الشَخْصيَّةُ الإسْلاميَّة
وموقعها اليوم بين النظم والعقائد
[ الطبعة الثالثة ]
مزيدة ومبوَّبة
الدكتور محمد محروس المدرس الأعظمي
1421 هـ 2000 م
الإهداء
إلى مشايخي الكرام ، والعلماء الأعلام ، الذين تشرفت بالتلّقي والأخذ عنهم ، في :
العراق ، ومصر ، والحجاز ، والهند ، والشام .
وإلى ... مؤسس المجد العلمي لأجدادنا آل العلقبند
العلاَّمة الشيخ مصطفى العلقبند الأعظمي الطائي
مفتي الحنفية ببغداد المحمية
و إلى أولاده .. وأحفاده ، من العلماء الأمجاد الأعلام ،
الذين تنوّر بهم الزمان في بغداد دار السلام ..
إليهم جميعا ... أُهدي كتابي هذا .
المقدِّمة
الحمد لله ، والصلاة على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
وبعد ~~
جاء الإسلام وقد سبقه دينان سماويان كبيران ، لهما وجود في بلاد العرب موطن الإسلام الأول .
وكانت أكثر بلاد العرب على [ الوثنية ] التي انتشرت فيها لأسباب لسنا في معرض تبيانها .
وكانت في العرب بقيَّةٌ من دين إبراهيم - عليه السلام - ، وهي [ الحنيفية ] ، والتي عليها الكثير من قريش .. إلى جانب الوثنية المتفشية فيها !.
وكان إلى جانب هذا وذاك من الأديان : المجوسية ، والدهرية ، واللادينية ..(1)
وكلُّ تلك الأديان تتقاطع مع الإسلام .. إلا بقية دين إبراهيم ، وبقية ما عليه اليهودية والنصرانية ، من الدين الصحيح ! .
ولما كان الإسلام قد جاء : بإعادة ما فرَّط به العرب من دين إبراهيم ، وتصحيح ما حرَّفه أكلة السُحت من .. الأحبار ، والرهبان ، والقساوسة في الأديان السماوية الأخرى .. فكان كلُّ ذلك من دواعي التقاطع الكلِّي للإسلام مع القائمين على أمر هذه .. المضيَّعات ، والمحرفات ! .
أمَّا : الوثنية ، والدهرية ، واللادينية .. فهي - من بابٍ أولى – من أشدِّ المتقاطعين مع الإسلام ! .
__________
(1) راجع : بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب لمحمود شكري الآلوسي – ج1 مبحث أديان العرب قبل الإسلام .(1/1)
لقد اتَّخذ ذلك التقاطع مظاهر شتَّى جعلوها معبِّرةً عنه ، وسنعرِّج عليها في لاحق بحوث هذا البحث المتواضع .
××××××××××××××××
وفي العصور الوسيطة من تأريخ الإسلام .. دخلت النصرانية إلى ميدان الصدام المباشر ، ثم اتَّخذ عداؤها في العصور الأخيرة أشكالاً شتى .. سنعرِّج عليها لاحقاً .
وظهرت في هذه العصور الأخيرة .. دعوات ، وأفكار ، كان جلُّ همها إبعاد الإسلام عن التأثير المباشر في : حياة الناس العامَّة – الحكم والسلطة - ، وفي الحياة الخاصَّة للإفراد حين نُمِّطت حياتهم على وفق معتقدات الكفار .. وأسلوب حياتهم .
××××××××××××××××××
لكلِّ هذا وذاك ، ولأجل ردِّ ما أشاعه الأعداء أصحاب الأساليب الجديدة ، عن : عدم جدوى الإسلام في المعالجات الحياتية ! ، وقصوره عن ملاحقة التطور الحياتي ! ، وعدم معقولية ما جاء فيه أصلاً من معالجات ! ... فقد نَهَد : الحريصون على دينهم ، والمقتنعون بخيارهم الديني ، من الذين أُوتوا حظاً من العلم .. نهدوا لردِّ شُبه المشككين ، وجلاء وجه الدين المبين من رين المفترين .
××××××××××××××××××××
وما بين أيدينا .. محاولة لتقييم دعاوى المدَّعين ، وتقييم معالجات الشرع المبين ، بالأدلة العقلية الصرفة ، وبأسلوب لا يخرج عن العلمية التي يدَّعون التمسك بها ! .
فإن وُفِّقت في ما قمت به ، فذلك : فضل الله يؤتيه من يشاء .. والله ذو الفضل العظيم .(1/2)
وإن كانت الأخرى .. فحسبي أنني عزفت عن غير هذا الأمر ، وتصديت لذاك الغير بالمناقشة ، وما حداني لمثله إلاَّ حبِّي ويقيني بديني ، الذي حسمت كثيراً مما يُثار حوله : بالدرس ، والتمحيص ، والتفكُّر ، وتقييم العقل بعيداً عن تشويشات المشوِّشين .. فكان الذي قلت في هذا البحث المتواضع ، بل كلُّ قناعاتي الدينية ، مبنيةً على : تحرٍ ، وتمحيصٍ ، وقناعةٍ ، لا مجرد التقليد .. ولم أكن في يومٍ ما – بفضل الله – ممن يضيق صدرهم بما يُوجه للدين من تُهمٍ ، لأن ذلك يُضيِّعُ فرصة الإقتناع .. ومن ثم الإقناع ! ، ولم أتعامل بالقناعات المحسومة ، ولم استعمل سلاح العاطفيين حين يُوزعون إتِّهامات : الكفر ، والفسق ، والزندقة .. حتى على مجرد السؤال والاستيضاح !.
ولقد رأيت جدوى ما هداني الله - عز وجل - إليه ، بل اطمأن أولئك المعاندون حين البوح بما يحوك في صدورهم .. وفي ذلك فوائد :
- الأولى / معرفة ما يُفكر به الخصم ، وأسلوب تفكيره ، والذي حداه لهذا الموقف أو ذاك ! .
- الثانية / عدم ترك الدواعي للشكوك تفعل في نفوس الشّاكين فعلها ، بل سيؤدي الخوف من البوح بها ، الذي يخلقه اتِّهامات المنحازين للقناعات الدينيَّة .. وحينئذٍ إن كنا على ثقةٍ بما نحن عليه ، أزلنا تلك الدواعي بيسر وسهولة ، قبل أن تُصبح قناعة لا يتزحزح عنها صاحبها ! .
- الثالثة / إن لم يكن لأحدنا إجابةً جاهزةً ، فسنستعد لها ، ذلك الاستعداد الذي يُبعد الشكوك عنَّا ، فيما لو تركنا جانب الاستعداد ، وتركنا التفكير بما يُفكر به الخصم .
××××××××××××××××
وأذكر أنني في يومٍ ما كنت أتكلم عن رأيِّ الفقيه أبي يوسف – أحد تلامذة الإمام أبي حنيفة – في موضوع تسديد الديون ، وأنَّه يقول بتسديدها بالقيمة لا بالعدد .. فالتفت هذا إلى كلامي بانتباهٍ شديد ..
وسأل : أحقيقة ما تقول – وهو من أصحاب الأفكار اللآدينيَّة - ؟! .
قلت : بلى .. ولكن لِمَ ؟ ! .(1/3)
قال : أتدري انَّ مشكلة المديونية الدولية – اليوم – هي كيفية التسديد ؟ ، فإنَّ من أقرضَ دولةً : مالاً ، أو سلعاً مقيَّمة بالأموال ، أو خدمات وخبرات مقيَّمة بالأموال أيضاً .. وذلك مساعدةً لتلك الدولة ، فليس من المعقول أن تُسترد تلك الأموال بأنقص منها ، فتخسر الدولة التي أنجدت الأخرى .. خسارتين :
الأولى / حرمان بلدها من تلك الأموال والخدمات !.
الثانية / النقص عند الاستعادة !.
كذلك الدول التي تبيع موارد طبيعيَّة ، أو سلعاً مصنَّعةً .. فإن كيفية احتساب الأثمان من أعوص المشاكل عندها .. فتارةً يلجأون إلى :
الذهب ، وتارةً إلى سلَّة العملات ، وتارةً إلى وحدة قياسية نقدية مفترضة .. الخ .
فهذا الرأي – حسب قوله – يقضي على مشاكل انخفاض قيمة النقود بسبب التضخم ، وبأيِّ سببٍ غيره .
××××××××××××××××
فهذا الرجل كان على قناعة بعدم قدرة الإسلام على معالجة أمثال هذه المسألة !! .
ولو جابهته بمثل ما تقدَّم .. بأن أقول له : مالك والإسلام ؟ ! ، أنت رجلٌ حسمت قناعاتك بالبعد عن الدين ! ، فمن سيخسر ؟ .
الخاسر هو : الفريقان .. ذلك الجاحد إذ سيخسر تلك المعرفة ، ويبقى على بُعده عن الدين ، وهو المتضرر أولاً وآخراً ..
وسيخسر الدين إذ لم ينتشر عنه رأيه المعقول والمقبول ، ولم تُخلق لدى الآخرين قناعةٌ بجدواه ، ونفعه ، ورقيِّ معالجاته ! .
×××××××××××××××
وفي تجربةٍ لي .. حين دعاني بعض الأحباب لمحاورة [ جاحد ] بوجود الله ، ومن باب أولى بالنبيِّ ، وبالدين ! .
فكان يتكلم بتوجسٍ ، ولا يُفصح بجحوده ، وحينما شجعته على قول ما يُريد ، فإن كنَّا على قناعةٍ تامَّةٍ بديننا .. استطعنا نصرته ، وإلاَّ كان من الواجب علينا تركه ! .
ارتاح لكلامي .. وانتقد كثيراً من أساليب الكتاب والمحاورين المسلمين ، وأفصح عن كثيرٍ مما في قلبه ! .
ورغم الإجابات – التي وفقني الله لها – بقي على جحوده !! .(1/4)
فقلت : ذاك من حقِّك .. إلى تحصل لديك القناعة ، وأنا على استعداد لتكرار اللقاء – وفي هذا الأثناء ضحك - ، ولكن أسألك الآتي :
أنت قانوني – كما أنا - ، ويهمنا جميعاً حسن تطبيق النظام ، وتقليل حالات الخروج عليه ، لأجل انتظام الحياة ، وحصول الإزدهار في المجتمع ـ وموضوع مناقشة صحة الحكم وعدمه نتركه الآن - ، وأنت قاضٍ ويهمك التزام الناس بما تقضي ، وإضفاء الهيبة على القضاء والأقضية .. أليس كذلك ؟ ؟ .
قال : نعم .. وأما ضحكي فهو لخوفي من تغيير قناعتي إذا تكرر اللقاء ، فحوارك لم أعهده لدى الإسلاميين ، وما هم عليه يساعدني على التغلب عليهم ، والبقاء على قناعتي ! .
قلت : إذن تركت العلمية .. والموضوعيَّة ، وتمحورت حول قناعاتك المسبقة ، فهل ترتضي هذا لغيرك ؟ .
قال : ما تقوله صحيح ، والإنسان هو الإنسان .. متديناً أم جاحداً ! .
قلت : نعود إلى موضوعنا .. فهل أنَّ المتديِّن الذي جعل من إيمانه
بالله سبباً لحسن الالتزام والتطبيق ، باعتباره يخاف من الحساب الأخروي .. فهل يحقق لك ذلك ما تبتغيه من : حسن التطبيق ؟ .
قال : بلى ! .
قلت : إذن هذا الحدِّ الأدنى الذي نتَّفق عليه الآن ، ونخرج من هذه الجلسة به ، فإنَّ فكرة وجود الله – إذن - فكرة مقبولة ، ونافعة ، ولها آثارها الحسنة في الواقع الحياتي .. فهب أنَّها فكرة مبتدعة ، أليست تؤدي دوراً ، ونقف عند ذلك لننتقل إلى إثبات حقيقة وجود الله - عز وجل - ! .
وافق على ذلك .. ولكن لم يتكرر اللقاء !! .
×××××××××××××××
وقد يكون لذلك الغرور القائم لدى أصحاب القناعات الدينية ، بأنَّهم على حقٍّ .. وكفى !! ، هو مهلكةٌ لهم ، وهاويةٌ تنعكس على ما يتكلمون بإسمه – وهو الإسلام - .. ولو خاضوا غمار ما قلناه لكان لهم مع تلك الدعاوى موقفٌ آخر ، يُسعد الصديق ويُسئ العدا .(1/5)
وكم من موقف حرجٍ أوقع أصحاب القناعات الدينية أنفسهم فيه ، لا لشئٍ .. إلاَّ لتلك الأوهام التي تصوروها في أنفسهم ! ، وحين يُجابهون فلا يَحيرون جواباً ، ولا ينصرون دينهم ، ولا هم ينتصرون !! .
×××××××××××××××××××
ومن فضل الله - عز وجل - عليَّ ، الذي يلزمني قوله : { وأما بنعمة ربك فحدث } .. أن أتطرق إليه ، هو أنني قد وفقني الله - عز وجل - للاشتغال برد هذه الشبه من وقت بعيد ..
فقد نشرت في مجلة الرسالة الإسلامية التي يصدرها ديوان الأوقاف في العراق [ وزارة الأوقاف ] لاحقا ، بعددها الخامس من سنتها الأولى سنة 1968م - 1388هـ ، مقالا بعنوان : [ جلاء العقل لشبه الطاعنين في الدين ] .
ونشرت في نفس المجلَّة مقالاً عن : [ حكمة تقبيل الحجر الأسود ] ، بعددها الخامس والعشرين من سنتها الرابعة سنة 1391هـ – 1972م .
كما نشرت في مجلة الوعي الإسلامي بعددها الخامس والثلاثين من سنتها الثالثة 1968 م – 1387 هـ ، مقالاً بعنوان : [ الضمان لتطبيق الأحكام في الشريعة الإسلامية ] .
كما نشرت في مجلة الفيصل مقالاً بعنوان [ الطريقة المثلى لدراسة الفقه الإسلامي ] .
ولقد منَّ الله علي في سنة 1975 فكنت رئيسا لبعثة الحج العراقية العليا في موسم الحج سنة 1395هـ – بصفتي المشاور القانوني للأوقاف آنذاك - فشاركت في الندوة الفكرية الخامسة لرابطة العالم الإسلامي ، ومؤتمر وزارة الأوقاف السعودية السنوي في [ منى ] ، وقد عرضت على المؤتمرين فكرة رد الشُبه ـ وخاصة ما يتعلق بالحج ـ بالردود العقلية الصرفة ، لكي نبين للمعاند بالحجج الفكرية الصرفة ، عقلانية تلك الأفعال .. واستعرضت لهم نماذج مما يمكن أن يقال ، فسُر المؤتمرون - وفيهم علماء من أنحاء العالم الإسلامي - ، ثم اقترحت أن يكون منتداهم في السنة القابلة حول :
[ الشخصية الإسلامية وموقعها اليوم بين النظم والعقائد ] .(1/6)
فأقر هذا وكلفت بالكتابة فيه .. فأعددت هذا البحث – بشكله المنشور في الطبعة الأولى - الذي لم يقدر الله أن يلقى في مكة المكرمة ، لأنه حال بيني وبين المشاركة حوائل ومشاكل ، وقانا الله بفضله شرورها
{ إنَّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد }(1)، و{ إن الله يدافع عن الذين آمنوا إنَّ الله لا يحبُّ كلَّ خوَّان كفور }(2).
ثم قد قدَّر الله - صلى الله عليه وسلم - أن أشارك بهذا البحث في مؤتمر..{ نحو بناء نظرية تربوية إسلامية } الذي عقد في عمان في شهر تموز سنة 1990، بدعوة من .. جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية في عمان ، ومعهد الفكر الإسلامي في واشنطن ، ومشاركة جامعتي : مؤتة ، واليرموك .
×××××××××××××
وإني إذا أقدم للقارئ المسلم هذا الكتيب ، فإنِّي أدعو الله - عز وجل - أن يهىء لي مواصلة نشر ما كتبت في هذا المنحى ، وأن يجعل كل ما نقول وما نفعل خالصا لوجهه ، نافعاً لدينه ، وأن يجعله في حسناتنا يوم القيامة ، وندعوه أن يُشاع طريق: العقل ، والحجة ، وأن يهئ الله - عز وجل - لنا إيصال عقلانية الإسلام إلى العالم في كل أجياله ، ومنه الإجابة ...
وأخيرأ .. أرجو أن يعذرني قارئي فيما يُنكر من : اُسلوبٍ كتابةٍ ، أو طريقة معالجةٍ .. فحسبي أنني ما رضيت بالسكوت ، أو الركون إلى مجرد الغيبية المطلقة من غير مباشرة السبب ..
والله يهدي إلى سواء السبيل ,, والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الأعظمية / محلة الشيوخ 314 / 88 / 41 الدكتور
هاتف / 4225253 و 4228669 محمد محروس المدرس الأعظمي
هاتف المدرسة الوفائية الدينية / 8879723
الباب الأول
الصراعات بين الإسلام وأعدائه
وأسبابها
الإسلام خاتِم الأديان ، ودين آخر الزمان ، ونبيُّه آخر الرسل الكرام ، عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام .
__________
(1) غافر / 51 .
(2) الحج / 38 .(1/7)
لقد شهد الإسلام صراعاتٍ متعددَّةً من بدء دعوة المصطفى - عليه السلام - في مجتمع مكة المكرمة ، وما زال يشهد صراعات لا أظنها ستنتهي في أمد منظور ، وهذا شأن كلِّ ما هو مؤثر ، فمثله يلقى معارضة لحين إثبات وجوده - سواءٌ أكان صواباً أم غيره – ما دام مؤثراً .. وسنعرِّج على هذه الصراعات في مباحث الفروع الآتية :
الفرع الأول
في
صراعات العهد المكيِّ
ففي المجتمع المكي شهد الإسلام صراعاً صدامياً ـ إن صح التعبير ـ مع كفار ومشركي قريش ..
يقول تعالى : { وإذ يمْكُرُ بك الذين كفروا ليُثبتوك أو يقتُلُوك أو يُخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين }(1).
ويقول تعالى : { .. أتقتلون رجلاً أن يقول ربِّيَ الله }(2).
وبهذه الآية استشهد أبو بكر الصديق عند دفع من آذى النبي - صلى الله عليه وسلم - (3).
××××××××××××××
لقد كان الجانب الفكري في الصراع المكي ضئيلاً ، فقد :
1. لا يقوم على حجة في قضية ، كعدم تركهم ما يعبد الآباء .
2. وقد يقوم على حجة واهية في قضية أخرى .. فقد أخبر القرآن
الكريم عن أقوالهم ، منها قولهم :
{ وقالوا لولا نُزِّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم }(4).
وقولهم :
{ وقالوا لن نؤمن لك حتى تَفْجُر لنا من الأرض يُنبوعاً ( أو تكون لك جنَّةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتُفَجِّر الأنهار خلالها تفجيرا ( أو تُسقط السماء كما زعمت كِسَفاً وتأتي بالملائكة قبيلاً ( أو يكون لك بيتٌ من زُخْرُفٍ أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرُقيَّك حتى تُنزِّل علينا كتاباً نقرؤه قل سبحان ربيِّ هل كنت إلاَّ بشراً رسولا }(5).
__________
(1) الأنفال / 30 .
(2) غافر / 28 .
(3) دلائل النبوة للبيهقي / الجزء الثاني .
(4) الزخرف / 30 .
(5) الإسراء / 90 إلى 93 .(1/8)
3. أو : قد تقوم على أوهى الحجج .. الكفار ، كما يقول تعالى : { وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلاَّ أن قالوا أ بعث الله بشراً رسولا ( قل لو كان في الأرض ملائكةٌ يمشون مطمئنين لنزَّلنا عليهم من السماء مَلَكاً رسولا }(1).
×××××××××××××××××
ولأن حججهم لا تقوى على مجابهة الحق فقد لجأوا إلى أسلوب :
- الإيذاء .. وهو معلوم لا يحتاج إلى التأييد بالنصوص .
- والمحاصرة .. وأخبارها معلومة في شعب أبي طالب .
- والتشريد .. حين اضطر - عليه السلام - إلى الذهاب إلى الطائف ، ثم إلى يثرب .
وذلك كلِّه بعد :
- التكذيب.. ويؤيده :
قوله تعالى : { فإن كذبوك فقد كُذِّب رسُلٌ من قبلك .. }(2).
وقوله تعالى : { وكذَّب به قومك وهو الحقُّ قل لست
عليكم بوكيل }(3).
- والمعاندة .. ويؤيده :
قوله تعالى : { ص~ والقرآن ذي الذكر ( بل الذين كفروا في عزَّةٍ
وشقاق ( كم أهلكنا قبلهم من قَرنٍ فنادوا ولات حين مناص
( وعجبوا أن جاءهم مُنْذٍرٌ منهم وقال الكافرون هذا ساحرٌ
كذَّاب ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنَّ هذا لشئٌ يُراد ( ما
سمعنا هذا في الملَّة الآخرة إنْ هذا إلاَّ اختلاق ( أ أُنزل عليه
الذكر من بيننا بل هو في شكٍّ من ذكري بل لمَّا يذوقوا
عذابِ }(4)
- والتهديد ..
- والوعيد ..(5)
- والتنديد ..(6)
×××××××××××××
إنَّ جِماع حُجج هؤلاء كان :
- التمسك بمآثر الآباء والأجداد ! .
- والركون إلى التقليد ! .
- والتمسك بالمأثور ! .
فكانوا سداً منيعاً ضد :
- التجديد الذي جاءهم به الدين الجديد ! .
__________
(1) الإسراء / 94 إلى 95 .
(2) آل عمران / 184 .
(3) الأنعام / 66 ، وراجع : الأنعام / 34 ، والحج / 42 ، وفاطر / 4 و 25 ، يونس /
41 ، القمر / 25 ، ص / 4 و 12 و 14 ، النبأ / 28 .
(4) ص~ / 1 إلى 8 .
(5) راجع : مصادر الهامش [ 1 ] .
(6) راجع : الآية [ 5 ] من سورة [ ص~ ]. المتقدم ذكرها .(1/9)
- والتصحيح لدين سيِّدنا إبراهيم - عليه السلام - الذي بدَّلوه وغيَّروه.. و بقي منه الأقل من القليل !! .
××××××××××××××××
فمن حججهم التي هي حجج كلُّ من كفر بالأنبياء قبلهم – كما في القرآن على لسانهم - .. :
قوله تعالى : { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتَّبع ما ألفينا
عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون }(1).
××××××××××××××××
أمَّا حجَّة [ عاد ] قوم [ هود ] - عليه السلام - .. فنقل عنهم القرآن حججهم في :
قوله تعالى : { وإذا فعلوا فاحشةً قالوا وجدنا عليها آبائنا والله أمرنا بها
قل ان الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون }(2).
وقوله تعالى : { قالوا أ جئتنا لنعبد الله وحده ونَذُرُ ما كان يعبُدُ آباؤنا
فاْتِنا بما تَعِدُنا ان كنت من الصادقين }(3).
×××××××××××××××××
أمَّا قول قوم فرعون أمام سيِّدنا موسى - عليه السلام - فعبر عنه القرآن في ..
قوله تعالى : { أ جئتنا لتلفِتَنا عما وجدنا عليه آباءنا .. }(4).
وقوله تعالى : { ما هذا إلاَّ سحرٌ مُفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا
الأولين }(5).
×××××××××××××××
وأمَّا قول [ ثمود ] قوم [ صالح ] - عليه السلام - فكان – كما في القرآن العظيم – في .. قوله تعالى : { .. يا صالحُ قد كنت فينا مَرْجُواً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبدُ آباؤنا وإننا لفي شك ممَّا تدعونا إليه مُريب }(6).
××××××××××××××××
وقول [ مدين ] قوم [ شعيب ] - عليه السلام - كما في القرآن العظيم- في ..
قوله تعالى : { يا شعيبُ أ صلاتُك تأمرُك أن نترك ما يعبد آباؤنا .. }(7).
×××××××××××××××××
وقول قوم سيِّدنا [ إبراهيم ] - عليه السلام - كما في القرآن العظيم – في ..
__________
(1) البقرة / 170 .
(2) الأعراف / 28 .
(3) الأعراف / 70 .
(4) يونس / 78 .
(5) القصص / 36 .
(6) هود / 62 .
(7) هود / 87 .(1/10)
قوله تعالى : { وجدنا آبائنا لها عابدين }(1).
إنَّ قول كل الكفرة في كل زمن ، وهو عين ما تقدم ...
يقول تعالى : { وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما
وجدنا عليه آباؤنا أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب
السعير }(2)
ويقول تعالى : { .. إنَّا وجدنا آباءنا على أُمَّةٍ وإنَّا على آثارهم
مهتدون * وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير
إلاَّ قال مترفوها إنَّا وجدنا آباءنا على أُمَّةٍ وإنِّا على
آثارهم مقتدون }(3).
×××××××××××××××
وهكذا هي حجج كل الكفرة – يقول القرآن العظيم – في ..
قوله تعالى : { وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً
فإن الله لغني حميد * ألم يأتكم نبؤا الذين من قبلكم قوم نوح
وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم
رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنَّا كفرنا بما
أُرسلتم به وإنَّا لفي شك مما تدعونا إليه مريب *
قالت رسلهم أ في الله شك فاطر السموات والأرض يدعُوكُم
ليغفر لكم من ذُنُوبِكُم ويؤخركُم إلى أجل مسمىً قالوا إن
أنتم إلاَّ بشرٌ مثلنا تُريدون أن تُصُدُّونا عمَّا كان يعبدُ آباؤنا
فاْتونا بسلطان مبين }(4).
×××××××××××××××
والحجة المتقدِّمة هي بالضرورة حجة كفَّار مكَّة أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. يقول تعالى : { وإذا تُتلى عليهِم آياتُنا بيناتٍ قالوا ما هذا إلاَّ رجلٌ يريدُ
أن يصدَّكم عمَّا كان يعبُدُ آباؤكُم وقالوا ما هذا إلاَّ إفك مفترى
وقال الذين كفروا للحقِّ لمَّا جاءهم إنْ هذا إلاَّ سحرٌ مبين }(5)
××××××××××××××××
وإذا رأينا من يظُن أنَّه راقٍ في تفكيره منهم ، فسيكون كلُّ احتجاجه : أنَّ هذا النبيّ [ ساحر ] !! .
__________
(1) الأنبياء / 53 .، وتكرر مثل ذلك في .. الشعراء / 74 .
(2) 23 لقمان / 21 .
(3) الزخرف / 22 إلى 23 .
(4) إبراهيم / 8 إلى 10 .
(5) سبأ / 43 .(1/11)
أو : ادعاؤه أنَّه [ مجبرٌ ] على الكفر ، قارنا ذلك بالتقليد .
أو : نسبة النبيّ إلى الجنون !! .
×××××××××××××××××
فعن [ السحر ] : مرَّ بك بعضُ ما قصَّه القرآن ، وهناك كثير غيره
وعن [ الجبر ] – كما في القرآن الكريم - ..
قوله تعالى : { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا
ولا حرَّمنا من شيء كذلك كذَّب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا
قل هل عندكم من علمٍ فتُخرجوه لنا إن تتبعون إلاَّ الظن وإن
أنتم إلاَّ تخرصون }(1).
×××××××××××××××××
ولا نريد هنا أن نستقصي ، فتفكير هؤلاء الكفرة وحججهم لا تعدو ما ذكر، ولتهافت تلك الحجج ، كان لجوؤهم إلى العنف أكثر.
×××××××××××××××××××
أمَّا تقليد الآباء .. فبالرغم من ضعف وتهافت الحجج ، فقد ردَّ القرآن الكريم عليهم دعوى تقليد الآباء في ...
قوله تعالى : { أ ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون }(2).
وقوله تعالى : { أ ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون }(3).
وقوله تعالى : { أ تجادلونني في أسماءٍ سميتمُوها أنتم وآباؤكُم ما نزَّل
الله بها من سلطان }(4).
وقوله تعالى : { ما تعبدون من دونه إلاَّ أسماءٌ سميتمُوها أنتم وآباؤكم
ما أنزل الله بها من سلطان }(5).
××××××××××××××××××
ولكنَّ الإيغال في الكفر والتمسك به هو الذي يدعوهم إلى مواقفهم ، وليس مجرد تقليد الآباء ، فمن علم شيئاً جديداً وجب تغيير قناعته وفق العلم الجديد ، ولكنْ هؤلاء الكافرين وآباءهم ما تزحزحوا قيد أنملة ، فكانت حجتهم بمتابعة منهج الآباء داحضة ..
يقول تعالى : { وما قَدَروا الله حقَّ قدره إذ قالوا ما أنزل الله على
بشرٍ من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى
نوراً وهدىً للناس تجعلونه قراطيس تُبدُونها وتُخفون كثيراً
__________
(1) الأنعام / 148 .
(2) البقرة / 170 .
(3) المائدة / 104 .
(4) الأعراف / 71 .
(5) يوسف / 40 ، وراجع : الأنبياء / 54 ، النجم / 23 .. وغيرها .(1/12)
وعُلِّمْتُم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرْهُم
في خوضهم يلعبون }(1).
ويقول تعالى : { قال أوَ لو جئتِكم بأهدى مما وجدتُم عليه آباءكم قالوا
إنَّا بما أُرسلتم به كافرون }(2).
×××××××××××××××
أمَّا دعوى الجنون ، فقد تكررت هي الأخرى مع كل الأنبياء ... فمع نبينا - صلى الله عليه وسلم - ما نقله القرآن الكريم عن اتِّهامهم ..
قوله تعالى : { وقالوا يا أيُّها الذي نزِّل عليه الذكر إنَّك لمجنون }(3).
ولم يستبعد القرآن ادعاؤهم الجنون له ..
يقول تعالى : { أم يقولون به ِجنَّةٌ بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق
كارهون }(4).
×××××××××××××××
واستظهر القرآن ما يريدون قوله في المواضع المذكورة ، في ..
قوله تعالى : { أ افترى على الله كذبا أم به جِنة بل الذين لا يؤمنون
بالآخرة في العذاب والضلال البعيد }(5).
ويقول تعالى : { ويقولون أ إنَّا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون }(6).
ويقول تعالى : { أنَّى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ( ثم تولوا
عنه وقالوا مُعَلَّمٌ مجنون }(7).
ويقول تعالى : { وإن يكاد الذين كفروا ليُزلِقونك بأبصارهم لما سمعوا
الذكر ويقولون إنّه لمجنون }(8).
وما اتَّهم به الكافرون محمداً - عليه السلام - .. اتهموا به نوحا - عليه السلام - (9)، واتَّهموا به موسى - عليه السلام - (10)، بل كان ذلك دعوى كل الكفرة مع كل الأنبياء ! ..
يقول الله تعالى : { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلاَّ قالوا
ساحرٌ أو مجنون }(11).
××××××××××××××××××
وقد ردهم القرآن في دعاواهم تلك ...
يقول تعالى : { أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جِنَّة إنْ هو إلاَّ نذيرٌ
مبين }(12).
__________
(1) الأنعام / 91 .
(2) الزخرف / 24 .
(3) الحجر / 6 .
(4) المؤمنون / 70 .
(5) سبأ / 8 .
(6) الصافات / 36 .
(7) الدخان / 13 إلى 14 .
(8) القلم / 51 .
(9) المؤمنون / 25 .
(10) الشعراء / 27 ، الذاريات / 39 .
(11) الذاريات / 52 .
(12) الأعراف / 184 .(1/13)
ويقول تعالى : { قل إنَّما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنىً وفرادى ثم
تتفكروا ما بصاحبكم من جِنَّة إنْ هو إلاَّ نذير لكم بين يدي
عذاب شديد }(1).
ويقول تعالى : { فذكِّر فما أنت بنعمة ربك بكاهنٍ ولا مجنون }(2).
ويقول تعالى : { وما صاحبكم بمجنون }(3).
ويعقب تعالى على ما ورد في سورة القلم /51 المتقدمة في ..
قوله تعالى : { وما هو إلاَّ ذكر للعالمين }(4).
×××××××××××××××××
أمَّا احتجاجهم بالشعر ، فهو أوهى من الاحتجاج بالسحر .. فعن ادعاءاتهم ..
يقول تعالى : { بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر}(5). ويقول تعالى : { ويقولون أ إنَّا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون }(6).
ويقول تعالى : { أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون }(7).
×××××××××××××××××
وقد ردَّهم القرآن .. بقوله تعالى : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلآَّ ذكرٌ وقرآن مبين }(8).
وبقوله تعالى : { وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون }(9).
×××××××××××××××
ولعل أوهن من الوهن ادعاؤهم بأن ما جاءهم به هو .. [ أضغاث أحلام ] !! ، فما عهدنا [ الأحلام ] أنَّها تأتي :
- بمثل هذا القرآن .
- ولا تلك الأحكام .
- ولا أنباء الغيب .. ما مضى منها وما سيأتي .
××××××××××××××××
وقد ادعى بعضهم الكهانة للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - !! ، ويُردُّ عليهم : أنَّ القائمين بها يسجعون سجعا تعرفه العرب ، وما كان القرآن يسجع سجعهم .
××××××××××××××××
وقد أدعى آخرون [ تقوُّل ] النبي - عليه السلام - لهذا القرآن !! ، وهذا مما لا يستقيم حجةً أصلاً كقولهم أضغاث أحلام ، وقد ردَّهم القرآن الكريم في قولهم هذا في ..
__________
(1) سبأ / 46 .
(2) الطور / 29 .
(3) التكوير / 22 .
(4) 47 القلم / 52 .
(5) الأنبياء / 5 .
(6) الصافات / 46 .
(7) الطور / 30 .
(8) يس~ / 69 .
(9) الحاقَّة / 41 .(1/14)
قوله تعالى : { أم يقولون تقوَّله بل لا يؤمنون * فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين }(1).
×××××××××××××××
إذن لم تكن العرب : أمة حجاج ، أو نقاش ، أو ممن يَقْوَوْن على إثارة شُبَهٍ كبيرةٍ !! .
وما قالوه تكرارٌ لما أثارته الأمم السابقة ، ولا يُستبعد أن يكونوا سمعوا هذا منهم !! .
×××××××××××××××××××
الفرع الثاني
في
صراع الإسلام مع اليهود والمجوس
ثم انتقل الإسلام ، بانتقال نبيه ، إلى المدينة المنورة .. وأهم سكنتها هم أصحاب التوراة ، واتباع موسى - عليه السلام - ، وأهل الديانة السماوية القديمة التي تعامل معها الإسلام ـ ومع النصرانية ـ بخصوصية ملحوظة .
لكن هذه اليهودية ما فتأت منذ بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وإلى أن وطئت قدماه الشريفتان ثرى [ قُباء ] ، ومن ثم ثرى [ يثرب ] يُثيرون شُبهاً ، ويُحدثون أسئلة يُلقونها إليه - عليه السلام - : مباشرةً ، أو على لسان كفار قريش أحيانا أخرى ، قبل وبعد الهجرة .
لقد كان ذلك ثاني صراع فكري للإسلام ، بعد صراعه الأول مع كفار قريش .
إنَّ أغلب ما ورد في القرآن الكريم بصيغة .. [ يسألونك ] ، كانت من هؤلاء اليهود(2).
×××××××××××××××
ثم أدال المسلمون دولة الفرس ، وفتح الله [ المدائن ] بجيش عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، فلم تغفر المجوسية ذلك له ، وهو الذي حقق نبوءة الرسول - عليه السلام - ، حين ألبس سراقة بن مالك - رضي الله عنه - ..
أساور كسرى .. وتاجه .. وأمسكه عصاه .. وأجلسه على بساطه ... .
__________
(1) الطور / 33 إلى 34 .
(2) دلائل النبوة - 3 / 269 . وراجع : البقرة / 189 و 215 و 217 و 219 و 220 و
222 ، المائدة / 4 ، الأعراف / 187 ، الأنفال / 1 ، الإسراء / 85 ، الكهف / 83 ،
النازعات / 42 .(1/15)
وكان سراقة - رضي الله عنه - في أخريات عمره ، وقد كف بصره في بعض الروايات(1).. فجعل عمر - رضي الله عنه - كلام نبينا - صلى الله عليه وسلم - مصدقاً ، لكنه كسب عداء الفرس الدين يقدسون [ السلالات ] من الحكام !! إلى يوم الدين .
فافهم – هدانا الله وإيَّاك - سر التركيز من الفرق الزائغة على بعض الصحابة دون غيرهم .. [ فان وراء الأكمة ما وراءها ] ! .
لقد كان أول انتقام لهم هو .. الاغتيال بالخنجر المسموم لأبي لؤلؤة اللعين ، وبتخطيط من الهرمزان !(2).
××××××××××××××××
لقد خلق فتح المدائن تحالفاً جديداً بين : اليهودية ، والمجوسية ، ونرى آثاره حتى يومنا هذا ، بدأ بأفكار [ ابن السوداء عبد الله بن سبأ اليهودي ] اليمني المتظاهر بالإسلام ، والمؤلِّه لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (3).
و [ عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية ، وكانت تقول بإلوهيَّة علي - رضي الله عنه - .. أصله من اليمن .. كان يهوديَّاً وأسلم . رحل إلى الحجاز فالبصرة فالكوفة ، ودخل دمشق في أيام عثمان - رضي الله عنه - فأخرجه أهلها ، فانصرف إلى مصر .. وجهر ببدعته .
ومن مذهبه رجعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يقول : العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ، ويكذِّب برجوع محمد - صلى الله عليه وسلم - .
ونقل ابن عساكر عن الصادق : لما بويع علي قام إليه ابن سبأ فقال له : أنت خلقت الأرض ، وبسطت الرزق ! ، فنفاه إلى ساباط المدائن ، وكان يقال له – ابن السوداء - لسواد أمِّه .
__________
(1) دلائل النبوة – 2 / 483 ، أسد الغابة – 2 / 332 .
(2) أسد الغابة – 4 / 173 وما بعدها ، تاريخ الخلفاء للسيوطي – 133 إلى 135 ، الأعلام للزِرِكلي – 5 / 204 [ والمراجع المذكورة فيه ] .
(3) الفَرِق بين الفِرَق – 15 .(1/16)
ويقال للسبئية [ الطيَّارة ] ، لزعمهم أنهم لا يموتون ، إنَّما موتهم طيران نفوسهم في الغلس ، وأن علياً حيٌّ في السحاب !! ، وإذا سمعوا صوت الرعد قالوا : غضب علي ! .
ويقولون : بالتناسخ ، والرجعة .
توفي نحو سنة 40هـ ، وقيل : أن علياً حرقه بالنار ](1).
××××××××××××××
ثم مرَّ هذا التحالف بالفرق الكثيرة المغالية ، والخروج المتكرر من الفرس ـ وبأسماءٍ شتى ـ على الدولتين الأموية والعباسية(2).
بل وأستمر مرور هذا التحالف الجديد بما أشاعه وأذاعه البرامكة ، وما عزموا على إعادته من رسوم الفرس والزرادشتية ، فنقل البغدادي في الفرق بين الفرق .. فقال : [ وكانت البرامكة قد زيَّنوا للرشيد أن يتَّخذ في جوف الكعبة مَجْمَرةً يتبخر بها العود أبداً ، فعلم الرشيد أنَّهم أرادوا من ذلك عبادة النار في الكعبة وأن تصير بيت نار !! .. فكان ذلك أحد أسباب قبض الرشيد على البرامكة ](3).
وما تقدَّم يفسِّر لنا ما يتَّخذه الفرس على القبور من : أبنية ، وزينةٍ ، ومراسم ، ومواعيد ، وتقديس .. فما هو إلاَّ صرفٌ للناس عن الكعبة
المشرَّفة ، وخلق البدائل ! ، بل سميَّت هذه [ الزيارات ] بأسماء تدلُّ
على هذه النوايا ، كتسميتهم لتلك الزيارات بـ [ حجِّ المشاهد ] !!
__________
(1) الأعلام – 4 / 220 .
(2) دائرة المعارف الإسلاميَّة – 3 / 377 وما بعدها و 4 / 371 .
وراجع كتب : التأريخ العام [ كالطبري والمسعودي ] ، وكتب الفرق ، وكتب العقائد ،
وتأريخ الفرق .. وغيرها ممَّا يستعصي على العدِّ والحصر ، مثل : الفرق بين الفرق لعبد القاهر
البغدادي ، والفِصل في الملل والنِحل لإبن حزم ، والملل والنحل للشهرستاني ، والزينة للرازي .. في أماكن متعدِّدة كثيرة ، وذكروا بالتفصيل خروج كلِّ فرقة ورفعها للسيف .
(3) الفرق بن الفرق – 270 . وراجع : البيان والتبيين للجاحظ – 3 / 350 ، عيون الأخبار لإبن قتيبة – 1 / 51 ، دائرة المعارف الإسلاميَّة – 6 / 547 .(1/17)
×××××××××××××××××
وما كتبه المجهولون في [ ألف ليلة وليلة ] ، وهو الكتاب الذي جُهل مؤلفه أو مؤلفوه(1).
إن طبيعة النفس البشريَّة تأبى أن تترك جهداً كبيراً مثل .. [ ألف ليلة وليلة ] دون أن تتمسك بنسبته ، فلا يترك مثل هذا إلاَّ لأمر أهم – من وجهة نظر صاحبه – لعله :
- تشويه المجتمع الإسلامي .
- أو : الإساءة لبعض الخلفاء العباسيين .. ولعله الرشيد بالذات ،
لكونه [ نظَّف ] المجتمع الإسلامي من البرامكة .
- أو : جرِّ المجتمع الإسلامي إلى الأدب الهابط والبذيء ..
- أو .. أو .. فما خفي أعظم .. والله أعلم .
فليحذر أولي النهى ، فليس كلُّ ما خلفته سالف العصور ، مما تقبله النفس .. أو يُدخل إلى القلوب السرور !! .
ويشير الكتاب في كثير من قصصه المختلقة ، إلى التشابه بينه وبين الكتاب الفارسي المعروف [ هزار أفسانة ! ] ، أي : ألف حكاية ! .
ولهذا تجد في [ ألف ليلة وليلة ] كثيراً من التمجيد للبرامكة .. وللفرس ، وانتقاصٍ من آل النبيِّ ، وأبناء عمومته من بني العباس!.
فمن كان لآل البيت موالياً ومحباً ، ينبغي ألاَّ يفرح بما فيه ، وينخدع بدعايات أولئك الذين جعلوا من حبِّ آل البيت وسائل لمآربهم ، فهم حين لم يستطيعوا تكْريه الرشيد للناس ، بل وصفوا عصره بـ [ العصر الذهبي ] ، ابتدعوا مقولة : قتله لموسى الكاظِم !! ، ليستجلبوا كره العرب المسلمين له – إذ الفرس لا يحتاجون لمثله لأجل كرهه - !! .
لقد صوروا واختلقوا صراعاً بين أبناء العمومة .. آل العباس ، وآل أبي طالب !! ، ولا أدري ما دليلها غير روايات المتأخرين جداً عن عصر الرشيد .
ثم .. لِمَ يقتل الرشيد موسى الكاظم ؟ ! .. هل ثار ؟ ، هل عارض ؟ .. هل ؟ .. هل ؟ .
ليس من شئٍ من ذلك قط .. بل العكس هو الثابت بـ :
1. عدم وجود الدليل النقلي الصحيح ، والأصل عدم الثورة ، وعدم المعارضة ، ومدَّعيها مطالب بإثباتها .
__________
(1) دائرة المعارف الإسلامية – 4 / 188 .(1/18)
2. الاستدلال العقلي الذي جعله أولئك المنخدعون دليلاً ! .. من ذلك:
- قدوم موسى الكاظم من المدينة المنورة إلى بغداد ، ومجاورته
لمن قيل عنه أنَّه معادٍ له !! .
فمن أراد العمل يبعد عن عين السلطة ، لا أن يكون قريباً
من رقابتها ، فإن قال قائلٍ : استجلبه الرشيد من المدينة بالقوة !!
إذن ما وجه الخوف منه بعد تلك المراقبة والرصد ، بل العكس
هو الصحيح .. إذ في حالة صحة إقدامه على قتله ، سوف :
يعطيه ثقلاً من غير ما سبب مقنع ، وسوف يؤلب محبيه من غير
ما من دافعٍ معقول لذلك .
- ومن جهة أخرى .. إنَّ الغالبية العظمى من الحسينيين ، هم من
نسل موسى الكاظِم ! ، إذن كان آمناً مطمئناً بحيث يستطيع تعديد
النساء ، ويستطيع قربانهنَّ ، لما في ذلك من خصوصيَّةٍ تستدعي :
الاطمئنان ، والراحة النفسية ، وعدم الخوف .. الخ !! .
- أو أن يُقال أنَّ ما يُدعَّى له لا أصل له .
- أو أن يُقال أنه عدَّد النساء الحرائر تعديداً غير معهود ، أو أنَّه
امتلك من الإماء عدداً لا يُستهان به ! .
إذن .. على هذا الاحتمال أو ذاك .. لا بد : أن يحتاج إلى نفقة
غير عاديَّة ، فليس من احتمال في تداركها .. إلاَّ كونه قد عاش في بُحبوحة عطايا الخلفاء من أولاد عمِّه ! .
فمن كانت هذه حاله .. فلِمَ يسعى ابنُ عمِّه لتصفيته ؟ ! .
لقد صدق من قال : [ حدِّث العاقل بما لا يُعقل ، فإن صدَّق فلا عقل له ] !! .
××××××××××××××××
وهكذا نجد أساليب أعداء الإسلام - الذين أظهروا ما لم يُبطنوا -تتعدد تعدداً لا حدود له ، والهدف واحد ! ، وأنا أشهد أنَّ لهم النفس الطويل الذي لا يفتر ! ، ولا ينسى [ قضيَّته ] ! .(1/19)
ونسأل أولئك الذين ينفون ما قلناه من غير دليلٍ مقنع .. إذا كان أولئك .. وكنتم أنتم ، ممن يعتزون بآل النبيِّ(1)، فلمَ لم تصفوا الكريم والكرم .. بأنه : محمَّدي ؟ ! ، أو علوي ؟ ! ، أو حسني ؟ ! .. إلخ ، لكنكم رضيتم أن يوصف والكريم بكونه : [ برمكي ] !! ، وتخليتم عن الرسول وأبناء عمومته !! .
×××××××××××××××
وممّا يدل على اتِّخاذ المكرمين من أبناء عليٍّ - رضي الله عنه - وسيلة لهدم الدين ، وليس لدعمه – كما هو المفترض - .. أننا نجدهم قد اختاروا تاريخاً لوفاة سيِّدنا موسى الكاظم هو : 27 رجب ! ، ولذلك قد أنسوا من استمع لأباطيلهم مناسبة [ الإسراء والمعراج ] ، فهي مناسبةٌ قرآنية لا يعرف عنها المطيعون لأولئك الدسَّاسين شيئاً ، وإن كلمتهم بها استغربوا ، وتشعر بالجهالة التامَّة بما ذكره القرآن .. في مقابل الحفظ المتقن لـ : مواعيد الزيارات ، وولادات ووفيات لأشخاصٍ – مهما أكرمناهم – فلا يمكن جعل حبِّهم سبباً لنسيان المناسبات القرآنية ! .
وهذا النهج تجده مطَّرداً عند هؤلاء ، فما من مناسبةٍ قرآنيةٍ إلاَّ ومقابلها مناسبة مختلقة ! .
فإذا احتفل المسلمون بانتصار المسلمين ببدرٍ ، وبفتح مكة – وكلاهما مناسبتان قرآنيتان – نجدهم يحتفون ويحفلون بـ : جرح الإمام عليٍّ .. وبوفاته !! ، ولو سألت واحداً منهم عن المناسبتين ، وعمَّا ورد فيهما من قرآن .. تراه يُبدي منتهى الاستغراب ، لأنه لم يسمع بمثل ذلك قط !! .
__________
(1) آل النبيِّ هم : كلُّ تقيٍّ من أمته ، كما ورد بذلك الأثر ، وهو الأصح ، فلم يكن محمداً في دعوته قد جاء ليؤسس أسرةً حاكمةً ، أو سلالةً مقدَّسةً .. [ كآل هرون ] عند اليهود ! ، ولو أراد نفعاً دنيويَّاً لقبل بما عرضت عليه قريش عن طريق عمِّه أبو طالب ، فهل يُعقل أن يتحمل الذي تحمَّله - عليه السلام - ، لأجل أن يشقى .. وينعم أولاد بنته ؟ ؟ !! .(1/20)
وإذا صام المسلمون ليلة النصف من شعبان – على ضعف ما ورد فيها - ، نراهم يحتفلون بـ [ ولادة محمد بن الحسن العسكري ] الذي أسموه [ بالمهدي ] !! .
وإذا صام المسلمون التاسع والعاشر من محرَّم ، نراهم قد أقاموا الدنيا ولم يُقعدوها لقتل سيِّد الشهداء - عليه السلام - ! ، مع أنَّه مع النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين .. وحَسُن أولئك رفيقا ، ويوم استشهاده أراده الرسول الكريم يوم طاعةٍ – ليس بسبب استشهاده - ، فجعلوه : يوم معصيةٍ ، ويوم محاربةٍ لله - عز وجل - بالاعتراض على قضائه وقدره !! ، ويوم إظهارٍ للجزع .. وفي الأمرين أمران :
- ترك ما أمر به رسول الله ! .
- وفعل ما نهى عنه ! .
×××××××××××××××××
وقد ابتدعوا أعياداً ، مع أنَّ أمر العيدين الإسلاميين – الفطر والأضحى - توقيفيٌّ ، لا يُضاف عليها بالرأيِّ والهوى ! ، ومع هذا فقد اختلقوا ما سميَّ بـ [ عيد الغدير ] ، واحتفوا واحتفلوا به أكثر من احتفالهم واحتفائهم بالعيدين !! .
وجعلوا من يوم استشهاد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عيداً ، أسموه [ عيد فرح الزهراء ] !! .
وهكذا بترتيب وتنظيم عجيب .. طُمست شعائر الإسلام ، وابتدعت شعائر ما أنزل الله بها من سلطان !! .
×××××××××××××
أما ما قالت به غلاة المعتزلة من : نفي الصفات ، والمنزلة بين المنزلتين ، ونفي رؤية الله يوم القيامة ، ثم فرضهم [ المحنة ] على الأمَّة متوسلين بذلك ببعض خلفاء بني العباس الذين تبنَّوا مقولاتهم .. فذلك ممَّا خرق خروقاً في جسم الأُمَّة .(1/21)
ورغم ادِّعائهم بسطوة العقل ! ، فقد خالفوا مقتضى العقل مراراً – بما لا مجال لمناقشته الآن - ، وأوضح ما يتأكد به ذلك .. هي تلك [ المحنة ] حيث كانوا يسألون العلماء عمَّا يعتقدون في مسائل معيَّنة ، فإن كان جوابهم على هواهم .. تركوهم ، وإلاَّ .. أُوذوا ، وضربوا ، وحُبسوا !!(1)، وحين ناقش أحد العلماء الأفذاذ شيطان المعتزلة .. وقاضي قضاة الدولة [ أحمد بن أبي دؤاد ] بحضور أحد الخلفاء العباسيين ، لم يستطع ذلك القاضي أن يُدافع عمَّا ابتلى به الناس عُقوداً من السنين !! ، حينئذٍ أمر ذلك الخليفة برفع [ المحنة ] وأطلق سراح علماء [ أهل السنَّة ] .
فمن كان : ذا حجج عقليَّة ، وكان يُحسن استعمال [ العقل ] كما يدَّعي ، لم يكن لينهار لأدنى مناقشةٍ !! ، بل هي ادِّعاءات ما يزال يُرددها البعض ممَّن يدَّعي [ العلمية ] و [ العقلانية ] !! ، وأحدهم يهرف بما لا يعرف .. ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم .
×××××××××××××××××
ثم انعكست تلك الآراء في معتقدات [ الروافض ] ، فليس لهؤلاء من باعٍ في : العقائد ، ولا في الأصلين .. أصول الدين ، وأصول الفقه ، وهم عالةٌ على المعتزلة في ذلك ! .
×××××××××××××××××××××××××
أمَّا القرامطة(2)..: فقد نخرت آراؤهم في جسم الأمة نخراً ، وساءت أفعالهم في : قطع الطرق ، وإخافة السبل ، ومنع الحجيج من الذهاب إلى مكَّة .. بل تجاوز ذلك إلى سرقة [ الحجر الأسود ] ونقله إلى [ القطيف ] في بلاد [ هَجَر ] ، بل انشأوا كعبةً أرادوا صرف الناس إليها .. وغير ذلك من المفاسد والفضائح .
××××××××××××××
__________
(1) الفرق بين الفرق – 93 ، الفِصل في الملل والنحل – 4 / 192 ، والملل والنحل للشهرستاني – 1 / 53 .
(2) راجع في معرفة آرائهم : الفَرِق بين الفِرَق – 267 ، والغلو والفرق الغالية لعبد الله سلَّوم السامرائي – مواضع كثيرة .(1/22)
وفي ذات الوقت انتشرت كتابات .. إخوان الصفا(1)الذين لم يُصرِّحوا بأسمائهم ! .. ولا بأوصافهم ! – شأنهم شأن مؤلف ألف ليلة وليلة - ! ، وادَّعوا : الفلسفة ، والعقلانيَّة .. إلى غير ذلك .. فكانوا ظهيراً [ فكريَّاً ] – إن صح التعبير – لتلك الحركات التي أصبح لها في الواقع وجودٌ .. وتأثير - كما ذكرنا قبل قليل - .
وقد تكامل ذلك كله في العهد البويهي ، حين أخذ الأمر شكل : مدارس فقهية ، وفرق فكرية منظمة ، وما زالت هذه الفرق وما خلَّفت ، وما باض وفرَّخ في كنفها وأعشاشها ، يفعل فعله في جسم الأمة وكيانها الفكري ، وفي اعتقادها السليم القويم(2).
××××××××××××××
الفرع الثالث
في
الصراع مع النصرانية
لقد كانت المسيحية بمنأى عن كل هذا ، إلى أن ظهرت [ الصليبية ] لتجعلهم يخوضوا بمثل هذا الصراع ولم يكن ذلك عندهم من قبل !! ، لما تحمله عقائدهم الهشة من ثغرات تجعلهم يبغون : ستر حالهم ، والبعد ، دون المجابهة والمنازلة !! .
××××××××××××××××
ثم جاء الاستعمار الغربي بعد النهضة الأوربية ، فاختلط الطمع بالعنعنات القديمة ، فما حل جيش أوربي في بلد إلاَّ وكان المبشرون : سابقوه ، أو لاحقوه ، أو ملازموه !! .
لقد اتخذ سبقهم ذاك أشكالا شتى .. منها :
(شكل الاكتشافات الأثرية ! .
( أو شكل الدراسات اللاهوتية .
( أو باسم [ الإرساليات ] التبشيرية .
(أو شكل الخدمات الإنسانية والطبيَّة ! ... إلخ(3).
××××××××××××××××
__________
(1) دائرة المعارف الإسلامية – 2 / 452 إلى 454 .
(2) الشيعة والتصحيح – 14 إلى 16 .
(3) راجع : التبشير والاستعمار لعمر فرُّوخ – 1 [ القسم الأول ] / 61 إلى 90 .(1/23)
وحين ضعفت دولة الإسلام ـ الدولة العثمانية ـ ، وزالت الإمبراطورية المغولية الإسلاميَّة في الهند ، أخذ الأوربيون النصارى يفرضون حمايتهم على الأقليَّات النصرانية في بلاد الإسلام ، ويشترطون في المعاهدات التي يبرمونها مع الدول المسلمة شروطا تصب لصالح المبشرين ! ، وأخرى لحماية الإرساليات ! ، وثالثة لتأمين سبل الحج إلى بيت المقدس !(1).
××××××××××××××××
__________
(1) راجع : تأريخ الدولة العليَّة العثمانية ـ 91 و 145 و 150 و 180 و 209 و 211
و 220 و 235 و 241 و 261 و 278 و 336 و 337 و 348 و 384 إلى 405 ..
وفي الصفحة الخيرة كلامٌ واضحٌ للمؤلف عن أسباب المداخلات الأجنبية ، وأنواعها ، حركة الجامعة الإسلاميَّة – 30 وما بعدها .(1/24)
لقد عمدت [ الإرساليات ] ، والبعثات المصاحبة للجيوش ، إلى : دراسة الإسلام دراسةً مستفيضةً - لا حباً به - بل طمعاً في ثغرة يجعلونها شُبهاً يُلقونها في قلوب أبناء المسلمين ، فنشأ .. [ الاستشراق ] ، وأُسست له معاهد ، ورُصدت له أموال ، وجُرَّ بعض علماء المسلمين إلى خدمة مآربه حين رصدت الجوائز لنوع معين من التآليف ، كالكتابة في تأريخ العرب قبل الإسلام ، فألف العلامة محمود شكري الآلوسي(1)- رح - .. [ بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب ] ، الذي ألفه استجابةً لجائزةٍ أعلن عنها ملك السويد ! .
××××××××××××××
وأُشيعت الأفكار المحليَّة فجرَّ ذلك إلى تفتيت الدولة العثمانية(2)، وإشاعة محبة الأعداء في الدين بحجة قربهم في الأصل !! ، في حين أن الإسلام فرز الناس على وفق العقيدة ، لا على وفق الأصول والقربى !! .
على أنَّ دعوى عروبة هؤلاء دونها خرط القتاد ! .
××××××××××××××
__________
(1) محمود شكري بن عبد الله بن أبي الثناء محمود شهاب الدين الآلوسي الجسني البغدادي .. المفسر المشهور ، العالم الجهبذ المتفنن ، مال إلى عقيدة السلف ، ومال إلى الوهابية ، وخالط القس النصراني الأب أنستاس ماري الكرملي – ونظن أنه هو الذي أخبره بجائزة ملك السويد - ، وله تآليف جمَّة .. أبرزها [ بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب ] الذي نال بها جائزة الملك المذكور ، وطار صيت كتابه في الآفاق ! ، توفي ببغداد 1342 هـ الموافق 1924 م . [ راجع : محمود شكري الآلوسي وآراؤه اللغوية – لتلميذه محمد بهجة الأثري ، وأعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث لمحمود تيمور – 311 ] .
(2) حركة الجامعة الإسلامية – 20 و 21 و 97 إلى 115 و 157 إلى 169 و 303 إلى 328 .(1/25)
ونُهبت الكتب ونقلت إلى : الفاتيكان ، ودير والاسكوريال ، وليدن ، ولندن ، وأكسفورد ، وهالة ، وواشنطن. الخ ، فانكبوا على دراستها وبدأوا بالنشر في كتب مستقلة ، أو في دوريات متخصصة ، وكان همُّهم هو إثارة الشبهات والشكوك ، بأسلوب أسموه [علميا ] !! .. وعليك بدائرة المعارف الإسلامية(1)، فستجد مصداق ما نقول ، وهي بعيدة عن العلميَّة المدَّعاة لها كذباً كل البعد !! .
××××××××××××××
لقد ساعد على كل ما تقدَّم .. على تقبل المسلمين لأقوال الكفار لأسباب .. منها :
1. بُعدهم عن أساليب أجدادهم العلمية ، ومآثرهم الغنية ، فهجروا كتب [ آداب البحث والمناظرة ](2)، واتجهوا إلى ما كتبه لهم الأعداء مما أسموه [ بأساليب البحث العلمي ] .. وشتان بين علميَّة المسلمين الحقَّة ، ودعاوى هؤلاء المبطلة !! .. حيث حصروا العلميَّة بـ [ التجريب ] فقط ! ، وتغافلوا عن [ البرهان العقلي ] الذي يكون في غير المحسوسات ، حتَّى جرَّهم ذلك إلى إنكار وجود الله - عز وجل - والعياذ بالله - !! . وكان من علميَّتهم العجيبة أنَّهم جعلوا : [ الاستبيانات ] و [ العيِّنات ] و[ استطلاعات الرأي ] .. وسائل يقينيَّة !! .
وهذه من الوسائل المغرقةُ في الظنيَّة ، ولا يُمكن الحصول على : الجزم ، واليقين .. بتلك الوسائل قط ! .
2. بسبب إعجاب أبناء المسلمين ، بتقدم النصارى المادي .
3. وبسبب البعوث التي درست في بلادهم(3)، فاستتبع ذلك
__________
(1) راجع ثبت المراجع .
(2) علم آداب البحث والمناظرة : علمٌ وضع قواعده [ ركن الدين العميدي الحنفي ] المتوفى سنة 615 هـ ، وهو أول من ألف فيه . رسالة آداب البحث والمناظرة لمحمد محيي الدين عبد الحميد – 8 .
(3) كانت بدعة إرسال البعوث ممَّا سنَّه [ محمد علي الكبير ] والي مصر الألباني .. في زمن العثمانيين ، والذي استقلَّ وذريته في مصر . [ راجع : تأريخ الجبرتي – الجزء الثالث بكامله ] .(1/26)
تأثرهم الظاهر : بأفكارهم ، وشُبههم ، وقناعتهم .. وقد أدركنا
المدرسين يُعلمون الشباب التمرد على الدين ! ، وعزوهم
التأخر الذي هم فيه إليه !! . وقد أنقذنا الله - عز وجل - بفضله منهم ..
وعلى كلِّ شابٍ تداركته رحمة الله - عز وجل - فانعتق من تلك الضغوط
الهائلة ، أن يذكر نعمة الله - عز وجل - عليه وعلى أمثاله ، إذ استبانوا
الطريق بفضله جلَّ وعلا .
ونستطيع أن نضرب مثلاً لما بيناه في الفقرتين أعلاه .. هو :
أن مما سمعناه من الأفواه في وقت مبكِّر أن : مجلس المبعوثان العثماني الأول ، حينما كان يناقش ميزانية الدولة العثمانية ، كان في ميزانية [ الجهادية ] – أي وزارة الدفاع – وظيفة [ قاريء البخاري ] ، وهي وظيفة متوارثة في الأُسطول العثماني ، يقوم شاغلها بقراءة صحيح البخاري عند سير الأُسطول لأجل البركة !! .. فقام أحد المبعوثين من العراق ليقول :
[ يا قوم إن السفن في أوربا تسير بالبخار لا بالبخاري ] !! .
وهذه [ كلمة حق أُريد بها باطل ] ، فإن أصل الأمر .. أنَّ تجار المسلمين في سالف عهدهم يسافرون مع بضائعهم في البحر ، فتستغرق سفرتهم أشهراً ، فلم يكونوا ليُضيِّعوا الوقت سدىً ، فكان يقرأ [ البخاري ] أحدهم ويسمع الآخرون ، وقد يحفظون كثيراً منه .. ثم أضحت قراءته [ عادة ] !! ، وأُفرغت من محتواها ، ثم آلت إلى أن جُعلت [ وظيفةً ] في أُسطول العثمانيين ! ، فيُقرأ البخاري هذرمةً من غير ما نفعٍ .
فالقائل كان يغمز من طرف خفيٍّ إلى أن التأخر سببه الدين !! ، ولم يُصبْ الحقيقة ، إذ التأخر سببه عدم فهم الدين .
لقد تعاون في العصور المتأخرة : اليهود ، والنصارى ، على تشويه الإسلام .
أمَّا اليهود ..
- فلموقفهم القديم من الإسلام ومنذ أول لحظة .
- وانتقاما لتهجيرهم من بلاد العرب .(1/27)
- ولموقفهم الديني ، وهو أملهم الخائب أن يكون نبيُّ آخر الزمان ، من ولد [ اسحق ] لا من ولد [ إسماعيل ] !! .. عليهما وعلى نبينا السلام(1).
أمَّا النصارى ..
- فلما رأوه من اتشار الإسلام واتساع رقعة بلدانه ، وتطويقه معاقل النصرانية في أوربا.. من : شماليها ، وجنوبيها .
- وكذلك بسبب مزاعم [ باباوات روما ] ، التي أنشأت ما سميَّ بـ
.. [ الحقد الصليبي المقدس ] !! .
- وكذلك بسبب شعورهم بالقوة المادية ، مع انحدار المسلمين إلى
أسفل دركات الضعف المادي ! .
×××××××××××××××
لقد اتفق أعداء الأمس : اليهود والنصارى في أحيان كثيرة ، واتفق المشربان على الانتقام من المسلمين .
فاليهود : بشيطنتهم المعهودة قبلوا التحالف مع عدوهم القديم ، وعدو عدوي صديقي ! .
والنصارى : استغلهم اليهود من منطلق ديني يؤمن به هؤلاء النصارى ، ألا وهو إيمانهم بـ [ العهد القديم ] باعتباره جزء من [ الكتاب المقدس ](2).
فالنصارى يتفقون معهم في كلِّ شيء فاتخذوهم وسيلة للتنكيل بالعدو المشترك .. وهم المسلمون !! ، وهذا يفسر لنا اتِّفاق كلُّ النصارى على نصرة اليهود ، فمهما تبدلت الأحزاب الحاكمة .. من : جمهوريين ، وديمقراطيين ، وعمال ، ومحافظين ، بل وحتى الشيوعيين !! ، وما قرارات التقسيم ، والاعتراف حين إعلان دولة اليهود ، إلاَّ دليلٌ على ذلك !! .
×××××××××××××××××
__________
(1) دلائل النبوة – 2 / 536 إلى 537 .
(2) الكتاب المقدَّس [ بعهديه القديم والجديد – أي : التوراة والإنجيل ] : طبعة دار الشروق – بيروت / 1986 .(1/28)
يذكِّرنا هذا باتفاق جمهور المسلمين مع الفرق المغالية والرافضة للخط المستقيم في أمور استغلها هؤلاء لصالحهم ، مع أنَّهم لا يتفقون بأيَّة نقطة مع الجمهور ! .. فكان الخاسر الجمهور لا غير !(1).
الفرع الرابع
في
الصراع في العصور المتأخرة
هذا الاستعراض السريع للصراع الفكري بين الإسلام ومناوئيه ، والذي اتخذ جانب الصراع الدموي في أوقات متفرقة من عمر الإسلام ، يفسر لنا كثيراً مما يُثار في وجه هذه الشريعة السمحة السخيَّة .. فهم لم يستطيعوا تغيير وجهها بالقوة ، حتى في فترات ضعفها وقوتهم ، فكان لجوء أولئك إلى :
- أسلوب الدس والافتراء .
- وإشاعة المفاهيم الخاطئة .
- والتأويل السقيم .
××××××××××××××
إنَّ هؤلاء وإن لم يطمعوا في دخول المسلمين إلى أديانهم فهم طامعون بانتزاعهم من دينهم ، فهو لهم كسب ... وأي كسب ؟ !، ولهذا أتتنا دعوات متعددة تترى مصدرها أوربا ، ينادي بها النصارى ، ويبرمجها اليهود ، ويرددها جهال المسلمين ، الذين انتُزعوا من دينهم إلى :
- الفراغ .. والعبثية .
- والاهتمام بالمأثور الشعبي(2).
__________
(1) كادِّعاء أغلبهم .. حبَّ آل محمد - عليه السلام - !! ، ومع أنَّهم مايزوا بين أقارب النبيِّ - عليه السلام - حسب أهوائهم ، رغم هذا فإننا نجد صدق الجمهور في حبِّهم العقلاني القائم على أُسس الشرع فيما أمر وما نهى ، في اتَّخذت هذا الحبَّ تلك الفرق أُحبولةً .. وإلاَّ لمَ تآمر الخائنان : النصير الطوسي ، وابن العلقمي مع هولاكو ؟ !! . ولم تكن الضحيَّة إلاَّ أبناء عمومة الرسول - عليه السلام - !! .
(2) إذا كانت دراسة المأثور الشعبي لبيان أثر الإسلام فيه ، و تأييده وتركيزه ، ودراسة أثر غيره فيه والتنبيه عليه ، ومن ثمَّ تنقيته ، فهذا مما لا بأس فيه ، أما دراسته لصرف الناس عن دينهم ، فهنا تكمن الخطورة ، وكذلك يسعى دارسوه لتأكيد خصوصيات الأقاليم الإسلامية ، إمعاناً في الفرقة لا في التقريب .(1/29)
- وقراءة الروايات !(1) ...
فمرروا عليهم .. وعلى أبنائهم كثيراً مما قاله أعداؤهم ، فأصبحت مشاكل الأمة متعددة الجوانب :
( الضعف المادي .
(التداعي الفكري .
( الفراغ العقيدي .
ولهذا وجدنا بعض من انتسب إلى الدعوة الإسلامية في العراق ، يتكلم في الصحف .. هل أنَّ [ الصيحة ] الفلانية في مقام نغمي من أنغام المقامات العراقية .. أيُعدُّ مقاماً مستقلا أم مجرد صيحة ؟ ! ، ثم انغمس أخيراً في الدعوة إلى [ القبلية ] ! .
فلماذا أنكر الإسلاميون [ القومية ] في أخريات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ، والدعوة إلى [ الوطنية ] بعدها ؟ !! ، فكان ذلك ركوناًٌ إلى أضيق حلقات الدعوات الجاهلية .. فلا حول ولا قوة إلا بالله ! .
××××××××××××
إي والله .. كلها [ صيحاتٌ ] في [ صيحاتٍ ] ! أخذ يسعى إليها أبناء المسلمين ودعاتهم ! ، فهذا يريد الشهرة ، والآخر يعمل للإسلام [ بالصُخرة ] ـ حسب التعبير العامي العراقي ـ ، وثالث يريد أن يتميز في المجتمع لنه لا ميزة له أصلاً ! ... ورابع ... الخ .
__________
(1) فقد أصبح عادياً السؤال من أحدهم .. ماذا تقرأ ؟ ، ليقول : أقرأ لنجيب محفوظ ، أو الحكيم .. أو.. ، فأضحت القراءة هي هذه ، ولهذه ، ولهؤلاء فقط لا غير ! . ومن جهة أخرى تضمنت هذه الروايات أفكاراً خطيرة ، مثَّلوها أفلاماً و مسلسلات تلفزيونيَّة ، فكانت تأثيرها في الفهوم ، وبقائها في الأذهان ، أدوم من ا لدراسة [ الجامعية ] ، وأبلغ من النصائح الوعظية [ الجامعية ] ، وكثير مما فيها يتناقض مع : الخلق ، و الدين ، وقيم المجتمع ، وفطرة الإنسان السويِّ السليم ، والعقل الإنساني القويم ! . وقد حفظ الناس من أقوال هؤلاء عن طريق رواياتهم الكثير ، وهو مما ينادي جهرةً بمحاربة الخلق القويم ، وهم أحفظ لها من القرآن الكريم .. والحديث الشريف ، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم .(1/30)
إن هذه الشُبه التي أثارها الغربيون من اليهود والنصارى في عصرنا الحديث لم يتصدَ لها المتصدون .. بـ : إسهابٍ ، أو عمقٍ ، أو استدلال ، أو استيعاب . فإنْ وجدت رداً هنا وردا هناك ، فهناك الكثير مما يحتاج إلى ردٍّ ، أو بيان لتحصين عقول أبناء الأمة عن الانسياق وراء : النهيق ، والنعيق ، والنعيب .. من هذا ، وذاك ، وأولئك .
فإذا كانت الشُبه التي أثارها اليهود في سالف عهودهم ، والفرس في شدة تصدِّيهم ، قد هيأ الله - عز وجل - لها أعلام الأمة في ردود ملأت بطون الكتب ، وسوَّدت وجوههم ، وبيضت صحائف الإسلام(1)، فما أحوج [ شُبَه ] اليوم إلى : الرد ، والبيان ، والتوضيح .
إن الإسلام اليوم لا يحتاج إلى عاطفة شاعر ، أو ادعاءات يدَّعيها البعض وينكرها واقعهم !! ، بل هو بحاجة إلى :
( العلم ...
( وقرع الحجة ...
( وردِّ الشبهة ...
( وإلجام الخصم بأساليب العقل دون العاطفة ...
ليحيى من حيَّ عن بينةٍ ، ويهلك من يهلك عن بيِّنة .
××××××××××××××
لقد كثر ترنمنا بالشعر ، وكثرت دعاوانا أمام الخصوم بـ : كمال الإسلام ، وصلاحه .. !! .
والدعوى تحتاج إلى : بينةٍ مرضيةٍ مقبولةٍ من الخصم ، متفقٍ عليها بين الجانبين - كما قرره علماؤنا الأقدمون - .
__________
(1) من ذلك : مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للإمام أبي الحسن الأشعري ، والفصل في الملل والنحل لإبن حزم الأندلسي الظاهري ، ومنهاج السنَّة النبوية في الردِّ على المعتزلة القدرية والرافضة .. الذي اختصره تلميذه [ الذهبي ] بكتابه .. المنتقى من منهاج الاعتدال في الرد على أهل الرفض والاعتزال ، وحجة الله البالغة للدهلوي ، والعواصم من القواصم لإبن عربي .. وغيرها كثير .
وفي العصر الحديث : سلاسل المناظرة الإسلامية والنصرانية للشيخ العلمي الدمشقي ، والغارة على العالم الإسلامي لمحب الدين الخطيب ، والتبشير والاستعمار لعمر فروخ .. وغيرها .(1/31)
والعاطفة : هوىً لا يحدّها ، ولا يكبح جماحها إلاَّ العقل ، وإلاَّ فيخشى على أصحابها .
إنَّ النماذج الواقعية التي تمثل ما نفرضه الآن ، يعرفها القريبون من واقع [ متقاعدي ] الدعوة ، و [ مدَّعيها ] الذين ما زالوا في [ الخدمة ] ! ! من : أساتذة .. دكاترة .. أدباء .. شعراء .. محامين .. أطباء .. .
إنّهم يتكلمون بعاطفة متأججة غير مدعمة بالدليل ، ويرددون كلاماً لا يُقنع الصغار ، ويمجُّه أهل الحجى ، ويسيئون إلى الإسلام وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا!! .. ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العليِّ العظيم ! .
×××××××××××××××××
في مؤتمر ما تكلم واحدٌ من هؤلاء ليقول :
إنَّ الإسلام قد عالج مشكلة الفقر والمشكلة الاجتماعية برمتها !! ، إذ اقتلع جذور الفقر والحاجة ، وذلك لأن المسلم يُطعم أخاه [ لحماً ] في كلِّ أضحى ، وبمناسبة النذور وشبهها !! .. هذا معنى كلامه .
رددت على هذا الكلام /
بأن العالَم اليوم يتعامل بحصة الفرد الواحد من اللحوم بأنواعها بيضاء وحمراء يومياً ، وأنت تريد أن تُظهر تفوق الإسلام عليهم ، بحصة [ احتمالية ] على مدى الدهر في [ النَذْر ] ، أو على مدى عام في [ الأُضحية ] .. وهذه الحصة تقدم للعائلة لا للفرد .. ومن ثلث الأُضحية ، التي يحتفظ بثلثها الغني لنفسه ، وثلثها الثاني للأغنياء من أصدقائه وأهل جيرته ! ، والثالث سيكون للفقراء !! ..
بهذا الفهم نريد أنَّ نقول : إنَّ نظامنا الإسلامي .. نظام : متكامل ، متوازن ، يصلح بديلاً للرأسمالية والشيوعية !! .(1/32)
إن البديل ـ يا سادة ـ يجب أن يكون أصلح من المُبدل عنه ، وإلا سئِم الناس كلامكم ، وإن لم يضحكوا منكم علنا وجهراً ، ضحكوا .. بل سخروا منكم بملء أشداقهم ـ مع شياطينهم ـ ، ثم جعلوا ما تقولون نموذجا لأسانيد تشكيكاتهم ، فهذه [ الصيحات والحصص النَذْرِيَّة ] ستجعل الأعداء يُقيِّمون تفكير دعاة المسلمين وبعض [ دكاترتهم ] ، ومِنْ ثَمَ سيعملون ، وقبلها هم يعلمون : [ كيف ] و [ متى ] .. يخاطبونهم !! .
×××××××××××××××××××
الفرع الخامس
في
وسائل حسم الصراع لصالح الإسلام !
إنَّنا إذا غلَّبنا تيار : العقل ، والواقعية ، والدراسة ، والتمحيص ، فسوف نتمكن من الإجابة عن كلِّ ما يُعترض به وما يُثار في وجوه المسلمين وإسلامهم .
وإنَّنا لو كنا اتَّخذنا للأمر عُدَّته ، لكان لهم في معاملتنا شأن آخر.. حتى أنَّ ما يثار الآن ـ أيها الاخوة ـ يُناسب عقول ... [ أصحاب الصيحات و الحصص النذرية ] .. وهذا - والحمد لله -يجعل شُبههم لا تقوى أمام الفكر السليم ، والفهم الصحيح : للنصوص ، وحكمة التشريع ، وعلل الأحكام .
إن بإمكاننا الاستفادة الفائدة القصوى من العلوم الإسلامية المباركة الموروثة .. مثل : [ آداب البحث والمناظرة ](1)،
__________
(1)
آداب البحث : هي قواعد ، وسنن يتَّبعُها الساعي إلى إظهار الحق فيما يكتب ، أو عندما يجادل شفاهاً . والمناظرة : وهي تردد الكلام بين شخصين ، يقصد كل منهما تصحيح قوله ولإبطال قول صاحبه ، مع رغبة كلِّ منهما في ظهور الحق . [ رسالة الآداب / 6 ] .
وفي تعريفات السيد الشريف :
آداب البحث : صناعة نظرية يستفيد منها الإنسان كيفية المناظرة وشرائطها ، صيانةً له عن الخبط في البحث ، وإلزاماً للخصم وإفحامه [ التعريفات ـ 10 ] .
81 المنطق : آلة قانونية ، تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر. فهو : علم آلي ، كما أن الحكمة علم نظري غير آلي .
فالآلة : بمنزلة الجنس .
وقوله [ قانونية ] : يخرج الآلات الجزئية لأرباب الصنائع .. [ التعريفات – 208 ] .
82 أصول الفقه : هو العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى الفقه .
والفقه : الإستنباط ، ويطلق على : ذات الأحكام المستنبطة .
والأصل : ما يُفتقر إليه ، ولا يفتقر هو إلى غيره .
وهو في الشرع : ما يُبنى عليه غيره ، ولا يُبني هو على غيره .
فأصول الفقه : هو علم يبحث في القواعد المستعملة في الإستنباط . راجع : التعريفات ـ 22 .
83 علم الكلام : علم بأمور يحصل معه حصولاً دائماً عادياَ ، وقدرةً تامةً على إثبات العقائد الدينية على الغير وإلزامه إياها ، بإيراد الحجج عليها ، ودفع الشُبه عنها .
والعقائد : هي نفس الاعتقاد .. كقولنا : الله تعالى : عالم ، قادر ، سميع ، بصير ، وهذه تسمى : [ إعتقادية ] و [ أصلية ] و [ عقائد ] . وقد دُون علم الكلام لحفظها ... وسُمي بهذا الاسم : لأنه يطلب أولاً ، وأول ما يجب من العلوم التي يتم تعلمها بالكلام ، فسمي بذلك . راجع : دستور العلماء ـ 3 / 131 إلى 132 . وقالوا : سُمي بذلك ، لأنهم كانوا يقررون مسائله بقولهم : الكلام في كذا .. هو : كذا وكذا .
وسمي هذا العلم [ بأصول الدين ] لأن الإعتقاد ، هو أصل التصديق بوجوب العمل بالفروع من : صوم و صلاة .. الخ .
وسُميَّ بعلم المقولات : لأنهم يبدؤن مسائله بقولهم : القول في كذا .. هو كذا. وسمَّى الإمام أبو الحسن الأشعري كتابه في عقائد مِلل المسلمين [ بمقولات الإسلاميين واختلاف المصلين ] .
كما يُسمى أيضاً [ بعلم العقائد ] ، لأن العقائد موضوعه .
ويسمى أيضاً [ بعلم الذات والصفات ] ، لأنه أهم موضوعاته ، وشرف العلم من شرف المعلوم ، فالبحث في ذات الله - عز وجل - وصفاته ، هو أشرف المباحث ، وأهمها ، وأولها .. فسمِّي الذي يبحثه به .(1/33)
المنطق(1)، و[ أصول الفقه ](2)،و[علم الكلام](3)وغيرها من العلوم ، استفادة قائمة على : الحيوية ، والاستنباط ، والموائمة بين القواعد والواقع ، دون مجرد الاستنساخ ، وتحنيط القواعد ، وهجر [ الحركية ] التي يدعو لها الإسلام ومفكروه دوماً .
××××××××××××××
الباب الثاني
في
مفهوم الشخصيَّة ونطاقها ..
ومدى تحققها في الشريعة الإسلامية
لا بد للبحث في الشخصية الإسلامية ان نحدد مفهومها ، وإطارها العام . فإن [ تحديد مفاهيم الاصطلاحات ومدلولاتها مقدم على تفصيلاتها ] في كل علم وفن ، كما قرر هذا المحققون(4) ... وهذا يتطلب منَّا الكلام عنها في فرعين :
الفرع الأول / في مفهومها .
الفرع الثاني / في مدى تحققِّ المفهوم في أحكام الشريعة الغرَّاء .
الفرع الأول
في
مفهوم الشخصيَّة .. وإطارها
ونبحثه في المطالبين الآتيين ..
المطلب الأول
مفهوم الشخصيَّة
الشخصية - بالنسبة للتنظيم الإجتماعي - هي : الأوصاف والسمات(5)
__________
(4) راجع بحثنا الموسوم : المرة والتكرار في نصوص الأوامر الشرعية / مجلة المجمع العلمي العراقي
– المجلد الثامن والعشرون / 57 .
(5) الوصف : عبارة عما دلَّ على الذات ، أي : يدل على الذات بصفته تلك .. كأحمر . فالوصف والصفة : مصدران ، والمتكلمون فرقوا بينهما فقالوا ...
الوصف : يقوم بالواصف .
والصفة : تقوم بالموصوف . [ راجع : التعريفات للسيد الشريف / ت 225 ] .
والوصف في اللغة : بيان سير الشئ وخصائله .[ دستور العلماء – 3/ 454 ] .
والوصف : هو العرض ، والعرض - كما صرح الشيخ الرئيس إبن سينا - هو .. ما يقابل الجوهر .
والعرض : هو الموجود في الموضوع ... أي : الممكن الذي يحتاج في وجوده إلى موضوع ، أي : محل يقوم به .. وجمعه الأعراض . [ دستور العلماء ـ 2 / 314 و 316 ] .
وقيل الصفة : كل أمر زائد على الذات .. يُفهم في ضمن فهم الذات ، ثبوتياً كان أم سلبياً ، فيدخل فيه : الألوان ، والأكوان ، والأصوات ، والإدراكات وغير ذلك . [ راجع : كليَّات أبي البقاء الكفوي الحنفي ] .
أما: السمات فهي .. جمع [ السمة ] ، وهي [ السيما ] أيضاً ، ومعناها : العلامة ، يقول تعالى: { سيماهم في وجوههم من أنر السجود }.[المعجم الوسيط ـ 1 / 465 إلى 466 ]
86 أمَّا النظام في اللغة فهو : الترتيب .. والاتِّساق .
والنظام : الطريقة .. يقال مازال الأمر على نظام واحد .[ المعجم الوسيط ـ 2 / 933 ] . وأصبح للمعنى اللغوي معنىً اصطلاحياً مفاده : مجموعة الأحكام المنَظَمة في ذاتها والمتسقة ، والتي يراد بها تنظيم أمور البشر ، دون النظر إلى صحتها وخطئها . وهذا هو الاصطلاح العرفي العام المتداول بين الناس .(1/34)
التي تميِّزُ تنظيماً اجتماعيَّاً معيناً .. إذا كان النظام(1)منبثقا عن عقيدة معينة مميَّزة .
وبالنسبة للمنفِذ [ أي .. الفرد ] هي : السلوك المميَّز(2)الموافق للعقيدة المميَّزة التي يحملها ، ويؤمن بها ذلك الشخص .
فالشخصية التي ندور حولها ، تخص أمرين عظيمين :
نظام .. ومن يطبقه .
وسنعود لبيان الأمرين لاحقاً – إن شاء الله - .
××××××××××××××××
المطلب الثاني
في
إطار الشخصيَّة
فعلى ما تقدَّم .. لا يكفي لاعتبار أيَّ عقيدة أنها ذات شخصية مميزة ، إذ كانت تفسيراتها قاصرة على ما بعد الحياة ، ولم تعالج شؤون الحياة .. إذ لا نظام حينئذ سينبثق عن هذه العقيدة .
فالنصرانية عقيدة .. لكنها قاصرة ، إذ تعالج أموراً لا تخص تنظيمات الحياة ، بل تكتفي باعتناق الفرد لها ، والمحافظة على عباداتها ، لأنها خالية من التشريعات(3).
إنَّ الأديان وإن كانت واحدة في دعوتها إلى التوحيد ، والتسليم لله والخضوع له .. إلاَّ أن الشرائع متغيرة ، فتتمايز حينئذ الشخصيات ، أي : عندما تصل إلى مرحلة التطبيق .
يقول تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبُر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من يُنيب }(4).
__________
(2) 87 السلوك : سيرة الإنسان ، ومذهبه ، واتِّجاهه [ القاموس الوسيط – 1 / 445 ] .
(3) 88 راجع : الأناجيل [ إنجيل متى ، وإنجيل مرقص ، وإنجيل لوقا ، وإنجيل يوحنا ] ، وهي [ العهد الجديد ] من الكتاب المقدس المؤلف من التوراة [ العهد القديم ] ، والأناجيل [ العهد الجديد ] ، وهناك رسائل متممة تسمى .. [ أعمال الرسل ] .
وكل ما يسمى بالعهد الجديد ، فليس فيه تشريعات إلاَّ ما ندر .. ولذلك استعانوا بالتوراة . [ راجع : الكتاب المقدس / منشورات دار المشرق - بيروت 1986 ] .
(4) الشورى / 13.(1/35)
فلا يلتبسنَّ على البعض هنا - أو يُلبَّس عليهم - أن هناك وحدةً وامتزاجاً بين شريعتنا وشرائع الذين من قبلنا ، لأن الشرائع مختلفة متغايرة ، وإن اتحدت أصول الأديان السابقة ـ قبل تحريفها ـ مع ديننا ، من أجل هذا خاطب القرآن الكريم أهل الكتاب خاصاً إيَّاهم بالخطاب دون بقية البشر بقوله :
{ يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبدَ إلاَّ الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضُنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنَّا مسلمون }(1).
×××××××××××××××
فما تقدَّم .. يخص وحدة الأديان في دعوتها .
أما اختلاف الشرائع .. فقد ورد في اتقرأن الكريم عنه في :
قوله تعالى : { لكلٍّ جعلنا منكم شِرعةً ومنهاجا }(2).
من هنا كانت شريعة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتمة الشرائع ، وناسخةً لها ، يقول تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناّ .. }(3).
أماَّ حين اختلف دين نبينا - صلى الله عليه وسلم - مع دين كفار العرب - وهم وثنيون - فان الله - عز وجل - خاطبهم خطاباً آخر .. فقال :
{ قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين }(4).
فلم يقل لهم : لكم شريعتكم ولي شريعتي ! .. بل أكَّد على جانب العقيدة حيث تنافرت العقيدتان .
إذن نستطيع بعد هذا ان نصور موقفنا من الاعتقاد - أيَّاً كان - ومدى تبلور الشخصية المستقلة بالدوائر التوضيحية التالية :
فقبل اعتناق المرء لعقيدة معينة يكون خارج نطاق الاعتقاد أو الانتماء .. كالمتوحشين من البشر.
وعند اختياره عقيدة معينة ، ودخوله في مضمونها وإطارها .. فإنَّه ينتسب إليها .
__________
(1) آل عمران / 64 .
(2) المائدة / 48 .
(3) المائدة / 3 .
(4) سورة الكافرون .(1/36)
فإذا كانت لهذه العقيدة تنظيمات حياتيَّة يطبقها الإنسان في سلوكه ، أو الدولة في مسارها .. فتتحدد حينئذ شخصيتها ، أو شخصيته .
على إن الشخصية النظام تتضح وتتبلور أكثر فأكثر - فرداً أم جماعة - ، عندما يقترب شيئاً فشيئاً من المركز ، إلى أن يصل إلى : [ المثال ] أو [ الشخصية المثالية ] .. بالنسبة لذلك النظام .
×××××××××××××××××
نعود فنقول : إن البرهمية ، والمجوسية(1)، والنصرانية .. عقائد ليست لها شخصيات متميزة ، إذ أنَّها تنحصر في : العقول ، أو داخل المعابد ، ولا أثر لكلٍّ منها في الحياة والسلوك ، وما يهمهما فعلاً فهو قليل جداً ، ونستطيع أن نعتبره شخصية متميزة فيما يخص هذا الجزء الضئيل من التطبيق .
فالنصراني الذي يأمره دينه أن يُدير خدَّه الأيسر لمن ضربه على خدِّه الأيمن(2)، فإن طبق هذا فعلاً ، كان ذلك منه سلوكاً ظاهرياً يوافق العقيدة وتظهر به شخصيته المُميزة في هذا الجزء الضئيل من التطبيق
وكذلك في العبادات إذا كانت ذات مظاهر معينة ، فتظهر الشخصية المميزة لـ : البرهمي ، أو البوذي ، أو الزرادشتي ، أو النصراني .. في الطقوس التي يمارسها كلٌّ منهم في معبده ، أو الجزء اليسير من السلوك اليومي الذي تفرضه عقيدته .
__________
(1) المجوس : ويُسمون [ الثنوية ] أي .. الذين أثبتوا : أصلين ، مدبرين ، قديمين ، يقتسمان .. الخير والشر ، والنفع والضر ، والصلاح والفساد ، يسمون أحدهما [ النور ] ، والآخر [ الظلمة ] ، والنور في الفارسية [ يزدان ] ، والظلمة [ آهرمن ] .. وهم فرق متعددة [ راجع : الملل والنحل ـ 2 / 72 إلى 73 ] .
(2) راجع : إنجيل متَّى / الإصحاح الخامس .(1/37)
فلو اقتصرت عقيدة ما على الاعتقاد فقط .. لما تكونت لنا شخصيات مميزة ، بل عقائد مميزة فقط ، كما في المذاهب الباطنية في أيام [ الستر] و [ الغيبة ] كإخوان الصفا ـ وهم شيعة إماميَّة سبعية إسماعيلية ـ ، وعندما استولى الإسماعيليُّون على بعض القلاع والأصقاع ظهرت شخصيتهم المميزة ، لأنهم جاهروا بسلوك يتفق مع عقيدتهم ، فقد استباحوا قتل المسلمين ، واستعملوا [ الحشيشة ] في جذب البسطاء ، واعتمدوا على الاغتيالات السياسية ، وإعداد الفدائيين من الإسماعيليين .. حتى أنَّهم كانوا يُسمون بـ [ الفداوية ](1).
××××××××××××××××××
من جهة أخرى نشاهد أنظمة حياتيَّة لا تعتمد على عقيدة معينة .. فالنظام الرأسمالي(2)نظام متميز بالنسبة للاقتصاد ، ولكنه لا يربط هذا النظام بعقيدة معينة ، ولذلك كانت معالجته قاصرة على الأُمور الاقتصادية حسب ، وانفصلت شخصية الدولة عن شخصية الأفراد ، فعلاقتهم بها علاقة دافع الضريبة إلى من يلزم دفعها إليه ، مع توفير حريته المطلقة ، إضافة إلى بعض الواجبات الضرورية للدولة
__________
(1) الفرِق بين الفِرَق – 265 وما بعدها .
(2) الرأسمالية : نظام اجتماعي ، من شأنه أن يسمح لكل فردٍ من أفراد المجتمع أن يسعى وراء مصلحته الخاصة ، ومن ثمة الحصول على أقصى إشباع لحاجته .. بمعنى أن الفرد : حرٌ في اختيار نوع النشاط الذي يُزاوله ، وحرٌّ في اختيار ما يستثمره ، وما يستهلكه . [ القاموس السياسي ـ 557 ] ، ويُفهم مما تقدم أنَّ النظام الرأسمالي نظامٌ اقتصاديٌّ بحت ، لا علاقة له بالعقيدة ، ولا بالأخلاق ، ولا بقيَّة النشاط الإنساني التنظيمي العملي .(1/38)
كما انفصلت في النظام الرأسمالي .. شخصية الأفراد بعضهم عن البعض الآخر ، والدول بعضها عن البعض الآخر .. ولهذا نجد النصراني الذي لا تتدخل عقيدته في شؤون الحياة ، نجده رأسماليا في نظامه الاقتصادي وتجارته ، وهو نصراني في عقيدته وعبادته !! ، فكان حينئذ فاقداً للشخصية المميزة ، لعدم وجود ارتباط بين النظام والعقيدة .
فلا غرابة إذا ما رأينا الرأسمالي .. يفصل [ الدين ] عن الحياة لدفع هذا التناقض ، وهو في الحقيقة لم يفعل جديد بالنسبة لدينه لأن دينه جاء خُلواً من النظام ، وبالتالي فحصره على الكنائس هو تحصيل لأمر حاصل !! .
وقد نجد أيضا دولة وثنية الاعتقاد ، إلاَّ أنَّها رأسمالية الاقتصاد ، فليست هناك شخصية رأسمالية متميزة تجمع بين العقيدة والسلوك ، بين : العقيدة والتطبيق . فلا نجد حدوداً للمباح ، ويبقى الفكر الإنساني يبتكر ما يشاء ، لكي يستحوذ الإنسان على الثروة من كل وجهٍ ، وليجمع مفاتن الدنيا من كل طريق .. ومع هذا يتوجه الرأسمالي الغربي المستغل القاتل إلى الكنيسة يوم الأحد ، ويعتبر نفسه متديِّناً أرضى ربَّه ، لأنه أدَّى ما لله عليه ، وهو حضور القداس !! .
××××××××××××
أمَّا الشيوعي كفرد ، أو الدولة الشيوعية(1)، فتظهر لها شخصية متميزة عند التطبيق ، لوجود السلوك الموافق للعقيدة من كل وجه .
__________
(1) الشيوعيَّة : مذهب سياسي يهدف إلى القضاء على الرأسماليَّة ، والملكيَّة الخاصَّة .. في إدارتها واستغلالها . والشيوعيَّة وليدة النظريَّة الماركسيَّة ، والتي تقوم على : الإلحاد ، وصراع الطبقات ، وفائض القيمة ، والماديَّة التأريخيَّة ، وإلغاء الديمقراطيَّة ، وعدم الفصل بين السلطات ، ودكتاتوريَّة البروليتاريا - الطبقة العاملة - . [ راجع : القاموس السياسي ـ 704 إلى 705 و 1095 إلى 1096 ] .(1/39)
فالشيوعي الذي ينكر وجود الله - عز وجل - ، يلجأ إلى الفكر الإنساني ليضع له نظاماً للحياة ، ووضع بدلاً عن الأنظمة السماويَّة .. قوانين يعتقد أنَّها مطلقة الصحة ، وأخذ يُطوِّع الحياة بموجبها ، وينظم شؤونه بمقتضاها ، فكانت دولتهم ظاهرة الصفات المميزة في كل شيء ، وإن لم يكن ما فيها صحيحاً بأي حال من الأحوال .
××××××××××××××
الفرع الثاني
في
تحقق مفهوم الشخصيَّة في التنظيمات الإسلامية
لا شك إنَّ الإسلام .. عقيدةٌ .. ومتكاملةٌ .. ومتميزةٌ .. تعطينا تفسيراً متناسقاً عن : الكون ، والإنسان ، والحياة ، وعلاقة ما بعد الحياة وما قبلها ، بها .
ولا نشك لحظة أنَّ في الإسلام .. نظاماً حياتيَّاً ، اعتمد العقيدة أساساً في كل شيء .. فهو – إذن - : دين .. وشريعة .. ونظام .. وهو مستوعب لكل أنظمة الحياة في .. الحكم ، والعبادة ، والاقتصاد ، والمعاملات ، والمناكحات ، والعقوبات ، والقضاء ، والمواريث ..
الخ ، ويظهر تميُّزه في بناء نظمه على عقيدته .. وهذا ما نجده في تطبيقاته التي بنيت على العقيدة ، وكالآتي ..
المطلب الأول
في
تصاميم الدور
فلو لاحظنا تصميم الدور في أغلب البلاد الإسلامية قبل التأثر بالاتجاه الغربي في هذا المجال ، فماذا سوف نشاهد ؟ ..
نشاهد من الخارج أسواراً عاليةً ، والشبابيك إمَّا : صغيرة ، أو مرتفعة ، والشرفات والشبابيك لا تسمح برؤية ما في داخل المبنى ..(1/40)
ولا يعني هذا أن الناس الملتزمين بالمنهج الإسلامي يحرمون أنفسهم من مباهج الحياة المباحة ، بل العكس هو الصحيح ، فلو دخلنا إلى داخل هذه الدور لرأيناها تلتف حول حديقة جميلةٍ ، أو رُحبةٍ مُبْهِجةٍ ، والشبابيك المطلة على الداخل ، مفتوحةً وواطئةً ، تسمح بتمتع الموجود في الغرف بما في الحديقة من المغروسات .. فضلاً عن تزيين داخل الغرف بأنواع النقوش والزخارف المباحة ، وهذا ما نشاهده واضحاً في البيوت البغدادية القديمة ، ولعل المبنى الذي كان متَّخذاً سكناً للوالي العثماني في بغداد - مبنى وزارة التربية القديم - داخل سراي بغداد المطل على نهر دجلة .. خير مثال لذلك .
كل هذا نابع من نظرة الإسلام إلى الحياة الخاصة للإنسان ، ونظرته إلى مكانة المرأة ، وكونها مكرَّمةً ، مصانةً ، غير مبتذلة .. فينبغي على هذا وذاك ألاَّ يطَّلع الأغيار من الناس ، على حياة الإنسان الخاصة بأيِّ شكلٍ كان ، دون حرمان المرء من متعةٍ مباحةٍ ، فهذه نظرة كلية إلى جانب من جوانب الحياة ، انعكست على مظهر مادي من مظاهرها .
وعلى العكس من هذا تماما ... حين شاعت الأفكار الغربية التي :
(لا ترى بأسا من أن ينكشف جزءٌ من حياة المرء الخاصة !! .
( والتي لا ترى من تكريم المرأة أن تصان عن النظرات المفترسة .
فجعلت تصاميم الدور بأن :
أحدقت بها الحدائق من حولها ... ووسعت شبابيكها الخارجية ، ولا يكاد يُحجب عن المارة في الشارع مما في داخل البيت شيء !! . وهكذا نرى النظرة إلى نمط الحياة تتغير تبعا لنظرة كلية إلى شيء ما
××××××××××××××
المطلب الثاني
في
أثر الإيمان بالغيب على التطبيق(1/41)
والإسلام الذي يؤمن .. بالغيب(1)، ويؤمن .. بوجود الحياة الأخرى التي فيها الحساب والعقاب(2).. جعل لهذا الاعتقاد مجالاً رحباً في نظامه العملي ، بحيث وصل الإسلام بالمسلم الأمثل إلى حد المراقبة الذاتية ، وفي كل سكناته وحركاته ، وفي أيِّ موقع كان ، حاكماً أم محكوماً ، حتى أوصانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله :
{ اعبد الله كأنك تراه ، فأنْ لم تكن تراه فأنَّه يراك }(3).
وبقوله - عليه السلام - : { كن في هذه الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل }(4).
ويخاطب الإمام علي - رضي الله عنه - الدنيا بقوله :
[ إيهٍ ... إيه ... يا دنيا إليك عني ... غرِّي غيري ، قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيهن ، آه ... آه ... من قلة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق ... ](5).
فما الذي يدفع خامس شخصية في الإسلام إلى هذا القول ؟ ! .. إنَّها – لا شك – عقيدته التي قد صوَّرت له .. نعيماً مقيماً ، وعذاباً أليماً ، في حياة أخرى دائمة ، تتخذ هذه الحياة لها جسراً ومعبرا .
××××××××××××××××
المطلب الثالث
في
أثر نظرة الإسلام إلى المال على التطبيق
__________
(1) راجع مثلاً : البقرة / 3 ، يس~ / 11 ، مريم / 61 ، الأنبياء / 49 .
(2) آيات الحساب والعقاب – يوم القيامة – كثيرةٌ ، وهذا أمر مما عُلم من الدين بالضرورة .. ولا يُعذر أحد بالجهل بمثله .
(3) كشف الخفا ومزيل الإلباس للعجلوني – 1 / 147 .
(4) المقاصد الحسنة للسخَّاوي – 333 ، الحديث 847 .
(5) البيان والتبيين – 1 / 216 .(1/42)
والعقيدة الإسلامية حين تؤمن بأن الله - عز وجل - وارث الأرض ومن عليها(1)، وأنَّ ما في يد المرء زائل ، وما في يده هو ملك لله تعالى ، والإنسان مستخلفٌ فيه ، بتأييد ..
قوله عزَّ وجلَّ :
{ وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه }(2).
فقد جعلت ذلك أساساً : للصدقة ... والزكاة ... والرحمة ... ومنع الاكتناز ... ونظام الوقف ... وأنواع البر ...
يقول - عز وجل - : { وما تقدموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند الله هو خيراً
وأعظم أجرا }(3).
وقال - عز وجل - : { لن تنالوا البر حتى تُنفقوا ممَّا تُحبون وما تُنفقوا من شئٍ
فإنَّ الله به عليم }(4).
وقال - جل جلاله - : { والذين يكنِزون الذهب والفضة ولا يُنفقونها في سبيل الله
فبشرهم بعذاب أليم * يوم يُحمى عليها في نار جهنَّم فتُكوى
بها جباهُهُم وجُنُوبُهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا
العذاب بما كنتم تكنزون }(5).
__________
(1) الآيات كثيرةٌ في هذا الباب .. منها : { .. ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير } آل عمران / 180 ، و { إنَّا لنحن نحيي الموتى ونحن الوارثون } الحجر / 336 ، و { إنَّا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يُرجعون } مريم / 40 ، و { نرثه ما يقول ويأتينا فرداً } مريم / 80 ، و { كم أهلكنا من قريةٍ بَطَرَت معيشتها فتلك مساكنهم لم تُسكن من بعدهم إلاَّ قليلاً وكنَّأ نحن الوارثين } القصص / 58 ، و { وما لكم ألاَّ تُنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض .. } الحديد / 10 .
(2) الحديد / 7 .
(3) المزمل / 20 .
(4) آل عمران / 92 .
(5) التوبة / 24 إلى 25 .(1/43)
والعقيدة الإسلامية حين تؤمن أن : المال وسيلةٌ وليس غايةً(1)، فهي لا تبيح جمعه إلاَّ من حلال ، فتحرِّم : الربا .. والاستغلال .. والغش .. والاحتكار.. والنجش .. وتلقي الركبان .. والسرقة .. والقمار .. إلخ(2).
__________
(1) كما في قوله تعالى : { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها .. } هود / 61 ، و { .. وآتوهم من مال الله الذي آتاكم .. } النور / 33 ، و { ابتغِ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغِ الفساد في الأرض .. } القصص / 77 ، و { وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } الحديد / 7 ، و راجع : الأنعام / 165 ، و يونس / 14 , 73 ، و فاطر / 39 ، و الأعراف / 69 ، 74 ، و النمل / 62 .
(2) الربا في اللغة : الزيادة .
وفي الشرع : فضلٌ عن عوضٍ شُرِط لأحد العاقدين . [ التعريفات ـ 97 ].
والإستغلال : الإنتفاع بغير الحق . [ القاموس الوسيط ـ 2 / 66 ] .
والغش : تزيين غير المصلحة ، وإظهار غير المصلحة . [ المرجع السابق ـ 2 / 653 ] .
والإحتكار : حبس الطعام للغلاء . [ التعريفات ـ 6 ] .
والنجش : الزيادة في ثمن السلعة ولا رغبة له في شرائها . [ التعريفات ـ 214 ].
وتلقي الركبان : وهو المسمَّى [ تلقي الجلب ] ، فإذا قرب المجلوب من بلدٍ فقد تعلَّق حقُّ الكافة به ، فيُكره استقبال البعض له وشرائه ، لما فيه من ضرر حجبه عن باقي الناس ، واحتمال زيادة السعر من دون ما سبب مقبول ، غير حصره في يدٍ واحدةٍ . [ دستور العلماء ـ 1 / 348 ] .
والسرقة في اللغة : أخذ الشيء من الغير على وجه الخفيةِ .
وهي في الشرع ـ باعتبارها حداً موجباً للقطع ـ هي : أخذ مكلفٍ خُفيةً ، عشرة دراهم مضروبة محرزة بمكان ، أو حافظٍ بلا شبهة . [ التعريفات ـ 104 ] .
والقمار : هو أن يأخذ من صاحبه شيئاً فشيئاً في اللعب . [ التعريفات ـ 157 ] .
إنَّ النصوص في تحريم كلِّ ذلك معروفةٌ متداولةٌ ... والحاصل :
إنَّ كلَّ تدخلٍ يؤدي إلى خلق سعر غير طبيعي للأشياء ، فإنَّ الإسلام يُحرِّمه ، فالسعر الذي يتحدد بصورةٍ طبيعيَّةٍ وفق سنن الله - عز وجل - في الكون .. من : زيادةٍ ، أو نقصان ، أو طلبٍ زائدٍ ، أو ما إلى ذلك ، فإنَّه هو المطلوب . وهذا ما يسمِّيه القانونيون – بالقانون الطبيعي - . [ راجع : فكرة القانون الطبيعي عند المسلمين .. للدكتور محمد شريف ] .(1/44)
المطلب الرابع
في
أثر نظرة الإسلام للإنسان .. في التطبيق
وعقيدتنا حين تؤكد أن الإنسان بنيان الرب وخلقه(1)، فهي تحرِّم :
( قتله لنفسه(2)..
(قتل الغير له(3)..
( وتحريم الخمور والمسْكرات(4)..
( وكل ما ينقص من بنيان الرب ..
( وكلُّ ما يشوِّهَهُ ، إلاَّ ما كان على سبيل الردع ممن يملك ذلك(5).
__________
(1) يقول تعالى : { فإذا سويْتُهُ ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } .. الحجر / 29 ، و ص~ / 72 .
ويقول تعالى : { قال يا إبليس ما منعك ألاَّ تسجد لما خلقت بيدي } ص~ / 75 .
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : { الآدمي بنيان الرب ملعونٌ من هدمه } الإختيار ـ 5 / 23 .
(2) يقول تعالى : { .. ولا تقتلوا أنفسكم إنَّ الله كان بكم رحيما } النساء / 29 .
(3) يقول تعالى :{ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق .. } الأنعام / 151 ، و { .. ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق .. } الإسراء / 31 ، و { .. ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلاَّ بالحق .. } الأنعام / 151 ، و الإسراء / 33 .
وراجع : النساء / 92 إلى 93 ، و الممتحنة / 12 ، و آل عمران / 21 ، والأنعام / 140 .. ومواضع أخرى .
(4) يقول تعالى : { إنَّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تُفلحون * إنَّما يُريد الشيطان أن يُوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويَصُدَّكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم مُنتهون } المائدة / 90 إلى 91 .
ويُقاس على الخمرة كلُّ مسكرٍ ، وعلى ذلك الإجماع ، فضلاً عن بعض الأحاديث .
(5) راجع الهامش : 57 ، والآيتين .. الأنعام / 151 , الإسراء / 33 المذكورتين فيه .
وراجع قوله تعالى : { ولكم في القصاص حياةٌ يا أُولي الألباب } البقرة / 179 ،
و { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به .. } النحل / 126 ، و { ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلاَّ بالحق ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليِّه سلطاناً فلا يُسرف في القتل إنَّه كان منصورا } الإسراء / 33 ، و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { من قتل قتلناه } .(1/45)
×××××××××××××××××
المطلب الخامس
في
أثر نظرة الإسلام لوظيفة الإنسان .. في تطبيقه
وهي حين تصور لنا الإنسان وأنَّه قد خلق للعبادة .. وتعمير
الأرض(1).. فهو :
( لا يأكل فوق الشبع(2)..
(ولا يجوع(3)..
( ولا يلهو.. ولا يعبث .. ولا يضيِّع وقته فيما لا نفع فيه(4)..
( ويطلب العلم ويسعى إليه وصولا للحقيقة ، وإعماراً للكون(5).
×××××××××××××
__________
(1) يقول تعالى : { وما خلقت الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبُدون * ما أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يُطعمون * إنَّ الله هو الرزاق ذو القوة المتين } . الذاريات / 55 إلى 57 .
(2) يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : { ما ملأ إبن آدم وعاءاً أشرُّ من البطن ، فإن كان لا بُدَّ .. فثلثٌ للطعام ، وثلثٌ للماء ، وثُلثٌ للنفس } . الاختيار - 4 / 173 .
ويقول - صلى الله عليه وسلم - : { المؤمن يأكل بشهوةِ عياله ، والمنافق بشهوة نفسه } المقاصد الحسنة ـ 435 الحديث / 1232 .
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : [ كفى سرفاً أن لا يشتهي الرجل شيئاً إلاَّ اشتراه فأكله ] .
وفي روايةٍ : [ إنَّ من السرف أن تأكل كلَّ ما اشتهيت } المقاصد الحسنة ـ 435 .
وتجشأ رجلٌ في مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له : { نَحِّ عنَّا جشأك ، أما علمت أن أطول الناس عذاباً يوم القيامة ، أكثرهم شبعاً في الدنيا } .. [ الاختيار ـ 4 / 173 ] .
(3) ولهذا كان الإضرابُ عن الطعام ، وصوم الوصال ، كلاهما حراماً . [ الإختيار ـ 4 / 173 إلى 174 ] .
(4) وقال الرسول - عليه السلام - : { كلُّ لعبِ ابن آدم حرامٌ إلاَّ ثلاثاً : ملاعبة الرجل مع امرأته ، ورميه عن قوسه ، وتأديبه فرسه } الاختيار ـ 4 / 164 .
وقال - عليه السلام - : { لست من ددٍ ولا الدد مني } .. الاختيار ـ 4 / 164 ، والأحاديث كثيرةٌ .
(5) يقول الرسول الكريم : { طلب العلم فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ } .. قال الشارح في معناه : [ وكلُّ مسلمةٍ ] .(1/46)
المطلب السادس
في
اعتقاد صحة الشريعة وأثره في سيادة نظامها
وهذه العقيدة الشاملة حين تعلن أنَّها أصح العقائد ، ونظامها أكمل الأنظمة ، فهي يجب أن تسود بنظامها(1)، فعليها أن تُزيل ما يقف بينها وبين الوصول إلى مسامع الناس ، وذلك بالجهاد لإزالة الأنظمة التي تعيق نشر الدعوة ، ووصولها إلى الأفراد(2)لتدعوهم إلى :
الدخول فيها بعدئذٍ بالإقناع(3).
__________
(1) يقول تعالى : { .. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .. } المائدة / 3 . فارتضاء الله - عز وجل - للدين والشريعة الإسلاميَّة .. هو ارتضاءٌ أبدي ، فعدم إرسال رسل بعد النبي محمد - عليه السلام - دليلٌ على وجوب سيادة وتطبيق ما جاء به من شرائع وتنظيمات ، وهي غير قابلة للنسخ ، لانقطاع الوحي .. فتدبر .
(2) آيات الجهاد والقتال كثيرةٌ ، ويكفي أنَّها نزلت فيه سورة [ براءة ] ، والأحاديث الواردة في ذلك مثل ما ورد من الآيات ، منها .. قوله عليه السلام :
{ الجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى يوم القيامة } ، وقوله عليه الصلاة والسلام :
{ أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتَّى يقولوا : لا إله إلاَّ الله .. } . الاختيار ـ 4 / 117
ويقول الموصلِّي في الاختيار:[.. لأن المقصود منه – أي الجهاد – دفع شرِّ الكفار ، وكسر شوكتهم ، وإطفاء ثائرتهم ، وإعلاء كلمة الإسلام ..] 4 / 118.
وفي رسائل الرسول - عليه السلام - إلى ملوك الأرض ، ما أرسله إلى [ هرقل ] عظيم الروم في الشام : { أسلم تسلم ، فإن توليت فإنَّما عليك إثم الأريسيين .. } . راجع : مكاتيب مقدَّسة ـ 20 والمراجع المشار إليها فيه .
والأريسيُّون هم : الفلاحون .. أي ضعاف الناس .
فمن يأبى من أصحاب القوة والسلطان : الإسلام ، أو الجزية ، فيُقاتله المسلمون لتُزال قُوَّتُهُ ، ثم يبقى الناس على خِيارهم . راجع : الهامش التالي .
(3) يقول تعالى : { لا إكراه في الدين قد تبيَّن الرشد من الغيِّ .. } البقرة / 256
ويقول تعالى : { .. أ فأنت تُكره الناس حتَّى يكونوا مؤمنين } يونس / 99 .
ويقول تعالى : { ادعُ إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنَّ
ربَّك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } النحل / 125 .
وقوله تعالى : { ومن أحسن ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين * ولا
تستوي الحسنة ولا السيِّئة إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنَّه
وليٌّ حميم } فصِّلت / 33 إلى 34 .(1/47)
ففرق بين وجوب سيادة النظام وبين فرض العقيدة.. فذلك يجب ، وهذه لا .. إذ بإزالة الحائل بين الفرد والحقيقة ، فإنَّ الفرد يبقى على خياره ليلتمس طريقه ، وبالتالي إمَّا إلى : جنة ، وإمَّا إلى النار ! .
×××××××××××××××××××
ومن قال إنِّي أعبد الله لا طمعاً في جنته .. ولا خوفاً من ناره ، فقد ركب مركبا خشناً وارتقى مرتقىً صعباً ، إذ يلزم من هذا القول :
( أن الله - جل جلاله - قد خلقها عبثاً !! ، و يُنزَّه ربُّنا عن العبث ..
يقول تعالى : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين }(1).
( فضلاً عن مخالفة هذا القول لما ورد في القرآن من ثناءٍ على من خاف ورجا ..
يقول تعالى : { إنَّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً
ورهباً .. }(2).
ويقول تعالى : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً
وطمعاً وممَّا رزقناهم يُنفقون * فلا تعلم نفسٌ ما أُخفي لهم
من قُرِّة أعيُن جزاءً بما كانوا يعملون * أ فمن كان
مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أمَّا الذين
آمنوا وعملوا
الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون *
وأمَّا الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا
منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار
الذي كنتم به تكذبون }(3).
×××××××××××
المطلب السابع
في
أثر نظرة الإسلام لحقيقة الإنسان .. في التطبيق
والعقيدة الإسلامية التي تؤمن أنَّ الإنسان دون مرتبة الملائكة(4)،
__________
(1) الأنبياء / 16 ، الدخان / 38 .
(2) الأنبياء / 90 .
(3) السجدة / 16 إلى 20 .
(4) الملائكة : أجسام لطيفة [ أي : غير كثيفة ] نورانيَّة تتشكل بأشكالٍ مختلفة . التعاريف للسيِّد الشريف ـ 205 .
والملائكة : لا يعيشون مع الناس ...
يقول تعالى : { ولو أننا نزَّلنا إليهم الملائكة وكلَّمهم الموتى وحشرنا عليهم من السماء كلَّ شيءٍ قُبُلاً ما كانوا ليؤمنوا .. } الأنعام / 111 .
ويقول تعالى : { قل لو كان في الأرضِ ملائكةٌ يمشون مطمئنين لنزَّلنا عليهم من السماء مَلَكاً رسولا} الإسراء / 95 .
والملائكة : لا يجوز في حقِّهم الخطأ ، ولا يحتاجون إلى حاجات الناس العضويَّة ، وعملهم .. التسبيح ، وطاعة أوامر الله - عز وجل - . أمَّا بنو البشر فهم عكسهم تماماً .. راجع مثلاً : التحريم / 6 ، و الشورى / 5 ، والأنبياء / 20 .(1/48)
فهو غير مكتفٍ بنفسه ، لذلك :
( شرعت له الدولة(1).. لتنفيذ الأحكام .. وفصل الخصومات . ولا يمكن أن يُستغنى عنها يوماً ما - كما تقول النظرية الشيوعية - .
( وشرعت له : التعاون .. والبيع .. والشراء .. وأنواع المعاملات(2).
×××××××××××××××××
المطلب الثامن
في
أثر نظرة الإسلام للكون .. في التطبيق
وهي حين تجاهر بأن ما في الكون مسخرٌ للإنسان ..
يقول تعالى : { ألم ترَ أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري
في البحر بأمره ..}(3).
ويقول تعالى : { أ فلم يروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في
الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من
يجادل في الله بغير علم ولا هدىً ولا كتابٍ منير }(4).
فهي حين تجاهر بذلك فإنَّها :
( توجب عليه .. السعي والاكتساب .
( وشرعت له .. السياحة والاكتشاف .
(
__________
(1) أجمعت الأُمَّةُ على وجوب نصبِ خليفةٍ بعد وفاة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، واستمروا على وجوب وجود السلطة العامَّة ، ولم يقُلْ قائلٌ بخلاف ذلك . راجع : الأحكام السلطانيَّة ـ 5 ، وتعليقات محقق كتاب مقالات الإسلاميين الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد .. خاصَّةً هامش الصفحة [ 45 ] الجزء [ 1 ] .
كما لا يُنكر عاقلٌ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام في المدينة دولةً .. فعيَّن القضاة ، والولاة ، ورؤساء الجند ، وأرسل الجيوش ، وعقد المعاهدات ، وراسل قادة الدول ، وجبى الأموال ، وفرَّقها في مصالح الأُمَّة ، وفرض العطاء لمن يقوم بخدمةٍ عامَّة..إلى غير ذلك مما هو من أعمال الدول ، وهل عملها إلاَّ هذا ؟ ! .
(2) يقول تعالى : { يا أيُّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود .. } المائدة / 1 .
والنصوص الدَّلةُ على أنواع المعاملات التي يحتاجها الإنسان معروفةٌ ، ومعالجة الإسلام لكلِّ هذا مما عُلم من الدين بالضرورة ، ولا يجهله مسلمٌ ، ولا يجحده إلاَّ جاهلٌ ، أو معاند متبلِّدٌ .
(3) الحج / 95 .
(4) لقمان / 20 .(1/49)
والسفر بين .. الكواكب .
( والغور في .. باطن الأرض(1).
××××××××××××××××××
المطلب التاسع
في
التفرد في هيئات العبادات
وهذه العقيدة الفريدة قد حرصت على الشخصية المتميزة حتى في العبادات ، مع أن الدين واحدٌ .. والتوحيد جامعٌ لكل الأديان ..
- فجعلت لصلاة المسلم شكلاً وهيأةً تخالف صلوات كل الأديان .
- وميزت أفعال الحج على كافة أنواع التعظيم لدى الأمم .
- وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمخالفة المشركين في بعض ما يفعلون في حجهم ، إظهاراً لتفرد المسلم في حجِّه ..
وتوضيحا لذلك نقول :
إنَّ مما صح معنىً أنَّ الطواف تحيةُ البيت [ أي : الكعبة ] ، ويفهم ذلك أيضا من أسماء أنواع الطوافات في الحج ... فهذا :
- طواف القدوم ... ويسمى [ طواف التحية ] .
- وطواف الوداع ... والوداع تحية .
- وطواف الإفاضة ... ويسمى [ طواف الزيارة ] ، ومع الزيارة تحية(2).
فإذا ثبت لنا هذا ، فهذه تحية تخالف كافة أنواع التحايا !! ، وهو تعظيمٌ للبيت يخالف كل أنواع التعظيم في الكون !! .
__________
(1) الآيات في هذا كثيرةٌ .. راجع : الأنعام / 11 ، والنحل / 36 ، والنمل / 69 ، ويوسف / 109 ، وغافر / 21 و 82 ، ومحمد / 10 ، والروم / 9 و 42 ، وفاطر / 44 .
ويقول تعالى : { أ فلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } الحج / 46 .
ويقول تعالى : { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم يُنشيء النشأة الآخرة إنّ الله على كلِّ شيءٍ قدير } العنكبوت / 20 ، وراجع : الأنعام / 11 ، النحل / 36 ، الروم / 42.
(2) راجع كتب الفقه في كافَّة المذاهب .. مثلاً : منتهى الإرادات ـ 1 / 235 وما بعدها ، والاختيار ـ 1 / 139 وما بعدها ويقول في الصفحة 147 :
[ طواف القدوم .. ويُسمى طواف التحيَّة .. قال - صلى الله عليه وسلم - :من أتى هذا البيت فليُحيِّه بالطواف .. ] .(1/50)
وقد يقول قائل ... وهذا التعظيم غريب ، وهو تحية فريدة ليس لها ما يُشابهها .
نقول / نعم .. ولكن لا غرابة ، فهذا :
- الغربي إذا أراد تعظيم شخص رفع عن رأسه ما يغطيه !! .
- والآخر إذا شاهد آخر طبق يديه على بعضهما ، وضمهما إلى صدره وجثا على ركبتيه .. أو انحنى !! .
- وثالثٌ يلصق أنفه بأنف العزيز القادم !! ... و ... و ... الخ .
وكل واحدٍ من هؤلاء يرى ما يفعله .. أمراً عادياً .. ومقبولاً !! .
لماذا ؟! ...
لأنه قد قبل بهذا ، وتواطأ مع الجماعة التي يعيش معها على معقولية ما يفعل !!.
إذن .. فالنظرة التي ينظر من خلالها الفاعل إلى التصرف ، تُعطيه الأهمية والمكانة رغم غرابته ، والغرابة لا تقدح في الأمر ، إذا : كان نابعاً عن نظرةٍ لها وجه مقبول ، وفيها تأكيد على تفرد الفعل وتميُّزه ، مع بعده عن التقليد والمحاكاة ، مما يؤكد على الأصالة ، والشخصية المتميزة ..
وتأييداً لهذا نقول :
لو جئنا ببدوي إلى مطارٍ يُستقبل فيه رئيسُ دولةٍ ، فماذا سيشاهد ؟ .
عند نزول الضيف :
- تُطلق المدافعُ إحدى وعشرين طلقةَ مدفع .
- ويتقدم الضيف لتفتيش حرس الشرف .
- ويعزف النشيد الوطني .
- ثم يتقدم الطفلان فيقدمان باقتين من الورود ... الخ .
فلو سألنا هذا البدوي عن رأيه فيما رأى .. فما سيقول ؟.
سيقول حتماً :
هل من حسن الضيافة أن يُستقبلَ العظيمُ بأصواتٍ من آلات لا معنى لها ؟ ! .
وهل عُدم هذا البلد رجالاً تستقبل هذا الضيف القادم ، ليكون الأطفال في استقباله ؟ ! .
أ ولم يكن الأجدر أن يُستقبل القادم بقصيدةٍ ، أو بكلام الترحيب المعتاد ، بدلاً من أصوات المدافع ؟ ! .
فهذا البدوي قد جعل من هذا العمل المهم ، عملاً لا معنى له ، من وجهة نظره ، ومفاهيمه ، وقيمه ، ونظرته إلى الأمور !! .
ولكن نحن من وجهة نظرنا الحضارية ـ لا البدوية ـ نرى هذا ذروة ما يُستقبل به جليلٌ أو عظيم ..(1/51)
فإذا استقبل الضيف أطفالٌ فلأنهم عنوانُ .. الطُهر .. والبراءة .. والرقة ! .
وإذا عُزف له النشيد الوطني ، فهو عنوان عزة البلد .. وشعاره بين الدول ... الخ .
إذن .. النظرة هي التي تحدد القيمة الحقيقية لكل فعلٍ من الأفعال .
فالطواف ـ مع غرابته كتحية ـ فهو غير جالبٍ لما يمكن للمرء أن يخجل منه ، لأنَّه تحيةٌ أُريد لها : التفرد .. والغرابة .. وإظهار الشخصية المتميزة ، وهكذا بقية أفعال الحج .. ولنا حول كل فعل من أفعالها ـ بحمد الله ـ كلامٌ ، لا يخرج هذه المعاني التي قلناها في الطواف .
×××××××××××××××××
ومما يتَّفق مع ما قررناه ، موضوع [ الأذان ] ، فقد اتخذت شريعتنا لإعلام الناس بوقت الصلاة ، شكلاً يخالف كل ما كان متعارفا عليه لدى الأديان !! .
فحين ذكر الصحابة الكرام : النار .. والناقوس .. والقِرْن .
ذكروا معها : المجوس .. والنصارى .. واليهود !! .
فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : أ ولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة ؟ ! ..
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :{ يا بلال قم فنادِ بالصلاة }(1).
وهكذا خالفوا الأديان كلها .
كل هذا يؤكد حرص هذه العقيدة على تأكيد انفراد شخصيتها ، حتى فيما تشترك به مع الأديان الأخرى - وحتى السماويِّة منها -
كما حرصت على تأكيدها حتَّى في : هيئة المسلم .. وفي مظاهره العامة .. وفي الملبس .. وفي شكل الشعر .. وفي اللحى .. وغيرها .
من كلِّ ما أوردناه في المطالب المتقدِّمة ، ومن كثير مثله .. تظهر لنا بوضوح الشخصية الإسلامية ، ويظهر تميُّزُها بنظامها الإسلامي المتفرِد .
وإنَّ كل ما ورد بتنظيماتها أساسه : نظرة كلية إلى الحياة والكون ، وعلاقة ما قبل الحياة وما بعدها .. بها .
الباب الثالث
في
ردِّ الشبهات حول تفرد الإسلام
__________
(1) فتح الباري – 2 / 65 .(1/52)
يُثير : المعاندون ، والمتفيقهون ممن يظنون أنَّ من مقوِّمات شخصيتِّهم هو الاعتراض على الدين ، والمتأثرون بالأفكار الغربية .. يُثير كلُّ أولئك شبهاتٍ قد يظنُّ الظَّان إنها تقدح في تميُّز الشخصيَّة الإسلاميَّة ، ومع أننا لا نخاف مما يُقال ، سواءٌ أكان من مسلمٍ مخدوع ، أو من آخر يلفٌّه الجهل ، أو من خبيثٍ معاند ..
ولهذا .. فإننا - لا شكَّ - نحتاج إلى : التبيين ، والتوضيح ، والبرهان المقبول لدى المعترض .. لكي نُقنع هؤلاء وأُولئك ، ولا نقف مكتوفي الأيدي تُجاه هؤلاء .
وقد تأخذ الغيرة بعض العاطفيين ، فيبادرون إلى إلقاء التهم لأولئك القائلين المشككين ، ورميهم بـ : الزندقة ، والكفر ، والعناد .. إلخ .
نعم .. لو كان أُسلوب ذوي العواطف يسير باتِّجاه .. [ الهجوم على الخصم ] ، من باب أنَّ [ الهجوم هو أفضل وسيلةٍ للدفاع ] ، لكان ذلك مقبولاً ، أمَّا الاكتفاء بمجرد [ توزيع الاتِّهامات ] .. فهو موقفٌ ينمُ على : الضعف ، وعلى فقدان القدرة على مناقشة الشبهة ! ، ولا نستبعد أن يكون اللاجئ لمثل موضع تندرٍ من أولئك الكفار والفجار ، وهم بشيطنتهم لا يعجزون عن الوصول إلى معرفة ذلك الوهن في هؤلاء المدافعين ، ومعرفة قصورهم في المنافحة عمَّا اعتقدوه ! .
ولعل من بركات ما خلَّفه لنا علماؤنا الأجلَّة ، هو ممَّا يتَّفق مع ألمعنا إليه من أسلوب العسكريين ، حين قرروا أنَّ الهجوم أفضل وسيلةٍ للدفاع ، فقرر علماؤنا .. أنَّ ما يُثار عليك من مسألةٍ فاقلبه على الخصم بسؤالك إيَّاه ، ونستطيع أن نقول : أنَّك تُشغله بنفسه ، وتقلبه مدافعاً بعد إذ كان مهاجماً !! .
×××××××××××××××
ومما حصل لي من تجربتي الخاصَّة .. أنَّ طالباً [ نصرانيَّاً ] كان من جملة طلبتي في كليَّة القانون ، فجاءني يوماً .. سائلاً :
ما هو موضوع [ الإماء ] و [ العبيد ] في الإسلام ؟ ؟ .
أجبته .. /(1/53)
أتسألني عن هذا الموضوع في ديني خاصَّة ؟ ، أم في دينك أيضاً ؟!.
استغرب من سؤالي .. ولم يستغرب هو من سؤاله !! .
ولم أدعه ليجيب عن سؤالي ذاك ، حتى بادرته بالقول :
إنَّ نبينا قد أوصانا بالعبيد خيرا ، وأمرنا أن نُطعمهم ممَّا نأكل .. ونُلبسهم ممَّا نلبس ، وألاَّ نكلفهم ما لا يُطيقون(1).
وجعل الإسلام وسائل العتق كثيرةً .. كالكفارات ، بل والمبادرة بالعتق ليس له من دافعٍ إلاَّ الإحسان لهؤلاء ! .
ولم يكن مصدر الرقِّ عندنا إلاَّ مصدراً واحداً هو وقوع الكفار أسرى بيد المسلمين ، فنعاملهم بالمثل ، فإن استرقُّوا .. استرققنا ، وإن قتلوا .. قتلنا ، وإن منُّوا مننَّا ، وإن فادوا فادينا .
وفي العصر الحديث حُرِّم الرِّق دوليَّاً .. فكان المسلمون أول المبادرين للإلتزام بذلك .
كما أنَّ أسلافنا وضعوا وصايا نبيِّنا موضع التصديق والتطبيق :
فعلَّموا : العبيد ، حتى أضحوا من كبار العلماء .. ! .
وعلموهم : أساليب الإدارة ، والحكم ، وقيادة الجيوش ، حتى أضحوا من الملوك ، وما دول المماليك في تأريخ الإسلام .. بخافٍ .
واختاروا : لهم أسماءً حسنةً ، فهم .. جوهر ، وياقوت ، ولؤلؤ..الخ .
ثم قلت لهذا [ النصراني ] .. أما في دينك :
1. ففي التوراة – وهي العهد القديم عندكم .. والتي تؤمنون بها أكثر من إيمانكم بالأناجيل – ففيها :
[
__________
(1) راجع : البخاري / 29 و 2359 و 5590 ، مسلم / 3139 و 3140 و 3141 ، أبو داود / 2563 و 3348 و 4490 و 4491 و 4493 ، الترمذي / 1868 ، ابن ماجة / 3680 و 3681 ، أحمد / 7060 و 7472 و 7849 و 8154 و 20440 و 20461 و 20509 و 20538 و 24070 و 24100 .(1/54)
وعبدك وأمتك اللذان يكونان لك فمن الأمم الذين حواليكم تقتنون الإماء والعبيد ????? وأيضاً من أبناء الغرباء المقيمين معكم تقتنون ومن عشائرهم الذين عندكم المولودين في أرضكم هم يكونون مِلكاً لكم ????? وتُوَرِّثونهم لبنيكم من بعدكم إرث مِلكٍ وتستخدمونهم أبداً وأمَّا أُخوتُكُم بنو إسرائيل فلا يتسلط عليهم أحُدُهُم بقهرٍ ](1).
2 وإذا صحَّ ما نُسب للسيِّد المسيح في أناجيلكم ، بقوله :
[ أروني نقد الجزية . فأتوه بدينار ????? فقال لهم يسوع لمن هذه الصورة والكتابة ????? فقالوا لقيصر . حينئذِ قال لهم أوفوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ](2)!! .
وإذا صحَّ أنَّ ما قاله بُولُص الرسول ، هو من أصول ديانة السيِّد المسيح ، حين يقول :
[ أيُّها النساء اخضعن لرجالكنَّ كما يليق في الربِّ(3). ... . أيُّها العبيد أطيعوا في كلِّ شئٍ سادتكم حَسَب الجسد لا بخدمة العين كمن يُرضي الناس بل ببساطة القلب خائفين الربَّ . وكلُّ ما فعلتم فاعملوا من القلب كما للربِّ ليس للناس . عالمين أنَّكم من الربِّ ستأخذون جزاء الميراث . لأنكم تخدمون الربَّ المسيح . وأما الظالم فسينال ما ظلم به وليس محاباةٌ ](4).
فإذا صحَّ كلُّ ذلك على أنَّه من أصل ديانة السيِّد المسيح .. ففيه أمور :
أولاً / إقرار الرِّق في النصرانيَّة .
__________
(1) التوراة – العهد القديم عند النصارى - / سفر الأحبار – الفصل الخامس والعشرون .. الآيات من : 45 إلى 47 .
(2) الكتاب المقدَّس – العهد الجديد - :
إنجيل متَّى [ الفصل الثاني والعشرون ] المقاطع من 20 إلى 22 .
إنجيل مُرقُس [ الفصل الثالن عشر ] المقاطع من 16 إلى 17 .
(3) لنظر كيف يريدون نساءهم مع أزواجهنَّ ! ، لكنَّهم يريدون من النساء المسلمات غير ذلك .. لكن مع الأسف الشديد خُدع بهم من خُدع ، من النساء المسلمات والرجال !.
(4) العهد الجديد [ الأناجيل وملحقاتها ] – رسالة بُولُس الرسول إلى أهل كُولُسِّي / الإصحاح الرابع – من 18 إلى 25 .(1/55)
ثانياً / إقرار مصدر الرِّق الجائر .. فالرومان هم حكام بلاد فلسطين في فترة بعثة السيِّد المسيح ( عليه وعلى نبيِّنا السلام ) ، وفي قانونهم للإسترقاق مصادر تأباها الأديان كافَّة !!(1).
ثالثاً / أوجب دينكم طاعة الحكام الجائرين الذين استرقوا الشعب الذي ينتمي إليه السيِّد المسيح !! .
رابعاً / لم نجد وسائل للتحرير في كتبكم المقدَّسة !! .
خامساً / لم يكن ليُحسن إلى أولئك الأرقاء ، بل كانوا يجعلونهم [ دروع بشريَّة ] يتلقون زخم الهجمة الأولى للعدو !! ، وكانوا يجعلونهم أمامهم في الهجوم على العدو !! .
سادساً / جعلت النصوص المتقدمة تنفيذ رغبات السيِّد – أيَّاً كانت – هي من تنفيذ رغبات الله وطاعته !! .
×××××××××××××××××
وبناءً على هذه المقارنة السريعة – ونحن نسير في طريقنا إلى قاعة الدرس – فقد سكت هذا [ النصراني ] الذي كان يظنُّ أنَّه سيُلقي في وجه الإسلام شبهةً لا تُرد ! .
ومما يلزم كلَّ مسلمٍ متصدٍ للدعوة أن .. يكون لهم تتبعٌ للكتب المقدَّسة لدى الأديان الأخرى ، والكتب التي كتبت عنهم ، ولأجل ردَّ ما يقولون في أفواههم ، وحتى يعلموا يقيناً :
[ أنَّ من كانت داره من زجاج فلا يرمِ بيت غيره بالحجر ] ! .
×××××××××××××
ولعل من متممِّات هذا البحث الذي يلزمنا السياق التكلم فيه استطراداً .. الإشارة إلى سبب تجويز الإسلام قتل الأسير الكافر حصراً ..
نقول /
__________
(1) من ذلك – عدا الحرب - :
1. ... الهاربون من التسجيل أثناء الحرب .
2. ... السارق : إذ كان للمسروق منه أن يبيع السارق الذي ضبط في حالة تلبُّس .
3. ... المحكوم عليهم بالإعدام .
4. ... المرأة الحرة التي تتصل جنسيَّاً برقيق الغير رغم منع سيِّدها ! .
5. ... المدينون المعسرون ، فكان يُسمح ببيع الدائن لهم لاستيفاء دينه ! .
وكان الرقيق يُعتبرون من الأموال .. هذا الرقِّ الذي أجازه السيِّد المسيح !.
[ راجع : تأريخ القانون – د. آدم وهيِّب ود. هاشم الحافظ / 145 و 160 ] .(1/56)
1. إنَّ من خرج إلى الحرب فإنَّه قد وضع في حسبانه .. عدم استبعاد موته قتلاً .
2. وأنَّه كان حريصٌ على قتل من يلقاه من الجانب الآخر – وهم هنا المسلمون - ، فلذلك جاز قتله في ساحة الوغى بإجماع الطرفين المتخاصمين .
3. ولو أُطلق ذلك الأسير ، لعاد إلى حمل السلاح .. ثانيَّةً .. وثالثةً .
ولهذا .. /
جاز قطع دابره .. جزاءً وفاقاً على نيتِّه عند خروجه ! ، وجزاءً على إصراره على اللجاجة في الخصومة فيما لو أُطلق سراحه ! ، ولا يُجدي تعهده بعدم المعاودة ، فذلك مما لا ضمان لحصول وقوعه فالحزم .. وقطع دابر الخصم .. يُلزمان بذلك الفعل .
وإنَّ من كان ظنُّه الراجح المنزَّل منزلة اليقين ، عند خروجه للحرب هو .. القتل ، فمن عُفى عنه واستبقى له [ نصف حياته الأهم ] وهو استبقائه حيَّاً ، فهو يرضى بهدر النصف الآخر [ الحريَّة ] والبقاء تحت العبوديَّة ! ، فإن الرق قد يزول ، لكن المتوفى إلى الحياة لن يعود ! .. ولهذا فمن رضي بالقتل ، فإنَّه يرضى بالرق من باب أولى.
ومن أنكر على الإسلام [ مبدأ الاسترقاق ] لم ينكره على نفسه ! ، بل لم يُنكر على نفسه قتل الشعوب ! ، ولم يُنكر على نفسه القتل الجماعي .. كالقنبلة الذريَّة – كما فعلوا في الحرب الثانية - !! .
على أنَّ مبدأ [ المعاملة بالمثل ] ، الذي كان وما زال من أهم مبادئ القانون الدولي ، يُعطي الحقَّ في مقابل من يفعل مثل ذلك .
وحين اتَّفق [ العالم المتمدن ] – كما سيمونه – على ترك : الاسترقاق ، وعلى ترك فتل الأسرى .. كان المسلمون من أوائل الناس في الالتزام بذلك ..
لمَ ؟
لأن تلك الأحكام الأربعة : القتل ، والاسترقاق ، والمفاداة ، والمنُّ .. هي أحكامٌ تخييريَّةٌ ، فليس من إلزامٍ في واحدٍ منها دون غيره ، بل يختار وليُّ الأمر ما يراه أصلح للبلاد والعباد ، وهذا من محاسن هذه الشريعة الغرَّاء .
××××××××××××××××
بعد هذا نعود إلى موضوعنا .. ونبحثه في الفروع الآتية :(1/57)
الفرع الأول
في
شبهة موافقة الشريعة لغيرها من النظم
مما يحاول به البعض التشويش على شريعتنا فيما إذا وافقت الشريعة الإسلامية في تنظيمها تنظيماً آخر ، أو تشريعاً آخر ـ أرضياً أم سماوياً ـ ، فيعتبرون ذلك مدعاةٌ لنكران انفراد شخصيتها ، ومدعاةٌ للحكم بتذويبها !! .
يمكننا الإجابة عن ذلك بما يأتي /
بأنه إذا كان ذلك التشريع أساسه العقيدة الإسلامية لا غير ، فهو لا يكون مدعاة لما قد يثار ، سواءٌ أ كان ذلك التشريع سابقاً لها ، أم متأخراً عنها ..
فعدم تحديد الإسلام حداً أعلى للثروة ـ إذا جمعت من حلها ، ودفع ما عليها من حقوق ـ لا يعني هذا أن الإسلام يكون رأسمالياً !! .
وإذا كان لولي الأمر أن يضع يده على أموال الأفراد في الحروب والأزمات(1).. فلا يعني هذا أن الإسلام يُنكر الملكية الخاصة .
فالأصل أن يؤخذ النظام ويُعرض على العقيدة التي يستند إليها ، فإذا تضاربا اهتزت شخصيته وضمُرت ، وإن توافقا فالأساس ما يزال متيناً ، والتشابه وحده لا يعتبر مقياساً للتذويب !0
×××××××××××××××××××
الفرع الثاني
في
شبهة اقتباس النظام الإسلامي من غيره
نقطة أخرى في مقام إثارة الشبهات ... فإذا اقتبس النظام من غيره ، فهل يفقد شخصيته ؟! .
هذه أهم من سابقاتها ، ففي التشابه الذي لم نعدُّه خادشاً ، الأمر عرضي ، وهنا الأمر مهم ورئيسيٌّ .. إذ الاقتباس يعني النقصان !! .
لكننا نقول في الإجابة عن ذلك /
إن عدم وجود معالجةٍ ما في النظام .. لا يكون خادشاً ، ولا عيباً مذيباً لشخصيته ، إذا وُجد ما يقوم مقامه .
والذي يقوم مقام المفقود .. نوعان :
النوع الأول / أن يكون : واضحاً ، صريحاً .
فلا وجه في الذهاب إلى غيره .. لا اقتباسا ، ولا إيجاداً .
__________
(1) نظرية الإباحة عند الأصليين والفقهاء [ أو : الحكم التخييري ] لأُستاذنا المرحوم الدكتور محمد سلام مدكور – 295 إلى 323 .(1/58)
النوع الثاني / أن يكون البديل .. سماحاً من الشارع ، بتفويض العارفين بأسس النظام وقواعده ، باقتباس ما يشاؤون لسد احتياجاتهم إلى مثله ، مع عدم التفريط بالأُسس والقواعد المعروفة فيه ، والتي لا يمكن تجاوزها .
وحينئذ لا يمكن الاعتماد على : اقتباس .. أو استنباط .. يخالف قواعد العقيدة وأسسها ، فكأن هذا المقتبس ، أو المستنبط ، موجود عند تشريع النظام .
إلاَّ أنَّه فيه فائدة : التغيير .. والتبديل .. بحسب أفهام العارفين وأزمانهم ، وهذا لا يعتبر نقصاً في النظام ، أو إضاعةً لشخصيته ، بل هذا بعض امتيازه ، لما فيه من التوسعة .
إذ من المعلوم أنَّ المُستجدَّ من الوقائع لا يتناهى ، ولا يُعقل أن يأتي نظامٌ في الكون ليضبط كل صغيرةٍ وكبيرةٍ ، بخصوصيتها ودقائقها ، بل أوكل ذلك إلى القواعد العامة ، والأسس الواضحة ، فكان أن ساغ الاجتهاد في شريعتنا ، ولهذا قالوا :
[ إنَّ ما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى ](1).
و [ المحدود لا يُحيط بالمدود ] .
والمحدود .. النصوص ، والممدود .. الوقائع .
××××××××××××××××××××
ونستطيع أن نُمثلَّ للنوع الأول - أي بيان البديل بصورة صريحة – مما ورد في شريعتنا بما يأتي :
فهي أباحت ما في الأرض جميعاُ للناس ، إلا أنها جعلت المملوك مصاناً(2)، فإن قامت الحاجة إلى ما في يدِّ الآخرين :
فالبيع .. والشراء .. والإجارة .. والإعارة .. والهبة .. والصدقة .. توصلك إليه ، فهي فصَّلت البدائل تفصيلاً واضحاً ، ورائعاً .
×××××××××××××××××××
__________
(1) الملل والنحل للشهرستاني – 2 / 44 إلى 45 .
(2) يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : { أُمِرت أن أُقاتل الناس حتَّى يقولوا لا إله إلاَّ الله ، فإن قالوها عصموا منِّي دماءهم وأموالهم إلاَّ بحقِّها وحسابهم على الله } . والروايات قد ترد فيها زيادةٌ يسيرةٌ ، أو نقصانٌ يسير ، أو بلفظٍ آخر ، لكنَّ المعنى متواترٌ . [ راجع : كشف الخفاء ـ 1 / 194 ] .(1/59)
ونستطيع أن نمثِّل للنوع الثاني – أي الإحالة إلى بديلٍ غير محدَّد - ، نورد منه ما اتَّبعته شريعتنا ..
فنقول إن الإعتياض في التملك أمر غالب .. ولكن كيف يعتاض الناس في المملوك من الأشياء ؟؟ ..
هذا تركته للناس توسعة ، فلم ترسم طريقا معيناً.. فقد : - يكون عرضاً بعرض .. وهي المقايضة ، إلاَّ في الربا أو شبهته .
- أو عرضاً بنقدٍ .. ولم تحدد صفته : دراهمَ .. أو دنانيرَ.. أو مسكوكاتٍ .. أو أوراقاً نقديةً .. فهذا مما يتبع تعامل الناس ، ولذلك اقتبس المسلمون من الرومان التعامل بالنقود ، بل تعاملوا بنقودهم إلى أن سكُّوا لأنفسهم نقوداً ! ، وجاءت أخيراً النقود الورقية .. فتعاملنا بها في بلاد الإسلام .. وهذا الاعتياض هو : [ البيع ] .
- أو نقداً بنقد ، وهو .. [ الصرف ] ، وهذا ممَّا أجازه الإسلام ، وقد تتغير أساليبه – كما في أزماننا - ، كلُّ ما في الأمر أنَّ علينا مراعاة خلو التصرف من .. الربا ، فإن استيقنَّا خلو [ أسلوب التبادل النقدي ] منه .. جاز التصرَّف .
××××××××××××
وليكن معلوماً .. أنَّ : الأساليب ، والمواد ، والمصنوعات .. لا دين لها ، وإنَّما دينها هو دين مستعملها ! .
ولا أظنني بحاجةٍ للتذكير بـ : الأساليب الحربيَّة ، وأساليب الإدارة والتنظيم ، أو المواد التي يصنعها الكفار، وتدخل إلى مساجد المسلمين ، وأماكن عبادتاهم ومن غير نكير !!.
الفرع الثالث
في
شبهة تعدُّد الآراء الفرعية
إذا تعددت الآراء الفرعية الاجتهادية في النظام .. هل يكون هذا مدعاة لنبذه ؟ ! .
نقول /
من المؤسف حقاً أن تكون محاسن النظام الإسلامي مجالاً لإثارة الغبار في وجهه الناصع ! .
فمن المعلوم أنَّ تعدد الآراء في كل موضوع - مهما كان - لا تعني التخلي عن مجموعها ، بل نحظى بحريَّةُ اختيار تُعطي توسُعةً ظاهرةً للمطبق – فرداً أم هيأةً عامَّة - ..
والسؤال الذي يجب حسمه هو /(1/60)
ماذا يفعل المطبقون - أفراداً أم هيئات – في حالة التعدد تلك ؟ .
إجابتي أقول فيها /
إن كان فرداً .. اختار ما تطمئن إليه نفسه ، فيما يتعلق بأموره الخاصة به ، كالعبادات وما شابهها .
وإن كانت دولة ، فمما يعرفه كلُّ دارس للشريعة الإسلاميَّة .. أنَّ هناك أمرين في هذا المقام : خلاف ... واختلاف(1).
فالخلاف هو : الرأي الشاذ الذي لا يستند إلى دليل شرعي . ويمكن أن نعتبره رأياً غير إسلاميٍ ، وننبذه نبذاً نهائياً .. فلو صورنا الإسلام دائرةً كبيرةً ، كان هذا الرأي خارج محيطها الأبعد ! .
أما الاختلاف : فهو تباين وجهات النظر الاجتهادية ، واستناداً لدليل مقبول ، بحيث لا يمكن أن نعتبر أيَّا من تلك الآراء رأياً غير إسلامي.
فكل الآراء المعروضة تقع داخل الدائرة الكبيرة ، وإن تباينت في قربها من المركز وبعدها عنه .. وإن كان البعد والقرب ومقدارهما غير معلومين لنا ، ولو كان ذلك معلوماً ، لـ{ قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان } .
وأقول / ليكن معلوماً أنّ [ تغييب الحكم هو عين الحكمة ] ..
وبهذا : جاز الاجتهاد في الشريعة الغرَّاء ، فليس معجزاً لله – وحاشاه – أن يُنزل لنا أحكاماً تفصيلية لكلِّ شئٍ ، فالصعوبة والعسر سيلحقاننا نحن لا غير !! .. وذلك من جهة :
أولاً / الاهتداء للحكم الخاص بكلِّ واقعة بعينها ! .
ثانياً / جمود الأحكام على احتمالٍ واحدٍ فقط ، وفي ذلك .. عسرٌ آخر لا يُطيقه المكلفون ! .
××××××××××××××
إنَّ فوائد [ التغييب ] لكثيرٍ من الأحكام .. لا حدود لها ، منها :
- دفع الناس إلى البحث عن الحكم ، وذلك سيؤدي إلى : نشوء علومٍ ، وبحوثٍ ، وتدريس ، ودراسات ، وكتابة ، ومؤلفات .. إلخ .
__________
(1) الإختيار لتعليل المختار للموصلِّي - 2 / 88 .(1/61)
- الوصول إلى [ لذة العثور ] ، فالبحث يكون للوصول إلى شئٍ ما ، وبعد : البحث ، والوصول .. فهناك لذَّة يُحسُّ بها الباحث أولاً ، ثم المكلفون الذين سيُفرحهم الوصول إلى حكم الله – وإن كان مظنوناً - .
- ربط المكلفين بالأحكام الشرعيَّة ربطاً مستمراً ، فليست الأكلات الجاهزة مثل الأكلة التي يُهيؤها آكلها ، فسيشعر بأن ما أكل هو من .. فعله ، وتعبه .. ! .
فلذلك يرتبط المكلفون ربطاً مستمراً بشريعتهم ، حين يسعون جميعاً .. إلى معرفة حكم الله - عز وجل - ، ويكون لهم تواصل أراده الإسلام ، كما نراه من تركيبة أحكامه المؤدية إلى الربط المستمر :
فالجمع .. والجماعات .. وتعدد أنواع العبادات .. وإيكال أمر رؤية الهلال لتحديد المواعيد الشرعية إليهم .. إلخ .
فالله - عز وجل - غنيٌّ عن العالمين ، ولو كانت العبادة لمجرد تحصيل الأجور ، لاكتفى الباري بأيسرها .. وأدومها ، ولم يكن ذلك التعدد المستتبع لتعدد أوقاتها ، وما ذلك إلاَّ للربط الدائم بالشريعة لأدنى سبب ، وبتعدد أشكال الربط ! .
- وأخيراً .. السعيِّ للتعدد النافع ، المفيد ، البعيد عن مهاوي الهلكة ، والخصومة ، والشقاق ، والنفرة ، والفرقة .. وأشباه ذلك .
فالخلاف هو خلاف العلم ، وخلاف البحث عن الحقيقة .. ولما كان الباحثون هم من بني البشر ، فلا بدَّ أن يختلفوا ! ، وذلك :
- لتفاوت الأفهام والقدرات الخِلقية .
- وتفاوت القدرة والصبر على الكسب .
- وتفاوت القدرة على حفظ المكتسب .
- وتفاوت القدرة على استدعاء مخزون المعلومات وقت الحاجة.
- وتفاوت القدرة على حسن استعمال المعلوم [ المَلَكة ] .
- وتفاوت تعرضِّهم للعوارض .. من : نومٍ ، وغفلةِ ، وجنون ، ومجون ، وعَتَه ، وسَفَه ، ، ومرض ، وخوف ، بل وفرح أيضاً .. .(1/62)
لأجل هذا كلِّه كان : الاختلاف ضرورة ملازمة للطبيعة البشريَّة ، فما دام الله - عز وجل - قد عهد ببعض الأمر لأفهام الناس وبحثهم ، فالاختلاف لابدَّ حاصلٌ ، إذ الحكم باللازم حكمٌ بالملزوم .
وفي حالة الاختلاف هذه : إذا أراد ولي الأمر [ إمام المسلمين ] أن يسُنَّ قانوناً عاماً على العباد ، فما عليه إلاَّ أن يختار من هذه الآراء ما يراه أصلح للجماعة .
وكلنا يعلم أنَّ [ رأي الأمام يرفع الخلاف ] ، وأن [ الإمام إذا اختار رأياً من بين الآراء المختلف فيها أصبح اختياره ملزماً ] ، فإن [ طاعة الإمام فيما ليس بمعصيةٍ فرض ](1).
ولا شك أنَّ الإمام مقيدٌ باختياره بما هو أنفع للجماعة ، وتنص القاعدة الفقهيَّة الكليَّة : [ تصرف الإمام على الرعية منوطٌ بالمصلحة ](2).
×××××××××××
إذن ... لم يكن الاختلاف في الآراء في يوم من الأيام مشكلة في الإسلام ، وولي الأمر هو الذي يحسم ذلك للحياة العامة ، مع بقاء الآراء الأخرى محترمة مصانة ، فقد يأتي زمان يحتاج إليها الناس .
××××××××××××××××
على أننا نجد اختلافاً شديداً بين : الرأسماليين ...
ونجد : مذاهب كثيرة لدى الشيوعيين .. [ تروتسكيين ، وماويين ، وبلشفيك ، ومنشفيك ، وتيتويين ... الخ ] ، وكل هذه المذاهب داخل العقيدة الواحدة ، ولم يكن ذلك مدعاةً لنبذ هذه النظرية .. أو تلك ، ولهذا السبب وحده ! .
إذن .. لم يكن الاختلاف بين أئمة الإسلام وفقهائه ، أمراً داعياً إلى إثارة هذه الشبهة ؟ .
ونقول / إن كانت تلك الشبهة خادشةً ، فحريٌّ بها أن تكون كذلك بالنسبة لكل النظم والعقائد أيضا .. وإلاَّ كان الأمر تحكماً محضاً ، ولا أدري هل يستطيعون وصف موقفهم – حينئذٍ – بالعلمية ؟ !! .
×××××××××××××××××
__________
(1) نظرية الإباحة – 299 .
(2) مجموعة قواعد الفقه للبركتي – 70 [ القاعدة – 83 ] ، مجلة الأحكام العدلية – المادة 58 .(1/63)
نخلص مما تقدم إلى أنَّ الإسلام عقيدة متكاملة ، ينبثق عنها نظام متميز ، وهذا التميُّز يجعله .. نظاماً ذا شخصية قائمة بذاتها بين النظم والعقائد .
×××××××××××××××××××
الباب الرابع
في
مطبِّق النظام
أمَّا بالنسبة لمن يطبق النظام فهم صنفان : دول ... وأفراد .. والكلام عن ذلك في فرعين :
الفرع الأول
في
تطبيقات الدول
فالدول تكون مسلمة : إذا أعلنت أنَّها كذلك ، واتخذت من الشعائر الإسلاميَّة مظاهرَ لحكمها .. فحالها كحال الأفراد سواءً بسواء .
وقد قدمنا أن مجرد الاعتقاد يدخل المعتقد في الدائرة الأُولى من دوائرنا التوضيحيَّة التي مرَّ ذكرها ، ويجعل ذلك الاعتقاد من المعتقد مسلماً ـ سواء أكان فرداً أم دولة ] .
وعلى هذا الأساس نحكم على الدولة على أنها إسلامية ، وهو ما يسميِّه الفقهاء [ دار الإسلام ](1)، وإذا خطت الدول خطوات نحو تطبيق النظام ، فحينئذ تكون لها شخصية مستقلة متميزة بالنسبة لما تطبقه من نظامها ذاك ، المستند إلى عقيدتها ، وحينئذ تدخل في الدائرة الثانية ، وتقترب من المركز كلمَّا اتسع نطاق تطبيق النظام على مرافق الدولة ، أو تحكيمها في كل شؤونها ، وحتى تصل إلى حكومة النبوة والراشدين ، وهو ما يمثله المركز.
فبالقدر الذي تطبقه الدولة من أنظمة عقيدتها ، بالقدر الذي تظهر شخصيتها المتميزة بين الدول .
×××××××××××××××××××
أمَّا إذا جمعت بين هذا وذاك ، فإنَّ شخصيتها تكون مهزوزة مترنحة ، وما يوافق العقيدة من التطبيق سيكون ضائعاً بين ما يخالفها ، وأخشى أن تنطبق عليها حينئذ القاعدة الفقهيَّة الكليَّة بأن [ العبرة للغالب ](2).
×××××××××××××
الفرع الثاني
في
تطبيقات الأفراد
__________
(1) مجموعة قواعد الفقه للبركتي - رسالة أصول المسائل الخلافية للدبوسي [ الأصل 56 ضمن المجموعة ] – 44 .
(2) مجموعة القواعد / القاعدة 184 – 94 .(1/64)
إنَّ الذي سبق قوله بالنسبة للدول يصدق على الأفراد .. فبمجرد اعتقاد المسلم لعقيدة الإسلام يسمى مسلماً ، ويدخل في دائرة الإسلام
إلاَّ أن الشخصية الإسلامية تظهر عند تطبيقه لما تُمليه عليه عقيدته من أنظمة ، إلى أن يقترب شيئاً فشيئاً من المركز ، فيصل إلى أعلى الأمثلة للشخصية الإسلامية ، ألا وهم جيل الصحابة الكرام .
إذن مجرد [ الاعتقاد [ يجعل المعتقد ـ فرداً أم جماعة ـ في عداد المسلمين ، ولا يخفى أنَّه لا بدَّ من الإعلان عن ذلك لأجل التعامل معه على أنَّه مسلمٌ .
أمَّا الإعتقاد مع العمل ، فإنَّه يجسد لنا [ شخصية إسلامية ] تزداد قوةً .. ووضوحاً ، بشمولية التطبيق .
أمَّا التطبيق من غير اعتقاد ، فإنَّه : نفاق ، ورياء يحاربه الإسلام .
أمَّا الإعتقاد مع عدم التطبيق ، فإنَّه : تماهل ، وتقاعس ، فهو تقصير مذموم ، وفي الأفراد ، فسوق معلوم .
××××××××××××××××
لكن ما وضعيه الأفراد والجماعات التي تطبق خلاف ما تعتقد ؟! ..
أقول .. لهذه الوضعية افتراضان /
- الأول / أن يلفق المطبق في تطبيقه بين نظامه ، وأنظمة مغايرة.
فحينئذ تظهر شخصية غريبة لا منتمية ، فالمسلم الذي يصلي ولباسه يمثل وجهة نظر إعتقادية معينة ، يكون قد جمع في تطبيقه بين نظامين ، وهذان النظامان أساسهما عقيدتان متناقضتان ، فلا تظهر الشخصية الإسلامية الواضحة المميزة ، بل يكون ظهورها بأضعف ما يكون الظهور!! .
- الثاني / أن يفصل المطبق في تطبيقه بين نظامه والنظام المغاير.. كإمرأة تصلي بلباس إسلامي مقبول ، وحين تنتهي من صلاتها تكون سافرة في مشيتها !! .
فهنا شخصيتان متمايزتان في فرد واحد ! .. ولعلها الصورة الغالبة الآن في أفراد مجتمعنا المسلم ، وحتى في نطاق الدول ! .
فنحن مسلمون في : الجوامع .. في الحج ، فإذا ركبت الحاجة طائرتها عائدة إلى بلدها ، لبست في الطائرة وقبل أن تصل أهلها ما تشاء !! .(1/65)
والمسلم يصلي ، وقد يزكي ، ولكن إذا احتاج إلى الأموال اقترضها بالربا !! .
فالشخصية الإسلامية في الأفراد اليوم - على الغالب - ..
- إما : مهزوزة ، باهتة ، ضعيفة .
- وإما : متلونة ، متغيرة ، متقطعة ، تظهر تارة وتختفي أخرى .
فهل يريد الإسلام هذا ؟ .
الجواب .. / كلا ، فالإسلام يريد شخصية :
قوية .. لا ضعف فيها .
واضحة .. لا غموض فيها .
ثابتة .. لا تردد فيها .
مستمرة .. لا تقطَّع فيها .
والاستمرار على وتيرة واحدة من الالتزام ، والذي لا يخرج من الأسس التي تبنى عليها العقيدة .. هو أبرز ما تسعى إليه ، وهو الذي سمَّاه القرآن : [ الاستقامة ] .
والاستقامة أُمر بها رسول الله - عليه السلام - بنص القرآن الكريم(1).
××××××××××××××
إذن .. ما المسبِب لهذا الاهتزاز ، أو التلون .. ؟ .
أقول / الذي أعتقده هو ضعف الشخصية الإسلامية في الجماعات :
دولاً ، وهيئاتٍ إسلامية .
فالأفراد مهما وضحت شخصياتهم ، فلا بد من نهاية تصطدم بها بشخصية الجماعة .
×××××××××××××
فهل يُكتب لشخصية الأفراد الامتداد مع شخصية الجماعة ؟ .
واقع العالم الإسلامي هو خير إجابة ..!! .
على أن الموانع إذا زالت فقد لا تظهر الشخصية المبتغاة ، إذا كان هناك ما يدعو إلى ضعفها من مؤثرات ، وهي :
? إمَّا تشويش الأنظمة والعقائد الأخرى ، وتشكيكاتها .
? وإمَّا تسلل الأنظمة والعقائد ، إلى نظامنا وعقيدتنا .
والثاني أخطر من الأول ، ولذلك ينبغي أن يكون من زوال الموانع استمرار الحوافز والموضحات ، التي تجلو وجه الشخصية الإسلامية ، وتعمق صورتها في نفوس الأفراد .
- فالتشكيك ، والتشويش .. يقابلهما :
أولاً / الشرح .
وثانياً / التوضيح .
وثالثاً / الإقناع .
__________
(1) ورد الأمر في موضعين من القرآن الكريم :
1. ... قوله تعالى : { فاستقم كما أُمرت ومن تاب معك ولا تطغوا .. } هود / 112 .
2. ... قوله تعالى : { فلذلك فادعُ واستقم كما أُمرت ... } الشورى / 15 .(1/66)
- والتسلل .. تقابله :
أولاً / اليقظة .
ثانيَّاً / عدم قبول ما يرد من الكفار ، إلاَّ بعد الوقوف على حكم العقيدة والنظام ، ووفق أسسهما في قبول : الوافد ، والدخيل ، والمقتبس .
×××××××××××××××××
على أن التسلل قد يكون في انتحال شخصية إسلامية لإملاء أفكار نظام مغاير!! ، وهذا وقف منه العالم الإسلامي- حتى في أشد حالات انحطاطه – موقفاً يقظاً ، فلفظ ونبذ الفرق المتبرقعة بالإسلام(1).
على أنَّ أقصى ما بلغته الصليبية في هدمها ، هو :
- إضعاف الشخصية الإسلامية .
- أو إعدامها ، وتركت الناس مسلمين فقط .
إنَّ هذين الأمرين كان أمنية مجامعهم المقدسة ، والتبشيرية في تخطيطاتها الرهيبة ، ولعلك تجد بعض بغيتك من هذا في كتابي :
[ الغارة على العالم لإسلامي ] للمرحوم محب الدين الخطيب ، و ...
[ التبشير و الاستعمار ] للمرحوم عمر فروُّخ(2).
××××××××××××××
الباب الخامس
في
بيان موقع الشخصية الإسلامية
اليوم
الفرع الأول
في
موقع النظام الإسلامي
إن موقع النظام الإسلامي بين النظم اليوم – والحمد لله - موقع : ثابت .. وراسخ .. وواضح الشخصية .. وهذا اعترفت به :
المجامع القانونية .
وبعض كتاب الغرب .
والمستشرقون .
والمستغربون .
وكذلك الدراسات المقارنة التي قام بها : المسلمون ، وغيرهم .
×××××××××××××××
__________
(1) تُراجع كتب : الفِرَق ، والعقائد ، والردود ... وسنجد أنَّ معتقد المسلمين بقي على مرِّ السنين مصوناً - والحمد لله - ، وقد رُصدت الفرق الخارجة عن الإسلام ، وأُلفت في الردِّ عليها المؤلفات الجمَّة التي يضيق المقام عن مجرد استعراضها ، وهي ـ لا شك ـ معروفةٌ للباحثين ، متداوَلةٌ بينهم .
(2) راجع : ثبت المراجع .(1/67)
فهذه ... جمعية تؤسس في [ ألمانيا ] ، ثم تحل – بعدئذٍ - في أميركا ، وإسمها [ جمعية محمد بن الحسن الشيباني للحقوق الدولية ] ، وغيرُ خافٍ أنَّ .. محمد بن الحسن الشيباني ، هو من أبرز تلاميذ الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - (1).
وهذا ... مؤتمر [ لاهاي ] القانوني المنعقد سنة 1936 ، يعترف بان الفقه الإسلامي فقه : متطور ، متميز ، يصلح أن يكون مصدراً قانونياً .
أمَّا ... المؤتمر الذي عقدته شعبة الحقوق الشرقية في المجمع الدولي للحقوق المقارنة ، في كلية الحقوق الشرقية بجامعة باريس سنة 1951 ، باسم [ أُسبوع الفقه الإسلامي ] ، فقد خرج المؤتمرون بما يلي :
- إن مبادئ الفقه الإسلامي لها : قيمة حقوقية ، تشريعية .. لا يمارى فيها .
- إن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثروة من : المفاهيم ، والمعلومات ، والأصول الحقوقية ، هي .. موضع الإعجاب .
- حبذ المؤتمرون عقد أُسبوعٍ للفقه الإسلامي سنوياً(2).
×××××××××××
الفرع الثاني
في
الشخصيَّة الإسلاميَّة عند الأفراد
هل للمسلمين اليوم من سبيل للخروج بشخصية المسلم ، من هذا المأزق الحرج ، في ظل الواقع الذي لا يستطيع أحدُنا له تغيرا ؟ .
أقول / .. حسب المسلم أن يكون محافظاً على شخصيه :
- إذا اقتبس ما لا يخالف عقيدته ، أو اقتبس ما لا يُضيِّع شخصيته
- أو حوَّر ، وعدَّل .. ليوافق في اقتباسه عقيدته .
- أو تتَّخذ من الأمور ما لا يعد تضييعا للشخصية في يومنا هذا خاصَّةً ، وقد لا يعتبر عمله كذلك أول ما فشا ذلك الشيء .
فالذي يرتدي البدلة الغريبة اليوم ، قد يكون من أقوى الشخصيات ، وأقربها الى المركز في دوائرنا التوضيحية .
وقد يكون مرتدي اللباس التقليدي على العكس منه .
__________
(1) مقدِّمة محقق كتاب شرح السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني .. والشرح للسرخسي
.. والمقدمة للدكتور صلاح الدين المنجِّد – 12 .
(2) المدخل الفقهي العام – 1 / 6 إلى 9 .(1/68)
ولكن لا أبرئ من بدأ بالتقليد من : معرة خدش سمة من سمات شخصيتنا الإسلامية .. وحسب أبناء هذا الجيل أنَّهم غير بادئين ، فإنك ترى الهندي ، وتحكم من لباسه أنه هندي في انتمائه ، أو هندوسي في عقيدته ، ولأول وهلة .
أمَّا المسلم : فلا سمة تميزه من حيث العموم !! ..
نعم من بعض البلدان اليوم المسلم مميز بلباسه ، ففي الصين مثلا يرتدي المسلمون الطاقية [ العرقجين ] ويعرفه الجميع حينئذ ، حتى الباعة لا يعرضون عليه ما يحرِّمه عليه دينه من : سلع ، وغيرها !! .
×××××××××××××××××××
أما ما يردنا من مظاهر جديدة غير موافقة لمتطلبات الشخصيَّة المتميِّزة ..
فإن لم تنتظم أمم الأرض جميعاً ، فهي : غريبة ، مضعفة للشخصية المسلمة .
فإن أصبحت هذه المظاهر شارة للجميع ، بحيث لا ينصرف الذهن إلى ملة ما لأول وهلة دون غيرها ، فلا ضير إذا لم تخالف العقيدة .
×××××××××××××××
أنا هنا لا أدعو إلى ترقيعية في سلوك الأفراد ، بقدر ما أدعو إلى إنقاذ آحاد المسلمين من الازدواجية . بل إنقاذ شخصية الأمة ما دام نظامها لا يزال محتفظا بشخصيته .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~
المراجع
1. القرآن الكريم .
2. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم .
وضعه محمد فؤاد عبد الباقي [ معاصر ] .
ط1 ـ مطابع الشعب [ القاهرة ] ـ 1387 هـ .
3. كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمَّا اشتهر من الحديث على ألسنة الناس .
للشيخ إسماعيل بن محمَّد العجلوني الجرَّاحي [ ت سنة 1162 هـ ] .
ط3 ـ دار إحياء التراث / بيروت 1351 هـ ـ 1352 هـ .
4.المقاصد الحسنة في بيان كثيرٍ من الأحاديث المشتهرة على الألسنة .
للشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي [ ت سنة 902 هـ ] .
ط1 ـ دار الكتب العلميَّة / بيروت 1407 هـ ـ 1987 م .
5.ردِّ المحتار على الدرِّ المختار .
للسيِّد الشيخ محمد أمين الشهير بإبن عابدين [ ت 1252 هـ ] .
ط2 ـ مطبعة البابي الحلبي / القاهرة 1386 هـ ـ 1966 م .(1/69)
6.الإختيار لتعليل المختار .
للشيخ عبد الله بن محمود بن مودود الموصلِّي الحنفي [ ت 683 هـ ] .
ط1 ـ مكتبة ومطبعة البابي الحلبي / القاهرة 1371 هـ ـ 1951 م .
7. منتهى الإرادات في جمع المقنَّع مع التنقيح وزيادات .
للشيخ تقي الدين أحمد الحنبلي المعروف بابن النجار [ ت 972 هـ ] .
ط1 ـ العروبة / مصر [ بلا تأريخ ] .
8. شرح السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ الإمام أبي حنيفة .
لشمس الأئمة محمد بن أحمد بن سهل السَرَخْسي [ ت في حدود 483 هـ ] .
تحقيق وتقديم ـ د. صلاح الدين المنَّجد [ معاصر ] .
ط1 ـ مطبعة مصر / معهد المخطوطات العربية بجامعة الدول العربيَّة 1958 م.
9. دلائل النبوِّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة .
لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي [ ت 458 هـ ] .
ط1 ـ دار الكتب العلميَّة / بيروت 1405 هـ ـ 1985 م .
10. الحكم التخييري أو نظريَّة الإباحة عند الأُصوليين والفقهاء .
لأُستاذنا المرحوم د. محمد سلام مدكور .
ط1 ـ دار النهضة العربيَّة / مصر 1963 م .
11. مجموعة قواعد الفقه [ تحتوي على سبع رسائل ] .
جمع وترتيب الشيخ عميم الإحسان المجددي البركتي ـ رئيس المدرسين في المدرسة العلميَّة – دكَّة /
بنغلاديش .
ط1 ـ مير محمد كتبخانة ـ آرام باغ / كراتشي 1379 هـ ـ 1960 م .
12. التعريفات .
للسيِّدالشريف علي بن محمد الحسيني الجرجاني الحنفي [ ت 816 هـ ] .
ط1 ـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي / مصر 1357هـ ـ 1938 م .
13. جامع العلوم في اصطلاحات الفنون ، المعروف [ بدستور العلماء ] .
للقاضي عبد النبي بن عبد الر سول الأحمد نكري الهندي .
ط2 ـ مصوَّرة بالأوفست عن ط1 الصادرة من دائرة المعارف النظاميَّة / حيدرآباد ـ الدكن .
14. كشَّاف اصطلاحات الفنون .
للشيخ محمد علي الفاروقي التهانوي [ ت في القرن الثاني عشر الهجري ] .
ط4 ـ وزارة الثقافة والإعلام المصريَّة / مصر 1382 هـ ـ 1963 م .
15. الكليَّات .(1/70)
لأبي البقاء الحسيني الكفوي الحنفي [ ت 1093 هـ ] .
ط1 ـ مطبعة أبو القاسم حاجي محمد صادق الخوانساري الحسيني / إيران ـ طبعة حجريَّة 1284
16. البيان والتبيين .
لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ [ ت 255 هـ ] .
ط5 ـ دار الجيل ودار الفكر / بيروت [ بلا تاريخ ] .
17. أُسد الغابة في معرفة الصحابة .
لعز الدين أبي الحسن علي بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير [ ت 630 ].
كتاب الشعب / مصر .
18. الفَرِق بين الفِرَق .
للإمام عبد القاهر بن طاهر البغدادي [ ت 429 هـ ] .
ط1 ـ دار الآفاق الجديدة / بيروت 1393 هـ ـ 1973 م .
19. الفِصل في الملل والنِحَل .
طبعة مصوَّرة بالأوفست ـ مكتبة المثنى / بغداد ، والخانجي / مصر [ بلا تأريخ ]
20. المِلل والنِحل .
للإمام أبي الفتح عبد الكريم الشهرستاني [ ت 548 هـ ] .
مطبوعة بحاشية الفِصَل ـ المتقدمة الذكر ـ .
21.الكتاب المقدَّس .
العهد القديم [ التوراة ] ، و [ العهد الجديد [ الأناجيل ] و [ أعمال الرسل ] .
دار المشرق / بيروت 1986 م .
22. كتاب العهد الجديد .
أناجيل : متَّى ، ومرقس ، ولوقا ، ويوحنا .. مع أعمال الرسل .
23. دائرة المعارف الإسلاميَّة .
أصدرها بالإنكليزيَّة والفرنسيَّة والألمانيَّة مجموعةٌ من المستشرقين / تعريب لجنة .
ط2 ـ كتاب الشعب / مصر 1969 م .
24. الأعلام [ قاموس تراجم ] .
خير الدين الزِرِكلي [ معاصر ] .
ط3 ـ بيروت [ بدون تأريخ ] .
25. حركة الجامعة الإسلاميَّة .
أحمد فهد بركات الشوابكة [ معاصر ] .
ط1 ـ مطبعة المنار / الزرقاء ـ الأردن 1404 هـ ـ 1984 م .
26. تأريخ الخلفاء .
للحافظ جلال الدين السيوطي [ ت 911 هـ ] .
ط4 ـ مصورة بالأُفست / مكتبة المثنى في بغداد .
27. الغلو والفرق الغالية .
د . عبد الله سلُّوم السامرائي [ معاصر ] .
ط1 ـ وزارة الإعلام العراقيَّة .. دار الحريَّة 1392 هـ ـ 1972 م .
28. تاريخ الدولة العليَّة العثمانيَّة .(1/71)
محمد فريد وجدي بك المحامي [ معاصر ] .
ط2 ـ دار الجيل / بيروت 1379 هـ ـ 1977 م [ مصورة بالأوفست ] .
29. رسالة الآداب في علم البحث والمناظرة .
للشيخ محي الدين عبد الحميد [ معاصر ] .
ط7 ـ التجاريَّة الكبرى / مصر 1378 هـ ـ 1958 م .
30. سلسلة عالم المعرفة .
المجلس الوطني للثقافة والفنون / الكويت .
ط2 ـ تراث الإسلام / ج1 1408 هـ ـ 1988 م .
31. الشيعة والتصحيح .
الدكتور موسى الموسوي [ معاصر ] .
ط1 ـ بلا موضع 1408 هـ ـ 1988 م .
32. فكرة القانون الطبيعي عند المسلمين .
د . محمد شريف أحمد [ معاصر ] .
ط1ـ وزارة الأوقاف العراقيَّة .
33. المرة والتكرار في أوامر النصوص الشرعيَّة .
د . محمد محروس المدرس [ معاصر ] .
مستل من مجلو المجمع العلمي العراقي ـ م 28 س 1497 هـ ـ 1977 م .
34. القاموس السياسي .
أحمد عطيَّة الله [ معاصر ] .
ط3 ـ دار النهضة العربيَّة / مصر 1968 م .
35. المدخل الفقهي العام .
الشيخ د. مصطفى الزرقا [ معاصر ] .
ط9 ـ مطبعة الأديب / دمشق 1968 م .
36. تاريخ الجبرتي [ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ] .
للشيخ عبد الرحمن الجبرتي .
دار الجيل / بيروت [ بلا تأريخ ] .
37. الرسائل المقدَّسة [ مكاتيب مقدَّسة ] .
سليمان فائق [ جمعها ورتبها بالتركيَّة ] .
تعريب وتحقيق ـ م . جميل بندي الروزبياني [ معاصر ] .
مطبعة المعارف / بغداد 1382 هـ ـ 1963 م .
38. الزينة في الكلمات الإسلاميَّة العربيَّة .
للشيخ أبي حاتم أحمد بن حاتم الرازي .
مطبوع في نهاية كتاب [ الغلو والفرق الغالية ] ـ مرَّ قبلاً ـ .
39. شرح مسند الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - .
للملا علي القاري . ط1 ـ دار الكتب / بيروت 1405 هـ ـ 1985 م .
40.الإمام محمود شكري الآلوسي وآراؤه اللغويَّة .
للشيخ محمد بهجة الأثري [ معاصر ] .
ط1 ـ معهد البحوث / جامعة الدول العربيَّة .
41. أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث .(1/72)
أحمد تيمور باشا [ معاصر ] .
ط1 ـ لجنة نشر المؤلفات التيموريَّة 1387 هـ ـ 1967 م .
42. مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين .
للإمام أبي الحسن علي بن اسماعيل الأشعري [ ت 333 هـ ] .
تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد . مكتبة النهضة المصريَّة 1950 م .
43. الأحكام السلطانيَّة والولايات الدينيَّة .
لأبي الحسن علي بن مهدي الماوردي الشافعي [ ت 450 هـ ] .
دار الكتب العلميَّة / بيروت ـ مصورة بالأوفسيت .
44. سلاسل المناظرة الإسلاميَّة النصرانيَّة بين شيخ وقسِّيس .
للشيخ عبد الله العلمي [ معاصر ] .
ط1 ـ بدون أيَّة تفصيلات .
45. تحفة الأريب في الردِّ على أهل الصليب .
عبد الله الترجمان [ ألفه سنة 823 هـ ] . وكان قسَّاً وأسلم ! .
كتب وبحوث للمؤلف
1. مشايخ بلخ من الحنفية وما انفردوا به من المسائل الفقهية / طبع الأوقاف – 1978 .
2. الشخصية الإسلامية وموقعها بين النظم والعقائد / الطبعة الأولى – دار البشير / عمان ، والطبعة الثانية – دار الراشدون - / الموصل ، وهذه هي الطبعة الثالثة .
3. رفع أكف الضَّراعة لجمع كلمة أهل السنة والجماعة / طبع بغداد 1977 ، وأعيد 2000 م .
4. الزكاة ومصرف [ في سبيل الله ] والدعوة الإسلامية ، وتأسيس البنوك الإسلامية / مقدَّم إلى المجمع الفقهي الهندي ـ طبع / بغداد 1997 ، وأُعيد سنة 2000 م .
5. المرة والتكرار في أوامر النصوص الشرعية / مجلة المجمع العلمي العراقي 1997.
6. نثار العقول في علم الأصول / طبع سنة 1994م .
7. كشف اللثام وبلغ المرام في قوله تعالى : [ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ] / مطبوع – بغداد 1999 م .
8. العقل والنفس والروح / مخطوط .
9. مكانة الحرب العربي في الإسلام / مخطوط .
10. البُهرة من الفرق الإسماعيلية / مخطوط.
11. الخوارق في الشريعة الإسلامية [ بحث في الباراسايكولوجيا الإسلامية ] / مخطوط .(1/73)
12. الصحوة الإسلامية والدعوة الإسلامية / مخطوط [ مقدّم لمؤتمر الدعوة في لكنهؤ ] .
13. بيع الحقوق والمنافع / مخطوط [ مقدَّم للمجمع الفقهي الهندي ] .
14. قراءة قانونية في سورة يوسف / مطبوع سنة 2000 م .
15. توازن التبعات في الشريعة الإسلامية / مخطوط .
16. الإيضاح والبيان الظهوري على التسهيل الضروري لمسائل القدوري / طبع بغداد 1999 .
17. شرح وصية الإمام الأعظم لتلميذه أبي يوسف ، في [ آداب العالم والمتعلم ] / مخطوط .
18. التصوف في الإسلام / مخطوط .
19. بين الإسلام وأمثلة العوام في دار السلام / مخطوط .
20. المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية / مخطوط .
21. مصطلحات رمضانية / طبع في بغداد – 1999 م .
22. أسماء القران في القران / مطبوع – بغداد - 2000 / أحاديث من الراديو .
23. كليات القرآن الكريم / مخطوط .
24. المسؤوليات الإدارية في الأسرة المسلمة / مطبوع – بغداد - 2000 م .
25. التحصين ضد الجريمة في الشريعة الإسلامية / مقدم إلي الندوة المشتركة بين وزارة الداخلية ومنتدى الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - / طبع سنة 2000 م .
26. مبادءات ومتابعات / مجموعة مقالات صحفية في شتى العلوم .
27. نقد قانون الأحوال الشخصية العراقي / مخطوط .
28. العامي الفصيح / مخطوط .
29. عظمة التشريع الإسلامي / مخطوط .
30. الشركات في الفقه الحنفي / مخطوط .
31. ظهور الفضل والمنَّة في بعض مسائل الأجنَّة .. [ نقل الدم ، نقل الأعضاء ، التكرير -الاستنساخ - ، الإجهاض ] / مخطوط .
32. أفضليَّة المرأة في التشريع الإسلامي / مخطوط .
33. المنهجيَّة البحثيَّة الإسلامية / مخطوط .
34. الأعظميَّة .. وآل العلقبند / مخطوط .
35 . شرح غريب الشائع من الألفاظ / مخطوط .
36. المتفق لفظاً والمختلف نسبةً أو صُعقاً أو معنىً / مخطوط .
37. تأصيل القواعد القانونية في الآيات القرآنية / مخطوط .
38. مقالات ومقدمات كتب ومحاضرات وتعقيبات في مواضع شتى .
[(1/74)
المؤلف في سطور ]
- هو .. محمد محروس بن عبد اللطيف بن مصطفى بن الشيخ عبد الغني مدرس الحضرتين والوفائيَّة بن الشيخ محمد المدرس فيما ذكر بن الشيخ مصطفى نائب الشرع ببغداد والمدرس فيما ذكر بن الشيخ أحمد نائب الشرع والمدرس فيما ذكر بن الوليِّ الكامل والعلاَّمة الكبير الشيخ مصطفى العلقبند الكبير مفتي الحنفيَّة ببغداد المحميَّة ومؤسس الطريقة العلقبندية العليَّة الطائي الأعظمي الحنفي، المعروفة عائلته بآل المدرس لتدريسهم في الحضرتين : الأعظمية الحنفيَّة .. و القادرية الكيلانيَّة ، وفي المدرسة الوفائية الدينيَّة .
- ولد في الأعظمية 1360 هـ الموافق 1941 م ، درس على علماء بغداد الشيوخ الأجلاء : محمد القزلجي ، عبد القادر الخطيب ، نجم الدين الواعظ ، أمجد الزهاوي ، محمد فؤاد الآلوسي .. [ و أختص به في المدرسة المرجانية إلى حين وفاته فيها ساجداً بين العشائين سنة 1963]، والدكتور عبد الكريم زيدان ، وأخيراً على العلامة عبد الكريم محمد المدرس [ متع المسلمين بحياته ] .
- تلقى على علماء مصر الأجلاء الشيوخ الأفاضل : محمد أبو زهرة ، محمد سلام مدكور ، محمد الزفزاف ، أحمد هريدي - مفتي الجمهورية - ، محمد أحمد فرج السنهوري ، زكريا البّري ، زكريا البرديسي ، علي الخفيف ، واختص أخيراً بالشيخ عبد الغني عبد الخالق المشرف على رسالته للدكتوراه وعنوانها :
[ مشايخ بلخ من الحنفيَّة وما انفردوا به من المسائل الفقهيَّة ] .
- حاز بكالوريوس الحقوق من بغداد سنة 2691 م .
- وحاز دبلوم الشريعة من حقوق القاهرة سنة 1967 ، و ماجستير الفقه المقارن من كلية الشريعة و القانون بالأزهر سنة 1968، والدكتوراه بذات الاختصاص ، سنة 1977 .
- عمل محامياً ، و مدير ناحية ، و مديراً للمدارس الدينية العراقيَّة في الأوقاف ، ومشاوراً قانونياً لها ، ومديراً للدراسات الإسلامية فيها ، ورأس أول بعثة عراقية عليا إلى الحج سنة 1975.(1/75)
- ثم درّس في كليّات : الإمام الأعظم ، والقانون ، والشرطة ، والتراث الجامعة ، وفي القسم العالي في ندوة العلماء في لكنهؤ / الهند .
- عضو دائم في المجمع الفقهي في الهند .
- رأس منتدى الإمام أبي حنيفة في مدينة الأعظميَّة .. لسنوات عديدة .
- شارك في مؤتمرات علميّة وفقهيّة في : العراق .. والهند .. والحجاز .. وبلاد الشام .
الفهرست
الموضوع ... الصفحة
الإهداء ... 2
المقدمة ... 3
الباب الأول /الصراعات بين الإسلام وأعدائه .. وأسبابها ... 16
الفرع الأول / في صراعات العهد المكي ... 18
الفرع الثاني / في صراع الإسلام مع اليهود والمجوس ... 35
الفرع الثالث / في الصراع مع النصرانية ... 49
الفرع الرابع / في الصراع في العصور المتأخرة ... 58
الفرع الخامس / في وسائل حسم الصراع لصالح الإسلام ... 65
الباب الثاني / في مفهوم الشخصيَّة ونطاقها ... 68
الفرع الأول / في مفهوم الشخصية وإطارها ... 70
المطلب الأول / في مفهوم الشخصية ... 70
المطلب الثاني / في إطار الشخصية ... 72
الفرع الثاني / في تحقق مفهوم الشخصية في نظم الإسلام ... 82
المطلب الأول / في تصاميم الدور ... 83
المطلب الثاني / في أثر الإيمان بالغيب ... 85
المطلب الثالث / في أثر النظرة إلى المال ... 86
المطلب الرابع / في أثر النظرة للإنسان ... 90
المطلب الخامس / في أثر النظرة لوظيفة الإنسان ... 91
المطلب السادس / في اعتقاد صحة الشريعة ... 93
المطلب السابع / في أثر النظرة لحقيقة الإنسان ... 96
المطلب الثامن / في أثر النظرة للكون ... 98
المطلب التاسع / في التفرد في هيئات العبادات ... 100
الباب الثالث / في ردِّ الشبهات حول تفرِّد الإسلام ... 106
الفرع الأول / في شبهة موافقة الشريعة لغيرها ... 116
الفرع الثاني / في شبهة اقتباس النظام الإسلامي ... 118
الباب الرابع / في مطبِّق النظام ... 129
الفرع الأول / في تطبيقات الدول ... 130
الفرع الثاني / في تطبيقات الأفراد ... 132
الباب الخامس / في بيان موقع الشخصية الإسلامية اليوم ... 139(1/76)
الفرع الأول / في موقع النظام الإسلامي ... 140
الفرع الثاني / في الشخصية لدى الأفراد ... 143
المراجع ... 146
كتب وبحوث للمؤلف ... 152
المؤلف في سطور ... 154
هذا الكتاب
بحث عقلاني في مناقشة الشبهات التي تُثار في وجه الإسلام .. عقيدةً ، وديناً ، وتشريعاً ..
وفيه يظهر تميُّز هذه الشريعة الغرَّاء على غيرها في كثيرٍ من الأمور التي ينبغي على كلِّ مسلمٍ معرفتها ، لأجل الدفاع عن دينه .
وفيه يظهر حرص الشارع الحكيم على التميُّز ، والتفرد .. حفظاً للنظام ومطبقيه من : الذوبان ، والضعف ، والتبعية ! .
وجرت المناقشات في هذا الكتاب بالطريقة العقلية الهادئة ، بعيداً عن القناعات المسبقة ، والانحياز من غير قناعة .. بل لمجرد التقليد !! .
فهو يُعالج مواضيع حيوية .. تتعلق : بتقليد الغير ، واقتباس الجديد ، ومدى ما يؤخذ وما يُترك .
ويُعالج موقع : الشخصيَّة الإسلاميِّة في الدول اليوم ، وموقعها في نظر الأغيار ، وموقعها في الأفراد ..
فلا غنىً للمسلم الملتزم عن اقتنائه .. ولا غنىً للمسلم المتردد عنه ..
فهو مما يضع كثيراً من الأمور نصابها .
والحمد لله ربِّ العالمين ~~(1/77)