بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ
الخوف من العدو أثره وانعكاساته
وكيفية التعامل معه في إطار
الشريعة الإسلامية
بحث مقدم إلى مؤتمر
"الإسلام والتحديات المعاصرة"
المنعقد بكلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية
في الفترة: 2-3/4/2007م
إعداد:
د. جابر زايد السميري
أستاذ مشارك في قسم العقيدة – كلية أصول الدين – الجامعة الإسلامية
أبريل/ 2007
المقدمة:
الحمد لله الذي من علينا بالأمن والإيمان، والصلاة والسلام على خاتم الرسل المبعوث بالرحمة والإحسان، وبعد:
…فالخوف من الشيطان وحزبه، مرض عضال، وضلال ووبال: يُطلب لصاحبه الدواء والعلاج، ويدعى له بالهداية وحسن المآل، فمن خاف من الشيطان ومن والاه ركبه وأذله، واتخذه مطية، وخذله وهو يظن خلاف ذلك، حتى تدركه نهايته على أسوأ ما يكون، أما من عوفي من الخوف والخشية منه وخاف الله فإنه ينصره ويعزه ويمده بالقوة ويخذل عدوه ويهزمه ويذله، وفي معرض الخوف الحقيقي يكون الإعداد الإيماني، والتزود بالبنيان المادي، مع الصبر والمصابرة والثبات، وتكون النتيجة، ذعر العدو ورهبته وهزيمته وربما تمنيه الأماني لو لحق بصفوف أهل الحق.(1/1)
…من أجل ذلك فرض الله الخوف على المؤمنين منه، وحذرهم أن يخافوا من غيره، فقال تعالي: { وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (آل عمران:175)، وقال: { فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } (النحل: 51) ومدح المؤمنين بالخوف فقال: { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (النحل:50)، فالثبات على عقيدة صحيحة من أن الخوف من الله، لأنه المالك لكل شيء والمعز والمذل، هو الذي ينبغي أن يتأصل في القلوب، ويتجذر في النفوس، ينقلب بالمؤمن إلي قوة وثبات وصبر وعطاء وعزة وسؤدد، وفي معرض ذلك يقول الله تعالي: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (آل عمران: 173 – 175) فلما صبروا ولم يخافوا من الشيطان وحزبه ضمن الله لهم النعمة والفضل وصرف السوء واتباع الرضا فأرضاهم عنه ورضي عنهم، فالشيطان العدو الأول وحزبه من الكفار والمنافقين العدو الثاني، لهم أساليبهم وأدواتهم ودعاياتهم اللائي يخوفون بها المؤمنين في كل زمان ومكان ليحققوا مجدهم والانتصار عليهم، والواجب أن يدرك المؤمن مغزى الكفار وأهدافهم، فيتزود بالإيمان والإعداد والحذر، ويتذكر وعد الله له إن صدق في إيمانه وإعداده وجهاده والخوف الحقيقي منه والالتزام بحدوده، أنه ناصره ومؤيده، أما إذا يئس أو قنط أو أحبط أو تملكته الرهبة والفزع من العدو فركن إليهم واستسلم لقوتهم، فإنه لا شك خاسر في الدارين، قال تعالي: { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ(1/2)
وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (المائدة:3)، وقال تعالي: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } (النور:52).
…وقد جاء البحث في خطة علمية مكونة من مبحثين ومجموعة من المطالب المهمة وهي كالآتي:
المبحث الأول: …حقيقة الخوف ومقامه في دين الله تعالى وقد اشتمل على مطالب.
المطلب الأول: …مفهوم الخوف في اللغة والاصطلاح.
المطلب الثاني: …أنواع الخوف وتعدد أقسامه.
المطلب الثالث: …مقام الخوف في دين الله والإيمان به.
المبحث الثاني: …الانتصار على العدو وتحديه بإحباط مخططاته ومحاصرتها والثبات على العقيدة وقد اشتمل على مطالب ومسائل.
المطلب الأول: …تشخيص العدو الحقيقي ومدى عداوته.
المطلب الثاني: …مواجهته ببيان مفاسده، وجهاده لئلا يكون هناك يأس وإحباط وقنوط والانتصار عليه، ويكون الدين كله لله.
مسألة 1: الحقيقة دون تزييف.
مسألة 2: موقف وتحدي ليس له مثيل.
…وانتهى البحث ببيان أهم نتائجه وبعض التوصيات والمراجع، وفي النهاية، فهذا جهد المقل، رجوت من الله أن ينفع به، ويقبل به عثرة صاحبه، فلا شك أن لكل جواد كبوة، فإن كانت لا محالة، فعسى الله أن يرزقني لها جبرة، وإن كانت الأخرى، فقد تنفست الآخرة، ونعم الأجر أن يجمع الله للمرء الدنيا والآخرة، والله أسأل أن يجعل هذا الخوف له ومن أجله في ميزان حسناني يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أنى الله بقلب سليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على النبي المصطفى وآله وصحابته ومن بعدهم إلي يوم الدين.
المبحث الأول
حقيقة الخوف ومقامه في دين الله تعالى
المطلب الأول: مفهوم الخوف لغة واصطلاحاً:
أولاً: في اللغة:(1/3)
جاء في لسان العرب:(1) (الخوف الفزع، خافه يخافه خوفاً وخيفةً ومخافة، ومنه التخويف والإخافة والتخوف، والنعت خائف، وهو الفزع) وورد بمعنى الخوف ألفاظ أخرى: كالفزع، والخشية والرعب والرهبة وغيرها، فالخشية هي الخوف، يقال: (خشي والخشية الخوف، خشي الرجل يخشى خشية أي خاف، قال ابن سيده: خشية يخشاه خشياً وخشية خشياناً وتخشاه كلاهما خافه)(2)، وكذلك الرعب هو الفزع والخوف، (رعب، الرُعْبُ، والرُعُب، الفزع والخوف فهو مرعوب ورعيب أفزعه) وبالمثل: الرهبة: وهي الفزع والخوف وأرهبه ورهبه واسترهبه، أخافه وفزعه.(3)
ثانياً: في الاصطلاح:
…ذكر أبو حامد الغزًالي معاني الخوف، وأبرز ما قاله فيه أنه: (عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال)(4) ورام شرح هذا التعريف بقوله: (فالعلم بأسباب المكروه هو السبب الباعث المثير لإحراق القلب وتألمه، وذلك الإحراق هو الخوف، كذلك الخوف من الله تعالى – تارة يكون لمعرفة الله تعالى ومعرفة صفاته وأنه لو أهلك العالمين لم يبال ولم يمنعه مانع، وتارة يكون لكثرة الجناية من العبد بمقارفة المعاصي)(5) ولهذا قال الراغب الأصفهاني: (ولذلك قيل لا يُعد خائفاً من لم يكن للذنوب تاركاً)(6).
…ووضح ابن القيم الفرق بين الخوف والخشية مع تسليمه بأنهما يلتقيان في المعنى (والخشية أخص من الخوف، فإن الخشية للعلماء بالله، قال الله تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } (فاطر:28)
__________
(1) ابن منظور – لسان العرب – ص99 / ج9.
(2) السابق – ص228 / ج14.
(3) أنظر السابق – ص120 / ج1.
(4) الغزًالي، أبو حامد محمد، إحياء علوم الدين، ص1506/ج4، دار الوثائق – القاهرة – ط1 – سنة1420.
(5) السابق – ص1507.
(6) الأصفهاني – الراغب الحسين بن محمد – معجم مفردات ألفاظ القرآن – ص180 – لبنان – ط1 – سنة 1418.(1/4)
فهي خوف مقرون بمعرفة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني أتقاكم لله، وأشدكم له خشية"(1)، فالخوف حركة، والخشية انجماع وانقباض وسكون، فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك: له حالتان إحداهما: حركة للهرب منه، وهي حالة الخوف والثانية: سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه، وهي الخشية إلي قوله، فالخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية.(2)
المطلب الثاني: أنواع الخوف وأقسامه:
…الخوف أمر طبيعي بل وفطري جبلى في الإنسان وليس يستثنى منه أحد حتى الأنبياء، فهذا موسى عليه السلام يبدي خوفه من فرعون فخاف على نفسه عندما كلفه ربه بمواجهته { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ } (القصص:33)، وخاف من فشل مهمته بالتكذيب والعناد، { قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ } (الشعراء:12)، ولأن الخوف أمر فطرى جبلى شرعت صلاة الخوف.
…والخوف منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم، فالخوف من الله وعقابه، والخوف من الوقوع في المعاصي والمحرقات والخوف من ظلم العباد والتعدى على حقوقهم هو من الخوف المحمود بل والمطلوب من كل مسلم ومسلمة ولقد امتدح الله نبيه زكريا وأهله حيث قال: { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } (الأنبياء:90)
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه برقم (5063)-ومسلم في صحيحه-الصيام– 74– من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(2) ابن قيم الجوزية – محمد بن أبي بكر – مدارج السالكين – ص416 – ج1 – القاهرة – ط1 – سنة 1422هـ.(1/5)
…والخوف المذموم: هو الذي يوقع الإنسان في مخافة الناس على حساب مرضاة الله وهو الذي يدفع بالإنسان إلي الانهزام والتخلي عن المعتقد أو الحقوق، ويفسح المجال أمام العدو وليعيث في الأرض الفساد { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } (لأنفال:16)
…والخوف قد يكون ابتلاء وامتحان من الله كما ذكر في كتابه الكريم: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } (البقرة:155).
…وقد يكون الخوف نوع عقوبة من الله تبارك وتعالى- على معاصي ارتكبها الإنسان، قال تعالى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } (النحل:112)
…وقد يكون الخوف من البشر حقيقياً، وقد يكون وهماً، فالخوف الحقيقي يكون عن دراية وحسابات دقيقة لقوة الخصم وما يمتلكه من قدرات، وهذا يدفع بالإنسان إلي أخذ الحيطة والاستعداد وعدم التهور في مقابلة الخصم.(1/6)
…أما الخطر الوهمي: فهو من أخطر أنواع الخوف على الأفراد وعلى الشعوب لأن الخائف يتوهم أن عدوه أو خصمه هو أقوى منه ويمتلك القدرة على إلحاق الضرر به دونما معرفة حقيقية بواقع الخصم، وهذا الخوف الوهمي قد يكون ناتج عن تجربة سابقة مع المخاف منه ومشاهدة ما وقع به أو بغيره من الأداء والظلم، ثم تستمر هذه الصورة عالقة في ذهن الخائف وتمنعه من تكرار أية محاولة جديدة لكشف حقيقة قوه خصمه، وهذا المثال واضح في قصة الجن مع سليمان عليه السلام حيث استمر الجن في العمل والعذاب المهين مع أن سليمان عليه السلام كان قد مات، وذلك للصورة العالقة في ذهنهم لقدرة سليمان: { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } (سبأ: 14).
…وهذا الخوف الوهمي: هو ما تسعى إليه قوى الشر في كل زمان ومكان من زرعه في قلوب الناس حتى تستمر في استعبادهم من دون الله كما هو ماثل في تاريخ الجبابرة والظلمة عبر الأيام.
المطلب الثالث: مقام الخوف من الدين والإيمان بالله وفضله:
…الخوف أفضل مقامات الدين وأجلها، وأجمع أنواع العبادة التي يجب إخلاصها لله تعالى، قال الله تعالى: { وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } (الأنبياء:28)وقال تعالى: { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ } (النحل:50) وقال تعالى: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } (الرحمن:46) وقال تعالى: { فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } (النحل: 51)
…وأمثال هذه الآيات في القرآن كثير. وقد وردت مفردة الخوف ومشتقاتها في 124 آية قرآنية بما تعنيه كل مفردة منها لكن كلمة خوف وحدها وردت 21 مرة ومشتقاتها 103 مرة وقد اتخذت معاني كثيرة تحدث عنها القران الكريم.(1/7)
قال ابن القيم: (والخوف من أجل منازل الطريق، وأنفعها للقلب، وهي فرض على كل أحد، قال الله تعالى: { فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (آل عمران:175)، ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم، فقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ - وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ - وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ - وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } (المؤمنون:57-61) ، وفي المسند والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: "يا رسول الله، قول الله: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } (المؤمنون:60) أهو الذي يزني، ويشرب الخمر، ويسرق؟ قال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق، ويخاف أن لا يقبل منه"(1).
…قال الحسن: عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحساناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا(2).
…وذكر ابن القيم أنه سمع من أبن تيمية قوله: (الخوف المحمود ما حجز عن محارم الله تعالى).(3)
__________
(1) رواه الترمذي برقم (3175) – والإمام أحمد – ج6 – ص205- وانظر الألباني – السلسلة الصحيحة – ص162.
(2) مدارج السالكين – ج1 – ص416.
(3) السابق – ج1 – ص419.(1/8)
…وقال ابن رجب الحنبلي: (والقدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض، واجتناب المحارم، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثاً، للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات والتبسط في فضول المباحثات كان ذلك فضلاً محموداً، فإن تزايد على ذلك بأن أورث مرضاً أو موتاً أو هماً لازماً... لم يكن ذلك محموداً).(1)
…والخائف من الله تعالى، هو أن يخاف أن يعاقبه، إما في الدنيا وإما في الآخرة، ولهذا قيل: ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه، بل الخائف الذي يترك ما يخاف أن يعذب عليه، ففرض الله تعالى على العباد أن يخافوه فقال: { وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (آل عمران:175).(2)
__________
(1) ابن رجب الحنبلي – عبدالرحمن بن أحمد – التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار – تحقيق بشير محمد عون – دمشق – دار البيان – سنة 1413هـ - ط3 – ص28.
(2) انظر – القرطبي – محمد بن أحمد – الجامع لأحكام القرآن – دار الحديث – القاهرة – سنة1416هـ - ج4 – ص292.(1/9)
…ومن كيد عدو الله الشيطان وحزبه، أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه، لئلا يجاهدوهم، ولا يأمروهم بمعروف، ولا ينهوهم عن منكر، وأخبر تعالى أن هذا من كيد الشيطان وتخويفه، ونهانا أن نخافهم فقال تعالى: { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (آل عمران:175)، وفي هذه الآية نهى من الله تعالى للمؤمنين أن يخافوا غيره، وأمر لهم أن يقصروا خوفهم على الله، فلا يخافون إلا إياه، وهذا هو الإخلاص الذي أمر الله به عباده ورضيه منهم، فإذا أخلصوا له الخوف وجميع العبادة أعطاهم ما يرجون وأمنهم من مخاوف الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } (الزمر:36)(1)، ولهذا قال العلامة الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل شيخ نقلاً عن ابن القيم: (الخوف عبودية القلب، فلا يصلح إلا لله، كالذل والإنابة والمحبة والتوكل والرجاء وغيرها من عبودية القلب)(2).
…ولذلك فالخوف فرض وواجب وهو من قضايا التوحيد والعقيدة لا يصح الإيمان بالله إلا بتحقيقه، جاء في كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين.(3) (ولا يصح الإيمان إلا بهذا الخوف).
…أما الخوف الذي ينافي التوحيد، وهو أن يخاف من غير الله من وثن أو طاغوت أن يصيبه بما يكره، كما قال تعالى عن قوم هود عليه السلام إنهم قالوا له: { قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ } (هود:54-55)
__________
(1) السابق – ج4 – ص291 – وتفسير الطبري – ج4 – ص122.
(2) آل شيخ – عبدالرحمن – فتح المجيد – شرح كتاب التوحيد – تحقيق محمد حامد – القاهرة – سنة 1193هـ - ص346.
(3) ص424 – وانظر التفسير القيم لابن القيم – دار الفكر – ص100.(1/10)
…وقال تعالى: { وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } (الزمر:36)، وهذا هو الواقع من عباد القبور ونحوها من الأوثان يخافونها ويخونون بها أهل التوحيد إذا أنكروا عبادتها وأمروا بإخلاص العيادة لله، وهذا ينافي التوحيد وسماه أهل التوحيد خوف السر(1) وهو نوع من أنواع الصلف الجاهلي والتحدي للدعوة في صميمها وهي دعوة التوحيد فلابد من الصبر والتسلح بأهم وسائل الدعوة وهي الحكم والعلم ومتابعة فن الإرشاد والمواعظ وعدم اليأس والقنوط، لأن أغلى ما نملك هو التوحيد وتجريده ومكافحة الشرك وألوانه.
…وبالإضافة إلي ما سبق فإن الخوف الذي يدفع الإنسان أن يترك ما يجب عليه،كالخوف من بعض الناس فهذا محرم، وهو نوع من الشرك بالله تعالى؛ لأنه اعتقاد بأن هناك من يضر وينفع بمشيئته وهذا منافي لكمال التوحيد، وهذا هو السبب في نزول قوله: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ - فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } (آل عمران:174 - 175).(2)
المبحث الثاني
الانتصار على العدو(3) وتحديه وذلك بإحباط مخططاته ومحاصرتها
المطلب الأول: العدو الحقيقي ومدى عداوته:
…تكبر المشكلة ويزداد حجمها يوم تختلط الأمور ويختل التفكير في تحديد معنى العداوة وتشخيص مصدرها، لأجل ذلك حدد القرآن الكريم ابتداءً شخصية العدو الأول، وبين خطواته، وأظهر أساليبه وطرقه ودهاءه، وحذر من كيده، واتباع خطواته.
__________
(1) أنظر – فتح المجيد – شرح كتاب التوحيد – ص344.
(2) السابق – ص345.
(3) العدو التجاوز ومنافات الالتئام فتارة يعتبر بالقلب فيقال له العداوة والمعاداة وتارة بالمشي فيقال له العدو، وتارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له العدوان والعدو – معجم مفردات ألفاظ القرآن – ص365.(1/11)
…ففي تحديد معاني العداوة والعدو الأول قال تعالى: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ } (يوسف:5) وقال تعالى: { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } (الكهف:50)، يُعيب عليهم اتخاذ الشيطان وحزبه أحياء وهم في الحقيقة ألد الأعداء ولهذا أردف قائلاً: { ِبئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } (الكهف:50) ومن تحذيره من سلوك مخططاته وطرقه قال تعالى: { وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } (البقرة:168) وفي قول موسى عليه السلام بعد أن قتل القبطي: { قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ } (القصص:15)، وفي توجيه واضح للإنسان أن يتخذ الشيطان عدواً مقابل عداوته للإنسان قال تعالى: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } (فاطر:6)، يحذر من اتخاذه ولياً ومرشداً، وحذر من عبادته واتخاذه إلهاً وسيداً لأنه يستحق ذلك قال تعالى: { يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً } (مريم:44) وبين في آيات كثيرة الأوامر الباطلة التي يوسوس بها الشيطان إلي أوليائه ليخدعهم بها فقال تعالى: { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (آل عمران:175)، أي يخوفكم أوليائه ويوهمكم أنهم ذوو بأس وذو شدة { فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (آل عمران:175)، أي سول لكم وأوهمكم فتوكلوا علىّ والجئوا إليَّ فأنا كافيكم وناصركم عليهم(1)، وأي عداوة أخرى فإنها راجعة إليه، وفرع منه، فهو الأصل في كل عداوة، وفي ذلك يقول الشهرستاني: (اعلم أن
__________
(1) انظر/ ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – ص103 – ج2 – القاهرة – دار البيان الحديثة – سنة 1423هـ.(1/12)
أول شبهة وقعت في الخليقة شبهة إبليس لعنه الله، ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص، واختياره الهوى في معارضة الأمر، واستكباره بالمادة التي خلق منها وهي النار على مادة آدم عليه السلام وهي الطين، وانشعبت من هذا الشبهة سبع شبهات، وسارت في الخليقة، وسرت في أذهان الناس حتى صارت مذاهب بدعة وضلالة)(1).
…وأغلب هذه الشبهات والضلالات بيَّنها القرآن الكريم، ابتداء من فتنة آدم عليه السلام ومقاسمة الشيطان له بأنه من الناصحين ونهايةً بإغواء أبنائه على الأرض وفتنتهم عن دينهم، والتحريش بينهم إلي ما هنالك من مفاسد.
المطلب الثاني: مواجهته ببيان مفاسده، وجهاده لئلا يكون هناك يأس وإحباط وقنوط والانتصار عليه
__________
(1) الشهرستاني – محمد بن عبدالكريم – الملل والنحل – تحقيق محمد كيلاني – ج1 – ص16 – بيروت – سنة 1402هـ.(1/13)
…رغم أن الشيطان وحزبه يبدو شامخاً قوياً يحقق الأمجاد لأوليائه، ويلقي باليأس والقنوط والإحباط في نفوس أعدائه، مما يجعلهم ضعفاء مذلين مهانين أسرى لحزبه يقودهم إلي كل رذيلة ويسوقونه إلى كل سافله وقد تحقق له ذلك لتراغي أهل الإيمان وغفلتهم عن عتادهم القويم. وسلاحهم الرصين، أو لتوفر سبب إغوائهم بإتباع وسوسته قال تعالي: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ } (سبأ:20) وقوله: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } (لأعراف:201)، فهؤلاء غلبوه بتقواهم فأبصروا ، وغير هؤلاء من حزبه غلب عليهم باستحواذه ووسوسته قال تعالى: { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } (المجادلة:19) فهؤلاء قهرهم بوسوسته وتحريضه الفارغ من أي مضمون إلا الوعد الباطل كما خدع به آدم من قبل في قوله له: { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى } (طه:120) وقوله له أيضاً مغرياً { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ } (الأعراف:20)، والحقيقة أن كل هذه الإغراءات مجرد وسوسة وليس له أدنى قدرة على تحقيقها وهذا من أساليبه ودهائه، ومكره الذي لم يسلم منه إلا القليل وما أكثر سباياه وضحاياه وهذا هو التحدي بعينه.
الحقيقة دون تزييف:(1/14)
…من عرف حقيقة الشيطان ومكره أدرك أن ضعفه ووهنه هو الأصل وأنه لا يقوى إلا على السفهاء الذين خلت قلوبهم من الإيمان فيستحوذ عليهم، وإلا فخير دليل على ضعفه وقلة حيلته قول الله تعالى فيه: { فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } (النساء:76) فكيده بجانب التقوى والإيمان لا شيء بل إذا واجهه أصحاب الجد والمسؤولية أهلكوه، وحكم الله على حزب الشيطان بالخسارة والبطلان فقال تعالى: { أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } (المجادلة:19) وحزب الشيطان كل من أيد أفكاره وكاد لأهل الإيمان بكيده وهو ماض في صراعه لأهل الحق بكل الوسائل حاشداً عليهم ما يمتلكه من عدة وعتاد وهذا هو التحدي ولكن الله يقيض له عباداً ينتصرون عليه بالصبر والبسالة والتجلد والتضحية والاستقامة على العمل الجاد حتى يهلكه الله فيخسر في دار الدنيا ودار الآخرة بل حزب الشيطان يخاف من المؤمنين ويحسب له ألف حساب أكثر من الله تعالى قال الله تعالى: { لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ } (الحشر:13) يل يخبر الله بحقيقة الشيطان أنه يخاف الله وأنه سيعترف لمن يغويهم يوم القيامة قال تعالى: { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } (الحشر:16) وهذه هي الحقيقة التي طالما أخفاها الشيطان عن حزبه، أنه يخاف الله، فأوقعهم في الشرك والرذيلة وجريمة القتل والفحش وهو يصور لهم أنهم أبطال، والحقيقة خلاف ذلك.
موقف واضح وتحدى ليس له مثيل:(1/15)
…مهما قوى الباطل واستطال، فينبغي أن يبق الإيمان أقوى وأعلى وعليه فإن موقف أهل الإيمان هو الثبات على المبدأ والتحدي لأهل الباطل، يقول الله تعالى: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ - فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } (آل عمران:173 - 174).
…فهذا موقف نبيل فيه قوة وتحدى لأهل الباطل مهما حاولوا إخافة أهل الحق وإرهابهم، فالتحدي كما قالوا: قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، اعتماد على الله وتوكل عليه مع زيادة التصديق والإيقان بأن الله ناصرهم مهما كانوا قلة { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } (الحج:40)، وقوله: { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } (المجادلة:21) وقوله: { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } (غافر:51).
…فأعدوا العُدة من الإيمان والقوة المناسبة، وتهيئوا لجولات الحق دون التأثر بالإعلام الخداع أو بريق الحضارة وما كان لعدوهم من أثر على نفوسهم أن يتراجعوا ويستسلموا بل كما قال { فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } (آل عمران:173) وكانت النتيجة النصر المؤزر { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } (آل عمران:174) فلا يأس ولا قنوط ولا خوف ولا إرجاف من بأس العدو بل البديل الصالح من الإيمان وحسن التوكل وإجادة التصرف والمضي وإحقاق الحق وإزهاق الباطل.(1/16)
…ولعمري فهذا هو التحدي الذي يفل قوة العدو في كل زمان ومكان فمقاومته وإذ خانه بالجراح والقبض على رجاله أعظم تحدى لتمريغ أنفه في التراب، قال تعالى: { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } (الأحزاب:25) إلي قوله { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } (الأحزاب:27).
الخاتمة
…تضمن هذا البحث مجموعة من النتائج المهمة وهي كالآتي:
الخوف من الله سبحانه عبادة ينبغي أن يخلص العبد فيها.
علامة الخوف من الله، امتثال أوامره ونواهيه فهي متحققة نظراً وعملاً، عقيدةً وإيماناً لا كلاماً ولا رياء.
السعي في تحقيق عبودية الخوف لله، ينبغي أن يمر على تحقيق عدة أمور:
الانتصار على أول عدو وهو الشيطان وذلك بمخالفة أوامره ونواهيه، وكذلك التصدي لأفكار حزبه من الكفار والمشركين والمنافقين وهم لا ينتهون إلي يوم القيامة.
قطع الولاء التام، وإعلان البراء الصريح من موالاة العدو ومتابعته، والعمل على إرشاد الناس وصفهم صفاً واحداً في مواجهته، وإعلان دهاءه ومكره وكذبه حتى يحظره العالم.
عدم الركون للعدو أو الاستماع إلي إعلامه المزيف والذي قد يخيف المؤمين، فيلقي في قلوبهم الروع، والإحباط واليأس.
الخوف من العدو ينبغي أن يدفع إلي إعداد القوة بمعناها الواسع والحذر منه، والاستعداد الكامل لمنازلته ومقاتلته.
اليأس والقنوط حرام شرعاً كما أن الخوف من العدو أن يضرك بمشيئته شرك وخلل في التوحيد والعقيدة، فينبغي التنبيه والحذر.
التوصيات
…الحرب النفسية يهتم بها العدو لإحداث اختراق وإنتاج نوع من الإحباط في قلوب المؤمنين لذا ينبغي الاهتمام بما يلي:(1/17)
العمل على إيجاد مؤسسة تتابع وتراقب بكثب إعلام العدو ومخططاته، فتعمل على إحباطها وبيان ما فيها من دجل وكذب وافتراء.
تعزيز أثر العقيدة في نفوس المؤمنين بأن الصراع بين الحق والباطل إلي يوم القيامة والمنتصر هو الحق فينبغي لأهل الحق أن يكونوا دائماً على حذر من أعدائهم وأنهم الأعلون بإذن الله ما داموا لا يخافون ولا يرهبون إلا الله وما عداه فإنه ضعيف ومكره عليل والله من ورائه محيط.
المصادر التي اعتمد عليها الباحث
- كتاب الله تعالى.
- كتب الحديث ومنها:
صحيح البخاري وشروحه كفتح الباري لابن حجر العسقلانى.
صحيح مسلم وشرحه، للنووي.
سنن الترمذي، ومسند الإمام أحمد بن حنبل.
السلسلة الصحيحة، لناصر الدين الألباني.
- ومن كتب التفسير:
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، عماد الدين أبى الفداء (774) مكتبة الصفا، ط1، سنة 1423هـ.
تفسير الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبدالله، محمد بن أحمد القرطبي، دار الحديث القاهرة، ط2، سنة 1416هـ.
تفسير جامع البيان للطبري، لابن جرير الطبري، ط1، سنة1416، القاهرة.
التفسير القيم، لابن القيم (751)، حققه محمد حامد الفقى، دار الفكر، ط1، سنة 1408هـ.
- الكتب الفكرية والعقدية:
الملل والنحل، لأبي الفتح، محمد بن عبدالكريم، أحمد الشهرستاني (548هـ)، تحقيق سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، للإمام أبي عبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (751) تحقيق رضوان جامع رضوان، القاهرة، ط1، سنة1422هـ.
طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن قيم الجوزية، تحقيق عمر بن محمود أبو عمر، الدمام، ط2، سنة 1414هـ.
شرح العقيدة السفارينية، للشيخ محمد بن صالح العثيميين، دار البصيرة، مصر.
فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد، للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل شيخ، تحقيق محمد حامد الفقي، لاهور.(1/18)
التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، للحافظ أبي الفرج، زين الدين عبدالرحمن بن أحمد ابن رجب الحنبلي الدمشقي (790هـ) حققه بشير محمد عون، دمشق، سنة 1413هـ.
مجموع الفتاوي، لشيخ الإسلام ابن تيمية، صورة، الطبعة الأولى.
إحياء علوم الدين، للإمام الغزالى، أبو حامد (505) القاهرة، ط1، سنة 1420هـ.
معجم مفردات ألفاظ القرآن ، للراغب الأصفهاني، البيان، ط1، سنة 1418هـ.
لسان العرب، لابن منظور، دار الفكر، ودار صامت، ط2، سنة1420هـ.(1/19)