... ... ... ... ... العصور . المجلد الثامن . الجزء الأول .127ـ 142 ( 1993م )
الزُط وموقعهم في التاريخ الإسلامي
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... للدكتورة : فايزة إسماعيل أكبر
ملخص البحث : يهدف إلى البحث إلقاء الضوء على تاريخ الزط ونشاطهم وتحركاتهم في العالم العربي الإسلامي متتبعاً أسباب هجراتهم من موطنهم الأصلي ـ بلاد السند ـ واستيطانهم في الأراضي الإسلامية كما أن هذا البحث يحاول إبراز انتفاضاتهم المتتالية التي أزعجت السلطات الحاكمة مما دفعها إلى القضاء عليهم أحياناً وإبعادهم عن قلب العالم الإسلامي إلى أطراف الحدود الإسلامية البيزنطية أحياناً أخرى . وقد تجلت في انتفاضاتهم روح المقاومة الشديدة رغم الحصار والتضييق ورغم تصاعد الهجمات العسكرية عليهم .
ويتناول البحث عدة عناصر رئيسية هي : الزط ، أصلهم ، نشأتهم وموطنهم ، بدء اتصال العرب بقوم الزط ، الزط إبان عصر النبوة والخلفاء الراشدين ، الزط في عهد بني أمية . وانتفاضات الزط في عصر الدولة العباسية.
المقدمة(1/1)
على الرغم مما يلقاه تاريخنا الإسلامي من اهتمام الباحثين سواء من العرب أو من المستشرقين إلا أنه لا يزال يحتاج إلى المزيد من الاهتمام والبحث في كثير من جوانبه خاصة فيما يتعلق بتاريخ العناصر الأجنبية التي وفدت إلى بلاد المسلمين واستقرت في مناطق مختلفة منها وكان لها دور بارز في تسيير دفة الأحداث بها ، ومن هذه العناصر الزط . ولا شك في أن دراسة تاريخ الزط أمر شائك ومعقد ، وذلك لقلة المادة العلمية وبعثرتها في بطون الكتب المختلفة ، إذ لابد للباحث عند الكتابة عنهم الرجوع إلى أمهات كتب الجغرافيين والرحالة والمؤرخين واللغويين أمثال البلاذري والمسعودي وابن حوقل والمقدسي والطبري وابن الأثير وابن منظور وغيرهم ، حيث نجد أن هناك إشارات إلى مثل هذا الموضوع ، ولكن تلك المعلومات تكاد لا تكفي لرسم صورة متكاملة عن تاريخ هجرتهم واستيطانهم في الأراضي الإسلامية ونشاطهم وتحركاتهم فيها . ولعل هذا مادفع الكاتبة إلى الكتابة عنهم بطريقة علمية ، معتمدة على المصادر الأولية المتوافرة بين أيدينا مع الاستعانة بالدراسات الحديثة التي سبقت وتناول مؤلفوها جوانب معينة من تاريخهم وقد بذلت الباحثة جهدها في مراعاة الأمانة العلمية حتى تتحقق الإفادة المطلوبة ولعل هذا البحث يكون قد قدم جديداً للمهتمين بتاريخنا الإسلامي العريق والمشتغلين به جهد المقل وأرجو من الله التوفيق .
الزُطّ أصلهم ، نشأتهم وموطنهم(1/2)
الزط بضم الزاي وتشديد الطاء هو تعريب للكلمة الفارسية جت Jat أو Jets . وقد أتفق المؤرخون والجغرافيون واللغويون على أصلهم من بلاد الهند إلى بلاد فارس والعراق لغلاء وقع هناك ساق وراءه الفقر والفاقة(1)كما يرى حمزة الأصفهاني سبباً آخر لهجرة بعض هؤلاء إلى فارس إذ يروي أن "بهرام جور " ملك فارس ( 420 ـ 438م ) سأل ملك الهند أن يرسل إليه عشرة آلاف زُطي من الرجال والنساء البارعين في العزف والغناء(2)ويسجل البلاذري أن أصلهم هندي من بلاد السند(3)ويحدد أين حوقل منطقتهم فيجعلها الواقعة بين المنصورة ومكران في بلاد السند(4)
__________
(1) المسعودي ، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي ، التنبيه والإشراف ( بيروت : دار مكتبة الهلال 1981م ) ، ص 323 .
(2) حمزة بن حسن الأصفهاني . تاريخ سنى ملوك الأرض والأنبباء ط 2 ( بيروت مكتبة الحياة . د . ت ) ، ص 49 .
(3) البلاذري ، أبو الحسن أحمد بن يحي . فتوح البلدان ، مراجعة وتعليق رضوان محمد رضوان ( بيروت : دار الكتب العلمية ، 1403هـ/1983م ) ، ص 368 .
(4) ابن حوقل . أبو القاسم بن حوقل النصيبي ، صورة الأرض
(
بيروت : دار مكتبة الحياة ، د.ت ) ، ص 382 .(1/3)
بينما يذكر ابن منظور أن الزط هم جيل أسود من السند إليهم تنتسب الثياب الزطية(1)وكانوا يسمون بالنور(2)والغجر(3)كما عرفوا أيضاً باسم سلولي أو لوري(4)ولعلها أصل لكلمة نوري كلمة يطلقها السوريون على الغجر .
__________
(1) ابن منظور ، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ، لسان العرب ( بيروت : دار صادر ، د.ت ) ، مجلد7 ، ص 308 .
(2) ابن خلدون ، عبدالرحمن بن خلدون ، تاريخ ابن خلدون ، ضبط المتن ووضع الحواشي خليل شحادة ، ( بيروت : دار الفكر ، 1401هـ / 1981م ) ، جـ 3 ، ص 257 .
(3) موريس لومبار ، الإسلام في مجده الأول ، ترجمة وتعليق اسماعيل العربي( الجزائر : المؤسسة الوطنية للكتاب ، د.ت ) ص 229 .
(4) v.Minorsky . Luli .Islam ansikopeadisi ( Istanbul :Marif Basimevi .1954 ) 61 CUZ . s71(1/4)
ويحتوي وادي السند على ثلاثة أقسام : البنجاب في الشمال ، والسند في الجنوب ، وراجبوتانا في الشرق ويسكن هذه الأقاليم قبائل مختلفة ويعتبر الزط من أهم شعوب البنجاب ووادي السند ، إذ يذكر المستشرق جوستاف لوبون أن الزط " الجات " كانوا سادة البلاد حين أغارت عليهم قبائل الآريين ، وقد بادر الزط إلى الخضوع فعاملهم الآريون معاملة حسنة وكونوا منهم طائفة جديدة عرفت باسم " طائفة الويشية " التي لا تزال تضم أبناء الطبقة الوسطى ولا سيما التجار ، ولقد تأثر سكان هذه المنطقة بثقافات وعادات وتقاليد الشعوب الآرية المسيطرة ، ونتيجة للاختلاط والمصاهرات القليلة التي تمت بين تلك العروق ظهرت مجموعات من الزط تتباين في ألوانها ، فكان منها من يميل إلى السمرة الشديدة وهناك من يميل إلى البياض كالراجبوت(1)وحين جاء العرب إلى بلاد السند كان معظم القبائل السندية تنتسب إلى قوم الزط وقوم الراجبوت المعروفين بالإضافة إلى وجود الميد بقبائله المتفرقة في مناطق مختلفة من بلاد السند(2)وهناك آراء عديدة ومختلفة للمؤرخين والجغرافيين العرب وغيرهم تدور حول أصل المناطق التي كان يسكنها كل من قبيلة الزط والميد بفروعها المتعددة وكذلك بالنسبة لأعمالها وحِرَفِهما وصفاتهما . يذكر الأصخري : " أن قوم الميد كانوا يسكنون من حد الملتان حتى البحر ، وكانت لهم في البرية التي بين نهر مهران وبين قامهل(3)
__________
(1) غوستاف لوبون حضارة الهند . نقلة إلى العربية عادل زغيتر ( القاهرة : دار إحياء الكتب العربية 1948م ) ص . ص 130 ـ 132
(2) 10) عبدالله مبشر الطرازي . موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية لبلاد السند والبنجاب . ط 1 مجلدان ( جدة : عالم المعرفة ، 1403هـ / 1983م ) ، جـ 1 ، ص 78 .
(3) 11) قامهل على الحدود الهندية السندية ..(1/5)
مراع ومواطن كثيرة ، بينما كان قوم الزط يسكنون أجاما ويتغذون بالسمك وطير الماء "(1)وينوه ابن خرداذبة ( بأن قوم الزط كانوا ينتشرون من أطراف المنصورة إلى مكران وكانوا يحافظون على الطريق فيه وكانت المسافة من أول مكران إلى المنصورة 358 فرسخاً ، بينما كان قوم الميد لصوصًا وقطاع طرق ) .(2)ويبين الإدريسي " أن الميد قوم رُحل كانوا يسكنون أطراف صحراء كتش ( كجه ) وأحياناً كثيرة كانوا يصلون ترحالهم إلى قرب مدينة الرور على شط نهر مهران وحدود مكران ، ويضيف أن الميد قبائل وبشر عددهم كثير وجمعهم غزير ، ولهم أجصاص وآجام يأوون إليها وبطائح مياه في غربي نهر مهروان ولهم إبل وأغنام حسنة ، وكانت مراعيهم داخل السند تصل حتى مدينة قامهل على الحدود السندية الهندية ".(3)
__________
(1) 12) الأصخري ، أبو اسحاق بن محمد الأصخري الفارسي الفارسي . كتاب المسالك والممالك . مخطوط رقم 2613 ، اسطانبول . مكتبة أيا صوفيا ، ورقات 89 ، 91 .
(2) 13) ابن خرداذبة ، أبو القاسم عبيدالله بن عبدالله ، المسالك والممالك ( بغداد : مكتبة المثنى . د.ت ) ، ص 55 ، 62 .
(3) 14) الإدريسي أبوعبدالله محمد بن عبدالله بن إدريس ، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ، مخطوط رقم 3502 ، اسطانبول ، مكتبة أيا صوفيا ورقات 125،129 .(1/6)
ويرى ابن حوقل " أن الميد قبائل مفترشة بين حدود طوران ومكران والملتان ومدن المنصورة ، وهم أهل إبل وأنهم يسكنون على شطوط مهران من حد الملتان إلى البحر ولهم في البرية مابين مهران وقامهل مراع ومواطن ينتجعونها لمصيفهم ومشاتيهم وهم عدد كثير " كما يسجل " أن جماعات من الزط كانت تسكن في المنطقة الواقعة بين المنصورة ومكران طول نهر مهران في مساكن مبنية من الخوص وكان طعامهم السمك وطير الماء . كما أن هناك جماعات أخرى من الزط كانت تسكن في البوادي كالأكراد يتغذون بالألبان والأجبان وخبز الذرة ".(1)
ويقول الأنصاري " بأن قوم الزط كانوا يقيمون بأرض واسعة تقع مابين المنصورة ومكران على نهر السند وكان طعامهم السمك وطير الماء وأن قوم الميد كانوا يسكنون مفازة بين السند والهند وهم أصحاب إبل وغنم يرحلون في طلب الكلأ كالعرب .(2)ويؤكد المقدسي على أن كثيرا من الزط كانوا يسكنون بوادي مكران ويتغذون بالسمك وطير الماء .(3)
وهكذا يبدو من روايات الأصخري وابن خرداذبة والإدريسي وابن حوقل والأنصاري والمقدسي ان قوم الميد وقوم الزط فرق وقبائل عديدة سكنوا مناطق مختلفة فمنهم من كان يسكن في المناطق الصحراوية ، ومنهم من كان يقيم على طول نهر مهران ، وأنهم جميعاً يحيون حياة البداوة يرعون المواشي والأغنام وكذلك يعملون كلصوص وقطاع طرق .
__________
(1) 15) ابن حوقل ، صورة الأرض ، ص 279، 280 ، 283.
(2) 16) الأنصاري ، شمس الدين أبوعبدالله محمد بن أبي طالب الأنصاري الدمشقي ، نخبة الدهر في عجائب البر والبحر ، مخطوط رقم 2945، اسطانبول ، مكتبة أيا صوفيا ، ورقات 116 ، 117 .
(3) 17) المقدسي ( المعروف بالبشاري ) احسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ط3 ( القاهرة : مكتبة مدبولي ، 1411هـ /1991م ). ص 484 .(1/7)
في حين يرى كل من المسعودي والبلاذري أن الميد كانوا يشتغلون في البحر بالقرصنة ، فيصرح المسعودي " أن نهر مهران السند له بطائح وآجام عظيمة من القنا والقصب نحو من ثلاثمائة فرسخ فيه جنس من السند يقال لهم الميد وهم خلق عظيم حزب لأهل المنصورة ولهم بوارج في البحر تقطع على مراكب المسلمين المجتازة إلى أرض الهند والصين وجدة والقلزم .(1)ويُعرِّف البلاذري الميد بأنهم أهل مدينة سرست قراصنة البحر " وأن محمد بن الفضل بن ماهان سار في سبعين بارجة حربية إلى ميد الهند وقتل منهم خلقاً وافتتح مدينة فالي ورجع إلى مدينة سندان ".(2)كما يعرف مناطق سكن الزط بقوله :أن عمران بن موسى البرمكي والي السند قد هاجم الزط في موطنهم بالقيقان وبنى مدينة سماها البيضاء وأسكنها الجند لمراقبة الزط ويذكر أن عمران عسكر على نهر الرور ثم نادى بالزط الذين بحضرته فختم على أيديهم وأخذ الجزية منهم ، ثم غزا الميد ومعه وجوه ـ الزط " .(3)
بينما يفيد لامبريك Lambrick استناداً على المصادر السنسكريتية بأن سكان السند الأصليين كانوا يتألفون من الزط والميد ، وأن الزط كانوا يعملون في البحر على السفن الصغيرة ، بينما الميد كانوا يشتغلون بالرعي ، ولكنه يعتقد بن هناك خطأ قد حصل من قبل المترجمين والنساخ في استخدام الإسمين بحيث وضع أحدهما مكان الآخر ، والدليل على ذلك أن ميد مكرات لايزالون في الوقت الحاضر يعملون ويستخدمون البحر في الأسفار بينما نسل الزط يعملون كرعاة .(4)
__________
(1) 18) المسعودي ، التنبيه والإشراف ، ص65 .
(2) 19) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص423،432 .
(3) 20) البلارذي ، فتوح البلدان .ص 432 .
(4) 21) H.T.Lambrick .Sind, Ageneral Introduclion , 3rd ed (Hyderabad:sindhi Abadi Board,1986) ,p.209.(1/8)
ويقول الجغرافي أبو الفداء : " أما البلوص المذكورون فيقال لهم في زماننا الجت وهم طائفة تقترب لغتهم من الهندية "(1)ويعني ذلك أن سكان لوجستان يسمون بالزط أيضاً وأن لغتهم قريبة من اللغة الهندية.
وهكذا وجدت آراء وروايات مختلفة لدى المؤرخين والجغرافيين العرب وغيرهم تتعلق بمساكن الزط والميد وأعمال كل منهما وطريقة معيشتهما ، ولذلك يمكن أن نذهب إلى ماذهب إليه الدكتور عبدالله الطرازي ، من أن قوم الزط وقوم الميد كانوا فرقا كثيرة تحمل أسماء قبائل عديدة ، وكانوا يسكنون مناطق مختلفة في بلاد السند وكان أفراد كل من القومين يشتغلون بالسفن والقرصنة في البحر وكذلك بالرعي أو قطع الطريق في البر تبعاً للبيئة والظروف المحيطة بهم ، ويضيف أن كلاً من القومين كانا خطراً على الأمن والدولة وكانت الحكومات السندية القديمة والحكومات العربية كثيراً ماتفشل في إخضاع هؤلاء الأقوام وتوجيههم نحو الحياة الكريمة .(2)
__________
(1) 22) أبو الفداء ، عماد الدين اسماعيل بن محمد بن عمر ، تقويم البلدان ( باريس : دار الطباعة السلطانية ،1984م ) ، ص 335 .
(2) 23) عبدالله الطرازي ، موسوعة التاريخ الإسلامي ، جـ 1 ص76 .(1/9)
أما عن صفة الزط الجسمانية فهم طوال غير غلاظ.(1)ويتسمون بتناسق الأعضاء وذكاء المنظر ، والاسمرار واتساع الأنوف وارتفاع طرفها وصغر العيون وأفقيتها ونتؤ الوجنات ودقة اللحي ، واسوداد الشعور وكثافتها . وتتصف نساؤهم بطول القدود مع حسن المنظر .(2)وكانت للزط طريقة فريدة مشهورة في قص شعورهم وقد أعجب بعض العرب منذ عهد قديم بهذه الطريقة فاستخدموها بين الحين والآخر وقد أشار ابن منظور إلى ذلك بقوله " فحلق رأسه زطيه "(3)أي على طريقة الزط ، وهو على شكل الصليب .
كما اشتهر الزط بصناعة الثياب " وإليهم تنسب الثياب الزطية ".(4)وكانت فيما يبدو تختلف في صناعتها عن باقي الثياب المعروفة في ذلك الوقت ، ولكن الذي لا نستطيع الجزم به هو : هل كانت هذه الثياب صنفاً معيناً من المنسوجات كان الزط يقومون بصناعتها لتلائم الذوق العربي ومن ثم كثر بيعها في الأسواق العربية أو أنها هي الأزياء التقليدية الخاصة بهم فقط ؟
بدء اتصال العرب بقوم الزط
إن مانملكه في أيدينا من مادة علمية عن بدء اتصال العرب بقوم الزط ، هذا الشعب الذي احتك بالعالم الإسلامي القريب منه مرة ثائراً ، ومرة مجنداً ، ومرة متعايشاً ، هي تلك المعلومات القليلة الموجودة في المصادر العربية المتمثلة في كتب التاريخ والجغرافيا والرحلات والمعاجم والسير . إذ أن ندرة هذه المادة العلمية سواء الخاصة ببدء اتصال العرب بقوم الزط أو بكيفية هجرة هؤلاء القوم إلى بلاد المسلمين أدت في الواقع إلى صعوبة قيام دراسات تحليلية جادة حول هذا الموضوع .
__________
(1) 24) ابن حجر العسقلاني فتح الباري ( القاهرة : المكتبة السلفية ،1379هـ/1959م ) ،جـ 6 ، ص477.
(2) 25) غوستاف لوبون ، حضارة الهند ، ص 132 .
(3) 26) ابن منظور ، لسان العرب ، مجلد 7 ، ص 308 .
(4) 27) ابن منظور ، لسان العرب ، مجلد 7 ، ص 308 .(1/10)
إن معرفة الفرس بالزط قبل ظهور الإسلام حقيقة لانستطيع أن ننكرها وذلك نتيجة لقرب الجوار إلا أن المعلومات الموجودة بالمصادر العربية عن هذه الصلة قليلة فمنها رواية حمزة الأصفهاني ( المتوفي سنة 306هـ ) أن بهرام جور بن يزدجرد ملك الفرس (420 ـ 438م ) كانت له حروب كثيرة مع الترك والروم والهند وقد فرض على رعيته أن يعملوا نصف اليوم ثم يستريحيوا بقيته ويتوفروا بالأكل والشرب واللّهو ويحضروا المغنين فارتفع اجر المغنين إلى مائة درهم وعز عليهم إحضارهم وأن بهرام جور مر يوماً بقوم يشربون بغير حضرة المغنين والملهيين ، فقال اليس نهيتكم عن الغفلة عن الملاهي ؟ فقالوا له : قد طلبناه بزيادة عن مائة درهم فلم نقدر عليه فأمر بالدواة وكتب إلى ملك الهند يطلب منه ملهيين ، فأنفذ إليه عشرة آلاف رجل هم الزط وكانوا بارعين في العزف والغناء .(1)
وفي بداية القرن السابع الميلادي ، وبعد ظهور الإسلام وجه الحاكم الفارسي هرمز عدة حملات بحرية إلى سواحل بلاد السند ، وكانت نتيجة لهذه الحملات أن وقع في أسره أعداد كبيرة من أهالي السند فجلبهم إلى فارس ، وكان معظمهم من قوم الزط لأن معظم الجيوش السندية كانت تتألف منهم ، وقد ضمهم هرمز إلى الجيوش الساسانية ليحاربوا العرب بجانب الفرس .(2)
__________
(1) 28) حمزة الأصفهاني ، تاريخ سني ملوك الأرض ، ص49.
(2) 29) عبدالله الطرازي ، موسوعة التاريخ الإسلامي ، جـ1 ، ص88.(1/11)
يفهم من الروايات السابقة الذكر أن الفرس عرفوا أقوام وقبائل السند المختلفة خلال العصور السابقة للفتوحات الإسلامية الأولى ، وأنهم جلبوهم إلى بلادهم كملهين أو كأسرى أو كجنود مرتزقة وقد استعانوا بهم في حروبهم ومن ثم انتشر هؤلاء الأقوام في بلاد فارس وعلى أطراف الخليج العربي ، واختلطوا بأهالي البلاد الأصليين مكونين مع مرور الزمن جاليات كبيرة . وهذا مايبرر وجود جماعات عظيمة منهم في فارس والأهواز والقطيف وهجر والخط وعمان واليمامة والأبلة ونواحي البصرة . وعندما فتح المسلمون هذه البلاد تعايشت هذه الجماعات مع قبائل العرب وحرصت على بقاء تقاليدها وعاداتها القديمة ، وعرف أفرادها بهيئاتهم وأجسامهم وألوانهم وألبستهم وشعورهم(1)، ولقد ذكر البلاذري : أن الأساورة والسيابجة(2)كانوا قبل الإسلام يقطنون في السواحل وكان الزط بالطفوف يتتبعون الكلأ .(3)
__________
(1) 30) الطبري ، أبو حعفر محمد بن جرير ، تاريخ الرسل والملوك . تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم ، ط 2، 11 جزء ( بيروت دار سويدان ، 1387هـ / 1967م ) ج 1 ، ص 1961 : ابن الأثير ، علي بن محمد عبدالكريم بن عبدالواحد الشيباني ، الكامل في التاريخ ، ط2 ، 9 أجزاء ( بيروت : دار الكتاب العربي ، 1387هـ / 1967م ) ، جـ 2 ، ص249 : القاضي أبو المعالي أطهر المباركبوري ، العقد الثمين في فتوح الهند ، ط 2 ( القاهرة : دار الأنصار ، 1399هـ ) ، ص 21 .
(2) 31) وهم قوم من السند أيضاً يكونون مع رئيس السفينة البحرية يبذر قوتها وكانوا بالبصرة جلاوزة وحراس السجن ، انظر ابن منظور ، لسان العرب ، مادة سيابجة جـ 1 ، ص 294 .
(3) 32) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 367 ، 370 : أبو الفرج الأصفهاني ، كتاب الأغاني ( القاهرة المؤسسة المصرية العامة ، د..ت ) جـ 15 ، ص 256(1/12)
ولعلنا نجد الدليل على انتشار الزط في بلاد العرب وفارس في أسماء بعض القرى والأنهار المشهورة كحومة الزط وهي مدينة كبيرة على نهر جارٍ في إقليم خوزستان(1)، ونهر الزط وهو من الأنهار القديمة في البطيحة .(2)
أما انتشار الزط على سواحل أفريقيا ، فلعله من الأسباب التي جعلت ابن منظور يرجعهم إلى أصل سوداني أيضاً " إذ يقول : " وهم جنس من السودان والهنود .(3)ويشير المستشرق جبرائل فراند G.fer- rand إلى وجود قبيلة على الساحل الشرقي لمدينة مدغشقر تدعى أونداجاتسي Ondagatsi وتتكون هذه الكلمة في اللغة الملجاشية ، لغة مدغشقر ، من ثلاث مقاطع : اون ـ دجات ـ تس وقد لاحظ المستشرق فراند أن المقطع الأول لاينطق وكذلك المقطع الأخير ، أما المقطع الأوسط وهو " دجات " فإنه المقطع المنطوق والأساسي للكلمة ، التي ترد إلى الأصل جات الفارسية والتي تعنى الزط عند العرب . ولاحظ المستشرق فراند أيضاً أن هذه الكلمة تكتب بالعربية في مدغشقر ( أجه أو أجت أو أذت ) وأن المطابقة بين الصيغ ( أونداجاتس ) و ( جات ) و ( زط ) أدق من أن تكون وليدة المصادفة ، بل هي حقيقة جديرة بالتسجيل . وأن هؤلاء القوم يذكرون بأن أسلافهم وفدوا إلى هذه المنطقة من وراء البحار . ولعل المراد بها بلاد السند.(4)
__________
(1) 33) مخطوط الأصطخري ، كتاب المسالك والممالك ، ورقة 55 .
(2) 34) ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، 5 أجزاء ( بيروت : دار بيروت للطباعة والنشر ، 1979م ) ، جـ 5 ، ص 140 .
(3) 35) ابن منظور ، لسان العرب ، مادة الزط ، مجلد 7 ، ص 308 .
(4) 36) جبرائيل فراند ، مادة الزط ، دائرة المعارف الإسلامية يصدرها باللغة العربية أحمد الشنتاوي وآخرون ( القاهرة : دار الفكر ، د. ت ) ، مجلد 10 ، ص 349 .(1/13)
وليس من المستبعد نتيجة لتبادل التجارة بين بلاد اليمن وسواحل شرق أفريقيا وبلاد السند منذ أقدم الأزمان أن يكون بعض هذه العناصر السندية قد استوطن اليمن وسواحل شرق أفريقيا ، أصبح لهم شأن فيها ، إذ أن علاقات العرب وسكان سواحل شرق أفريقيا ببلاد الهند والشرق الأقصى منذ العهود القديمة حقيقة واقعة لا حاجة إلى إثباتها إذ كان للتجار والبحارة العرب اتصالات دولية واسعة المدى إلى حد يثير الدهشة بحيث كان للعرب جالية في كانتون بالصين ، وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون لهم بحكم هذا النشاط صلة بالهنود ومن ثم ازدادت معرفتهم بالمدن الساحلية الهندية وكونوا لهم بعض الجاليات في بعض الثغور خاصة على سواحل السند وملبار . وإذ كنا لا نعرف متى بدأت هذه العملية فليس ما يبرر الاعتقاد بأنها كانت ذات اتجاه واحد بل العكس هو الصحيح إذ أن سياسة التوسع التجاري والإقبال على السلع الهندية أمور من شأنها أن تشجع على قيام جاليات هندية وسندية في جميع المراكز التجارية في الخليج العربي واليمن(1)، وسواحل شرق أفريقيا مما ترتب عليه نشأة علاقات وثيقة بالسكان المحليين .
وكيفما كان الأمر فالذي يعنينا من هذا كله أن الزط قد جاءوا مع من جاء من أهل السند إلى فارس وبلاد العرب وانتشروا هناك واستقروا في سواحل الخليج العربي ومدنه ، وكذلك في اليمن وسواحل شرق أفريقيا ، كأسرى حرب أو كجنود مرتزقة أو كملهين لدى الفرس أو أنهم استقروا في هذه المناطق نتيجة لتبادل التجارة .
__________
(1) 37) كانت عدن مركزا لتبادل السلع الأفريقية والهندية والمصرية ومكان تبحر منه السفن إلى الهند ، أنظر إلى ذلك محمد كريم إبراهيم ، " الفعاليات الاقتصادية لميناء عدن " المؤرخ العربي ، العدد 35 ، السنة الرابعة عشر ( 1409هـ / 1988م ) ، ص 179 .(1/14)
وعلاوة على ذلك فهناك عدد من الاحتمالات في هذا الشأن منها : أن بعضاً من قبائل الزط قد هجروا ديارهم نتيجة الفقر والفاقة(1)فتنقلوا في بلاد كرمان وفارس والأهواز إلى أن استقروا في هذه المناطق . أو أنهم نزحوا فراراً من بطش وجور الحكومة البرهمية التي كانت تعتبرهم في عداد المنبوذين ، إذ كانت تحرم عليهم امتطاء الدواب وتحرم على زعمائهم ركوب الخيل وتمنعهم من ارتداء الملابس الراقية وتفرض عليهم ارتداء الأثواب السوداء الخشنة ، وتجبرهم على أن يسيروا حفاة الأقدام مكشوفي الرؤوس ، وأن يسحب كل واحد منهم كلباً إذا سار حتى يعرفه الناس ويتجنبوا شره ، وكانوا لا يمارسون إلا أحط المهن.(2)ولعل ذلك يفسر انضمام جموع كثيرة من الزط إلى جيش محمد بن القاسم ربما بدافع الانتقام لما نالهم من البراهمة المتسلطين كما سيأتي لاحقاً .
الزط إبان عصر النبوة والخلفاء الراشدين
__________
(1) 38) المسعودي ، التنبيه والإشراف ، ص 323 .
(2) 39) علي بن حامد بن بكر الكوفي ( المتوفي سنة 617هـ ) ، ججنامه Chach- Nama, باللغة الانجليزية منشور ضمن كتاب :
John Dowson , The History of Sind AsTold by Its Own Histo-rians ( Karachi: Allied Book Company .University of Karachi 1985 ) , p.137.
عبدالله الطرازي ، موسوعة التاريخ الإسلامي ، جـ1 ، 206 : عصام الدين الفقي ، بلاد الهند في العصر الإسلامي ( القاهرة : عالم الكتب ، 1980م ) ص9 .(1/15)
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على معرفة تامة بأهل السند وكانت العناصر السندية تعرف بهيئاتها وأشكالها وأجسامها وألبستها . ولقد ذكر قوم الزط في عدة أحاديث شريفة منها ماورد عن عبدالله بن مسعود مانصه " صلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم أنصرف فأخذ بيد عبدالله بن مسعود حتى خرج يه إلى بطحاء مكة فأجلسه ثم خط عليه خطا ، ثم قال لا تبرحن خطك ، سينتهي إليك رجال فإنهم لا يكلمونك " . قال ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث أراد . فبينما أنا جالس في خطي إذ أتاني رجال كأنهم الزط ، أشعارهم وأجسامهم لا أرى عورة ولا أرى قشرا ، ينتهوا إلي ولا يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1)
كما ورد عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قوله " قال النبي - صلى الله عليه وسلم - رأيت عيسى وموسى وإبراهيم فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر وأما موسى فأدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط ".(2)والمراد بالجسيم في صفة موسى هنا الزيادة في الطول لذا شبه برجال الزط .
__________
(1) 40) أبو عيسى محمد بن عيسى سوره ، الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي ، كتاب الأمثال ( القاهرة : المكتبة السلفية ، 1357هـ ـ 1938م ) ، جـ 5 ، ص 144 : القاضي اطهر المباركبوري ، العقد الثمين ، ص 22 .
(2) 41) ابن حجر العسقلاني . فتح الباري ، جـ 6 ، ص 477 : القاضي أطهر المباركبوري ، العقد الثمين ، ص 23 .(1/16)
وفي رواية للإمام البخاري أن طبيباً زطياً كان يسكن المدينة المنورة في عهد الرسالة وأن هذا الطبيب عالج السيدة عائشة عندما مرضت . وكان سبب مرضها ان سحرتها جارية لها .(1)ويثبت مما سبق أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان على معرفة بأهل السند ومن بينهم الزط وأن بعضاً ممن كانوا يقيمون في بلاد العرب قد دخلوا في الإسلام ، ومنهم على سبيل المثال الطبيب الزطي الذي عالج السيدة عائشة والذي كان يسكن المدينة ، ولعل هذه الروايات كلها ترجح أنه لم يكن للزط المقيمين بشبه الجزيرة العربية دور سياسي يذكر في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى كانت حروب الردة فاشترك الزط المقيمون بالقطيف وهجر مع المرتدين في محاربة المسلمين .
لقد انطلقت حركة الردة في عنف واتخذت صوراً عديدة بين كثير من القبائل العربية في نواحي شتى من شبه الجزيرة العربية وارتد أهل البحرين فيمن ارتد من العرب بعد وفاة ملكهم المنذر بن ساوى ، الذي أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومات بعده بقليل ، وكان يسكن منطقة البحرين قبائل عديدة من العرب من عبد القيس وبكر بن وائل وتميم وكانوا يقيمون في باديتها وشاركهم في هذه السكنى بالمنطقة بعض اليهود والنصارى .(2)
__________
(1) 42) الإمام البخاري ، الأدب المفرد ، ط2 ( القاهرة : المطبعة السلفية ، 1388هـ / 1988م ) جـ 1 ، ص 259 .
(2) 43) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 89 .(1/17)
فأما عبدالقيس فإنها رجعت إلى الإسلام بعد أن نصحهم بذلك الجارود بن عمرو بن حنش بن معلى الذي ثبت على الإسلام . أما بكر بن وائل فبقيت على ردتها . وقد انضم إليهما الزط والسيابجة ممن كانوا بالمنطقة قبل دخولهم في الإسلام ، وفي ذلك يقول الطبري : " لما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج الحطم بن ضبيعة أخو بني عبدالقيس بن ثعلبة فيمن أتبعه من بكر بن وائل على الردة ومن تأشب إليه من غير المرتدين ممن لم يزل كافراً حتى نزل القطيف وهجر واستغوى الخط ومن فيها من الزط والسيابجة.(1)
ولم يقف خليفة رسول الله أبو بكر الصديق مكتوف اليدين أمام هذه المشكلة فسير الجيوش إلى المرتدين والمتنبئين ومانعي الزكاة ، وعقد اللواء لقتالهم على أحد عشر قائداً في وقت واحد فأرسل العلاء بن الحضرمي إلى البحرين ، فحارب الحطم وحاصرهم بجواثا ما يقرب الشهر حتى كاد المسلمون أن يهلكوا من الجهد ، فسمعوا أصواتاً كثيرة وضوضاء شديدة في معسكر المشركين فدسوا فيهم من يتعرف خبرهم فعرفوا أن القوم سكارى فهجم عليه العلاء والمسلمون وقتلوهم قتلاً شديداً واستولوا على مافي المعسكر .(2)
__________
(1) 44) الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، جـ1 ، ص1958 ، 1960 ، 1961 : ابن الأثير ، الكامل ، جـ 2 ، ص249 .
(2) 45) خليفة بن خياط ، تاريخ خليفة بن خياط ، تحقيق أكرم ضياء الدين العمري ، ط 2 ( الرياض : دار طيبة ، 1405هـ / 1985م ) ص116 : الطبري . تاريخ الرسل والملوك ، جـ 3 ، ص1968 .(1/18)
ويذكر الطبري أن المسلمين بعدما أحرزوا النصر على المشركين واستحوذوا على جميع مافي معسكرهم تتبعوهم ، فقصدت فلول المشركين بلده دارين ( وهي قريبة من الساحل ) فركبوا فيها السفن ورجع الآخرون إلى بلاد قومهم .(1)فمن المحتمل أن بعض فلول المشركين الذين ركبوا السفن ورجعوا إلى بلادهم هم الزط والسيابجة الذين كانوا يقيمون في البحرين والذين ساندوا وناصروا المرتدين على المسلمين بعد أن أغواهم الحطم بن ضبيعة .
وبعد هذه الموقعة تقابل المسلمون مع الزط في مواقع كثيرة وذلك أثناء الفتوحات الإسلامية لبلاد العراق وفارس . ومن هذه المعارك معركة ذات السلاسل التي وقعت في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة 12هـ / 634م . وقد يسرت الانتصارات الرائعة التي أحرزتها الجيوش الإسلامية على المرتدين في شبه الجزيرة العربية السبيل أمام خليفة المسلمين فأرسل الجيوش لفتح البلاد المجاورة ونشر الإسلام بها ، فكتب أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليد ، وكان مقيماً باليمامة : " أن سر إلى العراق حتى تدخلها وابدأ بفرج الهند وهي الأبلة وتألف أهل فارس ومن كان في ملكهم من الأمم ".(2)وكان هرمز ـ في ذلك الوقت ـ حاكماً على العراق من قبل الفرس وهو من أبرز قادتهم وقد حارب العرب في البر والهند في البحر .(3)وكان معروفاً عنه أنه أسوأ الأمراء معاملة للعرب حتى بلغ من حقدهم عليه أن جعلوه مضرب المثل في الخبث فقالوا : أخبث من هرمز وأكفر من هرمز .(4)
__________
(1) 46) الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، جـ1 ، ص1971 : ابن كثير ، أبو الفداء المحافظ بن كثير ، البداية والنهاية ، ط 2 ( بيروت : مكتبة المعارف ،1977م ) ، ص 329 .
(2) 47) الطبري . تاريخ الرسل والملوك . جـ1،ص2016 :2021 .
(3) 48) الطبري . تاريخ الرسل والملوك.جـ1 ، ص 2023 ابن الأثير ، الكامل جـ 2 ، ص 148 .
(4) 49) الطبري . تاريخ الرسل والملوك .جـ1 ، ص 2024 .(1/19)
وكان معظم جيشه مؤلفاً من قوم الزط الذين أسرهم أثناء حملاته البحرية التي قام بها على سواحل بلاد السند .
ولما توجهت الجيوش الإسلامية في عهد أبي بكر رضي الله عنه إلى الأراضي الفارسية التي عقدت الدولة الساسانية معاهدات الصلح مع جارتها بلاد السند حتى تؤمِّن ظهرها في حروبها مع العرب .
وبموجب هذا الصلح جامل هرمز قوم الزط وأدخلهم في الجيش الفارسي لمحاربة المسلمين بهم .(1)وعندما وقعت معركة ذات السلاسل بين جيش خالد بن الوليد وجيش هرمز بالحفير على مقربة من ثغر كاظمة ، قيد هرمز أصحابه بالسلاسل لكي لا يهربوا من ساحة القتال ، وفي المعركة قتل خالد بن الوليد هرمز في مبارزة فردية ، ووقع في أيدي العرب آلاف الأسرى ومن بينهم الزط وانهزم أهل فارس من أول لقاء .(2)
مما لا يختلف فيه إثنان أن تقييد جيش هرمز بالسلاسل يدل على انخفاض الروح المعنوية والانهيار عند هؤلاء . كما يدل على الجبن الذي استولى على هرمز وجيشه رغم كثرتهم وعدتهم وماضيهم الطويل في ميادين القتال . غير أننا لا نعجب إذا عرفنا أن هذا الجيش مع كثرة عدده وعدته كان مفككاً في حقيقة أمره ، وذلك لأنه كان مؤلفاً من عناصر أجنبية كالزط مثلاً ، وقد كانت تنقصهم الدوافع النفسية التي تهيئهم للمعركة ، إذ كانوا يدافعون عن أرض غير أرضهم ووطن غير وطنهم ، كما كانوا يدافعون عن كيان غير كيانهم ، ولذا اتصفوا بالفتور وقلة الحماس بحيث قال خالد فيهم " أنني أرى أقواماً لا علم لهم بالحرب " .
__________
(1) 50) عبدالله الطرازي . موسوعة التاريخ الإسلامي . جـ1 . ص88 .
(2) 51) الطبري . تاريخ الرسل والملوك . جـ1 . ص 2024 ، 2025 عبدالله الطرازي . موسوعة التاريخ الإسلامي .جـ1 . ص 88 .(1/20)
ولعل حالتهم هذه كانت من ضمن الأسباب التي جعلت هرمز يقيدهم بالسلاسل لعلمه بأنهم كانوا يريدون الهرب عند اشتداد المعركة ، ولذا فقد نصحهم من رآهم على هذه الصورة بالقول : " قيدتم أنفسكم لعدوكم فلا تفعلوا فإن هذا طائر سوء " .(1)
وهكذا وقع في هذه المعركة آلاف الأسرى من الزط في أيدي المسلمين وعليه فقد استقروا في الأراضي الإسلامية .
وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل كثير من الهنود كالأساورة والسيابجة والزط المقيمين في بلاد فارس في الإسلام على يد أبي موسى الأشعري ، وذلك عندما كان محاصراً ( تستر ) سنة 16هـ / 638م . ولما رأى الأساورة ـ الذين كانوا يكوِّنون قوة عسكرية ساسانية تحارب في الأهواز ـ ظهور الإسلام ، وعدم جدوى مقاومة العرب ، وأن مدينة السوس قد فتحت والإمدادات متتابعة إلى أبي موسى ، أرسلوا إليه شيروية في عشرة من الأساورة ليعقدوا معه اتفاقية تنص على أن يدخلوا في الإسلام ، وأن يقاتلوا بجانب العرب أعداءهم العجم ، وأن يلحقوا بشرف العطاء ، وأن يطلق لهم الحرية في الانضمام إلى القبيلة العربية التي يؤثرونها . فردّ عليهم أبو موسى " بل لكم مالنا وعليكم ما علينا " فقالوا لا نرضى ، فكتب أبو موسى إلى عمر بن الخطاب فرد عليه ، بأن يعطيهم ماسألوا لأن هذه الاتفاقية تضع في صفهم قوة عسكرية كانوا بأمس الحاجة إليها في ذلك الوقت ، فكتب أبو موسى لهم بذلك فأسلموا وشهدوا معه حصار تستر .(2)
وهكذا قرر الأساورة الانفصال عن الجيش الفارسي وانضم عدد كبير منهم إلى الجيش الإسلامي وأعلنوا إسلامهم ، ونقلوا جميعاً إلى العراق وسكنوا بعض المناطق الواقعة بين مدينتي البصرة وواسط ،
__________
(1) 52) الطبري . تاريخ الرسل والملوك . جـ1 . ص 2024 .
(2) 53) الطبري ، تاريخ الرسل والملوك . جـ 1 ، ص 2563 : البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 366 .(1/21)
فلما صاروا إلى البصرة سألوا أي الأحياء أقرب نسباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل لهم بني تميم ، فحالفوهم ثم خطت لهم خططهم فنزلوا بها وحفروا نهرهم المعروف بنهر الأساورة .(1)
أما الزط السيابجة فإنهم أيضاً كانوا يكوِّنون قوة عسكرية في الجيوش الفارسية التي كانت تحارب الجيوش الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فلما سمعوا عن المميزات التي حصل عليهم الأساورة أسلموا وأتوا أبا موسى فأنزلهم البصرة كما أنزل الأساورة " فلما اجتمعت الأساورة والزط والسيابجة تنازعتهم بنو تميم فرغبوا فيهم فصارت الأساورة في بني سعد ، والزط والسيابجة في بني حنظلة ".(2)وقد أدت هذه المحالفة إلى استيطانهم في مدينة البصرة .
وهكذا نرى أن السنود ومن بينهم الزط دخلوا الإسلام لأول مرة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمحض إرادتهم دون إجبار أو إكراه يعد أن كانوا أيام أبي بكر مع المرتدين . ولقد فكر عمر بن الخطاب في فتح بلاد السند ، فتحرى عنها فقال له رجل " يا أمير المؤمنين ماؤها وشل ، وتمرها دقل ، ولصها بطل إن قل الجيش فيها ضاعوا وإن كثروا جاعوا قال عمر : لا يسألني الله من أحد بعثته إليها أبداً ".(3)
__________
(1) 54) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 366 .
(2) 55) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 367 ، 368 .
(3) 56) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 421 .(1/22)
ولقد انخرط الزط والسيابجة بعد إسلامهم على يد أبي موسى الأشعري في حياة المسلمين العامة ولعبوا دوراً مهماً في الأحداث السياسية والاقتصادية واشتركوا مع المسلمين في فتح بلاد فارس وخراسان وسجستان وكرمان ومكران والسند ، ونظراً لشجاعتهم ومراسهم في الأعمال المصرفية فقد وكلت إليهم أعمال كالحراسة والأعمال المصرفية والحسابات .(1)كما كان حراس الخليفة عثمان بن عفان بعضاً من قبيلة الزط ، وقد دافعوا عنه بشجاعة حتى قتلوا جميعاً على بابه قبل استشهاده رضي الله عنه .(2)
__________
(1) 57) ابن خلدون ، تاريخ ابن خلدون ، جـ 2 ، ص 610 . عبدالله الطرازي ، موسوعة التاريخ الإسلامي ، جـ1 ، ص 344 .
(2) 58) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 175 . عبدالله الطرازي . موسوعة التاريخ الإسلامي ، جـ 1 ، ص 344 .(1/23)
وعلى الرغم من أن الزط والسيابجة كان من شروطهم بعد إسلامهم ألا يقاتلوا الفرس ولا يشتركوا في حروب المسلمين فيما بينهم ، إلا أنهم وقفوا مع علي ابن أبي طالب وكانوا من رجاله ، وقد وكل إليهم حراسة بيت مال البصرة ودار الإمارة والمسجد الجامع والسجن ، وبذلك صاروا يقومون بدور الشرطة في المدينة ، إذ كان السيابجة بطبيعتهم جنوداً مدربين ألفوا العمل في البحر ، وخداماً أمناء وهي صفات جعلتهم يصلحون كل الصلاحية للخدمة في الجيش براً وبحراً ، والعمل حراساً وجنوداً وضباطاً للشرطة وسجانين وحراساً للخزائن .(1)وكان الذي يرأسهم رجل صالح يدعى ابا سالمه الزطي ، فلما قامت الفتنة بين الخليفة علي بن أبي طالب وطلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام ـ قدم طلحة والزبير إلى البصرة وأرادوا الاستيلاء على بيت المال بها ، فلم يستطع والي البصرة من قبل علي " عثمان بن حنيف الأنصاري " ان يفعل شيئاً لمنعهما بينما رفض الزط والسيابجة الموكلون بحراسة بيت المال ـ وكان عددهم اربعين ويقال أربعمائة ـ بشدة ان يسلموا إليهم بيت المال والخزائن بدون أمر الخليفة علي رضي الله عنه . ثم انهم بعد ذلك اتفقوا على إنها الحرب بينهم حتى قدوم علي بن أبي طالب ، إلا أن طلحة والزبير جمعا الرجال في ليلة باردة مظلمة شاتية وقصدوا المسجد فشهر الزط والسيابجة السلاح في وجوههم واقتتلوا وصبروا لهم حتى قتلوا جميعاً .(2)ويذكر المسعودي أن عدد من قتل من السيابجة والزط بلغ سبعين رجلاً غير من جرح ، وقد ضربت رقاب خمسين منهم صبروا بعد الأسر ، وهكذا كان هؤلاء أول من قتل ظلماً وصبرا في الإسلام .
__________
(1) 59) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 369 . جبرائيل فراند " السيابجة " دائرة المعارف الإسلامية ، مجلد 12 ، ص 402 .
(2) 60) الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، جـ 1 ، ص 3126 . البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 369 .ابن خلدون ، تاريخ ابن خلدون ، جـ 2، ص 610.(1/24)
(1)
إن نكبة الزط والسيابجة على يد طلحة والزبير جعلتهم يلتزمون بشروط الاتفاقية التي عقدوها مع أبي موسى الأشعري بالا يشتركوا في حروب المسلمين ، وقد ظلوا متمسكين بالحياد ما أمكنهم ذلك ، وسعوا إلى تنفيذه هذه السياسة فعلياً ، فابتعدوا عن التدخل في الأمور الداخلية للمسلمين وغيرهم من العرب ، فلم يشهدوا الجمل ولا صفين مع علي بن أبي طالب .(2)وبذلك برهنوا على تمسكهم بواجبهم في الدفاع عن المنشآت التي وكلوا بحراستها ، وأثبتوا أن ارتباطهم بالمؤسسات العامة يأتي في المقام الأول ، ويعلوا على أي ارتباط بالأمير أو القائد .
الزط في عهد بني أمية
بعد استيلاء معاوية بن أبي سفيان على الحكم ، وتفرغه لتنظيم أمور دولته أقدم على نقل عدد من الزط والسيابجة إلى سواحل بلاد الشام وثغورها لإبعادهم عن منطقة الشغب الشعب العراق من جهة ، ولتقوية الحاميات الإسلامية قرب الحود البيزنطية وبناء السفن وتعمير هذه البلاد زيادة عدد سكانها من جهة أخرى . وفي هذا يقول البلاذري " نقل معاوية في سنة 49 أو سنة 50 إلى السواحل قوماً من زط البصرة والسيابجة وأنزل بعضهم أنطاكيا ، فبأنطاكيا محلة تعرف بالزط وببوقا من عمل أنطاكيا قوم من أولادهم يعرفون بالزط .(3)وهكذا تجلت حنكة معاوية بن أبي سفيان في اختيار منطقة سواحل بلاد الشام لتوطين هذه العناصر فيها والاستفادة منها .
__________
(1) 61) المسعودي ، مروج الذهب ومعادن الجوهر . تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد ، ط4 ( القاهرة : مكتبة السعادة ، 1484هـ / 1964م ) ، ص ص 366 ـ 367 .
(2) 62) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 344 .
(3) 63 ) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 344(1/25)
وفي أثناء حكم الوليد بن عبدالملك تعرضت سفينة كانت قادمة من جزيرة الياقوت(1)( سيلان ) لمهاجمة قراصنة ميد الديبل وكانت السفينة تحمل بنات وأرامل لتجار من المسلمين وافاهم الأجل هناك ، ومعهم هدية من ملك الجزيرة للخليفة ، وعندما علم الحجاج بذلك طلب من " داهر " ملك السند تخليص نساء المسلمين من الأسر ، ولكن " داهر " اعتذر بعدم قدرته على لصوص البحر ، وعندما أرسل الحجاج عدة حملات إلى الديبل لم تسفر جميعها عن نتيجة حاسمة .(2)
وهنا أحس الحجاج بالإهانة التي يمكن أن تلحق بالمسلمين إن هو تغاضى عن هذا الأمر ، فألح على الخليفة بأن يأذن له بتسيير الجيوش لفتح السند ، وعندما سمح له بذلك،أعد جيشاً سنة 92هـ / 711 م أسند قيادته إلى ابن أخيه محمد بن القاسم الثقفي الذي كان يقيم في ذلك الوقت في شيراز ، واستمرت الترتيبات ستة أشهر ، وعني الحجاج بتزويد هذا الجيش بما يحتاج إليه من المؤن والمعدات حتى القطن المحلوج المتقوع في الخل .(3)
__________
(1) 64) سميت هذه الجزيرة ( بجزيرة الياقوت ) لحسن وجوه نسائها : البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 424 .
(2) 65 ) البلاذري . فتوح البلدان ، ص 423 .
(3) 66) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 424 ، أحمد محمود الساداتي . تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم ، جزءان ( القاهرة : مكتبة الآداب ومطبعتها بالجماميز ، د.ت ) جـ 1 ، ص55 .(1/26)
ولقد زحفت الجيوش الإسلامية من شيراز بزعامة محمد بن القاسم ـ وكان دور العشرين من عمره ـ إلى ثغر مكران ومنه اتجهت جنوباً إلى الديبل ، وعندها انضم إليه كثير من رجال الميد والزط انتقاماً من الحكومة البرهمية وتخلصا من ظلمها . وقد استفاد المسلمون منهم لشجاعتهم في الحروب ، ومعرفتهم بمسالك الهند ودروبها وأحوال أهلها ، مما كان له أثره في هزيمة داهر واستيلاء المسلمين على الديبل التي ترك بها محمد بن القاسم حامية عسكرية تتكون من أربعة آلاف جندي ، وبذلك أصبحت الديبل أول مدينة إسلامية بالسند . ثم تولى المسلمون على الدرز وبرهمانا باد والملتان وغنموا منها غنائم كثيرة ، وبسقوط الملتان في أيدي العرب أصبح وادي السند بأكمله في حوزتهم .(1)
وبعد سقوط الملتان أقبل علي محمد بن القاسم الأعيان والتجار وأصحاب الحرف في عدد كبير من سكان الأقاليم المجاورة من رجال الميد والزط وذلك عندما بلغ إلى أسماعهم الكثير عن تسامح هذا القائد العربي وكرمه ، فأعلنوا ولاءهم له ، وأعربوا عن ذلك بدق الأجراس وقرع الطبول ورقصاتهم الشعبية .(2)ولحسن معاملته وعدالته أسلم الكثير من أهالي السند ومنهم الزط .
__________
(1) 67) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ص 424 ـ 427 ، أحمد الساداتي ، تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية ، ص ص 57 ـ 59 : Stanley .Lane poole .Medival India ( New Delhi .1987 )
(2) 68) Lane – poole .Mediaval India , Vol 111 , P 10(1/27)
ومن المعروف أن سياسة الحجاج في العراق ، كانت تقوم على زيادة موارها المالية لذا سلك جميع السبل لتحقيق هذا الغرض ، فقطع القطائع في أرض العراق لإحيائها واستغلالها في تعمير البلاد وزيادة الجباية وتوفير الحيوانات والأيدي العاملة لإعمار السواد . وبناء عليه أرسل إليه محمد بن القاسم أقواماً من زط السند مع أسرهم وجواميسهم لتحل محل العناصر الزطية التي انتقلت من البصرة على الشام في عهد معاوية بن أبي سفيان وأسكنهم الحجاج بأطراف كسكر(1)بغية تعمير المنطقة ، كما منع من ذبح البقر والجواميس في السواد للقيام بعملية الحراثة والزراعة ، فتناسل الزط بها وازداد عددهم ، وقد لحقهم الجور وساء وضعهم المعيشي وعندما أحسوا بقوتهم وشخصيتهم أخذوا يشاركون في الحياة السياسية مراغمة للدولة الأموية ، ومن ثم تمردوا على السلطة فانضم إليهم العبيد وبعض من موالي باهلة ممن كانوا يعانون من سوء الوضع المعيشي ، وانضموا جميعاً إلى عبدالرحمن بن محمد ابن الأشعت وأعانوه عندما قام بثورته ومعه القراء والعباد والفقهاء من أهل العراق ضد الحجاج سنة 81هـ / 700 م ، وقد أثار هذا غضب الحجاج الذي هدم بيوتهم وحط من أعطياتهم ، وقال لهم : " كان من شرطكم أن لا تعينوا بعضنا عن بعض " ثم بعث بعضاً من هؤلاء الزط مع جواميسهم إلى الوليد بن عبدالملك فأرسلهم الوليد بدوره إلى الثغور في المنطقة الواقعة بين أنطاكيا والمصيصة ، وذلك لأن هذه المنطقة على حد قول البلاذري كانت مسبعة يتعرض الناس فيها للأذى ، فاشتكوا من كثرة هجوم السباع عليهم ، فبعث الوليد لهم بأربعة آلاف من هذه الجواميس فانتفع الناس بها باعتبارها أكبر عدو للأسود .
__________
(1) 69) كسكر كوره واسعة ، امتدت بطائحها ومستنقعاتها جنوباً إلى البصرة ، وكانت تقطعها نهر قديمة تسمى نهر الزط وقصبتها مدينة واسط بين البصرة والكوفة : ياقوت ، معجم البلدان ، جـ 4 ، ص 461 .(1/28)
(1)
ولما جاء يزيد عبدالملك وقبض على أموال بني المهلب أصاب لهم أربعة آلاف جاموسة كانت بكور دجلة وكسكر ، فأرسلها إلى المصيصة أيضاً مع قوم الزط وبذلك أصبح عدد الجواميس بالمصيصة ثمانية آلاف جاموسة .
وفي أواخر حكم الدولة الأموية وأثناء فتنة مروان ابن محمد استولى أهالي أنطاكيا وقنسرين على كثير من هذه الجواميس وساقوها إلى أنطاكيا ، غير أن أبا جعفر المنصور أمر بردها إلى المصيصة بعد ذلك .(2)
انتفاضات الزط في عصر الدولة العباسية
لما قامت الدولة العباسية عمل خلفاؤها جاهدين على الحفاظ على بلاد السند الإسلامية وسعوا على توسيع رقعتها ، ففي عهد الخليفة الأول أبي العباس عهد بأمر هذه الأقاليم إلى أبي مسلم الخرساني الذي بدوره أرسل عدداً من الولاة إلى بلاد السند لاستماله قلوب الناس هناك إلى دعوة بني العباس كما أمر بتجديد بناء مدينة المنصورة وأقام بها مسجداً جديداً .
وعندما تولى أبو جعفر المنصور الخلافة عني بأمر بلاد السند وأرسل هشام بن عمرو التغلبي والياً عليها ، فاتجهت همة هشام إلي توسيع رقعة إمارته ، فجهز حملة بحرية على نارند والقندهار بقيادة عمرو ابن جميل ، كما ضم إقليم الكجرات واستولى على بروج ميناء بحر العرب ، كما أخضع الملتان وبلغت جنده كابل وكشمير .(3)
__________
(1) 70) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 172 ، 367 ، 368 .
(2) 71) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 172 .
(3) 72) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 431 : أحمد الساداتي . تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية ، جـ 1 ، ص 66(1/29)
مات أبو جعفر المنصور وعلى بلاد السند معبد بن الخليل التميمي سنة 159هـ / 775م فعزله المهدي وولى بدلاً منه روح بن حاتم ، وفي عهده قام الزط بالاضطرابات والفتن في الأجزاء الغربية من البلاد ولم يستطع الوالي أن ينظم الأمور في بلاد السند ، وعجز عن القضاء على الفتن التي قام بها الزط ، فعزله الخليفة بعد شهور من توليته الحكم ونقله إلى أفريقيا .(1)
وبعد عزل روح بن حاتم سنة 159هـ / 775م تولى حكم بلاد السند نصر بن محمد بن الأشعت الخزاعي ولكنه عزل أيضاً في السنة نفسها التي تولى الحكم فيها .(2)لأنه فيما يبدو فشل هو أيضاً في القضاء
على الفتن والاضطرابات الداخلية التي قام بها الزط .
ولقد استعمل المهدي بعد ذلك عبدالملك بن شهاب المسمعي على بلاد السند فتولاها أقل من عشرين يوماً ثم ردت إلى نصر بن محمد بن الأشعت الخزاعي مرة أخرى .(3)
__________
(1) 73) خليفة بن خياط ، تاريخ خليفة بن خياط ، ص 441 : الطبري . تاريخ الرسل والملوك ، جـ 3 ، ص 389 : القاضي أطهر المباركبوري ، العقد الثمين ، ص 25 .
(2) 74) الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، جـ 3 ، ص 491 : ابن الأثير الكامل ، جـ 5 ، ص 60 .
(3) 75) اليعقوبي ، تاريخ اليعقوبي ( بيروت : دار صادر ، د.ت ) . ص 398.(1/30)
ويعود عزل ولاة السند في عهد الخليفة المهدي بهذه السرعة فيما يبدو إلى أسباب عديدة منها : أن اشتداد النزاع بين القبائل العربية التي هاجرت إلى هناك منذ بداية الفتح الإسلامي أضعف من سلطان الحكومة الإسلامية ، فكان من جراء انشغال الولاة بالقضاء على فتن هذه القبائل أن استغلت القبائل السندية غير الراغبة بحكم المسلمين ومن بينهم الزط هذا الوضع وقامت بإثارة الشغب ، يساندهم في ذلك الأمراء الهنادكة على الحدود الغربية من بلاد الهند . فكان هؤلاء الأمراء يمدون الزط بالمال والسلاح حتى يستمروا في مضايقة العرب ، ومن ثم اقتطاع أراضٍ من أملاك المسلمين السندية وضمها إلى إمارتهم ، ثم بعد ذلك عين المهدي بسطام بن عمرو التغلبي أخا هشام بن عمرو التغلبي الذي كان والياً على بلاد السند في عهد أبي جعفر المنصور ، ونظراً لما اكتسبه من خبرات كثيرة في السنوات الطويلة التي عاشها في تلك البلاد حين كان نائباً لأخيه من 151ـ 157هـ / 768 ـ 773 م فقد استطاع أن يقضي على الانتفاضات التي قام بها الزط كما كان ناجحاً في إدارة شئون البلاد .(1)
ولقد أعقب ذلك تولي الليث بن طريف الحكم في السند فسلك طريق الشدة والعنف مع الثائرين ، وأمن أحوال البلاد وقضى على ثورات القبائل العربية والزط ، ويذكر اليعقوبي " أن الليث بن طريف قدم المنصورة ( عاصمة السند ) فأقام بها شهراً والزط قد كثروا فجرد عليهم السيف فأفناهم ".(2)
__________
(1) 76) الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، جـ 3، ص 49 ، 502 :ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص54 : ابن خلدون ، تاريخ ابن خلدون ، جـ3 ،ص261 .
(2) 77) اليعقوبي ، تاريخ اليعقوبي ، جـ 2 ، ص 398 .(1/31)
أما عن الزط القاطنين في جنوب العراق فقد تكاثر عددهم مع مرور الأيام ، وتزايدت قوتهم أثناء الفتنة بين الأمين والمأمون مما شجعهم على إثارة الفتن والقلاقل رغبة في التخلص من الظلم والجور الذي لحق بهم ورغبة في تحسين وضعهم المعيشي السيء. ولذا استغلوا وجود المأمون في مرو في بداية خلافته وتمردوا على السلطة وجسدوا تمردهم بإثارة الاضطرابات وعدم الاستقرار حتى تغلبوا على طريق البصرة ، وبدئوا يغيرون على السفن القادمة إلى بغداد وينهبون غلاتها ويسيطرون على الطريق المائي المؤدي إلى بغداد فانقطع بذلك عنها جميع ماكان يحمل إليها من البصرة في السفن .(1)
ولما استقر المأمون ببغداد سنة 204هـ / 819 م شعر بخطرهم ورأى ضرورة التخلص منهم ، فأوكل هذه المهمة إلى عيسى بن يزيد الجلودي سنة205هـ/ 820 م .(2)غير أنه أخفق في القضاء عليهم ، فولى المأمون داود بن ماسجور سنة 206هـ / 821 م ولاية البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين وعهد إليه بمحاربة الزط .(3)ولكنه فشل هو الآخر في القضاء على انتقضاضاتهم المتتالية لعدم تمكنه من التوغل وسط الأهوار والمستنقعات والآجام والأماكن التي يعتصم بها الزط .
__________
(1) 78) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 368 ، 369 .
(2) 79) الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، جـ3 ، ص1044 : ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 197 .
(3) 80) الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، جـ 3 ، ص 1045 : ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 204 .(1/32)
وقد أدى عدم تمكن قواد المأمون من السيطرة على فتنة الزط ان سخر منه نصر بن شبث العقيلي الذي امتنع عن بيعة المأمون وتغلب على كيسوم في شمالي حلب وما جاورها ومنع إرسال خراج منطقته إلى بغداد فولى المأمون عبدالله بن طاهر لمحاربته ، وأقام عبدالله على محاربته خمس سنين وضيق عليه حتى طلب الأمان . وقد قبل نصر أمان المأمون بشرط ألا يطأ بساطه ، وقد رفض المأمون ذلك وكتب إليه يهدده بالقضاء عليه وعلى أتباعه وحين سمع نصر ذلك علق عليه ساخراً " ويلي عليه وهو لم يقوى على أربعمائة ضفدع تحت جناحه ـ يعني الزط ـ يقوى على حلبة العرب ".(1)
ويدلنا تعليق نصر شبث الطريف هذا على أن انتفاضة الزط في عهد المأمون رغم قلة عددها ـ كانت قوية،
حتى عجز قواده عن الانتصار عليهم ، كما يدل تشبه الزط بالضفادع على أنهم كانوا يسكنون منطقة المستنقعات المائية في منطقة البطيحة جنوبي العراق.
وقد سار الخليفة المعتصم على هدى سياسة أخيه المأمون ونفذ جميع ما أوصاه به من حيث الاهتمام بأمر الرعية ومحاربة الخارجين على الدولة وعدم التهاون معهم . وحماية الحدود الإسلامية والزب عنها. وقد كان المعتصم يمتاز على أخيه المأمون بالنواحي الحربية .
وقد تهيأت الفرصة أكثر لجماعة الزط الثائرين بجنوبي العراق بانضمام العناصر الساخطة الأخرى مثل العبيد الفارين من المناطق الأخرى وذلك لسوء وضعهم المعيشي، وكذلك موالى قبيلة باهلة وغيرهم ،
__________
(1) 81) ابن طيفور ، أبو الفضل احمد بن طاهر ( ت 280 ) بغداد في تاريخ الخلافة العباسية ( بيروت مكتبة المعارف ، 1388هـ / 1968م ) ، ص ص 75 ـ 77 .(1/33)
وقد شجع هؤلاء جميعاً الزط على المجاهرة بالعصيان وقطع الطريق والقيام بأعمال النهب والسلب والإرهاب .(1)ونتج عن ذلك أن سيطروا سيطرة تامة على طرق التجارة والمواصلات بين البصرة وبغداد ، وحالوا دون وصول الأقوات إلى بغداد ، فتعطل طرق النقل والمواصلات المائية مدة طويلة ، حتى قام المعتصم بإرسال جيش عظيم لحربهم ( سنة 219هـ/824م ) جعل على قيادته أحد قواده وهو أحمد بن يوسف بن مسلم بن قتيبة الباهلي . ولكنهم هزموه وفرضوا المكوس والرسوم الجائزة على السفن المارة في الطريق المائي من البصرة إلى بغداد . وكان سبب نجاحهم وانتصارهم على الجيوش العباسية اتخاذهم أسلوب حرب العصابات وهو أسلوب الكر والفر السريع ، ثم طبيعة المنطقة من حيث إمتلاؤها بالبرك والمستنقعات والأعشاب والبوص .
وعلى أثر انهزام جيش أحمد بن يوسف الباهلي قرر المعتصم اتخاذ الإجراءات العسكرية الصارمة والقضاء على فتنة هذه العناصر الساخطة الني هددت مرافق دولته نهائياً . فجهز جيشاً قوياً وضم إليه من القواد والجند خلقاً كثيراً ، وجعل على قيادته عجيف بن عنبسة ، وبلغ اهتمام المعتصم بهذه الحملة أن رتب المحطات على طريق بغداد ـ البصرة ـ وجهزه بالمؤن اللازمة والخيول السريعة فكانت أخبار المعركة تصله وهو بمدينة السلام أولاً بأول في ساعات من النهار أو أوائل الليل .(2)
__________
(1) 82) البلاذري ، فتوح البلدان ، 368 .
(2) 83) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 368 ؛ الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، جـ 3 ، ص1167 ؛ ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 232 .(1/34)
وقد استخدم عجيف مع الزط أسلوب الشدة والحزم واتبع معهم تكتيكاً حربياً لم يستخدمه معهم أحد من القواد قبله ، فعسكر بالقرب من واسط بقرية يقال لها الصافية في خمسة آلاف رجل وضيق عليهم الخناق وأخذ يسد عليهم المسالك البرية والنهرية ، وحبس مياه الأنهار عنهم وحاصرهم من كل جانب حتى يحملهم على الاستسلام ، وقد تزعم الزط رجل يدعى محمد بن عثمان وكان له قائد يدعى سملق . وفي أولى جولات عجيف معهم أسر منهم خمسمائة وقتل ثلاثمائة رجل ضرب أعناق الأسرى وبعث برؤوسهم إلى المعتصم ، وبقي بإزائهم خمسة عشر يوماً فظفر منهم بخلق كثير وظل يحاصرهم مدة تسعة أشهر حتى أرغمهم على طلب الأمان إذ أدركوا أنه لا مفر لهم من ذلك . فأمنهم فخرجوا إليه وكان عددهم سبعة وعشرين ألفاً بين رجل وامرأة وطفل ، وقد بلغ عدد مقاتليهم إثني عشر ألفاً .(1)
__________
(1) 84) البلاذري ، فتوح البلدان . ص 369 ؛ الطبري ، تاريخ الرسل والملوك . جـ 3 ، ص ص 1167 ـ 1168 : ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 232 .(1/35)
وقد اشترك المصريون من سكان الدلتا أو الوجه البحري في قتال الزط نظراً لتعودهم السباحة والقتال في النيل ، وقد لاحظ المعتصم حينما كان والياً على مصر أثناء خلافة أخيه المأمون ذلك التشابه بين طبيعة أراضي الدلتا المصرية وطبيعة بطائح جنوبي العراق من حيث امتلاؤها بالبرك والمستنقعات والقصب والأعشاب ، ولهذا قرر الاستعانة بالأسرى المصريين ، الذين حملهم معه على العراق في محاربة الزط فكانوا يسبحون في هذه المستنقعات مثل السمك دون أن يراهم أحد ثم يهاجمون الزط فجأة بالحراب التي تقتلهم حتى هزموهم .(1)وبعد هزيمة الزط حملهم القائد عجيف في السفن وهم على هيئتهم في الحرب وعهم الأبواق وأعطى لكل من أصحابه دينارين جائزة ودخل بهم بغداد يوم عاشوراء سنة 220هـ / 835 م فمروا أمام الخليفة المعتصم ورجال دولته وأقاموا في سفنهم ثلاثة أيام نقلوا بعدها إلى الجانب الشرقي من بغداد ثم أمر المعتصم بشر بن السميدح بنفيهم إلى خانقين في آسيا الصغرى ثم نقلوا بعدها إلى ثغر عين زربة وبقوا هناك حتى أغار البيزنطيون على مدينة عين زربة سنة 231هـ / 855 م فأسروا من كان فيها ونقلوهم إلى الأناضول.(2)والحقيقة أن انتفاضة الزط هذه ماهي إلا بداية سلسلة من الانتفاضات الأخرى التي شهدتها منطقة جنوب العراق كثورة الزنج والقرامطة وحركة عمران بن شاهين.
__________
(1) 85) أحمد مختار العبادي ." حركة الزط في العصر العباسي الأول " البحوث المقدمة إلى مؤتمر دراسات تاريخ شرق الجزيرة العربية . الدوحة اتحاد المؤرخين العرب لجنة تدوين تاريخ قطر 1976م . ص 241 .
(2) 86) خليفة بن خياط ، تاريخ خليفة بن خياط ص 476 : البلاذري . فتوح البلدان ، ص 369 ؛ الطبري ، تاريخ الرسل والملوك جـ 3 ص ص 1168 ـ 1169 ؛ المسعودي ، التنبيه والإشراف ، ص 323 ؛ ابن خلدون ، تاريخ ابن خلدون ، جـ 3 ، ص 321 .(1/36)
وعلى أثر الفتن التي قام بها الزط في جنوبي العراق وهزيمتهم ، قامت القبائل الزطية في بلاد السند ايضاً بالفتن والاضطرابات ضد العرب ( سنة 221هـ / 836 م ) وذلك في مستهل حكم عمران بن موسى بن يحي البرمكي الذي تولى حكم بلاد السند بعد وفاة والده موسى . وقد أمره المعتصم بأن يأخذهم بالشدة ، فخرج عمران بجيشه إلى منطقة القيقان . وكان يسكنها الزط ، فقاتلهم قتالاً شديداً حتى انتصر عليهم ثم بنى مدينة بالقرب من منطقتهم القيقان وسماها البيضاء وأسكنها جنده وحصنها وجعلها بمثابة مركز عسكري لمراقبة تحركات الزط والقضاء عليها بسرعة وسهولة .(1)
ثم هاجم عمران بعد ذلك الميد وقتل منهم ثلاثة آلاف ، وعسكر على نهر الرور . وهناك فكر باتخاذ أسلوب آخر ضد الزط الذين لم يقلعوا عن القيام بالفتن والنهب والسلب والقتل كما سنحت لهم الفرصة ، فجمعهم وأخذ منهم الجزية وختم على أيديهم مبالغة في إذلالهم وأمرهم بأن يكون مع كل واحد منهم كلب حتى يعرفوا ويتجنب الناس شرهم .(2)
__________
(1) 87) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 432 .
(2) 88) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 432 .
Lambriok . Sind , A General P > 210(1/37)
وهكذا ترى أن المعتصم بما عرف عنه من حزم وعزم يعمل جاهداً على القضاء على فتن الزط في كل مكان ، فأخمد حركاتهم في بلادهم السند لحين ، كما استأصل شأفتهم في جنوبي العراق حتى لا يعودوا إلى بث الفوضى ونشر الفساد وامتهان القتل والسلب وإزعاج السلطة مرة خرى ، ولقد كان نفيهم إلى الثغور الإسلامية نتيجة خطة مدبرة من الدولة العباسية لإبعادهم نهائياً عن قلب العالم الإسلامي . ولكن هذا لا يعني أن تركيبة المجتمع في سواد العراق كانت تخلو من بقايا الزط ، فالمصادر الإسلامية تذكر من حين ، لآخر اسم الزط والسنود ضمن الأحداث التاريخية التي كان لهم دور فيها . فنرى على سبيل المثال اشتراك بعض السنود في ثورة الزنج ضد العباسيين تحت قيادة رجل منهم معروف يسمى نصر السندي .(1)
ويذكر المقريزي أنه في سنة 295هـ / 908 م خرج رجل من السواد يعرف بأبي حاتم الزطي بعد إخماد حركة حمدان قرمط في سواد الكوفة . فقصد أبو حاتم هذا أصحاب البوراني وكان أحد دعاة حمدان قرمط وإليه تنسب البورانية(2)، وحرم عليهم تناول الثوم والبصل والكرات والفجل وكذلك جميع أنواع الحيوانات وأقام معهم سنة ثم اختفى ، ويضيف المقريزي أنه فرض عليهم مالا يقبله أحمق(3)، ولعل تحريم رجل هندي يؤمن بمذهب النباتيين على أتباعه أكل لحوم الحيوانات أمر ليس بغريب . إلا أن تحريمه أكل الثوم والبصل والكرات والفجل قد يكون بدافع كراهته مما له رائحة نفاذة ، أو لأنه كان يهدف تصدير هذه المنتجات وعدم استهلاكها محلياً .
__________
(1) 89) الطبري ، تاريخ الرسل والملوك . جـ 3 ، ص ص 1956 ـ 1957.
(2) 90) المقريزي ، تقي الدين أحمد بن علي ( ت 845 هـ ) ، اتعاظ الحنفا . تحقيق جمال الدين الشيال ، جزءان ( القاهرة : د .ن ، 1387هـ / 1967 م )، جـ 1 ، ص 55 .
(3) 91) المقريزي ، اتعاظ الحنفا ، جـ 1 ، ص 179 .(1/38)
ويذكر الوزير أبو شجاع أنه في سنة 380هـ/990 م قبض بهاء الدولة البويهي على أبي الفرج محمد بن أحمد بن الزطي ـ صاحب المعونة ببغداد ـ وقتله لأنه أسرف في الإساءة إلى الناس .(1)
تسرب الزط إلى أوربا
وهكذا بقي الزط في منطقة الحدود البيزنطية وسوريا الشمالية مدة من الزمن حتى أغار البيزنطيون على عين زربة سنة 241هـ/855م في عهد المتوكل وأخذوا من كان فيها من الزط أسرى مع نسائهم وأولادهم ونقلوهم إلى الأناضول(2)، كما ذكرنا سابقاً ، ويبدو أنهم وجدوا من خلال الدولة البيزنطية طريقاً إلى البلقان وبوهيميا(3)، ومنها تسربوا إلى مختلف البلدان الأوربية ، ويحتمل أن تكون هذه العناصر الزطية التي تسربت إلى أوربا أصولاً للغجر في الوقت الحاضر وذلك لأسباب منها :
__________
(1) 92) الوزير أبو شجاع محمد بن الحسين ( الملقب ظهير الدين الروز راوى )، ذيل كتاب تجارب الأمم ( بغداد ؛ مكتبة المثنى ، د. ت ) جـ 3 ، ص 179 .
(2) 93) ابن الأثير ، الكامل ، جـ 5 ، ص 296 ؛ ابن خلدون ، تاريخ ابن خلدون ، جـ 3 ، ص ص 231 ـ 347 .
(3) 94) موريس لومبار ، الإسلام في مجده الأول ، ص 230 .(1/39)
1. أنهم يعرفون في كثير من البلدان الأوربية بأسماء ترجع في أصولها إلى كلمة جات أو الزط في أسبانيا مثلاً يعرفون خيتانو GITANO وفي انجلترا GYPSIES وفي فرنسا GITAN(1)كما يعرف الغجر في سوريا بالنور وعند الدمشقيين بالزط .(2)وفي هذا الصدد يذكر الدكتور / أحمد مختار العبادي ـ استناداً على المصادر الأسبانية ـ أن المؤرخين الأسبان يذهبون إلى أول ظهور الغجر GITANOS في أسبانيا كان في أرض غاليسيا أو جليقية في شمالي غرب أسبانيا وأنهم وصلوا إلى هناك عبر الأراضي البيزنطية سنة 835 م .(3)ويتفق هذا التاريخ مع ماورد في المصادر العربية من أن نقل الزط إلى ثغور البيزنطية في عهد المعتصم كان في هذه السنة نفسها 220هـ / 835 م .
2. هناك سمات مشتركة بين طبيعة الغجر في جميع أنحاء العالم في الوقت الحاضر وطبيعة الزط في العصور التي تحدثنا عنها وهي الهجرة والأمية والهمجية وامتهان السلب والنهب ونشر الفوضى واتخاذ الأعمال الهامشية كوسيلة لمعيشتهم ، وقد أشتهر هؤلاء الزط في المشرق الإسلامي بامتهان
3. الغناء والرقص .(4)وهو نفس الأسلوب الذي يتبعونه في الوقت الحاضر في جميع المناطق التي يعيشون فيها .
__________
(1) 95) أحمد مختار العبادي ، حركة الزط في العصر العباسي الأول ص 242 .
(2) 96) مصطفى جواد ." الغجر في المراجع العربية " مجلة العربي . العدد 126 ، الكويت وزارة الأعلام ( صفر 1389هـ / مايو 1969 م ) .ص 40.
(3) 97) أحمد مختار العبادي . حركة الزط في العصر العباسي الأول ص 243.
(4) 98) حمزة الأصفهاني . تاريخ سني ملوك الأرض ، ص 49 ، أنظر أيضاً ص 6 .(1/40)
4. تشكل اللغة سمة من السمات المهمة التي تربط بين الغجر وتحمل تراثهم المشترك وهي من اللغات الآرية الهندية ، وهذا ما يثبت أنهم جاءوا في الأصل من الهند .(1)
وصفوة القول ، أن قبائل الزط هي قبائل سندية وفدت إلى البلاد الفارسية والعربية واستقرت فيها وإن كانت هذه الوفادة قد اتخذت أشكالاً مختلفة منها وفود هؤلاء القوم كأسرى أو جنود مرتزقة ، أو كملهين أو مزارعين يعملون في استصلاح الأرض في منطقة السواد جنوبي العراق أو فراراً من بطش وجور الحكومة البرهمية التي عدتهم من ضمن المنبوذين أو جاءوا إلى هذه البلاد كتجار مكونين جاليات كبيرة على سواحل الخليج العربي وبلاد اليمن. وقد كان لهذه العناصر الزطية نشاطها وتحركاتها الملموسة داخل العالم الإسلامي وذلك على هيئة حركات تمرد وثورات أزعجت السلطات الحاكمة مما دفعها إلى القضاء عليهم أحياناً وإبعادهم عن قلب العالم الإسلامي إلى أطراف الحدود الإسلامية البيزنطية أحياناً أخرى ، وذلك بهدف الاستفادة منهم في تعمير هذه المناطق وحماية الثغور من الأعداء ، مع وقوعهم في الأسر أثناء حملات البيزنطيين التقليدية على الحدود الإسلامية ونقلهم إلى الأناضول وآسيا الصغرى تسرب كثير منهم إلى أوربا ولعلهم أصل الغجر في الوقت الحاضر .
__________
(1) 99) نجوى الحسنية . " الغجر في أوربا رحل وتكنولوجيا " . مجلة تاريخ العرب والعالم . العدد 12 ، ( ذو القعدة 1399هـ / أكتوبر 1979م )ص66.(1/41)