بسم الله الرحمن الرحيم
اسم الكتاب / الشعور بالعور
المؤلف / أبو الصفا صلاح الدين خليل بن عز الدين أيبك بن عبد الله الألبكي الصفدي
دار النشر / دار عمار - عمان - الأردن - 1409هـ - 1988هـ
عدد الأجزاء / 1
الطبعة : الأولى
تحقيق : الدكتور عبد الرزاق حسين(1/1)
مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وأهل طاعته وصحبه وسلم دائما أبدا إلى يوم الدين
الحمد لله الذي اتصف بالكمال والتحف برداء الكبرياء والجلال وارتشف ذوو العقول من محبته كؤوسا لم تملأ بيد الملال نحمده على نعمه التي منها سلامة الأعضاء والصفح عما اجترحناه وحسن العفو والإغضاء والتودد إلى بعض من عامل محبتنا بالبغضاء ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يغض طرف برهانها ولا يخفض ولا ينقض محكم بنيانها ولا ينقض ولا يرفض عقد جمالها ولا يرفض ونشهد أن سيدنا محمدا عبده الذي أرسله فجلا به من الكفر حنادسه المدلهمة وأبان به الباطل وأباده وأظهر به الحق وأتمة وأعانه حتى بلغ الرسالة وادى الأمانة ونصح الأمة صلى الله عليه وعلى آله الذين اتبعوا منه نورا لا تبليه الأعاصير وهاجر معه منهم كماة الحرب وحماتها المغاوير
وسالت عليه شعاب الحي حين دعا أنصاره بوجوه كالدنانير صلاة آياتها لا تنسخ وغاياتها لا تسلخ ما زالت الجواهر بالنظم نحورا وأصبحت كواكب الشرق بالفجر عورا وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
وبعد فإن التصنيف فن لا يمله من اعتاده ولا يلتذه إلا من اشترى له سهره وباع فيه رقاده ولا يأنس به في طول أسفاره إلا من وثق بما معه من الزوادة شعر
تغر حلاوات النفوس قلوبها
فتستعذب اللذات وهي حمام
وهو شغل للنفس عما يعرض لها من هموم هذه الدار ومطل يدافع بصفوه ما تحدثه الآفات من الأكدار وسهل يرتاح القلب إليه إذا اضطرته إلى حزنها الأقدار شعر
الدهر يعجب من حملي نوائبه
وصبر جسمي على أحداثه الحطم
وقت يضيع وعمر ليت مدته
في غير أمته من سالف الأمم
أتى الزمان بنوه في شبيبته
فسرهم وأتيناه على الهرم
ولما أعان الله بلطفه ومن ويسر أسباب فضله فاقتنصت منها ما سنح وعن وأكملت تصنيفي الذي وسمته بنكت الهميان في نكت(1/2)
العميان تقت إلى أن أردف ذلك بمصنف آخر أقتصر فيه على ذكر العور ومن جاء منهم في الزمن السالف وهو مشهور فشمرت ذيل العزم ووفرت سبيل الحزم وبعثت الطلب ونفثت التعب وأنفت من الهمة الهمة وأسفت على سواد الصحف وبياض اللمة من الخطوب الملمة وقلت
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه
بيت دريد بن الصمة واستعنت بالله على جمع شيء في هذه المادة وسلوك ما لا ركض غيري جواده في هذه الجادة وقد أثبت ما يسره الله في هذا المعنى وأنزلت حوره وولدانه في هذا المعنى وجعلت ذلك مصنفا برأسه من كل فن مارسته بأمراسه وسميته كتاب الشعور بالعور ورتبته على مقدمات ونتيجة
المقدمة الأولى فيما يتعلق بذلك من اللغة
المقدمة الثانية فيما يتعلق بذلك من حيث التصريف والإعراب
المقدمة الثالثة فيما يتعلق بحديث الرجال لكونه أعور
المقدمة الرابعة فيما له بالأعور علاقة من الفقه
المقدمة الخامسة فيما جاء من الأمثال والنوادر في حق الأعور وغير ذلك
المقدمة السادسة فيما جاء من الشعر في العور والعوران
النتيجة في سرد من كان أعور على حروف المعجم وبالله التوفيق
المقدمة الأولى فيما يتعلق بذلك من اللغة
قد نظرت في أصل هذه المادة وهي العور فرأيت من خواص هذه الأحرف الثلاثة وهي ع و ر كيف ما تقلب من تقديم بعض حروفها على بعض لا يخرج عن معنى التخوف وهذه هي خاصة اللغة التي وضعها الحكيم فالأول عور
العورة كل حال يتخوف منه في ثغر أو حرب يقال فلان يدل الكفار على عورات المسلمين
والعورة سوءة الإنسان سميت بذلك لما كان الإنسان يتخوف من رؤيتها وكل ما يستحى منه فهو عورة
(1/3)
العورة عند الفقهاء ما سترها شرط في صحة الصلاة وهي من الرجل حرا كان أو عبدا ما بين السرة والركبة وليست السرة من العورة ولا الركبة على ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه لما روي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي e قال ما فوق الركبة ودون السرة عورة وروى أنه e قال وعورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته وعند أبي حنيفة رضي الله
عنه أن الركبة غير خارجة عن حد العورة وإن كانت السرة خارجة وعند الإمام مالك رضي الله عنه أن الفخذ ليس بعورة
وحكي وجه في مذهب الشافعي عن بعض الأصحاب أن الركبة والسرة عورة وحكى أبو عبد الله الحناطي عن الإصطخري أن عورة الرجل هي القبل والدبر فقط
وأبو القاسم العبادي حكى عن بعضهم أن الركبة من العورة دون السرة
قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله قلنا وجه ضعيف مشهور أن السرة عورة دون الركبة
وفي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد بن حنبل أن العورة هي القبل والدبر لا غير والرواية الأخرى عنه موافقة لمذهب الشافعي رضي الله عنه
ومن المرأة إن كانت حرة فجميع بدنها عورة إلا الوجه واليدين لقوله تعالى ) ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ( قال المفسرون هو الوجه
والكفان وليس المراد الراحة وحدها بل اليدان ظهرا وبطنا إلى الكوعين خارجتان عن حد العورة ولا يكاد يفرض ظهور باطن اليدين دون ظاهرهما ولا يستثنى ظهور قدميها خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه قال ليست القدمان من العورة وبه قال المزني من أصحاب الشافعي رضي الله عنه لما روي أنه e سئل عن المرأة تصلي في درع وخمار من غير إزار فقال لا بأس إذا كان الدرع يغطي ظهور قدميها وهل يستثنى أخمص القدمين فحكى طائفة فيه وجهين وجعلهما آخرون قولين منهم القفال رحمه الله تعالى أحدهما أنهما ليسا من العورة لأن النبي e خص ظهور القدمين بالذكر فأشعر ذلك بأن تغطية باطن القدمين لا يجب وأصحهما أنهما من العورة تسوية بين ظاهرهما وباطنهما
(1/4)
وحكي عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه لا يستثنى إلا الوجه ويداها عورة
وإن كانت أمة فبدنها على ثلاث مراتب
الأولى ما هو عورة من الرجل فلا شك في كونها عورة منها
والثانية ما يظهر وينكشف في حال المهنة فليس بعورة منها وهو الرأس والرقبة والساعد وطرف الساق لأنها تحتاج إلى كشفه ويتعذر عليها ستره وفي المذهب وجد أن جميع ذلك عورة كما في حق الحرة سوى الرأس لأن عمر رضي الله عنه رأى أمة سترت رأسها فمنعها من ذلك وقال لا تشبهن بالحرائر
والثالثة ما عدا ذلك كالصدر والظهر والصدر وفيه وجهان أحدهما أنه عورة كما في حق الحرة وإنما احتمل الكشف فيما يظهر عند المهنة لأن الحاجة تدعو إليه وأصحهما أنه ليس بعورة لما روي أنه e قال في الرجل يشتري الأمة لا بأس أن ينظر إليها إلا إلى العورة وعورتها ما بين مقعد إزارها إلى ركبتيها وحكم المكاتبة والمدبرة والمستولدة ومن بعضها رقيق حكم الأمة والخنثى المشكل إن كان رقيقا وقلنا بظاهر المذهب وهو أن عورة الأمة كعورة الرجل فلا يلزم أن تستر في الصلاة إلا ما بين السرة والركبة وإن كان حرا أو رقيقا وقلنا إن عورة الأمة أكثر من عورة الرجل وجب عليها ستر الزيادة على عورة الرجل أيضا لجواز الأنوثة
فائدة يحسن ذكرها هنا وهي ما ذكره أبو الفرج العجلي في أول كتاب النكاح من شرح مشكلات الوجيز والوسيط أن أبا عبد الله محمد بن أحمد الخضري المروزي الشافعي سئل عن قلامة ظفر المرأة هل يجوز للرجل الأجنبي النظر إليها فأطرق الشيخ طويلا وكانت ابنة الشيخ أبي علي الشتري تحته فقالت لم تتفكر وقد سمعت أبي يقول في جواب هذه المسألة إن كانت من قلامة أظفار اليدين جاز النظر إليها وإن كانت من أظفار الرجلين لم يجز فإنما كان كذلك لأن يدها ليست بعورة بخلاف القدم ففرح الخضري وقال لو لم أستفد من اتصالي بأهل العلم إلا هذه المسألة لكانت كافية انتهى
(1/5)
قال قاضي القضاة شمس الدين احمد بن خلكان رحمه الله تعالى هذا التفصيل بين اليدين والرجلين فيه نظر فإن أصحابنا قالوا اليدان ليستا بعورة في الصلاة فأما بالنسبة إلى نظر الأجنبي فما نعرف بينهما فرقا فلينظر إذا وجد المصلي
ما يستر بعض العورة لزمه ستر الممكن بلا خلاف وإن كان الموجود يكفي السوأتين بدأ بهما ولا يعدل إلى غيرهما فإن كان يكفي أحدهما فثلاثة أوجه الصحيح المنصوص أنه يستر القبل رجلا كان أو امرأة والثاني الدبر والثالث يتخير وقال القاضي حسين أن المرأة تستر القبل والرجل الدبر
رجع بنا الكلام إلى العين والواو والراء وما تصرف منها وعورات الجبال شقوقها سميت بذلك لما كانت مما يتخوف منه وفلاة عوراء أي لا ماء بها سميت بذلك لأنها يتخوف منها العطش وعنده من المال عائرة عين إذا كان كثيرا سمي بذلك لأن صاحب المال الكثير يتخوف الناس عليه أو لأنه يملأ العين كثرة فيكاد يعورها والعائر من السهام والحجارة الذي لا يدرى من رماه سمي بذلك لأنه يتخوف من وقوعه
والعوائر من الجراد الجماعات المتفرقة سميت بذلك لأنها مما يتخوف من فساده
والعوراء الكلمة القبيحة وهي السقطة قال الشاعر
وأغفر عوراء الكريم ادخاره
وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
معناه لادخاره سميت بذلك لأن العاقل يتخوف من الكلمة الساقطة
والعوار العيب يقال سلعة ذات عوار بفتح العين وقد تضم عن أبي زيد سمي بذلك لما كان صاحب السلعة يتخوف من ظهوره
والعارية بالتشديد كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار وسميت بذلك لأن طالبها يلحقها عار أو لأن الذي استعارها يتخوف من ردها
والإعوار بكسر الهمزة الريبة كأن المريب يتخوف ظهور أمره وهذا مكان معور أي يخاف فيه قطع الطريق وأعور الفارس إذا بدا منه موضع خلل للضرب قال الشاعر
له الشدة الأولى إذا القرن أعورا
(1/6)
وعورته عن الأمر إذا صرفته عنه وعورت عن فلان إذا كذبت ما قيل فيه كأنك في الأولى خوفته من عاقبة ما صرفته عنه وفي الثاني كأنك تخوفت أن ينسب ذلك إليه وقال أبو عبيد يقول للمستجيز الذي يطلب الماء إذا لم يسقه قد عورت شربه وأنشد الفرزدق
متى ما ترد يوما سفار تجد بها
أديهم يرمي المستجيز المعورا
سمي بذلك لأنه يعود في هذه الحالة متخوفا وعاورت المكاييل لغة في عايرتها سمي بذلك لأنك خفت نقصها فعايرتها ويقال ما أدري أي الجراد عارة يقال ذلك في حق من لا يعلم له خبر فأنت تتخوف من أمره
ورجل أعور بين العور للذي عارت إحدى عينيه فهو يتخوف من رؤية الناس له وقد عارت العين تعار بفتح التاء وكسرها وقال الشاعر
وسائله بظهر الغيب عني
أعارت عينه أم لم تعارا
قال ابن بري رحمه الله تعالى في حواشي الصحاح لعمرو بن أحمر الباهلي والألف في آخر تعارا مبدلة من النون الخفيفة أبدل منها ألفا لما وقف عليها ولهذا سلمت الألف التي بعد العين إذ لو لم يكن بعدها نون التوكيد لانحذفت فكنت تقول لم تعر كما تقول لم تخف فإذا ألحقت النون أثبت الألف فقلت لم تخافن لأن الفعل مع نون التوكيد مبني فلا يلحقه جزم انتهى كلام ابن بري
وقال صاحب الصحاح يقال عورت عينه وإنما صحت الواو فيها لصحتها في أصلها وهو أعورت بسكون ما قبلها ثم حذفت الزوائد الألف والتشديد فبقي عور يدل على أن ذلك أصله مجيء أخواته على هذا اسود يسود واحمر يحمر وتقول منه عرت عينه أعورها وأعورت عينه لغة فيها وعورتها تعويرا مثله والعوار الذي لم تقض حاجته وليس من عور العين وأنشد للعجاج شعر
وعور الرحمن من ولى العور
الثاني و ع ر
يقال جبل وعر بسكون العين إذا كان يتخوف من سلوكه والصعود فيه ومطلب وعر قال الأصمعي ولا تقل وعر بكسر العين وقد وعر بالضم وعورة وكذلك توعر أي صار وعرا ووعرته أنا توعيرا وقد استوعرت الشيء إذا وجدته وعرا وفلان وعر المعروف أي قليلة كل ذلك لا يخرج عن معنى التخوف
(1/7)
الثالث و ر ع
الورع بالتحريك الجبان قال ابن السكيت وأصحابنا يذهبون بالورع إلى الجبان وليس كذلك وإنما الورع الصغير الذي لا غناء عنده يقال إنما مال فلان أوراع أي صغار تقول منه ورع بضم الراء يورع بفتح الياء والراء وسكون الواو وروعا ووراعة وورعا بضم الواو وسكون الراء إما الجبان فهو الخائف وأما الصغير الذي لا غناء عنده كأنه متخوف فلا نفع فيه
والورع بكسر الراء الرجل التقي وقد ورع يرع بفتح الياء وكسر الراء ورعا بفتح الراء ورعه يقال فلان سيء الرعة أي قليل الورع وتورع من كذا أي تحرج وورعته توريعا أي كففته وخوفته وفي حديث عمر ورع اللص لا تراعه أي إذا رأيته في منزلك فادفعه واكففه ولا تنتظر به
ما يكون منه فأنت ترى مدار هذا كله على التخوف وقد رد أهل اللغة كلام ابن السكيت وقالوا بل الورع الجبان ويؤيد ذلك قول الراجز
لا هيبان قلبه منان
ولا نخيب ورع جبان
الرابع ر و ع
الروع بالفتح الفزع قال صاحب الصحاح الروعة الفزعة ومنه قولهم أفرخ روعه أي ذهب فزعه وسكن وغلطوه في ذلك لأنه ضبطه بفتح الراء والصحيح أنه بضم الراء وهو موضع الروع قال الجوهري والروع بالضم القلب والعقل يقال وقع ذلك في روعي أي في خلدي وبالي وفي الحديث إن روح القدس نفث في روعي قلت سمي بذلك لما كان التخوف والحذر ينشأ منه ورعت فلانا وروعته فارتاع أي أفزعته ففزع وقولهم لا ترع أي لا تخف ولا يلحقك خوف
والروعاء من النوق الحديدة الفؤاد وكذلك الفرس سميا بذلك لما كان كالمتخوفين الحذرين
الخامس ع ر و
عروة القميص والكوز معروفة لأنها عملت لأمن الخائف من سقوط الكوز
وانفراج القميص والعراء بالمد الفضاء الذي لا ستر به قال الله تعالى ) لنبذ بالعراء ( وسمي بذلك لأنه يتخوف فيه
والعروة الأسد وبه سمي الرجل لما كان الإنسان يخافه ويتهيب لقاءه
(1/8)
وفلان تعروه الأضياف وتعتريه أي تغشاه قيل لأن الغالب إذا نزل الضيف بأحد لا بد وأن يتجمع منه أو لأن الضيف يكون خائفا من عدم المأكل والمشرب وقال النابغة شعر
أتيتك عاريا خلقا ثيابي على
خوف تظن بي الظنون
والعرية النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا فيجعل له ثمرها عامها
فيعروها أي يأتيها وهي فعيلة بمعنى مفعولة وإنما دخلتها الهاء لأنها أفردت فصارت في عداد الأسماء مثل النطيحة والأكيلة ولو جئت بها مع النخلة قلت نخلة عري وفي الحديث إنه رخص في العرايا بعد نهيه عن المزابنة لأنه ربما تأذى بدخوله عليه فيحتاج إلى أن يشتريها منه بثمن فرخص له ذلك قال شاعر الأنصار
وليست بسنهاء ولا رجبية
ولكن عرايا في السنين الجوائح
يقول إنا نعريها الناس سميت بذلك لأن الذي يعراها يكون متخوفا
يائسا واستعرى الناس في كل وجه أي أكلوا الرطب
والعرية الريح الباردة يقال أهلك فقد أعريت أي غابت الشمس وبردت وكأنه يخاف عليه أن لا يلحق أهله
والعرواء مثل الغلواء قرة الحمى ومسها في أول ما تأخذ بالرعدة وقد عري الرجل على ما لم يسم فاعله واي تخوف لا يكون من رعدة الحمى
وعري من ثيابه فهو عار وعريان وامرأة عريانة وأعريت الفرس إذا ركبته عريانا كأن الراكب يتخوف الوقوع
السادس ر ع و
الرعاوى والرعاوى بضم الراء وفتحها وفتح الواو فيهما الإبل التي ترعى حول القوم في ديارهم لأنها الإبل التي يعتمد عليها لما كانوا يتخوفون بعدها عنهم جعلوها ترعى حولهم والراعي الذي تدفع إليه الإبل أو غيرها ليرعاها وتجمع على رعاة مثل قاض وقضاة ورعيان مثل شاب وشبان ورعى مثل جائع وجياع لما كان الراعي يخاف الذئب والأسد وكل كاسر من
الوحش على ما يرعاه سمي بذلك ومنه قولك راعيت الأمر أي تخوفت عواقبه ومنه الراعي وهو الوالي وقد ارعوى فلان عن القبيح أي تخوف إتيانه والاسم منه الرعوى بفتح الراء والرعيا بضمها مثل البقيا والبقوى ورعيت النجوم إذا رقبتها ولا يفعل ذلك إلا متخوف
(1/9)
المقدمة الثانية فيما يتعلق بذلك من حيث التصريف والإعراب
يقال عورت عينه وعارت تعور وتعور بسكون العين وكسر الواو في الأول وضم العين وسكون الواو في الثاني فهو رجل أعور بين العور وهما أعوران والجمع عور وعوران مثل أعمى وعمي وعميان وأعور لا ينصرف لأن فيه علتين فرعيتين من علل تسع وهما الوصف ووزن الفعل وقد تقرر في كتابي نكت الهميان في نكت العميان الكلام على امتناع بناء أفعل التفضيل وأفعل التعجب من الألوان والعيوب الظاهرة ومن فعل غير الثلاثي وتعليل ذلك فلا حاجة إلى إعادة ذلك ههنا فلا تقل زيد أعور من عمرو ولا تقل ما أعوره بل فلان أشد عورا من فلان وما أقبح عوره وقول القائل أبيض من
أخت بني إباض
وقول الآخر
أما الملوك فأنت اليوم الأمهم
لؤما وأبيضهم سربال طباخ
فمحمولان على الشذوذ وكذلك قولهم ما أعطاه للدرهم والدينار وما أولاه للمعروف وما أحوجه من حاج يحوج حوجا أي احتاج وقال بعضهم إنما فعلوا هذا بعد حذف الزيادة ورد الفعل إلى الثلاثي وهذا وجه حسن وحكم أفعل به في حكم ما أفعله فلا تقول أعور به كما لا تقول ما أعوره بل يقال أشدد بعوره ويستوي في لفظ أفعل به للمذكر والمؤنث والتثنية والجمع تقول يا زيد أكرم بعمرو ويا هند أكرم بزيد ويا رجلان أكرم به ويا رجال أكرم به
كما تقول ما أحسن زيدا وما أحسن هندا وما أحسن الرجلين وما أحسن الرجال وما أحسن الهندات كذلك قال أبو عبد الله حمزة بن الحسن المعنون بأفعل حاكيا عن المازني أنه قال قد جاءت أحرف كثيرة مما زاد فعله على ثلاثة أحرف فأدخلت العرب عليها التعجب فقالوا ما أتقاه لله ومل أنتنه وما اظلمها وما أضوأها وما أفقره وما أغناه وإن كان يقال افتقر
(1/10)
واستغنى وقالوا للمستقيم ما أقومه وفي المتمكن ما أمكنه عند الأمير وقالوا ما أصوبه وما أخطأه على لغة من قال صاب بمعنى أصاب وخطئت بمعنى أخطأت وقالوا ما أشغله وإنما يقولون في فعله شغل وما أزهاه وفعله زهي وقالوا ما آبله يريدون ما أكثر إبله وإنما يقولون تأبل إبلا إذا اتخذها وقالوا ما أبغضه لي وما أحبه إلي وما أعجبه برأيه وقال بعض العرب ما أملاه للقربة هذا ما حكاه عن المازني ثم قال وقال أبو الحسن الأخفش لا يكادون يقولون في الأرسح ما أرسحه وفي الأسته ما أستهه قلت الأرسح القليل اللحم على الفخذ قال وسمعت منهم من يقول رسح وسته
وأنت أيها الواقف على هذا الكلام تعلم أن في هذا الكلام نظرا وذلك أن الحكم بهذه الكلمات كلها من المزيد فيه غير مسلم لأن قولهم ما أتقاه لله يمكن أن يحمل على لغة من يقول تقاه يتقيه بفتح التاء من المستقبل وسكونها أيضا حتى قد قالوا التقي بفتح التاء وسكون القاف وبنوا منه تقي يتقي مثل سقى يسقي كما قال شعر
زيادتنا نعمان لا تنسينها
تق الله فينا والكتاب الذي تتلو
وقال آخر
جلاها الصيقلون فأبرزوها
خفافا كلها يتقي بأثر
وقال آخر
ولا أتقي الغيور إذا رآني
ومثلي لز بالحمس الربيس
فلما وجدوا منه الثلاثي بنوا منه أفعل التعجب وبنوا منه فعيلا كالتقي وقولهم ما أنتنه إنما حملوه على أنه من باب نتن ينتن نتنا وهي لغة في أنتن ينتن فمن قال في فعله نتن قال في الفاعل منتن ومن قال منتن بناه على أنتن قال في فاعله إما نتن بسكون أوسطه مثل صعب فهو صعب أو نتين مثل ظرف فهو ظريف
وقولهم ما أظلمها وأضوأها من هذا القبيل أيضا لأن ظلم يظلم ظلمة لغة في أظلم وكذلك ما أضوأها يعنون الليلة إنما هو من ضاء يضيء وهي لغة في أضاء يضيء إضاءة وإذا كان الأمر كذلك فالتعجب في هذا على قاعدته وقانونه
(1/11)
وقولهم ما أفرته فيجوز أن يقال أنهم لما وجدوه على فعيل توهموه من باب فعل بضم العين مثل صغر فهو صغير أو حملوه على ضده فعدوه من باب فعل بكسر العين كغني فهو غني كما حملوا عدوة الله على صديقة وذلك من عادتهم أن يحملوا الشيء على نقيضه كقوله
إذا رضيت علي بنو قشير
لعمر الله أعجبني رضاها
فعدى رضي بعلى لأنهم قالوا في ضده سخط علي أو حملوه على فعيل بمعنى مفعول فقالوا إنه لمكسور الفقار وإذا حمل على هذا الوجه كان في الشذوذ مثله إذا حمل على افتقر وقولهم ما أغناه فهو على النهج القويم لأنه من
قولهم غني فهو غني ولا حاجة بنا إلى حمله على الشذوذ وقولهم للمستقيم ما أقومه فقد حملوه على قولهم شيء قويم أي مستقيم وقام بمعنى استقام صحيح قال الراجز
وقام ميزان النهار فاعتدل
ويقولون دينار قائم إذا لم يزد على مثقال ولم ينقص وذلك لاستقامة فيه فعلى هذا الوجه ما أقومه غير شاذ
وقولهم للمتمكن عند الأمير ما أمكنه إنما هو من قولهم فلان عند الأمير مكين وله مكانة أي منزلة فلما رأوا المكانة وهي من مصادر فعل بضم العين وسمعوا المكين وهو من نعوت هذا الباب نحو كرم فهو كريم وشرف فهو شريف توهموا أنه من مكن مكانه فهو مكين مثل متن متانة فهو متين فقالوا ما أمكنه وليس توهمهم هذا بأغرب من توهم الميم في التمكن والإمكان والمكانة والمكان وما اشتق منها أصلية وجميع هذا من الكون وهذا كأنهم توهموا الميم في المسكين أصلية فقالوا تمسكن ولهذا نظائر
وقولهم ما أصوبه على لغة من يقول صاب ولم يزيدوا على هذا فقد جاء في المثل مع الخواطيء سهم صائب لأن صاب اسم فاعله صائب وكان من حقهم أن لا يقولوا ما أصوبه بل يقولون ما أصيبه وقولهم ما أخطأه فبعض العرب تقول خطئت بمعنى أخطأت كما تقدم وقولهم ما أشغله لا ريب في شذوذه لأنه إن حمل على الاشتغال كان شاذا وإن حمل على أنه من المفعول فكذلك وقولهم ما أزهاه من زهي فهو مزهو قال ابن
(1/12)
دريد زها الرجل يزهو زهوا أي تكبر وليس هذا من باب زهي لأن ما لم يسم فاعله لا يتعجب منه وبين ما أشغله وما أزهاه فرق لأن المزهو وإن كان مفعولا في اللفظ فهو في المعنى فاعل لأنه لم يقع عليه فعل من غيره كالمشغول الذي شغله غيره فلو حمل ما أزهاه على أنه تعجب من الفاعل المعنوي لم يكن بذلك بأس وقولهم ما آبله ليس من الكثرة في شيء إنما هو تعجب من قولهم أبل الرجل يأبل إبالة مثل قولهم شكس شكاسة فهو آبل حاذق بمصلحة الإبل وفلان من آبل الناس أي من أشدهم تأنقا في رعيه الإبل وقولهم ما أبله معناه ما أحذقه وأعلمه برعي الإبل وليس هو من كثرة الإبل فلا يكون هذا شاذا ففي الأول سهو وهذا سهو ثان وقولهم تأبل سهو ثالث إذا عنوا به اتخذ إبلا لأن التأبل إنما هو امتناع الرجل من غشيان المرأة ومنه الحديث إن آدم تأبل على ابنه المقتول كذا وكذا عاما وتأبلت الإبل اجتزأت بالرطب عن الماء والصحيح في اقتناء الإبل واتخاذها قال طفيل الغنوي
فأبل واسترخى به الخطب بعدما
أساف ولولا سعيه لم يؤبل
أي لم يكن صاحب إبل ولا اتخذها
وقولهم ما أبغضه لي ويروى ما أبغضه إلي وبين الروايتين فرق بين وذلك إنما أبغضه لي يكون من المبغض أي ما أشد إبغاضي له وكلا الوجهين شاذ وكذلك ما أحبه إلي إن جعلته من حببته أحبه فهو حبيب ومحبوب كان شاذا وإن جعلته من أحببته فهو محب
وقولهم ما أعجبه برأيه هو من الإعجاب لا غير يقال أعجب فلان
(1/13)
برأيه على ما لم يسم فاعله فهو معجب وأما قول بعض العرب ما أملأ القربة إن حملته على الامتلاء أو على المملوء كان شاذا واما قول الأخفش لا يكادون يقولون في الأرسح ما أرسحه وفي الأسته ما أستهه فكلام مستقيم لأنه من العيوب والخلق قال وسمعت منهم من يقول رسح وسته فهم لا يقولون ما أرسحه وما استهه والقاعدة أنهم إذا بنوا من فعل يفعل صفة على فعل قالوا في مؤنثه فعلة نحو أسف فهو آسف والمرأة آسفة وسحاب نمر وللمؤنث نمرة ولم يسمع امرأة رسحة ولا ستهه بل قالوا رسحاء وستهاء فهذا يدل على أن المذكر أرسح وأسته
المقدمة الثالثة فيما يتعلق بحديث الدجال لكونه أعور
الدجال لغة الكذاب قال ثعلب وقيل الدجال المموه يقال دجل فلان إذا موه ودجل الحق بباطله أي غطاه وحكى ابن فارس هذا الثاني عن ثعلب أيضا المسيح قد روي فيه المسيح كما يقال في المسيح عيسى بن مريم بالميم المفتوحة وكسر السين المهملة والياء آخر الحروف ساكنة وبعدها حاء مهملة سمي بهذا لأنه ممسوح العين أي مطموسها وقيل لأنه أعور والأعور هو المسيح وقيل لأنه يمسح الأرض وقت خروجه وقيل غير ذلك وروي فيه المسيخ بكسر الميم والسين المهملة المشددة والخاء المعجمة بدل الحاء المهملة قاله غير واحد كأنه اسم فاعل من المسخ وقال بعضهم أنه بفتح الميم وكسر السين المهملة المخففة والخاء المعجمة أخيرا ومعناه اسم مفعول من المسخ كما قيل في قتيل بمعنى مقتول فمسيخ معناه ممسوخ وأما مساواته في اللفظ الأول للمسيح عيسى بن مريم فلأن كل واحد منهما يمسح الأرض ولكن ابن مريم مسيح هدى والدجال مسيح ضلال والأحاديث في ذكر الدجال في كتب
الحديث كثيرة في صحيح البخاري وفي مسلم أكثر وما الغرض هنا إلا ماله تعلق بعوره
(1/14)
وأنا الآن أذكر سندي إلى البخاري وسندي إلى مسلم ثم أورد ما جاء في صحيح كل منهما فأقول أخبرني الحافظ الرحلة الشيخ الإمام فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن سيد الناس اليعمري قراءة عليه وعلى أخيه الشيخ أبي القاسم محمد بن محمد وأنا أسمع بالمدرسة الظاهرية بين القصرين من القاهرة المعزية في شهر رمضان المعظم سنة ثمان وعشرين وسبع مائة ورؤياه لنا بحق سماعهما من الشيخ المسند عز الدين عبد العزيز بن علي بن نصر بن منصور الحراني المعروف بابن الصقيل بسماعه من الحافظ أبي العباس أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الربيع ببغداد سنة ستماية وبإجازته من أبي علي الحسن بن إسحاق بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي ومن أبي عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى بن الزبيدي ومن أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الله بن روزيه قالوا كلهم اخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق السجزي الصوفي قراءة عليه ونحن نسمع قال أخبرنا الإمام جمال الإسلام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن معاذ بن سهل الداوودي قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حموية بن أحمد بن يوسف بن أعين السرخسي الحموي قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الغريزي البخاري قال أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن برذويه البخاري قراءة عليه وأنا أسمع عودا على بداء وأخبرني الشيخ الإمام المسند شمس الدين أبو الحسن علي بن الشيخ محب الدين محمد بن ممدود بن جامع البندنيجي رحمة الله عليه قراءة عليه وعلى الشيخ الإمام الحافظ الرحلة الناقد فرد الزمان جمال الدين أبي الحجاج
(1/15)
يوسف ابن المزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي رحمه الله بدار الحديث الأشرفية تحت قلعة دمشق في شهر رجب المفرد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة بحق سماع الشيخ البندنيجي المذكور من الشيخ المسند أبي العباس أحمد بن عمر بن عبد الكريم بن عبد العزيز الباديني المزي ببغداد سنة خمسين وستماية وبحق سماع الشيخ جمال الدين المزي من الشيخ أمين الدين أبي محمد القاسم بن أبي بكر بن القاسم بن غنيمة الأربلي قال الأربلي والباديني معا أخبرنا الشيخ المسند أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي الطوسي قال أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي الغراوي قراءة عليه وأنا أسمع قال أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر محمد بن عبد الغافر الفارسي قال أخبرنا أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلوذي قال أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم محمد بن سفيان الفقيه الزاهد قال حدثنا الحافظ الإمام أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري رحمه الله تعالى البخاري ثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر ورواه عن النبي e قال أعور عين اليمين كأنها عنبة طافية ثنا عبد العزيز بن عبد الله إبراهيم بن صالح عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهل له ثم ذكر الدجال فقال إني لأنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه إنه أعور وإن الله ليس بأعور صحيح البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن
(1/16)
سالم بن عبد الله بن عمر أن رسول الله e قال بينا أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماء قلت من هذا قالوا ابن مريم ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل حسيم أحمر جعد الرأس أعور العين كأن عينه عنبة طافية قالوا هذا الدجال أقرب الناس به شبها ابن قطن رجل من خزاعة صحيح البخاري ثنا سليمان بن حرب قال ثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله e ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإن بين عينيه مكتوب كافر مسلم في صحيحه من حديث قال سالم قال عبد الله بن عمر فقام رسول الله e في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني لأنذركموه ما من نبي إلا وقد أنذر قومه لقد أنذره نوح قومه ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور
قال ابن شهاب فأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله e أن رسول الله e قال يوم حذر الناس الدجال أنه بين عينيه كافر يقرؤه من كره عمله أو يقرؤه كل مؤمن صحيح البخاري وقال تعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت سنن الترمذي ثنا أبو بكر بن أبي شعبة ثنا أبو أسامة ومحمد بن بشر قال ثنا عبد الله بن نافع عن ابن عمر وحدثنا ابن نمير واللفظ له ثنا محمد بن بشر عن عبد الله عن نافع عن عبد الله عن ابن عمر أن رسول
(1/17)
الله e ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال إن الله ليس بأعور ألا وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافئة صحيح البخاري ثنا أبو الربيع وأبو كامل قالا ثنا حماد وهو ابن زيد عن أيوب قال ثنا محمد بن عمار ثنا حاتم يعني ابن إسماعيل عن موسى بن عقبة كلاهما عن نافع عن ابن عمر وعن النبي e بمثله ثنا محمد بن مثنى ومحمد بن بشار قالا ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله e ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب ألا أنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر صحيح مسلم
قال وحدثني زهير بن حرب ثنا عفان حدثنا عبد الوارث عن شعيب ابن الحبحاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله e الدجال ممسوح العين مكتوب بين عينيه كافر ثم تهجاها كفر يقرؤه كل مسلم صحيح مسلم
قال محمد بن عبد الله بن نمير ومحمد بن العلاء وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أنبأنا وقال الأخوان ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن حذيفة قال قال رسول الله e الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار صحيح مسلم وسنن ابن ماجة قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن خراش عن حذيفة قال قال رسول الله e أنا أعلم بما مع الدجال منه زياده من صحيح مسلم معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض والآخر رأي العين نار تأجج فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه نارا
(1/18)
وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد وإن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب صحيح مسلم ثنا محمد بن رافع ثنا حسين بن محمد ثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة قال سمعت أبا هريرة قال قال رسول الله e ألا أخبركم عن الدجال حديث ما حدثه نبي قومه إنه أعور وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار وإني أنذرتكم به كما أنذر به نوح قومه صحيح مسل
حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب ثنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص حدثني عبد الرحمن بن جبير عن أبيه جبير بن نضير الحضرمي أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي وقال حدثني محمد بن مهران الرازي واللفظ له قال ثنا الوليد بن مسلم ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن يحيى بن جابر الطائي عن عبد الرحمن بن جبير بن نضير عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله e الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال ما شأنكم قلنا يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال غير الدجال أخوفني عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف
(1/19)
إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال لا اقدروا له قدره قلنا يا رسول الله وما إسراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغه ضروعا وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم من أموالهم شيء ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النخل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح عيسى ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم
(1/20)
فيقول لقد كان بهذه مرة ماء ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله وأصحابه فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم فيرغب نبي الله وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل فيرسل الله إليهم طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفآم من الناس واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم
ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة صحيح مسلم
قال حدثني علي بن محمد السعدي ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر والوليد بن مسلم قال ابن حجر دخل حديث أحدهما في حديث الآخر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بهذا الإسناد نحو ما ذكرنا وزاد بعد
(1/21)
قوله لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما وفي رواية ابن حجر فإني قد أنزلت عبادا لي لا يدي لأحد بقتالهم فهاتان القطعتان جملة ما في صحيحي البخاري ومسلم في ذكر الدجال مما فيه ذكر عينه وعوره وفيها أحاديث كثيرة تتعلق بالدجال غير ما في هاتين القطعتين وقد جاء ذكره أيضا في غير البخاري ومسلم من ذلك عن أبي بن كعب قال ذكر الدجال عند رسول الله e فقال إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء وتعوذ بالله من عذاب القبر وأخرج ابن ماجة من حديث أبي أمامة مطولا فخرج الملعون من ناحية أصبهان من قرية يقال لها اليهودية وهو راكب حمارا أنبر يشبه البغل ما بين أذني حماره أربعون ذراعا ومن نعت الدجال انه عظيم الخلقة طويل القامة جسيم أجعد قطط أعور العين اليمنى كأنها لم تخلق وعينه الأخرى ممزوجة بالدم وبين عينيه مكتوب يقرأه كل مؤمن بالله وذكر أبو داود الطيالسي ثنا الحوج بن نباته قال خطبنا رسول الله e فقال إنه لم يكن نبي إلا وقد أنذر أمته الدجال ألا وإنه اعور العين الشمال وباليمنى ظفرة غليظة بين عينيه كافر الحديث صحيح مسلم وسنن الترمذي
وخرج أبو داود في سننه عن عبادة بن الصامت أن رسول الله e قال إني كنت حدثتكم عن المسيح الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا أن المسيح الدجال قصير أفحح جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة ولا جحراء فإن ألبس عليكم فأعلموا أن ربكم عز وجل ليس بأعور سننن أبي داود
تفسير غريب ما جاء في هذه الأحاديث وضبطها
(1/22)
طافئة ربما جاء في بعض الأحاديث أحدهما طافئة والأخرى طافية فيظن أن ذلك تناقض ولا تناقض فيه لأن أحدهما مهموزة الياء ومعناه لا نور فيها كأنها طفئت من أطفأت النار وثانيهما مخففة بغير همز ومعناه ناتئة من طفا الشيء يطفو فوق الماء إذا علا ولم يرسب ويكون المعنى أن الواحدة لا ضوء فيها ولا نور والأخرى ناتئة إلى فوق كالعنبة
آدم الأدم من الناس الأسمر الذي يعلوه حمرة
سبط الشعر أي مسترسل الشعر غير جعد يقال رجل سبط الشعر بكسر الباء سبط الجسم بسكون الباء ويقال سبط الشعر بفتح الباء أيضا
ينطف بفتح الطاء المهملة وكسرها معناه يسيل وليلة نطوف تمطر إلى الصباح
ويهراق بضم الياء آخر الحروف وفتح الهاء وبعدها راء وألف وقاف يقال هراق الماء يهريقه إذا صبه
ممسوح العين أي هي مستوية بوجهه كأنها مطموسة ملساء
يطأطئ طأطأت رأسه بهمزتين إذا تطامن والطأطأ ممدود مهموز ما انخفض من الأرض
جفال بضم الجيم وتخفيف الفاء وبعد الألف لام أي كثير الشعر
فليغمس غمسه في الماء أي مقله فيه وانغمس في الماء واغتمس بمعنى
ظفرة بالظاء المعجمة المفتوحة والفاء المفتوحة وبعدها راء وهاء وهي جليدة تغشى العين نابتة من الجانب الذي يلي الأنف على بياض العين إلى سوادها وهي التي يقال لها ظفرة وقد ظفرت عينه بكسر الفاء تظفر بفتح الفاء ظفرا
فخفض فيه ورفع هو بتشديد الفاء في اللفظتين وفي معناه قولان
أحدهما أن خفضه بمعنى حقره وقوله رفعه أي عظمه وفخمه فمن
تحقيره وإهوانه e الدجال أنه قال إنه أعور وفي بعض الأحاديث هو أهون على الله تعالى من ذلك وأنه لا يقدر على قتل أحد إلا ذلك الرجل ثم يعجز عنه ويضمحل أمره بعد ذلك هو وأتباعه ومن تفخيمه إياه وتعظيم الفتنة به هذه الأمور الخارقة للعادة والإنذار به من الأنبياء وللأمم عليهم الصلاة والسلام
(1/23)
والوجه الثاني أنه خفض من صوته في حال التكلم لكثرة ما تكلم فيه فخفض بعد طول الكلام والتعب ليستريح ثم رفع صوته ليبلغ الناس بلاغا كلاما
طائفة النخل أي جماعة النخل الملتفة
حجيجه حاجه فحجه إذا غلبه بالحجة القاطعة فكأنه e إن جاء الدجال وقال أنا ربكم قال له إن ربنا ليس بأعور وحاجه أي قطعه وغلبه بالحجة الباهرة فيكون حينئذ حجيجه وإن لم يأت في زمانه e فكل امرئ حجيج نفسه أي يجادل بالحجة عن نفسه
قطط قطط شعره بكسر الطاء الأولى وهو أحد ما جاء في الأصل بإظهار التضعيف أي اشتدت جعودة شعره تقول جعد قطط ورجل قط الشعر وقطط بمعنى
خارج خلة قال الشيخ النووي رحمه الله هكذا هو في نسخ بلادنا خلة بفتح الخاء المعجمة واللام وتنوين الهاء
قال وقال القاضي المشهور حلة بفتح الحاء المهملة ونصب التاء يعني غير منونة قيل معناه سمت ذلك وقبالته وفي كتاب العين الحلة موضع حزن وضجور قال رواه بعضهم حله بضم اللام وبهاء الضمير أي نزوله وحلوله قال وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين قال وذكره الهروي خله بالخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحة وفسره بأنه ما بين البلدين وقال الشيخ محيي الدين رحمه الله وهذا الذي عن الهروي هو الموجود في نسخ بلادنا وهو الذي رجحه صاحب نهاية الغريب وفسره بالطريق بينهما
فعاث يمينا وعاث شمالا العيث بالعين المهملة والتاء المثلثة الفساد يقال عاث الذئب في الغنم وحكى القاضي عياض رحمه الله أن بعضهم رواه فعاث يمينا بكسر الثاء منونة اسم فاعل وهو بمعنى الأول
لبثه بفتح اللام وسكون الباء ثانية الحروف وبعدها ثاء مثلثة هو المكث والإقامة وقد لبث يلبث على غير قياس وقد جاء في الشعر لبثا بالتحريك قال الشاعر
وقد أكون على الحاجات ذا لبث
وأحوذيا إذا انضم الذعاليب
اقدروا له قدره قدرت على الشيء أقدره بكسر الدال وضمها
(1/24)
قدره بضم القاف وكسرها وقدره بكسر الدال لغة فيه ومعنى ذلك قدر له تقديرا وسيأتي الكلام على ذلك فيما بعد
إسراعه الإسراع بكسر الهمزة وسكون السين المهملة مصدر أسرعت في السير إسراعا أي عجلت
سارحتهم السارحة هي الماشية التي تذهب أول النهار إلى
ذرى بضم الذال المعجمة هي الأعالي والأسنمة وهو جمع ذروة وذروة كل شيء أعلاه وقد تكسر الذال
وأسبغه بالسين المهملة والغين المعجمة أي أطوله ثوب سابغ أي كامل واف وأسبغ الله عليه نعمته أي أتمها
ضروعا بالضاد المعجمة والعين المهملة جمع ضرع والضرع لكل ذات ظلف أو خف كالثدي للمرأة
خواصر الخاصرة الشاكلة وهي الطفطفة وهي الجلدة الأولى التي لا عظم تحتها من الأضلاع
يعاسيب جمع يعسوب بالياء آخر الحروف والعين المهملة الساكنة والسين المهملة المضمومة وسكون الواو والباء ثانية الحروف على وزن يعقوب واليعسوب ذكر النحل قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله هكذا فسره ابن قتيبة وآخرون قال وقال القاضي المراد جماعة النحل إلا ذكورها خاصة لكنه كنى عن الجماعة باليعسوب وهو أميرها لأنه متى طار تبعته جماعته
قلت تفسير ابن قتيبة أولى لأن النبي e أراد أن الكنوز تتبعه أي تسير خلفه طائرة كيعاسيب النحل لأنها أشد طيرانا من إناث النحل
جزلتين هو تثنية جزلة بالجيم والزاي واللام وهو بفتح الجيم وحكى ابن دريد كسره والجزل القطع أي قطعه قطعتين
(1/25)
رمية الغرض الغرض الهدف ومعناه قطعه قطعتين ويجعل بين كل قطعة مقدار رمية الهدف وهذا هو الظاهر المشهور قال الشيخ محي الدين النووي وحكى القاضي هذا ثم قال وعندي أن فيه تقديما وتأخيرا وتقديره فيصيبه إصابة رمية الغرض فيقطعه جزلتين قال الشيخ محيي الدين النووي والصحيح الأول قلت سياق الكلام يؤيد ما صححه الشيخ محيي الدين لأن الدجال يأمر بذلك المؤمن فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوي قائما على ما في صحيح مسلم ورواه غيره فإذا قطعه قطعتين بينهما رمية الغرض كان أبلغ ليشاهد الناس فصل جسمه فيكون إحياؤه بعد ذلك أبلغ وذلك التقدير الذي قدره القاضي عياض رحمه الله تعالى ما فيه هذه المبالغة لأنه قال فيقطعه قطعتين لا غير ولا شك أن الأول
أبلغ في الفتنة به
مهرودتين أكثر ما يقع في النسخ بإبدال المهملة والمهرود الثوب المصبوغ بالورس ثم بالزعفران وقيل هما شقتان والشقة نصف الملاءة وبعضهم رواه مهروذتان بالذال المعجمة والوجهان مشهوران للمتقدمين والمتأخرين من أهل اللغة والغريب وغيرهم
جمان بالجيم والميم وبعد الألف نون ومخفف الجيم حبات من الفضة يصنع خرزا كاللؤلؤ الكبار
فلا يحل الرواية بكسر الحاء المهملة ورواه بعضهم بضم الحاء وهو وهم وغلط
نفسه بفتح الفاء ومعناه لا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات لا يكن ولا يقع قال القاضي عياض معناه عندي حق وواجب
يمسح عن وجوههم قال القاضي عياض يحتمل أن هذا المسح حقيقة تبركا وبرا ويحتمل أن يكون إشارة إلى كشف ما بهم من الشدة والخوف
فحرز أي ضمهم إلى الطور واجعله لهم حرزا ووقع في بعض النسخ فحزب بالزاي والباء ثانية الحروف أي اجمعهم واجعلهم حزبا وروي أيضا فحوز بالواو
والزاي معناه نحهم وأزلهم عن طريقهم إلى الطور
والحدب بتحريك الدال المهملة النشر
ينسلون معناه يمشون مسرعين
(1/26)
النغف بفتح النون والغين المعجمة المفتوحة وبعدها فاء هو دود يكون في أنوف الإبل والغنم الواحدة نغفة
فرسى بفتح الفاء وسكون الراء وفتح السين المهملة مقصورا هو جمع فريس من الفريسة كقتلى وقتيل
زهمهم هو بفتح الزاي والهاء والزهومة رائحة الدسم الكريهة
المدر بفتح الميم والدال المهملة هو الطين الصلب
كالزلقة روي بفتح الزاي واللام وبالقاف وروي بضم الزاي وسكون اللام وبالفاء والقاف وبفتح اللام وكل ذلك صحيح واختلفوا في معناه فقال ثعلب وابو زيد وآخرون معناه كالمرأة في صفاتها ونظافتها وقيل معناه كمصانع الماء أي أن الماء يستنقع فيها حتى تصير الأرض كالمصنع الذي يجتمع فيه الماء قال أبو عبيدة معناه كالإجاثة الخضراء وقيل كالصفحة وقيل كالروضة
العصابة الجماعة من الناس
بقحفها قحفها بكسر القاف وسكون الحاء المهملة مقعر قشر الرمانة شبهت بقحف الرأس وهو الذي فوق الدماغ وقيل هو ما انفلق من الجمجمة وانفصل
الرسل بكسر الراء وسكون السين المهملة وبعدها لام هو اللبن
اللقحة بكسر اللام وفتحها والكسر أشهر وسكون القاف وبعدها حاء مهملة هي الناقة أو البقرة أو غيرها القريبة العهد بالولادة
الفيأم بكسر الفاء وبعدها ياء آخر الحروف وألف وميم والألف مهموزة هي الجماعة الكثيرة ومنهم من لا يجوز الهمز وحكى الخطابي أن بعضهم ذكره بفتح الفاء وتشديد الياء وهو غلط فاحش
الفخذ الجماعة من الأقارب وهم دون البطن والبطن دون القبيلة وقال القاضي عياض رحمه الله قال ابن فارس الفخذ هنا بإسكان الخاء لا غير بخلاف العضو فإنه يكسر ويسكن
يتهارجون تهارج الحمر الهرج بإسكان الراء الجماع يقال هرج زوجته أي جامعها يهرجها بفتح الراء ومعناه يتناكحون علانية بحضرة الناس كما تفعل الحمير
الخمر هو بفتح الخاء المعجمة والميم وبعدها راء مهملة قد فسر في نفس الحديث
(1/27)
أنبر نبرت الشيء أنبره بكسر الباء نبرا رفعته ومنه سمي المنبر فقوله وهو راكب حمارا أنبر يشبه البغل كأنه يصفه بالعلو والارتفاع
الكلام على معاني هذه الأحاديث
قال القاضي عياض رحمه الله هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في
قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده وأنه شخص بعينه ابتلى الله تعالى به عباده وأقدره على أشياء من مقدوراته من إحياء الميت الذي يقتله ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب الذي معه وجنته وناره واتباع كنوز الأرض له وأمره السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت فيقع كل ذلك بقدرة الله ومشيئته ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل الذي قتله ولا غيره فيبطل أمره ويقتله عيسى صلوات الله وسلامه عليه ويثبت الله الذين آمنوا
(1/28)
هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار خلافا لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة وموافقيهم من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح الوجود ولكن الذي زعموا مخارق وخيالات لا حقائق لها وزعموا أنه لو كان حقا لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهذا غلط من جميعهم لأنه لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له وإنما يدعي الإلهية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ووجود دلائل الحدوث فيه ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه ولهذه الدلائل وغيرها لم يغتر به إلا رعاع من الناس لشدة الحاجة والفاقة رغبة في سد الرمق أو تقية وخوفا من أذاه لأن فتنته عظيمة جدا تدهش العقول وتحير الألباب مع سرعة مروره في الأرض فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله ودلائل الحدوث فيه والنقص فيصدقه من يصدقه في هذه الحالة ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته ونبهوا على نقصه ودلائل إبطاله وأما أهل التوفيق فلا يغترون به ولا ينخدعون بما معه لما ذكرناه من الدلائل المكذبة له مع ما سبق لهم من العلم بحاله ولهذا يقول له الذي يقتله ثم يحييه ما ازددت فيك إلا بصيرة قلت
(1/29)
وقد ذكر هذا الكلام مختصرا بمعناه القرطبي في كتابه التذكرة بأحوال الآخرة وقول القاضي عياض رحمه الله ردا على من قال ما قال إن الدجال لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق وإنما ادعى الإلهية هذا لا يكفي في الرد على من ادعى هذه الدعوى ألا ترى أنه جاء في بعض الأحاديث أنه معه ملكان يشبهان نبيين من الأنبياء لو شئت سميتهما بأسمائهما وأسماء آبائهما أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فيقول الدجال ألست بربكم ألست أحيي وأميت فيقول أحد الملكين كذبت لا يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه فيقول له صدقت فيسمعه الناس فيظنون أنه صدق الدجال فذلك فتنته وقوله للذي يقتله ويقطعه قطعتين ويمر بينهما ثم يحييه فيستوي قائما قال ثم يقول له أتؤمن بي فيقول ما ازددت فيك إلا بصيرة وفي صحيح مسلم فينتهي إلى بعض السباخ التي على المدينة فيخرج إليه رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا به رسول الله e حديثه فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون الأمر فيقولون لا فيقتله ثم يحييه أفكل هذا ما هو طلب لتصديقه على دعوى الربوبية وإذا كان الذي يدعي النبوة محتاجا على ما يصدقه فالذي يطلب الإلهية بطريق أولى والذي يرد به حجة هؤلاء الزائغين عن الحق أن يقال هذا حديث الدجال قد ثبت في الصحيح وهو إخبار من الصادق المصدوق e بأمر وقوعه ممكن وإنما قلنا بإمكانه لأنه ثبت أن المسيح عيسى ابن مريم صلوات الله عليه أحيى الموتى بإذن الله شهادة له على دعواه لمن يريد الله له الإيمان وهذا الدجال يحيي الميت ويفعل غيره من الخوارق للعادة بإذن الله إرادة من الله لكفر من أراد شقاوته لأن الله ابتلى به عباده ليختبرهم وكلما أخبر به الصادق فهو حق والإيمان به واجب خصوصا إذا كان من هذا الباب
تأويل ما أشكل من هذه الأحاديث
(1/30)
جاء في حديث حذيفة أعور العين اليسرى وفي حديث ابن عمر أعور العين اليمنى فأشكل الجمع بين الحديثين على طائفة من العلماء حتى إن أبا عمر بن عبد البر قال في التمهيد وفي حديث سمرة بن جندب أن نبي الله e كان يقول الدجال خارج وهو أعور عين الشمال عليها ظفرة غليظة وأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى وذكر الحديث بتمامه ففي هذا الحديث أعور العين الشمال وفي حديث أنس بن مالك أعور العين اليمين والله أعلم وحديث مالك أصح من جهة الإسناد ولم يزد على هذا قال القرطبي في كتاب التذكرة وقال شيخنا أحمد بن عمر في كتاب المفهم له وهذا اختلاف يصعب الجمع فيه بينهما فقال جميع الروايتين عندي صحيح وهو أن كل واحدة منهما عوراء من جهة ما إذ العور من كل شيء هو المعيب والكلمة العوراء هي المعيبة فالواحدة عوراء بالحقيقة وهي التي وصفت في الحديث بأنها ليست بجحراء ولا ناتئة ولا ممسوحة ومطموسة وطافئة على رواية الهمز والأخرى عوراء لعيبها اللازم لها لكونها جاحظة أو كأنها كوكب دري أو كأنها عنبة طافية بغير همز وكل واحدة منهما يصح فيها الوصف بالعور بحقيقة العرف والاستعمال أو بمعنى العور الأصلي
قال قال شيخنا وحاصل كلامه أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء إحداهما بما أصابها حتى ذهب إدراكها والثانية عوراء بأصل خلقها معيبة لكن يبعد هذا التأويل أن كل واحدة من عينيه جاء في وصفها في الرواية بمثل ما وصفت به الأخرى من العور فتأمله
قال القرطبي ما قاله القاضي وتأويله صحيح وان العور في العينين مختلف كما تبين في الروايات فإن في حديث حذيفة وأن الدجال ممسوح العين
عليها ظفرة غليظة وإذا كان الممسوحة المطموسة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك أولى فتتفق الأحاديث
(1/31)
قوله يقرؤه كل مسلم وفي رواية يقرؤه كل مؤمن من كاتب وغير كاتب قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها وأنها كتابة حقيقية جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله ويظهرها الله تعالى لكل مؤمن كاتب وغير كاتب ويخفيها عمن أراد شقاوته ولا امتناع في ذلك
وذكر القاضي فيه خلافا منهم من قال هي كتابة حقيقية كما ذكرنا ومنهم من قال هي مجاز وإشارة إلى سمات الحدوث عليه واحتج بقوله يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب وهذا مذهب ضعيف قلت لأي شيء يضعف هذا وهو أن الله تعالى يلهم المؤمن رشده فيراه أنه غير إله لكونه أعور غير تام الخلق متصفا بالنقصان وإنه عليه إمارات الحدث فإذا شاهد المؤمن ذلك منه علم أنه غير إله وقرأ ما بين عينيه وهو الكفر بعين البصيرة لقوله في بعض الأحاديث وان الله ليس بأعور ويؤيده قراءة الكاتب وغير الكاتب ولو كان كتابة حقيقية لكان المؤمن والكافر يقرآن ذلك ولولا أن ذلك لخاصة بالمؤمن لما قرأه الكاتب وغير الكاتب ويريد الي رجحه الشيخ محيي الدين رحمه الله تعالى إن في بعض الروايات فتهجاها كفر
قوله أعور عينه اليمنى هذا عند الكوفيين على ظاهره من الإضافة وأما عند البصريين فإنهم يقدرون فيه محذوفا عما يقدرون في نظائر من صلاة الأولى ومسجد الجامع والتقدير صلاة الساعة الأولى ومسجد الجامع لأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز وأما الحديث فتقديره أعور عين صفحة وجهه اليمنى
قوله فما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه نارا قال الشيخ محيي الدين
هكذا في أكثر النسخ أدركن وفي بعضها أدركه وهذا الثاني ظاهر وأما الأول فغريب من حيث العربية لأن هذه النون لا تدخل على الفعل الماضي قال القاضي لعله يدركن يعني فغيره بعض الرواة قلت قوله يراه يروي بفتح الياء آخر الحروف وبضمها
قوله غير الدجال أخوفني عليكم قال الشيخ محي الدين
(1/32)
هكذا هو في جميع نسخ بلادنا أخوفني بنون بعد الفاء وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين قال ورواه بعضهم بحذف النون وهما لغتان صحيحتان ومعناهما واحد وقال قال شيخنا الإمام أبو عبد الله بن مالك رحمه الله الحاجة داعية إلى الكلام في لفظ هذا الحديث ومعناه فأما لفظه فلكونه تضمن ما لا يعتاد من إضافة أخوف إلى ياء المتكلم مقرونة بنون الوقاية وهذا الاستعمال إنما يكون مع الأفعال المتعدية والجواب أنه كان الأصل إثباتها ولكنه أصل متروك فنبه عليه في قليل من كلامهم وأنشد فيه أبياتا منها ما أنشده الفراء
فما أدري وظني كل ظن
أمسلمني إلى قومي شراحي
يعني شراحيل فرخمه في غير النداء للضرورة وأنشد غيره وهو
وليس الموافيني ليرفد خائبا
فإن له أضعاف ما كان آيلا
ولأفعل التفضيل أيضا شبه بالفعل وخصوصا يفعل التعجب فجاز أن تلحقه النون المذكورة في الحديث كما لحقت في الأبيات المذكورة هذا هو الأظهر في هذه النون ويحتمل أن يكون معناه أخوف لي فأبدلت النون من اللام كما أبدلت في لعن وعن بمعنى لعل وعل
واما معنى الحديث ففيه أوجه أظهرها أنه من أفعل التفضيل وتقديره
غير الدجال أخوف مخوفاتي عليكم ثم حذف المضاف إلي الياء ومنه أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون معناه فإن الأشياء التي أخافها على أمتي أحقها بأن يخاف الأئمة المضلون والثاني أن يكون أخوف من اخاف بمعنى خوف ومعناه غير الدجال أشد موجبات خوفي عليكم
والثالث أن يكون من باب وصف المعاني بما يوصف به الأعيان على سبيل المبالغة كقولهم في الشعر الفصيح شعر شاعر وخوف فلان أخوف من خوفك وتقديره خوف غير الدجال خوفي عليكم ثم حذف المضاف الأول ثم الثاني
(1/33)
قوله يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة ( وسائر أيامه كأيامكم ) قال الشيخ محي الدين النووي رحمه الله قال العلماء هذا الحديث على ظاهره وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا القدر المذكور في الحديث يدل عليه قوله e وسائر أيامه كأيامكم وأما قولهم يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم قال اقدروا له قدره فقال القاضي وغيره هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع قالوا ولولا هذا الحديث ووكلنا إلى اجتهادنا لاقتصرنا فيه على الصلوات عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام
ومعنى قوله اقدروا له قدره أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر ثم إذا مضى بقدره قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر فإذا مضى بعدها قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب وكذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم وقد وقع فيه صلوات سنة كلها فرائض مؤداة في وقتها
وأما الثاني الذي كشهر والثالث الذي كجمعة فقياس اليوم الأول أنه يقدر لهما كاليوم الأول على ما ذكرناه
قوله إذ بعث الله المسيح عيسى بن مريم قال القاضي عياض رحمه الله نزول عيسى e وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهمية ومن وافقهم وزعموا أن هذه الأحاديث مردودة بقوله تعالى ) وخاتم النبيين ( وبقوله e لا نبي بعدي سنن ابن ماجة وبإجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا محمد e وأن شريعته مؤيدة إلى يوم القيامة لا تنسخ وهذا استدلال فاسد لأنه ليس المراد بنزول عيسى أنه ينزل نبيا يشرع وينسخ شرعنا ولا في هذه الأحاديث ولا في غيرها شيء من هذا بل صحت هذه الأحاديث هنا بأنه ينزل حكما مقسطا يحكم بشرعنا ويحيي من أمور شرعنا ما هجره الناس
(1/34)
وقال عبد الحق في التذكرة وذهب قوم إلى أن نزول عيسى يرفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله وينهاهم قال وهذا مردود بالأخبار التي ذكرناها من حديث أبي هريرة وغيره وقد روى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت النبي e يقول لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم تعال صل بنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمر تكرمة لهذه الأمة خرجه مسلم
جاء في بعض الروايات وأن بين عينيه مكتوب كافر وفي بعضها مكتوبا والأول مشكل من ظاهر العربية لأن اسم إن منصوب ولكنه جعل اسم إن
محذوفا وما بعد ذلك جملة من مبتدأ وخبر في موضع رفع خبر لإن والاسم المحذوف إما ضمير الشأن وإما ضمير عائد على الدجال ونظيره إن كان المحذوف بضمير الشأن قوله e إن من أشد الناس عذابا المصورون وفي بعض الروايات وإن لنفسك حق وقال بعض العرب إن بك زيد مأخوذ رواه سيبويه عن الخليل ومنه قوله e نزعها عرق أي لعلها ونظائره في الشعر كثيرة وإن كان الضمير ضمير الدجال فنظيره رواية الأخفش إن بك مأخوذ أخواك والتقدير إنك بك مأخوذ أخواك
ومثله من الشعر قوله
فليت دفعت الهم عني ساعة
فبتنا على ما خيلت ناعمي بال
أراد فليتك
ومثله قول الآخر
فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي
ولكن زنجي غليظ المشافر
أراد ولكنك زنجي
المقدمة الرابعة فيما له بالأعور علاقة من الفقه
قال الشيخ شهاب الدين القرافي المالكي رحمه الله فرق بين قاعدة العينين وقاعدة كل اثنتين في الجسد فيهما دية واحدة كالأذنين ونحوهما أنه إذا ذهب سمع إحدى أذنيه بضربة رجل ثم أذهب سمع الأخرى فعليه نصف دية وفي عين الأعور الدية كاملة قال ووافقنا أحمد بن حنبل وقال الشافعي وأبو حنيفة نصف الدية قال لنا وجوه
الأول إن عمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم أجمعين قضوا بذلك من غير مخالف وكان ذلك إجماعا
(1/35)
الثاني إن العين الذاهبة يرجع ضوءها للباقية لأن مجراها في النور الذي يحصل به الإبصار واحد كما شهد به علم التشريح ولذلك إن الصحيح إذا غمض إحدى عينيه اتسع ثقب الأخرى بسبب ما اندفع إليه من الأخرى وقوي إبصارها ولا يوجد ذلك في إحدى الأذنين إذا سدت الأخرى وإحدى اليدين إذا ذهبت الأخرى أو انقطعت وكذلك جميع أعضاء الجسد إلا العين لما تقدم من اتحاد المحل
وكانت العين الواحدة في معنى العينين
قلت لا بأس هنا ببيان ما ذكره الشيخ شهاب الدين القرافي المالكي رحمه
الله في قواعده وهو أن قوله لأن مجراها في النور الذي يحصل به الإبصار واحد كما شهد به علم التشريح فأقول ذكر أصحاب التشريح أنه يخرج من داخل الدماغ عصبان مجوفان ينبتان من جانبي أجزاء قطبي الدماغ المقدمين ثم لا يمضيان على استقامة لكنهما يتجوفان في جوف عظم الرأس وليس في الجسد عصب مجوف غيرهما عصب من اليمين وعصب من اليسار وينتهيان إلى قريب العين ويلتقيان بالقرب من المنخرين حتى يصير ثقبهما ثقبا واحدا ثم يفترقان ويذهب كل عصب إلى عين على هذه الصورة وهذا العصب المجوف مملوء بخارا لطيفا شفافا صقيلا يسمى الروح الباصر وملتقى العصبين موضوع القوة الباصرة ومبدؤهما هو البطن المقدم من الدماغ فتبارك الله أحسن الخالقين
رجع القول إلى تمام كلام الشيخ شهاب الدين القرافي المالكي رحمه الله قال احتجوا بوجوه
الأول قوله e في العين خمسون من الإبل
الثاني قوله e في العينين الدية وهو يقتضي أن لا تجب الدية إلا إذا قلع عينين وهذا لم يقلع عينين
الثالث ما ضمن نصف الدية ومعه نظيره ضمن بنصفها مفردا كالأذن واليد
الرابع إنه لو صح القول بانتقال الروح الباصر لم يجب على الأول نصف
الدية ومعه نظيره ضمن بنصفها لأنه لم يذهب نصف المنفعة
والجواب عن الأول والثاني إنه محمول على العين غير العوراء لأنهما عمومان مطلقان في الأحوال فيفيدان بما ذكرناه من الأدلة
(1/36)
وعن الثالث الفرق بانتقال قوة الأولى بخلاف الأذن واليد ولو انتقل ألزمناه
وعن الرابع فلا يلزم إطراح الأول لأنه جنى عليهما فاحولتا أو أعميتا أو نقص ضوءهما فإنه يجب عليه العقل لما نقص ولا تنقص الدية عمن جنى ثانيا على قول عندنا وهذا السؤال قوي علينا ولذلك يلزمنا أن نقلع بعينه عينين اثنتين من الجاني
تفريع قال ابن أبي زيد في النوادر فيها ألف وإن أخذ في الأولى ديتها قاله مالك وأصحابه
وقال أشهب يسأل عن السمع فإن كان ينتقل فكالعينين وألا فكاليد وإن أصيب من كل عين نصف بصرها ثم أصيب باقيها في ضربة فنصف الدية لأنه ينظر بها نصف نظرهما فإن أصيبت باقي إحديهما فربع الدية فإن أصيبت بعد ذلك بقية الأخرى فنصف الدية لأنه أقيم مقام نصف بصره فإن أخذ صحيح نصف دية أحداهما ثم أصيب بنصف الصحيحة فثلث الدية لأنه أذهب من جميع بقية بصره ثلاثة وإن أصيبت ببقية المصابة فقط فربع الدية فإن ذهب باقيها والصحيحة بضربة فالدية كاملة والصحيحة وحدها فثلث الدية لأنها ثلث بصره فإن أصيبت بقية المصابة فنصف الدية بخلاف ما لو أصيبت والصحيحة باقية قاله أشهب وقال ابن القاسم ليس فيما يصاب من الصحيحة إذا بقي من الأولى شيء إلا من حساب نصف الدية انتهى كلام الإمام القرافي المالكي رحمه الله
(1/37)
قال ابن حزم رحمه الله ويقضى في القطع والكسر في اليدين والرجلين وأصابعهما من يمنى ليسرى ومن يسرى ليمنى وكذلك في العينين وإنما ذلك إذا لم يوجد الأخص وأما إذا وجد فلا يتعدى كاليمنى باليمنى واليسرى باليسرى برهان ذلك قوله تعالى ) والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم ( الآية وقال تعالى ) وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( وقال تعالى ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( فإن قلع يمنى عينيه فله أن يقلع يمنى عينيه فإن لم يجد له يمنى قلع يسراه ولا تفاضل بينهما في شيء من المنافع أصلا بل التباين بين العين الكبيرة الكحلاء السوداء الصافية وبين العين الصغيرة الشهلاء الرمضاء الضعيفة البصر قال روينا من طريق ابن وهب عن عبد الله بن عمر أنه قال من فقأ عين صحيح العينين تفقأ عينه قال الله تعالى ) والعين بالعين ( اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى ومن طريق عبد الرزاق عن قتادة في رجل ليس له يمين قطع يسار رجل قال عليه الدية كاملة دية يدين اثنتين لا يقتص منه قال قتادة ولو أن رجلا أحد سارقا ليقطع يمينه فقطعت شماله فقد أقيم عليه لا يزاد على ذلك قال وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم لا تؤخذ يمنى بيسرى ولا يسرى بيمنى لا في العينين ولا في اليدين ولا في السن إلا بمثلها قال وروينا من طريق وكيع عن الشعبي قال تفقأ العين بالعين اليمنى بالشمال وقال ابن شبرمة تفقأ العين اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى وكذلك اليدان قال الحسن ين حي تفقأ العين اليمنى
باليسرى ولا يقطع يد يمنى بيسرى ولا يسرى بيمنى
(1/38)
قال ابن حزم فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن تنظر حجة كل واحد فيما ذهب إليه ليلوح الحق من الخطأ فنظرنا فيما روي عن ابن عمر فوجدناه لا يصح لأن ابن وهب لم يسمع من أخبره ثم هو عن عبد الوهاب بن مجاهد وهو ضعيف جدا ثم لو صح لكان إنما فيه اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى وليس فيه المنع أن تؤخذ اليمنى باليسرى ولا اليسرى باليمنى وبعض الخصوم لا يرى قول الصحابي حجة لكن من تأخر من مقلدي من لا يرى قول الصحابي حجة نصرا لمذهبه وتشنيعا على خصمه الذي لا يراه حجة فاعجبوا لهذا وإذا لم يكن في أثر ابن عمر غير ما ذكرنا فلا يحل أن يقول ما لم يقل بل فيه دلالة على أنه تؤخذ يمنى بيسرى لاحتجاجه بقول تعالى ) والعين بالعين ( وهذا لا يجوز أن يخص يمنى ولا يسرى كلتاهما عين بعين فقط ثم نظرنا فيما روي عن قتادة فوجدناه خطأ لا إشكال فيه من وجهين
أحدهما منعه القصاص الذي أمر الله به إذ يقول ) فمن اعتدى عليكم ( الآية فمنع ذلك بلا دليل
والثاني إيجابه في عين واحدة دية عينين وهذا لم يوجبه نص ولا إجماع ولا قياس ولا نظر ثم نظرنا في قول مالك رضي الله عنه وأبي حنيفة والشافعي فوجدناهم يحتجون بأن الله أمرنا بالمثل وليس هذا مثلا ولا حجة لهم غير هذا وهذا خطأ بل هي مثل لأنها يد ويد وعين وعين وأذن وأذن ولا فرق ولا يختلفون في فقئ العين الدعجاء الصحيحة القوية المبصرة بالعين الرمضاء الصغيرة الحولاء ذات الشقيقة ولا يختلفون بقطع الأذن الكبيرة بالصغيرة ولا يشك ذو حس سليم في أن البون وعدم التماثل بين العين الصحيحة القوية وبين
الرمضاء العمشاء الحولاء وبين اليد الصناع السليمة واليد الخرقاء المرتعشة أبعد وأبين من البون بين اليمنى واليسرى بل التماثل بين اليمنى واليسرى أقرب لضرورة الحس فعكس هؤلاء الحقائق
(1/39)
وأما قول الحس بن حي فإنما نحا بذلك نحو التفاضل في المنفعة فرأى أن منفعة العين اليمنى واليسرى سواء لا تفاضل بينهما ورأى أن اليد اليمنى أشد تصرفا في المنافع من اليد اليسرى فإنه باليمين يكتب ويحارب وهذا ليس بشيء أصلا لأنه لم يأت بالفرق بينهما نص ولا إجماع ولا يجوز الحكم في الشريعة إلا بهما أو بأحدهما واما من طريق النظر فهو خطأ لأنه لا يختلف اثنان أنه تقص اليد الخرقاء الضعيفة التي لا صناعة فيها من اليد الصناع القوية الكاتبة وهذا أشد تباينا مما بين اليمنى واليسرى وإنما يسهل تصرف اليمنى في الأعمال بالعادة فقط ولو تعود الإنسان أن يعمل بيسراه هذه الأعمال لنفذت فيها نفاذ اليمنى وقد شاهدنا من انفكت يمناه فانجبرت على غث وتعذر عليه العمل بها لضعفها فتدرب بالعمل بيسراه فنابت مناب اليمنى وقضية أبي علي بن مقلة مشهورة في قطع يده على كبر ومناسبة خطه بيسراه ما أتقنه من الخط في أول عمره بيمناه وكان يلزم الحسن بن حي أن يقص يمنى الأيمن بيسرى الأعسر وألا فقد تناقض لأنه يعمل بيسراه كما يعمل الأيمن بيمناه فبطل هذا التفريق لأنه غير مطرد
قال واحتج بعضهم بأن قالوا لما أجمعوا على أن لا يقص من يسرى ليمنى ما دامت اليمين موجودة ولا من رباعية لثنية ما دامت الثنية وجب أن يكون كذلك عند عدم ما ذكر
قال وهذا قياس والقياس كله باطل وحتى لو كان القياس حقا لكان
هذا منه باطلا لأنه قياس الشيء على ضده وحال العدم غير حال الوجود وضدها ولا يجوز القياس عند القائلين به إلا أن يقاس الشيء على ضده
(1/40)
مسألة قال ابن حزم ومن فقأ عين أعمى أو عينا رمضة فقئت عينه إن كانت صحيحة برهان ذلك قوله تعالى ) والعين بالعين ( على قراءة الكسائي ولم يذكر صحيحة من سقيمة ) وما كان ربك نسيا ( فإن فقأ أعمى عين صحيح العينين فقئت عين الأعمى أو عيناه وليس عليه غير ذلك لأنها عين بعين والألم واحد بلا خلاف ولا معنى لمراعاة البصر ولا وجوده ولا عدمه قال ومن الدليل على بطلان مراعاة صحة البصر وعدمه إجماعهم على أن فقأ عين أرمد أو عين ضعيف البصر أو عين من بدا الماء ينزل في عينيه ولم يكمل نزوله فعليه القود وبيقين يدري كل ذي حس سليم أن هذا البصر ليس كبصر الفاقئ فقد بطلت مراعاة صحة البصر وكذلك لو فقأ صحيح عين أعمى أو عينيه فإنه يقاد به لما ذكرنا وإنما هي عين بعين فإن فقأ أعور عينا صحيحة من ذي عينين فقئت عينه الصحيحة وسواء يسرى بيمنى أو يمنى بيسرى لأن الأصل في ذلك مراعاة قرب المماثلة ما أمكن وإن فقأ عينا عوراء فقئت عينه العوراء سواء كانت يمنى بيسرى أو موافقة لما ذكر ولا غرامة مع القود في شيء مما ذكر لأن الأموال محرمة إلا بنص أو إجماع وكذلك إن فقأ صحيح العين عين أعور سواء فقأ العوراء أو الصحيحة فقئت عينه الصحيحة وإن فقأ العوراء فقئت عينه العوراء ولا يبالي بيسرى كانت من أحدهما أو بيمنى من الأخرى ومتفقة منهما لما ذكر من قرب المماثلة ما أمكن ولو أن أعمى أذهب بصر أحد دون أن يفقأ عينيه فلا قود ههنا لأنا لا نقدر على أن المماثلة فيه وإنما المماثلة هنا بالدية إن
صحت إذ لا سبيل إلى المماثلة بغير ذلك فلو أن مبصرا أذهب نور بصر مبصر دون أن يفقأ له عينا أو يخصيها أقيد منه وأذهب بصره
(1/41)
قال ابن حزم رحمه الله وروينا من طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن عجرة أن أعرابيا قدم بحلوبة له المدينة فساومه مولى لعثمان بن عفان فلطمه ففقأ عينه فقال له عثمان هل لك أن أضعف لك الدية وتعفو عنه قال لا فرفعهما عثمان لعلي بن أبي طالب فدعا علي بمرآة فأحماها ثم وضع القطن على عينه الأخرى ثم أخذ المرآة بكليتين فأدناها من عينه حتى سال إنسان عينه قال فهذا علي وعثمان بحضرة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين قد اقتصا عينا بعين ولم يأت عنهما ولا عن غيرهما من الصحابة اشتراط صحيحة من عمياء ومن طريق الحجاج بن منهال عن الشعبي في أعور فقأ عين صحيح العينين أنه يقتص منه وقال حماد بن أبي سليمان مثل ذلك وقال أبو عوانة عن إبراهيم النخعي في أعور فقئت عينه قال عين بعين ومن طريق حماد بن سلمة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في أعور فقأ عين رجل صحيح العينين عمدا قال إن شاء اقتص منه وأعطاه نصف الدية
وعن الحجاج بن أرطاة أن مسروقا وشريحا والشعبي وإبراهيم النخعي قالوا في رجل فقئت عينه وقد كان ذهب منها أنه يلقى عنه بقدر ما ذهب منها قال ابن حزم هذا ليس فيه قرآن ولا سنة إجماع وهذه رواية ساقطة لأنها عن الحجاج بن أرطاة ولو صحت فلا حجة في قول أحد دون رسول الله e
وقال سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب في صحيح فقأ عين أعور قالا جميعا تفقأ عين الصحيح ويغرم دية عين وقال قتادة عن عبد ربه أبو عياض عن عثمان بن عفان أنه قال في أعور فقأ عين صحيح إنه يستقاد منه وعليه الدية كاملة ومن طريق عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب أنه قال في أعور فقئت عينه الصحيحة عمدا إن شاء أخذ الدية كاملة وإن شاء فقأ عينا واحدة ونصف الدية وعن معمر عن الزهري وقتادة قالوا جميعا إذا فقئت عين الأعور فقئت عين الذي فقأها وغرم أيضا الأعور خمسمائة دينار
(1/42)
وعنه عن الحكم بن عتيبة قال لطم رجل رجلا أو غير اللطم إلا أنه أذهب بصره وعينه قائمة فأرادوا أن يقيدوه فأعيى عليهم وعلى الناس كيف يقيدونه فجعلوا لا يدرون كيف يقيدونه فأتاهم علي رضي الله عنه فجعل على وجهه كرسفا ثم استقبل به الشمس وأدنى من عينيه مرآة فالتمع بصره وعينه قائمة
وجاء عن مسروق والشعبي وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وعبد الله بن دغفل ومحمد بن سيرين وعبد العزيز بن أبي مسلمة وسفيان الثوري في ذلك القود في كلا الأمرين يقتص الأعور من الصحيح والصحيح من الأعور دون غرامة في شيء من ذلك وقال بذلك أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما
وقال مالك رضي الله عنه إن فقأ أعور عين صحيح العينين فإنه يستقاد منه دون غرامة وإن شاء أخذ دية كاملة تامة دية عينين لعينه الواحدة وإن فقأ
ذو عينين عين أعور فالأعور يخير بين فقئ عين واحدة بعينه أو أخذ الدية كاملة وروي مثل ذلك عن ابن عباس وروينا من طريق ابن وهب عن ابن عباس أنه قال في الرجل الحر الأعور إن فقئت عينه فهو مخير بين أن يقتص من عين واحدة وبين أن يأخذ الدية كاملة وهو قول ربيعة وقال مالك والليث إن فقأ أعور عين إنسان فقئت عينه الصحيحة وألزم دية الأخرى
(1/43)
قال ابن حزم أما القول المأثور عن علي من أن الأعور يخير بين ان يأخذ دية كاملة وإن شاء أخذ نصف الدية واقتص من غير زيادة فإنه قول صحيح عنه إلا أنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله e وإنما جاء القرآن والسنة بالمثل ولم يماثل من أخذ من عين واحدة دية عينين أو عينا ونصف دية والأموال محرمة إلا بنص أو إجماع واما الرواية عن عمر وعثمان رضي الله عنهما في المنع من القصاص جملة بين الأعور وذي العينين فإنها لا تصح البتة عنهما لأنها من طريق أبي عياض واسمه عمرو بن الأسود ولم يسمع شيئا من عمر ولا عثمان واعلا سماعه من معاوية وهذا قول لو صح فلا حجة في قول أحد دون رسول الله e والنص قد جاء بالقود فلا يجوز إسقاطه بغير نص ولا إجماع قال ابن حزم وعهدنا الحنفيين والشافعيين يعظمون فلان الصاحب الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة وهم قد خالفوا هنا عمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم أي قول لم يحفظ عن أحد من الصحابة وهذا ما تناقضوا فيه وأما قول مالك رضي الله عنه فإنه جاء نحوه عن ابن عباس ولا يصح البتة لأنه عن ابن سمعان وهو كذاب ثم هو أيضا منقطع لأن ابن سمعان لم يدرك ابن عباس بل موت ابن عباس متقدم على ولادة ابن سمعان بعشرة أعوام وإذا سقطت هذه الأقوال لم يبق إلا قولنا وروينا من طريق ابن وهب عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن
أنه قال في رجل فقأ عين رجل فقام ابن عم له فقتل الفاقئ غضبا قال يقتل القاتل ولا شيء للمفقوء عينه وقد فاته القود قال ابن وهب بلغني عن ربيعة أنه قال في أعمى فقأ عين صحيح أو عينه جميعا قال ما فيه مأخذ لقود قال عليه الدية
(1/44)
قال ابن حزم هاتان فتيتان متناقضتان لأنه أوجب الدية في عين فقيت عمدا لأجل امتناع القود في إحدى المسألتين ولم يوجب في الأخرى دية لأجل امتناع من القود أيضا وهذا تناقض ظاهر لا يؤيده نص ولا قياس ولا خبر عن صاحب والحق من هذا أن القود واجب ما أمكن لقوله تعالى ) والحرمات قصاص ( فإذا تعذر القصاص بموت أو بعدم العفو أو بامتناع لفرار فإن كان في ذلك دية مؤقتة ثابتة عن رسول الله e فهي واجبة لمن أرادها مكان قصاصه الفائت لأن النص أوجبها له وإن لم تكن هناك دية مؤقتة عن رسول الله e فلا شيء له لأن الأحكام لا يوجبها إلا الله تعالى على لسان رسول الله e أو إجماع متيقن وإذا كان كذلك فإحدى فتيات ربيعة صواب والأخرى خطأ فالصواب في الذي فقأ عين آخر فوثب ابن عم المفقؤه عينه فقتل الفاقئ فلا قود للمفقئ عينه ولم يكن له غير القود
والخطأ في المسألة الثانية وهي أعمى فقأ عين صحيح أو عينيه أنه لا قود له وإنما عليه الدية وذلك أنه أوجب دية لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله e لا قياس ولا نص صحيح ومنع القود الذي أوجبه الله فإن قيل قد روي عن بعض الصحابة في دية العين القائمة السادة لموضعها خلاف الصحيحة قلنا نعم وهكذا نقول وحكم الدية غير حكم القصاص لأن القصاص جاء في القرآن مجملا مثلا بمثل والعين الصحيحة والعمياء كلها عين وأما الدية فما كان منصوصا عليه فكذلك وما كان غير منصوص فلا يجوز القول فيه إلا بإجماع متيقن لأنه إيجاب مال وغرامة والأموال محرمة إلا بنص أو إجماع هذا ما تيسر لي كتابته هنا من كلام ابن حزم رحمه الله مختصرا فإنه بسط من هذه الإعادة بعض الألفاظ وشناعاته المفرطة
مسألة مذهب الشافعي رضي الله ه هل يشترط في الخليفة أن لا يكون أعور فيه وجهان يجريان في اشتراط سلامة سائر الأعضاء كاليد والرجل والأذن
مسألة لا يجبر مستحق الغرة على قبول الأعور
مسألة يجزئ في الكفارة الأعور بشرط أن لا يضعف نظر عينه السليمة
(1/45)
قال الشافعي رحمه الله في الأم فإن ضعف بصرها فأضر بالعمل إضرارا بينا لم تجزه قال الماوردي إن كان ضعف البصر يمنع معرفة الخط وإثبات الوجوه القريبة منه وإلا فل
مسألة في جزاء الصيد إذا فدا الأعور من اليمين بالأعور من الشمال ففي جوازه وجهان أصحهما يجوز لاستوائهما في المقصود من اللحم والقيمة
والثاني لا يجوز كما لو اختلف نوع العيب كالعور والعرج
مسألة إذا نذر عتق رقبة وأطلق فالصحيح أن يجزيه ما ينطلق عليه الاسم والثاني لا يجزئ إلا ما يجزى ء في الكفارة وهي المسلمة السليمة من العيوب هذا ما صححه القاضي أبو الطيب والداركي فلا تجزئ العوراء
مسألة في الأضحية لا تجزئ العوراء التي ذهبت حدقتها وكذلك إن بقيت على الأصح قال ابن حزم في كتاب الإغراب قالوا لنا صح عن رسول الله e أنه نهى عن الضحايا عن العرجاء البين عرجها والعوراء البين عورها فماذا تقول في العمياء والمكسورة القوائم أو المقطوعتها كلها أو المخلوقة كذلك تقولون إنها لا تجزئ فقد قلتم بالقياس أم تقولون أنها تجزئ فهذه شنعة عظيمة قال نقول ما قاله الله تعالى ورسوله e ولا نتعدى حدوده وإنما بعث الله رسوله معلما لنا بلسان عربي مبين فوجدنا العميا في لغة العرب عوراء والعمى يسمى عورا
قال تميم بن مرة بن مقبل وهو شاعر فصيح نشأ في الجاهلية وأدرك الإسلام فأسلم وكف بصره في الإسلام
لولا الحياء ولولا الدين عبتكما
ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري
قد كنت أهدي ولا أهدى فعلمني
حسن المقادة أني فاتني بصري
(1/46)
فوجب أن العمياء لا تجزئ لأن اسم العوراء يقع عليها وأيضا فلو لم يقع على العمياء اسم عوراء فإنها لا تجزأ كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد ابن إسحاق وساق سندا يتصل بسفيان الثوري عن سعيد بن أسوع عن شريح بن النعمان يقول سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول سليمة العين والأذن يعني الضحية وبه يقول علي وابن مسعود والشعبي وغيرهم فهذا خبر صحيح وسعيد بن أسوع ثقة مشهور وشريح بن النعمان رجل صدق انتهى مسألة في الزكاة لا يجوز إخراج العوراء إلا أن تتمخض ماشيته كذلك
مسألة زاد الروياني على العيوب المثبتة للخيار في النكاح كل عيب منفر كالعمى وتشوه البصر وفي معناهما العور وقال هي تمنع الكفاءة عندي وبه قال بعض الأصحاب واختاره الصميري
المقدمة الخامسة فيما جاء من الأمثال والنوادر في حق الأعور وغير ذلك في الأمثال
تقول العرب كسير وعويرا وكل غير خير
قال المفضل أول من قال ذلك أمامة بنت نشبة بن مرة كان تزوجها رجل من غطفان أعور يقال له خلف بن رواحة فمكثت عنده زمانا حتى ولدت له خمسة ثم نشزت عليه ولم تصبر معه فطلقها ثم إن أباها وأخاها خرجا في سفر لهما فلقيهما رجل من بني سليم يقال له حارثة بن مرة فخطب أمامة فأحسن العطية فزوجاها منه وكان أعرج مكسور الفخذ فلما دخل عليها رأته محطوم الفخذ فقالت كسير وعوير وكل غير خير فأرسلتها مثلا يضرب في الشيء يكره ويذم من وجهين لا خير فيه قال الشاعر
أيدخل من يشاء بغير إذن
وكلهم كسير أو عوير
وأبقى من وراء الباب حتى
كأني خصية وسواي أير
قال الميداني وكسير تصغير كسير يقال شيء كسير أي مكسور وحقه كسير مشدد الياء إلا أنه خفف لازدواج عوير وهو تصغير أعور مرخما ويقولون الليل أعور وإنما قيل ذلك لأنه لا يبصر فيه كما قالوا نهار مبصر أي يبصر فيه ويقولون إن أتاك أحد الخصمين وقد فقئت عينه فلا(1/47)
تقض له حتى يأتيك خصمه فلعله قد فقئت عيناه جميعا هذا مثل أورده المنذري وقال هذا من أمثالهم المعروفة قلت هذا يشبه ما يحكى أن كسرى وقف له رجل قصير واستغاث به متظلما عن غريم ظلمه فأعرض عنه ولم يسمع كلامه ففهم الرجل وقال إن غريمي أقصر مني فأقبل عليه وأشكاه
ويقولون بدل أعور قيل إن يزيد بن المهلب لما صرف عن خراسان بقتيبة بن مسلم الباهلي وكان شيخا أعور قال الناس هذا بدل أعور فصار هذا مثلا لكل من لا يرتضى بدلا من الذاهب
وقال فيه بعض الشعراء
كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها
وكل باب من الخيرات مفتوح
حتى أتانا أبو حفص بأسرته
كأنما وجهه بالخل منضوح
ويقولون أبصر من غراب زعم ابن الأعرابي أن العرب تسمي الغراب أعور لأنه مغمض أبدا إحدى عينيه مقتصر على إحداهما من قوة بصره وقال غيره إنما سمي أعور لحدة بصره على طريق التفاؤل له وقال بشار بن برد
وقد ظلموه حين سموه سيدا
كما ظلم الناس الغراب بأعورا
وقال أبو الهيثم إن الغراب يبصر من تحت الأرض بقدر منقاره
قلت وقال أرباب طبائع الحيوان هذه المقالة في الهدهد وقول العرب أشأم من غراب البين إنما لزمه ذلك لأن الغراب إذا بان أهل الدار للنجعة وقع في موضع بيوتهم يتلمس ويتقمم فتشاءموا به وتطيروا منه إذ كان لا يعتري منازلهم إلا إذا بانوا فسموه غراب البين ثم كرهوا إطلاق ذلك الاسم مخافة الزجر والطيرة وعلموا أنه نافذ البصر صافي العين فقالوا أصفى من عين الغراب كما قالوا أصفى من عين الديك وسموه الأعور كناية كما قالوا في الطيرة من الاعمى بصير ومن تشاؤمهم بالغراب اشتقوا منه اسم الاغتراب والغربة وليس في الأرض بارح ولا نطيح ولا قعيد ولا شيء مما يتشاءمون به إلا والغراب عندهم أنكد منه ويرون أن صياحه أكثر أخبارا وأن الزجر فيه أعم قال عنترة شعر
خرق الجناح كأن لحيي رأسه
جلمان بالأخبار هش مولع
وقال غيره شعر
وصاح غراب فوق أعواد بانة
بأخبار أحبابي فقسمني الفكر
(1/48)
فقلت غراب باغتراب وبانة
ببين النوى تلك العيافة والزجر
وهبت جنوب باجتنابي منهم
وهاجت صبا قلت الصبابة والهجر
وقال غيره شعر
تغنى الطائران ببين سلمى
على غصنين من غرب وبان
فكان البان أن بانت سليمى
وفي الغرب اغتراب غير دان
وقول جبلة بن الأيهم في واقعته المشهورة مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
تنصرت الأشراف من أجل لطمة
وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني فيها لجاج ونخوة
وبعت لها العين الصحيحة بالعور
قال أبو الحسن ابن سيده في المحكم أراد العوراء فوضع المصدر موضع الصفة ولو أراد العور الذي هو العرض لقابل الصحيحة وهو جوهر بالعور وهو عرض وهذا قبيح في الصنعة وقد يريد العين الصحيحة بذات العور فحذف وكل هذا ليقابل الجوهر بالجوهر لأن مقابلة الشيء بنظيره أذهب في الصنعة وأشرف في الوضع
المقدمة السادسة فيما جاء من الشعر في العور
بعض الشعراء قال
لم يكفني بالري خيبة مطلبي
حتى حرمت لذاذة الإيناس
كالأعور المسكين أعدم عينه
فاعتاض منها بغضه في الناس
وقال آخر
والأعور المقموت مع قبحه
خير من الأعمى على كل حال
وقال أبو الطيب شعر
إن كنت ترضى بأن يعطوا الجزى بذلوا
منها رضاك ومن للعور بالحول
وقال أيضا في ابن كروس وكان أعور
أيا ابن كروس يا نصف أعمى
وإن تفخر فيا نصف البصير
تعادينا لأنا غير لكن
وتبغضنا لأنا غير عور
فلو كنت امرءا يهجى هجونا
ولكن ضاق فتر عن مسير
وقال آخر شعر
رأيت أعمى في الضحى واقفا
يورد ما أصعب فقد البصر
أجابه في جنبه أعور
عندي فما قلت نصف الخبر
وقال شاعر أعور العين اليمنى مشى إلى جانبه أعور العين اليسرى شعر
ألم ترنا إذا سرنا جميعا
إلى الحاجات ليس لها نظير
أسايره على يمنى يديه
وفيما بيننا رجل ضرير
وقال الباخرزي
ولا تحسبوا إبليس علمني الخنا
فإني منه بالفضائح أبصر
وكيف يرى إبليس معشار ما أرى
وقد فتحت عيناي لي وهو أعور(1/49)
وقال أبو علي بن رشيق القيرواني في الطوسي الأعمى الشاعر وابن شرف القيرواني الشاعر الأعور وكان ابن رشيق أحول
لا بد في العور من تيه ومن صلف
لأنهم يبصرون الناس أنصافا
وكل أحول تلفي ذا مكارمة
لأنهم ينظرون الناس أضعافا
والعمي أولى بحال العور لو عرفوا
على القياس ولكن حاف من حاف
وقال آخر في تيه العور وأجاد
شمس الضحى يغشي العيون ضياؤها
إلا إذا رمقت بعين واحدة
فلذاك تاه العور واحتقروا الورى
فاعرف فضيلتهم وخذها فائدة
نقصان جارحة أعانت أختها
فكأنما قويت بعين زائدة
وقال فخر الدين بن الدهان الحاسب في ناصح الدين أبي محمد سعيد بن المبارك النحوي وكان مخلا بإحدى عينيه
لا يبعد الدهان من أبنه
أدهن منه بطريقين
من عجب الدهر فحدث به
بفرد عين وبوجهين
وقال المهلب بن أبي صفرة لما ذهبت عينه بسمرقند العجم
لئن ذهبت عيني لقد بقيت نفسي
وفيها بحمد الله عن ذاك ما ينسي
( إذا جاء أمر الله أعيى خيولنا
ولا بد أن تعي العيون لدى الرمس )
أنشدني من لفظه لنفسه محمد الإسكندراني المعروف بشمس الدين ابن القوية بالقاهرة رحمه الله في وكيل القاضي فخر الدين ناظر الجيش وكان مخلا
( ربنا لي صاحب
بالذنب مدحو شقي )
غطيت منه عورة
يا خير بر مشفق
وسترت منه ما مضى
يا رب فاستر ما بقي
وقال جمال الدين عبد الله حفيد القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان من أهل العصر وهو مخل
وخود رأتني خليع الثياب
أريد الدخول إلى خلوتي
فحولت وجهي فقالت إلي
فقلت لها تنظري عورتي
وقال أيضا
عيناي مذ عاينا جمالك
يا مخجل شمس السماء إذ سارت
ضرائر صارتا فلا عجب
عليك إحداهما إذا غارت
لما رضي المتوكل على القاضي يحيى بن أكثم وأشخصه إلى سامراء ولاه قضاء القضاة والمظالم فولى يحيى القاضي سوار العنبري قضاء الجانب الغربي وولى القاضي حيان بن بشر قضاء الجانب الشرقي وكانا أعورين فقال الجماز وقيل دعبل الخزاعي
رأيت من الكبائر قاضيين
هما أحدوثة في الخافقين
(1/50)
هما اقتسما العمى نصفين قدرا
كما اقتسما قضاء الجانبين
هما فأل الزمان بهلك يحيى
إذ افتتح الفضاء بأعورين
وقال الإمام أبو الفتح عثمان بن جني النحوي وكان أعور
صدودك عني ولا ذنب لي
دليل على نية فاسده
فقد وحياتك مما بكيت
خشيت على عيني الواحده
ولولا مخافة أن لا أراك
لما كان في تركها فائده
ونقلت من خط القاضي محي الدين بن عبد الظاهر شعر
وأعور العين ظل يكشفها
بلا حياء منه ولا خيفه
وكيف يلفى الحياء عند فتى
عورته لا تزال مكشوفه
وقال عرقلة الشاعر الأعور شعر
أقول والقلب في هم وتعذيب
يا كل يوسف إرحم نصف يعقوب
وقال عرقلة أيضا في محبوب أحول
يا لائمي هل رأيت أعجب من
ذي عور هائم بذي حول
أقل في عينه ويكثر في
عيني بضد القياس والمثل
وقال بعض المغاربة في مليح أعور
بركات يحكي البدر عند تمامه
حاشاه بل بدر السما يحكيه
لم تذو إحدى زهرتيه وإنما
كملت بذاك بدائع التشبيه
فكأنه رام يغمض طرفه
ليصيب بالسهم الذي يرميه
وقال ابن حريق البلنسي في مليح أعور
لم تشك الذي بعينك عندي
أنت أعلا من أن تعاب وأسنى
لطف الله رد سهميك سهما
رأفة بالعباد فازددت حسنا
وقال آخر
لما رأى مقلتيه زاد فتكهما
في العالمين وقد أضحوا على خطر
خاف الهلاك على كل بما جنتا
فكف إحداهما عطفا على البشر
وقال الحكيم شمس الدين محمد بن دانيال مواليا
لاموا على عشق من فيه الورى حارت
وقالوا أعور بقي إذ مقلتوا بارت
فقلت عيناه تهوى كيف ما صارت
ذي ضرتين وذي سن حسن ذي غارت
وقال أبو منصور الديلمي في مليح أعور
له عين أصابت كل عين
وعين قد أصابتها العيون
وقلت أنا في مليح أعور مضمنا
أفدي حبيبا طرفه البارقي
يقول وما تعدى
قد غار من حسني أخي
وبقيت مثل السيف فردا
وقلت أيضا
كان في عيني حبيبي
أي حسن ليس ينكر
يا لها عين حسود
ردت الأحور أعور
النتيجة في ذكر من كان أعور
وقد سردتهم على حروف المعجم ليكون ذلك أسهل في الكشف عن الاسم المطلوب(1/51)
1 إبراهيم بن يزيد بن الأسود عمرو بن ربيعة بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخعي أبو عمران وابو عمار وأمه مليكة بنت يزيد بن قيس النخعية أخت الأسود بن يزيد النخعي فهو خاله
والنخع بفتح النون والخاء وبعدها عين مهملة وهي قبيلة كبيرة من مذجح باليمن وإنما قيل له النخع لأنه انتخع من قومه أي بعد عنهم
واسم النخع جسر بن عمرو بن علة بن مخلد بن مالك بن أدد وقد خرج من هذه القبيلة خلق كثير وقيل فيه إبراهيم بن يزيد بن قيس وقيل في نسبه غير ذلك توفي رحمه الله سنة ست وقيل سنة خمس وتسعين للهجرة وله تسع وأربعون سنة وقيل ثمان وخمسون والأول أصح وقال
يحيى القطان توفي بعد الحجاج بأربعة أشهر وكان كوفيا وهو فقيه العراق روى عن علقمة ومسروق وخاله الأسود بن يزيد والربيع بن خيثم والقاضي شريح وصلة بن زفر وعبيدة السلماني وسويد بن غفلة وعابس بن ربيعة وهمام بن الحارث وهني بن بريدة ودخل على عائشة رضي الله عنها وهو صبي وكان أعور رحمه الله قال له الشعبي أنا أفقه منك حيا وأنت أفقه مني ميتا قيل إنه لما احتضر جزع جزعا شديدا فقيل له فقال وأي جزع أخطر وأعظم مما أنا فيه أتوقع سؤالا يرد علي من ربي إما الجنة وإما النار والله لوددت أنها تلجلج في حلقي إلى يوم القيامة روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم
2 احمد بن عبد الله طماس بن العباس بن محمد بن صول مولى يزيد بن المهلب الصولي كان أعور وكان يلقب بطماس بكسر الطاء المهملة وبعدها ميم والف وسين مهملة ذكره أبو عبد الله المرزباني في كتاب الألقاب وقال هو عم شيخنا أبي بكر محمد بن يحيى بن عبد الله الصولي وإبراهيم بن العباس الصولي عمه وكان إبراهيم يستثقله ويستجفي أخلاقه وكان فيه مع عوره صلف وكبر وكان يهاجي البحتري
(1/52)
قال الحسن بن وهب لإبراهيم بن العباس يا أبا إسحاق تعال حتى نعد البغضاء قال خذني أولا لأجل ابن أخي وثن بمن شئت وكان طماس يقول العلم راقد في الأفئدة مستيقظ في الأفواه سائر بالأقلام وقال القرطاس أمرد ما لم يكحله ميل الدواة وقال يرثي الحسن بن مخلد
مضى جبل الدنيا وسايس ملكها
وأحذق خلق الله بالنهي والأمر
مضى سيد الكتاب غير مدافع
ومن لا يرى شبه له آخر الدهر
وما جمع الأموال مثل ابن مخلد
يقرب منها ما تباعد عن خبر
فلا وهب الله البقاء خلافه
لأعدائه من آل وهب حمى الكفر
ومن هو عون للضلال على الهدى
عكوف على لحم الخنازير والخمر
3 أحمد بن علي بن أحمد بن الحسين بن عيسى بن رستم أبو الطيب المادرائي الكوكبي الإخباري الأعور المعروف بالكوكبي كان أصغر من أخيه محمد طلب الحديث وأكثر منه ومن كتابته وقرأ الأدب وكان فاضلا وبينه وبين أبي العباس المبرد صداقة ومكاتبات بالأشعار ومدح الحسن بن مخلد وولي
ديوان الخراج بمصر أيام المعتضد والمكتفي من قبل هارن بن أبي الجيش خمارويه ولما رجع مؤنس وصفه للمقتدر وخاطبه في أن يستوزره فهيئت له الخلع وكتب التقليد ونفذ إليه الرسول إلى دمشق فلقيهم رسله بوفاته قال أخوه محمد أراد أخي السفر إلى الشام فلمته على الثقل فقال ما معي إلا ما لا بد منه ولا أقدر أن أأخره وأحصى في جملة ما حمله ثلاثمائة حمل دفاتر وكان لا يدع النسخ بحال وهو في مجلسه يأمر وينهى وروى عنه أبو بكر محمد بن جعفر الخرايطي ومحمد بن العباس الشلغاني ومولده ببغداد سنة إحدى وستين ومائتين وتوفي رحمه الله بمصر سنة ثلاث وثلاثمائة
ومن شعره أيضا
وإذا بدا جلد عليك من امرئ
وأجله الغشيان والإلمام
فتسل عنه بفرقة لا مبديا
شكوى لتصلحه لك الأيام
وله أيضا
عاقر الراح ودع نعت الطلل
واعص من لامك فيها أو عذل
غادها واغن بها واسع لها
وإذا قالوا تصابى قل أجل
إنما دنياك فاعلم ساعة
أنت فيها وسوى ذاك أمل
(1/53)
4 أحمد بن المختار بن محمد بن عبيد بن خير بن سليمان الأمير أبو العباس بن أبي الفتوح ابن أخي مهذب الدولة أحمد هذا وأبوه من أمراء البطيحة وكان كثير الشعر قدم بغداد ومدح الإمامين المستظهر والمسترشد
ومدح المقتفى ومات له ابن فبكى عليه إلى أن ذهبت إحدى عينيه وتوفي رحمه الله سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وقال يشكو الزمان
كأنما آلى على نفسه
أن لا يرى شملا لا ثنين
لم يكفه ما نال من مهجتي
حتى أصاب العين بالعين
وقال أيضا
أللحمامة أم للبرق تكتب لا
بل لكل دعاك الشوق والطرب
إن أومض البرق أو غنت مطوقة
قضيت من حق ضيف الحب ما يجب
والحب كالنار تمشي وهي ساكنة
حتى يحركها ريح فتلتهب
وقال أيضا
ولقد أقول لصاحبي قم فاسقني
بكر الدنان وما تغنى الديك
قم داوني منها بها أني امرؤ
نشوان من إدمانها مدعوك
فكأنها في الكأس لما شجها
ذهب بجاحم ناره مسبوك
في روضة أنف النبات كأنها
برد بكف العصفري محبوك
حيدت بأنواء النجوم فلم تزل
تبكي عليها السحب وهي ضحوك
حتى اغتدت عجبا وكل خميلة
منها ترف كأنها درنوك
5 إدريس بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة يزيد مولى مروان بن الحكم أبو سليمان الأعور
كان الواثق يقول ما مدحني أحد من الشعراء بمثل ما مدحني به إدريس وكان مغرى بإنشاد قوله فيه
إن الخليفة هارونا لدولته
فضل على غيرها من سائر الدول
أحييت بعد رسول الله سنته
فأصبح الحق نهجا واضح السبل
أصلحت للناس دنياهم ودينهم
فأدركوا بك عفوا أفضل الأمل
لو لم يقم قبة الإسلام عدلكم
لأصبح الميل فيها غير معتدل
ومن شعره في إسحاق بن إبراهيم المصعبي
لما أتتك وقد كلت مسارعة
داني الرضا بين أيديها بإفساد
لها أمامك نور يستضاء به
ومن رحابك في أعقابها حاد
لها أحاديث من ذكراك تشغلها
عن الربوع وتلهينا عن الزاد
(1/54)
6 إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي دؤيب الإمام أبو محمد السدي الكبير المجازي الكوفي الأعور المفسر مولى قريش روى عن أنس بن مالك وعبد الخير الهمداني ومصعب بن سعد وأبي صالح باذام وأبي عبد الرحمن السلمي ومرة الطيب وخلق ورأى أبا هريرة والحسن بن علي رضي الله عنهما روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال النسائي صالح الحديث وقال القطان لا بأس به وقال أحمد مقارب
الحديث وقال مرة ثقة وقال ابن معين ضعيف وقال أبو زرعة لين وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال ابن عدي هو عندي صدوق وقيل إنه كان عظيم اللحية جدا قال إسماعيل بن أبي خالد السدي كان أعلم بالقرآن من الشعبي قال الفلكي إنما لقب السدي لأنه كان يجلس بالمدينة في مكان يقال له السد وقيل بل بسدة الجامع يعني باب الجامع وقيل كان يبيع الخمر وتوفي رحمه الله سنة سبع وعشرين وماية وأما السدي الصغير فهو محمد بن مروان أحد المتروكين
7 الأسود بن يزيد بن قيس بن عبد الله بن مالك أبو عمرو النخعي من الطبقة الأولى من التابعين من أهل الكوفة كان يصوم الدهر ويصوم في الحر حتى يسود لسانه وكان يصوم في السفر فقيل له لم تعذب هذا الجسد فقال إنما أريد الراحة وذهبت إحدى عينيه من الصوم في الحر وطاف بالبيت ثمانين حجة وعمرة وكان يهل من الكوفة وحج سبعا وسبعين حجة وكان لا يصلي على من مات وهو موسر ولم يحج وكان يختم القرآن في شهر رمضان في كل ليلتين وكانت عائشة رضي الله عنها تقول ما بالعراق رجل اكرم علي من الأسود وكان يصفر لحيته ورأسه وكان يقال له رأس مال أهل الكوفة وانتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين الأسود أحدهم
سمع من معاذ باليمن لما بعثه رسول الله e وروى عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى وسلمان وعائشة رضي الله عنهم أجمعين وروى له البخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وتوفي رحمه
(1/55)
الله فيما يقال على خلاف ما بين الثمانين والتسعين للهجرة وكنيته أبو عمرو أخو عبد الرحمن ووالد عبد الرحمن وابن أخي علقمة بن قيس وخال إبراهيم النخعي
8 الأشعث بن قيس له صحبة ورواية وقد ارتد أيام الردة فحوصر وأخذ بالأمان ثم أسلم وزوجه أبو بكر رضي الله عنه بأخته فروة بنت أبي قحافة وكان على ميمنه علي بصفين واستعمله معاوية على أذربيجان وهو أول من مشى الرجال في خدمته وهو راكب وتوفي رضي الله عنه بعد علي رضي الله عنه بأربعين ليلة وصلى الحسن عليه سنة أربعين للهجرة وذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة ممن أسلم وقيل كان اسمه معدي كرب وإنما كان أبدا أشعث الرأس وكانت وفادته على رسول الله e في السنة العاشرة وقال الواقدي أقام الأشعث بالمدينة إلى أيام عمر وشهد اليرموك على كردوس أميرا وأصيبت عينه يومئذ ثم عاد إلى المدينة وخرج إلى العراق مع سعد بن أبي وقاص فشهد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند واختط بالكوفة وبنى بها دارا في كندة وولاه عثمان أرمينية وقيل أذربيجان وكان أحد شهود الكتاب الذي كتب بين يدي علي رضي الله عنه والحكومة مع معاوية ولما أراد علي أن يحكم ابن
عباس أبي الأشعث وقال والله لا يحكم مضريان أبدا حتى يكون فيه يماني فحكموا أبا موسى الأشعري
وكان الأشعث داهية وفيه نزل قوله تعالى ) إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ( وقاال كفرت عن يمين بسبعين ألف درهم رضي الله تعالى عنه
9 آيد عدي الأمير علائي الدين الألدكزي
بفتح الهمزة وسكون اللام وفتح الدال المهملة وضم الكاف وبعدها زاي وياء النسب
(1/56)
كان نائب السلطنة بصفد في أيام السلطان الملك المنصور قلاوون وكان أعور من فرسان الخيل وأبطالها أقام فيها نائبا بقدر خمسة عشر سنة وله بصفد تربة وحمام وكان قد غضب عليه وعزله من النيابة بالأمير فارس الدين ألبكي وجعل الألدكزي والي الولاة بها إهانة له فبقي على ذلك مدة إلى أن توفي رحمه الله وكان من مماليك الملك الظاهر بيبرس ولما كان الأشرف على حصار عكا جاءته ليلة اليزك فعمله وخرج عليه في الليل من عكا جماعة من الفرنج فشعثوا على المسلمين فاغتاظ الأشرف عليه وأخذ سيفه ورسم عليه وكان قد أبلى بلاء حسنا في الفرنج وقتل بسيفه منهم جماعة ولكن الكثرة ما معها شجاعة فلما رأى السلطان سيفه وهو مثلوم وآثار الدماء عليه قال ما
هذا سيف من فر ولا هرب ولا ولى ثم إنه أفرج عنه وحكى لي علاء الدين دوادار بصفد وكان أميرا من مقدمي الحلقة بها عن الأمير علائي الدين رياسات كثيرة وقال كان يشرب خلوة من غير إجهار وكان شمس الدين الكركي المحتسب ينادمه ليلا في جماعة قليلة من صبيانه وكان يقول من يستعمل معي إلى أن يصبح فله مائة درهم فمن يبت منهم وقال يا خوند صبحك الله بالخير ثم يأمر الخازندار يعطيه مائة درهم وكان ذلك قبل السبعمائة سنة
حرف الباء 10 بركات بن الحلاوي الموصلي
كان أعور وصفه البطلي بكثرة التهتك ورفض التنسك والتطرح في الحانات والديورات والتمسك بمعاشرة أهل البطالات وكان يجيء أوقاتا الجامع بالموصل وأورد له العماد الكاتب في الخريدة قوله
صدت سليمى بلا جرم ولا سبب
بل كان ذنبي إليها قلة الذهب
قالت وقد أبصرت شيخا أخا ملق
بفرد عين يروم الوصل من كثب
لم يكفني إنه شيخ أخو عور
حتى يكون بلا مال ولا نشب
حرف التاء
11 تميم بن أبي بن مقبل بن عوف بن حنيف بن قتيبة بن العجلان أبو كعب الأعور
كان جافيا في الدين أدرك الإسلام وأسلم وكان يبكي أهل الجاهلية وهو القائل
ما أنعم العيش لو كان الفتى حجرا
تنبو الحوادث عنه وهو ملموم
(1/57)
ما يحرز المرء أدحاء البلاد ولا
تثنى له في السموات السلاليم
حرف الثاء
12 ثابت بن كعب أخو بني أسد بن الحرث بن العتيك قيل مولاهم ويعرف بثابت قطنة لأنه أصابه سهم في إحدى عينيه في بعض حروب الترك فذهبت فجعل موضعها قطنة وهو شجاع شاعر وكان في صحابة يزيد بن المهلب ولي عملا في خراسان فلما صعد المنبر يوم الجمعة رام الكلام فتعذر عليه وحصر وقال سيجعل الله بعد عسر يسرا وبعد عي بيانا وأنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير قوال ثم أنشد
فإلا أكن فيكم خطيبا فإنني
بسيفي إذا جد الوغى لخطيب
وقد بلغت كلماته خالد بن صفوان فقال والله ما علا ذلك المنبر أخطب منه ولو أن كلاما استخفني وأخرجني من بلادي إلى قائله استحسانا له لأخرجتني هذه الكلمات وقد نسب هذا الكلام دون الشعر إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه لما صعد المنبر ارتج عليه وفيه زيادة الله يزع بالسلطان
أكثر مما يزع بالقرآن
وقال بعض الشعراء يهجو ثابت قطنة
أبا العلاء لقد لقيت معضلة
يوم العروبة من كرب وتخنيق
أما القران فلم تخلق لمحكمه
ولم تسدد من الدنيا لتوفيق
لما رأتك عيون الناس هبتهم
وكدت تشرق لما قمت بالريق
تلوي اللسان وقد رمت الكلام به
كما هوى زلق من شاهق نيق
ولما ولي سعيد بن عبد العزيز خراسان جلس يعرض الناس فرأى شابا وكان تام السلاح جميل الهيئة فسأل عنه فقيل هذا ثابت قطنة
وهو فارس شجاع فأمضاه وأجازه على اسمه فلما انصرف قال هذا الذي يقول شعر
إنا لضرابون في حمس الوغا
رأس الخليفة إن أراد صدودا
فقال سعيد علي به فلما أتاه فقال له أنت القائل إنا لضرابون فقال نعم أنا القائل شعر
إنا لضرابون في حمس الوغا
رأس المتوج إن أراد صدودا
عن طاعة الرحمن أو خلفائه
أو رام إفسادا ولج عنودا
فقال له سعيد أولى لك لولا أنك خرجت منها لضربت عنقك
وقال حاجب بن دينار المازني المعروف بحاجب الفيل يهجو ثابت قطنة وهو الذي هجاه بالأبيات القافية التي تقدمت
(1/58)
لا يعرف الناس منه غير قطنته
وما سواها من الإنسان مجهول
قال دعبل بلغني أن ثابت قطنة قال هذا البيت في نفسه وخطر بباله يوما فقاله وقال لا بد أن أهجي به أو بمعناه وأنشده جماعة من أهل الرواية ومن أصحابه فقال اشهدوا لي أني قائله فقالوا ويحك ما أردت بهذا ولو بالغ عدوك لما زاد على هذا فقال لا بد من أن يقع لخاطر من غيري فأكون قد سبقته إليه فقالوا أما هذا فشر تعجلته ولعله لا يقع لغيرك فلما هجاه حاجب بهذا البيت استشهدهم على أنه هو قائله فشهدوا على ذلك فقال يرد على حاجب الفيل
هيهات ذلك بيت قد سبقت له
فاطلب له ثانيا يا حاجب الفيل
وبينه وبين حاجب الفيل مناقضات وأهاجي وهي مذكورة في كتاب الأغاني وعن أبي عبيدة قال كان ثابت قطنة جالس قوما من الشراة وقوما من المرجئة كانوا يجتمعون فيتجادلون بخراسان فمال إلى قول المرجئة وأحبه فلما اجتمعوا بعد ذلك أنشدهم قصيدة قالها في الإرجاء وهي
يا هند إني أظن العيش قد نفدا
ولا أرى المرء إلا مدبرا نكدا
إني رهينة يوم لست سابقه
إلا يكن يومنا هذا فقد أفدا
بايعت ربي بيعا إن وفيت به
جاورت قتلي كراما جاوروا أحدا
نرجي الأمور إذا كانت مشبهة
ونصدق القول في من جار أو عندا
المسلمون على الإسلام كلهم
والمشركون أشتوا دينهم قددا
ولا أرى أن ذنبا بالغ أبدا
بالناس شركا إذا ما وحدوا الصمدا
لا نسفك الدم إلا أن يراد بنا
سفك الدماء طريقا واضحا جددا
من يتق الله في الدنيا فإن له
أجر التقي إذا وافى الحساب غدا
وما قضى الله من أمر فليس له
رد وما يقض من شيء يكن رشدا
كل الخوارج مخط في مقالته
ولو تعبد فيما قال واجتهدا
أما علي وعثمان فإنهما
عبدان لم يشركا بالله مذ عبدا
وكان بينهما شعب وقد شهدا
شق العصا وبعين الله ما شهدا
يجزى علي وعثمان بسعيهما
ولست أدري بحق أية وردا
الله يعلم ماذا يحضران به
وكل عبد سيلقى الله منفردا
حرف الجيم
(1/59)
13 جابر بن زيد الأزدي أحد الأئمة الستة من أصحاب عبد الله بن عباس وابن عمر وروى عنه عمرو بن دينار وقتادة وكنيته أبو الشعثاء وتوفي رحمه الله سنة ثلاث وتسعين للهجرة ويقال له الجوفي بفتح الجيم وسكون الواو وبعدها فاء وقد روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وعده ابن الجوزي رحمه الله من جملة العوران في التابعين في كتاب تلقيح فهوم الأثر
14 جرير بن عبد الله البجلي بفتح الباء ثانية الحروف وبعدها لام الأحمسي اليمني وفد على رسول الله e في رمضان فأسلم وكان بديع الجمال مليح الصورة إلى الغاية طويلا يصل إلى سنام البعير وكانت نعله ذراعا قال رسول الله e على وجهه مسحة ملك وقال عمر رضي الله عنه جرير يوسف هذه الأمة وقال جرير أسلمت قبل موت النبي e بأربعين
يوما روى عنه أنس بن مالك وقيس بن أبي حازم والشعبي وبنوه عبد الله والمنذر وإبراهيم وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ونزل الكوفة وسكنها زمانا ثم انتقل إلى قرقيسيا وتوفي رضي الله عنه سنة إحدى وخمسين وقيل سنة أربع وخمسين للهجرة وأورد له المرزباني في معجم الشعراء حين نافر الفرافصة بن الأحوص الكلبي إلى الأقرع بن حابس قوله
يا أقرع بن حابس يا أقرع
إن يصرع اليوم أخاك تصرع
وقوله أيضا
يا أبي نزار انصرا أخاكما
إن أبي وجدته أباكما
لن يخذل اليوم أخ إلاكما
فنفره الأقرع إلى الفرافصة وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق قدم رسولا من علي رضي الله عنه إلى معاوية يطلب منه البيعة له ووفد على معاوية مرة أخرى ولم يزل معتزلا لعلي ومعاوية بنواحي الجزيرة ثم انتقل من الكوفة إلى قرقيسيا وقال لا أقيم في بلدة يشتم فيها عثمان وكان سيدا في قومه وبسط له رسول الله e ثوبا ليجلس عليه وقت مبايعته له وقال لأصحابه إذا
(1/60)
جاءكم كريم قوم فأكرموه ووجهه إلى ذي الخلصة طاغية دوس فهدمها ودعى له حين بعثه إليها وشهد مع المسلمين يوم المدائن وله فيه أخبار مأثورة وشهد غيره من فتوحات العراق والعجم وكان على الميمنة يوم القادسية وكان أعور ذهبت عينه بهمدان حين وليها في زمن عثمان ودعى له النبي e فقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا وقال اللهم اشرح قلبه للإيمان ولا تجعله من أهل الردة ولا تكثر له فيطغى ولا تملي عليه فينسى
وقال جرير ما حجبني رسول الله e منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم وقال e جرير منا أهل البيت طهرا لبطن قالها ثلاثا لا تسبوا جرير بن عبد الله إن جريرا منا أهل البيت وكانت وفود العرب تأتي النبي e فيبعث رسول الله e إلى جرير فيلبس حلته ثم يجيء فيباهي الوفود به وقال له
أنك امرؤ وقد حسن الله خلقك فأحسن خلقك وفي جرير يقول الشاعر
لولا جرير هلكت بجيله
نعم الفتى وبئست القبيلة
فلما سمع ذلك عمر ين الخطاب رضي الله عنه قال ما مدح من هجي قومه
حرف الحاء المهملة
15 حاجب بن الوليد أبو أحمد الأعور الشامي المؤدب نزيل بغداد روى عنه مسلم وأحمد بن سعيد الدارمي والزهلي وابن أبي الدنيا وثقه ابن حبان وتوفي سنة ثمان وعشرين ومائتين
16 الحارث بن عبد الله الهمداني الأعور الكوفي صاحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان فقيها فاضلا من علماء الكوفة لكنه لين الحديث توفي سنة خمس وستين للهجرة وروى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة
17 حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار وقيل قيس بن هند مولى بني أسد بن خزيمة
كان أعور وروى عن ابن عباس وابن عمر وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي وائل وسعيد بن جبير وخلق وكان كوفيا وهو أحد الأعلام وهو وحماد بن سلمة فقيها الكوفة وقال علي بن المديني سمع من عائشة رضي الله عنها وقال البخاري لم يسمع وقال غير واحد حبيب ثقة وتوفي رحمه الله سنة تسع عشرة
ومائة وروى له البخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة
(1/61)
18 حجاج بن محمد الأعور المصيصي أبو محمد مولى سليمان بن مجالد
ترمذي الأصل سكن بغداد وقال الإمام أحمد ما كان أضبط وأصح أحاديثه وأشد تعاهده للحروف ورفع أمره جدا توفي رحمه الله ببغداد سنة ست ومائتين وقد تغير عقله وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة
19 حسان بن نمير بن عجل أبو الندى الكلبي الشاعر الخليع المطبوع المعروف بعرقلة
كان أعور وكان السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وعده أن يعطيه ألف دينار إن أخذ الديار المصرية فلما أخذها قال
قبل للصلاح معيني عند اقتاري
يا ألف مولاي أين الألف دينار
أخشى من الإسر إن حاولت أرضكم
وما تفي جنة الفردوس بالنار
فجد بها عاضديات موفرة
من بعض ما خلف الطاغي أخو العار
حمرا كأسيافكم غرا كخيلكم
عتقا ثقالا كأعدائي وأطماري
فأعطاه ألفا وأخذ له من إخوانه مثلها فجاءه الموت فجأة ولم ينتفع بفجأة الغنى وكانت وفاته رحمه الله سنة سبع وستين وخمسمائة بعدما أناف على الثمانين ومن شعره أيضا
الحمد لله السميع المجيب
قد هلك الشرك وذل الصليب
يا ساكني أكناف مصر أنا
أبو نواس والصلاح الخصيب
قلت مخاطبة الملوك وذكرهم هكذا لا يجوز وقلة أدب ولو قال الإمام الناصر أمير المؤمنين هكذا ما استحسنه الناس وما أظن أنا أن الخليفة الناصر كان إذا ذكره ما يقول إلا السلطان صلاح الدين ومن شعره في غلام قبله مودعا أيضا
أقسمت يا عاذلي فيمن بليت به
ومن تحكم في هجري وإبعادي
فلو أنه كلما سافرت ودعني
بقبلة لم أزل في الرائح الغادي
قلت أحسن من هذا قول القائل أيضا
أرأيت من يرضى بفرقة إلفه
أنا قد رضيت لنا بأن نتفرقا
حتى أفوز بقبلة في خده
عند الوداع ومثلها عند اللقا
ومن شعره وقد أعطاه بعضهم شعيرا
يقولون قد رخصت شعرك في الورى
فقلت لهم إذ مات أهل المكارم
أجازى على الشعر الشعير وإنه
كثير إذا خلصته من بهائم
وله أيضا
كتم الهوى فوشت دموعه
من حر جمر تحتويه ضلوعه
صب تشاغل بالربيع وزهره
(1/62)
زمنا وفي وجه الحبيب ربيعه
يا لائمي فيمن تمنع وصله
من بغيتي أحلى الهوى ممنوعه
كيف التخلص إن تجنى أو جنى
والحسن شيء لا يرد شفيعه
شمس ولكن فؤادي حرها
بدر ولكن في القباء طلوعه
قال العواذل ما الذي استحسنت فيه
وما يسبيك قلت جميعه
وله في الخريف
خرف الخريف وأنت في شغل
عن بهجة الأيام والحقب
أوراقه صفر وقهوتنا
صفراء مثل الشمس في لهب
يأتي بها غيري وأشربها
ذهبا على ذهب بلا ذهب
وله في أبي الوحش ابن غيلان وكان امتدحه فوعده وكان إذا اقتضاه حرك رأسه
يا من إذا جئته سؤولا
ولست بالسائل اللجوج
حرك لي موعدا بمطل
حادي عشر من البروج
وله في ناصر الدين وفتح الدين ولدي أسد الدين شيركوه
لله شبلا أسدا خادر
ما فيهما جبن ولا شح
ما أقبلا إلا ومال الورى
قد جاء نصر الله والفتح
وله أيضا يهجو
صفات القويضي فتى مشرق
يحار له العالم الراسخ
ذكي ولكنه لادن
أصيل ولكنه كامخ
وله أيضا
وكأس سقانيها كقنديل بيعة
بها وبه في ظلمة الليل نهتدي
معتقة من قبل شيت وآدم
محللة من قبل عيسى وأحمد
صفت كدموعي حين صد مديرها
ورقت كديني حين أوفى بموعد
وله أيضا يهجو ملك النحاة أبا نزار وكان يذكر مصر
قد جن شيخي أبو نزار
يذكر مصر وأين مصر
والله لو حلها لقالوا
ففاه يا زيد فهو عمرو
زيد هذا كان محتسبا بدمشق ثم إنه صار محتسبا بمصر
ومنه ما كتبه إلى السلطان صلاح الدين يتقاضاه الألف دينار التي تقدم ذكرها
إليك صلاح الدين مولاي أشتكي
زمانا على الحر الكريم يجور
متى أبصر الألف التي كنت موعدي
بها في يدي قبل الممات تصير
هيهات والإفرنج بيني وبينكم
سياج قتيل دونه وأسير
ومن عجب الأيام أنك ذو غنى
بمصر وإني في دمشق فقير
قلت ليس في هذا عجب وذاك سلطان وأنت في دمشق شاعر ومنه
أيضا
قالوا بدا في خده الشعر
وأنت لا عقل ولا صبر
واسود خداه فقلت اقصروا
لولا الدجى ما حسن البدر
وقد سافر إلى حلب فاتفق أن ذهبت عينه بها فقال
جفاني صديقي حين أصبحت معدما
(1/63)
وأخرني دهري وكنت مقدما
وسافرت جهلا فانعورت وإن أعد
إلى سفرة أخرى قدمت إلى العمى
وكم من طبيب قال تبرى أجبته
كذبت ولو كنت المسيح بن مريما
وكان بدمشق غلام يعرف بوهيب بن الشحاذة وكان عرقلة يهواه فلامه الناس فيه وقالوا له أنه مبذول فقال
قالوا حبيبك مبذول فقلت لهم
وقد ترقرق دمع العين وانسجما
كأنه الماء مبذول لطالبه
وما يصاب له مثل إذا عدما
وله في المذكور أيضا
قال قوم بدا عذار وهيب
فاسل عنه قلت لا كيف أسلو
أنا جلد على لقا أسد عينه
أفأخشى عذاره وهو نمل
ومنه في وصفية الكردية
عارضاها حين يبدو عارضاها
وسلاها عن فؤادي هل سلاها
بأبي جارية جائرة
ما شفت غلة قلبي شفتاها
أتمنى قبلة في يدها
وسواي في الهوى قد مل فاها
ومنه أيضا
أقسمت ما روضة بالنيرين إذا
سحت عليها شؤون العارض الهطل
شقت شقائقها أيدي الربيع وقد
ماست حدائقها كالشارب الثمل
يوما بأحسن من ورد الخدود على
بان القدود ولا من نرجس المقل
وقائل وشموس الراح آفلة
فينا ووجه مدير الراح لم يفل
هذا هو الحب لولا كثرة الرقبا
ولذة العيش لولا سرعة الأجل
منها في المديح
يزداد في أعين الأعداء منزلة
كأنه قمر في عين ذي حول
وقال وقد جهز إليه السلطان صلاح الدين عشرين دينارا
يا ملكا ما برحت كفه
تجود بالمال على كفي
أفلح بالعشرين من لم يزل
في رأس عشرين من الكهف
يا ألف مولاي ولكنها
محسوبة من جملة الألف
20 الحسين بن يحيى بن عياش أبو عبد الله المتولي البغدادي القطان الأعور
سمع أحمد بن المقدام العجلي والحسن بن أبي الربيع والحسن بن عرفة وجماعة روى عنه الدار قطني والقواس ووثقه أبو الحسين بن جميع وهلال
الحفار وأبو عمر بن مهدي وإبراهيم بن مخلد وأبو عمر الهاشمي وتوفي رحمه الله سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة
21 حكيم بن عياش الكلبي الأعور الشاعر
(1/64)
كان منقطعا إلى بني أمية وسكن المزة وانتقل إلى الكوفة وله شعر يفخر فيه باليمن نقضه عليه الكميت بن زيد وافتخر بمضر ولا يعرف إلا بالأعور الكلبي وهو القائل
صلبنا لكم زيدا على رأس نخلة
ولم نر مهديا على الجذع يصلب
وقستم بعثمان عليا سفاهة
وعثمان خير من علي وأطيب
يريد زيد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين
22 حيان بن بشر الحنفي
كان من كبار أصحاب الرأي ولي قضاء أصبهان في دولة المأمون وولاه ابن أكثم الجانب الشرقي من بغداد لما رضي المتوكل على يحيى بن أكثم وولى
سوار العنبري قضاء الجانب الغربي وكان يحيى بن أكثم وسوار وحيان الثلاثة عور
قال ابن معين في حق القاضي حيان بن بشر لا بأس به وتوفي رحمه الله سنة أربعين ومائتين وسوف يأتي ذكر القاضي سوار والقاضي يحيى بن أكثم في مكانيهما إن شاء الله تعالى
حرف الخاء المعجمة
23 خوارزم شاه هو السلطان علاء الدين
(1/65)
تكش ابن الملك ألب أرسلان شاه ابن أطر قال الشيخ شمس الدين الذهبي كذا نسبه أبو شامة وقال هو من ولد طاهر بن الحسين ملك الدنيا من السند والهند وما وراء النهر إلى خراسان إلى بغداد لأنه كان من نوابه في حلوان وكان في ديوانه مائة ألف مقاتل وهو الذي كسر مملوكه عسكر الخليفة وأزال دولة بني سلجوق وكان حاذقا في الموسيقى ولم يكن أحدا ألعب بالعود منه وكان يحترز على نفسه فقعد ليلة يلعب بالعود فغنى بيتا بالعجمي معناه أبصرتك وكانت الباطنية قد زرقوا عليه من يقتله فلما سمعه خاف وارتعد وهرب فأخذوه وقرروه فاعترف فقتله وكان يباشر الحروب بنفسه وذهبت عينه في القتال وكان قد عزم على قصد بغداد وحشد فوصل إلى دهستان ومات رحمه الله سنة ست وتسعين وخمسمائة ودفن في خوارزم عند أهله وقام بعده ولده محمد ولقب علائي الدين لقب والده وقال ابن البزدوي كان السلطان علاء الدين تكش له أدب وفضائل ومعرفة بمذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وبنى بخوارزم مدرسة الحنفية وله مقامات مشهورة في رضى
الديوان العزيز منها محاربة السلطان طغر بك وقتله ووقع بينه وبين الوزير مؤيد الدين محمد بن القصاب خلف وكان قد نفذ إليه تشريف من الديوان فرده ثم ثاب إليه عقله فندم واعتذر وطلب تشريفا فنفذ إليه فلبسه ولم يزل نافذ الأمر إلى أن مات رحمه الله قال ابن الأثير حصل له خوانيق فأشير عليه بترك الحركة فامتنع وسار فاشتد مرضه فمات
حرف السين المهملة
24 سليمان بن داود بن مروان بن الحكم
كان سليمان المذكور أعور وفيه قال الشاعر
خلف لعمرك من أمية أعور
(1/66)
25 سنجر الأمير علم الدين أرجواش المنصوري نائب قلعة دمشق من أيام أستاذه المنصور وكان شهما شجاعا لم يخرج مدة ولايته من القلعة وأسره وقيده السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن المنصور وألبسه عباءة ليقتله ثم عفا عنه ثم إنه قبض عليه في شهر رمضان سنة تسعين وستماية وأعاده إلى نيابة قلعة دمشق وكان ذلك بعد عوده من فتح عكا وكان اعور ولقد حفظ القلعة بل الشام وقلعتها في نوبة غازان وحوصر ونهض أتم نهوض وقام أكمل قيام وساس الرعية وعظم في النفوس وثبت ثباتا كليا وتسلق التتار من دار السعادة وطلعوا سطحها وتسلطوا على القلعة ورموها بالنشاب فرمى عليهم قوارير النفط فاحترقت الأخشاب وسقطت السقوف بهم وفعل ذلك بدار الحديث الأشرفية والعادلية وكلما تسلط على القلعة وبالجملة فلولا ما اعتمده من الثبات وعلو الهمة ملك التتار دمشق
(1/67)
بمجموعها وكانت عنده سلامة باطن إلى الغاية حكى لي عنه عبد الغني الفقير المعروف قال لما مات الملك المنصور قلاوون قال لي أحضر لي مقرئيك حتى يقرؤا ختمة لمولانا السلطان فأحضرت إليه جماعة فجعلوا يقرأون على العادة فأحضر دبوسا وقال كيف تقرأون هذه القراءة للسلطان دعهم يقرءوا عاليا فضجوا بالقراءة جهدهم وطاقتهم فلما فرغوا منها قلت يا خوند فرغت الختمة فقال يقرءون أخرى فقرءوها ونفذوا ما أراد فلما فرغوا الثانية أعلمته فقال ذلك السموات ثلاثة والأرض ثلاثة والأيام ثلاثة والمعادن ثلاثة وكلما في الدنيا ثلاثة يقرءون أخرى فقلت لهم اقرءوها واحمدوا الله على أنه ما علم أن هذه الأشياء سبعة سبعة فلما فرغوا الثالثة وقد هلكوا من صراخهم قال دعهم عندك في الترسيم إلى بكرة فلما أصبح قال لي خذهم واكتب عليهم حجة بالقسامة الشريفة بالله تعالى ثم بنعمة مولانا السلطان أن ثواب هذه الختمات لمولانا السلطان الملك المنصور ففعلت ذلك وجئت إليه بالحجة فقال هذا جيد أصح الله أبدانكم وصرف لهم أجرتهم وله عنده حكايات كان يحكيها تدل على تغفل كثير وتوفي رحمه الله في ذي الحجة الحرام سنة إحدى وسبعماية
26 سنجر الأمير الكبير علم الدين الحلبي الكبير
أحد الأبطال الموصوفين بالشجاعة والفروسية شهد عدة حروب وكان من أبناء الثمانين وولي نيابة دمشق وتسلطن بها أياما وتسمى بالملك المجاهد ولم يتم له ذلك وناب في دمشق آخر سنة ثمان وخمسين وستماية وكان من بقايا
(1/68)
الأمراء الصالحية وهو الذي حارب سنقر الأشقر وطرده عن البلاد وتوفي علم الدين المذكور سنة اثنتين وتسعين وستماية وكان المظفر قطز لما حضر لملتقى التتار وكسرهم وعاد إلى نحو القاهرة استعمل على حلب الأمير علاء الدين ابن صاحب الموصل واستعمل على دمشق الأمير علم الدين المذكور فلما بلغ علم الدين قتل المظفر خلف علم الدين الأمراء لنفسه بدمشق ودخل القلعة وتسلطن بها ولقب بالمجاهد وخطب له بدمشق في سادس ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وستماية مع الملك الظاهر بيبرس وأمر بضرب الدراهم باسمهما وغلت الأسعار وبقى الخبز رطلا بدرهمين والجبن الوقية بدرهم ونصف ولما كان المحرم سنة تسع وخمسين وستماية اتفق الأمراء على خلع الحلبي وحصره بالقلعة وجرى بينهم بعض قتال وخرج إليهم وقاتلهم ولما رأى البغلة خرج في الليل بعد أيام من باب السر قريبا من باب توما وقصد بعلبك وعصى في قلعتها وبقي أياما قلائل فقدم الأمير علائي الدين طيبرس الوزيري من مصر وأمسك الحلبي من القلعة وقيده وسيره إلى مصر فحبسه الظاهر مدة طويلة وأظن الظاهر أفرج عنه ثم إن الملك المنصور قلاوون حبسه مدة ثم إن الأشرف أفرج عنه وأكرمه ورفع منزلته وكان الحلبي رحمه الله أعور
27 سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله بن قدامة التميمي العنبري
قاضي الرصافة ببغداد هو من بيت العلم والقضاء روى عنه أبو داود
والترمذي والنسائي وكان ظريفا مطبوعا شاعرا محسنا فصيحا مفوها فقيها وافر اللحية توفي رحمه الله سنة خمس وأربعين ومائتين قال النسائي ثقة وقال إسماعيل القاضي دخل سوار القاضي على محمد بن عبد الله بن طاهر فقال أيها الأمير إني قد جئت في حاجة رفعتها إلى الله قبل رفعها إليك فإن قضيتها حمدنا الله وشكرناك وإن لم تقضها حمدنا الله وعذرناك فقضى جميع حوائجه
قال أحمد بن المعذل كان سوار بن عبد الله قد خامر قلبه شيء من الوجد فقال
سلبت عظامي لحمها فتركتها
عواري في أجلادها تتكسر
(1/69)
وأخليت منها مخها فكأنها
قوارير في أجوافها الريح تصفر
خذي بيدي ثم اكشفي الثوب تنظري
بي الضر إلا أنني أتستر
وليس الذي يجري من العين ماؤها
ولكنها نفس تذوب فتقطر
قلت وقد رزقت هذه الأبيات سعادة واشتهرت بين الأدباء وضمنها الشعراء في أغراض كثيرة من الأوصاف فضمنوها في الشبابة وفي الورد وفي الشمعة وفي الفانوس وغير ذلك وأوردها أبو تمام الطائي في الحماسة في باب الشيب وكان القاضي سوار رحمه الله أعور
حرف الشين المعجمة
28 شرقي بن قطامي
هو الوليد بن حصين بن جمال بن حبيب بن جابر بن مالك بن عمرو بن امرئ القيس بن النعمان بن عامر بن عبدود بن عوف ينتهي إلى الحاف بن قضاعة كان علامة نسابة إخباريا إلا أنه كان ضعيفا في روايته وكان أعور من أهل الكوفة وكنيته أبو المثنى وكان لا يشرب من النبيذ إلا قدحا واحدا حدث عنه ابن دريد فيما رفعه إلى ابن الكلبي قال كنت عند الشرقي القطامي فقال من يعرف منكم أسد بن عبد مناف بن شيبة بن عمرو بن المغيرة بن زيد وهو من أشرف الناس بعد رسول الله e فقالوا ما نعرفه فقال هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت أمه سمته أسدا وأبوه غائب لما ولدته واسم أبي طالب عبد مناف واسم عبد المطلب شيبة واسم هاشم عمرو واسم عبد مناف المغيرة واسم قصي زيد
وقال الشرقي دخلت على المنصور فقال يا شرقي علام يزار المرء فقلت يا أمير المؤمنين على خلال أربع على معروف سلف ومثله يؤتنف أو قديم شرف أو علم مطرف قال غيره قلت ما وراء ذلك فولوع وكلف
حرف الصاد المهملة
29 صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي أبو سفيان وأبو حنظلة القرشي الأموي والد معاوية رضي الله عنهما شهد الطائف مع رسول الله e ورمي يوم ذلك فأصيبت عينه وأصيبت عينه الأخرى يوم اليرموك تحت راية ابنه معاوية فلذلك ذكر مستوفيا ترجمته في كتابي نكت الهميان في نكت العميان فليوقف عليه هناك
30 صدقة بن الحسين بن أحمد ين محمد بن وزير أبو الحسن الواعظ
(1/70)
من أهل خراسابور من نواحي واسط كان والده مقدما بتلك الناحية وترك هو ما كان عليه والده وطلب العلم وتزهد وسلك طريق الفقر والتجريد ولبس الخشن وقرأ بالروايات على شيوخ واسط كأبي الفتح الحداد وأبي يعلى بن بركات وعبد السميع الهاشمي وسمع الكثير وكتب بخطه وتكلم بالوعظ على الناس وانتقل إلى بغداد وسكنها إلى أن مات رحمه الله تعالى سنة سبع وخمسين وخمسمائة وكان مخلا وما مات حتى ذهبت عينه
الأخرى وكان يمتنع من المداواة ومن شعره
أوصيك يا عم خيرا ما استطعت فما
يبقى عليك سوى ما أنت عامله
لا المال يدفع بأسا إن أتاك ولا
يرد عنك الردى ما أنت فاعله
فامهد لنفسك قبل الموت مجتهدا
فعاجل الموت في التحقيق آجله
هداك ربك للتقوى وبصرك الرشاد
وانزاح عن معناك باطله
ولست أعدل عن قومي وإن عدلوا
عني وشر فريق الحق عادله
وإنما عدلهم عني لجهلهم
وفي الحديث عدو الشيء جاهله
حرف الضاد المعجمة
31 الضحاك ويقال صخر ويقال الحرث ويقال حصين بن قيس بن معاوية أبو بحر السعدي التميمي المعروف بالأحنف سيد أهل البصرة الذي يضرب به المثل في الحلم والوقار أدرك عصر النبي e ولم يره وروى عن عمر وعثمان وعلي والعباس وابن مسعود وأبي ذر وأبي بكرة وروى عنه الحسن وعروة وطلق بن حبيب وغيرهم وشهد صفين أميرا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقدم على معاوية في خلافته واجتمع بأبي ذر في القدس وقيل في مسجد دمشق وقيل في مسجد حمص وكان ثقة مأمونا قليل الحديث وتوفي رحمه الله سنة اثنتين وسبعين للهجرة وروى له الجماعة كلهم وكان صديقا لمصعب بن الزبير فوفد عليه بالكوفة وهو يومئذ وال عليها فتوفي عنده فرؤي مصعب يمشي في جنازته بغير رداء
وكان أحنف الرجلين معا ضئيلا صعل الرأس متراكب الأسنان مائل الذقن خفيف العارضين أعور فإذا تكلم جلا عن نفسه ولم تكن له
إلا بيضة واحدة وكانت أمه ترقصه وتقول
والله لولا حنف برجله
وقلة أخافها من نسله
ما كان في فتيانكم من مثله
(1/71)
وهو الذي فتح مرو الروذ وكان الحسن وابن سيرين في جيشه وبعث النبي e رجلا من بني ليث إلى بني سعد رهط الأحنف فجعل يعرض عليهم الإسلام فقال الأحنف إنه يدعو إلى خير ويأمر بخير وذكر ذلك للنبي e فقال اللهم اغفر للأحنف وبعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأحنف على جيش قبل خراسان فبيتهم العدو وفرقوا جيوشهم وكان الأحنف معهم ففزع الناس وكان أول من ركب الأحنف ومضى نحو الصوت وهو يقول
إن على كل رئيس حقا
أن يخضب الصعدة أو تندقا
ثم حمل على صاحب الطبل فقتله وانهزم العدو فقتلوهم وغنموا وفتحوا مرو الروذ ثم سار إلى بلخ فصالحوهم على أربعمائة ألف درهم ثم أتى خوارزم فلم يطقها فرجع وقال خالد بن صفوان كأن الأحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه وقيل ما يمنعك أن تكون كأبيك فقال وأيكم كأبي فيسوني بأبنائكم وقيل له إنك تطيل القيام فقال إني أعده لسفر طويل
وكان يضع إصبعه على المصباح ثم يقول حسن ثم يقول يا أحنف ما حملك على أن صنعت كذا يوم كذا وشكا ابن أخي الأحنف وجعا بضرسه فقال الأحنف لقد ذهبت عيني منذ ثلاثين وفي رواية أربعين سنة ما شكوتها إلى أحد
ولما استقر الأمر لمعاوية دخل عليه الأحنف فقال له معاوية
يا أحنف ما أذكر يوم صفين إلا كانت في قلبي حزازة إلى يوم القيامة فقال له الأحنف والله يا أمير المؤمنين إن القلوب التي أبغضناك بها لفي صدورنا وإن السيوف التي قاتلناك بها لفي أغمادها وإن تدن من الحرب فترا ندن منها شبرا وإن تمش إليها نهرول ثم قام وخرج وكانت أخت معاوية من وراء حجاب فسمعت الكلام فقالت يا أمير المؤمنين من هذا الذي يتهدد ويتوعد فقال هذا الذي إذا غضب غضب معه مائة ألف من بني تميم لا يدرون فيم غضب
(1/72)
ولما نصب معاوية ولده يزيد لولاية العهد أقعده في قبة حمراء فجعل الناس يسلمون على معاوية ثم يميلون إلى يزيد حتى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية فقال يا أمير المؤمنين اعلم أنك لو لم تول هذا أمور المسلمين لأضعتها والأحنف جالس فقال معاوية ما لك لا تقول يا أبا بحر فقال أخاف الله إن كذبتكم وأخافكم إن صدقت فقال له معاوية جزاك الله خيرا
ومن كلامه ما خاف شريف ولا كذب عاقل ولا اغتاب مؤمن
وقال جنبوا مجلسنا ذكر الطعام والنساء فإني أبغض الرجل أن يكون
وصافا لفرجه وبطنه وان من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه
وكان يقول إذا عجب الناس من حلمه أني لأجد ما تجدون ولكني صبور
وكان يقول وجدت الحلم انصر لي من الرجال
وقال ما تعلمت الحلم إلا من قيس بن عاصم المنقري لأنه قتل ابن أخ له بعض بنيه فأتي بالقاتل مكتوفا يقاد إليه فقال ذعرتم الفتى ثم اقبل عليه فقال يا بني بئس ما صنعت نقصت عددك واوهنت عضدك واشمت عدوك وأسأت بقومك خلوا سبيله واحملوا إلى أم المقتول ديته فإنها غريبة ثم انصرف القاتل وما حل قيس حباته ولا تغير وجهه
حرف الطاء المهملة
32 - طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن ماهان وفيما بعد مصعب اختلاف كان جده رزيق مولى طلحة الطلحات
وكان طاهر من اكبر اعوان المأمون وسيره من مرو كرسي خراسان لما كان بها المأمون لمحاربة اخيه الامين والواقعة مشهورة وسير الامين أبا يحيى علي بن عيسى بن ماهان فتواقعا بالري وقتل علي في المعركة وسير طاهر بالخبر إلى المأمون من الري وبينهما نحو مائتين وخمسين فرسخا فسار الكتاب ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الاحد ووصل الخبر إلى المأمون يوم الاحد وتقدم طاهر إلى بغداد واخذ ما في طريقه من البلاد وحاصر بغداد وسير طاهر إلى المأمون يستأذنه فيما يفعله باخيه فبعث اليه بقميص غير مقور فعلم انه يريد قتله فعمل على ذلك وحمل رأسه إلى المأمون فكان المأمون يرعاه لخدمته ونصحه
(1/73)
وكان يسميه ذا اليمينين لانه ضرب شخصا في واقعه علي بن عيسى بن ماهان فقده نصفين وكانت الضربة بشماله وفيه قال الشاعر
كلتا يديك يمين حين تضربه
وفيه يقول عمرو بن بانة شعر
يا ذا اليمينين وعين واحده
نقصان عين ويمين زائدة
وقيل أن اسماعيل بن جرير البجلي كان يمدح طاهرا كثيرا فقيل لطاهر أن اسماعيل يسرق الشعر ويمدحك به فأحب طاهر امتحانه فقال له تهجوني فامتنع فألزمه بذلك فكتب اليه
رأيتك لا ترى إلا بعين
وعينك لا ترى إلا قليلا
فإنك إذ اصبت بفرد عين
فخذ من عينك الأخرى كفيلا
فقد ايقنت انك عن قريب
بظهر الغيب تلتمس السبيلا
فقال لما وقف عليها احذر أن تنشدها احدا ومزق الورقة
ولما استقل المأمون بالأمر بعد أخيه الامين كتب إلى طاهر بن الحسين وهو
مقيم ببغداد بأن يسلم إلى الحسن بن سهل جميع ما افتتحه من البلاد وهي العراق وبلاد الجبل وفارس والاهواز والحجاز واليمين وان يتوجه هو إلى الرقة وولاه الموصل وبلاد الجزيرة الفراتية والشام والمغرب وذلك في بقية ثمان وتسعين وماية
وكان المأمون قد ولاه خراسان فردها سنة ست ومائتين وقيل خمس ومائتين واستخلف ابنه طلحة هكذا قال السلامي في ولاية خراسان وقال غيره انه خلع طاعة المأمون وجاءت كتب البريد من خراسات تتضمن ذلك فقلق المأمون قلقا زائدا ثم جاءت كتب البريد ثاني يوم انه اصابه عقيب ما خلع الطاعة حمى فوجد في فراشه ميتا
(1/74)
وحكي أن طاهرا دخل يوما على المأمون في حاجة فقضاها وبكى المأمون حتى اغرورقت عيناه بالدموع فقال طاهر يا امير المؤمنين لم تبك لا ابكى الله عينك وقد دانت لك الدنيا وبلغت الاماني فقال ابكي لا عن ذل ولا عن حزن ولكن لا تخلو نفس من شجن فاغتم طاهر وقال لحسين الخادم وكان يحجب المأمون في خلواته أريد أن تسأل امير المؤمنين وهو طيب الخاطر عن سبب بكائه ذلك اليوم فسأله فقال هو أمر أن خرج من رأسك أخذته فقال سيدي ومتى بحث لك بسر فقال أني ذكرت محمدا اخي وما ناله من الذلة فخنقتني العبرة ولن يفوت طاهرا مني ما يكره فأخبر حسين طاهرا بذلك فركب طاهر إلى احمد بن أبي خالد فقال أن الثناء مني ليس برخيص وان المعروف عندي ليس بضائع فاعني على المأمون وغيبني عنه فركب ابن أبي خالد إلى
المأمون وقال أني لم انم البارحة قال ولم قال لانك وليت خراسان غسان وهو ومن معه اكلة رأس واخاف أن يصطلمه مصطلم فقال المأمون لمن ترى قال طاهر فقال هو جائع فقال انا ضامن له فدعا به المأمون وعقد له لواء على خراسان من ساعته واهدى له خادما كان رباه وامره أن رأى منه ما يريبه أن يسمه فلما تمكن طاهر من الولاية قطع الخطبة لانه صعد المنبر وخطب يوم الجمعة فلما بلغ ذكر الخليفة امسك فكتب إلى المأمون بذلك على خيل البريد واصبح طاهر يوم السبت ميتا فكتب اليه بذلك فوصلت الخريطة الأولى إلى المأمون فدعا احمد بن أبي خالد وقال اشخص الان فأت بها كما ضمنته واكرهه على المسير في يومه ثم بعد شدائد اذن له في المبيت ثم جاءت الخريطة الثانية بموته قيل أن الخادم سمه في كامخ ثم أن المأمون استخلف ولده طلحة على خراسان وقيل انه جعله خليفة لاخيه عبد الله بن طاهر وكانت وفاة طاهر بن الحسين رحمه الله سنة سبع ومائتين ومولده سنة تسع وخمسين وماية
(1/75)
وكان من افراد العالم وقع يوما بصلات بلغت ألف ألف وسبعمائة ألف درهم وقيل لطاهر ببغداد لما بلغ ما بلغ ليهنك ما ادركته من هذه المنزلة التي لم يدركها أحد من نظرائك بخراسان فقال ليس يهنين ذلك لاني لا ارى عجائز بوشينج يتطلعن من اعالي سطوحهن إذا مررت بهن وانما قال ذلك لانه ولد بها ونشأ فيها وكان جده مصعب واليا عليها وكان شجاعا دينا وقيل أن طاهرا كتب إلى المأمون كتابا لما ورد أمره عليه بتسليم العراق إلى علي بن أبي سعيد وان يصير إلى الشام وقال في آخره
غضبت على الدنيا فخفت ضروعها
وما الناس إلا بين راج وخائف
فقلت امير المؤمنين وانما
بقيت فناء بعده للخلائف
وقد بقيت في أم رأسي فضلة
فإما لحزم أو لرأي مخالف
فدفع الكتاب إلى الفضل بن سهل فوقع فيه بحضرته يا نصف انسان والله لئن هممت لافعلن ولئن فعلت لابرمن ولئن ابرمت لاحكمن والسلام
فلما وصل الجواب إلى طاهر كتب إلى المأمون يعتذر يا امير المؤمنين إنما انا كالامة السوداء أن احسن اليها سرت وان اسيء اليها دمدمت وان عفي بعنها طغت والسلام
وركب يوما ببغداد في حراقته فاعترضه مقدس بن صيفي الخلوتي الشاعر وقد ادنيت من الشط فقال ايها الامير أن رأيت أن تسمع مني ابياتا قال هات فأنشده شعر
عجبت لحراقة ابن الحسين
لا غرقت كيف لا تغرق
وبحران من فوقها واحد
وآخر من تحتها مطبق
واعجب من ذاك اعوادها
وقد مسها كيف لا تورق
فقال اعطوه ثلاثة الاف دينار وقال له زدنا حتى نزيدك فقال حسبي وقال بعضهم كان لي ثلاث سنين اتردد إلى باب طاهر فلا اصل اليه فركب يوما للعب بالصولجة فصرت إلى الميدان فإذا الوصول متعذر وإذا فرجة من بستان فقلت انا بالله وبك ايها الامير واياك قصدت وقد قلت فيك بيتي شعر فقال هاتهما واقبل ميكال الي فزجره فانشدته
اصبحت بين خصاصة وتجمل
والحر بينهما يموت هزيلا
فامدد الي يدا تعود بطنها
بذل السؤال وظهرها التقبيلا
(1/76)
فأمر لي بعشرة الاف درهم وقال هذه ديتك فلو ادركك ميكال لقتلك
وهذه عشرة الاف درهم لعيالك
وقال بعض الشعراء يرثيه
فلئن كان للمنية رهنا
أن افعاله لرهن الحياة
ولقد اوجب الزكاة على قوم
وقد كان عيشهم بالزكاة
33 طلحة بن عبد الله بن خلف طلحة الطلحات
أبو المطرف وقيل أبو محمد الخزاعي المعروف بطلحة الطلحات أحد الاجواد الاسخياء المفضلين المشهورين كان اجود أهل البصرة في زمانه سمع عثمان بن عفان فيما ذكره الحاكم أبو عبد الله وكان ابوه مع عائشة يوم الجمل وكان عبد الله كاتب عمر بن الخطاب بالمدينة قال الاصمعي المعروف بالكرم طلحة بن عبد الله بن عثمان التيمي وطلحة بن عمرو بن عبد الله بن معمر التيمي وهو طلحة الجود وطلحة بن عبد الله بن عوف ابن اخي عبد الرحمن بن عوف الزهري وهو طلحة الندي وطلحة بن الحسين بن علي وهو طلحة الخير وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاغي وهو طلحة الطلحات وسمي بذلك لانه كان اجودهم وقال ابن دريد أن أم طلحة ابنة الحرث بن طلحة ابن أبي طلحة العبدري فلذلك سمي طلحة الطلحات
دخل كثير عزة عليه عائدا فقعد عند رأسه فلم يكلمه لشدة ما به فأخذ
من الثناء عليه ففتح طلحة عينه وقال ويحك يا كثير ما تقول فقال شعر
يا ابن الذوائب من خزاعة والذي
لبس المكارم وارتدى بنجاد
حلت بساحتك الوفود من الورى
وكأنما كانوا على ميعاد
لنعود سيدنا وسيد غيرنا
ليت التشكي كان بالعواد
فاستوى جالسا وامر له بعطية سنية وقال هي لك أن عشت في كل سنة وكان هوى طلحة الطلحات امويا وكان بنو امية يكرمونه وذهبت عينه بسمرقند وفي سنة ثلاث وستين للهجرة بعث زياد بن مسلمة طلحة الطلحات واليا على سجستان وبها توفي رحمه الله تعالى ولذلك قال الشاعر
رحم الله اعظما دفنوها
بسجستان طلحة الطلحات
حرف العين المهملة
(1/77)
34 عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن مالك بن جعفر بن كلاب كان من شعراء الجاهلية وفرسانها شاعر مشهور وفارس مذكور اخذ المرباع ونال الرياسة وتقدم على العرب واطيع في السياسة وقاد الجيوش وقمع العدو وكان عقيما لا يولد له وكان اعور وادرك الإسلام ولم يوفق للاسلام وقدم على رسول الله e وفد بني عامر بين صعصعة وفيهم عامر
بن الطفيل واربد بن قيس اخو لبيد بن ربيعة لأمه وجبار بن سلمى بن مالك وكان هؤلاء الثلاثة رؤوس القوم وشياطينهم وقد كان قوم عامر قالوا له يا عامر أن الناس قد اسلموا فأسلم فقال قد كنت آليت أن لا انتهى حتى تتبع العرب عقبي فأتبع انا عقبي هذا الفتى من قريش وهم بالغدر به فقال لأربد إذا اقبلنا على الرجل فإني شاغل عنك وجهه فاعله بالسيف فلما قدموا على رسول الله e قال عامر لرسول الله خالني قال لا والله حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له فلما ابى عليه رسول الله e أن يخالله قال إما والله لأملأنها عليك خيلا حمرا ورجالا سمرا فقال رسول الله e اللهم اكفني عامر بن الطفيل فلما خرجوا من عنده قال عامر لأربد ويلك يا أربد اين ما كنت وصيتك به والله ما كان على وجه الأرض رجل هو اخوف على نفسي منك وايم الله لا اخافك بعد اليوم أبدا قال لا تعجل علي لا أبا لك والله ما هممت بالأمر الذي أمرتني به مرة إلا دخلت بيني وبينه حتى ما أرى غيرك أفأضربك بالسيف فقال عامر
بعث الرسول بما يرى فكأنما
عمدا أسد على المعايب عارا
ولقد وردن بنا المدينة شزبا
ولقد قبلن بجوها الابصار
ولما خرجوا من عند رسول الله e قالت عائشة من هذا يا رسول الله قال هذا عامر ابن الطفيل والذي نفسي بيده لو اسلم واسلمت بنو عامر
(1/78)
لزاحمت قريشا في منابرها ثم دعا رسول الله e وقال يا قوم إذا دعوت فأمنوا ثم قال اللهم اهد بني عامر واشغل عني عامر بن الطفيل بما شئت وكيف شئت وانى شئت وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق نزل عامر بامرأة من بني سلول فبعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله فجعل عامر يقول يا بني عامر أغدة كغدة بعير وموت في بيت سلولية
وجعل يشتد وينزو إلى السما ويقول يا موت آبرز الي حتى أراك وكان يوم مات ابن بضع وثمانين سنة وكان مولده قبل مولد النبي e بسبع عشرة سنة
وابو براء ملاعب الاسنة عامر بن مالك هو عم عامر هذا ولما قدم اربد ارض بني عامر قالوا له ما وراك قال لقد دعانا محمد إلى عبادة شيء لوددته عندي الان فأرميه بنبلي هذا فأقتله فخرج بعد مقالته هذه بيومين معه جمل يبيعه فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة واحرقتهما مكانهما ونصبت بنو عامر على قبر عامر نصابا ميلا في ميل حمى على قبره وكان جبار بن سلمى غائبا فلما قدم قال ما هذه الانصاب قالوا حمى على قبر عامر قال ضيقتم على أبي علي أن أبا علي فضل على الناس بثلاث كان لا يعطش حتى يعطش البعير ولا يضل حتى يضل النجم ولا يجبن حتى يجبن السيل
35 - عبد الله بن محمد بن ناجية بن نجبة أبو محمد البربري ثم البغدادي الحافظ كان ممتعا بإحدى عينيه وكان ثقة ثبتا توفي رحمه الله عن سن عالية سنة احدى وثلاثمائة سمع أبا معمر الهذيلي وسويد بن سعيد وعبد الواحد بن غياث وأبا بكر بن أبي شيبة وعبد الاعلى بن حماد وطبقتهم وروى عنهما أبو بكر الشافعي والحبابي وابو القاسم بن النحاس واسحاق النقال
36 - عبد الله بن احمد البلدي النحوي
كان اعور فاعتلت عينه الصحيحة حتى اشرف منها على العمى فقال وأنا استغفر الله مما قاله
أن قلت جورا فلا تلمني
بأن رب الورى المسيح
أراك تعمي وذاك يبري
فهو اذن عندي الصحيح
ومن شعره أيضا
للحسن في وجهه شهود
يشهد انا له عبيد
كأنما خده وصال
(1/79)
وصدغه فوقه صدود
يا من جفاني بغير جرم
اقصر فقد نلت ما تريد
أن كان قد رق ثوب صبري
عنك فثوب الهوى جديد
37 - عبيدة السلماني المرادي ابن سلمان بن ناجية أبو عمرو من كبار الفقهاء بالكوفة اسلم زمن الفتح ولم يلق النبي e اخذ عن علي وابن مسعود وتوفي رحمه الله سنة اثنتين وسبعين للهجرة وروى له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وهو بفتح العين المهملة وكسر الباء ثاني الحروف
ودال مهمة قد عده ابن الجوزي رحمه الله في العوران في تلقيح فهوم الاثر
38 - عتبة بن أبي سفيان
شهد يوم الدار مع عثمان رضي الله عنه وداره بدمشق بدرب الحبالين ولي المدينة وامرة الحج وتوفي في حدود الخمسين من الهجرة وقد عده ابن الجوزي في جملة العوران في كتابه تلقيح الاثر
39 - عثمان بن جني
أبو الفتح النحوي الأمام العلامة كان من احذق النحاة وكان اكمل علومه التصريف ولم يتكلف أحد ولم يتكلم ادق من كلامه في التصريف ومولده قبل الثلاثين والثلاثمائة وتوفي رحمه الله سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وخلف من الأولاد عليا وعاليا والعلاء وكلهم ادباء فضلاء قد خرجهم والدهم وسمعهم وحسن خطوطهم وهم معدودون في صحيحي الضبط وحسن الخط
وكان ابوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد الموصلي وكان أبو الفتح اعور
اجتاز أبو علي الفارسي بالموصل فمر بالجامع وابو الفتح يقرأ النحو وهو شاب فسأله أبو علي مسألة في التصريف فقصر فيها أبو الفتح فقال له زببت قبل أن تحصرم فلازمه من يومئذ مدة اربعين سنة واعتنى بالتصريف ولما
مات أبو علي تصدر ابن جني مكانه ببغداد واخذ عنه الثمانيني وعبد السلام البصري وابو الحسن السمسمي وجرى بينه وبين أبي نصر بشر بن هارون كلام في معنى العدار والعدار إذا لقي انسانا وطأه فقال له ابن جني بودك لو لقيك فإنه كان لأمنيتك دواء
فقال أبو نصر
زعمت أن العدار خدني
وليس خدنا لي العدار
عفر من الجن أنت أولى
به ففيهم لك افتخار
فالجن جن ونحن انس
(1/80)
شتات هذان يا حمار
ونحن من طينة خلقنا
ما خلق الجن منه نار
العر والعار فيك تما
والعور التام والعوار
وكان يوما يتحدث بحضرة أبي الحسين القمي الكاتب وكان لأبي الفتح عادة إذا تكلم أن يميل بشفتيه ويشير بيديه فبقي القمي شاخصا اليه فقال أبو الفتح مالك تحدق الي وتكثر التعجب مني قال شبهت مولاي الشيخ اطال الله بقاءه وهو يتحدث ويقول ببوزه ويده كذا بقرد رأيته اليوم عند صعودي إلى دار المملكة وهو على شاطئ دجلة يفعل ما يفعله مولانا فامتعض أبو الفتح وقال ما هذا القول اعزك الله ومتى رأيتني امزح معك فتمزح معي بمثل هذا فلما رآه أبو الحسين قد استشاط غضبا قال المعذرة اليك ايها الشيخ عن اشبهك بالقرد وانما شبهت القرد بك فضحك أبو الفتح وقال ما أحسن ما
اعتذرت وعلم إنها نادرة تشيع وكان أبو الفتح يتحدث بها دائما واجتاز يوما بأبي الحسين المذكور في الديوان وبين يديه كانون فيه نار والبرد شديد فقال له أبو الفتح تعال ايها الشيخ إلى النير فقال اعوذ بالله
وقال ابن الزمكدم يهجو ابن جني
يا أبا الفتح قد اتيناك للتدريس
والعلم في فنائك رحب
فوجدنا فتاة بيتك أنحى
منك والنحو مؤثر مستحب
قدماها مرفوعة وهي خفض
قلم الاير فاعل وهو نصب
(1/81)
ووجد بخط ابن جني على ظهر كتاب المحتسب في علل القراءات الشاذة اخبرني بعض من كان يعتادني للقراءة علي والاخذ عني قال رأيتك في منامي جالسا على حال كذا وبصورة كذا وذكر من الجلسة الشارة جميلا وإذا رجل له رواء ومنظر وظاهر ونبل وقدر وقد اتاك وحين رأيته اعظمت مورده واسرعت القيام له فجلس صدر مجلسك وقال لك اجلس فجلست فقال كذا شيئا ذكره ثم قال لك اتمم كتاب الشواذ الذي عملته فإنه كتاب يصل الينا ثم نهض فلما ولى سألت بعض من كان معه عنه فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه ذكر هذه الرؤيا لي وقد بقيت من نواحي هذا الكتاب إلى اميكنة تحتاج إلى معادة نظر وأنا على الفراغ منها بعضه ملحق في الحاشية بخطه ثم عاودتها فصحت بلطف الله وفضله
ولما مات ابن جني رثاه الشريف الرضي بقصيدة عدتها 49 بيتا منها
لتبك أبا الفتح العيون بدمعها
وألسننا من قبلها بالمناطق
إذا هب من تلك الغليل بدامع
تسرع من هذا الغمام بناطق
طوى منه بطن الأرض ما تستعيده
على الدهر منشورا بطون المهارق
مضى طيب الاردان يأرج ذكره
كريح الصبا تندى لعرنين باسق
وما احتاج بردا غير برد عفافه
ولا عرف طيب غير تلك الخلائق
ترقرق ماء الود بيني وبينه
وطاح القذى عن سلسل الطعم رائق
سقاك وهل يسقيك إلا تعلة
لغير الردى قطر الغيوم الروائق
من المزن حمحام إذا التج لجة
اضاءت تواليه زناد البوارق
وما فرحي أن جاورتك حديقة
وقبرك مملوء بغر الحدائق
تصانيف ابن جني رحمه الله
كتاب الخصائص وهو كتاب نفيس إلى الغاية فيه لباب النحو و كتاب سر الصناعة وهو من احسن ما صنفه وجوده و كتاب تفسير اشعار هذيل مما اغفله السكري و كتاب تفسير تصريف المازني و شرح مستغلق الحماسة واشتقاق أسماء شعرائها و شرح المقصور والممدود لابن السكيت و تعاقب العربية قال ابن جني واطرف به
(1/82)
وشرح ديوان المتنبي شرحين كبيرا وصغيرا و كتاب اللمع و كتاب مختصر التصريف و كتاب مختصر العروض والقوافي والحروف المهموزة و كتاب في اسم المفعول المعتل العين من الثلاثي و كتاب تأييد التذكرة لابي علي الفارسي و كتاب محاسن العربية و كتاب النوادر الممتعة في العربية ألف ورقة و كتاب ما احضره الخاطر من المسائل المشهورة و كتاب المحتسب في تعليل القراءات الشاذة وهو جيد إلى الغاية و كتاب تفسير ارجوزة أبي نواس و كتاب تفسير العلويات وهي اربع قصائد للشريف الرضي و كتاب البشرى والظفر صنعه لعضد الدولة مقداره خمسون ورقة في تفسير بيت واحد من شعر عضد الدولة وهو قوله
أهلا وسهلا بذي البشرى ونوبتها
وباشتمال سرايانا على الظفر
ورسالة في مد الاصوات ومقادير المدات و كتاب المذكر والمؤنث و كتاب المنتصف و مقدمات ابواب التصريف و كتاب النقض على ابن وكيع في شعر المتنبي وتخطئته و المعرب في شرح القوافي و كتاب الفصل بين الكلام الخاص والكلام العام
و كتاب الوقف والابتداء و كتاب الفرق و كتاب المعاني المجردة و كتاب الفائق و كتاب الخطيب و كتاب مختار الارجيز و كتاب العد في النحو و كتاب شرح الفصيح و كتاب الكافي في القوافي و كتاب التنبيه على اعراب الحماسة و كتاب المهذب و كتاب التبصرة
يقال أن الشيخ أبا اسحاق الشيرازي اخذ منه أسماء كتبه فإنه له التنبيه والمهذب واللمع والتبصرة
ومن شعر ابن جني
فإن اصبح بلا نسب
فعلمي في الورى نسبي
على أني اؤول إلى
قروم سادة نجب
قياصرة إذا نطقوا
ارم الدهر ذو الخطب
اولاك دعا النبي لهم
كفى شرفا دعاء نبي
ومنه أيضا
تحبب أو تذرع أو تأبى
فلا والله لا ازداد حبا
ملكت ببعض حسنك كل قلبي
فإن رمت الزيادة هات قلبا
ومنه أيضا
غزال غير وحشي
حكى الوحشي مقلته
رآه الورد يجني الورد
فاستكساه حلته
وشم بأنفه الريحان
فاستهداه زهرته
وذاقت ريحه الصهباء
فاختلسته نكهته
(1/83)
40 - عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد أبو طريف الطائي ولد حاتم الجود وفد على رسول الله e فأكرمه وكان ذلك في شعبان سنة عشر ثم قدم على أبي بكر بصدقات قومه في حين الردة ومنع قومه وطائفته من الردة بثبوته على الإسلام وحسن رأيه وكان سريا شريفا في قومه خطيبا حاضر الجواب فاضلا كريما قال ما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا اشتاق اليها وقال ما دخلت على النبي e قط إلا وسع لي أو تحرك ودخلت يوما عليه في بيته وقد امتلأ من اصحابه فوسع لي حتى جلست إلى جنبه وشهد الجمل مع علي وصفين والنهروان وفقئت عينه يوم الجمل وروى عنه جماعة كثيرون من البصرة والكوفة
واتاه سالم بن دارة الغطفاني يمدحه فقال له عدي امسك عليك يا اخي اخبرك بمالي فتمدحني على حسبه لي ألف صافنة والفا درهم وثلاثة اعبد وفرسي هذه حبس في سبيل الله فقال
تحن قلوصي في معد وانما
تلاقي الربيع في ديار بني ثعل
وابقى الليالي من عدي بن حاتم
حساما كلون الملح سل من الخلل
ابوك جواد ما يشق غباره
وانت جواد ليس تعذر بالعلل
فإن تتقوا شرا فمثلكم اتقى
وان تفعلوا خيرا فمثلكم فعل
وسكن الكوفة وبها توفي رضي الله عنه سنة سبع وستين للهجرة وهو ابن ماية وعشرين سنة وروى له البخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه رضي الله عنهم اجمعين
41 - عطاء بن رباح
اسلم أبو محمد المكي مولى قريش أحد الأئمة الاعلام من التابعين كان اسود اعور افطس اشل اعرج ثم عمي اخيرا وقد تقدم ذكره في كتابي نكت الهميان في نكت العميان فأغنى عن ذكره الان
42 - عطاء المقنع الخراساني
(1/84)
وقيل اسمه حكيم كان في مبدأ امره قصارا من أهل مرو وكان يعرف شيئا من السحر والنيرنجيات فادعى الربوبية من طريق التناسخ وقال لاشياعه والذين اتبعوه أن الله تحول إلى صورة آدم ولذلك اسجد له الملائكة فسجدوا إلا بليس فاستحق بذلك السخط ثم انه تحول من صورة آدم إلى صورة نوح ثم إلى صورة واحد فواحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والحكماء حتى حصل في صورة أبي مسلم الخراساني ثم انتقل منه اليه فقبل قوم قوله ودعواه وعبدوه وقاتلوا من دونه ما عاينوا من عظيم ادعائه وقبح صورته لانه كان مشوه الخلقة اعور الكن قصيرا وكان لا يسفر عن وجهه بل اتخذ وجها من ذهب وتقنع به وكان من جملة ما أظهر لهم صورة قمر يطلع ويراه الناس من مسافة
شهرين ثم يغيب عنهم فعظم اعتقادهم فيه ولما اشتهر امره ثار عليه الناس وقصدوه في قلعته التي اعتصم بها وحصروه ولما تيقن بالهلاك جمع نساءه وسقاهن سما فمتن جميعا ثم تناول باقيه فمات
ودخل المسلمون قلعته وقتلوا من فيها من اشياعه واتباعه وذلك في سنة ثلاث وستين وماية وقطع رأسه وبعث به إلى المهدي وكان بما وراء النهر وكان الذي ندب لقتاله سعيد الحرسي وأول ظهور عطاء في سنة احدى وستين وماية واليه اشار المعري بقوله
افق إنما البدر المقنع رأسه
ضلال وغي مثل بدر المقنع
وابن سناء الملك أيضا في قوله
اليك فما بدر المقنع طالعا
باسحر من الحاظ بدري المعمم
43 - علي بن رباح اللخمي المصري
قال الشيخ شمس الدين الذهبي رحمه الله اسمه علي لكنه صغر وقال أبو عبد الرحمن المقري كانت بنو امية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه فبلغ ذلك رباحا فقال هو علي قال الشيخ شمس الدين الذهبي هذا لا يستقيم لان عليا هذا ولد في زمن عثمان أو قبل ذلك بقليل وكان في زمن بني امية رجلا لا
(1/85)
مولودا سمع من عمرو بن العاص وعقبة بن عامر وأبي هريرة وأبي قتادة وفضالة بن عبيد وعدة من الصحابة وعمر ماية سنة إلا قليلا وتوفي رحمه الله سنة اربع عشرة وماية وروى له مسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال يحيى بن معين أهل العراق يقولون علي وأهل البصرة يقولون علي
قلت العراقيون يصغرونه والبصريون يكبرونه وقال الليث بن سعد سمعت موسى بن علي بن رباح يقول من قال لي موسى بن علي لم اجعله في حل وولد سنة خمسة عشر عام اليرموك وكان اعور ذهبت عينه يوم ذي الصراير من البحر مع عبد الله بن سعد سنة اربع وثمانين وكانت له من عبد العزيز بن مروان منزلة وهو الذي زف أم البنين ابنة عبد العزيز إلى الوليد بن عبد الملك ثم عتب عليه عبد العزيز فأغزاه افريقية فلم يزل بإفريقية إلى أن توفي في التاريخ المتقدم
44 - علي بن قيران علائي الدين أبو الحسن الكركي السكزي بالسين المهملة والكاف والزاي المعجمة الدمشقي الجندي ثم الصوفي نزيل القاهرة سمع الكثير سنة سبعة عشر في الكهولة واخذ عن جماعة من أصحاب ابن الزبيدي وحدث ونسخ قليلا قال الشيخ شمس الدين سمع مني وولد سنة ثمان وخمسين وستماية وتوفي رحمه الله في شهر رمضان لأربعة واربعين
وسبعماية بالقاهرة وكان يكتب أسماء السامعين في الميعاد وسمع معي على جماعة وكان مخلا رحمه الله
45 - علي بن المنذر أبو الحسن الطريفي الازدي الكوفي العلاف الاعور
قال النسائي شيعي محض ثقة وتوفي رحمه الله سنة ست وخمسين ومائتين روى عنه النسائي وابن ماجه
46 - أبو علي المنطقي
(1/86)
قال ياقوت الرومي الحموي رحمه الله تعالى في معجم الادباء لم اظفر باسمه وقال الخالع هو من اهل البصرة تنقل في البلاد ومدح عضد الدولة وابن عباد وانقطع مدة من الزمان إلى نصر بن هارون ثم إلى أبي القاسم العلاء بن الحسن الوزير وكان جيد الطبقة في الشعر والادب عالما بالمنطق قوي الرتبة فيه جمع ديوانه فكان نحو الفي بيت ومولده سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وتوفي رحمه الله بشيراز بعد سنة تسعين وثلاث ماية وكان ضعيف الحال محارفا ضيق الرزق وكان مزاحا طيب العشرة حاد النادرة اصيب بعينه آخر عمره وله في ذلك اشعار ومن شعره
يا ريم وجدي فيك ليس يريم
بين الضلوع وان رحلت مقيم
لا تحسبي قلبي كربعك خاليا
فيه وان عفت الرسوم رسوم
تبلى المنازل والهوى متجدد
وتبيد خيمات ويبقى الخيم
ومنه أيضا
اكفكم تعطي ويمنعنا الحيا
واقلامكم تمضي وتنبو الصوارم
وان أبا العباس أن يك للعلا
جناحا فانتم للجناح قوادم
مضى وبقيتم ابحرا واهلة
وزهر الربا يبقى وتمضي الغمائم
ومنه أيضا
وقهوة مثل رقراق السراب غدا
حبب المزاج عليها غير مزرور
تختال أن بث فيها الماء لؤلؤه
ما بين عقدين منظوم ومنثور
سللتها مثل سل الفجر صارمه
واحجم الليل في اثواب موتور
كأنها إذ بدت والكأس تحجبها
روح من النار في جسم من النور
إذا تعاطيت مخزونا ابارقها
لم يعدني كل مفروح ومسرور
امسي غنيا وقد اصبحت مفتقرا
كأنما الملك بين اليم والزير
ومنه أيضا
كأن دبيبها في كل عضو
دبيب النوم في اجفان سار
صدعت بها رداء الهم عني
كما صدع الدجى وضح النهار
ومنه أيضا
صافيت فضلك لا ما أنت باذله
وعاشق الفضل يغرى كلما عذلا
أي أعيذك من قولي لسائله
أني حدوت ولكن لم أجد جملا
ومنه أيضا
لقد سهلت بك الايام حتى
لقال الناس لم تكن الوعور
وكيف أخاف دهرا أنت بيني
وبين صروفه أبدا سفير
47 - عمارة بن حمزة الكاتب
(1/87)
من ولد عكرمه مولى ابن عباس رضي الله عنهما توفي في حدود الثمانين والمائة وكان أعور ذميما إلا انه كان كاتبا صدرا معظما تياها جوادا ممدحا شاعرا ولي مناصب عدة ولايات فكان المنصور والمهدي يعظمانه ويحتملان اخلاقه لفضله وبلاغته وكفاءته ووجوب حقه جمع له بين ولاية البصرة وفارس والاهواز واليمامة والبحرين والعرض وكان يقول ما أعجب قول الناس فلان رب الدار إنما هو كلب الدار يخبز في داري كل يوم الفا رغيف يؤكل منها ألف وتسع ماية وتسعون رغيفا حلالا وآكل أنا منها رغيفا واحدا حراما
وأراد المنصور يوما أن يعبث به فأمر بعض خدمه أن يقطع حمائل سيفه لينظر ايأخذه أم لا ففعل به ذلك وسقط السيف فمضى عمارة ولم يلتفت وكان من تيهه إذا أخطأ يمضي على خطئه ويتكبر عن الرجوع ويقول نقض وإبرام في ساعة واحدة الخطأ أهون من هذا
(1/88)
وكان يوما يمشي مع المهدي في أيام المنصور ويده في يده فقال له رجل من هذا ايها الامير فقال أخي وابن عمي فلما ولى الرجل ذكر المهدي ذلك لعمارة كالمازح فقال عمارة إنما انتظرت أن تقول مولاي فانفض والله يدي من يدك فضحك المهدي وبلغ موسى الهادي حال بنت جميلة لعمارة فراسلها فقالت لأبيها فقال لها قولي له ليأتي اليك وضعيه في موضع يخفي أثره فأرسلت اليه فحضر اليها فأدخلته حجرة له قد أعدت بالفرش الجميل فلما صار فيها دخل اليه عمارة فقال السلام عليك ايها الامير ماذا تصنع ها هنا اتخذناك ولي عهد فينا أو فحلا لنسائنا ثم أمر به فبطح وضرب عشرين درة خفيفة ورده إلى منزله فحقد عليه الهادي ولما ولي الخلافة دس عليه رجلا يدعى انه غصبه الضيعة الفلانية بالكوفة وكانت قيمتها ألف ألف درهم فبينا الهادي ذات يوم جالس للمظالم وعمارة بحضرته إذ وثب الرجل وتظلم منه فقال له الهادي قم واجلس مع خصمك أراد اهانته فقال أن كانت الضيعة لي فهي له ولا اساوي هذا النذل في المجلس ثم قام وانصرف مغضبا وكرهه أهل البصرة لتيهه وعجبه فرفع أهل البصرة إلى المهدي انه اختان مالا كثيرا فسأله المهدي عن ذلك فقال يا أمير المؤمنين والله لو كانت هذه الأموال التي ذكروها في جانب بيتي ما نظرت اليها فقال المهدي صدقت ولم يراجعه فيها وقيل انه كان له ألف دواج بوبر سوى ما ليس له وبر وكان الفضل بن يحيى بن برمك شديد الكبر عظيم التيه فعوتب على ذلك فقال هيهات هيهات هذا شيء حملت عليه نفسي لما رأيته من عمارة بن حمزة فإن أبي ضمن فارس من المهدي فحل عليه ألف ألف درهم فأمر المهدي أبا عون عبد الله بن يزيد
(1/89)
بمطالبته وقال له أن أدى اليك المال قبل أن تغرب الشمس من يومنا هذا وألا فأتني برأسه وكان مغضبا عليه وكانت حيلته لا تبلغ المال فقال يا بني أن كانت لنا حيلة فليس إلا من قبل عمارة بن حمزة وألا فأنا هالك لا محالة فامض اليه فمضيت اليه فلم يعرني الطرف ثم تقدم يحمل المال فحمل الينا فلما مضى شهران جمعنا المال فقال أبي امض إلى الشريف الحر الكريم فأد اليه ماله فلما عرفته الخبر غضب وقال ويحك اكنت قسطارا لأبيك فقلت لا ولكنك احييته ومننت عليه وهذا المال قد استغنى عنه فقال هو لك فعدت إلى أبي فقال لا والله ما تطيب به نفسي لك ولكن لك منه مايتا ألف درهم فتشبهت به حتى صار خلقا لا أستطيع أن أفارقه وبعث أبو ايوب المكي بعض ولده إلى عمارة فأدخله الحاجب قال وأدناني إلى ستر مسبل فقال أدخل فدخلت فإذا هو مضطجع محول وجهه إلى الحائط فقال الحاجب سلم فسلمت فلم يرد السلام علي فقال الحاجب اذكر حاجتك فقلت جعلني الله فداك أخوك أبو ايوب يقريك السلام ويذكر دينا بهضه وستر وجهه ويقول لك لولاه لكنت مكان رسول يسأل امير المؤمنين قضاه عني فقال وكم دين ابيك فقلت ثلاثمائة ألف درهم فقال أو في مثل هذا اكلم امير المؤمنين يا غلام احملها معه ولم يلتفت الي ولم يكلمني بغير هذا وقال الفضل بن الربيع كان أبي يأمرني بملازمة عمارة بن حمزة فاعتل عمارة وكان المهدي يسيء الرأي فيه فقال أبي يوما يا أمير المؤمنين مولاك عمارة بن حمزة عليل وقد افضى إلى بيع فرشه وكسوته فقال غفلنا عنه وما كنت اظن أن حاله بلغت إلى هذا احمل اليه خمس ماية ألف درهم واعلمه أن له عندي بعدها ما يحب قال فحملها أبي اليه من ساعته وقال اذهب بها عمك عمارة قال فأتيته وجهه إلى الحائط فسلمت فقال من أنت قلت ابن اخيك الفضل بن الربيع
(1/90)
فقال مرحبا بك فقلت له اخوك يقرؤك السلام ويقول لك ذكرت امير المؤمنين امرك فاعتذر من غفلته عنك وأمر لك بهذا المال فقال لي قد كان طال لزومك لنا وكنا نحب أن نكافئك على ذلك ولم يمكنا قبل ذلك انصرف بالمال فهو لك قال فرهبته أن ارد عليه فتركت النعال على بابه وانصرفت إلى أبي واعلمته الخبر فقال يا بني خدها بارك الله لك فيها فليس عمارة ممن يراجع ودخل عمارة على المهدي فأعظمه فلما قام قال له رجل من أهل المدينة من القرشيين يا أمير المؤمنين من هذا الذي اعظمته هذا الاعظام كله فقال له هذا عمارة بن حمزة مولاي فسمع عمارة كلام المهدي فرجع اليه وقال يا أمير المؤمنين جعلتني كبعض خبازيك وفراشيك إلا قلت هذا عمارة بن حمزة بن ميمون مولى عبد الله بن عباس ليعرف الناس مكاني منك
وأخرجت اليه يوما أم سلمة عقدا له قيمة جليلة وقالت للخادم اعلمه انني أهديته اليه فأخذه بيده وشكر أبا العباس ووضعه بين يديه ونهض فقالت أم سلمة لأبي العباس إنما أنسيه فقال أبو العباس للخادم الحقه به وقل له هذا لك فلم خلفته فلما لحقه قال ما هو لي فاردده فقال إنما هو لك فقال أن كنت صادقا فهو لك فانصرف الخادم بالعقد فاشترته أم سلمة من الخادم بعشرين ألف دينار واخباره في المكر المفرط والتيه الزائد كثيرة وهذا نموذج منها وله تصانيف منها كتاب رسالة الخميس التي تقرأ على بني العباس و كتاب رسائل المجموعة و كتاب الرسالة الماهانية معدودة في كتب الفصاحة الجيدة وقال فيه بعض شعراء أهل البصرة شعر
أراك وما ترى إلا بعين
وعينك لا ترى إلا قليلا
وأنت إذا نظرت بملء عين
فخذ من عينك الأخرى كفيلا
كأني قد رأيتك بعد شهر
ببطن الكف تلتمس السبيلا
ومن شعر عمارة بن حمزة
لا تشكون دهرا صححت به
أن الغني في صحة الجسم
هبك الأمام اكنت منتفعا
بغضارة الدنيا مع السقم
48 - عمرو بن الليث الصفار
(1/91)
اخو يعقوب بن الليث السجستاني الملكين كان هو وأخوه صفارين بسجستان يصنعان النحاس وقال بعضهم أن عمرا كان مكاري حمير قال عبيد الله بن طاهر عجائب الدنيا ثلاث جيش العباس بن عمرو الغنوي يؤسر العباس ويسلم وحده ويقتل جميع جيشه وكانوا عشرة آلاف قتلتهم القرامطة وجيش عمرو بن الليث يؤسر عمرو وحده ويموت في سجن الخليفة ويسلم جميع جيشه وكانوا خمسين الفا وأنا أترك في بيتي بطالا ويولي ابني أبو العباس واما عمرو المذكور فإنه تغلب على مملكه فارس بعد موت اخيه بالقولنج سنة خمس وستين ومائتين وجرت لهما امور يطول شرحها وتنقلت بهما الاحوال إلى أن بلغا درجة السلطنة بعد الصنعة في الصفر وكان عمرو جميل السيرة في جيشه وكان في خدمة زوجته ألف وسبع مائة جارية ودخل في طاعة الخلفاء وولي للمعتضد امرة خراسان واسره أصحاب اسماعيل بن احمد متولي
(1/92)
ما وراء النهر لما أن حاربه وتوفي في حدود التسعين ومائتين ولما تولى الأمر عمرو بعد أخيه يعقوب احسن السياسة والتدبير وذكر السلامي في إخبار خراسان كثيرا من نهضته وكفايته وقيامه بقواعد الولاية وذكر انه كان ينفق في الجيش كل ثلاثة اشهر مرة ويحضر هو بنفسه على ذلك وينادي المنادي اولا باسم عمرو بن الليث فيقدم دابته إلى العارض فيتفقدها ويتفقد جميع آلتها ويأمر بوزن ثلاثمائة درهم فتحمل اليه في صرة فيأخذ الصرة ويقلبها ويقول الحمد لله الذي وفقني لطاعة امير المؤمنين حتى استوجبت منه الرزق ثم يضعها في خفه فتكون لمن ينزع خفه ثم يدعى بعد ذلك بأصحاب الرسوم على مراتبهم فيستعرضون بآلاتهم التامة ودوابهم الفره ويطالبون بجميع ما يحتاج اليه الفارس والراجل صغير آله وكبيرها فمن أخل بإحضار شيء منها حرموه رزقه فاعترض يوما فارسا وكانت دابته في غاية الهزال فقال عمرو ما هذا تأخذ رزقنا فتنفقه على امرأتك فتسمنها وتهزل دابتك التي تحارب عليها وبها تأخذ الرزق اذهب فليس لك عندي رزق فقال الجندي جعلت لك الفداء لو عرضت امرأتي لاستسمنت فرسي فضحك عمرو وأمر بإعطائه وقال له استبدل بدابتك ولما عزل رافع بن هرمة عن خراسان تولاها عمرو بن الليث وبقي رافع بالري ثم انه هادن الملوك المجاورين له ليستعين بهم على عمرو بن الليث فلما تم له ذلك خرج إلى نيسابور فواقعه عمرو بن الليث في شهر ربيع الاخرة سنة ثلاث وثمانين ومائتين فهزمه عمرو وتبعه إلى ابيورد فدخل إلى نيسابور فأتاه عمرو وحاصره فانهزم رافع أيضا هو وأصحابه ووصل إلى خوارزم على الجمازات فقتله امير خوارزم وحز رأسه وحمله إلى عمرو وهو بنيسابور فانفذ عمرو ورأسه
(1/93)
إلى المعتضد فأمر بنصبه في الجانب الشرقي إلى الظهر وحول إلى الغربي بقية النهار وصفت خراسان إلى شط جيحون وسأل عمرو أن يوليه عمل ما وراء النهر مثل ما كان رسم عبد الله بن طاهر فوعده بذلك وأرسل اليه المعتضد هدايا وهو بنيسابور فأبى قبولها دون الوفاء بما وعده فكتب اليه الرسول بذلك فكتب له المعتضد العهد وحمله اليه مع الهدايا وكان فيها سبع دسوت خلع فوضعت بين يدي عمرو بن الليث وأفاض الرسول عليه الخلع واحدة بعد أخرى وكلما لبس خلعة صلى ركعتين ثم وضع العهد قدامه فقال ما هذا قال الذي سألته فقال عمرو وما أصنع به فإن اسماعيل بن احمد لا يسلم ذلك إلا بمائة ألف سيف قال أنت سألت فشمر الان وباشر عملك فأخذ العهد وقبله ووضعه بين يديه وانفذ عمرو إلى الرسول ومن معه سبع مائة ألف درهم وجهز إلى اسماعيل بن احمد جيشا فعبر اليهم اسماعيل نهر جيحون وقتل بعضهم وهزم الباقين وعمرو بن الليث في نيسابور ورجع اسماعيل إلى بخارى وكان عمرو قد جهز اليه محمد بن بشير فقتل وحز رأسه كان اسماعيل بن احمد قد كتب إلى عمر انك قد وليت دنيا عريضة وأنا في يدي ثغرما وراء النهر فاقنع بما في يدك واتركني مقيما بهذا الثغر فأبى عليه وحاربه وكان اسماعيل قد ذكر له أمر بلخ وشدة عبوره وقال عمرو لو شئت اسكره بالبذر من الأموال وعبرته فلما يئس اسماعيل منه جمع من معه من الابناء والدهاقين وعبر النهر إلى الجانب الغربي وجاء عمرو فترك
(1/94)
بلخ واخذ اسماعيل عليه النواحي ولم يكن بينهم قتال كثير حتى هزم عمرو وولى هاربا ومر بأجمة في طريقه قيل له إنها اقرب فقال عمرو لعامة من معه امضوا في الطريق الواضح ومضى في نفر يسير فدخل الاجمة فوجلت به دابته ووقعت به ولم يكن له في نفسه حيلة ومضى من معه ولم يلووا عليه وجاء أصحاب اسماعيل فأخذوه اسيرا فلما بلغ ذلك المعتضد فرح به ومدح اسماعيل وذم عمرا وقال يقلد أبو إبراهيم اسماعيل كلما في يد عمرو وتوجه اليه الخلع ثم أن اسماعيل خير عمرا بين أن يقيم عنده اميرا وبين أن يوجه به إلى امير المؤمنين فاختار أن يوجه إلى امير المؤمنين واحضرا ثيناس يحمل عمرا إلى بغداد فسلمه اسماعيل اليه وذلك في سنة ثمان وثمانين ومائتين وكان قد قيد عمرا وأرسله إلى الخليفة والى جانبه واحد من اصحاب اسماعيل وبيده سيف وقال لعمرو أن تحرك في أمرك أحد رمينا رأسك اليه فلم يتحرك أحد ووصل النهر وفك قيد عمرو وركب الجند للقائه وعمرو في قبة قد ارخى جلالها عليه ولما بلغ إلى باب السلام انزل من القبة والبس دراعة ديباج وبرنس السخط وحمل على جمل له سنامان يقال له إذا كان على هذه الصورة الفالج وكان هذا الجمل مما اهداه عمرو إلى الخليفة والبس الجمل الديباج وحلي بذوايب وارسان مفضضه وادخل بغداد وشقها في الشارع الاعظم إلى دار الخليفة وعمرو رافع يديه يدعو ويتضرع دهاءا منه فرقت له العامة وامسكت عن الدعاء عليه ثم ادخل على الخليفة وقد جلس له واحتفل به فوقف بين يديه ساعة وبينه وبينه قدر خمسين ذراعا فقال له هذا عاقبة بغيك يا عمرو ثم اخرج من بين يديه إلى حجرة قد أعدت له ثم أن المعتضد توفي وتولى الأمر بعده ولده المكتفي فدخل بغداد من الرقة وامر ثاني يوم بهدم المطامير التي
(1/95)
كان ابوه اتخذها لأهل الجرائم وكان المعتضد عند موته لما امتنع من الكلام أمر بقتل عمرو بن الليث بالايماء والاشارة فوضع يده على رقبته وعينه أي اذبحوا الاعور وكان عمرو اعور فلم يفعل ذلك صافي الخرمي لعلمه أن المعتضد يموت ولما دخل المكتفي بغداد سأل القاسم بن عبد الله عن عمرو بن الليث احي هو قال نعم فسر بحياته وقال أريد أن احسن اليه وكان عمرو يهدي إلى المكتفي ويبره برا كثيرا أيام مقامه بالري في حياة ابيه فيقال أن القاسم كره هذا القول من المكتفي ودس على عمرو من قتله وذلك في شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين وكانت مدة ملك عمرو اثنين وعشرين سنة تقريبا قال بعضهم كنت عند أبي علي الحسين بن محمد الفهم المحدث فدخل رجل من أهل الحديث فقال له يا أبا علي رأيت عمرو بن الليث الصفار امس على جمل فالج من الجمال التي كان عمرو اهداها إلى الخليفة منذ ثلاث سنين فانشد أبو علي شعر
وحسبك بالصفار نبلا وعزة
يروح ويغدو في الجيوش اميرا
حباهم بأجمال ولم يدر انه
على جمل منها يقاد اسيرا
وقال في ذلك علي بن محمد بن نصر بن بسام الشاعر
ايها المغتر بالدنيا
أما ابصرت عمرا
أركب الفالج بعد
الملك والعزة قسرا
وعليه برنس السخطة
اذلالا وقهرا
رافعا كفيه يد
عو الله اسرارا وجهرا
أن ينجيه من القتل
وان يعمل صفرا
49 - عمرو بن معدي كرب
أبو ثور الزبيدي قدم على رسول الله e في وفد زبيد فأسلم سنة تسع وقيل سنة عشر قال ابن عبد البر اقام بالمدينة برهة ثم شهد عامة الفتوح بالعراق وشهد مع أبي عبيدة بن مسعود ثم مع سعد وقتل يوم القادسية بل مات عطشا يومئذ وكان فارس العرب مشهورا بالشجاعة وقيل مات سنة احدى وعشرين بعد أن شهد وقعة نهاوند مع النعمان بن مقرن وشهد فتحها وقاتل يومئذ حتى كان الفتح واثخنته الجراحات يومئذ فحمل فمات في قرية روذة من قرى نهاوند
فقال بعض شعرائهم
لقد غادر الركبان يوم تحملوا
بروذة شخصا لا جبانا ولاغمرا
(1/96)
فقل لزبيد بل لمذحج كلها
رزئتم أبا ثور قريعكم عمرا
وقال شرحبيل بن القعقاع سمعت عمرو بن معدي كرب يقول
لبيك تعظيما إليك عذرا
هذي زبيد قد أتتك قصرا
يعدو بها مضمرات شذرا
يقطعن خبثا وجبالا وعرا
قد تركوا الاوثان خلوا صغرا
فنحن والحمد لله نقول اليوم كما علمنا رسول الله e
لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك أن الحمد والنعمة لك لا شريك لك في حديث طويل ذكره ووجه رسول الله e علي بن أبي طالب وخالد بن سعد بن العاص إلى اليمن وقال إذا اجتمعتما فعلي امير وان افترقتما فكل واحد منكما امير فاجتمعا وبلغ عمرو بن معدي كرب مكانهما فأقبل في جماعة من قومه فلما دنا منهما قال دعوني حتى آتي هؤلاء القوم فإني لم اسم لأحد قط الا هابني فلما دنا منهما نادى أبو ثور انا عمرو بن معدي كرب فابتدره علي وخالد وكلاهما يقول لصاحبه ويفديه بأبيه وأمه فقال عمرو إذ سمع قولهما العرب تفزع بي واراني لهؤلاء جزرا فانصرف عنهما وقد عده ابن الجوزي رحمه الله من العور في كتابه تلقيح فهوم أهل الاثر
ومن شعره عمرو بن معدي كرب
اعاذل عدتي بدني ورمحي
وكل مقلص سلس القياد
أعاذل إنما أفنى شبابي
اجابتي الصريخ على المنادي
مع الابطال حتى سل جسمي
وأقرح عاتقي حمل النجاد
ويبقى بعد حلم القوم حلمي
ويفني قبل زاد القوم زادي
تمنى أن يلاقيني قييس
وددت وأينما مني ودادي
فمن ذا عاذر من ذي سفاه
يرود بنفسه شر المراد
أريد حياته ويريد قتلي
عذيرك من خليلك من مراد
ومن شعره القصيدة المشهورة
أمن ريحانة الداعي السميع
يؤرقني واصحابي هجوع
سباها الصحة الجشمي غصبا
كأن بياض غرتها صديع
وحالت دونها فرسان قيس
تكشف عن سواعدها الدروع
إذا لم تستطع شيئا فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع
حرف الغين المعجمة
50 - غالب بن صعصعة بن ناجية
(1/97)
وباقي نسبه معروف هذا هو أبو الفرزدق الشاعر المشهور كانت له مناقب مشهورة ومكارم مذكورة منها انه اصاب أهل الكوفة مجاعة وهو بها فخرج اكثر الناس إلى البوادي وكان هو رئيس قومه وكان سحيم بن وثيل الرياحي رئيس قومه واجتمعوا بمكان يقال له صوأر بفتح الصاد المهملة وسكون الواو وبعدها همزة وراء في أطراف السماوة من بلاد كلب على مسيرة يوم من الكوفة فعقر غالب لأهله ناقة وصنع لهم طعاما وأهدى إلى قوم من بني تميم لهم جلاله جفانا من ثريد وجهز إلى سحيم جفنة فكفأها وضرب بها الذي أتى بها وقال انا مفتقر إلى طعام غالب إذا نحر ناقة تحرت أخرى فوقعت المنافسة ونحر سحيم لأهله ناقة فلما كان من الغد نحر غالب ناقتين فعقر سحيم ناقتين فلما كان اليوم الثالث نحر غالب ثلاثا فنحر سحيم ثلاثا فلما كان اليوم الرابع نحر غالب مائة ناقة ولم يكن عند سحيم هذا القدر فلم يعقر شيئا واسرها في نفسه فلما انقضت المجاعة ودخل الناس الكوفة قال بنو رياح لسحيم جررت علينا عار الدهر هلا نحرت كما نحر وكنا نعطيك مكان كل ناقة
ناقتين فاعتذر اليهم أن ابله كانت غائبة ونحر ثلاثمائة ناقة وقال للناس شأنكم والاكل وكان ذلك في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فاستفتي في حل الاكل منها فقضى بتحريمها وقال هذه ذبحت لغير مأكلة ولم يكن المقصود منها إلا المفاخرة والمباهاة فألقيت لحومها على كناسة الكوفة فأكلها الكلاب والعقبات والرخم ونظم الشعراء في ذلك فمن ذلك قول جرير يهجو الفرزدق
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم
بني ضو طري لولا الكمي المقنعا
وقال آخر
وقد سرني أن لا تعد مجاشع
من المجد إلا عقر ناب بصوأر
(1/98)
وكان غالب المذكور اعور وتراهن من كليب نفر ثلاثة على أن يختاروا من بني تميم وبكر نفرا يسألونهم فأيهم اعطى ولم يسأل عن نسبهم فهو افضلهم واختار كل رجل منهم رجلا والذين اختيرو عمير بن السليل بن قيس بن مسعود الشيباني وطلبة بن قيس بن عاصم المنقري وغالب بن صعصعة المجاشعي أبو الفرزدق فأتوا ابن السليل فسألوه مائة ناقة فقال من أنتم فانصرفوا عنه ثم أتوا طلبة بن قيس فقال لهم مثل ذلك فأتوا غالبا فسألوه فأعطاهم مائة ناقة وراعيها ولم يسألهم من هم فساروا ليلة ثم ردوها وأخذ صاحب غالب الرهن وفي ذلك يقول الفرزدق
وإذ نحبت كلب على الناس أيهم
أحق بتاج الماجد المتكرم
على نفر هم من نزار ذوو العلا
وأهل الجراثيم التي لم تهدم
فلم يجل عن احسابهم غير غالب
جرى بعناني كل أبيض خضرم
وتوفي غالب في أيام معاوية ودفن بكاظمة
وقال الفرزدق يرثيه
لقد ضمت الاكفان من آل دارم
فتى فائض الكفين محض الترائب
حرف القاف
51 قبيصة بن أبي ذؤيب أبو سعيد الخزاعي المدني الفقيه
يقال انه ولد عام الفتح وتوفي سنة ست وثمانين للهجرة وأتي به بعد موت ابيه إلى النبي e ليدعو له روى عن أبي بكر وعمر وأبي الدرداء وعبد الرحمن بن عوف وبلال وعبادة بن الصامت وتميم الداري وكان آثر الناس عند عبد الملك بن مروان وكان على الخاتم والبريد وكان يقرأ الكتب إذا وردت ثم يدخل بها على عبد الملك وكان ثقة مأمونا كثير الحديث وقيل أن وفاته سنة ثمان
وروى البخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وقد عده ابن الجوزي رحمه الله من العوران في كتاب تلقيح فهوم أهل الاثر
وذهبت عينه يوم الحرة
52 قتادة بن النعمان بن زيد بن كعب
وكعب هو ظفر بن الخزرج بن عمر بن مالك بن اوس الانصاري يكنى
(1/99)
أبا عمرو وقيل أبا عمر قيل أبا عبد الله يمني شهد بدرا والمشاهد كلها قال بعضهم قلعت عينه يوم بدر وقيل يوم الخندق قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى الصحيح إنها اصيبت يوم أحد قال محمد بن عبد الله بن عمارة أن قتادة رميت عينه يوم أحد فسالت حدقته فأتى رسول الله e فقال يا رسول الله أني لي امرأة احبها وان هي رأت عيني خشيت أن تقذرني فردها رسول الله e بيده فكانت اقوى عينيه واصحها وفي رواية فرفع حدقته بيده حتى وضعها موضعها ثم غمزها براحته وقال اللهم اكسهه جمالا فمات وانها احسن عينيه وما مرضت بعد
ووفد رجل على عمر بن عبد العزيز فقال ممن الرجل فقال شعر
انا ابن الذي سالت على الخد عينه
فردت بكف المصطفى احسن الرد
فعادت كما كانت بأول أمرها
فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد
فقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
تلك المكارم لا قعبان من لبن
شيبا بماء فعادا بعد ابوالا
وكانت معه يوم الفتح راية بني المظفر وكان من فضلاء الانصار وتوفي رضي الله عنه سنة ثلاث وعشرين وقيل سنة اربع وعشرين وهو ابن خمس وستين سنة وصلى عليه عمر بن الخطاب ونزل في قبره أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وهو اخوه لامه
53 قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحصين الباهلي
امير خراسان كان من الشجاعة والرأي والحزم بمكان وهو الذي فتح
(1/100)
بخارى وخوارزم والري وسمرقند وفرغانة والترك سمع من عمران بن حصين وأبي سعيد الخدري ولما مات الوليد نزع الطاعة فلم يوافقه اكثر الناس وكان قد عزل وكيع بن حسان بن قيس الغراني عن رياسة تميم فحقد عليه ثم وثب عليه في أحد عشر من اهله فقتلوه في بيته في ذي الحجة الحرام سنة ست وتسعين للهجرة وكان قتيبة قد تولى بعد يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وكان قتيبة اعور فقال الناس هذا بدل اعور فصارت مثلا كما تقدم وكان ابن مسلم كبير القوم عند يزيد بن معاوية وقال أهل التاريخ بلغ قتيبة في غزو الترك والتوغل في بلاد ما وراء النهر وافتتاح القلاع واستباحة البلاد واخذ الاموال وقتل الفتاك ما لم يبلغه المهلب بن أبي صفرة ولما فتح خوارزم وسمرقند في عام واحد دعا ابن توسعة شاعر المهلب وقال له اين قولك في المهلب
إلا ذهب الغزو المقرب للغنى
ومات الندى والجود بعد المهلب
افغزو هذا فلما سمع ذلك نهار بن توسعة قال بل هذا حشر وأنا الذي اقول
ولا كان مذ كنا ولا كان قبلنا
ولا هو فيما بعدنا كابن مسلم
أعم لأهل الترك قتلا بسيفه
واكثر فينا مقسما بعد مقسم
وفي قتل قتيبة يقول جرير
ندمتم على قتل الاغر بن مسلم
وانتم إذا لاقيتم الله اندم
لقد كنتم من غزوه في غنيمة
وانتم لمن لاقيتم اليوم مغنم
على انه افضى إلى جود ربه
وتطبق بالبلوى عليكم جهنم
وقال قتيبة يوما لهبيرة بن مسروح أي رجل أنت لو كان اخوالك من غير سلول فلو بادلت بهم فقال اصلح الله الامير بادل بهم من شئت من العرب وجنبني باهلة وكانت العرب تستنكف من الانتساب إلى باهلة حتى قال الشاعر
وما ينفع الأصل من هاشم
إذا كانت النفس من باهلة
وقال الآخر
ولو قيل للكلب يا باهلي
عوى الكلب من لؤم هذا النسب
وقيل لأبي عبيدة يقال أن الاصمعي دعي في النسب إلى باهلة
(1/101)
فقال هذا ما يمكن فقيل ولم قال لان الناس إذا كانوا من باهلة تبرأوا منها فكيف يجيء من لا هو منها ثم انه ينتسب اليها ويقال أن الاشعث بن قيس الكندي قال لرسول الله e تتكافأ دماؤنا فقال نعم ولو قتلت رجلا من باهلة لقتلتك به
ويحكى أن اعرابيا لقي شخصا في الطريق فسأله ممن أنت فقال من باهلة فرثى له الاعرابي فقال له ذلك الشخص وازيدك أني لست من صميمهم ولكن من مواليهم فأقبل الاعرابي يقبل يديه ورجليه فقال ولم ذلك فقال لأن الله تعالى ما ابتلاك بهذه الرزية في الدنيا إلا ويعوضك الجنة في الاخرة
وقيل لبعض الاعراب ايسرك أن تدخل الجنة وأنت باهلي فقال نعم بشرط أن لا يعلم أهل الجنة أني باهلي
وفي قتيبة يقول الشاعر
إذا ما قريش علا ملكها
فإن الخلافة في باهلة
لرب الحرون أبي صالح
وما تلك بالسنة العادله
54 - قيس بن المكشوح أبو شداد
واختلف في اسم المكشوح فقيل هبيرة بن هلال وهو الاكثر وقيل
عبد يغوث بن هبيرة بن هلال ينتهي إلى كهلان بن سبأ البجلي حليف مراد وعداده فيهم قيل لا صحبة له وقيل له صحبة باللقاء والرؤية قال ابن عبد البر ولا اعلم له رؤية ومن قال لا صحبة له قال انه لم يسلم إلا في ايام أبي بكر رضي الله عنه وقيل في ايام عمر وهو أحد الصحابة الذين شهدوا مع النعمان بن مقرن فتح نهاوند وله ذكر صالح في الفتوحات بالقادسية وغيرها زمن عمر وعثمان وهو أحد الذين قتلوا الاسود العنسي وهم قيس بن المكشوح وذادويه وفيروز الديلمي وقتله الاسود العنسي يدل على إسلامه لانه كان في زمن النبي e ثم قتل قيس في صفين مع علي وكان يومئذ صاحب راية بجيلة
وكانت فيه نجدة وبسالة وهو شاعر فارس وهو ابن اخت عمرو بن معدي كرب الزبيدي وكان يناقضه في الجاهلية
وكانا في الإسلام متباغضين وهو القائل لعمرو بن معدي كرب
فلو لاقيتني لاقيت قرنا
وودعت الحبائب بالسلام
لعلك موعدي ببني زبيد
وما قامعت من تلك اللئام
ومثلك قد قرنت له يديه
(1/102)
إلى اللحميين يمشي في الخطام
قال له بنو بجيلة يا أبا شداد خذ رايتنا اليوم فقال غيري خير لكم فقالوا ما نريد غيرك فقال والله أن اعطيتمونيها لا انتهي بكم دوس صاحب الترس المذهب وكان على رأس معاوية رجل قائم معه ترس مذهب يستر به معاوية من الشمس
فقالوا اصنع ما شئت فاخذ الراية وزحف حتى انتهى إلى صاحب الترس وكان في خيل عظيمة فاقتتل الناس هنالك قتالا عظيما وشد قيس بسيفه على صاحب الترس فعارضه رومي لمعاوية دونه فضرب قدمه فقطعها وضربه قيس فقتله واسرعت اليه السيوف فقتل يومئذ رضي الله عنه وكان قد اصيبت عينه في بعض الحروب
حرف اللام
55 - لاحق بن حميد السدوسي البصري
أبو مجلز بالميم والجيم واللام والزاي الاعور سمع جندب بن عبد الله البجلي ومعاوية وابن عباس وسمرة بن جندب وانس بن مالك قال شعبة تجيئنا احاديث عن أبي مجلز كأنه شيعي وتجيئنا عنه احاديث كأنه عثماني وتوفي رحمه الله سنة ست ومائة وروى له البخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه رضي الله عنهم اجمعين
حرف الميم
56 - مالك بن الحارث
هو الاشتر النخعي خطيب بليغ شريف كبير القدر حضر صفين مع علي رضي الله عنه وكان يظهر على معاوية فحمل عليه أصحاب علي لما رأوا المصاحف على الاسنة ولما انصرف علي من صفين بعث الاشتر النخعي على مصر فمات رضي الله عنه في الطريق مسموما سنة ثمان وثلاثين للهجرة ولما كان يوم الجمل كان عبد الله بن الزبير مع خالته عائشة رضي الله عنها وهو من الابطال وكان الاشتر مع علي رضي الله عنه فتماسك ابن الزبير هو والاشتر وصار كل واحد منهما إذا قوي على صاحبه جعله تحته وركب صدره ففعلا ذلك مرارا وابن الزبير ينشد في اثناء ذلك
اقتلاني ومالكا
واقتلا مالكا معي
(1/103)
وقال ابن الزبير لاقيت الاشتر يوم الجمل فما ضربته ضربة إلا ضربني ستا أو سبعا ثم اخذني برجلي وادلاني في الخندق وقال والله لولا قرابتك من رسول الله e ما اجتمع منك عضو إلى عضو واعطت عائشة رضي الله عنها لمن بشرها بسلامة ابن الزبير من الاشتر عشرة الاف درهم ودخل عليها بعد الجمل فقالت له يا أشتر أنت الذي اردت قتل ابن اختي يوم الوقعة فانشدها شعر
اعائش لولا انني كنت طاويا
ثلاثا لألفيت ابن اختك هالكا
غداة ينادي والرماح تنوشه
بآخر صوت اقتلاني ومالكا
فنجاه مني اكله وشبابه
وخلوة جوف لم يكن متماسكا
وقال زجر بن قيس دخلت مع عبد الله بن الزبير الحمام فإذا في رأسه ضربة لو صبت فيها قارورة لاستقرت فقال اتدري من ضربني هذه الضربة قال لا قال ابن عمك الاشتر النخعي وكان الاشتر اعور رحمه الله
57 - ماهان أبو سالم الحنفي الاعور الكوفي
يقال له المسبح بالميم والسين والباء الموحدة والحاء المهملة كان لا يفتر عن التسبيح وروى عن ابن عباس وغيره وصلبه الحجاج في حدود التسعين للهجرة
58 - متمم بن نويرة بن حمزة اليربوعي التميمي
اسلم هو وأخوه مالك قال ابن عبد البر واما متمم فلم يختلف في
إسلامه وكان شاعرا محسنا لم يكن لأحد مثل مراثيه لاخيه مالك حكى صاحب الاغاني عن الرياشي قال صلى متمم ابن نويرة مع أبي بكر رضي الله عنه الصبح ثم انشده شعرا
نعم القتيل إذا الرياح تناوحت
تحت الازار قتلت يا ابن الازور
الابيات ثم بكى حتى سالت عينه ثم انخرط على سية قوسه متكئا أي مغشيا عليه
وقال قيل لمتمم ما بلغ من وجدك على اخيك فقال اصبت بإحدى عيني فما قطرت منها قطرة منذ عشرين سنة فلما قتل أخي استهلت فما ترفأ
وقيل له انكم أهل بيت قد تفانيتم فلو تزوجت عسى أن ترزق ولدا تكون فيه بقية منكم فتزوج امرأة بالمدينة فلم ترض اخلاقه لشدة حزنه على اخيه وقلة حفله بها وكانت تؤذيه فطلقها وقال شعر
اقول لهند حين لم ارض فعلها
اهذا دلال الحب أم فعل تارك
(1/104)
أم الصرم ما تبغي فكل مفارق
يسير علينا فقده بعد مالك
59 - محمد بن إبراهيم بن يوسف الأمام الفاضل تاج الدين ابن المراكشي الشافعي
مولده سنة ثلاث وسبعمائة بالقاهرة لازم الشيخ الأمام اثير الدين أبا حيان والعلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي والشيخ علاء الدين القونوي من اشياخ عصره واشتغل ودأب وكان له مشاركات جيدة في عدة فنون وعنده نكت غريبة في الفقه والاصول والعربية وغير ذلك لكنه كانت تقعد به أخلاقه لانه كان ضيق العطن قليل الاحتمال لا يحابي احدا ولا يتحاشاه فأذاه لذلك قاضي القضاة جلال الدين القزويني أول دخوله القاهرة ولم يرجع عما هو فيه فشاور عليه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون فرسم باخراجه من القاهرة إلى الشام
اظن ذلك في أواخر سنة سبع وثلاثين وسبعمائة إلى دمشق واقام بها وحصل له تدريس المدرسة المسرورية بباب البريد واقام على ذلك وله بيت في دار الحديث الاشرفية وكان كثير الاشتغال إما يقرئ الطلبة واما يطالع له الناس ما يختاره ويعطي الدراهم لمن يقرأ له لأنه كان مطموس العينين إلا أن احديهما يرى بها قليلا وكان كثير الثناء على الشيخ ركن الدين ابن القويع يعظمه تعظيما كثيرا إلى الغاية وقرأ عليه كتابي شرح لأمية العجم من اوله إلى آخره وبلغني انه اثنى عليه ولما كان في سنة احدى وخمسين وسبعمائة تورع عن تدريس المسرورية وحضر دار العدل وقال قد وجدت واقف المسرورية شرط في المدرس أن يكون يعرف الخلاف يريد به الجبت وأنا لا اعرفه ولا اعرف هذا الشرط في أحد إلا في قاضي القضاة تقي الدين السبكي وقد نزلت عنها له
فتولاها قاضي القضاة واقام تاج الدين المذكور على حاله في الطلب والعمل لا يمل من ذلك إلى أن مات فجأة يوم الاحد آخر النهار ثالث عشر جمادي الاخرة سنة اثنين وخمسين وسبعمائة رحمهما الله تعالى
60 - محمد بن ارغون بن ابغا بن هولاكو بن جنكزخان المغلي السلطان القان
(1/105)
غياث الدين خد بندا كذا يقول العوام وانما خداي بندا معناه عبد الله كان صاحب العراق واذربيجان وخراسان ملك بعد أخيه غازان وكانت دولته ثلاثة عشر سنة وكان شابا مليحا لكنه كان اعور جوادا لعابا محبا للعمارة أنشأ مدينة جديدة باذربيجان وهي مدينة سلطانية حاصر الرحبة سنة اثنتي عشر وسبع ماية واخذها بالامان في شهر رمضان وعفا عن اهلها ولم يسفك فيها دما وبات بها ليلة الاربعاء الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة اثنتي عشرة وسبعمائة فما اصبح وترك لأهل الرحبة اشياء كثيرة من اثقال المناجيق وغيرها وكان معه يومئذ قرا سنقر والافوم وسليمان بن مهنا وكان اهلها قد حلفوا لخزابندا فلما ارتحل عنها واستقر الأمر التمس قاضيها ونائبها والطائفة حلفت له عزلهم من السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون لمكان الدين لخزابندا فعزلهم وكان سنيا فما زالت به الامامية إلى أن رفضوه وغير شعار الخطبة واسقط ذكر الخلفاء من الخطبة سوى علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وصمم أهل باب الأزج على مخالفته فما أعجبه ذلك وتنمر ورسم بإباحة ما لهم ودمائهم فعوجل بعد يومين بهيضة مزعجة داواه منها الرشيد بمسهل منظف فخارت قواه وتوفي في شهر رمضان سنة ستة عشر وسبعمائة ودفن بسلطانية في تربته وهو في عمر الاربعين وفي رحيله عن رحبة مالك بن طوق قال علاء الدين الوداعي ومن خطه نقلت
ما فر خدابندا عن الرحبة
العظمى إلى اوطانه شوقا
بل خاف من مالكها انه
يلبسه من سيفه طوقا
ولما تشيع خدبندا قال جمال الدين إبراهيم بن الحسام المقيم بقرية مجدل سلمة من بلاد صفد يمدحه شعر
أهدي إلى ملك الملوك دعائي
وأخصه بمدائحي وثنائي
وإذا الورى وآلوا ملوكا غيره
جهلا ففيه عقيدتي وولائي
هذا خدا بندا محمد الذي
ساد الملوك بدولة غراء
ملك البسيطة والذي وأنت له
اكنافها طوعا بغير عناء
أغنتك هيبتك التي أعطيتها
عن صارم أو صعدة سمراء
ولقد لبست من الشجاعة حلة
تغنيك عن جيش ورفع لواء
(1/106)
ملأ البسيطة رغبة ومهابة
فالناس بين مخافة ورجاء
من حوله عصب كآساد الشرى
لا يرهبون الموت دون لقاء
وإذا ركبت سرى امامك للعدى
رعب يقلقل انفس الاعداء
ولقد نشرت العدل حتى انه
قد عم في الاموات والاحياء
فليهن دينا أنت تنصر ملكه
وطبيبه الداري بخسم الداء
نبهته بعد الخمول فأصبحت
تعلو بهمته على الجوزاء
وبسطت فيه بذكر آل محمد
فوق المنابر ألسن الخطباء
وغدت دراهمك الشريفة نقشها
باسم النبي وسيد الخلفاء
ولقد حفظت عن النبي وصية
ورفعت قرباه على القرباء
فابشر بها يوم المعاد ذخيرة
يجزيكها الرحمن خير جزاء
يا ابن الاكاسرة الملوك تقدموا
وورثت ملكهم وكل علاء
61 - محمد بن أبي سعيد بن احمد بن شرف أبو عبد الله الجذامي القيرواني
أحد فحول شعراء المغرب كان اعور وله تصانيف منها كتاب ابكار الافكار وهو كتاب حسن في الادب يشتمل على نظم ونثر من كلامه ويقال أن شرف اسم امه واسم ابيه احمد فعلى هذا لا ينصرف
وروى ابن شرف عن أبي حسن القابسي وتوفي رحمه الله سنة ستين واربعمائة أو فيما قبلها وكانت بينه وبين ابن رشيق مهاجاة وعداوة جرى الزمان بعادتها بين المتعاصرين ولابن رشيق فيه عدة رسائل يهجوه فيها ويبين اغلاطه وقبائحه منها رسالة ساجور الكلب و رسالة قطع الانفاس و رسالة نجح الطلب و رسالة رفع الاشكال ودفع المحال وكتاب نسخ الملح ونسخ اللمح
وانشدني بعضها يقول
بني شرف شرف أمكم
وليست اباكم فلا تكذب
ولكنها ايقظت شيخكم
فأثبت في ذلك المنصب
أبينوا لنا امكم اولا
ونحن نسامحكم بالاب
وقال ابن شرف وهو تشبيه متمكن
كأنما حمامنا فقحة
النتن والظلمة والضيق
كأنني في وسطها فيشة
ألوطها والعرق الريق
فبلغ ذلك ابن رشيق فقال
وأنت أيضا اعور اصلع
فصادف التشبيه تحقيق
(1/107)
وهذا في غاية الحسن ومن عجيب الاتفاق وقال ابن رشيق في حقه في كتاب الانموذج لقد شهدته مرات يكتب القصيدة في غير مسودة كأنما يحفظها ثم يقوم فينشدها واما المقطعات فما احصي ما يصنع منها كل يوم بحضرتي صاحيا أو سكرانا ثم يأتي بها بعد ذلك واكثرها مخترع بديع
ومن شعر ابن شرف القيرواني
ولقد نعمت بليلة جمد الحيا
بالارض فيها والسماء تذوب
جمع العشاءين المصلي وانزوى
فيها الرقيب كأنه مرقوب
والكأس كاسية القميص كأنها
لونا وقدا معصم مخضوب
هي وردة في خده وبكأسها
تحت القناني عسجد مصبوب
مني اليه ومن يديه إلى يدي
كالشمس تطلع بيننا وتغيب
قلت ما وقعت على ارشق من هذا المعنى ولا اتم وهو عندي اكمل واحسن من قول أبي نواس حيث قال شعر
طالعات من السقاة علينا
فإذا ما غربن يغربن فينا
ومن قول مسلم بن الوليد
ينحسر الليل عن دجاه
وتطلع الشمس في الصواني
ومما سار له وطار وملأ الاقطار قوله
جاور عليا ولا تحفل بحادثة
وإذا ادرعت فلا تسأل عن الاسل
فالماجد السيد الحر الكريم له
كالنعت والعطف والتوكيد والبدل
سل عنه وانطق وانظر اليه تجد
ملء المسامع والافواه والمقل
وما أحسن قوله من ابيات
لو كان خلقك لليالي لم يزل
جسم الثرى وعليه ثوب ربيع
سلك الورى آثار فضلك فانثنى
متكلف عن مسلك مطبوع
ابناء جنسك في الحلى لا في العلا
واقول قولا ليس بالمدفوع
أبدا ترى البيتين يختلفان في المعنى
ويتفقان في التقطيع
فتسلق على معنى أبي الطيب في قوله
فإن تفق الانام وانت منهم
فإن المسك بعض دم الغزال
واختلسه منه اختلاسا خفيا وأتى به قمرا بهيا وقال ابن شرف القيرواني شعر
احذر محاسن اوجه فقدت محاسن
انفس ولو إنها اقمار
سرج تلوح إذا نظرت فإنها
نور يضيء وان مسست فنار
وقال أيضا
قالوا تصاهلت الحمير
فقلت إذ عدم السوابق
خلت الدسوت من الرخاخ
ففرزنت فيها البياذق
وقال في عود والمعنى مشهور شعر
سقى الله ارضا أنبتت عودك الذي
زكت منه اغصان وطابت مغارس
(1/108)
تغني عليها الطير وهي رطيبة
وغنى عليها الناس والعود يابس
وقال في الخيار مضمنا شعر
خيار يحيينا خيار الورى به
كأيدي المهافي اخضر الحبرات
لقفن على الايدي الاكمة سترة
فأذكرتنا ما قيل في الخضرات
يخبئن اطراف البنان من التقى
ويطلعن شطر الليل معتجرات
وقال أيضا
إذا صحب الفتى جد وسعد
تحامته المكاره والخطوب
ووافاه الحبيب بغير وعد
طفيليا ومادله الرقيب
وعد الناس ضرطته غناء
وقالوا أن فسا قد فاح طيب
وقال في مليح اسمه عمر شعر
يا أعدل الأمة اسما كم تجور على
فؤاد مضناك بالهجران والبين
اظنهم سرقوك القاف من قمر
وابدلوها بعين خيفة العين
وقال أيضا
يا ثاويا في معشر
قد اصطلى بنارهم
أن تبل من شرارهم
على يدي شرارهم
أو ترم من احجارهم
وانت في احجارهم
فما فتئت جارهم
ففي هواهم جارهم
وارضهم في ارضهم
ودارهم في دارهم
وأخذ خمسين بيتا مفاريد من قول أبي الطيب وخمسين بيتا من اشعار العرب ونظم معنى المائة بيت المذكورة قصيدة على روي اللام ألف واتى في كل بيت من معنى الحكمة في بيته هو كقول طرفة شعر
ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالاخبار من لم تزود
وقول النابغة
ولست بمستبق أخا لا تلمه
على شعث أي الرجال المهذب
فقال ابن شرف شعر
لا تسأل الناس والايام عن خبر
هما ينبئانك الأخبار تطفيلا
ولا تعاتب على نقص الطباع اخا
فإن بدر السما لم يعط تكميلا
62 محمد بن أبي طالب شمس الدين الانصاري الصوفي
المعروف قديما بشيخ حطين ثم بشيخ الربوة أخيرا رأيته بصفد مرات واجتمعت به مديدة
(1/109)
كان من اذكياء العالم له قدرة على الدخول في كل علم وجرأة على التصنيف في كل فن رأيت له عدة تصانيف حتى في الاطعمة وفي اصول الدين على غير طريق الاعتزال والاشاعرة والحشوية لأنه لم يكن له علم وإنما كان ذكيا قيوما أجده وهو يرى رأي الأشاعرة ويوما أراه وهو يرى رأي الاعتزال ويوما أراه وهو يرى رأي الحشوية ويوما أراه وهو يرى رأي ابن سبعين وينحو طريقه وكان يتكلم على الاوقات ويضعها ويتكلم على اسرار الحروف ويعرف الرمل جيدا وله في كل شيء يتكلم فيه تصنيف وكان له نظم ليس بطائل وكان ربما عرض علي القصيدة وطلب مني تنقيحها فأغير منها كثيرا وكان يتكلم في علم الكيمياء ويدعي فيه اشياء والظاهر أنه كان يعرف منها ما يخدع به العقول ويلعب بألباب الاغمار ولقد توصل إلى أن طلبه الافرم نائب الشام ونقق عليه ودخل معه في اشياء واوهمه منها امورا فولاه مشيخة الربوة وهو شيخ النجم الحطيني الذي سمره السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون اوائل قدومه من الكرك في المرة الثانية بالقاهرة وجهزه مسمرا على جمل إلى دمشق لأن النجم هذا كان شيطانا جريا قاتل النفس لعب بعقل جولجين جمدار السلطان واتصل به بدمشق لما كان السلطان بها واراه ملحمة عتقها وذكر فيها اسمه واسم ابيه وامه وذكر شامات في جسمه وآثار توصل إلى معرفتها من غيره وقال أنت تملك فاطلع السلطان على ذلك بعد مدة فقتل جولجين ومن كان يحادثه في ذلك وجهز اخذ النجم من حطين شيخ الخانقاه
(1/110)
بها فورد عليهم امان اضافوه وأراد السفر في الليل وعلم النجم أن معه ذهبا فاتبعه وقتله فبلغت القصة الامير سيف الدين كراي نائب صفد إذ ذاك فاحضر الشيخ شمس الدين وضربه على ما قيل ألف مقرعة وعوقب ثم افرج عنه ولشمس الدين هذا كتاب حسن في الفراسة جمع فيه كلام الشافعي رضي الله عنه وابن العربي وصاحب المنصور وكلام افلاطون وكلام ارسطو فجاء حسنا رآه جماعة من الفضلاء فاعجبوا به وكتبوه مني منهم الشيخ شمس الدين بن الاكفاني وغيره وتناولته منه بصفد سنة اربع وعشرين وسبعمائة بعد ما كتبته بخطي وكان فكه المحاضرة حلو النادرة يتوقد ذكاء ولحقه صمم قوي قبل موته بعشر سنين أو اكثر واضر من عينه الواحدة وتوفي رحمه الله في بيمارستان صفد سنة خمس وعشرين وسبعمائة
63 محمد بن علي بن محمد بن رحيم
بضم الراء المهملة وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها ميم الحافظ أبو عبد الله الصوري أحد اعلام الحديث سمع على كبر وعني بالحديث اتم عناية إلى أن صار فيه رأسا وكان يسرد الصوم قال الخطيب كان صدوقا كتب عني وكتبت عنه قال السلفي كتب الصوري البخاري في سبعة اطباق ورق بغدادي ولم يكن له سوى عين واحدة وعنه اخذ الخطيب الحديث وله شعر رائق وتوفي رحمه الله سنة احدى واربعين واربعمائة سمع بالكوفة من اكثر من اربعمائة شيخ وكان هناك يظهر السنة ويترحم على الصحابة فثاروا عليه ليقتلوه فالتجأ إلى أبي طالب بن عمر العلوي فأجاره وقال له اقرأ علي فضائل الصحابة فقرأ عليه فتاب من سبهم وقال قد عشنا اربعين سنة في سبهم اترى اعيش مثلها حتى اذكرهم بخير
وكان قسم اوقاته في نيف وثلاثين فنا وكانت له اخت بصور خلف عندها
اثني عشر عدلا من الكتب فأعطاها الخطيب شيئا وأخذ بعض الكتب وكان حسن المحاضرة ومن شعره
قل لمن عاند الحديث واضحى
عائبا أهله ومن يدعيه
أبعلم تقول هذا ابن لي
أم بجهل فالجهل خلق السفيه
أتعيب الذين هم حفظوا الدين
من الترهات والتمويه
(1/111)
والى قولهم وما رددوه
راجع كل عالم وفقيه
ومن شعره في أبيات
تولى الشباب بريعانه
وجاء المشيب بأحزانه
وان كان ما جار في سيره
ولا جاء في غير ابانه
ولكن أتى مؤذنا بالرحيل
فويلي من قرب ايذانه
ولولا ذنوب تحملتها
لما راعني حال اتيانه
ولكن ظهري ثقيل بما
جناه شبابي بطغيانه
64 محمد بن يزيد الخزرجي
لقبه علي بن المهدوي الكسروي وأخذ عنه وهو القائل
يا ابن من يكتب في الاعناق
من غير دواة
لم يكن يكتب فيها
غير خط الالفات
يريد أن اباه حجام والله سبحانه وتعالى أعلم
65 محمود بن زياد الماربي
بالميم والالف والراء والباء ثانية الحروف اليمني كان شاعرا مدح الملك المفضل بن أبي البركات الحميري فوصله بألف دينار فقال يشكره من قصيدة
فوهبت لي الألف التي لو إنها
وزنت بصم الصخر كانت أبهرا
وكان أول من نوره باسمه الشريف عيسى بن حمزة بن سليمان الحسني صاحب عثر فإنه وجد عنده الاثر ولما دخلت الغز إلى اليمن وأخذت الشريف يحيى بن حمزة إلى العراق وبقي اخوه الأمير عيسى اميرا في البلاد فلم يزل يجتهد ويكاتب ويبذل الأموال حتى افتك اخاه يحيى ولما عاد إلى عثر دبر على اخيه عيسى وقتله فقال محمود الماربي
خنت المودة وهي الام خطة
وسلوت عن عيسى ابن ذي المجدين
يا طف عثر أنت طف ثاني
يا يوم عيسى أنت يوم حنين
قد كان يشفي بعض ما بي من جوى
لو طاح يوم الروع في الجبلين
هيهات أن يد الحمام قصيرة
لو هز مطرد الكعوب رديني
أبلغ بني حسن وان فارقتهم
لا عن قلى وحللت باليمنين
أني وفيت بود عيسى بعده
لا لو وفيت قلعت اسود عيني
قرت عيون الشامتين واسخنت
عيني على من كان قرة عيني
وكان قد نذر أن لا يرى الدنيا إلا بعين واحدة وكان يغطي عينه بخرقة فيرى كأنه أعور إلى أن مات
ولما بلغ الشعر إلى يحيى القاتل غضب واقسم فقال جلدني الله جلدة
الماربي لأسفكن دمه فقال الماربي شعر
نبئت انك قد اقسمت مجتهدا
لتسفكن على حر الوفاء دمي
ولو تجلدت جلدي ما غدرت ولا
(1/112)
اصبحت ألأم من يمشي على قدم
وهجا الماربي رجلا من سلاطين اليمن فاعتقله لينظر فيما ذكر عنه فخافت نفس الماربي أن تتم عليه مكيدة في السجن فكتب من السجن إلى سلطان آخر وكان صديقا له هذين البيتين شعر
أسف أن طار اوطر أن سف وإن
لان الفتى فاقس أو يقس الفتى فلن
حتى تخلصني من قعر مظلمة
فأنت آخر سهم كان في قرن
فركب الرجل وكسر الحبس وأخرج الماربي وسلمه إلى من منعه من قومه ثم أنه لقي السلطان وشفع فيه واعتذر من كسر الحبس
66 المختار بن عبيد بن مسعود الثقفي أبو اسحاق
قال ابن عبد البر لم يكن بالمختار وكان ابوه من جملة الصحابة ولد المختار عام الهجرة وليست له صحبة ولا رواية واخباره غير مرضية حكاها عنه ثقات مثل سويد بن عقله والشعبي وغيرهما وذلك مذ طلب الامارة إلى أن قتله مصعب بن الزبير بالكوفة سنة سبع وستين للهجرة وكان قبل
ذلك معدودا من أهل الفضل والخير يرائي بذلك ويكتم الفسق وظهر منه ما كان يكتمه إلى أن فارق ابن الزبير وطلب الامارة وكان المختار يتزين بطلب دم الحسين رضي الله عنه ويسر طلب الدنيا والامارة فتأتي منه الكذب والجنون وكانت امارته ستة عشر شهرا وكان اعور لان عبيد الله بن زياد ضرب وجهه بسوط فذهبت عينه وروى أبو سلمة موسى بن اسماعيل عن أبي عوانة عن مغيرة عن ثابت بن هرمز قال حمل المختار مالا بالمدائن من عند عمه إلى علي رضي الله عنه فأخرج كيسا فيه خمسة عشر درهما فقال هذا من اجور المومسات فقال ويلك ما لي والمومسات ثم قام وعليه مقطعة حمراء فلما سلم قال علي رضي الله عنه ما له قاتله الله لو شق عن قلبه الان لوجد ملآنا من حب اللات والعزى يقال انه كان أول امره خارجيا ثم صار زبيريا ثم صار رافضيا وكان يضمر بغض علي ويظهر منه احيانا لضعف عقله وقال رسول الله e يكون في ثقيف كذاب ومبير فكان أحدهما المختار كذب على الله وادعى أن الوحي يأتيه من الله والآخر الحجاج
(1/113)
وقتل المختار في شهر رمضان مقبلا غير مدبر في السنة المذكورة والفرقة المختارية من الرافضة اليه تنسب كان يقول بإمامة محمد بن الحنفية بعد علي رضي الله عنه وجوز البداء على الله لانه كان يدعي عند أصحاب العلم بعواقب الأمور فكان إذا اخبرهم بما سيحدث ولم يحدث قال بدا لربكم وتبرأ منه محمد بن الحنفية لما بلغه من مخاريقه لأنه اتخذ كرسيا وغشاه بالديباج وزينه
بأنواع الزينة وقال هذا من ذخائر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو عندنا بمنزلة التابوت الذي كان في بني اسرائيل والبقية والملائكة تحمله من فوقكم مددكم واتخذ حمامات بيضا طيرها في الهواء وقال لاصحابه أن الملائكة تنزل عليكم في صور حمامات بيض وألف اسجاعا باردة
67 معاوية بن حديج بن جفنة
ابن قنبر بن حارثة السكوني وقيل الكندي وقيل الخولاني وقيل النجبي والصواب السكوني أبو عبد الرحمن وقيل أبو نعيم
يعد في أهل مصر وحديثه عندهم روى عنه سويد بن قيس وعرفطة بن عمرو وغزا معاوية افريقية ثلاث مرات متفرقات واصيبت عينه في مرة منها وقيل غزا الحبشة مع ابن أبي سرح فأصيبت عينه وقال عبد الرحمن بن شماسة المهدي دخلنا على عائشة فسألتنا كيف كان اميركم هذا أو صاحبكم هذا في غزوتكم يعني معاوية بن حديج فقالوا ما نقمنا عليه شيئا وأثنوا عليه خيرا قالوا أن هلك بعير أخلف بعيرا وان هلك فرس اخلف فرسا وان ابق خادم اخلف خادما فقالت حينئذ استغفر الله اللهم اغفر
لي أني كنت ابغضه من لأجل انه قتل اخي وقد سمعت رسول الله e يقول اللهم من رفق بأمتي فارفق به ومن شق عليهم فاشقق عليه وتوفي رحمه الله في حدود الستين للهجرة وقيل انه الذي قتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما وقد روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه
68 معتب بن أبي لهب بن عبد المطلب الهاشمي
(1/114)
له صحبة واسلم عام الفتح وشهد حنينا مسلما مع رسول الله e هو واخوه عتبة وفقئت عين معتب يوم حنين وأم معتب هذا أم جميل بنت حرب بن امية وهي حمالة الحطب
69 المغيرة بن شعبة بن عامر بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي أبو عبد الله وقيل أبو عيسى
اسلم عام الفتح وقدم مهاجرا وقيل أول مشاهدة الحديبية
روى زيد بن اسلم عن ابيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لابنه عبد الرحمن وكان اكتني أبا عيسى ما أبو عيسى فقال قد اكتنى بها المغيرة على عهد رسول الله e فقال عمر للمغيرة إما يكفيك أن تتكنى بأبي عبد الله فقال أن رسول الله e قد كناني فقال أن رسول الله e قد غفر له ما
تقدم من ذنبه وما تأخر فلم يزل يكتني أبا عبد الله حتى مات
وكان المغيرة رضي الله عنه رجلا طوالا داهية اعور اصيبت عينه يوم اليرموك وتوفي سنة خمسين للهجرة ووقف على قبره مصقلة بن هبيرة الشيباني وقال
أن تحت الاحجار حزما وجودا
وخصيما ألد ذا معلاق
حية في الوجار دهياء لا ينفع
فيها السليم نفث الراقي
ثم قال إما والله لقد كنت شديد العداوة لمن عاديت شديد الاخوة لمن آخيت
وروى مجالد عن الشعبي قال دهاة العرب اربعة معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد فأما معاوية فللأناة والحلم واما عمرو فللمعضلات واما المغيرة فللمبادهة واما زياد فللكبير والصغير
وقال ابن عبد البر أن قيس بن عبادة لم يكن في الدهاء بدون هؤلاء مع كرم كان فيه وفضل
ولما قتل عثمان وبايع الناس عليا دخل عليه المغيرة وقال يا أمير المؤمنين أن لك عندي نصيحة قال وما هي قال أن اردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة بن عبيد الله على الكوفة والزبير بن العوام على البصرة
وابعث إلى معاوية بعهده على الشام حتى تلزمه طاعتك فإذا استقرت لك الخلافة فأدرها كيف شئت برأيك
فقال علي
(1/115)
أما طلحة والزبير فسأرى رأيي فيهما وأما معاوية فلا والله لا يراني الله مستعملا له مستعينا به على حاله ولكني ادعوه للدخول فيما دخل فيه المسلمون فإن أبى حاكمته إلى الله تعالى
فانصرف المغيرة مغضبا ولما كان من الغد اتاه فقال يا امير المؤمنين نظرت فيما قلت لك بالامس وما جاوبتني به فرأيت انك قد وقفت للخير وطلب الحق ثم خرج عنه فلقيه الحسن وهو خارج فقال لأبيه ما قال لك هذا الأعور قال اتاني امس بكذا واتاني اليوم بكذا فقال نصحك الله امس وخدعك اليوم فقال له علي أن اقررت معاوية على ما في يده كنت متخذ المضلين عضدا
وقال المغيرة في ذلك
نصحت عليا في ابن هند نصيحة
فرد فلا يسمع لها الدهر ثانية
وقلت له ارسل اليه بعهده
على الشام حتى يستقر معاوية
ويعلم أهل الشام أن قد ملكته
فأم ابن هند ذلك هاوية
وتحكم فيه ما تريد فإنه
لداهية فارفق به وابن داهية
فلم يقبل النصح الذي حبيته به
وكانت له تلك النصيحة كافية
و المغيرة أول من حيا عمر بن الخطاب بأمير المؤمنين وهو أول من خضب بالسواد في الإسلام
وحكى عن الشعبي قال قال المغيرة أول ما عرفتني العرب بالدهاء والحزم أني كنت في ركب من قومي في طريق لنا إلى الحيرة فقالوا قد اشتهينا الخمرة وما معنا إلا درهم زائف فقلت هاتوه وهلموا زقين فقالوا وما يكفيك بدرهم زائف زق واحد فقلت اعطوني ما طلبت وخلاكم ذم ففعلوا وهم
(1/116)
يهزئون مني فصببت في أحد الزقين ماء فخرجت إلى خمار فقلت له كل لي ملاء هذا الزق فملأه واخرجت الدرهم الزائف فأعطيته فقال ما هذا امجنون أنت فقلت انا رجل بدوي فظننت أن ذلك يصلح فإن صلح وألا فخذ شرابك فاكتال مني ما كاله وبقي من الشراب بقدر ما كان فيه من الماء فافرغته في الزق الآخر وحملته على ظهري وخرجت فصببت في الزق الآخر ماء ودخلت إلى خمار آخر فقلت أني أريد منك ملء هذا الزق خمرا فانظر إلى ما معي منه فإن كان عندك مثله فاعطني فنظر اليه واردت أن لا يستريب في ما إذا رددت الخمر عليه فلما رآه قال عندي اجود منه فقلت هات فاخرج شرابا فاكتلته في الزق الذي فيه الماء ثم دفعت الدرهم الزائف اليه فقال مثل قول صاحبه فقلت خذ خمرك فاخذ ما كال لي وهو يرى أني خلطته بالشراب الذي أريته اياه وخرجت فجعلته مع الخمر الأول فلم أزل افعل ذلك بكل خمار في الحيرة حتى ملأت زقي الأول وبعض الآخر ورجعت إلى اصحابي فوضعتهما بين ايديهم ورددت الدرهم فقالوا ويحك أي شيء صنعت فحدثتهم فجعلوا يتعجبون وشاع ذكري بالدهاء بين العرب إلى اليوم
واما حديث الشهادة على المغيرة بالزنا وما جرى له مع عمر بن الخطاب فقد ذكرت ذلك مستوفيا في تاريخي الكبير في ترجمة المغيرة
وقد روى للمغيرة بن شعبة البخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال نافع احصن المغيرة بن شعبة في الإسلام ثلاثمائة امرأة وقال ابن وضاح غير نافع يقول ألف امرأة والله اعلم
(1/117)
70 المقلد بن المسيب بن رافع بن المقلد بن جعفر بن عمرو بن المهنا عبد الرحمن بن زيد ينتهي إلى هوازن العقيلي حسام الدولة صاحب الموصل كان أخوه أبو الذؤاد محمد بن المسيب أول من تغلب على الموصل وملكها من هذا البيت سنة ثمانين وثلاثمائة وتزوج بهاء الدولة أبو نصر بن بويه الديلمي ابنته فلما مات أبو الذؤاد سنة سبع وثمانين قام اخوه المقلد من بعده وكان اعور وله سياسة وفيه عقل وحسن تدبير فغلب على شقي الفرات واتسعت مملكته ولقيه القادر بالله وكناه ونفذ اليه اللواء والخلع فلبسها بالانبار واستخدم من الديلم والاتراك ثلاثة آلاف رجل وأطاعته خفاجة وكان فيه رفض قتله غلام تركي له سمعه يوصي حاجا أن يسلم على النبي e ويقوله له قل له لولا ضجيعاك لزرناك فوثب عليه في مجلس انس بالانبار فقتله سنة احدى وتسعين وثلاثمائة ورثاه الشريف الرضي بقصيدتين دالية وعينية واما الدالية فاولها شعر
اعامر لا لليوم أنت ولا الغد
تقلدت ذل الدهر بعد المقلد
فإن سار للاعداء غيرك فاربعي
وان قام للعلياء غيرك فاقعد
وقل للعدى امنا على كل جانب
من الأرض أو نوما على كل مرقد
فقد زال من كانت طلائع خوفه
تعارضكم في كل مرعى وفدفد
واما العينية فهي طنانة واولها
إلا ناشدا ذاك الجناب الممنعا
وجروا يناقلن الوشيح المزعزعا
ومن يملك الايام بأسا ونائلا
وتثنى له الاعناق خوفا ومطمعا
هو القدر الاقوى الذي يقصف القنا
ويلوي من الجبار جيدا وأخدعا
يرى الظفر الماضي الشباة قلامة
إذا غالب الاقدار والباع اصبعا
تصاممت حق ابلغ النفس عذرة
وما نطق الناعون إلا لأسمعا
بأن أبا حسان كبت جفانه
وأهمل نيران القرى يوم ودعا
علا الحزن بي حتى كأن لم أر الردى
يخط لجنب قبل جنبك مضطجعا
لقد صغر الارزاء رزؤك قبلها
وهون عندي النازل المتوقعا
وهذه القصيدة طويلة وكلها جيدة
71 المهلب بن أبي صفرة الازدي العتكي
(1/118)
أحد امراء البصرة واشرافهم وفرسانهم ودهاتهم ولد عام الفتح في حياة رسول الله e وروى عن سمرة بن جندب والبراء وابن عمر وابن عمرو وولي قتال الخوارج وقتل من الازارقة في وقعة واحدة اربعة آلاف وثمان ماية وتوفي سنة ثلاث وثمانون للهجرة وروى له أبو داود والترمذي والنسائي وقال الواقدي كان أهل دبا اسلموا في عهد رسول الله e ثم ارتدوا بعده ومنعوا الصدقة فوجه اليهم أبو بكر بعكرمة بن أبي جهل المخزومي فهزمهم واثخن فيهم القتل فتحصن كل منهم في حصن لهم فحصدهم المسلمون ثم نزلوا
على حكم حذيفة بن اليمان فقتل منهم مائة من اشرافهم وسبا ذراريهم وبعثهم إلى أبي بكر وفيهم أبو صفرة غلام لم يبلغ فأعتقهم أبو بكر رضي الله عنه وقال اذهبوا حيث شئتم فتفرقوا وكان أبو صفرة ممن نزل البصرة
قال ابن قتيبة هذا الحديث باطل اخطأ فيه الواقدي لأن أبا صفرة لم يكن في هؤلاء ولا رآه أبو بكر قط وانما وفد إلى عمر وهو شيخ ابيض الرأس واللحية فأمره أن يخضب فخضب فكيف يكون غلاما في زمن أبي بكر وقد ولد المهلب وهو من اصاغر ولده قبل وفاة النبي e بسنتين وقد كان في ولده قبل وفاة النبي e بثلاثين سنة
وكان المهلب من اشجع الناس وحمى البصرة من الخوارج وله معهم وقائع مشهورة بالاهواز استقصى المبرد في كتابه الكامل اكثرها فهي تسمى بصرة المهلب لذلك
وكان سيدا جليلا نبيلا روي انه قدم على عبد الله بن الزبير فخلا به عبد الله يساوره فدخل عليه عبد الله بن صفوان بن خلف فقال من هذا الذي شغلك اليوم يا أمير المؤمنين قال أو ما تعرفه قال لا قال هذا سيد العراق قال فهو المهلب بن أبي صفرة قال نعم قال المهلب من هذا يا امير المؤمنين قال هذا سيد قريش قال فهو عبد الله بن صفوان قال نعم
ولم يكن المهلب يعاب شيء إلا بالكذب وقيل فيه راح يكذب قال ابن قتيبة كان المهلب اتقى لله واشرف وانبل من ان يكذب ولكنه كان مجربا وقد قال النبي e الحرب خدعة
(1/119)
وكان يعارض الخوارج بالكلمة ويوري بها عن غيرها ويرهب بها الخوارج وكانوا يسمونه الكذاب ويقولون راح يكذب وقد كان رسول الله e إذا أراد حربا ورى بغيرها وفي المهلب قال بعض الخوارج
أنت الفتى كل الفتى
لو كنت تصدق ما تقول
وأخبار المهلب كثيرة وتقلبت به الاحوال وآخر ما ولي خراسان من جهة الحجاج بن يوسف الثقفي وكان امير العراق وضم اليه عبد الملك بن مروان خراسان وسجستان فاستعمل الحجاج المهلب على خراسان فورد عليها واليا في سنة سبع وستين وكان قد اصيبت عينه على سمر قند لما فتحها سعيد بن عثمان بن عفان في خلافة معاوية ولم يزل واليا على خراسان إلى أن توفي رحمه الله وعهد إلى ولده يزيد واوصاه بقضايا منها قال يا ولدي استعمل الحاجب واستظرف الكاتب فإن حاجب الرجل وجهه وكاتبه لسانه
ورثاه الشعراء واكثروا من ذلك قول نهار بن توسعة شعر
إلا ذهب الغزو المقرب للغنى
ومات الندى والجود بعد المهلب
اماما بمرو الروذ لم يبرحا به
وقد قعدا من كل شرق ومغرب
وخلف المهلب عدة اولاد نجباء كرماء امجاد اجواد قال ابن قتيبه يقال انه وقع إلى الأرض من صلب المهلب ثلاثمائة ولد وللمهلب عقب كثير بخراسان يقال لهم المهالبة وفيهم يقول الشاعر شعر
نزلت على آل المهلب شاتيا
غريبا عن الاوطان في زمن محل
فما زال في احسابهم وجميلهم
وبرهم حتى حسبتهم اهلي
72 الموفق بن شوحة
اليهودي الطبيب المصري الملقب بالقيثارة بالقاف والياء آخر الحروف
والشين المعجمة وبعدها الألف وراء وهاء كان من اعيان الاطباء الكحالين وكان ظريفا شاعرا ماجنا خدم السلطان صلاح الدين في الطب وكان الشيخ نجم الدين الخيوساني له صورة عظيمة بالقاهرة إذا رأى ذميا راكبا قصد قتله وكان أهل الذمة يتحامونه فرأى الموفق المذكور راكبا فضربه بشيء اصاب عينه فقلعها وراحت هدرا وله قصيدة يهجو فيها ابن جميع الطبيب ويرميه فيها بالابنة
وقال للخيوساني لما قلع عينه شعر
لا تعجبوا من شعاع الشمس إذ حسرت
(1/120)
منه العيون وهذا الشأن مشهور
بل اعجبوا كيف أعمى مقلتي نظري
للشمس وهو ضئيل الشخص مستور
ومن شعره أيضا
وروضة جادها صوب الربيع فقد
جادت علينا بوشي لم تحكه يد
كأن أصفرها الزاهي وابيضها
تبر وورق وكف الريح تنتقد
وفاح نشر خزاماها بما كتمت
وباح قمريها شجوا بما يجد
وأما ما قاله في ابن جميع الطبيب فهو
يا أيها المدعي طبا وهندسة
اوضحت با ابن جميع واضح الزور
أن كنت بالطب ذا علم فلم عجزت
قواك عن طب داء فيك مستور
تحتاج فيه طبيبا ذا معالجة
بمبضع طوله شبران مطرور
هذا ولا تشتفي منه فقل واجب
عن ذي سؤال بتمييز وتفكير
يا هند سياله شكل يهيم به
وليس يرغب فيه غير منشور
بجسم اسطواني على أكر
تألفت بين مخروط وتدوير
إلا نصف زاوية يكون
فيه كمثل الحبل في البير
73 محمد بن محمد بن محمود بن دمرتاش
الدمشقي شهاب الدين أبو عبد الله كان أول أمره جنديا وخدم بحماة وصحب صاحبها الملك المنصور ثم ابطل ذلك ولبس زي العدول وجلس في مركز المرواحية بدمشق رأيته بها سنة ثمان عشرة وسبع ماية وكان مخلا بإحدى عينيه انشدني من لفظه العلامة اثير الدين أبو حيان قال انشدني ظهير الدين البارزي قال انشدني شهاب الدين المذكور لنفسه
اقول لمسوال الحبيب لك الهنا
برشف فم ما ناله ثغر عاشق
فقال وفي أحشائه حرقة النوى
مقالة صب للديار مفارق
تذكرت اوطاني فقلبي كما ترى
أعلله بين العذيب وبارق
وانشدني بالسند المذكور
ولما التقينا بعد بين وفي الحشا
لواعج شوق في الفؤاد تخيم
أراد اختباري بالحديث فما رأى
سوى نظر فيه الجوى يتكلم
وأنشدني القاضي شهاب الدين احمد بن فضل الله قال انشدني المذكور لنفسه
ومهفهف الاعطاف معسول اللما
كالغصن يعطفه النسيم إذا سرى
قال اسقني فأتيته بزجاجة
ملئت قراحا وهو لاه لا يرى
وتأرجت برضابه وأمدها
من نار وجنته شعاعا أحمرا
ثم انثنى ثملا وقد اسكرته
برضابه وبوجنتيه وما درى
(1/121)
وأنشدني من لفظه الشيخ نجم الدين علي بن داود القحناري قال انشدني المذكور لنفسه من لفظه شعر
قال لي ساحر اللواحظ صف لي
هيفي قلت يا مليح القوام
لك قد لولا جوارح جفنيك
تغنت عليه ورق الحمام
له أيضا وما نقلت من خطه وكان يكتب مليحا إلى الغاية
حتام لا تصل المدام وقد أتت
لك في النسيم إلى الحبيب وعود
والنهر من طرب يصفق فرحة
والغصن يرقص والرياض تميد
ونقلت من خط له أيضا
قد صنت سر هواكم ضنا به
أن المتيم بالهوى لضنين
فوشت به عيني ولم أك عالما
من قبلها أن الوشاة عيون
ونقلت من خطه له أيضا
روى دمع عيني عن غرامي فأشكلا
ولكنه ودى الحديث مسلسلا
وأسنده عن واقدي اضالعي
فأضحى صحيحا بالغرام معللا
و نقلت من خط له
عجبا لمشغوف يفوه بمدحكم
ماذا يقول وما عساه يمدح
والكون إما صامت فمعظم
حرماتكم أو ناطق فمسبح
ونقلت من خطه له
من لأسير أمست قرينته
في الدوح عن حاله تسائله
فهو يغني مدى الزمان لها
وهي بأوراقها تراسله
ونقلت من خطه له
حتى إذا رق جلباب الدجى وسرت
من تحت اذياله مشكية النفس
تبسم الصبح اعجابا بخلوتنا
ووصلنا الطاهر الخالي من الدنس
ونقلت من خطه له
أن طال ليلي بعدكم فلطوله
عذر وذاك لما اقاسي منكم
لم تسر فيه نجومه لكنها
وقفت لتسمع ما أحدث عنكم
ونقلت من خطه له
بالروح افديك منطقيا علا
برتبة النحو على نشوه
منطقه العذب الشهي اللما
قد جذب القلب إلى نحوه
ونقلت من خطه له
جيادك يا من طبق الأرض عدله
وحاز بأعلى الحد أعلى المناصب
إذا سابقتها في المهامه غرة
رياح الصبا عادت لها كالجنائب
ولو لم تكن في ظهرها كعبة المنى
لما شبهت آثارها بالمحارب
ونقلت من خطه له
يا سيدي أوحشت قوما ما لهم
عن حسن منظرك الجميل بديل
وتعللت شمس النهار وما لها
من بعد بعدك بكرة واصيل
وبكى السحاب تفجعا لتوجعي
من طول هجرك والنسيم عليل
ونقلت من خطه له
انظر إلى الازهار تلق رؤوسها
شابت وطفل ثمارها ما أدركا
وعبيرها قد ضاع من اكمامها
(1/122)
وغدا بأذيال الصبا متمسكا
ونقلت من خطه له
ولما اشارت بالبنان وودعت
وقد أظهرت للكاشحين تشهدا
طفقنا بنوس الأرض نودهم أننا
نصلي الضحى خوفا عليها من العدا
ونقلت من خطه
ما أبطأت أخبار من أحببته
عن مسمعي بقدومه ورجوعه
إلا جرى قلمي إليه حافيا
وشكى إليه تشوقي بدموعه
ونقلت من خطه له
يقولون شبهت الغزال بأهيف
وهذا دليل في المحبة واضح
ولو لم يكن لحظ الغزال كلحظه
احورارا لما تاقت اليه الجوارح
ونقلت من خطه له
يقول لي الدولاب راض حبيبك
الملول بما يهوى من الخير والنفع
فإني من عود خلقت وها أنا
إذا مال عني الغصن اسقيه من دمعي
وأنشدت له دوبيت
الصب بك المتعوب والمنعوت
والقلب بك المسلوب والمسكوب
يا من طلبت لحاظه سفك دمي
مهلا ضعف الطالب والمطلوب
قيل أن الشيخ صدر الدين بن الوكيل رحمه الله كان يقول وددت لو كان يأخذ مني جميع شعري ويعطيني هذين البيتين وتوفي ابن دمرتاش رحمه الله سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة
حرف النون
74 نباتة الاعور الآبري الموصلي
كان رجلا أميا بارزيا من بني عم شرف الدولة بن قريش وكان خبيث الهجو
قال يهجو شريفا علويا من حلب
شريف أصله اصل حميد
ولكن فعله غير الحميد
ولم يخلقه رب العرش إلا
لتنعطف القلوب على يزيد
وقال يهجو ابن خميس
اقبلت والايام راجعة
وليت والبلوى لنا سبب
ما صرت رأسا يستفاد به
إلا وعند الموصل الذنب
وقال في بعض رؤساء الموصل
فكم في سفكات الفتى من مضيع
إذا ما مشى من فوقها صرف الفعل
ولو سأل القرنان حيطان بيته
تجاوبه من كل زاوية نفل
وذاك فضول كان مني وخفة
اغار على من لا يغار لها بعل
وقال يهجو نقيب العلويين بالموصل
رد الميازيب يا ابن فاطمة
فقلعها والمكب في النار
واغضب لها كالامام حيدرة
لعمه بالمهند القاري
إلا جحدنا يوم الغدير وقلنا
إنما الحق ليلة الغار
ومال مثلي إلى عتيق وانكرنا
عليا بكل انكار
75 نعيم بن حماد بن معاوية الخزاعي المروزي
(1/123)
الاعور الفارض الحافظ الفقيه نزيل مصر رأى الحسين واقد روى عنه البخاري مقرونا وروى أبو داود والترمذي والنسائي عن رجل عنه ويحيى بن معين والد علي وابو زرعة الدمشقي وابو حاتم الرازي وغيرهم وكان كاتبا لأبي عصمة وكان أبو عصمة شديد الرد على الجهمية ومنه تعلم وقال انا كنت جهميا فلذلك عرفت كلامهم وقال احمد بن حنبل لقد كان من الثقات وقال أبو العباس بن مصعب نعيم بن حماد الفارض وضع كتبا في الرد على أبي حنيفة وناقض محمد بن الحسن ووضع ثلاثة عشر كتابا في الرد على الجهمية وكان من اعلم الناس بالفرائض وحمل إلى العراق مع البويطي في امتحان القول بخلق القرآن فأبى أن يجيب بشيء مما ارادوه فحبس بسر من رأى ومات في السجن سنة تسع وعشرين ومائتين رحمه الله
حرف الهاء
76 هارون بن موسى النحوي الازدي
مولاهم أبو موسى البصري الاعور صاحب القراءة والعربية واخذ عن الاصمعي ويحيى بن معين وتوفي رحمه الله في حدود السبعين والمائة وروى له البخاري ومسلم
وقال الخطيب كان هارون يهوديا فأسلم وطلب القراءة وكان رأسا وحدث وحفظ النحو ناظره يوما انسان في مسألة فغلب هارون فلم يدر المغلوب ما يصنع فقال له كنت يهوديا فأسلمت فقال له هارون فبئس ما صنعت قال فغلبه أيضا في هذا وكان شديد القول في القدر وكان هارون أول من تتبع وجوه القرآن وألفها وتتبع الشاذ منها وبحث عن اسناده
77 هاشم بن عتبة بن أبي وقاص القرشي الزهري
ابن اخي سعد بن أبي وقاص أبو عمر قال الشيخ شمس الدين الذهبي ولد في زمن النبي e ولم تثبت له صحبة نزل بالكوفة واسلم يوم الفتح ويعرف بالمرقال وكان من الفضلاء الاخيار الابطال الفهم ففقئت عينه يوم اليرموك ثم أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق إلى سعد فشهد القادسية وابلى فيها بلاء حسنا وقام منه في ذلك ما لم يقم من أحد وكان سبب
(1/124)
الفتح على المسلمين وهو الذي افتتح جلولاء ولم يشهدها سعد وقيل شهدها وكانت جلولاء تسمى فتح الفتوح بلغت غنائمها ثمانية عشر ألف ألف وكانت سنة سبعة عشر للهجرة وقيل سنة تسع عشرة وهاشم الذي امتحن مع سعيد بن العاص زمن عثمان إذ شهد في رؤية الهلال وافطر وحده فأقصه من سعيد على يد سعيد بن العاص في خبر فيه طول ثم شهد هاشم مع علي الجمل وشهد صفين وأبلى فيها بلاء حسنا وبيده راية علي على الرجالة يوم صفين ويومئذ قتل وهو القائل يومئذ
اعور يبغي نفسه محلا
قد عالج الحياة حتى ملا
لا بد من أن يفل أو يفلا
وقطعت رجله يومئذ فجعل يقاتل من دنا منه وهو بارك ويقول
الفحل يحمي شوله معقولا
وفيه يقول أبو الطفيل عامر بن واثلة شعر
يا هاشم الخير جزيت الجنة
قاتلت في الله عدو السنة
افلح بما فزت به من منه
78 هشام بن شنبر أبي عبد الله الدستوائي
صاحب البر البصري والدستوا قرية من اعمال الاهواز ولد في حياة الصحابة الصغار وكان من كبار الحفاظ كان يقول إذا فقدت السراج ذكرت الظلمة وما زال يبكي حتى فسدت عينه وله مناقب جمة لكنه رمي بالقدر قال ابن سعد حجة ثقة إلا انه رمي بالقدر توفي سنة ثلاث وخمسين وماية وروى له البخاري ومسلم والترمذي وابو داود والنسائي وابن ماجه
حرف الواو
79 وكيع بن الجراح بن مليح الأمام أبو سفيان الرواسي الاعور الكوفي
(1/125)
أحد الاعلام ورواس بطن من قيس عيلان ولد سنة تسع وعشرين وماية وتوفي رحمه الله سنة سبع وتسعين وماية اصله من خراسان وكان ابوه ناظرا على بيت المال بالكوفة أراد الرشيد أن يولي وكيعا القضاء فامتنع ورث من امة ماية ألف درهم وكان يصوم الدهر ويختم القرآن في كل ليلة قال ابن معين هو كالاوزاعي في زمانه وقال احمد بن حنبل ما رأيت احدا أوعى منه ولا احفظ وكيع امام المسلمين وقد روى عنه غير واحد انه كان يترخص في شرب النبيذ وقال الجهر بالبسملة بدعة سمعها أبو سعيد الاشج منه قال داود بن يحيى بن يمان رأيت رسول الله e في النوم فقلت يا رسول الله من الابدال قال الذين لا يضربون بأيديهم شيئا وان وكيعا منهم حج وكيع ومات سنة ست وتسعين وماية قاله احمد والصحيح ما تقدم وترجمته طويلة وهذا القدر كاف وروى له البخاري وابو داود والنسائي وابن ماجه
حرف الياء
80 يحيى بن اكثم
قال ابن خلكان رحمه الله بالتاء المثناة من فوق ابن محمد بن قطن بن سمعان بن مشيخ أبو محمد التيمي الاسدي المروزي البغدادي القاضي من ولد اكثم بن صيفي حكيم العرب كان عالما بالفقه وبصيرا بالاحكام ذكره الدار قطني في أصحاب الشافعي رضي الله عنه وقال الخطيب كان ابن اكثم سكيما من البدعة ينتحل مذهب السنة سمع عبد الله بن المبارك وسفيان بن عيينه وغيرهما وكان أحد الأئمة المجتهدين اولي التصانيف قال احمد بن حنبل ما عرفت فيه بدعة وكان يحيى يقول القرآن كلام الله فمن قال انه مخلوق يستتاب فإن تاب وألا ضربت عنقه وقال الحاكم من نظر في كتاب التنبيه ليحيى بن اكثم عرف قدره وتقدمه في العلوم وكان واسع العلم بالفقه كثير الادب حسن العارضة قائما بكل معضلة غلب على المأمون حتى لم يتقدم
(1/126)
عليه عنده أحد مع براعة المأمون في العلم وكانت الوزراء لا تعمل شيئا في الملك إلا بعد مراجعته ومطالعته ولاه المأمون القضاء ببغداد وله عشرون سنة ولما ولي القضاء بالبصرة استصغروه فقال أحدهم كم سن القاضي فقال انا اكبر من عتاب بن اسيد الذي ولاه رسول الله e على أهل مكة واكبر من معاذ الذي وجه به رسول الله e قاضيا على اليمن وبقي فيها سنة لا يقبل فيها شاهدا وقال يحيى ما سررت مثل سروري بقول المستملي من ذكرت رضي الله عنك
وقد ذكر الأمام احمد ما يرمى به فقال سبحان الله من يقول هذا وقال أبو حاتم فيه نظر وعن ابن معين يكذب
وقال ابن راهويه ذاك الدجال يتحدث عن ابن المبذل
وقال علي بن الحسين بن الجنيد كان يسرق الحديث وقال صالح جرزه حدث عن عبد الله بن ادريس باحاديث لم نسمعها منه وقال أبو الفتح الازدي يروي عن الثقات عجائب ووردت عنه حكايات في المرد وكان ميله اليهم في الشبيبة والكهولة فلما شاخ اقبل على شأنه وبقيت الشناعة عليه
ولما أراد المأمون أن يوليه دخل عليه فاستحقره فعلم يحيى بذلك فقال يا أمير المؤمنين أن كان القصد علمي لا خلقي فسلني فقال له المأمون ابوان وابنتان لم تقسم التركة حتى ماتت احدى البنتين وخلفت من في المسألة فقال يا امير المؤمنين الميت الأول رجل أو امرأة فعلم المأمون انه قد علم المسألة فقلده القضاء وهذه أن كان الميت الأول رجلا تصح المسألتان من اربعة وخمسين وان كانت امرأة لم يرث الجد في هذه المسألة الثانية لأنه أبو أم فتصح المسألتان من ثمانية عشر سهما وهذه المسألة تعرف في الفرائض بالمأمونية لانه هو الذي سألها
(1/127)
وقال محمد بن منصور كنا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة فقال يحيى بن اكثم لي ولأبي العيناء بكرا غدا وتوجها اليه فإن وجدتما للقول مساغا وألا فامسكا إلى أن ادخل فقال ودخلنا اليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ متعتان كانتا على عهد رسول الله e وعلى عهد أبي بكر رضي الله عنه وأنا انهى عنهما ومن أنت يا جعل حتى تنهى عما فعله رسول الله e وابو بكر رضي الله عنه فأومأ محمد بن منصور إلى أبي العيناء رجل يقول في عمر رضي الله عنه ما يقول فنكلمه نحو فأمسكنا وجاء يحيى بن اكثم فجلس وجلسنا فقال المأمون ليحيى ما لي أراك متغيرا فقال هو غم لما حدث في الإسلام يا أمير المؤمنين قال وما حدث فيه قال النداء بتحليل الزنا قال الزنا قال نعم يا أمير المؤمنين المتعة زنا
قال ومن أين قلت هذا قال من كتاب الله عز وجل وحديث رسول الله e
قال الله تعالى ) قد أفلح المؤمنون ( إلى قوله ) والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك اليمين قال لا قال فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها قال لا قال فقد صار متجاوز هذين من العادين وهذا الزهري يا أمير المؤمنين روى عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن ابيهما عن علي رضي الله عنه قال أمرني رسول الله e أن انادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها فالتفت الينا المأمون فقال امحفوظ هذا من
حديث الزهري فقلنا نعم يا أمير المؤمنين رواه جماعة منهم الأمام مالك رضي الله عنه فقال استغفر الله نادوا بتحريم المتعة فنادوا بها
(1/128)
قال أبو اسحاق واسماعيل بن اسحاق بن حماد بن زيد بن درهم الازدي القاضي المالكي البصري وقد ذكر يحيى بن اكثم فعظم امره وقال كان له يوم في الإسلام لم يكن لأحد مثله وذكر هذا اليوم وكان بين يحيى بن اكثم وبين احمد بن أبي دؤاد مناظرات كثيرة وقيل انه كان يحسده حسدا شديدا وكان رجلا مفننا وكان إذا نظر إلى رجل يحفظ الفقه سأله عن الحديث وإذا رآه يحفظ الحديث سأله عن النحو وإذا رآه يحفظ النحو سأله عن الكلام ليقطعه فدخل عليه رجل من أهل خراسان ذكي حافظ فرآه مفننا فقال نظرت في الحديث قال نعم قال ما تحفظ من الاصول قال احفظ عن شريك عن أبي اسحاق عن الحارث أن عليا رضي الله عنه رجم لوطيا فأمسك عنه ولم يكلمه
وقال المأمون يوما ليحيى بن اكثم من الذي يقول
قاض يرى الحد في الزناء ولا
يرى على من يلوط من باس
قال أولا يعرف ذلك امير المؤمنين قال لا قال يقوله الفاجر احمد بن أبي نعيم الذي يقول
لا احسب الجور ينقضي وعلى الأمة
وال من آل عباس
فافحم المأمون خجلا وقال ينفى احمد بن أبي نعيم إلى السند
وأول الابيات
انطقني الدهر بعد اخراس
لنائبات اطلن وسواسي
يا بؤس للدهر لا يزال كما
يرفع ناسا يحط من ناس
لا أفلحت أمة وحق لها
بطول نكس وطول اتعاس
ترضى بيحيى يكون سائسها
وليس يحيى لها بسواس
قاض يرى الحد في الزناء ولا
يرى على من يلوط من باس
يحكم للأمرد الغرير على
مثل جرير ومثل عباس
فالحمد لله قد ذهب العدل
وقل الوفاء في الناس
اميرنا يرتشي وحاكمنا
يلوط والرأس شر ما راس
لو صلح الدين واستقام لما
قام على الناس كل مقياس
لا احسب الجور ينقضي وعلى الأمة
وال من آل عباس
(1/129)
حكى أبو عبدالله الحسين بن عبد الله بن سعيد قال كان يحيى بن اكثم القاضي صديقا لي وكان يودني واوده فمات يحيى فكنت اشتهي أن أراه في النوم فاقول ما فعل الله بك فرأيته ليلة في المنام فقلت له ما فعل الله بك فقال غفر لي إلا نه وبخني وقال لي يا يحيى خلطت في دار الدنيا فقلت له يا رب اتكلت على حديث حدثني به أبو معاوية الضرير عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله e انك قلت أني لاستحي أن اعذب ذا شيبة بالنار فقال قد عفوت عنك يا يحيى وصدق نبينا محمد e إلا انك خلطت في دار الدنيا هكذا ذكره أبو القاسم القشيري في الرسالة قلت وقد يدبج هذا الحديث من هذا الطريق لأن يحيى بن اكثم رواه وهو اعور عن أبي معاوية وهو ضرير عن الاعمش فصاروا اعور وضرير واعمش وسئل بعضهم من أهل البلاغة عن يحيى بن اكثم واحمد بن أبي دؤاد
فقال كان احمد يجد مع جاريته وابنه ويحيى يهزل مع خصمه وعدوه ولم تزل الاحوال تختلف على يحيى وتتقلب به إلى ايام المتوكل فلما عزل محمد بن أبي دؤاد عن القضاء فوض القضاء إلى يحيى بن اكثم وخلع عليه خمس خلع وولي في رتبته جعفر بن عبد الواحد الهاشمي فجاء كاتبه إلي يحيى فقال سلم الديوان فقال شاهدان عدلان على امير المؤمنين انه امرني بذلك فأخذ الديوان قهرا وغضب عليه المتوكل وامر بقبض املاكه والزم منزله ثم حج وحمل اخته معه وعزم على أن يجاور فلما اتصل به رجوع المتوكل بدا له في عدم المجاورة ورجع يريد العراق فلما وصل إلى الربذة توفي بها رحمه الله يوم الجمعة منتصف ذي الحجة سنة اثنتين واربعين ومائتين وقيل سنة ثلاث واربعين ودفن هناك وكان اعور ومات وعمره ثلاث وثمانون سنة ولما عزل في سنة تسع وثلاثين ومائتين وصودر اخذ من داره مائة ألف دينار واخذ له من البصرة اربعة آلاف جريب وقد بسطت ترجمته في تاريخي الكبير في مكانه اكثر من هذا
81 يوسف بن محمد بن عبيد الله القاضي صلاح الدين
(1/130)
كاتب الدرج السلطاني بالقاهرة وكان والده زين الدين كاتب انشاء أيضا وكان هذا صلاح الدين كاتبا مأمونا اعتمد عليه القاضي فتح الدين محمد بن عبد الظاهر ولم يزل متقدما عند كتاب السر واحدا بعد واحد إلى آخر ايام القاضي علاء الدين بن الاثير فإنه كان يستكتبه في المهمات وكان ملازما ديوانه تطلع له الشمس وتغرب وهو في الديوان امام كاتب درج تقديرا خمس وخمسين سنة واكثر وكان ساكنا خيرا ليس فيه شر البتة محتملا أذى رفقائه رأيتهم
يسبونه في وجهه ولايتكلم وهو مع هذا مقدم على الجميع وكان اسمر اللون قطط الشعر صغير الذقن ولما حصل للقاضي علاء الدين بن الاثير مبادئ الفالج طلبه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ليستكتبه شيئا في السر بناء على أن يكون كاتب السر فلما أخذ بيده الامير سيف الدولتين الجاي الدوادار ودخل في دهليز القصر أحدث في سراويله فاعفي من الدخول وكبر سنه وعورت عينه وانهدت اركان قواه وهو ملازم الخدمة فاقول له لو وفرت نفسك وقعدت كان خيرا لك فكان يقول اخاف أن يقطعوا معلومي ولم يكن أحد يقدم على ذلك لقدم هجرته وثبوت قدمه في الخدمة ولكن كل ذلك من ضعف نفسه وكان يكتب خطا رديئا ضعيفا ولم يزل على حاله إلى أن توفي رحمه الله في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة واعطي معلومه للقاضي جمال الدين إبراهيم بن القاضي شهاب الدين محمود الكاتب
المستدرك على الشعور بالعور
الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد المرسلين
وبعد
(1/131)
فهذا ما التقطته من تراجم للعور من كتب التراجم فات الصدفي ذكرها وقد صرت على منهجه الذي اختطه بأن يكون المترجم لهم من المشهورين إذ أن كثيرا من غير المعروفين أو المذكورين في كتب التراجم ورد ذكرهم في بعض الكتب ففي البرصان والعرجان والبخلاء وردت بعض أسماء العور أو كناهم ولم نجدهم من المشهورين فعدلنا عن ذكر اسمائهم ومثال ذلك أيضا ما ورد في ديوان المتنبي من هجائه لابن كروس الاعور وقد عدت إلى ثلاثة شروح لديوان المتنبي فلم اجدها تعرف بابن كروس هذا فرجعت إلى كتب التراجم فلم تعني على التعرف على هذا الذي يهجوه المتنبي والمتنبي لا يعرض بابن كروس هذا دون أن تكون له مكانه
وهؤلاء العور الذين اترجم لهم هم ممن سلف قبل زمان الصفدي وها انذا اوردهم على حروف العجم
رقم الترجمة 82 الناصر لدين الله
احمد بن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد أبو العباس
ذكر ابن الجوزي انه بويع البيعة العامة يوم الاحد ثاني ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة وتوفي يوم الاحد سلخ رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة
وكانت ولادته ببغداد سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وذكر السيوطي قال دانت السلاطين للناصر ودخل في طاعته من كان من المخالفين وذلت له العتاة والطغاة وفتح البلاد العديدة وملك من الممالك ما لم يملكه أحد ممن تقدمه من الخلفاء والملوك وخطب له ببلاد الاندلس وبلاد الصين وقد أورد السيوطي اخبارا كثيرة عن هيبته وشجاعته وعقله
وكانت مدة خلافته سبعة واربعين سنة
83 أبو يعقوب الخريمي
اسحاق بن حسان بن قوهي ويكنى أبا يعقوب مولى لابن خريم الناعم وهو من بني مرة بن سعد بن قيس
اتصل بمحمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة وله فيه مدائح جيدة ومراث اجود ولما سئل عن ذلك اجاب كنا يومئذ نعمل على الرجاء ونحن اليوم نعمل على الوفاء وبينهما بون بعيد
والتحق بهارون الرشيد وكان من جملة الشعراء الذين مدحوه وفي الفتنة بين الامين والمأمون وقف مع الأخير
(1/132)
كان أبو يعقوب جميل الشعر مقبولا عند الكتاب وله كلام قوي ومذهب متوسط وكان يرجع إلى نسب في الصغد وفي نسبه في الصغد يقول
أبالصغد بأس إذ تعيرني جمل
سفاها ومن اخلاق جارتنا الجهل
وما ضرني أن لم تلدني يحابر
ولم تشتمل جرم علي ولا عكل
وذكره الجاحظ بالعور في كتابه البخلاء وضرب به المثل في دقة نظره وكثرة كسبه
وفي عوره يقول
إذا ما مات بعضك فابك بعضا
فإن البعض عن بعض قريب
يمنيني الطبيب شفاء عيني
وهل غير الإله لها طبيب
ويبدو انه عمي في أواخر حياته ومن ذلك قوله
فإن تك عيني خبا نورها
فكم قبلها نور عين خبا
فلم يعم قلبي ولكنما
ارى عيني اليه سرى
فأسرج فيه إلى نوره
سراجا من العلم يشفي العمى
وفي عينيه يقول أيضا
اصغي إلى قائدي ليخبرني
إذا التقينا عمن يحيني
أريد أن اعدل السلام وان
افصل بين الشريف والدون
اسمع ما لا أرى فأكره أن
اخطئ والسمع غير مأمون
لله عيني التي فجعت بها
لو أن دهرا بها يواتيني
لو كنت خيرت ما أخذت بها
تعمير نوح في ملك قارون
وقد اثنى عليه كبار نقاد وشعراء عصره من امثال ابن المعتز والمبرد والامدي وأبي حاتم السجستاني
واستجاد له النقداء كثيرا من شعره من ذلك قوله
اضاحك ضيفي قبل انزال رحله
ويخصب عندي والمحل جديب
وما الخصب للاضياف أن يكثر القرى
ولكنما وجه الكريم خصيب
وقوله في الرثاء
إذا قمر منهم تغور أو خبا
بدا قمر في جانب الافق يلمع
84 الاعور بن براء الكلبي
من بني عبد الله بن كلاب شاعر اموي أورد له الغندجاني مقطعتين في مهاجاة امرأة من بني كلاب تدعى أم زاجر وفي هجائها يقول
انعت اعيارا وردن احمره
وكل عير مبطن بعشره
في كل عير اربعون كمره
لاقين أم زاجر بالمزدره
قال الغندجاني وكان من قصة هذا الرجز فيما املاه علينا أبو الندى رحمه الله انه تهاجت امرأة ورجل من بني عبد الله بن كلاب فأما الرجل فهو الاعور بن براء واما المرأة فهي أم زاجر وهما عبدان
85 امية بن عبد شمس
(1/133)
ابن عبد مناف بن قصي من قريش جاهلي عاش إلى ما بعد مولد النبي e وللنسابة دغفل وصف له نقلا عمن ادركه قال رأيت شيخا قصيرا نحيف الجسم يقوده عبده ذكوان
ذكره صاحب العقد الفريد في وفود قريش على سيف بن ذي يزن
من اولاده حرب وابو حرب وسفيان وابو سفيان وعمرو وابو عمرو وهؤلاء العنابس والعاصي وابو العاصي والعيس وابو العيص وهؤلاء الاعياص
86 انس بن أبي أناس
ابن زنيم من كنانة من الدؤل رهط أبي الاسود الدؤلي كان اعور شاعر صحابي مشهور اهدر الرسول e دمه بعد أن بلغه هجاءه فجاءه معتذرا وسياق القصة كما اوردها صاحب الاصابة نقلا عن ابن اسحاق في المغازي أن عمرو بن سالمم الخزاعي خرج في اربعين راكبا يستنصرون رسول الله e على قريش فأنشده الابيات
لا هم أني ناشد محمدا
عهد ابينا وابيه الاتلدا
الابيات ثم قال يا رسول الله أن أنس بن زنيم هجاك فاهدر رسول الله e دمه فبلغه ذلك فقدم عليه معتذرا وأنشده ابياتا مدحه بها وكلمه فيه نوفل
ابن معاوية الديلي فعفاه عنه وهو القائل من ابيات
تعلم رسول الله أنك مدركي
وأن وعيدا منك كالاخذ باليد
وأول القصيدة يقول فيها
فما حملت من ناقة فوق رحلها
ابر واوفى ذمة من محمد
قال دعبل بن علي في طبقات الشعراء هذا اصدق بيت قالته العرب وقد وصفه الامدي فقال شاعر مشهور حاذق واورد له مقطعة من شعره وتعرض انس لمصعب بن الزبير حين تزوج عائشة بنت طلحة على مهر كثير فقال لعبد الله بن الزبير
ابلغ امير المؤمنين رسالة
من ناصح لك لا يريد خداعا
بضع الفتاة بألف ألف كامل
وتبيت سادات الجنود جياعا
لو لأبي حفص اقول مقالتي
وأقص شأن حديثكم لارتاعا
واورد صاحب الخزانة ما وقع بينه وبين حارثة بن بدر الغداني وكان صديقا له قال أن أنسا لما
رأى من عبيد الله بن زياد جفوة وأثره لحارثة بن بدر قال
( أهان واقصى ثم تنصحونني ومن ذا الذي يعطي نصيحته قسرا
رأيت أكف المصلتين عليكم
ملاءة وكفي من عطائكم صفرا
(1/134)
متى تسألوني ما علي وتمنعوا
الذي لي لا أسطع على ذلكم صبرا
وإني صرفت الناس عما يريبكم
ولو شئت قد اغليت في حربكم قدرا
واني مع الساعي عليكم بسيفه
إذا عظمكم يوما رأيت به كسرا
فقال عبيد الله لحارثة اجبه فاستعفاه لمودة كانت بينهما فأقسم عليه فقال
تبدلت من أنس انه
كذوب المودة خوانها
أراه بصيرا بعيب الخليل
وشر الاخلاء عورانها
فأجاب أنس
أن الخيانة شر الخليل
الكفر عندك ديوانها
بصرت به في قديم الزمان
كما بصر العين انسانها
ودام الشر بينهما زمانا طويلا وعمر انس ويقال انه ادرك الحجاج
87 الاعور الشني
وهو بشر بن منقذ وكنيته أبو منقذ من بني شن بن افصى بن عبد القيس وارتفع الامدي في نسبه إلى نزار شاعر هجاء خبيث اللسان
وكان مع الأمام علي بن أبي طالب يوم الجمل وهو القائل
وان تنظروا شزرا إلي فإنني
أنا الاعور الشني قيد الاوابد
وقد أورد له الامدي ستة ابيات من قصائد مختلفة
ومن جميل قوله
لقد علمت عميرة أن جاري
إذا ضن المثمر من عيالي
وأنني لا أضن على ابن عمي
بنصري في الخطوب ولا نوالي
ولست بقائل قولا لأحظى
بقول لا يصدقه فعالي
وما التقصير قد علمت معد
وأخلاق الدنية من خلالي
88 جياش بن قيس الاعور بن قشير
ذكره ابن حزم في الجمهرة فقال شهد اليرموك فيقال انه قتل بيده ألف نصراني وقطعت رجله يومئذ
وقد ورد ذكره باسم عتاب بن قيس الاعور بن قشير عند الجاحظ
وفي الاصابة ورد اسمه حياص
89 حميد بن ثور الهلالي
هو حميد بن ثور بن حزن من بني عامر بن صعصعة شاعر اسلامي مجيد عده ابن سلام في الطبقة الرابعة من الشعراء الاسلاميين مع نهشل بن حري واوس بن مغراء
استجاد له النقاد قوله
ارى بصري قد رابني بعد صحة
وحسبك داء أن تصح وتسلما
وقوله في الذئب
ينام باحدى مقلتيه ويتقي
بأخرى المنايا فهو ويقظان هاجع
عمر طويلا ومما يدل على كبره وتقدمه في السن ما اورده له الجاحظ في قوله
أعين العصا بالرجل والرجل بالعصا
فما عدلت مثلي عصاتي ولا رجلي
(1/135)
ويؤيد ذلك ما ذكره أبو الفرج الاصفهاني من وفوده على خلفاء بني امية واكد ذلك الصفدي الذي جعل وفاته في حدود 70 ه إما ياقوت الحموي فيذكر أن وفاته كانت في خلافة عثمان بن عفان
90 الحنتف بن السجف التميمي
ابن زيد بن جعونة أحد بني المنذر بن جهمة بن عدي بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم
قال الامدي كان انسب بني تميم وله مع دغفل النسابة خبر ذكره أبو اليقظان وسقط له ثلاثة بنين في ركية فماتوا فحلف إلا ينزل البادية فباع ابله وقدم البصرة واقام بها ولا اعرف له شعرا
وقد ورد ذكر اسم الحنتف في العور في المحبر والمعارف وقد أورد ابن قتيبة غير الحنتف هذا فقال الحنتف بن السجف بن سعد بن عوف بن زهير بن مالك يكنى أبا عبد الله وكان دينا شريفا وقد عقد له الحارث بن عبد الله المخزومي امير البصرة لواء في فتنة ابن الزبير فسار في سبعمائة وخرج اليه حبيش من المدينة فلقيهم بالربذة فقتل الحنتف حبيشا وعبدي الله بن الحكم اخا مروان بن الحكم وانهزم الحجاج بن يوسف وابوه يومئذ ثم سار الحنتف نحو الشام حتى إذا كان بوادي القرى سم في طعامه فمات هناك
91 سعيد بن عثمان بن عفان
وفد على معاوية بعد مقتل ابيه ثم ولاه خراسان سنة 56 ه وافتتح بخارى ثم خرج يريد سمر قند فامتنع اهلها وبها فقد عينه وافتتح كذلك جرجان في خلافة سليمان بن عبد الملك
قال الجاحظ وكان في بني عثمان عوران وعرجان وحولان وبرصان كان سعيد بن عثمان فكان اعور وكان ابان احول وقال مالك بن الريب
وما كان في عثمان عيب علمته
سوى ابن في نجله ثم ادبرا
فلولا بنو حرب لطلت دماؤكم
بطون العظايا من كسير واعورا
قال ابن قتيبة واما سعيد بن عثمان فكان اعور بخيلا وقتل وكان سبب قتله انه كان عاملا لمعاوية على خراسان فعزله معاوية فاقبل معه من اولاد الصغد إلى المدينة والقاهم في ارض يعملون له فيها بالمساحي فأغلقوا يوما باب الحائط ووثبوا عليه فقتلوه
92 الشماخ بن ضرار
(1/136)
هو الشماخ بن ضرار بن سنان بن امامه أحد بني سعد بن ذبيان لقبه الشماخ واسمه معقل
شاعر مشهور من مخضرمي الجاهلية والاسلام اسلم وشهد القادسية وتوفي في غزوة موقان في زمن الخليفة عثمان بعد سنة 30 ه
عده ابن سلام الجمحي من شعراء الطبقة الثالثة من الجاهليين مع النابغة الجعدي وأبي ذؤيب الهذلي ولبيد بن ربيعة
ذكره ابن قتيبة فقال والشماخ اوصف الشعراء للحمير وارجز الناس على بديهة وقال الحطيئة ابلغوا الشماخ انه اشعر غطفان ومن شعره المستجاد
قوله في عرابة الاوسي
رأيت عرابة الاوسي يسمو
إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
وللشماخ اخوان شاعران هما مزدد وجزء
93 الصمة القشيري
هو الصمة بن عبد الله بن الطفيل بن قرة بن هبيرة بن عامر بن سلمة الخير بن قشير ينتهي نسبه إلى نزار
شاعر اسلامي من شعراء الدولة الاموية شعره قليل اغلبه في الغزل وغزله عذب رقيق
ذكره أبو عبد الله النمري قال الصمة بن عبد الله القشيري
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها
عن الجهل بعد الحلم اسبلتا معا
قوله بكت عيني اليسرى دون اليمنى يدل على انه كان اعور
ومن قوله المشهور في باب النسيب
حننت إلى ريا ونفسك باعدت
مزارك من ريا وشعباكما معا
فما حسن أن تأتي الأمر طائعا
وتجزع أن داعي الصبابة اسمعا
قفا ودعا نجدا ومن حل بالحمى
وقل لنجد عندنا أن تودعا
ولما رأيت البشر اعرض دوننا
وجالت بنات الشوق يحنن نزعا
تلفت نحو الحي حتى وجدتني
وجعت من الاصغاء ليتا واخدعا
بكت عيني اليمنى فلما زجرتها
عن الجهل بعد الحلم اسبلتا معا
واذكر ايام الحمى ثم انثني
على كبدي من خشية أن تصدعا
فليست عشيات الحمى برواجع
عليك ولكن خل عينيك تدمعا
وتوفي الصمة في طبرستان في حدود 95 ه
94 الاعور السنبسي
هو الطرماح بن الجهم السنبسي وقيل العقدي أحد بني سنبس بن معاوية بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء
(1/137)
أورد له الامدي بيتا واحدا قال كتبت له في ما تنخلته من اشعار طيء قصيدة اولها
طال الثواب وبانت أم خلاد
كيف المزار وقد قفى بها الحادي
95 عبد الله بن عامر
ابن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وكنيته أبو عبد الرحمن اتى به ابوه إلى النبي e فحنكه
له اعمال جليلة في ميادين عديدة فهو قائد فارس افتتح عامة فارس وخراسان وسجستان وكابل
وفي ميادين الزراعة غرس النخيل وحفر الانهار في البصرة والابلة
مات عبد الله في مكة ودفن بعرفات سنة 59 ه
96 عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي
من كنانة من بني جندع بن ليث كان والده عبيد قاضي أهل مكة
قال ابن قتيبة ذهبت عينه يوم جور وكان يقال لعبد الله سيد القراء
وتوفي سنة ثلاث عشرة ومائة للهجرة
97 الراعي النميري
هو عبيد الله بن حصين بن جندل بن نمير واختلف في اسمه فذكره ابن قتيبة باسم حصين بن معاوية
وسمي بالراعي لكثرة وصفه الابل وكنيته أبو جندل كان اعور ذكره ابن دريد في الجمهرة في عوران قيس
لج الهجاء بينه وبين جرير لتفضيله الفرزدق عليه فأخمله جرير وقبيلته ببيته المشهور
فغض الطرف انك من نمير
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وعده ابن سلام في الطبقة الأولى الاسلامية مع جرير والفرزدق والاخطل
ومما يستجاد له قوله في النساء
تحدثهن المضمرات وفوقنا
ظلال الخدود والمطي جوانح
يناجيننا والطرف دون حديثنا
ويقضين حاجات وهن نوازح
وكان يعتد بقصيدته في عبد الملك بن مروان التي يشكو اليه فيها عمال الزكاة
98 علي بن خالد العقيلي الكاتب الاعور
ذكره المرزباني فقال استهداه علي بن الجهم نبيذا فبعث اليه نبيذ عسل وزبيب وكتب اليه
سللت بحكم النار روح زبيبة
تخيرتها ممحوضة حلوة العجم
فلما بدت زوجتها ريق نحلة
ارق وأقوى في الصفاء من الوهم
وانكحتها بالماء في الدن حقبة
فكان سرورا طيب الريح والطعم
وزفتهما مني اليك زجاجة
فقد انزلاها منهما منزل الام
فانتجهما سيفا من السكر قاطعا
فجرده ثم اضرب به عنق الوهم
(1/138)
99 أبو منصور الديلمي
علي بن منصور من شعراء الحمدانيين ذكره ابن خلكان فقال واما أبو منصور الديلمي فالمشهور عنه غير هذه التسمية وانه أبو الحسن علي بن منصور وكان ابوه من جند سيف الدولة ابن حمدان وكان شاعرا مجيدا خليعا وكان بفرد عين وله في ذلك اشياء مليحة فمن ذلك قوله
يا ذا الذي ليس له شاهد
في الحب معروف ولا شاهده
شواهدي عيناي أني بها
بكيت حتى ذهبت واحده
وأعجب الاشياء أن التي
قد بقيت في صحبتي زاهده
وله في غلام جميل الصورة بفرد عين وقد ابدع فيه
له عين اصابت كل عين
وعين قد اصابتها العيون
100 عمرو بن احمر الباهلي
هو عمر بن احمر بن فراص بن معن بن اعصر وقيل عمرو بن احمر بن العمرد بن عامر كنيته أبو الخطاب شاعر مخضرم فصيح مقدم عده ابن سلام في الطبقة الثالثة من فحول شعراء الإسلام مع كعب بن جعيل وسحيم بن وثيل الرياحي واوس بن مغراء
عمر تسعين سنة واختلف في سنة وفاته فذكر أبو الفرج الاصفهاني في ترجمته قال هو من شعراء الجاهلية المعدودين وكان ينزل الشام وقد أدرك الإسلام واسلم وقال في الجاهلية والاسلام شعرا كثيرا وفي الخلفا الذين ادركهم عمر بن الخطاب فمن دونه إلى عبد الملك بن مروان وكان في خيل خالد بن الوليد حين وجه أبو بكر خالدا إلى الشام إما المرزباني فذكر بأنه ادرك الإسلام فأسلم وغزا مغازي الروم واصيبت احدى عينيه هناك وتوفي على عهد عثمان بعد أن بلغ سنا عالية وهو صحيح الكلام كثير الغريب وتلحظ مخالفته لأبي الفرج في أنه ادرك عبد الملك بن مروان
كان اعور رماه رجل بسهم يقال له مخشي فذهبت عينه وفي ذلك يقول
شلت انامل مخشي فلا جبرت
ولا استعان بضاحي كفه أبدا
أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها
وكنت أدعو قذاها الاثمد القردا
وهذا مخالف لما اورده المرزباني من ذهاب عينه في مغازي الشام
ومن سائر شعره قوله
إذا أنت راودت البخيل رددته
إلى البخل واستمطرت غير مطير
متى تطلب المعروف في غير أهله
(1/139)
تجد مطلب المعروف غير يسير
إذا أنت لم تجعل لعرضك جنة
من الذم سار الذم كل مسير
وقوله
إذا ضيعت أول كل أمر
أبت اعجازه إلا التواء
ومما يدل على عوره قوله
وسائلة بظهر الغيب عني
أعارت عينه أم لم تعارا
وعده ابن دريد أحد عوران قيس وهم كما قال خمسة شعراء تميم بن أبي والراعي والشماخ وابن احمر وحميد بن ثور
101 عمرو الاعور الخاركي
شاعر ازدي من شعراء البصرة كنيته أبو عثمان كان ماجنا عابثا خبيث اللسان
أصله من خارك قرية بفارس على البحر عاش في عصر المأمون الخليفة العباسي
كان يهاجي عمرو المخلخل الشاعر مولى ثقيف وله هجاء في أمه أورده الجاحظ
وأورد له المرزباني اربعة ابيات منها قوله في المرد
إذا لام على المرد
نصيح زادني حرصا
ولا والله لا والله
لا اقطع أو اخصى
وقوله
أن كنت ارجو لك من سلوة
فطال في حبس الغنى لبثي
وعشت كالمغرور من دينه
يوقف بعد الموت بالبعث
وفي هجائه قال عمرو المخلخل البصري
نظرت في نسبة الكرام فما
فيها لكم ناقة ولا جمل
قوم لئام اعراضهم هدف
فيها سهام الهجاء تنتضل
102 ابن الكواء
هو عمر أبو عبد الله الكواء
قال الجاحظ واخوته النسابون الذين يقال لهم بنوا الكواء وفي الكواء وأخيه يقول الشاعر
غرابان هذا ابقع اللون منهما
وهذا غراب فاحم اللون مصمت
وابن الكواء يذكر في الخطباء وفي النسابين وفي العوران وفد على معاوية فقال له ما تقول في نفسك قال اعور سمين وتوفي في حدود سنة 80 ه 699 م
103 مالك بن مسمع
ابن شيبان البكري الربعي كنيته أبو غسان سيد ربيعة في زمانه ولد في
عهد النبي e وفيه يقول حصين بن منذر
حياة أبي غسان خير لقومه
لمن كان قد قاس الأمور وجربا
نكث بيعة ابن الزبير فقاتله مصعب فهرب إلى الشام وهلك في أول خلافة عبد الملك بن مروان كان اعور وذهبت عينه في معركة الجفرة
ويقال ساد الاحنف بحلمه وساد مالك بن مسمع بمحبة العشيرة له
104 مساور بن هند
(1/140)
ابن قيس بن زهير العبسي كنيته أبو الصمعاء من الشعراء المعمرين ذكر انه ولد في حرب داحس والغبراء التي وقعت قبل الإسلام بنحو خمسين عاما وعاش إلى ايام الحجاج وتوفي سنة 75 ه بعمان
من شعراء عبس وفرسانها جده قيس بن زهير العبسي كنيته صاحب يوم داحس والغبراء
كان مساور اعور وهو من السابقين إلى الإسلام كان يهاجي المرار الفقعسي ويهجو بني أسد وفي ذلك يقول أحد الشعراء
شقيت بن أسد بشعر مساور
أن الشقي بكل حبل يخنق
ومن شعره بالفخر بقبيلته قوله
متا بنو بدر ومنا هاشم
والحارثان ومالك والاسلع
وفي الفخر بنفسه يقول
ألم تعلموا يا عبس لو تشكرونني
إذا التفت الذواد كيف أذود
ألم تعلموا أني ضحوك اليكم
وعند شديدات الأمور شديد
وقال في عوره
وأرى الغواني بعدما واجهنني
اعرضن ثمت قلن شيخ أعور
ورأين رأسي صار وجها كله
إلا قفاي ولحية ما تضفر
105 مسلم بن عقبة المري
قائد أموي من الدعاة القساة سماه أهل الحجاز مسرفا لإسرافه في القتل في معركة الحرة
وجهه يزيد بن معاوية في جيش عظيم لقتال ابن الزبير وهو صاحب وقعة الحرة بالمدينة ثم سار بعد سيطرته على المدينة إلى مكة ولكنه توفي بالطريق فدفن بقديد
106 مسلم بن أبي كريمة التميمي
بالولاء البصري كنيته أبو عبيدة فقيه من علماء الاباضية كان مرجعا في ذلك وكان أعور ويلقب بالقفاف
107 الاعور الضبي
هو معروف بن أبي هند من بني عبد مناة بن بكر بن سعد بن ضبة يعرف
بالاعور الضبي شاعر جاهلي من شعره قوله
لا خير في أعور لا يأتي الفزع
إذا استقل حرد الشيخ نفع
108 المغيرة الاعور
هو المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي من الاجواد الشجعان كان في جيش مسلمة بن عبد الملك واصيبت عينه في غزواته ببلاد الروم
مات في خلافة عمر بن عبد العزيز بالمدينة وقيل مات مرابطا بالشام
109 ناشب الاعور
(1/141)
ابن بشامة العبنري من بني العبنر كان من شياطين العرب وله يوم الوقيط وهو يوم كان في الإسلام بين تميم وبكر بن وائل
وكان ناشب اسيرا في بني سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة وارادوا الاغارة على تميم فبعث لقومه يخبرهم بعزم بكر على حربهم في قصة طريفة ذكرها صاحب العقد الفريد
110 الاعور النبهاني
وهو نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيء واختلف في اسمه ذكر الامدي قال قال ابن الكلبي اسمه سحمة بن نعيم بن الاخنس بن هودة بن عمرو بن حصين وقال أبو عبيدة في النقائض بين جرير والفرزدق هو العناب واسمه نعيم بن شريك ولم يرفع نسبه
وذكره المرزباني فقال اسمه عدي بن اوس وقيل اسمه سحمة بن نعيم
هاجى جريرا وسبب ذلك أنه صار إلى بني سليط بن يربوع وقد نشب الهجاء بين جرير وغسان السليطي وكان الاعور شاعرا مشهورا يقول الشعر فحملته بنو سليط على هجاء جرير فصار إلى جرير وتعرض له في أن يرفده فقال له جرير قد بلغنا خبرك فإنك لفي غنى وحولي هذه البيوت التي ترى فانصرف وهجا جريرا فقال
أقول لها امي سليطا بأرضها
فبئس مناخ النازلين جرير
ألست كليبيا وأمك علبة
لها حول اطناب البيوت هرير
فأجابه جرير
وأعور من نبهان يعوي ودونه
من الليل بابا ظلمة وستور
رفعت له مشبوبة يهتدي بها
يكاد سناها في الهواء يطير
لأعور من نبهان إما نهاره
فليل واما ليله فبصير
ويدل على أن الاعور كان يقال له عناب قول جرير في ابيات أخر
وما أنت يا عناب من رهط حاتم
ولا من روابي عروة بن شبيب
رأينا قروما من جديلة انجبوا
وفحل بني نبهان غيرنجيب
111 النعمان السائح
هو النعمان بن امرئ القيس بن عمرو اللخمي ملك المناذرة باني القصرين المشهورين الخورنق والسدير وهو فارس يوم حليمة المشهور ويذكر ابن حبيب انه ترك ملكه وساح في الأرض متعبدا بعد أن ملك ثلاثين سنة
(1/142)
وفي تعبده يقول ابن قتيبة واشرف يوما على الخورنق فنظر إلى ما حوله فقال آكل ما أرى إلى فناء وزوال قالوا نعم قال فأي خير فيما يفنى لأطلبن عيشا لا يزول فانخلع من ملكه ولبس المسوح وساح في الأرض وهو الذي ذكره عدي بن زيد في شعره حيث يقول
وتدبر رب الخورنق إذ
اشرف يوما وللهدى تفكير
سره حاله وكثرة ما يملك
والبحر معرضا والسدير
فارعوى قلبه وقال فما غبطه
حي إلى الممات يصير(1/143)