بسم الله الرحمن الرحيم ( مقدمة ) الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، القائل في كتابه : ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ) . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المنزل عليه : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ) ، أي بمخالفتكم لسنته التي سنها لكم ، وبارتكابكم المنكرات والبدع والمخالفات ، والمنزل عليه : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) . أولو الأمر : هم العلماء الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر الحاكمون بما أنزل الله ، وإلا فلا سمع ولا طاعة : ( فردوه إلى الله والرسول ) ، أي إلى كتاب الله وسنة رسوله ، لا إلى آراء الرجال وأفهامهم فإنها ظلمات ، ومن لم يحكم ويتحاكم في محال النزاع إلى كتاب الله وسنة الرسول الأعظم فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر ، ذلك لأن المؤمنين : ( إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ) ، وأما هؤلاء فإذا ( قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله ، وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ) اللهم صلى وسلم على من كرمته تكريما ، وعظمته تعظيما وشرفته تشريفا لا يضاهي بقولك : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمون فيما شجر بينهم ، ثم
____________________
(1/1)
لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) ، ولذلك أقسم صلى الله عليه وسلم بقوله : ' والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ، فلا يكون الإنسان مؤمنا إلا إذا قدم قوله صلى الله عليه وسلم على أقوال أهل الأرض جميعا حتى الرسل والأنبياء ، فمن لم يرض ولم يقدم ويعظم ويكرم ويفضل ما جاء عن الرسول الأعظم ويرفعه فوق الفوق وعلى كل ما سواه يهدر دمه ، ويموت كافرا ، كما جاء عن رجلين اختصما إليه صلى الله عليه وسلم فقضى للمحق على المبطل ، فقال المقضى عليه : لا أرضى ، فذهبا إلى أبي بكر فأقر ما قضى به الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، ثم ذهبا إلى عمر فقصا عليه القصة ، فضرب عمر رأس الذي أبى قبول حكم الرسول صلى الله عليه وسلم فقتله ، فأنزل الله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون ) الآية . فإياكم ثم إياكم أن تشاقوا الرسول ، احذروا وعيد : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) ، واعلموا أن في هذه الآية دليلا على أن كل ما يقول باستحسان بدعة في الدين يكون له نصيب وافر ، وجزء كبير من الوعيد المذكور فيها ، إذ استحسانه للبدعة ، وحثه الناس على التعبد بها ما هو إلا مشاقة ومصادمة لهذه الآية ولقوله صلى الله عليه وسلم : ' وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، رواه أبو داود وابن ماجة . ولقوله صلى الله عليه وسلم : ' من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ' فمتفق عليه . ولهذا ولاه الله ما تولى ، أي تركه في ضلاله وطغيانه كما قال تعالى : ( نذرهم في طغيانهم يعمهون ) ، وقوله تعالى : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ، ثم يصليه جهنم وساءت مصيرا : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم * يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض
____________________
(1/2)
أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) ، ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) . فيا عباد الله أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ، ( قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم ، وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) ، يا أيها الناس ( من يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) . أيها المسلمون كلكم تدعون محبة الله ورسوله فإن كانت دعواكم صحيحة فاتبعوا كتاب الله وسنة رسوله ، ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) . واعلموا أن ( من يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ) ، ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) . وأما : ( من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على المنبر ويقول : ' أما بعد : فإن اصدق الحديث كتاب الله . وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ' . رواه مسلم وغيره ، زاد النسائي : ' وكل ضلالة في النار ' وروى أبو داود وغيره عن العرباض ابن سارية رضي الله عنه أنه قال : ' صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقال قائل : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا ؟ قال :
____________________
(1/3)
أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ' . وفي المسند وصحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ' من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ' ، وروى الترمذي والحاكم وصححه أنه قال : ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والمتسلط بالجبروت فيعز بذلك من أذل الله ويذل من أعز الله ، والمستحل لحرم الله ، والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والتارك لسنتي ' . وفي البخاري : ' جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله أتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء . فمن رغب عن سنتي فليس مني ' . وفي سنن أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم : ' فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة ' . ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أشد الناس حرصا على العمل بالكتاب والسنة وأشدهم عداوة وبغضا للبدع وأهلها . فقد قال الصديق رضي الله عنه : ( أشهد أن الكتاب كما نزل ، وأن الدين كما شرع ، وأن الحديث كما حدث ، وأن القول كما قال ، وأن الله هو الحق المبين . وقال أيضا في خطبة له : أيها الناس إني قد وليت عليكم بخيركم ، فإن رأيتموني على حق فأعينوني ، وإن رأيتموني على باطل فسددوني . أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم ، ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى
____________________
(1/4)
آخذ الحق له ، وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ) . وفي خطبة أخرى : ( إنما أنا مثلكم ، وإني لا أدري لعلكم ستكلفوني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيقه ، إن الله اصطفى محمدا على العالمين وعصمه من الآفات ، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع ، فإن استقمت فتابعوني ، وإن زغت فقوموني ) . وروى الدارمي عن ابن مسعود : ' أنه رأى جماعة يسبحون ويحمدون ويكبرون جماعة ، فقال لهم : لقد جئتم ببدعة ظلما ، أوفقتم محمدا وأصحابه علما ؟ ' وروى ابن عبد البر عن عبد الله بن مغفل قال : ' سمعني أبي وأنا أقول بسم الله الرحمن الرحيم - يعني في الصلاة - فقال : يا بني إياك والحدث في الدين ، فإني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا يقولها ، فلا نقلها إذا أنت قرأت ، وقل : الحمد لله رب العالمين ، قال : ولم أر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا أبغض إليه حدثا في الإسلام منه ) . عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ' خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا ، ثم قال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ، ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ' ثم تلا : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) وعن مجاهد : ( ولا تتبعوا السبل ) قال : البدع والشبهات ، وعن عبد الله بن الديلمي قال : ( بلغني أن أول ذهاب الدين ترك السنة ، يذهب الدين سنة سنة ، كما يذهب الحبل قوة قوة ) . وعن الأوزاعي عن حسان قال : ' ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة ' . وعن أبي قلابة قال : ' ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف ' وقال
____________________
(1/5)
ابن مسعود رضي الله عنه : ' اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ' ، وقال ابن عباس لمن سأله الوصية : ' عليك بتقوى الله والاستقامة ، اتبع ولا تبتدع ' . وقال ابن عمر : ' كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ' ، روى هذه الأخبار والآثار الإمام الدارمي في سننه . وفي سنن أبي داود عن حذيفة قال : ' كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها ، فإن الأول لم يدع للآخر مقالا ' وقال عمر بن عبد العزيز : أوصيكم بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وترك ما أحدث المحدثون بعد ' رواه الدارمي أيضا . وروى نوح الجامع عن أبي حنيفة أنه قال : ' عليك بالأثر ، وطريقة السلف ، وإياك وكل محدثة فإنها بدعة ' ، ذكره ابن قدامة في كتابه - ذم التأويل - وقال ابن الماجشون سمعت مالكا يقول : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة ، لأن الله يقول : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا . وقال الشافعي رحمه الله : من استحسن - يعني بدعة - فقد شرع . وقال أحمد بن حنبل رحمه الله : أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء بهم وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة . فالكتاب والسنة والآثار والأخبار تفيد الناظر فيها بتبصر وتدبر أن كل بدعة في الدين صغيرة أو كبيرة في الأصول أو الفروع ، في العقائد أو العبادات أو المعاملات فعلية أو قولية أو تركية ، فهي ضلالة ، صاحبها مؤاخذ معاقب عليها في النار ، وبدعته مردودة عليه غير مقبولة منه . ذلك لقوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) ، وفي الحديث : ' ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به ، وما من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به ' رواه الطبراني ، وفي رواية ' تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ' . فحذار حذار إخواني أن تتبعوا قول من يقولون باستحسان البدع في الدين
____________________
(1/6)
أو بتقسيمها ، فإنما مثلهم في فهم كلام الله ورسوله ( كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم ) ، لا تتبعوهم فتكونوا كالذين سفه الله أحلامهم ، فقال الله تعالى فيهم : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم ) - أي علماءهم وعبادهم - ( أربابا من دون الله ) . وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ' ما صلوا لهم صلاة ، ولا صاموا لهم يوما ، ولكنهم أطاعوهم في كل ما قالوه ، فتلك كانت ربوبيتهم إياهم ' ، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم . أما بعد فإني كنت عازما على أن يكون هذا الكتاب كفهرس فقط للتنبيه على بدع الصلوات والأذكار حبا في الاختصار وحذرا من التطويل وخوفا من كثرة مصاريف الطباعة ، وثقل حمل الدين على ، ثم اقتضاني النصح لإخواني أن توسعت توسعا هائلا حتى جعلت بعض فصول الكتاب كتبا مستقلة ككتاب نيل المرام في فضائل الصلاة والسلام على خير الأنام ، ويصلح الفصل العشرون في صلوات الشهور والأسابيع الموضوعة لأن يكون كتابا مستقلا ، إذ بلغت صفحاته أكثر من خمسين ، وكذا الفصل الحادي والعشرون في القرآن وهدايته ، وكذا الفصل الأخير يصلح أيضا أن يكون كتابا ينتفع به المسلمون . وسبب ذلك لطف وظرف وكرم وتساهل وتسامح صاحب مطبعة المنار شيخنا ومولانا السيد الإمام رشيد رضا رحمه الله ، ووكيله المحبوب لدينا السيد عبد الرحمن عاصم حرسه الله وأبقاه ذخرا للمسلمين فإنهما أعطياني المطبعة والمكتبة كملك لي ، وهما كذلك مع كثير من الجمعيات ولا غرو فإن آل رشيد رضا أهل لكل بر وإحسان إذ هم سلالة سيد ولد عدنان ، وهم أهل الدين والتقوى والعلم والصلاح والإصلاح والورع وهل عرف الناس اليوم حقائق دين الإسلام إلا بواسطة هذه الأسرة الجليلة المباركة الميمونة ؟ فرضي الله عنهم وأرضاهم وجزاهم عن إحسانه إلينا وإلى المسلمين خير ما جزى به عباده الصالحين . وقد كنت كتبت في غلاف كتابي ' المنحة المحمدية ' ورسالتي ' القول
____________________
(1/7)
الجلي ' ما نصه : قال الإمام الشافعي رحمه الله بعد تأليف كتبه ، ' لا بد وأن يوجد في كتبي الخطأ لقوله تعالى : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ، فما وجدتم فيها مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه ، ونحن أيضا نقول الآن بقول هذا الإمام ، ونطالب كافة علماء الإسلام ، بنصحنا وإرشادنا إلى ما يجدونه مخالفا للكتاب والسنة في جميع مؤلفاتنا فإن هم فعلوا فلا يجدوني إلا رجاعا للحق متقبلا له وشاكرا لهم على جميل صنعهم والسلام وقلت في المنحة : وقد هدانا الله إلى معرفة بعض أحاديث - بعد طبع الكتاب - لم يحتج بها ، وسنبينها إن شاء الله تعالى في الطبعة الثانية . أه وكان سبب ذلك انتقاد شيخنا السيد رشيد إمام المفسرين والمحدثين علينا في بعض الأحاديث الواهية في كتابنا ' المنحة ' ، وكان انتقاده هذا علينا سببا في كتابة هذه الكلمة ، وفي اشتغالنا بعلم الحديث النبوة ، وبالرد على من كنا نعتقده أكبر رجل . وقد انتظرت طويلا من شيوخ الأزهر أن يردوا علي ، كصاحب المنار ، أو يرشدوني إلى الطريق السوي فلم يفعلوا ، فجزى الله هذا الأستاذ الجليل السيد الإمام عني وعن المسلمين خير الجزاء . ويجد القارئ الكريم قبيل الفصل الأخير جملة أحاديث منقولة من كتاب الجامع الصغير برموزها ، وهذه صورة رموزها عن الكتاب المذكور ( خ ) للبخاري ( م ) لمسلم ( ق ) لهما ( د ) لأبي داود ( ت ) للترمذي ( ن ) للنسائي ( هـ) لابن ماجة ( 4 ) لهؤلاء الأربعة ( 3 ) لهم إلا ابن ماجة ( حم ) لأحمد في مسنده ( عم ) لابنه عبد الله في زوائده ( ك ) للحاكم ( خد ) للبخاري في الأدب ( تخ ) له في التاريخ ( حب ) لابن حبان في صحيحه ( طب ) للطبراني في الكبير ( طس ) له في الأوسط ( طص ) له في الصغير ( ص ) لسعيد بن منصور في سننه ( ش ) لابن أبي شيبة ( عب ) لعبد الرزاق في الجامع ( ع ) لأبي يعلى في مسنده ( قط ) للدارقطني ( فر ) للديلمي في مسند الفردوس ( حل ) لأبي نعيم في الحلية
____________________
(1/8)
( هب ) للبيهقي في شعب الإيمان ( هق ) له في السنن ( عد ) لابن عدي في الكامل ( عق ) للعقيلي في الضعفاء ( خط ) للخطيب ، وقد وضع صاحب الجامع الصغير ثلاثة رموز في الكتاب ووضع أمام كل حديث رمزا منها الأول ( صح ) إشارة إلى صحته ، والثاني ( ح ) إيماء إلى حسنه ، والثالث ( ض ) تنويها بضعفه . ثم إني عددت أحاديث الكتاب فوقعت أكثر من سبعمائة حديث أكثرها صحيح وحسن ، والقليل منها ضعيف ، لم أذكرها إلا في الفضائل والترغيب والترهيب وهي مبينة . وقد بلغ عدد السنن تسعمائة وستين سنة . وعدد البدع ثلاثمائة وثمانين ، وعدد الأحاديث الموضوعة والخرافات الفاشية أكثر من مائتين وثلاثين . وهذا بخلاف ما زدناه من الأبواب والفصول الكثيرة ، التعليقات في هذه الطبعة الثانية ، وهذا سفر مبارك جليل إن شاء الله تعالى سميته ( السنن والمبتدعات ، المتعلقة بالأذكار والصلوات ) . وقد قسمت الكتاب قسمين . فالقسم الأول خاص بسنن وبدع الصلوات ، والقسم الثاني : خاص بالأذكار المشروعة والمبتدعة . وذيلته بخطاب عام لكافة علماء الإسلام دعوتهم فيه إلى الجهاد في الله والأمر والنهي عن المنكر . هذا وإني أرفع إلى ربي أكف الضراعة قائلا : ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين - ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) . اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم . محمد أحمد عبد السلام .
____________________
(1/9)
( وهذه مقدمة في مصطلح الحديث النبوي ) ( الحديث الصحيح ) : ما اتصل سنده بعدول ضابطين بلا شذوذ ولا علة خفية . ( الحديث الحسن ) : ما عرف مخرجه ورجاله ، لا كرجال الصحيح . ( الحديث الضعيف ) : ما قصر عن درجة الحسن ، وتتفاوت درجاته في الضعف بحسب بعده من شروط الصحة . ( الحديث المرفوع ) : ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ، فيشمل المتصل والمنقطع والمرسل والضعيف . ( الحديث الموقوف ) : ما قصر على الصحابي من قول أو فعل ولو منقطعا . ( الحديث الموصول ) : ويسمى المتصل ، ما اتصل سنده رفعا ووقفا . ( الحديث المرسل ) : ما رفعه تابعي مطلقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ( الحديث المقطوع ) : ما جاء عن تابعي من قوله أو فعله موقوفا . ( الحديث المنقطع ) ما سقط من رواته واحد قبل الصحابي وكذا بعده من مكانين فأكثر ، بحيث لا يزيد الساقط على راو واحد . ( الحديث المعضل ) : ما سقط من رواته قبل الصحابي إثنان فأكثر مع التوالي . ( الحديث المعلق ) : ما حذف من أول إسناده لا وسطه . ( الحديث المدلس ) : ثلاثة أقسام . الأول : أن يسقط شيخه ويرتقي إلى شيخه ، أو من فوقه فيسند عنه ذلك بلفظ لا يقتضي الاتصال صريحا ، بل بلفظ موهم له : كأن يقول : عن فلان ، أو قال فلان . الثاني : تدليس التسوية بأن يسقط ضعيفا بين ثقتين ، فيستوي الإسناد
____________________
(1/10)
ويصير كله ثقات ، وهو شر التدليس ، وكان بقية بن الوليد أكثر الناس تدليسا بهذا النوع . الثالث : تدليس الشيوخ بأن يسمي شيخه الذي سمع منه بغير اسمه المعروف ، أو ينسبه أو يصفه بما لم يشتهر به . ( الحديث الغريب ) : ما انفرد فيه راو بروايته ، أو برواية زيادة فيه ، عمن يجمع حديثه وينقسم إلى غريب صحيح كالأفراد المخرجة في الصحيحين . وإلى غريب ضعيف : وهو الغالب على الغرائب . وإلى غريب حسن ، وفي جامع الترمذي منه كثير . ( الحديث الشاذ ) : ما خالف الراوي الثقة فيه جماعة الثقات بزيادة أو نقص . ( الحديث المنكر ) : الذي لا يعرف متنه من غير جهة راويه ، فلا متابع له ولا شاهد . ( الحديث المضطرب ) : ما روي على أوجه مختلفة متدافعة على التساوي في الاختلاف من راو واحد . ( الحديث الموضوع ) : الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويسمى المختلق . وتحرم روايته مع العلم إلا للبيان ، والله سبحانه وتعالى أعلم اه من كتاب أسنى المطالب .
____________________
(1/11)
( الباب الأول في تعريف السنة والبدعة وتقسيمها ) السنة : لغة الطريقة والسيرة السرة ، حميدة كانت أو ذميمة ، والجمع سنن مثل غرفة وغرف . وشرعا هي ما بين به النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كتاب الله تعالى بالفعل ، فهي طريقته المتبعة في بيان هذا الدين التي جرى عليها أصحابه قولا وفعلا وتقريراً وتركا ، وتنقسم إلى واجبة : كصلاة الجنازة والعيدين ، ومؤكدة كصلاة الوتر عند دخول المسجد والكسوفين والركعتين اللتين أمر بهما سليك الغطفاني والرواتب : كمقبل الظهر وبعدها : وبعد المغرب والعشاء وقبل الفجر ، والمندوبة : كالضجعة بعد ركعتي الفجر . وكصلاة الضحى والتراويح ، وبين الأذان والإقامة والمواظبة على ذكر الله تعالى ، وكصيام التطوع أكثر شعبان وست من شوال ، ويوم عرفة ، وتاسوعاء ، وعاشوراء ، والأيام البيض من كل شهر ، والإثنين والخميس من كل أسبوع وهلم جرا ، وسنة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في المأمورات أن نأتي منها ما استطعنا ، وفي المنهيات اجتنابها كلياً ، كما ثبت في الصحيحين أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ' . ( والبدعة ) : هي الحديث في الدين بعد الإكمال ، وما استحدث بعد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] من الأهواء والأعمال . والجمع بدع ، كعنب كذا في القاموس ، وقيل : هي ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وجعل ديناً قويماً وسراطاً مستقيماً . وتنقسم البدعة إلى دينية ودنيوية : فكل بدعة في الدين ضلالة ، كما نص عليه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه ، فلا يمكننا أن نغير ولا نحرف ولا نؤول ما قال فيه الرسول : إنه ضلالة وفي النار ، إلى أنه مستحسن ، لكنا نقول :
____________________
(1/15)
قد تكون البدعة الضلالة كفراً صراحا ، وقد تكون من كبائر المحرمات . وقد تكون من صغائرها ، ولهذا نقول : إن البدعة الدينية تنقسم إلى أقسام أربعة . ( القسم الأول ) : البدعة المكفرة ، وهي كدعاء غير الله من الأنبياء والصالحين ، والاستغاثة بهم ، وطلب تفريج الكربات ، وقضاء الحاجات منهم ، وهذه أعظم بدعة كيد بها الإسلام وأهله ، وقد فشت هذه الرزية في المسلمين حتى قل أن يسلم منها عالم ، فضلا عن عامي وجاهل إلا من عصمة الله . ولهذا ترى كثيراً ممن ينتسبون للعلم يؤلفون في ذلك النظم والنثر ، فمن ذلك قول بعضهم : ( يا سادتي من أمكم لرغبة فيكم جبر ** ومن تكونوا ناصريه ينتصر ) ومنه : ( يا كعبة الأسرار أنت غياثنا ** يا كاشف الكربات يا شيخ العرب ) ومنه : ( عساكي أن تكوني لي مغيثة ** أجيبي لي دعائي يا أنيسة ) ( وكيف أضام إذ أنت الرئيسة ** وصاحبة المواهب يا نفيسة ) وكذا قولهم : العارف لا يعرف ، والشكوى لأهل البصير عيب ، مدد يا سيدي فلان ، نظرة إلينا بعين الرضا ، راعني أنا محسوبك ، وكذا قولهم : ملعون ابن ملعون من كان في شدة أو في ضيق ولم يقل يا ست أو يا سيد ، وهذا هو عين الشرك الأكبر . ( القسم الثاني ) : البدعة المحرمة ، وهي كالتوسل إلى الله بالأموات ، وطلب الدعاء منهم ، وكذا اتخاذ القبور مساجد والصلاة إليها . وإيقاد السرج عليها ونذر الشموع والذبائح لها ، والطواف بها ، واستلامها ، وقد عدها ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر : من الكبائر ، فهي بدعة ضلالة ، لكنها دون التي قبلها . ( القسم الثالث ) : البدعة المكروهة تحريما وهي كصلاتهم فريضة الظهر
____________________
(1/16)
بعد الجمعة ، فإن هذا شرع لم يأذن به الله ولا رسوله ، وكقراءة القرآن بالأجرة ، وكالسبحة ، والعتاقة ، والختمة التي يعملونها عن الميت ، وكالاحتفال بدعاء ليلة النصف من شعبان ، وبليلة مولد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، وكرفع الصوت بالصلات والتسليم عقب التأذين ، وكالصلاة التي يصلونها في أواخر رمضان لتكفير الفوائت من صلوات العام الماضي ، وكالجهر بقراءة سورة الكهف في المساجد إذ السنة الإسرار بها وأمثال ذلك . وهذه أيضا بدع ضلالات كما قال المعصوم [ صلى الله عليه وسلم ] لكنها دون اللتين قبلها . ( القسم الرابع ) : البدعة المكروهة تنزيهاً ، وهي كالمصافحة في أدبار الصلوات ، وكذا تعليق الستائر على المنابر ، وكدعاء عاشوراء ودعاء أول السنة وآخرها ، والله أعلم . وقد ذهب كثير من محققي العلماء إلى أن كل بدعة في الدين صغيرة كانت أو كبيرة ، فهي محرمة ، واستدلوا لذلك بالأحاديث التي جاءت في ذم البدع بصيغ العموم كحديث : ' فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وحديث : ' من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ' ، وحديث : ' من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ' ، وهذا موافق لما ذكرناه ، لأن المحرمات ليست كلها كبائر ولا صغائر ، بل منها ما يخرج صاحبه من الدين والعياذ بالله ، ومنها ما هو من الكبائر ، ومنها ما هو من الصغائر ، ومنها ما هو دون ذلك ، والله سبحانه قال : ( كل شيء عنده بمقدار ) ، وقال تعالى : ! ( ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) ! ، وقال تعالى : ! ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) ! والله تعالى أعلم . وتقسيم بعض متأخري الفقهاء البدعة إلى خمسة أقسام خطأ وظن : ! ( وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) ! بل هذا منهم مشاقة ومحادة للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] القائل : ' وكل بدعة ضلالة ، فلهم نصيب من الوعيد المذكور في آية ! ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم ) ! .
____________________
(1/17)
أما البدعة في المصالح والمنافع الدنيوية المعاشية ، فلا حرج ما دامت نافعة غير ضارة ، ولا جارة إلى شر يعود على الناس ، ولا ارتكاب محرم ، أو هدم أصل من أصول الدين ، فالله سبحانه يبيح لعباده أن يخترعوا لمصالح دنياهم وأمور معاشهم ما شاءوا ، وقد قال تعالى : ! ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) ! ( وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) وقال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ' ، الحديث رواه مسلم وغيره ، فإن لم يحمل هذا الحديث على المصالح الكونية كان معناه أن يخترع كل ضال زنديق في دين الإسلام ما شاء ، فيزيد في ركعات الصلاة وسجداتها وينقص منها ما شاء ، ويخترع أذكاراً وأدعية وعبادات وصلوات وصياماً غير ما نحن عليه ، وهذا بعينه هو إفساد الدين ، وإضلال المسلمين ، وهل يتفق هذا مع قوله [ صلى الله عليه وسلم ] . ' وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ' ، وقوله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ' وقول ابن عباس في قوله تعالى : ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) قال : تبيض وجوه أهل السنة ، وتسود وجوه أهل البدعة ؟ . هذا وعلى الذي قلنا ينطبق قول الشافعي ، رحمه الله ، البدعة بدعتان ، بدعة محمودة ، وبدعة مذمومة ، فما وافق السنة فهو محمود ، وما خالف السنة فهو مذموم . ( وقول ) بعض متأخري الفقهاء . إن من ترك سنة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، يعاتبه النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يوم القيامة بقوله : ' يا فلان لم تركت سنتي ؟ ' ، فعند ذلك يتساقط وجه المعاتب - قول على الله بغير علم - ووقوع مثل هذا في كتب ودروس كثير من أرباب العمائم عجيب وغريب ، وما أدري ما الذي أعماهم عن قوله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ومن رغب عن سنتي فليس مني ' رواه البخاري ، وقوله : ' سبعة لعنتهم - وفيه التارك لسنتي ' رواه الطبراني وحسنه صاحب الجامع الصغير وشارحه ، ما أصمهم وأعمى قلوبهم وأبصارهم عن خير الهدى هديه [ صلى الله عليه وسلم ] إلا إعراضهم عن الكتاب والسنة !
____________________
(1/18)
( الباب الثاني في جواز البول من قيام وبيان قبح استنكار الناس لذلك جهلا ) عن حذيفة قال : ' كنت مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً فتنحيت ، فقال : ادنه . فدنوت حتى قمت عند عقبيه . فتوضأ فمسح على خفيه ' رواه أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي . والنسائي ، وابن ماجه . أما ما رواه ابن ماجه : ' نهى عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يبول الرجل قائماً ' ففيه عدي بن الفضل ، وهو متروك . وأما رواية عائشة ، رضي الله عنها قالت : ' من حدثكم أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بال قائما ، فلا تصدقوه ما كان يبول إلا جالساً ' فرواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وهي ضعيفة ، وهذا محمول على ما وقع منه في البيوت . وأما في غير البيوت ، فلم تطلع هي عليه ، وقد حفظه حذيفة . والقاعدة أن كل ما ورد في النهي عن البول من قيام ، فهو ضعيف ، كحديث عمر : ' رآني النبي [ صلى الله عليه وسلم ] . وأنا أبول قائما ، فقال : يا عمر لا تبل قائما ، فما بلت قائما بعد ' ، وهذا فيه ابن أبي المخارق ، وهو ضعيف . وكحديث ابن عمر : ' ما بلت قائما منذ أسلمت ' وهو ضعيف أيضاً . وكذا حديث ' ثلاث من الجفاء : أن يبول الرجل قائما ، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته ، أو ينفخ في سجوده ' . وقد ثبت البول من قيام عن عمر ، وزيد بن ثابت ، وابن عمر ، وسهل
____________________
(1/19)
ابن سعد ، وأنس وعلي ، وأبي هريرة رضي الله عنهم ؛ وكذا ابن سيرين ، وعروة ابن الزبير ، وقال ابن المنذر : البول جالساً أحب إليَّ . وقائما مباح ، وكله ثابت عن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ، وقد حكى الخطابي ، والبيهقي وغيرهما عن الشافعي : أن العرب كانت تستشفى لوجع الصلب بالبول قائما . ( فصل ) فمن الغباوة والجهالة ، إنكار كثير من الناس على من يبول قائما ، ويرمونه مرة بأنه يبول كاليهود ، ومرة يقولون : إنه يرفع رجله ويبول كالكلب ، ويحتقرونه وينتقصونه بعد ذلك ، مع أنه على الحق وهم على الباطل وهو على سنة ، وهم على جهالة وبدعة . نعم ، يجب على البائل من قيام أن يستر عورته عن أعين الناس ، وأن يختار مكاناً رخواً ، لئلا يصيبه الرشاش ' وأن لا يستقبل القبلة ، وأن لا يقابل الريح ' فإن فعل ذلك وأفهم هؤلاء وأصروا على الإنكار عليه . فليبل عليهم . ومن غريب ما يقع : أن بعض الناس يذهبون بأبنائهم الصغار الذين يجدون منهم نشاطاً إلى مراحيض بعض المقبورين المشايخ من الأموات ، فيسقونهم من دورة المياه ، ومن حياض المراحيض راجين لأبنائهم بذلك الهداية وحصول بركة المقبور . ( الباب الثالث في بعض سنن الاستنجاء والاستجمار وبدعهما ) السنة لقاضي الحاجة أن يقول ؟ ؟ دخوله ما صح عنه [ صلى الله عليه وسلم ] أنه كان يقوله إذا دخل الخلاء : ' اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث '
____________________
(1/20)
رواه الشيخان ، وأصحاب السنن ، ثم يدخل بشماله ، وعند الخروج يخرج بيمينه ، ويقول ما جاء عنه [ صلى الله عليه وسلم ] : ' الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ' روى النسائي ، وابن ماجه . وفي رواية لأحمد ، وأصحاب السنن : ' أنه [ صلى الله عليه وسلم ] ، كان إذا خرج من الغائط قال : غفرانك ، قال الترمذي : هذا حديث غريب ، أما زيادة : ولا عذابك بعد قولهم غفرانك ، فزيادة في الدين ، وجهل وبدعة ينبغي تركها . وصح فعل النبي [ صلى الله عليه وسلم ] للاستجمار بالأحجار ، كما صح استنجاؤه بالماء ، ففي البخاري عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : ' أتى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] الغائط ، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار ، فوجدت حجرين ، والتمست الثالث فلم أجده ، فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال : هذا ركس ' زاد أحمد ، والدارقطني : ' ائتني بغيرها ' وفي البخاري أيضا عنه [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ومن استجمر فليوتر ' وفي مسلم عن سلمان : لقد نهانا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن نستقبل القبلة بغائط أو بول . أو أن نستنجي باليمين . أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار . أو أن نستنجي برجيع أو عظم ، فالإستجمار ثابت في الصحاح . والسنن . والمسند . والموطأ وغيرهم . وفي أقوال أئمة المذاهب الأربعة . وجميع الطوائف من أهل الإسلام . وقد قال الترمذي وغيره : حديث سلمان . حديث صحيح . وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ومن بعدهم . رأوا أن الاستنجاء بالحجارة يجزئ وإن لم يستنج بالماء ، إذا أنقى أثر الغائط والبول . أه .
____________________
(1/21)
إذا فهمت هذا فاعلم أن من الجهل والبدعة اعتقاد أن صلاة المتسجمر بالأحجار مع وجود الماء باطلة ، وقد سرى هذا الاعتقاد الفاسد إلى كثير من أهل العلم ، فينبغي الإقلاع عنه ، ومن قال : إن الاستجمار لا يجوز إلا عند فقد الماء يستتاب ، فإن تاب وإلا عذر ؛ ونقل عن مالك أنه أنكر استنجاء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بالماء والأحاديث قد أثبتت ذلك . فلا سماع لإنكار مالك ، ا هـ. ممن سبل السلام . وقد ضيق بعض الموسوسين من المتعالين في ذلك تضييقاً شديداً ، حتى زعم بعضهم أن المصلي إذا وضع يده على مصل بجواره مستجمر بالأحجار بطلت صلاته ، لأنه وضعها على متلبس بالنجاسة بزعمه البارد الفاسد ، المخالف لقول وفعل المشرع المعصوم [ صلى الله عليه وسلم ] وصحابته . وحديث : ' من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني ومن أحدث وتوضأ ولم يركع فقد جفاني . ومن أحدث وتوضأ وركع ودعاني فلم أجبه فقد جفوته ، ولست برب جاف ، مكذوب مفترى على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كما قاله العلامة الصنعاني في رسالته . ولم يكن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يصنع شيئاُ مما يصنعه المبتلون بالوسواس من السلت ونتر الذكر ، والنحنحة والقفز ومسك الحبل وطلوع الدرجة وحشو القطن في نخس الإحليل وصب الماء فيه وتفقده الفينة بعد الفينة والوجور ، وكل ذلك من بدع أهل الوسواس ومن كيد الشيطان . ( الباب الرابع في ذكر بعض سنن الحيض وخرافات النساء فيه ) وطء الحائض في فرجها حرام . لقوله تعالى : ! ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) ! ، ولقوله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' اصنعوا كل
____________________
(1/22)
شيء إلا الجماع ' ، رواه الجماعة . وروى البخاري في تاريخه عن مسروق قال : ' سألت عائشة رضي الله عنها ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً ؟ قالت : كل شيء إلا الفرج ' ، وقد عدها ابن حجر من الكبائر في كتابه الزواجر . ( فصل في كفارة من أتى حائضا . وبيان أنها لا تصوم ولا تصلي وأنها تقضي الصوم دون الصلاة ) عن ابن عباس عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] في الذي يأتي امرأته وهي حائض : ' يتصدق بدينار أو بنصف دينار ' ، رواه الخمسة ، واختلف في رفعه ووقفه ، وقال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' تمكث الليالي ما تصلي ، وتفطر في شهر رمضان ، فهذا نقصان دينها ' ، ورواه مسلم وعن معاذة قالت : ' سألت عائشة فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت : كان يصيبنا ذلك مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فنؤمر بقضاء الصوم . ولا نؤمر بقضاء الصلاة ' رواه الجماعة . فصل في جهالات وخرافات النساء في الحيض فمن ذلك : صيامهن رمضان ' وهن حيض . مع تركهن للصلاة وقبيل الإفطار يأخذن جرعة ماء . وهذا منهن حرام ، وتركهن للصلاة كفر . ومن ذلك أنهن يأمرن المراهقات منهن عند أول حيضة باحتضان نخلة أو زير لتسمن ، ويتضخم لحمها ، وهي خرافة حقيرة . ومن ذلك : اعتقاد كثير من الناس أن الحائض إذا مرت في مزارع الباذنجان أحرقتها . وهذا جهل فاضح وكلام فارغ سمج . ومن ذلك : اعتقادهن أن الحائض إذا دخلت على من بعينه رمد لا بد من ذهاب بصره ، وهو اعتقاد باطل أيضا .
____________________
(1/23)
الباب الخامس في مدة النفاس . وسقوط الصلاة عن النفساء عن أم سلمة قالت : ' كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أربعين يوماً ، وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف ' ، رواه الخمسة إلا النسائي ، وعنها قالت ' كانت المرأة من نساء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بقضاء صلاة النفاس ' رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه . فيتلخص أن مدة النفاس أربعون يوماً ، ولا صلاة على النفساء إلا الأربعين إلا إذا انقطع الدم ، ولا إعادة عليها ، لا في أيام حيضها ، ولا في أيام نفاسها ، بخلاف الصوم فعليها بإعادته فيهما ، ولا بد من ذلك ، لأنه لم يتكرر يوميا فتحصل بإعادته المشقة شهريا . وإنما مشقة إعادة الصوم مرة سنويا . فصل في خرافات النساء وبدعهن أيام النفاس ما يكتب لعسر الولادة ، ويعلق أو يمحى ويشرب ، أو يرش على بطن المرأة كالفوائد التي في مثل كتاب الرحمة في الطب والحكمة وتسهيل المنافع . وشمس المعارف وغيره يجب أن يعلم أنه باطل كله ، بل وكله شرك ، ولا يجوز العمل به ؛ وما يروى في ذلك من الأحاديث فكله واه أو موضوع والعمل به ضار على العقول والمعتقدات والأرواح والأخلاق . ثم إن ولدت الحامل ولدا فليلتها بيضاء ، الكل يستبشر ؛ ويبرك لها .
____________________
(1/24)
ويفرح ، ويهنيها ، ويعطيها . ويزغردن لها ويصفقن ويرقصن . وقد يخلع البعض عمائمهم ويتحزمون بها ويرقصون لها ، وإن ولدت بنتا فيا سوء حظها . ويا شدة بلائها وغمها وحزنها ، فكم تسمع هذه المسكينة من ألفاظ وقحة بذيئة . من حماتها وأقارب زوجها ، كأنها ارتكبت شر جريمة . ولهذا لا ينفقون عليها بعض النفقات الواجبة . والكل يتمنى للمولود الموت . ولا سيما إذا كان لها أخت أو أختان . والغارة الكبرى تكون عند مجيء زوجها آخر النهار . فعندما يعلم بالحادث يطلقها ثلاثا . أو يحلف بالطلاق ليتزوجن عليها . فإليك يا أرحم الراحمين نبرأ من هؤلاء الذين ( إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً فهو كظيم ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون ؟ أم يدسه في التراب . ألا ساء ما يحكمون ) وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال : ' ومن ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار ' رواه البخاري ومسلم ، وفي لفظ ' من ابتلى بشيء من هذه البنات فصبر عليهن كن له حجابا من النار ' وقال [ صلى الله عليه وسلم ] أيضاً : ' من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو - وضم أصابعه ' رواه مسلم . ولفظ الترمذي : ' من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كهاتين . وأشار بإصبعيه السبابة والتي تليها ' اللهم وفق علماءنا لتبليغ هذا النور للأمة التي هم سبب جهلها وبلائها وسقوطها . ومن هذه الخرافات : أنهن يوجبن الضحك على من ترمي المشيمة التي يسمينها ( الخلاص ) هذا وإلا عاش المولود كاشراً عابساً . والأفضل عندهن إلقاؤه في ماء جار . وهو الجهل الفاضح . ومنها : إيقادهن الشموع ليلة سبوع المولود إلى الصباح ، وإلباسهن الإبريق حلى الذهب ، وطبخهن الأرز باللبن ، ورش الدايه للحبوب المخلوطة
____________________
(1/25)
مع ذكرها لألفاظ تشبه رقية عاشوراء ، التي يقلن فيها : الكتكوت يأكل يطأ يموت ، والعرسة تأكل وتنسى . ( ومنها ) : أنهن يشحذن نقوداً للمولود من سبعة أشخاص . كلهم اسمه محمد ليعيش ، وهذا حرام واعتقاد فاسد . ( ومنها ) : أنهن يسمينه إسما قبيحاً ليعيش . كفلفل ، وجعلص ، وترش ، وخيبة ، وجحش ، وبتلو ، أو يسمينه باسم شيخ من مقدسيهم ليكون من محاسيبه . وقد يهبنه خادم لشيخ من هؤلاء أيضاً فيعيش سادنا شحاذاً على قبر ذلك الميت ، وكل هذا حرام ومخالف لشرائع الإسلام ، بل هدم لأركان هذا الدين القويم . والمطلوب شرعاً أن نؤذن الأذان الشرعي في أذنه اليمنى ونقيم الصلاة في أذنه اليسرى عند ولادته ، وأن نسميه إسما حسنا ، ونعق عنه يوم سابعه ، والعقيقية ذبح شاتين للذكر . وشاة للأنثى ، وإطعام الفقراء والمساكين منها . ( ومن أباطيلهن ) تعليق الحجب للأطفال ، وتعليق الصلبان عليهم ، وذهابهن إلى القسيسين والرهبان لذلك . وهذا من الكبائر ، والكفر الصريح ، وفي الحديث : ' من تعلق شيئا وكل إليه ' و ' من علق فقد أشرك ' . ( ومن الجهالة الفاضحة ) اعتقادهن أن النفساء إذا دخل عليها حالق رأسه أو لحيته ، أو من يحمل لحماً ، أو بلحاً أحمر أو باذنجانا ، أو من أتى من الجنابة فإنها ( تشاهر بذلك ) أي لا ينزل لبنها لولدها . وتتأخر عن مواعيد الحمل ولا تفك هذه المشاهرة إلا إذا جرحت نفسها - أي المرأة التي دخلت عليها - فتلتقط دمها في قطعة من القطن ؛ ثم تأمرها فتبول القطنة ؛ ثم تضعها بعد ذلك في قُبلها ، ولا تهدأ ثورتها إلا بذلك . ولا شك أن هذا الاعتقاد الفاسد : هو من عوامل سقوط الأمم والشعوب ، لأن النساء اللاتي شأنهن ذلك لا يستطعن تربية أبناء صالحين للكفاح والنضال عن الدين والدنيا :
____________________
(1/26)
( وأفضح من هذه الجهالة ) : أن المرأة إذا مات ولدها ودفن ، وتعوقت عن الحمل . تذهب إلى المقبرة فتنبش عليه قبره معتقدة أن تعويقها عن الحمل لم يكن إلا بسبب انقلابه على وجهه في التربة . فتعدله وتتخطاه سبعا . وتخرج مطمئنة بأنها ستحمل قريباً عندما يأتيها العِجْل . والمعوقة منهن أيضاً : إذا عثرت على قتيل حطمه القطار أو الترام - هرعت إليه مسرعة فتتخطاه سبع مرات لتحمل . ومنهن من تنقل إلى بيتها ذراع كافر لتتخطاه إن احتاجت إليه ، وتتصدق به على المعوقات من النساء ، فهل موت لهؤلاء يباع فأشتريه ؟ وإنما الواجب عليهن معالجة أرحامهن والالتجاء إلى الله بالدعاء كما قال نبي الله زكريا عليه السلام : ! ( رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا ) ! فقال الله له : ! ( يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ) ! الباب السادس في أذكار الوضوء المشروعة والممنوعة أخرج الإمام أحمد ، وأبو داود : وابن ماجه بإسناد لين أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ' وقد صح عنه [ صلى الله عليه وسلم ] أنه قال : ' من أسبغ الوضوء ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ' رواه مسلم ، وزاد الترمذي بعد التشهد : ' اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من
____________________
(1/27)
المتطهرين ' وزاد الإمام أحمد ' ثم رفع نظره إلى السماء ' وزاد ابن ماجه مع أحمد قول ذلك ثلاث مرات ، وذكر تقي ابن مخلد في مسنده عن أبي سعيد مرفوعاً ' من توضأ ففرغ من وضوئه ثم قال : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، طبع عليها بطابع ، ثم رفعت تحت العرش فلم يكسر إلى يوم القيامة ' وروى النسائي بإسناد صحيح من حديث أبي موسى الأشعري قال : ' أتيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بوضوء فتوضأ فسمعته يقول ويدعو : اللهم اغفر لي ذنبي ، ووسع في داري ، وبارك لي في رزقي فقلت يا نبي الله ، سمعتك تدعو بكذا وكذا فقال : وهل تركت من شيء ؟ ' وقال ابن السني باب ما يقول بين ظهراني وضوئه فذكره كذا في زاد المعاد . وليس من السنة بل من البدع قولهم : الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً والإسلام نوراً ، أو الحمد لله على هذا الماء الطاهر ، وكذا ( من البدع ) قولهم : نويت سنن الوضوء ، ونويت فرائض الوضوء ، فلا يستحب النطق بالنية لا في الوضوء ، ولا في الغسل ، ولا في إحرام الصلاة ، ولا في شيء من العبادات ، بلى محلها القلب ، وكذا من ( البدع ) قولهم على أعضاء الوضوء : اللهم بيض وجهي واعطني كتابي بيميني ، ولا تعطني كتابي بشمالي ، وحرم شعري وجسدي على النار ، واسمعني أذان بلال ، وثبت قدمي اليمين الخ فكل حديث في أذكار الوضوء فكذب مختلق لم يقل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] شيئا منه ولا علمه أمته ، ولا ثبت عنه غير ما تقدم ، وكذا ( من البدع ) قولهم : ختمت وضوئي وشرحت ألبي بقولة لو إوه إلا الله الخ . ( وأذكار السواك ) لم يصح منها شيء قط . وما يفعله بعض الشافعية من مسح شعرة أو شعرات رأسه جهل بسنة الرسول لأنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان يمسح جميع رأسه في أكثر أحيانه ، فإن اقتصر على
____________________
(1/28)
البعض أكمل على العمامة ، وقال البخاري باب مسح الرأس كله ، ثم ساق صفة وضوئه [ صلى الله عليه وسلم ] ، وأنه أدخل يديه في الماء فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ، ومسح الرأس ثلاثا خلافا السنة الصحيحة . وتجديد الماء للأذنين خلاف السنة الصحيحة ، كذا في البخاري ، وقولهم : لا بد من نية الاغتراف قول على الله بغير دليل ، بل ' كان [ صلى الله عليه وسلم ] يغتسل هو وعائشة ويغترفان من إناء واحد وهما جنبان ' . والحكاية المشهورة على ألسنة كثير من الناس ، ويتشدق بها كثير من المتعالمين في دروسهم ، وهي أن الصحابة غزوا غزوة ، فنال الكفار منهم ، فتساءلوا عما هجروه من سنن المصطفى [ صلى الله عليه وسلم ] فتذكروا السواك ، فاستاكوا بالجريدة فرآهم العدو فولوا الأدبار خوفا منهم ، وقالوا إنهم يسنون أسنانهم أي يحدونها ليأكلونا . لا أصل لها وإن تعجب فاعجب من ذكر المتعالمين لهذه الترهات ونشرها على الناس في المحافل والدروس مع أنها باطلة . وقولهم : إن على المتوضئ خيمة من نور فإذا تكلم رفعت عنه ؛ كلام باطل وليس من الحق في شي . ومن العجيب والغريب أن الشيخ خطابا السبكي يثبت هذه الجهالات في ديوان خطبه . فصل في أحاديث باطلة في التسمية والسواك وأذكار الوضوء حديث : يا أبا هريرة إذا توضأت فقل : بسم الله والحمد لله ، فإن حفظتك لا تستريح تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء ' منكر . حديث : ' يا أنس ، ادن مني أعلمك مقادير الوضوء ، فدنوت ، فلما غسل يديه قال : بسم الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فلما استنجى قال : اللهم
____________________
(1/29)
حصن فرجي ، ويسر لي أمري ؛ فلما توضأ واستنشق قال : اللهم لقني حجتي ولا تحرمني رائحة الجنة . فلما غسل وجهه قال : اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه ؛ فلما أن غسل ذراعيه قال : اللهم أعطني كتابي بيميني . فلما أن مسح يده على رأسه قال : اللهم أغثنا برحمتك وجنبنا عذابك . فلما أن غسل قديمه قال : اللهم ثبت قدمي يوم تزل فيه الأقدام . ثم قال : والذي بعثني بالحق يا أنس ما من عبد قالها عند وضوئه لم تقطر من خلل أصابعه قطرة إلا خلق الله تعالى ملكا يسبح الله بسبعين لساناً ، يكون ثواب ذلك التسبيح له إلى يوم القيامة ، فيه عبادة بن صهيب منهم وقال البخاري والنسائي . متروك . ومن العجب أن ينص النووي على بطلانه وأنه لا أصل له . ثم يستحسن هذا الذكر في كتابه الأذكار . حديث : ' لا تتوضؤا في الكنيف ' الخ موضوع . حديث : كان [ صلى الله عليه وسلم ] إذا استاك قال : ' اللهم اجعل سواكي رضاك عني ' موضوع . حديث : صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك ' قال ابن معين : باطل . حديث : ' الوضوء على الوضوء نور على نور ' قال العراقي : لم أجده . حديث : ' خللوا أصابعكم لا يتخللها النار يوم القيامة ' سنده واه . حديث : ' من قرأ إنا أنزلناه في أثر وضوئه مرة واحدة كان من الصديقين ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء ، ومن قرأها ثلاثا حشره الله مع الأنبياء ' ، رواه الديلمي . وقال السيوطي : في سند أبو عبيدة مجهول ؛ وقال الشيباني : لا أصل له ، وقراءة ( ألم نشرح ) عقب الوضوء لا أصل لها .
____________________
(1/30)
الباب السابع في كيفية الغسل وما ابتدع فيه جاء في الصحيحين أنه [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ( كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ ، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر ، ثم حفن على رأسه ثلاث حفنات ثم أفاض على سائر جسده ، ثم غسل رجليه ' وروى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إني امرأة أشد شعر رأسي ، أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ وفي رواية والحيضة ؟ قال لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ' وفي الصحيحين عن عائشة قالت : ' كنت أغتسل أنا ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة ' زاد ابن حبان ' وتلتقي أيدينا ' . ثم النية واجبة ومحلها القلب ، فلا يشرع قول : نويت رفع الحدثين الأكبر والأصغر ، إذ هو بدعة - واعتقاد تحتم - نية الاغتراف لا أصل له بل هو بدعة ، - وظنهم - أن ماء غسل الجنابة نجس خطأ وجهل ، والحق أنه لا ينجس إلا إذا بال المغتسل فيه - ومن الجهل - ظنهم أن الجنب إذا عمل في زراعته أو صناعته أو تجارته ، يحصل له أو لغيره خطر أو ضرر ولابد ، ولذا ترى كثيراً ممن يعتقدون هذا يفوهون بهذا الكلام لبعضهم كثيراً ، وهذا جهل فاحش - وكذا اعتقادهم - أن على الجنب بكل خطوة لعنة ، وأنه إذا دخل على المرمود عميت عينه ، ولم يرج له شفاء ، وأن الجنب يمنع من حلق شعره ، وتقليم أظافره ، ومن الحجامة ، وكله باطل لما رواه البخاري عن أنس قال : ' كان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل أو النهار ، وهن إحدى عشرة ' . وكذا من الأباطيل اعتقاد النساء أن المرأة الجنب إن باشرت عجن العجين فسد بسبب جنابتها ، وأن البركة تضيع من كل شيء تضع يدها فيه .
____________________
(1/31)
قال البخاري ( باب ) الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره ، وقال عطاء : يحتجم الجنب ويقلم أظافره ، ويحلق رأسه ، وإن لم يتوضأ ، ثم ساق عن أبي هريرة أنه قال : ' لقيني رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأنا جنب فأخذ بيدي فمشيت معه حتى قعدنا فانسللت فأتيت الرحل فاغتسلت ، ثم جئت وهو قاعد فقال : أين كنت يا أبا هريرة ؟ فقلت له ، فقال : سبحان الله ! يا أبا هريرة إن المؤمن لا ينجس ' وفي البخاري عن أبي سلمة قال : ' سألت عائشة أكان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يرقد وهو جنب ؟ قالت : نعم ويتوضأ ' وقال البخاري ( باب ) الصائم يصبح جنباً ، ثم ساق بالسند ' أن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أخبرتا أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ، ثم يغتسل ويصوم ' فاتركوا الخرافات والبدع واتبعوا هدى نبيكم . الباب الثامن فيما صح وما لم يصح في كيفية التيمم روى البخاري ومسلم واللفظ له عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : ' بعثني النبي [ صلى الله عليه وسلم ] في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء ، فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة . ثم أتيت النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فذكرت له ذلك فقال : إنما كان يكفيك أن تقول هكذا . ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه - وزاد البخاري - وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما ، ثم مسح بهما وجهه وكفيه ' . فصل أما حديث ' التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين ' فقد رواه الدارقطني ، وصحح الأئمة وقفه ، وضعفه شارح الجامع الصغير وقال
____________________
(1/32)
شارح المنتقى : قال الحافظ : هو ضعيف ضعفه ابن القطان وابن معين و واحد . وقال ابن عبد البر : أكثر الآثار المرفوعة عن عمار ضربة واحدة وما روى عنه عنه من ضربتين فكلها مضطربة . وكذا حديث ابن عمر ' تيممنا مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وضربنا بأيدينا على الصعيد الطيب ، ثم مسحنا أيدينا فمسحنا وجوهنا ثم ضربنا ضربة فمسحنا من المرافق إلى الكف ' قال الشارح المنتقى : وفيه سليمان بن أرقم وهو متروك قال : وروى أيضاً عن ابن عمر مرفوعا من وجه آخر بلفظ حديث ابن ظبيان : ' التيمم ضربتان ' قال أبو زرعة : حديث باطل . فصل وكذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ' من السنة أن لا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة ، ثم يتيمم للصلاة الأخرى ' رواه الدارقطني بإسناد ضعيف جداً ، لأنه من رواية الحسن بن عمارة ، وهو ضعيف جداً ، وبهذا الحديث الأوهى من بيت العنكبوت تمسك جل الفقهاء المتأخرين وتركوا الحديث الصحيح الذي يلائم الملة الحنيفة السمحة في تخفيفها وسهولتها على معتنقيها لا سيما أهل الأمراض والضرورات منهم فإنا لله . قال ابن القيم في زاد المعاد : ولم يصح عنه أنه تيمم بضربتين ولا إلا المرفقين ، قال الإمام أحمد : من قال : إن التيمم إلى المرفقين فإنما هو شيء زاده من عنده ، وقال : وأما ما ذكر في صفة التيمم من وضع أصابع بطون يده اليسرى على ظهور اليمنى ، ثم إمرارها إلى المرفق ، ثم إدارة بطن كفه على بطن الذراع وإقامة إبهامه اليسرى كالمؤذن إلى أن يصل إلى إبهامه اليمنى ، فيطبقها عليها . فهذا مما يعلم قطعا أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] لم يفعله ، ولا علمه أحداً من أصحابه ، ولا أمر به ولا استحسنه . وهذا هديه إليه التحاكم ، وكذا لم يصح عنه التيمم لكل صلاة ولا أمر به بل أطلق وجعله قائما مقام الوضوء . ا هـ. فاعلموا واعملوا على ذلك يا قراء الحواشي .
____________________
(1/33)
فصل ولم يصح في المسح على الجبائر حديث : ولو أن كل الفقهاء يذكرونه في كتبهم ؛ بل حديث علي رضي الله عنه : ' انكسرت إحدى زندي ، فسألت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأمرني أن أمسح عن الجبائر ' رواه ابن ماجه بسند واه جداً من رواية عمرو بن خالد ، وهو كذاب . تعلم : روى عن جابر ، رضي الله عنه قال : ' خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ، ثم احتلم ، فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات . فلما قدمنا على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أخبر بذلك ، فقال : قتلوه ؛ قتلهم الله ، ألا سألوا إذ لم يعلموا ، فإنما شفاء العي السؤال . إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ، ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده ' رواه أبو داود والدارقطني وابن ماجه ، وصححه ابن السكن . وهو على ما فيه من أقوال كثيرة تدل على ضعفه ، يدل على جواز المسح على الجبائر . الباب التاسع في المسح على الموقين والجوربين والنعلين عن بلال قال : رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يمسح على المرقين والخمار ' رواه أحمد . ولأبي داود : كان [ صلى الله عليه وسلم ] يخرج يقضي حاجته : فنأتيه بالماء ، فيتوضأ ويمسح على عمامته وموقيه ' .
____________________
(1/34)
وعن المغيرة بن شعبة : أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] توضأ ومسح على الجوربين والنعلين ' رواه الخمسة إلا النسائي . قال أبو داود : ' ومسح على الجوربين : علي بن أبي طالب ، وابن مسعود والبراء ، وأنس ، وأبو أمامة ، وسهل بن سعد وعمرو بن حريث ، وروى ذلك عن عمر وابن عباس وأبي موسى الأشعري ' . الشرط لذلك التوقيت وتشترط الطهارة قبل اللبس ، كما روى عن المغيرة بن شعبة قال ' كنت مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ذات ليلة في مسير فأفرغت عليه من الأداوة فغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح برأسه . ثم أهويت لانتزاع خفيه ، فقال : دعهما ، فإني أدخلتهما طاهرتين . فمسح عليهما ' متفق عليه . ولأبي داود ' دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان . فمسح عليهما ' وفي رواية لأحمد وابن خزيمة عن صفوان بن عسال قال : ' أمرنا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثاً إذا سافرنا ، ويوما وليلة إذا أقمنا ، ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم ، ولا نخلعهما إلا من جنابة ، قال الخطابي : صحيح الإسناد . وفي رواية أحمد ومسلم ' للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ، وللمقيم يوم وليلة ' ويختص المسح بظهر الجورب والخف والنعل والموق ، كما قال علي رضي الله عنه : ' لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، لقد رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يمسح على ظاهر خفيه ' رواه أبو داود والدارقطني وإسناده حسن ، وعن المغيرة قال : ' رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يمسح على ظهور الخفين ) رواه أحمد وأبو داود .
____________________
(1/35)
الباب العاشر في فضل بناء المساجد وتنظيفها قال تعالى : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر . وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى ألئك أن يكونوا من المهتدين ) وروى البخاري ومسلم بسندهما عن عثمان رضي الله عنهم قال : سمعت رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يقول : ' من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة ' وفي رواية ' بنى الله له مثله في الجنة ' . فمن البدعة ، والرياء والسمعة . ما يفعله كثير من الناس من كتابة لوحة على باب المسجد ، فيها اسمه واسم أبيه وجده ، وأنه هو الذي عمر هذا المسجد . لأن في هذا رياء . والرياء من الشرك ، قال تعالى : ! ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) ! فصل وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ' أن امرأة سوداء كانت تقمُّ المسجد . ففقدها رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) فسأل عنها بعد أيام فقيل له : إنها ماتت فقال : هلا آذنتموني فأتى قبرها وصلى عليها ' وورد : ' إخراج القمامة من المساجد مهور الحور العين ' رواه الطبراني في الكبير . أما الحديث الذي ذكره صاحب المدخل وتبعه عليه الشيخ محمود خطاب السبكي ' جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم
____________________
(1/36)
ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم ، واتخذوا على أبوابها وجمروها في الجمع ' ففيه الحارث بن نبهان متفق على ضعفه . فصل في أذكار الذاهب إلى المسجد وروى مسلم في صحيحه أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' خرج إلى الصلاة وهو يقول : اللهم اجعل في قلبي نوراً ، وفي لساني نوراً ؛ واجعل في سمعي نوراً ، واجعل في بصري نوراً ، واجعل من خلفي نوراً ؛ ومن أمامي نوراً ، واجعل من فوقي نوراً . ومن تحتي نوراً : اللهم أعطني نوراً ، أما حديث : ' اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ' الخ فهو ضعيف أحد رواته الوازع بن نافع العقيلي وهو متفق على ضعفه ، وأنه منكر الحديث ، ومثله في كتاب ابن السني من رواية عطية العوفي ، وهو ضعيف أيضاً في الأذكار فينبغي العمل بالصحيح وترك ما اشتد ضعف رجاله . فصل ومن السنة أن يقول إذا دخل المسجد ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ؛ ثم ليقل : اللهم افتح لي أبواب رحتمك ؛ وإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك ' وفي كتاب ابن السني عن أنس قال : ' كان رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) إذا دخل المسجد قال : بسم الله اللهم صل على محمد ؛ وإذا خرج قال : بسم الله اللهم صل على محمد ' وهذه السنة قد تركت ، فلماذا لا يعمل بها من يعارضون أهل السنة في منعهم إياهم من التسليم بعد الأذان جهراً إن كانوا
____________________
(1/37)
؟ ؟ النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) حقيقة ؟ كلا إنهم لا يحبون السنة ، ولا العمل بها بل يحبون مشاغبة أهل الحق والسنة فتعساً لهم . فصل في بيان كبيرة هجر المساجد لقد هجر الناس المساجد وكرهوا دخول بيوت الله ؛ وأبغضوا الصلاة فيها واتخذوا المقاهي والحوانيت والدكاكين ' مواطن لجلوسهم وراحتهم ومسامراتهم وضياع أوقاتهم . وكما ينفقون في هذه الأماكن الوقت الطويل جداً فلا شك أنهم ينفقون أثناء هذه الجلسات أموالاً كثيرة جداً ؛ هم وأبناؤهم وأقاربهم في أشد الاحتياج إلى بعضها . لأنهم لا يربحون إلا التافه القليل مع العناد الشديد ؛ والإرهاق الطويل . فهم مخطئون ولا كلام . وأشد منهم خطأً وعيباً . المنتسبون للعلم والدين ؛ إلا أن الجرم أشد ؛ والذنب أشنع وأفحش . على من يزعمون أنهم محيوا السنة وناشروا لوائها ، ورافعوا رايتها وأعلامها ، ويفخرون على أهل الأرض جميعاً يرون الفضل لهم والسيادة على الناس كلهم ؛ باتباع القرآن والسنة . هذا على أن مواظبتهم طول عمرهم على أداء المكتوبات في محال عملهم أو في البيوت لا شك أنها بدعة منكرة ، وضلالة قبيحة . قال تعالى : ! ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ) ! . وعن ابن مسعود قال : ' من سره أن يلقى الله غداً مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن . فإن الله تعالى شرع لنبيكم ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) سنن الهدى . وإنهن من سنن الهدى . ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم . وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد . إلا كتب الله
____________________
(1/38)
له بكل خطوة يخطوها حسنة ؛ ويرفعه بها درجة ، ويحط عنه سيئة . ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق . ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام الصف ' رواه مسلم وأبو داود وفيه ' ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم ' . وقال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حزما من حطب ، ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم ' رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذي . وعن أبي هريرة قال : ' أتى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] رجل أعمى فقال : يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد . فسأل رسول الله أن يرخص له يصلي في بيته . فرخص له ، فلما ولى دعاه فقال : هل تسمع النداء ؟ قال : نعم . قال : فأجب ' رواه مسلم والنسائي . وعن أبي الشعثاء المحاربي قال : ' كنا قعوداً في المسجد فاذن المؤذن فقام رجل في المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد . فقال أبو هريرة : أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ، رواه مسلم وغيره . وفي الباب عن معاذ مرفوعاً : ' الجفاء كل الجفاء : والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي إلى الصلاة فلا يجيبه ' . وفي الباب أيضاً مرفوعا : بحسب المؤمن من الشقا . والخيبة أن يسمع المؤذن يثوب بالصلاة فلا يجيبه ' . فليتق الله من لا يصلون إلا في بيوتهم . وهؤلاء الذين لا يصلون إلا في محال أعمالهم .
____________________
(1/39)
فصل في تحريم دخول المساجد على من يأكل بصلا أو ثوما أو كراتا أو فجلا روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن مساجدنا ' . وعن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلين معنا ' رواه البخاري ومسلم ورواه الطبراني ولفظه قال ' إياكم وهاتين البقلتين المنتنتين أن تأكلوهما وتدخلوا مساجدنا ، فإن كنتم ولا بد آكليهما فاقتلوهما بالنار قتلا ' ، وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : ' من أكل بصلا أو ثوما فليعتزلنا ، أو فليعتزل مساجدنا ، وليقعد في بيته ' ورواية مسلم : ' من أكل البصل والثوم والكرات فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ' . وخطب عمر يوم الجمعة فقال : ' ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين : البصل والثوم ، ولقد رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد ، أمر به فأخرج إلى البقيع ، فمن أكلهما فليمتهما طبخا ' رواه مسلم والنسائي . تنبيهات ( الأول ) أن هذه الأحاديث الصحيحة ترد على أقوال الفقهاء ، إذ يقولون بكراهة أكل البصل ، أو الفجل والثوم والكرات في أيام الجمعات فقط لأجل الاجتماع بصلاة الجمعة ، وهذه الأحاديث تبطل ما قالوه ، وتثبت تحريم دخول المسجد على آكل شيئا مما هو مذكور في هذه الروايات مطلقا ودائما وأبداً ، من غير أي تقييد بجمعة ولا غير جمعة . ( الثاني ) : أن هذا الدخان الذي يدخنونه ، وينفقون على ثمنه كل يوم بل
____________________
(1/40)
كل ساعة الأموال الكثيرة الباهظة ، التي هم وعيالهم في أشد الاحتياج إلى بعضها . فهذا فوق أنه إسراف وسفه وطيش يعاقبون عليه أشد العقاب من الله - فلا شك أيضا أنه يستلزم منعهم من دخول المساجد لنتن روائح أفواههم التي هي أشد خبثا من روائح البصل والثوم والكرات ، ولكنا إذا قلنا لهم هذا كانت الحرب بيننا وبينهم عوانا صهيونية ، فنوصي هؤلاء بتنظيف أفواههم وتطييبها بالروائح الطيبة قبل الذهاب إلى المساجد . فصل ومن الأكاذيب التي يلوكها بعض الشيوخ في هذا الباب : - حديث : إذا أكلتم الفجل وأردتم ألا يوجد لها ريح فاذكروني عند أول قضمة ' موضوع . حديث : ' يا علي إذا تزودت فلا تنس البصل ' كذب بحت . حديث : ' عليكم بالبصل فإنه يطيب النطفة ، ويصلح الولد ' موضوع مختلق أيضاً ، كما في تذكرة الموضوعات للفتني . حديث : ' فضل الكرات على سائر البقول كفضل الخبز على الحبوب ' موضوع كما في كشف الخفا . فصل في إباحة المبيت في المسجد ، والرد على من منع ذلك قرأت وأنا صغير السن كتابا صغيراً اسمه ( وصايا النبي للإمام علي ) ومما قرأته فيه : النهي عن النوم في المساجد ، لأنه يذهب القوة ، أو يضر البدن ثم قرأت قريباً مثل هذا الكلام في ديوان خطب الشيخ محمود خطاب السبكي المسمى : ' هداية الأمة المحمدية ' ، ونص لفظ الشيخ بعد نهيه عن التشويش في المساجد هو : ( فإنه حرام لا يصدر إلا من إبليس اللعين استهواه - إلى أن
____________________
(1/41)
قال : - والنوم في المسجد والتكلم حال الوضوء بغير طاعة ، كما هو ديدن الجهلة أهل الإضاعة ، لا يليق حصوله ممن عرف ربه جل علاه ) ا هـنصه من ص 196 . ويرد هذا الكلام بل وينقضه ما ذكره البخاري في صحيحه فقال : ( باب نوم المرأة في المسجد ) ، ثم ساق السند إلى عائشة رضي الله عنها ' أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها ، فكانت معهم ، قالت : فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور ، قالت فوضعته أو وقع منها ، فمرت به حدياة فحسبته لحما فخطفته ، قالت فالتمسوه فلم يجدوه ، قالت فاتهموني به ، قالت : فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قبلها ، قالت : والله إني لقائمة معهم إذا مرت الحدياة فألقته ، قالت : فوقع بينهم ، قالت : فقلت هذا الذي اتهمتموني به زعمتم ، وأنا منه بريئة ، وهو ذا هو ، قالت : فجاءت إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأسلمت ، قالت عائشة : فكاء لها خباء في المسجد أو حفش قالت : فكانت تأتيني فتحدث عندي ، قالت : فلا تجلس عندي مجلساً إلا قالت : ( ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا ** ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني ) قالت عائشة : فقلت لها : ما شأنك لا تقعدين مقعداً إلا قلت هذا ؟ فحدثتني بهذا الحديث ' . وقال البخاري أيضا وغيره . ( باب نوم الرجال في المسجد ) وقال أبو قلابة عن أنس : ' قدم رهط من عكل على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فكانوا في .
____________________
(1/42)
الصفة ' ، وقال عبد الرحمن بن أبي بكر : كان أصحاب الصفة الفقراء ، وروى البخاري أيضاً عن نافع عن عبد الله : ' أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، وروى البخاري أيضاً عن سهل ابن سعد قال : ' جاء رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت ، قال : أين ابن عمك ؟ قالت : كان بيني وبينه شيء فغاضبني ، فخرج فلم يقل عندي ، فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لإنسان : انظر أين هو ؟ فجاء فقال : يا رسول الله هو في المسجد راقد ، فجاء رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو مضطجع ، قد سقط رداؤه عن شقه ، وأصابه تراب ، فجعل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يمسحه عنه ويقول : قم أبا تراب ' هذا الأحاديث ومعها أحاديث الاعتكاف تفيد إباحة النوم في المسجد النبوي وغيره من المساجد . وقال الشيخ السبكي أيضا في هذه الخطبة : فقد قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش ' وهو حديث لا أصل له . كما قاله العراقي ووافقه شارح الإحياء . وكذلك حديث : ' الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ' فهو حديث ضعيف كما حققه العراقي أيضاً . وحديث : ' إذا دخل الرجل المسجد فتكلم ، قال له الملك : اسكت يا ولي الله ، فإن تكلم ثانية قال له اسكت يا حبيب الله ، فإن تكلم قال له : اسكت يا عدو الله ' وهو حديث مكذوب موضوع مفترى . نعم روى البخاري عن السائب بن يزيد قال : ' كنت قائما في المسجد فصحبني رجل ، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال : اذهب فأتني بهذين ،
____________________
(1/43)
فجئته بهما ، فقال : من أنتما ، أو من أين أنتما ؟ قال : من أهل الطائف ، قال : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضرباً ، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ؟ ' . وأما تنديد الشيخ السبكي في الديوان على المتكلم حال الوضوء بقوله : ( واعلموا أن من تكلم في تلك المواضع فقد أوقع نفسه في المهالك ، ونادى عليه بأنه جهول خسيس ، أو الجنون عراه ، فتوضؤا وأنتم عن كلام الدنيا ساكتون ) فهو كلام مما لا حق فيه أصلا وهل هذا النهي آت من جهة السنة الصحيحة ، أو هو من آراء متأخري الفقهاء ؟ ثم إن كلام المتوضئ لا يخلو إما أن يكون بالوارد الذي قدمنا ذكره في فضل أذكار الوضوء ، فهذه عبادة فاضلة مشروعة ، وإما أن يكون بالأذكار المبتدعة أو الأحاديث الموضوعة ، فهي عبادة مردودة ، وإما أن يكون الكلام في مصلحة دنيوية ، فهو جائز لا شيء فيه أصلا ، إلا إن ظهر لنا دليل من السنة الصحيحة يدل على منعه ، وإما أن يكون الكلام لغير مصلحة ، فهو لغو من القول أفلح من أعرض عنه في وقت الوضوء وغيره . قال تعالى ! ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون ) ! ، وإما أن يكون الكلام بالبذاء والفحش ، أو الغيبة والسب والشتم ، فهذا حرام لا شك فيه ، وإما أن يكون للسخرية ، وإضحاك الناس ، فهذا زيادة على أنه مميت للقلب ، فيه عقاب شديد لما في الحديث : ' إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً ليضحك بها القوم ؛ وإنه ليقع بها أبعد من السماء - وفي رواية : يهوى بها سبعين خريفاً في النار ' رواه الترمذي . وأما من منع الكلام على الوضوء منعاً مطلقاً إلا بذكر الله ، فإنا نطالبه بالدليل ، فإن جاء به فعلى الرأس والعين . وللمناسبة نذكر هنا قول الشيخ السبكي في الديوان أيضاً صفحة 198 ( وقد قالوا : إن الله تعالى يجعل على من يتوضأ خيمة من النور ، فإذا تلفظ بكلام
____________________
(1/44)
الدنيا رفعها الله تعالى عنه حيث غره الغرور ) ، وهذا إنما هو من كلام الناس ، ولا أصل له قطعا في كتب السنة المحمدية ، والرجل السني لا يتبع الناس على كل ما يقولون أو يكتبون ، فإنه جاء في الحديث : ' كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ' رواه مسلم ؛ وليكن كل اتباعه للكتاب والسنة ، وكل مرجعه وكل تعصبه للكتاب والسنة ، قال الله تعالى : ! ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء ) ! ، وقال تعالى : ! ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) ! . فصل في استحباب الصلاة في النعلين روى البخاري ومسلم والترمذي عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال : قلت لأنس بن مالك : ' أكان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يصلي في النعلين ؟ قال : نعم ' وروى أبو داود في سننه عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى فإن التراب له طهور ' . وروى النسائي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ' رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يشرب قائماً وقاعداً ، ويصلي حافياً ومنتعلا ، وينصرف عن يمينه وعن شماله ، ورواه ابن ماجه كذلك ، وفيه : ' كان جدي أوس أحيانا يصلي ، فيشير إليّ وهو في الصلاة فأعطيه نعليه ، ويقول : رأيت رسول الله يصلي في نعليه ' . وفي الجامع الصغير أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' صلوا في نعالكم ولا تشبهوا باليهود ' رواه الطبراني عن شداد بن أوس وصححه ، وفيه عنه [ صلى الله عليه وسلم ]
____________________
(1/45)
' خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم ' رواه أبو داود والحاكم والبيهقي عن شداد صححه . فهذه الكتب الستة التي عليها المعول في الدين ، وفيها أصوله وفروعه وغيرها ، قد نطقت فيها السنة الصحيحة بجواز ، بل الأمر بالصلاة في النعال وها هي أقوال أئمة المذاهب الأربعة : ( مذهب أبي حنيفة ) أفتى صاحب الفضيلة العلامة الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية ، ونشر على صفحات الجرائد الفتوى الصادرة بتاريخ 30 ديسمبر سنة 1928 - المسجلة برقم 43 مسلسلة جزء 32 بعد ذكر الأحاديث الصحيحة قال ما نصه : وفي شرح منية المصلي لإبراهيم الحلبي نقلا عن فتاوى الحجة ما نصه : الصلاة في النعلين تفضل على صلاة الحافي أضعافا مخالفة لليهود . أ هـ. قال : ومن هذا يعلم صحة الصلاة في النعلين الطاهرين ، بل ذهب كثير من علماء المسلمين إلى أنها مستحبة . أ هـباختصار . ( مذهب المالكية ) قال الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي المالكي - رحمه الله - في شرحه على سنن الإمام الترمذي عند الكلام على باب الصلاة في النعال ما نصه : ثبت أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] صلى في نعليه ، كما ثبت أنه كان يتوضأ في نعليه . أه . ( مذهب الشافعية ) قال الغزالي في الإحياء : الصلاة في النعلين جائزة ، وإن كان نزع النعلين سهلا ، وليست الرخصة في الخف لعسر النزع ، بل هذه النجاسة معفو عنها ، وفي معناها المداس . صلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في نعليه ، ثم نزع فنزع الناس نعالهم ، فقال : ' فقال : ' لم خلعتم نعالكم ؟ قالوا رأيناك خلعت فخلعنا . فقال [ صلى الله عليه وسلم ] : إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثا ،
____________________
(1/46)
فإذا أراد أحدكم المسجد فليقلب نعليه ، ولينظر فيهما ؛ فإن رأى خبثا فليمسحه بالأرض وليصل فيهما ' . وقال بعضهم : الصلاة في النعلين أفضل : لأنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لم خلعتم نعالكم ؟ ' وهذه مبالغة ، فإنه [ صلى الله عليه وسلم ] سألهم ليبين لهم سبب خلعه ، إذ علم أنهم خلعوا لموافقته ، أه قال شارحه الزبيدي . وأجمعت العلماء على أن الصلاة في النعال وما في حكمها مما هو ملبوس للرِّجل جائزة ، فرضا ، أو نفلا ، أو جنازة ، أو سفراً ، أو حضراً ، بل قيل بالسنية للاتباع ، وسواء كان يمشي بهما في الأزقة أو لا . فإن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه كانوا يمشون في طرقات المدينة ويصلون فيها ، بل كانوا يخرجون بها إلى الحشوش حيث يقضون الحاجة . ( مذهب الحنبلية ) قال الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان : ومما لا تطيب به قلوب الموسوسين . الصلاة في النعال ، وهي سنة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه فعلا منه وأمراً . فروى أنس : ' أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كان يصلي في نعليه ' متفق عليه وساق حديث شداد بن أوس ، ثم قال : وقيل للإمام أحمد : أيصلي الرجل في نعليه . فقال : أي والله ، ويرى أهل الوسواس إذا بلى أحدهم بصلاة الجنازة في نعليه قام على عقبهما كأنه واقف على الجمر حتى لا يصلي فيهما . يقول محمد بن أحمد معمر عبد السلام . أن مساجد زماننا أصبحت مفروشة برخيص وغالى الفراشات فينبغي أن لا نتلفها بالنعال ، فإن منعنا مانع في غير ذلك من الصلاة في النعال بينا له السنة المحمدية ، فإن أبي وعارض صككناه بالنعال على أم رأسه .
____________________
(1/47)
الباب الثاني عشر في الأذان وسننه وما ابتدع فيه روى مسلم وأحمد وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهم : أنه سمع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليّ فإنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون هو ، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة ' وفي لفظ : ' حلت له شفاعتي يوم القيامة ' . ثم اعلم أن من البدع والجهالة زيادة لفظة سيدنا وحبيبي في تشهدي الأذان والإقامة ، لأن الزيادة في الدين كالنقص منه . وترك إجابة السامعين للأذان بمثل ما يقول المؤذن ، ثم تركهم للصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، وسؤالهم له الوسيلة جهل عظيم وحرمان ، وزيادة ' والدرجة الرفيعة ' في أثنائه بدعة ، وزيادة ' إنك لا تخلف الميعاد ' في آخره لا أعرفها ثابتة أم لا ، ونسبة هذا الدعاء إلى أويس القرني جهل شنيع ، والصلاة والتسليم بعد الأذان بهذه الكيفية المعروفة بدعة ضلالة ، وإن استحسنها كبار أهل الأزهر كالدجوي وغيره . وقول : رضي الله عنك يا شيخ العرب ، أو يا حسين أو يا شافعي : بدعة ضلالة وفي النار ، وقولهم عند سماع تكبير الأذان : الله أعظم والعزة لله ، أو الله أكبر على كل من ظلمنا ، أو الله أكبر على أولاد الحرام ، بدعة وجهل ( والسنة ) أن نقول كما يقول المؤذن ، ثم نصلي على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بالوارد ، ثم ندعو له ، كما في الحديث ، وبذلك ندرك شفاعته [ صلى الله عليه وسلم ] إن شاء الله . ( والسنة أيضا ) الدعاء بين الأذان والإقامة ، لحديث ' لا يرد الدعاء
____________________
(1/48)
بين الأذان والإقامة ، قالوا : فماذا نقول يا رسول الله ؟ قال : سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة ' قال الترمذي : حديث حسن صحيح . هذه هي السنة والبدعة ، فاتبعوا السنة واجتبوا البدعة : ( وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا إن الله شديد العقاب ) . وتقبيل ظفرى الإبهامين ومسح العينين بهما ، اعتقاداً بأن فاعله لن يرمد ، جهل وبدعة ، وكلام باطل ، وعمل يشبه عمل المبرسمين ، وكذا قولهم : مرحباً بالقائلين عدلا إلخ . باطل وبدعة . وقولهم بعد انتهاء الأذان اللهم صل أفضل صلاة على أسعد مخلوقاتك إلخ . بدعة منكرة وتشويش . وكذا قراءة العشر بعد الأذان : بدعة وتشويش . ( ويسن أيضاً ) : بين الأذان ولإقامة صلاة النفل ، لحديث الصحيحين : ' بين كل أذانين صلاة لمن شاء ' . والتمطيط والتغني بالأذان بدعة ، ( والأذان ) جماعة على وتيرة واحدة بدعة وقولهم قبل الفجر على المنابر : يا رب عفواً بجاه المصطفى كرماً : بدعة ، وتوسل جاهلي ، وكذا التسبيح ، أو القراءة أو الأشعار بدع في الدين ، مغيرة لسنة الأمين [ صلى الله عليه وسلم ] ، وهي الأذان المعلوم في حديث البخاري : ' إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوب ' إلا أن الأذان الأول يجرد من ' الصلاة خير من النوم ' ويؤتى بها في أذان الصبح . ( والتفكيرة ) يوم الجمعة بدعة . ( والأذان ) داخل المسجد بين يدي الخطيب يوم الجمعة بدعة ( والترقية ) بعد الأذان أمام المنبر بدعة . ( وقراءة حديث ) : ' إذا قلت لصاحبك قبل الخطبة بدعة ، وعلى الخطيب أن ينبه اللاغطين به أثناء الخطبة ، أما المؤذن فلا . ( والجهر ) بقراءة سورة الكهف يوم الجمعة بهذه الكيفية المعلومة بدعة ( والسنة ) أن يقرأها كل مسلم في أي مكان ، وليس لها وقت معين ( وحديثها ) ضعيف أو منكر ، وقد وردت أحاديث أقوى من هذا في قراءة آل عمران
____________________
(1/49)
وهود في يوم الجمعة ، فلماذا لا يعمل بها المواظبون على قراءة الكهف على ( الدكة ) إن كان غرضهم العمل بالسنة لا اتباع العادة ؟ وما لهم لا يعملون بحديث المسند ومسلم والترمذي والنسائي عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لا تجعلوا بيوتكم قبوراً فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان ' وورد : ' اقرءوا سورة هود يوم الجمعة ' حديث صحيح مرسل . وورد :
' من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تجب - أي تغرب - الشمس ' رواه الطبراني بسند ضعيف مقبول . ( ودعاء المؤذنين ) للملك أو السلطان في الخطبة الثانية بدعة وتهويش ، وقد نهى [ صلى الله عليه وسلم ] عما هو دون ذلك بقوله : ' إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت ' متفق عليه ، وقد قال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' مثل الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب ، مثل الحمار يحمل أسفاراً ، والذي يقول له : أنصت لا جمعة له ' رواه أحمد في مسنده . ( ورفع صوت ) المؤذن بالتبليغ لغير حاجة بدعة ، وكونه جماعة يديرونه ويتواكلونه بينهم بدعة منكرة ، ولا بأس به عند الحاجة . ( وتوحيشهم ) على المآذن وفي المساجد في أواخر رمضان بدعة منكرة ذميمة . ( فاتقوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) . وحديث : ' كان [ صلى الله عليه وسلم ] إذا سمع المؤذن قال : حي على الفلاح ، قال : ' اللهم اجعلنا مفلحين ' رواه ابن السني عن معاوية بإسناد ضعيف كما في الجامع وشرحه ، والأحاديث الواردة في فضائل الأعمال يجوز العمل بها عند بعض أهل العلم ما لم يشتد ضعفها فيحرم العمل بها . فصل في بدع الإقامة وترك كثير من الناس إجابة المؤذن بمثل ما يقول ، وتركهم الصلاة على
____________________
(1/50)
النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بعد الأذان ، وطلب الوسيلة والفضيلة له مع إتيانهم بهذا في الإقامة جهل منهم ، وترك للصحيح ، ورغبة عنه إلى الضعيف ، ورواية ابن السني عن أبي هريرة أنه كان إذا سمع المؤذن يقيم يقول : ' اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وآته سؤله يوم القيامة ' موقوفة على أبي هريرة وأيضاً فيها غسان بن الربيع . قال في الميزان : ليس حجة في الحديث ، وقال الدارقطني ضعيف أه . أما الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وطلب الوسيلة له بعد الأذان فثابتة في البخاري ، وبها تنال شفاعته [ صلى الله عليه وسلم ] ( وكذا قولهم ) عند إجابة الإقامة : نعم لا إله إلا الله بدعة . وحديث : ' إن بلالا قال : قد قامت الصلاة ، فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : وأقامها الله وأدامها - وفي رواية - وجعلني من صالحي أعمالها - أو - أهلها ، فقد رواه أبو داود في سننه وابن السني عن شهر بن حوشب وهو ضعيف عند جماعة ومتروك عند آخرين ، قال في الميزان : شهر بن حوشب ممن لا يحتج به ولا يتدين بحديثه . ووثقه بعضهم أه . وقولهم : الكلام أو الفصل بين الإقامة والإحرام مبطل لها ، أو موجوب لإعادتها ، أو إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة وجب على الإمام التكبير ، إنما هو قول بغير دليل ، ( والسنة ) تنقضه نقضا ، قال البخاري : ( باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة ) ثم ساق عن أنس قال : ' أقيمت الصلاة والنبي [ صلى الله عليه وسلم ] يناجي رجلا في جانب المسجد ، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم ' . وقال البخاري أيضاً : ( باب الكلام إذا أقيمت الصلاة ) وساق عن حميد قال : ' سألت ثابتاً البناني عن الرجل يتكلم بعدما تقام الصلاة ، فحدثني عن
____________________
(1/51)
أنس بن مالك قال : أقيمت الصلاة فعرض للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] رجل فحبسه بعد ما أقيمت الصلاة ' . الباب الثالث عشر في البدع التي قبل تكبيرة الإحرام وفي داخل الصلاة من البدع والضلالات قولهم عند صلاة ركعتي الفجر : سبحان من صبح الاصباح ، سبحان من طير الجناح . سبحان من شأ الفجر ولاح . وكذا قولهم سبحان الأبدي الأبد ، سبحان من رفع السماء بغير عمد الخ : وكذا قول بعض أرباب العمائم الغليظة ، والأكمام الواسعة ، المتعالمين المتصوفين ، عند صلاة ركعتي الفجر : سبحان من تعزز بالعظمة ، سبحان من تردى بالكبرياء الخ . وكذا قولهم أيضاً : ( بحأ الحسن وأبيه ، وجده وأخيه ، تكفينا شر دا اليوم وما يتأتىَّ فيه ) . كل هذا وما شاكله جهالات وضلالات ، وغفلات عن الموصل إلى رضوان رب البريات ، ألا وهو المشروع على لسان سيد المخلوقات [ صلى الله عليه وسلم ] . ( وتهليلهم ) ثلاثا جماعة بصوت مرتفع ممدود بعد ركعتي الفجر بدعة ( والسنة ) الاضطجاع قليلا بعد ركعتي الفجر ، وقبل صلاة الصبح ، وهو ثابت في البخاري ، وفي كتاب ابن السني عن والد أبي المليح : ' أنه صلى الفجر وأن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، صلى قريباً منه ركعتين خفيفتين . قال : ثم سمعته يقول وهو جالس : اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمد نعوذ بك من النار ' . وفي لفظ ' ومحمد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أعوذ بك من النار ' ورمز له في الجامع برمز الطبراني والحاكم وصححه ، ولكن قال شارحه المناوي : وفي مسنده مجاهيل . وقولهم عند صلاة النافلة : النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، نويت أصلي كذا جهل وبدعة ، وقولهم عند صلاة شفع العشاء : الشفاعة يا رسول الله ، وعند الوتر سبحان الواحد الأحد ، جهل وبدعة .
____________________
(1/52)
والوارد في سنن أبي داود : ' أنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان يوتر بثلاث ركعات يقرأ في الأولى ب ! ( سبح اسم ربك الأعلى ) ! ، وفي الثانية ب ! ( قل يا أيها الكافرون ) ! وفي الثالثة ب ! ( قل هو الله أحد ) ! ويقنت قبل الركوع ، فإذا فرغ قال عند فراغه : سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ويطيل في آخرهن ' زاد الدارقطني : ' رب الملائكة والروح ' . وقولهم عند صلاة التراويح : صلوا يا حضار على النبي المختار الخ . هذيانهم بين الترويحات كله بدعة شنيعة . ( وكذا قولهم ) : صلاة القيام أثابكم الله ، والتهليل بين كل ترويحتين وإدارة التبليغ بينهم ، والجهر بكل ذلك تشويش في بيوت الله . وبدع ضلالات منكرات ، العاملون بها في عظيم الغفلات ، وشنيع السيئات . وقراءة بعض الموسوسين سورة الناس قبل التكبير لدفع الوسواس بدعة لم تشرع والوسواس لا يعتري إلا من به خبل في عقله أو نقصان في دينه . وقول بعض من يزعمون أنهم علماء قبل تكبيرة الإحرام : ( قدمت على الكريم بغير زاد ** من الحسنات بالقلب السليم ) ( وحمل الزاد أقبح ما يكون ** إذا كان القدوم على كريم ) بدعة ذميمة ، وغفلة عظيمة ، ووقوع مثل هذا من العلماء داهية أليمة ، ورزية وخيمة ، كيف وقد قال الله تعالى : ! ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) ! . ( وكذا قراءتهم ) قبل التكبير آية ! ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ) ! الآية : بدعة لم تشرع ، بل في وجوههم تدفع ، وبها أقفيتهم تصفع ، إذ لم يأت بها في هذا المكان عن المعصوم المشرع نص يسمع . وقولهم : اللهم أحسن وقوفنا بين يديك ، ولا تخزنا يوم العرض عليك ، بدعة وقولهم نويت أصلي كذا مستقبل القبلة ، أربع ركعات ، إماماً أو مأموماً ، أداء أو قضاء ، فرض الوقت . هذه عشر بدع ضلالات . كل بدعة منها ضلالة ، وكل ضلالة في النار ! ( فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ) ! .
____________________
(1/53)
وقد كان [ صلى الله عليه وسلم ] ' يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ' رواه مسلم . وقال للأعرابي : ' إذا قمت إلى الصلاة فكبر ' رواه الشيخان فالزائد على المشروع مردود لحديث : ' من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ' وبدعة ضلالة صاحبها في النار ( والتلفظ ) بالنية بدعة . وقولهم أصلي وأتوكل بالله بدعة ( والجهر والتشويش ) بتكبيرة الإحرام بدعة ( وتمطيط ) تكبيرة الإحرام كقول بعض ذوي الشروح والحواشي من متأخري المتأخرين الذين لا يعول على أقوالهم في الدين : ويكبر مادا صوته بالتكبير إلى ثنتى عشرة حركة ، ويستحضر وقتئذ جميع فرائض الصلاة وسننها ومستحباتها وهيئاتها إلخ ، بدع من القول وزور ، وضلال وإضلال ، وبهتان وغرور ، ! ( إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ) ! ، ! ( ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ) ! ، ( وترك المالكية ) لقراءة دعاء الاستفتاح اعتقاداً بأنه مكروه عندهم حرمان عظيم ، وجهل كبير وبدعة . ( والعجب يا أخي ) من أصحاب التصانيف من متأخري المالكية حيث يقولون فيها بكراهة دعاء الاستفتاح مع أنها واجبة عند الشافعي وأبي حنيفة ولكن لا عجب ، فإنهم عن كتب السنة مبعدون ، بل وعن القراءة فيها لتلاميذهم ينهون ، بحجة أنهم مقلدون ، لا مجتهدون ، أو ليسوا لها أهلا ، فبئس ما يصنعون ، إنهم قوم يجهلون ، وهذا الذي يقولون بكراهته مروي من عدة وجوه صحيحة . ( الأول ) رواية أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا قام إلى الصلاة قال : ' وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ' إلخ رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن . ( الثاني ) حديث أبي هريرة : رضي الله عنه قال : ' كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يسكت بين التكبير والقراءة ، فقلت : بأبي وأمي ، إسكاتك
____________________
(1/54)
بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال : أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي ، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء ، والثلج ، والبرد ' متفق عليه ، ورواه أحمد ، وأهل السنن . ( الثالث ) : ورد أنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان يقول : الله أكبر ثلاثا ، الحمد لله ثلاثا ، سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا ، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، من همزه ، ونفثه ' رواه أبو داود وغيره . ( الرابع ) : ورد في رواية أنه ' [ صلى الله عليه وسلم ] ، كان يقول : الله أكبر عشر مرات ، ثم يسبح عشراً ، ثم يحمد عشراً ، ويهلل عشراً ، ويستغفر عشراً ، ثم يقول : اللهم اغفر لي ، واهدني وارزقني عشراً ، ثم يقول : اللهم إني أعوذ بك من ضيق المقام يوم القيامة عشراً ' . ( الخامس ) : ورد أنه [ صلى الله عليه وسلم ] ، كان يقول بعد التكبير : ' واللهم باعد بيني وبين خطاياي ، كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء ؛ والثلج والبرد ، والله نقني من الذنوب والخطايا ، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ' . ( السادس ) : حديث عائشة ، قالت : ' كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا استفتح الصلاة قال : سبحانك ، اللهم وبحمدك ، تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ، أخرجه أصحاب السنن وغيرهم . فحذار من طاعة من يأمركم بترك السنة . واعتقاد كثير من الشافعية ، أن ترك الإمام المالكي للبسملة في الصلاة مفسد لها اعتقاد غير صحيح ، وتفريق بين الأمة . والسنة الصحيحة أن لا تترك البسملة ، فإن تركت فلا بطلان ، لكن القول بكراهة البسملة خطأ كبير . والحديث في ذلك ضعيف .
____________________
(1/55)
وترك المالكية لضرب اليدين إحداهما على الأخرى ، اعتقاداً بأنه مكروه في مذهب مالك ، جهل وبدعة ، إذ قد صح في ذلك عنه [ صلى الله عليه وسلم ] في عدة أحاديث ، وقال غير واحد من أهل العلم : هي مروية عن ثمانية عشر صحابيا ، فلم يثبت الإرسال عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ولا عن الصحابة ولا مرة ، بل ثبت في موطأ الإمام مالك ، صفحة 173 و 174 ، عن ابن أبي المخارق ، قال : من كلام النبوة ' إذا لم تستح فافعل ما شئت ، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة : يضع اليمنى على اليسرى ؛ وتعجيل الفطر ' والاستيناء بالسحور ' . وفيه أيضاً عن سهل بن سعد قال : ' كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ' . قال أبو حازم : لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك - أي يرفعه - إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، رواه البخاري هكذا والترمذي وغيرهم . ثم إذا تبين لك هذا ، فاعلم أن الإرسال دائما ، لغير ضرورة ، بدعة وحرمان من فضل متابعة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] . ووضع اليدين على الجانب الأيسر لأجل حفظ الإيمان ، أو لأن عمر ، أو الشافعي ، كما يهرفون لما ضرب في جنبه الأيسر ، وهو يصلي وضع يده فوق جنبه على الضربة : كلام أفرغ من بطن حمار ، وجهالة ، وضلالة وبدعة . والسنة : جعلها على الصدر . وترك المأمومين قراءة الفاتحة خلف إمامهم ، نقص في صلاتهم ، لحديث أحمد ، وابن ماجه : أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب ، فهي خداج نقص غير تام ' ، أما حديث الصحيحين والسنن والمسند أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ' فهو صريح في بطلانها ، والتشديد في مخارج الحروف في القراءة
____________________
(1/56)
وترديد الكلمة وسوسة مذمومة ، وخروج عن قانون أدب الصلاة ، ومفسد لها . ورواية : اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين ، عند قول الإمام ولا الضالين : بدعة . ( والسنة ) التأمين مع الإمام فقط ، لما رواه البخاري أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ' . واقتصار ألوف من الناس على قراءة آية : ! ( إن الله مع الصابرين ) ! بعد الفاتحة في الركعة الأولى ، وعلى ( إن الله على كل شيء قدير ) بعد الثانية ، أو يقرأ في الركعتين بعد الفاتحة : ! ( إن الله وملائكته ) ! - إلى - ! ( تسليما ) ! ، أو ! ( سبحان ربك ) ! - إلى - ! ( العالمين ) ! دلالة على تفريطهم في دين الله وجهلهم به ، وتقصيرهم في طلب العلم الواجب ، على أنك تراهم يحفظون خمسين موالا ، ومائة حدوتة ، أو يحفظون أحزاب الرفاعية كلها ، أو ثلث مجموع الأوراد أو نصفه أو دلائل الخيرات كلها فإنا لله ، وكذا من الغفلة عن الله والبعد عنه ، مواظبة الألوف من الناس على قراءة : والعصر ، والكوثر ، والإخلاص في جميع صلواتهم - رغبة منهم في التخفيف ؛ واستعجال الصلاة - ولا شك أن هؤلاء يقطعون بذلك ما أمر الله به أن يوصل ، فلذا تراهم يصلون ويفسدون في الأرض . وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه : ' أن رجلا دخل المسجد ، ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] جالس في ناحية المسجد فصلى ، ثم جاء فسلم عليه ، فقال له رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : وعليك السلام ، ارجع فصل ، فإنك لم تصل ، فصلى ثم جاء فسلم ، فقال : وعليك السلام ، فارجع فصل فإنك لم تصل فصلى ، ثم جاء فسلم ، فقال : وعليك السلام ، فارجع فصل فإنك لم تصل ، فقال في الثانية ، أو في التي تليها : علمني يا رسول الله . فقال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة ، فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تستوي قائماً ؛ ثم اسجد حتى تطمئن
____________________
(1/57)
ساجداً ، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ' رواه البخاري ومسلم . وعن أبي قتادة ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته ، قالوا : يا رسول الله ، كيف يسرق من صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها . أو قال : لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ' رواه أحمد وغيره . وقول بعض الحواشي : وتكفي الآية القصيرة : ! ( مدهامتان ) ! تغرير ، وجهل وتضليل ، وصلاة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه ليست كذلك قطعا ، وقول بعض الحواشي : من واظب على قراءة ! ( ألم نشرح ) ! و ! ( ألم تر كيف ) ! في ركعتي الفجر ، والمغرب ! أذهب الله عنه داء البواسير أو لم يرمد ، أو لم يصبه في يومه ألم . كله باطل ، وموضوع لا أصل له البتة ، وهذا من أرباب الحواشي صد للناس عن متابعة السنة التي هي سبيل الله ، وفيها رضوانه الأكبر ، فإنه قد ثبت أنه [ صلى الله عليه وسلم ] ، كان يقرأ في ركعتي الفجر والمغرب في الأولى بعد الفاتحة : ! ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ) ! وفي الثانية : ! ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ) ! الآية ؛ وأيضاً كان [ صلى الله عليه وسلم ] يقرأ فيهما : ! ( قل يا أيها الكافرون ) ! ، و ! ( قل هو الله أحد ) ! . وقول بعض المأمومين : صدق الله العظيم عند فراغ الإمام من قراءة السورة : بدعة ، وإدخال ما ليس من الصلاة فيها . بل قولها عقب القراءة خارج الصلاة بدعة ، فكيف بها في الصلاة ؟ . فصل في بيان السور التي كان يقرأ بها الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في الصلوات قال في سفر السعادة ما مؤداه : وكان [ صلى الله عليه وسلم ] . بعد أذكار الاستفتاح يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . ثم يقرأ الفاتحة . وكان
____________________
(1/58)
يجهر بالبسملة في بعض الأوقات . ويخفيها غالباً ، وكان يقرأ مرتبا مرتلا ويقف عند آخر كل آية ، ويمد آخر الكلمة . ويقول : آمين بعد فراغ الفاتحة يجهر بها في الصلاة الجهرية ، ويخفيها في السرية ، ويوافقه في التأمين المقتدون بأسرهم . وكان يراعي سكتتين في الصلاة : سكتة بين التكبير وقراءة الفاتحة وسكتة ثانية بين فراغ من الفاتحة ، وقراءة السورة . القراءة في صلاة الصبح وكان [ صلى الله عليه وسلم ] يقرأ في صلاة الصبح بعد الفاتحة سورة مطولة ، مقدار ستين آية ، أو مائة آية . وأحياناً يقرأ سورة ق . وأحيانا سورة الروم ، وأحياناً يخفف إلى حد أنه كان يقتصر على قراءة إذا زلزلت وأحيانا بالمعوذتين ، وكذلك كان الصديق يقرأ في الصبح بسورة البقرة ، وعمر كان يقرأ حينا بيوسف وحينا بهود ، وبني إسرائيل . وكان [ صلى الله عليه وسلم ] ، في السفر يقرأ أحياناً : ! ( إذا الشمس كورت ) ! وكان يقرأ في صلاة فجر يوم الجمعة سورة : ! ( الم تنزيل ) ! السجدة في الركعة الأولى ، ( وهل أتى ) في الركعة الثانية . القراءة في صلاة الظهر وأما صلاة الظهر ، فكان يطولها ، بحيث إنه كان في بعض الأحيان بعد إقامة صلاة الظهر ، يسير الماشي إلى قباء ، ويرجع إلى الصلاة ، ولم يكن ركع في الركعة الأولى . القراءة في صلاة العصر وأما صلاة العصر ، فكانت مقدار نصف صلاة الظهر ، وأحياناً أخف من ذلك .
____________________
(1/59)
القراءة في صلاة المغرب وأما صلاة المغرب ، فكان يطولها أحياناً ، بحيث إنه كان يقرأ سورة الأعراف في الركعتين ، يقرأ في كل ركعة نصفها ، وحينا يقرأ الصافات ، وحينا المرسلات ، وحينا قصار المفصل ، وقد صحت الروايات بهذا المجموع ، والسنة ، أن لا يواظب على نمط واحد من تطويل ، أو تقصير ، بل يطول حينا ، ويقصر حينا بحسب الحال والوقت . القراءة في صلاة العشاء وأما صلاة العشاء فقد عين لمعاذ سورة : الشمس وسبح اسم ربك الأعلى ، والليل إذا يغشى . ومنعه من قراءة البقرة ونحوها وزجره وقال له [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أفتان أنت يا معاذ ؟ ' وعين له : إذا السماء انفطرت ، والانشقاق ، والبروج ، والطارق . القراءة في صلاة الجمعة والعيدين وأما صلاة الجمعة ، فإنه كان يقرأ في الركعة الأولى سورة الجمعة . وفي الثانية سورة المنافقين . وحين التخفيف يقرأ سبح والغاشية . وكان يقرأ في العيدين بسورتي : ق ، واقتربت . وقد يقرأ بسبح والغاشية . وعلى هذا واظب [ صلى الله عليه وسلم ] إلى آخر عمره . فصل وفي سنن النسائي : ' أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كان يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات ' ولم يعين شيئاً من السور لشيء من الصلوات سوى الجمعة العيدين قال عبد الله بن عمر : ' ما من سورة من طوال المفصل وقصاره إلا وقد سمعتها من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقرأها في صلاة الفريضة ، وكان يقرأ
____________________
(1/60)
السورة بتمامها غالباً ، وفي النادر كان يقرأ بعض السورة لبيان الجواز . أه بتصرف قليل . فصل في بيان سنية الدعاء والذكر والتعوذ إذا مر المصلي بآية رحمة أو آية عذاب روى مسلم في صحيحه عن حذيفة قال : ' صليت مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت : يركع عند المائة . ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة . فمضى . فقلت : يركع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها ، يقرأ مترسلا إذا مر بآية تسبيح سبح . وإذا مر بسؤال سأل . وإذا مر بتعوذ تعوذ . ثم ركع ، فجعل يقول سبحان ربي العظيم . فكان ركوعه نحواً من قيامه ، ثم قال سمع الله لمن حمده . ثم قام قياماً طويلاً قريباً مما ركع ، ثم سجد فقال : سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريباً من قيامه - قال : فأطال حتى هممت بأمر سوء . قيل : وما هممت به ؟ قال : هممت أن أجلس وأدعه ' . وروى أحمد وابن ماجه من طريق ابن أبي شيبة عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ' يقرأ في صلاة ليست بفريضة ، فمر بذكر الجنة والنار . فقال : أعوذ بك من النار ، ويل لأهل النار ' . وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : ' كنت أقوم مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ليلة التمام فكان يقرأ سورة البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، فلا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله عز وجل ورغب إليه ' . ' وكان [ صلى الله عليه وسلم ] إذا مر بآية فيها خوف ، تعوذ . وإذا مر بآية رحمة ، سأل ، وإذا مر بآية فيها تنزيه الله ، سبح ' أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما .
____________________
(1/61)
' وكان [ صلى الله عليه وسلم ] إذا قرأ : ! ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) ! قال : ' بلى ' وإذا قرأ : ! ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) ! قال : ' بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين ' . وفي تفسير الإمام الطبري بسنده عن ابن عباس أنه ' كان إذا قرأ ! ( سبح اسم ربك الأعلى ) ! يقول : سبحان ربي الأعلى . وإذا قرأ ! ( لا أقسم بيوم القيامة ) ! فأتى على آخرها ! ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) ! يقول : سبحانك اللهم وبلى ' وعن قتادة قال : ذكر لنا أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ' كان إذا قرأها قال سبحان ربي الأعلى ' وفيه عن قتادة أنه ' كان إذا تلا ! ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) ! . قال : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين - أحسبه كان يرفع ذلك . وإذا قرأ ! ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) ! قال بلى . وإذا تلا ! ( فبأي حديث بعده يؤمنون ) ! قال آمنت بالله وبما أنزل ' . فصل وحديث : ' ما زال [ صلى الله عليه وسلم ] يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا ' ضعيف جداً ، ومحال أو يواظب عليه النبي [ صلى الله عليه وسلم ] طول حياته يدعو وهم يؤمنون على دعائه كل فجر ؛ ثم لا يتواتر ذلك عنه ، بل يأتينا من طرق ضعيفة واهية بل يقول بعض الصحابة : إنه محدث وبدعة ، نعم كان [ صلى الله عليه وسلم ] يقنت عند النوازل في الصلوات كلها . وعلم الحسن بن علي أن يقول قنوت الوتر ' اللهم اهدني فيمن هديت إلخ ، وهذا ثابت في المسند والسنن الأربع وحسنه الترمذي . ( وتقليب أيديهم في دعاء القنوت عند قولهم : إنه لا يذل من واليت ) بدعة وحركة في الصلاة سيئة ، وقولهم : حق حق أثناء قراءة الإمام للقنوت بدعة ، إن لم تكن مفسدة للصلاة فأقل أحوالها الكراهة ، ومنهم من يقول : حأحأ - أو حك حك ( ومسح ) وجوههم وصدورهم بأكفهم بعده
____________________
(1/62)
بدعة . وقولهم . في الركوع والسجود : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر الخ بدعة وعدول عن السنة إلى ما تهوى الأنفس والسنة أن يقول في ركوعه وسجوده وإذا رفع من الركوع وإذا جلس بين السجدتين ما يأتي في هذا الفصل . فصل في أذكار الركوع والسجود وما بينهما في السنن الأربعة عن حذيفة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول إذا ركع : ' سبحان ربي العظيم ثلاث مرات ، وإذا سجد قال : سبحان ربي الأعلى ' ثلاث مرات . وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها : قالت : ' كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ' وفي صحيح مسلم رحمه الله عنها ' كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول في ركوعه وسجوده ، سبوح قدوس رب الملائكة والروح ' وفي سنن أبي داود - رحمه الله - عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان يقول في ركوعه وسجوده : سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ' وفي صحيح مسلم - رحمه الله - عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : كان رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) إذا رفع رأسه من الركوع قال : اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد ؛ لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ' وفي صحيح البخاري - رحمه الله - عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال : ' كنا نصلي يوماً وراء النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) فلما رفع رأسه من الركعة قال : سمع الله لمن حمده . فقال رجل من ورائه : ربنا ولك الحمد ، حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه ، فلما انصرف
____________________
(1/63)
قال : من المتكلم ؟ قال : أنا يا رسول الله ، قال : لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول ' وفي صحيح مسلم - رحمه الله - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء ' وعنه رضي الله عنه أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' كان يقول في سجوده : اللهم اغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله أوله وآخره ، وعلانيته وسره ' وقالت عائشة رضي الله عنها : ' افتقدت النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ذات ليلة فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول . اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ' وروى مسلم هذه الأحاديث ، وفي سنن أبي داود رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنه قال ' كان رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وأجبرني وعافني وارزقني ' وفي السنن أيضاً عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان يقول بين السجدتين . ' رب اغفر لي رب اغفر لي ' أ هـ. من الوابل الصيب . فصل وترك الذكر الوارد بعد الرفع من الركوع مبطل الصلاة على بعض المذاهب ، والإمام أحمد يقول بوجوب جميع أذكار الصلاة وعدم نصب القدمين جميعاً حال السجود ، وعدم سجود الأنف مع الجبهة نقص في الصلاة ومخالفة لقوله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ' أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء ' وقوله : ' صلوا كما رأيتموني أصلي ' وقد روى الدارقطني عن عكرمة عن ابن عباس أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] )
____________________
(1/64)
[ صلى الله عليه وسلم ] : ' لا صلاة لمن لم يضع أنفه على الأرض ' ، والنقر في الركوع والسجود مبطل للصلاة في جميع المذاهب حتى الحنفية ، بل قد كان [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبة في الركوع والسجود ' . رواه أحمد وصح أنه ' نهى عن نقرة الغراب ' ، وقد كان [ صلى الله عليه وسلم ] يطول هذه الجلسة وفي الاعتدال من الركوع حتى يظن أنه نسي ، وهذا الفعل الجليل قد تركه جل الناس بل قد نسى ، وتعمير الأركان وهو تمطيط التكبير من كل الناس حتى العلماء حين الهبوط للركوع والسجود والقيام منه بدعة وحك الجباه بالأرض حال السجود جهل وبدعة والتسييد أي قولهم : ' سيدنا ' في الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بعد التشهد وغيره لم يرد أصلا ولم ينقل عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ولا التابعين ولم يرو إلا في حديث لو صح لكان دليلا لنا وهو : ' لا تسيدوني في الصلاة ' ولا أصل له وهو ملحون وصحة اللفظ : ' لا تسودوني ' ولو كان مندوباً لما خفي عليهم وهم أعلم الناس بما يحبه الله ورسوله . وقد اختلف الأصوليون : هل الأدب أحسن أم الاتباع ؟ ورجح الثاني بل هو الأدب وقولهم عند التسليم على اليمين أسألك الفوز بالجنة ، وعلى اليسار أعوذ بك من النار بدعة ، والإشارة بالأكف يمنة ويسرة مع التسليم بدعة ، وقد أنكر [ صلى الله عليه وسلم ] على فاعلي ذلك بقوله : ' ما بال أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ' رواه النسائي وغيره والتسليم المشروع الثابت الصحيح عنه [ صلى الله عليه وسلم ] أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره ' السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم رحمة الله ، حتى يرى بياض خده ' رواه الخمسة ، وزاد أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه ' وبركاته ' . وقد ذهب الأستاذ على محفوظ رحمه الله حيث ذكر في كتاب الإبداع
____________________
(1/65)
تبعا لمراقي الفلاح : أن من البدع زيادة ( وبركاته ) والحق أنها سنة صحيحة ، وليست بدعة ، وقد صحح هذه الزيادة الحافظ بن حجر في بلوغ المرام ، وكذا صاحب الروضة الندية ، وصاحب سبل السلام ، وشارح المنتقى ولفظه عند الكلام على حديث ابن مسعود ' أنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان يسلم عن يمينه وعن يساره ' السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده ' قال : زاد أبو داود في حديث وائل ' وبركاته ' وأخرجها أيضاً ابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود ، وكذلك ابن ماجه من حديثه ، قال الحافظ في التلخيص : فيتعجب من ابن الصلاح حيث يقول : إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث إلا في رواية وائل بن حجر ، وقد ذكر لها الحافظ طرقا كثيرة في تلقيح الأفكار ، تخريج الأذكار لما قال النووي : إن زيادة ' وبركاته ' رواية فردة ، ثم قال الحافظ بعد أن ساق تلك الطرق : فهذه عدة طرق ثبتت بها ' وبركاته ' بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ أنها رواية فردة أ هـ. نعم لم يثبت من طريق صحيح ولا ضعيف مقبول أنه [ صلى الله عليه وسلم ] اقتصر على تسليمة واحدة في الفرض ، فالاقتصار عليها ليس حسناً . فصل في تحقيق القول في صحة صلاة مكشوف الرأس من عيوبنا معشر المتدينين استمرار النزاع . ودوام الخصومات الدينية بيننا فتارة تجد المعارك قائمة محتدمة ويشترك فيها العلماء وأصحاب الجرائد والمجلات ، وتستمر المعركة قائمة شهراً وأشهراً وسنة بل وسنين ، لأجل الصلاة في النعلين . وتارة يتخاصمون لأجل سنية العذبة ، وتارة يتحاربون لأجل الصلاة والتسليم بعد الأذان ، وسورة الكهف ، ومرة يتقاتلون لأجل تأويل آيات الصفات ، وما من حكم من أحكام الشريعة الحنيفية السمحة ، إلا اختلفوا فيه وتعصبوا كل
____________________
(1/66)
لرأيه وتنازعوا وفشلوا وأصبحوا أحزاباً وشيعا به . وبدت بينهم العداوة والبغضاء والتنافر الذي وصل بهم إلى حد سفك الدماء . والأمر والله سهل جدا ، فقد بين الله سبحانه الداء والدواء حيث قال : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) وقال : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) ولكن القوم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر بل يؤمنون بالمشايخ ويفضلون حكمهم على حكم الله ورسوله ، ولذا طال النزاع واشتد بيننا الجدال والخصام واحتدم . والآن نتكلم عن مسألة كشف رأس المصلى . وهي من أبسط وأخف المسائل الدينية التي لا يعاقبنا الله عليها إن تركناها ، ولا يزيدنا أجرا وثوابا إن فعلناها ، ولكن للضرورة نتكلم فنقول وبالله التوفيق . الرأس ليس عورة بإجماع المسلمين ؛ ولم يقل أحد في مشارق الأرض ومغاربها ببطلان صلاة حاسر الرأس ، بل قد أوجبوا الصلاة على العاري الذي لم يجد ما يستر به سوأتيه ، وأوجب الله على كل حاج أن يكشف رأسه في الصلاة والطواف ، وفي أفضل مكان وأفضل بقعة . وأفضل عبادة يرجع المؤمن بعدها من ذنوبه كيوم ولدته أمه . ثم كل الأحاديث الواردة في العمائم وفضلها لا شك أنها باطلة وموضوعة كحديث ' صلاة بعمامة تعدل خمسا وعشرين صلاة ؛ وجمعه بعمامة تعدل سبعين جمعة ' وهو مكذوب مفترى . و ' الصلاة في العمامة بعشرة آلاف حسنة ' باطل كذلك ، انظر أسنى المطالب وغيره . وفي الجامع الصغير ' كان [ صلى الله عليه وسلم ] يلبس القلانس تحت العمائم ، وبغير العمائم ويلبس العمائم بغير قلانس ، وكان يلبس القلانس اليمانية ؛ وهن البيض المضربة ويلبس ذوات الآذان في الحرب ؛ وكان ربما نزع قلنسوته فجعلها
____________________
(1/67)
سترة بين يديه وهو يصلي ، وكان من خلقه أن يسمى سلاحه ودوابه ومتاعه ' وقال أخرجه الروياني وابن عساكر عن ابن عباس ورمز بضعفه ، وفي هذا الحديث يفيد كشف رأسه [ صلى الله عليه وسلم ] أحياناً في الصلاة إلا أنه ضعيف . وأوضح من هذا وأكثر بياناً ، وأعظم وأفضل اطمئناناً ، ما ورد عن عمرو بن سلمة قال : ' لما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم وبادر أبي قومي بإسلامهم ، فلما قدم قال جئتكم من عند النبي حقا ، فقال : صلوا صلاة كذا في حين كذا ، وصلاة كذا في حين كذا ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا . فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني ، لما كنت أتلقى من الركبان . فقدموني بين أيديهم . وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين ، وكانت على بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني ، فقالت امرأة من الحي : ألا تغطون عنا إست قارئكم ؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصا فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص ' رواه البخاري والنسائي بنحوه . وقد روى البخاري أيضاً عن سهل قال : ' كان رجال يصلون مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان ، وقال للنساء لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا ' وإنما قال ذلك مخافة أن يطلع النساء على عورات الرجال . فإذا كان كشف السوأتين في الصلاة لا يبطلها الشرع لا صلاة الإمام ولا المأموم على السواء ، فهل يليق بعاقل بعد هذا أن يتكلم في هذه المسألة إلا بهذا الذي تبين ووضح وصح سنده عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ؟ فدعوا التعصب والتهريج فيما لا يجدي .
____________________
(1/68)
ومع هذا فإني لا أوافق جماعة أنصار السنة على مغالاتهم وتشددهم فوق المطلوب في هذا الموضوع البسيط ، كما لا أوافق هؤلاء العوام والجهلة والمتعالمين على مشادة أهل الحق بأباطيلهم وأضاليلهم ، وما يضربونه لذلك من أمثال . وأما آية ! ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ! فقد نزلت في ستر العورة ، لا في العمامة ولا في ستر الرأس . وذلك كما روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال : ' كانت المرأة تطوف بالبيت في الجاهلية وهي عريانة وعلى فرجها خرقة وهي تقول : ( اليوم يبدو بعضه أو كله ** فما بدا منه فلا أحله ) فنزلت ! ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ! ونزلت ! ( قل من حرم زينة الله ) ! أ هـ. من لباب النقول في أسباب النزول وقد أفتى شيخنا السيد الإمام الأستاذ الشيخ رشيد رضا رحمه الله في مجلة المنار تحت عنوان . صلاة مكشوف الرأس قال في إجابته على قول ثقة قال : إنه لا كراهة في الصلاة ورأس الإنسان عار ، بل ربما كان ذلك أفضل ، لأن هذا المظهر أقرب إلى التذلل والخضوع والعبودية . وأما قول ذلك الثقة : إنه لا كراهة في الصلاة مع كشف الرأس ، فهذا يظهر فيمن يصلي في بيته منفرداً إذا لم يلتزمه متعمداً ، وأما التزامه أو فعله مع الجماعة المستوري الرءوس ، أو في المسجد بحضرة من يستنكرونه ويكون مدعاة للخوض في ذم فاعله ، فالقول فيه بالكراهة واضح ، أما الأول فلأنه التزام لا دليل في الشرع عليه ، بل هو مخالف لما جرى عليه العمل الغالب
____________________
(1/69)
من صدر الإسلام ، وأما الثاني : فلمخالفته للجماعة ، وهو منهي عنه ، وأما الثالث فلما ذكرناه في صفته من كونه سبباً لوقوع الناس في الإثم ، ولأنه من الشهرة المذمومة . وأما قوله : إن ذلك ربما كان أفضل . وتعليله بما علله به ، فهو قول بالرأي المحض ، في مسألة تعبدية ' ومعارض بأنه تشبه بالنصارى وغيرهم ممن يلتزمون كشف رءوسهم في الصلاة ، وقد نهينا عن التشبه بهم حتى في العادات ، ومعارض أيضاً بأن العرف عندنا في هيئة الكمال التي نقابل بها الملوك والأمراء ، وكبار العلماء والصلحاء والرؤساء أن يكون على رءوسنا ما جرت به عادتنا من عمامة أو كمة - وهي القلنسوة المدورة التي تغطي الرأس - أو غيرها ، وإنما يتساهل في ترك ذلك بين الأقران والأصدقاء ، والعرف عندهم خلاف ذلك أ هـمن المنار . الباب الرابع عشر في بدع ما بعد التسليم والاستغفار جماعة على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة بدعة . والسنة : استغفار كل واحد في نفسه ثلاثا . وقولهم : بعد الاستغفار يا أرحم الراحمين ارحمنا جماعة أيضا بدعة ، وليس هذا محل هذا الذكر . ووصل السنة بالفرض من غير فصل بينهما منهي عنه كما في حديث مسلم ، فإن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أمرنا بذلك ' أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج ' وظاهر النهي التحريم ، وقراءة الفاتحة زيادة في شرف النبي [ صلى الله عليه وسلم ] عقب صلاة الصبح وقراءاتها عقب الظهر والعصر والمغرب والعشاء لأبي بكر وعمر وعثمان وعلى اعتقاداً بأنهم يحضرون غسل فاعل ذلك حين موته أو سؤاله
____________________
(1/70)
في القبر ، منكر من القول وزور ، وشرع شرعه الشيطان الغرور ، والأدهى والأمر ، والأشر والأضر ، إثبات هذه السخافة في المؤلفات فإنا لله ، وتدوير أصابع اليد اليمنى مبسوطة على الرأس بعد التسليم مع ما يقرؤونه بدعة قبيحة وجمع رءوس : أصابع اليدين وجعلها على العينين بعد الصلاة ، مع ما يقرؤونه بدعة سمجة وقحة . وتقبيل أظافر الإبهامين ومسح العينين بها تغفيل كبير وجهل خطير . والسنة : ترك كل ذلك إذ لا دليل عليه البتة . وقراءتهم : ثلاث آيات من أول سورة آل عمران فوراً عقب التسليم من صلاتي الصبح والمغرب ، لا نعلم له أصلا في كتب السنة . وكذا قراءاتهم : ! ( إن الله وملائكته ) ! - إلى ! ( تسليما ) ! وصلاتهم على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] مائة بعد الصبح والمغرب مع ترك السلام عليه بصيغة . اللهم صل عليه : زعماً بأن الله يقضي له سبعين حاجة في الآخرة وثلاثين في الدنيا ليس عليها أثارة من علم بل هي عبادة مخترعة قطعا وقد نظمها الأجهوري فقال : ( ومن يصلي ما صلى الغداه ** ومغربا على من الله اجتباه ) ( قبل كلام مائة يناله ** بقدرها قضاء حاجات له ) ( سبعون في الأخرى له تدخر ** وما بقى بدار دنيا يظفر ) ( يقول : اللهم صل مردفا ** عليه مع ترك سلام ذي وفا ) ( من بعد أن يقرأ إن الله ** للفظ تسليما فكن أواها ) وهذا من خرافاتهم فاحذروها ؛ واتبعوا النور الذي جاءكم به محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ( والختم الكبير ) والختم الصغير بدعتان في الإسلام وهذا اللفظ لا أثر له في الكتب الثماني فهو ضلالة وجهالة ( والاجتماع ) لهما بدعة وقراءتهما على صوت واحد بدعة ، وأبواب الذكر بعد الصلوات في البخاري ومسلم والسنن والأذكار النووية والكلم الطيب والوابل الصيب والحصن الحصين وشرحه تحفة الذاكرين واسعة جدا تتسع لهمم المجتهدين فلا حاجة إلى الاختراع والابتداع
____________________
(1/71)
بعد أن قال الله : ! ( اليوم أكملت لكم دينكم ) ! وبعد قول نبيه : ' ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به ' الحديث ، والمصافحة في أدبار الصلوات بدعة ، واجتماعهم بعد التسليم من الصبح على اللهم أجرني من النار سبعا بدعة والسنة : أن يقولها كل لنفسه في نفسه ، ولفظ الحديث : ' إذا صليت الصبح فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس : اللهم أجرني من النار سبع مرات ، فإنك إن مت من يومك ذلك كتب الله لك جواراً من النار ، وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس : اللهم أجرني من النار سبع مرات ، فإنك إن مت من ليلتك كتب الله لك جوارا من النار ' ذكره في الجامع عن أحمد وأبي داود والنسائي وصححه . وزيادتهم بعد اللهم أجرني من النار سبعا : ومن عذاب النار بفضلك يا عزيز يا غفار كما يصنع الخلوتية بدعة فاتقوا الله يا أولي الألباب ! ( واتبعوه لعلكم تهتدون ) ! وإياكم وما ابتدع فإنه ضلالة ، فإن أردت الزيادة فعليك بكتابنا الأذكار والدعوات المشروعة في أدبار الصلوات وبيان ما ابتدع في ذلك . فصل فيما يقال في أدبار الصلوات قال ثوبان : ' كان رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ' خرجه مسلم . وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : ' أن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان إذا فرغ من الصلاة قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا راد لما قضيت ، ولا ينفُع ذا الجد منك الجد ' متفق عليه ، وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم : ' لا إله
____________________
(1/72)
إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل وله الثناء الجميل الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون . قال ابن الزبير رضي الله عنه : إن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان يهلل بهن دبر كل صلاة ' خرجه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه : ' أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) فقالوا : ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويتصدقون . فقال : ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين - قال أبو صالح : يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاثاً وثلاثين ' متفق عليه ، وعنه أيضاً عن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' من سبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين ، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين ، وقال تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له : له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ' خرجه مسلم ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا أدخله الله الجنة ، وهما يسير ومن يعمل بهما قليل . يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا ويحمده عشرا ويكبره عشرا ، وذلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان ، ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ، ويحمده ثلاثاً وثلاثين ويسبح ثلاثاً وثلاثين فذلك مائة باللسان وألف في الميزان قال : وقد رأيت رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يعقد بيده ، قالوا : يا رسول الله كيف
____________________
(1/73)
هما يسير ومن يعمل بهما قليل ؟ قال : يأتي أحدكم - يعني الشيطان - في منامه فينومه قبل أن يقول ، ويأتيه في صلاته فيذكره حاجته قبل أن يقولها ' خرجه أبو داود والنسائي والترمذي ، وأخرجوا عن عقبة بن عامر قال : أمرني رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أن أقرأ بالمعوذتين دبر كل صلاة ' وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : ' قيل لرسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أي الدعاء أسمع ؟ قال : جوف الليل الأخير ودبر كل الصلوات المكتوبات ' وقال الترمذي حديث حسن ، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه ' أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أخذ بيده ، وقال : يا معاذ والله إني لأحبك فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، خرجه أبو داود . أ هـمن الكلم الطيب . وورد عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أنه قال : ' من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ' رواه النسائي وابن حبان وقال في الجامع صحيح وخولف عليه . وفيه عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' ثلاث من جاء بهن مع الإيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء ، وزوج من الحور العين حيث شاء ، من عفا عن قاتله ، وأدى دينا خفياً ، وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات : قل هو الله أحد . فقال أبو بكر : أو إحداهن يا رسول الله قال : أو إحداهن ' قال في الجامع وشرحه رواه أبو يعلى عن جابر ورمزا لضعفه ، وروى البخاري أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' كان يتعوذ دبر كل صلاة بهؤلاء الكلمات اللهم أعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر . وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وأعوذ بك من عذاب القبر ' . فصل في الذكر المبتدع في سجود السهو ولم يحفظ عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ذكر خاص لسجود السهو ، بل أذكاره كسائر
____________________
(1/74)
أذكار سجود الصلوات . وأما ما يقال من أنه يقول فيه : سبحان من لا يسهو ولا ينام ، فلم يفعله النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ولا أصحابه ، ولم يدل عليه دليل من السنة البتة ، وإنما هو منام رآه بعض كبار مخرفي الصوفية فلا تلتفتوا إليه ، وخذوا دينكم من كتب السنة الصحيحة وما عداه فردوه إلى قائله ، ثم إثبات هذا في المؤلفات . وجعله ديناً وشرعاً ضلال كبير وفساد عريض ، والشافعية يسجدون للسهو إذا صلوا خلف من لم يبسمل أو يقنت ، وهذا جهل وخطأ وبدعة يجب تركها . فصل في سجود التلاوة المشروع والمبتدع قال في سفر السعادة : لم يكن ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يترك سجدات القرآن ، بل حينما بلغ آية سجدة كبر وسجد وقال في سجوده : سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته ' وربما قال : ' اللهم احطط عني بها وزراً واكتب لي بها عندك ذخراً وتقبلها من عبدك داود ' ولم يثبت أنه لما رفع رأسه كبر أو تشهد أو سلم أ هـ. هذا هو المشروع . أما قول بعض الحنفية وغيرهم من أرباب الشروح والحواشي ( فائدة مهمة لدفع كل مهمة ) ثم قال : من قرأ آي السجدة كلها في مجلس واحد وسجد لكل منها كفاه الله ما أهمه فهو كلام سبهلل وتشريع من عند غير الله وحدث ليس له أصل يذكر ، ولا ينبغي لفاعله أن يشكر ، وقد قال تعالى : ! ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) ! أي المشروعة ، وكان رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) إذا حز به أمر صلى . وقد ترك جل الناس سجود التلاوة وأتركهم لهذا الخير الجليل القراء ، ذلك لأنهم أجهل الناس وأبعدهم عن العلم واتباع السنة .
____________________
(1/75)
فصل في أذكار الكرب والغم والحزن والهم في الصحيحين عن ابن عباس : ' أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان يقول عند الكرب ، لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ' وفي الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان إذا حز به أمر قال : ' يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ' ، وفي سنن أبي داود عن أبي بكرة أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' دعوات المكروب : اللهم رحمتك أرجو ، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله ، لا إله إلا أنت ' وفي السنن أيضاً عن أسماء بنت عميس قالت : قال رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ' ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب - أو في الكرب - الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ' . وفي رواية أنها تقال سبع مرات ، وفي مسند الإمام أحمد ، وصحيح ابن حبان ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' ما أصاب عبداً هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور بصري ، وجلاء حزني وذهاب همي - إلا أذهب الله همه وحزنه ، وأبدله مكانه فرحا ' أ هـمن الوابل الصيب . هذا هو كلام المعصوم فاتبعوه ، فوالله لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به .
____________________
(1/76)
فصل في سجود الشكر الشرعي والبدعي قال في سفر السعادة : كان من هدى رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أنه إذا تجددت له نعمة ، أو اندفعت نقمة ، سجد شكراً لله تبارك وتعالى ، وعن أنس أن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) بشر بحاجة فخر ساجداً ، وروى البيهقي بإسناد صحيح : ' أنه لما ورد كتاب أمير المؤمنين علي يتضمن أن قبيلة همدان أسلمت خر النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ساجداً من ساعته وقال : السلام على همدان السلام على همدان ' . وروى عبد الرحمن بن عوف ' أن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) لما بشر بأن من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً ، وأن من سلم عليه مرة سلم الله عليه عشراً ، سجد ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) من ساعته شكراً ' وفي سنن أبي داود أن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) رفع يديه داعياً ثم بعد ذلك سجد شكراً لله ثلاث مرات ، وقال : ' شفعت في أمتي فوهبني الله ثلثها ، فسجدت شكراً لله ، ولما رفعت رأسي شفعت ثانياً فوهبني الله ثلثاً آخر فسجدت شكراً ولما رفعت رأسي دعوت الله ثلاثاً فوهبني الثلث الباقي فسجدت شكراً ، وثبت في مسند الإمام أحمد أن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) رأى رجلا نغاشا فسجد شكراً . وكعب بن مالك لما أتاه البشير بقبول البشير بقبول توبته سجد شكراً ، وأبو بكر الصديق لما سمع قتل مسيلمة سجد شكراً . وأمير المؤمنين علي لما رأى ذا الثدية رئيس الخوارج بين القتلى سجد شكراً . أ هـ. وبهذا تعلم أن ما يفعله الصوفية من السجود كل ليلة بعد ما يسمونه الختم الكبير ، وبعد قراءتهم آية ! ( إنما يؤمن بآياتنا ) ! بدعة لم تشرع بل يجب أن تمنع وتدفع ، وكذا سجودهم كل ليلة بعد وتر العشاء بدعة منكرة ، وكذا سجودهم بعد صلاة الضحى كل يوم بدعة ضلالة ، ولا أصل لتلك السجدات وقد قال بعض أهل العلم : إنها محرمة .
____________________
(1/77)
الباب الخامس عشر في بيان حكم أن الصلاة فرض على المريض يصليها كيفما استطاع وبيان كيفيتها . وإهمال الناس لها لأخف مرض اعلم أيها الغافل عما افترضه الله عليك أن الصلاة هي أعظم ركن في الإسلام بعد التوحيد ، وقد عظم الله شأنها في كتابه فذكرها نيفا وثلاثين مرة ، آمرا عباده بأقامتها والمحافظة عليها . والخشوع فيها . كما بين تعالى أن الناس جميعاً يهلعون ويجزعون وللخير يمنعون ! ( إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ) ! وتوعد الغافلين عنها بأشد وعيد فقال : ! ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) ! كما حكى عنهم فقال : ( ما سلككم في صقر ؟ قالوا : لم نك من المصلين ) وبين أن تركها شرك فقال : ! ( أقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ) ! وعد الرسول ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) تركها كفراً ، وقال : ' من ترك الصلاة فقد كفر ، بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ' . ولما أنزل الله عليه ! ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) ! قال ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ' من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ' وقال : ' من ترك صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ' . هذا والناس في غفلة ساهون ' وبهذا التهديد البليغ لا ينزجرون ، فترى كثيراً من الناس ، بل كلهم بما فيهم حملة القرآن ، وحملة ( العلمية والعجمة ) من أهل الأزهر - لأدنى مرض خفيف يتركون الصلاة فوراً . كأنها هي الحمل الثقيل على ظهورهم ، فيضعونها قبل كل الأثقال . أو كأنها هي الشيء الذي لا يهتم له كثيراً ، فإذا جلس أحدهم في الشمس قليلا ، أو أصابه الزكام ، أو دفيء جسمه ، أو أصابه أي مرض طفيف لا يذكر ولا قيمة له ، فلا تراهم إلا أسرع من البرق في ترك الصلاة ، وذلك هو الضلال البعيد .
____________________
(1/78)
صفة صلاة المريض وصفة صلاتها تأخذها من حديث واحد رواه الجماعة عن عمران بن حصين قال : ' كانت بي بواسير ، فسألت النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) عن الصلاة فقال : ' صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنبك ، فإن لم تستطع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ' . فبالله أعلموني ما هو المتعب الشاق في هذا ؟ وقد قال العلماء : إذا تعذر الإيماء من المستلقي لم يجب عليه شيء بعد ذلك ، وقيل : يجب الإيماء بالعينين ، وقيل : بالقلب ، وقيل يجب إمرار القرآن على القلب والذكر على اللسان . ويدل على ذلك قوله تعالى ! ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ! وقوله ( [ صلى الله عليه وسلم ] )
' إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ' . الباب السادس عشر في بدع ومنكرات في صلاة الجمعة يحرم التنفل حين إقامة الصلاة لوجوب الاشتغال بالمقامة ولئلا يطعن في الإمام كذا قالت المالكية ، ولذا تقطع النافلة عندهم إذا أقيمت الصلاة ، ودليلهم حديث مسلم وأصحاب السنن أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ' ' ومن رأى منكم منكراً فليغيره ' فمن رأى من يسيء صلاته ثم لا ينكر عليه فهو شريكه في وزرها ، ولا يجوز رفض الجماعة الأولى لانتظار الثانية الموافقة في المذهب للحديث المتقدم ، وهذا تفريق بين المسلمين ؛ وقد قال تعالى ! ( ولا تفرقوا ) ! والتقدم على الإمام الراتب ممنوع أفنى بحرمته المالكية ، وتعدد الجماعة في مسجد واحد ، ووقت واحد من البدع الشنيعة والمخالفات الفظيعة ، ولم يشرع التعدد حال الجهاد ، وتلاحم الصفوف ،
____________________
(1/79)
وضرب السيوف ، أفيشرع حال السعة والاختيار ؟ فاستحيوا من المنتقم وقول مريد إدراك الجماعة للإمام المصلى : إن الله مع الصابرين ، أو طول السورة شوية ياسى الشيخ جهل وبدعة . والسنة : العمل بحديث ' ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلك الرباط - ثلاثا ' رواه أحمد ومسلم رحمه الله وعدم اعتناء الأئمة بتسوية الصفوف تفريط منهم وتكاسل عن أداء ما أمروا به ، و ' الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي بالصلاة ويدعو إلى الفلاح فلا يجيبه ' رواه الطبراني ، وفي مسلم
' ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم - وفي رواية أبي داود - لكفرتم ' وروى الشيخان وأصحاب السنن عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه والإمام ساجد أن يحول الله صورته صورة حمار ' وفي رواية سندها حسن ' الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد الشيطان ' . الباب السابع عشر في فضائل الجمعة وسننها وبدعها ومنكراتها روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ' وروى البخاري أيضاً عن سلمان الفارسي قال : قال النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه ،
____________________
(1/80)
أو يمس من طيب بيته ، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ' ، وفي البخاري أيضاً أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ذكر يوم الجمعة فقال : ' فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه ' ، وروى أبو داود في سننه عن طارق بن شهاب عن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة : عبد مملوك أو امرأة ، أو صبي ، أو مريض ' . قال أبو داود : طارق بن شهاب قد رأى النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ولم يسمع منه شيئا ، وروى هذا الحديث أيضاً الحاكم وحسنه صاحب الجامع الصغير ، وقال شارحه مرسل بل وضعيف الإسناد ، وروى البخاري عن أبي هريرة قال : كان النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يقرأ في الفجر ! ( الم تنزيل ) ! و ! ( هل أتى على الإنسان ) ! وفي مسلم وأبي داود والنسائي أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) وأصحابه من بعده كانوا يقرءون في الجمعة بسورة الجمعة ، وإذا جاءك المنافقون . وفي رواية لمسلم ' كان ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يقرأ في العيدين ، وفي الجمعة ب ! ( سبح اسم ربك الأعلى ) ! و ! ( هل أتاك حديث الغاشية ) ! ، وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين ' وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان وابن ماجه والحاكم عن أوس بن أوس أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه ، خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي ، قال : قالوا يا رسول الله : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ قال : يقولون : بليت . فقال : إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء ' ذكره في الجامع وحسنه وصححه شارحه ، وقال محشى سنن ابن ماجه : وفي الزوائد هذا الحديث صحيح ، إلا أنه منقطع في موضعين ، لأن عبادة روايته عن أبي الدرداء مرسلة قاله العلاء ، وزيد ابن أيمن عن عبادة مرسلة قاله البخاري . أ هـ. وقال ابن أبي حاتم في كتابه علل
____________________
(1/81)
الحديث هو حديث منكر لا أعلم أحداً رواه غير حسين الجعفي قال : وأما عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فهو ضعيف الحديث ، وعبد الرحمن بن يزيد ابن جابر ثقة أ هـ. يقول المؤلف محمد بن أحمد محمد عبد السلام عفا الله عنه وغفر له ورحمه قد قال الله سبحانه في القرآن المجيد في حق الشهداء : ! ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ! . فالشهداء أحياء عند ربهم حياة برزخية ، لا نعلم نحن حقيقتها ، والله وحده يعلمها وهم فرحون بما هم فيه من النعمة ، ويستبشرون بإخوانهم الذين يقتلون بعدهم في سبيل الله ، ويلحقون بهم وأنهم جميعاً لا يخافون ولا يحزنون إذا خاف وحزن الناس ، اللهم ألحقنا بهم شهداء في سبيل إعلاء كلمتك ، وسنة نبيك آمين ، فإذا كان هذا فيمن اتبعوا النبي الكريم ، فكيف تكون كرامة هذا الرسول الأعظم سيد الأنبياء والمرسلين ، وبل وسيد ولد آدم أجمعين ؟ وقد روى الترمذي عن الطفيل بن أبي كعب أنه قال : يا رسول الله : إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال : ما شئت . قلت : الربع ؟ قال : ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ؛ قلت : فالنصف ؟ قال : ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ؛ قلت : فالثلثين ؟ قال : ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ؛ قلت : أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : إذن تكفي همك ، ويغفر لك ذنبك ' ثم قال : هذا حديث حسن كذا في تفسير الحافظ ابن كثير ، وروى أبو داود بالسند إلى أبي هريرة أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل : اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ' .
____________________
(1/82)
فصل في بيان منكرات وبدع في الجمعات حديث ' ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وتنفع من علمته ؟ صل ليلة الجمعة أربع ركعات ، تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب ويس . وفي الثانية بفاتحة الكتاب وبحم الدخان وفي الثالثة بفاتحة الكتاب وبآلم تنزيل السجدة وفي الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك ' الخ وهو حديث طويل ذكره ابن الجوزي في حديث الموضوعات وعارضَه بعد التصويب صاحبا الجامع الصغير وشرحه وقال في حاشية الجامع بل هو شديد الضعف فقط فلا يعمل به لأن محل العمل ، بالضعيف في الفضائل ما لم يشتد ضعفه . أ هـ. - يقول محمد - وهو معارض بحديث مسلم : ' لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ' . وخبر ' كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة : ! ( قل يا أيها الكافرون ) ! ، و ! ( قل هو الله أحد ) ! ، وكان يقرأ في صلاة العشاء الأخيرة سورة الجمعة وسورة المنافقين ' ، قال العراقي فيه : لا يصح مسنداً ولا مرسلا . وخبر من دخل الجامع يوم الجمعة فلا يجلس حتى يصلي أربع ركعات ، يقرأ فيهن ! ( قل هو الله أحد ) ! مائتي مرة ، فإنه لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له ' ، قال العراقي : غريب جداً ، ونقل شارح الأحياء عن الدارقطني أنه قال لا يصح . واجتماع الفقراء ليالي الجمعات في بعض المساجد والبيوت للرقص - باه إه اله إه إه اله اللوع اللوح أح لح أح لح - بدع وضلال بل كفر كبير ، وهدم لشعائر دين البشير النذير . وقد أضحك هذا الفعل الذميم علينا من الإفرنج الجم الغفير ، فاتقوا الله ، وكفوا عن هذا الشهيق والنهيق ، إذ لا يعمل به إلى من هو عن الله
____________________
(1/83)
وهدى رسوله وسمته في مكان سحيق . وحرص كثير من المتعبدين على صلاة الجمعة بمسجد الحسين ، أو الشافعي أو السيدة زينب مع بعد ديارهم عنها بدعة شركية لأنها قصد بالتعظيم لغير الله
' ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك ' رواه مسلم وغيره وإنكار الناس على الإمام الذي لم يقرأ بآية السجدة في صلاة صبح الجمعة مع ظن بعضهم اختصاصها بزيادة سجدة خطأ وجهل ، إذ ليست السجدة واجبة بل المقصود التذكير بما في سورتي السجدة وهل أتى . واقتصار كثير من الأئمة على قراءة بعض السورتين خلاف السنة وتقصير وبدعة ، ولا بد من قراءتهما كاملتين . وعدول غالب الأئمة عن قراءة سورة الجمعة والمنافقين أو سبح والغاشية أو الاقتصار على بعضهما في صلاة الجمعة بدعة وتقصير . وصلاة سنة الجمعة القبلية بدعة سيئة فاحذروها واقرأوا أبواب سنن الجمعة في البخاري ومسلم والسنن تجدوا ما يوصلكم إلى رب العالمين ، وجلوس الداخلين المسجد عندما يرون الخطيب يخطب الخطبة الأولى ثم إذا جلس وقام للخطبة الثانية قاموا لصلاة التحية جهل كبير وبدعة وسنة النبي أن يصلي التحية ولو كان الخطيب يخطب ، لقوله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) لسليك الغطفاني حينما رآه دخل وهو يخطب فجلس ' أصليت يا سيلك ؟ ' قال : لا ، قال : ' قم فاركع ركعتين ' والقصة في الصحيحين . وقول بعض الجهلة بعد الجمعة الفاتحة على هذه النية ، أو الفاتحة لسيدنا الحسين ، أو الولي الفلاني بدعة منكرة وصلاة الظهر بعد الجمعة بدعة ضلالة وشرع لم يشرع فيتحتم تركها . وقراءة هذين البيتين كل جمعة بعد الصلاة خمس مرات اعتقاداً بأن من واظب عليهما توفاه الله على الإسلام شرع باطل ، وظن عاطل ، لم يعمل به أحد من الأوائل ، فكان الترك واجباً على كل عاقل ، وهما : -
____________________
(1/84)
( إلهي لست للفردوس أهلا ** ولا أقوى على نار الجحيم ) ( فهب لي توبة واغفر ذنوبي ** فإنك غافر الذنب العظيم ) وإثبات هذا الكلام الباطل وأمثاله في الكتب ليتعبد به كشرائع محمد ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ضلال وإضلال وزور وبهتان ( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) . وحديث ' من قرأ إذا سلم الإمام من صلاة الجمعة قبل أن يثني رجليه فاتحة الكتاب و ! ( قل أعوذ برب الفلق ) ! و ! ( قل أعوذ برب الناس ) ! سبعاً سبعاً غفر له ' الخ . رواه أبو الأسعد القشيري وفي إسناده ضعف شديد جداً فلا يجوز العمل به ، والصحيح كثير جداً في كتب السنة فاطلبه إن كنت سنياً راغباً في الجنة ، والمواظبة على صيغة اللهم يا غني يا حميد يا مبدئ يا معيد أغنني بحلالك عن حرامك ، وبفضلك عمن سواك ، بعد الجمعة ، واعتقادهم أن من واظب عليها أغناه الله ورزقه فظن كاذب أيضاً ! ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) ! ، فأعرضوا عنه وتولوا فيا حسرة على العباد وما ذكر عن بعض الشيوخ أن من قال بعد صلاة الجمعة سبعين مرة : اللهم اكفني بحلالك عن حرامك ، وأغنني بفضلك عمن سواك - قضى الله دينه وأغناه عن خلقه ، لا يقبل قولهم هذا إلا بسند صحيح عن المعصوم ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) . وقد روى أبو داود رحمه الله في سننه أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) دخل المسجد ذات يوم في غير وقت صلاة فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال : يا أبا أمامة مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت صلاة ؟ قال : هموم لزمتني وديون يا رسول الله قال : أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك ؟ قلت : بلى يا رسول الله قال : قل إذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من الجبن والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ، قال : ففعلت
____________________
(1/85)
فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى عني ديني ' ، قال شارح الجامع : حديث صحيح ' وفي الجامع برمز أحمد والترمذي والحاكم عن علي رضي الله عنه أن مكاتباً جاءه فقال : إني عجزت عن كتابتي فأعني قال : ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) لو كان عليك مثل الجبال ديناً أداه الله عنك قال : قل ' اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك ، قال في الجامع حديث حسن وقال شارحه : صحيح وخرج الترمذي عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال ' دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له ' ، وفي رواية : ' إني أعلمك كلمات لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه كلمة أخي يونس عليه السلام ' ، فهذا الذي جاء به المعصوم وهو الذي تعمل به وأنت موقن بالأجر وهو كما تراه مطلق غير مقيد بوقت الجمعة ولا غيرها فافهم واعمل تفز وقراءتهم ! ( قل هو الله أحد ) ! ألف مرة يوم الجمعة ليس له أصل البتة ، وذكر الله مطلوب أبداً فلا تكن من الغافلين ، عن سنة سيد المرسلين ، وقائد الغر المحجلين وإمام المهتدين ، وسيد ولد آدم أجمعين . وهناك رواية لم تقيد بالجمعة وهي حديث : ' من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله ' وهو في الجامع وشرحه ولم يبيناه ، ورأيت في موضوعات الفتنى أن فيه مجاشعاً الكذاب ، وفي موضوعات المقدسي فيه حجاج بن ميمون البصري منكر الحديث فالعمل به حرام . وقد جاءت السنة في ليلة الجمعة ويومها بالترغيب في قراءة آل عمران ، وهود ، والكهف والإكثار من الصلاة على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) والمبادرة بالذهاب إلى المسجد بالاغتسال والتطيب ، أفنترك هذا الوارد الثابت ثم لا نعمل إلا بالموضوع والمبتدع المخترع الممنوع فاتقوا الله . واجتماع الصوفية للذكر ( الرقص ) بعد الجمعة بالشخير والنخير والإلحاد في أسماء الله الكبير ، منكر وضلال فظيع شنيع . والستائر للمنابر بدعة ، والأيتام
____________________
(1/86)
والأرامل والمساكين أحق بثمنها ولكن المشروع مر على النفوس بخلاف ما تهوي الأنفس فإنه لذيذ ولكن عاقبته أمر من الصبر وأحر من الجمر . والتمسح بالخطيب إذا نزل من على المنبر بدعة يجب عليه هو أن يزجرهم وينهاهم عنها . والشحاذة في المسجد يوم الجمعة وغيره مذمومة ، والتشويش ، وكذا بيع الماء والحلوى والروائح ، وقولهم بعد الجمعة : يتقبل الله منا ومنكم ، وارد إلا أن فيه نهشلا الكذاب . فصل وحديث ' الجمعة حج المساكين ' ذكره في الجامع وضعفه هو وشارحه وفي التمييز وأسنى المطالب حديث ' الجمعة على الخمسين رجلا وليس على ما دون الخمسين جمعة ' ذكره في الجامع وضعفه ، وقال شارحه : إسناده واه وقال محشية : ضعيف ، بل قيل : منكر ، وخبر الجمعة لمن سبق - ليس من كلام النبوة قطعاً . وحديث ' الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها إلا أربعة ' ذكره في الجامع أيضاً وضعفه وقال شارحه : إسناده ضعيف ومنقطع ، والجمعة كسائر الصلوات لا تخالفها إلا في لزوم الجماعة والخطبتين قبلها ، ولم يأت دليل على أنها تخالفها في غير ذلك ، وكل ما قيل من أنه يشترط الإمام الأعظم والمصر الجامع ، والمسجد العتيق ، والحاكم الشرعي ، والسياسي والسوق ، وأنها لا تصلح إلا بأربعة ليس منهم أو منهم الإمام أو باثني عشر ، أو عشرين أو أربعين ليس فيهم ماسح على العصابة . فإن سقطت عصابته بطلت صلاة الجميع . فكل هذا سبهلل من القول ، وبدع في الدين بل زور وغرور إذ ليس عليه أثارة من علم ولا يوجد في كتاب الله ولا في سنة رسوله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) حرف واحد يدل على استحبابه فضلا عن وجوبه ، فضلا عن اشتراطه وإن تعجب فعجب وقوع مثل هذا في التصانيف التي تقرأ على طلاب العلم والعوام ، وحملهم على اعتقاده والعمل به وتلقينه للناس كأنه كتاب الله
____________________
(1/87)
وسنة رسوله ، فلا شيء من هذا قط يجوز التعبد والأخذ به إلا قول الله : ! ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) ! ، وإليكم البخاري ومسلماً خذوا منهما هدى رسول الله وخلفائه وأصحابه وكفى ! ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ! ، ( اتبعوا ما أنزل ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء ) . فصل في بدع ومنكرات الخطباء أيام الجمعات إن من أنكر ما ينكره المسلم في عصرنا هذا ، أن الخطباء آلات صماء تحفظ من الديوان ، ثم تحكي بدون فهم ولا شعور ، ولذلك لا ينفعون ولا ينتفعون وآية ذلك حلق الخطباء والعلماء وأئمة المساجد لحاهم ولباسهم الحرير والنظارات الذهبية ، وذهابهم إلى المساجد هكذا ، زاعمين أنهم قد أخذوا زينتهم لصلاة الجمعة وغفلوا أو تغافلوا عن أن هذه الزينة قد حرمها الله عليهم على لسان نبيه ، بل هي زينة النسوان ، ثم إذا كانوا هم لا يتعظون بما يدرسون فكيف يقبل أو يؤثر وعظهم ونصحهم وإرشادهم لمن يرشدون ! ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) ! أو ما سمعتم قول شعيب لقومه : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) فيا رعاة المسلمين تالله إنكم لمسئولون فاحذروا العذاب المهين . ومن فرط جهل كثير من الخطباء اعتمادهم على قطع من الخشب يسمونها بغباوتهم سيوفاً ، ظناً منهم أن الدين قام بالسيف ، بل ' كان ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) إذا خطب في الحرب خطب على قوس ، وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا قبل اتخاذ المنبر ' رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي وصححه في الجامع ومن التكاسل والجهل والتقصير اعتمادهم على قراءة ما في الدواوين القديمة وإن كانت لا توافق
____________________
(1/88)
عصرنا ولا حالنا بل وإن كان فيها ما يخالف الشريعة . وقراءتهم للأحاديث الموضوعة والضعيفة الواهية ، كأحاديث فضل رجب ونصف شعبان وغيرها ، من غير تبيانها للناس . وهذا تدليس بل وغش للمسلمين و ' ليس منا من غش ' ذكره في الجامع وصححه و ' من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار ' ذكره في الجامع وضعفه ومواظبتهم على قراءة حديث في آخر الخطبة الأولى دائما بدعة ، إذ صار عند الناس كفرض ينكرون على تاركه . ومواظبتهم في آخر الخطبة الأولى أيضاً على حديث ' التائب من الذنب كمن لا ذنب له ' أو ' ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة ' لا شك أنه جهل وبدعة . والحديث الأول ذكره ابن ماجه ، وقال محشيه ذكره صاحب الزوائد ، وقال : إسناده صحيح رجاله ثقات ، ثم ضرب على ما قال وأبقى الحديث على الحال . قال : وفي المقاصد الحسنة رواه ابن ماجه والطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب من طريق أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه رفعه ورجاله ثقات بل حسنه شيخنا يعني لشواهده ، وإلا أبو عبيدة جزم غير واحد بأنه لم يسمع من أبيه أ هـ. والحديث الثاني ذكره في الجامع وسكت عنه وقال شارحه صحيح لغيرَه ، ولكن قال في أسنى المطالب : فيه صالح المزي منكر الحديث قاله البخاري . وقال أحمد : صاحب قصص أ هـ. وقال ابن طاهر المقدسي في تذكرته : رواه صالح بن بشر المزي هو متروك قلت : والمتروك لا تحل روايته إذ هو والموضوع سواء . ومواظبتهم في آخر الأولى أيضاً بعد الحديث على لفظة : أو كما قال ، جهل وتقليد مذموم . أما إذا شك أو اشتبه عليه لفظ الحديث فلا بأس بها . وقراءتهم سورة الإخلاص ثلاثاً أثناء الجلوس بين الخطبتين جهل بالسنة وبدعة لما رواه النسائي في سننه فقال : ( باب السكوت في القعدة بين الخطبتين ) ثم ساق بالسند إلى جابر
____________________
(1/89)
ابن سمرة أنه قال : ' رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يخطب يوم الجمعة قائماً ثم يقعد قعدة لا يتكلم . ثم يقوم فيخطب خطبة أخرى ، فمن حدثكم أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان يخطب قاعداً فقد كذب ' والعجب كله ممن يثبتون هذه المخالفة البينة في مؤلفاتهم فتموت بها السنن وتحيا البدع فاتقوا الله وتسمية الخطبة الثانية بخطبة النعت بدعة وجعلها عارية عن الوعظ والإرشادات والتذكير والترغيب والترهيب والأمر والنهي - بل صلاة على النبي ودعاء للسلطان بدعة ، والخطب النبوية ليست كذلك ، والتزام ختم الثانية بآية . ( اذكروا الله يذكركم ) أو ! ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) ! بدعة ، وقد كانت الخطب تختم في القرون الأولى بقولهم : ' أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ' ، وافتتاحهم خطبتي العيدين الأولى بالتكبير تسعاً ، والثانية بالتكبير سبعاً ، وختمها بآية ! ( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام ) ! بدعة . إذ لم يحفظ عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قطعاً ولا عن خلفائه ولا أصحابه أنهم افتتحوا خطب العيد بالتكبير ومن ادعى ذلك طالبناه بالدليل ، بل قد روى ابن ماجه أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير في خطبة العيدين ، وفي الزوائد إسناده ضعيف . وقصة اليتيم التي تقرأ على المنابر أيام الأعياد وفيها : وجده ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يبكي يوم العيد فقال له : ' أيها الصبي مالك تبكي ؟ ' فقال له : دعني فإن أبي مات في الغزو مع رسول الله ، وليس لي طعام ولا شراب ، فأخذ بيده وقال : ' أما ترضى أن أكون لك أباً وعائشة أماً ' الخ . وقد فتشت عليها كثيراً في الكتب فلم أجدها إلا في كتاب التحفة المرضية ، وهو قد حوى من الخرافات والأكاذيب والترهات شيئا كثيراً ، وقد جعلها الرويني في ديوانه خطبة لعيد الفطر فاحذروا الكذب على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فوق المنابر ونقيقهم على المنابر بقصة إبراهيم وولده عليهما السلام ، وأنه وضع السكين على عنقه فلم تقطع كذب
____________________
(1/90)
موضوع من وضع الزنادقة ، والقصة القرآنية فيها الكفاية . والتزامهم السجع والتثليث والتربيع والتخميس في دواوينهم وخطبهم وبدعة مذمومة ، والسجع قد ورد النهي عنه في الصحيح . وإعراضهم عن التذكير بسورة في خطبهم كما كان يواظب عليه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) غفلة عظيمة وذهول عظيم ، عن النافع العميم ، الذي عمل به النبي الكريم ، إلى ما ورثوه عن أشياخهم فإنا لله قد ضلت العقول . فصل في بيان أن دواوين الخطب هي السبب الأكبر في انحطاطنا الديني والخلقي والمادي أتعلم أيها المسلم ماذا في دواوين الخطب المطبوعة ؟ التي تقرأ في جميع البلاد الإسلامية على المنابر في أيام الجمعات والأعياد ، وهي مطبوعة ومؤلفة من عشرات السنين ، وقد أضرت بالنشء الجديد ، وبعقول الخطباء العامة ، بل وجميع الناس ضرراً بليغاً ، لا يكاد يدرك تلافيه وتصحيحه في عدة قرون ، وليس فيها سوى نصح جاهل وبالدين لمن هو أشد منه جهلا . فمقلد غبي جاهل بالقرآن وتفسيره ، ومواطن أوامره ونواهيه ، وزواجره ، وترغيبه وترهيبه ، وحلاله وحرامه لا شك أنه لا يستطيع أن يبلغ أمته وقومه الدين الصحيح الذي يتمكن معتنقه من آداء واجبه الديني والخلقي والمادي بين الجماعات والأفراد الذين يجاورهم ويشاركهم في كثير من الأعمال في حياته . وكذلك الأمر في واعظ يجهل هدى الرسول ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) وسنته ولا يفرق بين الصحيح والمكذوب ، كما يجهل تاريخ كبرائنا . وسيرة عظمائنا ، وحروبهم وجهادهم ونضالهم لدينهم ودنياهم . فهؤلاء : حتى إذا غلطوا وقرأوا على الناس قرآنا فإنما يفسرونه على الطريقة
____________________
(1/91)
العوجاء العرجاء العقيم ، والتي لا تبث فيهم حمية الحق والغضب لأجله ؛ ولا تدعوهم إلى التزود من الكمالات والارتقاء . ولا تهديهم إلى سواء السبيل النافع الرافع بل هي دعوة قوية إلى الانحراف عن حقيقة الدين والدنيا والجد والاجتهاد في العمل بالبدع والخرافات ، والأضاليل والأباطيل الفاشية والنزهات والكسل والخمول ، الذي تعوذ منه الرسول ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) . وإليك قطعتين في المولد وفي وفاة الرسول ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) لشيخ الخطباء العالم النحرير ، والمجتهد الكبير كما يقال عنه : ابن نباتة . قال : وليته قطع لسانه قبل أن يقول ما قال : أيها الناس : سبق في علم الله كما ورد في الخبر : ما كان وما يكون ، وما غاب وما حضر ، فسبحان من اطلع على خلقه فعلم طاعة الطائع وكفر من كفر قبض قبضة من خلقه ، وقال : هذه إلى الجنة ولا أبالي ، وهذه إلى سقر ، وقبض قبضة من نوره وقال كوني محمداً سيد البشر وقسم نوره أربعة أقسام كما قد جاء في الخبر : فخلق من الجزء الأول اللوح والقلم ، فكتب القلم ما به الله قد أمر . وخلق من الثاني العرش والكرسي ، وكان اسم الرسول على العرش مسطر ، مكتوب عليه لا إله إلا الله لا أغفر لقائها حتى معها يا محمد تذكر . وخلق من الثالث الشمس والقمر ، ونور الفجر إذا ظهر وخلق من الرابع الجنة والنار وما فيها من حور وقصور وثمر . فلما أراد الله أن يخلق آدم أبا البشر ، أفرغ على طينته من نور النبي المفتخر ، وقال لها كوني آدم فكانت كما جاء في السير - الحديث - من كرامتي على ربي أني ولدت مختوناً ولم ير أحد سوأتي . وهذا كله باطل وافتراء على الله ، يجب أن تنزه عنه أسماع العوام والجهلة ، ويجب أن لا يقرأ عليهم إلا الصحيح النقي الصافي الذي يرقى أذهانهم ، ويحثهم بل ويلهبهم حماساً وحمية فيعملوا جادين دائبين لسعادة الدنيا والآخرة ، جاعلين نصب أعينهم فرضية التفوق والسيادة والعلو على العالم أجمع كما كنا وكان آباؤنا وأسلافنا .
____________________
(1/92)
ومسألة خلق كل شيء من نور النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) التي جعلها موضوع خطبته السخيفة قد أوضحها وبين بطلان حديثها صاحب المنار بالمجلد الثامن من صفحة 865 ، فقد أفاض هنالك وأفاد وأجاد ، فجزاه الله عن تحقيق الخير خير الجزاء . وحديث ' أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ' أخرجه عبد الرزاق ولا أصل له وليس فيه تعظيم للنبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) بل هو مثار شبهات وشكوك في الدين . قال تعالى : ! ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) ! ، قال : ! ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ) ! ، وقد قال محمد بن عثمان الثقفي البصري : والله الذي لا إله إلا هو إن عبد الرازق كذاب أ هـ. بلاء آخر ؛ وشر مستطير كذلك يقول صاحب حسن السمعة ، في خطب الجمعة ، وبئس ما قال : أما بعد : فيا عباد الله : هذا أول الربيعين قد هل هلاله بالخير على الوجود مبشراً أهل الإيمان بقرب ميلاد صاحب المقام المحمود ، ليأخذوا أهبتهم للاحتفال بليلة مولده ذات الفضل المشهود ، ويرفعوا أعلام الأفراح وهم قائلون في كل قيام وقعود : أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ، وما ذلك إلا اعترافاً بما له عليهم من الفضل المشكور ، إذ لولاه لما خلقوا ولما أخرجوا من الظلمات إلى النور ، فهو ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) سبب الإيجاد وعلم الإرشاد المنشود . . . . إلى أن قال : فمن احتفل بليلة مولده فقد أقام على قوة إيمانه دليلا . . . وأعرب عن مقدار محبته . . . وأثيب ثواباً جزيلا وكان له ( [ صلى الله عليه وسلم ] )
____________________
(1/93)
من عذاب النار مقيلا ، ( انظر الكفر الصريح ! ) وما جرت به العادة عند تلاوة مولده الشريف من إيقاد المصابيح والشموع ، وإقامة الزينات ، ورفع أعلام المسرات في الطرقات والربوع فلا بأس به ، إن كان من سعة ، وإلا فهو ممنوع ! ( أولئك عليهم صلوات ) ! الآية ولا بأس أيضاً بضرب الدفوف التي أتى الشرع بإباحة ضربها ، والترنم بالأناشيد التي مدح بها ، فإن لكل أمة عيدًا ، وعيد أمتنا ليلة مولد رسول ربها ، فاستعدوا لاحتفالكم بمولد نبيكم بقدر الاستطاعة ، ولا تقتدوا بأهل البدع واقتدوا بأهل السنة والجماعة أه . ببعض اختصار . فانظروا رحمكم الله إلى قلب الحقائق الدينية ، ونشر الكذب والباطل والزور على الله ورسوله ، وجعل السنة بدعة والبدعة سنة ، وكيف عكسوا وانتكسوا بغرورهم وجهلهم ، وكيف ضلوا وأضلوا الألوف بل الملايين من الناس وما زالوا لهم أتباعاً ، لا يستحيون من قراءة هذا الإفك والإثم المبين ، ولا أستطيع أن أنصح المسلمين بشيء أكثر من أن يحرقوا بالنار هذه الدواوين ، وأن يعتقدوا بطلان كل ما فيها - على أن يستبدلوا هذا الأدنى ، بالذي هو خير - القرآن الكريم والسنة المطهرة الصحيحة . فلا يخطبون ولا يعظون ولا يذكرون ولا يعلمون الناس إلا بما فيهما . مع تطبيقهما على السنن الكونية . والعلوم العصرية . أكاذيب خطب ابن نباتة في وفاة الرسول ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : اعلموا أن نبيكم عليه الصلاة والسلام من الله ، لما قرب رحيله ودنت منه الوفاة ، نزل عليه ملك الموت فقرع بابه وناداه . فقال : من بالباب يا فاطمة ؟ قالت : زائر يا أبتاه . فقال هل تعرفينه ؟ قالت : لا والله ، فقال ، هذا هازم اللذات .
____________________
(1/94)
فافتحي فلا حول ولا قوة إلا بالله ! ففتحت الباب فسمعت صوته ولا تراه ، يقول : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة والرسالة والجاه . فقال : وعليك السلام أجئتني زائراً أم قابضاً بإذن الله ، فقال ما زرت أحداً قبلك يا حبيبي في دار الحياة ولكن أمرت أن أكون بك شفيقا ، فإن قلت اقبض : قبضت بإذن الله وإلا رجعت فانظر ماذا تراه ، فقال : بالله لا تقبضني حتى يأتي أخي جبريل من عند مولاه ، أين تركته ؟ قال : تركته في السماء يعزيه في روحك ملائكة الله ، فما تم كلامه إلا وجبريل أتاه ، فقال : يا محمد ربك يقرؤك السلام ، ويقول لك أنت رسوله ومصطفاه ، فأن شئت يؤخرك كما أخر نوحا نبي الله ، فقال : وما بعد هذا ؟ قال : أن تلقى الله ، فعند ذلك قال : اقبض يا عزارئيل فقد بلغ العمر منتهاه ، فعالج روحه الشريفة حتى وصلت إلى ركبتيه ، فقال : مع الذين أنعم الله . ولما وصلت سرته قال : وأن مردنا إلى الله ، ولما وصلت إلى صدره قال : إنا لله ، ولما وصلت إلى حلقومه صرخ صرخة قال : واكرباه ، فقالت فاطمة : واكرباه على كربك اليوم يا أبتاه ، فعانقها فمالت عمامته وقضى نحبه ، هذا ما ورد في وفاة رسول الله أه . باختصار . لهذا أصبحنا أضعف أمة على وجه الأرض بجهلنا وضلالنا بما حشيت من الخرافات قلوبنا ، وأذل وأحقر وأسقط أمة بفساد أخلاقنا . وسوء معاملاتنا ، وانصرافنا عن كل ما فيه سعادتنا الدينية ، والدنيوية ، والأخروية ؛ بعد أن كنا ملوك الأرض وأرفع وأنفع الناس و ! ( خير أمة أخرجت للناس ) ! بهدايتها إلى الطريق التي هي أقوم ، واهتدائها بكتاب ربها وهدى نبيها الصحيح ، ففاقت الناس ، وعلت بالحق والعدل ، والصلاح والإصلاح علوا كبيراً . أما الآن وقد أصبح علماؤنا يجهلون حقائق دينهم ، ووعاظنا يهرفون بما لا يعرفون ، وخطباؤنا - كابن نباتة وأشباهه - دجالون كذابون ، وقراؤنا لمعاني
____________________
(1/95)
سورة صغيرة من القرآن لا يفقهون ، بل بالقرآن يشحذون ، وبالتغني به يتأكلون . فكان من الصعب والعسير جداً أنهم يرتقون ، أو في الخيرات يتسابقون ، أو للركب الأوربي يدركون ، أو يجارون ، وما كان هذا إلا لأن قادتنا غافلون ، وأئمتنا لأمر الدين والدنيا والسنن الكونية يجهلون ، فلم يعودوا للقيادة ولا للسيادة يصلحون ، ولا بشعوبهم ينهضون ، بل هم رزء الأمة ومصيبتها ، وأكبر غمة على هذه الأمة . الباب الثامن عشر في وجوب قصر صلاة المسافر في ميل واحد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال ' صحبت النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) وكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك ' ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ' أول ما فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر ، وأتمت صلاة الحصر ' متفق عليه ، زاد البخاري ' ثم هاجر - أي النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ففرضت أربعا وأقرت صلاة السفر على الأول ' زاد أحمد ' إلا المغرب فإنها وتر النهار ، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة ' وأخرج الطبراني في الصغير من حديث ابن عمر موقوفاً : ' صلاة السفر ركعتان نزلتا من السماء فإن شئتم فردوهما ' ، ورجاله موثقون وأخرج الطبراني أيضاً في الكبير عنه برجال الصحيح : ' صلاة السفر ركعتان من خالف السنة كفر ' أه . من نيل الأوطار وسبل السلام ، قال ابن القيم في الهدى وغيره لم يثبت عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أنه أتم الرباعية في السفر البتة أه . أما رواية البيهقي عن عائشة أنها اعتمرت معه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أتممت وقصرت وأفطرت وصمت فقال : ' أحسنت يا عائشة ' وما عاب علي فقد قال في الهدى قال
____________________
(1/96)
شيخنا ابن تيمية : وهذا باطل ، ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وجميع أصحابه فتصلي خلاف صلاتهم ، وكذا حديث ' كان [ صلى الله عليه وسلم ] يقصر في السفر ويتم ، ويفطر ويصوم ، وقد كذبه شيخ الإسلام ابن تيمية ، كما في شرح المنتقى وسبل السلام نقلا عن الهدى ، وكذا حديث ' لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان ' رواه الدارقطني بإسناد ضعيف من رواية عبد الوهاب بن مجاهد وهو متروك نسبه الثوري إلى الكذب ، وقال الأزدي : لا تحل الرواية عنه وهو منقطع أيضاً ؛ لأنه لم يسمع من أبيه . قال في نيل الأوطار وقد لاح من مجموع ما ذكرنا رجحان القبول بالوجوب ، وأما دعوى أن التمام أفضل فمدفوعة بملازمته [ صلى الله عليه وسلم ] للقصر في جميع أسفاره وعدم صدور التمام عنه كما تقدم . ويبعد أن يلازم [ صلى الله عليه وسلم ] طول عمره على المفضول ويدع الأفضل أه . وأما مسافة القصر فأحسن ما اطمأن إليه قلبي هو ما ذكر الإمام ابن حزم في كتابه المحلى ، قال رحمه الله بعدما ذكر أقوالا كثيرة جداً عن الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء ، قال الله عز وجل . ! ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) ! وقال عمر وعائشة وابن عباس . ' إن الله فرض الصلاة على لسان نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] في السفر ركعتين ، ولم يخص الله تعالى ولا رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] ولا المسلمون بأجمعهم سفراً من سفر ، فليس لأحد أن يخصه إلا بنص أو إجماع متيقن ، فإن قيل . بل لا يقصر ولا يفطر إلا في سفر أجمع المسلمون على القصر فيه والفطر . قلنا لهم ، فلا تقصروا ولا تفطروا إلا في حج أو عمرة أو جهاد ، وليس هذا قولكم ، ولو قلتموه لكنتم قد خصصتم القرآن والسنة بلا برهان ؛ وللزمكم في سائر الشرائع كلها أن لا تأخذوا في شيء منها لا بقرآن ولا بسنة ،
____________________
(1/97)
إلا حتى يجمع الناس على ما أجمعوا عليه منها ، وفي هذا هدم مذاهبكم كلها ، بل فيه الخروج عن الإسلام ، وإباحة مخالفة الله تعالى ورسوله [ صلى الله عليه وسلم ] في الدين كله ، إلا حتى يجمع الناس على شيء من ذلك ، وهذا نفسه خروج عن الإجماع ، وإنما الحق في وجوب اتباع القرآن والسنن حتى يصح نص أو إجماع في شيء منها أنه مخصوص أو منسوخ فيوقف عندما صح من ذلك ، فإنما بعث الله تعالى نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] ليطاع ، قال تعالى . ! ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) ! ولم يبعثه ليعصى حتى يجمع الناس على طاعته قال . السفر هو البروز عن محلة الإقامة ، وكذلك الضرب في الأرض ، هذا الذي لا يقول أحد من أهل اللغة التي بها خوطبنا وبها نزل القرآن سواء . فلا يجوز أن يخرج عن هذا الحكم إلا ما صح النص بإخراجه ، ثم وجدنا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قد خرج إلى البقيع لدفن الموتى ، وخرج إلى الفضاء للغائط والناس معه فلم يقصروا ولا أفطروا ، ولا أفطر ولا قصر ، فخرج هذا عن أن يسمى سفراً ، وعن أن يكون له حكم السفر ، فلم يجز لنا أن نوقع اسم سفر وحكم سفر إلا على ما سماه من هو حجة في اللغة سفراً ، فلم نجد ذلك في أقل من ( ميل ) ، فقد روينا عن ابن عمر أنه قال . ' لو خرجت ميلا لقصرت الصلاة ' فأوقعنا اسم السفر وحكم السفر في الفطر والقصر على الميل فصاعداً ، إذ لم نجد عربياً ولا شريعياً عالما أوقع على أقل منه اسم سفر ، وهذا برهان صحيح ، فإن قيل فهلا جعلتم الثلاثة أميال - كما بين المدينة وذي الحليفة - حداً للقصر والفطر إذ لم تجدوا عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أنه قصر ولا أفطر في أقل من ذلك ؟ قلنا . ولا وجدنا عنه عليه السلام منعا من الفطر والقصر في أقل من ذلك ، بل وجدناه عليه السلام أوجب عن ربه تعالى الفطر في السفر مطلقاً ، وجعل الصلاة ركعتين مطلقا ، فصح ما قلنا . ولله تعالى الحمد . والميل . هو ما سمي عند العرب ميلا ، ولا يقع ذلك في أقل من ألفي ذراع أه .
____________________
(1/98)
فصل في ذكر إهمال أكثر العلماء والمنتمين للسنة لهذه الرخصة الجليلة وهو من عيوبهم روى الإمام أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان عن عمر قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ' وفي رواية . ' كما يحب أن تؤتى عزائمه ' ، وروى النسائي عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إن الله عز وجل أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر ' وثبت أنه [ صلى الله عليه وسلم ] أخبرنا أنها - أي صلاة القصر - ' صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ' . إذا كان كذلك فعجب جداً أنك لا تكاد ترى عالما ولا واعظا ممن يجوبون البلاد ، ولا مدرسا من هؤلاء الرسميين أو غيرهم يحيي هذه السنة الجليلة الجميلة ، حتى كادت تندثر وتندرس ، ولو قلنا إن أهل الأزهر عن العمل بالسنة مبعدون ، ولها لا يعرفون ، بل هم عنها صادون ، فما لجماعة الشيخ محمود السبكي بها لا يعملون ، وهم ليلا ونهاراً باتباع السنة ينادون ، وللعلماء المبتدعين والعوام يحاربون ؟ ولقد حضر لدي بعضهم ، وكانوا مسافرين أميالاً وبرداً فأمرتهم بالقصر فأبوا ، فأسفت وقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ! وما وقع منهم ذلك إلا لأنهم في الهدى النبوي مفرطون ومقصرون ، وعن اقتناء كتب السنة وعلى الأقل البخاري ومسلم غافلون ، بل لكتب الحواشي والشروح يجمعون ، وفيها يذاكرون ، وكانوا إذا ذهبوا إلى الشيخ رحمه الله في أيام الجمعات فليس لهم هم إلا أنهم ليده يقبلون ، وبثيابه يتمسحون ، وقد نبهتكم يا إخواني لحبي فيكم فعساكم تتنبهون وتتفقهون ، وبالسنة تعملون .
____________________
(1/99)
وإنني لأكثر ثنائي وعظيم شكري لجماعة أنصار السنة ، إذ ما جاءني صغير منهم ولا كبير إلا وأراه محافظا على إحياء هذه السنة ، غير مقصر في قبولها وتعليمها فأكثر الله من أمثالهم ، ولكني أنكر عليهم جداً حلق لحاهم ، ويشتد نكيري وتغيظي عليهم لإعراضهم وذهولهم عن التطوع بأموالهم وأنفسهم في المعركة الفلسطينية لقتل اليهود الذين هم : ! ( أشد الناس عداوة للذين آمنوا ) ! والفتك بهم ولقد كان المفروض والمنتظر منهم أن يكونوا أول قاتل وأول قتيل وأشد من يتحمسون ويلتهبون ناراً قبل غيرهم للدفاع عن القبلة الأولى ، ومسرى الرسول وبلد الأنبياء ، وعن دماء وأعراض وأموال إخوانهم في الإسلام والأوطان عاملين قبل الناس فاهمين معنى ! ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) ! ، وقوله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، ولا يكذبه ولا يسلمه ' . يا أنصار سنة محمد . لقد كان من واجبكم أن تكونوا أسبق الناس إلى هذا الخير العظيم . الشهادة في سبيل الله ، وأن لا يعرف الناس طريق الذهاب إلى ميادين القتال إلا عن طريقكم . لا عن طريق من تعتقدون أنهم أهل ضلالة وبدعة ، ولكنا ويا للأسف لم نجدكم إلا أبطأ الناس ! ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا ) ! . الباب التاسع عشر في بيان الكفن المشروع ، وذم العلو فيه وفضل صلاة الجنازة وفي بدعها ومنكراتها أخرج الجماعة إلا ابن ماجه : ' أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد ولم يترك
____________________
(1/100)
إلا نمرة فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه ، فأمرنا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن نغطي بها رأسه ونجعل على رجليه شيئا من الإذخر ' . ففي الحديث دليل على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط . وروى ابن ماجه والترمذي عن أبي قتادة قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ' إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه ' ورجاله ثقات ، ورواية أحمد ومسلم : ' إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ' قال العلماء : ليس المراد بإحسان الكفن الإسراف والغلو فيه ، وإنما المراد نظافته ونقاؤه وكثافته وستره ، وأن يكون وسطا ، وأن لا يكون حقيراً ، وأن يكون أبيض لما رواه الخمسة إلا النسائي أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ألبسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم ، وكفنوا فيها موتاكم ' . وقال الصديق رضي الله عنه : ' اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيها ، إن الحي أحق بالجديد من الميت ، إنما هو للمهلة ' مختصر من البخاري . وروى الجماعة عن عائشة رضي الله عنها قالت : ' كفن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد يمانية ، ليس فيه قميص ولا عمامة ، أدرج فيها إدراجا ' . فصل وقد تغالى الناس في ذلك غلواً فاحشا لا يتفق مع العقل ولا مع الدين ، مع فقرهم وضنك عيشهم ، وسوء حالهم ، يموت الميت فيهرع أهله إلى البقية الحقيرة
____________________
(1/101)
التي بقيت لصبيته وأرامله ، فينفقونها على الجوخة والقطنية ، ويتداينون أو يبيعون أو يرهنون شيئاً من تركته ، ثم يتركون نساءه وعياله يشحذون ويتضورون جوعا ولا يفكرون فيما يقاسيه هؤلاء البؤساء من الشقاء والضياع ، على أن الذين فعلوا هذه الفعلة الشنعاء في مال هؤلاء التعساء ، لا ترق قلوبهم عليهم يوما فيعاونونهم ولو بالتافه من المال ، كما كانوا أبخل الناس وأشحهم بمساعدة هذا الميت في أيام مرضه الطويلة . وهؤلاء ما فعلوا ذلك ابتغاء رضوان الله ، وإنما فعلوه للفخر والرياء والسمعة ، وليقال : كان صفة كفن فلان كذا وكذا ، وليدفعوا عن أنفسهم بزعمهم سوء السمعة ، وطعن الناس في أعراضهم ، على أن هذا الميت عاش طول حياته لم يلبس ولم يأكل إلا الدون المهين ، عاش ومات حافيا عاريا جائعا . ومن السخافة والبرود والسماجة ، أنهم يظهرون طرف الكفن من سرير الميت عند سيرهم إلى الجبانة ، وأشنع من هذا وأفحش أنهم يخرقون هذا الكفن الغالي بالسكين مخافة سطو لصوص المقابر على هذا الميت في قبره ، فهل من سوط يابسة ، بل نعل ثقيلة تتسلط على رءوس هؤلاء الأغفال حتى ترد عليهم عقولهم ؟ . يا هؤلاء : ألا فاعلموا أن هذا من أكبر الكبائر ، وأفحش الجرائم ، إذ فيه معصية الله ، وضياع الأسرة ، هذا عين التبذير ، وقد قال تعالى : ! ( ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ) ! ، ! ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) ! ، ! ( وأن المسرفين هم أصحاب النار ) ! . ! ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) ! فتوبوا إلى الله توبة نصوحا ( عسى ربكم أن
____________________
(1/102)
يكفر عنكم سيئاتكم ) ومن عجيب ما حدث ببلدتنا الحوامدية أن شيخنا أزهريا يحمل الشهادة المشئومة أمر الناس أن يضعوا حلي النساء معهن في الأكفان يعيد بذلك في الإسلام سنة قدماء الوثنيين من المصريين واليونان ، الذين كانوا يعتقدون وجوب وضع قطعة من الذهب في فم الميت . ويقال عن الأروام : إنهم يضعون جميع الحلي ، وأفخر الملابس ، ولعبه التي كان يلعب بها ، معه في قبره ، فأراد الشيخ محمد الخطيب العالم العلامة شيخ الحوامدية الآن ، أن يعمل المسلمون بسنة الروم واليونان ، لأنها سنة جميلة في نظر الشيخ الذي اعتاد أن يصلي بالناس من غير وضوء ، اللهم اهد شيوخنا وأئمة أزهرنا ووفقهم . وروى البخاري بسنده عن البراء رضي الله عنه أنه قال : ' أمرنا النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) بسبع ونهانا عن سبع ، أمرنا باتباع الجنائز ، وعيادة المريض ، وإجابة الداعي ، ونصر المظلوم ، وإبرار القسم ، ورد السلام ، وتشميت العاطس . ونهانا عن آنية الفضة ، وخاتم الذهب ، والحرير ، والديباج ، والقسي والإستبرق ' وفي البخاري ومسلم أن أبا هريرة قال : قال رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ' من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن كان له قيراطان - قيل : وما القيرطان ؟ - قال : مثل الجبلين العظيمين ' وروى البخاري بالسند إلى نافع قال : حدث ابن عمر أن أبا هريرة قال : من تبع جنازة فله قيراط فقال أكثر - يعني أبا هريرة - فصدقت عائشة أبا هريرة وقالت : سمعت رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يقوله ، فقال ابن عمر : لقد فرطنا في قراريط كثيرة .
____________________
(1/103)
فصل في صلاة الجنازة وكان ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) إذا شرع في الصلاة قرأ الفاتحة بعد التكبيرة الأولى وصح عنه وعن أصحابه أنهم كانوا يكبرون أربعاً وخمساً وستاً وسبعاً ولا مانع يمنع من العمل بذلك أصلا ، وروى مسلم عن عوف بن مالك أنه قال : صلى رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول : ' اللهم اغفر له وارحمه وعافه ، واعف عنه ، وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره . وأهلا خيراً من أهله ، وزوجا خيراً من زوجه ، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ' ، وكان يخرج من الصلاة بتسليمتين ، وروى مسلم أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ' ، وورد ' اقرءوا على موتاكم يس ' وهو صحيح عن طائفة وضعيف عند أخرى ، وأخرج بن أبي شيبة والمروذي عن جابر بن زيد قال : كان يستحب إذا حضر الميت أن يقرأ عنده سورة الرعد . فإن ذلك يخفف عن الميت ، وإنه أهون لقبضه ، وأيسر لشأنه . والمعنى في كل القراءة عند خروج الروح لا غير يوضح ذلك ما رواه البخاري أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) لما علم بموت النجاشي صاحب الحبشة قال لأصحابه ' استغفروا لأخيكم ' ولم يقل لهم اقرأوا له سورة يس أو الرحمن أو تبارك أو الفاتحة أو غير ذلك ، ومعلوم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز ، فلما لم يبين وهو المرسل ليبين علم قطعاً أن القراءة للأموات وعليهم غير جائزة ، ولا تنفعهم ، فصارت القراءة المتعارفة الآن بدعة . كيف وقد قال الله تعالى : ( إن هو إلا ذكر للعاملين - وما هو إلا ذكر للعالمين - إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حياً ) وقال تعالى : ! ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) ! ،
____________________
(1/104)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره هذه الآية : أي كما لا يحمل عليه وزر غيره ، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه ، ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولو كان خيراً ما سبقوا إليه ، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقسية والأراء . فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما ، وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ، ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده ، أو علم ينتفع به ' ، فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله ، كما جاء في الحديث : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وأن ولده من كسبه ' ، والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه ، وقد قال الله تعالى : ! ( إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم ) ! الآية - والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس من بعده هو أيضا من سعيه وعمله ، وثبت في الصحيح ' من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ' أه . والقول بنسخ هذه الآية خطأ محض كما حققه الشوكاني في تفسيره وغيره وما يروى أن الإمام أحمد قال : إذا دخلتم المقابر فاقرأوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم ، لم يصح أصلا ، وكذا رواية : من مر على المقابر وقرأ ! ( قل هو الله أحد ) ! إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر عدد الأموات ' ، باطل
____________________
(1/105)
وليس من كلام النبوة ولا من كلام أصحاب النبي قطعاً . وما يروى عن ابن عمرو أنه أوصى أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها فهذا لم يذكر في كتاب من الكتب المعتمدة بل هو في كتب الواهيات ككتاب تذكرة القرطبي ، وكم فيها من أباطيل ، وإن صح فالمراد قراءتها عند احتضاره ولم يصح أصلاً . وحديث : ' من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم ' لا أصل له في كتب السنة ، بل قول الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] فيما رواه البيهقي : ' اقرءوا سورة البقرة في بيوتكم ولا تجعلوها قبوراً ' ، يدل على أن القبور لا يقرأ فيها القرآن وكذا حديث : ' ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام ' ورواه الخطيب وابن عساكر ، قال : ' فيسلم ' ولم يقل : فيقرأ له . وما يروى عن ابن عمرو أيضاً أنه أمر أن يقرأ عند قبره سورة البقرة فهو كلام ليس له سند صحيح ولا ضعيف ، وقد قال الإمام الدارقطني : لا يصح في هذا الباب حديث فكل هذه الأخبار والآثار شاذة منكرة مخالفة للأصول العامة المقررة في القرآن المجيد ، ومخالفة أيضاً لما كان عليه النبي [ صلى الله عليه وسلم ] طول حياته هو وسائر أصحابه وتابعيهم بإحسان . والمطلوب شرعاً طاعة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في قوله : ' استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ' . ذكره في زوائد الجامع عن الحاكم وقد صرح القرآن بالدعاء للأموات قال تعالى ! ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) ! هذا هو المشروع ، لا القراءة على المقابر وغيرها . وذهاب القراء إلى المقابر خلف الجنائز للقراءة برغيف أو قرص أو قرش خسة ، عظيمة ، قال تعالى ! ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) ! وقال : ! ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ) ! ، وإقامة السرادق وإنفاق الأموال الباهظة على الفرشات
____________________
(1/106)
والأنوار والسجاير والقراء وغير ذلك بدعة وإسراف . وأفظع من ذلك ما أحدثوه الآن من تلاوة القرآن في مكبر الصوت ( الميكريفون ) في مآتهم فزادوا في النفقات في الإسراف ، وأحدثوا سنة سيئة عليهم وزرها وضررها ونارها ، وقد قال تعالى ! ( وأن المسرفين هم أصحاب النار ) ! وقال تعالى لنبيه : ! ( ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ) ! وفي حديث أحمد والبخاري ومسلم : ' إن الله كره لكم ثلاثة : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ' والسبحة للميت بدعة مذمومة حدثت في سنة 1229 . والعتاقة أيضاً للميت بدعة ، وقد تقدم أن حديث ' من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة فقد اشترى نفسه من النار ' موضوع ومن أراد العتق من النار فليقل : ' لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ' عشر مرات يكن كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل رواه الشيخان وقد كان [ صلى الله عليه وسلم ] يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا : ' السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية ' رواه البخاري و ' لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ' و ' لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ' رواه أصحاب السنن إلا ابن ماجه والحاكم كما في الجامع وصححه . فصل إن من أشد العيب اللاحق بالألوف من المسلمين ؛ أنهم لا يحسنون بل لا يعرفون كيفية صلاة الجنازة على سهولتها ، ولذا تراهم يضعون الميت عن أعناقهم ثم يدورون في البلد يبحثون عن ( الفقي ) ليصلي لهم على ميتهم . وتقاعد وتكاسل الكثيرين من أهل العلم عن صلاتها فوت لفضل عظيم وربح كبير ،
____________________
(1/107)
وقد أخبرني بعض المشايخ الكبار المنتمين للعلم أنه يتشاءم من صلاتها ، فإنا لله ! وكثير من أدعية صلاة الجنازة الموجود في متون وشروح وحواشي الفقهاء ليس له أصل في السنة ، وإنما هو من مخترعاتهم فاحذروه ورفع أصوات بعض المتفيقهة عند الصلاة على الميت بقوله : سبحان من قهر عباده بالموت ، وسبحان الواحد الحي الذي لا يموت بدعة ، وإحداث شرع لم يأذن به الله ولا رسوله . ورفع أصواتهم بقراءة الفاتحة جماعة بعد التسليم من صلاة الجنازة ، وقراءتهم بعدها آية ! ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) ! الآية : بدعتان شنيعتان ، وقولهم ما تشهدون فيه ؟ وإجابتهم لهذا القائل بقولهم : صالح ، وربما كان تاركاً للصلاة أو شاربا للخمر ، أو فاسقاُ فاجراً فحاشاً - كما شاهدنا ذلك مراراً ، وما زلنا نشاهده ولم نقدر على إنكاره إلا قليلا - زور وكبيرة من الكبائر وبدعة منكرة ضلالة ، وقد سمع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أم العلاء وهي تقول في عثمان ابن مظعون لما توفي ببيتها ' رحمة الله عليك أبا السائب ، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : وما يدريك أن الله أكرمه ؟ فقالت بأبي أنت يا رسول الله ، فمن يكرمه الله ؟ فقال : أما والله لقد جاءه اليقين ، والله إني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ، قالت : فوالله لا أزكي أحداً بعده أبداً ' والقصة في البخاري ! ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) ! . وصلاة الجنازة كل ليلة على من مات من المسلمين في ذلك اليوم بدعة منكرة وتلقين الميت ورد فيه حديث ضعفه في أسنى المطالب ، وابن الصلاح والنووي وابن القيم والعراقي وابن حجر ، وصاحب سبل السلام ، بل عد العمل به بدعة لأنه بالغ في تضعيفه والذكر خلف الجنازة بالجلاله أو البردة أو الدلائل أو الأسماء الحسنى كله لم يشرع ، بل يجب أن يمنع ، وفي قفا صاحبه يصفع وبعرض الحائط يدفع ، إذ ليس من عمل الشفيع المشفع [ صلى الله عليه وسلم ] وعلى من بسنته استكفى واستقنع . والذكر حول سرير الميت قبل دفنه ، كما يفعله أغفال الفقراء جهل
____________________
(1/108)
وبدعة في الدين . والطواف بالميت حول أضرحة الأولياء . بدعة وثنية منكرة وشنيعة . واعتقادهم أن الميت حال السير به إلى الجبانة يثقل أو يخف على الحاملين أو يسرع في مشيته أو يبطئ أو يتأخر لأجل عياله أو أحد أقاربه أو غير ذلك ، تغفيل كبير ، وجهل بالدين شنيع ، وضلال عن هدى الرسول فظيع ، نسأل الله السلام . واعتقادهم أن سؤال القبر يكون بالسرياني . هكذا : أطره أطرح كاره سالحين باطل وزور ، وإثبات هذا في كتب المؤلفين من أكبر الكبر وأعجب العجب فلا تلتفت أيها المسلم إلى هذا الجهل والضلال ممن يقول : ومن عجيب ما ترى العينان أن سؤال القبر بالسريان . فابصق عليه وأعرض عنه ، وتوكل على الله ، فإنه من وحي الشيطان ، وإليك حديث البخاري قال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا ، أتاه ملكان فيقعدانه ؛ فيقولان له : ما كنت تقول في هذا النبي محمد ؟ فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، فيقال له انظر إلى مقعدك من النار ، أبدلك الله به مقعداً من الجنة ، قال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فيراهما جميعاً ، وأما الكافر أو المنافق فيقول : لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس فيه ، فيقال : لا دريت ولا تليت ، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين ' . فصل في ذكر دخول المقابر في صحيح مسلم عن بريدة قال : ' كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعلمهم
____________________
(1/109)
إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ' وفي سنن ابن ماجه عن عائشة أنها فقدت النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فإذا هو بالبقيع فقال : ' السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم ' أ هـمن الوابل الصيب ، وفي الأذكار : وروينا في كتاب الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه قال : مر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقاله : ' السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم وأنتم سلفنا ونحن بالأثر ' ، قال الترمذي : حديث حسن . فصل في بدع زيارة القبور وتحريم رفعها وبناء القباب عليها أما قراءتهم آية ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله ) الآية عند قبر رسول الله ، فهذا ضلال ، لأن ذلك كان في حياته [ صلى الله عليه وسلم ] وأما بعد مماته بأبي هو وأمي [ صلى الله عليه وسلم ] فلم يفعل هذا أحد من الصحابة ولا غيرهم ، والذي يحكي أنه فعل ذلك رجل أعرابي وحكايته غير صحيحة وموضوعة ، وإن صحت فقد خالفها سائر الصحابة الذين هم أعلم الناس بما يحبه [ صلى الله عليه وسلم ] وهو طول حياته يقول ويعلم ما قدمناه فالاقتصار عليه هو الدين والزيادة عليه ابتداع مردود . وكذا قولهم : السلام عليك يا ولي الله ، الفاتحة زيادة في شرف النبي [ صلى الله عليه وسلم ] والأربعة الأقطاب والأنجاب والأوتاد وحملة الكتاب والأغواث وأصحاب السلسلة وأصحاب التصريف والمدركين بالكون وسائر أولياء الله على العموم كافة جمعا يا حي يا قيوم ؛ ويقرأ الفاتحة ويمسح وجهه بيديه وينصرف بظهره - لا شك أن هذا
____________________
(1/110)
كله بدع ضلالات شركيات دميمات قبيحات . وتقبيل القبر والطواف به ، والتمسح به ؛ والتبرك به وبترابه والانحناء عنده ، كله من فعل أهل الجاهلية الأولى ، ولا يقبل الإسلام منه شيئا أصلا . وقول المتدروشين الوافدين إلى المدن كالقاهرة وطنطا والإسكندرية ؛ لزيارة قبور من بها من الأولياء والأموات عند دخولهم وعند إرادة الأوبة إلى بلادهم : الفاتحة لجميع سكان هذه البلدة سيدي فلان وسيدي فلان ويسميهم ويتوجه إليهم ويشير ويمسح كله بدع وهو من فعل من لا يعقلون عن الله ورسوله شيئا ، وسفرهم هذا غير مشروع ، وما ينفقونه على ذلك لا شك أنهم محاسبون عليه حسابا عسيراً فصل اعلم أخي هداني الله وإياك ووفقنا لفهم حقائق شريعتنا الغراء - أن بناء القباب على قبور المشايخ ، وعمل التوابيت ، وكسوتها بالأحمر والأخضر من غالي الأقمشة ونفيسها ، وعمل المقاصير النحاس المفضضة والمذهبة وتعليق القناديل والمصابيح عليها ، وتنسيق الزينات على الحيطان وكتابة الآيات القرآنية عليها ، أو اسم المقبور ، أو الأبيات الشعرية للإشادة بذكر الميت ، وكذا بناء المساجد عليها - لا شك أنه من اشتداد غضب الله على هذه الأمة ، ولعنها وطردها من رحمته . ولا ريب أن هذا من أكبر الكبائر في الإسلام ، وأفحش المعاصي التي يظن كثير من الطغام والجهلة والعوام أنها من أفضل القربات ، وأعظم وأجل الطاعات ، وإليكم بعض الأحاديث الواردة في ذلك ، عساكم بها تؤمنون ، ولمغزاها السامي تفهمون وعلى مقتضاها تعملون . ولكن لمن أقول ، ولمن أكتب حقائق دين حنيف سهل سمح ؟ لمن ضلت عقولهم ، وسفهت أحلامهم ، لمن أكتب لمن ذلت نفوسهم ؟ ومسخت
____________________
(1/111)
قلوبهم ، واستحبوا العمى على الهدى ، والعذاب بالمغفرة ، واستبدلوا الجنات العالية بالنار الحامية ، ورضوان الله بغضبه وانتقامه ، كيف أكتب لأمم وشعوب رضوا بأن يكونوا أقل الناس . وأحقر الناس ، وأرذل وأحط الناس ؟ باعوا سيادتهم ، وباعوا عزتهم وكرامتهم ، وباعوا علوهم ورفعتهم ، وباعوا تراث محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ، وكل ما ترك من ملك وعروش ، وقوة ودولة ، ودين ودنيا ، وإدارة ورئاسة وسيادة ، وشهامة وشجاعة ، وأنفة ، وحصافة ، وكياسة . إلا أنه لا بد من القول ، وفرض علينا أن نقول ونقول ونكتب ونكتب ولا نزال نكتب من غير ملل آملين العودة والرجوع إلى الله نادمين تائبين معتقدين أن الله الذي يحيى الأرض بعد موتها ، الذي يبعث من في القبور قادر على أن يحيينا بعدما أماتنا ، لنرفع راية الإسلام عالية . ونعيد مجدنا القديم . وهذه أدلة تحريم بناء القباب . ورفع القبور ، والكتابة عليها ، وبينا أنها من الكبائر ، ووجوب هدمها : ( 1 ) لقد بعث رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] علي بن أبي طالب ؛ وأمره أن لا يدع تمثالا إلا طمسه ، ولا قبرا مشرفا إلا سواه بالأرض . وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ' ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفاً إلا سويته ' . ( 2 ) وفي والصحيحين أن أم سلمة ذكرت لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كنيسة رأتها بأرض الحبشة . وذكرت له ما رأت فيها من الصور ، فقال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله ' . ( 3 ) وفي صحيح مسلم عن جندب قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قبل موته يقول : ' ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم
____________________
(1/112)
مساجد أفلا تتخذوا القبور مساجد فإنما نهاكم عن ذلك ' . ( 4 ) وفي الصحيحين أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال وهو في سكرات الموت : ' لعنة الله على اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ' ، يحذر ما صنعوا . وفي لفظ : ' قاتل الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ' . ( 5 ) وأخرج أحمد في مسنده أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد ' . ( 6 ) وأخرج أحمد وأهل السنن مرفوعا ' لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ' . ( 7 ) وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن جابر قال : ' نهى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يجصص القبر ، وأن يبنى عليه ، وأن يوطأ ' وفي رواية : ' وأن يكتب عليه ' . ثم هذه الأضرحة ، هل هي قبور أموات ، أو هي نصب للترصيع والتهاويل والزخارف والزينات ؟ وقد قال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' لا تتخذوا قبري عيداً - لا تتخذوا قبري وثنا - اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ' ، فلماذا ننفق عليها هذه النفقات الباهظة المحرمة ، مصاريف القبة والتابوت ، والأقمشة والبسط المعظمة الثمينة والمصابيح والأنوار والزخرفة . تبلغ حوالي ألف جنيه لشيخ واحد ؛ له في نظر الناس شيء من المكانة . فانظر بالله وفكر ، كم قبة وكم تابوت في كل بلد من بلاد المسلمين ؟ فبالله عليكم . أليس حفظ هذه الأموال الطائلة أنفع للبلاد والعباد ؟ أو ليس إنفاقها في عمل الأسلحة التي نستطيع أن نفتك بها
____________________
(1/113)
بأعدائنا اليهود والإنجليز ومن والاهم أفضل وأنفع وأرفع ؟ وما فائدة هؤلاء السدنة الذين يشحذون على حساب الشيخ من كل داخل وخارج ؟ وما الذي تنتفع به الأمة منهم ؟ أليس لزاماً على الحكومات أن تدرب هؤلاء على الكر والفر ؛ وتعلمهم القتال والنضال ، ليكونوا عونا لها على مقاومة العدو الصائل أو تجعلهم زراعا أو تجاراً أو صناعا ينتجون الخير للبلاد ، وهل يليق بحكومة إسلامية يناديها كتابها في كل قوت وحين : ! ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم ) ! ، وينادي : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون ، إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) فهل يليق السكوت بعد هذا حتى يأكلنا وبلادنا العدو الغاصب الجشع المهين ؟ أما إن ضياع هؤلاء وتبعة خيباتهم وسقوطهم لا نستطيع أن نحملها الغير رجال الحكومات الإسلامية وعلمائها . الباب التاسع عشر فصل في كيفية صلاة العيدين ، وما سن فيها وما ابتدع قال في زاد المعاد : كان [ صلى الله عليه وسلم ] يصلي العيدين في المصلى الذي على باب المدينة الشرقي وهو الذي يوضع فيه محمل الحاج . ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة أصابهم مطر فصلى بهم العيد في المسجد إن ثبت الحديث ؛ وكان [ صلى الله عليه وسلم ] يخرج ماشيا والعنزة تحمل بين يديه ، وكانت تنصب بين يديه فتكون سترته .
____________________
(1/114)
وكان [ صلى الله عليه وسلم ] إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول : الصلاة جامعة ؛ والسنة ألا نه يفعل شيئا من ذلك ، ولم يكن يصلي شيئا قبلها ولا بعدها ، وكان يبدأ الصلاة قبل الخطبة فيصلي ركعتين يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح ، بسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة . وكان [ صلى الله عليه وسلم ] إذا أتم التكبير أخذ في القراءة فقرأ بفاتحة الكتاب ؛ ثم قرأ بعدها ! ( ق والقرآن المجيد ) ! في إحدى الركعتين ، وفي الأخرى : ! ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) ! وربما ! ( سبح اسم ربك الأعلى ) ! و ! ( هل أتاك حديث الغاشية ) ! ، فإذا فرغ من القراءة كبر وركع . ثم أكمل الركعة وقام من السجود كبر خمسا متوالية ، فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة ، فإذا أكمل الصلاة انصرف فقام مقابل الناس ، والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم وينهاهم أ هـباختصار وتصرف قليل . فصح عنه [ صلى الله عليه وسلم ] أنه عاش طول حياته يصلي العيد بالصحراء لا بالمسجد ، وكان يقول : ' لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ' متفق عليه ، وقد صح عنه أنه قال : ' صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ' متفق عليه ، مع هذا كله ، كان يترك هذا المسجد المعظم ويخرج إلى الصحراء في الأعياد ، ويأمر الرجال والصبيان والنساء حتى الحيض بالخروج معه للصلاة ، وفي البخاري أن امرأة قالت يا رسول الله على إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج ' أي لصلاة العيد ' ؟ فقال ' لتلبسها أختها من جلبابها فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ' ، وفي البخاري ومسلم أيضاً قالت أم عطية : ' أمرنا أن
____________________
(1/115)
تخرج فنخرج الحيض والعواتق وذوات الخدور ، فأما الحيض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزلن مصلاهم ' ، وفي رواية ' كنا نؤمر أن يخرج الحيض فيكبرن بتكبيرهم ويدعون ' ولم يصح [ صلى الله عليه وسلم ] أنه صلى العيد أبداً بالمسجد إلا مرة واحدة لضرورة المطر ، والحديث ضعيف في سنن أبي داود ، وابن ماجه ، ولا أدري لم أنصرف كل علماء عصرنا عن العمل بهذه السنة المفرحة الشارحة للصدور ، الجالبة للسرور ؟ وإني لأشكر للأستاذ الشيخ محمود خطاب وجماعته شكراً جما على إحيائهم لتلك السنة الجليلة ، إلا أنهم فاتهم الأمر بإخراج بناتهم ونسائهم إليها ، وقد سبقناهم إليه والحمد لله ، إذ صح عنه [ صلى الله عليه وسلم ] أنه كان ' يأمر بناته ونساءه أن يخرجن للعيد ' رواه أحمد ، وإني كنت أعيب كثيراً على جماعة أنصار السنة إذ كانوا يتركون العمل بهذه السنة الجليلة الجميلة ، وهم يزعمون أنهم أنصار لها ولكنهم وفقوا لها الآن توفيقا تاماً فالحمد لله وحده ، وأمقت على بعضهم حلق لحاهم وتشبههم بالمجوس ، وهم يقرءون كتب السنة أفلا يعقلون ؟ وآخذ كل الأخذ على الشيخ السبكي وجماعته ، إذ يؤولون آيات وأحاديث الصفات كالجهمية والمعتزلة وقد كان المنتظر أن يؤلف الشيخ في ذم وتحريم التأويل لا أن يروج مذهب الخلف ويؤثره على ما جاء به محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه ؛ نسأل الله أن يهدينا وإياهم الصراط المستقيم . وقولهم عند صلاة العيد : الصلاة جامعة ، لم يرد فيه إلا خبر مرسل سقط منه الصحابي ، وهي سنة في الكسوفين صحيحة . وترك الأئمة لقراءة سورتي ' ق ' و ' اقتربت ' أو ' سبح ' و ' الغاشية ' في ركعتي العيدين غفلة منهم وتقصير لما روى مسلم أنه [ صلى الله عليه وسلم ] ' كان يقرأ فيهما بق والقرآن المجيد ، واقتربت
____________________
(1/116)
الساعة وانشق القمر ' ، وفي سنن الترمذي عن النعمان بن بشير قال : ' كان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يقرأ في العيدين والجمعة بسبح اسم ربك الأعلى ، وهل أتاك حديث الغاشية ؛ وربما اجتمعا في يوم واحد فيقرأ بهما ' قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، والزيادة على الوارد في تكبير العيدين بدعة ، والوارد الصحيح عن سلمان أنه قال : ' كبروا الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيراً - زاد في رواية - ولله الحمد ' ، وفي أخرى : ' لا إله إلا الله وحده لا شريك له ' فما زاد عن ذلك فلا أصل له والتكبير في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يسلم الإمام من صلاة العيد . وفي الأضحى من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق الثلاث . وزيارة الجبانة أو قبور الأولياء بعد صلاة العيد بدعة ، والأحاديث في فضل الصلاة ليلة الفطر والنحر ويوميهما ويوم عرفة مكذوبة ومفتراة فلا تلتفتوا إليها ، وعليكم بقراءة أبواب صلاة العيد في البخاري ومسلم تعرفوا الحق السماوي . ثم الإسراف في النفقات على الكعك والفطرة ، والسمك البكلاه ، واللعوم وما إلى ذلك ، لا شك أنه حرام لقوله تعالى : ! ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا ) ! أما إذا لم يسرفوا فلا شك أن هذا من المباحات التي يشير إليها حديث : ' أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل ' . الباب العشرون في كيفية صلاة الكسوفين وبيان ما أحدثوه فيها قال في الهدي النبوي : لما كسفت الشمس خرج [ صلى الله عليه وسلم ] إلى المسجد مسرعا فزعاً يجر رداءه ، وكان كسوفها في أول النهار ، فتقدم فصلى ركعتين قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وسورة طويلة ، جهر بالقراءة ، ثم ركع
____________________
(1/117)
فأطال الركوع ، ثم رفع رأسه من الركوع فأطال القيام ، وهو دون القيام الأول ، وقال لما رفع رأسه : سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمد ثم أخذ في القراءة ، ثم ركع فأطال الركوع ، وهو دون الركوع الأول ، ثم رفع رأسه من الركوع . ثم سجد سجدة طويلة ، فأطال السجود . ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الركعة الأولى فكان في كل ركعة ركوعان وسجودان ، فاستكمل في الركعتين أربع ركعات وأربع سجدات . ورأى في صلاته تلك الجنة والنار ، وهم أن يأخذ عنقودا من الجنة فيريهم إياه ، ورأى أهل العذاب في النار ، ورأى امرأة تخدشها هرة . ربطتها حتى ماتت جوعا وعطشا . ورأى عمرو بن مالك يجر أمعاءه في النار وكان أول من غير دين إبراهيم . ثم انصرف فخطبهم خطبة بليغة . حفظ منها قوله : ' إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا ، يا أمة محمد . والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته ، يا أمة محمد . والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً ، ولقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة ، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط أفظع منها ، ورأيت أكثر أهل النار النساء . قالوا : وبم يا رسول الله ؟ قال بكفرهن قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : يكفرن العشير ويكفرن الإحسان ، ولو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ، ثم رأت منك شيئاً قالت ما رأيت منك خيرا قط . ولقد أوحى إلى أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبا من فتنة الدجال ، يؤتي أحدكم فيقال له : ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن فيقول محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى ، فأجبنا وآمنا واتبعنا ، فيقال له : نم صالحا فقد علمنا إن كنت لمؤمنا ، وأما المنافق فيقول : لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته أ هـمختصراً .
____________________
(1/118)
وفي رواية ' أنه بعث مناديا ينادي : إن الصلاة جامعة . ثم صلى بهم وخطبهم ' . وبهذا نستدل على جمود وقسوة قلوب أهل زماننا وبالأخص العلماء ، وذلك لأن الشمس والقمر ينخسفان كل عام ، ومع هذا لا ترى في البلد الكبير الشاسع الأطراف رجلين من أهل العلم يفزعان في البلد إلى صلاة الخسوف وإحياء هذه السنة المندرسة ، وإماتة هذا المبتدع المنكر الذي طم وعم ، وملأ القلوب بالهم والغم ، ألا وهو صخب الناس ودورانهم حول البلاد يدقون الطبول ، ويضربون النحاس والصفيح ، ويتغنون بهذا الكلام البارد الفارغ القبيح . ( يا بنات الحور ** سيبوا القمر ينور ) ( يا بنات الحور سيبوا القمر ** القمر مكسوف ما عندناش خبر ) ( أو يا لطيف الطف بنا ** واحنا عبيدك كلنا ) ومع هذا الهذيان ، والجهل الفاضح ، لا ترى فردا واحداً من أهل العلم ينكر على أهل هذه السخرية المزرية بنا لدى الأجانب المجاورين لنا ويعرفهم ضلالهم وجهلهم بدينهم ، ويعلمهم المشروع ، وينهاهم عن هذا المحدث المنكر الممنوع ، أو ينكر عليهم إذا أصبحوا في المسجد أو في خطبة الجمعة أو بعدها ، بل يسكتون كأنهم في الجهالة والضلالة والحماقة والطيش متساوون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون وهذا مما يعرفنا قيمة الدين عندهم ؛ ودرجة خوفهم من معصية ربهم ، ومقدار متابعتهم لنبيهم ، أما والله إنهم لفي غفلة عن قول المعصوم [ صلى الله عليه وسلم ] ' ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب ' رواه أحمد وأبو داود وغيرهما .
____________________
(1/119)
فصل في ذكر كليمة خبيثة تناسب هذا المقام لابن نباته قال : أيها الناس ، إن شهركم هذا عظيم قدره ، جليل فخره ، . . . خلق الله فيه العرش والكرسي واللوح والقلم ، واستشهد فيه الحسين بن علي فنال أعلى المفاخر والمراتب . قتل لعشر خلون من شهر محرم الحرام ، سنة إحدى وستين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، وكان . ذلك في أرض يقال لها : كربلاء ، أحل الله بقاتله كل كرب وبلاء ، وقد وجد في الحسين ثلاث وستون طعنة ، وأربع وثلاثون ضربة ، بكت لموته الأرض والسموات وأمطرت دما ، وأظلمت الأفلاك من الكسوف واشتد سواد السماء ودام ذلك ثلاثة أيام والكواكب تتهافت ، وعظمت الأهوال حتى ظن أن القيامة قد قامت ، كيف لا وهو . . . وكان [ صلى الله عليه وسلم ] من حبه في الحسين يحمله ويقبل شفتيه ؛ فكيف لو رآه ملقى على جنبيه ؛ شديد العطش والماء بين يديه ، لصاح [ صلى الله عليه وسلم ] وخر مغشياً عليه . وكذب ابن نباتة وكذب ابن نباتة وبئس الخطيب ابن نباتة ، وبئست الخطبة ؛ وبئست الكلمة ، وبئست الكذبة على رسول الله ، وإنها والله لكبيرة يا ابن نباتة إن لم تكن كفراً ، فبئس خطيب القوم أنت وبئس الواعظ الجاهل الذي لم يعرف رسول الله ولم يقدره قدره ، والحديث ' إذا حشر الناس في عرصات القيامة نادى مناد من وراء حجب العرش : يا أهل الموقف ، غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد . . ثم تقول اللهم شفعني فيمن بكى على مصيبتي ' إلخ مكذوب والخطبة كلها سفه وطيش وحمق وحديث ' الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ، يبطل شنشته الفارغة الخسيسة التي بمثلها تضل العقول ؛ وتهلك وتسقط الأمم والشعوب ، فالويل كل الويل لمن كنتم قادتهم .
____________________
(1/120)
الباب الحادي والعشرون في ذكر عدة صلوات مشروعة وموضوعة صفة صلاة الاستخارة وذكر عدولهم عنها إلى بدعة الجاهلية روى البخاري وغيره عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ، كما يعلمنا السورة من القرآن يقول : ' إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ؛ وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاقدره لي ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ، ثم رضني به ' . ولقد أعرضوا ويا للأسف عن هذا العلم اللطيف السهل السماوي ، إلى الاستخارة بما سماه الله فسقاً في قوله : ! ( وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق ) ! أي يطلبون قسم الرزق وغيره به . والأزلام ثلاثة أنواع . أحدها : مكتوب فيه افعل : والثاني لا تفعل ، والثالث مهمل لا شيء عليه ، فإذا أراد فعل شيء أدخل يده وهي متشابهة فأخرج منها واحداً ، فإن خرج الأول فعل ما عزم عليه . أو الثاني تركه ؛ أو الثالث أعاده . وسماه الله فسقاً لأنه تعرض لدعوى علم الغيب وضرب من الكهانة أه . فتارة تراهم يستخيرون عند ضراب الودع والرمالين الذين قال فيهم الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ' ورواه أحمد والحاكم وحسنه في الجامع الصغير ،
____________________
(1/121)
وفي رواية ' من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ' حديث صحيح ، رواه أحمد ومسلم ، كما في الجامع ، وتارة تراهم يستخيرون بالسبحة يهمهمون عليها ثم يعدون قائلين ( الله محمد على أبو جهل ) فسبحان الله ما أسخف عقولهم ، وما أشد حمقهم وجهلهم ، إذ يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ومن هنا تعلم أن الذهاب إلى دجال أجهور ، وكذاب عين شمس أبو خليل الشاذلي ورمضان بلدة العزيزية عندنا وأمثالهم هو عين الكفر والجهالة والضلالة والغباوة فأقلعوا عن هذا إن كنتم مسلمين . فصل في فضل صلاة الضحى وذكر ما ابتدع فيها روى مسلم والنسائي وغيرهما أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ، ويجزء من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى ' ولما علم الشيطان هذا الفضل العظيم فيهما ، ألقى بين العوام والجهلة أن من صلاها وتركها ، ولو لعذر ، تموت عياله أو يذهب بصره . وقد اشتهر هذا بين الناس فاتقوا الله واعلموا أن ! ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) ! وعن أبي سعيد قال كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها . ويدعها حتى نقول لا يصليها ' . وحديث ' من دام على صلاة الضحى ولم يقطعها إلا من علة كنت أنا وهو في الجنة في زورق من نور في بحر من نور حتى نزور رب العالمين ' باطل رواه زكريا بن زويل الكندي الكذاب .
____________________
(1/122)
فصل في صلاة التسبيح قال الترمذي : قد روي عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] غير حديث في صلاة التسبيح ، ولا يصح منها كبير شيء ، ثم روي عن أبي رافع قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] للعباس : ' يا عم ألا أصلك ألا أحبوك ألا أنفعك . قال : بلى يا رسول الله قال يا عم صل أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة القرآن وسورة ، فإذا انقضت القراءة . فقل الله أكبر والحمد لله وسبحان الله خمس عشرة مرة قبل أن تركع ، ثم اركع فقلها عشرا ، ثم ارفع رأسك فقلها عشرا ، ثم اسجد فقلها عشرا ، ثم ارفع رأسك فقلها عشرا ، ثم اسجد الثانية فقلها عشرا ، ثم ارفع رأسك فقلها عشرا قبل أن تقوم ، فتلك خمس وسبعون في كل ركعة وهي ثلاثمائة في أربع ركعات ، فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج لغفرها الله لك ، وتمام الحديث أنها تقال في كل يوم أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة . ورواه أيضا أبو داود وابن ماجه . وقال شارح الترمذي بعد تضعيفه لطرق الحديث كلها : وما ثبت بالصحيح يغنيك ، وقال محشي سنن ابن ماجه : ثم الحديث قد تكلم فيه الحافظ ، والصحيح أنه حديث ثابت . وقال الجلال السيوطي في اللآلئ بعد كلام طويل وقال أبو جعفر العقيلي : ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت . وقال أبو بكر بن العربي ليس فيها حديث صحيح ولا حسن . وبالغ ابن الجوزي فذكره في الموضوعات ، وصنف أبو موسى المديني جزءا في تصحيحه فتنافيا . والحق أن طرقه كلها ضعيفة ، وأن حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه ، وعدم المتابع والمشاهد من وجه معتبر
____________________
(1/123)
ومخالفة هيأتها لهيأة باقي الصلوات ، وموسى بن عبد العزيز وإن كان صادقا صالحا فلا يحتمل هذا التفرد ، وقد ضعفها ابن تيمية والمزي ، وتوقف الذهبي ، حكاه ابن عبد الهادي عنه في أحكامه أه . وقال العراقي : ليس فيها حديث صحيح أه . فصل في صلاة دعاء حفظ القرآن قال الإمام الشوكاني : قال السيوطي في اللآلئ وأخرجه الحاكم عن أبي النضر الفقيه ، وأبي الحسن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي عن الوليد بن مسلم عن ابن جريج ، عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس ، وقال صحيح على شرط الشيخين ، ولم تركن النفس إلى مثل هذا من الحاكم ، فالحديث يقصر عن الحسن فضلا عن الصحة ، وفي ألفاظه نكارة ، قال وأنا في نفسي من تحسين هذا الحديث فضلا عن تصحيحه فإنه منكر غير مطابق للكلام النبوي والتعليم المصطفوي ، وقد أصاب ابن الجوزي بذكره في الموضوعات ، ولهذا ذكرته في كتابي الذي سميته : الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة أه . فصل في صلاة الحاجة روى ابن ماجة عن ابن أبي أوفى قال : خرج علينا رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : فقال : ' من كانت له حاجة إلى الله أو إلى أحد من خلقه فليتوضأ وليصل ركعتين ، ثم ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل إثم أسألك ألا تدع لي ذنباً إلا غفرته ، ولا هماً إلا
____________________
(1/124)
فرجته ؛ ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها لي ، ثم يسأل الله من أمر الدنيا والآخرة ما شاء فإنه يقدر ' . وقال الشوكاني في شرحه على الحصن الحصين أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم وذكر زيادة ' يا أرحم الراحمين ' في سنن ابن ماجة ولم أجدها فيه ثم قال : وفي إسناده فايد بن عبد الرحمن بن الورقاء وهو ضعيف ، قال الترمذي بعد إخراجه هذا الحديث حديث غريب ، وفايد يضعف في الحديث . وقال أحمد متورك ، وقال بن عدي مع ضعفه يكتب حديثه أه . وقال محشي سنن ابن ماجة : أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث غريب ، وفي إسناده مقال . فإن فايد بن عبد الرحمن يضعف في الحديث وضعفه ابن العربي وقال : فمن كانت له حاجة إلى الله فليسأله ، وليقدم بين يدي سؤاله صدقة وتوبة أه . أما حديث الأعمى فقد رواه ابن ماجة وغيره عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : ادع الله أن يعافيني فقال ' إن شئت أخرت لك وهو خير ، وإن شئت دعوت ' فقال : ادعه ، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء ' اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة ، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي ، اللهم فشفعه في ' قال أبو إسحاق هذا حديث صحيح ، وقال محشي سنن ابن ماجة : رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر ؟ أه . وقال السيد الإمام صاحب المنار رحمه الله في بعض حواشيه على هذا الحديث : هو حديث غريب كما صرح الترمذي ، انفرد به أبو جعفر قال هو غير الخطمي ، وظاهر صنيع تهذيب التهذيب تبعاً لأصله أنه مجهول ، فإنه وضع له عدداً خاصاً ، ولم يزد على ما قاله فيه الترمذي أنه غير الخطمي ، وإلا فهو عيسى ابن
____________________
(1/125)
الرازي التيمي ، ولكن هذا ضعيف حتى قال ابن حبان ينفرد عن المشاهير بالمناكير ، أو محمد بن إبراهيم وليس بالقوي الذي يعد حديثه صحيحاً أه وقد شك في صحة هذا الحديث العز بن عبد السلام والإمام الصنعاني فقال ما حاصله : أن التوسل بالنبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) جائز إن صح الحديث . يقول محمد بن أحمد عبد السلام : الحق أن التوسل بالنبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) جائز ولا نزاع فيه لكن بدعائه لا بذاته كما توسل هذا الرجل الضرير وكما توسل به أصحابه في حياته ، فلا مانع أبداً من التوسل بدعاء النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) بأن يقول الداعي المتوسل به ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال لها : ' عليك يحمل الدعاء وجوامعه وكوامله ' وفيه ' قولي اللهم إني أسألك مما سألك به محمد ، وأعوذ بك مما تعوذ به محمد ' رواه البخاري في الأدب وابن ماجه وغيرهما . فمن أراد أن يعمل بهذا الحديث ، حديث الضرير ، وأن يصلي صلاته ، فليدع الله تعالى بدعاء نبيه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) الذي دعا به لذلك الرجل ، ولسائر أمته فإن الدعاء بالذوات والأشخاص ممنوع شرعا ، بدليل توسل عمر بعد وفاة النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) بعمه العباس ، فلما ترك عمر التوسل عند الكرب والشدة - بالأفضل ، وتوسل بالمفضول بين جمع كبير من الصحابة ؛ ولم ينكر عليه فرد واحد منهم - علم أن التوسل الجائز المشروع إنما كان في حياته بدعائه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ، وأنت قد علمت ما في هذا الحديث ، والذي قبله من المقال ، فالأفضل لك والأخلص والأسلم ، أن تدعو الله تعالى في جوف الليل ، وبين الأذان والإقامة ، وفي أدبار الصلوات قبل التسليم ، وفي أيام الجمعات ، فإن فيها ساعة إجابة ، وعند الفطر من الصوم . وقد قال ربكم ! ( ادعوني أستجب لكم ) ! وقال : ! ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) ! وقال : ! ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ! .
____________________
(1/126)
فصل في صلاة التوبة قال الحافظ ابن كثير في تفسير آية : ! ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ) ! الآية . ويتأكد الوضوء ، وصلاة ركعتين عند التوبة ، لما رواه الإمام أحمد عن علي ، رضي الله عنه قال : كنت إذا سمعت من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حديثاً نفعني الله بما شاء منه ، وإذا حدثني عنه غيره استحلفته ، فإذا حلف صدقته ، وإن أبا بكر ، رضي الله عنه حدثني ، وصدق أبو بكر أنه سمع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، قال : ' ما من رجل يذنب ذنباً ، فيتوضأ ويحسن الوضوء ، قال مسعر : فيصلي ، وقال سفيان : ثم يصلي ركعتين ، فيستغفر الله عز وجل إلا غفر له ' . قال : وهكذا رواه علي بن المديني ، والحميدي ، وابن أبي شيبة ، وأهل السنن ، وابن حبان في صحيحه والبزار والدارقطني من طرق عن عثمان بن المغيرة به ، وقال الترمذي : هو حديث حسن أه وذكره الإمام الشوكاني بهذا السند في شرح الحصن الحصين بلفظ : ' ما من رجل يذنب ذنباً . ثم يقوم فيتطهر ، ثم يصلي ركعتين ، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ' ، ثم قرأ هذه الآية : ! ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ) ! إلخ الآية أه . قلت : وذكره أيضاً كذلك في كتاب ابن السني ، وفي الترغيب ، والترهيب . فصل في دعاء وصلاة الآبق والضياع أخرج الطبراني من حديث ابن عمر عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] في الضالة أن يقول : اللهم راد الضالة ، وهادي الضلالة ، أنت تهدي من الضلالة ، اردد علي ضالتي بقدرتك ، وسلطانك ، فإنها من عطائك وفضلك ' ، ذكره
____________________
(1/127)
الشوكاني في شرح الحصن الحصين ، وقال : في مجمع الزوائد فيه عبد الرحمن ابن يعقوب بن عياد المكي ، ولم أعرفه ، وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه ، والطبراني من حديث ابن عمر ، أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إذا ضاع له شيء أو أبق ، يتوضأ ويصلي ركعتين ، ويتشهد ويقول : بسم الله يا هادي الضلال ، وراد الضلالة ، اردد علي ضالتي بعزتك وسلطانك ؛ فإنها من عطائك وفضلك ' . قال الشوكاني : قال الحاكم رواته موثقون مدنيون لا يعرف واحد منهم بجرح أه . إذا فهمت هذا ، فأعلم أن من الجهل ، والضلال ، والعيب الكبير فيكم أيها المسلمون أنكم تهرعون عند ضياع بعض حوائجكم إلى بعض الكهنة والسحرة ليعملوا لكم ( المندل ) لتعرفوا السارق ، وهذا هو الضلال البعيد ، والبلاء الشديد ، ويحكم كأنكم لستم مسلمين ، ألم تسمعوا نبيكم يقول : ' من أتى عرافاً أو كاهنا ، فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد ' رواه أحمد والحاكم ، وحسنه في الجامع ، وقال : ' من أتى عرافا فسأله عن شيء ، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ، رواه أحمد ومسلم ، وصححه في الجامع ، وكذا من البدع الذميمة كتبهم أسماء المتهمين بالسرقة في أوراق صغيرة ، ووضعها في جوانب المصحف ، وربطه بخيط في مسمار ، ثم يمسك رجل حرف المسمار المربوط فيه المصحف ، فيقرأ سورة يس ، حتى إذا دارت يده بالمصحف من طول حمله ومن تعبه ، قرأوا اسم من دار المصحف ناحية اسمه ، فيتهمونه بالسرقة ، وإن كان بريئا ، فاتقوا الله أيها المسلمون ، وإياكم وهذه البدع ، والخرافات ، والجهالات ؛ إياكم وهذا الشر المستطير ، الذي يوقع بينكم العداوة والبغضاء ، وعليكم بما ذكرناه لكم ، فهو السنة ' وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ' . كذا من البدع ، إنهم يكتبون في ورقة لرؤية السارق ، أو الضالة ( واسمها
____________________
(1/128)
عصا موسى بها الظلمة انجلت ، ثم يضعونها عند النوم تحت رأسه ، وهذه سخافة كبيرة لا تليق بكم يا أهل الدين الحنيف . وعلى الحكام أن يضربوا على أيدي هؤلاء ، إن كانوا مسلمين ، وإلا فليعلنوا أنهم ليسوا مسلمين . فصل صلاة العازم على السفر أخرج ابن أبي شيبة عن المطعم بن المقدام أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفراً ، أخرجه في الجامع ، وقال : مرسل ضعيف ، وفي الأذكار للنووي : ' ما خلف أحد عند أهله ' إلخ . وقال : رواه الطبراني ، وجاء رجل إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فقال : يا رسول الله إني أريد أن أخرج إلى البحرين في تجارة ، فقال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' قم صل ركعتين ' ، وعزاه الشوكاني إلى الطبراني في الكبير ؛ ثم قال : قال في مجمع الزوائد : ورجاله موثقون . أه . فصل في صلاة القدوم من السفر قال في الحصن الحصين : وصلاة القدوم من السفر ركعتان في المسجد متفق عليها ؛ قال شارحه : هو ثابت في الصحيحين من حديث جابر ، عن عبد الله رضي الله عنه قال : ' كنت مع رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) في سفر فلما قدمنا المدينة قال لي : ' ادخل المسجد فصل ركعتين ، وثبت أيضا ' أنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا قدم من سفر دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس ' أه . فصل في صلاة الفتح قال الشوكاني : هي ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أم هانئ
____________________
(1/129)
قالت : ' إن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] دخل بيتها يوم فتح مكة ، فاغتسل وصلى وعثمان ركعات ، فلم أر صلاة قط أخف منها ، غير أنه يتم الركوع والسجود ' . فصل في صلاة الأوابين خرج في الجامع عنه [ صلى الله عليه وسلم ] أن : ' من صلى ما بين المغرب والعشاء ، فإنها صلاة الأوابين ' وبين أنه مرسل ضعيف ، وخرج أيضاً عنه [ صلى الله عليه وسلم ] أنه قال : ' صل الصبح والضحى فإنها صلاة الأوابين ' وصححه هو وشارحه ، وخرج ' صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ' ورمز لأحمد ومسلم ، وعلم لصحته ، وخرج أيضاً ' صلاة الضحى صلاة الأوابين ' ورمز لمسند الفردوس ، وصححه وضعفه شارحه . فصل في صلاة الغفلة أو صلاة ما بين العشاءين وخرج في الجامع أيضاً أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن يتكلم كتب في عليين ' وبين أنه مرسل ضعيف ، وقال شارحه ' كتبتا ' وصححه ، وخرج ' من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة ' ورمز للترمذي ، وابن ماجة ، ضعفه وهو وشارحه : لكن قال ابن طاهر المقدسي : فيه عمر بن راشد اليمامي ، ومحمد بن غزوان هما ضعيفان ، وهو من قول ابن راشد ، رفعه محمد أ هـ، وقال في أسنى المطالب : باطل رواه عمر بن راشد ، ضعفه ابن معين والدارقطني ، وقال البخاري
____________________
(1/130)
منكر أ هـ. وقال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد ابن الحباب ، قال : وسمعت محمد بن إسماعيل ( هو البخاري ) يقول : عمر بن عبد الله بن أبي خثعم : منكر الحديث وضعفه جداً . أ هـ. وروى ابن ماجه عن عائشة قالت . قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من صلى بين المغرب والعشاء عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة ' قال محشيه في الزوائد : في إسناده يعقوب بن الوليد اتفقوا على ضعفه ، قال فيه الإمام أحمد من الكذابين الكبار ، وكان يضع الحديث . أ هـ. فصل في قضاء الصلوات الفائتة عن جابر قال : قال رجل : يا رسول الله ، إني تركت الصلاة ، قال : ' فاقض ما تركت ' قال : كيف أقضي ؟ قال : ' صل مع كل صلاة صلاة مثلها ' ، قال : قبل أو بعد ؟ قال : ' لا ، بل قبل ' ذكره السيوطي في اللآلئ المصنوعة ، ثم قال : موضوع ، والمتهم به سلمة وهو ابن عبد الله الزاهد . أ هـ. يقول محمد : ولم يرد أصلا في قضاء الصلوات الفائتة شيء يستأنس به ، وكل ما ذكره الفقهاء من ذلك في كتبهم ، فآراء لا يعلول عليها ، ولا يلتفت إليها ، إذ لا دليل عليها ، بل قد صح أن الصديق ، رضي الله عنه قال : أن لله عبادة بالليل لا يقبلها بالنهار ، وعبادة بالنهار لا يقبلها بالليل ، وأكثر الصحابة على أن ترك الصلاة عمداً كفر يستحق تاركها السيف بنص القرآن قال تعالى : ! ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) ! أي لا تقتلوهم ، فإنهم صاروا إخوانكم في الدين ، وفي الصحيحين قال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ' الحديث . وفي صحيح مسلم وغيره ' بين الرجل وبين الشرك
____________________
(1/131)
والكفر ترك الصلاة ، فتركها عمداً بغير عذر لا يكفره إلا التوبة النصوح ، كما قال تعالى : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحاً ، فألئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، وكان الله غفوراً رحيما ) وأكثر نساء زماننا يتركن الصلاة ، ورجالهن يسكتون عليهن ، فيا عباد الله : مروا نساءكم بالصلاة إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ! ( فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ) ! كرروا ذلك عليهن ، فإن عصينكم فطلقوهن لعدتهن ! ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) ! ، فإن الله تعالى قال : ! ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) ! الآية ، وقال : ! ( يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ) ! . فصل في صلاة الكفاية وصفتها : ركعتان في كل ركعة تقرأ الفاتحة ، وقل هو الله أحد خمس مرات ، والقدر خمس مرات ، ثم يقول في آخره : يا شديد القوى ، يا شديد المحال ، يا ذا القوة والجلال ، يا ذا العزة والسلطان ، أذللت جميع مخلوقاتك اكفني ما أخاف وأحذر - يقولها ثلاث مرات ، ثم يتشهد ويسلم ، قال في الحصن الحصين : وصلاة الكفاية جربت ، ولا أعلمها وردت عنه [ صلى الله عليه وسلم ] . أ هـ. وقال الإمام الشوكاني : وهو حديث مكذوب . والتجريب لا يدل على صحته . أ هـ. فصل في صلاة رؤية النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال الجلال السيوطي في كتابه اللآلئ الذي ألفه على موضوعات ابن الجوزي
____________________
(1/132)
عن ابن عباس مرفوعا : ' ما من مؤمن يصلي ليلة الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب ، وخمسا وعشرين مرة قل هو الله أحد ، ثم يسلم ، ثم يقول ألف مرة صلى الله على محمد النبي الأمي ، فإنه يراني في المنام ، ومن رآني غفر الله له ذنوبه ' لا يصح وفيه مجاهيل ، وذكر حديثا آخر كهذا عن ابن عكاشة ، ثم قال ابن عكاشة : كذاب . أ هـ. الباب الثاني والعشرون في صلوات الشهور والأسابيع الموضوعة وما يتعلق بذلك من الأذكار والبدع الممنوعة شهر المحرم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' أفضل الصيام بعد رمضان شهر المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ' رواه مسلم وغيره عن علي ، رضي الله عنه ، وسأله رجل فقال : أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ فقال له : ما سمعت أحداً يسأل عن هذا إلا رجلا سمعته يسأل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، وأنا قاعد عنده ، فقال : يا رسول الله ، أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ . . قال : ' إن كنت صائما بعد شهر رمضان ، فصم المحرم ، فإنه شهر تاب الله فيه على قوم ، ويتوب فيه على قوم آخرين ' . رواه عبد الله ابن الإمام أحمد ابن حنبل وغيره . عن جندب بن سفيان ، رضي الله عنه قال : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' إن أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل ، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم ' رواه الطبراني ، بإسناد صحيح .
____________________
(1/133)
صلاة عاشوراء الحديث فيها موضوع رواته مجاهيل ، كما ذكره الجلال السيوطي في اللآلئ المصنوعة ، فلا تحل روايته ، ولا العمل به إلا لبيانه ، وقد ذكرته في رسالة بدع عاشوراء برمته ، فراجعه إن شئت . صيام عاشوراء روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس ، رضي الله عنه أنه قال : ' صام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يوم عاشوراء ، وأمر بصيامه . قالوا : يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : فإذا أكان العام المقبل إن شاء الله صمنا التاسع ' قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ' وفي رواية له عنه أيضاً قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ' وروى البخاري ومسلم ، ولفظه ' أنه [ صلى الله عليه وسلم ] بعث رجلا من أسلم يوم عاشوراء ، فأمره أن يؤذن في الناس : من كان لم يصم فليصم ، ومن كان أكل فليتم صيامه إلى الليل ' . زاد في رواية : فكنا بعد ذلك نصومه ، ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب ، إلى المسجد ، فنجعل لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار ؛ أي كي تلهيهم حتى يتموا صومهم ' كذا في رواية أخرى له . هذا هو الصحيح ، أما قراءة دعاء عاشوراء المذكور في مجموع الأوراد فبدعة منكرة ، ومثله دعاء أول السنة وآخرها وهما في المجموع أيضا وهما بدعة منكرة ضلالة ، وقولهم في دعاء عاشوراء : إن من قرأه لم يمت تلك السنة ، كذب في الدين وجرأة على الله قال الله تعالى : ! ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ) ! وقراءة : حسبي الله ونعم الوكيل ، على ما أورد للتشفي به من العلل والأسقام ، اعتقاد فاسد وضلال مبين ، وبخور عاشوراء
____________________
(1/134)
واعتقاد أنه رقية نافعة لدفع الحسد والنكد والسحر وكل شيء ، اعتقاد شركي ، حقير وشر على عقول الأبناء مستطير ، وإليكم ما شرعه لكم البشير النذير . فصل فيما يرقى به من اللدغة والسحر وغيره في صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما ويقول : ' إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق : أعيذكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة ' وفي الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه ' أن رجلا من أصحاب النبي [ صلى الله عليه وسلم ] رقى لديغا بفاتحة الكتاب فجعل يتفل عليه ويقرأ : ! ( الحمد لله رب العالمين ) ! فكأنما نشط من عقال ، فانطلق يمشي وما به قلبة ' الحديث ، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ' أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا اشتكى الإنسان الشيء أو كانت قرحة أو جرح قال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بأصبعه هكذا - ووضع سفيان بن عيينة أصبعه بالأرض ثم رفعها وقال : بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى به سقيمنا بإذن ربنا ' وفي الصحيحين أيضا عنها رضي الله عنها أن النبي ، كان يعوذ بعض أهله ، يمسح بيده اليمنى ويقول : ' اللهم رب الناس أذهب الباس واشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما ' ، وفي صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]
____________________
(1/135)
وجعاً يجده في جسده منذ أسلم ، فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل ؛ بسم الله ثلاثاً ، وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وما أحاذر ' وفي السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات أسأل الله العظيم ، رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك - إلا عافاه الله تعالى ' وفي سنن أبي داود والنسائي عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' من اشتكى منكم أو اشتكى أخ له فليقل . ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك ، أمرك في السماء والأرض ، كما رحمتك في السماء ، فاجعل رحمتك في الأرض فاغفر لنا حوبنا وخطايانا ، أنت رب الطيبين ، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع ، فيبرأ ' أ هـ. الوابل الصيب . فصل في خرافة رقية عاشوراء السخيفة الشركية ويأخذون نشارة الخشب فيصبغونها بالألوان الحمراء والزرقاء والصفراء ويضيفون عليها شيئا من الملح . وينادون في الشوارع . حليمة رقت نبينا العين يالله السلاما م العين ، فتناديه النسوة فتعطينه القرش فيقرأ عليها الغفل السحيف هذه الرقية الحقيرة . يا خافظ يا أمين ، يا كنز الطالبين . يا ملح يا مليح . يا جوهر يا فصيح ، نحطك في النار تفرقع . وفي الميه تذوب وتسيح ؛ ذي عين المرة أقوى من الشرشرة ، وعين الراجل قليل الصلاة الفاجر ، وعين الضيف أحد م السيف وعين العبيد ، أحد م الحديد ، بخروا الكتكوت أحسن يطق يموت ، بخروا الكوز من عين العجوز ، بخروا الحلة من عين أم عبد الله ، انباس
____________________
(1/136)
انباس ، من عيون الناس لا سبك عليكي يا عين بالزيبأ والرصاص ، وارميكي يا عين في البحر الغواص خلو النار تهمد ، بألفين صله عليك يا محمد . ( فيا أمة محمد ) : لا تتبعوا هؤلاء فإنهم قد هوكوا وتهوكوا ، يا أمة محمد : أفلا يكفيكم ويغنيكم هذا الذي جاءكم به النبي العربي - عما يدور به أصحاب النشارة المصبوغة الملونة ، وضحكهم على عقول نسائكم وعيالكم بقولهم : حليمة رقت نبينا العين . أليس هذا كافياً شافياً وكله خير وبركة وهو من عند الله ، وعلى لسان رسول الله ، وقد قال الله لكم : ! ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) ! ' يا قوم كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتاباً غير كتاب نبيهم ' رواه أبو داود في مراسيله . ونعى الخطباء للإمام الحسين ' وذكر ما حل به يوم قتله على المنابر سنوياً كل جمعة من عاشوراء جهل منهم وتغفل قبيح ، واعتقاد ألوف الألوف أن رأس الحسين مدفونة بالمسجد المشهور بمصر به جهل بالتاريخ ، إذ قتل الحسين بكربلاء ودفن بها والناس إنما يزورون خشب التابوت والنحاس ولفافة القماش الخضراء الغليظة فإنا لله ، فمتى تفيقون من جهالاتكم ، ومتى تكونون أمة لا تعرف إلا الصحيح ، ولا تتعبد إلا بالثابت ، ومتى تخرج من رءوسكم هذه الأباطيل والترهات ؟ اللهم أدرك هذه الأمة برحمتك ، فيا أهل العلم كيف تسكتون على هذا الشر ، ويا حكام المسلمين اقتلوا هذا الشر أو اخسئوا . فصل في شهر صفر والتشاؤم فيه قد اعتاد الجهلاء أن يكتبوا آيات السلام ك ! ( سلام على نوح في العالمين ) ! الخ في آخر أربعاء من شهر صفر ، ثم يضعونها في الأواني يشربونها ويتبركون بها
____________________
(1/137)
ويتهادونها لاعتقادهم أن هذا يذهب الشرور ، وهذا اعتقاد فاسد ، وتشاؤم مذموم ، وابتداع قبيح ، يجب أن ينكره كل من يراه على فاعله . وكذا تشاؤمهم وتطيرهم من أكل الجبن واللبن والسمك في يومي السبت والأربعاء مما يدل على أن الشيطان قد قضى وطره من هؤلاء الناس ، وأعاد فيهم سنن أهل الجاهلية الأولى ، فإن الإسلام نهى عن كل ذلك ، ففي المسند والبخاري في الأدب وغيرهما عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' الطيرة شرك ' وروى الطبراني وحسنه في الجامع ' ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو تسحر أو تسحر له ' وفيه عن أحمد والطبراني عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من ردته الطيرة عن حاجة فقد أشرك ' قالوا يا رسول الله وما كفارة ذلك ؟ قال يقول : اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ' وحسنه في الجامع وشرحه : وفي الجامع أيضا عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ولا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا غول ' ورمز لأحمد ومسلم . فصل في شهر ربيع الأول وبدعة المولد فيه لا يختص هذا الشهر بصلاة ولا ذكر ولا عبادة ولا نفقة ولا صدقة .
____________________
(1/138)
ولا هو موسم من مواسم الإسلام كالجمع والأعياد التي رسمها لنا الشارع ، صلوات الله وتسليماته عليه وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين ، ففي هذا الشهر ولد [ صلى الله عليه وسلم ] وفيه توفي ، فلماذا يفرحون بميلاده ولا يحزنون لوفاته ؟ فاتخاذ مولده موسما ، والاحتفال به بدعة منكرة ضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل ، ولو كان في هذا خير فكيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعين وتابعيهم ، والأئمة وأتباعهم ؟ لا شك أن ما أحدثه إلا المتصوفون الأكالون البطالون أصحاب البدع ، وتبع الناس بعضهم بعضا فيه إلا من عصمه الله ووفقه لفهم حقائق دين الإسلام . ثم أي فائدة تعود وأي ثواب في هذه الأموال الباهظة التي تعلق بها هذه التعاليق وتنصب بها هذه السرادقات وتضرب بها الصواريخ ؟ وأي رضا لله في اجتماع الرقاصين والرقاصات والمومسات والطبالين والزمارين ، واللصوص والنشالين ، والحاوي والقرداتي ، وأي وخير في اجتماع ذوي العمائم الحمراء والخضراء والصفراء والسوداء ؟ أهل الإلحاد في أسماء الله ، والشخير والنخير ، والصفير بالغابة ، والدق بالبارات والكاسات ، والشهيق والنعيق ، بأح أح يا ابن المرة أم أم ان ان سبا بينها ، يا رسول الله يا صاحب الفرح المدا آد يا عم يا عم ، اللع اللع ، كالقرود . ما فائدة هذا كله ؟ فائدته سخرية الإفرنج بنا وبديننا ، وأخذ صورة هذه الجماعات لأهل أوروبا فيفهمون أن محمداً [ صلى الله عليه وسلم ] - حاشاه حاشاه - كان كذلك هو وأصحابه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم هو خراب ودمار فوق ما فيه الناس من فقر وجوع وجهل وأمراض فلماذا لا تنفق هذه الأموال الطائلة في تأسيس مصانع يعمل فيها الألوف من العاطلين ؟ أو لماذا لا تنفق هذه النفقات الباهظة في إيجاد آلات حربية تقاوم بها أعداء الإسلام والأوطان ؟
____________________
(1/139)
وكيف سكت العلماء على هذا البلاء والشر بل وأقروه ؟ ولماذا سكتت الحكومة الإسلامية على هذه المخازي وهذه النفقات التي ترفع البلاد إلى أعلي عليين ؟ فإما أن يزيلوا هذا المنكر ، وإما وصمتهم بالجهالة . فصل في شهر رجب الصلاة فيه - الصيام - البدع صلاة الرغائب في رجب ثنتا عشرة ركعة بين العشاءين أول خميس من رجب وخصوصاً لها قراءة وتسبيحا يخالف غيرها من الصلوات ، وقد قال شارح الإحياء فيها قال الإمام أبو محمد العز بن عبد السلام : لم يكن في بيت المقدس قط صلاة في رجب ولا صلاة نصف شعبان ، فحدث في سنة 448 أن قدم عليهم رجل من نابلس ، يعرف بابن الحي . وكان حسن التلاوة فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان ، فأحرم خلفه رجل ، ثم انضاف ثالث ورابع فما ختم إلا وهم جماعة كثيرة ، ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير ، وانتشرت في المسجد الأقصى وبيوت الناس ومنازلهم ثم استقرت كأنها سنة إلى يومنا هذا أه . وقال الحافظ العراقي أورده رزين في كتابه وهو حديث موضوع . أه . وقال ابن الجوزي : موضوع على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، وقد اتهموا به ابن جهضم ونسبوه إلى الكذب ، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول : رجاله مجهولون ، وقد فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم ، وأقره الحافظ السيوطي ، وحكى عن الإمام النووي أنه قال : هذه الصلاة بدعة مذمومة منكرة قبيحة ، ولا تغتر بذكرها في كتاب قوت القلوب والإحياء ، وحكى عن الإمام الطرطوشي وعن
____________________
(1/140)
البرهان الحلبي وغيرهم القول بوضعها أه . وكذا قال صاحب الحصن الحصين وشارحه الشوكاني وقد ألف لها الإمام أبو شامة كتاباً سماه : الباعث على إنكار البدع والحوادث ، بين فيه بطلانها ، وكذا شيخ الإسلام ابن تيمية والمجد اللغوي وغيرهم - ثم اعلم أن كل حديث في صلاة أول رجب أو وسطه أو آخره - فغير مقبول لا يعمل به ولا يلتفت إليه . فصل في صيام رجب قال الحافظ ابن حجر في كتابه ( تبيين العجب بما ورد في فضل رجب ) لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ، ولا في صيام شيء منه معين ، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة ، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ ، وكذلك رويناه عن غيره ، ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل ، وإن كان فيها ضعف ما لم تكن موضوعة ، وينبغي في ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفاً ، وأن لا يشتهر ذلك لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف فيشرع ما ليس بشرع أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة ، وليحذر ، المرء من دخوله تحت قوله [ صلى الله عليه وسلم ] ' من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين ' فكيف بمن عمل به ؟ ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع ، ثم بين أن أمثل حديث يشعر بفضل صيام رجب هو حديث ' ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ' وساق أيضاً حديث الباهلية ، وهو ضعيف ، ثم ساق الأحاديث الشديدة الضعف والموضوعة وقال الإمام ابن القيم ولم يصم [ صلى الله عليه وسلم ] الثلاثة الأشهر سرداً كما يفعله
____________________
(1/141)
بعض الناس ، ولا صام رجباً قط ، ولا استحب صيامه ، بل روي عنه النهي عن صيامه ، رواه ماجه أه . وقال في الباعث ما حاصله : إن الصديق أنكر على أهله صيامه وإن عمر كان يضرب بالدرة صوامه ويقول إنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية ، وقال النووي : ولم يثبت في صوم رجب نهى ولا ندب بعينه ، ولكن أصل الصوم مندوب إليه ، وفي سنن أبي داود أنه [ صلى الله عليه وسلم ] ندب الصوم من الأشهر الحرم ورجب أحدها أه . عزيزي ، وحديث ' إن في الجنة نهراً يقال له رجب ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر ' قال في أسنى المطالب : قال ابن الجوزي : لا يصح ، وقال الذهبي باطل ، وكذا قال في تبيين العجب وفي الباعث ( وإن تعجب فعجب ) من الخطباء الجهلاء حيث يثبتون هذا الحديث وأمثاله في دواوينهم ويقرءونه في خطبهم على الناس ومن بعدهم يقلدهم في قراءته من غير بحث عن صحة ما يأمرون الناس به ، فإنا لله ! . وحديث : ' من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة - وفي لفظ - ستين سنة ' أورد البخاري غالب طرقه ثم قال : وبالجملة فهو باطل متناً وتسلسلا أه وهو في ديوان خطب ابن نباتة وغيره فاحذروه . وحديث ' صوم أول يوم من رجب كفارة ثلاث سنين والثاني كفارة سنتين ، والثالث كفارة سنة ، ثم كل يوم شهراً ' ذكره في الجامع عن الخلال وضعفه ، وقال شارحه : وإسناده ساقط . وحديث ' رجب شهر الله ، وشعبان شهري ، ورمضان شهر أمتي ، رمز في الجامع أنه مرسل ضعيف ، وحديث ' فضل شهر رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام ' الخ قال علي القارئ : قال العسقلاني : موضوع أه . وكل هذه الأحاديث يقرأها عليكم
____________________
(1/142)
أيام الجمعات على المنابر في دواوين الخطباء الجاهلون الغافلون عن صحيح الحديث وسقيمه ، فطالبوهم أيها الناس أن لا يقرأوا عليكم إلا الصحيح . وحرقوا ما بأيديهم من دواوين فهي سبب ضلالتكم وضياع دينكم ودنياكم قولوا لهم اقرأوا علينا القرآن على المنابر وإلا فانزلوا وإذا كذبوا على رسول الله على المنابر فلا تتسمحوا بهم إذا نزلوا ولكن ابصقوا في أعينهم . فصل في بدع شهر رجب وقراءة قصة المعراج ، والاحتفال لها في ليلة السابع والعشرين من رجب بدعة ، وتخصيص بعض الناس لها بالذكر والعبادة بدعة ، والأدعية التي تقال في رجب ، وشعبان ، ورمضان كلها مخترعة مبتدعة ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه ، والإسراء لم يقم دليل على ليلته ، ولا على شهره ، ومسألة ذهابه [ صلى الله عليه وسلم ] ورجوعه ليلة الإسراء ولم ، يبرد فراشه ، لم تثبت ، بل هي أكذوبة من أكاذيب الناس . فصل في صلاة ليلة المعراج قال المجد اللغوي : وصلاة ليلة المعراج ، وصلاة ليلة القدر ، وصلاة كل ليلة من رجب ، وشعبان ، ورمضان ؛ هذه الأبواب لم يصح فيها شيء أصلا . أه . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في صلاة ليلة سبع وعشرين من شهر رجب ، وأمثالها : فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام : كما نص على ذلك العلماء المعتبرون ؛ ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع إلخ . أه . وقصة المعراج المنسوبة إلى ابن عباس كلها أباطيل وأضاليل ، ولم يصح منها إلا أحرف قليلة ؛ وقصة ابن السلطان ، الرجل المسرف الذي كان لا يصلي إلا في رجب ، فلما مات ظهرت عليه علامات الصلاح ، فسئل عنه الرسول
____________________
(1/143)
[ صلى الله عليه وسلم ] ، فقال ' إنه كان يجتهد ويدعو في رجب ، هذه قصة مكذوبة مفتراه تحرم قراءتها وروايتها إلا للبيان ؛ ومن فظيع ما نراه كثيراً أن بعض حملة الشهادة الأزهرية يقرأون هذا الكلام الوقح على الناس . شهر شعبان ( صيامه - صلاته - بدعة ) في صحيح مسلم عن عائشة ، رضي الله عنها قالت : ' كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم . وما رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ' ، وفي مسلم أيضا عنها أنها سئلت عن صيام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فقالت : كان يصوم حتى نقول : قد صام ، ويفطر حتى نقول : قد أفطر ، ولم أره صائماً قط أكثر من صيامه من شعبان ، كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا ' . فصل في صلاة البراءة في شعبان قال الإمام الفتني في تذكرة الموضوعات : ومما أحدث في ليلة النصف الصلاة الألفية ، مائة ركعة بالإخلاص عشراً عشراً بالجماعة ، واهتموا بها أكثر من الجمع والأعياد ، ولم يأت بها خبر ، ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع ، ولا يغتر بذكره لها صاحب القوت والأحياء وغيرهما ، ولا بذكر تفسير الثعلبي أنها ليلة القدر أه وقال العراقي : حديث صلاة ليلة النصف باطل . وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات .
____________________
(1/144)
فصل في حديث وصلاة ودعاء ليلة النصف حديث ' إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها . الحديث رواه ابن ماجه عن علي . قال محشية : وفي الزوائد إسناده ضعيف لضعف ابن أبي بسرة ، وقال فيه أحمد وابن معين يضع الحديث أه . وصلاة الست ركعات في ليلة النصف بنية دفع البلاء ، وطول العمر والاستغناء عن الناس ، وقراءة يس والدعاء بين ذلك لا شك أنه حدث في الدين ومخالفة لسنة سيد المرسلين ، قال شارح الإحياء : وهذه الصلاة مشهورة في كتب المتأخرين من السادة الصوفية ، ولم أر لها ولا لدعائها مستنداً صحيحاً في السنة ، إلا أنه من عمل المشايخ ، وقد قال أصحابنا : إنه يكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي المذكورة في المساجد وغيرها . وقال النجم الغيطي في صفة إحياء ليلة النصف من شعبان بجماعة : إنه قد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ، وفقهاء المدينة وأصحاب مالك ، وقالوا : ذلك كله بدعة ولم يثبت في قيامها جماعة شيء عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ولا عن أصحابه ؛ وقال النووي : صلاة رجب وشعبان بدعتان منكرتان قبيحتان الخ ما تقدم . فصل في بدعة الدعاء بياذا المن ( اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه يا ذا الجلال والإكرام ) الخ قد أشار فيما تقدم هنا شارح الإحياء إلى أنه دعاء لا أصل له ولا مستند ، وكذا قال صاحب أسنى المطالب : هو من ترتيب بعض أهل الصلاح من عند نفسه . قيل هو البوني أه .
____________________
(1/145)
فيا عباد الله شيء لا هو في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ، ولا في عبادة خلفائه ، ولا أصحابه ولا أتباعه كيف تعبدون به ؟ والصحابة يقولون كل عبادة لا يتعبد بها أصحاب محمد [ صلى الله عليه وسلم ] فلا تبعدوها . وفي مسند الشافعي عن أبي هريرة قال : ' كان من تلبية رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : لبيك إله الحق لبيك ' وفي رواية : ' لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ' الخ ، ثم روى أن سعد بن أبي وقاص سمع بعض بني أخيه وهو يلبي ، يا ذا المعارج ، فقال سعد : إنه لذو المعارج ، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أه . فاعتبروا يا أولي الألباب ، ولا تلتفتوا قط إلا إلى ما أنزل إليكم من ربكم ، وصح في الصحاح والسنن عن نبيكم . أما اعتقادهم أن ليلة النصف هي ليلة القدر فباطل باتفاق المحققين من المحدثين ، وقد أبطله الإمام ابن كثير في تفسيره ، وقال الإمام ابن العربي في شرح الترمذي : وقد ذكر بعض المفسرين أن قوله تعالى : ! ( إنا أنزلناه ) ! أنها في ليلة النصف من شعبان ، وهذا باطل ، لأن الله لم ينزل القرآن في شعبان وإنما قال : ! ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ! وليلة القدر في رمضان ، وقال تعالى : ! ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) ! فهذا كلام من تعدى على كتاب الله ولم يبال ما تكلم به ، ونحن نحذركم من ذلك فإنه قال أيضاً : ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) وإنما تقرر الأمور للملائكة في ليلة القدر ، المباركة لا في ليلة النصف من شعبان أه .
____________________
(1/146)
فصل في شهر رمضان فضل صيامه - أشياء يجوز للصائم فعلها - صلاة التراويح - نقرها - ليلة القدر ودعاؤها - الصلوات والذكر المبتدع والاعتكاف فيه ، وغير ذلك - صلاة العيد فضل الصيام قال تعالى : ! ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس ) ! ويكفيه فضلا وشرفاً أن فيه ! ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) ! وأن الله بارك فيها ووصفها بذلك فقال : ! ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) ! وعن سلمان رضي الله عنه قال ' خطبنا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في آخر يوم من شعبان قال : يا أيها الناس ، قد أظلكم شهر عظيم مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، شهر جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعاً ، من تقرب فيه بخصلة كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة ، وشهرة المواساة وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه ، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء . قالوا : يا رسول الله ، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم ، فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائما على تمرة ، أو شربة ماء أو مذقة لبن ، وهو شهر أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ، من خفف عن مملوكه فيه
____________________
(1/147)
غفر الله له وأعتقه من النار ، فاستكثروا فيه من أربع خصال ، خصلتين ترضون بهما ربكم ، وخصلتين لا غناء بكم عنهما ، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم ، فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما ، فتسألون الله الجنة ، وتعوذون به من النار ، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة ' رواه ابن خزيمة في صحيحه ، ثم قال إن صح الخبر ، كذا في الترغيب والترهيب . وروى البخاري أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إن في الجنة باباً يقال له الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ؛ يقال : أين الصائمون ؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق ، فلم يدخل منه أحد ' وروى البخاري أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة ، يا عبد الله : هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة . فقال أبو بكر رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ فقال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم ' وروى البخاري أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين ' وروى البخاري أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ، الصيام لي وأنا أجزى به ، والحسنة بعشر أمثالها '
____________________
(1/148)
وروى البخاري أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، وعن أبي هريرة : ' من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ' . فصل في وعيد من أفطر يوماً من رمضان روى الترمذي وأبو داود والنسائي وغيرهم أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من أفطر يوما في رمضان من غير رخصة ولا مرض ، لم يقضه عنه صوم الدهر كله ، وإن صامه ' . وروى ابن خزيمة وابن حبان أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' بينا أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعراً ، فقالا : اصعد ، فقلت : إني لا أطيقه ، فقالا : أنا سنسهله لك ، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل فإذا بأصوات شديدة ، فقلت : ما هذه الأصوات ؟ قالا : هذا عواء أهل النار ، ثم انطلقا بي . فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دما . قال : قلت من هؤلاء ؟ قالا : الذين يفطرون قبل تحلة صومتهم ' . وروى الطبراني في الكبير أن ابن مسعود قال : ' من أفطر يوماً من رمضان غير رخصة لقي الله به ، وإن صام الدهر كله ، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ' حديث صحيح . وروى البزار : أن رجلا قال : يا رسول الله إني هلكت . أفطرت في شهر رمضان متعمداً . قال : أعتق رقبة . قال : لا أجد . قال : صم شهرين متتابعين . قال : لا أقدر قال : أطعم ستين مسكينا ' إسناده حسن .
____________________
(1/149)
وأخرج أبو يعلى بسند حسن مرفوعا أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة ، عليهن أسس الإسلام . من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم . شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة المكتوبة ، وصوم رمضان ' وفي رواية ' من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر ، ولا يقبل منه صرف ولا عدل وقد حل دمه وماله ' . وروى الإمام أحمد مرسلا عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ' أربع فرضهن الله في الإسلام فمن أتى بثلاث منهن لم يغنين عنه شيئاً حتى يأتي بهن جميعاً : الصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ' ضعيف . فصل في ذكر أشياء ليس على الصائم جناح إن فعلها قال البخاري : بل ابن عمر ثوبا فألقاه عليه وهو صائم ، ودخل الشعبي الحمام وهو صائم ، وقال العباس : لا بأس أن يتطعم القدر أو الشيء ؛ وقال الحسن : لا بأس بالمضمضة والتبرد ، أي صب الماء على الرأس للصائم ، وقال ابن مسعود : إذا كان يوم صوم أحدكم فليصبح دهيناً مترجلا أي ممشطا شعره وقال أنس إن لي أبزن - حوضا من حجر - أتقحم ، أي أغتسل ، فيه وأنا صائم . ويذكر عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أنه استاك وهو صائم ، وقال ابن عمر : يستاك أول النهار وآخره ولا يبلع ريقه ، وقال عطاء : إن ازدرد ريقه لا أقول : يفطر . وقال عامر بن ربيعة : رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يستاك
____________________
(1/150)
وهو صائم مالا أحصى ولا أعد ، وقال ابن سيرين : لا بأس بالسواك الرطب . قيل : له طعم . قال : والماء له طعم وأنت تتمضمض به . قلت : وفي هذا رد بليغ على الشافعية القائلين بكراهة السواك من بعد الزوال ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأساً ، وقالت عائشة : أشهد على رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) إن كان ليصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصومه . وقال عطاء : إن استنثر ، فدخل الماء في حلقه لا بأس إن لم يملك . وقال الحسن : إن دخل الذباب فلا شيء عليه . وقال الحسن ومجاهد : إن جامع ناسيا فلا شيء عليه . وقال ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : إذا نسى فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ' وقال : ' من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة ' ومن احتلم نهاراً نائما فلا شيء عليه إلا الغسل ، ومن داعب زوجته حتى أمذى فعليه قضاء يوم ، وقال ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، ومن استقاء فعليه القضاء ' . وقال أبو هريرة : إذا قاء فلا يفطر . إنما يخرج ولا يولج . وقال ابن عمر والأسلمي : ' يا رسول الله إني أجد بي قوة على الصيام في السفر . فهل علي جناح ؟ فقال ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ومن ، أحب أن يصوم فلا جناح عليه ' . رواه مسلم . ' وكان ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يقبل وهو صائم ، ويباشر وهو صائم ، ولكنه كان أملككم لإربه ' متفق عليه . والحامل إن خافت على ما في بطنها أفطرت وقضت بعد أيام نفاسها ، وكذا المرضع إن خافت على ولدها تفطر وتقضي بعد أيام الفطام .
____________________
(1/151)
وقال بكير عن أم علقمة : كنا نحتجم عند عائشة فلا تنهى ، واحتجم النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) وهو صائم ، مع أنه القائل ' أفطر الحاجم والمحجوم ' والحديث صحيح . وقد فسره بعض الصحابة فقال : إنما نهى عن الوصال والحجامة للصائم إبقاء - أي شفقة ورحمة - على أصحابه ولم يجزمهما ، وسئل عكرمة عن الصائم : أيحتجم ؟ فقال : إنما كره للضعف . وغبار السكر ، وغبار الدقيق ، وغبار تراب الطريق والحمرة والجص والدخان وما يشبه ذلك لا يضر الصائم شيئاً ، وكذا الذبابة والباعوضة إن سقطت في حلق الصائم لا يفطر ، والحقنة الجلدية لا تفطر بخلاف الحقنة الشرجية التي تعمل بالصابون أو بالشيخ - بالماء - أو بالعسل فلا شك أنها تفطر ، ومثلها تفطر الحقنة التي يسمونها ( الجلوكوز ) وهي المستخرجة من عصير العنب . ومن نخس أذنه ، أو أخرج ما بين أسنانه فبصقه فلا شيء عليه ، ومن جهده الجوع أو العطش حتى كاد يهلك ففرض عليه أن يفطر ، لقوله تعالى : ! ( ولا تقتلوا أنفسكم ) ! وقال : ! ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ! وقال : ! ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) ! وقال : ! ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ) ! فإن خرج بذلك إلى حد المرض فعليه القضاء . ومن أكل أو شرب وقت الشك في تبين طلوع الفجر وعدمه فلا شيء عليه . قال عمر رضي الله عنه : ' إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا ' ومن أكل في مكان مظلم ظانا أنه الليل فإذا النهار فاجأه ، فليلق ما في فمه وصيامه صحيح .
____________________
(1/152)
فصل في صلاة التراويح روى البخاري عن عائشة ' أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا ، فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه ، فأصبح الناس فتحدثوا ، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة . فخرج رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فصلى ، فصلوا بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ، ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف على مكانكم ، ولكني خشيت أن تفترض عليكم فتعجزوا عنها . فتوفى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] والأمر على ذلك ' . وصفتها كما قالت عائشة رضي الله عنها : ' ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثاً ' . أما بعد وفاته [ صلى الله عليه وسلم ] ففي الموطأ أن عمر أمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة ، وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصى من طول القيام ، وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر . وفي الموطأ أيضاً : ' كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة ' وفي رواية ' وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات ، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف ، وفيه عن الصديق رضي الله عنه ' كنا ننصرف في رمضان - أي من صلاة القيام - فتستعجل الخدم في الطعام مخافة الفجر ' أ هـ.
____________________
(1/153)
فصل في نقر صلاة التراويح أكثر أئمة مساجدنا - بسلامتهم - لا دين عندهم ولا عقل ولا حياء . والدليل على ذلك صلاتهم التي يصلونها ، فإنها تشبه صلاة المجانين ، وخصوصا صلاة التراويح ، فإنهم يصلونها ثلاثا وعشرين ركعة في أقل من ثلث ساعة ، ويقرأون فيها كلها سورة الأعلى أو الضحى ، أو ربع سورة الرحمن ، وهي صلاة باطلة عند كل مسلم عاقل على جميع المذاهب ، إذ هي صلاة المنافقين الذين قال الله فيهم : ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) ليست كصلاة المؤمنين المفلحين الذين وصفهم الله بقوله : ! ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) ! وليست أيضا كصلاة الرسول الناهي عن نقرة الغراب . وعن السرقة منها ، القائل : ' صلوا كما رأيتموني أصلي ' فاتقوا الله يا أئمة المساجد وأيقنوا أن صلاتكم هذه لا شك أنها تلف كما يلف الثوب الخلق وتضرب بها وجوهكم ، ثم تقول لكم الصلاة : ضيعكم الله كما ضيعتموني ' ثم يكون عليكم وزركم ووزر من خلفكم جميعا من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ، قال الدارمي عن أبي العالية : ' كنا نأتي الرجل لنأخذ عنه العلم فننظر إذا صلى فإذا أحسن جلسنا إليه وقلنا هو لغيرها أحسن ، وإن أساءها قمنا عنه وقلنا : هو لغيرها أسوأ ' . فصل في الاعتكاف هو سنة مؤكدة ثابت في الصحاح والسنن والموطأ وغيرهم أنه [ صلى الله عليه وسلم ] اعتكف في أوسطه وكل أواخر رمضان ، وفي شوال قضاء ، وكذا اعتكف خلفاؤه وأصحابه ونساؤه [ صلى الله عليه وسلم ] وورد في فضله أحاديث لينة
____________________
(1/154)
السند ، منها ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال في المعتكف : ' وهو يعكف الذنوب ويجري له من الحسنات كعامل الحسنات كلها ' ومنها ، ' من اعتكف عشراً في رمضان كان كحجتين وعمرتين ' ، ومنها ' من اعتكف إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ' ذكرهما في الجامع ، ومنها ' من اعتكف فواق ناقة فكأنما أعتق نسمة أو رقبة ' ذكره في مختصر شعب الإيمان . وهذه السنة قد اندرست ولم يبق إلا اسمها في الكتب ، ولا أدري ما السبب في إعراض الناس جميعاً عن العمل بهذه السنة الجليلة . ولو قلنا : إن شيخ الإسلام وهيئة كبار علماء الأزهر وموظفيه ومدرسيه ووعاظه يصعب عليهم انقطاع مرتباتهم وجراياتهم ، فلماذا لا يحيي هذه السنة الذين يدعون أنهم سنيون ، والذين يزعمون أنهم سلفيون ، ولآثار السابقين الأولين يحيون ؟ الحق أن الجميع مقصرون ومفرطون . اللهم وفقنا للعمل بما شرعته لنا على لسان نبيك الأمين ، واجعلنا لما اندرس من السنن من المحيين السابقين ، وقد أخرج أحمد أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله عز وجل ' سنده صحيح : وروى البخاري ' أنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ، ثم دخل معتكفه وأنه أمر بخباء فضرب له ' . وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت : ' السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ، ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ولا يباشرها ، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه ، ولا اعتكاف إلا بصوم ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع ، وقالت أيضاً . ' إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة ' رواه البخاري ومسلم ' .
____________________
(1/155)
وروى البخاري أن صفية قالت : ' كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] معتكفا تأتيه أزوره ليلا فحدثته ، ثم قمت لأنقلب ، فقام معي ليقلبني ' وكان مسكنها في دار أسامة . فصل في ليلة القدر وفضلها ودعائها روى مسلم أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' التمسوها في العشر الأواخر ' يعني ليلة القدر ، وفيه عن عائشة رضي الله عنها . ' كان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إذا دخل العشر أحيا الليل ، وأيقظ أهله وجد وشد المئزر ' وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت : ' قلت يا رسول الله إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي . اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ' . فصل في صلاة ليلة القدر الموضوعة قال المجد اللغوي في سفر السعادة . وصلاة ليلة القدر وصلاة كل ليلة من رجب وشعبان ورمضان ، هذه الأبواب لم يصح فيها شيء أصلا ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية حينما سئل عن صلاة القدر . إن هذه الصلاة لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين ، بل هي بدعة مكروهة - إلى أن قال والذي ينبغي أن تترك وينهى عنها أ هـ. فصل في صلاة الجمعة في جامع عمرو آخر رمضان هي من البدع الذميمة القبيحة المستهجنة التي كان يجب على شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء أن يحاربوها ويبطلوها لا أن يذهبوا لإحيائها مع العامة فتزيد اعتقاداتهم فيها ، وفي فضل المسجد وتزيد أوهامهم الباطلة فيه ، سبحان الله !
____________________
(1/156)
ما أغفلكم أيها العلماء عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ لا شيء إلا المرتبات والجراية ، لأني معتقد أن أكثر العلماء الآن لم يتعلموا العلم إلا للوظائف والمرتبات . اللهم سلم . فصل في بدعة صلاة المكتوبات في آخر من جمعة رمضان قال في شرح المواهب . وأقبح من ذلك ما اعتيد في بعض البلاد من صلاة الخمس في هذه الجمعة عقب صلاتها ، زاعمين أنها تكفر صلوات العام أو العمر المتروكة ، وذلك حرام لوجوه لا تخفى أ هـ. فصل في بدعة حفيظة رمضان خبر ' لا آلاء إلا آلاؤك سميع محيط علمك كعسهلون وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ' قال الأغفال الضلال . تكتب في آخر جمعة من رمضان والخطيب على المنبر ، ويقولون . إنها تحفظ من الحرق والغرق والسرقة والآفات ، قال الحافظ ابن حجر ، هي بدعة لا أصل لها ، وقد كان ينكرها جداً وهو قائم على المنبر أثناء الخطبة حين يرى من يكتبها ، ولا يجوز الدعاء بالأسماء الأعجمية ، فلعل فيها كفراً ، فاتقوا الله واحذروا هذه الأضاليل ، وعليكم بكتاب الله وسنة الرسول الجليل ففيها ما يشفي العليل ويروي الغليل . فصل في ضلالات وبدع ومنكرات اعلم أن من الضلال الكبير ترك غالب الناس للصلاة طول السنة فإذا ما جاء شهر رمضان صلوا وصاموا وطقطقوا بالسبح ، وفي الحديث ' خمس
____________________
(1/157)
صلوات من حافظ عليهن كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ؛ ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له نوراً يوم القيامة ولا برهان ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف ' ذكره في الجامع عن محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة ، وفيه ' عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام ، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم ، شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة المكتوبة وصوم رمضان ' ورمز لحسنه . فلو كان النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) حيا أو أحد خلفائه ما أبقوا واحداً على وجه الأرض من هؤلاء الكافرين بتركهم للصلاة ؛ فحذار أيها الناس من ترك فريضة واحدة ، إذ جاء في الحديث من ' ترك صلاة لقي الله وهو عليه غضبان ' رواه الطبراني ، وروى الأصبهاني ' من ترك صلاة متعمداً أحبط الله عمله وبرئت منه ذمة الله حتى يراجع الله توبة ' وروى الطبراني في الأوسط عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر جهاراً ' ورمز في الجامع لصحته . أما النساء فإنهن يتركن الصلاة أبداً في رمضان وغيره ، ويحافظن كل المحافظة على صيام رمضان ، حتى وهن حيض يصمن طول النهار الصيام المحرم وقبيل الغروب يجرحن صيامهن ، كما يقلن ، على لقمة أو جرعة ماء ، فلأمرهن العجب يأمرهن الله بالصلاة فيعصينه ولا يصلين ، ويحرم عليهم الصيام حيضاً فيفرضنه على أنفسهن جهلا وضلالا ، بل كفراً وعناداً ، ولا لوم عليهن ، بل اللوم كله على رجالهن ، إذ لو عرفوا دينهم لعلموا نساءهم وأولادهم ، فالويل لهم ثم لهن ، كلا كلا بل اللوم كل اللوم على علماء الأزهر فإنهم لم يبلغوا ما أمروا بتبليغه ، فيا نار كوني برداً عليهم . ومن الجرائم والفظائع الكبيرة شدة حماقة وغضب كثير من الصائمين لأدنى سبب يعرض لأحدهم ، وربما أداه جهله إلى سب دين الإسلام فيكفر وهو
____________________
(1/158)
متلبس بأعظم قربة شرعها الله لتهذيب النفوس وتدريبها وحملها على التعود على الخصال الحميدة ، والأخلاق الطاهرة ، والأفعال المرضية ، وأي كأنهم لم يقرءوا قول الله تعالى : ! ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) ! أي إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيء لم يقابلوهم عليه بمثله ، بل يعفون ويصفحون ولا يقولون إلا خيراً ، كما كان نبينا [ صلى الله عليه وسلم ] لا تزيده شدة الجاهل إلا حلماً . وكما قال تعالى في وصف الصالحين من عباده : ! ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) ! وقد ورد أن رجلين استبا عند رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فجعل المسبوب يقول للذي يسبه عليك السلام ، فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ' أما إن ملكا بينكما يذب عنك ، فكلما شتمك قال له - أي الملك - بل أنت وأنت أحق به ، وإذا قلت وعليك السلام ، قال : لا بل عليك وأنت أحق به ' ذكره في زوائد الجامع وحسنه ابن كثير . أخي لا تغضب ، فإن الغضب مفسدة ' الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل ' الغضب من الشيطان فإذا غضبت فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم أذكر أخي قول رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ شاتمه فهو قاتله فليقل : إني صائم إني صائم ' حديث صحيح ، تدبر قوله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ' ذكره في الجامع وصححه . استمع لربك حيث يقول : ! ( قد أفلح من زكاها ) ! أي زكى نفسه بطاعة الله وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل القبيحة ! ( وقد خاب من دساها ) ! أي قذرها بالجهل والغفلة ، ودسها مدسوسة في المعصية ولم يحملها ويجاهدها على طاعة مولاه ، أكظم غيظك أخي أبداً لا سيما وأنت
____________________
(1/159)
صائم ، واعف عن أخيك إن هو أساء إليك ، بل وأحسن إليه عساك تدخل في عداد من مدحهم الله بقوله : ! ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) ! إن سمعت وأطعت يكن لك نصيب مع من قال الله فيهم : ! ( أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ) ! . وقد روى ابن ماجه بإسناد جيد كما قاله العراقي أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' ما من جرعة أعظم عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله ' . فصل في طلب مدارسة القرآن في رمضان ، وبدع القراء فيه في الصحيحين ' أن جبريل كان يلقى النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ' وخرج الإمام أحمد ' أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره ، وقد صلى معه حذيفة ليلة في رمضان قال : فقرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل ، فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة ، أما استئجار القراء للقراءة في ليالي رمضان بالأجرة ، فبدعة مذمومة ، وكذا تسهيرهم في ليالي العيدين ، وذهابهم إلى المقابر في يومي العيدين ورجب وشعبان ورمضان بدعة ضلالة وقد قال ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ' اقرءوا القرآن واعملوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ' ذكره في الجامع برمز أحمد وأبي يعلى في المسند والطبراني والبيهقي . قال شارحه : رجاله ثقات . وقال ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ' من قرأ القرآن فليسأل الله به ' فإنه سيجيء أقوام يقرأون القرآن يسألون به الناس ' ورمز في الجامع للترمذي وحسنه . وقال ( [ صلى الله عليه وسلم ] )
____________________
(1/160)
أيضاً ' من قرأ القرآن يتأكل به الناس جاء يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم ' ورمز للبيهقي وحسنه ، أما حديث ' إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ' فهو خاص بالرقي كما ورد . وقد كان الواجب على القراء أن يطلبوا الدنيا بالحرف والصناعة ، كالأنبياء والصحابة . لا بالقرآن ؛ فإنه ما من نبي ولا ولي إلا وقد كان له حرفة يتعيش منها . وكان الواجب أيضاً على المسلمين أن يعاونوهم بأموالهم التي ينفقونها على الموالد والسفر إليها والليالي والختمات والأفراح والمآتم والأختان المخالفة للشريعة فإنهم أحق وأولى بهذا المال الذي لم ينفق إلا فيما لم يشرعه الله ؛ والنشيد على المآذن وغيرها بتوديع رمضان ، وهو المسمى عندهم بالتوحيش بدعة قبيحة يجب أن تترك . فصل في توحيش الخطباء على المنابر في آخر رمضان أما قول الخطباء على المنابر في آخر جمعة من رمضان : لا أوحش الله منك يا شهر رمضان ، لا أوحش الله منك يا شهر القرآن ، يا شهر المصابيح ، يا شهر التراويح يا شهر المفاتيح - فلا شك أنه جهل فاضح ، وعجيب هذا منهم ، ومن مؤلفي الدواوين ، حيث يلفظون بهذا الكلام السبهلل على الناس ، مع علمهم أنهم محتاجون إلى فهم آية واحدة وحديث واحد من كلام الله وكلام رسوله . فصل في صلاة ليلة عيد الفطر ويومه هي مائة ركعة بالفاتحة والإخلاص عشر مرات ويستغفر بعدها مائة مرة الخ حديث طويل ذكره الجلال السيوطي في اللآلئ ، وقال موضوع ، وكذا صلاة نهارها .
____________________
(1/161)
شهر شوال والسنن فيه والبدع في الجامع برمز أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من صام رمضان وستاً من شوال كان كصوم الدهر ' وفيه برمز البيهقي أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' صم رمضان والذي يليه وكل أربعاء وخميس ، فإذا أنت قد صمت الدهر ' وصححه هو وشارحه . وسببه : أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] سئل عن صوم الدهر فذكره أه عزيزي . وقال في أسباب ورود الحديث : أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي . وقال الترمذي : غريب ولم يضعفه أبو داود أه . وروى ابن ماجه ' أن أسامة بن زيد كان يصوم أشهر الحرم فقال له النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : صم شوالا ، فترك أشهر الحرم ثم لم يزل يصوم شوالا حتى مات ' قال محشيه : وفي الزوائد إسناده صحيح إلا أنه منقطع أه . ورمز في الجامع وشرحه لصحته . وقال المناوي : قال ابن رجب : نص صريح في تفضيل صومه على الأشهر الحرام أه . أقول : هذا الحديث المنقطع لا يصلح أبداً للاستدلال به على تفضيل صوم شوال على شهر المحرم ، بل هو معارض بما رواه مسلم وغيره مرفوعان ' أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة الليل ' نعم صح ' من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر ' . بدع شهر شوال وتسمية هذه الأيام الستة بالبيض جهل وبدعة ، إذ البيض : الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر من كل شهر ، كما في الصحيح . وكثير من الرجال والنساء يزعمون أنه لا يصوم هذه الأيام إلا من له ذرية ، وأن من صامها ثم تركها تموت عياله ، وذلك ضلال مبين ، ما ألقاه بين الناس إلا الشيطان الرجيم ،
____________________
(1/162)
الذي حذرنا منه ربنا بقوله : ! ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) ! . ومن البدع : أنهم جعلوا لصومهم وقفة وعيداً ، وسموه عيد الأبرار ، وإنما هو عيد الفجار ، يجتمعون فيه بمسجد الحسين أو زينب ، ويختلطون رجالاً ونساء ، ويتصافحون ويتلفظون عند المصافحة بالألفاظ الجاهلية الفارغة ، ثم يذهبون إلى طبخ الرزِ أو المخروطة باللبن . وإنني لأعلم أن كثيراً من كبار علماء الأزهر يرون هذا وغيره وما هو أكبر وأشنع وأفظع من ذلك بهذين المسجدين ، فلماذا لا ينكرون ؟ وهم دائماً في مسجد الحسين يدرسون ؟ أما إنهم لو نبهوا عليها وبينوا ضررها للناس لاجتثوا هذه البدع من أصولها اجتثاثا ، فتبعة هذه البدع عليهم ولا كلام ، اللهم إلا أن يكون سبب سكوتهم أنهم يرون هذه المنكرات والبدع من المستحسنات في الدين ، فالكتاب المجيد والسنة المطهرة ينفيان ذلك ، بل ويبطلانه ، فلم يبق إلا أن نقول : قد اختلفت هذه الأمة وتنازعت وتفرقت ، اللهم ألف بين قلوبهم . شهر ذي القعدة وما فيه من بدع وفي هذا الشهر سفر الحجاج إلى آداء فريضة الحج ، إلا أنهم يركبون قبل سفرهم إثماً ومنكراً قبيحاً ، وذلك بسبب ازدحام نسائهم وبناتهم وبنات جيرانهم بالرجال على القطار ورفع أصواتهن جميعاً بالغناء غناء الحجاج وهذا مذموم من وجوه . الأول : أن شريعتنا المطهرة تأبى للمرأة أن ترفع صوتها بين الرجال ، لأن صوتها عورة وفتنة ، ولذا منعت من التأذين وحتى من التلفظ : بسبحان الله خلف الإمام بل جاء في الحديث ' إنما جعل التصفيق للنساء ' .
____________________
(1/163)
الثاني : أن أكثر نساء زماننا لا يخرجن إلا متزينات متعطرات ، وفي الحديث ' أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ' رواه النسائي وغيره . الثالث : أن الغيرة الإسلامية تأبى خروج المرأة إلى المجتمعات وأماكن الازدحام ، ولذا كان علي رضي الله عنه يقول : ' ألا تستحيون ؟ ألا تغارون ؟ يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال تنظر إليهم وينظرون إليها ' ولما دخل الأعمى على زوجيه [ صلى الله عليه وسلم ] أمرهما بالاحتجاب منه فقالتا : إنه أعمى لا يبصرنا فقال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه ؟ ' وذكره ابن كثير في تفسير آية ! ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) ! عن أبي داود والترمذي وصححه . الرابع : كيف يقبل رجل عنده بعض غيرة إسلامية على زوجته أو ابنته أن تقف بين مئات بل ألوف من الرجال ينظرون إليها وتنظر إليهم ويتزاحمون ويتغنون ( بخذ أمك في طولك تنكتب حجتك ) و ( بياهنا اللي انوعد ) إنه لا يقبل هذا على نفسه وأهله إلا كل حمار جاهل بدينه لم يذق له طعما إذ لو ذاق طعمه لعرف كيف يغار على أهله ، وورد ' لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ' رواه الطبراني . فيا أيها الحاج امنع نساءك عن الخروج من بيوتهن ، واقرأ عليهن قول الله ! ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) ! واتل عليهم قول نبيك ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' المرأة عورة فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان ، وأقرب ما تكون المرأة من الله تعالى إذا كانت في بيتها ' ذكره في الزواجر وابن كثير عن البزار والترمذي .
____________________
(1/164)
إخواني ذكروا نساءكم بقول النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' أيما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها كانت في سخط الله تعالى حتى ترجع إلى بيتها أو يرضى عنها زوجها ' ذكره في الجامع برمز الخطيب وحسنه . ثم إذا كانت شريعتنا تنهى المرأة عن صيام التطوع بغير إذن زوجها كما في الحديث ' أيما امرأة صامت بغير إذن زوجها فأرادها على شيء فامتنعت عليه كتب الله عليها ثلاثا من الكبائر ' ذكره في الجامع برمز الطبراني في الأوسط وحسنه ، فكيف تكون خالها إذا خرجت متبرجة تمشي بين الرجال وريحها تعصف ثم كيف إذا وقفت بين الرجال تغني بصوتها الرقيق الرفيع الجذاب ؟ لا شك أن هذا ضلال مبين ، وجهل فاضح ، ومنكر فاحش ، لا يرتضيه مسلم عرف معنى الشهامة . وقد سئل ابن مسعود عن قول الله : ! ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ) ! فقال ' الغناء والله الذي لا إله إلا هو ورددها ثلاثاً ' وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول ، وذكر ابن الجوزي عن أبي أمامة قال : ' نهى رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) عن بيع المغنيات وعن التجارة فيهن ، وعن تعليمهن الغناء وقال : ثمنهن حرام ، وقال في هذا أو نحوه نزلت على ! ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ) ! وقال : ' ما من رجل يرفع عفيرة صوته للغناء إلا بعث الله له شياطين يرتدفانه - أعني هذا من ذا الجانب وهذا من ذا الجانب - ولا يزالان يضربان بأرجلهما في صدره حتى يكون هو الذي يسكت ' وهو كذلك في تفسير البغوي . وفي الجامع وصححه ' صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة . ورنة عند مصيبة ' وقال ابن مسعود : ' الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ' . ومر ابن عمر بقوم محرمين وفيهم رجل يتغنى فقال : ألا لا سمع الله لك . ف ( يا أيها
____________________
(1/165)
الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ) وأسد قول هو ذكر الله في طريق حجكم والإكثار من لا إله إلا الله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أما الغناء فمن فعل الذين ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان . ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) . ومن البدع الذميمة والجهالات الوخيمة ، أن ألوفا من الناس لا يقصدون من الحج إلا زيارة قبر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ووضع أيديهم على شباكه ، وإنني لأعلم أن كثيراُ ممن يحجون لو شعروا أن زيارة القبر النبوي ممتنعة تلك السنة مثلا - لرجعوا من فورهم لأنهم يرون أن الحج هو زيادة قبره [ صلى الله عليه وسلم ] أو أن الحج لا يقبل أو لا يتم إلا بذلك ، وإن هذا لهو البلاء العظيم والجهل الوخيم . ألا فاعلموا أيها المسلمون أن أركان الحج خمسة : الإحرام ، والوقوف بعرفة ، والطواف ، والسعي بين الصفا والمروة وحلق الرأس أو التقصير . وأركان العمرة أربعة : الإحرام ، والطواف ، والسعي ، والحلق أو التقصير ، فمن حج البيت أو اعتمر ، فأدى هذه الأركان فقد تم حجه وعمرته . أما زيارة قبره [ صلى الله عليه وسلم ] فسنة مستحبة مستقلة يؤديها المسلم في أي زمان شاء ، سواء أكان في أيام الحج أو غيرها ، على أن لا يقصد السفر إلا للصلاة في المسجد . ثم اعلم أن كل حديث ورد في فضل زيارة قبره [ صلى الله عليه وسلم ] فواه أو موضوع . وإنما الصحيح ' لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] والمسجد الأقصى ' فإذا دخل الإنسان مسجد الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] سن له أن يصلي فيه ، ثم يزور القبر المعظم . وقد أشاع الأغفال الجهال أن المرأة المتزوجة إذا عزمت على الحج وليس
____________________
(1/166)
معها محرم ، يعقد عليها رجل آخر ليكون معها كمحرم لها ، ثم يطلقها بعد العودة ، وهذه بلا شك هي سنة أهل الجاهلية الأولى ، إذ كان الرجال العشرة يجتمعون على المرأة ، فإذا وضعت نظروا إلى أي رجل منهم جاء الولد شبيها به فينسب إليه وإنها لأنكر النكر ، وإحدى الكبر . بل المشروع هو ما روى مسلم في صحيحه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها ' وروى الدارقطني بإسناده أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم ' . شهر ذي الحجة صوم أول وآخر السنة الموضوع ودعاؤهما . فضل شهر ذي الحجة ، فضل يوم عرفة ، فضل الحج ، الترهيب من تركه ؛ منكرات وبدع الحج ، صلاة يوم عرفة وليلة النحر ، فضل الضحايا ، تركها وذبحهم للمشايخ . في هذا الشهر خير كثير ، وعبادات عظيمة ، أحدثت فيها بدع ذميمة ، وجهالات وخيمة ، وسنبينها كلها إن شاء الله تعالى . فضل في صوم أول وآخر السنة الموضوع ودعائهما قال الإمام الفتني في تذكرة الموضوعات في حديث ' من صام آخر يوم من ذي الحجة وأول يوم من المحرم فقد ختم السنة الماضية بصوم وافتتح السنة المستقبلة بصوم فقد جعل الله له كفارة خمسين سنة ' فيه كذابان ، وقال في حديث ' في أول ليلة من ذي الحجة ولد إبراهيم ؛ فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة ' فيه محمد بن سهل يضع . أما دعاء آخر السنة فلا شك أنه بدعة ضلالة ومثله دعاء أول السنة .
____________________
(1/167)
فصل في فضل عشر ذي الحجة روى البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ، فقالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ فقال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ' وروى أحمد والنسائي مرفوعاً : ' أربع لم يكن يدعهن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] صيام عاشوراء ، والعشر - يعني من ذي الحجة - وثلاثة أيام من كل شهر ، والركعتين قبل الغداة ' . فصل في فضل يوم عرفة روى مسلم وغيره أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ' وصح أنه [ صلى الله عليه وسلم ] ' أفطر بعرفة ، وأرسلت إليه أم الفضل بلبن فشرب ، رواه البخاري وغيره . وفي سنن أبي داود وابن ماجه ' نهى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عن صوم يوم عرفة بعرفات وفي مسلم عنه [ صلى الله عليه وسلم ] ' ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ ' .
____________________
(1/168)
فصل فضل الحج والعمرة في البخاري : ' سئل النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أي الأعمال أفضل ؟ قال إيمان بالله ورسوله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : حج مبرور ' وفيه عن عائشة قالت : ' نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ؟ قال : لا ، لكن أفضل الجهاد حج مبرور ؟ ' وفي الصحيحين قال ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ' من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وفي مسلم أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال ' العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ' . فصل في الترهيب من ترك الحج للقادر عليه روى الترمذي والبيهقي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً ' وذلك أن الله يقول : ! ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ! وأنكره الحافظ ابن كثير في تفسيره ، وذكر عن عمر أنه قال ' من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهودياً أو نصرانياً ' ، ثم قال وهذا إسناد صحيح ، وذكر عن عمر أنه قال : ' لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا إلى كل من كان له جدة فلم يحج فيضربوا عليهم الجزية ، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين ' أه وروى البزار أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] قال ' الإسلام ثمانية أسهم : الإسلام سهم ، والصلاة سهم ، والزكاة سهم ، وحج البيت
____________________
(1/169)
سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنهي عن المنكر سهم ، والجهاد في سبيل الله سهم ، وقد خاب من لا سهم له ' . منكرات وبدع الحج قال الإمام ابن الجوزي في كتابه ' نقد العلم والعلماء ، : قد يسقط الإنسان الفرض بالحج مرة ثم يعود لا عن رضا الوالدين وهذا خطأ . وربما حج وعليه ديون أو مظالم ، وربما خرج للنزهة ، وربما حج بمال فيه شبهة ، ومنهم من يحب أن يتلقى ويقال له : الحاج ، وجمهورهم يضيع في الطريق فرائض من الطهارة والصلاة ، ويجتمعون حول الكعبة بقلوب دنسة وبواطن غير نقية ، وإبليس يريهم صورة الحج فيغرهم ، وإنما المراد من الحج القرب بالقلوب لا بالأبدان وإنما يكون ذلك مع القيام بالتقوى ، وكم من قاصد إلى مكة همته عدد حجاته فيقول : لي عشرون وقفة ، وكم من مجاور قد طال مكثه ولم يشرع في تنقية باطنه ، وربما كانت همته متعلقة بفتوح يصل إليه ممن كان ، وربما قال : إن لي اليوم عشرين سنة مجاوراً ، وكم قد رأيت في طريق مكة من قاصد إلى الحج يضرب رفقاءه على الماء ويضايقهم في الطريق ، وقد لبس إبليس على جماعة من القاصدين إلى مكة ، فهم يضيعون الصلوات ، ويطففون إذا باعوا ، ويظنون أن الحج يدفع عنهم ، وقد لبس إبليس على قوم منهم فابتدعوا من المناسك ما ليس منها ، فرأيت جماعة يتصنعون في إحرامهم فيكشفون عن كتف واحدة ، ويبقون في الشمس أياماً فتكشط جلودهم وتنتفح رءوسهم ، ويتزينون بين الناس بذلك . وفي أفراد البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ' أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام فقطعه ' وفي لفظ آخر : ' رأى رجلا يقود إنساناً بخزامة في أنفه فقطعها بيده ، ثم أمره أن يقود بيده ' قال : وهذا الحديث يتضمن النهي عن الابتداع في الدين ، وإن قصد بذلك الطاعة ، ثم قال :
____________________
(1/170)
فصل وقد لبس على قوم يدعون التوكل فخرجوا بلا زاد ، وظنوا أن هذا هو التوكل وهم على غاية الخطأ قال رجل للإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه : أريد أن أخرج إلى مكة على التوكل من غير زاد ، فقال له أحمد : فاخرج في غير القافلة ، قال : لا إلا معهم . قال : فعلى جراب الناس توكلت . فنسأل الله أن يوفقنا أه . ومن البدع : التمسح بجدران الكعبة كلها ، لأن الرسول ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) لم يفعله وإنما كان يمس الركن اليماني ، ويقبل الحجر الأسود ، وكذا كتابة أسمائهم على عمدان حيطان الكعبة ، وتوصيتهم بعضهم بذلك بدعة وجهل ، واهتمامهم بزمزمة لحاهم وزمزمة ما معهم من النقود والثياب لتحصل لها البركة ، ونقل ماء زمزم إلى بلادهم ، كل هذه بدع لم تشرع ولا خير فيها ، ولا بركة ، ومنهم من يعتقد أن من تمام الحج تقديس حجه بزيارة قبر الخليل ، وإلا فحجه ناقص أو غير صحيح ، وهذا جهل واعتقاد فاسد ، لأن الحج عبادة مستقلة لا تعلق له بغيره . وأما زيارة بيت المقدس فسنة مستحبة ، لأن الصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة . وحديث ' من زارني وزار أبي إبراهيم في عام ضمنت له على الله الجنة ' باطل موضوع ، كما قاله النووي وابن تيمية وغيرهما . وتبييض بيت الحاج بالبياض والجير ، ونقشه بالصور وكتابة اسم وتاريخ الحاج عليه بدعة ضلالة ، وتظاهر ورياء وجهالة وغفلة من المشروع ، وعدول عنه إلى المبتدع المذموم الممنوع ، وكذا إقامتهم السرادقات - الصواوين - وذبحهم الذبائح ، وتفريقهم للشربات والسجاير على القادمين وملاقاة الحاج بالبيارق والباز أو الطبول ، واجتماع النساء للزغاريد ، واستحضار الفقراء للذكر بالتنطيط ، أو الراقصات للرقص والشخلعة ، كل هذا وغيره مما لا يليق حصوله من مسلم
____________________
(1/171)
شم رائحة الشريعة الإسلامية ، بل هذا إذا رآه الأجانب أعداء الإسلام استهزءوا بنا ، وعرفوا أن هذا الدين كله سخرية وهذيان ولهو ولعب . إنني أقول والحق أقول : ما من عبادة ، وما من ركن ، ولا سنة إلا وقد دخل عليها من الجهل والبدع والخرافات ما أفسدها وشوهها ، ولا لوم أصلا على أحد من أهل الأرض جميعاً سوى العلماء فإنهم أعرضوا عن الأمر والنهي كل الإعراض ، بل قاموا في وجوه الآمرين الناهين ، فأصبحوا هم أكبر صاد للناس عن سبيل الله ( فإنا لله وإنا إليه راجعون ) . صلاة ليلة الفطر ويوم عرفة الموضوعة بين أحاديث صلاة ليلة الفطر ، ويومه ويوم عرفة وليلة النحر الجلال السيوطي في كتابه ' اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ' ووافقه على وضعها العلامة الفتني في تذكرته وتركنا ذكرها عمداً . مسألة في كتاب الإبداع مردودة بالسنة وهي قوله : ومن البدع السيئة تهاون العامة بسماع الخطبتين ، فترى أكثرهم يسارع بالخروج من المسجد عقب فراغ الإمام من الصلاة وبعضهم ينتظر الخطبة الأولى فقط ، وكل ذلك ترك للسنة الخ ، وهذا الكلام مردود بل منقوض بما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، واللفظ له من حديث عبد الله بن السائب قال : ' حضرت العيد مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فصلى بنا العيد ، ثم قال : قد قضينا الصلاة ، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ، ومن أحب أن يذهب فليذهب ' قال أبو داود : هذا مرسل ، وقد أفاد الحديث التخيير بين الجلوس لسماع الموعظة والذهاب ، فمن مضى فليس مبتدعاً بدعة سيئة ، كما قال الشيخ رحمه الله . ومن جلس فلا شك أنه قد أحسن ، والله أعلم .
____________________
(1/172)
العيد إذا وافق الجمعة قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال ، أحدها : أنه تجب الجمعة على من شهد العيد ، كما تجب سائر الجمع للعمومات الدالة على وجوب الجمعة ، والثاني : تسقط عن أهل البر مثل أهل العوالي والشواذ ، لأن عثمان بن عفان أرخص لهم في ترك الجمعة لما صلى بهم العيد ، والقول الثالث : وهو صحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة ، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد ، وهذا هو المأثور عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه كعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وغيرهم ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف . وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنة عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] لما اجتمع في يومه عيدان صلى العيد ، ثم رخص في الجمعة . وفي لفظ أنه قال : ' أيها الناس إنكم قد أصبتم خيراً ، فمن شاء أن يشهد الجمعة فإنا مجمعون ' أه . أقول : الأحسن أن تصلى الجمعة لتضعيف الأئمة هذه الأحاديث . فضل الضحايا روى ابن ماجه والترمذي وقال : حديث حسن غريب أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من هراقة دم ، وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها ، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض ، فطيبوا بها نفساً ' وروى أحمد وابن ماجه عن زيد بن أرقم قال : قلت أو قالوا : ' يا رسول الله ما هذه الأضاحي ؟ قال : سنة أبيكم إبراهيم قال : قالوا : ما لنا منها ؟ قال بكل شعرة حسنة ، قالوا : فالصوف ؟ قال : بكل شعرة من الصوف حسنة ' وروى الدارقطني أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال :
____________________
(1/173)
' ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد ' ورجاله ثقات ، لكن اختلف في رفعه ووقفه . فصل أما حديث ' قومي إلى أضحيتك فاشهديها ، فإنه بأول قطرة منها يغفر لك ما سلف من ذنوبك ' ففي إسناده عطية ، وفي العلل : أنه حديث منكر وحديث ' من ضحى طيبة بها نفسه محتسباً بأضحيته كانت له حجاباً من النار ' فيه أبو داود النخعي وهو كذاب . قال الإمام أحمد : كان يضع الحديث ، لكن رمز في الجامع لضعفه ، وحديث ' استفرهوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط ' غير ثابت ، كما قال ابن الصلاح وغيره ، ومثله ' إنها مطاياكم في الجنة ' كذا في أسنى المطالب وقال في التمييز : قال في ابن الصلاح : هذا الحديث غير معروف ولا ثابت فيما علمناه ، وقال ابن العربي رحمه الله في شرح الترمذي : ليس في فضل الأضحية حديث صحيح ، ومنها قوله : ' إنها مطاياكم في الجنة ' أه وقد ذكر الشيخ خطاب السبكي في ديوان خطبه ص 165 حديث استفرهوا ' وقد علمت أنه لم يصح أصلا وذكر أيضاً حديث ' من ضحى طيبة بها نفسه ' وقد تقدم لك أنه من رواية أبي داود النخعي وهو كذاب ، وما ذكرت هذا إلا للبيان ، والله أعلم . وحديث ' أنا ابن الذبيحين ' يروى عن معاوية أن أعرابياً قال له ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : يا ابن الذبيحين ، ولم ينكر عليه ، وفي الكشاف ' أنا ابن الذبيحين ' ولم يثبت من قوله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ، وأما قول الأعرابي فرواه الحاكم وابن مردويه والثعلبي كذا في أسنى المطالب . فصل وقد ترك الناس الضحايا التي هي من كبار القرب المنوه عنها في غير موضع في القرآن الكريم ، وصاروا لا يذبحون إلا في أيام الموالد ، كمولد أحمد البدوي ،
____________________
(1/174)
والرفاعي والدسوقي ، والبيومي ، والإمبابي ، ومولد النبي . وما من بلد من من بلاد المسلمين إلا وفيها مقدسون ، ومعظمون من الأموات يذبحون وينذرون لهم ، ويتقربون إليهم بنفائس النذور والذبائح التي هي حق لله وحده لا شريك له ، ف ( أولئك الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) ، فما بهذا أمركم الله في كتابه أيها المسلمون ، بل أمر الله نبيه أن يقول : ! ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ! ، فالله تعالى يأمر نبيه أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغيره ، أنه مخالف لهم في ذلك وأن صلواته وقرباته ، وعبادته وذبائحه لله وحده لا شريك له ، وقد قال الله تعالى أيضا له ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ! ( فصل لربك وانحر ) ! أي أخلص له صلاتك وذبحك ، فإن المشركين يعبدون الأولياء والموتى ، ويذبحون لها ، فلا تفعل كفعلهم وهذا كقوله تعالى : ! ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) ! . هذا وقد ثبت في السنة لعن من ذبح لغير الله ، كما رواه أحمد ، ومسلم والنسائي ، عن علي رضي الله عنه قال : حدثني رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ، بأربع كلمات : ' لعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من لعن والديه ، ولعن الله من آوى محدثا ، ولعن الله من غير منار الأرض ' بل قد أدخل الله النار رجلا بسبب ذباب قربه لغير الله ، كما روى عن طارق بن شهاب ، أن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' دخل الجنة رجل في ذبابة ، ودخل النار رجل في ذباب . قالوا : كيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرب له شيئاً . قالوا لأحدهما : قرب ، قال : ليس عني شيء أقرب ، قالوا قرب ولو ذبابا ، فقرب ذبابا فخلوا سبيله ، فدخل النار ، وقال للآخر : قرب ، قال : ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل ،
____________________
(1/175)
فضربوا عنقه ، فدخل الجنة ' رواه الإمام أحمد . أيها الناس إذا كان هذا الرجل أدخل النار في ذباب قربه لغير الله ، فكيف يفعل الله بأصحاب عجل البدوي ، وهي ألوف ، ونابت أم هاشم ، وهي ألوف من الأرادب ، وخرفان البيومي ، وذبائح القرني ، وجريش العجمي ، وقصعة شهاب الدين ، وقناطير الذهب التي توضع في صناديقهم ؟ اللهم الطف . إخواني : أنصحكم وأنا لكم ناصح أمين ، أن لا تذبحوا ، ولا تقربوا ، ولا تخرجوا من مالكم قليلا ، ولا كثيراً ، ولا مثقال ذرة إلا أن يكون ذلك خالصاً لله وحده لا شريك له ، ولا تعتقد أيها المسلم أن النذر لغير الله يجوز بحال من الأحوال ، أو أن عالماً من العلماء المعتبرين قال به . فإياك ثم إياك أن تنذر نذراً لأحد على وجه الأرض . فإن كان قد وقع منك ذلك جهلا ، فلا تظنن أنك إن لم تف بنذر الشيخ أنه يضرك ، أو يضر مالك ، أو عيالك ، أو يصيب منك مثقال ذرة ؛ لأن ولي الله لا يكون ظالما ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، واذكر قول الله تعالى لنبيه : ! ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) ! ، وقوله : ! ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ) ! ، وقوله : ! ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) ! ، واعلم أن الرسول ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أمره الله أن يقول للناس : ( قل إني لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعا إلا ما شاء الله ) ، ! ( قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ) ! ، ولا شك أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) سيد الأنبياء والأولياء ، وسيد ولد آدم ، والإنس والجن ، ومع هذا كان لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعا ، ولا لغيره ضراً ولا رشداً ، وإذا كان كذلك ، فقد اتضح لك كالنهار أن أهل الأرض جميعاً لا يملكون لأنفسهم ، ولا لغيرهم ضراً ولا نفعا . والنذر هذا نذر معصية ، فلا يوفى به لحديث : ' من نذر أن يطيع
____________________
(1/176)
الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ' رواه البخاري . قال في فتح المجيد ، نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية فيمن نذر للقبور أو نحوها : وهذا النذر معصية باتفاق المسلمين لا يجوز الوفاء به ، وكذا إذا نذر مالا للسدنة أو المجاورين العاكفين بتلك البقعة ، فإن فيهم شبهاً من السدنة التي كانت عند اللات والعزى ومناة ، يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويصدون عن سبيل الله ، والمجاورون هناك فيهم شبه من الذين قال فيهم الخليل عليه السلام : ! ( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ) ! والذين اجتاز بهم موسى عليه السلام وقومه . قال تعالى : ! ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ) ! فالنذر لهؤلاء السدنة والمجاورين في هذه البقاع نذر معصية . وقال عنه : وأما ما نذر لغير الله ، كالنذر للأصنام ، والشمس ، والقمر والقبور ، ونحو ذلك ، فهو بمنزلة أن يحلف بغير الله من المخلوقات ، والحالف بالمخلوقات لا وفاء عليه ولا كفارة ، وكذلك الناذر للمخلوقات ، فإن كلاهما شرك ؛ والشرك ليس له حرمة ، بل عليه أن يستغفر الله من هذا ، ويقول ما قال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من حلف باللات والعزى ، فليقل : لا إله إلا الله ' أه . وقال أيضاً : قال الشيخ قاسم الحنفي في شرح درر البحار : النذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد ، كأن يكون للإنسان غائب أو مريض أو له حاجة ، فيأتي إلى بعض الصلحاء - يعني من الأموات - ويقول : يا سيدي فلان ، إن رد الله غائبي ؛ أو عوفي مريضي ، أو قضيت حاجتي ، فلك من الذهب كذا ، أو من الفضة كذا ، أو من الطعام كذا ؛ أو من الشمع كذا ، فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه ، منها : أنه نذر لمخلوق ، والنذر للمخلوق لا يجوز لأنه عبادة ، والعبادة لا تكون لمخلوق ، ومنها أن المنذور له ميت ، والميت
____________________
(1/177)
لا يملك ، ومنها أنه ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله ، واعتقاد ذلك كفر - إلى أن قال : إذا علمت هذا ، فما يؤخذ من الدراهم ، والشمع ، والزيت وغيرها ، وينقل إلى ضرائح الأولياء تقربا إليها ؛ فحرام بإجماع المسلمين . أه . باختصار قليل . ولله در الإمام الصنعاني ، حيث قال في رسالة تطهير الاعتقاد : ( أعادوا بها معنى سواع ومثله ** يغوث وود ليس ذلك من ودي ) ( وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ** كما يهتف المضطر بالصمد الفرد ) ( وكم نحروا في سوحها من نحيرة ** أهلت لغير الله جهلا على عمد ) ( وكم طائف حول القبور مقبلا ** ويلتمس الأركان منهن بالأيدي ) فإن قال : إنما نحرت لله وذكرت اسم الله عليه ، فقل إن كان النحر لله فلأي شيء قربت ما تنحره على باب مشهد من تفضله وتعتقد فيه ؟ هل أردت بذلك تعظيمه أم لا ؟ فإن قال : نعم . فقل له : هذا النحر لغير الله ، بل أشركت مع الله تعالى غيره ، وإن لم ترد تعظيمه ، فهل أردت توسيخ باب المشهد وتنجيس الداخلين إليه ؟ أنت تعلم يقينا أنك ما أردت ذلك أصلا ، ولا أردت إلا الأول ، ولا خرجت من بيتك إلا قصده ، ثم كذلك دعاؤهم له . فهذا الذي عليه هؤلاء شرك بلا ريب أه . ولقد نهى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] عن الذبح حتى في الأماكن التي كان فيها أوثان أو أعياد المشركين ، كما روى عن ثابت بن الضحاك قال : ' نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة ، فسأل النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا : لا . قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قالوا : لا . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أوف بنذرك ، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم ' رواه أبو داود وإسناده على شرطهما وقد نهى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] عن النذر وقال : ' إنه لا يرد شيئا ' وفي لفظ :
____________________
(1/178)
' إنه لا يأنى بخير ، وإنما يستخرج به من البخيل ' متفق عليه ، والمعنى : أنه لا يجر نفعاً ولا يصرف ضرراً ولا يغير قضاء . فصل أما النذر لله وثوابه للبدوي أو الحسين أو أم هاشم أو فلان أو فلان فضلال وبدعة ! ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ! أما ثواب صلاتي وذبائحي وعبادتي فهو لي ولا أعطيه أحداً من العالمين . لأني محتاج فقير إليه لا أستغني عنه ، على أنهم يزعمون أن أولئك الأولياء ليسوا بحاجة إلى ثواب فكيف يروج عليهم الشيطان ذلك ويعمون عن قول الله تعالى ! ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) ! . فصل في صلوات الأسبوع الموضوعة والرواتب المسنونة وقيام الليل والمشروع والمبتدع قال شارح الإحياء : وليس يصح في صلوات أيام الأسبوع ولياليه شيء أه . وقال الحافظ بن عمر بن بدر الموصلي : وصلاة الأسبوع كل يوم وليلة لا يصح في هذا الباب شيء عند النبي [ صلى الله عليه وسلم ] . وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما نصه : وأشد من ذلك ما ذكره بعض المصنفين في الرقائق والفضائل في الصلوات الأسبوعية والحولية ، كصلاة يوم الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت ، المذكور في كتاب أبي طالب وأبي حامد وعبد القادر وغيرهم ، وكصلاة الألفية التي في أول رجب ونصف شعبان والصلاة الإثنى عشرية في أول ليلة جمعة من رجب ، والصلاة التي في ليلة سبع
____________________
(1/179)
وعشرين من رجب وصلوات أخر تذكر في الأشهر الثلاثة ، وصلاة ليلتي العيدين وصلاة يوم عاشوراء ، وأمثال ذلك من الصلوات المروية عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] مع اتفاق أهل العلم بحديثه ، أن ذلك كذب عليه ، ولكن بلغ ذلك أقواما من أهل العلم والدين فظنوه صحيحاً فعملوا به ، وهم مأجورون على حسن قصدهم لا على مخالفة السنة ، وأما من تبينت له السنة فظن أن غيرها خير منها فهو ضال مبتدع بل كافر أه . وكذا قال صاحب أسنى المطالب والفتنى في التذكير والسيوطي في اللآلئ والله أعلم . فصل في بيان الرواتب المسنونة في البخاري عن ابن عمر قال : ' صليت مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعد الظهر وسجدتين بعد المغرب ، وسجدتين بعد العشاء ، وسجدتين بعد الجمعة . فأما المغرب والعشاء ففي بيته ، وحدثتني أختي حفصة أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كان يصلي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر ' وقال في البخاري أيضاً عن عائشة ' أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كان لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الغداة ' وفي البخاري أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' صلوا قبل المغرب ' أي ركعتين قال في الثالثة ' لمن شاء ' كراهية أن يتخذها الناس سنة ، وفيه عن ابن عمر أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان يصلي قبل الظهر ركعتين ، وبعدها ركعتين وورد مرفوعا : ( رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً ) حسنه الترمذي وفي هذا رد على من يقول من المالكية : ليس عندنا سنن سوى الوتر والعيدين ، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين ، وروى الجماعة إلا البخاري أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات ' وفي البخاري عن جابر قال :
____________________
(1/180)
دخل رجل يوم الجمعة والنبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يخطب فقال : ' أصليت ؟ قال : لا . قال : فصل ركعتين ، وللمناسبة نذكر هنا : فصل في بيان عدم ثبوت صلاة سنة قبلية للجمعة أنه لا دليل أصلاً يدل على سنة راتبة قبلية للجمعة ، وغاية ما عندهم القياس المردود ، قال في سفر السعادة : وكان إذا فرغ بلال من الأذان شرع ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) في الخطبة ولم يقم أحد لصلاة السنة ، وبعض العلماء قالوا بسنة الجمعة بالقياس على الظهر ، وإثبات السنة بالقياس غير جائز ؛ والعلماء الذين صنفوا في السنن واعتنوا بضبط سنن الصلاة لم يرووا في سنة الجمعة قبل الصلاة شيئاً ، وأما بعد صلاة الجمعة فكان إذا رجع إلى المنزل صلى أربعا وإن صلى في المسجد صلى ركعتين ، وقال : ' من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً ' أه وقال في الهدى النبوي : وكان إذا فرغ بلالا من الأذان أخذ النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) في الخطبة ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة ، ولم يكن الأذان إلا واحداً ، وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنة لها قبلها . وهذا أصح قولي العلماء وعليه تدل السنة . فإن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان يخرج من بيته فإذا رقي المنبر أخذ بلال في أذان الجمعة فإذا أكمله أخذ النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) في الخطبة من غير فصل ، وهذا كان رأي عين ، فمتى كانوا يصلون السنة ؟ ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين ، فهو أجهل الناس بالسنة أه ، وكذا حكى الشوكاني عن العراقي ، وقد أطنب في الاستدلال على إنكار هذه الصلاة والإمام أبو شامة في كتابه الباعث وغيره . والله أعلم . فضل في بيان أن صلاة الظهر بعد الجمعة بدعة مردودة ولا أصل لها إن صلاة الظهر بعد الجمعة لم يصلها الرسول ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ولا مرة
____________________
(1/181)
واحدة في حياته ولا أمر بها ولا رغب فيها ، ولا فعل أحد من الخلفاء الأربعة ولا أحد من سائر الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم ، ولا الأئمة الأربعة ، ولا أشار إلى ذلك واحد مهم ، فهي لا أصل لها في كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح . فليست في موطأ مالك ولا مدونته ولا في مسند الشافعي ولا في سننه ، ولا في الكتب المعتبرة للحنفية والحنابلة ، وإنما أحدثها بعض متأخري الشافعية . على قياس ضعيف جداً بل باطل ! ( إن هم إلا يظنون ) ! و ! ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) ! فهي بدعة محدثة مستهجنة وشرع لم يأذن به الله ولا رسوله ، فاحذروا أيها الناس أن تعبدوا بالبدع ، وكل عبادة لا يتعبد بها محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه فلا تتعبدوا بها . واعتقدوا أن الله غير قابلها منكم بل رادها عليكم ، لأن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ' وقال : ' فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ' . فتويان الفتوى الأولى : في خطيب حضر صلاة الجمعة فامتنعوا عن الصلاة خلفه لأجل بدعة فيه ، فما هي البدعة التي تمنع الصلاة خلفه ؟ الجواب : ليس لهم ترك الجمعة ونحوها لأجل فسق الإمام ، بل عليهم فعل ذلك خلف الإمام وإن كان فاسقاً ، وإن عطلوها لأجل فسق الإمام كانوا من أهل البدع ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما ، وإنما تنازع العلماء في الإمام إذا كان فاسقاً ، أو مبتدعاً ، وأمكن أن يصلي خلف عدل ، فقيل تصح الصلاة خلفه وإن كان فاسقا ، وهو مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وأبي حنيفة وقيل لا تصح خلف الفاسق إذا أمكن الصلاة خلف العدل ، وهو إحدى الروايتين
____________________
(1/182)
عن مالك ، وأحمد والله أعلم . قاله شيخ الإسلام ابن تيمية : يقول محمد بن عبد السلام : إن من نادى غير الله واستغاث والتجأ عند الكروب والشدائد بغيره تعالى ؛ ونذر وذبح لغيره ، واعتقد أن غير الله يضر وينفع ، ويعطي ويمنع ، كما أقسم لي بالله عالم أزهري أنه ما تحصل على الشهادة العالمية إلا بعد ذهابه إلى قبر الشعراني وجلوسه تجاه رأسه كجلسته للصلاة بأدب وخشوع ، وتكراره لهذا البيت : ( يا سادتي من أمكم لرغبة فيكم جبر ** ومن تكونوا ناصريه ينتصر ؟ ) فطلب النصر والجبر بمن مات منذ مئات السنين لا شك أنه شرك بالله العظيم ، فهذا المسكين الضال الغافل لا تصح إمامته ، ولا صلاته ما لم يتب ، إذ أنه لا يفرق بين التوحيد والشرك ، وهذا هو غاية الجهل ، فمثل هذه البدعة هي التي لا يصلي خلف صاحبها ، ثم إذا كان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] عزل عن الإمامة من رآه بصق في القبلة ، فكيف تصح إمامة هؤلاء الذين أعادوا ما كان عليه أهل الجاهلية الأولى ؟ ثم هم يناوئون أنصار التوحيد حينما يرونهم ينكرون هذا الشرك على أهله ، وإن الله تعالى قد قال في مثل هؤلاء : ! ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) ! وقال ! ( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ) ! ، وقال ( ذلكم أنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير ) : وأنت لو نظرت إلى مجلة الأزهر وإلى ما يكتبه الشيخ الدجوي وإخوانه فيها وفي غيرها من التصريح بالتعبد بالبدع ، وحمل الناس على العمل بها ، كتصريحهم بجواز دعاء الأموات والاستعانة بهم وتكفيرهم لمن يؤمن بآيات
____________________
(1/183)
الصفات كما أنزلها الله ، كما هو المأثور عن السلف ، لعلمت يقينا أنهم أكبر نصير لأكبر البدع المخرجة لأصحابها عن اتباع سبيل المؤمنين ، وامتنعت من الصلاة خلفهم ، بل لقلت : لو كان الإمام أحمد والحافظ البخاري وأمثالهما من علماء السلف أحياء لقالوا فيهم ما قالوه في الجهم بن صفوان . ولعلك تظن أني تغاليت في مقالتي هذه ، فخذ إليك ما ذكر في أكبر كتاب جمع مذاهب فقهاء المسلمين وهو كتاب المغنى للإمام ابن قدامة قال : ومن صلى خلف من يعلن ببدعته أو يسكر أعاد قال : الإعلان الإظهار ، وهو ضد الإسرار ، وظاهر هذا أن من ائتم بمن يظهر ببدعته ، ويتكلم بها ويدعوا إليها ، أو يناظر عليها فعليه الإعادة أه فكلام صاحب المغني مطلق عام في تحتم إعادة صلاة من صلى خلف من يعلن ببدعته ، وكلامنا مقيد مخصوص بمن يكفر ببدعته ، أسأل الله الكريم ، رب العرش العظيم ، أن يهدينا جميعا لفهم القرآن الكريم ، فإننا ما اختلفنا ولا تفرقنا ولا سقطنا بين الأمم ولا سلطوا علينا إلا بسبب الإعراض وعدم النذير لكتاب رب العالمين . وأما البدعة الخفيفة التي لا يكفر بها صاحبها فلا يجوز لمسلم أن يمتنع عن الصلاة خلف مرتكبها ، وعلى أهل الحق والمعرفة أن يبينوا له خطأه ، فإن قبل واصلوه ، وإن أصر هجروه وقاطعوه ، فإن من استبانت له سنة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فرأى أن غيرها خير منها فهو مبتدع ضال . بل يكفر إذا لم يكن متأولا ، ويدل على ذلك ما رواه البخاري في ( باب إمامة المفتون والمبتدع ) قال : وقال الحسن : صل وعليه بدعته : وفي البخاري أيضاً عن عبيد الله بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال : إنك إمام عامة ونزل بك ما ترى ، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج فقال : الصلاة أحسن ما يعمل الناس
____________________
(1/184)
فإذا أحسن الناس فأحسن معهم ، وإذا أساء الناس فاجتنب إساءتهم وهذا هو الذي أشار إليه شيخ الإسلام في فتواه . الفتوى الثانية : في المذاهب الأربعة هل تصح صلاة بعضهم خلف بعض أم لا ؟ وهل قال أحد من السلف أنه لا يصلي بعضهم خلف بعض ؟ ومن قال ذلك فهل هو مبتدع أم لا ؟ وإذا فعل الإمام ما يعتقد أن صلاته معه صحيحة والمأموم يعتقد خلاف ذلك ، مثل أن يكون الإمام تقيأ أو رعف أو احتجم أو مس ذكره أو مس النساء بشهوة أو بغير شهوة أو قهقه في صلاته أو أكل ما مسته النار أو أكل لحم الإبل وصلى ولم يتوضأ والمأموم يعتقد وجوب الوضوء من ذلك أو كان الإمام لا يقرأ البسملة ، أو لم يتشهد التشهد الآخر ، والمأموم يعتقد وجوب ذلك فهل تصح صلاة المأموم والحال هذه ؟ الجواب : الحمد لله ، نعم تجوز صلاة بعضهم خلف بعض كما كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن بعدهم من الأئمة الأربعة يصلي بعضهم خلف بعض ، ومن أنكر ذلك فهو مبتدع ضال مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها ، وقد كانت الصحابة والتابعون ومن بعدهم منهم من يقرأ البسملة ، ومنهم من لا يقرؤها ، ومنهم من يجهر بها ومنهم من لا يجهر بها ، وكان منهم من يقنت في الفجر ومنهم من لا يقنت ، ومنهم من يتوضأ من الحجامة والرعاف
____________________
(1/185)
والقيء ، ومنهم من لا يتوضأ من ذلك ، ومنهم من يتوضأ من مس الذكر ومس النساء بشهوة ومنهم من لا يتوضأ من ذلك ، ومنهم من يتوضأ من القهقهة في صلاته ومنهم من لا يتوضأ من ذلك ، ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الإبل ومنهم من لا يتوضأ من ذلك ، ومع هذا فكان بعضهم يصلي خلف بعض مثل ما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم يصلون خلف أئمة أهل المدينة من المالكية ؛ وإن كانوا لا يقرءون البسملة لا سراً ولا جهراً ، وصلى أبو يوسف خلف الرشيد وقد احتجم ، وأفتاه مالك بأن يتوضأ فصلى خلفه أبو يوسف ولم يعد ، وكان أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الحجامة والرعاف . فقيل : له فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ تصلي خلفه ؟ فقال كيف لا أصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك أه من فتاوى شيخ الإسلام . فصل في بيان فضل قيام الليل وصفته وما ابتدع فيه روى الجماعة إلا البخاري ' أنه [ صلى الله عليه وسلم ] سئل أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ قال الصلاة في جوف الليل ، قال : فأي الصيام أفضل بعد رمضان ؟ قال : شهر الله الحرام ' وروى الترمذي والنسائي والحاكم أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر ، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر في تلك الساعة فكن ' وصححه الترمذي . وفي الجامع برمز أحمد والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوماً ، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ' وروى الجماعة كلهم أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول ، فيقول : أنا الملك من ذا الذي دعوني فأستجيب له ؟ من
____________________
(1/186)
ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر ، وفي الجامع ، عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله تعالى ، ومنهاة عن الإثم ، وتكفير للسيئات ، ومطردة للداء عن الجسد ' ورمز لأحمد والترمذي والحاكم وغيرهم عن بلال وصححه وفي مسلم أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه ' . فصل في صفة قيام الليل في البخاري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في رمضان ؟ فقالت : ما كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصل ثلاثا قالت عائشة : فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟ فقال : ' يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ' وفي البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال : صليت مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ليلة فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء ، قلنا : وما هممت ؟ قال : هممت أن أقعد وأذر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] . وفي مسلم عن حذيفة قال : صليت مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ، ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت : يركع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ
____________________
(1/187)
تعوذ ، ثم ركع فجعل يقول ' سبحان ربي العظيم ' فكان ركوعه نحوا من قيامه ؛ ثم قال : ' سمع الله لمن حمده ' ثم قام طويلا قريبا مما ركع ، ثم سجد فقال ' سبحان ربي الأعلى ' فكان سجوده قريباً من قيامه ، وفي البخاري أن رجلا قال : يا رسول الله كيف صلاة الليل ؟ قال ' مثنى مثنى ، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة ' وفي البخاري عن عائشة قالت : كان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، منها الوتر وركعتا الفجر . فصل في القيام المبتدع يقوم الدرويش المربي بعد نصف الليل بساعة أو ساعتين فيتوضأ ويصلي ركعتين في ربع دقيقة ، ثم يجلس تحت السبحة الغليظة المعلقة في السقف في البكرة ثم يقرأ الفاتحة لشيخه ومشايخه وأصحاب السلسلة وأصحاب التصريف والأغواث والأقطاب والأنجاب والأبدال ، والعشرة الكرام ، ثم يناديهم قائلا : ( يا هوه ولدكم راعوه ) ثم ينادي المدد ، ويذكر كل شيخ باسمه ، ثم يستحضر شيخه بين عينيه ويستفتح الذكر لابسا ثيابه البيض ، مطلقا للبخور في كل مكان مظلم . مغمضا عينيه قائلا : دستور يا عم أللووه أللووه أللووه ، ثم يقوم على قدميه مفرقعا بإصبعه ، أو مصفقا بكفيه ، صائحا بخوار له قائلا : اللو ووع اللو ووع ثم ( أحلوح أحلوح ) وهذه يسمونها ' طبقة السر ' عندهم ثم بعدها الطبقة الشرعية : أهلا آ آه أهلا آ آه ، ثم ينادي قائلا : يا أبا الحسن يا ديب ، عنا لا تغيب ، بجاه الحبيب المدآ آد ثم يختم قائلا وهو طرب مسرور
____________________
(1/188)
بعمله : الراجل الصالح السالك المربي ، اللي يبات الليل يقرأ الورد ويعيده وفي آخر الليالي يسلم على النبي بإيده ، ثم ينام قبل الفجر بنصف ساعة حتى يضحي النهار فيصلي الصبح والضحى معا ، ثم يلبس دلقه المرقع ، ويخرج يبحث عن الفطور عند مغفل مثله ، ثم على حضرة أو ختمة ليتعشى فيها ، وهكذا يصنعون ، وما خفي عنا من ترهاتهم وجهالاتهم أكثر مما نحن به عالمون ، وهذه الشرذمة إن لم تقم العلماء في وجوههم وأعناقهم بسيوف الكتاب والسنة فلا شك أنهم سيضلون أهل الأرض جميعاً . وقد فعلوها . فصل وهذا كتاب إلى مشايخ السجاجيد كافة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد فإن الله سبحانه وتعالى قال : ! ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ) ! لهذا الوعيد الشديد ، كتبت هذا الكتاب شاكيا جميع الفقراء المتصوفة على اختلاف طرقهم إلى رؤسائهم الكبار مشايخ السجاجيد مبينا لكم أيها الشيوخ بعض ما هم عليه من البدع والخرافات والأضاليل والترهات ، والجهالات والخزعبلات ، ذلك لأن الدين الإسلامي الطاهر النقي من شوائب المحدثات وبدع أهل الجاهلية الأولى شوهوه وقلبوا حقائقه ، ومسخوا شرائعه ، وهجروا تعاليمه ، بل ضربوا بجلالته وأبهته وعظمته وكبريائه ومميزاته عن سائر الأديان - عرض الحائط ، فأصبح في نظر
____________________
(1/189)
أعدائه دين الهزل والسخرية ، دين اللهو واللعب ، والجهالة والضلالة . أعرضوا عن كتابه المبين الذي فصلت آياته ، ويسره الله للذكر ، وعن سنن نبيه الذي أوتي جوامع الكلم ، وهديه خير الهدى ، مع أن عباد الأوثان والأصنام - ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر واللات والعزى - لما عرفوا هذا الدين القيم وآمنوا به واتبعوا نبيه صار إيمان الواحد منهم لو وزن بإيمان أهل الأرض جميعاً لرجح عليه ، واهتز عرش الرحمن لموت أحدهم ألا وهو سعد بن معاذ ، ولقد كانوا يفادون نبي الله بأموالهم وأنفسهم ، ويناجونه بقولهم بأبي أنت وأمي يا رسول الله . وأقسموا بالله جهد أيمانهم أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أحب إليهم من أموالهم وأولادهم حتى من أنفسهم التي بين جنوبهم ، وصدقوا والله . وعمر لما جاءه الرجل يتحاكم إليه بعد ما حكم له النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ضرب عنقه ، وكانوا على ما اشتهر من الجفاء والقسوة فصارت أخلاقهم القرآن والسنة ، ومرجعهم في جميع أحوالهم إلى القرآن والسنة ، ووعظهم وإرشادهم بالقرآن والسنة ، وكانوا لا يعلمون أبناءهم ونساءهم ولا يحاجون طوائف الزيغ والضلالة ، إلا بالقرآن والسنة ، فدينهم الذي به يدينون ، وللتفقه فيه ليل نهار يجاهدون ، وللحياة والموت عليه يتمنون ، إنما هو الكتاب والسنة ، فما سادوا وساسوا الناس جميعاً ، وملكوا ممالك مشارق الأرض ومغاربها إلا بهذين الثقلين الكتاب والسنة . وخاب وربي وخسر قوم عنهما عمون ، وبغيرهما يتمسكون ويشتغلون ، ومن يرغب عن خطة محمد التي ارتسمها إلا من سفه ، وضل سعيه ولعب به شيطانه ، فصده عن الصراط المستقيم . هذا كان دأب القوم يا شيوخ السجاجيد وسيرهم وسيرتهم ، فخلف من بعدهم خلف جعلوا الحق باطلا ، والباطل حقاً ، وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به
____________________
(1/190)
الله ، فجعلوا التوحيد شركاً ، والشرك توحيداً ، وجاهدوا في إحياء البدع ، وإماتة السنن ، وضاربوا بالأحزاب والأوراد والتوسلات الكتاب والسنة ، فترى الأميين منهم يحفظون الاستغاثات والمنظومات والميمية والمنبهجة . وكثيراً مما يسمونه بالتخمير ، وهو كلام مثل بعر البعير . ثم إذا قاموا للصلاة رأيتهم يصلون ب ( إنا أحطناك الكوثر ) أو ب ( كل الله أحد ) أو ب ( إن الله على كل شيء أدير ) أعني أنهم يحرفون القرآن بلغتهم العامية وهو محرم مبطل للصلاة . وفي الذكر يهتز بشدة كالسعفة في الريح ، وإذا صلوا نقروا الصلاة نقراً وقالوا : التخفيف مطلوب ، واللي يؤم بالناس يخفف . والقارئون منهم يحفظون مائة حكاية عن البدوي وغيره يقولون : إنه وكز دقيق العيد وهو بمصر فطرحه خلف جبل ' ق ' وأنه جاء باليسير سرق قبته من بلاد الإفرنج ، وأنه طلب أن يدخله الله النار فمنعه ، لأنه لو دخل النار لصارت كحشيشة خضراء ، وأن من زار قبره غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ، وأن الرفاعي أخرج له الرسول ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يده من القبر فصافحه وقال له : ( في حالة البعد روحي كنت أرسلها ** تقبل الأرض عني هي نائبتي الخ ) كذبوا على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ويقولون إن الجيلي ضرب زنبيل الأرواح من يد ملك الموت فاندلق فردت الأرواح لأصحابها وقالوا : الدسوقي سمى أبا العينين لاحتجابه بين عيني النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) - هذا وغيره مع أن الكل عن القليل من فهم القرآن ! ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) ! . وقد وصف الله عباده المؤمنين بقوله : ! ( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ) ! وهؤلاء إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها إلا صماً وعمياناً ، وهم للنطق بالشهادتين لا يتقنون وللاستنجاء لا يعرفون ، وللوضوء لا يحسنون ، وللتيمم والغسل وأحكام المياه لا يفقهون وللصلاة هم يسرقون وينقرون ، وفي أسماء الله هم يلحدون ، وفي
____________________
(1/191)
أذكارهم وعباداتهم يحرفون ويلحنون ، ويبتدعون ويخترعون ، وبلباس الأزياق - الدلوق - والعمائم الحمراء والخضراء يفتخرون ، ويزعمون أنهم أهل الحقيقة ، وأنهم أهل الكشف ، وأنهم أهل الخطوة ، وأنهم الأولياء الكبار الطيارون ، وأنهم مع بعد ديارهم في الكعبة يصلون ، ولما كتب عليهم من الشقوة في اللوح المحفوظ يمسحون ، وأنهم هم القائلون : ( شوبش على رجال لا صاموا ولا صلوا ** فرشوا سجاجيدهم على الماء ما ابتلوا ) وهم القائلون : لسيد الجيد اللي لتفريج الكروب معدود في القبر ما أنساه لو كان فرشى تراب مع دود ( أو يا كعبة الأسرار أنت غياثنا ** يا كاشف الكربات يا شيخ العرب ) وكذا قولهم : ( عبد القادر يا جيلاني ** يا ذا الفضل والإحسان ) ( صرت في خطب شديد ** من إحسانك لا تنساني ) ( وكذا رفاعي لا تضيعني ** أنا المحسوب أنا المنسوب ) ( وكذا يا دسوقي يا شريف ** قد دخلنا في حماك ) ( بالحسن ثم الحسين ** خذ بيد اللي أتاك ) وهم لا غيرهم الذين للأموات ينادون ، وبهم يستغيثون ، وإليهم دون الله يلجأون ويجأرون ، ولمقابرهم يقصدون ، وللحج إليها الرحال يشدون ولها ينذرون ويذبحون ، وحولها يطوفون ولأركانها يستلمون ويقبلون ، وللرحمات هناك يستنزلون ، وبأمدادهم يستمدون . وهم للبيارق يحملون ، وبالبازات والطبول يضربون ، وللثعابين والصبار يأكلون ، وللنيران يزعمون زورا أمام الناس أنهم لها يلعقون ، وللحديد كالحواة في أفواهم يدخلون ، وهم الشاخرون الناخرون ، الراقصون الصارخون المؤحئحون في الذكر المؤفئفون ، السابون لغامزهم الشاتمون ، وبأفحش الفحش هم الناطقون وهم الذين لطلب المعيشة يتركون ، ولأموال الناس بالباطل يأكلون ، وبذكر الله للجريش يلهطون
____________________
(1/192)
وهم القائلون إن العلم حجاب بين العبد وربه ، وبلمحة ، تقع الصلحة ، وبنظرة من المرشد الكامل يصير الشقي ولياً ، وبنفخة في وجه المريد أو تفلة في فمه تطيعه الأفعى ، وتحترمه العقرب ، وهم المقرون بأن الولاية لا ينافيها ارتكاب الكبائر كلها إلا الكذب - وهم أكذب الناس - وأن الاعتقاد أولى من الانتقاد ، وأن الاعتراض يوجب الحرمان ، أي أن تحسين الظن بالفساق والفجار أولى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . نصيحتي واقتراحي فإليكم مشايخ السجاجيد جميعاً وأنتم سادة وقادة هؤلاء القوم ورعاتهم ' وكلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته ' قد كتبت هذا الكتاب المبين ، ونصحت لكم وأنا لكم ناصح أمين ، كي تنصحوا هؤلاء المساكين الذين يعمرون في الإسلام الخمسين والستين والسبعين والتسعين ويموتون ولم يذوقوا للإسلام والإيمان حلاوة ولا طعما ، لتماديهم في جهالتهم ، ولعدم الوعاظ المؤثرين والمرشدين المخلصين ؛ فأقترح عليكم يا رؤساء القوم أن تقرأوا لهم كتب العلم ، وتحثوهم فيها على قراءة الكتاب العزيز بالتفسير والتنزيل والترتيل والتدبر والتفهم والتعقل ؛ وقرروا عليهم حفظ مائتي حديث نبوي تكون جامعة للعقائد ، وأحكام الحلال ، والحرام ، والعبادات ، والمعاملات والأذكار ، والأخلاق ، والآداب والترغيب والترهيب . وأن تختاروا لأنفسكم وللقارئين منهم من أصح الكتب وأسهلها ، وأخلاها من الأحاديث الموضوعة ، والمنكرة ومن الإسرائيليات والخرافات . فمن تفاسير القرآن تفسير الحافظ ابن كثير وتفسير المنار ، وهذا الثاني هو الجامع لكل ما يحتاج إليه المسلمون في هذا الزمان .
____________________
(1/193)
ومن كتب الحديث الجامعة ( صحيح البخاري ومسلم ) ، والمختصرة ( بلوغ المرام ) للحافظ ابن حجر العسقلاني ( والأربعين النووية ) . ومن كتب الأذكار والأدعية المأثورة كتاب ( تحفة الذاكرين ) للشوكاني ومن المختصرة منها كتاب ( الكلم الطيب ) لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ومن كتب عقائد الإسلام وسياسته وفقهه وإثبات نبوة محمد خاتم النبيين وحكمة كونه خاتم النبيين وإعجاز القرآن وجمعه لكل ما يحتاج إليه البشر من إصلاح الأمم والدول من العلوم والحكم . . . كتاب ( الوحي المحمدي ) ومن كتب الترهيب عن المحرمات كتاب ( الزواجر ، عن اقتراف الكبائر ) للعلامة ابن حجر المكي الفقيه وأنفع منه كتاب ( الترغيب والترهيب ) للحافظ المنذري . ومن كتب السيرة النبوية والتفقه فيها مع أصح الهدى المحمدي كتاب ( زاد المعاد ، في هدي خير العباد ) ومن المختصرات فيها كتاب ( نور اليقين ) للشيخ محمد الخضري ( وخلاصة السيرة المحمدية ) للسيد الإمام محمد رشيد رضا ، ومن كتب الآداب والأخلاق والعادات الشاملة للعلم والتعلم والسفر والحضر والزوجية والطبية وغيرها كتاب ( الآداب الشرعية والمنح المرعية ) للعلامة الفقيه المحدث ابن مفلح . وحتموا عليهم أن تكون دعوتهم كلها لله ولكتابه ولرسوله ولإظهار الدين الإسلامي في أبهته وجماله وجلاله السلفي القديم ، لا أن يكون غاية قصدهم نشر الطريقة الرفاعية أو الأحمدية ، أو الإبراهيمية أو البيومية أو غيرها ، وبذلك ينتشر العلم الصحيح والدين القيم وتحيا السنن ، وتموت الخرافات والبدع ، ويكثر المصلحون ، ويقل المفسدون ، وينشأ الشبان على تقوى الله لا على معصيته وبهذا نكون متعاونين على البر والتقوى وعاملين بقوله تعالى : ! ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ! وبهذا نحيا حياة طيبة كما قال تعالى ( من عمل عملا صالحاً
____________________
(1/194)
من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ونزداد هداية كما قال تعالى ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ) وبهذا نرقى ونفوق الأمم ونسودهم ، كما سادهم واستعبدهم بالعدل والعلم والحكمة في مشارق الأرض ومغاربها آباؤنا الأولون . فانهوا أيها الشيوخ أتباعكم عن التعبد بالأحزاب ، والأوراد ، والأذكار ، والتوسلات ، والاستغاثات المبتدعة ، وعرفوهم أن فضل حرف واحد من القرآن العظيم والسنة المطهرة خير وأعظم وأفضل عند الله من جميع ما هم عليه ، ولا سيما مع التدبر والتفهم . فليستعيضوا عن هذا بقراءة القرآن وتحزيبه وتجزيئه على الأيام والليالي ، وبقراءة كلام الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ، وحفظه وفهمه وتلقينه للإخوان ، واستعيضوا لهم الإجازات بالشهادات العلمية ، فإذا ما ورد عليكم رجل قد قرأ وفهم وعقل عن الله ورسوله ، واختبرتم تدينه وحبه لله ولدينه ولرسوله ولسنته . وبغضه للمنكرات والمحرمات والمبتدعات والمخالفات . . فرأيتموه فطناً ذكياً فصيحا فيه أهلية للخير والإصلاح والإرشاد فحينئذ لا مانع من أن تخرجوا له شهادة وتجيزوه فيها أن يعلم المسلمين بما فتح الله به عليه ، وتحذروه من التدخل فيما لا يعنيه ، ومن الفتوى بغير علم ، ومن الخروج عن نصوص الكتاب والسنة . أما أنتم يا مشايخ السجادة ؛ فالله مولاكم هو يرزقكم وهو خير الرازقين وهو القائل : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ! ( ) ! ( ومن يتق الله يجعل من أمره يسراً ) ( ولو أن أهل الأرض آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) ! ( الآية ) ! ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) هذه هي نصيحتي ، وهذا هو اقتراحي ، فإن قبلتموه وعملتم به فقد أديتم ما وجب عليكم من قبول نصح الناصحين ، وأذكركم قول الله تعالى : ( سيذكر من يخشى
____________________
(1/195)
ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ، ثم لا يموت فيها ولا يحيى ، قد أفلح من تزكى ) ولا أظنكم لنصحي مستمعين ، ولا لإرشاداتي متبعين ، إذ : ( المستجير بعمرو عند كربته ** كالمستجير من الرمضاء بالنار ) والسلام عليكم ورحمة الله .
____________________
(1/196)
فارغة .
____________________
(1/197)
القسم الثاني
____________________
(1/198)
الباب الثالث والعشرون في القرآن وهدايته ووجوب اتباعه ، وذم الإعراض عنه وفضائله وبيان أنه هدى ونور ورحمة وموعظة وتذكرة وشفاء وبشرى للمؤمنين وإنذار للعاصين أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم . ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً ، قيما لينذر بأساَ شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسنا ماكثين فيه أبداً ، وينذر اللذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) ، ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، الذي له ملك السموات والأرض ، ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً ) ، ! ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) ! ! ( الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ) ! ، ! ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ) ! ، ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من
____________________
(1/199)
الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) ! ( ) ! ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ) ! ( ) ! ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) . فصل في وجوب التمسك بكتاب الله ، والنهي الشديد عن مخالفته قال الله تعالى ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ) وقال تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) ! ( وقال ) ! ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ، وأولئك لهم عذاب عظيم ) وقال سبحانه : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) وقال : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) وقال لنبيه : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ، وسبحان الله وما أنا من المشركين ) . فصل في وجوب طاعة الله وطاعة رسوله ، ووعيد المخالفين وطاعة الله في اتباع كتابه ؛ وطاعة الرسول في اتباع سنته ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، فإن
____________________
(1/200)
تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، ذلك خير وأحسن تأويلا ) وقال تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ، ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ، فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ) ! ( وقال ) ! ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ) وقال : ( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ، ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين ) وقال جل علاه : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) وقال : ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً ) وقال : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) وقال : ( إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم ) وقال : ( إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين ) ! ( وقال ) ! ( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما ) وقال : ( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) وقال : ( وإن تطيعوه تهتدوا ) ! ( وقال ) ! ( واتبعوا لعلكم ترحمون ) وقال : ( ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذاباً أليما ) وقال : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ) وقال : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم ) وقال :
____________________
(1/201)
! ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) ! . فصل في الأمر بتدبر وتفهم القرآن ! ( حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ) ! وقال : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) وقال تعالى : ! ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) ! وقال ( فما لهم عن التذكيرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسوة ) وقال : ! ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم ) ! وقال : ! ( لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) ! وقال لنبيه : ! ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ) ! وقال : ! ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ! وقال : ! ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) ! وقال : ( قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون
____________________
(1/202)
مستكبرين به سامرا تهجرون ، أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ) . فصل في وعيد المعرضين عن القرآن قال تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ، ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً ؟ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) وقال : ( وقد آتيناك من لدنا ذكراً ، من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا ، خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ) وقال : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) وقال : ( من أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسى ما قدمت يداه ) وقال : ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون ) وقال : ( ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) . فصل في فضائل قراءة القرآن وفضائل بعض سوره وآياته عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ' رواه مسلم رحمه الله ، وعن النواس بن سمعان رضي الله عه قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما ' رواه مسلم ، وعن عثمان بن عفان
____________________
(1/203)
رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' خيركم من تعلم القرآن وعلمه ' رواه البخاري ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ' متفق عليه . وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ' مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر ' متفق عليه ، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ' رواه مسلم ، وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لا حسد إلا في اثنتين ، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ' متفق عليه ، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوطة بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدنو وجعل فرسه ينفر منها فلما أصبح أتى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فذكر له ذلك فقال : ' تلك السكينة تنزلت للقرآن ' متفق عليه ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشرة أمثالها . لا أقول : ألم حرف ، ولكن ألف حرف ولام حرف ، وميم حرف ' رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ' إن الذي
____________________
(1/204)
ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب ' رواه الترمذي ، وقال حسن صحيح ، وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ' رواه أبو داود والترمذي ، وقال حسن صحيح وعن أبي سعيد رافع بن المعلى رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ؟ فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت يا رسول الله ، إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن ، قال : ! ( الحمد لله رب العالمين ) ! هي السبع المثاني والقرءان العظيم الذي أوتيته ، رواه البخاري رحمه الله ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' في قراءة ! ( قل هو الله أحد ) ! والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن ' وفي رواية أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال لأصحابه ' أيعجز أحدكم أن يقرأ بثلث القرآن في ليلة ؟ فشق ذلك عليهم وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال ! ( قل هو الله أحد الله الصمد ) ! ثلث القرآن ' رواه البخاري ، وعنه أن رجلا سمع رجلا يقرأ ! ( قل هو الله أحد ) ! يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها ، فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن ' رواه البخاري وعن أنس رضي الله عنه ' أن رجلا قال يا رسول الله إني أحب هذه السورة ( قل هو الله أحد ) ، قال : إن حبها أدخلك الجنة ' رواه الترمذي ، وقال حديث حسن رواه البخاري في صحيحه تعليقا ، وعن عقبة ابن عامر رضي الله عنه أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، قال : ' ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط ؟ ( قل أعوذ برب الفلق ) و ( قل أعوذ برب الناس ) ، رواه مسلم ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : ' كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان ، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما ' . رواه الترمذي ، وقال :
____________________
(1/205)
حديث حسن ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي ! ( تبارك الذي بيده الملك ) ! ' رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن وفي رواية أبي داود ' تشفع ' وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ' متفق عليه ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . قال : ' لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة ' رواه مسلم . وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قلت : ! ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) ! فضرب في صدري وقال : ليهنك العلم أبا المنذر ' رواه مسلم ، وفي البخاري في آخر حديث طويل ' من قرأ آية الكرسي عند نومه لم يقربه شيطان ' وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ' وفي رواية ' من آخر سورة الكهف ' رواه مسلم ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ' بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي [ صلى الله عليه وسلم ] سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال : ' هذا باب من السماء فتح اليوم ولم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم ، فسلم وقال : أبشر بنورين لم يؤتهما نبي من قبلك : فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته ' رواه مسلم أ هـ. من رياض
____________________
(1/206)
الصالحين باختصار حديث أبي هريرة وروى الحاكم في المستدرك بإسناد صحيح عن معقل بن يسار رضي الله عنهما قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' اعملوا بالقرآن ، أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واقتدوا به ، ولا تكفروا بشيء منه ، وما تشابه عليكم فردوه إلى الله وإلى أولي العلم من بعدي كيما يخبروكم وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور ، وما أوتي النبيون من ربهم وليسع القرآن ، وما فيه من البيان ، فإنه أول شافع مشفع ، وما حل مصدق ، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى ، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش ' . وروى الدارمي والترمذي رحمه الله عن أنس رضي الله عنه عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أنه قال : ' إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات ' ورمز في الجامع لضعفه وصححه شارحه ، وقال الشوكاني في التحفة قال الترمذي : هذا حديث غريب ، وأخرج النسائي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان رحمهم الله عن معقل بن يسار عنه [ صلى الله عليه وسلم ] أنه قال : ' قلب القرآن يس ، لا يقرأها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له ، اقرءوها على موتاكم ' أي من حضر الموت ، قال في التحفة وصححه ابن حبان والحاكم ، وأخرج ابن حبان وابن السني عن جندب رضي الله عنهما أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من قرأ يس في ليلة القدر ابتغاء وجه الله غفر له ' وأخرجه الطبراني عن أبي هريرة ، وفي إسناده غالب بن تميم وهو ضعيف ، وأما حديث ' من داوم على قراءة يس في كل ليلة ، ثم مات ، مات شهيداً ، ففي إسناده سعيد بن موسى الأزدي وهو كذاب ، وروى البخاري عن عمر أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، ثم قرأ
____________________
(1/207)
! ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) ! ' وروى الترمذي والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ! ( إذا زلزلت الأرض ) ! تعدل نصف القرآن ، ( وقل هو الله أحد ) تعدل ثلث القرآن ، ( وقل يا أيها الكافرون ) تعدل ربع القرآن ' وصححه في الجامع وشرحه . ولكن قال في التحفة : قال الترمذي بعد إخراجه حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة ، وقال الحاكم صحيح الإسناد ، ثم قال قلت يمان بن المغيرة الذي هو العنزي قال يحيى بن معين ليس حديثه بشيء وقال البخاري : منكر الحديث ، وضعفه أبو زرعة والدارقطني وقال ابن عدي : لا أرى به بأساً ، فالعجب من الحاكم حيث صحح حديثه أ هـ. وأخرج الحاكم عن ابن عمر قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم ؟ قالوا ومن يستطيع ذلك ؟ قال : أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ! ( ألهاكم التكاثر ) ! ' أخرجه الحاكم عن عقبة بن محمد عن نافع عن ابن عمر ، قال المنذري : ورجال إسناده ثقات إلا أن عقبة لا أعرفه . وعن أنس ، أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال لرجل من أصحابه : ' هل تزوجت يا فلان ؟ قال : لا ، والله يا رسول الله ما عندي ما أتزوج به ، قال : أليس معك ! ( قل هو الله ) ! ؟ ' قال : بلى ، قال ثلث القرآن ، قال : أليس معك ! ( إذا جاء نصر الله والفتح ) ! ؟ قال : بلى ، قال : ربع القرآن ، قال : أليس معك ! ( قل يا أيها الكافرون ) ! ؟ قال : بلى . قال : ربع القرآن ، قال : أليس معك ! ( إذا زلزلت الأرض ) ! ؟ قال : بلى ، قال ربع القرآن ، تزوج تزوج ' ، أي بما معك من القرآن ' . قال في تحفة الذاكرين : قال الترمذي بعد إخراجه ؛ هذا حديث حسن وقد تكلم في هذا الحديث مسلم في كتاب التمييز ، وهو من رواية سلمة بن وردان عن أنس قال أبو حاتم : ليس بقوي ، عامة ما عنده عن أنس منكر ، وقال يحيى بن معين : ليس حديثه بذاك . أ هـ. وفي الجامع وصححه ' من قرأ
____________________
(1/208)
في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين ' ، وفي الدرامي ' من قرأ مائتي آية في ليلة كتب من القانتين ' ، و ' من قرأ في ليلة ثلثمائة آية كتب له قنطار ' ، و ' من قرأ ألف آية كتب له قنطار من الأجر ، والقيراط من ذلك القنطار لا يفي به دنياكم ' وفي رواية ' والقيراط من القنطار خير من الدنيا وما فيها ، واكتسب من الأجر ما شاء الله ' ، وهذه الأحاديث ، وإن كان فيها مقال ، فهي داخلة تحت عموم حديث : ' من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ' الحديث ، والقرآن كلام الله وفضائله لا تحصى . فصل في تحزيب القرآن قال في المغنى ؛ يستحب أن يقرأ القرآن في كل سبعة أيام ليكون له ختمة في كل أسبوع . قال عبد الله بن أحمد : كان أبي يختم القرآن في النهار في كل سبعة ، يقرأ في كل يوم سبعا لا يتركه نظراً ، وقال حنبل : كان أبو عبد الله يختم من الجمعة إلى الجمعة ، وذلك لما روى أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، قال لعبد الله بن عمرو : ' اقرأ القرآن في سبع ، ولا تزيدن على ذلك ' رواه أبو داود . وعن أوس بن حذيفة قال : قلنا لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لقد أبطأت عنا الليلة ، قال : ' إنه طرأ على حزبي من القرآن ، فكرهت أن أخرج حتى أتمه ' . قال أوس : سألت أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، كيف تحزبون القرآن ؟ قالوا : ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل وحده ، رواه أبو داود . ويكره أن يؤخر ختمة القرآن أكثر من أربعين يوماً ؛ لأن النبي [ صلى الله عليه وسلم ]
____________________
(1/209)
سأله عبد الله بن عمرو : كم تختم القرآن ؟ قال : ' في أربعين يوماً ، ثم قال : في شهر ، ثم قال : في عشرين يوما ، ثم قال : في خمس عشرة ، ثم قال : في عشر ، ثم قال : في سبع ، لم ينزل من سبع ' أخرجه أبو داود . قال أحمد : أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين ، ولأن تأخيره أكثر من ذلك يفضي إلى نسيان القرآن ، والتهاون به ، فكان ما ذكرنا أولى ، وهذا إذا لم يكن عذر ، فأما مع العذر فواسع له . أ هـ. فصل إذا عرفت فضل القرآن العظيم وفضل بعض سوره وآياته ، وعرفت وافر وجزيل أجر تلاوته ، وعلمت كيفية تحزيب النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه للقرآن ، وترتيبهم له على الأيام والليالي - حق لنا أن نقول لك أيها المسلم المتبع لأعظم رسول ، لا تعرض عن قراءة كتاب ربك إلى قراءة أوراد المشايخ وأحزابهم ، فإن الأجر كله ، والثواب كله ، والفضل العظيم كله ، والنصح ، والإرشاد ، والوعظ ، والهدي ، والنور كله ، والصراط المستقيم إنما هو في تلاوة كتاب الله تعالى . فيا متبع الرسول الأعظم : إياك ، ثم إياك ، وما ابتدع ، فإنه ضلالة ، واعلم أنه لا يجوز لك أن تقرأ دعاء البسملة ، ولا ورد الجلالة ودعاءها للجيلاني ؛ لأنه يصدك عن القرآن ، ولا يجوز لك أن تقرأ مسبعات ، ولا منظومة الدردير ، ولا ورد السحر ، والميمية ، والمنبهجة للبكري ، بل اقرأ بدل هذا أحزاباً من القرآن تنفعك قراءتها يوم لقاء ربك ، ولا سيما قراءة التدبر والتفقه . أيها العاقل : هل حزب البر ، والبحر ، والنصر ، وحزب الرفاعي الكبير والصغير ، وحزب الدسوقي الكبير والصغير أيضاً ، وحزب النووي
____________________
(1/210)
والبيومي ، وحزب الوقاية المسمى بالدور الأعلى ، بل وجميع ما في مجموع الأوراد - خير ، أم حزب واحد . أو سورة واحدة من القرآن العظيم ؟ لا بل آية واحدة ، بل حرف واحد من كتاب الله ؟ لا شك أنك تعترف أنه أعظم وأجل ألف ألف مرة ، بل لا مناسبة بالكلية ، وأنت تشهد وتقر معي بذلك ، ولا أظنك تنكره ، أن جميع ما في مجموع الأذكار الطيبة للطرق السبعة ، وجميع ما في كتاب ' مجموع أوراد الخلوتية والمرغنية ، وأوراد الخليلية ' وحرز الجوشني ، وحرز الغاسلة ، والجلجوتية ، والبرهتية - لا شك أنه من عند غير الله ، ولا شك أنه شرع لم يشرعه الله ، ولا رسوله ، فصار بدعة ، وكل بدعة ضلالة . ولعلك تقول : إن هذه الأحزاب والأوراد لا تخلو من آيات قرآنية فيها ، فنقول لك : القرآن كاللبن النقي الخالص ، وأحزابكم وأورادكم كاللبن المخلوط بالدم ، أو كاللبن الاصطناعي ، فأيهما ترتضيه لنفسك ؟ الأول لا شك ، بله ما في القرآن من الموعظة ، والشفاء والرحمة ، والتذكير ، والهداية ، والعبرة ، والأوامر ، والنهي ، والترغيب ، والترهيب ، وذكر عظمة الله وكبريائه ، وتعريفك برسول الله ورسله وقصص الأنبياء وأتباعهم ، وما فعل الله بالطاغين والعاصين ، وما أعده لأهل طاعته من النعيم المقيم ، وغير ذلك مما لا يمكننا عده ، ولا حصر بعضه ، وليس يوجد من ذلك حرف واحد في أورادكم ولا أحزابكم فما هي إلا عبادات مخترعات ، وشيء آخر وهو أنك لا تقرأ بحرف واحد من كتاب الله إلا أوتيت أجره كما في الحديث الصحيح ' من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول : ألم حرف ، ولكن ألف حرف ، وميم حرف ! ( والله يضاعف لمن يشاء ) ! فما هو ثواب من قرأ حزب الجيلاني كله من أوله إلى آخره ألف مرة ، وما ثواب من يقرأ حزب البكري ، بل وما ثواب من يقرأ جميع مجاميع الأوراد كلها حرفاً
____________________
(1/211)
حرفاً ؟ ؟ لا يمكنكم أصلا أن تقدروا لقارئها ثواباً كثواب قراءة أصغر سورة في القرآن بل ولا آية ولا حرف واحد ، فإن قدرتم وقلتم فظن و ! ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) ! بل ! ( إن بعض الظن إثم ) ! بل يكون افتراء وكذبا على الله ! ( ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ) ! فيا أيها المسلمون ! ( الله نزل أحسن الحديث ) ! وقص عليكم أحسن القصص في كتابه ، فلا تعدلوا عنه وتتبعوا هؤلاء فإنهم قد هوكوا وتهوكوا يا قوم ' كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتابا غير كتاب ربهم الذي أنزل على نبيهم ' كذا في الحديث ، يا قوم حذار حذار من الإعراض عن كتاب الله فإن الله يقول : ! ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) ! ويقول : ! ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) ! ، ويقول لنبيه : ! ( وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ) ! ويقول : ! ( ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) ! . يا قوم إني أقول والحق أقول إنه لا يرغب عن كتاب ربه إلى مخترعات الشيوخ إلا من سفه نفسه ، وضل سعيه ، وزين له الشيطان عمله فصده عن السبيل ، فحزبوا وجزئوا القرآن وقسموه على أيامكم ولياليكم ، وحلوا وارتحلوا فيه من أوله إلى آخره ، واجعلوا المصحف في جيوبكم دائما وأبداً - بدل المجموع - ولكن أكبر ما تمعنون فيه النظر بعد القرآن أحاديث الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والتعبد بالأدعية والأذكار المروية عنه في الكتب التي ذكرناها لكم ، وهذا فيه الغنية التامة ، والكفاية العظمى عن جمع ما تقرءونه من الأوراد والأحزاب والدلائل . والتوسلات التي لم يتعبد بحرف واحد منها أحد من
____________________
(1/212)
الصحابة ولا التابعين ، ولا أئمة الدين ، أسأل الله لي ولكم الهداية والاعتصام بكتابه وسنة نبيه آمين . فصل في بدعية جمع القراءات في سورة أو آية واحدة سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن جمع القراءات السبعة هل هو سنة أم بدعة ؟ وهل جمعت على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أم لا ؟ وهل لجامعها مزية ثواب على من قرأ برواية أم لا ؟ فأجاب بقوله : الحمد لله ، أما نفس معرفة القراءة وحفظها فسنة ، فإن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول ، فمعرفة القراءات التي كان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يقرأ بها ، أو يقرهم على القراءة بها ، أو يأذن لهم وقد أقرئوا بها سنة ، والعارف بالقراءات الحافظ لها ، له مزية على من لم يعرف ذلك ، ولا يعرف إلا قراءة واحدة ، وأما جمعها في الصلاة أو في التلاوة ، فهو بدعة مكروهة ، وأما جمعها لأجل الحفظ والدرس فهو من الاجتهاد الذي فعله طوائف في القراءة ؛ وأما الصحابة والتابعون فلم يكونوا يجمعون والله أعلم ، وقال في موضع آخر : وأما الجمع في كل القراءة المشروعة المأمور بها فغير مشروع باتفاق المسلمين بل يخير بين تلك الحروف ، وإذا قرأ بهذه تارة وبهذه تارة كان حسنا ، وقال بعد حديث الصحاح وهو : ' أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف فاقرءوا بما تيسر ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ أحدها أو هذا تارة وهذا تارة لا الجمع بينهما فإن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] لم يجمع بين هذه الألفاظ في آن واحد بل قال هذا تارة وهذا تارة . أ هـ. فصل في بدع ضلالات متعلقة بالقرآن العظيم فمن ذلك أخذ الفأل والبخت من المصحف ، ولا أدري ماذا يصنع صاحب
____________________
(1/213)
البخت إن وقف على آية ! ( فأذنوا بحرب من الله ) ! أو ( لنسفعن بالناصية ) أو ! ( ناصية كاذبة خاطئة ) ! أو ( سندعو الزبانية ) مثلا ، وفي كتاب أدب الدنيا والدين أن الوليد بن يزيد تفاءل يوماً في المصحف فخرج له قوله تعالى ! ( واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ) ! فمزق المصحف وأنشأ يقول : ( أتوعد كل جبار عنيد ** فها أنا ذاك جبار عنيد ) ( إذا ما جئت ربك يوم حشر ** فقل يا رب مزقني الوليد ) فلم يلبث إلا أياما حتى قتل شر قتلة وصلب رأسه على قصره فنعوذ بالله . وهذا فعل مذموم جدا يجب تركه ومحاربته ، وكذا قولهم : إن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يحزن ويتألم من قراءة سورة ! ( تبت يدا أبي لهب ) ! لأجل عمه فلا تقرأ ولا يصلي بها ، وكيف ذلك وقد أنزل الله ! ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) ! الآية ، واعتقادهم أن من حلف على المصحف يصاب بالعمى والكساح هو من خرافاتهم وجهالاتهم المضحكة ، وإنما هو يمين يكفر عنها إن رأى أن غيرها خير منها على بعض المذاهب ، وإلا فهو يمين غموس أي يغمس صاحبه في النار ، وقراءتهم سورة يس أربعين مرة بدعائها المخترع المحدث لإهلاك شخص ، أو فك مسجون ، أو قضاء حاجة ، جهل أيضا وبعد عن اتباع الحقائق الشرعية . وحديث ' يس لما قرئت له ' قال الحافظ السخاوي : لا أصل له ، وكذا حديث ' خذ من القرآن ما شئت لما شئت ' فتشت ' عنه كثيراً في الكتب فلم أجد له أصلا ، وفي آخر تفسير سورة يس من البيضاوي والنسفي أحاديث موضوعة في فضلها فينبغي أن لا يعول عليها ، وجمع آي سجدات القرآن والسجود عند كل آية بدعة تقدم الكلام عليها ، وجمع تهليلات القرآن كما في حزب البيومي ابتداع في الدين واختراع لا يرضى ، وقراءة النساء القرآن على
____________________
(1/214)
الرجال في المحافل وغيرها ممنوع شرعاً ، وقد قال الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ' إذا نابتكم نائبة في صلاتكم فسبحوا إنما جعل التصفيق للنساء ' كذا في الصحيح ؛ أينهاهن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] عن التلفظ بسبحان الله في الصلاة ونجلسهن بيننا للتغني بالقرآن على مقعد خاص في محافل الرجال ؟ ( إن هذا لشيء عجاب ) وكتب آيات السلام ك ! ( سلام على نوح في العالمين ) ! بدعة ضلالة أيضاً . وجعلهم المصحف حجاباً يعلقونه على أنفسهم ، وعلى مواشيهم جهل شنيع وبدعة ، وحمل النساء له أيام حيضهن ، ونفاسهن ، ووقت جنابتهن ، ضلال كبير ، وامتهان لكتاب الله القدير ، وخبر نزول دم عثمان عند قتله على كتاب الله على لفظ ! ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ) ! باطل لا أصل له ، كما في أسنى المطالب ، وحديث شمهورش قاضي الجن الذي فيه حدثني سيد المرسلين محمد [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' حدثني جبريل قال : حدثني إسرافيل عن رب العزة أن من قرأ سورة الفاتحة في نفس واحد لقضاء حاجة قضيت ' هذا باطل معارض بما عرف من أنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا قرأ يقف على رؤوس الآي ويمدها ، ثم لماذا وما فائدة قراءتها في نفس واحد ؟ إن هذا لمن أفرى الفرى على الله ورسوله ولو كان صحيحا لثبت في الصحاح والسنن ؟ واشتهر على ألسنة الصحابة والتابعين ، ولم تقتصر روايته على شمهورش الجني . وإنني لأعجب كيف يروج هذا على عقول العلماء وكيف يقبلونه ؟ وكيف يحفظونه ويقرءونه على الناس ، وفي مصنفاتهم يكتبونه ، وقد سمعت هذا الحديث من شيخ أزهري يقال له : عالم ، وقرأته على ظهر كتاب لشيخ من المتأخرين ، فيا للأسف على فساد عقول رؤساء الدين ، ورواج الأباطيل والأضاليل والترهات على من اشتهروا بين الناس بأنهم كبار المسلمين ، وعلى عدم معرفتهم بين الصحيح والمكذوب على الرسول الأمين ، [ صلى الله عليه وسلم ] .
____________________
(1/215)
وإنني والله لا أثق أبداً بعلم ولا دين هؤلاء ما داموا لا يفرقون بين الحق والباطل ، والصحيح والموضوع ، ولا بين الأنوار الربانية المحمدية ، والظلمات الشيطانية . والدعاء الذي في آخر المصاحف لا يجوز التعبد به قطعاً ، بل هو مذموم وممنوع شرعاً ، لأنه مخترع وليس مأثوراً ، بل كله بدع ضلالات ، وتوسلات موضوعات ، فلا تحل قراءته ، بل ولا كتابته في آخر المصاحف ، والقرآن والسنة كافيان شافيان ، قال الله تعالى مسفها وعائبا أحلام من لم يكتفوا بكتاب الله ! ( أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) ! ، وفي الحديث ' كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتابا غير كتاب نبيهم أنزل على نبي غير نبيهم ' رواه أبو داود في مراسيله . فكيف بكم وقد أصبحت جل عباداتكم لا هي عن نبي من أنبياء الله المتقدمين ، ولا هي عن نبيكم محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ولا عن أصحابه ، بل أوحى بها الشيطان على بعض المتعالمين ؟ فحذار من التعبد بما لم ينزل على نبيكم ولا فعله أصحاب نبيكم ، إذا المتعبد به بدعي ، جاهل غبي . وقراءة الختمات التي يعملونها للأمرات ويجتمع لها القراء ويفرقون على بعضهم أجزاء الرابعة - المصحف - ثم يستفتحون القراءة ويختمونها جميعا في ساعة ثم يهدون ثواب ما قرأوه للمتوفى ، بدعة ضلالة فاعلها في غاية الجهالة ، ولو عاشوا عمر نوح يبحثون في الشريعة الغراء على دليل يدل على ذلك لما وجدوه ، وهؤلاء لو أن الداعي لهم أخرج لهم الغداء أو العشاء قليلا ، أو أعطاهم قروشاً قليلة ، لفضحوه وسبوه ولعنوه لعناً كبيراً . فنعوذ بالله من الجهل والشقاء والخيبة . والقارئ - الفقي - الراتب في البيوت دائما وفي رمضان بدعة ، ودخولهم على النساء حال غياب الرجال مفسدة ودياثه ' وشحذ القراء ' بالقرآن في
____________________
(1/216)
الشوارع والطرقات ، ضلال كبير ، وشر خطير ، ولو استغنوا بتجارة أو صناعة لأغناهم الله قطعاً ! ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) ! ، ! ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) ! وفي الحديث عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً ' رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن عمر بسند صحيح كما في الجامع . فاتقوا الله أيها القراء وتوكلوا على الله وتحرفوا لدنياكم ' فإن الله يحب العبد المؤمن المحترف واعرفوا ربكم وادعوه ، فإنكم لو عرفتم الله حق معرفته لزالت لدعائكم الجبال ' وذكرهما في الجامع . وقراءة الفاتحة زيادة في شرف النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بدعة لا أصل لها ، وقد قال تعالى : ( صلوا عليه وسلموا تسلميا ) ولم يقل : اقرءوا عليه ، وقراءة الفاتحة بنية قضاء الحاجات وتفريج الكربات ، وهلاك الأعداء ، بدعة لم يأذن بها الدين ، وقراءة الفاتحة بالسماح كما يفعله الفقراء بدعة ، وقراءة الفاتحة عند شرط خطبة الزواج واعتقادهم أن قراءتها عهد لا ينقض ، أو أنها بأربعة وأربعين يمينا ' بدعة ، واعتقاد فاسد وجهل . وقراءة سورة الفيل إلى ! ( كعصف مأكول ) ! ، ثم تكرير ' كعصف ' مرات لأجل إسكات الكلاب عن النباح ، واعتقادهم أنها تمنع الكلب عن عض الإنسان ، وأنه إذا قرأ لفظة ' مأكول ' عضه الكلب . هذا هو كلام واعتقاد من لا عقل له ولا دين . والمسبعات : الفاتحة ، والمعوذتان ' والإخلاص ، والكافرون سبعاً سبعاً بدعه ، لم يرد فيها ولا حديث ضعيف ، ولم يتعبد بها الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ، ولا أحد من خلفائه ، ولا أصحابه ، فما هي إلا منام رآه إبراهيم التيمي ، وليست المنامات شريعة يتعبد بها .
____________________
(1/217)
والفائدة التي يعملونها لجلب الرزق ، ويصومون عن أكل كل ذي روح أياما ، ويحتجبون عن الناس في الخلوة في مكان مظلم ، ويكررون عقب كل صلاة مئات المرات آية : ! ( وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) ! هي باطلة قطعاً ، ولا تعود على صاحبها بأدنى فائدة ، بل بالخيبة الدائمة . والذي يجلب الرزق حقاً ، ويفتح لك بركات السماء والأرض ، إنما هو تقوى الله : قال تعالى : ! ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) ! . وقولهم : كان السيوطي ، إذا أراد أن يفسر القرآن ، خرج إلى الجبل ففسره هناك خوفاً من الخطأ في التفسير ، فإنه ينزل الغضب على أهل البلد ، كلام باطل لا أصل له البتة ، وما ألقى هذا بين الناس إلا الشيطان ، ليصدهم به عن سبيل الله ، وقد قال الله تعالى : ! ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) ! ، أي متذكر ومتعظ به ، وقال تعالى : ! ( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ) ! ، وقال تعالى ! ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) ! . ولهذا الجهل الفاشي بينهم ترى الناس جميعاً ، حتى حملة القرآن يتحامون عن التكلم في معنى آية من كتاب الله ، وإن كان أحدهم حافظاً لمعناها ، وإن كان سمع تفسيرها عشرين مرة ، وإن كان قرأها في التفسير مائة مرة ، فتراهم يتناهون بحدة وشدة ، يقولون : ارجع ارجع أحسن تنزل علينا الغضب ، مالك وما للتفسير خلى التفسير لأصحابه يا عم . ومن هنا عم فينا الجهل وطم ، وساءت أخلاقنا ، وسفهت أحلامنا ، وقست قلوبنا ! ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ! وعصى الله ورسوله جهاراً ، وبعدنا عن كل فضيلة ، ووقعنا في كل رذيلة ، حتى صرنا أذل وأحقر الأمم بعد أن كانت العزة والسلطان لنا ، وكل هذا بسبب هجرنا وبعدنا عن تعاليم القرآن السامية
____________________
(1/218)
وعدم اعتناقنا لأوامره ونواهيه ، وإعراضنا عن فهمه وتدبر معانيه ، قال تعالى ! ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) ! ، وقوله : ! ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) ! ، وقوله : ! ( ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) ! ، وقوله : ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه ) . واعتقادهم كفر من غلط ، أو لحن في قراءة سورة الكافرين اعتقاد باطل فظيع شنيع ، ومتى يتعلم الإنسان دينه ، وكتاب ربه ، إذا كان بغلطة ينزل عليه وعلى أهل بلدته المقت والغضب ، وبلحنة يكفر ويخرج من الدين ؟ ؟ نعوذ بالله من ضلال المضلين ، ومن الشيطان الرجيم ، لما علم الشيطان عظم أجر هذه السورة ألقى هذا بين الناس . فقد روى الطبراني والحاكم أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ( قل هو الله أحد ) تعدل ثلث القرآن ، و ( قل يا أيها الكافرون ) تعدل ربع القرآن ' حديث صحيح ، كما في الجامع ، وقد تقدم في الحديث المتفق عليه أن ' الذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ' ، وورد ' من قرأ القرآن فأعربه ، فله بكل حرف منه عشر حسنات ، ومن قرأه ولحن فيه ، فله بكل حرف حسنة ' وصححه ابن قدامة ، وكتاب ' الدر النظيم في خواص القرآن العظيم ' لا تجوز قراءته ، ولا العمل بما فيه وليس فيه جملة نافعة ، ولا فائدة صادقة ، بل كل فوائده وجمله كاذبة خاطئة . ومثله ' كتاب الفوائد في الصلات والعوائد ' إلا أن هذا خلط ، فجمع بعضاً من الصحيح ، والضعيف ، وبقيته أكاذيب وخرافات وأباطيل ، وترهات ، وأضاليل ، وتمويهات ، أعاذ الله منها المسلمين والمسلمات . وقولهم لقارئ القرآن السيط : الله الله ، كمان ، كما يا أستاذ ، هيه هيه
____________________
(1/219)
الله يفتح عليك - حرمه الله بقول : ! ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) ! ، والحق أنهم لم يلتذوا بألفاظ القرآن ، لأنهم لم يفقهوا لها معنى ، بل ما كانت لذتهم إلا من حسن نغمة القارئ . والدليل على ذلك أنه لو قرأ قارئ ليس حسن الصوت ، السورة بعينها ، التي كانت تتلى عليهم لانفضوا من حوله ، سابين لاعنين له ، ولمن جاء به ، قائلين : جايب لنا فقى حسه زي حس الوابور . ولقد وصف الله المؤمنين من عباده بأنهم : ! ( إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ) ! ، وقال فيهم أيضاً : ! ( تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ) ! . فصل في ذكر أسباب إعراض الناس عن القرآن هذه الأسباب كثيرة جداً ، وليس منها ما يعد عذراً مقبولا عند الله تعالى وسنبين لك هذا إن شاء الله فنقول : المعرضون طوائف الطائفة الأولى : العلماء ولأعراضهم عن القرآن سببان : السبب الأول أن الكتب التي يقرءونها ويتدارسونها لم توصلهم إلى إدراك حقائق هدايته ، ولم تكشف لهم أنواره الربانية ، وأسراره الصمدانية ، ومواعظه الرحمانية ، وإرشاداته المؤثرة ، وترغيبه وترهيبه ، وقصصه ، وعجائبه ، ومحاسبه ، وغير ذلك مما لو أنزله الله ! ( على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) ! ، ذلك لأنها مشحونة بالمسائل المنطقية والبيانية والفلسفية ، وإظهار وجوه الإعراب والصرف ولذلك كانت الهداية والدلالة بها على الله ودينه قليلة جداً . ولذا نرى كثيراً منهم يتركون الصلاة ، وينقروها نقراً مخلين بها ويرتكبون
____________________
(1/220)
الكبائر من المحرمات ، فقطعاهم لم يذوقوا طعم القرآن ، ووالله لو ذاقوا طعمه وحلاوته ولذة مناجاته تعالى لما وقعوا في محارم الله ولأداهم ذلك إلى الجهاد في سبيله ليلا ونهاراً ، سراً وجهاراً ، وخصوصاً في عصرنا هذا الذي سالت فيه سيول الفتن والأضاليل ، وكادت عواصف الملحدين والزائغين والمبتدعين تنسف أنوار الهداية المحمدية نسفاً . وهذا هو مقتضى القرآن والإيمان ، فإن الله تعالى يقول : ! ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) ! فليس صادقاً في إيمانه من لم يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه ، وأي جهاد أعظم من دعوة الناس جميعاً إلى الاستمساك بالقرآن ونواهيه بالحكمة والموعظة الحسنة ؟ وإلا فبالعنف والشدة كما قال تعالى : بأوامر ! ( جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) ! الآية . فلماذا لا تظهرون للناس عجائب القرآن السامية ، ومعجزاته الهادية ، وعلومه العالية ، وقصصه الوعظية ، وسياسته الاجتماعية ، وإدارته المدنية بأساليب الإقناع العصرية ، التي انتهجها أخوكم صاحب المنار في تفسيره ، وفي كتابه ' الوحي المحمدي ' الذي أظهر فيه من علوم القرآن ومعجزاته ما يحتاج إليه العالم الإنساني فتضاربون بأعاجيب كتاب ربكم ، وسنن نبيكم ، وحلاوة فصاحتكم ، وعذوبة بلاغتكم ، أعاجيب السينمات والتياترات واللونباركات ومسارح الرقص والغناء . إنكم لما أعرضتم عن تعليم وإرشاد وجهاد أبنائكم وإخوانكم ، أعرضوا عنكم وانصرفوا إلى ملاذهم وشهواتهم ، فاللوم عليكم . ثم لماذا لا تكاتبون حكومتكم الإسلامية بذلك ؟ لماذا لا تتخذون رؤساء الحكومة إخواناً لكم فترغبونهم في القرآن والإيمان ورضاء الرحمن ؟ وجنة عالية قطوفها دانية ؟ وترهبونهم من ترك القرآن ومعصية الرحمن ، ومن ! ( نار حامية ) ! ومن ! ( سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم ) ! إنكم لو فعلتم ذلك لوجدتم وفاقا واتفاقا وألفة ومحبة ومودة بين سائر المسلمين ، فلما لم تفعلوا أحل بنا
____________________
(1/221)
ما حل ، فأنتم المسؤلون بين يدي ربكم عن ضياع هذه الأمة بسبب إعراضكم عن كتاب الله . السبب الثاني : مرتباتهم الضخمة ، وجراياتهم الكثيرة ، فإن الذين يأخذون خمسين وستين جنيها إلى تسعين ومائة ومائتين إلى خمسمائة وستمائة مرغمون ومضطرون إلى تنميق مآكلهم ومشاربهم وملابسهم ومناكحهم ومساكنهم وأتومبيلاتهم وجراجاتهم ، واستثمار أموالهم ، وتكثير أطيانهم وعزبهم ، وقصورهم ، وبنائهم ، وتشييدهم ، وتجديدهم ، وتصليحهم ، لكل ذلك وهذا وغيره يحتاج ضرورة إلى ضياع أكثر الأوقات . ثم اعلم أنا لا نقول لهم : ألقوا بأموالكم في البحر ، أو بددوها أو وزعوها على الناس ، كلا كلا ، بل نحن نعلم أن عزة الإسلام والمسلمين لا تكون إلا بالأموال ولكنا نقول لهم : ( جاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ) انشروا علوم الإسلام على المسلمين ، وافتحوا لهم في البلاد المدارس وقرروا فيها حفظ القرآن وتدريس التفاسير وكتب السنة والتوحيد ، ووظفوا فيها العلماء العاملين ، ورتبوا لهم المرتبات ، واحبسوا عليها الأوقاف ، فإن خريجي الأزهر يكثرون عاما بعد عام ولا يجدون كسباً يعيشون به كما تعيشون ، بل هم عالة على أهليهم وأقاربهم وعلى الناس ، يعملون كل الوسائل للحصول على وظيفة بمسجد يتعيشون منها ، ويجلسون ينتظرون السنين العديدة حتى يبيعوا كتبهم ويخرجوا إلى بلاد الأرياف كي يسهر الواحد منهم في رمضان عند رجل بجنيه واحد وبعضهم يعظون في المساجد وبعد الوعظ يقول الواحد للناس : إنني عالم مسافر إلى بلدي ، وليس معي ما يوصلني فساعدوني ، وبعضهم يبكي ويقول : احترق منزلي أو ثيابي أو يقول : سرقني النشال ، وهم كاذبون ، وإنما أوقعهم في الكذب شدة ما هم فيه من الفقر والفاقة ، فهلا كفيتم هؤلاء المساكين ذل السؤال ، هلا سافرتم إلى البلاد ففتشتم على بلد ليس فيه علم فأسستم فيه مسجداً ورتبتم فيه
____________________
(1/222)
عالما ، هلا أرسلتم على نفقاتكم وعاظاً يجوبون البلاد ، ويعلمون العباد ، وينشرون الإصلاح ، ويخمدون نار الإفساد ، كلا بل ألهتكم أموالكم وأولادكم عن تبيان أوامر الله ونواهيه ، وهلا تدبرتم قوله عز وجل : ! ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) ! وقوله : ( قل إن كان آبناؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، والله لا يهدي القوم الفاسقين ) . الطائفة الثانية : جماعة الأغنياء البخلاء ، أطغتهم الأموال ، وألهتهم الآمال فكانوا ممن أو كمن قال الله فيهم : ! ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ) ! منعوا الزكاة المفروضة والنفقات الواجبة والمندوبة ، فعشوا عن القرآن الكريم ، والذكر الحكيم ، فسلط الله عليهم الشياطين ، يدعونهم إلى الشر ، ويأمرونهم بالمنكر ، وينهونهم عن المعروف ، ويجرونهم إلى السينمات ، وحفلات الرقص والغناء ، ويصدونهم عن الجمعة والجماعات ، د وسماع القرآن والخطب ، فهم يجاهدون في سبيل الشيطان بأموالهم وأنفسهم ، معرضون عن الحق ، وقد قال تعالى : ! ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) ! فيا أغنياء المسلمين ( لا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) . الطائفة الثالثة : القراء الذين لا يقرءون القرآن إلا لجمع حطام الدنيا فيتلونه في حفلات المآثم والختمات والليالي ، وكثير منهم يتعلمون القراءات لأجل التعيش ولأجل أن يرغبوا فيه أكثر من غيره ، ولأجل أن يكتسب هو أكثر منهم ، ولو سألتهم عن معنى كلمة واحدة من كتاب الله لعجزوا ، ومن الناس من لا يحفظون أولادهم القرآن إلا لأجل إعفائهم به من القرعة العسكرية ،
____________________
(1/223)
ومنهم من يعلمونه أبناءهم وبناتهم العميان لأجل المعيشة والارتزاق ، وما لهذا أنزل القرآن . الطائفة الرابعة : المتصوفة والسبب في إعراض هؤلاء الناس عن القرآن إنما هو اشتغالهم بأحزاب مشايخهم وأورادهم ، وبالبيارق والبازات ، والليالي والختمات ؛ والموالد والحضرات ، والمنامات والتخمير بسا نور يا ما نور يا سبا يبنيرا والواجب على العلماء أن يحاربوا هؤلاء الأقوام . الطائفة الخامسة : جماعة المتفرنجين والصناع - وهؤلاء قد شغلوا بقراءة الجرائد السياسية والمجلات الفكاهية والهزلية ، وكتب الحكايات والروايات والقصص والأشعار كالزير سالم وأبو زيد والمهلهل ، فتراهم يحفظون الكثير من المسائل الطويلة السياسية ، والحكايات والقصص والفكاهات والشعر وغير ذلك ويحفظون قليلا ولا كثيراً من علوم الإسلام بل يعدون المقبلين على فهمها والعمل بها مجانين أو عقولهم متأخرة ، وهؤلاء كل آية في القرآن نزلت فيمن يعرضون عن ذكر ربهم تصفعهم هم على نواصيهم . قال تعالى : ! ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه ) ! وقد وصف الله المعرضين عما ذكروا به بالحمر فقال : ! ( فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة ) ! وقال في أمثالهم : ! ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم ) ! وقال : ! ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) ! وقال : ( بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال دون ذلك هم لها عاملون ، حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون ، لا تجأروا اليوم
____________________
(1/224)
إنكم منا لا تنصرون ، قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون ) الطائفة السادسة : الجماعة الأميون وهؤلاء يحفظ أحدهم مائة موال ومائة حدوثة وكثيراً من الأحزار والفوازير ويذكر لك كل ما يسمعه من الحكايات وكل ما يقرأ أمامه من قصة الظاهر بيبرس أو عنترة أو خليفة ، ثم إذا خاطبته في حفظ شيء من القرآن ليصحح به صلاته يعتذر لك بعدم القراءة والكتابة ، ويقول لك : يا سيدي بعد ما شاب يودوه الكتاب . هذا جوابهم مع أنا نرى منهم من يخاطب الإفرنج بلغاتهم ، وإنني لأعرف أناساً أميين يجيدون قراءة وكتابة اللغات الأجنبية ، ولا يحسنون النطق ( بسمع الله لمن حمده ، ولا بالفاتحة ) فالمسألة راجعة إلى العناية والاجتهاد ، فلو اجتهد رجل أمي في حفظ ما يسمعه من أوامر الدين ونواهيه ، ومن آيات القرآن وسنن النبي كبعض محافظته على التعاليم الأجنبية لحفظ شيئاً كثيراً ، بل لو شاء حفظ القرآن كله ، وألف حديث نبوي لكان ذلك سهلا عليه جداً . وجماعة العميان أكبر شاهد ودليل على ذلك ، ولكنهم أعرضوا ونأوا ف ( توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) واذكوا قول ربكم لنبيه ( وقد آتيناك من لدنا ذكراً ، من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً ، خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ، يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ) . الطائفة السابعة : جلاس حانات الخمور ، وآلات اللهو والطرب ، وجلاس المقاهي ولاعبي النرد والطاولة والكتشينة والضمنة ، وأصحاب الحشيشة والأفيونة والكوكايين والتبغ والدخان والتنباك والحسن كيف والمنزول وغير ذلك ، وهذه الأشياء الخبيثة الملعونة قد أضرت وأفسدت أخلاق كثير من الشبان ،
____________________
(1/225)
بل والشابات ، وكم وكم قد خربت من بيوتات كانت عامرات ، فهي التي فتكت بكثير من العائلات . وإنه لا سبيل إلى الخلاص من هذه الدواهي كلها والطوام ، والرزايا العظام إلا إتفاق العلماء جميعاً على الدعوة إلى الله وإلى الكتاب العزيز والسنة المطهرة ، بالاجتهاد والمثابرة والصبر على الدعاية إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، والجدال بالتي هي أحسن مع أهل الزيغ والضلال ، والمبتدعة الجهال ، لكن لا يتم هذا العمل إلا بمساعدة الحكومة لهم ؛ ولن تساعدهم الحكومة أبداً إلا بعد اتفاقهم التام مع رؤسائها ، ولن يتفق معهم رؤساؤها إلا بعد تباينهم لهم حقائق الدين ومحاسنه العالية الغالية ، وعظمته وأبهته وجماله وجلاله ، وكماله ، ورحمته وعدله وإحسانه ، وفضله ، وبعد أن يدخلوا نور القرآن والإيمان والعلم الصحيح في قلوبهم ! فبهذا يتم العمل ، وينشر الدين ، ويتحد المسلمون وينتصرون على عدوهم ، وتكونون أنتم علماء عاملين مجاهدين في سبيل الله ، هذا وإلا فمن قومكم من استحب الكفر على الإيمان ، ومنهم ألوف يسبون الدين بغير مبالاة ، بل ومنهم من يسبون الله ويسبون رسول الله ، ورأينا منهم من يرى أن العار الكبير في الأذان والصلاة ويقف على باب بيته حيث يمنع ابنه من الخروج لأداء الصلاة ، فله الزنا والربا والقتل والقذف والسرقة و و و وقد سمعناهم جهاراً يقولون ليتنا خلقنا إنكليزاً أو يهوداً أو نصارى حيث إن المسلمين اجتمع عليهم أشقى الشقاء . فقر الدنيا وعذاب الآخرة فإنا لله . الباب الرابع والعشرون في وجوب الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وفضلها وصفتها وحسرة وبخل تاركها قال تعالى : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا
____________________
(1/226)
صلوا عليه وسلموا تسليما ) الآية دليل وجوب الصلاة والتسليم على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، والأحاديث تدل على ذلك أيضاً ، فمن ذلك ما رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث كعب بن علقمة وعبد الله بن عمرو أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ( إذا سمعتم مؤذنا فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإن من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو . فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة ) . وروى الأعمش وابن مردويه عن أبي هريرة أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' صلوا علي فإن صلاتكم علي زكاة لكم ' ذكره في الجامع الصغير وحسنه شارحه . وفي الجامع أيضاً برمز أحمد والنسائي وابن سعد وسمويه والبغوي والبارودي وابن قانع والطبراني عن زيد بن خارجة أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' صلوا علي واجتهدوا في الدعاء ، وقولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ' ورمز لصحته وكذا شارحه ، وفيه أيضاً برمز أبي يعلى والضياء عن الحسن ابن علي أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً ، ولا تتخذوا بيتي - أي قبري - عيداً ، وصلوا علي وسلموا فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم ' ورمز لصحته وحسنه شارحه . وفي الجامع أيضاً أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' أكثروا الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر ، فإن صلاتكم تعرض علي ' ورمز للبيهقي في الشعب عن أبي هريرة وابن عدي في الكامل عن أنس وسعيد بن منصور عن الحسن البصري وخالد بن معدان مرسلا وعلم لحسنه . وقال شارحه ورواه الطبراني ، وبتعدد طرقه صار حسنا . وفيه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' أكثروا من الصلاة علي في يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة ، وإن أحداً لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها ' وتمامه كما في شرح
____________________
(1/227)
الجامع الكبير : قال أبو الدرداء : قلت وبعد الموت يا رسول الله ؟ قال : ' وبعد الموت إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ، فنبي الله حي يرزق ' ورمز لابن ماجة عن أبي الدرداء وحسنه . وقال شارحه : ورجاله ثقات ، وقد بينا ما قيل في هذا الحديث في ص 81 من القسم الأول فراجعه . وفي الجامع برمز الديلمي في مسند الفردوس ' زينوا مجالسكم بالصلاة علي فإن الصلاة علي نور لكم يوم القيامة ' وضعفه . وفي الجامع أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' أكثروا من الصلاة علي في يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن فعل ذلك كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة ' ورمز للبيهقي عن أنس وعلم لحسنه ، وفيه : ' أكثروا الصلاة علي فإن صلاتكم علي مغفرة لذنوبكم واطلبوا إلي الدرجة والوسيلة ، فإن وسيلتي عند ربي شفاعة لكم ، ثم قال رواه ابن عساكر عن الحسن بن علي وسكتا فلم يبيناه . وفي الجامع عن أنس أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من ذكرت عنده فليصل علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشراً ' ورمز للترمذي ولصحته لكن رمز شارحه لابن ماجه والنسائي وحسنه ، وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين شرح الحصن الحصين : أخرجه النسائي والطبراني في الأوسط والكبير وابن السني ثم قال : قال النووي في الأذكار : إسناده جيد ؛ وقال الهيثمي : رجاله ثقات ، ثم قال : وفي الحديث دليل على وجوب الصلاة عليه [ صلى الله عليه وسلم ] عند ذكره . يقول محمد هذا الحديث وسائر الأحاديث المتقدمة الواردة بصيغة الأمر والآية أيضاً تدل دلالة صريحة مؤكدة على ' وجوب الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كلما ذكر وفي أيام وليالي الجمعات . فصل في فضل الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] وآله وسلم
____________________
(1/228)
قال : ' من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً ' وفي رواية لأحمد والنسائي عنه [ صلى الله عليه وسلم ] : ( من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشر صلوات ، وحط عنه بها عشر سيئات ، ورفعه بها عشر درجات - وفي رواية - وكن له عدل عشر رقاب ) وأخرج الطبراني من حديث أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أتاني جبريل آنفا عن ربه عز وجل فقال : ما على الأرض من مسلم يصلي عليك مرة واحدة إلا صليت عليه أنا وملائكتي عشرا ' وأخرج النسائي وابن حبان عن أبي طلحة الأنصاري قال : قال [ صلى الله عليه وسلم ] :
' أتاني ملك فقال : يا محمد إن الله يقول : أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً ، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا ' وأخرجه أيضا أحمد والطبراني وصححه ابن حبان وروى أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام ' وصححه في الجامع وشرحه وقال الشوكاني رحمه الله في شرح الحصن : وصححه ابن حبان وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح وفي بعض النسخ ' عن أمتي ' وروى أبو داود عن أبي هريرة أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ' قال الشوكاني قال النووي في الأذكار إسناده صحيح وقال ابن حجر رواته ثقات ولكن رمز في الجامع لضعفه ، ثم حسنه
____________________
(1/229)
شارحه ، وروى الطبراني عن أبي الدرداء أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من صلى علي حين يصبح عشرا وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة ' ورمز لحسنه في الجامع . وروى ابن عدي في الكامل عن علي رضي الله عنه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من صلى علي صلاة واحدة كتب الله له قيراطاً ، والقيراط مثل أحد ' وحسنه في الجامع وشرحه ، وأخرج الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من صلى على النبي واحدة صلى الله وملائكته عليه سبعين صلاة فليقل عبد من ذلك أو ليكثر ' وحسنه المنذري والهيثمي والجمع بين هذين الحديثين وبين ما تقدم أنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان يخبر بالثواب شيئاً فشيئا فكلما أعلمه بزيادة ثواب أخبر عنها فهو أخبر بالقليل أولا ، ثم بالكثير والله أعلم . وروى النسائي وابن حبان والطبراني والترمذي والحاكم وأحمد في مسنده عن أبي بن كعب قال : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا ذهب ربع الليل قام فقال : ' أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه ، جاء الموت بما فيه - قال أبي بن كعب : فقلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ فقال : ما شئت ، قلت الربع قال : ما شئت وإن زدت فهو خير لك ، قلت النصف ، قال : ما شئت وإن زدت فهو خير لك ، قال أجعل لك صلاتي كلها ، قال : إذن تكفي همك ، ويغفر ذنبك . قال الترمذي : حسن صحيح ، وروى الترمذي عن ابن مسعود أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة ' وقال هذا حديث حسن غريب .
____________________
(1/230)
فصل في كيفية الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] روى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل : اللهم صل على محمد النبي الأمي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ' . وروى البخاري ومسلم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله : أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة ؟ قال : ' قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ' . وروى البخاري أيضاً عن أبي سعيد الخدري قال : قلنا يا رسول الله هذا التسليم فكيف نصلي عليك ؟ قال : ' قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم ، كذا في البخاري في كتاب تفسير القرآن في باب قول الله : ! ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) ! . وقال في كتاب الدعوات : باب الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، ثم ذكر حديث كعب كما هنا ، ثم ذكر حديث أبي سعيد باختلاف قليل قال : عن أبي سعيد الخدري ، قال : قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي ؟ قال : ' قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ' . وروى البخاري عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ قال : ' قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على
____________________
(1/231)
آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ' وجميع روايات الكتب الستة والموطأ متفقة تقريباً كلها مع هذه الروايات التي ذكرناها وفي بعضها زيادة ' في العالمين ' . وفي سنن أبي داود عن عقبة بن عمر وقال : قولوا : ' اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد ' وفي سنن النسائي عن زيد بن خارجة قال : أنا سألت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : ' صلوا علي واجتهدوا في الدعاء وقولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ' وفي سنن ابن ماجه عن ابن مسعود قال : ' إذا صليتم على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل هذا يعرض عليه قال : فقالوا له فعلمنا قال : قولوا ' اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة ، اللهم ابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ' قال صاحب حاشيته في الزوائد رجاله ثقات إلا أن المسعودي اختلط بآخر عمره ولم يتميز حديثه الأول من الآخر فاستحق الترك كما قاله ابن حبان . فصل يقول محمد بن أحمد رحمه الله وهداه : هذه الروايات الأخيرة لا تساوي في الصحة بجانب روايات البخاري ومسلم وأصحاب السنن والموطأ شيئاً فلا ينبغي العدول عنها إلى غيرها ، قال السيوطي في الحرز المنيع : قرأت في الطبقات للتاج السبكي نقلا عن أبيه ما نصه : أحسن ما يصلى به على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) بهذه الكيفية التي في التشهد - وهي رواية الصحيحين والسنن - قال ومن أتى بها فقد صلى على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) بيقين ، ومن جاء بلفظ غيرها
____________________
(1/232)
فهو من إتيانه بالصلاة المطلوبة في شك ، لأنهم قالوا كيف نصل عليه ؟ فقال : ' قولوا ' فجعل الصلاة عليه منهم هي قول ذا - ثم قال : وكان لا يفتر لسانه عن الإتيان بهذه الصلاة أه . وبعد كلام قال : ولا خلاف أن من صلى على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) بكيفية من الكيفيات المروية الصحيحة الرواية عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) في ذلك فقد أدى فرض الصلاة عليه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) وهذا الإجماع يشهد أنها على التخيير ويجب عند أهل النظر أن يتخير الإنسان للصلاة عليه أصحها سنداً وأتمها معنى ، قال : وقد كنت في أيام شبيبتي إذا صليت على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أقول : اللهم صل وبارك وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وسلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، فقيل لي في منامي أأنت أفصح أو أعلم بمعاني الكلم وجوامع فصل الخطاب من النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ؟ لو لم يكن معنى زائد لما فضل ذلك النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ، فاستغفرت الله من ذلك ورجعت إلى نص التفضيل في موضع الوجوب وفي نص الاستحباب وقال فائدة : استدل بتعليمه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) لأصحابه كيفية الصلاة عليه بعد سؤالهم عنها ، أنها - أي رواية الصحيح والسنن - أفضل الكيفيات في الصلاة عليه ، لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف والأفضل ويترتب على ما لو حلف أن يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر أن تأتي بذلك أه . فصل في ذكر المواضع التي تسن وتستحب فيها الصلاة على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) الأول بعد النداء للصلاة كما في حديث أحمد ومسلم وغيرهما أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ' ثم صلوا علي ' الحديث
____________________
(1/233)
ثم اعلم أن الصلاة على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) بعد النداء لم تكن بهذه الكيفية المعلومة الآن قطعاً ، بل كانت سراً وباللفظ الوارد الذي علمه لهم النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) حينما سألوه بقولهم : قد علمنا السلام عليك فكيف نصلي ؟ فقال لهم : ' قولوا اللهم صل على محمد ' الحديث فهذه الكيفية مبتدعة محدثة لم يأمر بها رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ولم تفعل في حياته ولا مرة واحدة ، ولم يفعلها بلال في جميع تأذيناته بين يدي النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ولا مرة واحدة ، ولا أحد من جميع مؤذني النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ولم تفعل في عهد الخلفاء الراشدين أصلا ، ولا في عصر سائر الصحابة ولا التابعين ، ولا تابعي التابعين ، ولا الأئمة الأربعة المعتبرين ، وإنما حدثت في عصر الملك صلاح الدين على يد رجل من الجاهلين المتصوفين ، وأنكرها بعض أهل العلم العاملين ، وهي لا تزال تنكرها قلوب العارفين بشرع الأمين ، حتى يأذن الله بإبطالها وإعادتها إلى أصلها على يد عبد من عباده الصالحين ، ورغم أنوف كبار وصغار المتمشيخين من المبتدعين الأزهريين . الثاني : بعد الإقامة وتقدمت صفتها في ( ص 50 ) فراجعه . الثالث : الصلاة على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) عند دخول المسجد والخروج منه وتقدم بيانه ( ص 37 ) . الرابع : الصلاة عليه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) بعد التشهد الأخير لما رواه البيهقي عن يحيى ابن السباق عن رجل من آل الحارث عن ابن مسعود عن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ' قاله الإمام ابن القيم : في تصحيح الحاكم لهذا نظر ظاهر فإن يحيى بن السباق وشيخه غير معروفين بعدالة ولا جرح . الخامس : الصلاة على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) في صلاة الجنازة كما في مسند الإمام الشافعي قال : إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ، ثم يقرأ
____________________
(1/234)
بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه ثم يصلي على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سراً في نفسه . السادس : الصلاة عليه [ صلى الله عليه وسلم ] بين تكبيرات العيد قالوا يقال : سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، اللهم اغفر لي وارحمني ، قال الحافظ ابن كثير نقلا عن القاضي إسماعيل أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة يوماً قبل العيد فقال لهم : إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه ؟ قال عبد الله : تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد وتكبر ربك وتصلي على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك الخ . ثم قال إسناد صحيح . السابع : ما رواه الترمذي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك [ صلى الله عليه وسلم ] . الثامن : ما روى عن أبي هريرة [ صلى الله عليه وسلم ] : ' كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علي فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة ' ذكره في الجامع عن الرهاوي وسكت ، وقال شارحه : وقال الرهاوي : غريب تفرد بذكر الصلاة فيه إسماعيل بن أبي زياد وهو ضعيف جداً لا يعتد بروايته ولا بزيادته . التاسع : ما رواه أهل السنن وغيرهم عن الحسن بن علي قال : علمني رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كلمات أقولهن في الوتر : ' اللهم اهدني فيمن هديت ' الخ . زاد النسائي في سننه ' وصلى الله على محمد ' . العاشر : الأمر بالإكثار من الصلاة عليه في الليلة الغراء واليوم الأزهر ليلة الجمعة ويومها . وتقدم .
____________________
(1/235)
الحادي عشر : قالوا : ويجب على الخطيب أن يصلي على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يوم الجمعة على المنبر في الخطبتين ، ولا تصح الخطبتان إلا بذلك ، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وذكره الحافظ ابن كثير . الثاني عشر : الصلاة عليه عند زيارة قبره لحديث أبي داود : ' ما منكم من أحد يسلم علي - أي عند قبري - إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ' وقد بينا بطلان سنده قريباً وصححه النووي في الأذكار أما حديث ' من صلى علي عند قبري سمعته ، ومن صلى علي من بعيد بلغته ' ففي إسناده نظر ، تفرد به محمد بن مروان السدي الصغير وهو متروك ، وذكره الحافظ ابن كثير وفي أسنى المطالب أعله ابن القطان ، وقال العقيلي لا أصل له ، وقال ابن دحية موضوع تفرد به محمد بن مروان السدي وكان كذابا ، وأورده ابن الجوزي في الموضوع وفي الميزان محمد بن مروان السدي ترك واتهم بالكذب وأورد له هذا الخبر . الثالث عشر : الصلاة عليه [ صلى الله عليه وسلم ] بعد التلبية لما رواه الشافعي والدارقطني عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال : كان يؤمر الرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلى على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] على كل حال ، وذكره ابن كثير أيضاً . الرابع عشر : يصلي عليه عند طنين الأذن لما ذكره في الجامع الصغير ' إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي وليقل ذكر الله من ذكرني بخير ' ثم قال الحكيم يعني الترمذي وابن السني ورمز للعقيلي والطبراني وابن عدي عن أبي رافع وعنه وقال شارحه : هو حديث حسن أه لكن قال الحافظ ابن حجر يستحب الصلاة عليه عند طنين الأذن إن صح في ذلك الخبر على أن الإمام ابن خزيمة قد رواه في صحيحه وساقه ثم قال : إسناده غريب وفي ثبوته نظر ، وقال العقيلي ليس له أصل .
____________________
(1/236)
الخامس عشر : عند كتابة اسمه أو ذكره [ صلى الله عليه وسلم ] لحديث ابن عباس : ' من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب وقد روي عن أبي هريرة أيضاً ، وقال الحافظ ابن كثير : وليس هذا الحديث بصحيح من وجوه كثيرة ، وقال الذهبي أحسبه موضوعاً وضعفه العراقي . السادس عشر : تجب الصلاة عليه في كل مجلس لحديث أبي هريرة عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ' ورمز في الجامع للترمذي وابن ماجه وأبي داود وحسنه . السابع عشر : يصلي عليه عند الشدائد والهموم لما رواه أحمد وغيره عن أبي ابن كعب قال : قال رجل يا رسول الله أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك قال : إذاً يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك ' ذكره في الترغيب وقال إسناده جيد . الثامن عشر : الصلاة عليه في الصباح والمساء لحديث أبي الدرداء عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : من صلى علي حين يصبح عشراً ، وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة ' ذكره في الجامع برمز الطبراني وحسنه . التاسع عشر : الصلاة عليه عند اللقاء لحديث أنس رضي الله عنه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ما من عبدين متحابين في الله يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحه ويصليان على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إلا لم يتفرقا حتى يغفر لهما ذنوبهما ما تقدم منهما وما تأخر ' ورواه ابن السني . العشرون : الصلاة عليه [ صلى الله عليه وسلم ] كلما ذكر لحديث الحسين بن علي أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' البخيل من ذكرت عنده فلم يصل ' رواه أحمد والترمذي
____________________
(1/237)
والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه في الجامع . الحادي والعشرين : الصلاة عليه عند الوضوء لحديث سهل بن سعد أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لا وضوء لمن لم يصل على النبي ' رواه الطبراني وضعفه في الجامع ، قال ابن القيم وعبد المهيمن يعني رواية لا يحتج به ، وقال مرة متفق على تركه . فهذا واحد وعشرون موطناً لا يصلى فيها بما صح أو حسن سنده على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ويواظب عليها المحبون له السابقون إلى الخيرات المسارعون . فهل لكم أيها المدعون لمحبة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] أن تكونوا بهذه النصوص عاملين ؟ إذ فيها الأجر العظيم من رب العالمين كلا بل تتركون هذا الوارد كله طول حياتكم ، وبعد التأذين فقط تكونون بها صارخين ؟ وإن هذا قطعاً ليس من علامة المحبين لسيد المرسلين ، وإن أحدكم لا يؤمن حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به هذا المعصوم الأمين . ليس ابتداع المبتدعين واختراع المخترعين . وقد روى أحمد والشيخان والنسائي رحمه الله عن أنس قال : [ صلى الله عليه وسلم ] ' لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ' وثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي قال : ' لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك ؟ قال : فوالله لأنت الآن أحب إلي من نفسي ، قال الآن يا عمر ' فعلامة محبتكم لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كثرة صلاتكم عليه بالمأثور المشروع ، لا المحدث المبتدع المخترع الممنوع . فصل في قبح ترك الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قد عدها الحافظ ابن حجر في كتابه الزواجر من الكبائر فقال : الكبيرة
____________________
(1/238)
الستون : ترك الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] عند سماع ذكره ، ثم سرد الأحاديث وسنذكر بعضها هنا إن شاء الله تعالى . ففي الجامع برمز الحاكم وصححه عن أبي هريرة أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله تعالى ويصلوا على نبيه ، كانت عليهم ترة من الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ' وأخرجه أيضاً أبو داود والترمذي وابن حبان وأحمد ، وفيه ' البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي ' وتقدم قريبا . قال الشوكاني : قال الفاكهاني : وهذا أقبح بخل وشح لم يبق بعده إلا الشح بكلمة الشهادة . وفي الحديث دليل على وجوب الصلاة على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له . ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة ' وفيه عن جابر عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' من ذكرت عنده فلم يصل علي فقد شقي ' وقال رواه ابن السني وحسنه . قلت ضعفه النووي في الأذكار ، وفيه برمز الطبراني عن الحسين عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ' من ذكرت عنده فخطئ بالصلاة على خطئ طريق الجنة ' وعلم لحسنه . وفيه عن ابن عباس : ' من نسي - أي ترك - الصلاة على خطئ طريق الجنة ' أي فلم يبق له إلا طريق النار . ورمز لابن ماجه وحسنه دون شارحه ، لكن قال الشوكاني في شرح الحصن : وفي إسناده جبارة بن المغلس وهو مختلف في الاحتجاج به أه ، وفي الزواجر عن أبي عاصم عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' ألا أخبركم بأبخل الناس ؟ - قالوا بلى يا رسول الله - قال من ذكرت عنده فلم يصل علي فذلك أبخل الناس ، ثم قال : عد هذا - يعني من الكبائر -
____________________
(1/239)
هو صريح هذه الأحاديث لأنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ذكر وعيداً شديداً كدخول النار وتكرار الدعاء من جبريل والنبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) بالبعد والسحق ، ومن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) بالذل والهوان والوصف بالبخل ، بل بكونه أبخل الناس وهذا كله وعيد شديد جداً ، فاقتضى أن ذلك كبيرة أه . فصل في بيان أحاديث وأخبار ومنامات واهية ، وبدع في الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] حديث ' الصلاة على نور على الصراط ، ومن صلى علي يوم الجمعة ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين عاماً ، تفرد به حجاج بن سنان ضعيف وفيه رواة ضعفاء ، قاله ابن حجر . حديث : ' الصلاة على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أفضل من عتق الرقاب ' هو من كلام الصديق رضي الله عنه ، كما رواه ابن عساكر ، وقول ابن حجر إنه كذب أي رفعه . حديث : ' الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] لا ترد ' قال : السخاوي هو من كلام أبي سليمان الداراني ، ورفعه في الإحياء ولم يقف عليه مخرجه . حديث : ' الصلاة عليه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) لا يبطلها الرياء ' ذكره بعض العلماء وهو غير صحيح ، فإن الرياء يبطل كل عمل ، وكيف يهدى للنبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أمراً خبيثاً وهو ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) طيب طاهر أه من أسنى المطالب . حديث : ' لا تسيدوني في الصلاة ' لا أصل له إذ صحة اللفظ : لا تسودوني . حديث : ' لا تجعلوني كقدح الراكب ' الخ فيه موسى بن عبيدة الربذي تكلم فيه أحمد ويحيى بن معين كذا في تذكرة ابن طاهر المقدسي .
____________________
(1/240)
حديث : ' لا تصلوا على الصلاة البتراء ، قالوا : وما الصلاة البتراء ؟ قال : تقولون : اللهم صل على محمد ، وتمسكون ، بل قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد قال في الحرز المنيع أخرجه ابن سعد وهو مما لم أقف على إسناده ، فلا أصل له وقد ذكره الشيخ السبكي في ديوان خطبه فليعلم . حديث : ' من صلى على روح محمد في الأرواح ، وعلى جسد محمد في الأجساد ' وعلى قبره في القبور رآني في منامه ، ومن رآني في منامه ، رآني يوم القيامة - إلى قوله - وشفعت فيه ، وشرب من حوضي ، وحرم على النار ' هو في الدلائل للجزولي ، وكم فيها من طامات بلفظ : اللهم صل إلخ ، وقال في الحرز المنيع : ذكره أبو القاسم السبتي في ( الدر المنظم في المولد المعظم ) لكني لم أقف على أصله إلى الآن . حديث حزب يوم الجمعة الذي في الدلائل ' من قرأ هذه الصلاة مرة واحدة كتب الله له ثواب حجة مقبولة ، وثواب من أعتق رقبة من ولد إسماعيل فيقول الله يا ملائكتي هذا عبد من عبيدي أكثر الصلاة على حبيبي محمد ، فوعزتي وجلالي ومجدي وارتفاعي ، لأعطينه بكل حرف صلى قصراً في الجنة ، ووجهه كالقمر ، وكفه في كف حبيبي محمد ' هذا الحديث علامة الكذب لائحة عليه ، وليس في الكتب الستة قطعاً ، ولا في مسند الشافعي وأبي حنيفة ، بل قال شراح الدلائل : العمدة في ذلك على المؤلف ، فهم لم يجدوا له أصلا ، والدلائل يجب حرقها إلا ما كان فيها من القرآن والسنة الصحيحة . حديث ' من صلى علي مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم ، قضى الله له مائة حاجة ، عجل له منها ثلاثين حاجة ، وأخر له سبعين ، وفي المغرب مثل ذلك ، قالوا : وكيف الصلاة عليك يا رسول الله ؟ قال : إن الله وملائكته يصلون على النبي - الآية اللهم صل عليه حتى تعد مائة ' وقد بحثنا عن هذا
____________________
(1/241)
الحديث نحن وبعض أهل العلم فلم نجد له أصلا . حديث ' من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشراً ومن صلى علي عشراً صلى الله عليه مائة ، ومن صلى علي مائة صلى الله عليه ألفا ، ومن صلي علي ألفا زاحمت كتفي كتفه على باب الجنة ' قال صاحب الحرز المنيع : لم أقف على أصله . حديث ' من صلى علي واحدة أمر الله حافظيه أن لا يكتب عليه ذنوب ثلاثة أيام ، وهذا أيضا مما لم يقف على سنده صاحب الحرز المنيع . حديث ' من قال : جزى الله عنا محمداً [ صلى الله عليه وسلم ] بما هو أهله أتعب سبعين ملكا ألف صباح ' في سنده هانئ بن المتوكل وهو ضعيف كما في الحرز وقال ابن حبان : كان تدخل عليه المناكير وكثرت ، فلا يجوز الاحتجاج به بحال وذكر من مناكيره هذا الحديث وغيره كما في الميزان . حديث ' صلاة ركعتين ليلة الجمعة ثم يقول ألف مرة : صلى الله على محمد النبي الأمي فإنه لا يتم القابلة حتى يراني في المنام ' الخ . يقول محمد بن أحمد : الذي يظهر لي أنه في أدنى درجات الضعف ، ومعارض بحديث مسلم ' لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ' فكل خبر أو أثر أو قول شيخ فيه : من صلى على النبي بكذا ألفا أو ألفين رآه في منامه فلا تلتفتوا إليه ولا تصدقوه ولا تعملوا به ، إذ لا يخلو أمره من شيئين إما واه أو موضوع ، وإما مخترع مبتدع مصنوع وكلاهما لا يعمل به ' . حديث ' من قال كل يوم اللهم صل على محمد صلاة تكون لك رضاء ولحقه أداء ثلاثين مرة فتح الله ما بين قبره وقبر نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] ، رأيته في كتاب الفوائد في الصلات والعوائد للشرجي اليمني وهو كتاب لا يعول عليه ولا يلتفت من أراد السلامة إليه ، فكم فيه من أضاليل وترهات وأباطيل .
____________________
(1/242)
خبر ' إن آدم لما رام القرب من حواء طلبت منه المهر فقال : يا رب ماذا أعطيها ؟ قال : يا آدم صل على صفي محمد [ صلى الله عليه وسلم ] عشرين مرة ففعل ' وهذا كالذي قبله ليس له أصل في كتاب من الكتب المعتمدة ، ولم يجمع مثل هذا الكلام في كتابه أحد من علماء الحديث أصلا ، بل لا تجد هذا إلا في كتب المتصوفة وأرباب الطريق الذين لا يفرقون بين الصحيح والموضوع من كلام المعصوم [ صلى الله عليه وسلم ] . حديث ' أوحى الله إلى موسى أتحبّ أن لا ينالك من عطش يوم القيامة ؟ قال نعم . قال فأكثر الصلاة على محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ' هو من الاسرائليات وليس له أصل في كتاب معتمد ، ولذا لا تجده إلا في كتب المتصوفة الذين يروون الطامات بأسانيد أوهى من بيت العنكبوت . قصة الظبية مع الصياد ، وأنها قالت لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : مر هذا أن يخليني حتى أذهب فأرضع أولادي وأعود ، وأنه قال لها : فإن لم تعودي . قالت : إن لم أعد فلعنني الله كمن تذكر بين يديه فلا يصلي عليك فضمنها الخ هذه قصة ظاهرة الكذب على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وقد عزاها بعضهم إلى الحلية وكم فيها من طامات ورزايا وأباطيل وأكاذيب . فصل وقد كان الشيخ محمد السبكي رحمه الله وعفا عنه ، كثيراً ما يقول للناس في دروسه ما حاصله : إن أصح وأكمل ما ورد في صفة الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] هو : اللهم صلي على محمد وآله وسلم . ولذا ترى جميع تلاميذه لا يصلون على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) غالباً بغيرها . وليس كما قال ، بل الأصح سندا ومتنا هو ما قدمناه لك مما ثبت في الصحيحين وغيرهما ، وقد ذكر الشيخ في الديوان في الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وشحنها بالأحاديث الضعيفة والواهية
____________________
(1/243)
تراها فيما قدمناه ، وفي الديوان كله ، بل وفي جميع كتبه شيء من ذلك كثير فليتنبه لذلك جداً قارئ كتب الشيخ عليه الرحمة وقد سمعنا كثيراً من أتباعه صيغا مخترعة مبتدعة في الصلاة على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) مثل : ( يا رب صل على المختار ** وامنن علينا بالأنوار ) فيجب عليهم أن يقلعوا عن ذلك كله ولا يلتفتوا إليه إذ لا دليل عليه ، ولماذا يغفلون عن روايات الصحيحين ؟ وإذا تركوا هم الصحيح ، فمن الذي يتعبد به ؟ فيا أهل السنة اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ، وإياكم وما ابتدعتموه فإنه ضلالة والصلاة باللهم صل أفضل صلاة على أسعد مخلوقاتك الخ بدعة ؛ وكذا عدد كمال الله وكما يليق بكماله بدعة ؛ وكذا : صلى الله على طه ، خير الخلق وأحلاها الخ بدعة لم تشرع . وكذا صلاتهم بصيغة : اللهم صل على الحبيب المحبوب ، مشفي العلل ومفرج الكروب ، هي على لحنها في الإعراب ومخالفتها لوجه الصواب فيها شرك فيجب تركها وكذا قولهم : صل على محمد طب القلوب ودوائها . وعافية الأبدان وشفائها ، ونور الأبصار وضيائها الخ يتحتم تركها . وكذا قول بعض الفقهاء في كتبهم : إن الصلاة على النبي لا تجب في العمر إلا مرة واحدة ، فهذا القول يجب أن يكون باطلا ، قاله قائله على الله بغير علم . لحديث ' رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ، والبخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي ' وحديث ' ما من قوم يجلسون مجلساً لا يذكرون الله فيه ولا يصلون على نبيه إلا كان عليهم ترة ' .
____________________
(1/244)
ومن فظيع ما كتب ونشر على المسلمين في كتب المشهورين الذين يعتقد الجم الغفير في دينهم وغزارة علمهم قولهم : إن من صلى على النبي بصيغة الفاتح لما أغلق ، والخاتم لما سبق ، والناصر الحق بالحق الخ مرة واحدة في عمره لا يدخل النار وأن قراءتها مرة تعدل ثواب ست ختمات قرآنية . وقيل المرة منها تعدل عشرة آلاف ، وقيل : ستمائة ألف . ومن تلاها في ليلة ألفا اجتمع بالنبي [ صلى الله عليه وسلم ] كذا في شرح صلوات الدردير للصاوي ص 37 فيالله العجب لقد أضاعوا فضل كلام الله وكلام رسوله بجانب فضل ثواب هذه الصيغة المبتدعة ، وهل أحد على وجه الأرض يقرأ آية من القرآن أو حرفا من كلام محمد [ صلى الله عليه وسلم ] أو يصلي عليه بعد ما سمع هذا ؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون ، يا إله العرش إليك وحدك لا شريك لك نشكو ما حل بالإسلام وأهله من البلايا والرزايا والمصائب بسبب علمائه وكبرائه لا غير فإنهم هم الذين ضلوا وأضلوا . ومن الهذيان قولهم جماعة : ألفين ألف صلاة على محمد ، وميتين ألف للعربي كرامة ، عشر تالاف للي فج نوره ، هدية للمظلل بالغمامة . وكذا قولهم صل على محمد عدد حروف القرآن حرفاً حرفاً ، وعدد كل حرف ألفاً ألفاً ، وعدد صفوف الملائكة صفاً صفاً ، وعدد كل صف ألفاً ألفاً . وكذا قولهم : صل على محمد زنة بحارك ، وعدد أمواجها وعدد اضطراب المياه العذبة والملحة ، وعدد الرمل والحصى ، وعدد كل شجر ومدر وحجر ، وعدد ما يخرج من نبات الأرض ، وعدد ما خلقت من الإنس والجن والشياطين ، وعدد كل شعرة في أبدانهم ووجوههم ورءوسهم و و ومنذ خلقت الدنيا إلى يوم القيامة في كل يوم ألف ألف مرة كل هذا وما شاكله شرع لم يأذن به الله ورسوله فهو باطل مردود مضروب به وجه صاحبه . ثم اعلموا أن الله جلت قدرته ، وتعالت عظمته وملائكته لا يكتبون لكم أجر كل ما تظنون وتزعمون أن لكم فيه أجراً كبيراً ، إذ هو الرب الخالق
____________________
(1/245)
السيد وأنتم العبيد ، وإنما يكتب لكم أجر ما عملتموه موافقا لما شرعه في كتابه وعلى لسان نبيه : ثم يضاعفه لكم أضعافا كثيرة ، كما قال تعالى : ! ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) ! وقال تعالى : ! ( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور ) ! وقال تعالى ! ( والله يضاعف لمن يشاء ) ! لا أن تأمروا ربكم بما تشتهون مما تخترعون وتحدثون ، ثم هو يكتب لكم ويثيبكم على وفق مرادكم ومزاجكم ، الله أكبر الله أكبر وسبحان الله ! . فمن أراد السلامة فليتجنب هذه الخزعبلات كلها ، وأن لا يتعبد إلا بما هو أعلى صحة وأقوى سندا كحديث الصحيحين وغيرهما ، والله الموفق . إذا فهمت هذا فاعلم أن الصلوات البكرية والدرديرية والميرغنية كلها مخترعات ومبتدعات ، وكذا كتاب ' أفضل الصلوات على سيد السادات ' وكتاب ' صلوات الثناء على سيد الأنبياء ' للنبهاني ، وكتاب ' روضة الأسرار في الصلاة على المختار ' وكتاب ' التحفة الربانية بالصلاة على إمام الحضرة القدسية ' و ' مفتاح المدد في الصلاة على الرسول السند ' وكتاب ' التفكر والاعتبار ، في الصلاة على النبي المختار لأحمد بن ثابت المغربي . وكذا كل كتاب رتبت فيه الصلاة على النبي على حروف المعجم كأن يقول فيها : اللهم صل سيدنا محمد القائل : إنما الأعمال بالنيات ' ويذكرون بعد كل تصلية حديثا نبويا أو سجعة ، فاعلم أنه حدث في الدين ، وشرع لم يأذن به الله ، فلا تتعبد أخي أصلا إلا بكل ما يتعبد به محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه ، ولا تلتفت إلى ما لم يخرج من فم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وإلا فلست محبا له ولا متبعا لما جاءك به ، ولا مطيعا لربك في قوله : ! ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) ! وقوله : ! ( واتبعوه لعلكم تهتدون ) ! ولا تكونن آمنا من أن يكون لك نصيب من آية ! ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) ! قال الإمام أبو بكر ابن العربي في شرحه على الترمذي :
____________________
(1/246)
حذار حذار من أن يلتفت أحد إلى ما ذكره ابن أبي زيد فيزيد في الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، وارحم محمداً فإنه قريب من بدعة ، لأن النبي عليه السلام علم الصلاة بالوحي ، فالزيادة فيها استقصار له ، واستدراك عليه ، ولا يجوز أن يزد على النبي عليه السلام حرف أ هـ. وقال الإمام النووي في الأذكار ما حاصله : وأما زيادة ، وارحم محمداً ، وآل محمد ؛ فهذا بدعة لا أصل لها قال : وقد بالغ الإمام أبو بكر بن العربي في إنكار ذلك ، وتخطئة ابن أبي زيد في ذلك ، وتجهيل فاعله أ هـ. فهذه زيادة خفيفة لا تساوي عشر معشار الزيادات التي زادوها ، وألفوا فيها ألوف المجلدات العديدة ، ومع هذا فقد أنكروا عليها أشد إنكار ، فكيف إذا رأوا ما حدث ، وعم وطم ، وصارت السنة بجانبه نسياً منسياً ، وشيئاً لا يذكر إلا في بطون كتب السنن . فلا حول ولا قوة إلا بالله . فيا عباد الله : إن الزيادة على تعليم الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] بدعة ضلالة لا تقربكم من الله ، بل تبعدكم عن دار كرامته ورضوانه ؛ لأنه سبحانه لا يعبد إلا بما شرع لا بالمحدثات والبدع . يا عباد الله : أتظنون أن ما ألفه لكم شيوخكم من الصلاة والتسليم ، أفضل مما خرج من فم المعصوم [ صلى الله عليه وسلم ] ؟ لا شك أنه كذلك عندكم ، وإلا فلماذا لا تصلون على النبي بما ورد في الصحاح ، والسنن ؛ بل لا تعرفونه بالكلية ؟ أفضلتم مشائخكم على نبيكم الذي لو ' كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعه ' ، و ' لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتم نبيكم لضللتم ' . يا عباد الله : اذكروا قوله تعالى : ! ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) ! فكروا في : ' والذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ' .
____________________
(1/247)
اعلموا عباد الله : أنكم لو حفظتم لفظا واحداً مما في الصحاح ، أو السنن فصليتم به على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] طول حياتكم ، واستغنيتم به عن جميع ما ألفه الناس ، لأثابكم الله أجراً عظيما ، وهذا مما لا يشك فيه إنسان ، ولو أعرضتم ؛ بل وحرقتم الدلائل ، وجميع كتب الصلوات المؤلفة ، ونسفتموها في اليم نسفا ، لما حصل لكم أدنى عقاب من الله ، وهل يعاقبكم الله على العمل بالسنن ، وترك البدع ؟ كلا والله . الباب الثالث والعشرون في أذكار مطلقة ومقيدة قال الإمام النووي في الأذكار : روينا في صحيحي البخاري ، ومسلم رضي الله عنهما ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ' . وروينا في صحيح مسلم ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله تعالى ؟ إن أحب الكلام إلى الله ، سبحان الله وبحمده ' ، وفي رواية سئل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : أي الكلام أفضل ؟ قال : ' ما اصطفى الله لملائكته ، أو لعباده سبحان الله وبحمده ' . وروينا في صحيح مسلم أيضا عن سمرة بن جندب قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أحب الكلام إلى الله تعالى أربع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ؛ لا يضرك بأيهن بدأت ' . وروينا في صحيح مسلم ، عن أبي مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] :
____________________
(1/248)
' الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان والحمد لله تملآن ، أو تملأ ما بين السموات والأرض ' . وروينا فيه أيضا عن جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها ، أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] خرج من عندها بكرة ، حين صلى الصبح ' وهي في مسجدها ، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فيه ، فقال : ' ما زلت اليوم على الحال التي فارقتك عليها ؟ قالت : نعم ، فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات ، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ، ورضاء نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته - وفي رواية - سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله مداد كلماته ' . وروينا في كتاب الترمذي ولفظه : ' ألا أعلمك كلمات تقولينها ؟ سبحان الله عدد خلقه ثلاثا ، سبحان الله رضا نفسه ثلاثا ، سبحان الله زنة عرشه ثلاثا سبحان الله مداد كلماته ثلاثا ' . وروينا في صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' لأن أقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ' . وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، عشر مرات ، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ' . وروينا في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله
____________________
(1/249)
[ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير في كل يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه ' ، وقال : ' من قال سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة حطت خطاياه ، وإن كانت مثل زبد البحر ' . وروينا في كتاب الترمذي ، وابن ماجه ، عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يقول : ' أفضل الذكر لا إله إلا الله ' . قال الترمذي : حديث حسن ؛ وروينا في صحيح البخاري ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، عن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) :
' مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت ' . وروينا في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : جاء أعرابي إلى رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ، وقال : علمني كلاما أقوله قال : ' قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله رب العالمين ، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم ' ؛ قال : هؤلاء لربي فما لي ؟ قال : ' قل اللهم اغفر لي ، وارحمني ، واهدني ، وارزقني ' . وروينا في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ، فقال : ' أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة ؟ ' ؛ فسأله سائل من جلسائه : كيف يكسب ألف حسنة ؟ قال : ' يسبح مائة تسبيحة ، فتكتب له ألف حسنة ، أو تحط عنه ألف خطيئة ' . وروينا في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه ، أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]
____________________
(1/250)
قال :
' يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى ' . وروينا في صحيح البخاري ، ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ فقلت : بلى يا رسول الله ، قال : قل : لا حول ولا قوة إلا بالله . وروينا في سنن أبي داود ، والترمذي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أنه دخل مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به ، فقال : ' ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل ؟ فقال : سبحان الله عدد ما خلق في السماء ، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض ، وسبحان عدد ما بين ذلك ، وسبحان الله عدد ما هو خالق ، والله أكبر مثل ذلك . والحمد لله مثل ذلك ، ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك ، قال الترمذي حديث حسن . وروينا في سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من قال رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا ، وبمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] رسولا ، وجبت له الجنة ' وروينا في كتاب الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' لقيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليلة أسرى بي ، فقال : يا محمد أقرئ أمتك السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان وأن غراسها
____________________
(1/251)
سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله والله أكبر ' . قال الترمذي : حديث حسن . وروينا فيه عن جابر رضي الله عنه : عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال ' من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة ' قال الترمذي : حديث حسن . وروينا فيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال ، قلت يا رسول أي الكلام أحب إلى الله تعالى ؟ قال : ' ما اصطفى الله تعالى لملائكته ، سبحان ربي وبحمده ، سبحان ربي وبحمده ' أ هـباختصار قليل منه . وهذا . فصل في الأذكار التي تقال في الصباح والمساء في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من قال حين يصبح وحين يمسي : سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به ، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه ' وفي صحيحه أيضاً عن ابن مسعود قال : كان نبي الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا أمسى قال : ' أمسينا وأمسى الملك لله ؛ والحمد لله ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير : رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها ، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر ، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر ' وإذا أصبح قال ذلك أيضاً ' أصبحنا وأصبح الملك لله ' وفي السنن عن عبد الله بن حبيب قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ' قل ، قلت يا رسول الله ما أقول ؟ قال : قل : قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء ' قال الترمذي حديث حسن صحيح ، وفي الترمذي أيضا عن أبي هريرة أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كان يعلم أصحابه يقول ' إذا أصبح أحدكم فليقل اللهم بك
____________________
(1/252)
أصبحنا وبك أمسينا ، وبك نحيا ، وبك نموت وإليك النشور وإذا أمسى فليقل : اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا ، وبك نحيا ، وبك نموت ، إليك المصير ' قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وفي صحيح البخاري عن شداد بن أوس عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال ' سيد الاستغفار اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة ، ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة ' ، وفي الترمذي عن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق قال لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : مرني بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت ، قال : ' قل اللهم عالم الغيب والشهادة ، فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه ، وأن نقترف سوءاً على أنفسنا أو نجره إلى مسلم ، قله إذا أصبحت وإذا أمسيت ، وإذا أخذت مضجعك ' قال الترمذي حديث حسن صحيح ، وفي الترمذي أيضاً عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ' ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات - فيضره شيء ' قال الترمذي : حديث حسن وفيه أيضاً عن ثوبان وغيره أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : من قال حين يمسى وإذا أصبح ، رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] نبياً كان حقاً على الله أن يرضيه ' وقال : حديث حسن صحيح ، وفي الترمذي أيضاً عن أنس أن رسول الله
____________________
(1/253)
[ صلى الله عليه وسلم ] قال ' من قال حين يصبح أو يمسي اللهم إني أصبحت أشهدك ، وأشهد حملة عرشك وملائكتك ، وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك ، أعتق الله ربعه من النار ، فمن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار ، ومن قالها ثلاثاً أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار ، ومن قالها أربعا أعتقه الله من النار ' وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن غنام أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال ' من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد ولك الشكر ، فقد أدى شكر يومه ، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته ' وفي السنن وصحيح الحاكم عن عبد الله بن عمر قال : لم يكن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح ' اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي . اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي ، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذ بك أن أغتال من تحتي ' وعن طلق بن حبيب قال جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال : يا أبا الدرداء قد احترق بيتك ، فقال : ما احترق ؛ لم يكن الله ليفعل ذلك لكلمات سمعتهن من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من قالها أول النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح ' اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أعلم أن الله على كل شيء قدير ، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً ، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ' أ هـمن الوابل الصيب . يقول المؤلف محمد بن أحمد : وهذا الحديث ذكره ابن السني في كتابه
____________________
(1/254)
عمل اليوم والليلة وفي سنده شيء ، وتمامه كما في رواية أخرى فيه بعد لفظة ' مستقيم لم يصبه في نفسه ولا أهله ولا ماله شيء يكرهه وقد قلتها اليوم ، ثم قال : انهضوا بنا فقام وقاموا معه فانتهوا إلى داره وقد احترق ما حولها ، ولم يصبها شيء ' أ هـ. فيا أهل الأحزاب والأوراد هل عندكم حديث كهذا ؟ وهل لكم فيما تعبدون به أجر ثابت عن المعصوم كهذا الأجر والفضل العظيم ؟ حاش وكلا فاتقوا الله أيها المسلمون وإياكم وهذه الأهواء ، وعليكم بكتاب الله وسنة رسوله فإنها دين الإسلام ! ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) ! . فصل في عقد التسبيح بالأصابع وأنه أفضل من السبحة وغيرها روى الأعمش عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال : رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعقد التسبيح بيمينه ' رواه أبو داود ، وروت يسيرة إحدى المهاجرات رضي الله عنها قالت : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ' عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ، ولا تغفلن فتنسين الرحمة واعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات ومستنطقات ، كذا في الوابل الصيب ، رواه الترمذي والحاكم بسند صحيح وقال محشية . فصل في جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وغيره عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على
____________________
(1/255)
امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال : ' أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل ؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء ' إلخ الحديث وقد تقدم قريباً ، ورواه أبو داود والترمذي . وعن صفية قالت : ' دخل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها فقال : لقد سبحت بهذا ؟ ألا أعلمك بأكثر مما سبحت به ؟ فقلت : علمني ، فقال : قولي سبحان الله عدد خلقه ' رواه الترمذي والحاكم وصححه السيوطي . وعن أبي صفية مولى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع فإذا صلى أتى به فيسبح حتى يمسي ' وأخرجه الإمام أحمد أيضاً ، وقال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا عبد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن جابر عن امرأة خدمته عن فاطمة بنت الحسين بن علي ابن أبي طالب أنها كانت تسبح بخيط معقود فيها . وأخرج عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد عن أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح . وأخرج أحمد في الزهد عن القاسم بن عبد الرحمن قال : كان لأبي الدرداء نوى من العجوة في كيس ، فكان إذا صلى الغداة أخرجها واحدة واحدة يسبح بهن حتى ينفدن . وأخرج الديلمي عن علي مرفوعا ' نعم المذكر السبحة ' أ هـباختصار من نيل الأوطار . فصل في الرياء والطقطقة بالسبحة أما تعليق السبحة الطويلة الغليظة في العنق والطقطقة عليها بلا ذكر فهو الشرك الأصغر لأنه رياء وسمعة . وقد روى البخاري ومسلم أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من سمع سمع الله به ، ومن يراء يراء الله به ، أي من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأشهاد
____________________
(1/256)
وروى ابن ماجه وغيره أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال عن الله : ' أنا أغني الشركاء عن الشرك فمن عمل لي عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك ' وروى ابن جرير مرسلا : ' لا يقبل الله عملا فيه مثقال حبة من خردل من رياء ' ، قال الشيخ الحفني : أما من يتخذ السبحة لأجل التزين ويزخرفها ويتحدث مع الناس وهو يقلبها في يده فذلك علامة على سوء حاله أ هـ. وولوعهم بالسبحة المسماة عندهم باليسر وشراؤها بغالي الثمن جهل وتغفيل وضياع للمال والسبحة الألفية التي يعلقونها في السقف في بكرة للتعبد عليها في الظلمة بالله الله أو هو هو أو حي أو حق أو قيوم أو قهار أو لطيف أو باسط بدعة وجهل وضلال . وقول الخليلية على السبحة يا عم يا عم أو مدد يا عم كل يوم مائة مرة كفر بالله تعالى إذ هو نداء والتجاء لغيره . وطرق السبحة في الماء للتشفي والتبرك بها غفلة وجهالة وذهول عما جاء به صاحب الرسالة ، وهل ترجى بركة من آثار من يعيشون ويموتون في مخالفات ومبتدعات ، وعبادات منكرة ؟ كلا بل التشفي بهم كالتشفي بطاسة الطربة وبفشلة الحمارة إن هؤلاء يسهرون إلى بعد النصف في حضرة أو ليلة أو مولد يشخرون وينخرون ، ويشهقون وينعقون بما يسمونه تخميراُ أو توحيداً وهو في الحقيقة توحيل في تغفيل ، وأباطيل في أظاليل ، يصرفون لياليهم في : ( شوبش على رجال لا صاموا ولا صلوا ** فرشوا سجاجيدهم على الماء ما ابتلوا ) ( إيه إيه إذا كنت منضام ولا لك حد بيراعي ** إزعق وقل يا أبا العلمين يا رفاعي ) ( قديم الطريقة يجي لك عالقدم ساعي ** يأخد بيدك ولا تحتاج لمراعي ) ( آه آه إذا كنت عيان يأمر بي ولا لك حد ** أقصد حمى السيدة في نهار الحد ) ( وقف على الباب وقل يا كريمة اليد ** تاخد بيدك ولا تحمل جمايل حد ) هذا هو توحيدهم يا مشيخة الأزهر ، ويا هيأة كبار العلماء بالأزهر ، فهل أنتم
____________________
(1/257)
لهذا منكرون ، وله محاربون ، أو له مقرون ، وبمثله عاملون ؟ ثم إنك إذا نخست أحدهم أو حدثت حركة أو صوت تجدهم يتكلمون بكلام وقح لا يمكنني كتابته ، وأقله أن يقول : أح يا أمه أو يشخر ويقول : ' يا ابن الأحبة ثم يقول لك هذا الكلام ليس لك بل لكلمة الجلالة ، ثم هم ومشايخهم لا يحسنون قراءة الفاتحة بل ولا سورة العصر ولا الكوثر ولا الإخلاص ، هذا مع إتقانهم لحفظ الكثير من الألفاظ الشيطانية كقولهم : سبابينير ادنبدادنبي كراكرتدي سرسر أندي سبر سبر تمونا كد كردد طهور بدعق محببه سققاطيس ، الخ ويحفظون الجلجلوتيه كلها و البرهتية كلها ، ويحفظون أيضا قصة الزناتية والهلالية وعنترة والظاهر بيبرس ، أما سورة أو حديث نبوى فكلا فهل هؤلاء مسلمون يتبرك بآثارهم ؟ إنه لا يتبرك بهؤلاء إلا غفول جهول حمار مأواه - إن لم يعقل عن الله ويقلع - النار وبئس القرار ، قال الإمام الصنعاني : ومن جنس هذا اعتناء بعض الأغبياء الجهال والعوام الضلال بدعوتهم بدعاء تمشيخا تمشميشا وشمخيشا ودعوتهم في الشدائد بأسماء أصحاب الكهف ، ودعاء شيخ وغيرها من الدعوات المجهولات بزعمهم أن هذا من الأسماء العظام والأدعية المستجابة عند العلام أو أنه من التوراة والإنجيل ، ولسنا ملتزمين في شريعتنا بذلك الدعاء ، في الصباح والمساء ، ولم يقل بها أحد من العلماء والصلحاء ، بل وضعه أغبياء الأدباء وسفهاء القصاص لتغرير العوام ، وجمع الحطام ، وقد قال الله تعالى : ! ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ! وقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إن لله تسعة وتسعين إسما مائة إلا واحدا ' والشيطان في أكثر الأحيان يظهر لتلك الأسماء تأثيرات ومنافع لأجل تغرير الجهال وافتتانهم ، وربما يكون التلفظ بتلك الكلمات كفر لأننا نتكلم بكلام لا نعرف معناه بالعربية وقد قال الله تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) وهو يقول ويدعو : أهيا شراهيا أدنو أي أصباءوت فكن متيقظا لهذه الرقية فقد ضل بها خلق كثير ، وقانا الله البدع والأهواء والفتنة المدلهمة الظلماء ، كالليلة السوداء ، وكثر الاعتناء بألف اسم واسم واحد يدعو بعض الفقراء
____________________
(1/258)
بها ، ولم يرد بها خبر ولا أثر عن السلف الصالح وأئمة الهدى ، بل بعضها كفر لأن أسماء الله توقيفية لا يجوز لنا أن ندعوا إلا بما زرد في الكتاب والسنة . الباب الخامس والعشرون في أدعية الشدائد والكروب والاستغاثات روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب وأبو داود وابن حبان عن أبي بكرة بإسناد صحيح كما في الجامع وشرحه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ' دعوات المكروب : اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت ' ، وفي سنن والترمذي أنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء وقال : ' سبحان الله وإذا اجتهد في الدعاء قال يا حي ياقيوم ' وروى أحمد وأبو داود في سننه بإسناد صحيح ' أنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا حزبه وفي رواية حزنه - أمر صلى ' وقيل : كان ابن عباس يفعل ذلك ويقول : نفعل ما أمرنا الله به بقوله : ! ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) ! . وروى الترمذي عن أنس قال : كان صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر - وفي رواية للحاكم إذا نزل به هم أو غم - قال : ' يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ' . . وصححه في الجامع ، وروى النسائي عن ثوبان أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا راعه . . . ' الله ربي لا شريك له ' وحسنهفي الجامع وشرحه . وفي رواية . . . والحاكم ' ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب ؟ . . شيئاً ' وحسنه في الجامع وصححه شارحه .
____________________
(1/259)
وروى أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس قال : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يدعو عند الكرب : ' لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم ' وزاد الطبراني : ' اصرف عني شر فلان ' ويعينه باسمه ، وفي الأذكار نقلا عن كتاب ابن السني عن أبي قتادة قال : قال رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) من قرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة عند الكرب أغاثه الله عز وجل ' وقد تقدم حديث دعاء ذي النون ، وفي الجامع برمز العقيلي في كتاب الضعفاء عن جابر عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' استكثروا من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها تدفع تسع وتسعين بابا من الضر ، أدناها الهم ' . فصل في الاستغاثة والدعاء باسم الله الأعظم روى ابن ماجه والطبراني والحاكم بإسناد صحيح حسن كما الجامع وشارحه عن أبي أمامه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب في ثلاث سور من القرآن : في البقرة وآل عمران وطه ' قال محشى سنن ابن ماجه : في الزوائد رجال إسناده ثقات وهو موقوف ، وأما إسناده المرفوع ففيه غيلان لم أر لأحد فيه كلاماً لا بجرح ولا توثق ، . . . رجال الإسناد ثقات . وروى الإمام أحمد وأبو داود . . . صحيح كما في الجامع عن أسماء بنت يزيد أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال . . . في هاتين الآيتين ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا . . . . . آل عمران ( الم ، الله لا إله إلا هو الحي . . . . . : بجانبه علامة الصحة ،
____________________
(1/260)
الآية ! ( قل اللهم مالك الملك ) ! الآية بكمالها ' . وفي الجامع عن ابن جرير الطبري عن سعد أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى : دعوة يونس بن متى ' وضعفه في الجامع . وفي سنن ابن ماجه عن ابن بريدة عن أبيه قال : سمع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] رجلا يقول : اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي ! ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) ! فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب ' قال شارح الجامع ومحشيه ما حاصله : وقد رجح الحافظ ابن حجر هذه الرواية من حيث السند عن جميع ما ورد في ذلك أه . فصل فيما يقوله من وقع في هلكة أو خاف قوماً أو سلطاناً أو عدواً في كتاب ابن السني عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' يا علي ألا أعلمك كلمات إذا وقعت في ورطة قلتها ؟ قلت : بل جعلني الله فداءك . قال إذا وقعت في ورطة فقل : بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فإن الله تعالى يصرف بها ما شاء من أنواع البلاء ' . وفي سنن أبي داود والنسائي بسند صحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا خاف قوماً قال : ' اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك من شرورهم ' وفي كتاب ابن السني عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إذا خفت سلطاناً أو غيره فقل : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، لا إله إلا أنت عز جارك ، وجل ثناؤك ' وفي كتاب ابن السني أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال : كنا مع النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) في غزة فلقي العدو
____________________
(1/261)
فسمعته يقول : ' يا مالك يوم الدين ، إياك أعبد وإياك أستعين ' فلقد رأيت الرجال تصرع تضربها الملائكة من بين أيديها ومن خلفها أه من كتاب الأذكار النووية فصل في الأدعية المبتدعة المحرمة والمكفرة لأصحابها عند الشدائد والكروب نذكر هنا والله تعالى يعلم أن قلوبنا مملوءة حسرة وندامة وأسفاً وحزناً على أكبر رزء وأعظم داهية ، وأفظع وأشنع مصيبة أصيب بها الدين وأهله إلا وهي : إعراض كل الناس والعلماء إلا من عصم وهو نزر قليل . عن هذه الأدعية الواردة الثابتة عن المعصوم في كتب الإسلام . إلى ما ابتدعوه واخترعوه من النداءات والاستغاثات الكفرية الشيطانية العفريتية ، فتراهم يقولون عند الكرب والشدة يا سيدة زينب ، يا ست أم هاشم يا كريمة اليد ، أغيثيني أدريكيني أنقذيني من دي الورطة ويبقى لك عندي دستة شمع أو كيلة فول نابت كل سنة أو أعمل لك حضرة كل جمعة . يا سيدنا الحسين سقتك على جدك وسقت جدك على ربك ، يا رسول الله غوثا ومدداً . يا سيد يا بدوي يا بو فراج ، يا حجة المنضام ، يا منجد العيان ، تصرف لي في فلان ولك عند عجل جاموس يجي لك ماشي على رجليه كل سنة ، وربما كان لهؤلاء الجهلاء بعض العذر لأنهم ما زالوا يرون أصحاب العمائم الغليظة والأكمام الواسعة من حملة الشهادات العالمية وأرباب الوظائف العالية الرسمية الحكومية ، يقولون في دروسهم ويؤلفون في كتبهم ما أوقعهم وأداهم إلى الوقوع في هذا الضلال ، فمن ذلك قول بعضهم في استغاثته بالرسول ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ،
____________________
(1/262)
( تدارك أغثني في أموري فإنني ** عرتني هموم مسهن أليم ) ( وما ذكر تفصيلاتها لك لازم ** فأنت بأسرار الغيوب عليم ) وكذا قولهم : ( يا نبي الهدى استغاثه ملهوف ** رمته في خطبها الأهواء ) ( فأغثني فمن سواك لمأسوف ** أضرت بحاله الحوباء ) وكذا قولهم : ( يا صاحب القبر المقيم بيثرب ** يا منتهى أملي وغاية مقصدي ) ( يا من به في النائبات توسلي ** وإليه من كل الحوادث مهربي . الخ ) وكذا قولهم : ( نبي الهدى ضاقت بي الحال في الورى ** وأنت بما أملت منك جدير ) ( فسل خالقي تفريج كربي فإنه ** على فرجي دون الأنام قدير ) وكذا قولهم : ( بآل البيت ثم الأولياء ** وبالعلماء ثم الأتقياء ) ( وبالشهداء ثم بأصفياء ** أغيثوني لأني في بلاء ) وكذا قولهم : ( إذا ما الدهر فاجأني بضيم ** وحاول أن أكون له فريسة ) ( ليشمت بي كعادته الأعادي ** بني الأوغاد والنسب الخسيسة ) ( فمالي من أصد به أذاه ** سوى طه وابنته نفيسة ) وكذا قولهم : ( يا ابن الرفاعي تدارك ** لمن أتى واستجارك ) ( شيخ العويجا أغثني ** أصبحت في الحمى جارك ) ( إلى يا بن الرسول أغثني ** فقد تعاظم حزبي )
____________________
(1/263)
( فإن تغاضيت عني ** يصير عاري عارك ) ومن التبجح والتنطع والتغفيل الفاضح قول بعضهم : ( نحن الغياث لمن ضاقت مذاهبه ** فاهتف بنا إن تضق أو إن تكن تضم ) ( نحن الذين لهذا الكون ذو مدد ** يناله من رآنا أو نأى فعمى ) فوالله الذي نقس محمد بيده ، إن هؤلاء القوم لم يذوقوا للإسلام ولا للتوحيد ولا للإيمان طعما ، واعتقادي فيهم أن صلاتهم وجميع عباداتهم باطلة ، قال تعالى لنبيه : ! ( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) ! . ولا تصح الصلاة خلفهم إن كانوا بلغتهم الدعوة ، وإنني لأتحامى دائماً عن الصلاة خلفهم وأعتقد بطلانها إن وقعت خلفهم من غيري . ( وما علي إذا ما قلت معتقدي ** دع الجبول يظن الجهل عدوانا ) كيف يعذر هؤلاء أو يقبل عذرهم وهم يقرؤون ويحفظون على صدورهم آية : ! ( قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله ) ! وآية ! ( قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ) ! ، ! ( قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين ) ! وهل من يقرأ آية : ! ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ! ويقرأ قوله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كما في البخاري : ' يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا ' ويقرأ حديث الترمذي ' إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ' الحديث . ويقرأ ويفهم معنى قوله [ صلى الله عليه وسلم ] كما في الصحيح : ' لا يُستغاث بي وإنما يستغاث بالله عز وجل ' ثم بعد هذا كله يقول : ' يا كاشف الكربات يا شيخ العرب ، فهذا لا يصح
____________________
(1/264)
أن يعد من عوام المسلمين فضلا عن علمائهم ، إذ لا يفرق بين التوحيد والشرك فمثله في فهم القرآن : ! ( كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم ) ! ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) . وحديث توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ' كذب موضوع مفترى وليس له أصل قطعاً في جميع كتب السنة وما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان مريد لعنه الله . وحديث : ' إذا أعيتكم الأمور فعليكم - أو فاستغيثوا - بأهل القبور ' مختلق مكذوب ! ( إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ) ! . وحديث : ' إن الله يوكل ملكا على قبر كل ولي يقضي حوائج الناس ' هو من كلام الشياطين وليس من كلام النبوة . وحديث الأعمى : ' اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك ' الحديث صحيح غريب وهو توسل بدعاء النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) فقد استجاب الله دعاءه فرد بصر الضرير فهو معجزة للنبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) عظيمة . وحديث : ' حياتي خير لكم ومماتي خير لكم ' الحديث ضعفه في الجامع وشارحه وضعفه العراقي في تخريج الإحياء وهو مرسل عند جماعة فلا حجة فيه فالمطلوب من كل مؤمن بالله واليوم الآخر أن يسأل الله النبي الوسيلة والفضيلة لتحل له شفاعته كما في الصحيح وأن يكثر من الصلاة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وأن يكون هواه تباعا لما جاء به [ صلى الله عليه وسلم ] لا أن يتوسل به . فحذار حذار من قراءة التوسلات الرفاعية التي فيها : ( يا ربنا أنت اللطيف فكن لنا ** عوناً معنيا في الشدائد والردى ) ( إلى متوسلين إلى جنابك سيدي ** في دفع ما نخشاه من كيد العدا ) ( إلي بمحمد وببنته وببعلها ** بابنيهم القمرين أعلام الهدى ) ( إلي وبشيبة الصديق مؤنس أحمد ** في الغار يا رب العباد وسيدا )
____________________
(1/265)
( إلي بالسيد البدوي باب المصطفى ** بحر الفتوة والمكارم والندا ) ( وبعابد المتعال ثم مجاهد ** فهما الوسيلة للملثم أحمد ) الخ جنونهم القبيح . فكل ما كان هكذا من توسلات الأحمدية والبرهامية والقادرية والبيومية والشاذلية والخلوتية والعفيفية والحبيبية والخليلية وأمثالهم فلا تلتفوا إليه واحذوره كل الحذر ، و ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه من أولياء ) ، ! ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) ! . يا إخواني ، والله إن آية واحدة بل كلمة واحدة بل حرفا واحداً من كتاب ربكم أو من سنة نبيكم خير لكم من جميع هذه التهاويش المبتدعة التي لا يجوز لكم أن تتعبدوا بها ، ولو عشتم عمر نوح تتعبدون بها ما قبل الله منها حرفا واحداً منكم إن سلمتم من عقابه ولا أظنه أبداً إلا بالتوبة النصوح لأن الله لا يعبد إلا بما شرع لا بالمحدثات والبدع ، والدليل على بطلان عملكم قوله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ' . وقوله : ' فمن رغب عن سنتي فليس مني ' هذه نصيحتي إليكم ، يا إخواني ، ومن شاء فليتبع ، ومن شاء فليبتدع ! ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ) ! . فصل في تركهم للاسم الأعظم الرفيع ، وتعبدهم بالاسم الأحقر الوضيع اعلم أن من أدهى الدواهي أنك ترى الجم الغفير قد أعرضوا عن الوارد الثابت عن المعصوم إلى ما زينه لهم واخترعه شياطين الإنس من المتصوفة وأهل الطريق ، يتركون ما تعبد به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] هو وأصحابه من الذكر باسم الله الأعظم ، ويتعبدون باهم صقك حلع يص ويقولون : إن هذا هو
____________________
(1/266)
اسم الله الأعظم ، قولا على الله بغير علم ، والأدهى إثبات هذا السبهلل في مؤلفات المعممين ، وجعله ديناً وشرعاً قويماً ، وبعضهم يقول : اسم الله الأعظم هو : طهور بدعق محببه صوره سقفاً طيس سقاطيم أحون قاف أدم حمهاء آمين . وهو كالذي قبله ضلال وإضلال ولا يتعبد به ويعرض عما جاء به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلا أغفال جهال ، وقد قال الإمام مالك رحمه الله في هذه الألفاظ السريانية والعبرانية والعجمية : وما يدريك لعلها تكون كفراً أه . وكذا استغاثتهم بالجلجلوتية التي يقولون فيها : بآج أهوج جلجلوت هلهلت ، بصمصام طمطام ، لا شك أنها حرام أو كفر وبعض المتشذلين يقولون : اسم الله الأعظم هو ، آه آه ، وهذا ضلال كبير وجهل فظيع بالدين واللغة ، قال في المصباح والمختار : قولهم عند الشكاية أوه من كذا ساكنة الواو إنما هو توجع ، وربما قلبوا الواو ألفاً فقالوا : آه من كذا . أه . ومثله في نهاية ابن الأثير وجميع كتب اللغة وعليه فيكون معنى اسم الله الأعظم عندهم ؛ أتوجع ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . فالإستغاثة والتوسل بمنظومة أسماء أهل بدر بدعة لم تشرع ، وكذا التضرع بنظم الهمزية في الاستغاثة بخير البرية بدعة ضلالة ؛ وتوسل النقشبندية منكر وضلالة واستغاثات الميرغنية ضلالات فوق ظلمات ؛ وتوسلات الخلوتية والصاوية بدع مهلكات ، وكذا الاستغاثة بجالية الكدر بدعة وهي جالبة للشر والضرر ، بمخالفة سيد البشر ، والتوسلات كلها والاستغاثات بالمخلوقات سوى ما صح عن سيد الكائنات ، بدع ومنكرات وضلالات موبقات ! ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ! .
____________________
(1/267)
فصل في الأدعية القرآنية المحكية عن السادة المرسلين والعباد الصالحين دعاء آدم وحواء عليهما السلام ورحمة الله وبركاته ! ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) ! دعاء نوح عليه السلام ! ( رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) ! . دعاء إبراهيم عليه السلام ! ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) ! ، ! ( ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ) ! ، ( ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ) ، ! ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) ! ( ربنا واجعلنا مسلمين لكم ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ) ! ( ) ! ( ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ) ، ! ( رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم ) ! . دعاء موسى عليه السلام ! ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا ) ! ، ( رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين ) .
____________________
(1/268)
دعاء سليمان عليه السلام ! ( رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ) ! ، ! ( رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ) ! . دعاء زكريا عليه السلام ! ( رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ) ! ، ! ( رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ) ! ( رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا ) الآية . دعاء جيش طالوت عليه السلام ( ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) . دعاء جيوش الأنبياء ( ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) . دعاء أصحاب الكهف \ ( ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ) دعاء السحرة الذي آمنوا بموسى عليه السلام ( ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين ) دعاء أيوب عليه السلام ( رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) دعاء يوسف عليه السلام ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) .
____________________
(1/269)
دعاء أصحاب عيسى عليه السلام ! ( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) ! . دعاء سيدنا ولد آدم محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وأمته ! ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ! ، ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به ، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ) . ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) ، ! ( ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) ! . ! ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) ! ، ( ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ) ، ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) ، ! ( رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) ! ، ! ( رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين ) ! . ومن الأدعية القرآنية أيضاً ! ( ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ) ! ، ! ( ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ) ! ، ! ( ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) ! ، ! ( ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ) ! ، ! ( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) !
____________________
(1/270)
دعاء الملائكة عليهم السلام ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ، وذلك هو الفوز العظيم ) . فهذه جملة من الأدعية التي اختارها الله لخاصة أنبيائه وصفوة أوليائه ، أرجو الله أن يوفق أصحاب الاستغاثات الكفرية الشركية والتوسلات المحرمة البدعية وأصحاب ' يا ذا المن ولا يمن عليه ' ودعاء أول السنة وآخرها والمبتدعات من الأدعية للعمل بهذا الذي جاء به عند رب العالمين ، على لسان المعصوم الأمين ، وإليكم يا عباد المشايخ والقبور قول جعفر الصادق قال رضي الله عنه : عجبت لمن بلي بالضر كيف يذهل عنه أن يقول : ( رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) والله تعالى يقول : ! ( فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ) ! وعجبت لمن بلي بالغم كيف يذهل عنه أن يقول : ! ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) ! والله تعالى يقول : ! ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ) ! وعجبت لمن خاف شيئاً كيف يذهل عنه أن يقول : ( حسبي الله ونعم الوكيل ) والله تعالى يقول : ( فانقلبوا بنعمة من من الله وفضل لم يمسسهم سوء ) وعجبت لمن كويد في أمر كيف يذهل عنه أن يقول : ! ( وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) ! والله تعالى يقول : ! ( فوقاه الله سيئات ما مكروا ) ! وعجبت لم أنعم الله عليه نعمة خاف زوالها كيف يذهل عنه أن يقول : ! ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) ! . ويقول محمد : عجبت لمن تعسرت عليه أموره كيف يذهل عن تقوى الله
____________________
(1/271)
وهو سبحانه يقول : ! ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) ! وعجبت لمن بلي بضيق الرزق والهم والكرب . كيف يذهل عن امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه ، والله سبحانه يقول : ! ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ! وعجبت لمن بلي بالذنوب كيف يذهل عن الاستغفار ، والله تعالى يقول : ! ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) ! وعجبت لم احتاج إلى أي أمر ديني أو دنيوي كيف يذهل عن الدعاء ، والله تعالى يقول : ! ( ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) ! : فصل في جوامع من الأدعية النبوية والتعوذات التي لا غنى للمرء عنها قالت عائشة : كان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يحب الجوامع من الدعاء ويدع ما بين ذلك ، وفي المسند والنسائي وغيرهما أن سعداً سمع ابناً له يقول : اللهم إني أسألك الجنة وغرفها وكذا وكذا ، وأعوذ بك من النار وأغلالها وسلاسلها ، فقال سعد رضي الله عنه : لقد سألت الله خيراً كثيراً ، وتعوذت من شر كثير ، وإني سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' سيكون قوم يعتدون في الدعاء ، وبحسبك أن تقول : اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم ' . وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن النسائي عن ابن عباس قال : كان من دعاء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' رب أعني ولا تعن علي ، وانصرني ولا تنصر علي ، وامكر لي ولا تمكر علي ، وانصرني على من بغي علي ، رب اجعلني لك شكاراً ، لك ذكاراً ، لك رهاباً ، لك مخبتاً ؛ إليك أواهاً منيباً ، رب تقبل توبتي ،
____________________
(1/272)
واغسل حوبتي ؛ وأجب دعوتي ، وثبت حجتي ، واهد قلبي ، وسدد لساني واسلل سخيمة قلبي ' ، هذا حديث حسن صحيح ورواه الترمذي وحسنه وصححه . وفي الصحيحين من حديث انس بن مالك قال : كنت أخدم النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فكنت أسمعه يكثر أن يقول : ' اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والبخل والجبن ، وضلع الدين وغلبة الرجال ' . وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : كان يقول : ' اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ، والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر ، اللهم آت نفسي تقواها ، زكها أنت خير من زكاها ، إنك وليها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ونفس لا تشبع ، وعلم لا ينفع ، ومن دعوة لا يستجاب لها . وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كان يدعو ' اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ' فقال قائل : ما أكثر ما تستعيذ من المغرم ؟ قال : ' إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ، ووعد فأخلف ' . وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال : كان دعاء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ' اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، ومن فجأة نقمتك ، ومن جميع سخطك ' . وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعلم من أسلم أن يقول : ' اللهم اهدني وارزقني وعافني وارحمني '
____________________
(1/273)
وفي المسند عن بسر بن أرطأة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' للهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ' . وفي المسند وصحيح الحاكم عن ربيعة بن عامر عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ' الظوا بياذا الجلال والإكرام ' . وفي المسند وصحيح الحاكم عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' يا شداد إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، وعزيمة على الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك ، وأسألك قلباً سليماً ، ولساناً صادقاً ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب ' . وفي الترمذي أن حصين بن المنذر الخزاعي رضي الله عنه قال له النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' كم تعبد إلها ؟ قال : سبعة ، ستة في الأرض وواحد في السماء ، قال : فمن لرغبتك ورهبتك ؟ قال : الذي في السماء ، قال : أما لو أسلمت لعلمتك كلمتين تنفعانك ، فلما أسلم قال : يا رسول الله علمني الكلمتين ، قال : قل : اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي ، حديث صحيح ، وزاد الحاكم ' اللهم قني شر نفسي ، واعزم لي علي أرشد أمري ، اللهم اغفر لي ما أسررت ، وما أعلنت ، وما أخطأت ، وما تعمدت ، ما علمت وما جهلت ، وإسناده على شرط الصحيحين . وفي صحيح الحاكم عن عائشة قالت : دخل علي أبو بكر رضي الله عنه فقال : هل سمعت من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] دعاء علمنيه ؟ قلت : ما هو ؟ قال : كان عيسى بن مريم [ صلى الله عليه وسلم ] يعلمه أصحابه ؛ قال : لو كان على أحدكم جبل ذهب
____________________
(1/274)
دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه ' اللهم فارج الهم ، كاشف الغم ، مجيب دعوة المضطرين ، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، أنت ترحمني ، فارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك ' . وفي صحيحه أيضاً من حديث معاذ قال : أبطأ عنا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بصلاة الفجر حتى كادت أن تدركنا الشمس ، ثم خرج فصلى بنا فخفف ثم أقبل علينا بوجهه فقال : ' على مكانكم أخبركم بما بطأني عنكم اليوم : إني صليت في ليلتي هذه ما شاء الله ، ثم ملكتني عيني فنمت فرأيت ربي تبارك وتعالى فألهمني أن قلت : اللهم إني أسألك الطيبات ، وفعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين وأن تتوب علي وتغفر لي وترحمني ، وإذا أردت في خلقك فتنة فنجني إليك غير مفتون ، اللهم وأسألك حبك . وحب من يحبك ، وحب عمل يبلغني إلى حبك ، ثم أقبل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : تعلموهن وأدرسوهن فإنه حق ' وفيه عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أمرها أن تدعو بهذا الدعاء : ' اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأسألك من خير ما سألك عبدك ورسولك محمد ، وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشداً ' . وفيه عن أبي هريرة أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أوصى سلمان الخير فقال له : ' إني أريد أن أمنحك كلمات تسألهن الرحمن وترغب إليه فيهن . وتدعو بهن في الليل والنهار . قل : اللهم إني أسألك صحة في إيمان . وإيماناً في حسن خلق . ونجاحا يتبعه فلاح . ورحمة منك وعافية . ومغفرة منك ورضوانا ' . وفيه أيضاً عن أم سلمة عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أنه كان يدعو بهؤلاء الدعوات
____________________
(1/275)
' اللهم أنت الأول لا شيء قبلك ، وأنت الآخر لا شيء بعدك ، أعوذ بك من شر كل دابة ناصيتها بيدك ، وأعوذ بك من المأثم والمغرم ، اللهم نق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم بعد بيني وبين خطيئتي كما بعدت بين المشرق والمغرب ' أ هـمن الوابل الصيب باختصار ، وفي الجامع الصغير برموزه : ' اللهم اجعلني شكوراً ، واجعلني صبوراً ، واجعلني في عيني صغيراً ، وفي أعين الناس كبيراً ' . البزار عن بريدة ( ح ) : اللهم أصلح ذات بيننا ، وألف بين قلوبنا ' واهدنا سبيل السلام ، ونجنا من الظلمات إلى النور ، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا ، وقلوبنا وأرواحنا وذرياتنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابلين لها وأدمها علينا ' ( طب ك ) عن ابن مسعود ( ح ) : ' اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري ؟ إن لم تكن ساخطا على فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السموات والأرض ، وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تحل على غضبك ، أو تنزل على سخطك ، ولك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ' ( طب ) عن عبد الله بن جعفر ( ح ) . ' اللهم اجعل أوسع رزقك على عند كبر سني ، وانقطاع عمري ' ( ك ) عن عائشة : ' اللهم إني أسألك باسمك الطاهر الطيب المبارك الأحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت وإذا استرحمت به رحمت ،
____________________
(1/276)
وإذا استفرجت به فرجت ' ( هـ) عن عائشة : اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ، ومن شر بصري ، ومن شر لساني ؛ ومن شر قلبي ، ومن شر مني ' ( دك ) عن شكل : ' اللهم عافني في بدني ، اللهم عافني في سمعي ، اللهم عافني في بصري ، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، لا إله إلا أنت ' ( دك ) ، عن أبي بكرة ( صح ) . اللهم رب جبريل وميكائيل ورب إسرافيل ، أعوذ بك من حر النار ومن عذاب القبر ' ( ن ) عن عائشة ( ح ) : ' اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحرق ، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا ، وأعوذ بك أن أموت لديغاً ' ( ن ك ) عن أبي اليسر : ' اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ' ( دن ) عن أبي هريرة : ' اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ، ومن سيئ الأسقام ' ( حم د ن ) . عن أنس ( ح ) : ' اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي خطئي وعمدي وهزلي وجدي ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت . وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم ، وأنت المؤخر ، وأنت على كل شيء قدير ( ق ) عن أبي موسى ( صح ) . فيا أيها المسلمون ، ها هي الأدعية القرآنية ، وها هي الأدعية النبوية التي هي عند الله مستجابة مرضية ، فليعمل بها العاملون ، وليتعبد بها المتعبدون ، وليجتهد في تحصيل أجرها المجتهدون ، وليعرض عن مبتدعات الأدعية المدعون أنهم للرسول الأعظم محبون .
____________________
(1/277)
الباب السادس والعشرون في أذكار وأدعية مقيدة مؤقتة فصل في الذكر لحفظ النعمة قال تعالى : ! ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) ! فينبغي لمن دخل بستانه أو داره أو رأى في ماله وأهله ما يعجبه أن يبادر بهذه الكلمة فإنه لا يرى فيها سوءاً قط . أما قولهم : صلاة النبي أحسن لا حسد ولا نكد أو يا أرض اخفضي ما عليك فجهل شنيع وبدعة . فصل في الذكر عند المصيبة قال تعالى : ! ( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) ! . وروى مسلم عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يقول : ' ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم اءجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا آجره الله تعالى وأخلف له خيرا منها ' . قالت : فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) فأخلف الله على خيرا منه رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) . أما لطم الخدود ؛ وشق الجيوب . والصراخ وتلطيخ الوجوه والرءوس والثياب بالطين والحبر الأسود والأزرق فمن فعل أهل الجاهلية الأولى . وإن اليهود والنصارى الذين يعبدون إلهين إثنين
____________________
(1/278)
لا يفعلون ذلك بل ولا شيئا منه : فجهلاء المسلمين أشر من اليهود والنصارى . وقد روى البخاري ومسلم أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ليس منا من لطم الخدود ، وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ' وفي صحيحهما ' أنه [ صلى الله عليه وسلم ] بريء من الصالفة والحالقة والشاقة ' وروى مسلم أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' اثنان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت ' . والذي علمته بالاختبار من أحوال المسلمين أنهم لا يبالون بصغائر الذنوب ولا بكبائرها بل ولا بالكفريات . ولذا مسخوا فإنا لله . فصل في الذكر الذي يرقى به من اللدغة واللسعة في صحيح البخاري : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعوذ الحسن والحسين ويقول : ' إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق أعيذكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ' . وفي الصحيحين ' رقى رجل من أصحاب النبي [ صلى الله عليه وسلم ] لديغا بفاتحة الكتاب وتفل عليه فكأنما نشط من عقال ' أما ذهاب الناس إلى شيخ رفاعي ليرقيهم بالكفكية فجهل كبير ، وضلال بعيد ، وبدع فيها وعيد ؛ وعذاب شديد . فصل في الذكر عند الريح إذا هاجت روى أبو داود أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي
____________________
(1/279)
بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها ، واسألوا الله من خيرها ، واستعيذوا بالله من شرها ' . وصححه في الجامع ، وروى مسلم عن عائشة قالت : كان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إذا عصفت الريح قال : ' اللهم إني أسألك خيرها وخير ما أرسلت به ؛ وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به ' . وكثير من الأغفال يغصبون ويلغطون ويسبون عند هياج الريح ، وربما أداهم جهلهم إلى الكفر ، فنعوذ بالله من الجهل . فصل في الدعاء والذكر عند صوت الرعد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا سمع الرعد والصواعق قال : ' اللهم لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك ' رواه الترمذي والبخاري في الأدب والنسائي في اليوم والليلة والحاكم . وكان عبد الله بن الزبير إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال : سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ، ويقول ؛ إن هذا الوعيد شديد لأهل الأرض . ورواه مالك في الموطأ والبخاري في الأدب ، كذا في تفسير الحافظ ابن كثير ، وفيه أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله فإنه لا يصيب ذاكراً ' . وكل الناس يجهلون هذه الأذكار حتى طلاب الأزهر ، بل وكثير من العلماء لعدم قراءتهم في الأزهر كتاباً من كتب الحديث النبوي ، فلا قوة إلا بالله . فصل في الذكر والدعاء عند المطر ، وما أحدث عنه في الصحيحين عن أنس قال : دخل رجل المسجد يوم الجمعة ورسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قائم يخطب الناس فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت
____________________
(1/280)
السبل ، فادع الله يغيثنا ، فرفع رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يديه ثم قال : ' اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا ' قال أنس والله ما نرى في السماء سحابا ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بنيان ولا دار ، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت ، فلا والله ما رأينا الشمس ستا ، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قائم يخطب فاستقبله قائماً فقال : يا رسول الله ، هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا ، فرفع رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يديه ثم قال : ' اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ' قالت : فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس أ هـمن الوابل الصيب . وفي الأذكار قال : روينا في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان إذا رأى المطر قال : ' اللهم صيبا نافعا ' مرتين أو ثلاثا . هذا وإنك تسمع كثيراً من العوام والجهلاء عند اشتداد الأمطار ألفاظا هي إلى الكفر أقرب منها للإيمان ، فمن ذلك قولهم : حوش بلاويك عنا ، بزيادة غرقتنا ، فنعوذ بالله . ومما يدل على جهالة آباء وأمهات الصبيان وأنهم لا عناية لهم بتربية أنفسهم ولا أولادهم قول الصبية في الشوارع والزقاقات وقت المطر : ( يا مطرا رخي كبريت ** والسقا ركبه عفريت ) ( يا مطرا رخى بصل ** والسقا وقع انكسر ) ( يا مطرة عبد العال ** رخيها واملي الفنجال )
____________________
(1/281)
( يا مطرة باب اللوق ** رخيها واملي الصندوق ** ( يا مطرة عبد الله ** رخيها وأملي القلة ) فيا حسرة على قوم يعيشون في الإسلام ويموتون ولم يذوقوا له طعما ، ولم يعرفوا هم ولا نساؤهم ولا أبناؤهم شيئا من تعاليمه السامية التي ارتقت بسلفهم إلى أعلى عليين فجعلتهم سادة أهل الأرض أجمعين ف ! ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) ! أدبوهم وعلموهم وحببوهم في رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) وفيما جاء به ' مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع ' رواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم وصححه في الجامع ، مرنوهم وعودهم النطق والعمل وهم صغار على شرائع الإسلام ، دربوهم على الصيام لتهذب به نفوسهم ، فلقد كان أصحاب النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يصوّمون صبيانهم الصغار ، ويجعلون لهم اللعبة من العهن المصبوغ فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطوه اللعبة تلهيه حتى يتم الصيام ، كذا جاء في الصحيح ، اتقوا الله واعلموا أن لأولادكم عليكم حقوقا ' فحق الولد على والده أن يحسن اسمه ، ويحسن أدبه ، ويحسن موضعه ، ويعلمه الكتاب - أي القرآن - ويعلمه الكتابة ، والسباحة ، والرماية ، وأن لا يرزقه إلا طيبا ، ويزوجه إذا أدرك ' كذا جاءت الأخبار ' أدبوا أولادكم على ثلاث خصال ، حب نبيكم وحب أهل بيته ، وقراءة القرآن . فإن حملة القرآن في ظل الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه ' رواه الشيرازي والديلمي وابن النجار عن علي كما في الجامع ' فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، أما والله إن سمعتم وعملتم بنصيحتي وقيتم ونجوتم أنتم وأهلوكم ! ( نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد ) ! ومن أبى ( فأمه هاوية ، وما أدراك ماهية نار حامية ) بدليل ' كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قالوا : ومن أبى يا رسول الله ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ' رواه البخاري .
____________________
(1/282)
يا عباد الله ، والذي نفسي بيده إنكم ما سقطتم وصرتم أرذل الأمم وأحقرها وأدناها وأصغرها وعبيدا لها بعد أن كانت العزة لله ولرسوله بترككم تعاليم دينكم وخطة نبيكم ؛ لقد أصبحتم ضفادع وخنافس ، بل تراباً تحت أرجل أعدائكم - بعد أن كانت عبيد الإسلام السود ترهب الملوك في عروشها ، فمتى تفيقون ؟ ومن هذه السكرة تنتبهون ، ومن هذه الرقدة الطويلة تستيقظون ، ولمجد سلفكم تعيدون ؟ أما بلغتكم آية ! ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) ! أما قرأتم حديث ' وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ' ؟ رواه أحمد وأبو داود والطبراني . يا عباد الله إنكم لا تزالون في ذل وصغار بين الناس حتى تتبعوا كتاب الله وشرع نبيه ، وحتى تعرفوا الحق وتجاهدوا للحق ، وتتفانوا في الدفاع عن الحق ، ويكون الموت في هذا السبيل أسمى أمانيكم . فصل في الذكر والدعاء عند رؤية الهلال قال في الوابل الصيب : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا رأى الهلال قال : ' الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى ، ربنا وربك الله ' وفي سنن أبي داود أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا رأى الهلال قال : ' هلال خير ورشد ، آمنت بالذي خلقك ' ثلاث مرات ثم يقول ' الحمد لله الذي جاء بشهر كذا ، وذهب بشهر كذا ' أ هـ باختصار . أما قولهم : هل هلالك شهر مبارك علينا وعليك يا رب ؛ وتقليب الدراهم الفضية في أيديهم تجاه الهلال فجهل شنيع وبدعة ، وكان الواجب على الخطباء أن يبينوا هذه الأذكار في خطبهم بدل قولهم فيها : إنه لم يبق من الدين إلا اسمه ، ولا من الإسلام إلا رسمه . وبدل صراخهم على المنابر : بأيرضيك
____________________
(1/283)
هذا من أمتك يا رسول الله ، قم يا عمر فانظر إلى ما حل بنا . وهذا الكلام دليل على جهل قائله فليقلعوا عنه ، اللهم وفقهم لهدي نبيك . فصل في الدعاء والذكر حين الصيام والفطر قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حين يفطر . والإمام العادل ، ودعوة المظلوم ' ورواه الترمذي وقال : حديث حسن ، وروى ابن ماجه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد ' وثبت في سنن أبي داود أنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان يقول عند فطره ؛ اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ' . فيا أيها المسلمون علموا أبناءكم ونساءكم أذكار رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بدل الطبل بالدربكة والتغني بيابت يا بيضا وجننتيني . فصل في أذكار ودعاء السفر كان ابن عمر يقول للرجل إذا أراد سفرا : ادن مني أودعك كما كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يودعنا فيقول : ' استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك ' ذكره في الجامع بهذا الرمز ( د ت ) عن ابن عمر ( صح ) وجاء رجل إلى النبي فقال : يا رسول الله ، أريد سفرا فزودني فقال ' زودك الله التقوى ، وغفر ذنبك ، ويسر لك الخير حيثما كنت ' وذكره في الجامع برمز ( ت ك ) عن أنس وقال ابن القيم : قال الترمذي : حديث حسن ، وقال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا ' وذكره في الجامع برمز ( ش ) عن المطعم مرسلا ( ص ) .
____________________
(1/284)
فصل في الذكر عند ركوب الدابة في الوابل الصيب : قال علي بن ربيعة : شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أني بدابة يركبها فلما وضع رجله في الركاب قال : بسم الله ، فلما استوى على ظهرها قال : الحمد لله ثم قال : ! ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) ! ثم قال : الحمد لله ثلاث مرات ، ثم قال : الله أكبر ثلاث مرات ، ثم قال : سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم ضحك فقيل : يا أمير المؤمنين من أي شيء تضحك ؟ فقال . رأيت النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) فعل كما فعلت ثم ضحك . فقلت يا رسول الله من أي شيء تضحك ؟ فقال : ' إن ربك سبحانه وتعالى يعجب من عبد إذا قال اغفر لي ذنوبي ، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري ' رواه أهل السنن وصححه الترمذي . فصل في الذكر عند دخول القرية أو البلد قال في الوابل : عن صهيب أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها . ' اللهم رب السموات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشيطان وما أضللن ، ورب الرياح وما ذرين أسألك خير هذه القرية وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ) ، رواه النسائي .
____________________
(1/285)
فصل في أدعية وأذكار الطعام البدعية والشرعية قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون ) وقال عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه : قال لي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' يا بني سم الله تعالى ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك ' متفق عليه . وقالت عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : إذا أكل أحدكم فليذكر - أي اسم الله تعالى - فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل : بسم الله أوله وآخره ' قال الترمذي : حديث حسن صحيح . قال أمية بن مخشي رضي الله عنه : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] جالساً ورجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقيمة فلما رفعها إلى فيه قال : بسم الله أوله وآخره ، فضحك النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ثم قال : ' ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه ' رواه أبو داود . وعن معاذ رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من أكل أو شرب فقال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ، غفر له ما تقدم من ذنبه ' قال الترمذي : حديث حسن . وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا فرغ من طعامه قال : ' الحمد لله الذي أطعمنا وأسقانا وجعلنا من المسلمين ' رواه أبو داود والترمذي . وذكر النسائي عن رجل خدم النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أنه كان يسمع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إذا قرب إليه طعامه يقول : ' بسم الله ، وإذا فرغ من طعامه قال : اللهم أطعمت وسقيت ، وأغنيت وأقنيت ، وأهديت واجتبيت ، فلك الحمد على ما أعطيت ، وفي البخاري عن أبي أمامة رضي الله
____________________
(1/286)
عنه أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا رفع مائدته قال : ' الحمد لله كثيراً طيباً مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا ' أ هـمن الوابل الصيب . ومن هنا تعلم أن قراءة ! ( لإيلاف قريش ) ! على الطعام كما يفعله بعض المتصوفة لحصول البركة في الطعام بدعة ، وقراءتهم على الفجل لضياع رائحته صيغة : اللهم صل على سيدنا محمد طيب الأنفاس تشريع مبتدع ، وإثبات هذا الباطل في المؤلفات شر وضرر . وهذا تجده في شرح الصاوي على منظومة الدردير فمزقه . وحديث ' غسل اليدين قبل الطعام بركة ، وبعده ينفي اللمم ' ذكره العراقي بألفاظ قال : وكلها ضعيفة ولا مانع من الغسل شرعاً كلما احتاج الإنسان إليه . وحديث ' من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة ' غريب كما في أسنى المطالب وضعفه . وحديث ' ابدءوا بسيد الطعام اللحم ' بحثت عنه كثيراً فلم أجده وإنما في الجامع ' سيد طعام الدنيا والآخرة اللحم ' وضعفه . وحديث ' من أكل مع مغفور له غفر له ' قال في أسنى المطالب : قال ابن حجر وغيره : كذب موضوع لا أصل له . وقال في المدخل : ولا يسمي عند كل لقمة إذ أن ذلك بدعة فنحن متبعون لا مشرعون ، وكذلك لا يقول : باسم الله الرحمن الرحيم لأنه لم يرد ، وإنما ورد بسم الله ، وينبغي أن لا يفعل ما قاله بعضهم : إنه يقول في أول لقمة بسم الله وفي الثانية بسم الله الرحمن ، وفي الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم ثم في كل لقمة أ هـوالله أعلم بما قال . وقولهم : بسم الله الشافي ، أو يا بركة أسماء الله بدعة ، وتقبيل باطن وظاهر الأكف بعد الطعام ، وقولهم : اللهم زد وبارك شيء لله الفاتحة بدعة وجهل فاضح ، وكذا يا رب لك ألف حمد وشكر ، واللهم زدها نعمة واحفظها
____________________
(1/287)
من زوال . واللهم هنئ آكليه ، وابذل على مخلفيه ، واطرح البركة فيه ، كل هذه بدع يجب تركها واعتناق الثابت عن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] . فصل في دعاء الضيف لأهل الطعام روى مسلم أنه [ صلى الله عليه وسلم ] لما أكل عند أبي عبد الله بن بسر دعا لهم فقال : ' اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم ' وفي سنن أبي داود بسند صحيح أنه [ صلى الله عليه وسلم ] دعا لآل سعد بن عبادة بقوله : ' أفطر عندكم الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة ' أما قول الفقراء أعني من العلم والدين الصحيح : اللهم زد وبارك شيء لله الفاتيحاه ، الفاتحة للي طبخت واللي غرفت ، ولصاحب الليلة كمان ، فما هو إلا غفلة وجهالة ؛ وخيبة وغباوة . فصل في أذكار السلام الشرعي والبدعي قال أبو هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ' رواه أبو داود ، وقال عمران بن حصين : جاء رجل إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : ' السلام عليكم ، فرد عليه ، ثم جلس فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' عشر ' ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فرد عليه فجلس فقال : ' عشرون ' ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه فجلس فقال : ' ثلاثون ' رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن . وقال أنس : مر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] على
____________________
(1/288)
صبيان يلعبون فسلم عليهم ، حديث صحيح ، وقال أبو هريرة : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ' إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة ' رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم وحسنه صاحب الجامع أ هـمن الوابل الصيب . هذا وقد استعاض أكثر المسلمين عن هذا السلام الشرعي الجليل الجميل الجزيل الأجر بكلام حقير ضئيل لا قيمة له ولا أجر فيه ، وذلك كقولهم : عوافي ومرحب وأصبح الخير وصباح الخير ومسا النور وصباح القشطة وصباح الفل على عيونك وأكثرهم اتفقوا على لفظة نهارك سعيد وسعيد مبارك . وبعضهم يقولون : بونجور وبونسيره ورفوار ، بدل السلام عليكم ورحمة الله . فيا حسرة على العباد ، وأكثرهم يسقطون اللام من تسليمهم فيقولون : السام عليكم ومعناه الموت ، فينبغي التنبيه على ذلك يا علماء إن كنتم علماء ، وإلا فمزقوا هذه الورقة التي تسمونها الشهادة العلمية ، وألقوها على المزابل ، ولا تفتخروا بها علينا إذ لا فضل لكم علينا إلا بالعلم الصحيح النبوي والعمل . فصل في فضل المصافحة وبدعها روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والضياء المقدسي عن البراء بن عازب بإسناد حسن كما في الجامع أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يتفرقا ' وفي الجامع أيضا عن الحكيم الترمذي وأبي الشيخ ابن حبان عن عمر أو ابن عمر عنه [ صلى الله عليه وسلم ] أنه قال : ' إذا التقى المسلمان فسلم أحدهما على صاحبه كان أحبهما إلى الله أحسنهما بشراً بصاحبه فإذا تصافحا أنزل الله عليهما مائة رحمة : للبادي تسعون ، وللمصافح عشرة ' حديث حسن كما في الجامع وهو حسن لغيره كما في الشرح .
____________________
(1/289)
هذا وقد منع الأستاذ الشيخ محمود السبكي المصافحة عند الفراق بغير دليل ولا برهان بل بمحض رأيه ، وهو مردود بما رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة في ( باب ما يقول إذا أخذ بيد أخيه ثم يفارقه ) وساق السند إلى أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : ما أخذ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بيد رجل ففارقه حتى قال : ' اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ' . فهذا يدل على الاستحباب أو الجواز على الأقل وليس للشيخ سلف في ذلك إلا فهمه وهو معارض بهذا الخبر نعم قد يقال : إن في هذا الأثر ضعفاً لأنه من رواية عمرو بن سهيل وهو ضعيف ، ويجاب بأن هذا الأثر وارد في باب فضائل الأعمال ، والجمهور على أن ما كان كذلك يتساهل في قبوله . والقاعدة الأصولية أن الحديث الضعيف أقوى وأفضل من رأي المجتهد ، ثم من قال هذا من الخلفاء أو الصحابة أو التابعين أو الأئمة أو من المحدثين أو الفقهاء ؟ فلم يبق إلا أنه رأي للشيخ ، وعندنا ما يقرب أن يكون دليلا لنا وهو قوله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس ؛ ثم إذا قام فليسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة ' . ورمز له في الجامع هكذا ( حم د ت حب ك ) ، وعن أبي هريرة ( ح ) والمصافحة غالباً ملازمة للسلام : وفي تفسير ابن كثير وغيره : كان الرجلان من أصحاب رسول الله ، إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها ، ثم يسلم أحدهما على الآخر ، وإذا تبين هذا فالواجب على أتباع الشيخ أن لا يشددوا في ذلك فإنه زيادة على عدم ثبوته موجب للتنافر بيننا وبين الناس وموقع للعداوة ، هدانا الله وإياكم .
____________________
(1/290)
فصل في بيان جملة أحاديث في ديوان خطب الشيخ خطاب السبكي حديث : ' ما تحت ظل السماء من إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع ' في الديوان ص 30 وذكره ابن الجوزي في موضوعاته وقال : موضوع ؛ والخطيب والحسن كذابان ، وقد تعقبه السيوطي في لآلئه فذكر حديثين بمعناه الأول فيه ابن لهيعة وهو ضعيف جداً ، والثاني فيه بقية بن الوليد وهو مدلس . حديث : ' إن الله لا يقبل عمل امرئ حتى يتقنه ، قالوا : يا رسول الله وما إتقانه ؟ قال ' يخلصه من الرياء والبدعة ' ص 67 وذكره صاحب المدخل بدون سند ، والمدخل هذا مع أن فيه تنبيهات على كثير من البدع فيه كثير من الأحاديث الموضوعة والحديث ليس موجوداً في الكتب الستة ولا في سنن الدارمي فليتفضل علينا خلفاء الشيخ بتبيان درجته . حديث : ' من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بعدا ' ص 76 ذكره في الجامع وضعفه هو وشارحه ، لكن قال في أسنى المطالب ، رواه الديلمي ، وفيه موسى بن إبراهيم : قال الدارقطني ، متروك ورواه ابن حبان موقوفا عن الحسن بن علي أه . قلت : والمتروك مردود كالموضوع . خبر ' الحسود لا يسود ' ' ص 97 وليس من كلام الرسالة قطعاً ، لما ذكره صاحب أسنى المطالب وملا على القارى من رسالة القشيري ، وابن عمر الشيباني وصاحب اللؤلؤ المرصوع من أنه من كلام بعض السلف أو بعض العلماء فليعلم . حديث : ' لا تصلوا علي الصلاة البتراء ' ص 114 ، وذكره صاحب المنيع ولم يقف على سنده . حديث : ' لو يعلم الناس ما في رمضان من الخير لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها ' ص 120 ، ذكره في الترغيب والترهيب مطولاً ، ثم قال :
____________________
(1/291)
رواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي من طريقه وأبو الشيخ في الثواب . وقال ابن خزيمة : وفي القلب من جرير بن أيوب شيء ، قال الحافظ : جرير بن أيوب البجلي واه ولوائح الوضع عليه أه . وقال الإمام ابن الجوزي : موضوع آفته جرير . حديث : ' لا يقبل الله لصاحب بدعة صلاة ولا صوما ولا صدقة ولا حجًا ولا عمرة ولا جهاد ولا صرفا ولا عدلا ، يخرج من الدين كما تخرج الشعرة من العجين ص 125 ، قد قلدت الشيخ فأخذت عنه هذا الحديث والذي بعده من كتبه فوضعته في كتابي ' المنحة ' ، وفي رسالة ' بدع عاشوراء ' وهكذا يصنع التقليد بأهله ، والحديث مع أنه رواه ابن ماجه . قال في تهذيب التهذيب محمد بن محصن العكاشي راوي الحديث نسب إلى جده . قال البخاري عن يحيى بن معين : كذاب ، وقال البخاري منكر الحديث . وقال أبو حاتم : كذاب . وقال بن حبان : شيخ يضع الحديث على الثقات لا يحل ذكره إلا على سبيل القدح فيه ' وقال الدارقطني : متروك يضع روى له أبو أحمد أحاديث ، ثم قال : وهذه الأحاديث مع غيرها لمحمد بن إسحاق كلها مناكير موضوعة ، روى له ابن ماجه حديثه عن إبراهيم بن الديلمي عن حذيفة : ' لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاة ' الحديث أه . حديث : ' إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يضع بدعته ' ص 37 ، وقد قال محشي سنن ابن ماجه : وفي الزوائد رجال إسناد هذا الحديث كلهم مجهولون ، قاله الذهبي . . وقال أبو زرعة : لا أعرف أبا زيد ولا أبا المغيرة . أه . حديث : ' إن لهذا الخير خزائن ، ولتلك الخزائن مفاتيح ' الخ ، ص 38 رواه ابن ماجه ، وقال محشية ، وفي الزوائد إسناده ضعيف من أجل محمد بن أبي حميد ، فإنه متروك أه . وضعفه في الجامع ، وقال شارحه : حديث حسن لغيره .
____________________
(1/292)
حديث : ' يا علي لا تجهر بقراءتك ولا بدعائك ' الخ ص 258 ، وهل هذا الحديث صحيح أم ضعيف ؟ وفي أي الكتب هو ؟ والذي في صحيح البخاري والموطأ وسنن أبي داود ، فيه غنيه عن هذا إذا لم نجد له سنداً يعول عليه . حديث : ' اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ' ص 276 ، ليس من كلام الرسول قطعاً ، ورفعه إليه خطأ كبير ، لاتفاق الأئمة على أنه من كلام ابن مسعود رضي الله عنه ، وذكره كذلك في أسنى المطالب ، وفي التمييز عن سنن الدارمي ، وابن قدامة في ذم التأويل ، والجلال السيوطي . حديث : ' إن لله ملكا ينادي كل يوم : من خالف سنة رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) لم تنله شفاعته ' ، ص 295 ، ذكره في الإحياء ، وقال العراقي : لم أقف له على أصل ، وقال شارح الإحياء : أورده هكذا صاحب القوت ، ووجد بخط بعض المحدثين ما نصه : رواه الخطيب في أثناء حديث بسند فيه مجهول ، وقال الذهبي : هو خبر كذب أه باختصار . يقول محمد : ومثل هذا حديث : ' من ترك سنتي لم تنله شفاعتي ' فتشت عنه كثيراً في الكتب فلم أجد حتى ما يقاربه إلا في شرح شرعة الإسلام وليس من الكتب المعتمدة ، ولا بد من حذف هذا الحديث من كتبي إنشاء ربي . حديث : ' حب الدنيا رأس كل خطية ' الخ ص 992 ، ليس من كلام النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ، وذكره في الإحياء بغير سند ، وقال شارحه ، وقال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا ، والبيهقي في الشعب من طريق الحسن مرسلا ، قلت وقال البيهقي بعدما أورد هذا ما لفظه : ولا أصل له من حديث النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) إلا من مراسيل الحسن ، قال : ومراسيل الحسن عندهم شبه الريح كما في شرح الألفية ، ولذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات ، ورد عليه
____________________
(1/293)
الحافظ ابن حجر بأن ابن المديني أثنى على مراسيل الحسن ، وقال : إذا رواه عنه الثقات صحاح ، وعلى هذا فالإسناد إليه حسن أه . وكذا قال غير واحد من الأئمة . حديث : ' رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه ' ص 172 ، وهذا أيضا ليس من كلام النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ، وإنما ذكره في الإحياء من قول أنس بلفظ ' رب تال ' الخ ، ولم يتعقبه شارح الإحياء بل أقره هنا وفي موضع آخر من الكتاب . حديث : ' لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء ' ص 296 ، ذكره في الإحياء ، وقال الزين العراقي لم أقف له على أصل ووافقه شارح الإحياء . حديث : ' جوعوا تصحوا ' ص 293 ، لا هو من كلام النبوة ولا من كلام العلماء ، بل هو مما اشتهر على ألسنة العوام ، وإنما ورد بلفظ ' صوموا تصحوا ' ، وحسنه في الجامع وضعفه شارحه ، وضعفه أيضاً في أسنى المطالب وضعفه شارح الإحياء والعراقي ، وبعد كلام قال : ومن هنا اشتهر على ألسنة العامة ' جوعوا تصحوا ' ، ومعناه صحيح لكنه ليس بحديث أه . وقال الفتني في تذكرته عن الخلاصة ' صوموا تصحوا ' موضوع عند الصنعاني ، وفي المختصر هو ضعيف أه . قول الشيخ ، ص 294 : وابدءوا بالملح أول الطعام ، وكذا كلوا منه عند التمام ؛ فإن في ذلك عظيم الشفاء ، يشير به إلى حديث مكذوب وهو : ' يا علي عليك بالملح ، فإنه شفاء من سبعين داء : الجذام والبرص والجنون ' ، وقد ذكره ابن الجوزي في موضوعاته وقال : لا يصح ؛ والمتهم به عبد الله بن أحمد ابن عامر أو أبوه فإنهما يرويان نسخة عن أهل البيت كلها باطلة أه .
____________________
(1/294)
وقد تعقبه السيوطي بما لا يقومه أه . ووصايا على كلها موضوعة كما في سفر السعادة وغيره . قول الشيخ : ص 273 : نحمد الله الذي شرع العذبة ليتميز بها المسلم عن الكافرين ' يشير به بعد قلبه إلى حديث ركانة ، وهو : فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس ' ، وركانة هذا غير معروف ، وقال الترمذي : غريب وإسناده ليس بالقائم ولا نعرف ابن ركانة ، وكذا قال البخاري ، وقال السخاوي : هو واه فهو حديث لا يعمل به ولا في الفضائل . فهذه جملة أحاديث من ديوان الشيخ محمود السبكي ذكرناها تبياناً فقط لإخواننا ، وتنبيها لهم على غيرها مما في كتبه إذ هي مشحونة بالضعفاء والواهيات والموضوعات ، وقد جمعنا أكثرها في جزء ، نسأله تعالى الإعانة على إبرازه واعتقادنا في الشيخ عفا الله عنه أنه ذكرها في كتبه بحسن نية ، ولكني أطالب خليفته خاصة ، والجمعية عامة بحذف كل حديث مذكور في مؤلفاته بغير سند أو غير صحيح واستعاضتها بالصحيح والحسن وتبيان الضعيف ، فإن أتباعه الكثيرين لم يحفظوا ولم يتحدثوا بين الناس بغيرها وهذا ضرر كبير ، وعيب فاضح ، حيث إن أهل السنة ينشرون السنة ويحيونها بالواهيات والموضوعات ، ولترجع إلى ما كنا فيه . فصل في دعاء وأذكار العطاس قال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ' إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب ، فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان على كل من سمعه أن يقول : يرحمك الله ، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان ، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان ، رواه البخاري ،
____________________
(1/295)
وعنه أيضا عن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله ، وليقل له أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ، فإذا قال له يرحمك الله فليقل : يهديكم الله ويصلح بالكم ' رواه البخاري ، وفي لفظ لأبي داود ' الحمد لله على كل حال ' وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه سمعت رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يقول : ' إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه فإن لم يحمد فلا تشمتوه ' رواه مسلم أه من الوابل الصيب . وفي الجامع ' إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على ثلاثة فهو مزكوم ولا يشمت بعد ثلاث ' والرمز ( د ) عن أبي هريرة ( ح ) أما قولهم : أحأ ، أو حق ، أو إن الله حق ، الحمد لله فبدعة وجهالة . وقد ترك هذه السنة الجليلة كثير من الناس واستعاضوا عنها بسنة أفرنجية خسيسة ، وهي قولهم : سلوته - اجراستي ، وبعضهم يجهل كيف يجيب المشمت ، وبعض النساء المسلمات يقلن لأولادهن ' عطسك فطسك نط الحمار كسر قفص : ، فأنا لله على جهالة ذكراننا وإناثنا بسبب سكوت ونوم علمائنا ، فإنهم لو أدوا واجبهم الديني وتدبروا آية ! ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) ! لجعلوا كل بيوت المسلمين مدارس للقرءان والسنة . ثم أليس نشر هذا الخير أفضل من قولهم في خطبهم : كفوا كفوا فقد كفى ما كان ، كفوا كفوا فقد مضى زمن العصيان ، كفوا كفوا فحالنا لا يرض به إنسان ، اتقوا الله وسلوه إصلاحاً وتنظيما إلى آخر هذيانهم . وخبر : ' من سبق العطاس بالحمد أمن من الشوص واللوص والعلوص ' ذكره ابن الأثير في النهاية وهو ضعيف كما في التمييز وأسنى المطالب ، وقد نظمه بعضهم بقوله : ( من يبتدى عاطساً بالحمد يامن من ** شوص ولوص وعلوص كما ورد ) ( عنيت بالشوص داء الضرس ثم بما ** يليه داء البطن والرأس اتبع رشدا )
____________________
(1/296)
وحديث : ' إذا عطس العاطس فشمته ولو خلف سبعة أبحر ، ومن شمت عاطسا ذهب عنه ذات الجنب ، ووجع الضرس والأذنين ' ذكره في تحفة الذاكرين عن الطبراني ، وقال في إسناده محمد بن محصن العكاشي وهو متروك . فصل في أذكار وأدعية النوم في الصحيحين عن حذيفة قال : كان رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) إذا أراد أن ينام قال : ' باسمك اللهم أموت وأحيا ' وإذا استيقظ من منامه قال : ' الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ' ، وفي الصحيحين أيضاً عن عائشة أن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما يقرأ فيهما ! ( قل هو الله أحد ) ! و ! ( قل أعوذ برب الفلق ) ! ، و ! ( قل أعوذ برب الناس ) ! ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات ' وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه أتاه آت يحثو من الصدقة ، وكان قد جعله النبي _ [ صلى الله عليه وسلم ] ) عليها ليلة بعد ليلة ، فلما كان في الثالثة قال : لأرفعنك إلى رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ، وكان أحرص شيء على خير فقال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ! ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) ! حتى تختمها فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فقال النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' صدقك وهو كذوب ' وفي الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' من قرأ بآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه ' وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' إذا
____________________
(1/297)
قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه فلينفضه بصنفة إزاره ثلاث مرات فإنه لا يدري ما خلفه عليه بعده ، وإذا اضطجع فليقل : باسمك اللهم رب وضعت جنبي وبك أرفعه ، فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ' وفي الصحيحين عنه عن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' إذا استيقظ أحدكم فليقل الحمد الله الذي عافاني في جسدي ، ورد علي روحي ، وأذن لي بذكره ' وفي الصحيحين عن علي أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال له ولفاطمة رضي الله عنهما ' إذا أويتما إلى فراشكما أو إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا ثلاثا وثلاثين ، وسبحا ثلاثا وثلاثين ، وحمداً ثلاثا وثلاثين - وفي رواية - أربعا وثلاثين ، وهذا علمه النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) لهما لما سألته ابنته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة ، فعلمها ذلك وقال : ' إنه خير لكما من خادم فمن حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من عمل وغيره ' ، وفي سنن أبي داود عن حفصة رضي الله عنها أن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول : ' اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ' ثلاث مرات ، قال الترمذي : حديث حسن ، وفي صحيح مسلم عن أنس أن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان إذا أوى إلى فراشه قال : ' الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم من لا كافي له ولا مؤوى ' وفي الصحيحين عن ابن عازب قال : قال لي رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) ' إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل ' اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت مت على الفطرة واجعلهن آخر ما تقول ' أه من الوابل الصيب .
____________________
(1/298)
قلت : وتمامه : ' فرددتها على النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت ، قلت : ورسولك ، قال : لا ، ونبيك الذي أرسلت ' وفي هذا الحديث أعظم دليل على إبطال ورد كل زيادة على نص الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] سواء أكانت صغيرة أو كبيرة ، وفيه أيضاً رد على كل من يقول بجواز الاستحسان في الدين . ولذا قال الحافظ في الفتح : الحكمة في رده ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) على من قال : الرسول بدل النبي - أن ألفاظ الأذكار توقيفية ، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس ، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به السنة أه . ثم قراءة البسملة عند النوم إحدى وعشرين مرة لم نعلم لها أصلا قط ، وكذا قراءة الفاتحة للشيخ الملقن عند النوم ، كذلك من البدع . فصل في أذكار الانتباه من النوم روى البخاري عن عبادة بن الصامت عن النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله وسبحان الله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له ، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته ، وفي الترمذي عن أبي أمامة قال : سمعت رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يقول : ' من أوى إلى فراشه طاهراً وذكر الله تعالى حتى يدركه النعاس لم ينقلب ساعة من الليل يسأل الله تعالى فيها خيراً إلا عطاه إياه ' حديث حسن . وفي سنن أبي داود عن عائشة أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان إذا استيقظ من الليل قال ' لا إله إلا أنت سبحانك ، اللهم أستغفرك
____________________
(1/299)
لذنبي ، وأسألك رحمتك ، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، أه من الوابل . وفي الأذكار عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يقوم من جوف الليل فيقول : نامت العيون ، وغارت النجوم ، وأنت حي قيوم . فصل في أذكار من قلق في فراشه فلم ينم في كتاب ابن السني عن زيد بن ثابت قال : شكوت إلى رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) أرقا أصابني فقال : ' قل اللهم غارت النجوم ، وهدأت العيون وأنت حي قيوم لا تأخذك سنة ولا نوم ، يا حي يا قيوم اهد ليلي وأنم عيني ' فقلتها فأذهب الله عز وجل ما كنت أجد ، وفيه عن محمد بن يحيى بن حبان أن خالد بن الوليد أصابه أرق فشكا ذلك إلى النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) فأمره أن يتعوذ عند منامه بكلمات الله التامات من غضبه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ' حديث مرسل . وفي الترمذي بإسناد ضعيف عن بريدة رضي الله عنه قال : شكا خالد بن الوليد إلى النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) فقال : يا رسول الله ما أنام من الأرق ، فقال النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ' إذا أويت إلى فراشك فقل : اللهم رب السموات السبع وما أظلت ، ورب الأرضين وما أقلت ؛ ورب الشياطين وما أضلت ، كن لي جاراً من شر خلقك كلهم جميعاً أن يفرط على أحد منهم ، وأن يبغي علي ، عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك ولا إله إلا أنت ' أه من الأذكار ببعض اختصار .
____________________
(1/300)
فصل في أدعية وأذكار من رأى في منامه ما يحب أو يكره في الصحيحين عن أبي قتادة قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' الرؤيا من الله والحلم من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ ، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إنشاء الله ' . وفي صحيح مسلم عن جابر عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاث مرات وليستعذ بالله من الشيطان وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ' . أما لبس الخاتم النحاس الأصفر لدفع الكابوس فجهل كبير واعتقاد فاسد ، بل قد أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد لا بأس به ' أنه [ صلى الله عليه وسلم ] رأى رجلا بيده حلقه من صفر فقال : ما هذه ؟ قال : من الواهنة ، قال : انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا ، ولو مت وهي عليك ما أفلحت ' . فصل في أذكار النكاح قال ابن مسعود : علمنا رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) خطبة الحاجة ' الحمد لله نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وفي رواية زيادة ' أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصمها فلا يضر إلا نفسه ، ولا يضر الله شيئا ' ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، واتقوا
____________________
(1/301)
الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما ) رواه أهل السنن الأربعة وحسنه الترمذي . أه . وابل . أما قول حضرة المأذون بعض وضع يدي وليي العروسين كالمتصافحين قولوا جميعاً : أستغفر الله العظيم ثلاثا ، ثم تبنا إلى الله ورجعنا إلى الله الخ الخ ثم ثم قوله بعد ذلك لأحدهما : قل له : زوجني فلانة البنت البكر البالغ أو الثيب على هذا المهر المعلوم بيننا وقدره عشرون جنيها مصريا الخ الخ - إلى قوله - على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ، ثم يلقن الثاني فهو لا شك بدعة ، وأكثر المأذونين جهلاء بأحكام النكاح والطلاق وإنما اتخذوها بالنبوت حرفة للتعيش والارتزاق ، ولذا تجدهم يتطاحنون عليها . والذي ورد عن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] هو أنه قال للرجل الفقير لما زوجه المرأة بما معه من القرآن ' إذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن ' متفق عليه . وفي رواية يقال له انطلق فقد زوجتكها ، فعلمها القرآن ' وفي رواية للبخاري : ' أملكناكها بما معك من القرآن ' فاقتدوا برسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) واتركوا البدع ، واعتقاد كثير من الناس أن عقد الزواج في شهر المحرم حرام ، فمنكر من القول وزور وجهل وبدعة . فصل في أدعية التهنئة عن أبي هريرة أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا رفا الإنسان إذا
____________________
(1/302)
تزوج قال : ' بارك الله لك وبارك عليكما وجمع بينكما في خير ' قال الترمذي : حديث حس صحيح . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر من جبلتها ' الحديث رواه أبو داود أه وابل . وأما التهنئة بقولهم : عؤبال البكاري يا عريس فجهل بالمشروع وعدول عن الرفيع إلى الوضيع ، وألعن من هذا وأفظع قولهم عند دخول العريس على عروسه : إن كنت غشيم اضرب وسطاني ، أو إخص عليه عوأ ليه يكررونها ، فتف على قوم هذه ألفاظهم وصفاتهم وأفراحهم . فصل في الذكر عند الجماع في الصحيحين عن ابن عباس عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً ' . فصل في الذكر في أذن المولود وفي سنن أبي داود والترمذي عن أبي رافع قال : رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة ، قال الترمذي حديث حسن صحيح . وفي كتاب ابن السني عن الحسين بن علي أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان ' ورمز له في الجامع كذا ( ع ) عن الحسين رضي الله عنه ، اللهم وفق وعاظنا وخطباءنا لسرد هذه الأحاديث علينا
____________________
(1/303)
فوق منابرهم بدل قولهم : وارض عن الأربعة الخلفاء السادات الحنفاء المميزين بالرعاية والاصطفاء ذوي القدر العلي ، والفخر الجلي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي . فصل في الذكر عند صياح الديكة والنهيق والنباح في الصحيحين عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا ، وإذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا ' وعن جابر قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير بالليل فتعوذوا بالله فإنهن يرين ما لا ترونه ' رواه أبو داود . فصل في الذكر عند رؤية الحريق في الجامع برمز ( عد ) عن ابن عباس ( ح ) أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إذا رأيتم الحريق فكبروا فإنه يطفئ النار ' وفيه بلفظ ابن السني ورمز ( عد ) وابن عساكر عن ابن عمرو رضي الله عنه ، عنه [ صلى الله عليه وسلم ] ' إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن التكبير يطفئه ' . فصل في تحتم الذكر في المجالس والطريق وفي سنن أبي داود عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار ، وكان لهم حسرة ، حديث صحيح ، وفيه عنه [ صلى الله عليه وسلم ] ' من قعد مقعداً لم يذكر
____________________
(1/304)
الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة ، ومن اضطجع مضطجعاً لا يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة ' وفي رواية لابن السني ' وما سلك رجل طريقاً لم يذكر الله عز وجل فيه إلا كانت عليه ترة ' وفي الترمذي وحسنه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على نبيهم فيه إلا كان عليهم ترة ' فإن شاء عذبهم ؛ وإن شاء غفر لهم ' . فصل في الدعاء للجلساء في الترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قلما كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه ' اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، الله متعنا بأسماعنا وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ' ورمز له في الجامع ( ت ك ) ( ح ) . فصل الذكر الذي يكفر لغط المجلس قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند فراغه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه ، ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم الله بهن عليه كما يختم بالخاتم على الصحيفة . سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ' ورمز له في الجامع هكذا ( دحب )
____________________
(1/305)
عن أبي هريرة ( صح ) وفي الترمذي عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، إلا كفر الله له ما كان في مجلسه ذلك ' رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ، وفي الأذكار نقلا عن الحلية عن علي رضي الله عنه قال : من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل في آخر مجلسه أو حين يقوم : سبحانك ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين . فصل في أذكار الغضبان قال تعالى : ! ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) ! وقال سليمان بن صرد : كنت جالساً مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ورجلان يستبان أحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إن لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ' متفق عليه ، وفي الحديث ' الغضب من الشيطان ، والشيطان خلق من النار ، والماء يطفئ النار ، فإذا غضب أحدكم فليغتسل ' ذكره في الجامع عن ابن عساكر وضعفه ، وقال في الوابل : رواه أبو داود . فصل في الذكر عن رؤية أهل البلاء قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من رأى مبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ، لم يصبه ذلك البلاء ' . حسنه الترمذي
____________________
(1/306)
فصل في الذكر عند دخول السوق في الجامع أنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا دخل السوق قال : ' بسم الله اللهم إني أسألك من خير هذا السوق وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ، اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرة ' أو صفقة خاسرة ' ورمز هكذا ( طب ك ) عن بريدة ( صح ) وضعفه شارحه . فصل في الذكر إذا عثرت الدابة روى أبو داود عن أبي المليح عن رجل قال : ' كنت رديف النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فعثرت دابته فقلت : تعس الشيطان ، فقال . لا تقل . تعس الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ، ولكن قل : بسم الله فإنك إذا قلت ذاك تصاغر حتى يكون مثل الذباب ، أه أذكار . فصل في الذكر عند رؤية باكورة الثمر قال أبو هريرة رضي الله عنه . كان الناس إذا رأوا التمر جاءوا به إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : ' اللهم بارك لنا في تمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا ، ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان رواه مسلم .
____________________
(1/307)
فصل في الذكر عندما يخاف عليه من العين قال تعالى : ! ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) ! وفي الجامع عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا ' ورمز هكذا ( حم م ) عن ابن عباس ( صح ) وفي كتاب ابن السني عن سعيد بن الحكم قال . كان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إذا خاف أن يصيب شيئا بعينه قال : ' اللهم بارك فيه ولا تضره ' . فصل في الذكر عند النظر إلى السماء روى البخاري عن ابن عباس قال : بت عند خالتي ميمونة فتحدث رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) مع أهله ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال : ! ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) ! قال النووي : إلى آخر السورة ثبت في الصحيحين أن رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان يفعله . فصل في الذكر إذا رأى ما يحب أو يكره في الجامع أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان إذا رأى ما يحب قال : ' الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وإذا رأى ما يكره قال : الحمد لله على كل حال ؛ رب أعوذ بك من حال أهل النار ' . ورمز هكذا ( هـ) عن عائشة وذكره في الأذكار عن ابن ماجه وابن السني بدون الجملة الأخيرة . وقال بإسناد جيد وحكى عن الحاكم أنه قال هذا حديث صحيح الإسناد .
____________________
(1/308)
فصل في الذكر عند لبس الثوب في كتاب ابن السني : أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا لبس ثوباً : قميصاً أو رداء أو عمامة ، يقول : اللهم إني أسألك من خيره وخير ما هو له ، وأعوذ بك من شره وشر ما هو له ' . فصل في الذكر عند لبس الثوب الجديد في الجامع أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان إذا استجد ثوباً سماه باسمه قميصاً أو عمامة أو رداء ثم يقول : ' اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك من خيره وخير ما صنع له ، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له ' ، ورمز له هكذا ( حم د ت ك ) عن أبي سعيد ( صح ) وفي الأذكار نقلا عن الترمذي عن عمر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يقول : ' من لبس ثوباً جديداً فقال : الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به : كان في حفظ الله وفي كنف الله عز وجل ، وفي سبيل الله حياً وميتاً ' . وقال في كتاب ابن السني عن معاذ ابن أنس أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' من لبس ثوباً جديداً فقال : الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه ' ورواه الدارمي أيضاً في مسنده . فصل في الذكر الذي يقال للابس الثوب الجديد في البخاري عن أم خالد قالت : أتى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بثياب فيها
____________________
(1/309)
خميصة سواء صغيرة فقال : من ترون أن نكسوا هذه ؟ فسكت القوم ، فقال : ائتوني بأم خالد فأتى بها تحمل ، فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال : أبلى وأخلقى ، وكان فيها علم أخضر أو أصفر فقال : يا أم خالد هذا سناه ' ، وسناه بالحبشية : حسن . وأخرج أبو داود بسند صحيح عن أبي نضرة قال : ' كان أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له : تبلى ويخلف الله ' . فصل في الذكر الذي يقوله من خلع ثوبه لغسل أو نوم في الجامع عنه [ صلى الله عليه وسلم ] أنه قال : ' ستر ما بين أعين الجني ، وعورات بني آدم إذا وضع أحدهم ثوبه أن يقول : بسم الله ' ، والرمز هكذا ( طس ) عن أنس ( ح ) قلت : وكذا ذكره ابن السني . فصل في أذكار الخارج من بيته في الجامع الصغير أنه [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا خرج من بيته قال : ' بسم الله رب أعوذ بك من أن أزل ، أو أضل ، أو أظلم ، أو أظلم ، أو أجهل أو يجهل علي ' . والرمز هكذا ( حم ت هـك ) عن أم سلمة زاد ابن عساكر : ' أو أبغي أو يبغي علي ' ( صح ) وفيه أيضاً أنه [ صلى الله عليه وسلم ] : كان إذا خرج من بيته قال : ' بسم الله ، التكلان على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ' ( هـك ) وابن السني عن أبي هريرة ( صح ) ، وروى أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أنس قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من قال إذا خرج من بيته :
____________________
(1/310)
بسم الله ، توكلت على الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له : كفيت ووفيت وهديت ، وتنحى عنه الشيطان ' وحسنه الترمذي كما في الأذكار . فصل في أذكار الداخل بيته في الأذكار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت ، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء ' ، رواه مسلم . وفيه أيضاً عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إذا ولج الرجل بيته فليقل : إني أسألك خير المولج وخير المخرج ؛ باسم الله ولجنا . وباسم الله خرجنا ، وعلى الله ربنا توكلنا ' ، رواه أبو داود ولم يضعفه . فصل في الذكر إذا نزل منزلا في الجامع أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إذا دخلتم بيتاً فسلموا على أهله ، فإذا خرجتم فأودعوا أهله بسلام ' ، والرمز ( هب ) عن قتادة مرسلا ، وفي مسند الدارمي عن خولة بنت حكيم قالت : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' لو أن أحدكم إذا نزل منزلا قال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم يضره في ذلك المنزل شيء حتى يرتحل منه ' .
____________________
(1/311)
فصل في الاستغفار وفضائله في الجامع الصغير أنه [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ما من الذكر أفضل من لا إله إلا الله ، ولا من دعاء أفضل من الاستغفار ' والرمز ( طب ) عن ابن عمر ( ح ) وفيه عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إن للقلوب صدءاً كصدأ الحديد ، وجلاؤها الاستغفار ' ، وقال الحكيم ( عد ) عن أنس رضي الله عنه : وقال في الترغيب : رواه البيهقي ، وفيه عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب ' ، وقال : رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي ، كلهم من رواية الحكم بن مصعب ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد . فصل في التوبة وفضلها روى ابن ماجه في سننه عن أنس أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ' ، وفيه عن أبي هريرة عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أنه قال : ' لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب عليكم ' ، قال محشيه : هذا إسناد حسن ، ويعقوب بن حميد يعني أحد رجاله مختلف فيه ، وباقي رجال الإسناد ثقات . وفي الجامع أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم إذا سقط عليه بعيره قد أضله بأرض فلاة ' ، والرمز ( ق ) عن أنس ، وفيه أيضاً عنه [ صلى الله عليه وسلم ] : ' لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد ، ومن الضال الواجد ، ومن الظمآن الوارد وقال ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة رضي الله عنه . وروى ابن ماجه في سننه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' أسرف
____________________
(1/312)
رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال : إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في الريح في البحر ، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحد ، قال : ففعلوا به ذلك فقال للأرض : ( أد ما أخذت ) فإذا هو قائم فقال : ( ما حملك على ما صنعت ؟ ) قال : خشيتك أو مخافتك يا رب فغفر له لذلك ؟ فصل في صفة الاستغفار في صحيح مسلم رحمه الله عن الوليد قال : قلت للأوزاعي : كيف الاستغفار قال تقول : أستغفر الله ، استغفر الله ، وروى الحاكم وقال رواته مدنيون لا يعرف واحد منهم بجرح أن رجلا جاء إلى رسول الله ( [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : واذنوباه واذنوباه مرتين أو ثلاثا ، فقال له النبي ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) : ' قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ، ورحمتك أرجى من عملي ، فقالها ثم قال : عد فعاد ، ثم قال : عد فعاد ، ثم قال قم فقد غفر الله لك ' وذكره في الترغيب أيضاً . وفي مسلم أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) كان إذا كبر في الصلاة قال : ' اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطايا بالثلج والماء البارد ' وفي الصحيحين أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) علم الصديق أن يقول في صلاته ' اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ، وتقدم في ( ص 252 ) ' سيد الاستغفار اللهم أنت ربي ' الحديث .
____________________
(1/313)
فصل في مواطن الاستغفار والتوبة ( 1 ) في الجامع أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' توبوا إلى الله فإني أتوب إليه كل يوم مائة مرة ' والرمز ( خد ) عن ابن عمر رحمه الله ( 2 ) عند الوقوع في الذنب لحديث أبي داود والترمذي وغيرهما أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له ' الحديث ( 3 ) وعند الانصراف من المجلس يقول : ' سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله أنت أستغفرك وأتوب إليك ' وتقدم ( 4 ) وقت السحر لحديث مسلم أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، ومن يسألني فأعطيه ؟ ومن يستغفرني فأغفر له ؟ ' فيتأكد الاستغفار هنا ( 5 ) عند النوم لحديث ' من قال حين يأوي إلى فراشه أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ، ثلاث مرات غفرت ذنوبه وإن كانت كزبد البحر ، أو عدد ورق الشجر ، أو عدد رمل عالج ، أو عدد أيام الدنيا ' رواه الترمذي وقال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ( 6 ) عند الخروج من الخلاء يقول ' غفرانك ' ( 7 ) في أول الوضوء أو في أثنائه يقول : ' اللهم اغفر لي ذنبي ، ووسع لي في داري ' الخ ( 8 ) بعد الفراغ منه يقول : ' اللهم اجعلني من التوابين ' الخ ( 9 ) عند الغروب يقول ' اللهم هذا إقبال ليلك ، وإدبار نهارك ، وأصوات دعاتك فاغفر لي ' رواه أبو داود والترمذي ( 10 ) عند دخول المسجد يصلي على النبي ويقول : ' اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك ' ( 11 ) عند الخروج منه يصلي على النبي ويقول . ' اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك ' ( 12 ) بعد تكبيرة الإحرام وتقدم ( 13 ) كان ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) يقول
____________________
(1/314)
في ركوعه وسجوده ' سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ' يتأول القرآن ( 14 ) يقول بعد الرفع من الركوع مثل ما يقول بعد تكبيرة الإحرام ( 15 ) كان [ صلى الله عليه وسلم ] يقول في سجوده ' اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره ، وعلانيته وسره ' وكان يقول : ' اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، أنت إلهي لا إله إلا أنت ' بأبي وأمي ونفسي وعيالي [ صلى الله عليه وسلم ] ( 16 ) كان [ صلى الله عليه وسلم ] يقول إذا رفع رأسه من السجدة الأولى ' اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني ' وتارة كان [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' رب اغفر لي ، رب اغفر لي ' ( 17 ) بعد التشهد دعاء الصديق رضي الله عنه وتقدم قريباً ( 18 ) يستغفر بعد التسليم وتقدم أيضاً ( 19 ) الاستغفار في صلاة الجنازة ' اللهم اغفر له وارحمه ' الخ ( 20 ) الاستغفار للميت بعد دفنه لحديث ' استغفروا لأخيكم ، وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ' ( 21 ) عند اللقاء والمصافحة لحديث ' إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله ، واستغفرا غفر لهما ' والرمز في الجامع ( د ) عن البراء ( ح ) ( 22 ) عند لقاء الحاج لحديث ' إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه ، ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته فإنه مغفور له ' والرمز ( حم ) عن ابن عمر ( ح ) ( 23 ) عند الكسوف لحديث البخاري ' فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره ' ( 24 ) في خاتمة خطب الجمعة والأعياد فإن السلف كان يقول قائلهم : أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ( 25 ) عند الهموم والمضايق للحديث المتقدم ' من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ' الخ ( 26 ) عند الاستسقاء وطلب الرزق والمال والبنين لقوله تعالى : ( استغفروا ربكم إنه كان
____________________
(1/315)
غفاراً ، يرسل السماء عليكم مدراراً ، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) فيا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار . فيا علماء المسلمين أتلقين هذا المشروع على لسان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] خير أم تلقينكم إياهم : تبنا إلى الله ، ورجعنا إلى الله ، وندمنا على ما فعلنا . إلى آخر ما تقولون وتهرفون ؟ ؟ فاتقوا الله وعلموهم أن يفهموا هذا فهو العلم وسواه جهالة وضلالة . فصل في أذكار تجلب الرزق وتدفع الشدة والضيق إن من أعظم الأسباب المفتحة لأبواب الأرزاق تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله ، قال تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ) أي ومن يتق الله فيما أمر به وترك ما نهى عنه يجعل له من كل ضيق فرجا ، ومن كل هم مخرجا يخرج منه ، ويرزقه من جهة لا تخطر بباله ، وفي الحديث أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب ' رواه أحمد والحاكم وصححه كما في الجامع . وقد قال تعالى حاكياً عن نوح [ صلى الله عليه وسلم ] : ( استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ، يرسل السماء عليكم مدراراً ، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ) . ومن غريب ما ورد في تفسير تلك الآية أن رجلا من أصحاب النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كان له ابن أسره المشركون ، وكان أبوه يأتي الرسول فيشكو إليه ، فكان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يأمره بالصبر ، فلم يلبث إلا يسيراً أن انفلت ابنه من أيدي العدو فمر بغنم من أغنام العدو فاستاقها إلى أبيه وجاء
____________________
(1/316)
معه بغنم قد أصابها من المغنم فنزلت ! ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ! أه باختصار من تفسير ابن كثير والبغوي وابن جرير . وقال تعالى حاكياً عن هود عليه السلام : ! ( ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ) ! وقال تعالى : ! ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) ! أي يسهل له أمره وييسره عليه ويجعل له فرجاً قريباً ومخرجاً عاجلاً . وقال تعالى : ! ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) ! وقال تعالى : ! ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ) ! وقال تعالى : ! ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) ! وقد سلب الله سبحانه ملك العاصين وأخبر عنهم بقوله ! ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين ) ! وقال تعالى : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتو أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) أي آيسون محزونون . ومن أسباب زيادة النعم على العبد : شكر الله سبحانه وتعالى فإنه أقسم بعزته وجلاله أنكم إن شكرتموه يزدكم قال تعالى ! ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ! وقد أخبر سبحانه أن أهل الأعمال الصالحة من المؤمنين يحييهم الله في الدنيا حياة طيبة ثم يجزيهم في الآخرة أجرهم على صالح أعمالهم ، فقال : ! ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ! . وأن من أسباب ضيق العيش وضنك الرزق الإعراض عن كتاب الله
____________________
(1/317)
عما جاء به رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال تعالى ! ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) ! وقال تعالى : ! ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) ! . وروى ابن ماجه بسند حسن أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ' وقال علي رضي الله عنه : ما نزل بلاء إلا بذنب ، وما رفع إلا بتوبة . فصل في أذكار يعتق الله بها قائلها من النار روى البخاري ومسلم واللفظ له عن أبي أيوب الأنصاري أنه سمع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ' . وروى البخاري ومسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في كل يوم مائة مرة كانت له عدد عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه ' هذا لفظ البخاري وزاد مسلم ' ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ' قال الإمام النووي شارحه : قد ثبت أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار ، فقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير جميع الخطايا مع ما يبقى له من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة أه .
____________________
(1/318)
قلت : ومع ما فيه من زيادة كتب الحسنات ومحو السيئات . أما العتاقة التي يعملونها للأموات ويجمعون لها القراء بجنيه واحد أو أكثر على سورة الإخلاص مائة ألف مرة فحديثها مكذوب قطعاً . فما هي إلا بدعة في الإسلام مردود ، ومن أراد العتق فعليه بهدى محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . فصل في أذكار من تعبد بها حرمه الله على النار في الجامع الصغير أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار ' ورمز له هكذا ( حم م ت ) عن عبادة ( صح ) يقول محمد : وتحقيق ذلك أن يمتثل العبد أوامر ربه ويجتنب نواهيه التي بينها في كتابه ويحب ويتبع الرسول الأعظم أشد من حبه لنفسه وماله ووالده وولده والناس أجمعين ، هذا وإلا فهو كذاب لم يشهد إلا بلسانه ، والكتاب والسنة أكبر شاهد على كذبه . وفي الحديث ' من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة . قيل : وما إخلاصها ؟ قال : أن تحجزه عما حرم الله ' . وفي الجامع أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إذا صليت الصبح فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس : اللهم أجرني من النار سبع مرات ، فإنك إن مت من يومك ذلك كتب الله لك جواراً من النار ، وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس : اللهم أجرني من النار سبع مرات ، فإنك إن مت من ليلتك كتب الله لك جواراً من النار ' والرمز هكذا ( حم د ن حب ) عن الحارث التيمي ( صح ) وفي الترغيب عنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال : ' من قال لا إله إلا الله والله أكبر أعتق الله ربعه من النار ' ولا يقولها اثنتين إلا أعتق الله شطره من النار ، وإن قالها أربعاً أعتقه الله من النار ' رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وفي الجامع أنه ( [ صلى الله عليه وسلم ] ) قال ' من أذن سبع سنين محتسباً كتب الله له براءة من النار ' والرمز ( ت هـ) عن ابن عباس ( ح ) .
____________________
(1/319)
فيا عباد الله هاهنا الجهاد يكون ، وفي هذا فليسارع المسارعون ، وليتنافس المتنافسون وليسهر الساهرون ، وليذكر الذاكرون ، وليتعبد المتعبدون ، وبه لله فليتذلل المتذللون ، وليخضع الخاضعون ، وليخشع الخاشعون ، ولتقشعر به جلود المؤمنين وليبك الباكون وليسجل المسجلون وليحمدل المحمدلون ، وليهل المهللون ، وليكبر المكبرون ، وليحوقل المحوقلون ، وليقدس المقدسون ، وليستغفر سحراً وليلا ونهاراً المستغفرون ، وليرغب الراغبون ، وليرهب الراهبون ، هذه هي الأحزاب وهي الأوراد . وهي التوسلات والاستغاثات وهي المناجاة لله رب العالمين . وهي طاعة الله وطاعة رسوله الأمين . فليتبع المتبعون . وليقتد المقتدون ! ( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) ! ، ! ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) ! وليذهل عن هذا الخير الذاهلون ، وليغفل الغافلون وليبتدع المبتدعون ( ومن يعص الله ورسوله فإن له جهنم خالدين فيها أبداً ) وفي الصحيح ' ومن خالف سنتي فليس مني ' ' ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ' . فصل في فوائد الذكر ومزاياه الفائدة الأولى : أن الله يذكر من ذكره كما قال ( فاذكروني أذكركم ) ( فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ) ولو لم يكن في فضل الذكر إلا هذه وحدها لكفى به فضلا وشرفا . الثانية : أن الذكر كما قال تعالى ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) فلا تهمه زعازع الدنيا ولا آفاتها بل ( وهم من فزع يومئذ آمنون ) ! ( ) ! ( لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) ذلك لأن قلوبهم سكنت بذكره وآمنت بآياته وسننه ، وعرفت نعمه فقدرتها وشكرتها . فقلوبهم عن ربهم راضية
____________________
(1/320)
لم يتخذوا من دونه ولياً ولا نصيرا ، فهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهم الذين قالوا : ( ربنا الله ثم استقاموا ، تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ، نزلا من غفور رحيم ) ، وهم الذي وقفوا حياتهم لدعوة الهاربين من ربهم أن يتوبوا إليه ؛ ويفيئوا إلى رحمته . ويأووا إلى جنات عبادته وطاعته . اللهم اجعلنا منهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين . الثالثة : أنه يزيل الهم والغم والحزن عن القلوب ؛ ويذهب العجز والكسل والدين والكروب ، قال أبو أمامة للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] : ' هموم لزمتني وديون يا رسول الله فعلمه الدعاء المشهور ؛ قال : فقلتهن فأذهب الله عني همي وقضى عني ديني ' . الباب السابع والعشرون في بدع وخرافات عامة بدعة الزار وما حوته من المهازل والفسق والفجور لقد حوت هذه البدعة المنكرة الممقوتة المشئومة ، بدعة الزار ، كل القبائح والرذائل ، كما سلبت من مرتكبيها الأوغاد السفلة كل فضيلة . لقد حوت كل المهازل . وكل المخازي والفضائح ، وكل العيوب والفسوق والفجور ، وكل حطة وعار ونقيصة ، وانسلخ أهلها من كل أدب وخلق طاهر وشرف وكرامة كما تبرأت من أباطيلهم جميع الأديان الشرائع . وكل العقول الصحيحة السليمة
____________________
(1/321)
فمن من العقلاء يقول : إن في التبذير والإسراف شفاء من مرض الصرع ؟ ومن يقول : بأن لباس الذهب والفضة والحرير والتهتك والخلاعة والرقص وترامي المرأة عارية في أحضان الشبان - مشايخ الدأة - على الطبلة والزمارة فيه شفاء من خبل الصرع ، ومن هذا الذي يستطيع أن يقول : إن ذبح الخراريف وأنواع الدجاج الرومي وأصناف الطيور تخرج العفاريت من أجسام النساء ؟ فيا لخراب العقول . ويا لخراب البيوت ، ويا للمصيبة ، ويا للرزية الكبرى . ويا للطامة العظمى ، مما سيصيب ، بل قد أصاب عقل وحياة ومستقبل النشء الجديد . قال الله تعالى : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة : ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما . إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم . إنا جعلنا الشياطين أولياء الذين لا يؤمنون ) . يا أهل الزار : يا أغبى الأغبياء ، الله ربكم يقول وقوله الحق : ! ( هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) ! فمتى تعني الحكومات الإسلامية بإبطال هذه المنكرات الهدامة ؟ ومتى يعني علماء الأزهر بمقاومة هذه البدع والخرافات ؟ وقد قيل : ( ثلاثة تشقى بها الدار ** العرس والمأتم والزار ) وهذا فصل نذكر فيه علاج المرضى بالصرع أولا : ذكر الله تعالى ، فلا شيء أقوى من طرد الشيطان على ذكر الله تعالى بالقلب والتدبر ومراقبته في السر والجهر ، وأفضله وأعلاه تلاوة القرآن .
____________________
(1/322)
ثانياً : قراءة آية الكرسي عند النوم ، لخبر البخاري : ' إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان ' ، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ' إن [ صلى الله عليه وسلم ] كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما يقرأ فيهما ( قل هو الله أحد - وقل أعوذ برب الفلق - وقل أعوذ برب الناس ) ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات ' وفي الصحيحين مرفوعاً : ' من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ' أي من شر ما يؤذيه ، وأيضا : ' اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت ، فإن مت مت على الفطرة واجعلهن آخر ما تقول ' . وفاتحة الكتاب رقية عظيمة قرأها أبو سعيد على اللديغ ونفث عليه فقام كأنه لم يكن به ضر قط . وفي الحديث : ' فاتحة الكتاب شفاء من السم ' ، وورد : ' فاتحة الكتاب شفاء من كل داء ' ، وورد : ' فاتحة الكتاب وآية الكرسي لا يقرأهما عبد من دار فيصيبهم ذلك اليوم عين إنس أو جن ' ، خرج هذه الأحاديث الثلاثة السيوطي في الجامع بسند لين . ثالثاً : يجب على المصابين بمرض الصرع أن يتباعدوا عن كل ما يتسبب عنه حدوث النكد والحزن ، ويجدد الهم والكدر ، إذ أن الفرح والسرور وانتشاق النسيم والهواء العليل ، والتنزه في البساتين والرياض والمزارع يخفف كثيراً من حدة هذا المرض ، ويساعد على البدء منه البعد عن الانفعالات النفسية ، ومراعاة جودة الغذاء ، والأطعمة المفيدة .
____________________
(1/323)
رابعاً : قال الله تعالى : ! ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) ! . فعلى كل إنسان أن يكافح عفريت الزار بجميع الأدوية الإلهية والطبية . بل وبجميع الوسائل الممكنة من غير تفريط ولا إهمال . وقال تعالى أيضاً : ! ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم ) ! ، فإياكم ثم إياكم وطاعة الشيطان . إذ أن ما يأمركم به من النفقات الباهظة الفاحشة لا تطيقونها - على عفاريت الزار وعلى مشايخ وشيخات الدأة . مر أنواع وأصناف الملابس . وأنواع الخرفان والدجاج . وإيقاد الشموع وضرب الدفوف . فإن هذا هو الفقر الحاضر الذي دعاكم إليه الشيطان وحذركم منه الرحمن . خامساً : يجب عرض المريض على أطباء الأمراض العصبية . فإن كثيراً من الأطباء قد تخصصوا في علاج هذا المرض . ولهم فيه طرق شتى كلها ناجحة مفيدة . سادساً : إذا لم يستفد المريض أو المريضة من هذا العلاج المذكور . فعلى الولي أن يضربها عشرين أو ثلاثين خيزرانة كلما حضر عفريتها . وهذا دواء مفيد نافع مجرب فلا تهمله أبدا . فهو آخر الطب للصرع . فقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقرأ على المصروع في أذنه : ! ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) ! . فإن لم يخرج الشيطان أخذ العصا وضرب المصروع بها في عروق عنقه حتى يظن الحاضرون أنه لا شك ميت . وفي أثناء الضرب قال الشيطان : أنا أحبه وأريد أن أحج به . فقال له : هو لا يحبك ولا يريد أن يحج معك . فقال الشيطان : أنا أدعه كرامة لك . فقال له : ولكن طاعة لله ولرسوله . فخرج فقعد المصروع يلتفت يميناً وشمالا ويقول من جاء بي إلى الشيخ ؟ فقالوا له : وهذا الضرب كله . فقال وعلى أي شيء يضربني الشيخ ولم أذنب . ولم يشعر بأنه وقع به ضرب ألبتة أه .
____________________
(1/324)
فصل في بيان جهالات فاحشة ، وخرافات فاشية علاج احمرار العين من الخزي أنهم يعالجون العين المرمودة بخرزة حمراء يعلقونها عليها لتلتقط احمرارها ، ومنهم من يعلق قطعة لحم صغيرة بخيط فوق العين ، ومن هؤلاء الحمر الأغبياء من يسخن الروث ( فشلة حمارة ) فيضعها على عينه المرمودة ، أو يضعون بصلة بشيح ، وكله شر وضرر على العين بل وضياع لها بالكلية . علاج رمد العين أيضاً نقلا عن شيخهم وإمامهم وقدوتهم إلى الجهل والبله والغباء والجنون ، صاحب كتاب الرحمة بل اللعنة ، في الطب والحكمة قال : يؤخذ دم الحائض التي لم يمسها رجل ويخلط مع المنى ويكتحل به فإنه يقطع البياض من العين أه . والحق أنه يقطع النور من العين . للرمد أيضا وقال أيضا : يكتب للرمد : قل هو الله أحد ، إن في العين رمد ، احمرار في البياض حسبي الله الصمد ، يا إلهي باعترافي في اعتزالك عن ولد ، عاف عيني يا إلهي ! اكفني شر الرمد ، ليس لله شريك لا ولا كفواً أحد . وقال أيضاً : فائدة : من حفظ هذين البيتين لم يرمد أبداً : ( يا ناظري بيعقوب أعذيكما ** بما استعاذ به إذ مسه الكمد ) ( قميص يوسف إذ جاء البشير به ** بحق يعقوب اذهب أيها الرمد )
____________________
(1/325)
وقال الشيخ وأقبح بما قال : أعيذها العين برب عبس وقل هو الله أحد ، حجب بها حامل كتابي هذا ، عابس ، وشهاب قابس ، وليل دامس ، وبحر طامس ، وحجر يابس ، وماء فارس ، ونفس نافس ، من عين المعيان وحسده جاعت فجعجعت ، طارت فاستطارت ، وفي علم الله صارت . الخ . عزيمة للعمى قال الشيخ في كتاب - اللعنة - الرحمة : عزمت عليك أيتها العين بحق شراهيا براهيا ، ادنواي ، أصباؤت آل شداي ، عزمت عليك أيتها العين التي في فلان ، بحق شهت بهت أشهت باقسطاع الحا . . . أخرجي نظرة السوء ، كما خرج يوسف من المضيق ، وجعل لموسى في البحر طريق . الخ . أضاليل الشيخ وأباطيله . أقول : كيف يحكم الإنسان على هؤلاء الشيوخ ؟ أنحكم عليهم بأنهم يهود لأنهم ألفوا كلام اليهود وعلوم اليهود ، أو نحكم عليهم بالنصرانية ، لأن معظم ما ينقلونه هو للكفر أقرب منه للإيمان ، أو هم أهل بدعة وجهالة بالدين وبله وغباوة ، وقلوب عمياء ، ذلك لأنهم هم السبب الأول الأكبر في جهالة هذه الأمة وشقائها ، وضياعها وذلها واستعبادها ، وسقوطها في أيدي الكلاب الجشعين المستعمرين ، الذين كانوا أحط وأغبى وأجهل وأضل أهل الأرض ، حتى أنقذهم الإسلام بعلومه من الوحشية إلى الإنسانية ، إلا أن المسلمين نكبوا في علمائهم ، فبدلوا وغيروا ، فجعلوا الحق باطلا ، والباطل حقا ، فضاعوا وأضاعوا ، وهلكوا وأهلكوا . للحمى وقال أيضا : يكتب للحمى في ثلاثة أطراف من عظم قديم : خيصور جهنم ميصور لظى ، يصور الحطمة ، ويبخر كل مرة بواحدة يبرأ . أه أقول : لا يكتب
____________________
(1/326)
هذا ويعمل به إلا من سفه نفسه ، وضل عقله وعاش أحمق جاهلا مغفلا . للحمى تكتب على ثلاث لوزات . حست ، مست ، انفضت ، ويبخر المحموم كل يوم بواحدة . مجربة وهذا كلام فارغ وأقذر من لعاب الكلاب . للحمى تكتب على ثلاث نوايات كوفا كوفا كوفا . لوفا لوفا لوفا أجاجا أجاجا أجاجا ، يا أم ملدم لا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم . يبرأ . وكذب الشيخ . بل يزاد مرضه وغمه وحزنه . ولهذا التضليل صار المحموم يقبل فرج الحمارة السوداء ليبرأ أو يلقى عليه ثعبان على غرة . فليبصق كل عاقل على هذه الكتب . خاتم للحمى من كتب هذا الخاتم وجعله تحت رأس المحموم يبرأ وهذا هو : يقول محمد عبد السلام : من عمل بشيء من هذا معتقدا أن فيه شفاءه أهلكه الله . ذلك لأن اعتقد أن شفاءه في الكذب على الله . وترك المفروض عليه من الدعاء والدواء .
____________________
(1/327)
لوجع الرأس تكتب هذه الأحرف أ ح . أ ك ك . ع ج . أ م أ هـ. من كتبها لا يبرأ بإذن الله . تقوية جماع قال الشيخ : تكتب في ورقة بقلم نحاس وتجعله تحت لسانك أي وقت الجماع وهذا ما تكتب 19169111911156918693111181145 م من عمل بها فهو أغفل مغفل على وجه الأرض . ومن لم يحرق هذا الكتاب وأمثاله فسيحرق هو بنار الجهل وما يجره عليه من فقر وأمراض وتخبط في البلاء والهموم والأحزان . وبعد هذا عذاب الآخرة النار يصلونها ولبئس المهاد . وقال الشيخ : إذا جامع الكلب وانعقد ذكره ، فبادر إلى قطع ذنبه من أصله . ثم ادفنه في الأرض أربعين يوماً . ثم أخرجه تجده عظاماً كالعقد فمن ربطه بخيط وجعله على حقوه وجامع امرأته فإنه لا ينزل ولو أقام من المغرب إلى الصباح أه . فلهذا أصبحنا أجهل الأمم ، وأضل وأحقر وأقل وأرذل أهل الأرض وأصبحنا منحطين في ديننا ودنيانا وأخلاقنا . كل العالم يتقدم ونتأخر . كل الناس يرتفع ونهبط : لكل الناس صناعات نافعة رافعة . ولا صناعة لنا . فلهذه الكتب المنقوصة . وبما فيها من السطور التعيسة المنحوسة . أصبحنا غارقين في بحار الجهالة والبلة والغباء الفاضح المخزي . وإليك شيئا من هذه المثالب والمعايب التي لا توجد إلا فينا .
____________________
(1/328)
علاج شلل الفك يعالج هؤلاء الأشقياء التعساء ، شلل الفك - ضبة الحنك - بضربه بالنعال كل صباح ، ويشترطون لشفائه أن لا يضربه ، بالجزمة أو البلغة القديمة ، إلا رجل يكون عمه خاله ، فيضربه وهو يقول : سبحان ربي الباري إللي عمل عمي خالي ، وهذا عين الجهل الفاحش القتال ، وهو عين الهلاك ، وإنما يجب العرض في أقرب وقت على الأطباء أو المستشفيات فقد أعدوا لذلك العلاج النافع المفيد السريع . حرز أبي دجانة عن أبي موسى الأنصاري : شكى أبو دجانة إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : ' بينا أنا نائم إذ فتحت عيني فإذا عند رأسي شيطان فجعل يعلو ويطول فضربته بيدي فإذا جلده كجلد القنفذ ، فقال [ صلى الله عليه وسلم ] : يا علي اكتب لأبي دجانة كتاباً لا يؤذيه شيء من بعده قال : اكتب بعد البسملة : هذا كتاب من محمد النبي العربي الأمي التهامي الأبطحي المكي القرشي المدني الهاشمي صاحب التاج والهراوة والقضيب والناقة . . . إلى من طرق الدار من الزوار والعمار . . . إلى فهذا كتاب الله ينطق علينا وعليكم بالحق . إلى يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس إلى ثم طوى الكتاب ، وقال : ضعه عند رأسك فوضعه فإذا هم ينادون النار النار أحرقتنا بالنار . حتى قال له : ارفع عنهم فإن عادوا فعد ، فوالذي نفسي بيده ما دخلت هذه الأسماء داراً إلا هرب منه إبليس وجنوده وذريته والغاوون ، وقال الفتني الهندي : موضوع وإسناده مقطوع ، وأكثر رجاله مجهولون ، وليس في الصحابة من يسمى بموسى أصلا . تحويطة آخر جمعة من رمضان وهي لا ألاء إلا آلاؤك كعسهلون باطلة لا أصل لها وتقدم الكلام عليها
____________________
(1/329)
تحويطة للعروسين ليلة الزفاف من هؤلاء الأبقار الأغفال من يذهب إلى سحار غبي مثله ليكتب له تحويطة ، تمنع عنه السحر والحسد والنكد فيكتب له ورقة تحوي من الجهالة والضلالة والأباطيل ، بل والكفريات شيئاً كثيراً - ثم يدفع له الجنية وينصرف معتقداً أنه أدرك الفوز والفلاح ، والحق أنه خاب عقله وضاع ماله ومآله ، ومنهم : من يحتزم على وسطه بشملة صوف مشبكة معتقدين أن السحر لا يؤثر معها . وما هي إلا اعتقادات فاسدة تدل على سقوط عقول هؤلاء بالكلية . حجاب من ماري جرجس يؤسفني كثيراً ويحزنني جد الحزن أن الفتاة والمرأة الغربية الأوروبية قد أخذت أكبر نصيب من جميع العلوم والفنون ، ففاقت بعلومها المرأة العربية وأصبحت سيدتها سواء رضينا أو كرهنا ومن قبيح جهلهن . أنهن يذهبن إلى القسيس بماري جرجس أو بدير العريان بمعصرة حلوان أو غيرها يطلبن منه حجابا للنظرة أو حجابا لوقاية ابنها من الحسد والنكد ، وإن هذا البلاء المبين ، وإنما كان يكفي هذه الجاهلة المسكينة أن تقرأ المعوذتين أو الفاتحة على ولدها وتستريح من هم وعناء السفر والمصاريف . التعاليق على الأطفال والحوانيت والحيوانات من ذلك : الفاسوح وخمسة وخميسة يعلقنه على الأطفال ليعيشوا وهي خرزات زرقاء مخرقة ، والإسلام يحرم هذا ويعده شركاً ، فعلى الرجال أن يعلموا وينبهوا على نسائهم . ومنها : الودع الذي يحضرونه معهم من الشيخ المسمى عندهم ( بأبي سريع ) يحجون إليه كل عام كالبيت العتيق ويعتقدون أن زيارتين أو ثلاث زيارات لقبر أبي سريع تحل محل حجة مقبولة مبرورة ، وهذا لا شك أنه مما يجب
____________________
(1/330)
الإقلاع عنه إذ أنه من كبائر المحرمات فوق أنه جهل فاضح ، وفي الحديث : ' من علق ودعة فلا ودع الله له ' . ومن ذلك : تعليقهم المصحف الصغير لقضاء الحوائج وللمحبة فيجنب الرجال وتحيض النساء ويدخلون المراحيض والمصحف معلق عليهم . وهذا ممنوع شرعاً . ومن ذلك : أنهم يعلقون داخل جلده كحجاب رأس فرخة وسبع إبر ومثلها من الأذرة الشامي أو الفول ، وهو حرام ، وفي الحديث : ' من تعلق شيئاً وكل إليه ' . حجاب لجلب الزبون ومن ذلك : أنهم يعلقون حجاباً على الدكاكين يكتبون فيها ! ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) ! لجلب الزبون . وما أنزل القرآن لهذا ، إنما هو قانون ، أوامر ونواهي . وحلال وحرام ، وهدى ونور ورحمة . حجاب للجاموسة ومن ذلك : أنهم يعلقون بعض الآيات القرآنيه على الجاموس أو المواشي لتحلب لبناً كثيراً ، وهذا تغيير وتبديل لشرع الله ، وجهالة وضلالة وغباوة ، فنعوذ بالله من شر هؤلاء الحمر . زيت قنديل نفيسة ومن هذه المثالب : أن الأطفال إذا رمدت أعينهم يذهبن بهم إلى قنديل السيدة نفيسة ليكحلن أعينهم من زيت قنديلها . وقد يكون ذلك سببا في العور أو العمى ، لأن هذا الزيت طال عليه الزمن داخل القناديل فامتلأ بالجراثيم الضارة والغبار ، وهكذا فساد العقل والقعيدة والجهل بالدين لا ريب أنه يجر المصائب والشرور على ذويه .
____________________
(1/331)
نعيق الغراب في فم الطفل وكذلك من فساد عقولهن أن الطفل إذا تعوق عن الكلام وتأخر ، يحتلن حتى يحضرن غراباً أسود ينعق في فيه لينطق الطفل ويتكلم ، وإن هذا لهو الجنون بعينه . علاج كساح الأطفال وكذلك إذا أصاب الطفل الكساح يذهبن به مقيداً إلى المسجد ثلاث جمعات بطعام في حجره ليأخذه أول خارج من المسجد ويدعو له أن يفك قيده والدواء النافع للكساح الذي هو لين العظام تعريض هؤلاء الأطفال ساعة للشمس كل يوم كحمام شمس مع تحسين الغذاء وعرضهم على الأطباء ، فمن لنا بإدخال هذا المعقول ، في رءوس هؤلاء العجول . حجاب للقرينة قال شيخ الأطباء الأغبياء ، وإمام العوام والجهلة إلى كل غم ومرض فتاك ووباء وقائدهم إلى أسفل السافلين ، إلى هوة ما لها من قرار مكين ، صاحب كتاب - النقمة - في الطب والحكمة تكتب للقرينة ألم تر كيف فعل ربك بالقرينة ألم يجعل كيد القرينة في تضليل ، وأرسل على القرينة طيراً أبابيل ، ترميهم بحجارة من سجيل ، فجعل القرينة كعصف مأكول : يا عافي يا قابل يا شديد يا ذا الطول . فهل هذا كلام الله أو هو كلام للشيخ ؟ بل هو قرآن مبدل مغير محرف ، بدله صاحب كتاب النقمة في الطب والحكمة . لوجع الرأس تكتب هذه الأحرف أ ح أ ك ك ع ج ا م ا هـ- علاج قذر وأقذر من القذر ، ولا يستعمله إلا مغفل .
____________________
(1/332)
اضطراب جفن العين ومن المثالب أن العين إذا اضطربت يتشاءمون لها ويضعون عليها قشرة بوصة لتسكن ، والخير والشر بيد الله وحده ، وهذا هوس في العقول . الامتناع عن السفر تشاؤما ومن هذه المهازل أن كثيراً من الناس يمتنعون عن السفر متشائمين من السفر في بعض الأيام ، وسبب هذا أن كثيراً من ذوي العمائم ينشرون على العوام و الجهلة هذا الحديث الباطل الموضوع وفي رجال سنده السمرقندي ويحيى وغيرهما عن أبي هريرة مرفوعا : ' يوم السبت يوم مكر ومكيدة . ويوم الأحد يوم بناء وغرس . ويوم الإثنين يوم سفر وتجارة ، ويوم الثلاثاء يوم دم ، ويوم الأربعاء يوم نحس ، ويوم الخميس يوم دخول على السلطان وقضاء الحوائج . ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح ' قال ابن الجوزي موضوع فيه ضعفاء ومجهولون . ويحيى ليس بشيء وكذا السمرقندي ، ونسبوا إلى الإمام علي رضي الله عنه زوراً وبهتانا . ( فنعم اليوم يوم السبت حقا ** لصيد إن أردت بلا امتراء ) ( وفي الأحد البناء لأن فيه ** تبدى الله في خلق السماء ) ( وفي الاثنين إن سافرت فيه ** سترجع بالنجاح وبالثراء ) ( وإن ترد الحجامة فالثلاثاء ** ففي ساعاته هرق الدماء ) ( وإن شرب امرؤ يوما دواء ** فنعم اليوم يوم الأربعاء ) ( وفي يوم الخميس قضاء حاج ** فإن الله يأذن في القضاء ) ( وفي الجمعات تزويج وعرس ** ولذات الرجال مع النساء ) ( وهذا العلم لا يدريه إلا ** نبي أو وصي الأنبياء ) باطل ونسبته إلى الإمام علي باطلة ، وكذلك .
____________________
(1/333)
حديث : آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر ، موضوع كما قاله ابن الجوزي وغيره وكذا . حديث : يوم الأربعاء يوم نحس مستمر ، موضوع . وكذا من السخافة والأفن : أنهم يتركون أكل الجبن واللبن والسمك في يومي السبت والأربعاء اتباعاً منهم لأضاليل إخوانهم وآبائهم ، وكذلك يحرمون الخياطة يوم الجمعة ويوم عرفات ، ويمنعون الإبرة والمنخل ليلا تشاؤما . وكذا : من خيبة عقول نسائنا اعتقادهن أن كنس البيت بالليل يجلب الفقر والفقر حليفهم إن كسنوا أو لم يكنسوا . وأن غرر المدى ( السكاكين ) ليلة عيد الفطر يطرد الشياطين التي كانت مسجونة في شهر رمضان . وكذلك : من الخرافات والأوهام الباطلة التأذين عند وداء المسافر أو قراءة ! ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) ! ، والسنة أن يقرأ ما ورد في الحديث ، وتقدم في بابه ، وكذلك لم تشرع قراءة آية الكرسي ولا غيرها ما لم يكن تلاوة قرآن ، أو ذكراً بالمشروع . ومن أباطيلهن : أنهن يعتقدن أن الحبلى المطلقة ثلاثاً إذا ولدت ولداً تحل لزوجها من غير أن تنكح زوجاً غيره ، وأيضاً يعتقدون أن بول الطفل يكون طاهراً إذ كان أبوه لا يشرب الدخان ، وإنما ينضح بول الصبي ، ويغسل بول الصبية . الخلخال الحديد ومن فظيع جهلهن : أنهن يلبسن الخلاخيل الحديد ليعيش أولادهن ،
____________________
(1/334)
فاعتقادهن أن الخلخال تعيش به العيال كفر ، ورنة الخلخال من كبار المحرمات . وكذلك يعملن الوشم للأطفال في رؤوسهم وكعوب أرجلهم ليعيشوا . ومن مهازلهن : اعتقادهن أن أرواح أبنائهن تتلبس بأجساد القطط فهن يكرمن القطط ويطعمها لأجل أولادهن حتى وإن أفسدت أو اختطفت طعامهن لأنهن يرين أن أذية هذه القطط إنما هي أذية لأولادهن . إطفاء نار الغيرة ومن ضلالهن : أن المرأة إذا توفيت وتزوج بعدها زوجها أن يذهب إلى قبرها فيصب عليه الماء زاعمة أن صب الماء يطفئ نار الغيرة عنها . وكثير من الناس يعتقدون أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يزور الشجرة المسماة ( بالصبارة ) كل جمعة ، ويقول أغبياؤهم : إن السلحفاة كانت امرأة فأنكرت الرحا فمسخها الله وهو عقل فارغ وكلام فارغ . ويقولون أيضاً : ولبئس ما يقولون ويعتقدون ، إذا فسا الإنسان في المسجد أخذ الملك الفسوة في فمه فألقاها خارج المسجد ، فبئست العقول والأفهام والأوهام والعقائد والوظائف التي يوظفون بها الملائكة الكرام البررة الأطهار . ومن الخبل الكامل : أن المرعوب الذي يسمونه ( المخضوض ) يعالجونه بطاسة الطربة يضعون فيها ماء أو لبناً ويبيتونها في الندى ويشربها أربعين صباحاً . وأهل هذه الطاسة بنقوشها ووضعها هندوكية من وثنية الهندوكين . وكذا من الخبل : اعتقادهم أن العاصي لا يستطيع المرور من بين العامودين المتقاربين جداً الذين بجامع عمرو بن العاص . وكذا من سفال وفساد عقول أهالي عرب الحوامدية ، وما بجوارها من
____________________
(1/335)
البلاد : ذهابهم إلى ناحية عرب الشرقية ( ليلحسوا البشعة ) ، ويقولون إنها طاسة أثرية متوقدة ملتهبة عل المتهم المتلبس بالجريمة وهي كالماء على البريء ، وهذا كلام أقذر من دم البق ، وأنتن من جيف الحمير . ( 1 ) ولهذا الغباء الفاحش : صاروا يتبركون بعجل السيد . ( 2 ) ويشربون ماء مراحيض المشايخ الأموات للهداية والتبرك . ( 3 ) ويخاطبون الشمس قائلين لها : يا شمس يا شموسة يا بنت علي وموسة ، خذي سنة الحمار ، وهاتي سنة الغزال . ( 4 ) وشاركوا اليهود والنصارى في كذبة إبريل . ( 5 ) وأركبوا الطفل على ظهر الحمارة معكوسا وصفقوا قائلين : يا أبو الريش إن شاء الله يعيش ، يا أبو الريش إن شاء الله يعيش ) . ( 6 ) ويبخرون بيوتهم وأبناءهم وبناتهم بقشر الثوم والفاسوخ وعين العفريت وعين ظاروط ويتركون هدى القرآن والسنة . ( 7 ) ويتمسحون بعامود السيد للشفاء من وجع الظهر ، ولا أدري كيف تكمن شر هذا العامود من عقولهم . ( 8 ) ويغرزون المسامير في الأشجار المجاورة للمشياخ الميتين للتشفي من الصداع . ( 9 ) ويذهبون الحسد والنكد من بيوتهم بالسحر تارة وبالحجب تارة ، وبخور عاشوراء الملعون تارة أخرى . ( 10 ) وجعلوا لكل قبر خاصة فقبر أبي السعود مسعود الجار حي لإخراج الجن والشياطين والعفاريت من أجساد المتعفرتين والمتعفرتات ، وقبر السيدة نفيسة للشفاء من رمد العيون ، وقبر الشيخ فلان للشفاء من مرض الحمى ، وقبر الشيخ علان لقضاء الحوائج ، وقبر الشيخ قطران لتفريج الكروب ، وقبر
____________________
(1/336)
الشيخ قرد للفيوضات والإمدادات الإلهية ، وقبر الشيخ عفريت لقراءة دلائل الخيبات عنده ، وقبر الشيخ فار لقراءة بردة المديح التي فيها من الشر ما فيها وقبر الشيخ غراب للأحأحة والتطنيط والشهيق والنهيق والشخير والنخير . فصل ولما هوت عقول الناس إلى هوة ما لها قرار ؛ وباتوا عن هداية الكتاب العزيز والحكمة النبوية وسيرة سلفنا الصالح ، وكبرائنا وعظمائنا في مكان سحيق أصبحوا يعتقدون الولاية في كل إنسان بالي الثياب قذر ، أو أبله لا يحسن النطق ولا الفهم ، أو يتظاهر بلباسه العمامة الحمراء أو الخضراء . فقالوا : إن من كان يقف خارج البلد ينزل كل خارج منها عن حمارته ويقول : أمسك رأسها حتى أفعل بها : ولي من أكابر الأولياء . وقالوا في الذي قطن عند العاهرات يدعو لكل خارج من عندهن ولي من أكابر الأولياء . وقالوا في الذي يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة ويقول : وأشهد أن لا إله لكم إلا إبليس عليه الصلاة والسلام : ولي من أكابر أولياء الله . وقالوا في الذي يمسك الرجل من لحيته فلا يزال يبصق عليها ويصفعه : ولي من سادة الأولياء : وقالوا في الذي يقرأ قرآنا غير القرآن وسوراً مختلفة غير سور القرآن : ولي من أولياء الله . وقالوا فيمن عاش عرياناً لا يستر سوأتيه إلا بقطعة جلد أو حصير أو بساط ويقرأ قرآناً مكذوباً مخترعاً : وما أنتم في تصديق هود بصادقين ، ولقد أرسل الله لنا قوما بالمؤتفكات يضربوننا ويأخذون أموالنا وما لنا منهم من ناصرين : ولي من أولياء الله .
____________________
(1/337)
وقالوا فيمن دعا الناس إلى هجر أذكار وعبادات الرسول واختراع لهم ماءشات له الشياطين : ولي من أولياء الله . وقالوا فيمن ترك الجمعة والجماعات والأوامر والنواهي ، ودعا إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : ولي من أولياء الله . وقالوا فيمن يشربون الخمر والحشيشة ، ويرتكبون جريمة الزنا : ولي من خواص الأولياء . وقالوا : يجب أن لا ينكر أحد على أحد ، لأن من اعترض انطرد ، وأخذت علينا العهود ، أن لا نعترض النصارى ولا اليهود - دع الخلق للخالق ، أقام العبادة فيما أراد ، وهذه الولايه الشيطانية توجب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مع أن الله تعالى قال : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) ، ! ( ولتكن منكم أمة ) ! . فهؤلاء لا شك أنهم أولياء الشيطان ، وقد قال الله تعالى : ! ( إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) ! ، وقال تعالى : ! ( إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ) ! ، ! ( فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) ! ، ! ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) ! ، ! ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) ! . فصل وأولياء الله حقاً هم المذكورون في قوله تعالى : ! ( إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ) ! ، ! ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون ) ! ، ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف
____________________
(1/338)
عليهم ولا هم يحزنون ) ! ( ) ! ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم ) . أولياء الله هم من وصفهم فقال : ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) . أولياء الله هم : ( الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ؛ الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ، أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) . أولياء الله هم : ( الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا . وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) . أولياء الله هم الذين اشتروا الله منهم ( أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون . . . ) أولياء الله هم الموصوفون بأنهم : ( أشداء على الكفار ، رحماء بينهم ، تراهم ركعاً سجداً يبغون فضلاً من الله ورضواناً ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) ، فتراهم مع بعضهم كالولد مع والده ، والعبد مع سيده ، ومع أعدائهم كالسبع على فريسته ، فهم رهبان بالليل ، أسود بالنهار . أولياء الله هم العاملون على مقتضى قوله تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ، ومساكن ترضونها ، أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله
____________________
(1/339)
فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، والله لا يهدي القوم الفاسقين ) . أولياء الله هم العاملون على تحقيق معنى : ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ) . أولياء الله حقاً هم الذين يستجيبون لله إذ يقول : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ، واعلموا أن الله مع المتقين ) . أولياء الله هم الذين يقولون الحق وإن كان مراً عاملين بقوله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر - سيد الشهداء عند الله حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ' . أولياء الله حقاً هم من تكون فيهم هذه الخصال الحسنة : أن يكون الله ورسوله أحب إليهم مما سواهما ، وأن يحبوا عباد الله لا يحبونهم إلا لله تعالى ، وأن يكرهوا أن يعودوا في الكفر كما يكرهون أن يقذفوا في النار ، وإذا حدثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا ، وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا عاهدوا لم يغدروا وإذا خاصموا لم يفجروا ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ولا يهلعون ولا يجزعون ، وعلى صلواتهم يحافظون ، ( وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين ، والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون ، والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون . والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ، والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون ، أولئك في جنات مكرمون ) . وأولياء الله حقاً : هم : ( الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما . والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما . إنها ساءت مستقراً ومقاما . والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما . والذين لا يدعون مع الله إلها
____________________
(1/340)
آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون . . . والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما . والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعميانا والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما . أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما . خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاما ) . أولياء الله حقاً هم الذين يسارعون إلى غفران الله وجناته : ( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ) . ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم . ومن يغفر الذنوب إلا الله . ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) . أولياء الله حقا ، هم ( الذين آمنوا بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين ، وفي الرقاب . وأقام الصلاة وآتى الزكاة ، والموفون بعدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس . أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ) . أولياء الله حقاً هم ( الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ! ( ) ! ( يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً ، ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيماً وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا ، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) . وبالإجمال : فأولياء الله حقاً هم الذين اتقوا كل ما يغضب الله تعالى من ترك واجب ومندوب ، وفعل محرم ومكروه ، واتقاء مخالفة سنن الله في خلقه من أسباب الصحة والقوة والنصر والعزة وسيادة الأمة ، هذا مع فعل كل ما أوجبه
____________________
(1/341)
الله على عباده في الكتاب الكريم وعلى لسان نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] ، والاستماع والإصغاء إليه تعالى عند كل نداء أو خطاب ينادينا به في كتابه أو يوجهنا إليه رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] ، كقوله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ) ! . فالأولياء حقاً هم ( الذين لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) أما البشرى في الحياة الدنيا فأهمها ما بشرهم به الكتاب العزيز حيث قال تعالى : ( 1 ) ! ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) ! . ( 2 ) ومن هذه البشائر قوله تعالى : ! ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) ! . ( 3 ) ومنها : ! ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) ! ، ! ( وإن جندنا لهم الغالبون ) ! ، ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) . ( 4 ) ومنها : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) ! ( ) ! ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) ! ( ) ! ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) ! ( ) ! ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ؛ فلنحيينه حياة طيبة - أي في الدنيا - ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) فقلت
____________________
(1/342)
! ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) ! . ( 5 ) ومنها : ! ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ) ! وكذلك قوله : ! ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ) ! . ( 6 ) ومنها : ! ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) ! . فهذه كلها بشائر لأولياء الله في الحياة الدنيا ، وهي استخلافه تعالى لهم في الأرض ، وتمكين دينهم وعلوه على سائر الأديان ولو كره الكافرون ، وأن يبدلهم من خوفهم أمنا . وأخذه على نفسه أن ينصرهم على أعدائهم ويدافع عنهم كما نصروا دينه ودافعوا عنه ، وأن يجعل لهم الغلبة والعزة والعز وأن يفتح علهم بركات السماء والأرض ويمدهم بالأموال والبنين والجنات والأنهار ، وأن يمدهم بالملائكة عند القتال ، وهذا أهم ما بشر الله به أولياءه في الحياة الدنيا . وأما في الآخرة ، فقد أعد الله لأوليائه جنة عرضها السموات والأرض فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، كما قال تعالى : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات ، لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ، ذلك الذي يبشر الله به عباده ) وكذلك قال : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم )
____________________
(1/343)
فريضة القتال قال الله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) ! .
____________________
(1/344)
الباب الثامن والعشرون في وجوب القتال بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده . والصلاة والسلام على محمد وحزبه . قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إلى دعاكم لما يحييكم ) ، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ، تؤمنون بالله ورسوله ، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ، ذلك الفوز العظيم ، وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب ، وبشر المؤمنين ، يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله . قال الحواريون نحن أنصار الله ، فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) . وقال تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ! . وقال تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) ! . وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم
____________________
(1/345)
خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم ، وما تخفي صدورهم أكبر ، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) . وقال تعالى : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ، ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ) . وبعد فيا ملوك الإسلام ويا ملوك العرب ، ويا رؤساء العرب المسلمين ، ويا وزراءنا ، ويا شعوب الشرق أجمع ، ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ، تقاتلونهم أو يسلمون ، فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً ، وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم الله عذابا أليما . فقوموا لأداء هذه الفريضة ، فريضة الجهاد في الله ، ولا أعني به إلا القتال ، ولا أقصد به إلا الموت والفناء في سبيل إعادة مجد الإسلام القديم ورفعه كما كان فوق كل الأديان ، وإعادة العزة والسيادة لأهله كما كانوا من قبل ، في سبيل جعل القرآن الدستور الأكبر العام لأهل الأرض جميعاً . قوموا ، قوموا يا أهل الكتاب السماوي ، إلى الجهاد والقتال بالمال والنفس والنفيس في سبيل إعلاء الحق وكلمة الحق وأهل الحق ، فقد طال نومنا ورقادنا وكسلنا وغفلتنا حتى ضاعت دولة الإسلام وسلطانه وسقط المسلمون شر سقطة ، وضاع الدين شر ضيعة ، وسفلت الأخلاق ، وذهبت الآداب ، وبهذا أصابتنا الذلة والمسكنة ، وبؤنا بغضب على غضب وعشنا جميعاً عبيداً أذلاء خدماً في عقر دورنا ، فإلى متى وحتى متى النوم والذهول . قوموا للقتال ، قوموا للدفاع عن الإسلام فقد ( كتب عليكم القتال وهو
____________________
(1/346)
كره لكم ، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) . قوموا ، قوموا يا أهل العلم فقد قام أعداؤكم لحربكم وفنائكم على قدم وساق ولم يألوا جهداً في محقكم ومحق دينكم وكتابكم وهداية وأنوار نبيكم ، فقاتلوهم ، ولا تقهقروا ولا تهنوا ولا تضعفوا ولا تستكينوا واصبروا وأنتم الغالبون وأنتم الأعلون وأنتم المنصورون إن كنتم مؤمنين . أما سمعتم الله تعالى يقول : ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة . والله يحب المحسنين ) ! ( ) ! ( فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ) ! ( ) ! ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تأملون فإنهم يألمون كما تألمون ، وترجون من الله ما لا يرجون ، وكان الله عليما حكيما ) . قوموا أيها المؤمنون جميعاً قومة رجل واحد ، واقتدوا بالذين ( قال لهم الناس : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً ، وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل . فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ، واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ) . قوموا أيها العلماء فحرضونا على القتال ، فلم يبق للغفلة ولا للسكوت مكان ولا مجال ، قوموا إن كنتم تؤمنون بالله والرسول واليوم الآخر
____________________
(1/347)
قال تعالى ! ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) ! . قوموا فقد قال الله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ، وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) . قوموا فامسحوا ما علاكم من العيب والخزي والعار والشنار ، إذ قد أصبحتم لا شرف لكم ولا عزة ولا دولة ، فأعيدوا دولتكم وامسحوا بها الكفر عن وجه الأرض فهذه مهنتكم ، وهي وظيفتكم التي خلقتم لها وتقمصتم بالجبة الواسعة ، والعمامة الغليظة لأجلها وأخذتم المرتبات الضخمة للقيام بها - لا لخطبة تلقونها ، ولا لرسالة تؤلفونها ، ولا لصلاة بالناس تقيمونها ، بل لتقاتلوا ، وتجاهدوا في الله حق جهاده ، وتدعوا إلى القتال والجهاد حتى تتوحد الأديان كلها ، فلا يكون إلا دين الإسلام ، ! ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ) ! وحتى يظهر الدين الحنيفي على الدين كله ، أغفلتم عن قوله تعالى : ! ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) ! ؟ . قوموا وكونوا كأصحاب محمد والذين آمنوا به ! ( أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) ! . ! ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) ! .
____________________
(1/348)
( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ، والفتنة أشد من القتل ، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلونكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم ) . ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزاً : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت ، والله بما تعملون بصير ، ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ، ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون ) . يا ملوكنا . يا رؤساءنا ، يا حكامنا ، يا وزراءنا ، يا أمراءنا ؛ يا أغنياءنا يا أيها المسلمون : قاتلوا هؤلاء المستعمرين الغاصبين وأخرجوهم من أرضكم قاتلوهم ؛ قاتلوهم ولا تخافوهم ولا تخشوهم واعلموا أنه ! ( لو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) ! . قوموا للجهاد والنضال والدفاع وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم وإياكم ثم إياكم والرضا بهذه الحياة والاطمئنان إليها ؛ والغفلة عما دعاكم إليه القرآن من الجهاد الدائب الدائم ؛ أما سمعتم آية ( إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا ؟ والذين هم عن آياتنا غافلون ؛ أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ) . والله الذي نفسي بيده ( إن كان آباؤكم وأبناءكم وإخوانكم وأزواجكم
____________________
(1/349)
وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) . هيا هيا عجلوا ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) قبل أن يظهروا عليكم ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ) قد فعلوها ( ولن تفلحوا إذاً أبداً ) ! ( ) ! ( كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ) . ( فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون . ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول ، وهم بدءوكم أول مرة . أتخشونهم ؟ فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ، ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ، ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم ) . ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً ، وإن منكم لمن ليبطئن . فإن أصابتكم مصيبة قال : قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيداً ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن : كأن لم تكن بينكم وبينه مودة : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيما ) . ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيما . وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون : ربنا
____________________
(1/350)
أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ) . ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله . والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) . ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ) . ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ؟ فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل . إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً . والله على كل شيء قدير ) . ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم ، وما جعل عليكم في الدين من حرج . ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ، وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس . فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ) . ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ؟ تؤمنون بالله ورسوله ، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ، ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون . يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ، ذلك الفوز العظيم ، وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب ، وبشر المؤمنين ) . ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله . قال الحواريون نحن أنصار الله ، فآمنت طائفة
____________________
(1/351)
من بني إسرائيل وكفرت طائفة ، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) . أما سمعتم علياً وهو يقول يحرض على القتال . أيها الناس : إن الله تعالى ذكره ، قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب وتشفي بكم على الخير ، إيمان بالله ورسوله ، وجهاد في سبيله ، وجعل ثوابه مغفرة الذنوب ، ومساكن طيبة في جنات عدن ، ورضواناً من الله أكبر ، وأخبركم بالذي يحب فقال : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً ، كأنهم بنيان مرصوص ) . فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص . وقدموا الدراع وأخروا الحاسر ، وعضوا على الأضراس ، فإنه أنبى للسيف عن الهام وأربط للجأش وأسكن للقلوب ، وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للقتل وأولى بالوقار ، ورايتكم فلا تميلوها ، ولا تزيلوها ، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم المانعي الذمار ، ثم تكلم عن الفرار وقال : من يفعل ذلك مقته الله ، فلا تعرضوا لمقت الله ، فإنما مردكم إلى الله ؛ قال تعالى لقوم عابهم : ( لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذن لا تمتعون إلا قليلا ) وأيم الله ، إن فررتم من سيف الله العاجلة ، لا تسلمون من سيف الآخرة ، استعينوا بالصدق والصبر ، فإنه بعد الصبر ينزل النصر ، وقال : ألا إنا ندعوكم إلى الله ، وإلى رسوله ، وإلى جهاد عدوه ، والشدة في أمره ، وابتغاء مرضاته ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت وصيام شهر رمضان ، وتوفير الفيء على أهله ، ألا إنكم لاقوا العدو غداً إن شاء الله ،
____________________
(1/352)
فأطيلوا الليلة القيام وأكثروا تلاوة القرآن ، واسألوا الله الصبر والنصر ، والقوهم بالجد والحزم وكونوا صادقين أ هـ. يا ملوك الإسلام . يا ملوك العرب . يا رؤساء الشرق أجمع . يا علماء الإسلام ويا شباب المسلمين . أجدادكم دوخوا ملوك العالم شرقاً وغرباً ودكدكوا عروشهم حتى أرغموهم على دفع الجزية عن يد وهم صاغرون ، فكونوا أبطالا كجدكم المقداد بن عمر والقائل للرسول حينما دعاهم إلى غزوة بدر ، يا رسول الله أمض لما أمرك الله به . فنحن معك . والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا لي برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه . وكذلك قال جدكم البطل العظيم سعد بن معاذ : يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة . فامض يا رسول الله لما أمرك الله . فوالذي بعثك بالحق لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما يتخلف منا رجل واحد . وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر عند الحرب ، صُدُق عند اللقاء . ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله . وكذلك جدكم الصنديد الشهير ، عمرو بن الجموح الذي نزل هذه المعركة فصال فيها وجال وقال : ( ركضنا إلى الكريم بغير زاد ** إلا التقى وعمل المعاد ) ( والصبر في الله على الجهاد ** وكل زاد عرضة النفاد ) ( إلا التقى وعمل المعاد ** )
____________________
(1/353)
وكذلك حرضت جدتكم الخنساء الفضلى أبناءها الأربعة يوم حرب القادسية فقالت : يا بني : تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين وأن الدار الباقية خير من الدار الفانية ، وقد قال تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) ! فإذا أصبحتم فاغدوا إلى قتال عدوكم ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سعيرها فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها . تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة فلما أصبحوا باشروا القتال . وقبل استشهادهم قام أحدهم فقال : ( يا إخوتي إن العجوز الناصحة ** قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة ) ( مقالة ذا بيان واضحة ** فباكروا الحرب الضروس الكالحة ) ( وإنما تلقون عند الصائحة ** من آل ساسان الكلاب النابحة ) ( قد أيقنوا منكم يوقع الجائحة ** وأنتم بين حياة صالحة ) ( أو ميتة تورث غنما رابحة ** ) وأنشد الثاني : ( إن العجوز ذات حزم وجلد ** ولنظر الأوفق والرأي السدد ) ( قد أمرتنا بالسداد والرشد ** نصيحة منها وبراً بالولد ) ( فباكروا الحرب حماة في العدد ** أما لفوز بارد على الكبد ) ( أو ميتة تورثكم عزاً في الأبد ** في جنة الفردوس والعيش الرغد ) وأنشد الثالث : ( وإله لا نعصى العجوز حرفا ** قد أمرتنا حرباً وعطفاً ) ( نضحاً وبراً صادقاً ولطفاً ** فبادروا الحرب الضروس زحفاً )
____________________
(1/354)
( حتى تلفوا آل كسرى لفا ** أو يكشفوكم عن حماكم كشفا ) ( إنا نرى التقصير منكم ضعفاً ** والقتل فيكم نجدة وزلفى ) وأنشد الرابع : ( لست للخنساء ولا للأحزم ** ولا لعمرو / ذي السناء الأقدم ) ( إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم ** ماض على الهول خضم خضرم ) ( إما لفوز عاجل ومغنم ** أو لوفاة في السبيل الأكرم ) فلما باشروا المعركة قاتلوا قتالا شديداً حتى قتلوا واحداً بعد الآخر ، ولما بلغ أمهم الخبر ، قالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته . فيا نساء المسلمين ، لتكن فيكن هذه الغيرة كجداتكن الفضيليات ، فبكن حياة الشعوب والأمم ، وبصالح تربيتكن لأبنائكن تسعد الشعوب والأمم وبما تضعن من التهذيب والعلم النافع في عقول أبنائكن ، تحيا الأمم وتسعد سعادة أبدية لا تشقى بعدها أبداً ، ولا تهزم ، ولا يتغلب عليها عدواً أبداً . وهذه أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما ، لما راح إليها ولدها عبد الله ابن الزبير يستشيرها في القتال فقالت له : إن كنت على الحق يا بني فاصبر عليه . فقد قتل عليه أصحابك أخرج إلى القتل ، القتل أحسن ، وإني لأرجو أن يكوني عزائي فيك حسناً ، ثم دعت له فقالت : اللهم إني قد سلمته لأمرك فيه . ورضيت بما قضيت . فقابلني فيه بثواب الصابرين الشاكرين . ولما احتضنته لتودعه فوجدته لابساً درعاً من حديد قالت له : ما هذا لباس من يريد الموت في سبيل الله ، انزعه ، وكان ذلك آخر عهده بها . فالله الله أيتها المسلمات . هيا هيا إلى الجهاد . مرن أولادكن بالقتال . حرضتهم على الحرب والفتك بالأعداء والنضال ، وإنفاق النفقات في هذا السبيل
____________________
(1/355)
فهيا جميعا . أنقذوا بلادكم ، أدركوا إخوانكم . تداركوا نساءكم ، وإلا فالخسران المبين ، وإلا فالخزي والعار ، وإلا فالهلاك والفناء والدمار ، وإلا فالسقوط والانحطاط ، وإلا فالخيبة والخذلان ، فارموهم بسهامكم الصائبة ، فقد قال [ صلى الله عليه وسلم ] :
' من رمى بسهم في سبيل الله كان كمن أعتق رقبة ' . يا هؤلاء :
' من مات ولم يغز ، ولم يحدث نفسه بالغزو ، مات على شعبة من النفاق ' رواه مسلم وغيره . يا هؤلاء : ' من لم يغز ، أو يجهز غازياً ، أو يخلف غازياً في أهله بخير ، أصابه الله تعالى بقارعة قبل يوم القيامة ' رواه أبو داود وغيره . يا هؤلاء :
' من لقي الله بغير أثر من جهاد ، لقى الله وفيه ثلمة ' رواه الترمذي وغيره . يا قوم :
' ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب ' رواه الطبراني . يا قوم :
' ما من مكلوم يكلم في سبيل الله ، إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي اللوم لون دم ، والريح ريح مسلك ' رواه البخاري ومسلم . يا قوم :
' مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم نهاره ، القائم ليله حتى يرجع متى رجع ' رواه أحمد وغيره . يا من كنتم سادة الناس جميعاً ، فأصبحتم عبيد الناس جميعاً ، جاهدوا في سبيل الله ، فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة ، ينجي الله تبارك وتعالى به من الهم والغم ' رواه أحمد وغيره ، ' إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف ' ، ' ومن قاتل في سبيل الله فواق ناقة حرم الله على وجهه النار ' رواه مسلم وأحمد .
____________________
(1/356)
يا أبناء العروبة : ' إن في الجنة مائة درجة . أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ' رواه البخاري . فافتكوا بالمستعمرين واطردوهم شر طردة من أرضنا وبلادنا وديارنا واستردوا كل ما أخذوه ولو رأس إبرة . ثم عودوا عليهم فدكدكوا عروشهم واحتلوها . وأقيموا فيها شرائع الله . وعدالة دينه الإسلام . أيها الرجال الأبطال البواسل . يجب أن نموت جميعا أو يخرج من أرضنا وبلادنا كل أجنبي ومستعمر ؛ والموت هنا هو الحياة ؛ وهو الرفعة ؛ والعزة والسيادة والسياسة والبر والنعمة والرحمة ؛ فلنقاتل فلا سبيل إلى المجد إلا بالقتال . وقد قال [ صلى الله عليه وسلم ] :
' يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله يا ابن آدم كيف وجدت منزلك ؟ فيقول : أي رب خير منزل . فيقول : سل وتمنه . فيقول : وما أسألك وأتمنى أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات . لما يرى من فضل الشهادة ' رواه النسائي وغيره . فلن يخرج هؤلاء المستعمرون إلا بحرب كالحة ضروس : ولن تقيموا دولة للقرآن وبه إلا بغزو طويل مرير . يوده ويفرح به المؤمنون . ويكرهه ويبغضه الجبناء المنافقون . وقد قال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل . ثم أغزو فأقتل . ثم أغزو فأقتل ' رواه البخاري ومسلم . ولما صرخت أخت عمرو حين قتل أبوها قال لها النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' لا تبكي ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها ' رواه البخاري ومسلم . وقال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا يطير في الجنة ذا جناحين . يطير في الجنة حيث شاء مضرجة قوادمه بالدماء ' .
____________________
(1/357)
وقال : ' هنيئاً لك يا عبد الله أبوك يطير مع الملائكة في السماء ' ، ففي الغزو عز الدنيا ، وسعادة الآخرة ورضوان الله أكبر . يا أهل مصر ويا أهل الشرق أجمع : ' من خرج حاجاً فمات كتب الله له أجر الحاج إلى يوم القيامة ، ومن خرج معتمراً فمات كتب الله له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ، ومن خرج غازياً فمات كتب الله له أجر الغازي إلى يوم القيامة ' ، رواه أبو يعلى من رواية محمد بن إسحق . يا أهل الحجاز واليمن والشام والعراق ويا رجال العروبة ويا أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها : ' غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت ' رواه مسلم والنسائي ، و ' رباط يوم في سبيل الله ، خير من الدنيا وما عليها ، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها ، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها ' ، رواه البخاري وغيره ، ' لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ' ' ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد خير من الدنيا وما فيها . ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض ، لأضاءت ما بينهما : ولملأته ريحاً ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها ' رواه البخاري ومسلم وغيرهما . ويروى ' طوبى لمن أكثر في الجهاد في سبيل الله من ذكر الله ، فإن له بكل كلمة سبعين ألف حسنة كل حسنة منها عشرة أضعاف مع الذي له عند الله
____________________
(1/358)
من المزيد ' رواه الطبراني في الكبير وفيه مجهول . ويرى ' أي المجاهدين أعظم أجراً ؟ قال أكثرهم لله تعالى ذكراً ' رواه أحمد والطبراني والصحيح ' ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله . إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ' رواه البخاري ومسلم . يا أربعمائة مليون وسبعمائة مليون مسلم وشرقي . قد أعدت أوربا والغرب الأثيم للقضاء المبرم عليكم قضاء كلياً . وتكتلوا ووحدوا صفوفهم . وأعدوا لكم تعبئة عامة بالقنابل الذرية والمدمرات وقاذفات القنابل . وأعدوا عدد البر والبحر والجو . للقضاء عليكم في الحرب العالمية الثالثة . فأقبلوا السيئة بالسيئة وقابلوا الشر بالشر وقولوا : ( ألا لا يجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهليا ) فقاوموا هذا الشر المستطير ، ولا تضعفوا أمامه ولا تستكينوا ( ولن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل . وإذن لا تمتعون إلا قليلا ) . ! ( قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا ) ! فلم يبق إلا الغزو . والإنفاق الواسع بكل رضا وسرور على الغزو ، فقدم أولادك جميعاً للغزو . وأنفق جل مالك بعد عيالك على الغزو ، ثم جد بروحك راضية مرضية للموت في سبيل الله ، وفي سبيل رفع راية القرآن عالية فقد طال الأمد على تنكيسها ، وقد قال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف ' رواه النسائي وغيره ، وقال [ صلى الله عليه وسلم ] :
____________________
(1/359)
' من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا . ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا ' رواه البخاري ومسلم . وبعث [ صلى الله عليه وسلم ] إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين رجل . ثم قال للقاعد ' أيكم خلف الخارج في أهله فله مثل أجره ' رواه مسلم . وقال : ' من جهز غازياً في سبيل الله فله مثل أجره ، ومن خلف غازياً في أهله بخير وأنفق على أهله فله مثل أجره ' رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، ويروى ' عينان لا تمسهما النار أبداً ، عين باتت تكلأ في سبيل الله ، وعين بكت من خشية الله ' رواه أبو يعلى ، وقال : رواته ثقات ، وقال أيضاً [ صلى الله عليه وسلم ] : ' رباط يوم وليلة ، خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل . وأجرى عليه رزقه ، وأمن من الفتان ' رواه مسلم . فيا ملوك الإسلام والشرق أجمع ، ويا أغنياء المسلمين والشرق أجمع ، ويا شعوب البلاد العربية والشرق أجمع ، نناشدكم بالله أن تحرموا على أنفسكم أولا وعلى شعوبكم ثانيا - : كل ما فيه ترف وسرف ، ولهو ولعب وضياع للأموال وأنفقوا كل ما تملكون ، وكل ما بأيديكم وأيدي شعوبكم على إنشاء المصانع الحربية ، فاعملوا ألوف المدافع الثقيلة . وألوف الدبابات والغواصات والطائرات والمدمرات ، وقاذفات القنابل . ومئات الأساطيل وملايين القنابل الذرية ! ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ! فإن من العار والعيب الشديد أن يسبقنا إلى هذا الاستعداد ، أحط الناس وأقذرهم اليهود . ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ، والكافرون هم الظالمون )
____________________
(1/360)
! ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) ! ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت ، فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ) ! ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ! يا من كنتم فوق جميع الناس وقادتهم فأصبحتم بالاستعمار أسفل الناس وأجهلهم ، يا من كنتم أعز الناس وأرفعهم فأصبحتم بالاحتلال أذل الناس وأوضعهم ، يا من كنتم سادة الناس جميعاً وأفواههم فأمسيتم عبد العبيد وأضعفهم يا أهل الشرق أجمع : ( إني تذكرت . والذكرى مؤرقة ** مجداً تليداً بأيدينا أضعناه ) ( إني اتجهت إلى الإسلام في بلد ** تجده كالطير مقصوصا جناحاه ) ( ويح العروبة كان الكون مسرحها ** فأصبحت تتوارى في زواياه ) ( كم صرفتنا يد كنا نصرفها ** وبات يملكنا شعب ملكناه ) أيها الشاب الغني القوي : إن بلادك مصابة ومبتلاه بضعف علمي ، واحتلال سياسي ، وانحلال خلقي ، وانهيار ديني وتفرق اجتماعي ، وهبوط تعاوني وفقر اقتصادي ، وضغط وهوان أجنبي . وأنت أيها الشاب مطالب بالعمل في كل هذه الميادين ، فجاهد وناضل وصل وقاتل . وجاهد وجالد ، وواصل
____________________
(1/361)
الهجوم والتقدم . وتابع الضربات حتى تحطم كل شيء أمامك صعباً . هاجم وقل : ( وما كنت أرضى بالدناءة خطة ** ولى بين أطراف الأسنة مقدم ) ( وما ألفت ظل الهوينى عزيمتي ** وكيف وحدها من السيف أصرم ) ( سأجعل نفسي للمتالف عرضة ** وأقذفها للموت ، والموت أكرم ) ( بأرضك فارتع ، أو إلى القبر فارتحل ** فإن غريب القوم لحم موضم ) ( على أنني ( والحكم لله ) - واثق ** بعزم يفض الخطب والخطب مبهم ) ( وقلب لو أن السيف عارض صدره ** لغادر حد السيف وهو مثلم ) يا شباب الشرق : الغرب كله يتأجج ناراً علينا ، والكل لا يريد إلا ذلنا وهواننا واستعبادنا واستثمار خيرات بلادنا ، وإن لهم لدعايات قوية ضدنا . وإنهم ليطعنون الإسلام وملوك المسلمين في صميم صدورهم في أناشيدهم وأغانيهم الموسيقية الحربية ، وقد نشرت جريدة الفتح نقلا عن جريدة الشرق بالعدد 543 عن لسان شاب إيطالي ما يأتي : يا أماه : أتمي صلاتك ولا تبكي . بل اضحكي وتأملي ، ألا تعلمين أن إيطاليا تدعوني ؟ وأنا ذاهب إلى طرابلس فرحا مسرورا . ( لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة ) . ( ولأحارب الديانة الإسلامية التي تجيز البنات الأبكار للسلطان ) . ( سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن ) : ليس بأهل للمجد من لم يمت إيطاليا حقا .
____________________
(1/362)
تحمسي أيتها الوالدة . تذكري كاروني التي جادت بأولادها في سبيل وطنها . يا أماه أنا مسافر . ألا تعلمين أن على الأمواج الزرقاء الصافية من بحرنا ستلقى سفائننا المراسي ؟ أنا ذاهب إلى طرابلس مسروراً ، لأن رايتنا المثلثة الألوان تدعوني . وذلك القطر تحت ظلها . لا تموتي لأننا في طريق الحياة . وإن لم أرجع فلا تبكي على ولدك . ولكن اذهبي في كل مساء وزوري المقبرة . وإن سألك أحد عن عدم حدادك علي فأجيبيه : إنه مات في محاربة الإسلام . الطبل يقرع يا أماه أنا ذاهب . . . . دعيني أعانقك أذهب . أ هـ. فهل بعد هذا يا شباب الشعوب الشرقية ، تهدأ لكم ثورة ، أو تنطفئ لكم نيران ؟ أو تغمض منكم الجفون . أو عن أداء واجب الدفاع المفروض عليكم لأوطانكم تنامون ؟ وإليك أيضاً أبياتا من قصيدة لحافظ بك إبراهيم عن لسان فتاة يابانية تصف فيها شجاعة قومها : ( إن قومي استعذبوا ورد الردى ** كيف تدعوني ألا أشربا ؟ ) ( أنا يابانية لا أنثني ** عن مرادي أو أذوق العطبا ) ( أنا إن لم أحسن الرمي ولم ** تستطع كفاي تقليب الظبا ) ( أخدم الجرحى . وأقضي حقهم ** وأواسي في الوغى من نكبا ) ( هكذا الميكادو قد علمنا ** أن نرى الأوطان أما وأبا ) ( ملك يكفيك منه أنه ** أنهض الشرق فهز المغربا )
____________________
(1/363)
( وإذا مارسته ألفيته ** حولا في كل أمر قلبا ) ( كان والتاج صغيرين معاً ** وجلال الملك في مهد الصبا ) ( فغدا هذا سماء للعلا ** وغدا ذلك فيها كوكبا ) ( بعث الأمة من مرقدها ** ودعاها للعلا أن تدأبا ) ( فسمت للمجد تبغي شأوه ** وقضت من كل شيء مأربا ) فاستعذبوا الموت أيها الشباب ، واستهينوا به ، وقابلوه بوجوه باسمة ضاحكة وقلوب راضية مطمئنة ، لا أقول كمقابلة الشباب الأوربي للموت ، فأنتم أعلى وأرفع وأسمى وأقوم . لأنكم أبناء القرآن . وورثة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد بن الوليد بل وورثة جميع الأنبياء . وإنكم لترجون من الله مالا يرجون وإنهم لا يتربصون بكم إلا إحدى الحسنيين وأنتم تتربصون بهم أن يصيبهم الله بعذاب من عنده أو بأيديكم . ( ولئن قلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة ، خير مما يجمعون ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون ) . فموتوا يا شبابنا غير هيابين للموت . واعلموا أن أشرف الموت . موت الشهداء وليس موتكم هذا موتا . وإنما هو انتقال إلى العلا ، وإلى الفردوس الأعلى وإلى جنة عرضها السموات والأرض ، هيأها الله للمقاتلين ، إلى مصافحة ومعانقة سادة أهل الدنيا وسادة أهل الجنة . نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ثم إلى رؤية وجه الله الكريم ثم ( على
____________________
(1/364)
سرر موضونة ، متكئين عليها متقابلين ، يطوف عليهم ولدان مخلدون ، بأكواب وأباريق ، وكأس من معين . لا يصدعون عنها ولا ينزفون ، وفاكهة مما يتخيرون . ولحم طير مما يشتهون ، وحور عين ، كأمثال اللؤلؤ المكنون ، جزاء بما كانوا يعملون ، لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيماً . إلا قليلا سلاما سلاما ) ويزوركم ويسلم عليكم رب العالمين ( سلام قولا من رب رحيم ) . ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب . سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) فقوموا وهاجموا وتقدموا والله معكم . والله ولي الصابرين ، وناصر المجاهدين ، وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير .
____________________
(1/365)
الباب التاسع والعشرون خطاب عام إلى كافة علماء الإسلام بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي ! ( يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) ! وأشهد أن لا إله إلا الله حرم ( الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق ، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ، وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ) سبحانه أمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشدد وهدد حتى قال : ! ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ) ! وأشهد أن محمداً رسول الله المنزل عليه ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ، وأنذر عشيرتك الأقربين ) ، ! ( فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم ) ! ، ! ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) ! ! ( وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ) ! . اللهم صلي وسلم على من أرسلته شاهداً ومبشر ونذيراً ، وحرزاً اللأميين ، وسميته في التوراة المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق ولا يدفع
____________________
(1/366)
السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، وما قبضته حتى أقمت به الملة العوجاء ففتحت به أعيناً عمياً ، وآذاناً صماً ، وقلوباً غلفا ، بأبي هو وأمي [ صلى الله عليه وسلم ] ، جاهد في الله حق الجهاد حتى خرج يوماً إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى ' يا صباحاه ' فاجتمعت إليه قريش فقال : ' أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني ؟ قالوا : نعم . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ' فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تباً لك فأنزل الله ! ( تبت يدا أبي لهب وتب ) ! الخ رواه البخاري : بأبي هو وأمي [ صلى الله عليه وسلم ] ، لقد كان يطوف بالقبائل لتبليغ أمر ربه فيقف على كل قبيلة قائلا : ' يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا وأن تصدقوني ولا تمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به ' فيقول عدو الله عمه أبو لهب : يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى إلى ما جاء به من البدعة فلا تسمعوا له ولا تتبعوه ولقد قال لعمه أبي طالب لما أراد تثبيط همته : ' والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما فعلت حتى يظهره الله أو أهلك دونه ' ثم بكى وولى [ صلى الله عليه وسلم ] ولقد سخر وضحك منه المشركون وآذوه حتى ألقوا على ظهره وهو ساجد سلا الجزور ولقد خنق في سبيل الدعوة إلى الله خنقاً شديداً ، وأطعم الشاة المسمومة ووطئ ظهره وأدمى وجهه وكسرت رباعيته ومع هذا قال : ' اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ' . بأبي وأمي [ صلى الله عليه وسلم ] ، فلقد كان أكثر الناس اهتماماً واجتهاداً في تبليغ ما أمر
____________________
(1/367)
بتبليغه ، وأعظم حرصاً على دعوتهم إلى ما يسعدهم في دينهم ودنياهم ، وما زال كذلك حتى أنزل الله عليه : ! ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) ! ، ! ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) ! ، ! ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى ) ! صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، بأبي هو وأمي . صنع عقبة بن أبي معيط مرة وليمة ودعا لها كبراء قريش وفيهم رسول الله فقال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' والله لا آكل طعامك حتى تؤمن بالله ' فتشهد الرجل ، فبلغ ذلك صديقاً له فقال له : ما شيء بلغني عنك ؟ قال لا شيء ، دخل منزلي رجل شريف فأبى أن يأكل طعامي حتى أشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت له ، فقال له الخبيث وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً فلم تطأ عنقه وتبزق في وجهه وتلطم عينيه ففعل فأنزل الله فيه : ! ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ) ! بأبي هو وأمي ، [ صلى الله عليه وسلم ] قالوا فيه : معلم مجنون ، وقالوا : ( يا أيها الذين نزل عليك الذكر إنك لمجنون ) فقال الله له : ! ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم ) ! وقال له : ! ( فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون ) ! ولما قالوا فيما أوحى إليه : ! ( إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر ) ! قال الله في القائل : ! ( سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر ) ! ولما نهوا ونأوا عما جاء به وقالوا : ( إن هذا إلا أساطير
____________________
(1/368)
الأولين ) قال تعالى : ( وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ) ولما قالوا : ( إنما يعلمه بشر ) كذبهم الله بقوله : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) . فصل لقد نثر أبو طلحة الأنصاري في غزوه أحد كنانته بين يدي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وصار يقول له : وجهي لوجهك فداء ، وكان [ صلى الله عليه وسلم ] ينظر إلى القوم ليرى ماذا يفعلون ، فيقول له أبو طلحة : يا نبي الله بأبي أنت وأمي لا تنظر يصيبك سهم من سهام القوم ، نحرى دون نحرك ، فصلى الله عليه وسلم ورضي الله عن أبي طلحة . صار أبو دجانة سماك بن خرشة يدفع بترسه عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى صار النبل يقع على ظهره وهو منحن عليه حتى ملأ ظهره فصلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه ، وكان يقاتل عن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] زيادة ابن الحارث حتى أصابت الجراح مقاتله فأدنى من النبي [ صلى الله عليه وسلم ] حتى مات على قدمه فهنيئا له . ولقد حفر اللعين أبو عامر الراهب حفراً وغطاها ليقع فيها المسلمون فوقع الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في حفرة منها فأغمى عليه وخدشت ركبتاه فأخذ علي بيده ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما فرماه عتبة بن أبي وقاص بحجر كسر رباعيته فتبعه حاطب بن أبي بلتعة فقتله ، وشج وجهه [ صلى الله عليه وسلم ] عبد الله بن شهاب الزهري ، وجرحت وجنتاه [ صلى الله عليه وسلم ] بسبب دخول حلقتي المغفر فيهما من ضربة ضربه بها ابن قمئة غضب الله عليه ، فجاء أبو عبيدة وعالج
____________________
(1/369)
الحلقتين حتى نزعهما فكسرت في ذلك ثنيتاه ، فصلى الله تعالى عليه وآله وسلم ورضي الله عن أصحابه سادة أهل الأرض أجمعين ، وأعرف الناس برب العالمين ، وأحبهم إلى رسوله الأمين ، وأرحمهم بالمؤمنين ، وأغلظهم وأشدهم على الكافرين ، كما وصفهم الله بذلك في كتابه المفصل العربي المبين وفي كتب أنبيائه السابقين ، فقال وهو أصدق القائلين ! ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ) ! . رضي الله عنهم ، عبدوا الله حق عبادته ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، وأوذوا في الله أذى لا يطاق فصبروا فاجتباهم الله واختارهم لنصرة دينه ومؤازرة نبيه ، فعزروه ووقروه ونصروه ! ( فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما ) ! . فصل ولقد شاهد الصديق رضي الله عنه مع الرسول الأعظم [ صلى الله عليه وسلم ] في سبيل الدعوة إلى الله من الأهوال والبلايا وأنواع الأذى صنوفا وضروبا ،
____________________
(1/370)
فلقد كان أول خطيب دعا إلى الله عز وجل وإلى هدى رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى ثار المشركون عليه وعلى المسلمين في نواحي المسجد فضربوهم ضرباً شديداً . ووطئ أبو بكر وأوجع ضرباً ، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بالنعال على وجهه حتى ما يعرف أنفه من وجهه ، فأدخل بيته وهم لا يشكون في موته ، فجعل أبوه وبنو تيم يكلمونه وهو لا يرد جوابا . فلما أفاق كانت أول كلمة خرجت من فيه أن قال : ما فعل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ؟ فنالوه بألسنتهم . ولما خلت به أمه وألحت عليه لتطعمه جعل يقول لها : ما فعل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ؟ قالت : والله لا علم لي بصاحبك . فأقسم بالله أن لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى يرى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فلما أسكن الناس خرجت به أمه ومعها أخرى يتكئ عليهما حتى دخلتا على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فانكب عليه يقبله وانكب عليه المسلمون . فرضي الله عنه من صديق وصاحب ورفيق . لقد أرادوا منعه من تلاوة القرآن المجيد في مسجده الذي ابتناه بفناء داره للصلاة والقراءة والعبادة . ولقد حثا السفهاء على رأسه التراب ، ولقد خرج من بلده مهاجراً ودخل مع الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] الغار حتى نظر إلى الأعداء فرآهم فوق رءوسهم فقال : لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه ، فقال له النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ' وما كان حزنه جبناً منه ، وإنما كان إشفاقاً على الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ولذا قال : إن أقتل فأنا رجل واحد ، وإن قتلت هلكت الأمة . وهكذا يكون الحب في الله وإلا فلا ، فرضي الله عنه وأرضاه .
____________________
(1/371)
ولقد خرج ولده عبد الرحمن قبل إسلامه من صفوف المشركين يطلب البراز فأراد أبوه أن يبرز له فقال له النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' متعنا بنفسك يا أبا بكر ' فبخ بخ لك أيها الصديق . نعم حقاً لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض لرجح إيمانك على إيمان أهل الأرض جميعاً . ورضي الله عن عمر بن الخطاب حيث كان يقول على المنبر : يا معشر المسلمين ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا كذا ؟ وميل رأسه . فقام إليه رجل فسل سيفه وقال : أجل كنا نقول بالسيف كذا وأشار إلى قطعه ، فقال : إياي تعني بقولك ؟ قال : نعم ، إياك أعني بقولي ، فنهره عمر ثلاثاً وهو ينهر عمر ، فقال عمر : رحمك الله ، الحمد لله الذي جعل في رعيتي من إذا تعوجت قومني ، ولقد كان يرفع يديه إلى السماء ويقول : اللهم كبرت سني ، وضعفت قوتي . وانتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط ، وكان يقول : اللهم ارزقني شهادة في سبيلك ، واجعل موتي في بلد رسولك ، ولقد كان رضي الله عنه إذا أقيمت الصلاة مر بين الصفوف ، ويقول : استووا حتى إذا لم ير فيهن خللا تقدم فكبر للصلاة ، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل حتى يجتمع الناس ، فما هو إلا أن كبر فسمعوه يقول : قتلني أو أكلني الكلب ، حين طعنه الخبيث أبو لؤلؤة ، وطعن معه ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة ، ثم طعن نفسه . وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه للصلاة ، ثم حمل إلى بيته مغشياً عليه حتى أسفر النهار ، فلما أفاق قال هل صلى الناس ؟ فقالوا : نعم . فقال : لا إسلام لمن ترك الصلاة ، ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى . وبعد قليل ارتحل إلى رحمة ربه ورضوانه الأكبر . ورضى الله عن عثمان بن عفان الذي حبس عن الصلاة وأحصر أياماً وليالي بلا ذنب ، ومنع عنه الماء بلا خطيئة ، وقتل ضربا بالسيف وهو
____________________
(1/372)
وهو صائم وهو يقول بيني وبينكم كتاب الله ، رضي الله عنه ، رأى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأبا بكر في منامه فقالا له : ' صبرا فإنك تفطر عندنا القابلة ' فأصبح صائماً وقتل من يومه . ورضي الله عن ابن عم الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] المقتول فجراً وهو ينادي المؤمنين : الصلاة الصلاة ، غفر الله له ورحمه ، ما أعدله وأعظم إنصافه ، قال لابنه الحسن : انظر يا حسن إن أنا مت من ضربتي فاضربه بضربة ولا تمثلن بالرجل ، فإني سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور ' ثم دعا ولديه فقال لهما : أوصيكما بتقوى الله ، ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ، ولا تبكيا على شيء زوى عنكما ، وقولا الحق ، وارحما اليتيم ، وأعينا الضائع ، واصنعا للأخرى ، وكونا للظالم خصيما ، وللمظلوم ناصراً . واعملا بما في كتاب الله ، ولا تأخذكما في الله لومة لائم ' وأوصى محمد بن الحنفية بهما وأوصاهما به ، ثم كرر للحسن الوصية فقال : أوصيك أي بني بتقوى الله ، وإقام الصلاة لوقتها ، وإيتاء الزكاة عند محلها ، وحسن الوضوء فإنه لا صلاة إلا بطهور ، وأوصيك بغفر الذنب ، وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، والحلم عن الجاهل ، والنفقة في الدين ، والتثبت في الأمر ، والتعاهد للقرآن ، وحسن الجوار ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، واجتناب الفواحش ، ثم لم يزل يذكر الله حتى مات رضي الله عنه . ورضي الله عن حمزة عم النبي [ صلى الله عليه وسلم ] الذي قتل شهيداً فبقرت هند زوج أبي سفيان بطنه . وأخذت كبده لتأكلها فلاكتها بفمها ثم أرسلتها ، وارض اللهم عن خبيب بن عدي ، قال لهم حينما أرادوا قتله : ( ولست أبالي حين أقتل مسلماً ** على أي جنب كان في الله مصرعي ) ( وذلك في ذات الإله وإن يشأ ** يبارك على أوصال شلو ممزع )
____________________
(1/373)
ولله در سعد بن أبي وقاص إذ يقول : إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله ، وكنا نغزو مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة ، فرضي الله عنه . ورحمة الله وبركاته على الأنصار الذين كانوا يوم الخندق يقولون : ( نحن الذين بايعوا محمداً ** على الجهاد ما حيينا أبداً ) فيجيبهم [ صلى الله عليه وسلم ] بقوله : ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ** فاكرم الأنصار والمهاجرة ) وعفا الله عن أهل خيبر ، إذ كان يقول قائلهم : ( تالله لولا الله ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا ) ( ونحن عن فضلك ما استغنينا ** فثبت الأقدام إن لاقينا ) ( وأنزلن سكينة علينا ** إن الأولى قد بغوا علينا ) أ فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ' من هذا ؟ ' فقال : أنا عامر ، قال : ' غفر لك ربك ' فمات ليومه شهيداً مغفوراً له فهنيئاً له . وأسبغ اللهم كامل ووافي رحماتك وإحسانك على سائر المهاجرين والأنصار وعلى عبد الله بن رواحة الأنصاري الجليل إذ كان آخذا بزمام ناقة الرسول الأعظم [ صلى الله عليه وسلم ] يقودها وهو داخل مكة وهو يقول : ( باسم الذي لا دين إلا دينه ** باسم الذي محمد رسوله ) ( خلوا بني الكفار عن سبيله ** اليوم نضربكم على تأويله ) ( كما ضربناكم على تنزيله ** ضربا يزيل الهام عن مقيله ) ( ويذهل الخليل عن خليله ** قد أنزل الرحمن في تنزيله ) ( في صحف تتلى على رسوله ( بأن خير القتل في سبيله ) ( يا رب إني مؤمن بقيله ** )
____________________
(1/374)
فصل ولقد أوذي في الله بلال بن رباح ، كان مملوكا لأمية بن خلف الجمحي فكان يجعل في عنقه حبلا ويدفعه إلى الصبيان يلعبون به وهو يقول : أحد أحد ، ولم يشغله ما هو فيه عن توحيد الله ، وكان أمية يخرج به وقت الظهيرة في الرمضاء وهي الرمل الشديدة الحرارة لو وضعت عليها قطعة لحم لنضجت ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول : لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد ، وتعبد الللات والعزى فيقول : أحد أحد ، رضي الله عنه وأرضاه . ورضوان الله عن خباب بن الأرت إذ يقول : أتيت النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وهو متوسد برده وهو في ظل الكعبة ، ولقد لقينا من المشركين شدة ، فقلت : ألا تدعو الله - يعني على الكفار - قال : فقعد وهو محمر وجهه فقال ' لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه ' الحديث ، وعنه في رواية : ' شكونا إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قلنا له : ألا تدعو لنا ؟ قال : كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ' . رضي الله عنه كانت مولاته تعذبه بالنار ، فتأتي بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره فلا يزيده ذلك إلا إيماناً بالله وحبا في رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] ، وتحيات ربي ورحماته على القراء السبعين القتلى في سبيل الله ببئر معونة ؛ القائلين عند موتهم : ألا بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه اللهم ارض عن المؤمنين منهم والمؤمنات منهن ، وعن عائشة وأم سليم ، فلقد كانتا كما قال أبو طلحة : رأيتهما وإنهما لمثمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب على
____________________
(1/375)
متونهما تفرغانها في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم فرضى الله عنهما وعن زنيرة التي عذبها المشركون في الله حتى عميت فلم يزدها ذلك إلا إيماناً وكذا أم عنيس كانت أمة لبني زهرة ، وكان يعذبها الأسود بن عبد يغوث حتى أعتقها الصديق رضي الله عنه وعنهما . ورضي الله عن لبينة أسلمت قبل عمر وكان عمر يعذبها حتى يسأم ، ويقول لها : إني لم أدعك إلا سآمة ، فتقول : كذلك يفعل الله بك إن لم تسلم ؛ ورضى الله عن أم ياسر أغلظت القول مرة لأبي جهل فطعنها في قبلها بحربة في يده فكانت أول شهيدة في الإسلام فرضى الله عنها ، ولعنات الله عليه ، وقف طريد الله على باب أبي بكر فقال لابنته : أين أبوك ؟ فقالت : لا أدري ، فرفع يده فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها ، فرضى الله عنهم وعنهن أجمعين . وعن الأنصار منهم والمهاجرين ، وعن كبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم ، وحرهم وعبدهم ، وعربيهم وعجميهم ، وفارسيهم وحبشيهم ، نصروا الله فنصرهم ، وأعزوا دينه فأعزهم قال المنافقون ! ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) ! فكذبهم الله وسفه أحلامهم ، فقال : ! ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ) ! . فهم لا غيرهم حزب الله الذين بشروا بقول الله : ! ( ألا إن حزب الله هم المفلحون ) ! وهم لا غيرهم الموصوفون بقوله تعالى ! ( يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) ! .
____________________
(1/376)
فسبحان من اجتباهم واصطفاهم واختارهم وارتضاهم جندا وحزبا وعسكرا وأنصارا وعبادا له ، وتكفلهم بنفسه فقال : ! ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) ! نصرهم على ضعفهم وقلتهم وبشرهم بأنهم لا غالب لهم ، فقال : ! ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم ) ! وقال ! ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ) ! . فهم لا غيرهم المخاطبون أولا بقول الله تعالى ! ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) ! فكانوا كما أحب الله منهم وأراد وهم هم الذين قال لهم ! ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ! فكانوا والله كما أحب الله منهم وأراد ، فكانوا يقاتلون أبناءهم وإخوانهم وأقاربهم وأعز الناس إليهم من أهل الكفر والطغيان ، وكانت أموالهم كلها تنفق في سبيل الله ، ذلك بأنهم هم ( المؤمنون الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله ، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) . ( فرضى الله عنهم جميعاً وعن الفقراء والمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم
____________________
(1/377)
وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله ؛ أولئك هم الصادقون ) ورضى الله عمن خاطبهم الله بقوله : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير ) رضى الله عنهم لما حرضهم على الجهاد بقوله : ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ، وترجون من الله مالا يرجون وكان الله عليما حكيما ) فاستجابوا لربهم : ( فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ) . ولهذا قال تعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار ، رحماء بينهم ) الآيات . ولهذا قال تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) ولهذا قال تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) . ولهذا قال الله فيهم ( لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ، ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيما ) . ولهذا قال فيهم الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] كما في البخاري : ' لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ' ولهذا قال فيهم الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] كما في البخاري أيضا : ' خير الناس قرني ؛ ثم
____________________
(1/378)
الذين يلونهم ؛ ثم الذين يلونهم ؛ ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ؛ ويمينه شهادته ' . وقال فيهم الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] كما في البخاري أيضاً ' لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة . أو فقد غفرت لكم ' فهنيئا لكم ثم هنيئا لكم فرضى الله عنكم وأرضاكم ؛ فرحمات ربي وبركاته وتسليماته وزاكياته عليكم أصحاب محمد رسول الله ؛ الحمادين لله ؛ والصابرين ؛ في البأساء والضراء ؛ والمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ؛ المحبين للرسول الأعظم حبا هو أكبر وأرفع وأجل من أموالهم وأولادهم . بل ومن أنفسهم التي بين جنوبهم . أما بعد . فيقول محمد بن أحمد عبد السلام . رحمه الله وهداه ووفقه إلى سبل السلام . واسكنه وذريته وعشيرته دار السلام . مخاطبا كافة علماء الإسلام الخاص منهم والعام . وفي مشارق الأرض ومغاربها . أيها السادة الكرام . والأئمة الأعلام . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد : فإن أمتنا هذه الأمة الإسلامية ، قد بلغت قديما من الفخر والمجد . والرفعة والارتقاء ما لم يسبق له نظير . ولا يشهد التاريخ بمثله . ملكو على ضعفهم وقلة عددهم ممالك ملوك الأرض . فكانوا يرسلون رسلهم إلى أعاظم الملوك يخيرونهم بين ثلاثة أمور : إما الإسلام . وإما أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون . وإما إيقاد نار الحرب بينهم حتى ترفع راية التوحيد فوق الرءوس . وتنكص راية الشرك تحت الأقدام . ملؤا الأرض توحيداً وإيمانا . وعلما وحكماً وحكمة . وعدلا . ملؤا الأرض بالعلوم والمعارف . والصدقات والصلوات والأذكار . وبعبادة الله الواحد القهار ! ( فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ) ! . أما نحن الآن أيها السادة العلماء فقد أصبحت حالنا تدمى العيون وتسقط
____________________
(1/379)
القلوب وتفتت الكبود ، بل وتقتل النفوس الحية قتلا ، وإليكم أشياء أذكرها لكم تبين لكم ما حل بهذه الأمة من الجهالة والضلالة والغباوة التي أضاعتها وأسقطتها بين سائر الأمم بعد أن كانت أعظم أمة وسيدة الأمم كلها . ( 1 ) العلماء كثيرون جداً لا سيما في زماننا هذا ، وكثرتهم كعدمها لأنهم تركوا الجهاد في الله الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، اللذان هما روح هذا الدين وبهما قوامه ورقي أهله وتقدمهم على أقرانهم بالعلم والعمل ، ثم إن من أمر ونهي ووعظ منهم وذكر ، وهم قليلون جداً لا تراهم أبداً يتكلمون فيما رأوا الناس قد وقعوا فيه من المخالفات والمنكرات وينبهونهم على التمسك بمجد أسلافهم الذي كان سبباً لرقيهم وتفوقهم على سائر أقرانهم ، فلا تراهم يعظون بعظات القرآن القيمة النافعة المؤثرة أبداً ، فإن وعظ بالقرآن منهم واعظ لا تراه إلا قد أضاع ثمرة وعظه بذكر أوجه الإعراب والنحو والصرف بين العوام والجهلة كأنه لا يريد منهم إلا أن يقولوا فيه : هو عالم كبير ، فيقومون ولم يستفيدوا منه شيئاً ، بل قد استفادوا أنهم أبعد الناس عن فهم معاني كتاب الله ، وأنهم ليسوا أهلا له وأن هذا شيء يترك لأربابه لصعوبته ، مع أن المسألة بالعكس ، فإن الله تعالى يقول : ! ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) ! ويقول : ! ( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ) ! ، وقال تعالى : ! ( وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ) ! وقال سبحانه : ! ( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) ! أي بين ظاهر واضح ، ومع وضوحه هذا فقد أرسل الله رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] ليزيده بيانا ووضوحا كما قال تعالى : ! ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) ! . إنك لا تراهم أبدا يقرءون على الناس حديثا من أحاديث الرسول . فإن قرأ منهم قارئ فعلى النظام المتقدم ذكره ، بل قد سمعنا كبراءهم يقولون : إنا
____________________
(1/380)
لسنا أهلا لفهم كلام الرسول فلا نقرأه إلا تعبداً ، ويكفينا من قراءة الحديث أنا نصلي على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كلما ذكر ، بل قد أنكر علينا بعض كبار وعاظ المديريات أنا نلقن ونحفظ إخواننا العوام الأحاديث النبوية بحجة أنهم ربما يستشهدون بالحديث في غير موضع الاستشهاد به . فقلت : يا سبحان الله ! أفلا ننهى الناس عن قراءة القرآن لئلا يستشهدوا به في غير موضع الاستشهاد فنكون قد أضعنا الدين كله ؟ عياذا بالله . ثم إن وعظهم وتذكيرهم على المنابر لا يخرج عن قراءة ما سطر في دواوين من قبلهم وهي لا تفيد الناس شيئا وإنما يفيدهم وعظهم بكلام ربهم وكلام نبيهم . وأن تدريسهم لا يخرج عن قراءة حواشي وشروح المتأخرين وهي على بعدها عن الهدي النبوي وتبعيدها لقارئها لا تفيده شيئا من الحقائق الدينية إذ أن معظمها آراء وأفهام ، ومنها ما ليس له أصل ، ومنها ماله أصل ضعيف لا يعول عليه . فهي علوم لا ترقى النفوس ولا تهذب الأخلاق ولا تنهض بها لا نهوضا دينيا ولا دنيويا . ولهذا تجد الكثير منهم لا يخاف الله ولا يخشاه ، ولا يستحي من الناس . وقد سمعنا من طلاب العلم الأتقياء الصلحاء أن من كبار مدرسي الأزهر من يتركون الصلاة جهاراً من غير مبالاة والعياذ بالله ، وإن هذا لهو البلاء العظيم والفساد الكبير ، والشر المستطير ، وإن أردت أن تقف على حقائق مجاهرتهم بالعصيان فجالسهم في الأرياف تر وتسمع عنهم ما لم يكن يخطر لك على بال وذلك كله بسبب أنهم لم يطلبوا العلم لله وإنما طلبوه للوظائف والمرتبات الضخمة فلما تحصلوا على مطالبهم أعرضوا ونأؤا بجانبهم عن خالقهم ورازقهم ثم هم مختلفون على الدوام ، فلا تراهم أبداً إلا ويطعن بعضهم على بعض ، ونيران الخلاف والنزاع موقدة بينهم ، وقد أمرهم الله سبحانه بأن يعتصموا بحبله جميعاً
____________________
(1/381)
ولا يتفرقوا ، ونهاهم عن التفرق والاختلاف والنزاع فقال تعالى : ! ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) ! . وقال : ! ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ! فأبوا إلا مخالفة القرآن الكريم ، والنزاع الشديد الذي أدى الكثير من الناس إلى الشك والارتياب والاضطراب ، هذا مع أن اتفاقهم سهل وقريب جداً لو جانبوا الهوى والتعصب المذموم ، واتبعوا كتاب الله وما جاء عن رسوله . قال تعالى : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) ، وقال : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) ، وقال : ! ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء ) ! ، وقال : ! ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ! ، ! ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ! ، فالرجوع إلى الكتاب والسنة وكلام أئمة السلف الصالح يحسم كل نزاع ، ويبين كل مشكل ، فإن الكتاب والسنة لم يتركا شيئاً من أصول الدين ولا من فروعه إلا بيناه . قال تعالى في وصف كتابه : ( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) ، وقال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ . وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ' ، فهذا الداء والدواء فلماذا استحبوا الداء على الدواء والعمى على الهدى والعذاب بالمغفرة ؟ فإنا لله ! . ( 2 ) القراء حملة القرآن ، وهم أجهل الناس وأبعدهم عن فهم معاني القرآن وتدبر آياته وعظاته وأحكامه والاستنارة بأنواره ، والاهتداء بهدايته فلا يفهمون منه قليلا ولا كثيراً ، ولم يذوقوا لطعمه وحلاوته كبيراً ولا صغيراً ولهذا تراهم يقعون في الجرائم والموبقات وكبائر الذنوب ، هم وأولادهم وعشائرهم ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، ولا ألوم إلا العلماء إذا لم يرشدوهم . ( 3 ) عوام المسلمين وهم أكثر الأمة ، وهؤلاء قد استعبدهم واستذلهم
____________________
(1/382)
جماعة الإفرنج وأصحاب المعامل منهم بل واشتروهم بأبخس الأثمان وأعرف منهم أكثر من مائة ألف في فابريقات السكر والسبرتو والأسمنت والنور والترام ، والمعامل الأجنبية نذكر عنهم بعض ما نشاهده من أحوالهم وأهوالهم وبلاياهم التي يعيشون فيها أبد الآبدين هم وذرياتهم ومن خلف منهم . هؤلاء أجهل ممن قبلهم بكثير ، وأكثرهم لا يعرفون دينا ولا صلاة ولا جمعة ولا جماعة ، ولم يشموا رائحة الحرية العربية الإسلامية ، ولذا تراهم يعملون في هذه المعامل أعمالا لا تطيقها الفيلة بأبخس الأجور ، أعرف منهم ألوفاً يخرجون من بيوتهم في الشتاء بعد نصف الليل بساعتين فلا يزالون في كرب وعناء وشقاء إلى غروب شمس اليوم الثاني ، يعمل أحدهم في اليوم أكثر من عشر ثيران ، وأجرهم ما بين أربعة قروش إلى ستة قروش إلى عشرة ، والدون جداً من اللباس ، والعشرة لمن بلغ من سنه الخمسين أو الستين سنة يعمل ، والأدهى أنهم في أثناء عملهم لا يستريحون ولا لحيظة واحدة . ولا يلبسون إلاّ الخيش ، ولا يأكلون إلا الذرة واللفت والمش والبصل والدون من الطعام ، ولقد ألقينا مرات عديدة لكلاب الإفرنج طعاما من عيشهم فكانوا يشمونه ثم يتولون . والإفرنج قد سلطوا على هؤلاء المساكين وحشا من جنسهم من أحقرهم وأجهلهم يسومهم سوء العذاب ، ويحملهم على العمل ما لا يطيقون ، ويضربهم على أقفائهم ووجوههم لأدنى الأسباب ليرضي سادته الفجرة من الإفرنج الذين صار لديهم بفعله هذا في أبناء جنسه أعز الأحباب لا راحة لهؤلاء أبداً أسبوعية ولا شهرية ولا سنوية إلا أن من كسر منهم عالجوه ، ثم في أحط الأعمال
____________________
(1/383)
الدنيئة الأجر نقلوه ، فإن حرك فاه ببنت شفة أخرجوه وطردوه ، فيرى نفسه المسكين كسير الذراع أو الرجل أو مقطوع اليد أو الأصابع أو القدم لا يمكنه أن يعمل لمصلحة نفسه ولا يقبله أحد يعمل عنده ، فيرجع إلى ' العلج ' مقبلا نعله قائلا له : معليهش اعمل معروف يا خواجة أنا عندي أمي وأختي وابني وامراتي أكلني عيش عندك والحق على سقت عليك النبي ، لا يمر شهر واحداً أبداً وإلا ويكسر من هؤلاء المساكين كسير أو يقتل منهم قتيل يضيع دمه هدراً . ومحال ثم محال أن إفرنجيا يبدأ عربياً بالتحية ، بل هي فرض واجب على العربي يؤديها للإفرنجي في جميع حركاته وإلا فهو ' هو مار ابن كالب ' لقد أداهم الذل إلى أن أحدهم يصفع على وجهه وقفاه فلا يمكنه أن يقول لضاربه الإفرنجي : لم ضربتني ؟ ؟ بل لا يمكنه أن ينظر إليه بعينه ، بل قد رأيت إفرنجيا مرة يضرب مصرياً على وجهه ضرباً شديداً ثم جاءه أخوه المصري فزاده ضربا ، فسألت عن السبب فقيل لي : كان واقفا متكئا على رجله ورئيسه الإفرنجي مار به فلم يعتدل ، فقلت : أف أف . ولقد رأيت الإفرنج يضربون كبار موظفي العمال على وجوههم حتى تلقى عمائمهم بالأرض قلا يتكلمون كلمة ، ولقد بلغ بهم الرعب إلى أن العشرين أو الثلاثين منهم إذا كانوا جالسين يفرون هاربين عندما يرون شخصا ما يضاهي لباسه لباس الإفرنجي ، ولو كان المرئي بريق نعل . ووالله الذي لا رب غيره إن طعام كلاب الإفرنج لخير من طعام هؤلاء المساكين المتاعيس بكثير ، وإن نفوس كلاب الإفرنج لأعز من نفوس هؤلاء المحاويج ، وأن أحقر إفرنجي لهو خير وأعظم من مائتين أو أكثر من هؤلاء المتاعيس ، ذلك لأن الإفرنجي لو جرح لكوفئ بكثير من الجنيهات
____________________
(1/384)
مع أخذ مرتبه الشهري تاماً أيام جرحه أو مرضه ، ولو مات لكوفئ بألوف من الجنيهات ، أما العربي المصري أو غيره فلو قطع عندهم قطعاً ما كوفئ إلا بقليل من الملاليم ، ولو مرض أو جرح رجلان : إفرنجي وعربي فذهب بهما إلى المستشفى لوضع الإفرنجي في أعلى دور وأحسن سرير والعربي في أسفل موضع وأقذر مكان . إن أكثر نساء هؤلاء المرازئ غسالات عند أسيادهم الإفرنج ، وإن أبناءهم لخادمون لأبنائهم ، وإنهم ليرون ذلك راحة بل وعزاً ، فيقولون : الحمد لله الولد ياكل مكرونة ومبسوط والمرأة هناك تاكل طول النهار . فمن لإنقاذ هؤلاء الأشقياء الذين اجتمع عليهم فقر الدنيا وعذاب الآخرة ؟ من يبلغهم أن أمتهم الإسلامية وأجدادهم وأسلافهم كانوا أعز الناس وأشرف الناس ، بل ما أسس أساس الحرية والعدل بين الناس إلا آباؤهم الأولون ؟ من يبلغهم أن كتاب الله القرآن يأبى ذلك ؟ من يبلغهم أن شرعة الرسول تأبى لهم ذلك ؟ من يبلغهم أن سيرة أبي بكر وعمر والخلفاء تحارب ما هو دون ذلك بمراحل ؟ إنه لا يبلغهم ذلك إلا أنتم أيها العلماء ، ولا يتلو عليهم هذا الكتاب المبين الذي يرفع قارئه إلى أعلا عليين إلا أنتم يا علماء ، إنه لا ينقذهم من ذلهم هذا واستعبادهم إلا تلقينكم إياهم الأنوار الربانية ، والأسرار القرآنية ، فإن القرآن ! ( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) ! . فصل أيها العلماء إن الله تعالى يقول في كتابه ! ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) ! فقد أصبح المؤمنون الآن بلا عزة بسبب أنكم لم تبينوا لهم أسباب العزة التي
____________________
(1/385)
أعز الله بها المؤمنين السالفين فيسلكون سبيلها ، فأنتم السبب في وقوعهم في هذا الذل الكبير ، بل انقلبت عليهم آية ( ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ) فكأنها ما أنزلت في المسلمين . يا علماء الإسلام : يقول الله في كتابه ! ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) ! ، ويقول سبحانه : ! ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) ! ، فصفة المؤمنين عند الله أن يكون أحدهم شديداً عنيفاً على الكفار ، رحيماً براً بالأخيار ، غضوباً عبوساً في وجه الكفار ، ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن ، كما قال تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ) ! . هذا وإن الألوف وألوف الألوف ممن يتسمون بالمسلمين والمؤمنين ليقفون أمام اليهودي الحقير ليس الكبير أو النصراني الدنيء أذل من الشاة إن خاطبه خاطبه وهو خاشع ذليل بين يديه لا يرفع إليه رأسه ولا طرفه كأنه واقف بين يدي رب العالمين وأحكم الحاكمين . هذا مع أن الله قد وصف هؤلاء الكافرين والمنافقين بأنهم أجبن الجبناء وأضعف الضعفاء ؛ قال تعالى : ! ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ) ! أي وكانوا أشكالاً حسنة ، وذوي فصاحة وألسنة . وإذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم ، وهم مع ذلك في غاية الضعف والخور والهلع والجبن والجزع ! ( كأنهم خشب مسندة ) ! أشباح بلا أرواح ، وأجسام بلا أحلام ليست بأشجار تثمر ولكنهم خشب مسندة إلى حائط ! ( يحسبون كل صيحة عليهم ) ! أي كلما وقع أمر أو كائنة أو خوف يتعقدون لجبنهم أنه نازل بهم كما قال تعالى : ( أشحة عليكم ، فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ؛ فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة
____________________
(1/386)
حداد أشحة على الخير ، أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا ) فهم جهامات وصور بلا معاني ، ولهذا قال تعالى : ( هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ) . وقال تعالى : ( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ) أي أنتم يا معشر المسلمين تخافكم الكفار ، وترهب منك أشد وأكثر من خوفهم من الله ، وذلك بسبب أنهم لم يعقلوا عن الله شيئا ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) . وقال تعالى فيهم ( تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ) أي تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين وهم مختلفون غاية الاختلاف ، فتبين بهذا أن سبب جبن وضعف قلوب هذه الأمة وخورهم وهلعهم وجزعهم إنما هم العلماء الصامتون البكم الذين لا ينطقون ، ولم يبينوا هذه الأنوار والعلوم المشجعة للقلوب ، المحرضة للنفوس على العزة والشرف ، الرافعة للأمة ، الخافضة للعدو فويل لهم ثم ويل لهم إن لم يتوبوا من وعيد آيته ( إن الذين يكتمون ) فصل ويقول الله تعالى : ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا والذين هم محسنون ) ومعنى
____________________
(1/387)
الذين اتقوا أي تركوا المحرمات ! ( والذين هم محسنون ) ! أي فعلوا الطاعات فهؤلاء الله يحفظهم ويكلؤهم ويؤيدهم بنصره ويظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم وقد جردت الأمة العربية من هذا كله ، اللهم إلا بقية قليلة . إن أكثر الأوامر القرآنية والسنن النبوية قد هجرت ، وتركت ظهريا ، وكل المناهي التي نهى الله ورسوله عنها قد انتهكت وارتكبت . بل قد أصيب المسلمون بما لم يصب به اليهود والنصارى من العداوة والقسوة والغلظة بسفك دمائهم وبغيهم وظلمهم لبعضهم ، وهذا يدل على أن أكثر المسلمين ليسوا متقين ولا محسنين ، فجردوا من المعية الإلهية الخاصة بالمتقين والمحسنين ، ولهذا ساءت حالهم ؛ وهو يدل أيضاً دلالة واضحة على سكوت العلماء ونومهم عن أداء ما كلفوا به وطوقوا بتبليغه ، وهو واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي الحديث الذي رواه البزار والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم ، وحسنه السيوطي ، فالعلماء بسكوتهم هم المفرطون والمقصرون . بل وهم المسقطون لهذه الأمة السامية . فصل وقال تعالى : ! ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) ! أي أن رحمته مرصدة للذين يحسنون فيتبعون أوامر الله التي نطق بها كتابه وسنة رسوله ، ويتركون ما نهى الله ورسوله في القرآن المجيد والسنة المطهرة . وفي هذه الآية دليل على أن رحمه الله أصبحت بعيدة كل البعد عن المسلمين ، إذ أصبحوا يكفرون بالله العظيم
____________________
(1/388)
في اليوم أكثر من عشرين مرة هم ونساؤهم وأبناؤهم وبناتهم ، إنك لا تمر في مكان إلا وتسمع أفواههم تمطر شتما وسبا للدين الإسلامي ، ولذلك سلط الله عليهم من لا يرحمهم : اليهود والنصارى لا يأكلون إلا من أيديهم ، وهم وآباءهم وأبناؤهم ونساؤهم خدم عندهم بأحقر أجرة ، والله الذي لا رب غيره إن أعمالهم التي يعملون فيها لأشقى بكثير من أعمال مساجين أبو زعبل وقرة ميدان وطرة لا يأكلون ولا يشربون ولا يلبسون إلا أحقر طعام وشراب ولباس ولا يعيشون إلا عيشة هي والله عندي أقل وأذل من عيشة الكلاب . والذي أرداهم وأسقطهم وأذلهم وأوقعهم في هذا الاستعباد إنما هم علماؤهم لا غير ، والله لو بينوا للناس جمال وكمال ومزايا وفضائل ومحاسن الكتاب العزيز والسنة الغراء ما اتخمت الأمة هذه التخمة ولا خملت هذا الخمول المزري المخجل ، فالتبعة عليكم أيها العلماء ، فالتبعة عليكم ، وهل يقرأ القرآن وكلام الرسول الأعظم إنسان عاقل مفكر أو يسمعه ثم يعيش خاملا ؟ أنا وأنتم جميعا نقول : لا لا لا . فصل وقال تعالى : ! ( إنما يتقبل الله من المتقين ) ! أقول : إنه ليس أحد على وجه الأرض أعلم ولا أعرف بالله وبما يحبه ويرضيه عنه ولا أتقى له ممن قرأ كتابه وكلام رسوله الأعظم ، ولذا كان الواحد من أصحاب الرسول الأعظم يرجح إيمانه على إيمان أهل الأرض جميعاً واهتز عرش الرحمن لموت أحدهم ، وكانوا يستمطرون فيمطرون فوراً ، ويدعون فيستجابون ، ذلك بأنهم هم المتقون و ! ( إنما يتقبل الله من المتقين ) ! فهل لو اجتمعت هذه الأمة بحذافيرها يدعون الله أن ينقذهم من أيدي هؤلاء الكافرين أعدائهم أكان الله متقبلا منهم ومستجيبا لدعائهم ؟ كلا والله ، ذلك بأن الله أخبر أنه يتقبل من المتقين ، وليسوا
____________________
(1/389)
جميعاً في شيء من التقوى المأمور بها في القرآن ، وذلك لأن العلماء لم يبينوا للناس حقائق التقوى القرآنية النبوية ، التي بسببها يرضى الله عنهم ، ويستجيب لهم دعاءهم ، ويكشف عنهم كروبهم ، ويصرف عنهم عدوهم ، وينصرهم ويجيرهم ويرفعهم ويرزقهم . فصل وقال تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإنه له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آيتنا فنسيتها ، وكذلك اليوم تنسى ) أي من خالف أوامر ربه المبينة في كتابه وسنن نبيه وتناساها فإنه يعيش في الدنيا معيشة كلها هموم ، وأحزان وأكدار وغموم ثم يحشره الله يوم القيامة بين الناس أعمى ؛ حينما يسعى نور المؤمنين والمؤمنات العاملين بكتاب الله وشرعة رسوله الأعظم بين أيديهم وبأيمانهم فيقول : ! ( رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ) ! أي في الدنيا ؛ فيقول الله تعالى له : ! ( كذلك أتتك آياتنا فنسيتها ) ! أي فتركتها وغفلت عنها وأعرضت ! ( وكذلك اليوم تنسى ) ! أي تترك في نار جهنم بذهولك عن القرآن الكريم وسنن النبي العظيم ، فالنسيان هنا معناه الترك ! ( وما كان ربك نسيا ) ! سبحان رب ! ( لا يضل ربي ولا ينسى ) ! . يقول محمد : فالسبب الأعظم في ضنك عيش المسلمين واقتيات أكثرهم من أيدي النصارى واليهود أظلم الظالمين ، إنما هو إعراضهم عن كلام رب العالمين ، ولو أنهم آمنوا واتقوا لفتح الله عليم بركات من السماء والأرض ، ولو أنهم أقاموا كتاب الله وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولو اتقوا الله لجعل لهم من أمرهم يسراً ، ولجعل لهم من كل هم فرجا ، ومن كل
____________________
(1/390)
ضيق مخرجاً ، ورزقهم من حيث لا يحتسبون ، ولرزقهم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتعود بطانا . ثم إن العلماء لما أعرضوا عن كتاب ربهم أصابهم أيضاً ضنك العيش فأصبحوا يقفون على أبواب الظالمين أبناء الدنيا أرباب المناصب الشهور والسنين لتحصلوا منهم على وساطة لوظيفة يقتاتون منها ، فضاعوا وأضاعوا أمتهم وضلوا وأضلوا ؛ هذا وإن الله سبحانه قد تكفل لكل عبد عمل الصالحات بالحياة الطيبة في الدنيا وفي الآخرة يوفيه أجره أضعافا مضاعفة ، كما قال تعالى : ! ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ! فتبين بهذا أن إعراض العلماء عن الدين والكتاب المبين هو السبب الأكبر في ضياع هذه الأمة المسكينة ، ولو أخذوا بيدها لرفعوها إلى أعلا عليين ، وسادوا أهل الأرض إلى يوم الدين . ولعل قائلا يقول : هؤلاء اليهود والنصارى أكفر الناس بالله وأعصاهم له ، وإنا لا نراهم إلا في أرغد العيش وأرفهه ، وألذ القوت وأطيبه ، فما لهم لم يصابوا مثلها بضنك العيش وضيق الرزق ؟ فالجواب : أن الله سبحانه ممهلهم وسيأخذهم قريبا أخذ عزيز مقتدر ، فهو استدراج منه تعالى ! ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) ! كما قال تعالى ! ( وأملي لهم إن كيدي متين ) ! وقد أخبر تعالى عن إخوان هؤلاء الكافرين خبراً تقشعر منه جلود المؤمنين فقال : ( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ، فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ، ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ، فقطع دابر
____________________
(1/391)
القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) وقال تعالى : ( أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) وقال : ( لولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ، ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتكئون ، وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ) . أما أمتنا هذه فلا شك أن علماءها ورؤساءها لو تنبهوا فتعاونوا على البر والتقوى ، وآمنوا بالله حق الإيمان ، واتقوه حق التقوى ، ورفعوا القرآن والسنة فوق كل شيء لرفعهم الله حقا كما رفع سلفهم ، وأعزهم كما أعز سلفهم واقرءوا إن شئتم : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) واقرءوا إن شئتم : ( ألر ، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ، أن لا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير ، وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ، وأن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ) فما أصاب هذه الأمة من البلايا والرزايا والسقوط في جميع أحوالها إلا بما اجتنوه على أنفسهم ، قال تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) . فصل وقال جل ذكره : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ، ويجعل لكم نوراً تمشون به ، ويغفر لكم والله غفور رحيم ) . أقول : لو أن علماءنا وقادتنا واتقوا الله وآمنوا بالله ورسوله إيمانا صحيحا ،
____________________
(1/392)
لجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، ولحاربوا كل فحش ومنكر . ولقاتلوا بسيوف علومهم الربانية النبوية كل رذيلة وقبيحة ، ولقاوموا كل بدعة وضلالة ، ولغشيتهم الرحمة والفتح والنصر من عند الله كما قال تعالى : ! ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ! وكما قال : ( يا أيها النبي حسبك - أي كفيلك - الله ومن اتبعك من المؤمنين ) وهذا الجهاد في سبيل الدعوة إلى رب العالمين ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وهو مقتضى الإيمان الذي ذكره الله في كتابه بقوله : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) وقوله تعالى : ( وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ، أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) ، وهذا بعينه هو معنى قوله تعالى : ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) . فلو أن العلماء اتقوا الله وآمنوا برسوله كما يجب عليهم لأتاهم الله ضعفين من الأجر ، ولجعل لهم نوراً يهتدون به ويمشون به ، ويعيشون به ، ويفتحون به كنوز الأرض ويصلحون به معايشهم ودينهم ودنياهم ، وينقذون به إخوانهم في الدنيا من أيدي أعدائهم ، ومن ذل استعبادهم ، ويسوقون به المؤمنين إلى طاعة الله وإلى رضوانه الأكبر وإلى جنة عالية ، قطوفها دانية ، يقال لهم فيها ( كلوا
____________________
(1/393)
واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ) ! ( والي ) ! ( جنة عالية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة ، وأكواب موضوعة ، ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة ) ! ( وفيها ) ! ( أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ، ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم ) ، وهذا وإلا فقد خسر الدنيا والآخرة بخلاف اليهود والنصارى فإنهم بعلومهم الدنيوية ربحوا الدنيا وخسروا الآخرة . فصل فيا علماء الدين ، قودوا الناس وسوقوهم إلى هذا الخير سوقا . وإلا فقد تركتموهم يرتدون على أعقابهم بعد إذ هداهم الله ( كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ) ، بينوا للناس ، وإلا فقد كتمتم ما لا يحل لكم كتمانه فوقعتم في وعيد ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) . يا علماءنا افعلوا الخير أمامنا لنتأسى بكم ، ثم مرونا به نسمع ونطع لكم ونفعل مثل فعلكم ، ونجاهد مثل جهادكم ، ونأمر كما تأمرون ، وننه كما تنهون ، ونتعبد كما تتعبدون ، ونقتد بكم في كل ما تفعلون ، أو ننم كما تنامون إلى يوم يبعثون ، ثم أنتم الموقفون المسئولون المحاسبون ، بين يدي ربكم المعاقبون فاحذروا : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) ؟ فقد جاء في الحديث : ' يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الرحا برحاه ، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون : أي فلان ما شأنك ؟ أليس تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ قال : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ' ، وورد أيضاً أنه
____________________
(1/394)
[ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار : قال : قلت ، من هؤلاء ؟ قالوا خطباء أمتك من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون ' وذكرهما البغوي وابن كثير في تفسيريهما . وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا . فالواجب عليكم أيها العلماء أن تقتدوا بنبي الله شعيب إذ كان يقول لقومه : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) . وأن لا تنسوا نداء الله سبحانه وخطابه لكم بقوله : ! ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) ! ، وأيضاً آية ! ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) ! . وحديث : ' مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه ' ، ذكره ابن كثير : وقال ، هذا حديث غريب من هذا الوجه . فصل قال تعالى : ! ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) ! ، قال إمام المفسرين الطبري في تفسيره : وهذه الآية وإن كانت نزلت في خاص من الناس فإنها معني بها كل كاتم علما فرض الله تعالى بيانه للناس . وذلك نظير الخبر الذي روي عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أنه قال : ' من سئل عن علم فكتمه ، ألجم يوم القيامة بلجام من نار ' ثم ذكر بالسند إلى ابن شهاب أنه قال : ' قال ابن المسيب : قال أبو هريرة : لولا آيتين أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئاً ! ( إن الذين يكتمون ) ! الآية ، الآية الأخرى ( وإذ أخذ الله
____________________
(1/395)
ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ) إلى آخر الآية أه . ففي الآية أكبر دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفيها أكبر وعيد ، وأفظع وأشنع تهديد لكل كاتم ما أنزل الله من البينات والهدى ، فكيف حالكم أيها العلماء عندما تقرءون هذه الآية ؟ وما الذي تقولونه في أنفسكم ، وما الذي تفكرون فيه عند مروركم بها ؟ أو ( لهم قلوب لا يفقهون بها ؟ ) . قال شيخنا السيد الإمام الأستاذ الجليل الشيخ محمد رشيد رضا عفا الله عنا وعنه وغفر لنا وله في تفسيره : ثم إن العبرة في الآية هي أن حكمها عام ، وإن كان سببها خاصا فكل من يكتم آيات الله وهدايته عن الناس فهو مستحق لهذه اللعنة ، ولما كان هذا الوعيد وأشباهه حجة على الذين لبسوا لباس الدين ، وانتحلوا الرئاسة لأنفسهم بعلمه حالوا التفصي منه ، فقال بعضهم : إن الكتمان لا يتحقق إلا إذا سئل العالم عن حكم الله تعالى فكتمه ، وأخذوا من هذا التأويل قاعدة هي أن العلماء أن لا يجب عليهم نشر ما أنزل الله تعالى ، ودعوة الناس إليه ، وبيانه لهم وإنما يجب على العالم أن يجيب إذا سئل عما يعلمه ، وزاد بعضهم إذا لم يكن هناك عالم غيره ، وإلا كان له أن يحيل على غيره ، وهذه القاعدة مسلمة عند أكثر المنتسبين للعلم اليوم وقبل اليوم بقرون ، وقد ردها أهل العلم الصحيح فقالوا : إن القرآن الكريم لم يكتف بالوعيد على الكتمان بل أمر ببيانه للناس ، وبالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأوعد من يترك هذه الفريضة ، وذكر لهم العبر فيما حكاه عن الذين قصروا فيها قبل كقوله تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) الخ ، وقوله : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير - إلى قوله في المتفرقين عن الحق - وأولئك لهم عذاب عظيم ) ، وقوله : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم - إلى قوله في عصيانهم الذي
____________________
(1/396)
هو سبب لعنتهم - كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ) ، فأخبر تعالى أنه لعن الأمة كلها لتركهم التناهي عن المنكر . نعم إن هذا فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، ولكن لا يكفي في كل قطر واحد ، كما قال بعض الفقهاء ، بل لا بد أن تقوم به أمة من الناس لتكون لهم قوة ، ولنهيهم وأمرهم تأثير ، وذهب بعض المأولين مذهباً آخر فقال : إن هذا الوعيد مخصوص بالكافرين ، فترك المؤمن فريضة من الفرائض كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا يستحق به وعيد الكافرين فليحقه بالكفار ، وهذا كلام قد ألفته الأسماع ، وأخذ بالتسليم واستعمل في الإفحام والإقناع ، فإن الذي يسمعه على علاته يرى نفسه ملزماً برمي تاركي الأمر بالمعروف والدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر بالكفر ، وذلك مخالف للقواعد التي وضعوها للعقائد ، فلا يستطيع أن يقول ذلك ، ولكنه إذا عرض على الله في الآخرة . وعلى كتابه في الدنيا يظهر أنه لا قيمة له ، وإذا بحثت فيه يظهر لك أن الذي يرى حرمات الله تنتهك أمام عينيه ، ودين الله يداس جهاراً بين يديه ، ويرى البدع تمحو السنن ، والضلال يغشى الهدى ، ولا ينبض له عرق ، ولا ينفعل له وجدان ولا يندفع لنصرته بيد ولا بلسان ، هو هذا الذي إذا قيل له : إن فلانا يريد أن يصادرك في شيء من رزقك كالجراية مثلاً - أو يحاول أن يتقدم عليك عند الأمراء والحكام ، تجيش في صدره المراجل ويضطرب باله ، ويتألم قلبه ، وربما تجافى جنبه عن مضجعه ، وهجر الرقاد عينيه ، ثم إنه يجد ويجتهد ويعمل الفكر في استنباط الحيل وإحكام التدبير ، لمدافعة ذلك الخصم أو الإيقاع به . فهل يكون لدين الله تعالى في قلب مثل هذا قيمة ، وهل يصدق أن الإيمان تمكن من قلبه ؟ والبرهان عليه قد حكم عقله ؟ والإذعان إليه قد ثلج صدره ؟ يسهل على من نظر في بعض كتب العقائد التي بنيت على أساس الجدل أن يجادل
____________________
(1/397)
نفسه ويغشيها بما يسلبها به من الأماني التي يسميها إيمانا ، ولكنه لو حاسبها فناقشها الحساب ، ورجع إلى عقله ووجدانه ، لعلم أنه اتخذ إلهه هواه ، وأنه يعبد شهوته من دون الله وأن صفات المؤمنين التي سردها الكتاب سرداً وأحصاها عداً وأظهرها بذل المال والنفس في سبيل الله ونشر الدعوة وتأييد الحق - كلها بريئة منه ، وأن صفات المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم كلها راسخة فيه فليحاسب أمره نفسه قبل أن يحاسب ، وليتب إلى الله قبل حلول الأجل لعله يتوب عليه ، وهو التواب الرحيم أ هـ. فصل وقال تعالى : ( وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ) وهذه الآية تدل أيضا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ والدعوة إلى الله ، وتحريم الكتمان ، قال الإمام الحافظ بن كثير بعد كلام : وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم - يعني أهل الكتاب - فيصيب ما أصابهم ويسلك بهم مسلكهم ، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح ، ولا يكتموا منه شيئا ، فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أنه قال : ' من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ' أ هـ. وقال الإمام البغوي في تفسيره : قال قتادة : هذا ميثاق أخذه الله تعالى على أهل العلم ، فمن علم شيئا فليعلمه ، وإياكم وكتمان العلم فإنه مهلكه ، قال : وقال الحسن بن عمارة : أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألقيته على بابه فقلت : إن رأيت أن تحدثني ؟ فقال : أما علمت أني تركت الحديث ؟ فقلت : إما أن حدثني وإما أن أحدثك ، فقال : حدثني ، فساق إلى علي ابن أبي طالب أنه قال :
____________________
(1/398)
ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا ، قال : فحدثني أربعين حديثا أ هـوقال الإمام الشوكاني في تفسيره : والظاهر أن المراد بأهل الكتاب كل من آتاه الله علم شيء من الكتاب أي كتاب كان ، كما يفيده التعريف الجنسي في الكتاب ، قال الحسن وقتادة ومحمد بن كعب : إن الآية عامة لكل عالم ، ويدل على ذلك قول أبي هريرة : لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء . ثم تلا هذه الآية . أ هـ. وقال الإمام الطبري في تفسيره بعد كلام طويل : كان يقال : مثل علم لا يقال به ، كمثل كنز لا ينفق منه ، ومثل حكمة لا تخرج ، كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب ، وكان يقال : طوبى لعالم ناطق ، وطوبى لمستمع واع ، هذا رجل علم علما فعلمه وبذله ودعا إليه ، وهذا رجل سمع خيراً فحفظه ووعاه وانتفع به . أ هـ. فصل وقال تعالى : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصو وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون . ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ) . يا علماء المسلمين ، هؤلاء الذين لعنهم الله على لسان داود وعيسى بن مريم ومحمد [ صلى الله عليه وسلم ] في الزبور والإنجيل والفرقان - ما هم إلا علماء مثلكم وما لعنهم الله سبحانه إلا بسبب معصيتهم ، وما كانت معصيتهم إلا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك الدعوة إلى ما دعا الله الناس إليه ، وبكتمانه وعدم تبيانه ، وأنتم يا علماؤنا قد وقعتم في مثل ما وقعوا فيه أو أشد فكيف لا تخافون أن يصيبكم مثل ما أصابهم ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم
____________________
(1/399)
الأرض فإذا هي تمور . أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ) . يا علماءنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم القواعد الإسلامية وأجل الفرائض الشرعية ، ولهذا كان تاركه شريكا لفاعل المعصية ، مستحقا لغضب الله ومقته وانتقامه ، فإنه تعالى ما مسخ من من لم يشاركهم في فعل المعصية وهم العلماء إلا بأنهم تركوا الإنكار عليهم ، فمسخ الجميع ، قردة وخنازير ( فاعتبروا يا أولي الألباب ) . يا علماءنا سكوتكم على ما ترونه من المنكرات والمعاصي ، ومخالطتكم لأهل الضلال والجرائم ، موالاة لهم ، وهي مسخطة لله ، مخلدة لصاحبها في العذاب المهين ، كما في هذه الآية ( ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا ) الآية ، وهي وإن لم تك نصا في المؤمنين فهي منجرة بذيلها على كل من حابى ووالى أهل الطغيان والمعاصي ، ولم يعبس في وجوههم ، ولم يبين لهم ما يحبه الله مما يكرهه ذلك بأن الله يقول ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ، وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر . ذلك هو الفوز العظيم ) فأهل العلم أهل طاعة الله ومحبته ، لا يوالون ولا يحبون أهل معصيته ( ومن يتولهم منكم فهو منهم ) . فصل يا رؤساءنا ، أركنتم إلى آية ( عليكم أنفسكم ) ولو أنها لا دليل لكم فيها ؟ ولا تفيدكم الركون إلى الراحة أبداً ، فاعلموا تأويلها إن لم تكونوا علمتم ، واسمعوا
____________________
(1/400)
إن لم تكونوا سمعتم ، على شرط أن تعملوا ولا تكتموا ، والله سبحانه يتولى هدايتنا وهدايتكم . قال الإمام البغوي عند تفسير هذه الآية : روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية ! ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ! وتضعونها في غير موضعها ، ولا تدرون ما هي ، وإني سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه ، يوشك أن يعمهم الله بعقابه ' وفي رواية لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليسلطن الله سبحانه عليكم شراركم فليسومونكم سوء العذاب ، ثلم ليدعون الله عز وجل خياركم فلا يستجاب لكم ' قال أبو عبيد : خاف الصديق أن يتأول الناس الآية غير متأولها ، فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فأعلمهم أنها ليست كذلك ، وأن الذي أذن في الإمساك عن تغييره من المنكر ، هو الشرك الذي ينطق به المعاهدون ، من أجل أنهم يتدينون به وقد صولحوا عليه ، فأما الفسوق والعصيان والذنب من أهل الإسلام فلا يدخل فيه ، وقال مجاهد وسعيد بن جبير : الآية في اليهود والنصارى ، يعني ' عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل ' من أهل الكتاب فخذوا منهم الجزية واتركوهم ، وعن ابن عباس في هذه الآية : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قبل منكم ، فإن رد عليكم فعليكم أنفسكم . وقال الإمام الحافظ ابن كثير في تفسيره : وليس فيها - أي الآية - دليل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان فعل ذلك ممكنا ؛ ثم ذكر ما ذكره الإمام البغوي ، وأسند الحديث وصححه من عدة طرق ، ثم ذكر عن أبي عيسى الترمذي إلى أبي أمية الشعباني قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له : كيف تصنع في هذه الآية ؟ قال : أية آية . قلت : قول الله
____________________
(1/401)
تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ! قال : أما والله لقد سألت عنها خبيراً ، سألت عنها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : ' بل ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام فإن من ورائكم أياما الصابر فيهن مثل القابض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم ' قال عبد الله بن المبارك : وزاد غير عتبة قيل يا رسول الله ، أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال : ' بل أجر خمسين منكم ' ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب صحيح ، وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك ، ورواه ابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم عن عتبة بن أبي حكيم ، وقال سعيد بن المسيب : إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، فلا يضرك من ضل إذا اهتديت . رواه ابن جرير أه . يقول محمد : قد دلت الآية وتفسيرها النبوي على لسان الصديق ، أن الأمر والنهي متحتمان ولا بد ، وأنهما لا يتركان أبداً ، بل على العالم أن يأمر وينهي و ! ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ! فالعالم عليه أن يبلغ العلم ولا يكتمه و ! ( إن الهدى هدى الله ) ! فعظموا وذكروا ورغبوا واءمروا وأنهوا يا علماءنا وليس عليكم هداهم ، بل قد قال الله لنبيه ' لست عليهم بمسيطر ' ' ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ' فإذا نصحتم وأرشدتم فلم يقبل منكم مثلا ، ولا يكون ذلك فلكم من الله عظيم الأجر ، وعلى من أعرض عن تذكيركم وهدايتكم ما يستحقه من الله تعالى ، ويكفي المعرضين عن وعظكم قول المصطفى [ صلى الله عليه وسلم ] لهم ' أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه ، فإن قبلها بشكر وإلا كانت حجة من الله عليه ليزداد بها إثماً ويزداد الله عليه بها سخطاً '
____________________
(1/402)
ذكره في الجامع عن ابن عساكر وعلم لحسنه . وقوله تعالى : ! ( سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى ) ! وعلى هذا يدل كلام الإمام النيسابوري في تفسيره . وعن عبد الله بن المبارك : أن هذه الآية آكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن معنى ' عليكم أنفسكم ' احفظوها والزموا صلاحها بأن يعظ بعضكم بعضا ويرغبه في الخيرات ، وينفره عن القبائح والسيئات ، لا يضركم ضلال من ضل إذا اهتديتم فأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ، فإنكم خرجتم عن عهدة التكليف كما قال الله تعالى لرسوله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ' . وقال الإمام الشوكاني : وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عامر الأشعري أنه كان فيهم أعمى فاحتبس على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ثم أتاه فقال له النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قرأت هذه الآية : ! ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ! ، قال : فقال له النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أين ذهبتم إنما هي لا يضركم من ضل من الكفار إذا اهتديتم ' أه . فصل وقال الله تعالى : ! ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) ! فمن الأمة التي تدعو الناس إلى الخير سواكم يا علماءنا ؟ ومن الأمة التي يمكنها أن تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غيركم ؟ قال الحافظ ابن كثير : والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن ، وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ' من رأى
____________________
(1/403)
منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان - في رواية - وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ' أ هـ. وقال الإمام البغوي : ' ولتكن منكم أمة ، ولتكونوا أمة ومن صلة ليست للتبعيض كقوله تعالى : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ' ولم يرد اجتناب بعض الأوثان ، بل أراد فاجتنبوا الأوثان واللام في قوله تعالى : ' ولتكن ' لام الأمر أه . والصواب ما ذكره ابن كثير وهو موافق لما ذكره النيسابوري في تفسيره ، وهو : واختلفوا في أن كلمة من قوله تعالى ' ولتكن منكم ' للتبيين أو للتبعيض ، فذهب طائفة إلى أنها للتبيين ، لأنه ما من مكلف إلا ويجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إما بيده ، أو بلسانه ، أو بقلبه . وكيف لا وقد وصفهم الله تعالى بقوله : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) فهذا كقولك لفلان من أولاده جند ، وللأمير من غلمانه عسكر ، تريد جميع الأولاد والغلمان لا بعضهم ، ثم قالوا : إن ذلك وإن كان واجبا على الكل إلا أنه متى قام به بعض سقط عن الباقين كسائر فروض الكفايات ، وقال آخرون : إنها للتبعيض ، إما لأن في القوم من لا يقدر على الدعوة وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كالنساء والمرضى والعاجزين ، وإما لأن هذا التكليف مختص بالعلماء الذين يعرفون الخير ما هو ، والمعروف والمنكر ما هما ، ويعلمون كيف يرتب الأمر في إقامتهما ، وكيف يباشر ، فإن الجاهل ربما ينهى عن معروف ، ويأمر بمنكر ، وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر ، وقد يغلظ في موضع اللين ، ويلين في موضع الغلظة . وينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تمادياً . وأيضاً قد أجمعنا على أن ذلك واجب على الكفاية . فكان هذا بالحقيقة إيجاباً على البغض الذي
____________________
(1/404)
يقوم به ، قلت : وهم العلماء فأين يذهبون ؟ وأنى يؤفكون ، عما ألزمهم به الله وكتبه ورسله والمؤمنون أجمعون ؟ وبعد كلام طويل ذكر حديثاً بغير سند الله أعلم به وهو : عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه ، وخليفة رسول الله ، وخليفة كتابه ' قال : وعن علي : أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن شنأ الفاسقين وغضب لله غضب الله له ، وكفى بقوله تعالى : ! ( وأولئك هم المفلحون ) ! أي الأخصاء بالفلاح أه المراد منه . فهيا هيا يا علماء الإسلام ! ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) ! والخير هو اتباع القرآن والسنة ، كذا خرجه الباقر عنه [ صلى الله عليه وسلم ] ( ويأمرون بالمعروف ) أي اتباع محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ودينه الذي جاء به من عند الله ( وينهون عن المنكر ) والكفر بالله العظيم ، والالتجاء إلى غيره ، والاستغاثة بالأموات ، والذبح والنذر لهم ، والإعراض عن كلام الله وكلام رسوله والجهل بهما ، بل يجب عليكم أيها العلماء أن تجاهدوا في الدعوة إلى الخير والأمر والنهي حتى تزيلوا كل جهالة ومنكرة وضلالة وحتى ينقادوا لكم بالطاعة ، أو حتى تلقوا ربكم وقد رضي عنكم ورضيتم عنه . ( وأولئك هم المفلحون ) الناجحون عند الله الفائزون بجنات النعيم ، والرضوان المقيم ( مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ) ! ( ) ! ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) ! ( ) ! ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب ، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون ) ! ( ) ! ( ويلبسون ثياباً خضراً من سندس
____________________
(1/405)
واستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا ) ! ( ) ! ( يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين ، كذلك وزوجناهم بحور عين ، يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ، لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم ، فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم ) ! ( ) ! ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً ، متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً ، ودانية عليهم ضلالها وذللت قطوفها تذليلا ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريراً ، قوارير من فضة قدروها تقديراً ، ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلا ، عيناً فيها تسمى سلسبيلا ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً ، وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكا كبيراً ؟ عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً ، إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) . فصل جاهدوا يا أئمة الإسلام ، بينوا القرآن وسنة سيد الأنام ، أظهروا محاسن الدين ومزاياه وفضائله وجماله وجلاله وكمالاته وأبهته ، وأنكروا المنكرات والموبقات ، والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، أحيوا السنن ، أميتوا البدع علموا المكارم والفضائل ، حاربوا القبائح والرذائل ، فإنكم ليس إلا بهذا ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) قال المفسرون : قال مجاهد : إنهم خير أمة على الشرائط المذكورة في الآية ، وهذا يقضي أن يكون ( تأمرون ) وما بعده في محل نصب على الحال ،
____________________
(1/406)
أي أنكم خير أمة حال كونكم آمرين ناهين مؤمنين بالله وبما يجب عليكم الإيمان به من كتابه ورسوله وما شرعه لعباده ، فإنه لا يتم الإيمان بالله سبحانه إلا بالإيمان والعمل بهذه الأمور ؛ وقد أخرج الإمام الطبري عن قتادة قال . ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية ثم قال : يا أيها الناس من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله منها . قال الإمام ابن كثير : ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله : ! ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) ! وقال البخاري وساق السند إلى أبي هريرة أنه قال في آية ! ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ! خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام ، ثم ذكر أن رجلا قام إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وهو على المنبر فقال : يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال : ' خير الناس أقرأهم وأتقاهم لله ، وآمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر . وأوصلهم للرحم ' قال ورواه أحمد في مسنده والنسائي في سننه والحاكم في مستدركه . فصل فيا علماء المسلمين . ويا قادة المؤمنين . إلى رضوان رب العالمين . مروا بالمعروف . وانهوا عن المنكر . واصبروا على ما أصابكم في هذا السبيل ! ( إن ذلك من عزم الأمور ) ! واءمروا أقاربكم ومعارفكم وآباءكم وأبناءكم وإخوانكم وأزواجكم وعشائركم - أن يأمروا بالمعروف . وينهوا عن المنكر . ويدعو بعضهم بعضا إلى الله وإلى كتابه وهدى رسوله . بينوا لهم أن هذا حتم عليهم فيما عرفوه من شرائع الإسلام عرفوهم أنهم إن عملوا بما علمتموهم . فرضوان من الله أكبر . وجنة عالية قطوفها دانية وإلا فيكونون كمن ! ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) ! انصحوا وعظوا . وعاهدوا الناس على أن ينصحوا ويعظوا . وعاهدوهم على أن يعاهدوا من بعدهم على ذلك وهكذا
____________________
(1/407)
دواليك فليفعلوا مع من بعدهم ، واقرءوا عليهم وصية لقمان الحكيم ، المعدود بجميل فعله العظيم ، وأمره ونهيه القويم ، من سادات أهل جنة النعيم ! ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) ! إلى أن قال له : ( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ، يا بني أقم الصلاة واءمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ، ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) . فصل وقال الله تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ! ، ! ( ولينصرن الله من ينصره ) ! ، ! ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) ! ( تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله ) بالدعوة إليه وإلى كتابه وسنة نبيه ، والترغيب ( في مقعد عند مليك مقتدر ) والترهيب من سقر التي ( لا تبقى ولا تذر ، لواحة للبشر ، عليها تسعة عشر ) ! ( ومن ) ! ( ناراً تلظى ، لا يصلاها إلا الأشقى ، الذي كذب وتولى )
____________________
(1/408)
أي أعرض عن الله وكتابه والنصح للناس كافة . والوعظ القرآني والإرشاد النبوي . والأمر بالمعروف . والنهي عن المنكر ! ( بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها ) ! أي ويزيدكم الله على ما ذكر زيادة تحبونها وهي ! ( نصر من الله وفتح قريب ) ! عاجل في الدنيا وهي الحياة الطيبة المذكورة في قوله تعالى : ! ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ! الآية ! ( وبشر المؤمنين ) ! المجاهدين في سبيلي الناشرين الناصرين لكتابي . العاملين بسنة رسولي . المحاربين للمعاصي والمحرمات . والأضاليل والبدع والمنكرات والخرافات والترهات . بشر هؤلاء يا محمد بالنصر في الدنيا فإنهم هم المؤمنون حقاً . وفي الآخرة ! ( لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) ! فصل وقال تعالى : ! ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ) ! فلا تكونوا يا علماءنا ويا أمة محمد أقل جهاداً ودرجة من حواري عيسى . فجاهدوا في الله جهاداً لا يقل عن جهاد الحواريين . بل أشد وأكثر . وناصروا رسول الله وسننه مناصرة تليق بكم . حيث قال الله فيكم : ! ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) ! . فصل وقال سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا
____________________
(1/409)
الخير لعلكم تفلحون . وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس . فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ) في هذه الآية الحث على طاعة الله والحث على الجهاد في سبيله . وليس شيء أعظم في زماننا من الدعوة إليه تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ( فحيهل ) . فصل وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ؟ فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ؛ إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم : ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها . وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم
____________________
(1/410)
وأنفسكم في سبيل الله ، ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) في الآيات عتاب من الله شديد للمؤمنين المتثاقلين المتكاسلين عن النفور والجهاد في سبيل الله ، وفيها تحتم النفور والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس على الشبان والكهول والشيوخ والأغنياء والمساكين . قرأ أبو طلحة رضي الله عنه هذه الآية ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ) فقال : أرى ربنا استغفرنا شيوخا وشبانا جهزوني يا بني فقال بنوه : يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى مات ، ومع أبي بكر حتى مات ، ومع عمر حتى مات ، فنحن نغزوا عنك ، فأبى ، فركب البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد تسعة أيام فلم يتغير فدفنوه فيها ، كذا في تفسير ابن كثير ( فهل من مدكر ) . فصل ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ) يناديكم الله ويخاطبكم يا علماءنا آمراً لكم بتقواه ، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف عن المحرمات وترك المنهيات ، ثم قال ( وابتغوا إليه الوسيلة ) وهي القربة التي يتحصل بها إلى تحصيل المقصود ، وهي أيضاً علم على أعلى منزلة في الجنة ، وهي منزلة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وداره ، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش ، فمن اتقى الله وتقرب إليه بالوسائل الشرعية ، الموصلة إلى رضوانه كان مع الذين ( أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ) ! ( ) ! ( وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ) والجهاد الأكبر الآن هو الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر وهؤلاء هم ( الذين
____________________
(1/411)
اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار ، وعد الله لا يخلف الله الميعاد ) ! ( ) ! ( أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ) . فصل وقال تعالى : ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض ، والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا - إلى قوله تعالى - والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله ، والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم ، والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم ، فأولئك منكم ) الخ الآية . يقول محمد : في هذه الآية تحتم الهجرة والجهاد بالأموال والأنفس في سبيل الله ، وما كانت الهجرة إلا للجهاد في سبيل الدعوة إلى الإسلام ، وإعلاء كلمة الحق ، وإبطال كلمة الكفر ، ونشر شرائع الدين بخلاف ' من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ' وفيها أيضاً أبه ليس مؤمناً حق الإيمان إلا الذين جاهدوا في الله ونصروا وانتصروا لكتابه وسنن نبيه ، وهذا لا يكون إلا بالمثابرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا من أوجب الواجبات على العلماء ، فإن قاموا به فهم الذين ( كانت لهم جنات الفردوس نزلا ، خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ) وإن أعرضوا عنه ونأوا فالويل لهم من وعيد ( إن الذين يكتمون ) ! ( ومن ) ! ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) فإن هذا بعينه هو الإعراض عن ذكر الله الذي هو كتابه ، وقد قال تعالى فيه : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) وقال : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين )
____________________
(1/412)
وقال تعالى : ! ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ) ! أقول : المهاجر من هجر ما نهى الله ورسوله عنه ، والمجاهد الذي يجاهد العدو ، ويجاهد الشيطان ، ويجاهد النفس على ما يصلحها ويصلح شأن المسلمين ، وذلك بالعمل والدعوة إلى الكتاب المبين والسنة الغراء وإظهار شعائر الدين وشرائعه ، ففاعل ذلك يرجو رحمة الله إذ قد أحسن عمله في رضاه ، وهو سبحانه أخبر في كتابه بذلك فقال : ! ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) ! وفاعل ذلك هو المؤمن المعتصم به الذي سيدخله الله في رحمته وفضله ، وسيهديه ربه صراطاً مستقيماً ، كما قال : ! ( فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما ) ! فليعمل على ذلك العلماء . فصل وقال تعالى : ! ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) ! أقول : هذا ترغيب جليل من الله جل شأنه لعباده المؤمنين في الجهاد في سبيله وتنفيذ أوامره ونواهيه ، واتباع طريق رسوله الأعظم [ صلى الله عليه وسلم ] ، وإخبار منه سبحانه بمنح المجاهدين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر ، بالهداية إلى سبل السلام ، وإلى رضوانه الأكبر ، وهذا كقوله تعالى : ! ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ) ! وقوله : ( ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم ) وقوله ! ( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) ! فهنيئاً لهم ! ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ! وقول الله سبحانه : ( وإن الله لمع المحسنين ترغيب ثان للمجاهدين أكده وأقسم فيه بأنه سبحانه مع هؤلاء الذين ليس أحد في الأمة أحسن منهم عملاً ( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من
____________________
(1/413)
المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن ، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية ( والذين جاهدوا ) قال : الذي يعملون بما يعلمون ، يهديهم الله لما يعلمون ، قال أحمد ابن الحواري : فحدثت به أبا سليمان الداراني فأعجبه وقال : ليس ينبغي لمن ألهم شيئاً من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر ، فإذا سمعه من الأثر عمل به وحمد الله حيث وافق ما في قلبه أه . وقال الإمام البغوي : والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به ، وقال سهل بن عبد الله : والذين جاهدوا في إقامة السنة ، لنهدينهم سبل الجنة أه . فصل وقال تعالى : ( ولينصرن الله من ينصره ، إن الله لقوي عزيز ، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) أقول : أقسم ربنا جل ذكره أنه ينصر أولياءه وأحبابه أنصار دينه وأتباع رسوله ، المجاهدين في نصر ونشر العلوم والمعارف الربانية النبوية ، ثم بين تعالى أنه على ذلك قدير وقوي عزيز ، وهؤلاء هم خلفاء الله في الأرض وورثة أنبيائه الذين قال الله في إخوانهم : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً ) فهؤلاء صفوة الله في أرضه بأنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ' ويدعون الناس إلى دار السلام وإلى مرضاة الله ، فمصير هؤلاء وعاقبة
____________________
(1/414)
أمر جهادهم ، وصبرهم على ما يلاقون في سبيل ذلك من الأذى والمشاق والتعب والعناء إلى الله تعالى ، فيجازيهم على ما صنعوا ! ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) ! فقوله تعالى : ! ( ولله عاقبة الأمور ) ! كقوله : ! ( والعاقبة للمتقين ) ! وقد قال تعالى : ! ( إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزاء من ربك عطاء حسابا ) ! . فصل وقال تعالى : ( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنفكرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ) أيها العلماء إن جاهدتم الكفريات والأضاليل الفاشية بين سائر الأمة ، والكبائر التي ترونها ترتكب ليلا ونهاراً ، وسراً وجهراً ، والبدع والخرافات التي فشت فمسخت الشرائع ، وطمست الحقائق ، وأطفأت الأنوار وأظلمت القلوب وأطغت النفوس ، وصيرت الأمة في جهالة وضلالة وعماية بعد الرقي الهائل ، والعلوم والمعارف والهداية ، فإن جاهدتم هذا كله يا علماء المسلمين فإنما تجاهدون لأنفسكم ولراحتكم ومسرتكم عند مليككم ، فإنه تعالى قال : ! ( من عمل صالحا فلنفسه ) ! أي فإنما يعود نفع عمله على نفسه ، فإن الله تعالى غني عن أفعال العباد ، ولو كانوا كلهم على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئا .
____________________
(1/415)
قال الحسن البصري : إن الرجل ليجاهد وما ضرب يوما من الدهر بسيف ، ثم أخبر تعالى أنه مع غناه عن الخلائق جميعهم ، ومع بره وإحسانه بهم ، يجازى الذين آمنوا وعملوا الصالحات أحسن الجزاء ، وهو أن يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا ، ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ، فيقبل القليل من الحسنات ، ويثيب عليها الواحدة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، ويجزى على السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح ، كما قال تعالى ! ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) ! وقال ههنا : ! ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ) ! أ هـمن ابن كثير . فصل والله يا علماء لستم على شيء حتى تقيموا الكتاب والسنة ، ولستم ناجين من عذاب الله ولعنته حتى تبينوا طريق الهداية وطريق الغواية ، وطريق النار وطريق الجنة ، لا ملجأ لكم ولا منجا حتى تقتفوا آثار نبيكم وإخوانه من الأنبياء وحتى تهانوا كإهانتهم ، وتسبوا كما سبوا ، وتضربوا كما ضربوا وتقتلوا كما قتلوا ، وتنشروا بالمناشير كما نشروا ، وحتى يكون ذلك حلوا عندكم لا مرا ، إنكم لا تكونون من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر حتى يتبرم الناس منكم ، قولوا لهم كقول نوح عليه السلام ( لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ، فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ، قال : يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ، ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني
____________________
(1/416)
أراكم قوما تجهلون . ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ، ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين . قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين . قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ، ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون ) . يا علماء الدين قولوا للناس كقول نبيكم هود عليه السلام : ( يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون ) امنعوهم وحرموا عليهم عبادة القبور ، ونداء أصحابها ، والاستغاثة بهم ، والنذر والذبح لهم ، والتوسل بهم وبينوا لهم محاسن وفضائل التوحيد القرآني والنبوي ، وادعوا أمتكم إلى خير بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلوهم بالتي هي أحسن ، واقتدوا بهود عليه السلام حيث يقول : ( يا قوم لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ؟ ) بشروا أمتكم بما بشرت به الأنبياء أممها ومنهم هود عليه السلام حيث يقول لقومه : ( ويا قوم استغفروا ربكم ، ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم . ولا تتولوا مجرمين ) أكثروا وألحوا عليهم حتى يقولوا لكم : ( إنا لنراكم في سفاهة وإنا لنظنكم من الكاذبين ) كما قالوا لهود فقال لهم ( يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين ، أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين ) انصحوا يا علماء الإسلام إخوانكم بنصيحة مؤمن آل فرعون إذ قال لقومه ( يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار ، من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها . ومن عمل
____________________
(1/417)
صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ، ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ، تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم ، وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ، لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة ، وأن مردنا إلى الله ، وأن المسرفين هم أصحاب النار ، فستذكرون ما أقول لكم ، وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) . فلا تكونوا علماء المسلمين أقل نصحاً ووعظاً وإرشاداً لإخوانكم من مؤمن آل فرعون ، إذ أنتم خير أمة والأمة الوسط كما قال ربكم ، عظوا الناس معذرة منكم إلى الله ولعلهم يهتدون ، فإذا نسوا ما ذكرتموهم به أنجاكم الله وأخذهم بعذاب بئيس ، كما قال جل شأنه حاكيا عن أهل العصيان والطغيان : ( وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديداً ؟ قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ، فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ) . فصل فالقرآن من أوله إلى آخره يحتم على العلماء ويوجب عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . والسنة أيضاً كذلك فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ؛ وذلك أضعف الإيمان ' رواه
____________________
(1/418)
مسلم ، وعن ابن مسعود رضي الله عنهما أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له في أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ' رواه مسلم ، وعن أبي الوليد عبادة بن الصامت رضي الله عنهما قال : بايعنا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكروه وعلى أثرة علينا ، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله تعالى فيه برهان ، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ' متفق عليه ، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : أن خرقنا في نصيبنا خرقا ولم تؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ' رواه البخاري ، وعن أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنهما عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أنه قال : ' أنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن كره فقد برئ ، ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضى وتابع ، قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم ؟ قال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ' رواه مسلم ، وعن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنهما أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] دخل عليها فزعا يقول : ' لا إله إلا الله : ويل للعرب ؛ من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج
____________________
(1/419)
ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها فقلت ' يا رسول الله : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ، إذا كثرت الخبث ' متفق عليه . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إياكم والجلوس في الطرقات ، فقالوا : يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها ، فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ، قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ' متفق عليه : وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ' رواه الترمذي وقال : حديث حسن ، وعن أبي سعيد الخدري عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ' رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن ، وقال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم ( على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) فجلس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وكان متكئاً فقال : والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً ' . فصل وقد قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه ' رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين ' باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، وخالف قوله فعله ، ثم ذكر الآيات والأحاديث في ذلك ، وقد عدها من كبار الذنوب أيضاً الحافظ ابن حجر في كتابه الزواجر ، ولو لم يرد في ذلك إلا أنه يؤتى به يوم
____________________
(1/420)
القيامة فيلقى في النار فتندلق أمعاء بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا ، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى ، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه ' والحديث متفق عليه . لكفاه وعيداً ، وزجراً وتهديداً . قال الإمام النووي رحمه الله ' باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور ' قال الله تعالى : ! ( فماذا بعد الحق إلا الضلال ) ! وقال تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) وقال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) أي الكتاب والسنة ، وقال تعالى : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتعرق بكم عن سبيله ) وقال تعالى : ! ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) ! . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ' متفق عليه ، وفي رواية لمسلم ' من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ' وعن جابر رضي الله عنه قال : ' كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ، ويقول : بعثت أنا والساعة كهاتين ، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ويقول : أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ' الحديث رواه مسلم وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وعظنا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] موعظة بليغة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال : ' أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي ، وإنه من يعيش منكم فسيرى اختلافا كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة ' رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح أ هـ.
____________________
(1/421)
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن ناساً قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : ' أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بمعروف صدقة ، ونهى عن منكر صدقة ' رواه مسلم وغيره ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' لا يحقرن أحدكم نفسه ، قالوا : يا رسول الله وكيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قال : يرى أن لله فيه مقالا ولا يقول فيه ، فيقول الله عز وجل يوم القيامة : ما منعك أن تقول في كذا وكذا ؟ فيقول : خشية الناس ، فيقول : فإياي كنت أحق أن تخشني رواه ابن ماجه ورواته ثقات ؛ وعن تميم الداري عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' الدين النصيحة - قاله ثلاثاً - قال : قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ' رواه البخاري ومسلم واللفظ له ، وروى عن ذرة بنت أبي لهب رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله من خير الناس ؟ قال : ' أتقاهم للرب عز وجل ، وأوصلهم للرحم وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر ' رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب ، والبيهقي في الزهد الكبير وغيره . وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' يا أيها الناس مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم ، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم ، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدفع رزقاً ، ولا يقرب أجلا وإن الأحبار من اليهود ، والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عموا بالبلاء ' رواه الأصبهاني . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم ، فقد تودع منهم ' رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد وعن أبي ذر قال : ' أوصاني خليلي [ صلى الله عليه وسلم ] بخصال من
____________________
(1/422)
الخير ، أوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم ، وأوصاني أن أقول الحق ولو كان مراً ، مختصر رواه ابن حبان في صحيحه ، وروى حذيفة عن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أنه قال : ' الإسلام ثمانية أسهم الإسلام سهم ، والصلاة سهم ، والزكاة سهم ، والصوم سهم ، وحج البيت سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنهي عن المنكر سهم ، والجهاد في سبيل الله سهم ، وقد خاب من لا سهم له ' رواه البزار . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ' كنا نسمع أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة وهو لا يعرفه ، فيقول له : ما لك إلى وما بيني وبينك معرفة ؟ فيقول : كنت تراني على الخطأ وعلى المنكر ولا تنهاني ' ذكره رزين ولم أره أ هـ. من الترغيب للحافظ المنذري .
____________________
(1/423)
خاتمة هذه نصيحتي إليكم أيها العلماء ، وما نصحتكم إلا بكلام الله وكلام رسوله هذه دعوتي لكم ، وما دعوتكم إلى الله إلا بما دعاكم الله ورسوله به في كتابه وسنة نبيه ، فهل أنتم بها عاملون ، وفي الله مجاهدون ، ولما اندرس من السنن محيون ، ولأهل الكفريات وكبائر الذنوب زاجرون ، ولهم واعظون وناصحون ، وللسبع الموبقات والشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات مانعون ومحرمون ، وهل أنتم للغش والخيانة والمكر والخديعة وأكل الحرام ومطل الأغنياء والأيمان الكاذبة والغصب والنهب ومنع أجر الأجير والسرقة والقتل والزنا وأذى الجار والفحش من القول واللعن والشتم وسب الدين والعقوق والسعي بالفساد بين الأب وابنه ، والزوج وامرأته ، ولبس الحرير والذهب والتشبه بالنساء والوشم والوصل والنمص والجور والظلم والرشاوى ، وإعانة الظالمين ، ومساعدة المبطلين ، والخمور والفجور والزور والطبول والزمور والتبذير والإسراف ، وكشف العورات وتتبعها ، والبخل والشح ، والغل والحقد والحسد والغضب والكبر والغيبة والنميمة والتهاجر والتشاحن والتدابر والحلف بغير الله ، والنذر لغيره ، والغدر وخلف الوعد وحب الأشرار ومصاحبتهم ؛ وإتيان الكهان والمنجمين والرمالين وضرابي الحصا والتصاوير واللعب بالنرد والميسر ' القمار ' والنياحة على الميت ، ولطم الخدود وشق الجيوب ، والإحداد على غير الزوج ، وتعليق الودع والفاسوخ والعقاقير والتمائم والحروز ، فهل أنتم لهذا كله ولجميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن محاربون ؟ ؟
____________________
(1/424)
روى ابن ماجه في سننه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأقبل علينا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بوجهه فقال : ' يا معشر المهاجرين خمس خصال أعوذ بالله أن تدركون : ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولا نقص قوم المكيال إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم . وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم ' وكل هذا قد حل بنا بوقوعنا في هذه المعاصي وغيرها فإنا لله ، وذكر أبو عمر بن عبد البر عن أبي عمران قال : ' بعث الله عز وجل ملكين إلى قرية أن يدمراها بمن فيها ، فوجدا فيها رجلا قائماً يصلي في مسجد ، فقالا : يا رب إن فيها عبدك فلاناً يصلي ، فقال الله عز وجل : دمراها ودمراه معهم فإنه ما تمعر وجهه في قط ' ولما زلزلت الأرض على عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتب إلي الإمصار . أما بعد . فإن هذا الرجف شيء يعاتب أو يعاقب الله عز وجل به العباد ؛ وقد كتبت إلى سائر الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا وكذا . فمن كان عنده شيء فليتصدق به ؛ فإن الله عز وجل قال ! ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) ! وقولوا كما قال آدم : ! ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) ! وقولوا كما قال نوح : ! ( وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) ! وقولوا كما قال يونس ! ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) ! أه . من الجواب الكافي .
____________________
(1/425)
فيا حماة الدين ادعوا ولا تذهلوا عن الدعوة فقد جاء في الحديث أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ' رواه مسلم . يا حراس الشريعة عليكم بالقرآن وبيانه للناس فقد ورد أنه [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا ' ذكره في الترغيب من رواية الطبراني في الكبير بإسناد جيد . وفيه عن عبد الله بن مسعود بإسناد جيد أنه قال : ' إن هذا القرآن شافع مشفع . من اتبعه قاده إلى الجنة . ومن أعرض عنه زج في قفاه إلى النار ' رواه البزار . هذه دعوتي ونصيحتي لكم ، فهلموا لنعمل جميعاً . ونتعاون على البر والتقوى كما أمرنا . فهيا ألفوا لنا الجمعيات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وإحياء الفضائل وقتل الرذائل . وإظهار الحق وإبطال الباطل . عسى أن يعود لنا مجد أسلافنا أو بعضه ! ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ) ! وقال ! ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ) ! وقال ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول : رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ) . ( يا أيها الذين آمنوا إذا
____________________
(1/426)
تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) . ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ) ! ( ) ! ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ) ! ( وأقرضوا الله قرضا حسنا ) ! ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما دمتم بنصيحتي من العاملين . وقد كنت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب بعد صلاة العشاء من يوم 29 رجب الحرام سنة 1351 هـ؛ وانتهيت من ترتيبه قبل غروب شمس يوم السبت 29 ذي الحجة سنة 1352 هـ، وقد اعترتني في هذه المدة مشاغل ومتاعب وأمراض وأحزان وهموم أشغلت البال ؛ وجعلت الفكر في بلبال ؛ أسأله سبحانه أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن ينفعني به وجميع إخواني المسلمين وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد وعلينا معهم آمين . كتبه محمد عبد السلام خضر
____________________
(1/427)