الخوف
الذي ابحث عنه
محمد بن عصبي الغامدي
الناشر / دار الطرفين
( 1 )
في قرية الديوانية تعيش السيدة زاهية مع ابنهاخليل وابنتها نايفة بعد أن مات زوجها مصلح وخلفهم في كفاف من العيش ليس لهم أي دخل سوى جهدهم في فلاحة الارض وما يحصدونه من زروعها وأثمارها وكذلك ما يصل إليهم من مصلحة الضمان الاجتماعي والذي قد غدوا يكيّفون عليه حياتهم المعيشية .
وأصلاح القليل يزيد فيه ولا يبقى الكثير مع الفساد
في هذا البيت الذي يعيشون فيه.. المبني من الحجارة ومسقوف بخشب العرعر والزيتون .. عاشت السيدة زاهية أجمل ايام حياتها . ترى كل شيء فيه يذكرها بزوجها وبالأيام الحلوة التي قضتها معه قبل وفاته .
لاتزال السيدة زاهية في مقتبل العمر فهي جميلة ولم تصل الأربعيين من عمرها ولاتزال بها حيوية الشباب ونظارة الجمال الذي عبثت به اصابع الفاقة والفقر بعض الشيء .
يقع بالقرب منهم بيت السيد / خلف العثمان أخو زوجها . وليس بعيداََ عنهم يقع بيت السيد عبد المحسن العلي الذي يعمل حارساَ في المدرسة الابتدائية والتي تقع في طرف القرية ذلك العجوز الذي يرى الدنيا بعين الحكمة والأمل رغم كبر سنه وعرك الزمان له .
عندما توفي مصلح أحمد العثمان عندما كان عمر أبنه خليل سبع سنوات أما اخته نايفة فلاتزال في الرابعة من عمرها . فأخذت زوجته على عاتقها تربيتهما والمحافظة على ما خلفه لهما ابوهما فصارعت الايام وقسوة الزمن ولم يشعر خليل واخته بحرارة اليتم أو فقد الوالد .
رغم السن المبكر الذي فقدت فيه زاهية زوجها والتي كانت فيه في عز صباها الا انهاامتنعت عن الزواج .
وكنا كغصني بان في كل روضة نشم جنى اللذات في عيشة رغد
فأفرد هذا الغصن من ذاك قاطع فما من رأى فردا" يحن الى فرد(1/1)
كان من ضمن الخاطبين لها اخو زوجها السيد خلف العثمان الذي لم ينقطع عن طلبها للزواج وتجديد طلبه في فترات مختلفة بحجة الأشراف على ابناء اخيه .......وكان خلالها يمد لهم يد العون ويتفقد احوالهم وأن كانت الرغبة في زواجه منها اكبر من دافع الأشراف على ورثة اخيه .
ومع مرور الزمن وتجاوز خليل وأخته سن الطفولة زاد تعلق خلف بالزواج من ارملة اخيه حيث بلغ خلف سن السابعة عشرة كما ان النايفة قد بلغت الرابعة عشرة من عمرها وأستطاع خلف اخيراً ان يقنع زاهية بالزواج منه
شاورت زاهية خليل وأخته في هذا الأمر فكان ردهما سلبيا" لكن كثرة تردد خلف وتكرار طلبه جعل زاهية تقنع خليل وأخته بما قاله لهاعمهما خلف العثمان من انهما سيتزوجان غداً وتبقى وحيدة في البيت وبعد ان وافق خلف العثمان على أن تكون ابنته شهرة زوجةٌ لأبنها خليل في المستقبل .
ارسلت زاهية رسالة إلى أخيها إبراهيم هلال الذي يعيش في جدة وطلبت منه الحضور لكي يعقد قرانها على أخو زوجها المتوفي فأعتذر عن الحضور واقنعها أن أبنها قد بلغ السن الذي يمكن أن توكله ويقوم بعقد القران كما أنه من الممكن أن توكل احد اقاربها ليقوم بذلك في حالة امتناع ابنها خليل عن ذلك لكن خليل اقتنع اخيراً بالأمر الواقع وبعد ان افصحت امه بما قررته ورغبتها في الزواج....فأعلن موافقته طلباً لرضاها رغم عدم اقتناعه بهذا الامر . سيما وأن ذلك سيكون في بيته الذي خلفه له والده .
تزوجت زاهية من خلف العثمان ودخل بها في نفس الغرفة التي كانت تنام فيها مع اخيه مصلح ......كانت نايفة تنام مع والدتها في تلك الغرفة فانتقلت إلى غرفة بجابنها كان ينام فيها أخوها ...وخرج خليل بفراشه إلى المجلس الذي كان طريق الغرفتين منه
وضع خليل جثته على فراشه لكنه لم ينم خصوصاً عندما كان يسمع تلك النغمات والهمسات والضحكات الخافتة داخل غرفة العرس .(1/2)
حاول أن يدفن نفسه في فراشه بين الأغطية. ..... وضع في اذنيه قطن ... فلم يفلح
نهض من فراشه وخرج إلى الفناء الخارجي ثم إلى الطريق واخذ يمشي في طرقات القرية .
بينما كان ماشياً . سمع صوت الراديو في بيت السيد عبد المحسن العلي فقرب من النافذة وطرقها ،،،،،،
- مين .
- أنا خليل .
- ماذا تريد في هذه الساعة .
- سمعت صوت الراديو فعرفت أنك لم تنم بعد
قام الشيخ عبد المحسن وفتح الباب ثم اضاء الأتريك وجلس مع خليل.
- مالذي أتى بك في هذه الساعة .
- لم أنم .
- ولماذا لم تنم .
- لا أدري .
- لقد اعطيت الامر أكبر من حجمه .
- صعب عليّ أن ارى امي تنام مع رجل ... كأنه غريب او غير مقبول. او انني ارى ان الزواج غير مقبول بتاتا ...
- هذا زوجها على سنة الله ورسوله وقد عملت ما فيه الكفاية لك أنت وأختك . أنت أناني إذاً ...هي قامت بواجبها على أكمل وجه ومن حقها أن تعيش فلا تكون جحوداً....كان من المفروض أن تكون أول من يفرح لها بذلك فهي لازالت في مقتبل العمر ولها ان تعيش بعد ما ادّت رسالتها على الوجه الأكمل .غداً ستتزوج أنت وأختك وهي ستبقى وحيدة في البيت.
- هذا صحيح لكن .
- لكنك كما قلت اناني ولا تحب السعادة لغيرك .
- لا احب احداً أن يشاركني في امي .
- غداً سيأتي لك أخ جديد يشاركك فيها .
- ربما .
- نعم هذا هو الكلام الصحيح وهذه سنة الحياة ويجب أن تبارك هذه الجيزة بل يجب أن ترى امك في عينك رضى وسعادة من اجل أن تكمل فرحتها... يجب أن ترد لها الجميل وأن تبحث عن ما يرضيها .
بعد هذا الكلام هدأت وساوس خليل وشرب معه فنجالين من الشاي ثم استأذن وعاد إلى بيته وقد نام الجميع فأستغل ذلك الهدوء فلف نفسه بين الأغطية في ركن المجلس ونام .(1/3)
نام خليل مابقي من تلك الليلة وكأنه يسرق من الزمان لحضات . وعندما استيقظ وجد والدته وعمه جالسان في طرف المجلس فقام من فوره فبارك لهما وأخذ مصفاة القهوة من امه وصبّ لهما وهشّ وبشّ فارتاحت امه لذلك وبدت عليها علامات الرضى..
بقي خليل على ذلك اسبوعاً كان خلاله قليل الجلوس في البيت فهو يخرج إلى الوادي و المزرعة مع اخته احياناً وبمفرده احياناً اخرى اما والدته فقد انشغلت بالمهنّئآت من نساء القرية اللاتي يأتين يباركن لها بالزواج .
خلال ذلك الاسبوع كان الارق محالفاً لخليل عند نومه فعندما يأوي إلى الفراش يطرق سمعه لما يدور في غرفة نوم امه.... رغم محاولته اعتبار الامر طبيعياً وأن هذه سنة الحياة لكنه لم يحتمل ذلك الموقف مما جعله يترك البيت في اول الليل حتى يعرف أن من بالبيت قد ناموا .....
انقلبت حياته في البيت الى جحيم .... اصبح يتصور عمه شيطان لايريد ان يراه في البيت .. يرى ذلك الود الذي بين امه وعمه فيغيضه ويمقته ويريد ان يجد لنفسه طريقاً تحت الأرض هرباً من مشاهدة تلك الصور التي تزيد من ساعة لأخرى .
غدى كثير الخروج من البيت ...يخرج إلى زملائه تارة وتارةالى الشيخ عبد المحسن وفي ذات ليلة وجد مع بعض زملائة احد افراد القرية الذي يعمل في شركة ارامكو في المنطقه الشرقية .
خلال تلك الليلة كان هذا الشاب يحسّن لخليل الصورة التي يعيشها العاملين في الشركه والميزات التي يحصلون عليها .
اعجب خليل بما قاله ذلك الشاب فسأله عن موعد سفره فأخبره انّه سيكون بعد ايام قليلة فعرض عليه خليل ان يصطحبه معه ويساعده في الحصول على عمل هناك فوافق وأستعد أن يبذل جهده معه.
رأى خليل ان هذا الأمر هو الطريق الوحيد الذي سيخرجه من الكابوس الذي يعيشه في البيت .
اخبر خليل امه في اليوم التالي بما عزم عليه وأنه سيسافر الى المنطقه الشرقيه ليبحث له عن عمل هناك .(1/4)
لم توافق والدته على موضوع السفر من الوهلة الأولى .. لكنه قد عزم على ذلك.
حاولت ان تستشفع لديه بكل معارفه وأصدقائه في القرية الا ان ذلك لم يلق لديه آذان صاغية فبعد بضعة أيام سافر خليل الى المنطقه الشرقية.
حصل خليل على عمل في شركة ارامكو وبدأ عمله في قسم الإدارة المالية وهناك تعرف على زملاءه العاملين في المكتب وبحكم دماثة أخلاقه وحسن معاملته فقد كان مقبولاً لدى كثير منهم واكتسب أيضاً حب المسئولين عنه في المكتب.
كان خليل أريحي الفطرة ساذجاً مرحاً الشيء الذي لفت به نظر زميله حسين العبد الله الذي قد عاش حياته كلها في مدينة الدمام واكتسب من حياة المدينة جميع أساليب المراوغة، وعركته المدينة حتى أخرجت منه داهية من دهاة الأرض .
قرر حسين أن يكون خليل هو فريسته المقبلة فأخذ يتقرب منه ويكثرالحضور إلى بيته والخروج معه في خارج أوقات الدوام والجلوس معه.كثيراً ....إلى جانب البحر والسهر معه إلى أنصاف الليالي في المنتزهات المنتشرة في أنحاء المنطقة حتى أصبح خليل يرى أن هذا الرجل هو كل شيء في حياته،
وفي ذات يوم قال حسين بينما كانا يجالسان على شاطئ البحر :
- إنني سأذهب إلى البحرين في الأسبوع القادم ،.. لقد اشتقت كثيراً للبحرين ......
- لماذا البحرين .
- إنها ممتازة ألا تعرف البحرين يا خليل ؟.
إنها قريبة جداً ، يمكن خلال ساعة واحدة في البحر أو أقل ويصل المسافر إلى المنامة .
- ولكن ألسنا مرتبطين بالدوام في الشركة .
- في إجازة نهاية الأسبوع إذا أردت الذهاب معي فأنا سوف أحجز لك معي وأنهي كل شيء .
- لكنني ليس لدي جواز سفر .
- بسيط جداً ..... في ساعة واحدة وجواز سفرك في يدك .
- كيف .(1/5)
- هذا الأمر أتركه عليّ وأنا سوف أعمل كل شيء فأنا أريدك أن تذهب معي إلى البحرين ....أريدك أن ترى الحياة هناك .....انني لم أعد أسلو عنها ...أذهب في كل عام لا يقل عن عشر مرات .... وقد ترى ذلك سوف تكون مثلي...... غداً أذهب أنا وأنت إلى الجوازات ومن ثم نكمل إجراءات جواز سفرك ونذهب في نهاية الأسبوع سوياً..
لم يكن خليل يشك في صداقة حسين العبد الله بل كان يرى أنه الأخ والصديق الذي بعثه الله اليه في هذه المدينة سيما وأنه لا يعرف كثيراً من سكانها وبحكم البيئة التي تربى خليل فيها فهو سريع الانقياد خلف أي بريق يضيئ له.... قليل التوجس والشكوك ويرى الأمور من منظار سذاجته وصدقه ..
أنهى حسين العبد الله إجراءات سفر خليل معه وفي نهاية الأسبوع ركبا في سفينة صغيرة أوصلتهما إلى المنامة وهناك سكنا في إحدى الفنادق التي في وسط المدينه وأخذ حسين زميله خليل إلى كل مكان في المنامة.. كانت أغلب مصاريف الرحلة يدفعها حسين حتى أخجل زميله من كثرة كرمه وأريحيته .... أخذه إلى الملاهي وإلى الأسواق.. لكنه كان أيضاً يتركه في الفندق اوقاتاً كثيرة ويخرج من عنده ولا يعود إلا متأخراً وكان عذره أنه يقابل بعض أصدقائه في المنامة مما زاد ثقة خليل في زميله ويقينه أنه يعرف أغلب أهل المنامة بل قد يكون على صلة بالمسئولين فيها .
كان حسين يذهب مع خليل إلى السوق ويشتري ملابس وعطور وما في حكمها ويقنع خليل بالشراء أيضاً بحكم أن هذه السلع غير متوفرة في الدمام حتى أشترى كل واحد منهما حقيبة كاملة .(1/6)
وفي يوم العودة كانت المفاجأة ...لقد اعتذر حسين في اللحظة الأخيرة عن المغادرة مدّعياً بأنه قد نسي مقابلة بعض أصدقائه وأنه لا يمكن أن يعود إلى السعودية دون مقابلته فاقتنع خليل بذلك وطلب من حسين السفر فهولايدري متى يلحق به ، بل إنه كتب معه رسالة لمدير الإدارة يطلب فيها أن يمنحه إجازة عارضة لمدة اسبوع نظراً لعدم تمكنه من السفر في ذلك اليوم وعاد إلى المنامة أما خليل فقد سافر حاملاً أمتعته وأمتعة حسين العبد الله الذي طلب منه أن يأخذ حقيبته معه حتى يلحق به لاحقاً.
وصلت السفينة إلى ميناء الدمام ولكثرة الأعمال هناك والمسافرين والبضائع التي ترد .. كان الزحام كثيراً مما أدى إلى انتظام طوابير المسافرين في أروقة الميناء .
كان رجال الأمن يقفون في آخر ذلك الطابور يطلبون من المسافرين فتح الحقائب ومن ثم تفتيشها ثم السماح للمسافرين بالدخول والتوقيع على جوازات سفرهم وهكذا مشى خليل ذلك الطابور حتى وصل إلى نقطة التفتيش ......
- افتح الحقائب ..... قال ذلك رجل الأمن .
قام خليل بفتح حقائبه وحقائب زميله أمام رجل الأمن .
أدخل الضابط يده هنا وهناك في الحقائب فوجد مظروفاً في حقيبة حسين ا لعبد الله فأخرجه .
- ما هذا ؟
- لا ادري
- ا ليست هذه حقيبتك ؟
- بلى .
- ما هذا المظروف اذا ... ؟
- لا أدري عنه فإنها حقيبة حسين العبد الله .
- ألم تقل أنها حقيبتك ؟.
- لقد أرسلها معي من البحرين .
- كلكم تقولون ذلك .
- ثم ألتفت إلى زملائه وقال :
- خذوه واحتفظوا بالحقائب وفتشوا كل شيء معه .. فقد يكون معه غيرها .
- أنا لا أعرف عن هذا المظروف شيئاً .
- بعد قليل سوف تعرف وهذه الأساليب نحن نعرفها جيداً .
ثم ذهب خليل وحقائبه إلى مكتب للتحقيق في طرف الميناء ...لم يكن يعلم خليل بالذي في المظروف حقاً لكن الأقدار نسجت خيوطها حوله .(1/7)
وهناك بدأت المسائلة الحقيقية عن هذه الحقيبة وماذا في ذلك المظروف وهو حقاً لا يعرف عنه شيئاً لكن التنصل لم يعد ينفعه الآن فقد ضبط في حوزته وهذا المظروف يحتوي على كمية كبيرة من المهربات الممنوع دخولها إلى المملكة وبعد أن اعترف خليل بإحضار تلك الحقيبة من البحرين أصبحت تهمة تهريب الممنوعات هي قضيته ثم نقل الى السجن .
تم استدعاء صاحبه حسين العبد الله من قبل الشرطة بعد عودته من البحرين فأنكر ما أدعاه خليل بل زاد الطين بّلة أن حسين أفاد أنه نصحه بعدم المغامرة والسفر بهذه المهربات إلى السعودية إلا أنه رفض مما دعاه إلى التأخر عن تلك الرحلة خوفاً من أن يحسب شريكاً في هذه الجريمة مما أوثق الحبل حول رقبة خليل فاكتملت حلقات القضية وحكم عليه بالسجن ثمان سنوات وألقي خلف القضبان في تهمة لم يكن له فيها لا ناقة ولا جمل.
(2)
تقع قرية الديوانية على رابية بين جبال السروات في الجزء المنحدر شرقاً وتشرف هذه القرية على الوادي الكبير الذي يشبه الدلتا فهو ملتقى واديين كبيرين تسمى الفرعين تحف بهما أشجار السدر والطلح وأشجار الفاكهة أيضاً فالوادي من أخصب الأودية في المنطقة الجنوبية وتجري الينابيع فيه على مدار السنة مما جعله حديقةً غنّاء دائمة الخضره .
اعتاد الناس فيه على زراعة الذرة والشعير والبر والبرسيم والخضار بأنواعها ، تكثر فيه المكائن الزراعية نظراً لوفرة المياة . واعتاظ الناس بها عن الري بالوسائل القديمة عن طريق الأبقار .
في ربوة مرتفعة تقع بيوت القرية وتشرف على هذه المزارع ففي وسط القرية يقع المسجد وبجانبه يقع منزل عريفة القرية السيد / عبد العزيز المحمود وبجانبه هناك أكثر من دكان يملكها ...دكان البقالة وآخر لطحن الحبوب وثالث لبيع الأدوات الزراعية ومستلزمات السباكة .(1/8)
السيد عبد العزيز أغنى أهل القرية بل قليل جداً منهم ليس مديوناً له لذلك فإن كلمته مسموعة وطلباته مجابة ..له من الأولاد ثلاثة ، مرعي ،وخالد , وعلي ، تزوج منهم مرعي وخالد أما علي فلا زال يدرس في المرحلة الثانوية كما أن له بنت واحدة تزوجت من سليم أبن السيد ( خلف العثمان ) والذي لا يبعد بيته كثيراً من بيت السيد عبد العزيز المحمود وبينهما علاوة على قرابة النسب ود وعشرة عمر كما يقال وهما يد واحدة .... كان السيد خلف العثمان لصديقه عبد العزيز عصاه التي لا تعصاه فهو يقضي به شئون كثيرة وعن طريقه يصل إلى ما يريده من أهل القرية .
يعيش السيد خلف العثمان في بحبوحة من العيش تزوج زوجته الأولى فضّه التي انجب منها عياله سليم وشهرة وسعيد ثم تزوج زوجة اخيه المتوفي ( زاهية ) . بعد انتظار طالت مدته ......
لأم خليل في قلبه شأن وأي شأن حيث انها اصغر من زوجته فضة بحوالي عشر سنوات تزوجها بعد ان تمنّعت لسنوات طويله واصبح يقضي اغلب اوقاته عندها .
عاشت معه ام خليل في سعادة غامرة ولم يعكر صفو حياتها معه سوى قلّة الرسايل والأخبار التي تنتظرها من ابنها خليل .
اصبحت زاهية حامل بعد زواجها من السيد خلف العثمان بفترة قليله مما زاد من سرورها والسيد خلف وأشتياقهما لصبي اوصبية تكون نتاجاً لما بينها من مودة ومحبة ...
لم تكن نايفه اقل سعادة من امها خلال هذه الفتره
وتمر الأيام وتكمل السيدة زاهية حملها وعندئذ جرّت الأقدار السحب المظلمة التي عصفت بالبيت وأهله؟
ماتت السيدة زاهية مع جنينها عند تعسر ولادتها ولم يكن هناك مستشفى قريب منها ...
ماتت السيدة زاهية وأنتقلت نايفة للحياة مع عمها في بيته الثاني ..(1/9)
قرر السيد خلف العثمان ان لايخبر ابن اخيه بموت امه حرصاً منه على استتبابه في عمله وانتظامه فيه اما النايفة فقد تبدل عزّها ذلاً وسعادتها نكداً بعد ان انتقلت بين يدي زوجة عمها التي عزمت على تصفية الحساب القديم الذي كانت مدانة لأمها به ..
كانت زوجة عمها قاسية عليها كثيراً ولم تكن على قدر من الشفقة والرحمة بها مما جعل حياتها قاسية.. فهي لا تكاد تفرغ من عمل حتى تكلفها بعمل آخر..... لم تتعلم أكثر من القراءة والكتابة... اغلب اوقاتها في الوادي لرعاية الأغنام والعمل في المزرعة .
في طرف القرية تقع هناك غرف شعبية داخل فناء بجانب الطريق الذي يربط الوادي بالقرية .....يسكن فيه السيد فؤاد عمران مع زميله طارق وهما مدرسان في المدرسة الابتدائية من مكة المكرمة .
كان فؤاد جميل الصورة حسن المنطق مقبول الحديث وهو مدير لتلك المدرسة أما زميله طارق فقد كانت بشرته تميل إلى السمرة قليلاً .
ارتبط فؤاد بعلاقات حسنة مع جميع أهل القرية وكان من سجية أهل القرية أكرام الضيف وأحترام الجار الذي يعيش بينهم كما هي العادة في بقية القرى هناك ، فلا يكون هناك مناسبة إلا وكانا في مقدمة المدعوين ويعتبرون جيراناً لأهل القرية جميعاً وفي حماية الجميع ايضاً فحقوقهم مصانة وكرامتهم محفوظة الشيء الذي زاد من حسن علاقة فؤاد وزميله بأهالي القرية .
كان فؤاد يملك سيارة ويذهب بها إلى مكة في نهاية كل شهر مما جعل ارتباطه بعريفة القرية كبير جداً فهو يشتري له بعض متطلبات الدكان عندما يذهب إلى مكة وجدة وبذلك يقدّم خدمات له يندر ان يلقاها من أي شخص آخر ، ومن يحترمه عريفة القرية يحترمه الجميع .
(3)(1/10)
بينما كان السيد عبد العزيز المحمود عائداً من مزرعته خطر بباله أن يزور مدير المدرسة السيد فؤاد عمران للاستئناس بحديثه... كان باب الفناء مفتوحاً ، دخل السيد عبد العزيز فوجد مدير المدرسة ينظر من خلف في جدار السور فمشى نحوه إلهوينا حتى وصل إليه .
- السلام عليكم .
التفت فؤاد فإذا عريفة القرية من خلفه الذي أزاحه عن ذلك الخلف ونظر منه فرأى نايفة تعمل في المزرعة دون أن تشعر أن فؤاد يراقبها ، وكان فؤاد ينظر إليها دون أن تراه ...أمسك عبد العزيز بكتف فؤاد .
- وعليكم السلام .
- ما هذا يا مدير المدرسة ؟
- كنت أنظر إلى الوادي.
- لكن هذا الأمر لا ترضى به لأختك .
- نعم لكن لم يكن هناك ما يسوء .
- بل كل الإساءة للقرية وأهلها
- لم أكن أقصد الإساءة .
- نحن نقدر وجودك معنا ونحترمك ولكن هذه الطريقة تزعجنا جداً فنحن أهلك ومن العار أن يخون الرجل أهله..... ثم صمت قليلاً ، وأخذ يمشي به نحو تلك الغرفة التي يسكن فيها وقال :
- هل تريد أن تتزوجها ؟.
- من تقصد ...؟.
- أنت تعرف من أقصد وأنا أعرف كل شيء ومن المفروض أننا أصدقاء وأنا سأكون عوناً لك في هذا الأمر .
- لكنها ربما لا تريد الارتباط بشاب من غير هذه القرية .
- هذا الأمر دعه لي فأنت إذا كنت تريدها زوجةً لك فأنا الذي سأتدبر الأمر أما غير ذلك فأعتقد أننا لن نكون أصدقاء فالغلط لن يمر دون عقاب ومن حسن حظك أنني أنا الذي اكتشفت هذا الأمر وأنت تعرف مقدار احترامي وتقديري لك ..... عليك بالتفكير في هذا الأمر عاجلاً وأنا سأكون في انتظار ردك ، ثم ابتسم وقال :
أنت أصبحت فرداً منا ولا نريدك أن تذهب أو تنتقل من القرية وسيكون لك هنا أملاكاً ومزارع والحياة في القرية إهداء من الحياة في المدينة . ثم ودعه وانصرف .(1/11)
بقي فؤاد يفكّر في كلام السيد عبد العزيز عندما قال له سيصبح لك هنا أملاكا لكنه لايريد املاكاً ولامزارع بل يريد الأرتباط بتلك الفتاة التي لاتمل عيناه من النظر اليها ... انها فرصة عمره فلماذا لايخطبها وقد وعده عريفة القرية بالمساعدة وعريفة القرية يقدر على المساعدة فأهل القرية لايعصون كلامه فانطلق فؤاد من هذا المنطلق في اليوم التالي وذهب إلى عريفة القرية وبدأ حديثه معه :
- لقد وعدتني بالمساعدة ياابا مرعي .
- نعم وعدتك ولا زلت عند وعدي .
- كم سيكون المهر ؟.
- هذا لن يكون كثيراً فأنت تعلم أن المهر لدينا في القرية ألف ريال فقط ولن يزيد عليك كثيراً فنحن نعتبرك من أهل القرية .
- أريدك أن تبحث هذا الأمر وتجتهد فأنا لا استغني عن مساعدتك .
- حسناً سأبحث هذا الأمر وما دمت تريد الاقتران بأبنتنا فنحن سنكون خير عون لك .
في هذه اللحظة تبادرت إلى ذهن السيد عبد العزيز أن زواج السيد فؤاد من القرية سيتيح له استخدامه في قضاء حاجاته من مكة وجدة لفترة لا بأس بها وهذا يعني أن الخدمة ستدوم ما دام الأستاذ فؤاد في القرية .
في اليوم التالي ذهب السيد عبد العزيز المحمود إلى السيد خلف العثمان
- كيف أخبار خليل يا أبا سليم ؟
- هو بخير والحمد لله وقد وفقه الله في شركة أرامكو .
- ألا تريد أن تزّوجه .؟
- لقد عرضت عليه الأمر فأفاد أنه لا يفكر في هذا الأمر في الوقت الحاضر .
- وأخته نايفة .؟
- ما بها .؟
- إن تقدم لها خاطب فهل تزوجها .؟
- هذا الأمر يرجع لموافقتها وموافقة أخوها أيضاً .
- وأنت ألست ولي أمرها .؟
- أنا ولي أمرها ولكن موافقتها شرط أساسي .
- لقد أرسلني اليك مدير المدرسة انه يخطب النايفة.
- فؤاد عمران .؟
- نعم إنه الأستاذ فؤاد .
- لكنني لا أعرف عنه شيء .
- بل نعرفه جميعاً وقد مضى له عندنا في القرية أكثر من ثلاث سنوات ولم نرى منه إلا كل خير .
- أعطني بعض الوقت لأتدارس هذا الأمر معها ومع بقية الأقارب .(1/12)
- لك ذلك لكنني أرجو ان لا يطول وقت المشاورة .
- يكتب الله ما فيه الخير .
(4)
ادخل خليل في العنبر رقم ( 3 ) وتم ترقيمه برقم 45 وكان هذا الرقم على ملابسه وسريره الذي ينام عليه ، وظمن التسلسل الرأسي للسرير فتحت سريره سرير وفوقه .آخر حيث ان السرير الواحد يتكون من ثلاثة ادوار .
ذهب إلى الكرسي بموجب الرقم الذي يحمله وأخبره السجان أن هذا الرقم سيضل رقمه إلى أن يخرج من السجن فهو رقم قميصه وسريره ومقعده في المطعم وعليه أن يحفظه جيداً .
ألقى بجثته على ذلك السرير بعد أن ارتدى بدلته الزرقاء ثم أنفجر باكياً بأعلى صوته حتى أزعج من حوله من السجناء ، فقاموا إليه يعّنفونه ويصرخون في وجهه بشتى عبارات التهكم :
* أنت لست رجلاً .
* السجن للرجال .
* لا ينبغي لك أن تكون بكّاءً .
* غداً ستمر الأيام بسرعة .
غدى ينظر اليهم لكنه يردد في نفسه ما قال الشاعر العربي :
من قال ان الحبس دار كرامه فمكابر في قوله متجلد
ما لحبس الا دار كل مهانة ومذلة ومكاره لاتنتهي
يكفيك ان الحبس دار لاترى احد عليه من الخلائق يحسد ...
حضر السجان وحاول أن يسكّن من روعه ويبعد بقية المسجونين عنه إلا أنه لم يفلح فاستدعى الباحث الاجتماعي الذي أصطحبه إلى غرفة في طرف السجن .
أخذ السيد يوسف السعيد يلقي عليه محاضرةً محاولا إقناعه بالصبر وتقبل المحكومية بروح رياضية . كان الباحث يتكلم وخليل يستمع لا ينبت ببنت شفة رغم محاولاته إخراجه عن صمته والتلطف معه وكثرة الأسئلة التي يوجهها إليه لكن خليل لم يرد على أي سؤال منها .
مما حدى بالباحث الاجتماعي إلى إنهاء اللقاء ومحاولة ذلك في اليوم التالي.
تكرر هذا العمل عدة أيام كما حاول بعض زملائه المساجين أن يفهموا منه شيئا لكن ذلك لم يجدي .
ضل خليل صامتا لمدة أسبوعين لا يتكلم مع أحد ...
كان الوقت الذي يفارق فيه سريره عندما يذهب إلى ألأكل فقط أو يغسل فيه ملابسه . او الى المسجد .. او دورات المياة ..(1/13)
وتمر الأيام والشهور وذات يوم جلس في المطعم بجانب ذلك الشاب الذي بدأ عليه الوقار والاحترام ودخل معه في كلام بلهجة المنطقة الجنوبية فأحس خليل بقربه منه ....
والعين تعرف في عيني محدثها ان كان من حزبها او من اعاديها
فقال له .:
- ما اسمك يا اخي ؟
- خليل .
- آه رقم قميصك هذا كان مع أقرب الناس لقلبي في هذا السجن .
- هذا القميص .... ثم التفت إلى القميص الذي يلبسه .
- نعم . لقد مات في الأسبوع الماضي . فأعطوك قميصه .
- كيف مات ؟
- لقد مات بالقصاص.
- لا حول ولا قوة إلا بالله .أنني أرى أنه لم يغسل أيضا وهمّ ان ينزع القميص عنه .
- هذا مستحيل ... لم يكن مريضا على أي حال.
يقال أنك لا تكلم أحدا فلماذا الصمت إن هذا الصمت لن يفيدك فأنا قد أمضيت في هذا السجن سنتين وبقي ثمان سنوات و أتكلم واضحك ولن يمضي عليك غير ما كتبه الله عليك و عليك أن ترضى بالقضاء والقدر .
- لكنني مظلوم ولم ارتكب ذنبا .
- اللهم اجعلني مظلوم ولا تجعلني ظالم .
- لقد التبست تهمة لست صاحبها .
- تحدث كثيرا الم تسمع المقولة ـ كم في السجن من مظاليم ـ هل تعتقد أنك أنت المظلوم لوحدك ... كثير من هؤلاء مثلك مظلومين أوملعوب عليهم أو مسجونين بأجرة .
- مسجونين بأجرة .
- نعم .بعض المساجين يدخل بدلا من المجرم الحقيقي براتب شهري ولكن .... كم هي محكوميتك ؟
- يقال أنها ثمان سنوات .
خلال الثمان سنوات سوف تعرف أشياء لم تكن تخطر ببالك وأنت خارج السجن .... السجن مدرسة الحياة.......
- وأنت ما هي جريمتك؟
- كنت مزوراً .
- يعني أنت مجرماً .
- كنت مزورا ولست مجرما .
- اقصد أنك انسجنت من اجل ما اقترفته يدك .
- هذا صحيح . ولكن لم أكن أتوقع أنني سوف انكشف أو ادخل السجن
- عقوبة التزوير لا تصل إلى هذه المدة .
- هذا صحيح لكنني متهم في أعمال أخرى أضيفت إلى عملية التزوير
- هل قتلت ؟(1/14)
- لا . لم أقتل وسوف أخبرك بها مستقبلا لكنني أريدك أن تقبلني صديقا فمنذ موت صاحبي في الأسبوع الماضي لا أتحدث إلى المساجين ولكنني أرى أنني ارتاح لحديثي معك .
- وأنا كذلك .
- إذا فلنذهب إلى البوفيه لنشرب كوبين من الشاي .
على فكرة .......من أين أنت . ؟ ...
- أنا من الجنوب.
- أنا أعرف الجنوب تماماً فمن أي المناطق أنت.؟
- من قرية في وادي الفرعين اسمها الديوانية.
- أعرف قرية... الديوانية.
- فمن ايّ اسرة إذاً...؟
- من بيت العثمان ....... وانت من ايّ قرية لهجتك من الجنوب ايضا ؟
- انا من قرية في نفس المنطقة اسمها سمايل .
- سمايل ، أنهم أخوالي ، خالي إبراهيم هلال.
- أعرفه ، أنه يقيم في جدة منذ زمن .. انا اسمي زاهر بن عبد الله.
أثناء جلوسهما وحديثهما في البوفية حضر الباحث الاجتماعي السيد يوسف فسلم عليهما وانصرف وفي اليوم التالي وبينما كان يتجول داخل العنبر وجدهما يتحدثان أيضاً فوقف بجانب خليل ورتب على كتفه وقال :
- ألا تريد التحدث معي يا خليل ؟
- لا أريد أن أتحدث مع أحد .
- لكنني أريد أن أتحدث معك ولن تخسر شيئاً .
فالتقط زاهر الحديث وقال :
- لماذا لا تتحدث معه يا خليل إن الأستاذ يوسف من أطيب الناس المسئولين عن السجناء إنه يعمل لمصلحة النزلاء في هذا المكان البعيد عن الناس كلها .
عليك أن تتحدث معه وتعتبره صديقك الذي يمكن أن تأمنه على أسرارك .
التفت خليل إلى يوسف ، لكنه لم يتكلم.
فقال يوسف :
- هل تقبل بي صديقاً كما قال زاهر.؟
- لا .....
- أعطني فرصة لأبحث مشكلتك.
- بماذا ستفيدني.
- ربما أفيدك. أنت لا تعرفني، وإذا لم أفيدك فلن أضرك ولن تخسر شيئاً فأنت الآن في السجن ولن يكون لك أكثر من ذلك.
- اذهب معه يا خليل إلى مكتبه ، قال ذلك زاهر.
ولابد من شكوى الى ذي مرؤة يواسيك او يسليك او يتوجع
ثم أخذ يوسف بيده وذهب معه إلى غرفته .(1/15)
دخل يوسف وخليل إلى الغرفة فأغلق يوسف الغرفة وسأله عن كامل القصة التي على أثرها جيء به إلى السجن .
- أريدك ان تفهم أولاً أنني مظلوم وأنني لم أقترف ذنباً ، ولم يكن لي أي جريمة إلا أنني قد كنت ضحية لأحد المجرمين الذي كان يلبس لي قناع الصداقة حتى أوقعني ، إنه حسين العبد الله .
- آه .... حسين العبد الله .
- أنت تعرفه .
- نعم هذا زبون عندنا لقد دخل السجن في قضايا كثيرة أكثرها حشيش وتهريب مخدرات ....
- ... هو ذلك اللئيم .
- هذا النوع من البشر مستعد لبيع أعز أقرباءه فما هي قصتك معه.
بدء خليل يسرد قصته معه وبعد الانتهاء منها قال يوسف :
- لقد كنت ضحية سهلة ولكن، ربك يمهل ولا يهمل ولابد أن تستفيد من هذه التجربة وأن تكون قوياً ولابد أن تتحمل فالحياة تجارب..
غادر خليل مكتب السيد يوسف وعاد إلى سريره ...... وأخذ يتفكر في أموره الخاصة وأخذت تسرح به الخواطر في قرية الديوانية وكيف سيكون وقع الخبر عندما يصل إلى هناك..
* ماذا سيكون موقف امه و أخته نايفة ..... الله .... ستكونان في موقف لا تحسدان عليه. هذا خليل الذي كانتا لاتريا الشمس تشرق إلا من فوق جبينه ..... انه مسجون ... او مجرم كما سيقال عنه .
* آه ... لقد خاب أملكما. لكنني والله مظلوم ...
* ماذا سيكون رد أبناء عمي . وابنة عمي شهرة التي أحسب الأيام لأذهب فأخطبها من أبيها وأتزوجها ..... لن ترضى بي بعد اليوم .
* كيف سينظر أهل القرية إليّ ؟
* ربما لن يصل إليهم الخبر..
* لا بد أن يصل . فالمحكومية طويلة ولابد أن يعرفوا ..
* وحتى لو خرجت بثلاثة أرباع المدة ..
* لكن هذا قضاء الله وقدره وليس لي في الأمر حول ولا قوة ، إنها قدرة الله وليس لي إلا الصبر ...نعم الصبر ...
* لكن إلى متى ، إلى متى ، ثم صاح صيحة أفزعت جميع من في العنبر ، لا ، لا أنا مظلو م .(1/16)
* مظلووووم ........... مما حدى بجميع نزلاء العنبر إلى الهرولة نحوه هذا يسأله ماذا حصل له والآخر يدعو له بالشفاء وذاك يوصيه بالصبر وآخر ينظر إليه ثم يعود لا يكلمه ، لكنه انفجر باكياً بصوت مرتفع واضعاً وجهه بين راحتيه...
حضر طبيب السجن فأعطاه بعض الكبسولات المهدئة وانصرف .
ذهب إليه زاهر، فأخذ يهدي من روعه واصطحبه إلى البوفية فقال زاهر معاتباً له :
- لم أكن أتوقع أنك ضعيف هكذا .
- إن سجني هنا ظلماً في جرم لم أقترفه ، إن المجرم الحقيقي طليقاً يسرح ويمرح وأنا البريء خلف القضبان كما ترى إنها مرارة الظلم ، أنت لم تجرب مرارة الظلم .
- قلت لك لست وحدك مظلوماً في السجن ، بل كل سجن من سجون الدنيا ، هناك كثير من المظلومين وقد ثبتت إدانتك وتم ضبط الحشيش بحوزتك وكان لابد عليك من تفتيش الحقيبة قبل أن تصل إلى الدمام .
- لم أكن أعلم أن ذلك اللئيم ينوي أن يلبسني هذه الجريمة .
- لقد ألبسكها وانتهى الأمر ...... لكن الرجل يصبر ويتحمل ففي صبرك أجر وتسلية ولكن إذا لم تصبر فماذا أنت فاعل ... إنك لا تستطيع أن تعمل شيئاً .
- كنت أفكّر واتصور.... كيف سيكون وضع الخبر على عائلتي فلم أستطع أن أحبس جزعي .
- هذا الأمر قد كتبه الله عليك قبل أن تنزل إلى الدنيا ... قبل أن تولد فلماذا تجزع من قضاء الله وقدره ... إنك لا تستطيع أن تغيّر الأقدار والذي يعلم من أهلك فلا يستطيع أن يهرب هو أيضاً من قضاء الله وقدره ، والأقدار تسير على الناس كلهم .....
- لا حول ولا قوة إلا بالله .(1/17)
- إذا قارنت مصيبتك بمصيبة غيرك هانت عليك مصيبتك ، وهنا كثير من السجناء مصائبهم أكبر من مصيبتك لكنهم رجال صبروا وسلّموا أمرهم إلى الله فالله وحده هو الذي قدّر لك هذا وربما أن الله أراد بك خيراً في ذلك فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا ، والله وحده هو الذي يستطيع أن يخرجك أنت وغيرك ، لكنني أريدك أن تكون أقوى من الأيام والمشاكل ، ومشكلتك بسيطة جداً إذا قورنت بمصائب بعض النزلاء.
- كان ذلك غصباً عني .
- لقد جاءت بي الأقدار إلى هنا فلم أجزع ولم أصرخ مثلك أنني أحمد الله على كل حال خصوصاً بعد ما عرفت أن مصيبتي لم تكن أكبر من ما هي عليه.....
ثم وقف حديثه برهة وقال :
- أنظر إلى ذلك الشاب الذي يقف بجانب شباك البوفية .
- نعم إنني أراه....
- ذلك الشاب قتل رجلاً ومحكوم عليه بالقصاص وأنا عندما أنظر إليه أحمد الله على أن مصيبتي لم تكن مثل مصيبته.
وذلك الرجل الذي جلس معي بالأمس بعد صلاة العصر في المسجد بعد أن ذهب الناس .
- نعم لقد رأيته .
- هو الآخر محكوم عليه بالقصاص لأنه قتل زوجته وأخيها .. وكثير وكثير ... إن وضعي أنا وأنت طيّب بالنسبة لما يغصّ به السجن من النزلاء ، فكن قوياً على قضاء الله واحذر أن تشمّت بناء بقية نزلاء العنبر وأنت بريء والحمد لله أنك بريء ، وقد دخل سيدنا يوسف عليه السلام السجن وهو بريء أيضاً .
- جزاك الله خير ..
- إذاً اعتبرني أخوك فأنا وأنت أبناء عمومة هاهنا وقد يكون مجيئك إلى هذا السجن رحمة ساقها الله إليّ ، فقد فقدت صديقاً كان يعزيني في سجني ولكنه قد انتقل إلى رب العالمين أسأل الله أن يغفر له .
- رحمة الله عليه .
- عند ذلك سنكون أقوى من السجن ومن الأقدار ومن المدة التي نقضيها هنا . فليس لنا هنا سوى الصبر .
(5)(1/18)
يعيش السيد خلف العثمان في بيت كبير وسط القرية مع زوجته فضة وابنه سعيد وابنته شهرة التي تبلغ الخامسة عشرة من عمرها أما سعيد فلا يزال يدرس في المرحلة الإبتدائية، أما ابنه الأكبر سليم والمتزوج من ابنة عريفة القرية رزينة... فيعيش في الرياض مع زوجته ويعمل جندي في أحدى الدوائر الأمنية .
يعيش مع السيد خلف العثمان في ذلك البيت ابنة أخيه نايفة التي تكبر ابنته شهرة بسنة واحدة .
لم تكن السيدة فضة زوجة خلف العثمان ذات جمال لكنها كانت عملية في بيتها أو في المزرعة لذلك فرضت شخصيتها على زوجها فهي قوية البنية تدرك ما لا يدركه غيرها في أعمال المزرعة والبيت .. المتصرفة في بيت زوجها ذات حنكة ودهاء .
كانت نايفه تحسب أنها ستتزوج من ابن عمها الذي يكبرها بحوالي خمس سنوات لكنه بعد ان تزوج من رزينة ابنة عريفة القرية فقدت نايفة ذلك الأمل الذي كانت ترنو اليه . أما خليل فيرى في ابنة عمه شهرة خير عروس له ويمني بها نفسه منذ الطفولة وكانت هاجسه خلال فترة سجنه .
عندما تقدم فؤاد عمران لخطبة النايفة لم يكن لعمها أي معارضة لكنه كان يريد أن يأخذ موافقة البنت وأخوها وكذلك بقية العائلة ، فبدأ بزوجته فضة:
- ... لقد اخبرني العريفة أن مدير المدرسة يريد أن يخطب نايفة . ...
- ألا تقول أنه من مكة ؟.
- بلى ، هذا صحيح .
- ومن الذي يعلم عنها هناك ... غداً يسافر بها وأنت لا تستطيع السفر لتفقد أحوالها والبنت كما تعلم يتيمة فأين تذهب .؟
- إذا قبلته زوجاً لها فلتذهب معه أينما ذهب .
- لكن إذا كان بخلاف ما نتوقع .؟
- يظهر أن الرجل سيبقى عندنا فترة ليس بالقصيرة ، وفي خلال هذه المدة سنعرف عنه كل شيء .
- لا أعتقد أنه مناسباً لها .
- قد تكون البنت لها رغبة في ذلك ، ربما أنها تريد أن تعيش في مكة..
- خذ رأيها وعند ذلك قرر .
- أنت من سيتكلم معها ، أين هي الآن ؟
- إنها في المزرعة .وعندما تعود سوف أسألها عن ذلك .(1/19)
- بل أذهبي إليها هناك فقد تكون الجلسة هناك أكثر حّرية لإبداء رأيها.
- أنا الآن أذهب إليها وأعرف رأيها في ذلك .
ذهبت السيدة فضة من ساعتها تلك إلى المزرعة وهناك جلست مع نايفة وأخذت تحدثها عن الخاطب الجديد . لكن البنت رفضت الفكرة من أصلها، دون إبداء أي سبب للرفض ، فعادت عمتها من المزرعة مقتنعة أن النايفة كان رفضها للزوج لا لفكرة الزواج وأخبرت زوجها بذلك الذي بدوره أوصل الخبر إلى عريفة القرية .
كان عريفة القرية يعرف أنه ليس من مصلحته رد الجواب الرافض من وقته.... بل لابد أن يبقى فؤاد معلقاً بحبل الأمل على الأقل فترة من الزمن فطلب من السيد خلف العثمان إعادة النظر في الموضوع وإعطاء البنت مهلة للتفكير قبل أن يرد جواباً لمدير المدرسة .
أرسل خلف العثمان رسالة لأبن أخيه يطلب رأيه في زواج النايفة من مدير المدرسة مع مسافر من أبناء القرية وطلب من خليل أن يرد الجواب سريعاً ، ولم يمض وقت طويل حتى عادت له رسالة ليست من خليل بل من الرجل الذي أرسل معه الرسالة يخبره فيها أن خليل قد أودع السجن في قضية تهريب الحشيش من البحرين وأن محكوميته ( 8 ) سنوات
كان وقع الخبر كالصاعقة على السيد خلف العثمان فقرر أن يكتم ذلك الخبر عن كل أحد ، لكن ابنه سعيد الذي قرأ الرسالة بعد أن طلب منه والده أن لا يخبر بهذا الأمر أحداً ، لم يتأخر أكثر من ساعة حتى أودع الخبر في أذن أمه ..
و بينما كان السيد خلف جالساً في فناء البيت بعد صلاة العصر ذهبت إليه زوجته بصحن من التمر وثلاجة مليئة بالقهوة ، وجلست أمام زوجها وصبت له فنجال القهوة ثم سألته :
- ما الذي تفكر فيه ؟.
- لا شيء .
- إن لك أكثر من يومين وأنت تبدو على غير عادتك.
- هكذا الأيام .
- خليل ...أليس كذلك ؟
- من الذي أ خبركِ بذلك ؟
- ابنك سعيد .
- انه شقي ، لقد حرصته بعدم إفشاء الخبر .
- لم يقل ذلك إلا لي أنا .... لكن في ما ماذا تفكر هل ستسافر اليه .... ام ماذا ؟(1/20)
- ماذا سأفعل ، هو في السجن وقد صدر الحكم عليه ولو لم يكن هذا الأمر ثابتاً عليه لما صدر به حكماً شرعياً .
- لا نريد أن تسمع بهذا الخبر أخته نايفة .
- هو ذاك فاحرصي على عدم معرفتها بالأمر..
- لماذا لا تتزوج هي من مدير المدرسة قبل أن يعلم هو بالأمر .
- إنها لا تريده كما تقولين .
- لا بد أن تتزوجه قبل أن يعلم بالأمر سيما وأنه يريدها وحريص على موافقتها .
- لكنها لم توافق .
- دع هذا الأمر علي وأنا التي سأجعلها توافق في خلال فترة قصيرة ..
- لااريد ان اجبرها على امر لاتريده .
- أنا أعمل لمصلحتها .
- وماذا عن شهرة ؟
- إذا جاء نصيبها زوجناها فلن تبقى مربوطة حتى يخرج أبن أخيك من السجن .
- لكنني أعرف أن أبنتك تحبه .
- سوف تكرهه إذا سمعت بخبره
- اخذت فضة في حث نايفة بالزواج من ذلك المدرس وتقنعها ان البنات اللاتي في سنها قد تزوجن وتخشى عليها ان تكبر وتعّنس
وأخذت تكثر من تكليفها بالأعمال الشاقة في البيت والمزرعة رغبة منها ان تكره نايفة البيت وأهله . وفعلاً بدأت نايفة ترى ان زواجها من ذلك المدرس هو الطريق الوحيد لخروجها من تلك المعاناة التي تعيشها في بيت عمها .
زاد تعلق فؤاد بالنايفة فأخذ يتعمد ملاقاتها في الطريق عندما تكون ذاهبة او عائدة من المزرعة .
احوم الى رؤياك كيما انالها حيام العطاش الناضرات الى الورد
اصبحت همّه ومحط تفكيره .
كانت نايفة تلاحظ ذلك ولاتخفي انزعاجها من تلك التصرفات فغدت تذهب الى المزرعة من طريق اخرى الشيئ الذي زاد من وله فؤاد وشوقه لرؤيتها .
اكثر من ترداده على بيت العريفة يسأله عنها ويحثه على انهاء امر زواجه بها،،،،،
سافر فؤاد ذات مرة الى مكة وسافر معه عريفة القرية ليشتري بعض ما يحتاجه لدكانه فأخذه فؤاد الى منزله في مكة المكرمة وأجتهد في اكرامه والترفيه عنه اثناء تلك الرحلة ولم يعودا الى قرية الديوانية .... الا وقد اصبح العريفة مدان لفؤاد بكثير من الجميل والمعروف .(1/21)
وكان عريفة القرية خلال تلك الرحلة يؤكد وعوده السابقة لخليل من ان النايفة ستكون من نصيبه .
وحدثتني ياسعد عنهم فهجت بي شجونا ًفزدني من حديثك ياسعد
بداء بعد ذلك اهتمامه بانهاء زواج مدير المدرسة وأخذ يبذل مجهوداًكبيراً في اتمام تلك الصفقة .
كان خلف العثمان حريصاً على ان يكتم امر خليل عن كل الناس فهو ابن اخيه على أي حال .
. وبدأت زوجته بالتفكير في التخلص من وعد زوجها بزواج شهرة من ابن عمها خليل الذي يقبع خلف قضبان السجن ..
- ما رأيك ان كان هذا المدرس من الناس الطيبين ان نزوجه شهرة فابنة اخيك تظهر عدم رغبتها في الزواج منه ( قالت ذلك لزوجها)
- لكنه لم يطلب الا نايفة..
- أنا اعرف كيف اجعله يغيّر وجهته .
- ماذا تعنين .
- العريفة سيجعله يغير رأيه .
- أنا لن اكلمه حول هذا الامر .
- أنا التي ساحدثه بذلك .
- بكيفك .
وفي اليوم التالي .
وعندما كانت السيدة فضة عابرة من أمام بيت العريفة رأته واقفاً أمام البيت . فسلمت ثم ضحكت .عندها تقدم باتجاهها وقال .
- هذه الضحكة . لابد أن يكون معها خبر طيب .
- اضحك من الزمان يا ابو مرعي .
- الزمن .؟
- الزمن مقلوب .
- احياناً . لكن ماذا عندك .
- ماذا عن العريس .
- يطلب رضاكم ومستعجل جداً .
- المقصود .... هل هناك اختيارات .
- ماذا تقصدين .
- لو كان الطلب في شهرة . يمكن يكون الطلب اسهل .
- الم تكن شهرة... مطلوبة لخليل ابن عمها .
- خليل....الله يستر ..... بلاش تفهم الموضوع .
- أي موضوع .
- خليل في السجن . محكوم ثمان سنوات .
- أعوذ بالله .......... لا حول ولا قوة الا بالله ..... لماذا ؟
- خايب .... حصلوه يبيع حشيش .
- حشيش ....؟
- ايوه... حشيش . وانت شاور المدرس .
- ايش قصدك .؟
- قصدي . يعني مافي هذا البلد غير هذا الولد .
ثم التفتت وهمت بالمسير .
- قفي ... ماذا تعنين .؟
- اقول يمكن أن خويّك هذا احول .
- تقصدين ............؟(1/22)
- نعم . اقصد شهرة اجمل منها وهي بنت خلف ....صاحبك وحبيبك
- لكنه لم يطلب غير نايفة .
- أن كان المكان طيّب فشهرة تستاهل منك كل خير وأنت شفت مكانه في مكة وأن كان طيّب فهي زي بنتك . ونايفة ياخويه ياجي نصيبها على سعة...... وهي ماتبغاه وقد قلنا لك ذلك .
- احاول .
- احاول .... بس ....لو حاولت انا متأكده ... انك تقدر .
لكن هذا الامر لم يلق رواجاًَ لدى فؤاد..... فهو لايريد سوى نايفة بل ذهب اكثر من ذلك فطلب من حارس المدرسة السيد عبد المحسن أن يطلب من زوجته أن تنقل إلى نايفة كل الكلام الذي اتى به عريفة القرية إليه ومن ثم تستطلع رأيها في هذا الامر فأن كانت موافقة على الزواج منه فأنه متمسك أيضاً بها ولن يغيره شيء عن ذلك .
السيدة علياء زوجة السيد عبد المحسن العلي كادت تتميز غيضاً من الكلام الذي سمعته من زوجها مما جعلها تقنع نايفة بالموافقة على الزواج من المدرس .
وافقت نايفة وتمسك مدير المدرسة بطلبه رغم محاولة زوجة السيد خلف العثمان نقل الخطوبة الى بنتها.
بدأت بالتحرش بالنايفة فتارة تظهر سخريتها من أخيها خليل ودخوله السجن وتارة تتهمها بمقابلة مدير المدرسة عندما تكون ذاهبة اوعائدة من المزرعة..حتى كرهت نايفة الزمن الذي تعيش فيه.
زاد تعلق فؤاد بالنايفة فكان في كل مناسبة يلتقي فيها بالعريفة يسأله عن موعد الزواج لكن العريفة كان يطلب منه الصبر والتروي من اسبوع لآخر . ومن موعد لموعد ..
ياراقد الطرف طرفي في يد السهر داء بليت به من رائد النظر
جناية ناظري كان الكفيل لها وآفة المرء بين القلب والنظر
بعد فترة من الزمن التقى السيد خلف العثمان بعريفة القرية الذي سأله عن الموعد فتم الأتفاق اخيراً وتم تحديد يوم الزواج ...
وتزوجت نايفة بفؤاد عمران . وأسكنها معه في المكان الذي يسكن فيه بعد ان طلب من زميله أن ينتقل إلى مكان آخر .(1/23)
بعد أن خرجت النايفة من بيت عمها كانت تتردد على بيت أهلها مثلها مثل أي بنت تتزوج في القرية ، لكنها كانت ترى أن أهل البيت لا يريدون أن يرونها في ذلك البيت مرة ثانية.....كانت ترى الجفوة والاحتقار والصغار عندما تذهب إلى هناك بل كانت تكلف بالأعمال التي كانت تقوم بها قبل زواجها فعرفت أن ذلك بمثابة الطرد وعدم الرغبة في زيارتها لهم مرة أخرى .
سعت الأقدار حثيثة في خروج نايفة من القرية فلم تلبث أكثر من ثلاثة أشهر ، حتى انتقل زوجها إلى مكة المكرمة ومن ثم انتقلت معه وسافرت من قرية الديوانية عاقدة العزم على عدم العودة لها مرة أخرى .
(6)
يسكن فؤاد عمران مع عائلته في حي العزيزية بمكة المكرمة في بيت متواضع مع والده ووالدته وأخواته الثلاث وتم تخصيص غرفتين كانتا على سطوح البيت لنايفة وزوجها للنوم وتخزين أمتعتهما فقط أما الأكل فإن العائلة تأكل سوياً في الطابق الثاني .
يعمل والده والذي يبلغ حوالي الستين من عمره في شركة لخدمات الحجاج ويقضي اغلب نهاره في عمل الشركة .
كانت الضيفة الغريبة ثقيلة على أخوات زوجها وكان ضعف مستواها التعليمي مدعاة للاستهزاء بها في كل حركاتها وسكناتها وكلامها وشغلها وحتى ملابسها مما حدى بها إلى البقاء في غرفتها أكثر الأوقات حتى تستريح من تلك الأذية التي تلقاها.. فقليلاً ما تجلس مع الأسرة الا في أوقات الأكل او المناسبات.
لاحظ أخوات فؤاد عزوف النايفة عن الإختلاط بهن والجلوس بينهن فما كان منهن إلا اتهامها بعدم معرفتها بشغل البيت وأنها تريد أن تستخدم بهن وطلبن من فؤاد أن يكلمها تساعدهن وأمهن في شغل المطبخ ونظافة البيت وبدأن مع فؤاد في حوار مداعبة ونصائح ، وغير ذلك من الكلام اللاذع .
* زوجتك يا فؤاد نائمة في السطوح 24 ساعة .
* لماذا لا تساعد أمي في شغل المطبخ فهي لا تدرس . ولم تنجب أطفالاً بعد... وليست حامل ، ونحن مشغولات بالمدرسة .(1/24)
* هي ما شاء الله تحب أن تبقى مخدومة على طول .
* لابد أن تكون كذا.... مادام فؤاد راضي ..
* آه ... نفسي أشوف أولادك يا فؤاد ، قالت ذلك أخته الكبرى خيرية
* اعتقد أنها عقيم قالت ذلك سناء أنت رحت معاها للدكتور يافؤاد..؟
* ياخويه إذا كانت عقيم تزوج غيرها .
* هذي لصقة ما يقدر يتزوج عليها ، قالت ذلك فوزية .
* عندي لك عروس زي الوردة ، قالت ذلك خيرية . ليست قروية .. زي هادي اللي معاك ....
* هي على الأقل من قرابتنا بنت خالتي رقية ...... سوزان مدّرسة وفهمانة ..... وآخر جمال وعقل.... ما شاء الله عليها .
* هذي يا خويه تحب الراحة .
* أنت ما تشوف أنها ثقيلة دم ..... شويّة .
* أنا ما عمري شفتها مبتسمة .
* والله فعلاً شكلها ناقمة على البيت كله .
* يمكن ما اخذت على الروح الطيبة ، أو إنها تخاف منا ...هي ماقالت لك كذا يافؤاد.
- هو حد يسمع كلامكم هذا ويضحك او ينبسط .. ياناس حرام عليكم .. اتركوا المسكينة في حالها .
- احنا قلبنا عليك ..بس انت ولا على بالك ..... ياعيني على بختنا معاك .. يعني صرنا المخطئين .. الله اكبر .. قالت ذلك خيريه ثم تركتهم وقامت من المكان على انها زعلانة .
كانت نايفة ترى وتسمع تلك الترهات والكلمات الجارحة من اخوات زوجها احياناً كثيرة . لكنها كانت تجد عند فؤاد مايجعلها تتحمل ما تسمعه وتراه.
كما أنه كان أيضاَ يرى ويعلم ما تتحمله زوجته من اجله . ويوصيها بالصبر...فكانت السامعة المطيعة
كانت تسمع فلا ترد .
وترى فلا تتكلم .
وأتعب من ناداك من لاتجيبه وأغيظ من عاداك من لاتشاكل .
كانت وسيلة التعبير الوحيدة لديها هي تلك الدموع التي تساقطها على وجهها أن هي ضاقت ذرعاً بتلك الكلمات الجارحة .
بل كانت تسمع ما تسمع وتنظر إلى زوجها ولسان حالها يقول ما قالته امامه .
وابرزتني للناس ثم تركتني لهم غرضاً ارمى وانت سليم
فلو أن قولاً يكلم الجسم قد بدا بجسمي من قول الوشاة كلوم(1/25)
كل ذلك وفؤاد يسمع دون أن يجرؤ على المجابهة لكنه أخيراً قرر النقاش:
- انتو ما شاء الله مسوين عليها عصابة ...هذا باين من كلامكم ويدل على إنكم ما تبغونها في البيت من أصله .
- الحقيقة والله يا خويه . زي كذا ونحنا متحملينها علشانك فقط . قلنا يمكن الله يرزقك منها بعيال طالما أنت خسرت فلوسك وجبتها قالت ذلك اخته سناء .
- هي إلى الآن لم تتأقلم على جو المدينة فاصبروا عليها شوي .
- عيني على التأقلم.... لها يا خوية قرابة ألسنة... يبغى لها خطة خمسية...( وضحكت ضحكة دوت لها جنبات الغرفة )
- غداً تتزوجين وتشوفين كيف ستكون الحياة بعيداً عنا .
- أنا يا خويه مستعدة أعيش فوق البحر . تبغاني أجلس سنتين أتأقلم زي زوجتك..... الله يستر .
في البيت المجاور كانت جارتهم السيدة صّديقة محمود تلك العجوز التي تقارب السبعين من عمرها كثيرة التردد على بيت السيد عمران لزيارة السيدة نعيمة أم فؤاد عمران وكانت نايفة تحب الجلوس معها والتحدث إليها كما كانت تذهب أحياناً لزيارتها في بيتها عندما تضيق ذرعاً بالحرب النفسية التي تدور في البيت .
كانت تلك العجوز تعرف المعاناة التي تلاقيها نايفة من هؤلاء البنات وتشتكي نايفة إليها كثيراً إلا أنها كانت دائماً توصيها بالصبر واستعدت لها أن تتكلم مع ألحاجة نعيمة أم فؤاد.
وغير بعيد عن ذلك أيضاً بيت جارتهم السيدة صفية زوجة بائع العطور جميل العطار وهي شابة لا يزيد عمرها عن 30 سنه وكانت نايفة تشعر بقربها منها فهي قد أبدت استياءها من أخوات فؤاد أيضاً.... لذلك كانت قليلة الزيارة لبيت السيد عمران كما كانت كثيراً ما تمد يد العون للنايفة في كثير من الأوقات وتشعر بأنها غريبة ومغلوب على امرها في ذلك البيت... لذلك فقد تألفت قلب نايفة أكثر من غيرها من جاراتها الأخريات .(1/26)
أخبرت السيدة صدّيقة جارتها ألحاجة نعيمة بما تشتكي منه زوجة ابنها من مضايقة بناتها فعملت أم فؤاد جهدها أن ( تلم )الموضوع كما تقول حتى لا يصير في البيت فضيحة ومشاكل بين البنات وارتاحت نايفة مع ذلك ردحاً من الزمن .
لكن تلك الراحة لم تدم طويلاً فقد كانت الهدوء الذي يسبق العاصفة ومضت سنتين على زواج نايفة من فؤاد ولم يكن هناك أي بوادر للحمل وهذه النقطة اتي بدأن منها البنات إعادة الحرب على زوجة أخيهن .
كان إلحاحهن كبير على فؤاد في عرض زوجته على أكثر من دكتور أملاً منهن أن تظهر نتيجة التحاليل عدم قدرة نايفة على الإنجاب لكن ذلك كله كان يذهب د ون فائدة فكانت كل النتائج تثبت أن نايفة طبيعية ولا يوجد بها أي عائق للإنجاب لكن ذلك لم يمنع خيرية من البحث لفؤاد عن زوجة من بنات خالاتها .
اتفقت مع ابنة خالتها سوزان على كل شيء وبدأت في تنفيذ المخطط فبدأت بالحديث اولاً مع امها :
- لماذا يا أمي لا يتزوج فؤاد ؟ .. فقد تكون زوجته هذه لا تنجب .
- كل التحاليل التي أجرتها نايفة تبين أنها طبيعية
- طبيعية ايش يا أمي ! لها سنتين وهي زيّ اخويه كذا تقولين طبيعية .
- هذا الأمر بيد الله .
- ونعم بالله ، لكن لازم أخويه يتصرف .
- يتصرف كيف ؟
- أنا لقيت له عروس أحسن منها ألف مرة .
- من اللي قال لك تبحثين له عن عروس ؟.
- من حقي أن أبحث لأخي عن ما ينفعه .
- هو طلب منك ذلك .؟
- و لن يمانع إذا شاف العروس .
- ومن هذه العروس إن شاء الله .
- ابنة خالتي سوزان ، متعلمة ومدرسة وجمال وأنت تعرفين من هي سوزان يا أمي .
- ابنة خالتك لعبتِ بعقلها .... أكيد لعبتِ بعقلها.. حتى وافقت .
- بل عقّلتها ، هي وحدها التي تصلح لفؤاد..
- لكنه لم يطلب منك ذلك وهو يظهر لي أنه يحب زوجته .
- إذا كنت أنت موافقة فاتركي فؤاد عليّ أنا .
- وهذه المسكينة ؟
- يتزوج عليها...زيها زي غيرها، وإذا كانت تبغى.تبقى.تبقى معهم.(1/27)
- حرام عليك يا بنتي ، إنها يتيمة .
- اللي يسمعك يقول إني راح أقتلها.
- هذا الأمر أعتقد أنه يعادل قتلها .
- اللهم لا حول ولا قوة ... أنتي أتركي لي الأمر وأنا أخليها ترقص في زواج أخويه فؤاد .
- كمان سوزان قاسية أنا أعرفها ولن تتركها تعيش معاها .
- لا . لا ، سوزان أنا أكلمها في هذا الأمر .
- هذا الأمر بكيف أخوك ،.... إذا وافق ...هو حر .
- أيوه ..... على كذا اتركيني اتكلم مع فؤاد براحتي .
- تكلمي يا ستي براحتك.
كانت خيرية كثيراً ما تطلب من أخوها أن يوصلها إلى بيت خالتهالزيارة سوزان،ثم يعود بها من هناك .
وفي ذات يوم طلبت منه أن يدخل معها..ليسلم على خالتها التي كثيراً ما تسأل عنه كما تقول ....فأوقف سيارته ودخل يسلم على خالته .
وجد فؤاد ابنة خالته سوزان واقفة بجانب أمها فسلم على خالته وعلى سوزان أيضاً كانت خيرية قد أعدت كل شيء...... وكان لابد تحت الترحيب بالزيارة والتهليل أن يشرب عندهم كاسة شاي .
وأخذت سوزان تستعرض من أمامه تارة إلى المطبخ وتارة لإحضار الشاي
كانت بحق جميلة جداً ،.... فارعة الطول.... جميلة الصورة....ذات شعر طويل ،. بشرة ناعمة... أخذ فؤاد يتبعها نظرة أينما تحركت في البيت
فلا تسأليني ما رأيت فأن لي من القلب ما يغني عن العين والأذن
ألتفتت خيرية إلى فؤاد :
- هذه سوزان يا فؤاد اللي كلمتك عنها .
- ما شاء الله .... كيف حالك يا سوزان .
- بخير والحمد لله .
لها وجنات يضحك الورد فوقها وطرف مريض حشواجفانه السحر
كانت هذه الزيارة كفيلة بأن تغرس بها خيرية أول دبوس في قلب فؤاد تجاه سوزان وتابعت بعد ذلك اخته الحديث معه حول زواجه من سوزان وهو تارة يقابلها بالرفض وتارة يطلب منها الانتظار لكنه ومع تكرار الزيارات لخالته وتحت ضغط ذلك الجمال وإغراء الأنوثة ألحقّة ، كان لابد أن يقتنع غصباً عنه .(1/28)
كانت سوزان ذكية ولا تريد أن تتزوج على زوجته السابقة فاتفقت مع خيرية أن لا تطلب منه ذلك إلا عند عقد ملاكها .
خطب فؤاد سوزان وتتابعت الزيارات حتى انشغل بها عن كل شيء ، وملكت عليه مشاعره وأحاسيسه وأصبحت لو طلبت منه أكبر من طلاق نايفة لفعل....
وقبل عقد القران بيوم واحد أخبرته أنه إذا لم تكن ورقة طلاق نايفة في يدها فلن يكن هناك عقد قران الشيء الذي جعل فؤاد من اليوم الثاني يذهب إلى المأذون ويطلّق زوجته السابقة ولم يأت وقت عقد القران إلا وكل شيء قد انتهى .
كانت نايفة تحس من تحركات فؤاد وأخواته أن هناك طبخة تتم في الخفاء ، وكانت لا تشك أن جميع هذه الحركات في غير صالحها لعلمها الأكيد بكراهية أخوات زوجه لها .
وفي المساء لبس فؤاد أجمل ملابسه وتعطر بأجمل العطور وذهب مع أخواته وأبوه وأمه للعشاء عند خالته اما نايفة فلم تكن من المدعوين لتلك المناسبة فأيقنت نايفة أن تلك الليلة ستكون إما للخطبة أو لعقد قران زوجها على عروسته الجديدة فسلمت أمرها إلى الله فهي لا تملك أكثر من ذلك .
لم يهدأ لها بال في تلك الليلة ، فكانت عيناها هي وسيلة التعبير الوحيدة التي تملكها ، فذرفت من الدمع ما شاء الله أن تذرف ، ولم يعد الجميع إلا بعد منتصف الليل .
كانت ساهرة تنتظر ما ستلد به تلك الليلة الحامل .
فُتح باب المنزل فدخل الجميع ونايفة تستمع إلى الكلام والضحك مع دخول العائلة .
كان آخر من دخل فؤاد وأبوه فقال له ساعتها :
- إلى أين يا فؤاد .؟
- إلى غرفتي .
- غرفتك ايش يا ولدي ... ألم تطلقها ؟
- بلى ولكنني لا أريد أن تشعر بشيء الآن .
- اتق الله ولا تقترب منها .
- هذا شيء معروف يا أبي .
- أين ورقة الطلاق ؟
- في جيبي(1/29)
- سمعت نايفة ذلك الحديث فعرفت أنها مطلقة وأنها لم تعد في ذمة فؤاد عمران ، وأن ورقة طلاقها في جيبه فدخلت إلى غرفتها واستلقت على سريرها وكأنها قد نامت منذ فترة ، كانت متأكدة أن ورقة طلاقها في جيب فؤاد لذلك فهي حريصة أن تأخذ ... تلك الورقة
تظاهرت بالنوم الثقيل حتى تأكدت أنه قد نام فعلاً ثم قامت إلى جيبه وأخذت جميع ما فيه من أوراق فلا تستطيع ان تميّز ورقة الطلاق من بين الأوراق في تلك الساعة ، وعندما اذّن المؤذّن لصلاة الفجر لبست عباءتها وانتظرت حتى خرج أبو فؤاد للصلاة في المسجد وخرجت من البيت .
كان فؤاد متعوداً على نزول نايفة من غرفتها إلى المطبخ بعد صلاة الفجر ثم تعود بعد ذلك تنبهه للصلاة وتناول إفطاره قبل أن يذهب إلى المدرسة .
استيقظ فؤاد من نومه متأخراً ، ونظر إلى ساعته فإذا هو قد تأخر عن مدرسته ولبس ثيابه سريعاً ونزل إلى المنزل لكنه لم يجدها في المطبخ ولا في المجلس ولا في البيت كله ، صعد إلى السطوح ...عاد إلى غرفة النوم فلم يجدها ،... نظر في جيبه فلم يجد الأوراق التي كانت به فايقن أنها قد خرجت من البيت وأخذت ورقة الطلاق معها... ولكنه لم يكن يحسب أنها ستبتعد كثيراً عن البيت وفي أسواء الاحتمالات قد تكون نزلت إلى الحرم ، فلم يشعر أهله بذلك بل أتجه إلى مدرسته وقضى بعض الوقت بها ثم استأذن واتجه إلى الحرم مباشرة .
فتش عنها في كل مكان فلم يجدها ، عاد إلى البيت وبحث في كل غرفة فلم يجدها فأخبر بذلك أبيه وأمه وبدأت العائلة بكاملها في البحث عنها في كل مكان .
(7)
أخذ فؤاد يجول في شوارع مكة أغلب أوقاته ، لم يترك مكاناً عاماً أو بقعة من ساحات المسجد الحرام إلا ووقف بها وتفقد الموجودين فيها ، انقطع عن مدرسته ثلاثة أيام وطلب له إجازة عرضية اسبوعا كاملا.. سأل الجيران وأقسام الشرطة والمستشفيات فلم يعثر عليها .(1/30)
بقي على هذا الحال شهر او اكثر فانقطع أمله في وجودها في منطقة مكة فركب سيارته واتجه إلى الجنوب . تنكّر هناك وسأل أكثر من شخص فكان جواب الجميع أنها متزوجة في مكة ولم تعد منذ زواجها ..
تابع السفر إلى قريتها مرات عديدة حتى مضى على ذلك شهرين تقريباً ، فأيقن أنها لم تذهب إلى هناك .
وفي ذات ليلة وبينما كان مع زميله عباس أبو عمر في كازينو في خارج مدينة مكة سأله عباس :
- يا فؤاد أنت متغير علينا لك فترة .
- أبداً زي ما عهدتني .
- لا . لا . هذي ما صدقت فيها .
- يا رجل خليني في حالي .
- أيوه . معناته فيه شيء . هات علمك قبل ما يجي الزملاء
- اتركني الله يخليك .
- والله ما أتركك ،معناته فيه شيء. صحيح. أنا أخوك يمكن أساعدك.
- مشكلتي عائلية .
- يا بويه سرّك في بير، أن قدرت أساعدك وألا ، الله يعينك .
- زوجتي يا عباس .
- ايش فيها زوجتك ؟
- تركت البيت ، وما خليت لها مكان وما وجدتها .
- يمكن راحت لأهلها ، زوجتك اللي من الجنوب ؟
- هي اللي من الجنوب.
- أكيد راحت لأهلها .
- بحثت عند أهلها وما وجدت لها خبر .
- رحت الحرم ؟
- شهرين وأنا أدور وأبحث في الحرم والساحات ، رحت كل رباط ، كل مسجد كل مستشفى وما لقيتها .
- أيوه .. وأنت تريد تبري ذمتك قدام أهلها . صحيح ؟
- يعني هذا أهم شيء .
- الحل عندي...
- الحقني به، الله يوفقك .
- كم تدفع ؟
- اللي تبغى .
- ثلاثة الآلف ريال .
- هذا كثير وأنت اللي تقول بتساعدني .
- أساعدك ، لكن ما هو على حسابي أنا سأدفع هذه الفلوس لناس يشتغلوا خلاص خليها ألفين ................ موافق .
- موافق.
- خلاص هذا شغلي انا،...... أعتبر زوجتك ماتت .
- ماتت كيف ؟ . هي سهله كلمة ماتت .
- ما هي كلمة ماتت ، شهادة وفاة مختومة أنا أجيبها باسمها ، وأنت ترسل صورة منها لأهلها وانتهى كل شيء .
- أفرض أهلها ......؟
- افرض ايش ..هم بيجوا يحفروا القبور. ماتت، ماتت. الله يرحمها(1/31)
- موافق ، ومتى تحضر الشهادة .
- هذا عائد لك .... أنت جيب الفلوس تحضر الشهادة .
- بكرة أعطيك ألف وبعد الأنتهاء ، أعطيك الألف الثاني .
- ليش هي مقاولة .... أعطني الفلوس أعطيها الناس اللي بيشتغلوا .
- وأفرض ما حصلت الشهادة .
- يا رجل عيب ، أخوك عباس ما يلعب . بعدين بكيفك أنا ابغى أشيل عنك الهم .....إذا ما تبغى ، أنت حر .
- لا .. لا ..موافق ، بكرة تكون الفلوس عندك .
- والشهادة بعد أسبوع تستلمها .
في خلال أسبوع تم تسليمه شهادة وفاة لنايفة العثمان بكامل معلوماتها وأختامها التي لا يشك القارئ لها أنها شهادة حقيقية فقد كان شير أحمد... ذلك الوافد الآسيوي يجيد تلك الأعمال بكل إتقان ، بمبلغ 500 ريال وأخذ عباس ابوعمر المبغ المتبقي .
قام فؤاد من وقته بتصوير تلك الشهادة وأرسل صورتها إلى قرية الديوانية مع اعتذاره في رسالة مطّولة إلى عمه السيد خلف العثمان وعريفة القرية عبد العزيز المحمود في عدم استطاعته للوصول إلى هناك نظراً لأنشغاله بمرض والده الذي يرقد في المستشفى .
تلقى أهالي قرية الديوانية الخبر فجأة فمنهم من حزن ومنهم من تقبل الموضوع بلا مبالاة ومنهم من رأى في موتها راحة لها ولم يناقش أي من أهل القرية في سبب الوفاة إلا أن الرسالة كان واضحاً بها أنها ماتت بسبب مرض السل .
بعد ذلك بفترة سافر عمها مع عريفة القرية وأخبرا أهل القرية أنهما ذاهبان إلى مكة لتقديم التعازي إلى زوجها لكنهما لم يذهبا إليه ولم يراجعاه في هذا الأمر بتاتاً ، بل أخذأ الخبر على أن هذا الموضوع صحيح .....ما خذين بقول القائل..... صّدق بالموت ولا تصدّق بالحياة .
(8)
خلال الفترة التي قضاها خليل في سجنه في المنطقة الشرقية كان زاهر لا يكاد يفارقه . جلوسهما معاً .. ذهابهما إلى البوفية ، إلى المسجد ، إلى قسم التدريب .(1/32)
كان خليل يشتكي كثيراً من عدم استلامه لأي رسالة من اهله رغم الرسائل العديدة التي ارسلها لهم وطلب من زاهر ان يرسل الى اهله او بعض اقاربه في قرية سمايل ويطلب منه ان يذهب الى قرية الديوانيه ويسأل عن امه وأخته ومن ثم يرد برسالة يطمنه على اهله ففعل .
لم تمض بعد ذلك الا اسابيع قليله حتى جاء الرد على تلك الرساله مخبراً ان والدته قد توفت على اثر ولادة متعسرة . اما اخته فلم يذكر له عنها شيئ .
حاول زاهر ان يكتم هذا الخبر فترة ً من الزمن لكن مع كثرة مسائلة خليل عن رد الرسالة كان لابد له ان يخبره ...
بكى خليل على امه كثيراً .وحزن لموتها اشدّ الحزن ..
وأصبحت وألأحشاء يذكو لهيبها اليف النوى حلف الجوى دائم السهد
اعظّ بناني حسرةً وتأسفاً وأندب عصراً لم ابت خالياً وحدي
وأرسل دمعاً كالغمام اذا همى فهيهات ان يغني التأسف اويجدي
وبينما كانا جالسان في المسجد بعد انتهاء صلاة الظهرذات يوم إذ أتى أحد الجنود وقال لخليل :
- هناك زائر ينتظرك في غرفة الباحث الاجتماعي .
- اذهب وسألحق بك .
- لا أريد أن أذهب بدونك ،...... هذه الأوامر .
- إنني لا أعرف أحداً ، فإذا كان السيد يوسف يريدني فإنني سألحق بك.
- بل هناك زائر يسأل عنك ... إنه معاق فهو على عربية متحركة .
عند ذلك أدرك خليل أن هناك زائر فعلاً فمشى خلف الجندي وقرع باب غرفة الباحث الاجتماعي ودخل فإذا حسين العبد الله هو ذلك الزائر
- أنت ، وهمّ بالعودة .
- تعال يا خليل. قال ذلك يوسف هل عرفت الرجل .
- نعم اعرفه وسيكون حسابه معي عسيرا .....و لكن ليس الآن.
- هذا الرجل قد أبدى ندمه وقد دارت عليه الدوائر وهاهو كما ترى أصبح معاقا. والآن جاء ليصالحك ويطلب منك السماح.
- بعد ست سنوات سجن لإنسان برى يطلب منه السماح . انّك اسخف انسان اقابله في حياتي ..وهذا عقابك في الدنيا أما في الآخرة فسيكون حسابك أدهى وأمرّ بإذن الله . إن الله يمهل ولا يهمل..(1/33)
- من أجل ذلك جئت إليك واطلب مني ما تريد فقد كانت الأقدار هي التي سجنتك ..
- لم تكن الأقدار.... بل أنت الذي سجنتني ولن اسامحك ابداً.
- اطلب ما تريده مني... ولو أنني الآن استحق الصدقة لكنني أريد أن يبقى ضميري مرتاحًا..
- مرتاحاً ( قالها بسخرية ) . أنت ليس لك ضميرا أصلا . لقد مات ضميرك منذ زمن .
- لا أريد أن أرد عليك لأنني جئت لأرضيك .
- شكرا . لقد انتهت الزيارة. ثم نهض من مكانه وخرج من الغرفة
- لا أريدك : أن ترد علي الآن . سأتيك في الأسبوع القادم ....
عاد خليل إلى زاهر مكفهر الوجه عابسا مختلف عن الحالة التي فارقه فيها..
- مابك ..... ؟... قال ذلك زاهر..
- لاشيء .
- بل هناك شيء كبير . إن وجهك متغير فماذا حصل من الزائر الذي جاء .. وماذا طلب منك وأخبرني بالموضوع الآن .
- إنه ذلك المجرم الذي أدخلني السجن .
- حسين العبد الله ؟
- هو بعينه.
- ماذا يريد .؟
- يريد مني أن أسامحه..!
- الله أكبر . بعد ست سنوات . ألم يفتكر قبل اليوم .
- إنه الآن قد أصبح معاقا . لقد انتقم الله منه انه على عربية متحركة .
- ربما يكون ذلك تمثيلا .
- ربما ...... لقد جاء يعرض عليّ فلوساً.
- دعني أقابله معك.
- من اجل ماذا ؟
- حتى اعرف كم سيدفع ؟
- لا أريد منه شيء .سأنتقم لنفسي منه بيدي .
- يظهر أنك لم تكتفي بست سنوات سجن ...بالعكس لقد اختصر الطريق علينا . لقد كنا متفقين إن نذهب إليه بعد خروجنا من السجن ونطالبه بتعويض السنوات التي سجنتها ظلما.
هاهو قد اختصر عليك الطريق و جاء بنفسه يعرض عليك المبلغ الذي تريد.
أخذه زاهر وعاد به إلى غرفة الباحث الاجتماعي واخذ زاهر يسأل السيد يوسف عن الموضوع.
- لقد أخبرني خليل إن غريمه جاء هنا .
- نعم لقد شعر بالذنب وجاء يطلب من خليل أن يسامحه وعرض عليه مبلغاً من المال لقد ذهب لكنه قال انه سيعود في الأسبوع القادم.
- وما رأيك أنت في هذا الموضوع .(1/34)
- إذا كان سيدفع له مبلغاً معقولاً فخليل يستحق ذلك وعليه أن يدفع ما يطلبه منه خليل .
- أريد أن يدخل السجن لمدة ست سنوات .قال ذلك خليل .
- لكنه غير مدان وكلامك هذا لايفيدك بشيء وهو الآن مقعد وربما يشفع له وضعه الصحي وربما ينكر ماقاله لنا الآن وأنت لايوجد لديك ما تدينه به وأنت ستستفيد من المبلغ الذي سيدفعه لك .
- لا عليك من خليل فأنا الذي سأقابله مع خليل في المرة القادمة والذي أوافق عليه أنا وأنت يا سيد يوسف لا بد أ يوافق عليه خليل لكن :
ألم يخبرك بالمبلغ الذي سيدفعه ( قال ذلك زاهر ).
- لا. لكن سيكون مبلغاً معقولاً .
- كم هو المبلغ المعقول في نظرك .
- ثلاثون ألفاً .
- بل ستون ألفاً ..عليه أن يدفع عن كل سنه عشرة آلاف ريال فالسجن ليلة واحد ظلماً لا تعوضها كنوز الدنيا .
- لكنه قد سجن وانتهى ولو قال له غداً ...لن ادفع شيئا .لا يستطيع أن يأخذ منه أي مبلغ بالقوة .
- سأقتله عندئذٍ ...... قال ذلك خليل .
- ثم تعود للسجن ومن ثم تقتل .أنا لا أدري كم ينوي أن يدفع لكنني أعدك أن أكون مفاوضاً لصالحك لأنني أعرف أنه قد غرر بك .
وبعد أسبوع جاء حسين العبد الله وبعد تفاوض شاق وافق حسين على دفع مبلغ خمسون ألف ريال بشيك مصدقاً لخليل .وتم تسليمه إلى خليل وتعانقاً وسامح كلاً منهما الآخر .
(9)
خرج خليل من السجن بعد اكماله ثلاثة ارباع محكوميته وحصوله على شهادة من ادارة السجن بحسن السلوك خللال هذه المدة وفي نفس اليوم استقل سيارة وسافر إلى قرية الديوانية .
وصل خليل إلى القرية واتجهه مباشرة إلى بيته فوجد بابه مغلقاً وقد ربط بابه إلى عابرة بسلك ففك الرباط ودخل إلى فنائه .
البيت مهجوراً منذ مدة .
اتجه إلى الباب الداخلي فإذا هو مقفول ايضاً وعليه قفل ظهر له أنه لم يفتح منذ زمن .
وضع حقيبته بجانب الدرج الصخري الذي كان في فناء البيت واخذ ينظر إلى كل شيء فيه ...(1/35)
وقفت على باب الديار كأنني بجمر الاسي والشوق فيهن محتذي
اناس نأوا عني فها أنا بعدهم اجوب الفيافي منفذا بعد منفذ
تذكر امه واخذ ينظر جنبات الفناء.........؟
كانت تجلس امي هناك . بل هنا . بل هناك .
كانت تجلس بجانب ذلك الحجر وكنت انا اجلس بجانبها هنا واختي نايفة تجلس بجانبي ....هنا كانت تلك الحصيرة التي كنا نجلس عليها في اوقات الظهيرة ..... آه ياأمي رحمة الله عليك......... اسند ظهره الى الجدار ثم انسحب حتى جلس في مكانه وأخذ يبكي .
اين هي الآن . ليتني لم اسافر ...كانت غير راضية عن سفري .. الله... كم انا....عاقاً.
أيا منزلاً حالت نظارة حسنه فاضحى محلاً بعدها للخوامع
عليك سلام من مشوق كانما يبيت على جمر من الشوق لاذع
بكى هناك حتى حزنت لحزنه الجدران ثم اخذ حقيبته وخرج من فناء البيت وأعاد ربطة بالسلك .
اتجه بعد ذلك الى بيت عمه الذي كان يعهده فوجد مغلقاً ايضاً .
كان الوقت في حينها عصراً.
اخذ يمشي بحقيبته في طرقات القرية حتى لقي غلاماً فساله عن بيت خلف العثمان فارشده إلى بيت حديث في طرف القرية.
قرع جرس الباب فخرج ابن عمه سعيد وحمل معه حقيبته ودخل معه الى البيت .
عند الباب الداخلي للبيت كان عمه واقفا و زوجة عمه وابنتهما شهرة .... كانت شهرة في عز صباها تغيرت عن عهده فقد امتلأ جسمها ونطق جمالها...
سمراء في مقلتيها السحر مستتر والسحر ان كان حقا ًفهو في المقل
كانت همه الوحيد أيام سجنه هي وأخته النايفة وكان حلمه الكبير الزواج منها ... رحبوا به جميعا إلا إن الترحيب كان فاترا فلم يكن يعلم الجميع إنه سيخرج بثلاثة أرباع المدة بعد إن عرفوا إن محكومية سجنه ثمان سنوات .
دخل خليل إلى المجلس ودخلوا جميعا معه كانت نايفة غائبة عن المستقبلين فلم يشك أنها في المزرعة .فسأل عنها :
- أين نايفة .....؟
- لم يرد أحد عليه.
- أين نايفة .يا شهرة ...؟
- قامت من المجلس بعد عدم قدرتها على الجواب .(1/36)
- أين أختي يا عم ......؟
- نايفة ماتت .
- ماتت ......!.ثم نهض قائما ...........متى ماتت .؟
- قبل حوالي أربع سنوات ..
- وكيف ماتت ؟
- مرضت عند زوجها .وماتت .
- من هو زوجها .؟
- مدير المدرسة . .....مدرس من مكة .كان يعمل هنا .
- وأين ماتت ؟
- ماتت في مكة .الله يرحمها .
- أعتقد أنها ماتت وأنت لا تدري عنها .هل ذهبت إليها عندما مرضت.
- قم يا سعيد أعطني شهادة الوفاة .وكان كل همه أن يقتنع ابن أخيه انها ماتت وشهادة الوفاة هذه سوف تقنعه ويقتنع أن أخته قد ماتت.
قام سعيد فأحضر شهادة الوفاة .فأخذها خليل وقرأها ثم وضعها في جيبه.
- هل زرتها يا عم عندما كانت مريضة أم إنها الأخرى قد ماتت دون أن يصل إليها أحد.... ؟.
- أنا لم أقصر بواجب ولو أن فيك خير كنت عندنا هنا وكنت زرتها إذا كنا نحن مقصرين في واجبها .
- لقد لبثت في السجن ست سنوات لم تكلف نفسك بالسؤال عني برسالة أو مجيء أو تسأل عن موضوع سجني.
- سجنك معروف وهذا ما جنته يدك .
- إنني مظلوم ولم أقترف ذنبا .بل كنت ضحية لبعض المجرمين هناك .
- كان الله في عونك ......قالها بسخرية .
- إنني أوكد لك أنني خليل الذي تعرفه وأنني بريء .من التهمة التي دخلت بها إلى السجن..
- لو كنت بريئا لما حكم عليك ثمان سنوات سجن..... لكن هذا جهينك. وأما أختك فقد ماتت و الله يرحمها ثم قام عمه وخرج من المجلس.
بقي خليل ينظر في زوجة عمه وهي جالسة ثم يرد بنظرة إلى ابن عمه سعيد وهما سكوت ثم أخذ على ذلك فترة فقامت زوجة عمه ثم قام ابن عمه فإذا هو لوحده في المجلس .فنهض وخرج من البيت . واتجه مباشرة إلى المزرعة.
جلس في طرف المزرعة واخذ يتذكر آخر الأيام التي قضاها قبل سجنه في قرية الديوانية .في تلك المزرعة .عندما كان مع أخته ووالدته في أوقات الظهيرة في ظلال تلك الأشجار .فبكى هناك ما شاء الله أن يبكي أخته وأمه ثم قفل عائدا إلى القرية .(1/37)
وليس الذي يجري من العين ماؤها ولكنها روح تذوب فتقطر.
أخذ خليل يتجول في القرية القديمة .فصادف ذلك العجوز الذي اشتاق لرؤيته كثيرا .إنه عبد المحسن العلي والمعروف بأبو علي الذي لم يكن أكثر شوقا منه لرؤية خليل.
سلم خليل عليه ودخل معه إلى المنزل .فسأله عن زوجته فلم يجيبه فأدرك خليل أنها قد ماتت .
- ماتت أليس كذلك... ؟
- رحمة الله عليها .
- منذ متى .؟
- منذ سنتين .......كيف حالك يا ولدي .؟
- بخير والحمد لله .
- كنت في السجن أليس كذلك .؟
- أنت تعرف بذلك .
- كل القرية تعرف ذلك .
- هذا قدري والله لم يكن لي في هذا الأمر ناقة ولا جمل .
- لا تندم يا ولدي ان كان سجنك ظلما .
- نعم والله إنني مظلوم .
- صدقتك فأنا أعرفك جيدا .
- وكيف خرجت وقد قالوا انك ستبقى ثمان سنوات .
- هل كنت تحسبها يا أبا علي .
- والله كنت أحسبها باليوم .لقد وصاني أبوك رحمة الله عليه فيك قبل أن يموت .ولو كنت أقوى على السفر لوصلت إليك .
- أنت إذا أفضل من عمي الذي لم يرسل لي ولا رسالة واحدة يسأل عني أو يحضر إلى المنطقة الشرقية ليعرف سبب سجني رغم كثرة الرسائل التي ارسلتها اليه .
وأني غريب بين قومي وجيرتي وأهلي حتى ماكأنهم اهلي
- كل يعمل على شاكلته .
- هل أنت وحدك هنا .؟
- نعم وحدي......... .ماذا تشرب .
- أريد كوبا من الشاي ......لكنني لا أريد أن أتعبك .
- هذا واجب الضيافة .
- هل لي أن أعمله ان سمحت لي .
- لا ،.... هذه المرة أنا الذي سأعمل لك الشاي أما المرة القادمة فعليك أن تخدم نفسك .
- اريد أن أخدمك أنت إن بقيت هنا .
- وهل تنوي السفر مرة أخرى . ؟
- ربما.. .فأنا لا أريد البقاء في القرية .
- أين تريد أن تذهب .؟
- إلى مكة أو جدة . كيف ماتت أختي يا أبو علي وكيف تزوجت .
- ألم يخبرك عمك بذلك ؟
- اخبرني إنها ماتت لكنه لم يشرح لي كيف ماتت وأنا أحس أن هناك أمراً لا أعرفه .
- وماذا تريد أن تعرف .(1/38)
- أريد أن أعرف كيف تزوجت أختي من مدرس جاء من مكة .
- هذا نصيب وأخذته أختك وماتت والله يرحمها ولا ينفعك السؤال الآن لكنها تزوجت برضاها وأنا كنت اعرف هذا الأمر تماماً والمدّرس الذي تزوجها انسان طيّب.وأعرف انه كان يحبها ويقدرها
- هل أجبرت أختي على الزواج منه .
- قلت لك هذا نصيب وانتهى وقد تزوجته برضاها وأنا سألتها عن ذلك وكنت ازورها عندما كانت في القرية وكانت مبسوطة معه جداً ولم تشتكي منه .
- من ماذا كانت تشتكي اذاً.
- كانت تشتكي من سوء معاملة أهلك في البيت احياناً.
لذلك فضلت الزواج من هذا الرجل هروباً من المعاناة التي كانت تجدها في البيت .
- هكذا اذاً. وكيف كان موتها .؟
- لم نشعر جميعاً إلا بشهادة الوفاة التي أراكها عمك ولم نشك جميعاً انها قد ماتت ..
- هل سافر عمي بعد ذلك إلى مكة .
- نعم سافر وقابل زوجها ولم يعد هناك مجال لمسألة عمك عن هذا والمثل يقول صدق بالموت ولا تصدق بالحياة والموت سيأخذنا جميعاً .
- لا حول ولا قوة إلا بالله ....... إنا لله وإنا إليه راجعون .
- أنت استكف بالله وربك دائماً ينصر المظلوم من الظالم . وستدور الدوائر على كل ظالم .
- وشهرة.
- لقد تطلقت في الشهر الماضي .
- تطلقت ..! يعني قد تزوجت ؟
- من هذا يظهر أن كل أخبار القرية لم يصلك منها شيء خلال هذه الفترة .
- نعم أنا لم أعلم بأي شيء .
- شهرة تزوجت من أبن أخي العريفة جابر لكن ذلك لم يدم ، وهي مطلقة الآن...
- هل أنجبت منه .
- لا لم يدم زواجها معه إلا أياماً قليلة .
- لماذا ؟
- كان زواجها لمصلحة في نفس العريفة ، لذلك لم يدم زواجها .
- لم أكن أحسبها تتزوج غيري .
- هي ليس في يدها شيء .وحسبت أن تجد لها زوجاً صالحاً ... لكن ...
- لكن ماذا ؟
- كان زوجها سيئ للغاية .. أنت تعرف جابر .
- أعرفه جيداً . وهي الآن مطلقة .
- نعم إنها مطلقة وهذه فرصة لك إن كنت لا زلت تفكر بها .
- إنني لم أنسها لحظة واحدة .(1/39)
- إذاً توكل على الله والبنت طيّبة وابنة عمك وهي أفضل لك من أي فتاة غيرها .
- هل تعتقد أنها قد ترفض الزواج مني .
- لا أدري وهذا يتوقف على ما تظهره أنت تجاهها .
- إنني أحبها حتى لو كانت قد تزوجت عشرة .
- أتريدني أن أبحث معها الأمر ، فهي أيضاً مثل ابنتي
- دع عنك هذا الأمر الآن .
ثم أخذ يتحدثان ويتناقشان في جميع أمور القرية وما استجد بها ومن بقي من سكانها من الأحياء ومن فارقها إلى المقبرة .
بقي خليل بقيّة يومه ذك إلى بعد منتصف الليل ثم استأذن أبو علي وغادر إلى بيت عمه .
قرع خليل الباب ، فلم يُفتح له وعاد يقرعه مرة ثانية وثالثة فأدرك أنه غير مرغوب فيه للسكن معهم في البيت الجديد مما حدى به إلى العودة إلى الشايب عبد المحسن والنوم عنده .
في اليوم الثاني ذهب خليل إلى بيت عمه فلم يجد فيه غير شهرة .
دخل إلى المجلس فأخذت مصفاة القهوة ودخلت بها إليه .
- كيف أنت يا ابنة عمي .؟
- بخير والحمد لله ....... لقد سأني خبر طلاقك .
- كنت أحسبه يسرك .
- الطلاق لا يسر أحدا .
- أحياناً يسر ، لكن أين أنت البارحة .
- لقد طرقت الباب فلم يُفتح لي .
- تأخرت حتى نام الجميع فأين ذهبت لقد كان من واجبك أن تحضر بعد صلاة المغرب.
- لقد اخذني الحديث مع الشايب عبد المحسن فتأخرت دون قصد .
- هذه القهوة أمامك وأنا سأذهب إلى شغلي .
- لقد كنت همي الوحيد في سجني .
- وماذا كنت همك فيه.
- أنت تعرفين أننا كنا سنتزوج لكن يظهر ان الأمور قد تغيرت بعد سفري .
- هذا الكلام قبل أن تسافر وقبل ان تدخل السجن .
- وبعد السجن .؟
- اسأل نفسك .
- إنك ... لا زلت أحب الناس إليّ .
- كان عليك أن لا تكن قاسياً مع أبي عندما جئت الينا بلأمس .
- لم أكن قاسياً ، كنت اسأل عن أختي وقد سمعت جوابه لي .
- هذا لا يعفي من احترامه وتقديره ، ألا تذكر أنه هو الذي رباك ,
- هذا الأمر لا زلت أحفظه له ولم يقصر معي .
- لكن كلامك كان جافا.ً(1/40)
- أنا اليوم سأستسمح منه وأرضيه حتى يرضى ولكن .
- لكن ، ماذا ؟
- لو طلبتك من عمي ، فماذا سيكون ردك ؟
- هو أبي وما يقوله أبي أنا سأقبله .
- أريد وعداً منك . وأنا سأعمل جهدي مع عمي .
- أنا ... .. ليس في يدي شيء .
- وفي حالة رفضه زواجك مني .
- عندئذٍ ، لا حول ولا قوة إلا بالله .
- إذا تزوجت غيري فسأقتل هذا الزوج أياً كان .
- عند ذلك ابتسمت ، إلى هذا الحد أنا غالية عندك .
- بل أكثر .. ولن تتزوجي غيري ، إلا أن تكون رغبتك .
عند ذلك سمعت أمها وقد عادت من المزرعة يا شهرة ..يا شهرة .فخرجت من عنده وذهبت إلى أمها بعد أن أدركت أنها لا تزال لها في قلب أبن عمها شأن كبير وهي التي تكن له أكثر من ذلك قد زاد تقديرها له بل قررت أنها لن تتزوج غيره طالما كان له رغبة بالزواج منها إلا أن يرغمها أبوها على غير ذلك .
قرر خليل أن يسكن لوحده في البيت القديم وأخذ يعد العدة لطلب شهرة من أبيها وأشار عليه عبد المحسن أن يطلبها حتى لا يكون هناك مجالاً لعمه في استحضار الأعذار أو التنصل بحجّة عدم مفاتحته في الأمر . كما أشار إليه ان يصطحب معه عريفة القرية عند ذهابه الى عمه .
ذهب خليل في اليوم التالي إلى عريفة القرية وسلم عليه وشرح له موضوع سجنه وطلب منه مرافقته إلى عمه ليطلب منه يد أبنة عمه شهرة لكن هذا الأمر لم يصادف هوى لدى العريفه الذي كان هو يخطط للزواج منها بحجة اصلاح ما افسده ابن اخيه
ولاتستعينن في حاجة بمن يبتغي حاجة مثلها
فينسى الذي كنت كلّفته ويبداء بحاجته قبلها
فتح خليل بذلك بابا على العريفة لم يكن يتوقع ان يفتحه سيّما وأن شهرة لايوجد على الساحه منافس لزواجه منها لكن الحال قد اختلف عليه الآن فخليل على أي حال لايزال شاباً وهذا قد يكون اكبر شافع يخافه العريفة من أي منافس ولايستطيع ايضاً ان يظهر له الآن رغبته هو شخصياً بزواجه منها ..فكيف يمنعه من ذلك ..
- هل اخبرت عمك بذلك ؟(1/41)
- لم اخبره بعد .... كنت اريد ان تذهب معي اليه .ً
ارى ان تكلمه لوحدك اولاً ثم اتكلم معه حول هذا الامر وأن شاء الله ما يكون الا كل خير..... لكن لسان حاله يقول هذا الأمر ابعد عنك من نجوم السماء .
بعدماخرج خليل من بيت العريفة اتجه العريفة الى السيد خلف العثمان فلم يجده لكنه وجد زوجته فكانت بذلك الأمنية التي يتمناها فهو يريد ان يظمن موافقت امها قبل موافقة ابوها وعند ذلك سينتهي كل شيئ فأخبرها بما يفكر فيه وما جاء من اجله ولم يخرج من البيت الا وقد اتفق مع امها على كل شيئ فقد ظمن رفضها لطلب خليل وهذا هو المهم عنده في الوقت الحالي ..
(10)
خرج زاهر من السجن وشد رحاله مباشرة وسافر إلى المنطقة الجنوبية .. كان مشتاقاً جداً للوصول إلى أهله وتفقد أوضاعهم ومن ثم زيارة صديقه خليل .
بقي في قريته بعد وصوله بضعة أيام ثم توجه إلى قرية الديوانية ، وهناك سأل ... عن بيت خليل فوجد من دلّه فذهب إليه .
وجده في بيته القديم فرحب به وفرح بمقدمه كثيراً وبقي في ضيافته ثلاثة ايام تباحثا في خلالها في كل الأمور التي كانا يحلمان ان يبداء حياتهما الجديدة بعد خروجهما من السجن ويرويان لبعضهما عن ما وجده كل واحدٍ منهما في أهله وعشيرته بعد وصوله الى قريته .
كان زاهر مشتاقاً كثيراً لسماع اخبار خليل وعن ما وجده في قرية الديوانية
- أظنك قد وجدت الناس على غير ما عهدتهم .
- نعم هذا صحيح ، لذلك فضلت الوحدة في هذا البيت .
- شدة وتزول ، ألم تفكر في الزواج ...؟
- ليس بعد....
- وأين النصيب ...؟
- إنني أفضل ابنة عمي أن كتب الله النصيب .
- هذا شيء طيب .
- لكنني لم اتحدث مع عمي في امرها بعد..
- وماذا يمنعك .
- لا أدري .
- هل البنت موافقة ؟
- لا أدري ، لكنني أعتقد أنها لا تمانع .
- هل قررت أن تبقى هنا .
- بل إنني أفكر في السفر إلى مكة أو جدة لأعمل هناك .
- وماذا ستعمل .
- إما في قهوة أو أي وظيفة أجدها .(1/42)
- ما رأيك أن نذهب أنا وأنت ونفتح لنا دكاناً أوقهوة أو شيء من هذا.
- أنا موافق إذا كنت ستسافر معي .
- أنا قررت أن أسافر..... وجئت إليك لنتناقش في هذا ، إنني أريد أن أعمل أنا وأنت سوياً ....
- هل لديك فلوس ....؟.
- لدي مبلغاً لابأس به .
- أنا لدي الشيك الذي أخذته من حسين العبد الله .
- هذا ..مع الذي معي سوف يساعدنا على أن نبدأ بها تجارة أو مشروع استثماري .
- إذاً توكلنا على الله .
وفي اليوم التالي عاد زاهر إلى قرية سمايل بعد أن أتفق مع خليل أن سفرهما سيكون بعد أسبوع من ذلك التاريخ .
بعد ذلك بعدة أيام ذهب خليل إلى بيت عمه فلم يجد به سوى عمته وابنتها شهرة . وسأل عن عمه فأخبرته شهرة انه في المزرعة فوجدها فرصة لكي يبداء اول خطوة على طريق خطبته من شهرة .
- انني اريد ان اتزوج ياعمتي وأرى ان شهرة هي البنت المناسبة لي وأريدك ان تتكلمي مع عمي في هذا الأمر .
- عليك ان تتكلم مع عمك انت في هذا الموضوع فأنت لست غريباً وأنت ولدنا وأنا ماعندي ما يمنع اذا كانت البنت موافقة وأبوها كذلك ...
وتنا قشا كثيراً في هذا الأمر وبعد ذلك أخذ يتحدث معهما عن ما نوى عليه من السفر إلى جدة أو مكة المكرمة فقالت زوجة عمه بحدّة وصوت مرتفع .
- فلماذا إذاً تخطب في شهرة .
- هذا الكلام لا يتناقض مع خطبتي لها.
- بل كل التناقض ... إذا أردت بنتنا فأبق هنا فقد قاسينا نحن وأنت من السفر ما فيه الكفاية .
- يا عمتي أنا قد أخذت من سفري السابق درساً وسأعود بأذن الله بعد أن أكون قد كسبت كثيراً .
- كنت أعلم أنك ستفعل بي مثلما فعلت في المرة السابقة ... ... قالت ذلك شهرة .
- هذا السفر سيكون خيراً بأذن الله وأنا بودي أن تثقي بما اقوله وسأعود وأنا أفضل من ما ترين .
- إذا سافرت فلا تعد تحسب أن بيننا اتفاق .
- لكنني أريدك فلا زلتِ أغلى ما عندي ولا أريد الزواج من غيرك ، ولعلك تعلمين مني ذلك .(1/43)
- إذا سافرت فلا تحسب أن شهرة ستكون خطيبتك (قالت ذلك زوجة عمه) ... ... - أنا لا أزال أرغب في الزواج منها ، إلا إذا كانت هي لا تريد ذلك فهذا من حقها لكن من مصلحتي ومصلحتها أن أذهب وأبحث عن رزقي .
- تبحث عن رزقك ، ومن ثم تدخل السجن ....... الظاهر أنك قد تعّودت على حياة السجون ....والله المستعان .
- سامحك الله ، سأكون عند حسن ظنك في المرة القادمة .
- ليس فيها مرة قادمة إذا ذهبت فلا تعد لنا وأغسل يدك من شهرة وأهلها إلى يوم الدين .
- لك أن تفكري مع ابنتك وعمي في هذا الأمر وأنا سأسافر فهذا الأمر قد عزمت عليه .
خرج خليل واتجه إلى بيت العريفة فأخبره بما حصل له مع زوجة عمه وابنتها شهرة وأخبره بنية السفر فكأنه قدم له اعظم هدية كان ينتظرها وسر بهذا الأمر كثيراً فقد اختصر بذلك عليه نصف الطريق فحاول ان يعزف على نفس الوتر الذي سمع نغمته وحاول ان يقّدم له النصائح في عدم السفر بعد ان رأى ان خليل قد عزم عليه ثم ابدى تنصّله من موضوعه ان سافر من القرية .فخرج خليل من عنده بعد ان قدم له خدمة لم يكن يتوقعها.
في اليوم الثاني ، كان عريفة القرية سيفاً مسلطا على خلف العثمان فأخذ يكلمه في ما نوى عليه من طلب الزواج من شهرة وأنه يريد ان يصلح ما افسده ابن اخيه ويريد ان يعوضها عن تلك الجيزة الفاشلة التي مرت بها شهرة فهو رجل مقتدر ولديه المال الكثير وهو الذي يعلم بذلك اكثر من غيره . اما خليل فقد ذهب الى بيت عمه في ذلك اليوم اكثر من مرة وكذلك في اليوم الذي بعده يسأل عن عمه فكان الجواب دائماً ... انه غير موجود
وتغيرت لهجة اهل البيت له حتى غدى يقرع الباب فلا يرد عليه احد وفهم من ذلك ان هذا يراد به الضغط عليه حتى يحجم عن السفر فقرر ان يتركهم بعض الوقت ويسافر ولعله لايرجع لهم بعد فترة الا والأحوال قد تغيرت..(1/44)
سافر خليل وزاهر واشتريا قطعة أرض كبيرة في جنوب مكة وتم تجهيزها كازينو به مطعم ومقهى ومخبز وصار من المنتزهات المعدودة في مكة المكرمة ..
توسع العمل في الكازينو وأصبح لديهما من العاملين أكثر من عشرين عاملاً من جنسيات مختلفة .
زار السيد عبد العزيز المحمود خليل عندما كان ذاهباً إلى جدة لشراء بعض مستلزمات الدكان .
قابله خليل بحفاوة بالغة .
وتركه في ضيافته يومين، ثم عاد عبد العزيز المحمود إلى قرية الديوانية ،عاقداً العزم على انهاءْ زواجه من شهرة قبل ان يعود خليل الى القرية بعد تحسن الحالة المادية التي وجد عليها خليل .
اشار السيد عبد العزيز المحمود ذات مرة عندما كانا عائدين هو وخليل من الحرم الى بيت غير بعيد عن الطريق العام وأخبره ان ذلك البيت هو الذي كانت اخته نايفة متزوجة فيه..
بعد سفر العريفة الى القرية تمت خطبته ثم زواجه من شهرة.
فكانت الضربة الثانية المؤلمة التي تلقاها خليل في حياته ..
فليت رجالاً كنت امّلت نفعهم تولوا كفافاً لاعليّ ولاليا
ً
وذات ليلة استيقظ زاهر من نومه في الغرفة التي ينام فيها مع زميله خليل في طرف الكازينو فإذا خليل جالس عل سريره :
- ما بالك ؟
- لا ادري.... لم أنم .
- فيم تفكر ......؟
- اريد ان ازور قبر. اختي ...
- وهل تعرفه ؟
- هذا الذي افكر فيه لكنني اعرف بيت زوجها وقد يدلني عليه ....
- وماذا يفيدك ذلك ؟
- اقلّ شيء ممكن ان ادعو لها وكأني بذلك ادّيت واجباً نحوها بعد موتها.
- الله يرحمها . نم ... وغداً يكون خير بأذن الله .
وفي اليوم التالي ذهب الى منزل فؤاد عمران وهناك قرع الباب فخرج والده ...
- اهلاً وسهلاً
- هذا بيت فؤاد عمران ؟
- نعم انا والده .... حياك الله.
- انا خليل اخو نايفة .
- حياك الله تفضل .
دخل معه الى المجلس فأحضر له كوبا ًمن الشاي .
- كيف حالك يا ابو فؤاد ؟
- بخير والحمد لله وكيف حال نايفة ؟(1/45)
- عند ذلك اعتقد خليل ان الرجل ربما انه لم يعد يعي مايقول اما لكبر سنّه او مريض او شيئ من هذا ......فهو لايزال يعتقد ان نايفة لا زالت على قيد الحياة ...
- الله يرحمها
- الله يرحمها .... ومتى ماتت ؟
- منذ زمن .... وأين فؤاد ؟
- سيعود بعد الظهر ثم قام ودخل الى غرفة اخرى فسمعه يقول لأمرأة سمع صوتها .
- لقد ماتت نايفة ....هكذا يقول اخوها .
- وكيف ماتت ؟
- لاادري .
- الله يرحمها ..... وماذا يريد منّا الأن.؟
- الله اعلم ..... انّه يسأل عن فؤاد .
عاد الى مجلسه وأخذ السيد عمران يسأل خليل عن سبب موت اخته نايفة...
وعند ذلك اختلطت عليه الأمور وأحس ان المقعد يتحرك به وأن الغرفة لم تعد تسعه وأدرك ان ذلك الرجل يعي ما يتكلم به ولم يكن تخريفاً كما كان يعتقد فقال :
- الم تمت نايفة هنا في مكة عندكم ....؟
- لم تمت عندنا... انت الذي قلت انها ماتت .
- بلى ان ابنك يقول انها ماتت عندكم في مكة .... الم تدخل انت الى المستشفى ... انها ماتت في تلك الأيام .
- أي مستشفى انا لم ادخل المستشفى ...مابك يابني هل تشكو من شيء ..
- ابداً سلامتك .. ثم استأذن وانصرف
عاد خليل الى الكازينو فدخل الى الغرفة فلحق به زاهر بعد ان شاهد على وجهه علامات التعب والأرهاق فوجده يبكي ..
- ما يبكيك ... هل زرت قبر اختك؟
- اعتقد ان اختي لم تمت .
- ماذا تقصد ... هل وجدت خبراً جديداً ......؟
- نعم ... ثم قصّ عليه قصّته فأطرق قليلاً ثم قال:
- عليك ان تذهب الى مدير الشرطة وتشرح له القصّة بكاملها.
- هذا الذي افكر فيه ... ثم نهض وذهب الى الشرطة . وفي الطريق الى الشرطة اخذت الأفكار تذهب بخليل كل مذهب تبحر به في لجّة.. وترسي به في جزيرة لايدري ماذا يقول ولا ما يفعل .
* هل ماتت اختي ؟
* هل خطفت ؟
* هل قتلت ؟ ....ربما ..
* لماذا اذاً عمل لها زوجها شهادة وفاة ؟.
* هل أتابع بحثي لهذا الأمر . أم أتركه مدفوناً .(1/46)
* ربما لو بحثت عنه لوجدته على غير ما أتمناه .
* لكنه أهون من البقاء تحت عذاب الوساوس والقلق .
* لا بد أن أقتلع هذا القناع مهما كلفني .
* لا بد أن أعرف أين هي حتى لو ذهبت إلى آخر الدنيا فلن أرتاح حتى أعرف الحقيقة ولو كانت مرًة لابد ان هناك امراً خطيراً خلف شهادة الوفاة ...
اتجه إلى إدارة الشرطة وطلب مقابلة مدير الشرطة شخصياً .وتحت إلحاح منه سمح له بمقابلة مدير الشرطة . فشرح خليل له القصة بكاملها وأخرج من جيبه شهادة الوفاة التي معه فناوله وطلب منه المساعدة في التأكد من صحتها ..
تفهّم مدير الشرطة المعاناة التي يمر بها خليل فطلب منه أن يرفقها بمعروض يطلب فيه التأكد من صحة هذه الشهادة. فقدم له المعروض مرفقاً بالشهادة ووعده مدير الشرطة أنه سيبذل جهده في الوصول الى الحقيقة فشكره خليل وودعه وانصرف .
(11)
يملك السيد ابراهيم هلال دكانً في سوق العلوي في جده ويعمل في تجارة المواد الغذائية والبن والمكسرات .
سافر الى جدة منذ ان كان عمره لايتجاوز العاشرة ... عندما ذهب مع والده وعمل صبياً لدى السيد حسين الأجرد تاجر المواد الغذائية المعروف ...... ذلك الرجل النحيف المنحدر من اصل يمني والذي عاش حياته كلها في مدينة جدة .. ورث ذلك الدكان من ابيه ولايزال من كبار تجار سوق العلوي .
امضى ابراهيم في عمله هذا فترة من الزمن كان خلالها شعلة من النشاط والحيوية والأمانة الشيئ الذي جعله محل تقدير وأحترام السيد حسين الأجرد وعائلته وكذلك جيرانه من اصحاب المحلات التجارية وبمرور الزمن وبعد ان اصبح لديه مبلغاً من المال وبمساعدة عمه حسين الأجرد استطاع ان يفتح دكانً في طرف الشارع ويستقل بذاته.
تزوج السيد ابراهيم زوجته سعيدة من قريتة سمايل وسافر بها الى جدة وانقطع عن القرية بعد ذلك ....أشغلته التجارة عن القرية وأهلها ...(1/47)
كانوا اخوانه وذويه يزورونه في جدة فكانوا محل تقديره وبرّه وكانت هداياه وهباته تقدم لكل من يأتي اليه منهم.
لم ينجب السيد ابراهيم هلال من زوجته رغم مراجعته بها لأكثر من طبيب في مدينة جدة وكان لحسن خلقها وخلقها وطيب معاشرتها له حاجزاً كبيراً في طريق تفكيره في الزواج من غيرها رغم الحاح الأصدقاء والأقرباء على ذلك .
استمر زواجهما اكثر من عشرين عاماً لم يلق ابراهيم من زوجته الاّ ما يحب ويرضى لكن تلك السعادة لم تدم فقد توفيت زوجته بعد ذلك بعد ان عانت فترة من الزمن من انسداد في احد شرايين القلب وطوت بذلك صفحات جميلة معها من حياة السيد ابراهيم هلال .
لم يكن السيد حسين الأجرد بعيداً عن ولده ابراهيم ( كما كان يسميه) خلال هذه الفترة من حياته فقد كانت زوجته صديقة للعائلة ويعرفون تماماً ما عانته زوجته في مرضها وما بذله زوجها في سبيل علاجها فكانوا اهله وذويه ولكن لم يكن للجميع حيلة في ماقدّره الله وكتبه.
بعد وفاة زوجته بفترة ليست بالقصيرة جلس ابراهيم امام دكانه تبحر به الأفكار تارة وترسي به تارة اخرى فأتى اليه السيد حسين الأجرد فوجده على تلك الحال ...
- مالك يابراهيم ؟
- انني اتفكر في ما انا فيه الآن .
- انت في خير والحمد لله ياولدي على كل حال .
- الحمد لله على كل حال .
- الله يعّوض عليك بالخير .
- ونعم بالله.
- اما آن لك ان تتزوج ؟
- هذا بلا ابوك ياعقاب ..ثم ابتسم ابتسامةً ضعيفة وهو ينظر الى السيد حسين الأجرد ..
- انت رجل ولابد لك من زوجة تقوم بك وببيتك .
- وأين هي تلك ؟
- سافر الى قريتك وهناك ستجد الكثير فأنت ذا خلق ودين ولاينقصك أي امر من امور الرجال الأكفّاء..
- لااريد ان اسافر الى القرية .
- تريد ان تتزوج من جدة اذاً.
- انني افكر في ذلك فعلاً.
- وتريد مكاناً بعينه .... اقصد اذاكنت تريد بنتاً بعينها .... انا اذهب معك وأخطبها لك .
- كثّر الله خيرك .(1/48)
- اعهدك رجلاً جسوراً ولا يبقى متلبساً لرداء الحزن الا النساء ..
خلقنا رجالاً للتجلّد والأسى وتلك الغواني للبكاء والتمآئم ..
- انني كما تعلم لا اعرف كثيراً من البيوت في جدة .
- هل تريدني ارسل من يبحث لك عن عروس ؟
- نعم ....فأنتم الآن اهلي وناسي ..
- ..من هي الفتاة التي تريدها وأنا اذهب الى اهلها وأخطبها لك الآن . ... لا اريدك ان تبقى مبهماً..انني مستعد ..... عليك ان تشير اليها او الى بيت اهلها وأنا الذي سأتولى الامر بعد ذلك .
- ما تختاره لي انا اقبل به.
- لي بنت واحدة لكنها متزوجة فهل تريد ابنة خالتها ..... اسمها ناعسة وهم من قرابتنا ايضا ...؟
- انها البنت التي افكر فيها وقد كنت متردداً في طلبي لها خوفاً من احراجك ..
- سيكون الأمر كما تحب بأذن الله.
( وعند ذلك ابتسم السيد حسين ) وأنا والله لا اريدك ان تبتعد عنا فانت مثل ولدي ولكنني سأشاور البنت وأبوها وهي ايضا مثل ابنتي ثم اردّ لك الجواب قريباً بأذن الله واعتبر العروس جاهزة بأذن الله ...
وتمت الموافقه وتزوج ابراهيم هلال فكانت نعم الزوجة فقد كانت افضل من سابقتها واكثر جمالاً وحيوية.
وما يستوي الثوبان ثوب به البلى وثوب بأيدي البائعين جديد
رزق منها السيد ابراهيم ولدين هما هلال ورمزي وابنة واحدة هي هلالة ملأوا حياته سعادة لم يكن يعرفها من قبل .
(12)
تزوج فؤاد من سوزان وأنجب منها بنتين وتعدلت حالته المعيشية واستقل في بيت بعيداً عن أهله .
لكنها دارت الدوائر عليه أيضاً فلم يدم الاستقرار فبينما هو في مدرسته ذات يوم أمام التلاميذ قرع عامل الإدارة عليه باب الفصل وطلب منه الحضور إلى الإدارة ..... لحق به فؤاد...
فوجد ظابط من الشرطة برفقة بعض الجنود في انتظاره .
- أنت فؤاد عمران ، قال ذلك الظابط حسين..؟
- نعم أنا ...
- نريدك في أمر بسيط ثم تعود إلى المدرسة .
- ما لأمر ؟.
- لا تقلق ، الأمر بسيط جداً ، ستعود بعد قليل .(1/49)
ثم استأذن الظابط من مدير المدرسة وغادروا جميعاً إلى إدارة الشرطة
عندما وصل الظابط ومعه فؤاد عمران دخل الظابط بفؤاد في غرفة خاصة وأخذ يهوّن الأمر عليه.
- ألم تعمل مدرساً في قرية الديوانية في الجنوب ...؟.
- بلى هذا صحيح .
- ألم تتزوج من هناك ...؟.
- بلى ... وعند ذلك تبادر إلى ذهنه أن زوجته قد تقدمت ضده بشكوى او انها قد ظهرت من جديد وأنها تطالبه بشيء من الأثاث الذي بقي لهاعنده.
- وأين هي الآن .؟
- ( فكّر قليلاً) .. لقد ماتت .
- ولماذا لم تخبر أهلها بذلك .؟
- لقد أخبرتهم .
- أخبروني أنك لم تشعرهم بذلك .
- بلى أخبرتهم وأرسلت لهم صورة من شهادة الوفاة.
- يعني هناك شهادة وفاة ،...... فلماذا يسألوا ؟
- ما أدري عنهم .
- نريد صورة من الشهادة ونرسلها لهم وينتهي كل شيء .
- أنا الآن احضرها من البيت .
- حسناً ، هذا ما نرغب فيه .
- اسمح لي أجيبها الآن .
قرع الظابط جرساً كان بجانبه وجاء الرقيب إبراهيم فقال له :
- اذهب أنت وفؤاد إلى منزله لكي يحضر فؤاد غرضاً من هناك .
قبل أن يذهب إبراهيم استدعاه الظابط وقال له دون ان يسمعه فؤاد :
- خذ معك عدد من الجنود وحذار أن تعود بدونه وعليك مراقبة البيت عندما يصعد إليه .
- حاضر .
عاد الجميع بعد ساعة من الزمن ومعهم أصل شهادة الوفاة وصورتها.
- من أين صدرت هذه الشهادة يا فؤاد ، قال ذلك الظابط حسين؟
- من الشئون الصحية .
- تعرف الإدارة والمكتب التي استحصلت منها على الشهادة .؟
- بل أحضرها بعض الزملاء .
- ومن هو .....؟
- لماذا السؤال عنه .....؟
- نريد أن نتأكد من مصدرها .
- هذه شهادة وفاة ...كاملة مكملة.
- أنا أشك في بعض الأختام التي بها .
عند ذلك لم يحتمل فؤاد تلك العبارة فجلس على كرسي كان بجانب مكتب الظابط .
- ماذا تقصد .؟(1/50)
- ربما تكون شهادة غير صحيحة ، لكننا سنتأكد من ذلك . ثم أخذ سماعة التلفون وطلب موظف الوفيات في الشئون الصحية ، وأعطاه تاريخ الشهادة فأخبره ذلك الموظف انه لم يعثر على ذلك الاسم في السجلات فقال الظابط .
- نحن سنرسل لك الشهادة وعليك ان تتأكد من ذلك ثم الأجابه بما تجدونه لديكم بطريقة رسمية .
ثم التفت إلى فؤاد .
- لا يوجد أساس لهذه الشهادة لديهم .
- ماذا تقصد .؟
- نحن سنكتب لهم وعلى كل حال هم سيتأكدون من ذلك .
- يمكن قد استعجل الموظف ولم يكتبها في السجل .
- ربما ، كل شيء ممكن ..... لكنك ستبقى معنا حتى نرى النتيجة .
- زوجتي مدرّسة ولا أحد يجيبها من المدرسة ولا بد أن أذهب لكي أعيدها إلى البيت .
- هذا التلفون بإمكانك أن تتصل بأهلك أو بأهلها وهم سيقومون بذلك
- هذا مستحيل .
- لا يوجد أمامك حل سواه .... فنحن لابد أن نعرف أين وصلت الأمور وأين ذهبت زوجتك طالما هذه الشهادة غير صحيحة وستكون في ضيافتنا حتى ينتهي الأمر . ثم قرع الجرس وطلب من إبراهيم أن يأخذ فؤاد إلى غرفة التوقيف بعد أن يمكنه من الاتصال بأهله تلفونياً .
وفي اليوم التالي
طلب الظابط حسين ان يقابل فؤاد عمران وأخذ يحقق معه .
- هل تعرف المكتب الذي أحضرت منه الشهادة ، أم أنها غير صحيحة .....؟..... ثق تماماً أنه لن ينجيك غير الصدق .
- الحقيقة أنا لم أحضرها بنفسي، بل أحضرها بعض الزملاء .
- هل تثق بزميلك هذا ......؟
- نعم .
- ما اسمه .....؟
- عباس أبو عمر .
- من أين تعرفه........ ؟.
- يسمر معنا في الكازينو.
- هو الذي أحضرها .....؟
- نعم .
- هل يعمل في الشئون الصحية .....؟
- لا أدري عنه إلا أنه زميل يسمر معنا في كل ليلة .
- أين يسكن ......؟
- لا أدري .
- كيف نجده....... ؟.
- في الكازينو الموجود في طريق الطائف .
- في المساء ، ستذهب أنت وإبراهيم وبعض العناصر وتدلهم عليه.
- حاضر .(1/51)
وفي المساء ذهب فؤاد مع بعض أفراد الشرطة وتم إحضار عباس أبو عمر إلى الشرطة . وتمت مقابلته مع فؤاد امام الضابط.
- هذا الذي احضر الشهادة يا فؤاد ؟
- نعم هذا هو .
- تعرف فؤاد عمران يا عباس .
- نعم أعرفه ..... يسمر معنا في الكازينو.
- من أين أحضرت له شهادة وفاة زوجته .؟
- أنا لم احضر له شهادة ..... وزوجته أنا ما أعرفها .
- بل أحضرتها .....، لماذا تكذب ، قال ذلك فؤاد .
- أنت الذي تكذب ..... أنا لا أعرف شهادة وأنت معروف حتى عند الزملاء أنك أكبر كذاب .
- متى ماتت زوجته .؟
- أنا لا أعرف زوجته قلت لك .. وهذا الكلام كله ما أدري عنّه ثم التفت إلى فؤاد .
- عليك الله أكبر..... إن كان عندك مشاكل نحن ما ندري عن مشاكلك... ولا ترمي بلاويك على غيرك .....أنا ما أعرف زوجتك ولا عن شهادة ميلاد ولا شهادة وفاة . أنت مفتري وتبغى تحط بلاويك علينا ، أعوذ بالله .
ثم التفت إلى الظابط
- هذا يا بوي مفتري لا يرمي بلاويه علينا إحنا ناس على قد حالنا وهذا مفتري ويمكن وراه بلاوي ومشاكل ويبغى يتخلص منها بالكذب .
- أنت أحضرت الشهادة بألفين ريال قال ذلك فؤاد . أنا ما كان في بالي أنني أقول للظابط ... لكن بعد كلامك هذا أنا لازم أعلمهم بكل شيء
- هذا اللي ناقص ، يعني أخذت منّك فلوس .؟
- ألفين ريال ... وأنت تعرف ذلك .
- أنا ما أعرفك وبس ، إن كان إنك قد سويت جرية وإلا مصيبة خليها لك لوحدك أما أنا ما أعرفك .
طلب الظابط من الرقيب إبراهيم اخذهما إلى التوقيف حتى ينتهي التحقيق ومن ثم نقلهما إلى السجن حتى تنتهي القضية .
تناقل جيران فؤاد عمران وعائلته خبر سجنه وبدأت الأقاويل والإشاعات تكثر حول سبب سجنه وأن هذا الأمر بسبب زوجته السابقه فمن قائل :
* أنها اختفت في ظروف غامضة .
* أنها قتلت .
* ان أهلها بحثوا عنها ولم يجدوها .(1/52)
حتى تناهى الخبر إلى السيد جميل العطار وزوجته صفية فقررا أن يعملا شيئاً يساعدا به السيد فؤاد عمران ويخرجاه من تلك المشكلة فهما الوحيدان اللذان يمكنهما مساعدته وهما اللذان يعرفان مكان النايفة وقد كان لصفيّة معها زيارات واتصالات منذ خروجها من بيت فؤاد عمران .
لم يلبث جميل طويلاً ففي اليوم التالي ذهب إلى إدارة الشرطة واتجه مباشرة إلى مكتب مدير الشرطة .
ولحسن الحظ كان مدير مكتبه يعرف السيد جميل العطار فرحب به .
- أهلاً وسهلاً أخ جميل .
- جئت مسلماً فقط ، وليس لي أي قضية .
- لو كان لك قضية لخدمتك فيها .
- لي خدمة بسيطة . جئت اسأل عن جارنا فؤاد عمران ...؟
- قضيته ملخبطة ولا أدري كيف يطلع منها .
- أبداً ، الحل عندي .
- هات ساعدنا ، الله يوفقك .
- الأمر بسيط والمرأة بخير وهي موجودة في جدة وبخير ومتزوجة ومبسوطة .
- كيف عرفت .؟
- زوجتي قابلتها في الحرم ، وأعطتها العنوان .
- كثّر الله خيرك .....قوم بنا عند مدير الشرطة فهو سيفرح بهذا الخبر.
- لا أريد أن أظهر في الصورة ...لا أنا ولا زوجتي .
- لك علينا تنفيذ رغبتك .
دخل جميل مع مدير المكتب إلى مدير الشرطة وأخبراه بالقصة وأخذا منه عنوان نايفة ثم شكراه على هذه الخدمة وعاد السيد جميل إلى بيته .
في نفس الوقت اتصل مدير المكتب بالسيد خليل في الكازينو وطلب منه أن يحضر إلى إدارة الشرطة فورا .
دخل خليل على مدير الشرطة وهو يبشره بصوت عالي .
- أبّشرك لقيناها وهي بخير.. متزوجة في جدة
- بشرك الله بالخير .
- سأعطيك العنوان وأريدك الآن أن تذهب وتتأكد من الخبر وتعود لي .... بكرة زي الوقت هذا وأنت عندي وتخبرني بكامل التفاصيل ..
- جمّل الله حالك وأخذ يقبل مدير الشرطة ويشكره على المجهود الذي بذله كما اتصل من المكتب بزميله زاهر وأخبره بما لقي من أخبار سارة وأخبره أنه سيسافر إلى جدة ولن يعود إليه إلا في الغد .(1/53)
في طريقه إلى جده كانت الخواطر والوساوس تخنق خليل فهو الآن وجد أخته ولكنه لا يدري على أي حال يجدها وقد أخبره مدير الشرطة أنها متزوجة لكنه لا يدري من يكون زوجها وكيف تعرفت عليه ومن الذي عقد ملاكها .
هذه التساؤلات سوف يجد لها جواباً بعد زمن قليل إن كانت سارة أو غير ذلك وكانت الرحلة متعبة ومملة ورغم أن السيارة تأخذ المسافة في ساعة واحدة لكنها كانت أطول ساعة في حياته ..
* ألا يارب لطفك في ما تجري به المقادير .
* إن الخوف من المجهول كبيراً جداً .
* ألا ليت شعري انني اعرف مايخبيّه لي القدر. .
* ماذا لو وجدتها في وضع غير سار .
* لماذا لم تسأل عن أهلها خلال هذه الفترة
* لماذا عمل لها زوجها السابق شهادة وفاة ؟ .
* لماذا لا تعود إلى القرية بعد طلاقها .
* ماذا سيقول الناس حين سماع خبرها بأنها لا تزال حية .
* اين كانت خلال هذه الفترة .
* إن وجدت الموضوع غير سار فسأكتم الموضوع وأترك الموضوع كما هو وقد ماتت منذ زمن..
* لماذا أخفت نفسها داخل المدينة .
* لماذا نزلت جدة ، ولم تبق في مكة .
* يارب ...... إن فرجها عندك .
* ما الذي كانت تخافه من عودتها إلى القرية .
* لماذا ... ... لماذا ... ...
لم تنتهي التساؤلات إلا بصاحب سيارة الأجرة يشعره بوصولهم جميعاً إلى الموقف النهائي للرحلة ..... نزل وهناك دخل مقهى قريباً من الموقف وطلب إبريقاً من الشاي.... شربه كاملاً .
ثم طلب إبريقاً آخر فإذا سائق تاكسي ينزل من سيارته ويجلس بجانبه فسأله
- أين يقع حي الهنداوية .
- قريباً من هنا ، ليس بعيداً .
- اريدك أن توصلني إلى هناك .
- أريد أن أرتاح قليلاً ثم أذهب معك .
ثم ناوله خليل الورقة المدون بها العنوان فقال :
- نعم قريب من هنا وأنا أوصلك إلى هناك إن شاء الله .
وبعد قليل قام خليل مع صاحب التاكسي فوقف به أمام بيت يتكون من طابقين بالدور الأرضي منه دكانين يتوسطهما باب من الحديد ثم قال له ... هذا البيت الذي تسأل عنه .(1/54)
وقف خليل لايلوي على شيء ينتظر ماذا سيجد في هذا البيت
* هل سأجد اختي هنا حقا .
* ما ذا سأجد الآن .
* انه الخوف الذي ابحث عنه .
* آه ...كنت حريصاً على خروجي من السجن ... ليتني لم اخرج منه بقيّة عمري... انه ارحم من السجن الذي اعيش فيه الآن .. انني سجين خارج الأسوار ... ثم تقدم خطوات نحو البيت فوقف بجانب سيارة كانت مهجورة قريبة منه...... لم تكد رجلاه تحملاه ....وقف ينظر الى البيت وكأنه شجرة قد سقطت اوراقها وجفت اغصانها تعصف بها الريح من اين ما هبت.
لم تعد الحياة فيه سوى تلك الأنفاس التي تتصاعد من صدره ضعيفة تارة . وسريعة تارة اخرى .
الى اين يتقدم ..وماذا سيجد .... نظر الى البيت وأخذ يتفقد الوان طلائه الخارجي...نوافذه .... بلكوناته .... وحتى النقوش التي كانت مرسومة على بابه الحديد ..
كان حمله أكبر من الجبال ،.... يسير ورجلاه تخطان في الأرض كان في أحد الدكانين مغسلة ملابس أما الثاني ففيه بقالة، فاتجه إلى البقالة فوجد فيها ذلك الرجل اليمني في الخمسينات من عمره ......كان في يده مصحفاً يقرأ فيه .
- السلام عليكم .
- وعليكم السلام .
- هل تعرف سكان هذا البيت ؟
- نعم أعرفهم .
- إنني أسأل عن أختي ، لقد قيل لي أنها تسكن في هذا البيت .
- من هي أختك ؟.
- هل تعرف صاحب البيت.... ؟
- نعم ، إنه عمي عبد القوي الأجرد .
- تعرف اسم زوجته ......؟
- ما الأسم الذي تبحث عنه ....؟
- اسمها نايفة..
- نعم هي تسكن في هذا البيت .
- هي التي أسأل عنها ، أريد أن أراها .
- قبل قليل طلع عمي عبد القوي إلى البيت وهو موجود به الآن .
- إنني أريد مقابلته .
- الآن أطلع أنا وأنت .. ثم أقفل دكانه ومشى أمام خليل .
حاول خليل أن يمشي أمامه فلم يدعه وقال عندما تصل إلى عنده تكلم أما الآن فأنت تمشي خلفي حتى نتحقق من شخصيتك .(1/55)
استغرب خليل من ذلك الكلام الذي سمعه وتذكر بعض روايات المجرمين التي كان يسمعها في السجن وتلك الحركات الغريبة التي تطبق امامه الآن ومشى خلفه حتى طرق الباب
خرج من الباب شاب في الثلاثينيات من عمره فسلم عليه ذلك البقال وقال.
هذا الرجل يقول أنه أخو زوجتك وقد جئت معه إلى هنا حتى تسألها عنه .
رحب عبد القوي بصهره وقال :
- أنت خليل إذاً .
- نعم أنا خليل ، لم يشك خليل الآن أنه زوج أخته نايفة .
فأدخله إلى المجلس ورحب به كثيراً أماالبقال فقد عاد إلى بقالته.
اخذ خليل يتأمل اثاث المجلس وتحف والصور العلقة على جدرانه ويحدث نفسه ...
* هذا زوج اختي.
* من اين اتى بها ؟
* كيف تعرّفت عليه ؟
* هل كان يعمل في مكة عندئذ وأتت معه الى هنا .
* آه.... الا موت يباع فأ شتريه .
* لن يكون غير هذا التفسير .
* سأعرف ذلك بعد قليل .
* قد تكون المسكينة معذورة ... وقد تكون تعرّضت لمتاعب لااعرفها وقد تكون قاست من الزمن مالم احسبه انا ...... آه .... الأن اعرف كل شيء .. ..هذا هو الصحيح وألا لماذا حاول زوجها السابق ان يتنصل منها بشهادة وفاة مزّورة.
* قد يكون هذا الرجل قد انقذها من مأزق ثم تزوجها ... هذا اقرب الى الصواب ... عندئذ اكون مدان له بقية عمري . ثم التفت الى الرجل .فأذا .. رجلا متزناً تظهر في وجهه علامات الشهامة والطيب. نعم انه ليس مجرماً ولا يمكن ان يكون مجرماً ... كانت الأفكار تأخذه الى كل اتجاه وأحس ان بدنه جثة هامدة قد القي بها على تلك الكنبة .
لم يكن يقطع عليه تلك الأفكار الا اسألة صهره عندما يسأله عن حاله وعن اخباره .
كان صهره بشوشاً باسماً فرحاً بحضوره مكثراً من الترحيب به مظهراً الرضا بمقدمه .(1/56)
نظر خليل الى جدران الغرفه فرأى لوحة قد كتبت فيها آية الكرسي ولوحة اخرى بها منظر طبيعي وهناك صورة مكبّرة لرجل مسن لم يشك انه ابو ذلك الرجل او احد اقاربه . وبجانبها صورة صغيرة لم يشك في انها صورته هو وأن النايفة قد كبّرتها وعلّقتها هناك ..
احضر له الرجل ماءً مبرداً ثم شاياً فقال له خليل :
- هل اخبرت نايفة انني هنا ؟
- سأخبرها الآن ...لكنني اريد ان اتأكد من هويتك لو سمحت.
- هذا من حقك ثم ناوله هويته فنظر فيها وأعادها اليه .
نهض عبد القوي وأنتقل الى الداخل فوجد نايفة قائمة في المطبخ ..
- اسرعي بالقهوة .ان لدينا ضيف لم يدخل بيتنا قبل هذه المرة ......انه ضيف عزيز جداً...
- ستكون جاهزة الآن .
- الاتريدين ان تعرفي من هو ضيفنا اولاً.؟
- من هو ..... وقفت وتركت كل شيء في يدها .
- هز كتفيه وأستدار متجهاً نحو الباب .... يقول ان اسمه خليل وهو يسأل عن اخته ... هل انت ..
- اخي كنت واثقة انه سيبحث عني وأندفعت مسرعة نحو المجلس ..فأمسك بها .
- هل ستقابليه بهذه الملابس ؟
- نظرت في ملابسها فأذا عليها آثار الطبخ والغسيل وما الى ذلك فأتجهت نحو غرفة النوم لكي تغير ملابسها اما عبد القوي فقد عاد الى ضيفه .وأخذ يسأله عن حاله ومتى رجع الى القرية وكيف اهتدى للبيت وكانت اجوبة خليل مختصرة كثيراً ..... وبعد قليل دخلت نايفة فأقبت على اخيها تقبّله وترحب به.
نظر ايها فأذا هي في أجمل صورة .. تبدو عليها آثار النعمة والراحة ..... اندفعت نايفة نحو أخيها تقبله وتبكي....
لم يكن خليل يكنّ لها ذلك الود الذي تكنه له فهو لا يدري من أمرها شيئاً بل كان خائفاً منها أكثر من فرحته بلقائها.. .
إنه يجهل كل شيء عنها حتى بعد أن رأى حالها في أحسن حال لكن ذلك لم يزح الغبار الذي لا يزال في ناضريه عنها .
هناك على الباب كان غلام صغير .يقف بجانب الباب ..(1/57)
- هذا شهاب تعال وسلّم على خالك فأتى الطفل وارتمى في حضن أمه ثم قبّل خاله أما أخته الصغيرة سعاد فهي لا تزال في الشهر الرابع من عمرها قالت ذلك نايفة .
- أشعر أن السجن الذي دخلته قبل سبع سنوات أرحم من السجن الذي أعيش فيه الآن الذي تحاصرني فيه الأوهام والوساوس والخوف من الطريق الذي أبحث عنك فيه...
إنني سجين خارج الأسوار ..... لم أعد أبحث عن مستقبلي بل عن طريق تخرجني من النفق المظلم الذي دخلته مرغماً . لكي أعرف أين أنت وكيف وصلت إلى هنا .
- إنني بخير والحمد لله لكن ، كيف حالك أنت .
- إنني قلق من أجلك .
- من أجلي أنا ، إنني بخير كما ترى .
- كيف وصلت إلى هنا وكيف تعرفت على زوجك هذا ولماذا لم تعودي إلى القرية .
- هذه قصة يطول شرحها .
- أريد أن اسمعها الآن بكاملها فأنا لن أستريح حتى أعرف كل شيء ..إنني بين جدران من الخوف والوساوس الشيطانية .
سأترككما تتحدثان براحتكما وأنا سأذهب إلى مشوار قصير ثم أعود ... ( قال ذلك عبد القوي)
بدأت نايفة تشرح قصتها لأخيها فقالت :
عندما سمعت ما دار بين زوجي ووالده من أنه قد طلقني خرجت من المنزل عندما ذهب والده إلى المسجد وقرعت باب جارتي صفية وأخبرتها بالقصة وأريتها ورقة الطلاق فأدخلتني في غرفة في شقتها دون علم زوجها فنمت بها إلى بعد الظهر حيث أني لم أنم في ليلتي تلك وعندما استيقظت طلبت منها أن توصلني مع زوجها إلى خالي إبراهيم هلال .
- خالي إبراهيم .
- نعم .
- وهل تعرفين مكانه .
- لم أكن أعرف مكانه لكنني كنت أعرف أنه تاجر في مجال البن والمكسرات وبعد ذلك ركبنا سيارة زوجها حتى وصلنا إلى جدة وبالسؤال عنه لدى بائعي المواد الغذائية تم الوصول إليه وسلماني إليه بعد أن تأكدا أنه خالي ورحت معه إلى منزله .
كان خالي نعم الخال والأب والصديق لقد أسكنني عند زوجته.. بنت عم عبد القوي زوجي...كنت سعيدة ومرتاحة معها .(1/58)
لاحظت زوجة خالي الملل والسأم الذي أعيشه فطلبت من خالي شراء ماكينة خياطة وأخذت تعلمني عليها حتى أصبحت من أمهر العاملات في هذا المجال .
اشتغلت مع زوجة خالي في خياطة الخيام والأشرعة حتى كسبنا من هذا العمل الشيء الكثير .
عند ذلك تقدم لي عبد القوي الذي كان يعمل مع أخيه عمر في تجارة الأواني المنزلية وطلبني من خالي وتزوجت به .
والآن أنا في أحسن حال وعندي بعض العاملات اللاتي أشرف عليهن في الدور الأرضي ونشتغل وعبد القوي يقوم بتسويق ما نخيطه إلى التجار في جدة .
وهذه قصة معرفتي بعبد القوي وهم عائلة طيبة وهو لي نعم الزوج والصديق .
عند ذلك كأن جبال الدنيا كانت على ظهر خليل فحطتها عنه...
لم تخلص القصة إلا وقد جاء عبد القوي بغداء لهم جميعاً ، فتناولوا طعام الغداء وعاد عبد القوي إلى عمله أما خليل فقد بقي مع أخته يتذكران تلك الأيام والسنين العجاف التي مرت بهما كل في جهة من الارض حتى المساء.
سألها خليل عن سبب عدم سفرها إلى القرية بعد طلاقها فشرحت له ما لاقته من عمها وعمتها وابنتهما أثناء وجودها هناك .
وأخذت تتحدث بقصة زواجها السابق ومسبباته وما لاقته من معاناة وتبكي ثم يبكي خليل لبكائها .
ثم يحدثها بقصة سجنه والظلم الذي تعرض له وأخبار القرية ومقابلة عمه له ويبكي ثم تبكي معه .
- ألم تفكر في الزواج يا خليل .. قالت ذلك نايفة .
- ليس بعد .
- هل تنوي الزواج الآن .
- كنت انوي الزواج من شهرة ...لكن
- لكن ماذا ؟
- لقد اتاني خبر انها تزوجت خلاص .
- من تزوجها ؟
- العريفة ...عبد العزيز المحمود ...
- دعك منها وأقفل هذا الباب فأنا أزوّجك من أقارب عبد القوي أحسن منها ألف مرة..
- لكنني لا أريد غيرها .
- إذاً لا تريد أن تراني مرة أخرى .
- لو كنت كذلك لم أبحث عنك حتى وجدتك .
- لكنها قد سامتني أنواع العذاب .
- قد تكون مرغمة من أهلها .
- بل كانت الحية الرقطاء .
- أرجو أن لا تظلميها ...... لقد كانت تبكي عليك .(1/59)
- ربما من الشعور بالذنب ... كان ذلك تأنيب ضمير .. آه . لقد مت مرتين ... بل ثلاث .. قل ما شئت..... لذلك. قبلت بالزواج من مدير المدرسة ...
- اللهم لك الحمد .. اشعر الآن أنني خرجت من نفق مظلم وأستلقي على ظهره على تلك الكنبة التي كان يجلس عليها .
استعادت نايفة باقي ذكريات بعض المآسي التي تعرضت لها قبل زواجها من فؤاد عمران وبعد زواجها منه أيضاً وقالت :
لذلك كنت أهوى أن أرمي نفسي في البحر خيراً من العودة إلى قرية الديوانية.
لم يكن أمامي سوى خالي إبراهيم ولو لم أجده لذهبت إلى البحر فهو أرحم من عمتي وابنتها شهرة .
- لكن لايزال لها في قلبي شأن .
- دعك من موضوع شهرة ستتزوج أفضل منها .
- ليس الآن ..
- ألم تقتنع بما حدث لي ولك معهما ، إن الحية لا تأتي إلا بحية مثلها ولا أريد أن نقطع الصلة بيني وبينك .. فأنا لم أصدق نفسي عندما رأيتك .
- دعي هذا الأمر الآن .
وفي المساء حضر إلى منزل عبد القوي السيد إبراهيم هلال مع عائلته فاستقبله خليل بالقبلات كيف لا وهو الذي كان منه ذلك الفضل الكبير عليه وعلى اخته فقد حمل عنه حملاً ثقيلاً كان يكتم أنفاسه .
كان من ظمن المعازيم أقارب عبد القوي وجيرانه واحتفلوا جميعاً بخليل أيمّا احتفال وفرحوا به فرحةً كبيرة ...
وفي اليوم التالي
عاد خليل إلى مكة المكرمة فاتجه مباشرة إلى مكتب مدير الشرطة فأخبره بما وجد.... وطلب منه مدير الشرطة كتابة إقرار بأنه قد عثر على أخته ولم يعد له مطالبة لدى فؤاد عمران وغادر مبنى الشرطة شاكراً لمدير الشرطة كل جهد بذله في هذا السبيل .... اما فؤاد عمران فقد حكم عليه بسجن ستة اشهر نظراً لأشتراكه في قضيّة التزوير وكذلك حكم على عباس ابو عمر بالسجن لمدة سنتين ...
(13)
خلال هذه الفتره استاجر زاهر بيتاً وأحضر أهله من الجنوب وسكن بهم في حي الزيزية في مكة المكرمة .(1/60)
بقي.خليل يتردد على اخته في جدة وكانت حريصة على زواجه من اقارب زوجها .....لكن اللاتي اختارتهن لم يعجبه ايّ منهن .
استأجر خليل منزلاً قريبا من زاهر وبداء في تجهيزه استعداداً للعروس التي وعدته اخته بها من مدينة جدة .
وفي ذات يوم وأثناء ذهابه الى البيت الذي استأجره لفت نظره تلك الفتاة التي نزلت من اتوبيس المدرسة ومشت امامه في الطريق الذي يسلكه حتى دخلت الى بيت قريب من البيت الذي استأجره وقبل ان تدخل الى بيتها سفرت عن وجهها فأذاهي كالبدرفي ليلة تمامه...
مفتّرة الأجفان تدمي بلحضها قلوب اسود مدميات الكتائب
وما كنت ادري مالصبابة قبلها ولاهمت يوماً في الحسان الكواعب
فأصبحت فيها ذاغرام ولوعة ووجد وتهيام وهمّ مواظب
لفتت نظره تلك الفتاة فأخذ يتحين الوقت الذي يراها فيه خصوصاًَ عند عودتها من المدرسة ويمشي خلفها حتى اصبحت همّه ومحط تفكيره واصبح يتمنى الزواج منها .
وما كنت زوّاراً ولكن ذو الهوى
الى حيث يهوى القلب تهوي به الرجل
فكّر فيها كثيراً
* هل هي متزوجة ؟
* هل هي مخطوبة ؟
* كيف لي ان اراها؟
* من يأتيني بخبرها ؟
* انني ..لا اعرف اهلها وهم لايعرفونني .
لم يكن هناك شخص يتبادر اليه الذهن قبل صديقه زاهر .......فأنطلق اليه وأخبره بما يفكّر فيه .
- اريد ان اتزوّج من هذه الفتاة .
- هل تعرف اهلها ؟
- لاأعرف عنها شيء .
- وهم كذلك لايعرفون عنك شيء .
- اريد مساعدتك .
- كيف لي ان اساعدك .؟
- اريدك ان ترسل زوجتك لتراها ومن ثم تبحث امكانية الزواج منها.. فقد تكون مخطوبة او...تكون زوجة صاحب البيت اوشيء من هذا.
- لكنني لا أعرف البيت حتى اذهب بزوجتي اليه .
- انا اذهب بك الآن حتى تراه ..(1/61)
خرج خليل وزاهر فأراه البيت وعادا الى الكازينو وتدارسا الموضوع من جميع جوانبه ثم ذهب زاهر من حينه فأخذ زوجته وأدخلها الى ذلك المنزل وبقي ينتظرها في سيارته ولم تخرج الا بعد ان عرفت كل شيء عن البيت وساكنيه وعادت وأسارير الفرح تبدو على وجهها ....
اخبرت زوجها بأن البنت غير مخطوبة وأن امها ستخبر ابوها بالأمر وتأخذ رأيه في ذلك وأن امها طلبت منها العودة بعد اسبوع لتجد عندها الرد النهائي في هذا الأمر . اما البنت فهي جميلة جداً ...كما ان ابوها يعمل في ادارة الشرطة وأسمه منير اذا رغب في مقابلته كما ان ابوها سيسأل عنه بعض العاملين معه من المنطقه الجنوبية وعند ذلك سيكون الرد في حينه ...
بعد اسبوع من تلك الزياره ذهبت زوجة زاهر الى ذلك المنزل فوجدت رداً ايجابياً فلم تترك صغيرة ولاكبيرة الا وناقشتها مع العروس وأهلها .
كان منير صادق من اكبر القيادات في ادارته.... محل الأحترام والتقدير لكل من يعرفه كما أن العروس كانت من اجمل الصبايا وأحسنهن خلقاً وخلقاً ..
في خلال فترة قصيرة اكملت طلبات الزواج ثم تم زواج خليل من درّية فكان زواجاًموفقاً عوّض الله به خليل عن ماقساه في ايامه وسنينه العجاف التي مر بها في مقتبل عمره .
وجدت درّية في زوجها الأستقامه والصدق فبادلته نفس الشعور فعاشا في سعادة غامرة ورزقهما الله الذريّة الصالحة.
ومرّ ت الأيام وأيام السعادة تسابق بعضها في ذلك المنزل المتواضع ويسر الله لهما الرزق فأشترى خليل ارضاً بنى عليها بيتاً وانتقل اليه في حي العزيزية ايضا .
انقطع خليل عن قريته فترة من الزمن لكنه اخيراً قرر ان ان يبني له منزلاً في قرية الديوانية.(1/62)
سافر خليل الى القرية وأتفق مع بعض اصحاب المؤسسات المعمارية على بناء بيت له في القرية فسلمه الموقع ودفع له مبلغاً من المال وعاد الى مكة..... واخذ يتعهده بالدفعات النقدية حتى اكمل بناء المنزل ومن ثم قام بتجهيزه وتأثيثه لكي يكون مصيفاً يأوي اليه خليل بعائلته في ايام الصيف .
بعد ان اقفلت المدارس ابوابها اخذ السيد خليل زوجته وأطفاله وأصطحب معه اخته نايفة وزوجها وأطفالها وسافروا جميعاً الى قرية الديوانية وأتجه مباشرةً الى بيته ......كان وصولهم الى القرية بعد الظهر فتناولوا الغداء في البيت ... ثم اتجهوا جميعاً الى بيت عمه خلف العثمان .
كانت حالته المادية ليست على مايرام فأصطحب خليل معه بعض الهدايا والمؤن الغذائية.
كانت نايفة هي المفاجأة فلم يعلم بها احد حتى دخلت الى البيت ....كانت جميلة ًجداً ظاهرةً عليها علامات الراحة والغنى كمن قال الشاعر فيها :
غيداء تعشق فيك جارحة اخرى ويعشق معصم زند
جن الهوى بك والتوت عقد واعتز فيك بضده الضد
كانت تلك الملابس الجديدة والأساور الذهبية التى ترتديها نايفة كأنها
أبر تغرز في اجفان زوجة عمها التي ذهلت من هذا الموقف الذي جاء وكأنه دوامة تعصف بالبيت وأهله بين جدران اللاشعور مذهولين لايعرفون الى اين ينظرون .....
لم يقطع ذلك الذهول الا كلام عمه خلف ..
- من هذه ياخليل ؟
- هذه نايفة الم تعرفها ياعمي .
- تقصد انها لم تمت ؟
- بل هي كما ترى على قيد الحياة وهذا زوجها عبد القوي من افضل من عرفنا من الناس ومن عائلةً طيبة وهو من انساب خالي ابراههيم هلال .
- حياكم الله .
اما زوجة عمه فقد عرفتها من النظرة الأولى لكنها ذهلت من جور الصدمة التي لم تكن تتوقعها... فمن اين اتت.... وأين كانت.... وكيف اختفت .. وكيف ماتت ثم ظهرت .... ولم يقطع ذلك الذهول الا نايفة عندما. سألتها :
- اين شهرة ياعمتي ؟
- سوف تاتي بعد قليل .
- كيف حالها ؟
- اه ... انها بخير والحمد لله .(1/63)
وبعد وقت ليس بالقصير استأذن الجميع بعد ان حاول فيهم عمهم للبقاء للعشاء عنده فشكروه وانصرفوا .
عند باب الفناء وأثناء خروج العائلة من البيت كانت هناك امرأة تدخل اليه فعرف خليل انها شهرة.
بي اليكم شوق شديد ولكن ليس يبقى مع الجفاء اشتياق
فسلم عليها ووقف يسأل عن احوالها وبقيا وقتاً غير قصير أمام الباب تمنيا ان المقام يطول اكثر من ذلك ثم انصرفا بعد ان وعدتهم شهرة بزيارة الى البيت الجديد.
لم تكن زيارة واحدة التي ذهبت فيها شهرة الى بيت ابن عمها بل كانت زيارات وزيارات فكانت سعيدة جداً بعودة النايفة كما كانت هي ايضاً سعيدة مع زوجها عريفة القريه الذي عمل للضيوف حفلة كبيرة حضرها معظم اهالي القرية وعادت الى القلوب الألفة والمحبة بعد جفاء استمر فترة من الزمن .
بقيوا جميعاً في قرية الديوانية طيلة ايام العطلة الصيفية كان خليل خلالها يزور عمه في كل يوم ويتفقد احواله ويقضي لوازمه حيث ان ولداه احدهما في الرياض والأخر في ابها وغدت بعد ذلك الديوانية مصيفاً سنوياً لخليل ونايفة وعائلتهما في ايام الصيفية .
وانتهت القصة....................... محمد عصبي الغامدي(1/64)