ثم مشى حتى طلع لنا أحد فالتفت ، فقال : « يا أبا ذر » ، فقلت : لبيك وسعديك وأنا فداؤك ، فقال : ما يسرني أن أحدا أصبح لآل محمد ذهبا يمسي وعندهم منه دينار.
? وقد قال الامام احمد =... عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال : يا نبي الله ، لو اتخذت فراشا أوثر من هذا ...فقال : مالي وللدنيا ؟ ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها ...// تفرد به احمد وإسناده جيد وله شاهد من حديث ابن عباس عن عمر ...//وفي هذه الأحاديث مع غيرها مما شاكلها بيانُ زهده عليه السلام وتركه الدنيا وإعراضه عنها واطراحه لها وهو مما يدل على أنه عليه السلام لم تكن الدنيا عنده ببال.
( ورواه الحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ؛ وشاهده حديث عبد الله بن مسعود ...(1/216)
+ قلت : حديث ابن مسعود رواهالبيهقي في الدلائل والشعب ، والطبراني في الكبير ، ولفظه : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي غُرْفَةٍ كَأَنَّهَا بَيْتُ حَمَامٍ، وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ بِجَنْبِهِ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ:مَا يُبْكِيكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كِسْرَى وَقَيْصَرُ يَطَئُونَ عَلَى الْخَزِّ وَالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْتَ نَائِمٌ عَلَى هَذَا الْحَصِيرِ قَدْ أَثَّرَ بِجِنْبِكَ ... قَالَ:فَلا تَبْكِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، فَإِنَّ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةَ، وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا، وَمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلا كَمَثَلِ رَاكِبٍ نَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ سَارَ وَتَرَكَهَا...
? وقال الامام احمد = ... عن ابن عباس : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما بين هذين اللوحين.
(وروى البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب من قال لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين = ... عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ :دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ قَالَ مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ ...قَالَ وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ
( وأخرجه البيهقي في الشعب...
?شرح : اللوحان : الدفَّتان :ودفَّتا المصحف وجانباه المكتوب بينهما القرآن الكريم .(1/217)
? وقال البخاري = ... عن طلحة قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى: أأوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا ...فقلت: كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بها ؟ قال: أوصى بكتاب الله عز وجل...
( رواه البخاري في كتاب الوصايا ، وفي كتاب المغازي ،باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته .. وفي كتاب فضائل القرآن ، باب الوصية بكتاب الله عز وجل، ومتنه :... عن طَلْحَةُ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى : آوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : لَا ...فَقُلْتُ :كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ ، أُمِرُوا بِهَا ،وَلَمْ يُوصِ ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ .
( ورواه مسلم في كتاب الوصية ، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه؛ ولفظه : عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى : هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : لَا... قُلْتُ : فَلِمَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ ؟ أَوْ فَلِمَ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ...
( ورواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والطيالسي ،وابن أبي شيبة ، والبيهقي، وأبو عوانة ؛ والحميدي في مسنده ولفظه = ... عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى : هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ؟ فَقَالَ : لَمْ يَتْرُكْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا يُوصِى فِيهِ. قُلْتُ : وَكَيْفَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْوَصِيَّةِ وَلَمْ يُوصِ؟ قَالَ : أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ.(1/218)
? تنبيه : قد ورد أحاديث كثيرة في ذكر أشياء كان يختص بها صلوات الله وسلامه عليه في حياته من دور ، ومساكن نسائه ، وإماء ، وعبيد ، وخيول ، وإبل ،وغنم ، وسلاح ، وبغلة، وحمار ، وثياب ، وأثاث ،وخاتم ، وغير ذلك... فلعله عليه السلام تصدق بكثير منها في حياته منجزا ، وأعتق من أعتق من إمائه وعبيده ، وأرصد ما أرصده من أمتعته مع ما خصه الله به من الأرضين من بني النضير وخيبر وفدك في مصالح المسلمين ... إلا أنه لم يخلف من ذلك شيئا يورث عنه قطعا لما سنذكره قريبا وبالله المستعان..
باب
بيان أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث.
?قال الامام احمد=... عن ابي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة ...
?وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود من طرق عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عبد الله ابن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يقتسم ورثتي دينارا ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة ... /لفظ البخاري .
( رواه البخاري في كتاب الوصايا ، باب القيم للوقف ؛ وفي كتاب فرض الخمس ، باب نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ؛ وفي كتاب الفرائض ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة ...
( ورواه مسلم في كتاب الجهاد والسير ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا فهو صدقة ...
(وأخرجه البيهقي ، والطبراني ، والحميدي ،
? شرح : المؤنة أو المئونة : القوت أو النفقة أو الكفاية أو المسئولية
?ثم قال البخاري =عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر ليسألنه ميراثَهن، فقالت عائشة : أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نورث ما تركنا صدقة ...
((1/219)
رواه البخاري في كتاب الفرائض ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا نورث ما تركنا صدقة...
( ورواه مسلم في كتاب الجهاد والسير ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا فهو صدقة ...
(وأخرجه مالك ،والنسائي ، وأحمد ، والبيهقي في الكبرى ، وأبو عوانة ،و ابن حبان ، وابن أبي شيبة ، ولفظه في مصنفه : إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن إلى أبي بكر يسألن ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسلت إليهن عائشة : ألا تتقين الله ؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نورث ، ما تركنا صدقة ، قال : فرضين بقولها ، وتركن ذلك ....// ورواه الطبراني في الأوسط ولفظه : عن عائشة ، قالت : أرسلن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت عائشة : فكنت أنا التي رددتهن عن ذلك ، أرسلت إليهن : لا تفعلن ، أما سمعتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا نورث ، ما تركنا صدقة ...فرجعن .
? فهذه إحدى النساء الوارثات إن لو قُدِّر ميراثٌ قد اعترفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ما تركه صدقة لا ميراثا ؛ والظاهر أن بقية أمهات المؤمنين وافقنها على ما روت ، وتذكَّرن ما قالت لهن من ذلك فإن عبارتها تؤذن بأن هذا أمر مقرر عندهن ... والله أعلم .
?وقال البخاري = ... عن عائشة أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر رضي الله عنه يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال.. قال أبو بكر: والله ، لا أدع أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته... قال فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت .
((1/220)
رواه البخاري في كتاب الفرائض ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا نورث ما تركنا صدقة...
? ورواه الامام أحمد = ... عن عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ميراثها مما ترك مما أفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة ...فغضبت فاطمة وهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ... قال : وعاشت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر...(1/221)
?وقد روى البخاري هذا الحديث في كتاب المغازي من صحيحه = عن عائشة ،كما تقدم ، وزاد : فلما توفيت دفنها علي ليلا ولم يؤذن أبا بكر وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل الى أبي بكر: أيتنا ولا يأتنا معك أحد ...وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر ... فقال عمر : والله ، لا تدخل عليهم وحدك ... قال أبو بكر : وما عسى أن يصنعوا بي ؟ والله ، لآتينهم ؛ فانطلق أبو بكر رضي الله عنه ... وقال: إنا قد عرفنا فضلك ، وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله اليك ، ولكنكم استبددتم بالأمر وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لنا في هذا الأمر نصيبا ...فلم يزل علي يذكر حتى بكى أبو بكر رضي الله عنه وقال : والذي نفسي بيده ، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بينكم في هذه الأموال فإني لم آل فيها عن الخير ولم اترك أمراً صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته ، فلما صلى أبو بكر رضي الله عنه الظهر رقي على المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر به ؛ وتشهد علي رضي الله عنه فعظم حق أبي بكر وذكر فضيلته وسابقته وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ؛ ثم قام إلى أبي بكر رضي الله عنهما فبايعه ، فأقبل الناس على علي فقالوا: أحسنت... وكان الناس إلى علي قريبا حين راجع الأمر بالمعروف.
( رواه البخاري في كتاب المناقب ،باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة// وفييكتاب المغازي ، باب غزوة خيبر .
( ورواه مسلم في كتاب الجهاد والسير ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا فهو صدقة ...
((1/222)
وأخرجه أبو داود ، والنسائي ، والبيهقي في الدلائل ، وابن حبان ، والطبراني فيفي مسند الشاميين.
? شرح : - أبى : رفض وامتنع
- الوجد : الغضب ، والحزن والمساءة وأيضا : وَجَدْتُ بِفُلانَة وَجْداً، إذا أحْبَبْتها حُبّا شَديدا.
- المبايعة : إعطاء المبايِع العهد والميثاق على السمع والطاعة وقبول المبايَع له ذلك
- استبدّ بالأمر : تَفَرَّد به دُون غيره
- فاضت عيناه : سال دمعها
- شجر الأمر : وقع الخلاف والتنازع فيه
- آل : أقصِّر في الأمر
- البيعة والمبايعة : عبارة عن المُعَاقَدة والمُعَاهدة على الأمر كأنّ كلَّ واحد منهما باع ما عِنده من صاحبه وأعطاه خالِصَةَ نفسِه وطاعتَه ودَخِيلةَ أمره
- التخلف : التأخر والغياب
- النفاسة : الحسد(1/223)
? فهذه البيعة التي وقعت من علي رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها بيعة مؤكدة للصلح الذي وقع بينهما ، وهي ثانية للبيعة التي ذكرناها أولا يوم السقيفة كما رواه ابن خزيمة وصححه مسلم بن الحجاج ، ولم يكن عليٌّ مجانبا لأبي بكر هذه الستة الأشهر ، بل كان يصلي وراءه ، ويحضر عنده للمشورة ، وركب معه إلى ذي القصة ... وفي صحيح البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه صلى العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال ثم خرج من المسجد فوجد الحسن بن علي يلعب مع الغلمان فاحتمله على كاهله وجعل يقول : يا بأبي شبه النبي ليس شبيها بعلي ...وعلي يضحك ، ولكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليا لم يبايع قبلها فنفى ذلك ، والمثبت مقدم على النافي... والله أعلم./ وأما تغضب فاطمة رضي الله عنها وأرضاها على أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه فما أدري ما وجهه فان كان لمنعه إياها ما سألته من الميراث فقد اعتذر إليها بعذر يجب قبوله وهو ما رواه عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا نورث ما تركنا صدقة... وهي ممن تنقاد لنص الشارع الذي خفي عليها قبل سؤالها الميراث كما خفي على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخبرتهن عائشة بذلك ووافقنها عليه؛ وليس يظن بفاطمة رضي الله عنها أنها اتهمت الصديق رضي الله عنه فيما أخبرها به ،حاشاها وحاشاه من ذلك... كيف وقد وافقه على رواية هذا الحديث عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وعبد الرحمن ابن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن ابي وقاص وأبو هريرة وعائشة رضي الله عنهم أجمعين ...(1/224)
ولو تفرد بروايته الصديق رضي الله عنه لوجب على جميع أهل الأرض قبول روايته والانقياد له في ذلك ؛ وإن كان غضبها لأجل ما سألت الصديق إذ كانت هذه الأراضي صدقة لا ميراثا أن يكون زوجها ينظر فيها فقد اعتذر بما حاصله أنه لما كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يرى أن فرضاً عليه أن يعمل بما كان يعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويلي ما كان يليه رسول الله ، ولهذا قال : وإني والله لا أدع أمراً كان يصنعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته ... قال فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت ، وهذا الهجران والحالة هذه فتح على الفرقة الرافضة شرّاً عريضا وجهلا طويلا وأدخلوا أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم ، ولو تفهموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله ، ولكنهم طائفة مخذولة وفرقة مرذولة يتمسكون بالمتشابه ويتركون الأمور المحكمة المقدرة عند ائمة الاسلام من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الاعصار والأمصار رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين
بيان رواية الجماعة لما رواه الصديق وموافقتهم على ذلك(1/225)
? قال البخاري = ...حدثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني مالك ابن أوس بن الحدثان وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذِكرا من حديثه ذلك فانطلقت حتى دخلت عليه فسألته فقال: انطلقت حتى أدخل على عمر فأتاه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير وسعد ؟ قال: نعم .. فأذن لهم ،ثم قال: هل لك في علي وعباس ؟ قال : نعم ...قال عباس: يا أمير المؤمنين، أقض بيني وبين هذا... قال : أنشدكم بالله الذي باذنه تقوم السماء والأرض، هل تعملون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة ...؟ يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه... قال الرهط: قد قال ذلك ... فأقبل على علي وعباس ، فقال: هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك ؟ قالا : قد قال ذلك ... قال عمر بن الخطاب : فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله كان قد خص لرسول الله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره ، قال : ( وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الحشر : 6 ) فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ما احتازها دونكم ولا استأثرها عليكم ، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله ، فعمل بذلك رسول الله حياته ؛ أنشدكم بالله، هل تعلمون ذلك؟ قالوا :نعم ...ثم قال لعلي وعباس: انشدكما بالله ، هل تعلمان ذلك ؟ قالا : نعم ...(1/226)
فتوفي الله نبيه فقال أبو بكر رضي الله عنه : أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم توفى الله ابا بكر ، فقلت : أنا ولي ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم جئتماني، كلمتُكما واحدة وامرُكما جميع ، حتى جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك ، وجاءني هذا ليسألني نصيب امرأته من أبيها ، فقلت : إن شئتما دفعتها إليكما بذلك ... فتلتمسان مني قضاء غير ذلك ؟ فوالله الذي باذنه تقوم السماء والأرض ، لا أقضي غير ذلك حتى تقوم الساعة فان عجزتما فادفعاها إلي فأنا أكفيكُماها ...
? وقد رواه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه ومسلم وأهل السنن من طرق عن الزهري به ...وفي رواية في الصحيحين فقال عمر : فوليها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله يعلم أنه صادق بار راشد تابع للحق ؛ ثم وليتها فعملت فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، والله يعلم أني صادق بار راشد تابع للحق ؛ ثم جئتماني فدفعتها إليكما لتعملا فيها بما عمل رسول الله واأو بكر وعملت فيها أنا ؛ أنشدكم بالله، أدفعتها اليكما بذلك ؟ قالوا : نعم... ثم قال لهما : أنشدكما بالله، هل دفعتها إليكما بذلك ؟ قالا : نعم ... قال أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك ؟ لا والذي باذنه تقوم السماء والأرض...
((1/227)
رواه البخاري في كتاب النفقات ، باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات العيال/ وفي كتاب فرض الخمس ، باب...../ وفي كتاب المغازي ، باب : حديث بني النضير .../ وفي كتاب الفرائض ،باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة.../ وفي كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة ،باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع لقوله تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ ) (النساء : 171 ) .
((1/228)
ورواه مسلم في كتاب الجهاد والسير ، باب :حكم الفيء ، ولفظه =... عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَوْسٍ حَدَّثَهُ قَالَ : أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَجِئْتُهُ حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ ، قَالَ: فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِهِ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ مُفْضِيًا إِلَى رُمَالِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ ، فَقَالَ لِي: يَا مَالُ إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ ،فَخُذْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ... قَالَ: قُلْتُ : لَوْ أَمَرْتَ بِهَذَا غَيْرِي... قَالَ: خُذْهُ يَا مَالُ ... قَالَ فَجَاءَ يَرْفَا فَقَالَ : هَلْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، وَالزُّبَيْرِ ، وَسَعْدٍ ؟ فَقَالَ عُمَرُ :نَعَمْ ...فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا... ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ... فَأَذِنَ لَهُمَا فَقَالَ عَبَّاسٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الْكَاذِبِ الْآثِمِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ ...فَقَالَ الْقَوْمُ : أَجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ وَأَرِحْهُمْ ...فَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا قَدَّمُوهُمْ لِذَلِكَ ...(1/229)
فَقَالَ عُمَرُ : اتَّئِدَا ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ...؟ قَالُوا : نَعَمْ ... ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فَقَالَ : أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ ... ؟ قَالَا : نَعَمْ ...فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَاصَّةٍ لَمْ يُخَصِّصْ بِهَا أَحَدًا غَيْرَهُ قَالَ :( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) ...مَا أَدْرِي هَلْ قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا أَمْ لَا ... قَالَ : فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَكُمْ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ ، فَوَاللَّهِ مَا اسْتَأْثَرَ عَلَيْكُمْ وَلَا أَخَذَهَا دُونَكُمْ حَتَّى بَقِيَ هَذَا الْمَالُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ مِنْهُ نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ أُسْوَةَ الْمَالِ... ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، أَتَعْلَمُونَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ... ثُمَّ نَشَدَ عَبَّاسًا وَعَلِيًّا بِمِثْلِ مَا نَشَدَ بِهِ الْقَوْمَ: أَتَعْلَمَانِ ذَلِكَ ؟ قَالَا : نَعَمْ ...(1/230)
قَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَجِئْتُمَا تَطْلُبُ مِيرَاثَكَ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا ؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ ...فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا ؛ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ... ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ فَرَأَيْتُمَانِي كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ...فَوَلِيتُهَا ، ثُمَّ جِئْتَنِي أَنْتَ وَهَذَا وَأَنْتُمَا جَمِيعٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ فَقُلْتُمَا ادْفَعْهَا إِلَيْنَا... فَقُلْتُ : إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ أَنْ تَعْمَلَا فِيهَا بِالَّذِي كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذْتُمَاهَا بِذَلِكَ... قَالَ: أَكَذَلِكَ ؟ قَالَا: نَعَمْ ...قَالَ: ثُمَّ جِئْتُمَانِي لِأَقْضِيَ بَيْنَكُمَا ، وَلَا وَاللَّهِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَرُدَّاهَا إِلَيَّ ...(1/231)
- حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ ابْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا و قَالَ الْآخَرَانِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ، غَيْرَ أَنَّ فِيهِ : فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً ؛ وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ : يَحْبِسُ قُوتَ أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ...
? وقال الامام احمد = حدثنا سفيان عن عمرو عن الزهري عن مالك بن أوس قال: سمعت عمر يقول لعبد الرحمن وطلحة والزبير وسعد ك نشدتكم بالله الذي تقوم السماء والأرض بأمره ، أعلمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة...؟ قالوا : نعم ...(1/232)
? قلت: وكان الذي سألاه بعد تفويض النظر إليهما ، والله أعلم ، هو أن يقسم بينهما النظر فيجعل لكل واحد منهما نظر ما كان يستحقه بالأرض لو قدر أنه كان وارثا ؛ وكأنهما قدما بين أيديهما جماعة من الصحابة منهم عثمان وابن عوف ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ... وكان قد وقع بينهما خصومة شديدة بسبب إشاعة النظر بينهما... فقال الصحابة الذين قدموهم بين أيديهما : يا أمير المؤمنين ، اقض بينهما أو أرح أحدهما من الآخر... فكأن عمر رضي الله عنه تحرج من قسمة النظر بينهما بما يشبه قسمة الميراث ولو في الصورة الظاهرة محافظة على امتثال قوله صلى الله عليه وسلم : لا نورث ما تركنا صدقة ...فامتنع عليهم كلهم وأبى ذلك اشد الاباء رضي الله عنه وأرضاه ... ثم إن عليا والعباس استمرا على ما كانا عليه ينظران فيها جميعا الى زمان عثمان بن عفان فغلبه عليها علي وتركها له العباس باشارة ابنه عبد الله رضي الله عنهما بين يدي عثمان كما رواه احمد في مسنده ؛ فاستمرت في ايدي العلويين / ... / وقد روينا أن فاطمة رضي الله عنها احتجت أولا بالقياس وبالعموم في الآية الكريمة فاجابها الصديق بالنص على الخصوص بالمنع في حق النبي وأنها سلمت له ما قال وهذا هو المظنون بها رضي الله عنها .
? وقال الامام احمد = ... عن أبي سلمة أن فاطمة قالت لابي بكر: من يرثك إذا مت ؟ قال: ولدي وأهلي... قالت : فما لنا لا نرث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن النبي لا يورث ...ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعول، وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليه ...
(رواه الترمذي في السنن والشمائل ، والبيهقي في الكبرى ...
? شرح : عال : تكفل بأمر غيره ، ويعول : يقوم بما يحتاج إليه غيره من طعام وكساء وغيرهما...(1/233)
?فأما الحديث الذي قال الامام احمد = ... عن أبي الطفيل قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أانت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله ؟ فقال :لا بل أهله ... فقالت: فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده ، فرأيت أن أرده على المسلمين ...قالت: فأنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( ورواه أبو داود ، وأبو يعلى ...
? ففي لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة ولعله روي بمعنى ما فهمه بعض الرواة ، وفيهم من فيه تشيع ، فليعلم ذلك ... وأحسن ما فيه قولها: أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم... وهذا هو الصواب والمظنون بها واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها رضي الله عنها، وكأنها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظرا على هذه الصدقة فلم يجبها إلى ذلك لما قدمناه فتعتبت عليه بسبب ذلك ن وهي امرأة من بنات آدم تأسف كما يأسفون وليست بواجبة العصمة مع وجود نص رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخالفة أبي بكر الصديق رضي الله عنها... وقد روينا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه ترضّى فاطمة وتلاينها قبل موتها فرضيت ، رضي الله عنها .
? قال الحافظ أبو بكر البيهقي =... عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها فقال علي: يا فاطمة ، هذا أبو بكر يستأذن عليك... فقالت: أتحب أن آذن له ؟ قال : نعم ... فأذنت له فدخل عليها يترضاها ، فقال : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت ، ثم ترضاها حتى رضيت ...// وهذا إسناد جيد قوي والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي أو ممن سمعه من علي ...(1/234)
?وقد اعترف علماء أهل البيت بصحة ما حكم به أبو بكر في ذلك ؛ قال الحافظ البيهقي =... عن فضيل بن مرزوق قال قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: أما أنا ، فلو كنت مكان أبي بكر لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك .
فصل
النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث
? وقد تكلمت الرافضة في هذا المقام بجهل، وتكلفوا مالا علم لهم به ، وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ، وأدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم ، وحاول بعضهم أن يرد خبر أبي بكر رضي الله عنه فيما ذكرناه بأنه مخالف للقرآن حيث يقول الله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) (النمل : 16 ) ،وحيث قال تعالى إخبارا عن زكريا أنه قال :( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ( مريم 5 – 6 ) واستدالهم بهذا باطل من وجوه : أحدها أن قوله : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) إنما يعني بذلك في الملك والنبوة، أي جعلناه قائما بعده فيما كان يليه من الملك وتدبير الرعايا والحكم بين بني اسرائيل وجعلناه نبيا كريما كأبيه ، وكما جمع لأبيه الملك والنبوة كذلك جعل ولده بعده ن وليس المراد بهذا وراثة المال لأن داود كما ذكره كثير من المفسرين كان له اولاد كثيرين ، يقال: مائة ... فلمَ اقتصر على ذكر سليمان من بينهم لو كان المراد وراثة المال ؟ إنما المراد وراثة القيام بعده في النبوة والملك ، ولهذا قال : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) ، وما بعدها من الآيات /...(1/235)
/ وأما قصة زكريا فإنه عليه السلام من الأنبياء الكرام ،والدنيا كانت عنده أحقر من أن يسأل الله ولدا ليرثه في ماله ،كيف وإنما كان نجارا يأكل من كسب يده ؟كما رواه البخاري ، ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل الله ولدا يرث عنه ماله أن لو كان له مال، وإنما سأل ولداً صالحاً يرثه في النبوة والقيام بمصالح بني اسرائيل وحملهم على السداد ، ولهذا قال تعالى: ( كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً * )... / القصة بتمامها / فقال :( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) يعني النبوة ... وقد تقدم في رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عن ابي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : النبي لا يورث ... وهذا اسم جنس يعم كل الأنبياء وقد حسنه الترمذي ؛ وفي الحديث الآخر: نحن معشر الأنبياء لا نورث... والوجه الثاني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خص من بين الأنبياء بأحكام لا يشاركونه فيها ... فلو قدر أن غيره من الأنبياء يورثون وليس الأمر كذلك لكان ما رواه مَن ذكرنا من الصحابة الذين منهم الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي مبينا لتخصيصه بهذا الحكم دون ما سواه ...والثالث : أنه يجب العمل بهذا الحديث والحكم بمقتضاه كما حكم به الخلفاء واعترف بصحته العلماء سواء كان من خصائصه أم لا، فإنه قال : لا نورث ما تركناه صدقة ...(1/236)
إذ يحتمل من حيث اللفظ أن يكون قوله عليه السلام :ما تركنا صدقة ، أن يكون خبرا عن حكمه أو حكم سائر الأنبياء معه على ما تقدم ، وهو الظاهر ؛ ويحتمل أن يكون إنشاء وصيته كأنه يقول : لا نورث لأن جميع ما تركناه صدقة .... ويكون تخصيصه من حيث جواز جعله ماله كله صدقة ، والاحتمال الأول أظهر وهو الذي سلكه الجمهور وقد يقوى المعنى الثاني بما تقدم من حديث مالك وغيره عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة ... وهذا اللفظ مخرج في الصحيحين وهو يرد تحريف من قال من الجهلة من طائفة الشيعة في رواية هذا الحديث ما تركنا صدقة بالنصب جعل ما نافية فكيف يصنع بأول الحديث وهو قوله: لا نورث ...؟ وبهذه الرواية ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة وما شأن هذا إلا كما حكي عن بعض المعتزلة أنه قرأ على شيخ من أهل السنة (وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) (النساء : 164 ) بنصب الجلالة ،فقال له الشيخ : ويحك ،كيف تصنع بقوله تعالى : ( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ) (الأعراف : 143 ) ؟؟ والمقصود أنه يجب العمل بقوله صلى الله عليه وسلم: لا نورث، ما تركنا صدقة ...على كل تقدير احتمله اللفظ والمعنى فانه مخصص لعموم آية الميراث ومخرج له عليه السلام منها إما وحده أو مع غيره من إخوانه الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام .
باب
زوجاته وأولاده
صلى الله عليه وسلم(1/237)
? قال الله تعالى :( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً * ) (الأحزاب : 32 - 34 )
- لا خلاف أنه عليه السلام توفي عن تسع وهن :
1 * عائشة بنت أبي بكر الصديق التيمية ،
2 * وحفصة بنت عمر بن الخطابالعدوية ،
3 * وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموية ،
4 *وزينب بنت جحش الأسدية،
5 * وأم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية،
6 * وميمونة بنت الحارث الهلالية ،
7 * وسودة بنت زمعة العامرية ،
8 *وجويرية بنت الحارث بن ابي ضرار المصطلقية ،
9 *وصفية بنت حيي بن أخطب النضرية الاسرائيلية الهارونية
رضي الله عنهن وارضاهن ... وكانت له سريتان وهما :
1 * مارية بنت شمعون القبطية المصرية من كورة الصنا وهي أم ولده ابراهيم عليه السلام
2 *وريحانة بنت شمعون القرظية أسلمت ثم أعتقها فلحقت بأهلها ومن الناس من يزعم أنها احتجبت عندهم ....والله أعلم.
فصل
في ذكر أولاده عليه الصلاة والسلام
لا خلاف أن جمبع أولاده من خديجة بنت خويلد ، سوى ابراهيم فمن مارية بنت شمعون القبطية(1/238)
? قال محمد بن سعد = .. عن ابن عباس قال: كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم، ثم زينب ، ثم عبد الله، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية ...فمات القاسم وهو أول ميت من ولده بمكة، ثم مات عبد الله ؛ فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع نسله فهو ابتر... فأنزل الله عز وجل : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ * ) ... قال : ثم ولدت له مارية بالمدينة ابراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة فمات ابن ثمانية عشر شهراً .
?وقال أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري =... عن ابن عباس قال : ولدت خديجة من النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن محمد ، ثم أبطأ عليه الولد من بعده ، فبينا رسول الله يكلم رجلا والعاص بن وائل ينظر إليه، إذ قال له رجل : من هذا ؟ قال له: هذا الأبتر... وكانت قريش إذا ولد للرجل ثم ابطأ عليه الولد من بعده ، قالوا : هذا الابتر ... فأنزل الله : (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) أي مبغضك هو الابتر من كل خير ، قال: ثم ولدت له زينب ، ثم ولدت له رقية ، ثم ولدت له القاسم ، ثم ولدت الطاهر ، ثم ولدت المطهر، ثم ولدت الطيب ،ثم ولدت المطيب ، ثم ولدت أم كلثوم، ثم ولدت فاطمة ، وكانت أصغرهم وكانت خديجة اذا ولدت ولدا دفعته الى من يرضعه، فلما ولدت فاطمة لم يرضعها غيرها ...(1/239)
? وقال الزبير بن بكار = كانت خديجة تذكر في الجاهلية الطاهرة بنت خويلد وقد ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم وهو أكبر ولده وبه كان يكنى، ثم زينب ، ثم عبد الله ، وكان يقال له الطيب ويقال له الطاهر ، ولد بعد النبوة ومات صغيرا ، ثم ابنته أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية ...هكذا الأول فالأول ، ثم مات القاسم بمكة وهو أول ميت من ولده ، ثم مات عبد الله ، ثم ولدت له مارية بنت شمعون ابراهيم وهي القبطية التي أهداها المقوقس صاحب اسكندرية وأهدى معها أختها شيرين وخصيا يقال له مابور فوهب شيرين لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن وقد انقرض نسل حسان بن ثابت ...
- وتزوج زينب أبو العاص بن الربيع فولدت منه عليا وأمامة، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة فاذا سجد وضعها واذا قام حملها ولعل ذلك كان بعد موت أمها سنة ثمان من الهجرة على ما ذكره الواقدي وقتادة وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهم ، وكأنها كانت طفلة صغيرة ...فالله أعلم ...وقد تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد موت فاطمة .../ وكانت وفاة زينب رضي الله عنها في سنة ثمان قاله قتادة عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وخليفة بن خياط وأبو بكر بن أبي خيثمة وغير واحد وقال قتادة عن ابن حزم في أول سنة ثمان وذكر حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أنها لما هاجرت دفعها رجل فوقعت على صخرة فاسقطت حملها ثم لم تزل وجعة حتى ماتت فكانوا يرونها ماتت شهيدة .(1/240)
- وأما رقية فكان قد تزوجها أولا ابن عمها عتبة بن أبي لهب ،كما تزوج أختها أم كلثوم أخوه عتيبة بن أبي لهب، ثم طلقاهما قبل الدخول بهما بغضة في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله : ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ * ) ... فتزوج عثمان ابن عفان رضي الله عنه رقية وهاجرت معه الى ارض الحبشة :ويقال إنه أول من هاجر اليها ثم رجعا الى مكة ... وهاجرا الى المدينة ن وولدت له ابنه عبد الله فبلغ ست سنين فنقره ديك في عينيه فمات وبه كان يكنى اولا ، ثم اكتنى بابنه عمرو / وتوفيت وقد انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ، ولما أن جاء البشير بالنصر الى المدينة وهو زيد بن حارثة وجدهم قد ساووا على قبرها التراب، وكان عثمان قد اقام عليها يمرضها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه وأجره ، ولما رجع زوجه بأختها أم كلثوم أيضا ولهذاكان يقال له :ذو النورين ، ثم ماتت عنده في شعبان سنة تسع ولم تلد له شيئا ،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كانت عندي ثالثة لزوجتها عثمان ...وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كن عشرا لزوجتهن عثمان .(1/241)
- وأما فاطمة فتزوجها ابن عمها علي ابن أبي طالب في صفر سنة اثنتين فولدت له الحسن والحسين ، ويقال ومحسن ، وولدت له أم كلثوم وزينب ... وقد تزوج عمر بن الخطاب في أيام ولايته بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة وأكرمها إكراما زائدا أصدقها أربعين ألف درهم لأجل نسبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له زيد ابن عمر بن الخطاب ، ولما قتل عمر بن الخطاب تزوجها بعده ابن عمها عون بن جعفر فمات عنها ، فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها ، فتزوجها أخوهما عبد الله بن جعفر فماتت عنده... وقد كان عبد الله بن جعفر تزوج بأختها زينب بنت علي وماتت عنده أيضا ، وتوفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر على أشهر الأقوال ، وهذا الثابت عن عائشة في الصحيح ، وقاله الزهري أيضا وأبو جعفر الباقر ، وعن الزهري بثلاثة اشهر ، وقال أبو الزبير بشهرين ، وقال أبو بريدة عاشت بعده سبعين من بين يوم وليلة ، وقال عمرو بن دينار مكثت بعده ثمانية أشهر ، وكذا قال عبد الله بن الحارث ، وفي رواية عن عمرو بن دينار بأربعة أشهر ...
- وأما ابراهيم فمن مارية القبطية كما قدمنا وكان ميلاده في ذي الحجة سنة ثمان .
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ
وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ
إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
انتهى ، والحمد لله رب العالمين
وكان الفراغ منه
يوم
8 من ذي الحجة عام 1427
أبو يوسف محمد زايد
((1/242)