الرسالة المختصرة
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
(((((((((((((((((
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد :
فإن الله سبحانه وتعالى يقول : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }[الذاريات : 56] فالعبادة ، حق الله تعالى وحده لا شريك له ، وهي – أي العبادة - : اسمُ جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال والأعمال .
ومن أجل هذه العبادات وأحبها إلى الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لما تتضمنه هذه العبادة من الحكم العظيمة ، والفوائد الجليلة ، كما سنذكر طرفاً من هذه الفوائد والحكم بإذن الله تعالى .
الدليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة :
فمن القرآن الكريم : قوله تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون }[آل عمران :104] .
ومن السنة : عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : (( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )) [ رواه مسلم : الإيمان 49 ] . وفي هذا الحديث بيان مراتب إنكار المنكر مرتبة فلا نعيد الكلام عنها .
ومن الإجماع : قول الجصاص – رحمه الله - : (( أكد الله تعالى فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضع من كتابه وبينه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أخبار متواترة عنه فيه ، وأجمع السلف وفقهاء الأمصار على وجوبه )) [أحكام القرآن للجصاص : 2/592] .
على من يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : (( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم قادر ، وهو فرض على الكفاية عين على القادر الذي لم يقم به غيره )) .(1/1)
قلت : ودليله حديث أبي سعيد – رضي الله عنه - المتقدم .
وبكل حال فكل من له ولاية يجب عليه أن يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر من هم تحت ولا يته ، كالسلطان في رعيته ، والزوج في بيته ، ونحو ذلك ، قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } [ التحريم :6] .
أمور لابد من مراعاتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أولاً : العلم ، فيعلم ما يأمر به ، ويعلم ما ينهى عنه .
ثانياً : مظنة النفع به فإن جزم بعدم الفائدة فيه لم يجب عليه : ومن مظنة النفع ، أن يظن بإنكاره زوال المنكر ، أو التقليل منه ، أو إقامة الحجة على فاعله وتعليمه .
ثالثاً : أن لا يترتب على إنكار المنكر ، منكرات أكبر منه وأعظم ، وهذا الأمر لا يراعيه كثير من الشباب هداهم الله . قال تعالى : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم } [ الأنعام : 108 ] .
رابعاً : أن يتحقق أن هذا الذي ينكره منكراً حقاً ، فكم من الناس من أنكر على بعض الناس فعلاً في صلاته ، فظهر أن هذا الفعل سنة من السنن التي ضيعها كثير من المسلمين إلا رحم الله .
خامساً : سلوك طريق الحكمة في الأمر المعروف والنهي عن المنكر ، والحكمة تعني وضع الشيء في موضعه ، فاللين والموعظة الحسنة حكمة في موضعها ، والشدة والحزم حكمة في موضعها ، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً .
سادساً : وحقه التقديم أن يخلص الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر نيته ، وأن يكون متبعاً في أمره ونهيه وجميع أمره رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
سابعاً : الصبر ، ومنه قول الله تعالى على لسان لقمان الحكيم : { يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } [ لقمان :17] .(1/2)
ثامناً : إذا أمرت بأمر فكن أول من يعمل به ، وإن نهيت عن أمر فكن أول منتهٍ عنه ، فإن العمل دليل على صدق القول ، وكم رد الناس من النصائح لما رأوا مخالفة أعمال أصحابها لأقوالهم . وتذكر قول الله تعالى : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } [ البقرة :44] .
وكن كما قال نبي الله شعيب – عليه السلام - : { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } [هود:88] .
وتذكر قوله – صلى الله عليه وسلم - : (( يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه ، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون : أي فلان ما شأنك ؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ قال : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه )) . وكما قال الشاعر :
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وهناك أمور ليس هذا موضع بسطها .
شبهات والرد عليها
. كيف تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وأنت بعد لم تكمل نفسك ، وفيك و فيك .
الرد : قال سعيد بن جبير – رحمه الله - : (( لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر )) . وقال الشاعر :
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمدِ
وقال ابن كثير – رحمه الله – (( ذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره وهذا ضعيف والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله وينهى عن المنكر وإن كان ارتكبه )) ثم قال : (( لكنه والحلة هذه مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته على بصيرة ، وإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم )) [التفسير :1/85] .
. من ينكر المنكر فلا يزول ومع ذلك يبقى في مكان المنكر .(1/3)
الرد : من قوله تعالى : { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً } [ النساء :140] .
فمن أنكر على قوم ماهم عليه من المنكر ، فلم يستجيبوا فلا يحل له أن يجلس معهم وهو قادر على مفارقتهم .
. من إنكار المنكر الإنكار على السلاطين من على المنابر والخطب .
الرد : عن عياض بن غنم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية وليأخذ بيده فإن سمع منه فذاك وإلا كان أدى الذي عليه )) [ رواه أحمد وغيره وصححه الألباني ] . وقال الشوكاني – رحمه الله - : ((ولكنه ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد بل كما ورد في الحديث أن يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يُذل سلطان الله )) [ السيل الجرار : 4/556 ] .
وقد سُئِل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ مفتي عام المملكة العربية السعودية: هل من منهج السلف نقد الولاة فوق المنابر؟ وما منهج السلف في نصح الولاة؟
فأجاب سماحته: (( ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع.
ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليهم أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.
وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل فينكر الزنى وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلاناً يفعلها لا حاكم ولا غير الحاكم.(1/4)
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان قال بعض الناس لأسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ ألا تنكر على عثمان؟ قال: أنكر عليه عند الناس؟! لكن أنكر عليه بيني وبينه، ولا أفتح باب الشر على الناس )) [المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، لسماحة الشيخ ، إعداد الوايلي ] .
من أعظم المنكرات المنتشرة في المجتمعات الإسلامية ، والتي يجب التعاون على إنكارها بالوسائل المشروعة
. الشركيات والبدع ، كدعاء غير الله ، والاستغاثة بالغائبين والمقبورين ، والذبح لغير الله ، والحلف بغيره ، وكالموالد ، والمآتم ، ولو اشتغل الدعاة بهذا الأمر قبل الانتقال إلى غيره ، أو صرفوا جُل همتهم إليه لحصل بذلك تغيرٌ كبير ، وخيرٌ عظيم – بإذن الله - . ومن هذا الباب الرد على أهل البدع ، وبيان عوار مناهجهم للناس تحذيراًُ منها ، ولا مانع من مناصحة أعيان هؤلاء قبل الرد عليهم ، وليس بلازم إن كانت بدعهم قد انتشرت وطارت في الناس فهنا يتعين الرد عليهم ، ما لم يُقِروا بأخطائهم ويعلنوا للناس تراجعهم عنها والبراءة منها .
. الحكم بغير ما أنزل الله ، ومن ذلك إحلال القوانين الوضعية محل أحكام الشريعة ، وهذه المهمة خطيرة ، لا يقوم بها إلا العلماء المخلصون ، من ذوي الخبرة والفقه في الدين ، عبر الوسائل الشرعية المقررة في كتب السلف ، وليس ذلك لأصحاب الثورات الذين يجنون على الأمة ويضربون بعضها ببعض من سوء تصرفاتهم حيال هذا المنكر .
. التبرج والسفور ، ويمكن علاجه عبر وسائل كثيرة منها الاحتساب ، ووسائل الإعلام والكتابة ، وغيرها من الوسائل المشروعة .
. منكرات الإعلام ، ويجب أن يراعى في إنكارها سلوك أفضل الطرق ، ومراعاة الحكمة ، خاصة وأن التسرع في بعض التصرفات قد يرجع بنتائج عكسية على الدعوة الإسلامية كلها ، ويمكن معالجة هذا الأمر بالمناصحة السرية للمسئولين ، وحث كبار أهل العلم على مناصحتهم ، وتوعية الناس عبر الكتيب والشريط الإسلامي .(1/5)
من فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
1- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنوان خيرية هذه الأمة ، كما قال تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } [ آل عمران : ] .
2- أنه خيرٌ متعد ، وفيه صلاح للبلاد والعباد .
3- أن فيه حماية للأمة من العقوبات التي حلت بالأمم التي تركته .
4- انتشار الأمن والأمان في البلاد .
5- اضمحلال الشر وأهله ، وزيادة الخير وإقبال الناس عليه .
6- تمكين العباد من عبادة الله تعالى على الوجه المشروع ، ومعرفة الدين الحق .
7- فيه استدرار للرحمات من رب الأرضين والسماوات .
8- فيه إحياء للأخلاق الإسلامية السامية ، وقمع للأخلاق المنحطة البهيمية .
9- فيه قوة وتماسك للمجتمع ضد الأخطار الخارجية والداخلية .
إذا تقرر ما تقدم فاعلم – رحمني الله وإياك – أنه يجب على كُل أحدً منا السعي في الصلاح والإصلاح ، بصدق وإخلاص ، متابعين في ذلك خير الناس – صلى الله عليه وسلم - .
هذا والموضوع أحق أن يبسط أكثر من هذا ، وما فاتنا أكثر مما كتبنا ، ولكن إنما هي شذرات ، عسى الله أن ينفع بها .
أسأل الله – عز وجل – أن يفقهنا جميعاً في دينه ، وأن يوفق ولاة أمرنا وعلمائنا لكل ما فيه خير للإسلام والمسلمين .
والله أعلم وأحكم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتب : عبد الله السلفي .
للمراسلة:
jdede2000@ayna.com(1/6)