الخلاصة
في أشراط الساعة الكبرى
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الطبعة الأولى 2009 م-1430 هـ
((بهانج دار المعمور ))
(( حقوق الطبع لكل مسلم ))(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ،وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الكلام عن أشراط الساعة الكبرى كلامٌ يطول ، وكتبت فيه كتب كثيرة قديماً وحديثاً ، وقد كنتُ جمعت أحاديث علامات الساعة الكبرى أو أشراطها الكبرى منذ عشرين سنة ، ولكن الظروف لم تتح لنشره بين الناس .
هذا وقد تكلمت عن هذا الموضوع في كتابي الواضح في أركان الإيمان ، وسوف أفصل القول فيها إن شاء الله بكتاب آخر .
هذا ولابدَّ من التنبيه إلى الأمور التالية :
الأول - غالب الكتب القديمة و الحديثة التي ألفت في هذا الموضوع يغلب عليها الجمع دون التحقيق ، ففيها الصحيح والحسن والضعيف والواهي والمنكر ، ولذلك يجب الانتباه أثناء قراءتها أو النقل منها .
ثانيا- تسللت العديد من الخرافات حول علامات الساعة الكبرى إلى بطون هذه الكتب ولاسيما ما نسج حول يأجوج ومأجوج، وغالبها من الإسرائيليات والمراسيل التي لا يعوَّل عليها ...
ثالثا- يكتنف هذه العلامات شيء من الغموض ، والإيجاز ، ومن ثم لابد من فهمها بشكل دقيق ...
رابعاً - انقسم أهل العلم اليوم إزاء هذه العلامات إلى مذاهب شتى :
أما المذهب الأول - وهم العلمانيون - فهؤلاء لم يكذبوا بها فقط بل كذبوا بكثير من أساسيات الدين ، تبعاً للمنهج الإلحادي الذي تربوا عليه ، ومن ثم فقد حصر هؤلاء الدين في المسجد ، كما فُعل بالدين المسيحي في أوربا من قبلُ، لظنهم تساوي الأمرين ، وهؤلاء(1/1)
ينكرون سائر الغيبيات ، ومع هذا لو أخبرهم أفاك أشِرٌ من جماعة الإرصاد الجوي عن تقلبات الطقس لصدقوه مائة بالمائة ، وقد يكون كاذباً ، أو لا يحدثُ الذي توقعه بتاتاً!!!
وأما المذهب الثاني - فهم من علماء الإسلام ، ولكنهم تأثروا بالحضارة الغربية كثيرا ، فأولوا جميع هذه النصوص القطعية تأويلات فاسدة أخرجتها عن معانيها الشرعية واللغوية والعرفية .
وقد قال لي أحد هؤلاء : أتدري أن الدجال قد ظهر ؟ قلت له: لا أدري ، فقال : إن التلفاز هو الدجال ، لأنه بعين واحدة ، فتأملوا يارعاكم الله على التأويل الممجوج الذي يدلُّ على جهل وغباء قائله .، وأسوأ منه ما جاء في كتاب (( احذورا المسيخ الدجال يغزو العالم من مثلث برمودا )) للكاتب الصحفي محمد عيسى داود ، وكله إفك وبهتان .
وكثير من هؤلاء ممن تأثروا بمدرسة الشيخ محمد عبدة - سامحه الله - كالمراغي في تفسيره ، والدكتور عبد الكريم الخطيب في تفسيره أيضاً .
يقول الخطيب : "" أي « وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ » أي وإنه ، أي ابن مريم ـ فى الميلاد الذي ولد به ـ ليفيد علما بالساعة ، أي بالبعث ، حيث يتجلَّى فى خلقه على تلك الصورة بعض من مظاهر قدرة اللّه ، وأن البعث الذي ينكره المشركون ، استعظاما له ، إذ يقولون : « مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ » (78 : يس). ويقولون : « أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ » (3 : ق) ـ هذا البعث ، هو أمر واقع تحت سلطان قدرة اللّه التي لا يعجزها شىء .. فمن نظر إلى ميلاد المسيح الذي جاء على غير تلك الأسباب التي يعرفها الناس ، لم ينكر البعث وإعادة الحياة إلى من فى القبور ، وإن جاء على غير ما يعرف الناس من أسباب .. وهذا هو العلم الذي يستدلُّ به أولو النظر ، على إمكان البعث ، والحساب ، والجزاء ، إذا هم نظروا نظرا مستبصرا فى ميلاد المسيح على تلك الصورة الفريدة التي ولد بها ..وقوله تعالى : « فَلا تَمْتَرُنَّ بِها » هو تعقيب على قوله تعالى : « وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ »..بمعنى أنه إذا كان ميلاد المسيح يفيد علما بإمكان البعث ، ومجيء الساعة ـ(1/2)
فإنه يجب ألا يمتري فيها الممترون ، وألا يجادل فيها المجادلون ، وألا يكذب بها المكذبون ، وبين أيديهم الدلائل والشواهد عليها .." (1)
ونلاحظ عليه أنه قد أغرق في التأويل المصادم للنصوص الشرعية الصحيحة التي لا مرية فيها .، وإن كان هناك من قال : بأن قوله تعالى وإنه لعلم للساعة المقصود به القرآن ، ولكن في الحقيقة لا تنافي بين القولين .
وأما المذهب الثالث - فأصحابه بعكس المذهبين السابقين فقد بينوا تواتر هذه الأخبار وردُّوا على أولئك ، ولكننا نجد في بعض ردودهم نظر ، وفي بعض ما ذهبوا إليه في فهم تلك العلامات نظر أيضاً ، فقد أشبهوا الظاهرية في جمودهم على ظاهر النصوص .
وأما المذهب الرابع - فتوسطوا بين الجانبين ، فآمنوا بتلك العلامات ، ولكن مع محاولة الجمع بين النصوص المتعارضة ، وفك هذا التعارض وفق الضوابط الشرعية ، وهؤلاء هم القلة القليلة ..
وهذا هو الحقُّ الذي لا مرية فيه ..
خامسا- هناك اختلاف في تفاصيل هذه العلامات تبعا لاختلاف الأدلة صحة وضعفاً أو الاختلاف في دلالتها ، ولكنه لا يؤثرُ على أصل المسألة ، وهو اختلافٌ سائغٌ ومشروعٌ ، ولا حرجَ فيه .
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا كاف لعامة الناس حول هذا الموضوع الجلل.
وقد سرتُ فيه وفق المباحث التالية :
المبحث الأول= خروج المهدي ، وفيه عدة مسائل
المسألة الأولى : معنى المهدي
المسألة الثانية : اسمه واسم أبيه ونسبه ...
المسألة الثالثة : صفة المهدي ...
المسألة الرابعة : مكان خروج المهدي وزمانه ومدة مكثه في الأرض
المسألة الخامسة : تواتر أحاديث المهدي
__________
(1) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (13 / 154)(1/3)
المسألة السادسة : أقسام الناس في المهدي
المبحث الثاني= فتنة المسيح الدجال ، وفيه المسائل التالية
المسالة الأولى - المراد به وتعريفه
المسالة الثانية - تواتر أخباره
المسالة الثالثة - البلدان التي لا يدخلها
المسألة الرابعة - كم ستستمر فتنته ؟ ...
المسألة الخامسة - التعوذ من فتنته
المسألة السادسة - ما يعصم من فتنة الدجال
المسألة السابعة - الحكمة من عدم ذكره في القرآن الكريم
المسألة الثامنة - امتحان إيمان الناس بما يجري على يدي الدجال من خوارق
المبحث الثالث =نزول عيسى ابن مريم عليه السلام ، وفيه المسائل التالية
المسألة الأولى : الأدلة على نزوله من الكتاب والسنة
المسألة الثانية : صفات عيسى عليه السلام
المسألة الثالثة : مكان نزوله
المسألة الرابعة - مدة بقاء عيسى عليه السلام إذا نزل
المسألة الخامسة : الأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام متواترة
المسألة السادسة : الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره
المسالة السابعة- الأمور التي تكون في زمن عيسى عليه السلام
1 - قتل المسيح الدجال
2 - هلاك يأجوج ومأجوج
3 - القضاء على كل الشرائع والحكم بالإسلام
4 - رفع الشحناء والتباغض من بين الناس ، وانتشار الأمن والرخاء بين الخلق
المسالة الثامنة- موت عيسى عليه السلام
المبحث الرابع = خروج يأجوج ومأجوج ، وفيه المسائل التالية :
المسألة الأولى : أصل يأجوج ومأجوج ونسبهم
المسألة الثانية : الأدلة على خروجهم من القرآن والسنة ...(1/4)
المسألة الثالثة : السدُّ ويأجوج ومأجوج
المسألة الرابعة : هلاك يأجوج ومأجوج وطيب العيش وبركته بعد موتهم
المبحث الخامس= طلوع الشمس من مغربها
المبحث السادس= خروج الدابة ، وفيه المسائل التالية :
المسألة الأولى : الأدلة على خروجها من الكتاب والسنة
المسألة الثانية : صفة الدابة
المسألة الثالثة : مكان خروج الدابة
المسألة الرابعة : عمل الدابة
المبحث السابع= الدخان الذي يكون في آخر الزمان ، وفيه المسائل التالية :
المسألة الأولى : الأدلة من الكتاب والسنة
المسألة الثانية : اختلاف العلماء حول المراد بالدخان ومتى يحدث ؟
المبحث الثامن =الخسوفات الثلاثة
المبحث التاسع=النار التي تحشر الناس ، وفيه المسائل التالية :
المسألة الأولى : الأدلة على خروجها ...
المسألة الثانية : الجمع بين الأحاديث الواردة في مكانها
المسألة الثالثة : مكان الحشر
المسألة الرابعة : زمان الحشر
راجيا من الله تعالى أن يسدَّ فراغاً في نفوس كثير من الناس الذين اضطربت فيها أفهامهم حول هذه العلامات السابقة لقيام الساعة .
قال تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب
جمعه وأعده
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 7 ربيع الآخر 1430 هـ الموافق ل 3/4/2009م
- - - - - - - - - - - -(1/5)
المبحث الأول
خروج المهدي
من علامات الساعة وأماراتها الكبرى ظهور المهدي الذي يخرج في آخر الزمان ، ويلي أمر هذه الأمة ويجدد لها دينها ، وهو رجل يحكم بالإسلام ويملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما ، تنعم الأمة في عهده بالخيرات والنعم التي لم تنعم بمثلها قط ، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - : في زمانه تكون الثمار كثيرة ، والزروع غزيرة ، والمال وافر ، والسلطان قاهر ، والدين قائم ، والعدو راغم ، والخير في أيامه دائم (1)
المسألة الأولى : معنى المهدي
المهدي : لغة اسم مفعول من : هداه هدى وهديا وهداية ، والهدى : هو الرشاد والدلالة ، يقال : هداه الله للدين هدى ، وهديته الطريق ، وإلى الطريق هداية : أي عرفته (2) .
وقال ابن الأثير : المهدي الذي هداه الله إلى الحق ، وقد استعمل في الأسماء حتى صار كالأسماء الغالبة (3) .
والمراد بالمهدي هنا : هو الذي بشر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يجيء في آخر الزمان ، ويؤيد الدين ويظهر العدل ، ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ، ويكون من أهل بيته - صلى الله عليه وسلم - ، ويخرج في زمنه عيسى عليه السلام ، والدجال .
وقد وردت في شأن المهدي أحاديث كثيرة ما بين صحاح وحسان وضعاف تنجبر وضعاف شديدة الضعف (4) .
وهذه الأحاديث توضح وتخبر عن خروجه في الناس ، وذلك بعد ما يعم الأرض الظلم والفساد والطغيان ؛ فيأتي ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت جورا وظلما .
__________
(1) - النهاية في الفتن والملاحم ( 1 / 31 )
(2) - انظر : النهاية في غريب الحديث : ( 5 / 254 ) ، ولسان العرب ( 15 / 353 ، 354 ) .
(3) -النهاية في غريب الحديث ( 5 / 254 ) .
(4) - صرح بنحوه ابن القيم في المنار المنيف ( 148 ) إذ قال : هذه الأحاديث أربعة أقسام : صحاح وحسان ، وغرائب ، وموضوعة ، وكذا قال الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ص ( 42 ) .(1/6)
وهو من سلالة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن أبناء فاطمة - رضي الله عنها - وعلى خده شامة كأنها كوكب دري
المسألة الثانية : اسمه واسم أبيه ونسبه
اسم المهدي ( محمد ) ، واسم أبيه ( عبد الله ) . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " لَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي ،وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي ، فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا " (1)
وعَن أبي هُرَيرة ، قال : قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لا تذهب الأيام حتى يملك رجل مني ولو لم يبق من الدنيا إلاَّ يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يفتح قسطنطينة والديلم. (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِى يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِى ». وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَلِى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِى يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِى ».وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَلِىَ. (3)
وأما نسبه : فالروايات الكثيرة تبين لنا أنه من ولد فاطمة البتول ، ابنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام - رضي الله عنها - وعن أولادها الطاهرين ، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « الْمَهْدِىُّ مِنْ عِتْرَتِى (4) مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ » (5) .
وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْمَهْدِىُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِى لَيْلَةٍ » (6) .
__________
(1) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (8483 ) صحيح
(2) - مسند البزار كاملا - (2 / 481) (9016) صحيح
(3) - سنن الترمذى- المكنز - (2394 -2396 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وذكر الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في منهاج السنة ( 4 / 211 ) وأشار إلى صحته .
(4) - قال الخطابي : العترة : ولد الرجل لصلبه ، ويكون العترة للأقرباء وبني العمومة ، ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه يوم السقيفة : نحن عترة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . معالم السنن ( 4 / 474 ) .
(5) - سنن أبي داود - المكنز - (4286 ) صحيح وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 2 / 140 )
(6) - مسند أحمد - المكنز - (655) ومسند البزار كاملا - (1 / 127) (644) وسنن ابن ماجه- المكنز - (4223 ) حسن
ومعنى يصلحه الله في ليلة : يتوب عليه ويوفقه ويلهمه رشده بعد أن لم يكن كذلك ، النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير ( 1 / 55 )(1/7)
فهذه الأخبار كلها تؤكد أن المهدي من ذرية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، من ولد فاطمة الزهراء ، وهذا ما عليه جماهير الأمة ، فلا يسوغ العدول عنه ولا الالتفات إلى غيره من الأحاديث الضعيفة والموضوعة
يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في المهدي : وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه (1) .
المسألة الثالثة : صفة المهدي
ما جاء في حديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْمَهْدِىُّ مِنِّى أَجْلَى الْجَبْهَةِ أَقْنَى الأَنْفِ يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ » (2) .
ومن الأمور الدالة عليه ، أنه يخرج في زمان ساد فيه الجور والظلم ، فيقيم هو بأمر الله العدل والحق ، ويمنع الظلم والجور ، وينشر الله به لواء الخير على الأمة ، حيث يسقيه الله الغيث فتمطر السماء كثيرا لا تدخر شيئا من قطرها ، وتؤتي الأرض أكلها لا تدخر عن الناس شيئا من نباتها ، وتكثر المواشي بسبب الخيرات ، ويفيض المال فيقسمه بين الناس بالسوية . فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أن رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : يَخْرُجُ فِي آخِرِ أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ ، يَسْقِيهِ اللَّهُ الْغَيْثَ ، وَتُخْرِجُ الأَرْضُ نَبَاتَهَا ، وَيُعْطِي الْمَالَ صِحَاحًا ، وَتَكْثُرُ الْمَاشِيَةُ ، وَتَعْظُمُ الأُمَّةُ ، يَعِيشُ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا يَعْنِي حِجَجًا " (3)
المسألة الرابعة : مكان خروج المهدي وزمانه ومدة مكثه في الأرض
__________
(1) - النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 31 ) .
(2) - سنن أبي داود - المكنز - (4287 ) صحيح
-( أجلى الجبهة ) : الأجلى : الخفيف الشعر ما بين النزعتين من الصدغين ، والذي انحسر الشعر عن جبهته : النهاية في غريب الحديث ( 1 / 290 ) - أقنى الأنف ) : القنا في الأنف : طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه . النهاية في غريب الحديث ( 4 / 116 ) .
(3) - المستدرك للحاكم (8673) والصحيحة (711 و 1529) صحيح(1/8)
ليست هناك روايات صحيحة صريحة تدل على مكان خروجه ، أو الزمن الذي يخرج فيه ، ولكن استأنس أهل العلم في بيان ذلك من مفهوم بعض الروايات وإن لم تكن قطعية ، فعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلاثَةٌ ، كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةَ ، ثُمَّ لاَ يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ، فَيُقَاتِلُونَكُمْ قِتَالا لَمْ يُقَاتِلْهُ قَوْمٌ ، ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا ، فَقَالَ : إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ ، وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ " (1)
والصواب أنه من أهل المدينة المنورة ، ويفر إلى مكة المكرمة عند فتنة ، ثم يبايعه الناس ، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَكُونُ اخْتِلاَفٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنَ الشَّامِ فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ فَيَقْسِمُ الْمَالَ وَيَعْمَلُ فِى
__________
(1) - المستدرك للحاكم (8435) وسنن ابن ماجه- المكنز - (4222) ومسند البزار كاملا - (2 / 120)(4163) صحيح
وأعله الألباني في ضعيفته (85) بأبي قلابة وأنه مدلس واسمه عبد الله بن زيد الجرمي
أقول : بعد الرجوع لترجمته في التهذيب لم أجد أحدا وصفه بالتدليس وإنما أرسل عن بعض الصحابة بل قال أبو حاتم : ولا يعرف له تدليس وزاد ابن حجر : وهذا مما يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقاء في التدليس لا الاكتفاء بالمعاصرة .. التهذيب 5/224 - 226 ووصفه بالتقريب (3333) : ثقة فاضل كثير الارسال
وفي الكاشف (2762) من أئمة التابعين وذكر أنه أرسل عن بعض الصحابة فقط وأعله الألباني بعلة ثانية : وهي أن في آخر الحديث عبارة (خليفة الله المهدي ) وأنها منكرة ونقل عن ابن تيمية كلاماً طويلاً بردها .
أقول : الخبر صح بها فلا يجوز ردها ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى كلُّ الناسِ خلفاءُ للهِ تعالى في الأرض كما هو ظاهر نصوص القرآن فما وجه النكارة فيها ؟ انظر فتاوى معاصرة 2/173 - 179 ط 2 للقرضاوي(1/9)
النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ - صلى الله عليه وسلم - وَيُلْقِى الإِسْلاَمُ بِجِرَانِهِ إِلَى الأَرْضِ فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ » (1) .
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " سَيَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ فَيَأْتِيَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ ، فَإِذَا سَمِعَ بِذَلِكَ النَّاسُ أَتَاهُ أَبْدَالُ أَهْلِ الشَّامِ وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُبَايِعُونَهُ ، ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، أَخْوَالُهُ مِنْ كَلْبٍ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُ عَلَيْهِمْ وَيَغْنَمُونَ غَنِيمَةً وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ ، فَيَقْسِمُ بَيْنَهُمْ فَيْئَهُمْ وَيُقِيمُ فِيهِمْ سُنَّةَ نَبِيِّهِمْ وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ ، فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ " (2)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ ، فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ ، فَيُبَايعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ، فَيَبْعَثُونَ إِلَيْهِ جَيْشًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، فَإِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ ، فَإِذَا بَلَغَ النَّاسَ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ أَهْلِ الشَّامِ وَعِصَابَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُبَايعُونَهُ ، وَيَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، أَخْوَالُهُ مِنْ كَلْبٍ ، فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ جَيْشًا ، فَيَهْزِمُونَهُمْ ، وَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ ، فَيَقْسِمُ بَيْنَ النَّاسِ فَيْأَهُمْ ، وَيَعْمَلُ فِيهِمْ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ - صلى الله عليه وسلم - ، وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ ، يَمْكُثُ سَبْعَ سِنِينَ " (3)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يُبَايَعُ لِرَجُلٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ ، فَتَأْتِيهِ عَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَبْدَالُ أَهْلِ الشَّامِ ، فَيَغْزُوَهُمْ جَيْشٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، فَإِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءَ خُسِفَ بِهِمْ ، ثُمَّ يَغْزُوهُمْ رَجُلٌ مِنْ َدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ : حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ ،
__________
(1) - سنن أبي داود - المكنز - (4288-4290 ) ومسند أحمد - المكنز - (27446) من طريقين أحدهما فيه مبهم والثاني عَنْ أَبِى الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وهو موصول وله طريق آخر عند إسخاق فالحديث صحيح
(2) - مسْنَدُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ (1756) عَنْ صَالِحِ أَبِي الْخَلِيلِ ، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، وفي رواية عَنْ صَالِحِ أَبِي الْخَلِيلِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَاءً ،قلت : وهذا إسناد صحيح
(3) - صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ (6881 ) صحيح(1/10)
عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " يُبَايَعُ لِرَجُلٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ ، فَتَأْتِيهِ عَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَبْدَالُ أَهْلِ الشَّامِ ، فَيَغْزُوَهُمْ جَيْشٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، فَإِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءَ خُسِفَ بِهِمْ ، ثُمَّ يَغْزُوهُمْ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ ، فَيَلْتَقُونَ فَيَهْزِمُهُمُ اللَّهُ ، فَالْخَائِبُ مَنْ خَابَ مِنْ غَنِيمَةِ كَلْبٍ " (1)
وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - قَالَ - فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ لاَ. إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ ». (2)
وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ قَالَ دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَأَنَا مَعَهُمَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلاَهَا عَنِ الْجَيْشِ الَّذِى يُخْسَفُ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِى أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا قَالَ « يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ ». وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ هِىَ بَيْدَاءُ الْمَدِينَةِ. (3)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، يَقُولُ : حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ ،
__________
(1) - تَارِيخُ الْمَدِينَةِ لِابْنِ شَبَّةَ (619 ) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (412 )
وهناك رواية أوردها ابن القيم - رحمه الله - في المنار المنيف حدد فيها اسم الأمير الذي يصلي إماما وأنه المهدي بلفظ : « فيقول أميرهم المهدي : تعال صلّ بنا » . . . إلى آخر الحديث . ثم قال ابن القيم - رحمه الله - بعد أن أورد الحديث : وهذا إسناد جيد " المنار المنيف ص ( 148 ) قلت : ولكني لم أجدها بهذا اللفظ !!!
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7421 )
يقول النووي - رحمه الله - قال العلماء : البيداء كل أرض ملساء لا شيء بها ، وبيداء المدينة : الشرف الذي قدام ذي الحليفة أي إلى جهة مكة . شرح صحيح مسلم للنووي ( 18 / 5 ) .(1/11)
خُسِفَ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَفِيهِمْ سِوَاهُمْ ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ، ثُمَّ يَبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ. (1)
وعَنِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ ، قَالَ : انْطَلَقْتُ أَنَا ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ ، وَالْحَارِثُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَقَالُوا : يَا أُمَّ سَلَمَةَ ، أَلاَ تُحَدِّثِينَا عَنِ الْخَسْفِ الَّذِي يُخْسَفُ بِالْقَوْمِ ؟ قَالَتْ : بَلَى ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ ، فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ ، قَالَتْ : قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ ، مَنْ كَانَ كَارِهًا ؟ قَالَ : يُخْسَفُ مَعَهُمْ ، وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ : فَقُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ : إِنَّهَا ، قَالَتْ بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَاللَّهِ إِنَّهَا لَبَيْدَاءُ الْمَدِينَةِ. (2)
وعَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ يَقُولُ أَخْبَرَتْنِى حَفْصَةُ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لَيَؤُمَّنَّ هَذَا الْبَيْتَ جَيْشٌ يَغْزُونَهُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوْسَطِهِمْ وَيُنَادِى أَوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ ثُمَّ يُخْسَفُ بِهِمْ فَلاَ يَبْقَى إِلاَّ الشَّرِيدُ الَّذِى يُخْبِرُ عَنْهُمْ ». فَقَالَ رَجُلٌ أَشْهَدُ عَلَيْكَ أَنَّكَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى حَفْصَةَ وَأَشْهَدُ عَلَى حَفْصَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكْذِبْ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - (3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ عَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى مَنَامِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتَ شَيْئًا فِى مَنَامِكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ. فَقَالَ « الْعَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِى يَؤُمُّونَ بِالْبَيْتِ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ. قَالَ « نَعَمْ فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ ». (4)
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (15 / 155) (6755) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (15 / 156) (6756) صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7423 )
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (7426 )
- ( المستبصر ) : المستبين للشيء ، القاصد له عمدا ، يعني أنهم كانوا على بصيرة من ضلالتهم : النهاية في غريب الحديث ( 1 / 132 ) -( المجبور ) : أي المكره على الخروج دون إرادته . النهاية في غريب الحديث ( 1 / 236 ) -( مصادر شتى ) : أي يهلكون جميعهم ، ولكن مصادرهم عن الهلكة متفرقة ، فمنهم إلى الجنة ، ومنهم إلى النار على قدر أعمالهم ونياتهم : النهاية في غريب الحديث ( 4 / 15 ) .(1/12)
ففي هذه الروايات الثلاث عن أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - جميعا ، إشارة صريحة للعائذ بالبيت وأنه من قريش ، وأنه يؤيد بنصر الله ، فيهلك الله أعداءه بالخسف
وقد ورد أيضا في الأحاديث الصحيحة ذكر خليفة يكثر الخير في زمانه حتى إنه يحثو المال حثوا ولا يعده عددا ويعطيه للناس بدون عدد ، ولكن الروايات هنا أيضا لم تحدد اسم هذا الخليفة ، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَكُونُ فِى آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ وَلاَ يَعُدُّهُ ». (1)
وعَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لاَ يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ ، وَلاَ دِرْهَمٌ ، قُلْنَا : مِنْ أَيْنَ ذَاكَ ؟ قَالَ : مِنْ قِبَلِ الْعَجْمِ ، يُمْنَعُونَ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ : يُوشِكُ أَهْلُ الشَّامِ أَنْ لاَ يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ ، وَلاَ مُدِّيٌّ ، قُلْنَا : مِنْ أَيْنَ ذَاكَ ؟ مِنْ قِبَلِ الرُّومِ يُمْنَعُونَ ذَاكَ ، قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَةً ، ثُمَّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ ، يَحْثُو الْمَالَ حَثْوًا ، لاَ يَعُدُّهُ عَدًّا.
قَالَ الْجُرَيْرِيُ : فَقُلْتُ لأَبِي نَضْرَةَ : وَأَبِي الْعَلاَءِ : أَتَرَيَانِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ؟ فَقَالاَ : لاَ. (2)
وعَنْ جَابِرٍ ، أَوْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " يَكُونُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ لَا يَعُدُّهُ عَدًّا " (3)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا لَا يَعُدُّهُ عَدَدًا " قَالَ : فَقُلْتُ لِأَبِي نَضْرَةَ ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ : أَتَرَيَانِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ؟ قَالَا : لَا " (4)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7502 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (5 / 71)(14406) 14459- صحيح
(3) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ(8532 ) صحيح
(4) - السُّنَنُ الْوَارِدَةُ فِي الْفِتَنِ لِلدَّانِي(572) صحيح(1/13)
ومن مجمل الروايات السابقة يتبين لنا أن المهدي رجل صالح يخرج في آخر الزمان ، ويأوي إلى مكة هاربا من المدينة ، فيبايع بين الركن والمقام عند الكعبة المشرفة ، فيبعث إليه جيش لقتله فيخسف بهم ، وينصره الله ويؤيده فيحكم بالإسلام ، وينشر العدل بين الناس ، ويعم الرخاء والنعمة بزمانه ، ويلتقي مع نبي الله عيسى عليه السلام فيؤم الأمة وعيسى عليه السلام يصلي خلفه ، ويخرج معه ويساعده على قتل الدجال ، ويعيش سبعا أو تسع سنين ، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون .
المسألة الخامسة : تواتر أحاديث المهدي
لقد نص على تواتر الأحاديث في المهدي تواترا معنويا عدد من الأئمة والعلماء :
يقول الحافظ أبو الحسن الآبري : " وقد تواترت الأخبار واستفاضت وكثرت بكثرة رواتها عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بخروجه ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملأ الأرض عدلا ، وأنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد (1) ، بأرض فلسطين ، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه " (2)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم " (3)
ويقول الحافظ ابن كثير : " فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان ، وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، وليس بالمنتظر الذي تزعم الروافض وترتجي ظهوره من سرداب في سامرا ، فإن ذاك ما لا حقيقة له ولا عين ولا أثر . . . وأما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه في آخر الدهر ، وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث " (4)
__________
(1) - لد : بالضم والتشديد ، بلدة معروفة في فلسطين ، قريبة من بيت المقدس ، وهي التي ببابها يدرك عيسى عليه السلام الدجال فيقتله . معجم البلدان : ( 5 / 15 )
(2) - انظر كلامه هذا في تهذيب التهذيب : ( 9 / 144 ) .
(3) - منهاج السنة النبوية : ( 4 / 95 ) .
(4) - النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 49 )(1/14)
ويقول العلامة محمد السفاريني في المهدي : " وقد كثرت بخروجه - أي المهدي - الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة ، حتى عد من معتقداتهم " ويقول أيضا : " وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد بمجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب ، كما هو مقرر عند أهل العلم ، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة " (1)
ويقول العلامة محمد صديق خان بن حسن القنوجي في كتابه - الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة - : " الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف روايتها كثيرة جدا تبلغ حد التواتر المعنوي ، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد " (2)
وقال العلامة الشوكاني : " الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا ، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك وشبهة ، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضا ، لها حكم الرفع ؛ إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك " (3)
وقال العلامة محمد بن جعفر الكتاني : " والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال وفي نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام " (4)
ويقول العلامة أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي : " واعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي ، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على
__________
(1) - لوامع الأنوار البهية : ( 2 / 84 ) .
(2) - الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة : 112 - 113 والإشاعة في أشراط الساعة ( 236 ) .
(3) - التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح . ورقة : ( 4 ، 5 ) .
(4) - نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 174 .(1/15)
إثره ، وأن عيسى عليه السلام ينزل من بعده فيقتل الدجال ، أو ينزل معه فيساعده على قتله ، ويأتم بالمهدي في صلاته .
وخرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم : أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، والبزار ، والحاكم ، والطبراني ، وأبو يعلى الموصلي ، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل : علي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وطلحة ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي هريرة ، وأنس ، وأبي سعيد الخدري ، وأم حبيبة ، وأم سلمة ، وثوبان ، وقرة بن إياس ، وعلي الهلالي ، وعبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنهم (1)
ويقول سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ما ملخصه : " أمر المهدي معلوم ، والأحاديث فيه مستفيضة ، بل متواترة متعاضدة ، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها ، وتواترها تواتر معنوي ، لكثرة طرقها ، واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها ، فهي بحق تدلُّ على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق ، وهو محمد بن عبد الله العلوي الحسني من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل بالأمة في آخر الزمان ، يخرج فيقيم العدل والحق ، ويمنع الظلم والجور ، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلا وهداية وتوفيقا وإرشادا للناس .
وقد اطلعت على كثير من أحاديثه فرأيتها كما قال الشوكاني وغيره ، وكما قال ابن القيم وغيره : فيها الصحيح ، وفيها الحسن ، وفيها الضعيف المنجبر ، وفيها أخبار موضوعة ، ويكفينا من ذلك ما استقام سنده ، سواء كان صحيحا لذاته أو لغيره ، وسواء كان حسنا لذاته أو لغيره ، وهكذا الأحاديث الضعيفة إذا انجبرت وشد بعضها بعضا ، فإنها حجة عند أهل العلم . . . والحق أن جمهور أهل العلم - بل هو كالاتفاق
__________
(1) - عون المعبود شرح سنن أبي داود ( 11 / 361 ) .(1/16)
- على ثبوت أمر المهدي ، وأنه حق ، وأنه سيخرج في آخر الزمان ، أما من شذ عن أهل العلم في هذا الباب فلا يلتفت إلى كلامه في ذلك " (1)
هذا وقد ذكرت في كتاب لي عن المهدي منذ عشرين سنة حوالي خمسين حديثا صحيحاً وحسناً فيه ، سوف أفرده بكتاب إن شاء الله .
المسألة السادسة : أقسام الناس في المهدي
انقسم الناس في أمر المهدي إلى طرفين ووسط :
1 - أما المذهب الوسط : فهو معتقد أهل السنة والجماعة الذين يثبتون خروج المهدي على ما دلت عليه النصوص الثابتة التي ذكر فيها اسمه واسم أبيه ونسبه وصفاته وأنه خليفة راشد ومصلح يظهر في آخر الزمان يؤيده الله ويصلح به العباد والبلاد .
يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله - حينما تكلم عن أقسام الناس في المهدي عن معتقد أهل السنة والجماعة : " القول الثالث : أنه رجل من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من ولد الحسن بن علي ، يخرج في آخر الزمان ، وقد امتلأت الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا وعدلا ، وأكثر الأحاديث على هذا تدل (2)
وقد سبق ذكر الأدلة التي تدل على خروجه وجملة من أقوال أهل العلم التي تبين معتقد أهل السنة والجماعة في المهدي .
2 - وأما الطرف الأول : فهم الذين ينكرون خروج المهدي قديما وحديثا من الذين ليس لهم خبرة بالنصوص وأقوال أهل العلم ، تمشيا مع مذهبهم الباطل في نفي الأمور الغيبية التي لا تدركها عقولهم ولا توافق أهواءهم ويقولون : إن المهدي أسطورة وخرافة دخلت على أهل السنة من جهة الشيعة ، ويقولون أيضا : إن الأحاديث الواردة فيه بعضها باطل والبعض الآخر متناقض .
وقد رد العلماء على هؤلاء وبينوا فساد قولهم ومخالفته لما ثبت في النصوص الصحيحة .
__________
(1) - نقلا عن كتاب : الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد - حفظه الله - ص : ( 157 - 159 ) .
(2) - المنار المنيف ص ( 148 ) .(1/17)
ومن أجمل الردود في هذا الباب ما كتبه فضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد - حفظه الله - في رسالته : الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي ، وما كتبه فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله بن حمد التويجري - رحمه الله - في كتابه الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر .
يقول الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله - : " أما الجواب عن السؤال الثاني فهو أني لم أقف على تسمية أحد في الماضين أنكر أحاديث المهدي أو تردد فيها سوى رجلين اثنين ، أما أحدهما فهو أبو محمد بن الوليد البغدادي الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ، وقد مضى حكاية كلام شيخ الإسلام عنه وأنه قد اعتمد على حديث : « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » ، وقال ابن تيمية : وليس مما يعتمد عليه لضعفه ،انتهى ،وسبق في أثناء كلام الذين نقلت عنهم أنه لو صح هذا الحديث فالجمع بينه وبين أحاديث المهدي ممكن .ولم أقف على ترجمة لأبي محمد المذكور.
وأما الثاني : فهو عبد الرحمن بن خلدون المغربي المؤرخ المشهور ، وهو الذي اشتهر بين الناس عنه تضعيفه أحاديث المهدي ، وقد رجعت إلى كلامه في مقدمة تاريخه فظهر لي منه التردد لا الجزم بالإنكار ، وعلى كل حال فإنكارها أو التردد في التصديق بما دلت عليه شذوذ عن الحق ونكوب عن الجادة المطروقة ، وقد تعقبه الشيخ صديق حسن في كتابه الإذاعة حيث قال : " لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام ؛ لما تواتر من الأخبار في الباب واتفق عليه جمهور الأمة خلفا عن سلف إلا من لا يعتد بخلافه " وقال : " لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود والمنتظر المدلول عليه بالأدلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر " انتهى (1) .
ولعل المنكرين في عصرنا الحاضر للمهدي متأثرون بهذين الرجلين .
__________
(1) - وانظر عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر ص ( 210 ، 211 ) .(1/18)
3 - وأما الطرف الثالث : فهم من يغالي في أمر المهدي من الطوائف الضالة حتى ادعت كل طائفة منهم أن زعيمهم هو المهدي المنتظر ، وقد أشار الحافظ ابن القيم - رحمه الله - إلى هؤلاء بقوله : وأما الرافضة الإمامية فلهم قول رابع وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر ، من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن ، الحاضر في الأمصار ، الغائب عن الأبصار ، الذي يورث العصا ، ويختم الفضا ، دخل سرداب سامراء طفلا صغيرا من أكثر من خمسمائة سنة ، فلم تره بعد ذلك عين ، ولم يحس فيه بخبر ولا أثر ، وهم ينتظرونه كل يوم !!
يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم : اخرج يا مولانا ، اخرج يا مولانا ، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان ، فهذا دأبهم ودأبه ، ولقد أحسن من قال:
ما آن للسرداب أن يلد الذي ... كلمتموه بجهلكم ما آنا ؟
فعلى عقولكم العفاء فإنكم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا
ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم ، وضحكة يسخر منهم كل عاقل (1)
قال الذهبي عن حديث: « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » ، وهو خبر منكر أخرجه ابن ماجه .
وقال الحافظ الذهبي أيضا : " فأما حديث « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » فضعيف ، فلا يعارض هذا الأحاديث (2)
فهذا الحديث الضعيف لا يعارض به الأحاديث الصحيحة الثابتة عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في شأن المهدي ، وعلى فرض صحة هذا الحديث فإنه كما قال الإمام القرطبي : يحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام : « ولا مهدي إلا عيسى » : أي لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى ، وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض (3)
__________
(1) - المنار المنيف ص ( 152 ) .
(2) - ميزان الاعتدال ( 3 / 535 ) .
(3) - التذكرة ( 2 / 723 ) .(1/19)
ويقول العلامة ابن قيم الجوزية : ولو صح لم يكن فيه حجة ؛ لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الساعة ، وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، وحكمه بكتاب الله ، وقتله اليهود والنصارى ، ووضعه الجزية ، وإهلاك أهل الملل في زمانه ، فيصح أن يقال : لا مهدي في الحقيقة سواه وإن كان غيره مهديا ، كما يقال : لا علم إلا ما نفع ، ولا مال إلا ما وقى وجه صاحبه ، وكما يصح أن يقال : إنما المهدي عيسى ابن مريم ، يعني المهدي الكامل المعصوم " (1)
ويقول الحافظ ابن كثير : " وعند التأمل لا يتنافيان ، بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حقا هو عيسى ابن مريم ، ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا ، والله أعلم " (2)
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - المنار المنيف ( 148 ) .
(2) - النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 58 ) .(1/20)
المبحث الثاني
فتنة المسيح الدجال
المسالة الأولى - المراد به وتعريفه
لفظ الدجال على وزن فعال بفتح أوله والتشديد من الدجل وهو التغطية ، وأصل الدجل معناه : الخلط ، يقال : دجل إذا لبس وموه ، وجمع دجال : دجالون ، ودجاجلة .
وسمي الدجال دجالا ؛ لأنه يغطي الحق بباطله ، أو لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم (1)
المراد بالدجال هنا : الدجال الأكبر الذي يخرج قبيل قيام الساعة في زمن المهدي وعيسى عليه السلام .
وخروجه من الأشراط العظيمة المؤذنة بقيام الساعة ، وفتنته من أعظم الفتن والمحن التي تمر على الناس ، ويسمى مسيحا ؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يوما ، ولفظة المسيح تطلق على الصديق ، وهو عيسى عليه السلام ، وعلى الضليل الكذاب وهو الأعور الدجال (2)
قال القرطبي : " واختلف في لفظة المسيح لغة على ثلاثة وعشرين قولا ، ذكرها الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه مجمع البحرين ، وقال : لم أر من جمعها قبلي ممن رحل وجال ولقي الرجال " (3)
والمقصود بالمسيح هنا مسيح الضلالة الذي يفتن الناس بما يجري على يديه من الآيات ، كإنزال المطر وإحياء الأرض ، وبما يظهر على يديه من عجائب وخوارق للعادات ، وأما مسيح الهدى فهو عيسى ابن مريم عليه السلام الذي سيأتي الكلام عليه .
المسالة الثانية - تواتر أخباره :
__________
(1) - انظر : النهاية في غريب الحديث : ( 2 / 102 ) ، ولسان العرب ( 11 / 236 ) ، وفتح الباري لابن حجر ( 2 / 318 )
(2) - انظر : النهاية في غريب الحديث : ( 4 / 326 ) ، ولسان العرب ( 2 / 594 ) .
(3) - التذكرة للقرطبي : ( 2 / 679 - 683 ) .(1/21)
وقد تواترت الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذكر خروج الدجال في آخر الزمان والتحذير منه ، حيث وصفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته وصفا دقيقا لا يخفى على ذي بصيرة ، كما حذر منه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله أممهم ووصفوه لهم أوصافا ظاهرة .
وهذه بعض الأحاديث عنه ، فعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ « إِنِّى لأُنْذِرُكُمُوهُ ، وَمَا مِنْ نَبِىٍّ إِلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ ، وَلَكِنِّى سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِىٌّ لِقَوْمِهِ ، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ » (1) .
وعَنْ أَبِى سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَدِيثًا مَا حَدَّثَهُ نَبِىٌّ قَوْمَهُ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّهُ يَجِىءُ مَعَهُ مِثْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَالَّتِى يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِىَ النَّارُ وَإِنِّى أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ ». (2)
وعَنْ نَافِعٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذَكَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَيْنَ ظَهْرَىِ النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ، فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، أَلاَ إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ » . (3)
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ « يَأْتِى الدَّجَّالُ - وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ - بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِى بِالْمَدِينَةِ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ ، هُوَ خَيْرُ النَّاسِ - أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ - فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ ، الَّذِى حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَهُ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ ، هَلْ تَشُكُّونَ فِى الأَمْرِ فَيَقُولُونَ لاَ . فَيَقْتُلُهُ ، ثُمَّ يُحْيِيهِ
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (7127 ) أطرافه 3057 ، 3337 ، 3439 ، 4402 ، 6175 ، 7123 ، 7407 - تحفة 6859
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7558 )
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3439 ) أطرافه 3057 ، 3337 ، 4402 ، 6175 ، 7123 ، 7127 ، 7407 - تحفة 8464 - الطافية : الناتئة(1/22)
فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّى الْيَوْمَ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَقْتُلُهُ فَلاَ أُسَلَّطُ عَلَيْهِ » . (1)
وعَنْ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ نَبِىٍّ إِلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَمَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ك ف ر ». (2)
وعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِى طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ « مَا شَأْنُكُمْ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِى طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَقَالَ « غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِى عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّى أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالاً يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِى الأَرْضِ قَالَ « أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ قَالَ « لاَ اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِى الأَرْضِ قَالَ « كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ فَيَأْتِى عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ثُمَّ يَأْتِى الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَىْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِى
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (1882 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7562 )
السباخ : بكسر المهملة جمع سبخة محركة ومسكنة ، وهي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر ، النهاية في غريب الحديث ( 2 / 333 ) .
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7548 )
قال الإمام النووي - رحمه الله - : والصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها ، وأنها كتابة حقيقية جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله ، ويظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب ، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته ، ولا امتناع في ذلك . شرح صحيح مسلم للنووي: ( 18 / 60 ) .(1/23)
كُنُوزَكِ. فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِىَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأَسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِى حَيْثُ يَنْتَهِى طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِى الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّى قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِى لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِى إِلَى الطُّورِ. وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ. وَيُحْصَرُ نَبِىُّ اللَّهُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهُمُ النَّغَفَ فِى رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ فَلاَ يَجِدُونَ فِى الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لاَ يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ أَنْبِتِى ثَمَرَتَكِ وَرُدِّى بَرَكَتَكِ.
فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِى الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِى الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِى الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِى الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ » (1) .
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7560 )
البخت : واحدتها البختية وهى الناقة طويلة العنق ذات السنامين =الحدب : الغليظ من الأرض فى ارتفاع =حرز : ضم =خلة : طريق =الذرى : جمع الذروة وهى أعلى الشىء والمراد السنام =الرسل : اللبن =يرغب : يدعو =الزلفة : المكان يحفر ليحبس فيه ماء السماء وقيل المرآة =الزهم : الريح المنتنة =الزهمة : الريح المنتنة =السارحة : الماشية =اليعاسيب : جمع يعسوب وهو ذكر النحل = عاث : أفسد =الفئام : الجماعة الكثيرة =الفخذ : حى الرجل إذا كان من أقرب عشيرته =الفرسى : جمع الفريس وهم القتلى =القحف : القشر =القطط : شديد جعودة شعر الرأس =يكن : يستر =اللقحة : الناقة ذات اللبن قريبة العهد بالولادة =الممحل : المجدب المقحط =الْمدر : القرى والأمصار واحدتها مدرة =ينسلون : يخرجون مسرعين =النغف : جمع النغفة وهو دود يوجد فى أنوف الإبل والغنم فتموت به فى أقرب وقت =يتهارجون : يجامعون النساء بحضرة الناس =المهرودة : الحلة أو الشقة وقيل الثوب المهرود الذى يصبغ بالورس والزعفران =الوبَر : البيت المتخذ من صوف الإبل والمراد أهل البادية(1/24)
قال الخطابي - رحمه الله - : " هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده ، وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده ، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى ، من إحياء الميت الذي يقتله ، ومن ظهور زهرة الدنيا ، والخصب معه ، وجنته وناره ونهريه ، واتباع كنوز الأرض له ، وأمره السماء أن تمطر فتمطر ، والأرض أن تنبت فتنبت ، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته ، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ، ويبطل أمره ويقتله عيسى - صلى الله عليه وسلم - ويثبت الله الذين آمنوا . هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار ، خلافا لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج (1) , والجهمية (2) وبعض المعتزلة (3) ، وخلافا للبخاري المعتزلي وموافقيه من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح الوجود ، ولكن الذي
__________
(1) - الخوارج : هم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عام 37 هـ ، ويجمعهم القول بالتبري من عثمان وعلي - رضي الله عنهما - كما أجمعوا - عدا النجدات منهم - على تكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار إذا مات مصرا عليها ، وقد ورد في ذمهم والترغيب في قتالهم أحاديث صحيحة مرفوعة ، وقد افترقوا على نحو عشرين فرقة ، ومن أسمائهم أيضا الحرورية . انظر : مقالات الإسلاميين ( 1 / 167 ) ، وتلبيس إبليس ص ( 9 ) ، والملل والنحل ( 1 / 114 ) .
(2) - الجهمية هم أتباع الجهم بن صفوان الذي قال : بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال ، وأنكر الاستطاعات لها ، وزعم أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط وأن الكفر هو الجهل به ، وزعم أيضا أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان . انظر : مقالات الإسلامين ( 1 / 338 ) ، الفرق بين الفرق ص ( 211 ) ، والملل والنحل ( 1 / 76 ) .
(3) - المعتزلة : سموا بذلك لاعتزال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد - من رؤسائهم - مجلس الحسن البصري لقولهما بأن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر ، وقيل سموا معتزلة لاعتزالهم منهج أهل السنة والجماعة ، ومن عقائدهم إنكار جميع صفات الله ، والقول بأن القرآن محدث ، وأن الله لا يرى في الآخرة ، وتصل فرقهم إلى حوالي عشرين فرقة ، انظر : مقالات الإسلاميين ( 1 / 235 ) ، الفرق بين الفرق ص ( 11 ) ، البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ص ( 49 ) .(1/25)
يدعي مخارق وخيالات لا حقائق لها . وزعموا أنه لو كان حقًّا لم يوثق بمعجزات الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا غلط من جميعهم ؛ لأنه لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له ، وإنما يدعي الإلهية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ، ووجود دلائل الحدوث فيه ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه ، وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه ، ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة رغبة في سد الرمق أو تقية وخوفا من أذاه ؛ لأن فتنته عظيمة جدا تدهش العقول وتحير الألباب مع سرعة مروره في الأرض فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله ، ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته ونبهوا على نقصه ودلائل إبطاله . وأما أهل التوفيق فلا يغترون ولا يخدعون بما معه لما ذكرناه من الدلائل المكذوبة له مع ما سبق لهم من العلم بحاله ، ولهذا يقول الذي يقتله ثم يحييه : ما ازددت فيك إلا بصيرة " (1)
المسالة الثالثة - البلدان التي لا يدخلها :
وقد دلت الأحاديث علي أن المسيح الدجال يدخل كل بلد إلا مكة والمدينة ، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلاَّ سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ ، إِلاَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلاَّ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ صَافِّينَ ، يَحْرُسُونَهَا ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ » (2)
وعَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : الْمَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ ، فَيَجِدُ الْمَلاَئِكَةَ يَحْرُسُونَهَا ، فَلاَ يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ وَلاَ الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (3)
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - : " قوله: "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال" هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور، وشذا ابن حزم فقال: المراد ألا يدخله بعثه وجنوده، وكأنه استبعد إمكان دخول الدجال جميع البلاد لقصر مدته، وغفل عما ثبت في صحيح مسلم أن بعض أيامه يكون قدر السنة. قوله: "ثم ترجف المدينة" أي يحصل لها زلزلة بعد أخرى
__________
(1) - شرح صحيح مسلم للنووي ( 18 / 58 - 59 ) .
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1881 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7577)
(3) - صحيح ابن حبان - (15 / 215) (6804) صحيح(1/26)
ثم ثالثة حتى يخرج منها من ليس مخلصا في إيمانه ويبقى بها المؤمن الخالص فلا يسلط عليه الدجال. ولا يعارض هذا ما في حديث أبي بكرة الماضي أنه لا يدخل المدينة رعب الدجال، لأن المراد بالرعب ما يحدث من الفزع من ذكره والخوف من عتوه، لا الرجفة التي تقع بالزلزلة لإخراج من ليس بمخلص. وحمل بعض العلماء الحديث الذي فيه أنها تنفي الخبث على هذه الحالة دون غيرها، وقد تقدم أن الصحيح في معناه أنه خاص بناس وبزمان، فلا مانع أن يكون هذا الزمان هو المراد، ولا يلزم من كونه مرادا نفي غيره" (1)
المسألة الرابعة - كم ستستمر فتنته ؟
وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - مدة مكثه في الأرض بعد خروجه ، وأن قتله يكون على يد عيسى ابن مريم عليه السلام كما في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه ، وقد سبق ذكره .
المسألة الخامسة - التعوذ من فتنته :
فظهور الدجال - أخسأه الله وأخزاه - وشدة فتنته وهوله وبلاء الناس به ، وبما يجري على يديه من علامات الساعة العظيمة وأشراطها الجسيمة -وقد سبق إيراد الأحاديث النبوية في شأنه والخبر عنه وبيان وصفه ونعته والتحذير منه - فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ في صلاته وغيرها من فتنة الدجال وشره وأمر أمته بذلك .
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ». (2)
وعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو فِى الصَّلاَةِ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ
__________
(1) - فتح الباري ( 4 / 96 ) .
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (1352)(1/27)
بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ ». قَالَتْ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ « إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ » (1) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ « قُولُوا اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ». (2)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَلَمْ أَشْهَدْهُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَائِطٍ لِبَنِى النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ - قَالَ كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيْرِىُّ - فَقَالَ « مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الأَقْبُرِ ». فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا.قَالَ « فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاَءِ ». قَالَ مَاتُوا فِى الإِشْرَاكِ. فَقَالَ « إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِى قُبُورِهَا فَلَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِى أَسْمَعُ مِنْهُ ». ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ فَقَالَ « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَ « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. (3)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لهُ وَنَحْنُ مَعَهُ فَجَارَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ ، وَإِذَا أَقْبُرٌ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ ، فَقَالَ : مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الأَقْبُرِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا ، فَقَالَ : مَتَى مَاتَ هَؤُلاءِ قَالَ : مَاتُوا فِي الإِشْرَاكِ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ سَتُبْلَى فِي قُبُورِهَا فَلَوْلا أَنْ لا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ عَذَابَ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ ، فَقَالَ : تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ، قُلْنَا : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ قَالَ :
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (1353 )
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (1361 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7392 )(1/28)
تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، قُلْنَا : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَ : تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، قُلْنَا : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ : تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، قُلْنَا : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ (1)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ثَلاثًا ، قُلْنَا : نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ ، فقال : تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، قلنا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ , قَالَ : تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ، وَمَا بَطَنَ ، قلنا نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا , قَالَ : تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، قُلْنَا : نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. (2)
المسألة السادسة - ما يعصم من فتنة الدجال
أرشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين إلى ما يعصمهم من فتنة المسيح الدجال فعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ » (3) .
وعَنْ حَدِيثِ أَبِى الدَّرْدَاءِ يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا قَالَ هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِىُّ عَنْ قَتَادَةَ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ « مَنْ حَفِظَ مِنْ خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْكَهْفِ ». وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ « مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ ». (4)
وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَرَأَ ثَلاَثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ». (5)
وعَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: " مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَمَنْ قَرَأَ الْكَهْفَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ حُفِظَ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَإِذا أَدْرَكَ الدَّجَّالَ لَمْ يَضُرَّهُ وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَمَنْ قَرَأَ يس غُفِرَ لَهُ، وَمَنْ قَرَأَهَا وَهُوَ جَائِعٌ شَبِعَ،
__________
(1) - الآحاد والمثاني - (3 / 555)(2057) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة - (10 / 185)(29731) صحيح
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (1919 )
(4) - سنن أبي داود - المكنز - (4325 ) صحيح
(5) - سنن الترمذى- المكنز - (3127 ) صحيح(1/29)
وَمَنْ قَرَأَهَا وَهُوَ ضَالٌّ هُدِيَ، وَمَنْ قَرَأَهَا وَلَهُ ضَالَّةٌ وَجَدَهَا، وَمَنْ قَرَأَهَا عند طَعَامٍ خَافَ قِلَّتَهُ كَفَاهُ، وَمَنْ قَرَأَهَا عِنْدَ مَيِّتٍ هُوِّنَ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَرَأَهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ عُسِرَ عَلَيْهَا وِلْدُهَا يُسِّرَ عَلَيْهَا، وَمَنْ قَرَأَهَا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ إحدى عَشرة مَرَّةً، وَلِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبٌ، وَقَلْبُ الْقُرْآنِ يس " (1)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. (2)
قال المناوي مبينا سبب العصمة : " وذلك لما في قصة أهل الكهف من العجائب ، فمن علمها لم يستغرب أمر الدجال فلا يفتن ، أو لأن من تدبر هذه الآيات وتأمل معناها حذره فأمن منه أو هذه خصوصية أودعت في السورة " (3)
فسورة الكهف لها شأن عظيم وفيها من العجائب والآيات الباهرات التي من تدبرها عصم من فتنة الدجال ، وقد ورد الحث على قراءتها وخاصة في يوم الجمعة ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ " (4)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ " (5)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَدْرَكَ الدَّجَّالَ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ، - أَوْ قَالَ: لَمْ يَضُرُّهُ - وَمَنْ قَرَأَ خَاتِمَةَ سُورَةِ الْكَهْفِ أَضَاءَ لَهُ نُورًا مِنْ حَيْثُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ " (6)
فينبغي على المسلم أن يحرص على قراءة هذه السورة وحفظها وخاصة في يوم الجمعة .
__________
(1) - شعب الإيمان - (4 / 98) (2239 ) صحيح مرسل
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 65) (785) صحيح
(3) - فيض القدير : ( 6 / 118 ) .
(4) - المستدرك للحاكم (3392) صحيح
(5) - شعب الإيمان - (4 / 86)(2220 ) صحيح
(6) - شعب الإيمان - (4 / 436)(2776 ) صحيح(1/30)
المسألة السابعة - الحكمة من عدم ذكره في القرآن الكريم
وأما الحكمة من عدم ذكر الدجال في القرآن صراحة ، فقد أجاب على ذلك الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بقوله : اشتهر السؤال عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن مع ما ذكر عنه من الشر ، وعظم الفتنة به ، وتحذير الأنبياء منه ، والأمر بالاستعاذة منه حتى في الصلاة ، وأجيب بأجوبة :
أحدها : أنه ذكر في قوله تعالى : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا } ( سورة الأنعام ، الآية : 158 ) ، فقد أخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة رفعه : « ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل : الدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها » .
الثاني : قد وقعت الإشارة في القرآن إلى نزول عيسى ابن مريم في قوله تعالى : { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } (سورة النساء ، الآية : 159 ) ، وفي قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ } (2سورة الزخرف ، الآية : 61 ) ، وصح أنه الذي يقتل الدجال فاكتفي بذكر أحد الضدين عن الآخر ، ولكونه يلقب المسيح كعيسى ، لكن الدجال مسيح الضلالة وعيسى مسيح الهدى .
الثالث : أنه ترك ذكره احتقارا ، وتعقب بذكر يأجوج ومأجوج وليست الفتنة بهم بدون الفتنة بالدجال والذي قبله ، وتعقب بأن السؤال باق وهو ما الحكمة في ترك التنصيص عليه ؟ وأجاب شيخنا الإمام البلقيني بأنه اعتبر كل من ذكر في القرآن من المفسدين فوجد كل من ذكر إنما هم ممن مضى وانقضى أمره ، وأما من لم يجئ بعد فلم يذكر منهم أحدا ، انتهى . وهذا ينتقض بيأجوج ومأجوج .
وقد وقع في تفسير البغوي (1) : أن الدجال مذكور في القرآن في قوله تعالى : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } ( سورة غافر ، الآية : 57) ، وأن المراد
__________
(1) - تفسير البغوي : ( 4 / 101 )(1/31)
بالناس هنا الدجال ، من إطلاق الكل على البعض ، وهذا إن ثبت أحسن الأجوبة فيكون من جملة ما تكفل النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيانه والعلم عند الله تعالى " (1)
ومما سبق يتضح لنا أن خروج الدجال من أشراط الساعة الكبرى الثابتة ، ومن الأخبار المتواترة التي يجب الإيمان بها ، وفي ما مضى من الأدلة رد على من أنكر خروج الدجال بالكلية من الخوارج والجهمية والمعتزلة وغيرهم ممن سار على نهجهم قديما وحديثا ، أو قال إن ما يأتي به الدجال خيالات لا حقيقة لها ، فكل هؤلاء قد ردوا ما تواترت به الأحاديث الصحيحة من غير وجه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم .
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في معرض رده على هؤلاء : " وقد تقدم حديث حذيفة وغيره أن ماءه نار وناره ماء بارد ، وإنما ذلك في رأي العين ، وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من العلماء كابن حزم ، والطحاوي وغيرهما في أن الدجال ممخرق (2) مموه لا حقيقة لما يبدي للناس من الأمور التي تشاهد في زمانه بل كلها خيالات عند هؤلاء " (3) .
المسألة الثامنة - امتحان إيمان الناس بما يجري على يدي الدجال من خوارق :
والذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق المشاهدة في زمانه ، كما تقدم أن من استجاب له يأمر السماء فتمطرهم والأرض فتنبت لهم زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم وترجع إليهم سمانا ، ومن لا يستجيب له ويرد عليه أمره تصيبهم السنة والجدب والقحط والعلة وموت الأنعام ونقص الأموال والأنفس والثمرات ، وأنه تتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل ، ويقتل ذلك الشاب ثم يحييه ، وهذا كله ليس بمخرقة بلِ له حقيقة امتحن الله به عباده في ذلك الزمان ، فيضل به كثيرا ويهدي به كثيراَ ، يكفر المرتابون ، ويزداد الذين آمنوا إيمانا ، وقد حمل القاضي عياض وغيره على هذا المعنى معنى الحديث « هو أهون على الله من ذلك » .
__________
(1) - فتح الباري ( 13 / 91 ، 92 ) .
(2) - الممخرق : المشعوذ .
(3) - أشراط الساعة - (1 / 139) وإتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة - (3 / 89) والنهاية في الفتن والملاحم موافق للمطبوع - (1 / 83)(1/32)
أي هو أقل من أن يكون معه ما يضل به عباده المؤمنين ، وما ذاك إلا لأنه ظاهر النقص والفجور والظلم ، وإن كان معه من الخوارق ، وبين عينيه مكتوب كافر كتابة ظاهرة ، وقد حقق ذلك الشارع في خبره بقوله : ك - ف - ر . وقد دل ذلك على أنها كتابة حسية لا معنوية ، كما يقوله بعض الناس ، وعينه الواحدة عوراء شنيعة المنظر ناتئة ، وهو معنى قوله : « كأنها عنبة طافية » أي طافية على وجه الماء ، ومن روى ذلك طافئة فمعناه : لا ضوء فيها . وفي الحديث الآخر : « كأنها نخامة على حائط مجصص » أي بشعة الشكل ، وقد ورد في بعض الأحاديث أن عينه اليمنى عوراء رحا (1) اليسرى ، فإما أن تكون إحدى الروايتين غير محفوظة ، أو أن العور حاصل في كل من العينين ، ويكون معنى العور النقص والعيب .
ويقوي هذا الجواب : مارواه الطبراني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :الدَّجَّالُ جَعْدٌ هِجَانٌ أَقْمَرُ، كَأَنَّ رَأْسَهُ غُصْنُ شَجَرَةٍ، مَطْمُوسُ عَيْنِهِ الْيُسْرَى وَالأُخْرَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ عَبْدُ الْعُزَّى بن قَطَنٍ، فَأَمَّا هَلَكُ الْهُلَّكِ فَإِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ. (2)
، وكذلك رواه سفيان الثوري عن سماك بنحوه ، لكن قد جاء في الحديث المتقدم : « وعينه الأخرى كأنها كوكب دري » ، وعلى هذا فتكون الرواية الواحدة غلطا ، ويحتمل أن يكون المراد أن العين الواحدة عوراء في نفسها ، والأخرى عوراء باعتبار انبرازها ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب " (3)
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - «رحا اليسرى» أي مثلها ، كأن عينيه في التماثل حجرا الرحا.
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (9 / 471)(11547 و11548) والصحيحة (1193) صحيح
(3) - النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير : ( 1 / 164 - 166 ) .(1/33)
المبحث الثالث
نزول عيسى ابن مريم عليه السلام
من أمارات الساعة العظام وأشراطها الكبار نزول عيسى ابن مريم عليه السلام آخر الزمان من السماء ، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أنه ينزل قبل قيام الساعة فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويحكم بالقسط ويقضي بشريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويحيي من شأنها ما تركه الناس ، ثم يمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يموت ويصلى عليه ويدفن .
والكلام على عيسى عليه السلام يتضمن عدة مسائل :
المسألة الأولى : الأدلة على نزوله من الكتاب والسنة :
ورد في القرآن الكريم ثلاث آيات تدل على نزول عيسى عليه السلام :
الآية الأولى : قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ } (سورة الزخرف ، الآية : 61 ) . أي أن نزول عيس عليه السلام قبل القيامة علامة على قرب الساعة ، ويدل على هذا : القراءة الأخرى ( وإنه لَعَلَم للساعة ) بفتح العين واللام ، أي خروجه علم من أعلام الساعة وشرط من شروطها وأمارة على قرب قيامها .
قال الطبري : " الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ . وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.
اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ : {وَإِنَّهُ} وَمَا الْمَعْنِيُّ بِهَا ، وَمَنْ ذَكَرَ مَا هِيَ ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ مِنْ ذِكْرِ عِيسَى ، وَهِيَ عَائِدَةٌ عَلَيْهِ وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلاَمِ : وَإِنَّ عِيسَى ظُهُورُهُ عِلْمٌ يُعْلَمُ بِهِ مَجِيءُ السَّاعَةِ ، لأَنَّ ظُهُورَهُ مِنْ أَشْرَاطِهَا وَنُزُولَهُ إِلَى الأَرْضِ دَلِيلٌ عَلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا ، وَإِقْبَالِ الآخِرَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) قَالَ : خُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ ، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ : نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ : (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) قَالَ : نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.(1/34)
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : مَا أَدْرِي عَلِمَ النَّاسُ بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ ، أَمْ لَمْ يَفْطِنُوا لَهَا ؟ (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) قَالَ : نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) قَالَ : يَعْنِي نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.
وعَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّهُمَا قَالاَ فِي قَوْلِهِ : {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةَ} قَالاَ : نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَقَرَأَهَا أَحَدُهُمَا : (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ).
وعَنْ مُجَاهِدٍ ، قَوْلَهُ : (وَإِنَّهُ لَعَلمٌ لِلسَّاعَةِ) قَالَ : آيَةٌ لِلسَّاعَةِ خُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وعَنْ قَتَادَةَ : (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) قَالَ : نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَمٌ لِلسَّاعَةِ : الْقِيَامَةِ.
وعَنْ قَتَادَةَ ، فِي قَوْلِهِ : (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) قَالَ : نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَمٌ لِلسَّاعَةِ.
وعَنِ السُّدِّيِّ ، {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} قَالَ : خُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وقَالَ عُبَيْدٌ : سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ : (وَإِنَّهُ لَعَلمٌ لِلسَّاعَةِ) يَعْنِي خُرُوجَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَنُزُولَهُ مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وقَالَ ابْنُ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِهِ : (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) قَالَ : نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عِلْمٌ لِلسَّاعَةِ حِينَ يَنْزِلُ.
وَقَالَ آخَرُونَ : (الْهَاءُ) الَّتِي فِي قَوْلِهِ : {وَإِنَّهُ} مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ ، وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلاَمِ : وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ يُعْلِمُكُمْ بِقِيَامِهَا ، وَيُخْبِرُكُمْ عَنْهَا وَعَنْ أَهْوَالِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ : كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ : (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) هَذَا الْقُرْآنُ.
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ : كَانَ نَاسٌ يَقُولُونَ : الْقُرْآنُ عَلَمٌ لِلسَّاعَةِ.
وَاجْتَمَعَتْ قُرَّاءُ الأَمْصَارِ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ : {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} عَلَى كَسْرَ الْعَيْنِ مِنَ الْعِلْمِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا ذَكَرْتُ عَنْهُ فِي فَتْحِهَا ، وَعَنْ قَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ.
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ : الْكَسْرُ فِي الْعَيْنِ ، لإِجْمَاعِ الْحِجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لِلسَّاعَةِ) ، فَذَلِكَ مُصَحِّحٌ قِرَاءَةَ الَّذِينَ قَرَأُوا بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ : {لَعِلْمٌ}.(1/35)
وَقَوْلُهُ : {فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} يَقُولُ : فَلاَ تَشُكُّنَّ فِيهَا وَفِي مَجِيئِهَا أَيُّهَا النَّاسُ.+ (1)
وفي التفسير الواضح :
" وإن عيسى سينزل آخر الزمان كما نطق بذلك صريح الأحاديث في الكتب الصحاح ، وإن نزوله لعلم للساعة إذ هو من أشراطها أى علاماتها ، أو أن خلقه بلا أب أو إحياءه الموتى في معجزاته دليل على إمكان الساعة وصحة البعث. فلا تشكن فيها واتبعونى يا أمة محمد ، وقيل : إنها من كلام عيسى لأمته ، هذا صراط مستقيم ، ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو ظاهر العداوة. " (2)
قلت : لا تنافي بين التفسيرين ، فكلاهما علم للساعة بلا ريب ، لكن لا يجوز الاقتصار على المعنى الثاني ، لأن المعنى الأول وردت نصوص صحيحة صريحة مرفوعة به ،فلا يجوز ردُّها بحال .
وقال ابن كثير :
" وقوله: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ } : تقدم تفسير ابن إسحاق: أن المراد من ذلك: ما بُعث به عيسى، عليه السلام، من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك من الأسقام. وفي هذا نظر. وأبعد منه ما حكاه قتادة، عن الحسن البصري وسعيد بن جبير: أي الضمير في { وإنه } ، عائد على القرآن، بل الصحيح أنه عائد على عيسى [عليه السلام] ، فإن السياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة، كما قال تبارك وتعالى: { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } أي: قبل موت عيسى، عليه الصلاة والسلام، ثم { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } [النساء: 159]، ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى: "وإنه لعَلَم للساعة" أي: أمارة ودليل على وقوع الساعة، قال مجاهد: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ } أي: آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة. وهكذا روي عن أبي هريرة [رضي الله عنه] ، وابن عباس، وأبي العالية، وأبي مالك، وعكرمة، والحسنن وقتادة، والضحاك، وغيرهم.
__________
(1) - تفسير الطبري 310 (دار هجر) - (20 / 631) (31207-31221)
(2) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (3 / 402)(1/36)
وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بنزول عيسى [ابن مريم] ، عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مقسطا. " " (1)
وفي التفسير الوسيط :
" والمعنى : وإن عيسى - عليه السلام - عند نزوله من السماء في آخر الزمان حيا ، ليكونن علامة على قرب قيام الساعة ، ودليلا على أن نهاية الدنيا توشك أن تقع ..
قال الآلوسى : وَإِنَّهُ أى : عيسى عليه السلام - لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ أى : أنه بنزوله شرط من أشراطها.
وقد نطقت الأخبار بنزوله - عليه السلام - في آخر الزمان ، فقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة ، عن أبى هريرة قال : قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : لينزلن ابن مريم ، حكما عدلا فليكسرن الصليب ، وليقتلن الخنزير ، وليضعن الجزية ، وليذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد ، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد .
وقال ابن كثير ما ملخصه : قوله : إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ الصحيح أن الضمير يعود على عيسى ، فإن السياق في ذكره ، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة كما قال - تعالى - وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ... أى : قبل موت عيسى.
وقد تواترت الأحاديث عن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - « أنه أخبر بنزول عيسى قبل يوم القيامة ، إماما عادلا ، وحكما مقسطا » .
وقوله : فَلا تَمْتَرُنَّ بِها أى : فلا تشكن في وقوعها في الوقت الذي يشاؤه اللّه - تعالى - ، فقوله تَمْتَرُنَّ من المرية بمعنى الشك والريب. " (2)
وفي الظلال :
__________
(1) - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (7 / 236)
(2) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم لطنطاوي- موافق للمطبوع - (13 / 93) وتفسير الآلوسى ج 25 ص 95 وتفسير ابن كثير ج 7 ص 223(1/37)
" وقد وردت أحاديث شتى عن نزول عيسى - عليه السّلام - إلى الأرض قبيل الساعة وهو ما تشير إليه الآية : «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ» بمعنى أنه يعلم بقرب مجيئها ، والقراءة الثانية «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ» بمعنى أمارة وعلامة.وكلاهما قريب من قريب.
عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه - قال : قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها» « أخرجه مالك والشيخان وأبو داود».
وعن جابر - رضي اللّه عنه - قال : قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. فينزل عيسى ابن مريم ، فيقول أميرهم : تعال : صل لنا. فيقول : لا.إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه تعالى لهذه الأمة» «أخرجه مسلم.».
وهو غيب من الغيب الذي حدثنا عنه الصادق الأمين وأشار إليه القرآن الكريم ، ولا قول فيه لبشر إلا ما جاء من هذين المصدرين الثابتين إلى يوم الدين.
«فَلا تَمْتَرُنَّ بِها. وَاتَّبِعُونِ. هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» ..وكانوا يشكون في الساعة ، فالقرآن يدعوهم إلى اليقين. وكانوا يشردون عن الهدى ، والقرآن يدعوهم على لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى اتباعه فإنه يسير بهم في الطريق المستقيم ، القاصد الواصل الذي لا يضل سالكوه." (1)
وفي التفسير المنير :
" وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ أي وإن عيسى أو نزوله لدليل تعلم الساعة بنزوله فَلا تَمْتَرُنَّ بِها لا تشكن فيها ، حذف منها نون الرفع للجزم ، وواو الضمير لالتقاء الساكنين وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ يصرفكم عن دين اللّه وَاتَّبِعُونِ واتبعوا شرعي وهداي القائم على التوحيد هذا
__________
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 3198)(1/38)
الذي آمركم به صِراطٌ طريق مُسْتَقِيمٌ يوقم وَلا يَصُدَّنَّكُمُ يمنعنكم عن المتابعة ويصرفكم عَدُوٌّ مُبِينٌ بيّن العداوة ثابت عليها. " (1)
وقال أيضاً :
" وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ، فَلا تَمْتَرُنَّ بِها ، وَاتَّبِعُونِ ، هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ أي وإن نزول المسيح وخروجه أمارة ودليل على وقوع الساعة ، لكونه من أشراطها - علاماتها - لأن اللّه سبحانه ينزّله من السماء قبيل الساعة ، كما أن خروج الدجال قبله من أمارات الساعة ، فلا تشكوا في وقوعها ولا تكذبوا بها فإنها كائنة لا محالة ، قبل من أمارات الساعة ، فلا تشكوا في وقوعها ولا تكذبوا فإنها كائنة لا محالة ، واتبعوا هداي فيما آمركم به من التوحيد وبطلان الشرك ، وهذا المأمور به المدعو إليه طريق قويم موصل إلى النجاة والسعادة.
قال ابن كثير : وقد تواترت الأحاديث عن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مسقطا " (2)
وقال أيضا:
" إن خروج عيسى عليه السلام ونزوله من السماء آخر الزمان من أعلام الساعة ، كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة.
ورد في صحيح مسلم : «فبينما هو - يعني المسيح الدجال - إذ بعث اللّه المسيح ابن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء ، شرقيّ دمشق بين مهرودتين « أي شقتين أو حلتين.» ، واضعا كفّيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدّر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يحلّ لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه ، حتى يدركه بباب لدّ « اللّد : بلد معروف قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين.» ، فيقتله ..».
__________
(1) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (25 / 173)
(2) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (25 / 175) وتفسير ابن كثير : 4/ 132.(1/39)
وثبت في صحيح مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ، قال : قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : «لينزلنّ عيسى ابن مريم حكما عادلا ، فليكسرنّ الصليب ، وليقتلنّ الخنزير ، وليضعنّ الجزية ، ولتتركنّ القلاص « القلاص : جمع القلص ، والقلص جمع قلوص : وهي الناقة الشابة من الإبل.» ، فلا يسعى عليها ، ولتذهبنّ الشحناء والتباغض والتحاسد ، وليدعونّ إلى المال ، فلا يقبله أحد». " (1)
وقال دروزة :
" وعلى احتمال أن تكون جملة وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ تعني نزول عيسى عليه السلام قبيل نهاية الدنيا كشرط من أشراط الساعة نقول: إن هذا النزول قد ذكر في أحاديث نبوية عديدة ، منها حديث عن أبي هريرة رواه الشيخان والترمذي جاء فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «والذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم عليه السلام حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها» ثم قال أبو هريرة : «واقرأوا إن شئتم : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159) » ، ومنها حديث عن أبي هريرة أيضا رواه الشيخان وأحمد جاء فيه : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم». ومنها حديث عن عبد اللّه بن عمرو رواه مسلم جاء فيه : إنّ رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال : «يخرج الدجّال في أمتي فيمكث أربعين ، لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما فيبعث اللّه عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة» . ومنها حديث رواه أبو داود والحاكم والإمام أحمد عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال : «ليس بيني وبين عيسى عليه السلام نبيّ وإنّه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه. رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصّرتين ، كأنّ رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فيقاتل الناس على الإسلام فيدقّ الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك اللّه في زمانه الملل كلّها إلا الإسلام ويهلك المسيح الدجّال ، ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسد مع الإبل والنّمار مع البقر والذئاب
__________
(1) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (25 / 179)(1/40)
مع الغنم وتلعب الصبيان بالحيات فيمكث عيسى في الأرض أربعين سنة ثم يتوفّى فيصلّي عليه المسلمون».
ومن المحتمل جدا أن يكون أمر نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان وقتله المسيح الدجال مما كان متداولا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أوساط الكتابيين على ما ذكرناه في سياق تفسير سورة غافر.
وعلى كل حال فنقول هنا ما قلناه هناك من أن واجب المسلم أن يؤمن ويصدق بما يثبت عن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - من أخبار غيبية ويؤمن بأنها في نطاق قدرة اللّه تعالى وإن لم تدركها عقول الناس العادية وأن يفوض الأمر فيها إلى اللّه وأن يقف عندها دون تزيد وأن يؤمن كذلك بأن فيما يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حكمة استهدفت عظة أو عبرة أو تنبيها أو إنذارا مما يتصل برسالته ومهمته ، وهذه النقطة بخاصة مهمة جدا في الموضوع. " (1)
وقال الفحر الرازي : " {وَإِنَّه } أي عيسى {لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} شرط من أشراطها تعلم به فسمي الشرط الدال على الشيء علماً لحصول العلم به ، وقرأ ابن عباس : {لَعِلْمٌ} وهو العلامة وقرىء للعلم وقرأ أبي : لذكر ، وفي الحديث : "أن عيسى ينزل على ثنية في الأرض المقدسة يقال لها أفيق وبيده حربة وبها يقتل الدجال فيأتي ببيت المقدس في صلاة الصبح والإمام يؤم بهم فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به" (2)
وقد أغرب الطاهر بن عاشور رحمه الله حيث قال :
" {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الزخرف:61]
الأظهر أن هذا عطف على جملة {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} ويكون ما بينهما مستطردات واعتراضا اقتضته المناسبة.
__________
(1) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (4 / 519)
(2) - تفسير الفخر الرازى ـ موافق للمطبوع ج 27 ص 643(1/41)
لما أشبع مقام إبطال إلهية غير الله بدلائل الوحدانية ثني العنان إلى إثبات أن القرآن حق، عودا على بدء. وهذا كلام موجه من جانب الله تعالى إلى المنكرين يوم البعث، ويجوز أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وضمير المذكر الغائب في قوله {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} مراد به القرآن وبذلك فسره الحسن وقتادة وسعيد بن جبير فيكون هذا ثناء ثامنا على القرآن، فالثناء على القرآن استمر متصلا من أول السورة آخذا بعضه بحجز بعض متخللا بالمعترضات والمستطردات ومتخلصا إلى هذا الثناء الأخير بأن القرآن أعلم الناس بوقوع الساعة.
ويفسره ما تقدم من قوله {بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} ويبينه قوله بعده {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} على أن ورود مثل هذا الضمير في القرآن مرادا به القرآن كثير معلوم من غير معاد فضلا على وجود معاده.
ومعنى تحقيق أن القرآن علم للساعة أنه جاء بالدين الخاتم للشرائع فلم يبق بعد مجيء القرآن إلا انتظار انتهاء العالم. وهذا معنى ما روي من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعثت أنا والساعة كهاتين، وقرن بين السبابة والوسطى مشيرا إليهما ، والمشابهة في عدم الفصل بينهما.
وإسناد {لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} إلى ضمير القرآن إسناد مجازي لأن القرآن سبب العلم بوقوع الساعة إذ فيه الدلائل المتنوعة على إمكان البعث ووقوعه. ويجوز أن يكون إطلاق العلم بمعنى المعلم، من استعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل مبالغة في كونه محصلا للعلم بالساعة إذ لم يقاربه في ذلك كتاب من كتب الأنبياء.
وقد ناسب هذا المجاز أو المبالغة التفريع في قوله {فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا} لأن القرآن لم يبق لأحد مرية في أن البعث واقع. وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة أن الضمير لعيسى، وتأولوه بأن نزول عيسى علامة الساعة، أي سبب علم بالساعة، أي بقربها، وهو تأويل بعيد فإن تقدير مضاف وهو نزول لا دليل عليه ويناكده إظهار اسم عيسى في قوله {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى} إلخ. ويجوز عندي أن يكون ضمير {إنه} ضمير شأن، أي أن الأمر المهم لعلم الناس بوقوع الساعة.(1/42)
وعدي فعل {فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا} بالباء لتضمينه معنى: لا تكذبن بها، أو الباء بمعنى "في" الظرفية.
{وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} يجوز أن يكون ضمير المتكلم عائدا إلى الله تعالى، أي اتبعوا ما أرسلت إليكم من كلامي ورسولي، جريا على غالب الضمائر من أول السورة كما تقدم، فالمراد باتباع الله: اتباع أمره ونهيه وإرشاده الوارد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتباع الله تمثيل لامتثالهم ما دعاهم إليه بأن شبه حال الممتثلين أمر الله بحال السالكين صراطا دلهم عليه دليل. ويكون هذا كقوله في سورة الشورى {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}
ويجوز أن يكون عائدا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتقدير: وقل اتبعون، ومثله في القرآن كثير.
والإشارة في {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} للقرآن المتقدم ذكره في قوله {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} أو الإشارة إلى ما هو حاضر في الأذهان مما نزل من القرآن أو الإشارة إلى دين الإسلام المعلوم من المقام كقوله تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153] وحذفت ياء المتكلم تخفيفا مع بقاء نون الوقاية دليلا عليها. " (1)
وقال المراغي :
" (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي وإن القرآن ليعلمكم بقيام الساعة ، ويخبركم عنها وعن أهوالها ، فلا تشكّنّ فيها واتبعوا هداي ، فهذا الذي أدعوكم إليه هو الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه وهو الموصل إلى الحق.
(وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ) أي ولا تغتروا بوساوس الشيطان وشبهه التي يوقعها فى قلوبكم ، فيمنعكم ذلك عن اتباعى ، فإن الذي دعوتكم إليه هو دين اللّه الذي اتفق عليه رسله وكتبه. " (2)
وقال القاسمي :
__________
(1) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (25 / 279)
(2) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (25 / 104)(1/43)
" {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } الضمير إما للقرآن كما ذهب إليه قوم ، أي : وإن القرآن الكريم يعلم بالساعة ويخبر عنها وعن أهوالها ، وفي جعله عين العلم ، مبالغة . والعلم بمعنى العلامة . وقيل الضمير لعيسى عليه السلام . أي : إن ظهوره من أشراط الساعة . ونزوله إلى الأرض في آخر الزمان دليل على فناء الدنيا . وقال يعضهم : معناه أن عيسى سبب للعلم بها . فإنه هو ومعجزاته من أعظم الدلائل على إمكان البعث . فالآية مجاز مرسل علاقته المسببية ؛ إذ أطلق المسبب وهو العلم ، وأراد السبب وهو عيسى ومعجزاته . كقولك : أمطرت السماء نباتاً ؛ أي : مطراً يتسبب عنه النبات .
وقرئ : { وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِّلسَّاعَةِ } بفتحتين . أي : أنه كالجبل الذي يهتدي به إلى معرفة الطريق ونحوه ؛ فبعيسى عليه السلام يهتدي إلى طريقة إقامة الدليل على إمكان الساعة وكيفية حصولها . انتهى . وهو جيد : { فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ } أي : اتبعوا هداي ، أو شرعي ، أو رسولي ، أو هو أمر للرسول أن يقوله : { هَذَا } أي : القرآن ، أو ما أدعوكم إليه : { صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ } أي : عن الاتباع : { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } . " (1)
قلت :
والنصوص الصحيحة الصريحة وردت بغير هذا القول ، فلا بدَّ من الجمع إن كان هناك ثمة تعارض بين الأمرين ، ولا تعارض في الحقيقة .
وعَنْ أَبِي يَحْيَى ، مَوْلَى ابْنِ عُقَيْلٍ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ : لَقَدْ عُلِّمْتُ آيَةً مِنَ القُرْآنِ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا رَجُلٌ قَطُّ ، فَمَا أَدْرِي أَعَلِمَهَا النَّاسُ ، فَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْهَا ، أَمْ لَمْ يَفْطِنُوا لَهَا ، فَيَسْأَلُوا عَنْهَا ؟ ثُمَّ طَفِقَ يُحَدِّثُنَا ، فَلَمَّا قَامَ ، تَلاوَمْنَا أَنْ لاَ نَكُونَ سَأَلْنَاهُ عَنْهَا ، فَقُلْتُ : أَنَا لَهَا إِذَا رَاحَ غَدًا ، فَلَمَّا رَاحَ الْغَدَ ، قُلْتُ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، ذَكَرْتَ أَمْسِ أَنَّ آيَةً مِنَ القُرْآنِ ، لَمْ يَسْأَلْكَ عَنْهَا رَجُلٌ قَطُّ ، فَلا تَدْرِي أَعَلِمَهَا النَّاسُ ، فَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْهَا ، أَمْ لَمْ يَفْطِنُوا لَهَا ؟ فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْهَا ، وَعَنِ اللاتِي قَرَأْتَ قَبْلَهَا . قَالَ : نَعَمْ ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِقُرَيْشٍ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ فِيهِ خَيْرٌ
__________
(1) - محاسن التأويل تفسير القاسمي - (11 / 411)(1/44)
وَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ النَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، وَمَا تَقُولُ فِي مُحَمَّدٍ ، فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ ، أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى كَانَ نَبِيًّا وَعَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللهِ صَالِحًا ، فَلَئِنْ كُنْتَ صَادِقًا ، فَإِنَّ آلِهَتَهُمْ لَكَمَا تَقُولُونَ . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} ، قَالَ : قُلْتُ : مَا يَصِدُّونَ ؟ قَالَ : يَضِجُّونَ ، {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} ، قَالَ : هُوَ خُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (1)
الآية الثانية : قوله تعالى : { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } ( سورة محمد ، الآية : 4 ) .
قال البغوي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية : معنى الآية : " أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام ، ويكون الدين كله لله ، فلا يكون بعده جهاد ولا قتال ، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام " (2)
والآية الثالثة : قوله تعالى : { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } ( سورة النساء ، الآية : 159) .
قرر كثير من المفسرين أن الضميرين في ( به ) ، و ( موته ) لعيسى ابن مريم عليه السلام (3)
وقد روى ابن جرير الطبري - رحمه الله - عن أبي مالك - رحمه الله - في قوله تعالى : { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } قال : " ذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام ، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمن به " (4)
يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - : " ولا شك أن هذا هو الصحيح ؛ لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه ، وتسليم من سلم
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 807)(2918) 2920- وقال أحمد شاكر - رحمه الله - : إسناده صحيح ، وفي مستدرك الحاكم ( 2 / 254 ) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي .
(2) - تفسير البغوي ( 4 / 179 )
(3) - انظر : تفسير الطبري ( 6 / 21 ) ، وتفسير البغوي ( 1 / 497 ) ، وتفسير ابن كثير ( 1 / 577 ) .
(4) -تفسير ابن جرير الطبري . ( 6 / 18 ) .(1/45)
لهم من النصارى الجهلة ذلك ، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك ، وإنما شبه لهم ، فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك ، فأخبر الله أنه رفعه إليه ، وأنه باق حي ، وأنه سينزل قبل يوم القيامة ، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة التي سنوردها إن شاء الله قريبا ، فيقتل مسيح الضلالة ، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، يعني : لا يقبلها من أحد من أهل الأديان ، بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف ، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم " (1)
وأما الأدلة من السنة المطهرة على نزوله فهي كثيرة جدا فعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ » . (2)
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا » . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (159) سورة النساء (3) .
وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - قَالَ - فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ لاَ. إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ ». (4)
__________
(1) - تفسير ابن كثير : ( 1 / 514 ) .
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (2222 ) -المقسط : العادل
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3448)
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (412 )(1/46)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى ، وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَاعْرِفُوهُ ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَنْزِعُ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ ، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بِلَّةٌ ، وَإِنَّهُ يَدُقُّ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، وَيُفِيضُ الْمَالَ ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ ، وَإِنَّ اللَّهَ يَهْلِكُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا غَيْرَ الإِسْلاَمِ ، وَيَهْلِكُ اللَّهُ الْمَسِيحَ الضَّالَّ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ ، وَيُلْقِي اللَّهُ الأَمَنَةَ حَتَّى يَرْعَى الأَسَدُ مَعَ الإِبِلِ ، وَالنَّمِرُ مَعَ الْبَقَرِ ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ ، وَيَلْعَبُ الصِّبْيَانُ مَعَ الْحَيَّاتِ ، لاَ يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. (1) إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة .
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - معلقا على أحاديث نزول عيسى عليه السلام : " فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رواية أبي هريرة وابن مسعود ، وعثمان بن أبي العاص ، والنواس بن سمعان ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، ومجمع بن جارية ، وأبي سريحة حذيفة بن أسيد رضي الله عنهم ، وفيها دلالة على صفة نزوله ومكانه ، وأنه بالشام ، بل بدمشق عند المنارة الشرقية ، وأن ذلك يكون عند الإقامة لصلاة الصبح . . . فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام كما تقدم في الصحيحين ، وهذا إخبار من النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، وتقرير وتشريع وتسويغ له على ذلك في ذلك الزمان ، حيث تنزاح عللهم ، وترتفع شبههم من أنفسهم ، ولهذا كلهم يدخلون في دين الإسلام متابعة لعيسى عليه السلام وعلى يديه ، ولهذا قال تعالى : { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } ( سورة النساء ، الآية : 159 ) . وهذه الآية كقوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ } ( سورة الزخرف ، الآية :
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (15 / 225) (6814) صحيح وقال أحمد شاكر : حديث صحيح ، عمدة التفسير ( 4 / 36 ) ، وأبو داود : كتاب الملاحم ، باب خروج الدجال ( 4 / 498 ) ، والحاكم ( 2 / 595 ) ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي . وقال ابن كثير - رحمه الله - في النهاية في الفتن والملاحم ( 1 / 188 ) : وهذا إسناد جيد قوي
- العلات : جمع علة ، والعلة هي الضرة ، والمراد : الإخوة من أمهات مختلفة وأبوهم واحد ، والمراد أن إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة : النهاية في غريب الحديث . ( 3 / 291 ) .- الممصران : تثنية ممصر ، والممصر من الثياب الذي فجه صفرة خفيفة . النهاية لابن الأثير ( 4 / 336 ) .(1/47)
61) وقرئ " لَعَلَم بالتحريك ، أي أمارة ودليل على اقتراب الساعة ، وذلك لأنه ينزل بعد خروج المسيح الدجال فيقتله الله على يديه ويبعث الله في أيامه يأجوج ومأجوج فيهلكهم الله ببركة دعائه " (1)
وقد أجمعت الأمة على نزول عيسى عليه السلام علما من أعلام الساعة ، ولم يخالف في ذلك إلا من شذ ممن لا يلتفت إليه ولا يعتد بخلافه ، قال السفاريني - رحمه الله - : " أجمعت الأمة على نزوله ، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة ، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ، ممن لا يعتد بخلافه ، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية ، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء ، وإن كانت قائمة به وهو متصف بها " (2)
المسألة الثانية : صفات عيسى عليه السلام
أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن صفات عيسى عليه السلام فجاء في الروايات أنه رجل مربوع القامة ليس بالطويل ولا بالقصير ، جعد أحمر اللون ، عريض الصدر ، أقرب الناس شبها به عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « رَأَيْتُ عِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ ، فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ ، وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ » (3) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَيْسَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ نَبِىٌّ - يَعْنِى عِيسَى - وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِى زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِسْلاَمَ وَيُهْلِكُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ». (4)
__________
(1) تفسير ابن كثير ( 1 / 519 ، 520 ) .
(2) - انظر : الشريعة للآجري ص ( 381 ) . والشرح والإبانة ( 241 ) ، وشرح العقيدة الطحاوية : ( 505 ) .ولوامع الأنوار البهية : ( 1 / 94 - 95 ) .
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3438 )
(4) - سنن أبي داود - المكنز - (4326 ) صحيح(1/48)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ ، وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ ، وَإِنَّهُ نَازِلٌ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ : رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الإِِسْلاَمِ ، فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِِسْلاَمَ ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ، ثُمَّ تَقَعُ الأَمَنَةُ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الأُسُودُ مَعَ الإِِبِلِ ، وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ ، وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ ، لاَ تَضُرُّهُمْ ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، ثُمَّ يُتَوَفَّى ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. (1)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : عُرِضَ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ ، فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ ، وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ ، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ ، وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ .
وفي رواية عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه ِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : عُرِضَ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ ، فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ ، وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ فَإِذَا أَنَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ ، وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ (2)
المسألة الثالثة : مكان نزوله
ينزل عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، وعليه مهرودتان ، ويكون هذا مع صلاة الفجر حيث اصطف المسلمون للصلاة ، وقد تقدم إمامهم - والغالب أنه المهدي كما سبق - للصلاة بهم ، فعندما يعلم بعيسى عليه السلام يتأخر ويطلب من عيسى أن يتقدم ليؤمهم فيأبى ، فيصلي بهم المهدي ، فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : « . . .فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 468)(9270) 9259- صحيح
(2) - مسند أبي عوانة ( 262 و263) صحيح(1/49)
اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِىَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأَسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِى حَيْثُ يَنْتَهِى طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِى الْجَنَّةِ ..» (1) .
وعن النَّوَّاسَ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلابِيِّ ، قالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ ، فَخَفَضَ فِيهِ وَرَفَعَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا ، وَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ الْغَدَاةَ ، فَخَفَضْتَ وَرَفَعْتَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةٍ مِنَ النَّخْلِ ، قَالَ : إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ ، فَكُلُّ امْرِئٍ حَجِيجُ نَفْسِهِ ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ لِحْيَتُهُ ، قَائِمَةٌ كَأَنَّهُ شَبِيهُ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ ، فَمَنْ رَآهُ مِنْكُمْ ، فَلْيَقْرَأْ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ ، ثُمَّ قَالَ : أُرَاهُ يَخْرُجُ مَا بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ ، فَعَاثَ يَمِينًا ، وَعَاثَ شِمَالا ، يَا عِبَادَ اللَّهِ ، اثْبُتُوا ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا لُبْثُهُ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ : أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَذَلِكَ الَّذِي كَسَنَةٍ يَكْفِينَا فِيهِ صَلاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ : لاَ ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ : كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ ، قَالَ : فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ ، وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ ، وَيَأْمُرُ الأَرْضَ فَتُنْبِتُ ، وَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ دَرًّا ، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا ، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ ، فَتَتْبَعُهُ أَمْوَالُهُمْ ، وَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ مَا بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ ، ثُمَّ يَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ ، فَيَقُولُ لَهَا : أَخْرِجِي كُنُوزَكِ ، فَيَنْطَلِقُ وَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلا مُسْلِمًا شَابًّا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ ، فَيَقْطَعُهُ جِزْلَتَيْنِ ، قَطْعَ رَمْيَةِ الْغَرَضِ ، ثُمَّ يَدْعُوهُ ، فَيُقْبِلُ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ وَيَضْحَكُ ، قَالَ : فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ ، إِذْ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7560 )(1/50)
دِمَشْقَ فِي مَهْرُودَتَيْنِ ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، إِذْا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ ، وَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفْسِهِ إِلاَّ مَاتَ ، يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ ، فَيَقْتُلُهُ اللَّهُ ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ نَبِيُّ اللَّهِ قَوْمًا قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ ، فَيَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ ، وَيُحَدِّثُهُمْ عَنْ دَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : يَا عِيسَى ، إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لاَ يُدَانُ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ، حِرْزُ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، وَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا ، ثُمَّ يَمُرُّ آخِرُهُمْ ، فَيَقُولُونَ : لَقَدْ كَانَ فِي هَذَا مَاءٌ مَرَّةً ، فَيَحْصُرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ يَوْمَئِذٍ ، خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، فَيَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ لاَ يَجِدُونَ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ وَقَدْ مَلأَهُ اللَّهُ بِزَهَمِهِمْ ، وَنَتْنِهِمْ ، وَدِمَائِهِمْ ، وَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ ، فَيُرْسِلُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ ، وَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لاَ يَكُنْ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ ، فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ، ثُمَّ قَالَ لِلأَرْضِ : أَنْبِتِي ثَمَرَكِ ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقَحْفِهَا ، وَيُبَارَكُ فِي الرُّسُلِ حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي لْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ تَكْفِي الْقَبِيلَةَ ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ تَكْفِي الْفَخِذَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ ، إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيْبَةً تَأْخُذُ تَحْتَ آبَاطِهِمْ ، وَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُسْلِمٍ ، وَيَبْقَى سَائِرُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ كَمَا تَهَارَجُ الْحُمُرُ ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ" (1)
يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - : " الأشهر في موضع نزوله أنه على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق ، وقد رأيت في بعض الكتب أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي جامع دمشق ، فلعل هذا هو المحفوظ ، وتكون الرواية فينزل على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق ، فتصرف الراوي في التعبير بحسب ما فهم ، وليس بدمشق منارة تعرف بالشرقية سوى
__________
(1) - المستدرك للحاكم (8508) صحيح(1/51)
التي إلى شرق الجامع الأموي ، وهذا هو الأنسب والأليق ؛ لأنه ينزل وقد أقيمت الصلاة " (1)
ويقول الحافظ ابن رجب - رحمه الله - : " وبالشام ينزل عيسى ابن مريم في آخر الزمان ، وهو المبشر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويحكم به ولا يقبل من أحد غير دينه ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويصلي خلف إمام المسلمين ويقول : إن هذه الأمة أئمة بعضهم لبعض " (2)
المسألة الرابعة - مدة بقاء عيسى عليه السلام إذا نزل :
ففي بعض الروايات أنه يمكث سبع سنين ، وفي الروايات الأخرى أنه يمكث أربعين عاما ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِىَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ مَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِى تُحَدِّثُ بِهِ تَقُولُ إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ - أَوْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهُمَا - لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أُحَدِّثَ أَحَدًا شَيْئًا أَبَدًا إِنَّمَا قُلْتُ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا عَظِيمًا يُحَرَّقُ الْبَيْتُ وَيَكُونُ وَيَكُونُ ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِى أُمَّتِى فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ - لاَ أَدْرِى أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا - فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ فَلاَ يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلاَّ قَبَضَتْهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِى كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ ». قَالَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِى خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلاَمِ السِّبَاعِ لاَ يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ أَلاَ تَسْتَجِيبُونَ فَيَقُولُونَ فَمَا تَأْمُرُنَا فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَهُمْ فِى ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ثُمَّ يُنْفَخُ فِى الصُّورِ فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا - قَالَ - وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ - قَالَ -
__________
(1) - النهاية في الفن والملاحم : ( 1 / 192 ) .
(2) - لطائف المعارف ص ( 90 ) .(1/52)
فَيَصْعَقُ وَيَصْعَقُ النَّاسُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ - أَوْ قَالَ يُنْزِلُ اللَّهُ - مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ - نُعْمَانُ الشَّاكُّ - فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ - قَالَ - ثُمَّ يُقَالُ أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ فَيُقَالُ مِنْ كَمْ فَيُقَالُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ - قَالَ - فَذَاكَ يَوْمَ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا وَذَلِكَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ». (1)
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَجُلا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : إِنَّكَ تَقُولُ إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ : لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أُحَدِّثَكُمْ بِشَيْءٍ ، إِنَّمَا قُلْتُ لَكُمْ تَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا عَظِيمًا ، فَكَانَ تَحْرِيقُ الْبَيْتِ وَقَالَ شُعْبَةُ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي ، فَيَمْكُثُ فِيهِمْ أَرْبَعِينَ ، لاَ أَدْرِي يَوْمًا ، أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا ، أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ، ثُمَّ يَمْكُثُ أُنَاسٌ بَعْدَهُ سِنِينَ ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا مِنْ قِبَلِ الشَّامِ ، فَلا يَبْقَى أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ، إِلاَّ قَبْضَتْهُ ، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُكُمْ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ ، وَأَحْلامِ السِّبَاعِ ، لاَ يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا ، وَلا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ ، فَيَقُولُ : أَلا تَسْتَجِيبُونَ ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالأَوْثَانِ ، فَيَعْبُدُونَهَا وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ أَرْزَاقُهُمْ ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ، وَيُنْفَخُ فِي الصُّوَرِ ، فَلا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَصْغَى ، وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَهُ ، فَيَصْعَقُ ، ثُمَّ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ إِلاَّ صَعِقَ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ ، أَوْ يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الظِّلُّ ، أَوِ الطَّلُّ النُّعْمَانُ الشَّاكُّ ، فَتَنْبُتُ أَجْسَادُهُمْ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى ، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ، ثُمَّ قَالَ : هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ وَقِفُوهُمْ ، إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ، ثُمَّ يُقَالُ : أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ ، فَيُقَالُ : كَمْ ؟ فَيُقَالُ : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ ، تِسْعَمِئَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعِينَ ، فَيَوْمَئِذٍ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ، وَيَوْمَئِذٍ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ .." (2)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7568 ) -الليت : صفحة العنق وهما لِيتان والمعنى أمال صفحة عنقه
(2) - المستدرك للحاكم (8654) صحيح(1/53)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَن َّالنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ رُوحَ اللَّهِ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ نَازِلٌ فِيكُمْ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الإِسْلامِ فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ وَتَقَعُ الأَمَنَةُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ حَتَّى تَرْعَى الأَسْوَدُ مَعَ الإِبِلِ ، وَالنُّمُورُ مَعَ الْبَقَرِ وَالذِّئَابُ ، مَعَ الْغَنَمِ ، وَيَلْعَبُ الصِّبْيَانُ مَعَ الْحَيَّاتِ ، لاَ تَضُرُّهُمْ ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ " (1)
وقد جمع الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بين الروايتين فقال : " هكذا وقع في الحديث : أنه يمكث أربعين سنة ، وثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أنه يمكث في الأرض سبع سنين ، فهذا مع هذا مشكل ، اللهم إلا إذا حملت هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله ، وتكون مضافة إلى مدة مكثه فيها قبل رفعه إلى السماء ، وكان عمره إذ ذاك ثلاثا وثلاثين سنة على المشهور ، والله أعلم " (2)
وقد عارض السفاريني هذا الجمع فقال بعد أن ذكره بدون عزو : وهذا - والله أعلم - ليس بشيء لما مر من حديث عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبْكِي ، فَقَالَ : مَا يُبْكِيك ؟ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، ذَكَرْت الدَّجَّالَ ، قَالَ : فَلاَ تَبْكِي فَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا حَيٌّ أَكْفِيكُمُوهُ ، وَإِنْ أَمُتْ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ مَعَهُ يَهُودُ أَصْبَهَانَ ، (3) فَيَسِيرُ حَتَّى يَنْزِلَ بِضَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ ، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ ، فَيَخْرُجُ إلَيْهِ شِرَارُ أَهْلِهَا ، فَيَنْطَلِقُ حَتَّى يَأْتِيَ لُدَّ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَيَقْتُلُهُ ، ثُمَّ يَمْكُثُ عِيسَى فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً إمَامًا عَادِلاً وَحَكَمًا مُقْسِطًا.» ، ثم حكى عن البيهقي أنه اعتمد رواية " أربعين " ، كما نقل عن السيوطي أنه ذهب إلى ترجيحها ؛ لأن زيادة الثقة يحتج بها ، ولأنهم يأخذون برواية الأكثر ويقدمونها على رواية الأقل لما معها من زيادة العلم ، ولأنه مثبت والمثبت مقدم (4)
__________
(1) - المستدرك للحاكم(4163) صحيح
(2) - النهاية في الفتن والملاحم ( 1 / 193 ) .
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (15 / 134) (38629) صحيح
(4) - لوامع الأنوار البهية ( 2 / 99 ) .(1/54)
ولعل الراجح أن يقال : إن رواية " أربعين سنة " هي المعتمدة ؛ لأنها رواية الأكثر ، كما أشار إلى ذلك السفاريني ، ولعل هذه السنين تمر كأنها سبع سنين ، ويستأنس لذلك بما رواه عبد بن حميد عن أبي هريرة رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ } ( سورة الزخرف ، الآية : 61 ) . قال : خروج عيسى ، يمكث في الأرض أربعين سنة ، وتكون تلك الأربعون كأربع سنين ، يحج ويعتمر . والله أعلم . (1)
المسألة الخامسة : الأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام متواترة
سبق ذكر بعض الأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام ، وهي تدل دلالة واضحة على ثبوت نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، ولا حجة لمن ردها أو قال : إنها أحاديث آحاد لا تقوم بها الحجة أو أن نزوله ليس عقيدة من عقائد المسلمين التي يجب عليهم أن يؤمنوا بها ؛ لأنه إذا ثبت الحديثُ وجبَ الإيمانُ به وتصديقُ ما أخبر به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز لنا ردُّ قوله لكونه حديث آحاد ؛ لأن هذه حجةٌ واهيةٌ ؛ لأن حديث الآحاد إذا صح - واحتفت به القرائن- وجبَ تصديقُ ما فيه ، وإذا قلنا إنَّ حديث الآحاد ليس بحجةٍ ، فإننا نردُّ كثيرا من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويكون ما قاله عليه الصلاة والسلام عبثاً لا معنى له ، كيف والعلماء قد نصُّوا على تواتر الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام .
قَالَ عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ الْعَطَّارُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ يَقُولُ : " أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا : التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ , وَتَرْكُ الْبِدَعِ , وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَالَةٌ , وَتَرْكُ الْخُصُومَاتِ وَالْجُلُوسِ مَعَ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ , وَتَرْكُ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ , وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا آثَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ , وَهِيَ دَلَائِلُ الْقُرْآنِ , وَلَيْسَ فِي السُّنَّةِ قِيَاسٌ , وَلَا تُضْرَبُ لَهَا الْأَمْثَالُ , وَلَا تُدْرَكُ بِالْعُقُولِ وَلَا الْأَهْوَاءِ , إِنَّمَا هِيَ الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الْهَوَى , وَمِنَ السُّنَّةِ اللَّازِمَةِ الَّتِي مَنْ تَرَكَ مِنْهَا خَصْلَةً لَمْ يَقُلْهَا وَيُؤْمِنْ بِهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا : الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ , وَالتَّصْدِيقُ بِالْأَحَادِيثِ فِيهِ , وَالْإِيْمَانُ بِهَا لَا يُقَالُ لِمَ وَلَا كَيْفَ , إِنَّمَا هُوَ
__________
(1) - انظر : الدر المنثور : ( 6 / 20 )(1/55)
التَّصْدِيقُ بِهَا وَالْإِيمَانُ بِهَا , وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَفْسِيرَ الْحَدِيثِ وَيَبْلُغْهُ عَقْلُهُ فَقَدْ كُفِيَ ذَلِكَ وَأُحْكِمَ لَهُ , فَعَلَيْهِ الْإِيمَانَ بِهِ وَالتَّسْلِيمَ لَهُ , مِثْلُ حَدِيثِ الصَّادِقِ وَالْمَصْدُوقِ , وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الْقَدَرِ , وَمِثْلُ أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ كُلِّهَا , وَإِنْ نَبَتْ عَنِ الْأَسْمَاعِ وَاسْتَوْحَشَ مِنْهَا الْمُسْتَمِعُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِهَا , وَأَنْ لَا يَرُدَّ مِنْهَا جُزْءًا وَاحِدًا وَغَيْرَهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَأْثُورَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ , لَا يُخَاصِمُ أَحَدًا وَلَا يُنَاظِرُهُ وَلَا يَتَعَلَّمُ الْجَدَلَ , فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَدَرِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا مِنَ السُّنَنِ مَكْرُوهٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ , وَلَا يَكُونُ صَاحِبُهُ إِنْ أَصَابَ بِكَلَامِهِ السُّنَّةَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدَعَ الْجَدَلَ وَيُسَلِّمَ وَيُؤْمِنَ بِالْآثَارِ ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ , وَلَا تَضْعُفْ أَنْ تَقُولَ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ , فَإِنَّ كَلَامَ اللَّهِ مِنْهُ وَلَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ , وَإِيَّاكَ وَمُنَاظَرَةَ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ , وَمَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ وَغَيْرِهِ , وَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَالَ : " لَا أَدْرِي مَخْلُوقٌ أَوْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ " , وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ . وَالْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ , وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ رَأَى رَبَّهُ , وَأَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَحِيحٌ , رَوَاهُ قَتَادَةُ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَرَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ , وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَالْحَدِيثُ عِنْدَنَا عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , وَالْكَلَامُ فِيهِ بِدْعَةٌ , وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهِ كَمَا جَاءَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا نُنَاظِرْ فِيهِ أَحَدًا . وَالْإِيمَانُ بِالْمِيزَانِ كَمَا جَاءَ : يُوزَنُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فَلَا يُوزَنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ , وَتُوزَنُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ . وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّنْ رَدَّ ذَلِكَ , وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ . وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُكَلِّمُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ , وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ . وَالْإِيمَانُ بِالْحَوْضِ , وَأَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَوْضًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتُهُ , عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ , آنِيَتُهُ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ , عَلَى مَا صَحَّتْ بِهِ الْأَخْبَارُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ . وَالْإِيمَانُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ , وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُفْتَنُ فِي قُبُورِهَا , وَتُسْأَلُ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ , وَمَنْ رَبُّهُ , وَمَنْ نَبِيُّهُ , وَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَكَيْفَ أَرَادَ , وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ . وَالْإِيمَانُ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , وَبِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا احْتَرَقُوا وَصَارُوا فَحْمًا , فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ كَمَا جَاءَ فِي(1/56)
الْأَثَرِ , كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ وَكَمَا شَاءَ , إِنَّمَا هُوَ الْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ , وَالْإِيمَانُ أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ خَارِجٌ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ , وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ فِيهِ , وَالْإِيمَانُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ , وَأَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَنْزِلُ فَيَقْتُلُهُ بِبَابِ لُدٍّ . وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ : " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا " . وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ , وَلَيْسَ مِنَ الْأَعْمَالِ شَيْءٌ تَرْكُهُ كُفْرٌ إِلَّا الصَّلَاةَ , مَنْ تَرَكَهَا فَهُوَ كَافِرٌ , وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ قَتْلَهُ . وَخَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ , ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , ثُمَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ , نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ كَمَا قَدَّمَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ , ثُمَّ بَعْدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَصْحَابُ الشُّورَى الْخَمْسُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وَطَلْحَةُ , وَالزُّبَيْرُ , وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ , وَسَعْدٌ , كُلُّهُمْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ وَكُلُّهُمْ إِمَامٌ . وَنَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : كُنَّا نَعُدُّ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيٌّ , وَأَصْحَابُهُ مُتَوَافِرُونَ : أَبُو بَكْرٍ , ثُمَّ عُمَرُ , ثُمَّ عُثْمَانُ , ثُمَّ نَسْكُتُ . ثُمَّ مِنْ بَعْدِ أَصْحَابِ الشُّورَى أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ , ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَدْرِ الْهِجْرَةِ وَالسَّابِقَةِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا . ثُمَّ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثَ فِيهِمْ , كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً أَوْ رَآهُ , فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ , لَهُ مِنَ الصُّحْبَةِ عَلَى قَدْرِ مَا صَحِبَهُ , وَكَانَتْ سَابِقَتُهُ مَعَهُ , وَسَمِعَ مِنْهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظْرَةً , فَأَدْنَاهُمْ صُحْبَةً هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْهُ , وَلَوْ لَقُوا اللَّهَ بِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَأَوْهُ وَسَمِعُوا مِنْهُ وَمَنْ رَآهُ بِعَيْنِهِ وَآمَنَ بِهِ وَلَوْ سَاعَةً أَفْضَلَ بِصُحْبَتِهِ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَوْ عَمِلُوا كُلَّ أَعْمَالِ الْخَيْرِ . وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِلْأَئِمَّةِ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ , وَمَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَرَضُوا بِهِ . وَمَنْ غَلَبَهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً وَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . وَالْغَزْوُ مَاضٍ مَعَ الْأُمَرَاءِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لَا يُتْرَكُ . وَقِسْمَةُ الْفَيْءِ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ إِلَى الْأَئِمَّةِ مَاضٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَطْعَنَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُنَازِعَهُمْ , وَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ جَائِزَةٌ وَنَافِذَةٌ , مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا , وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ خَلْفَهُ وَخَلْفَ مَنْ وَلَّى جَائِزَةٌ تَامَّةٌ رَكْعَتَيْنِ , مَنَ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ , تَارِكٌ لِلْآثَارِ , مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ , لَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ إِذَا لَمْ يَرَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ مَنْ كَانُوا(1/57)
بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ , فَالسُّنَّةُ أَنَّ تُصَلِّيَ مَعَهُمْ رَكْعَتَيْنِ , مَنَ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ , وَتَدِينُ بِأَنَّهَا تَامَّةٌ , وَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ مِنْ ذَلِكَ شَكٌّ . وَمَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ كَانَ النَّاسُ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْخِلَافَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ بِالرِّضَا أَوْ بِالْغَلَبَةِ فَقَدْ شَقَّ هَذَا الْخَارِجُ عَصَا الْمُسْلِمِينَ , وَخَالَفَ الْآثَارَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ عَلَيْهِ مَاتَ مِيتَةَ جَاهِلِيَّةٍ . وَلَا يَحِلُّ قِتَالُ السُّلْطَانِ وَلَا الْخُرُوجُ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ وَالطَّرِيقِ . وَقِتَالُ اللُّصُوصِ وَالْخَوَارِجِ جَائِزٌ إِذَا عَرَضُوا لِلرَّجُلِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ , فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَيَدْفَعَ عَنْهَا بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ . وَلَيْسَ لَهُ إِذَا فَارَقُوهُ أَوْ تَرَكُوهُ أَنْ يَطْلُبَهُمْ وَلَا يَتْبَعَ آثَارَهُمْ , لَيْسَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْإِمَامِ أَوْ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ , إِنَّمَا لَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ , وَيَنْوِي بِجَهْدِهِ أَنْ لَا يَقْتُلَ أَحَدًا , فَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ فِي دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْمَعْرَكَةِ فَأَبْعَدَ اللَّهُ الْمَقْتُولَ , وَإِنْ قَتَلَ هَذَا فِي تِلْكَ الْحَالِ وَهُوَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ رَجَوْتُ لَهُ الشَّهَادَةَ , كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ وَجَمِيعِ الْآثَارِ فِي هَذَا إِنَّمَا , أُمِرَ بِقِتَالِهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ وَلَا اتِّبَاعِهِ , وَلَا يُجْهِزْ عَلَيْهِ إِنْ صُرِعَ أَوْ كَانَ جَرِيحًا , وَإِنْ أَخَذَهُ أَسِيرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَا يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ , وَلَكِنْ يَرْفَعُ أَمْرَهُ إِلَى مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ فَيَحْكُمُ فِيهِ . وَلَا يَشْهَدُ عَلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِعَمَلٍ يَعْمَلُهُ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ يَرْجُو لِلصَّالِحِ , وَيَخَافُ عَلَيْهِ , وَيَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ الْمُذْنِبِ , وَيَرْجُو لَهُ رَحْمَةَ اللَّهِ . وَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِذَنْبٍ يَجِبُ لَهُ بِهِ النَّارُ تَائِبًا غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَتُوبُ عَلَيْهِ وَيَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ . وَمَنْ لَقِيَهُ وَقَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَتُهُ كَمَا جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَمَنْ لَقِيَهُ مُصِرًّا غَيْرَ تَائِبٍ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي قَدِ اسْتَوْجَبَ بِهَا الْعُقُوبَةَ , فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ , وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ . وَمَنْ لَقِيَهُ كَافِرًا عَذَّبَهُ وَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ . وَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَا وَقَدْ أُحْصِنَ إِذَا اعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ , وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَقَدْ رَجَمَتِ الْأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ . وَمَنِ انْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ أَبْغَضَهُ لِحَدَثٍ كَانَ مِنْهُ أَوْ ذَكَرَ مَسَاوِئَهُ كَانَ مُبْتَدِعًا حَتَّى يَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا , وَيَكُونَ قَلْبُهُ لَهُمْ سَلِيمًا . وَالنِّفَاقُ هُوَ الْكُفْرُ , أَنْ يَكْفُرَ بِاللَّهِ وَيَعْبُدَ غَيْرَهُ , وَيُظْهِرَ الْإِسْلَامَ فِي الْعَلَانِيَةِ مِثْلَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ(1/58)
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ : " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ " هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ , نَرْوِيهَا كَمَا جَاءَتْ وَلَا نُفَسِّرُهَا . وَقَوْلُهُ : " لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ " , وَمِثْلُ : " إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ " , وَمِثْلُ : " سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ " , وَمِثْلُ : " مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ : يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا " , وَمِثْلُ : " كُفْرٌ بِاللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ , وَإِنْ دَقَّ " . وَنَحْوُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ مِمَّا قَدْ صَحَّ وَحُفِظَ فَإِنَّا نُسَلِّمُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ تَفْسِيرُهَا , وَلَا يُتَكَلَّمُ فِيهِ وَلَا يُجَادَلُ فِيهِ وَلَا تُفَسَّرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ إِلَّا بٍمِثْلِ مَا جَاءَتْ , وَلَا نَرُدُّهَا إِلَّا بِأَحَقِّ مِنْهَا . وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ , قَدْ خُلِقَتَا كَمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ قَصْرًا , وَرَأَيْتُ الْكَوْثَرَ , وَاطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ لِأَهْلِهَا كَذَا , وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ كَذَا , وَرَأَيْتُ كَذَا " فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا لَمْ تُخْلَقَا فَهُوَ مُكَذِّبٌ بِالْقُرْآنِ وَأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَلَا أَحْسِبُهُ يُؤْمِنُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ . وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُوَحِّدًا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُسْتَغْفَرُ لَهُ , وَلَا تُتْرَكُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا , وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " (1)
وقال أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - في سرده لعقيدة أهل الحديث والسنة " الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وما جاء من عند الله وما رواه الثقّات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يردون من ذلك شيئا ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى يقتله ، ثم قال في آخر كلامه : وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول : وإليه نذهب " (2)
وقال ابن جرير الطبري بعد ذكره الخلاف في معنى وفاة عيسى عليه السلام ، " وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا، قولُ من قال:"معنى ذلك: إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ"، لتواتر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال، ثم
__________
(1) - شَرْحُ أُصُولِ الاعْتِقَادِ ( 281 ) وطبقات الحنابلة ( 1 / 241 - 243 ) .
(2) - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ( 1 / 345 ) .(1/59)
يمكث في الأرض مدة ذكَرها، اختلفت الرواية في مبلغها، ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه.... ". (1)
وقال ابن كثير " تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مقسطا " (2)
وقال صديق حسن خان "والأحاديث في نزوله عليه السلام كثيرة ، ذكر الشوكاني منها تسعة وعشرين حديثا ما بين صحيح وحسن وضعيف منجبر ، منها ما هو مذكور في أحاديث الدجال . . . ومنها ما هو مذكور في أحاديث المنتظر ، وتنضم إلى ذلك أيضا الآثار الواردة عن الصحابة فلها حكم الرفع ؛ إذ لا مجال للاجتهاد في ذلك ، ثم ساقها وقال : جميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع " (3)
وقال الغماري : " وقد ثبت القول بنزول عيسى عليه السلام عن غير واحد من الصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة والعلماء من سائر المذاهب على ممر الزمان إلى وقتنا هذا ، وقال : تواتر هذا تواترا لا شكَّ فيه بحيث لا يصح أن ينكره إلا الجهلة الأغبياء كالقاديانية ومن نحا نحوهم ؛ لأنه نقل بطريق جمع عن جمع حتى استقرَّ في كتب السنَّة التي وصلت إلينا تواترا بتلقي جيل عن جيل " (4)
وقال صاحب عون المعبود شرح سن أبي داود : " تواترت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في نزول عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - من السماء بجسده العنصري إلى الأرض عند قرب الساعة ، وهذا هو مذهب أهل السنة " (5)
وقال الشيخ أحمد شاكر : " نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان مما لم يختلف فيه المسلمون لورود الأخبار الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك . . . وهذا معلوم من الدين بالضرورة لا يؤمن من أنكره " (6)
__________
(1) - تفسير الطبري 3 / 291 والطبري - مؤسسة الرسالة - (6 / 458)
(2) - تفسير ابن كثير 7 / 223 .
(3) - الإذاعة ص 160 .
(4) - عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام ص 12
(5) - عون المعبود 11 / 457 .
(6) - من حاشية تفسير الطبري 6 / 460 تخريج الشيخ أحمد محمد شاكر ، وتحقيق محمود محمد شاكر ، مطبعة دار المعارف مصر .(1/60)
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني : " اعلم أن أحاديث الدجال ، ونزول عيسى عليه السلام متواترة ، يجب الإيمان بها ، ولا تغتر بمن يدعي فيها أنها أحاديث آحاد ، فإنهم جهال بهذا العلم ، وليس فيهم من تتبع طرقها ولو فعل لوجدها متواترة كما شهد بذلك أئمة هذا العلم كالحافظ ابن حجر وغيره ، ومن المؤسف حقا أن يتجرأ البعض على الكلام فيما ليس من اختصاصهم لا سيما والأمر دين وعقيدة " (1)
المسألة السادسة : الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره
ذكر بعض العلماء - رحمهم الله تعالى - الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره ، ومن أقوالهم في ذلك :
1 - الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوا عيسى عليه السلام ، فبين الله تعالى كذبهم ، وأنه الذي يقتلهم ويقتل رئيسهم الدجال ، ورجح الحافظ ابن حجر هذا القول على غيره (2)
2 - أن عيسى عليه السلام وجد في الإنجيل فضل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - كما في قوله تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (29) سورة الفتح، فدعا الله أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل آخر الزمان مجددا لما درس من دين الإسلام دين محمد عليه الصلاة والسلام ، فتوافق خروج الدجال فيقتله
__________
(1) - انظر : حاشية العقيدة الطحاوية تخريج الألباني ص 565 .
(2) - فتح الباري 6 / 493 .(1/61)
3 - أن نزول عيسى عليه السلام من السماء لدنو أجله ليدفن في الأرض ؛ إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها ، فيوافق نزوله خروج الدجال فيقتله عيسى عليه السلام (1)
4 - أنه ينزل مكذبا للنصارى فيظهر زيفهم في دعواهم الأباطيل ، ويهلك الله الملل كلها في زمنه - داخل دار الإسلام- إلا الإسلام فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية .
5 - أن خصوصيته بهذه الأمور المذكورة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - « أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ » (2) .
كما في قوله تعالى : { وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } ( سورة الصف ، الآية : 6 ) ،وعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ الْفَزَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : إِنِّي عِنْدَ اللهِ مَكْتُوبٌ بِخَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ ، وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ : دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ، وَبِشَارَةُ عِيسَى ، وَرُؤْيَا أُمِّيَ الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ." (3)
وعن أبي أُمَامَةَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، مَا كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِكَ ؟ قَالَ : دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى ، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ. (4)
المسالة السابعة- الأمور التي تكون في زمن عيسى عليه السلام
1 - قتل المسيح الدجال :
سبق ذكر أن نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل والمسلمون في حال إعداد أنفسهم لحرب الدجال ، وعلمنا أن الصلاة تقام في ذلك الوقت ، فيصلي عيسى ابن مريم عليه السلام خلف الرجل الصالح ، وعند ما يعلم الدجال بنزول عيسى عليه السلام يهرب ، فيلحقه نبي الله إلى بيت المقدس فيدركه وقد حاصر عصابة من المسلمين ، فيأمرهم عيسى
__________
(1) - التذكرة للقرطبي ( 2 / 794 )
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (3443 )
(3) - صحيح ابن حبان - (14 / 314) (6404) صحيح
(4) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 420)(22261) 22616- صحيح(1/62)
عليه السلام بفتح الباب فيفعلون ويكون وراءه الدجال فينطلق هاربا ، فيلحقه نبي الله عليه السلام فيدركه عند باب لد الشرقي فيقضي عليه وعلى من معه من يهود .
فعَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ أَكْثَرُ خُطْبَتِهِ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ عَنِ الدَّجَّالِ وَحَذَّرَنَاهُ فَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ قَالَ « إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ مُنْذُ ذَرَأَ اللَّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلاَّ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ وَأَنَا آخِرُ الأَنْبِيَاءِ وَأَنْتُمْ آخِرُ الأُمَمِ وَهُوَ خَارِجٌ فِيكُمْ لاَ مَحَالَةَ وَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ فَأَنَا حَجِيجٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَإِنْ يَخْرُجْ مِنْ بَعْدِى فَكُلُّ امْرِئٍ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ فَيَعِيثُ يَمِينًا وَيَعِيثُ شِمَالاً. يَا عِبَادَ اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ فَاثْبُتُوا فَإِنِّى سَأَصِفُهُ لَكُمْ صِفَةً لَمْ يَصِفْهَا إِيَّاهُ نَبِىٌّ قَبْلِى إِنَّهُ يَبْدَأُ فَيَقُولُ أَنَا نَبِىٌّ وَلاَ نَبِىَّ بَعْدِى ثُمَّ يُثَنِّى فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ. وَلاَ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا وَإِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ أَوْ غَيْرِ كَاتِبٍ وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَنَارًا فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ فَمَنِ ابْتُلِىَ بِنَارِهِ فَلْيَسْتَغِثْ بِاللَّهِ وَلْيَقْرَأْ فَوَاتِحَ الْكَهْفِ فَتَكُونَ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلاَمًا كَمَا كَانَتِ النَّارُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَقُولَ لأَعْرَابِىٍّ أَرَأَيْتَ إِنْ بَعَثْتُ لَكَ أَبَاكَ وَأُمَّكَ أَتَشْهَدُ أَنِّى رَبُّكَ فَيَقُولُ نَعَمْ. فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيْطَانَانِ فِى صُورَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَقُولاَنِ يَا بُنَىَّ اتَّبِعْهُ فَإِنَّهُ رَبُّكَ. وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يُسَلَّطَ عَلَى نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَيَقْتُلَهَا وَيَنْشُرَهَا بِالْمِنْشَارِ حَتَّى يُلْقَى شِقَّتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِى هَذَا فَإِنِّى أَبْعَثُهُ الآنَ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رَبًّا غَيْرِى. فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ وَيَقُولُ لَهُ الْخَبِيثُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّىَ اللَّهُ وَأَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ أَنْتَ الدَّجَّالُ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ بَعْدُ أَشَدَّ بَصِيرَةً بِكَ مِنِّى الْيَوْمَ ». قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الطَّنَافِسِىُّ فَحَدَّثَنَا الْمُحَارِبِىُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِىُّ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ذَلِكَ الرَّجُلُ أَرْفَعُ أُمَّتِى دَرَجَةً فِى الْجَنَّةِ ». قَالَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَاللَّهِ مَا كُنَّا نُرَى ذَلِكَ الرَّجُلَ إِلاَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ. قَالَ الْمُحَارِبِىُّ ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ أَبِى رَافِعٍ قَالَ « وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَأْمُرَ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ وَيَأْمُرَ الأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَمُرَّ بِالْحَىِّ فَيُكَذِّبُونَهُ فَلاَ تَبْقَى لَهُمْ سَائِمَةٌ إِلاَّ هَلَكَتْ وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَمُرَّ بِالْحَىِّ فَيُصَدِّقُونَهُ فَيَأْمُرَ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ(1/63)
وَيَأْمُرَ الأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ حَتَّى تَرُوحَ مَوَاشِيهِمْ مِنْ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ أَسْمَنَ مَا كَانَتْ وَأَعْظَمَهُ وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ وَأَدَرَّهُ ضُرُوعًا وَإِنَّهُ لاَ يَبْقَى شَىْءٌ مِنَ الأَرْضِ إِلاَّ وَطِئَهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ لاَ يَأْتِيهِمَا مِنْ نَقْبٍ مِنْ نِقَابِهِمَا إِلاَّ لَقِيَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ بِالسُّيُوفِ صَلْتَةً حَتَّى يَنْزِلَ عِنْدَ الظُّرَيْبِ الأَحْمَرِ عِنْدَ مُنْقَطَعِ السَّبَخَةِ فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ فَلاَ يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلاَ مُنَافِقَةٌ إِلاَّ خَرَجَ إِلَيْهِ فَتَنْفِى الْخَبَثَ مِنْهَا كَمَا يَنْفِى الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَيُدْعَى ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَلاَصِ ». فَقَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ بِنْتُ أَبِى الْعُكَرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ قَالَ « هُمْ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ وَجُلُّهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِمَامُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ فَبَيْنَمَا إِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصَلِّى بِهِمُ الصُّبْحَ إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الصُّبْحَ فَرَجَعَ ذَلِكَ الإِمَامُ يَنْكُصُ يَمْشِى الْقَهْقَرَى لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى يُصَلِّى بِالنَّاسِ فَيَضَعُ عِيسَى يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ تَقَدَّمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ. فَيُصَلِّى بِهِمْ إِمَامُهُمْ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ افْتَحُوا الْبَابَ. فَيُفْتَحُ وَوَرَاءَهُ الدَّجَّالُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفِ يَهُودِىٍّ كُلُّهُمْ ذُو سَيْفٍ مُحَلًّى وَسَاجٍ فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِى الْمَاءِ وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا وَيَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّ لِى فِيكَ ضَرْبَةً لَنْ تَسْبِقَنِى بِهَا. فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ اللُّدِّ الشَّرْقِىِّ فَيَقْتُلُهُ فَيَهْزِمُ اللَّهُ الْيَهُودَ فَلاَ يَبْقَى شَىْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِىٌّ إِلاَّ أَنْطَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّىْءَ لاَ حَجَرَ وَلاَ شَجَرَ وَلاَ حَائِطَ وَلاَ دَابَّةَ - إِلاَّ الْغَرْقَدَةَ فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ لاَ تَنْطِقُ - إِلاَّ قَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ الْمُسْلِمَ هَذَا يَهُودِىٌّ فَتَعَالَ اقْتُلْهُ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَإِنَّ أَيَّامَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً السَّنَةُ كَنِصْفِ السَّنَةِ وَالسَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَآخِرُ أَيَّامِهِ كَالشَّرَرَةِ يُصْبِحُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ فَلاَ يَبْلُغُ بَابَهَا الآخَرَ حَتَّى يُمْسِىَ ». فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّى فِى تِلْكَ الأَيَّامِ الْقِصَارِ قَالَ « تَقْدُرُونَ فِيهَا الصَّلاَةَ كَمَا تَقْدُرُونَهَا فِى هَذِهِ الأَيَّامِ الطِّوَالِ ثُمَّ صَلُّوا ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَيَكُونُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِى أُمَّتِى حَكَمًا عَدْلاً وَإِمَامًا مُقْسِطًا يَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَذْبَحُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَتْرُكُ الصَّدَقَةَ فَلاَ يُسْعَى عَلَى شَاةٍ وَلاَ بَعِيرٍ وَتُرْفَعُ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَتُنْزَعُ حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ حَتَّى يُدْخِلَ الْوَلِيدُ يَدَهُ فِى فِى الْحَيَّةِ فَلاَ تَضُرَّهُ وَتُفِرُّ الْوَلِيدَةُ الأَسَدَ فَلاَ يَضُرُّهَا وَيَكُونُ الذِّئْبُ فِى الْغَنَمِ كَأَنَّهُ كَلْبُهَا وَتُمْلأُ الأَرْضُ مِنَ السِّلْمِ كَمَا يُمْلأُ الإِنَاءُ مِنَ(1/64)
الْمَاءِ وَتَكُونُ الْكَلِمَةُ وَاحِدَةً فَلاَ يُعْبَدُ إِلاَّ اللَّهُ وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَتُسْلَبُ قُرَيْشٌ مُلْكَهَا وَتَكُونُ الأَرْضُ كَفَاثُورِ الْفِضَّةِ تُنْبِتُ نَبَاتَهَا بِعَهْدِ آدَمَ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّفَرُ عَلَى الْقِطْفِ مِنَ الْعِنَبِ فَيُشْبِعَهُمْ وَيَجْتَمِعَ النَّفَرُ عَلَى الرُّمَّانَةِ فَتُشْبِعَهُمْ وَيَكُونَ الثَّوْرُ بِكَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَالِ وَتَكُونَ الْفَرَسُ بِالدُّرَيْهِمَاتِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُرْخِصُ الْفَرَسَ قَالَ « لاَ تُرْكَبُ لِحَرْبٍ أَبَدًا ». قِيلَ لَهُ فَمَا يُغْلِى الثَّوْرَ قَالَ « تُحْرَثُ الأَرْضُ كُلُّهَا وَإِنَّ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلاَثَ سَنَوَاتٍ شِدَادٍ يُصِيبُ النَّاسَ فِيهَا جُوعٌ شَدِيدٌ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِى السَّنَةِ الأُولَى أَنْ تَحْبِسَ ثُلُثَ مَطَرِهَا وَيَأْمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا ثُمَّ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فِى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَتَحْبِسُ ثُلُثَىْ مَطَرِهَا وَيَأْمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَىْ نَبَاتِهَا ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِى السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَتَحْبِسُ مَطَرَهَا كُلَّهُ فَلاَ تَقْطُرُ قَطْرَةٌ وَيَأْمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ فَلاَ تُنْبِتُ خَضْرَاءَ فَلاَ تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ إِلاَّ هَلَكَتْ إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ ». قِيلَ فَمَا يُعِيشُ النَّاسَ فِى ذَلِكَ الزَّمَانِ قَالَ « التَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَيُجْرَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَجْرَى الطَّعَامِ ». (1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ ، أَوْ بِدَابِقَ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، هُمْ خِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا ، قَالَتِ الرُّومُ : خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ : لاَ وَاللَّهِ لاَ نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا ، فَيُقَاتِلُونَهُمْ ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لاَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا ، ثُمَّ يُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ وَهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ ، وَيَفْتَتِحُ ثُلُثٌ فَيَفْتَتِحُونَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْسِمُونَ الْغَنَائِمَ ، قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ ، إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْالِيكُمْ ، فَيَخْرُجُونَ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، فَإِذَا جَاؤُوا الشَّامَ خَرَجَ - يَعْنِي الدَّجَّالَ - فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ ، وَيُسَوُّونَ الصُّفُوفَ ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ
__________
(1) - سنن ابن ماجه- المكنز - (4215 ) وصحيح الجامع (7875) صحيح لغيره
الحمة : السم = خلة : طريق =ترجف : تتزلزل وتضطرب =السبخة : الأرض المالحة =الساج : جمع الساجة وهو نوع من الأكسية الخضراء أو السوداء =الصلت : المجرد من غمده =الظريب : تصغير ظرب وهو الجبل الصغير =يعيث : يفسد =الفاثور : الطست =النقب : الطريق بين جبلين(1/65)
مَرْيَمَ ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ يَذُوبُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ ، وَلَوْ تَرَكُوهُ لَذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ ، وَلَكِنَّهُ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ بِحَرْبَتِهِ. (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ. فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لاَ وَاللَّهِ لاَ نُخَلِّى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا. فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لاَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لاَ يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطُنْطِينِيَّةَ فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِى أَهْلِيكُمْ. فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّهُمْ فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِى الْمَاءِ فَلَوْ تَرَكَهُ لاَنْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِى حَرْبَتِهِ ». (2)
وهكذا يكون أول عمل يقوم به نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام بعد نزوله من السماء هو مواجهة الدجال والقضاء عليه وعلى من يتبعه من يهود .
2 - هلاك يأجوج ومأجوج :
إن خروج قوم يأجوج ومأجوج علامة من علامات الساعة الكبرى ، وسيأتي الكلام على هذه العلامة ، والمراد هنا بيان أن عيسى عليه السلام بعد أن يقضي على الدجال وفتنته ، يفسد هؤلاء القوم في الأرض فسادا كبيرا ، فيتضرع نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله تعالى فيهلكهم شر هلكة ، ويصبحون موتى لا يبقى منهم أحد ، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله في الكلام على يأجوج ومأجوج .
3 - القضاء على كل الشرائع والحكم بالإسلام :
عيسى عليه السلام عندما ينزل من السماء يكون تابعا لشرع الإسلام ، فيحكم بكتاب الله عز وجل ، وبسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وبذلك يقضي على كل الشرائع التي تحكم الناس
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (15 / 224) (6813) صحيح
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7460 )(1/66)
سوى الإسلام ، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة ، فإن شريعة الإسلام ناسخة للشرائع قبلها ، وقد أخذ الله العهد والميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويتابعوه إذا بعث وهم أحياء ، قال تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ومن أجل هذا فهو يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ويضع الجزية فلا يقبل من أحد إلا الإسلام ، أو القتل . يقول القرطبي - رحمه الله - : " ذهب قوم إلى أنه بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم ، وهذا أمر مردود بالأخبار التي ذكرناها . . . وبقوله تعالى : {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (40) سورة الأحزاب ، وعَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِىٌّ خَلَفَهُ نَبِىٌّ ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِىَّ بَعْدِى ، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ . قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ » (1) .
وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخَلِّفُنِى فِى النِّسَاءِ وَالْصِّبْيَانِ فَقَالَ « أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لاَ نَبِىَّ بَعْدِى » (2)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ : أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَحْمَدُ وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الكُفْرَ ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي ، وَأَنَا العَاقِبُ " (3) .
يريد آخر الأنبياء وخاتمهم ، وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزل نبيا بشريعة متجددة غير شريعة محمد نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، بل إذا أنزل فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3455 ) و صحيح مسلم- المكنز - (4879)
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (6371)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (3532 )(1/67)
- صلى الله عليه وسلم - كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حوعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّ عُمَرَ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّا نَسْمَعُ أَحَادِيثَ مِنَ الْيَهُودِ تُعْجِبُنَا أَفَتَرَى أَنْ نَكْتُبَ بَعْضَهَا ؟ فَقَالَ: " أَمُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ كَمَا تَهَوَّكَتِ الْيَهُودُ والنَّصَارَى ؟ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي "، (1)
فعيسى عليه السلام إنما ينزل مقررا لهذه الشريعة مجددا لها ؛ إذ هي آخر الشرائع ومحمد - صلى الله عليه وسلم - آخر الرسل (2)
4 - رفع الشحناء والتباغض من بين الناس ، وانتشار الأمن والرخاء بين الخلق .
من الأمور التي أخبرنا عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها تحدث في زمن عيسى عليه السلام : أن الشحناء والتباغض والتحاسد ترفع من بين الناس حيث تجتمع كلمة الجميع على الإسلام ، وتعم البركة ، وتكثر الخيرات ، حيث تنبت الأرض نبتها ، ولا يرغب في اقتناء المال لكثرته ، وينزع الله في ذلك الوقت سم كل ذي سم حتى يلعب الأولاد بالحيات والعقارب فلا تضرهم ، وترعى الشاة مع الذئب فلا يضرها ، فتملأ الأرض أمنا وسلما ، وينعدم القتال بين البشر فترخص الخيل لعدم القتال ، وترتفع أسعار الثور ؛ لأن الأرض تحرث كلها .
فعَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ ، قَاضِي حِمْصَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلاَبِيَّ ، يَقُولُ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَرَفَعَ فِيهِ وَخَفَضَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ الْغَدَاةَ فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ , فَقَالَ : غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ مِنِّي عَلَيْكُمْ , فَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ , وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ , وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ , إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ , عَيْنُهُ طَافِيَةٌ , وَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ , فَعَاثَ يَمِينًا وَشِمَالًا , يَا عِبَادَ اللَّهِ اثْبُتُوا . قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا لَبْثُهُ فِي
__________
(1) - شعب الإيمان - (1 / 347) (175 ) حسن
(2) - التذكرة للقرطبي ( 2 / 792 )(1/68)
الأَرْضِ ؟ قَالَ : أَرْبَعِينَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا , يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ , وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ , وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ , وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَاكَ الْيَوْمُ الَّذِي هُوَ كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ؟ قَالَ : لاَ , اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ : كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ يَمُرُّ بِالْحَيِّ فَيَدْعُوهُمْ فَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ , فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ , وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ , فَتَرُوحُ عَلَيْكُمْ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُكُمْ سَارِحَتُهُمْ وَهِيَ أَطْوَلُ مَا كَانَتْ ذُرًى , وَأَمَدُّهُ خَوَاصِرَ , وَأَسْبَغُهُ ضُرُوعًا , وَيَمُرُّ بِالْحَيِّ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ , فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْءٌ , فَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا : أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ , وَيَمُرُّ بِرَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ جِزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ , ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ إِلَيْهِ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ , فَبَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ بَهْرُوزَتَيْنِ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا يَدَهُ بَيْنَ أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ , فَيَتْبَعُهُ فَيَقْتُلُهُ عِنْدَ بَابِ الشَّرْقِيِّ , قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ أَوْحَى إِلَى عِيسَى أَنْ قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا مِنْ عِبَادِي لاَ يَدَانِ لَكَ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ , فَبَعَثَ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} . فَيَرْغَبُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ , فَيَهْبِطُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَلاَ يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ شَيْئًا إِلاَّ وَقَدْ مَلَأَهُ مِنْ زَهَنهِمْ زَهَمِهِمْ ، فَيَرْغَبُ عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَائِرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ , وَيُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لاَ يُكِنُّ مِنْهُ بَيْتٌ وَلاَ مَدَرٌ وَلاَ وَبَرٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ , وَيُقَالُ لِلأَرْضِ : انْبِتِي ثَمَرَتَكِ , وَرُدِّي بَرَكَتَكِ . قَالَ : فَيَوْمَئِذٍ يَأْكُلُ النَّفَرُ مِنَ الرُّمَّانَةِ , وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا , وَيُبَارَكُ فِي الرُّسُلِ حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ , وَاللَّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ تَكْفِي الْفَخِذَ , وَالشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ تَكْفِي أَهْلَ الْبَيْتِ , فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً تَأْخُذُ تَحْتَ آبَاطِهِمْ , فَتَقْبِضُ رَوْحَ كُلِّ مُسْلِمٍ ، أَوْ قَالَ مُؤْمِنٍ ، فَتَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ تَهَارُجَ الْحُمُرِ وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ " (1)
__________
(1) - مسند الشاميين 360 - (1 / 355)(614) صحيح(1/69)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ ، يَقُولُ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ . قَالَ : وَثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ النَّيْسَابُورِيُّ ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ ، وَيَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالُوا : ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ ، يَقُولُ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا ، فَقَالَ : " مَا شَأْنُكُمْ ؟ " . فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ . فَقَالَ : " غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ . إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنَهُ طَافِيَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ ، فَمَنْ رَآهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ ، إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الْعِرَاقِ ، وَالشَّامِ ، فَعَاثَ يَمِينًا ، وَعَاثَ شِمَالًا يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا " . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ ؟ ، قَالَ : " أَرْبَعُونَ يَوْمًا : يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ هَذِهِ " . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ ، قَالَ : " لَا ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ " . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ ؟ ، قَالَ : " كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ ، فَيَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرُ ، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذَرًا ، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيَعِيثُ أَمْوَالَهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ مَا بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا : أَخْرِجِي كُنُوزَكِ ، فَيَنْطَلِقُ يَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ يَقْطَعُهُ جِزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، فَإِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ(1/70)
قَطَرَ ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ ، وَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ أَنْ يَجِدَ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ، ثُمَّ يَأْتِي نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْمًا قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ وُجُوهَهُمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى إِلَيْهِ : يَا عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ . وَيَبْعَثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَأْجُوجَ ، وَمَأْجُوجَ وَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ : مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ . فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا . فَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ : لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ . وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ يَوْمَئِذٍ خَيْرًا لِأَحَدِهِمْ مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ . وَيَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ وَدِمَاؤُهُمْ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبِرٍ فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ : أَنْبِتِي ثَمَرَكِ وُدُرِّي بَرَكَتِكَ . فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ فَتُشْبِعُهُمْ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ اللَّهُ فِي الرَّسْلِ حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنْ الْإِبِلِ تَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ تَكْفِي الْقَبِيلَةَ ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ تَكْفِي الْفَخِذَ . فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رِيحًا طَيْبَةً تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتُقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى سَائِرُ النَّاسِ فَيَتَهَارَجُونَ كَمَا يَتَهَارَجُ الْحُمُرُ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ " . زَادَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ : " كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ، ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُونَ إِلَى جَبَلِ الْخَمْرِ وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَقُولُونَ : لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا " . (1)
__________
(1) - الْإِيمَانُ لِابْنِ مَنْدَهْ (1054 ) صحيح
(1) الغداة : الصباح وما بين الفجر وطلوع الشمس (2) طائفة النخل : مكان زرع النخل (3) الحجيج : المجادل والمخاصم والمناقش بالحجة والبرهان (4) القطط : الشديد الجعُودة ، وقيل : الحَسَن الجُعُودة ، والأول أكثر (5) عاث : أسرع في الفساد (6) عاث : أفسد وأتلف (7) اللبث : الإبطاء والتأخير والانتظار والإقامة (8) الغيث : المطر الخاص بالخير (9) استدبرته : جاءت عَقِبَه (10) السَّرحُ والسَّارحُ والسَّارحةُ سواء : هي المْاَشية (11) أسبغ : أكمل وأتم (12) ضروعا : جمع ضرع ، وهو الثدي وذلك كناية عن كثرة اللبن (13) أمده خواصر : كناية عن امتلائها وكثرة شِبَعها (14) أمحل : أجدب ، المراد أصابهم القحط والجدب (15) يعاسيب النحل : جماعات النحل (16) الجزلة : القطعة (17) مهرودتين : أي ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران (18) طأطأ : خفض (19) تحدر : نزل وتساقط وتقطر (20) الجمان : اللؤلؤ ، والمراد العرق (21) الطرف : النظر (22) حرز : ضم عبادي إلى الطور واجعله لهم حصنا (23) سورة : الأنبياء آية رقم : 96(24) النغف : دود يكون في أنوف الإبل والغنم (25) الزُّهْمَة : الريح المنتنة والمراد أن الأرض تنتن من جيفهم (26) المدر : الطين اللزج المتماسك، وما يصنع منه مثل اللَّبِنِ والبيوت وهو بخلاف وبر الخيام (27) الوبر : صوف الإبل والأرانب ونحوهما والمقصود أهل البادية لأنهم يتخذون بيوتهم منهم (28) الزلَفَة بالتَّحريك، وجمعُها زَلَف : مصانع الماء، وتُجمَع على المَزَالِف وقيل الزلفة هي المرآة أو الروضة (29) العصابة : الجماعَةُ من الناس من العَشَرَة إلى الأرْبَعين (30) القحف : القشر (31) اللقحة : ذات اللبن من النوق وغيرها (32) الفئام : الجماعة ولا واحد له من لفظه (33) الآباط : جمع إبط وهو باطن الذراع والكتف(1/71)
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ أَكْثَرُ خُطْبَتِهِ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ عَنِ الدَّجَّالِ وَحَذَّرَنَاهُ فَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ قَالَ « إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ مُنْذُ ذَرَأَ اللَّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلاَّ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ وَأَنَا آخِرُ الأَنْبِيَاءِ وَأَنْتُمْ آخِرُ الأُمَمِ وَهُوَ خَارِجٌ فِيكُمْ لاَ مَحَالَةَ وَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ فَأَنَا حَجِيجٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَإِنْ يَخْرُجْ مِنْ بَعْدِى فَكُلُّ امْرِئٍ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ فَيَعِيثُ يَمِينًا وَيَعِيثُ شِمَالاً. يَا عِبَادَ اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ فَاثْبُتُوا فَإِنِّى سَأَصِفُهُ لَكُمْ صِفَةً لَمْ يَصِفْهَا إِيَّاهُ نَبِىٌّ قَبْلِى إِنَّهُ يَبْدَأُ فَيَقُولُ أَنَا نَبِىٌّ وَلاَ نَبِىَّ بَعْدِى ثُمَّ يُثَنِّى فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ. وَلاَ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا وَإِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ أَوْ غَيْرِ كَاتِبٍ وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَنَارًا فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ فَمَنِ ابْتُلِىَ بِنَارِهِ فَلْيَسْتَغِثْ بِاللَّهِ وَلْيَقْرَأْ فَوَاتِحَ الْكَهْفِ فَتَكُونَ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلاَمًا كَمَا كَانَتِ النَّارُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَقُولَ لأَعْرَابِىٍّ أَرَأَيْتَ إِنْ بَعَثْتُ لَكَ أَبَاكَ وَأُمَّكَ أَتَشْهَدُ أَنِّى رَبُّكَ فَيَقُولُ نَعَمْ. فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيْطَانَانِ فِى صُورَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَقُولاَنِ يَا بُنَىَّ اتَّبِعْهُ فَإِنَّهُ رَبُّكَ. وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يُسَلَّطَ عَلَى نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَيَقْتُلَهَا وَيَنْشُرَهَا بِالْمِنْشَارِ حَتَّى يُلْقَى شِقَّتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِى هَذَا فَإِنِّى أَبْعَثُهُ الآنَ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رَبًّا غَيْرِى. فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ وَيَقُولُ لَهُ الْخَبِيثُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّىَ اللَّهُ وَأَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ أَنْتَ الدَّجَّالُ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ بَعْدُ أَشَدَّ بَصِيرَةً بِكَ مِنِّى الْيَوْمَ ». قَالَ أَبُو(1/72)
الْحَسَنِ الطَّنَافِسِىُّ فَحَدَّثَنَا الْمُحَارِبِىُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِىُّ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ذَلِكَ الرَّجُلُ أَرْفَعُ أُمَّتِى دَرَجَةً فِى الْجَنَّةِ ». قَالَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَاللَّهِ مَا كُنَّا نُرَى ذَلِكَ الرَّجُلَ إِلاَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ. قَالَ الْمُحَارِبِىُّ ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ أَبِى رَافِعٍ قَالَ « وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَأْمُرَ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ وَيَأْمُرَ الأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَمُرَّ بِالْحَىِّ فَيُكَذِّبُونَهُ فَلاَ تَبْقَى لَهُمْ سَائِمَةٌ إِلاَّ هَلَكَتْ وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَمُرَّ بِالْحَىِّ فَيُصَدِّقُونَهُ فَيَأْمُرَ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ وَيَأْمُرَ الأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ حَتَّى تَرُوحَ مَوَاشِيهِمْ مِنْ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ أَسْمَنَ مَا كَانَتْ وَأَعْظَمَهُ وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ وَأَدَرَّهُ ضُرُوعًا وَإِنَّهُ لاَ يَبْقَى شَىْءٌ مِنَ الأَرْضِ إِلاَّ وَطِئَهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ لاَ يَأْتِيهِمَا مِنْ نَقْبٍ مِنْ نِقَابِهِمَا إِلاَّ لَقِيَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ بِالسُّيُوفِ صَلْتَةً حَتَّى يَنْزِلَ عِنْدَ الظُّرَيْبِ الأَحْمَرِ عِنْدَ مُنْقَطَعِ السَّبَخَةِ فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ فَلاَ يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلاَ مُنَافِقَةٌ إِلاَّ خَرَجَ إِلَيْهِ فَتَنْفِى الْخَبَثَ مِنْهَا كَمَا يَنْفِى الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَيُدْعَى ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَلاَصِ ». فَقَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ بِنْتُ أَبِى الْعُكَرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ قَالَ « هُمْ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ وَجُلُّهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِمَامُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ فَبَيْنَمَا إِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصَلِّى بِهِمُ الصُّبْحَ إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الصُّبْحَ فَرَجَعَ ذَلِكَ الإِمَامُ يَنْكُصُ يَمْشِى الْقَهْقَرَى لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى يُصَلِّى بِالنَّاسِ فَيَضَعُ عِيسَى يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ تَقَدَّمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ. فَيُصَلِّى بِهِمْ إِمَامُهُمْ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ افْتَحُوا الْبَابَ. فَيُفْتَحُ وَوَرَاءَهُ الدَّجَّالُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفِ يَهُودِىٍّ كُلُّهُمْ ذُو سَيْفٍ مُحَلًّى وَسَاجٍ فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِى الْمَاءِ وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا وَيَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّ لِى فِيكَ ضَرْبَةً لَنْ تَسْبِقَنِى بِهَا. فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ اللُّدِّ الشَّرْقِىِّ فَيَقْتُلُهُ فَيَهْزِمُ اللَّهُ الْيَهُودَ فَلاَ يَبْقَى شَىْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِىٌّ إِلاَّ أَنْطَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّىْءَ لاَ حَجَرَ وَلاَ شَجَرَ وَلاَ حَائِطَ وَلاَ دَابَّةَ - إِلاَّ الْغَرْقَدَةَ فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ لاَ تَنْطِقُ - إِلاَّ قَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ الْمُسْلِمَ هَذَا يَهُودِىٌّ فَتَعَالَ اقْتُلْهُ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَإِنَّ أَيَّامَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً السَّنَةُ كَنِصْفِ السَّنَةِ وَالسَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَآخِرُ أَيَّامِهِ كَالشَّرَرَةِ يُصْبِحُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ فَلاَ يَبْلُغُ بَابَهَا الآخَرَ حَتَّى يُمْسِىَ ». فَقِيلَ لَهُ يَا(1/73)
رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّى فِى تِلْكَ الأَيَّامِ الْقِصَارِ قَالَ « تَقْدُرُونَ فِيهَا الصَّلاَةَ كَمَا تَقْدُرُونَهَا فِى هَذِهِ الأَيَّامِ الطِّوَالِ ثُمَّ صَلُّوا ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَيَكُونُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِى أُمَّتِى حَكَمًا عَدْلاً وَإِمَامًا مُقْسِطًا يَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَذْبَحُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَتْرُكُ الصَّدَقَةَ فَلاَ يُسْعَى عَلَى شَاةٍ وَلاَ بَعِيرٍ وَتُرْفَعُ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَتُنْزَعُ حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ حَتَّى يُدْخِلَ الْوَلِيدُ يَدَهُ فِى فِى الْحَيَّةِ فَلاَ تَضُرَّهُ وَتُفِرُّ الْوَلِيدَةُ الأَسَدَ فَلاَ يَضُرُّهَا وَيَكُونُ الذِّئْبُ فِى الْغَنَمِ كَأَنَّهُ كَلْبُهَا وَتُمْلأُ الأَرْضُ مِنَ السِّلْمِ كَمَا يُمْلأُ الإِنَاءُ مِنَ الْمَاءِ وَتَكُونُ الْكَلِمَةُ وَاحِدَةً فَلاَ يُعْبَدُ إِلاَّ اللَّهُ وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَتُسْلَبُ قُرَيْشٌ مُلْكَهَا وَتَكُونُ الأَرْضُ كَفَاثُورِ الْفِضَّةِ تُنْبِتُ نَبَاتَهَا بِعَهْدِ آدَمَ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّفَرُ عَلَى الْقِطْفِ مِنَ الْعِنَبِ فَيُشْبِعَهُمْ وَيَجْتَمِعَ النَّفَرُ عَلَى الرُّمَّانَةِ فَتُشْبِعَهُمْ وَيَكُونَ الثَّوْرُ بِكَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَالِ وَتَكُونَ الْفَرَسُ بِالدُّرَيْهِمَاتِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُرْخِصُ الْفَرَسَ قَالَ « لاَ تُرْكَبُ لِحَرْبٍ أَبَدًا ». قِيلَ لَهُ فَمَا يُغْلِى الثَّوْرَ قَالَ « تُحْرَثُ الأَرْضُ كُلُّهَا وَإِنَّ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلاَثَ سَنَوَاتٍ شِدَادٍ يُصِيبُ النَّاسَ فِيهَا جُوعٌ شَدِيدٌ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِى السَّنَةِ الأُولَى أَنْ تَحْبِسَ ثُلُثَ مَطَرِهَا وَيَأْمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا ثُمَّ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فِى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَتَحْبِسُ ثُلُثَىْ مَطَرِهَا وَيَأْمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَىْ نَبَاتِهَا ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِى السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَتَحْبِسُ مَطَرَهَا كُلَّهُ فَلاَ تَقْطُرُ قَطْرَةٌ وَيَأْمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ فَلاَ تُنْبِتُ خَضْرَاءَ فَلاَ تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ إِلاَّ هَلَكَتْ إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ ». قِيلَ فَمَا يُعِيشُ النَّاسَ فِى ذَلِكَ الزَّمَانِ قَالَ « التَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَيُجْرَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَجْرَى الطَّعَامِ ». (1)
__________
(1) - سنن ابن ماجه- المكنز - (4215 ) وصحيح الجامع (7875) صحيح لغيره
الحمة : السم -خلة : طريق -ترجف : تتزلزل وتضطرب -السبخة : الأرض المالحة -الساج : جمع الساجة وهو نوع من الأكسية -لخضراء أو السوداء -الصلت : المجرد من غمده -الظريب : تصغير ظرب وهو الجبل الصغير -يعيث : يفسد -الفاثور : الطست -النقب : الطريق بين جبلين(1/74)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلاً ، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ ، وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلاَصُ فَلاَ يُسْعَى عَلَيْهَا وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلاَ يَقْبَلُهُ أَحَدٌ. ». (1)
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - : ومعناه أن يزهد الناس فيها ، ولا يرغب في اقتنائها لكثرة الأموال وقلة الآمال وعدم الحاجة والعلم بقرب القيامة ، وإنما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل التي هي أنفس الأموال عند العرب وهي شبيهة بمعنى قول الله عز وجل : { وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } (سورة التكوير، آية : 4 ) . ومعنى لا يسعى عليها : لا يعتني بها (2)
المسالة الثامنة- موت عيسى عليه السلام :
لم يرد عن الشارع نص يبين لنا مكان موت عيسى عليه السلام ، ولكن ذكر بعض العلماء أنه يموت عليه السلام في المدينة النبوية ، وقيل إنه يدفن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه رضي الله عنهما .
قال القرطبي - رحمه الله - : " واختلف حيث يدفن فقيل : بالأرض المقدسة ذكره الحليمي ، وقيل : يدفن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما ذكرناه من الأخبار" (3)
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (408 ) وصحيح ابن حبان - (15 / 227) (6816)- القلاص : جمع قلوص وهى الشابة من الإبل
(2) - شرح صحيح مسلم للنووي ( 2 / 192 ) .
(3) - التذكرة ( 2 / 794 ) ، وانظر لوامع الأنوار البهية ( 2 / 113 ) .وأشراط الساعة - (1 / 172)(1/75)
المبحث الرابع
خروج يأجوج ومأجوج
من علامات الساعة الكبرى التي أخبر بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - خروج يأجوج ومأجوج ، والكلام على هذه العلامة يتضمن المسائل التالية :
المسألة الأولى : أصل يأجوج ومأجوج ونسبهم
اختلف في اشتقاق الكلمتين :
فقيل : هما اسمان أعجميان منعا من الصرف للعلمية والعجمة ، وعلى هذا فليس لهما اشتقاق ؛ لأن الأعجمية لا تشتق من العربية .
وقيل : بل هما عربيان ، واختلف في اشتقاقهما ، فقيل : من أجيج النار وهو التهابها ، وقيل : من الأجاج وهو الماء الشديد الملوحة ، وقيل : من الأج وهو سرعة العدو ، وقيل : من الأجة بالتشديد وهي الاختلاط والاضطراب .
وعند جمهور القراء : ياجوج وماجوج بدون همز ، وأما قراءة عاصم فهي بالهمزة الساكنة فيهما (1)
والخلاصة من هذا : أن جميع ما ذكر في اشتقاقهما مناسب لحالهم ، ويؤيد الاشتقاق من ماج قوله تعالى : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } (سورة الكهف ، الآية : 99) . وذلك حين يخرجون من السد (2)
وقد اختلف في نسبهم ، فقيل : إنهم من ذرية آدم ،والذي رجحه الحافظ ابن حجر - رحمه الله - أنهم قبيلتان من ولد يافث بن نوح (3)
__________
(1) - انظر : لسان العرب ( 2 / 207 ) ، التذكرة للقرطبي ص ( 815 ) ، فتح الباري لابن حجر ( 13 / 106 ) ، لوامع الأنوار البهية للسفاريني ( 2 / 113 ) .
(2) - الإشاعة لأشراط الساعة للبرزنجي ص324 .
قلت أصبح السد الذي يمنعهم من الخروج هم معنوي لا ماديَّا
(3) - فتح الباري لابن حجر ( 13 / 106 ) .(1/76)
فهما من ولد آدم وحواء ، ويؤيد ذلك ما ورد عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا آدَمُ . يَقُولُ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ . قَالَ يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ - أُرَاهُ قَالَ - تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَحِينَئِذٍ تَضَعُ الْحَامِلُ حَمْلَهَا وَيَشِيبُ الْوَلِيدُ ( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) » . فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ، وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ ، ثُمَّ أَنْتُمْ فِى النَّاسِ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِى جَنْبِ الثَّوْرِ الأَبْيَضِ ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى جَنْبِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ ، وَإِنِّى لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ « ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ « شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . فَكَبَّرْنَا . قَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ ( تَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ) وَقَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ . (1)
المسألة الثانية : الأدلة على خروجهم من القرآن والسنة
ورد ذكرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا }{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا }{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا }{ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا }{ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا }{ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا } ( سورة الكهف ، الآيات 93 - 98 ) .
وقوله تعالى : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ }{ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } (سورة الأنبياء ، الآيتان : 96 ، 97) .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (4741 )(1/77)
فدلالة الآيتين على كون خروجهم من أشراط الساعة : أن فيهما التصريح بأنه إذا فتحت يأجوج ومأجوج فإن ذلك دليل على اقتراب الوعد الحق والمراد به يوم القيامة (1)
فقوله تعالى : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } حتى " فيه متعلقة بما قبل الآية ، أي كل قرية أهلكت تبقى في الهلاك حتى قيام الساعة ، أو تبقى في عدم الرجعة إلى الدنيا ، أو إلى التوبة حتى قيام الساعة ، وهذه الأقوال مُفرعة على معنى الآية السابقة (2)
وهي قوله تعالى : { وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } ( سورة الأنبياء ، آية : 95 ) .
وقيل : إن "حتى" متعلقة بقوله تعالى : { وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } (سورة الأنبياء ، آية : 93) أي استمر الخلاف بين الأمم حتى قيام الساعة (3)
وقوله تعالى : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } ، المراد إذا فتح الردم عن هاتين القبيلتين العظيمتين وتمكنوا من الخروج ، فيخرجون من كل حدب وهو المرتفع من الأرض (4) يسرعون في المشي إلى الفساد .
وعلى ذلك معظم المفسرين قدامى ومحدثين :
قال دروزة :
" هناك أحاديث نبوية عديدة منها الوارد في كتب الأحاديث الصحيحة عن يأجوج ومأجوج بحيث يكون محل للكلام عنهم في هذا النطاق. من ذلك حديث رواه الترمذي بسند حسن عن أبي هريرة في سياق تفسير الآيات وفي معرض ذكر السد الذي أنشأه ذو القرنين لمنع أذى يأجوج ومأجوج جاء فيه : «إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إنّهم يحفرونه كلّ يوم حتّى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غدا فيعيده اللّه كأشدّ ما
__________
(1) - انظر : تفسير ابن كثير ( 3 / 187 ) .
(2) - انظر : تفسير أبي السعود ( 3 / 535 ) وتفسير الألوسي ( 17 / 92 ) .
(3) - انظر : البحر المحيط ( 6 / 339 ) وقد نسب القول به إلى ابن عطية ،وانظر أيضا تفسير الألوسي ( 17 / 92 )
(4) - انظر : تفسير الطبري : ( 17 / 72 - 73 ) ، والقرطبي ( 11 / 341 ) ، وانظر المفردات للراغب ص110 ، وتفسير ابن كثير ( 3 / 187 ) .(1/78)
كان حتّى إذا أراد اللّه أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غدا إن شاء اللّه ، فيرجعون فيجدونه كهيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على الناس فيستقون المياه ويفرّ الناس منهم فيرمون بسهامهم في السماء فترجع مخضّبة بالدماء فيقولون قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء قسرا وعلوّا فيبعث اللّه عليهم نغفا في أقفائهم فيهلكون. فوالذي نفسي بيده إنّ دوابّ الأرض تسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم» . ومنها حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري قال : «اطّلع النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتذاكر فقال : ما تذكرون؟ قالوا : نذكر الساعة. قال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدّخان والدجّال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» .
ومنها حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن النواس بن سمعان في معرض ذكر نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان وقتله الدجال جاء فيه : «إن اللّه يوحي إلى عيسى بعد أن يقتل الدجّال بأنه أخرج عبادا لا يدان لأحد بقتالهم فحرّز عبادي إلى الطور ويبعث اللّه يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدب ينسلون فيمرّ أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمرّ آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرّة ماء ويحصر نبيّ اللّه عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مئة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبيّ اللّه عيسى وأصحابه فيرسل اللّه عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبيّ اللّه عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلّا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبيّ اللّه عيسى وأصحابه إلى اللّه فيرسل اللّه طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء اللّه ثمّ يرسل اللّه مطرا لا يكنّ منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتّى يتركها كالزّلقة» «1».
وهناك أحاديث أخرى لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة ولكن صحتها محتملة لأنها من باب ما ورد في هذه الكتب منها حديث رواه الطبري عن أبي سعيد الخدري : «أن(1/79)
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل». وحديث أورده ابن كثير ورواه الإمام أحمد عن زينب بنت جحش قالت :
«استيقظ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من نومه وهو محمرّ وجهه وهو يقول لا إله إلا اللّه ويل للعرب من شرّ قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلّق. قلت : يا رسول اللّه أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث» «2». وحديث أورده ابن كثير نقلا عن الطبراني ومرويا عن عبد اللّه بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «إنّ يأجوج ومأجوج من ولد آدم ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا وإن من ورائهم ثلاث أمم تاويل وتأييس ومنسك» «3». وهناك أحاديث أخرى أوردها ابن كثير في سياق تفسير سورة الأنبياء ولما ترد في كتب الأحاديث الصحيحة أيضا ، منها حديث رواه الإمام أحمد عن ابن حرملة عن خالته قالت : «خطب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وهو عاصب إصبعه من لدغة عقرب فقال : إنكم تقولون لا عدوّ لكم وإنكم لا تزالون تقاتلون عدوّا حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض الوجوه صغار العيون صهب السعاف من كلّ حدب ينسلون كأن وجوههم المجان المطرقة» وحديث رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد قال : قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : «ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج».
ولقد ذكر يأجوج ومأجوج في القرآن مرة أخرى في آيات سورة الأنبياء هذه :
حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97) حيث تفيد صراحة استمرار وجودهم في الدنيا وحبسهم عن الناس إلى الوقت المعين في علم اللّه حتى يفتح لهم وينطلقون من حبسهم وينسلون من كل حدب.
ولقد ذكر يأجوج ومأجوج في بعض الأسفار المتداولة اليوم من أسفار العهد القديم وأسفار العهد الجديد كذلك. بعبارة في بعضها شيء ما من التوافق والتساوق مع ما جاء في القرآن وبعض الأحاديث النبوية أيضا. من ذلك ما جاء في الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر نبوءة حزقيال ، وحزقيال هذا من سبي بني إسرائيل إلى بابل ومن أنبيائهم في(1/80)
السبي ، ونبوءته تدور على حالة بني إسرائيل وفلسطين وما لا قوه من أهوال وما سيكون أمرهم إليه (و كلمة الرب إليّ قائلا يا ابن البشر اجعل وجهك نحو جوج أرض ماجوج رئيس روش وماشك وتوبل وتنبأ عليه. وقل هكذا قال السيد الرب ها أنا ذا إليك يأجوج رئيس روش وماشك وتوبل فأديرك وأجعل حلقة في فكك أنت وجميع جيوشك خيلا وفرسانا ومعهم فارس وكوش وفوط وجومر وآل توجرن وأقاصي الشمال وجميع جيوشهم وشعوب كثيرون. في آخر السنين تأتي إلى الأرض المنجاة من السيف المجموعة من شعوب كثيرين إلى جبال إسرائيل التي كانت مستوحشة كل حين فتصعد وتأتي كعاصفة وتكون كغمام يغطي الأرض. إنك يأجوج في آخر الأيام تكون فأتي بك على أرضي لكي تعرفني الأمم بأني سأجلبك عليهم. في ذلك اليوم يوم يأتي جوج على أرض إسرائيل يقول السيد الرب يطلع حنقي في وجهي وفي غيرتي ونار غضبي تكلمت. ليكونن في ذلك اليوم ارتعاش عظيم على أرض إسرائيل. فيرتعش من وجهي سمك البحر وطير السماء ووحش الصحراء وجميع الدبابات الدابة على الأرض وجميع البشر على وجه الأرض. وتندك الجبال وتسقط المعاقل وكل سور يسقط إلى الأرض. لكني أدعو السيف عليه في جميع جبالي فيكون سيف كل رجل على أخيه. وأدنيه بالوباء والدم والمطر الطاغي وحجارة البرد وأمطر النار والكبريت عليه وعلى جيوشه وعلى الشعوب الكثيرين الذين معه فأتعظم وأتقدس و أتعرف على عيون أمم كثيرين فيعلمون أني أنا الرب). وجاء في الإصحاح التاسع والثلاثين من السفر نفسه : (و أنت يا ابن البشر تنبأ على جوج وقل هكذا قال السيد الرب ها أنا ذا إليك يأجوج رئيس روش وماشك وتوبل فأديرك وأقتادك وأصعدك من أقاصي الشمال وآتي بك إلى جبال إسرائيل وأضرب قوسك من يدك اليسرى وأسقط سهمك من يدك اليمنى على جبال إسرائيل تسقط أنت وجميع جيوشك والشعوب الذين معك وللجوارح والعصافير وكل ذي جناح ولوحش الصحراء قد جعلتك مأكلا. على وجه الصحراء تسقط لأني تكلمت بقول السيد الرب ، وأرسل نارا على ماجوج والساكنين في الجزائر آمنين فيعلمون أني أنا الرب ويخرج سكان مدن إسرائيل بالسلاح ويسلبون الذين سلبوهم ، في ذلك اليوم أجعل لجوج موضعا ذا اسم(1/81)
قبرا بإسرائيل وادي العابرين في شرق البحر فيسد الوادي على العابرين فيدفنون هناك جوجا وجميع جمهوره ويسمون الموضع وادي جمهور جوج).
ومن ذلك ما جاء في الإصحاح الثاني من سفر الرسالة الأولى للقديس يوحنا وهو من ملحقات العهد الجديد في صدد المسيح الدجال : (أيها الأولاد هذه هي الساعة الأخيرة ولما أنكم سمعتم أن المسيح الدجال يأتي يوجد الآن مسحاء دجالون كثيرون. فمن هذا نعلم أن هذه هي الساعة الأخيرة). ومن ذلك ما جاء في الإصحاح العشرين من سفر رؤيا هذا القديس وهو كذلك من ملحقات العهد الجديد في صدد يأجوج وماجوج والنبي الكذاب (و إذا تمت الألف سنة يحل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الأمم الذين في زوايا الأرض الأربع جوج وماجوج ليحشدهم للقتال في عدد كرمل البحر. فطلعوا على سعة الأرض وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة. فهبطت نار من عند اللّه من السماء وأكلتهم وطرح إبليس الذي أضلهم في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب ، هناك يعذبون نهارا وليلا إلى دهر الدهور).
وعلى كل حال فإن من واجب المسلم أن يؤمن بوجود قبيلين اسماهما المعرّبان يأجوج ومأجوج وبأنهما خلق عجيب من خلق اللّه من بني آدم وبأنهما يخرجان في آخر الزمان من كل حدب لأن ذلك مما ورد في القرآن بصراحة و قطعية ، ومما ورد عنه تفصيل في أحاديث وردت في كتب الأحاديث الصحيحة أيضا ولو لم تدرك أمرهم العقول العادية ، مع الوقوف عند ما وقف عنده القرآن ، والثابت من الأحاديث النبوية ومع الإيمان بأنه لا بد من أن يكون لذكرهم بالأسلوب الذي ذكروا به حكمة. ومع ملاحظة أن ذكرهما ورد في أسفار العهد القديم والعهد الجديد التي كانت متداولة بين اليهود والنصارى في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بما فيه تشابه من بعض النواحي لما ورد عنهم في الأحاديث النبوية ، وأن صفات وأخبار هذين القبيلين لم تكن نتيجة لذلك مجهولة في بيئة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعصره ، ومع ملاحظة أن ذكرهم جاء في سورة الأنبياء كنذير من نذر اللّه بقرب القيامة وأهوالها. (1)
__________
(1) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (5 / 102)(1/82)
وقال الزحيلي :
" حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ أي يستمر عدم رجوع القوم المهلكين إلى قيام الساعة وظهور أماراتها وهو فتح سد يأجوج ومأجوج ، وهما قبيلتان أو الناس جميعا ، وإتيان الناس مسرعين من كل مرتفع من الأرض. ويكون المقصود من الآية الردّ على المشركين الذين ينكرون البعث والجزاء. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ، فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي وقرب يوم القيامة إذا حصلت هذه الأهوال والزلازل والبلايا ، وإذا حدث ذلك أو وقع ترى أبصار الكافرين مرتفعة الأجفان ، مثبتة الحدق ، جامدة لا تتحرك ، لا تكاد تنظر من هول وشدة ما يشاهدونه من الأمور العظام. " (1)
وفي التفسير الواضح :
" ومعنى الآية بإيجاز : إن قوما ما أراد اللّه إهلاكهم لعلمه بحالهم غير متصور أبدا أن يرجعوا إلى الإسلام وحدوده إلى أن تقوم القيامة ، وحينئذ يثوبون إلى رشدهم ويقولون : يا ويلنا إنا كنا في غفلة من هذا ، بل كنا ظالمين!!
فهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم ، وعلى ذلك فقوله تعالى : حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ غاية لما قبلها كما ذكرنا ذلك ، ولا في قوله لا يَرْجِعُونَ صلة أى زائدة للتأكيد. وهذا شيء مألوف في الأساليب العربية.
وقيل إن معنى الآية : حرام على قرية أهلكناها أن أهلها لا يرجعون إلينا يوم القيامة للحساب إذ الجزاء ليس في الدنيا فقط ...
وقوله تعالى : حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ إلى آخر الآية. مظهر من مظاهر يوم القيامة ، أى إذا فتحت قبور يأجوج ومأجوج وهم الناس جميعا ، وقد خرجوا من قبورهم ، وأقبلوا من كل حدب يسرعون ، ويؤيد هذا قراءة ابن عباس ، « وهم من كل جدث (قبر) يسرعون » وهذا هو النشر بعينه.
__________
(1) -التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (17 / 130)(1/83)
واقترب الوعد الحق فإذا هي الأبصار شاخصة أى : أبصار الذين كفروا من هول ما رأوا لا تطرف أبدا ، ويقولون : يا ويلنا وهلاكنا قد كنا في غفلة من هذا!! ولم نعمل حسابا لهذا الموقف ، بل لم نؤمن أبدا بل كنا ظالمين لأنفسنا ولغيرنا.
وفي التفسير المأثور يروون في قوله تعالى : حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ أن المراد حتى إذا فتح سد يأجوج ومأجوج ، وذلك يكون في الدنيا ، وأنهم يعيثون في الأرض فسادا ، ويخرجون ويدمرون ثم يهلكهم اللّه بعد ذلك ، وذكر ابن كثير في تفسيره أحاديث تثبت هذا.
والذي يمنع ذلك أنه ليس هناك سد مادي موجود في الدنيا ، فإذا تأولنا في السد جاز أن نفهم في تحقيق ذلك جواز طغيان المبادئ الهدامة المنتشرة في روسيا والصين وأصحابهما في يوم من الأيام ، واكتساحهم العالم ، وسيبقى نفر قليل من المسلمين كما روى الحديث ويكون هلاكهم من اللّه - سبحانه وتعالى - ، والآية على هذا ذكرت مقدمة من مقدمات قيام الساعة ، واللّه أعلم بكتابه. " (1)
قلت : ويردُ على قوله أن السدَّ ليس فقط سدًّا ماديًّا كما كان سابقاً ، بل هناك سدود معنوية كثيرة ومنها الحدود ، ومنها توازن القوى ....
وقال الخطيب : " هو معطوف على قوله تعالى : « فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ».. أي أنه إذا جاء الأجل الموقوت عند اللّه لقيام ـ هذا السدّ وبقائه ـ دكّ هذا الرّدم الذي أقامه ذو القرنين ، وانطلقت جماعات يأجوج ومأجوج إلى ما كانت تنطلق إليه من قبل ، ونفذت إلى هؤلاء القوم الذين احتموا من عدوانهم بهذا الردم .. كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : « حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ .. » (96 ـ 97 : الأنبياء). (2)
وقال أيضاً :
" قوله تعالى : « حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ »..
__________
(1) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (2 / 556)
(2) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (8 / 713)(1/84)
يأجوج ومأجوج ، وهم من الجماعات المفسدة فى الأرض ، وقد ذكرهم اللّه تعالى فى قصة ذى القرنين ، وقد أقام ذو القرنين فى وجههم سدّا ، حتى لا ينفذوا منه إلى مواطن العمران ، ويعيثوا فى الأرض مفسدين ..
وفى هذا يقول ذو القرنين عن السدّ : « هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي .. فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا » وفى قوله تعالى : « حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ » إشارة إلى انهيار هذا السدّ ، وفتح الطريق ليأجوج ومأجوج إلى الأمم المجاورة لهم ..
والحدب : المكان المرتفع ، ومنه الأحدب ، الذي برز ظهره ، وعلا.
ثم انحنى .. ومنه الحدب ، وهو الميل والعطف ، وينسلون : أي يجيئون فى خفة وانطلاق .. كأنهم جراد منتشر ..هذا ، وقد ربط القرآن خروج يأجوج ومأجوج بقرب الساعة
والساعة قربت من يوم نزول القرآن ، كما يقول تعالى : « اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ » وكما يقول سبحانه : « اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ ».
وعلى هذا ، فليس بالمستبعد أن يكون يأجوج ومأجوج قد خرجوا من هذا السدّ ، بعد أن تداعى وانهار .. ومن يدرى ؟ فلعلهم التتار الذين طلعوا على الدولة الإسلامية ، وأتوا على معالم الحضارة ، فى عاصمتها بغداد ، وفى كل ما وقع لأيديهم من كل عامر ، حتى لقد قيل إنهم ألقوا بما حوت الخزائن من كتب فى نهر دجلة ، وكان هذا شيئا كثيرا سدّ به النهر! وربما كانت أمة الصين ، التي كانت تعيش فى شبه عزلة عن العالم ، وها هى ذى اليوم تتجمع وراء حدودها ، وقد ملكت فى يدها القنبلة الذرية .. وإنه ليس ببعيد هذا اليوم الذي تغزو فيه العالم كلّه .. بهذا السلاح الرهيب ..!
وقد تحدثنا عن يأجوج ومأجوج ، وما قيل فيهم من مقولات ، فى تفسير سورة الكهف.
قوله تعالى : « وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا .. يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ ».والوعد الحق .. هو يوم القيامة .. شاخصة أبصار الذين كفروا : أي جامدة ، لا تطرف ، من شدّة ما ترى من هول.والآية معطوفة على محذوف ، هو غاية « حتى » فى قوله تعالى : « حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ».والتقدير : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدب ينسلون ، وقع الفساد(1/85)
والاضطراب ، واقترب الوعد الحق. حيث هذا النذير الذي يقوم بين يدى هذا اليوم ، وهو ذلك الهول الذي تشخص له أبصار الذين كفروا يوم القيامة ..
وفى قوله تعالى : « فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا » إشارة إلى أن اقتراب الساعة ، وظهور أماراتها ، ومنها خروج يأجوج ومأجوج ـ يطلع منه على الكافرين ما تشخص به أبصارهم ، فتظل الحدق معلقة فى الأعين ، ثابتة لا تتحرك ، للهول الذي يرونه .. إنهم فى طريقهم إلى الفزع الأكبر .. إلى جهنم ، أعاذنا اللّه منها .." (1)
وفي التفسير الوسيط :
" وهنا مسألة تكلم عنها العلماء ، وهي وقت خروج يأجوج ومأجوج.
فمنهم من يرى أنه لا مانع من أن يكونوا قد خرجوا ، بدليل ما جاء في الحديث الصحيح من أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ويل للعرب من شر قد اقترب. فتح اليوم من سد يأجوج ومأجوج مثل هذا ، وحلق أى بين أصابعه.
ولأن الآيات الكريمة تقول : فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ .. ووعد اللّه لا مانع من أن يكون قد أتى.
قال الشيخ القاسمى : والغالب أن المراد بخروجهم هذا خروج المغول التتار. وهم من نسل يأجوج ومأجوج - وهو الغزو الذي حصل منهم للأمم في القرن السابع الهجري. وناهيك بما فعلوه إذ ذاك في الأرض من فساد .. » .
وقال الشيخ المراغي عند تفسير قوله - تعالى - : وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وقد جاء وعده - تعالى - بخروج جنكيزخان وسلائله فعاثوا في الأرض فسادا .. وأزالوا معالم الخلافة من بغداد ...
وقال صاحب الظلال : « وبعد ، فمن يأجوج ومأجوج؟ وأين هم الآن؟ وماذا كان من أمرهم وماذا سيكون؟
كل هذه أسئلة تصعب الإجابة عليها على وجه التحقيق ، فنحن لا نعرف عنهم إلا ما ورد في القرآن ، وفي بعض الأثر الصحيح.
__________
(1) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (9 / 954)(1/86)
والقرآن يذكر في هذا الموضع ما حكاه من قول ذي القرنين : فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا.
وهذا النص لا يحدد زمانا ووعد اللّه بمعنى وعده بدك السد ، ربما يكون قد جاء منذ أن هجم التتار وانساحوا في الأرض. ودمروا الممالك تدميرا.
وفي موضع آخر من سورة الأنبياء : حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ.وهذا النص - أيضا - لا يحدد زمانا معينا لخروجهم ، فاقتراب الوعد الحق ، بمعنى اقتراب الساعة قد وقع منذ زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد جاء في القرآن : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ والزمان في الحساب الإلهى غيره في حساب البشر ، فقد تمر بين اقتراب الساعة ووقوعها ملايين السنين أو القرون.وإذا فمن الجائز أن يكون السد قد فتح ما بين : « اقتربت الساعة » ، ويومنا هذا.وتكون غارات المغول والتتار التي اجتاحت الشرق ، هي انسياح يأجوج ومأجوج .. وكل ما نقوله ترجيح لا يقين ".
هذه بعض حجج القائلين بأنه لا مانع من أن يكون يأجوج ومأجوج قد خرجوا.
وهناك فريق آخر من العلماء ، يرون أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد ، وأن خروجهم إنما يكون قرب قيام الساعة.
ومن العلماء الذين أيدوا ذلك صاحب أضواء البيان ، فقد قال - رحمه اللّه - ما ملخصه :
اعلم أن هذه الآية : فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وآية الأنبياء : حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ قد دلتا في الجملة على أن السدَّ الذي بناه ذو القرنين ، دون يأجوج ومأجوج ، إنما يجعله اللّه دكا عند مجيء الوقت الموعود بذلك فيه. وقد دلتا على أنه بقرب يوم القيامة .. لأن المراد بيومئذ في قوله وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ أنه يوم مجيء وعد ربي بخروجهم وانتشارهم في الأرض.
وآية الأنبياء تدل في الجملة على ما ذكرنا هنا. وذلك يدلُّ على بطلان قول من قال : إنهم « روسيا » وأن السدَّ فتِح منذ زمن طويل.(1/87)
والاقتراب الذي جاء في قوله - تعالى - اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وفي الحديث : « ويل للعرب من شر قد اقترب » لا يستلزم اقترانه من دكِّ السدِّ ، بل يصح اقترابُه مع مهلة.
وهذه الآيات لا يتمُّ الاستدلال بها على أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد - إلا بضميمة الأحاديث النبوية لها.
ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه في ذلك ، وفيه : خروج الدجال وبعث عيسى ، وقتله للدجال .. ثم يبعث اللّه يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون.فينحاز عيسى ومن معه من المؤمنين إلى الطور .. ثم يرسل اللّه على يأجوج ومأجوج النغف في رقابهم فيموتون.
وهذا الحديث الصحيح قد رأيت فيه تصريح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن اللّه يوحى إلى عيسى ابن مريم بخروج يأجوج ومأجوج بعد قتله الدجال فمن يدعي أنهم « روسيا » وأن السدَّ قد اندكَّ منذ زمان ، فهو مخالف لما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - مخالفة صريحة لا وجه لها ، ولا شك أن كل خبر يخالف الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - فهو باطل ، لأن نقيض الخبر الصادق. كاذب ضرورة كما هو معلوم.
ولم يثبت في كتاب اللّه ولا في سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - شيء يعارض هذا الحديث الذي رأيت صحة سنده ، ووضوح دلالته على المقصود .. » اهـ.
والذي يبدو لنا أن ما ذهب إليه صاحب أضواء البيان ، أقرب إلى الحق والصواب للأسباب التي ذكرها ، ولقرينة تذييل الآيات التي تحدثت عن يأجوج ومأجوج عن أهوال يوم القيامة،ففي سورة الكهف يقول اللّه - تعالى - في أعقاب الحديث عنهم : وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً.
وفي سورة الأنبياء يقول اللّه - تعالى - : حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ...(1/88)
وفضلا عن كل ذلك فإن الحديث الذي رواه الإمام مسلم عنهم ، صريح في أن خروجهم سيكون من علامات الساعة ، واللّه - تعالى - أعلم. " (1)
قلت : هذا هو الصواب بلا ريب .
وأغرب الطاهر بن عاشور حيث قال :
" "حتى" ابتدائية. والجملة بعدها كلام مستأنف لا محل له من الإعراب ولكن "حتى" تكسبه ارتباطا بالكلام الذي قبله. وظاهر كلام الزمخشري: أن معنى الغاية لا يفارق "متى" حين تكون للابتداء، ولذلك عني هو ومن تبعه من المفسرين بتطلب المغيا بها هاهنا فجعلها في الكشاف غاية لقوله: {وَحَرَامٌ} فقال: "حتى" متعلقة بـ {وَحَرَامٌ} وهي غاية له لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة" اهـ. أي فهو من تعليق الحكم على أمر لا يقع كقوله تعالى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} . ويتركب على كلامه الوجهان اللذان تقدما في معنى الرجوع من قوله تعالى: {أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} ، أي لا يرجعون عن كفرهم حتى ينقضي العالم، أو انتفاء رجوعهم إلينا في اعتقادهم يزول عند انقضاء الدنيا. فيكون المقصود الإخبار عن دوام كفرهم على كلا الوجهين. وعلى هذا التفسير ففتح يأجوج ومأجوج هو فتح السد الذي هو حائل بينهم وبين الانتشار في أنحاء الأرض بالفساد، وهو المذكور في قصة ذي القرنين في سورة الكهف.
وتوقيت وعد الساعة بخروج يأجوج ومأجوج أن خروجهم أول علامات اقتراب القيامة.
وقد عده المفسرون من الأشراط الصغرى لقيام الساعة.
وفسر اقتراب الوعد باقتراب القيامة. وسميت وعدا لأن البعث سماه الله وعدا في قوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} .
__________
(1) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم لطنطاوي- موافق للمطبوع - (8 / 578) و تفسير القاسمى ج 11 ص 1414و تفسير المراغي ج 16 ص 20وفي ظلال القرآن ج 16 ص 2293و راجع تفسير أضواء البيان ج 4 ص 181 وما بعدها للشيخ محمد الأمين الشنقيطى.(1/89)
وعلى هذا أيضا جعلوا ضمير {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} عائد إلى {يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} فالجملة حال من قوله: {يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} .
وبناء على هذا التفسير تكون هذه الآية وصفت انتشار يأجوج ومأجوج وصفا بديعا قبل خروجهم بخمسة قرون فعددنا هذه الآية من معجزات القرآن العلمية والغيبية. ولعل تخصيص هذا الحادث بالتوقيت دون غيره من علامات قرب الساعة قصد منه مع التوقيت إدماج الإنذار للعرب المخاطبين ليكون ذلك نصب أعينهم تحذيرا لذرياتهم من كوارث ظهور هذين الفريقين فقد كان زوال ملك العرب العتيد وتدهور حضارتهم وقوتهم على أيدي يأجوج ومأجوج وهم المغول والتتار كما بين ذلك الإنذار النبوي في ساعة من ساعات الوحي. فقد روت زينب بنت جحش أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعا يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج هكذا وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها".
والاقتراب على هذا اقتراب نسبي على نسبة ما بقي من أجل الدنيا بما مضى منه كقوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}.
ويجوز أن يكون المراد بفتح يأجوج ومأجوج تمثيل إخراج الأموات إلى الحشر، فالفتح معنى الشق كقوله تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} ويكون اسم يأجوج ومأجوج تشبيها بليغا. وتخصيصهما بالذكر لشهرة كثرة عددهما عند العرب من خبر ذي القرنين. ويدل لهذا حديث أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول الله لآدم يوم القيامة أخرج بعث النار، فيقول: يارب، وما بعث النار1? فيقول الله: من كل ألف تسعمائة وتسعه وتسعون. قالوا: يا رسول الله: وأينا ذلك الواحد2? قال: أبشروا، فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعه وتسعين" .
أو يكون اسم يأجوج ومأجوج استعمل مثلا للكثرة كما في قول ذي الرمة:
لو أن يأجوج ومأجوج معا ... وعاد عاد واستجاشوا تبعا
أي حتى إذا أخرجت الأموات كيأجوج ومأجوج على نحو قوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} ، فيكون تشبيها بليغا من تشبيه المعقول بالمعقول. ويؤيده(1/90)
قراءة ابن عباس وابن مسعود ومجاهد، "جدث" بجيم ومثلثة، أي من كل قبر في معنى قوله تعالى: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} فيكون ضميرا {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} عائدين إلى مفهوم من المقام دلت عليه قرينة الرجوع من قوله تعالى: {لَا يَرْجعُونَ} أي أهل كل قرية أهلكناها.
والاقتراب، على هذا الوجه: القرب الشديد وهو المشارفة، أي اقترب الوعد الذي وعده المشركون، وهو العذاب بأن رأوا النار والحساب. " (1)
قلت :السنَّةُ الصحيحةُ الصريحة تردُّ كلامَه ، وتبين خطأه .
وأما الأدلة من السنة على خروجهم فهي كثيرة :
فعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِى سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ - رضى الله عنهن أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ » . وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِى تَلِيهَا . قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ » (2) .
ومنها : حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه الذي تقدم ذكره كثيرا ، وفيه : « فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّى قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِى لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِى إِلَى الطُّورِ. وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ. وَيُحْصَرُ نَبِىُّ اللَّهُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهُمُ النَّغَفَ فِى رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ فَلاَ يَجِدُونَ فِى الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ
__________
(1) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (17 / 107)
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (3346 ) و صحيح مسلم- المكنز - (7416 )(1/91)
مَطَرًا لاَ يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ أَنْبِتِى ثَمَرَتَكِ وَرُدِّى بَرَكَتَكِ.» (1)
وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِىِّ قَالَ اطَّلَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ « مَا تَذَاكَرُونَ ». قَالُوا نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ « إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ ». فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ. (أخرجه مسلم ) (2) 0
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى فَتَذَاكَرُوا السَّاعَةَ ، فَبَدَؤُوا بِإِبْرَاهِيمَ فَسَأَلُوهُ عَنْهَا ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهَا ، فَسَأَلُوا مُوسَى فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْمٌ ، فَرَدُّوا الْحَدِيثَ إِلَى عِيسَى ، فَقَالَ : عَهِدَ اللَّهُ إلَيَّ فِيمَا دُونَ وَجْبَتِهَا ، فَأَمَّا وَجْبَتُهَا فَلاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ فَذَكَرَ مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ فَأَهْبِطُ فَأَقْتُلُهُ ، فَيَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلاَدِهِمْ فَيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، لاَ يَمُرُّونَ بِمَاءٍ إِلاَّ شَرِبُوهُ وَلاَ شَيْءٍ إِلاَّ أَفْسَدُوهُ ، فَيَجِرونَ إلَيَّ فَأَدْعُو اللَّهَ فَيُمِيتهُمْ ، فَتجْوَى الأَرْضُ مِنْ رِيحِهِمْ ، فَيَجِرونَ إِلَيَّ ، فَأَدْعُو اللَّهَ ، فَيُرْسِلُ السَّمَاءَ بِالْمَاءِ فَتَحْمِلُ أَجْسَادَهُمْ فَتَقْذِفُهَا فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ تُنْسَفُ الْجِبَالُ وَتُمَدُّ الأَرْضُ مَدَّ الأَدِيمِ ، ثُمَّ يُعْهَدُ إلَيَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ ، أَنَّ السَّاعَةَ مِنَ النَّاسِ كَالْحَامِلِ الْمُتِمّ ، لاَ يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلاَدَتِهَا ، قَالَ الْعَوَّامُ : فَوَجَدْت تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}. (3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : " لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتَذَاكَرُوا السَّاعَةَ مَتَى هِيَ فَبَدَأُوا فَسَأَلُوهُ عَنْهَا ، فَلَمْ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7560 )
(2) - برقم(7467)
(3) - مصنف ابن أبي شيبة - (21 / 233) (38680) حسن(1/92)
يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْمٌ فَرَدُّوا الْحَدِيثَ إِلَى عِيسَى - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : عَهْدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَىَّ فِيمَا دُونَ وَجْبَتِهَا فَأَمَّا وَجْبَتُهَا فَلَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ ، قَالَ : فَذَكَرَ خُرُوجَ الدَّجَّالِ ، فَأَهْبِطُ فَأَقْتُلُهُ ، قَالَ : ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ فَيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، لَا يَمُرُّونَ بِمَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ وَلَا بِشَيْءٍ إِلَّا أَفْسَدُوهُ ، فَيَنْحَازُونَ إِلَيَّ فَأَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَيَفْتَحُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِالْمَاءِ فَيَحْمِلُ أَجْسَادَهُمْ فَيَقْذِفُهَا فِي الْبَحْرِ " (1)
وعَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " لَقِيت لَيْلَة الْإِسْرَاء إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى فَتَذَاكَرُوا أَمْر السَّاعَة , وَرَدُّوا الْأَمْر إِلَى إِبْرَاهِيم فَقَالَ إِبْرَاهِيم : لَا عِلْم لِي بِهَا , فَرَدُّوا الْأَمْر إِلَى مُوسَى , فَقَالَ مُوسَى : لَا عِلْم لِي بِهَا , فَرَدُّوا الْأَمْر إِلَى عِيسَى ; قَالَ عِيسَى : أَمَّا قِيَام السَّاعَة لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه , وَلَكِنَّ رَبِّي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِمَا هُوَ كَائِن دُون وَقْتهَا , عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّ الدَّجَّال خَارِج , وَأَنَّهُ مُهْبِطِي إِلَيْهِ , فَذَكَرَ أَنَّ مَعَهُ قَصَبَتَيْنِ , فَإِذَا رَآنِي أَهْلَكَهُ اللَّه , قَالَ : فَيَذُوب كَمَا يَذُوب الرَّصَاص , حَتَّى إِنَّ الْحَجَر وَالشَّجَر لِيَقُولَ : يَا مُسْلِم هَذَا كَافِر فَاقْتُلْهُ , فَيُهْلِكهُمْ اللَّه , وَيَرْجِع النَّاس إِلَى بِلَادهمْ وَأَوْطَانهمْ فَيَسْتَقْبِلهُمْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ , لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْء إِلَّا أَكَلُوهُ , وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاء إِلَّا شَرِبُوهُ , فَيَرْجِع النَّاس إِلَيَّ , فَيَشْكُونَهُمْ , فَأَدْعُو اللَّه عَلَيْهِمْ فَيُمِيتهُمْ حَتَّى تَجْوَى الْأَرْض مِنْ نَتِن رِيحهمْ , فَيَنْزِل الْمَطَر , فَيَجُرّ أَجْسَادهمْ , فَيُلْقِيهِمْ فِي الْبَحْر , ثُمَّ يَنْسِف الْجِبَال حَتَّى تَكُون الْأَرْض كَالْأَدِيمِ , فَعَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ السَّاعَة مِنْهُمْ كَالْحَامِلِ الْمُتِمّ الَّتِي لَا يَدْرِي أَهْلهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادِهَا , لَيْلًا أَوْ نَهَارًا " .
وفي رواية عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - اِلْتَقَى هُوَ وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمْ السَّلَام .فَتَذَاكَرُوا أَمْر السَّاعَة . فَذَكَرَ نَحْو الحَدِيث السابق, وَزَادَ فِيهِ : قَالَ الْعَوَّام بْن حَوْشَب : فَوَجَدْت تَصْدِيق ذَلِكَ فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَة أَبْصَار الَّذِينَ كَفَرُوا } [ الأنبياء / 96 : 97 ] وَقَالَ : { فَإِذَا
__________
(1) - السُّنَنُ الْوَارِدَةُ فِي الْفِتَنِ لِلدَّانِي (673 ) حسن(1/93)
جَاءَ وَعْد رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْد رَبِّي حَقًّا } يَقُول : وَكَانَ وَعْد رَبِّي الَّذِي وَعَدَ خَلْقه فِي دَكّ هَذَا الرَّدْم , وَخُرُوج هَؤُلَاءِ الْقَوْم عَلَى النَّاس , وَعَيْثهمْ فِيهِ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ وَعْده حَقًّا , لِأَنَّهُ لَا يُخْلِف الْمِيعَاد فَلَا يَقَع غَيْر مَا وَعَدَ أَنَّهُ كَائِن. (1)
وعن أبي سعيد الخدريّ، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "يُفْتَحُ يَأْجُوجُ ومأْجُوجَ فَيَخْرُجُونَ على النَّاسِ كمَا قال الله عز وجل( وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) فَيَغْشَوْنَ الأرْضَ، ويَنْحازُ المُسْلِمُونَ عَنْهُمْ إلى مَدَائِنِهمْ وحُصونِهِمْ، وَيَضُمَّونَ إلَيْهِمْ مَوَاشِيهِمْ، فَيَشْرَبُونَ مِياهَ الأرْضِ، حتى إنَّ بَعْضَهُم لَيَمُرُّ بالنَّهْرِ فَيَشْرَبُونَ ما فِيهِ، حتى يَتْركُوه يَابِسًا، حتى إنَّ مَنْ بَعْدَهُم لَيَمُرُّ بذلكَ النَّهْرِ، فَيَقُولُ: لَقَدْ كانَ هَا هُنا ماءٌ مَرَّةً، حتى لمْ يَبْقَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إلا انحازَ إلى حِصْنٍ أوْ مَدِينَةٍ، قالَ قائِلُهُم: هَؤْلاء أهْلُ الأرْضِ قَدْ فَرَغْنا مِنْهُمْ، بَقِيَ أهْلُ السَّماءِ، قالَ: ثُمَّ يَهُزُّ أحَدُهُمْ حَرْبَتَهُ، ثُمَّ يَرْمي بها إلى السَّماءِ، فَتَرْجِعُ إلَيْهِ مُخَضبَةً دَما للبلاء والفِتْنَةِ ، فَبَيْنَا هُمْ على ذلكَ، بَعَثَ اللهُ عَلَيْهِمْ دُودًا في أعناقِهِمْ كالنَّغَفِ، فَتَخْرُجُ فِي أعْناقِهِمْ فيُصْبِحُون مَوْتَى، لا يُسْمَعُ لَهُمْ حِسٌّ، فَيَقُولُ المُسْلِمُونَ: ألا رَجُلٌ يَشْرِي لنَا نَفْسَهُ، فَيَنْظُرُ ما فعل العدوّ، قال: فَيَتَجَرَّدُ رَجُلٌ مِنْهُمْ لذلكَ مُحْتَسِبا لِنَفْسِهِ، قَدْ وَطَّنَها على أنَّهُ مَقْتُولٌ، فَيَنزلُ فَيَجِدُهُمْ مَوْتَى، بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ، فَيُنادِي: يا مَعْشَرَ المُسْلِمينَ، ألا أبشرُوا، فإنَّ اللهَ قَدْ كَفاكُمْ عَدُوَّكُمْ، فيَخْرُجونَ مِنْ مَدَائنهم وَحُصُونِهِمْ، وَيُسَرّحُونَ مَوَاشِيَهُمْ، فَمَا يَكُونُ لَهَا رَعْيٌ إلا لُحُومُهُمْ، فَتشْكرُ عَنْهُمْ أحْسَنَ ما شَكَرَتْ عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّباتِ أصَابَتْ قَطّ". (2)
إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على خروجهم وأنه يجب الإيمان بها وتصديقها .
قال ابن قدامة المقدسي - رحمه الله - : " ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وصح به النقل فيما شاهدناه أو غاب عنا ، نعلم أنه حق وصدق ، وسواء في ذلك ما عقلناه وما جهلناه ، ولم نطلع على حقيقة معناه مثل حديث الإسراء والمعراج . . . إلى أن قال :
__________
(1) - تفسير الطبري - (18 / 65) (17611 و17612) حسن
(2) - تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة - (18 / 109) وهو حديث حسن(1/94)
ومن ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال ، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله وخروج يأجوج ومأجوج . . . " (1)
وقال القاضي عياض : " الأحاديث الواردة في يأجوج ومأجوج : هذه الأخبار على حقيقتها يجب الإيمان بها ؛ لأن خروج يأجوج ومأجوج من علامات الساعة ، وقد ورد في خبرهم أنه لا قدرة لأحد على قتالهم من كثرتهم ، وأنهم يحصرون نبي الله عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين الذين نجوا من الدجال ، فيدعو عليهم فيهلكهم الله عز وجل أجمعين بالنغف - وهو دود في رقابهم - فيؤذون الأرض والمؤمنين بنتنهم ، فيدعو عيسى وأصحابه ربهم فيرسل الله طيرا فتحملهم حيث شاء الله " (2)
وقال السفاريني - رحمه الله - : " إن خروجهم من وراء السد على الناس حق ثابت لوروده في الذكر وثبوته عن سيد البشر ، ولم يحله عقل فوجب اعتقاده " (3)
المسألة الثالثة : السد ويأجوج ومأجوج
بنى ذو القرنين سد يأجوج ومأجوج ليحجز بينهم وبين جيرانهم الذين استغاثوا به منهم . وقد ورد في القرآن الكريم ذكر هذا السد ، فقال تعالى : { قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا }{ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا } ( سورة الكهف ، الآيتان : 94 ، 95) .هذا ما ورد في القرآن على بناء هذا السد .
أما مكانه : ففي جهة المشرق لقوله تعالى : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ } (سورة الكهف ، الآية : 90 ) . (4)
وعلى كل حال فإن من واجب المسلم أن يؤمن بوجود قبيلين اسماهما المعرّبان يأجوج ومأجوج وبأنهما خلق عجيب من خلق اللّه من بني آدم وبأنهما يخرجان في آخر الزمان من كل حدب لأن ذلك مما ورد في القرآن بصراحة وقطعية ، ومما ورد عنه تفصيل في
__________
(1) - إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة - (1 / 6) و لمعة الاعتقاد لابن قدامة ص ( 30 )
(2) - إكمال المعلم ( 6 / 115 ، 116 ) .
(3) - لوامع الأنوار ( 2 / 116 ) .
(4) - انظر : تفسير ابن كثير ( 5 / 195 ) .(1/95)
أحاديث وردت في كتب الأحاديث الصحيحة أيضا ولو لم تدرك أمرهم العقول العادية ، مع الوقوف عند ما وقف عنده القرآن ، والثابت من الأحاديث النبوية ومع الإيمان بأنه لا بد من أن يكون لذكرهم بالأسلوب الذي ذكروا به حكمة. (1)
لذا فإن البحث في تحديد مكان السد لا يهم كثيرا ؛ ولا يحصل بعدم معرفته خلل في الاعتقاد ؛ لأن المقصود بيان أن ما أخبرنا الله تعالى به ، وما جاء في الأحاديث الصحيحة من أن سد يأجوج ومأجوج موجود إلى أن يأتي الوقت المحدد لدك هذا السدِّ - سواء أكان مادًّا أم معنويا - وخروج يأجوج ومأجوج ، وذلك عند دنو الساعة بهما في قوله عز وجل : { قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا }{ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } (سورة الكهف ، الآيتان : 98، 99) ، كل ذلك : حقيقة يجب التصديق به .
وأما قول من قال بأنه ما زال موجودا بعد وجود كل وسائل الاتصال وكشف الفضاء ، وأنه هو الذي يمنعهم من الخروج استنادا لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّدِّ ، قَالَ : يَحْفِرُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ ، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَخْرِقُونَهُ ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ : ارْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا ، قَالَ : فَيُعِيدُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَأَشَدِّ مَا كَانَ ، حَتَّى إِذَا بَلَغُوا مُدَّتَهُمْ ، وَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ : ارْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاسْتَثْنَى ، قَالَ : فَيَرْجِعُونَ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ ، فَيَخْرِقُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ ، فَيَسْتَقُونَ الْمِيَاهَ ، وَيَفِرُّ النَّاسُ مِنْهُمْ ، فَيَرْمُونَ سِهَامَهُمْ فِي السَّمَاءِ ، فَتَرْجِعُ مُخَضَّبَةً بِالدِّمَاءِ ، فَيَقُولُونَ : قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْضِ ، وَغَلَبْنَا مَنْ فِي السَّمَاءِ قُوَّةً وَعُلُوًّا ، قَالَ : فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ ، قَالَ : فَيُهْلِكُهُمْ ، قَالَ : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، إِنَّ دَوَابَّ الأَرْضِ لَتَسْمُنُ وَتَبْطُرُ ، وَتَشْكُرُ شُكْرًا ، وَتَسْكَرُ سُكْرًا مِنْ لُحُومِهِمْ " (2)
__________
(1) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (5 / 106)
(2) - المستدرك للحاكم(8501) , حم 2/510 وكثير 5/193 وبداية 2/112 وفتح 13/106 ومجمع 8/6 ومطالب (4600) ومنحة (2786) وطب 11/366 والطبرى 16/18 وهـ (4080) والصحيحة (1735) وصحيح الجامع (1735) وصححه ابن حبان والترمذى والحاكم والذهبى والألباني
يقال : شكرت الشاة بالكسر تشكر شكرا بالتحريك إذ سمنت وامتلأ ضرعها لبنا ، والمعنى : أن دواب الأرض تسمن وتمتلئ شحما . النهاية في غريب الحديث ( 2 / 494 ) -السكر بفتح السين والكاف : الخمر ، ويطلق السكر على الغضب والامتلاء . انظر : النهاية في غريب الحديث ( 2 / 383 ) .(1/96)
قال العلامة ابن كثير فى تفسيره : " وهذا إسناده قوي، ولكن في رفعه نكارة؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدته. ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار: أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل، فيقولون: غدًا نفتحه. فيأتون من الغد وقد عاد كما كان، فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل، فيقولون كذلك، ويصبحون وهو كما كان، فيلحسونه ويقولون: غدًا نفتحه. ويلهمون أن يقولوا: "إن شاء الله"، فيصبحون وهو كما فارقوه، فيفتحونه. وهذا مُتَّجه، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب. فإنه كثيرًا ما كان يجالسه ويحدثه، فحدث به أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع، فرفعه، والله أعلم.
ويؤكد ما قلناه -من أنهم لم يتمكنوا من نقبه ولا نقب شيء منه، ومن نكارة هذا المرفوع- ما روي عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِى سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِى سُفْيَانَ حَدَّثَتْهَا عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا » . وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ وَبِالَّتِى تَلِيهَا ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ » (1) . هذا حديث صحيح، اتفق البخاري ومسلم على إخراجه.. (2)
وقال أستاذنا الشيخ شعيب حفظه الله :
" قلت: ومما يؤيد ما قاله ابن كثير أن الوهم من بعض الرواة ما رواه مسلم بن الحجاج في كتابه "التمييز" (3) : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، حدثنا مروان الدمشقي، عن الليث بن سعد، حدثني بكير بن الأشج، قال: قال لنا بسر بن سعيد: اتقوا الله وتحفظوا
__________
(1) - أخرجه الشيخان وغيرهما انظر تخريجه مفصلاً في المسند الجامع - (19 / 259) (15944)
(2) - وانظر تفسير ابن كثير - دار طيبة - (5 / 198)
(3) - "التمييز" ص 128(1/97)
من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويحدثنا عن كعب الأحبار ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذكره ابن كثير في "البداية" (1) عن مسلم، وقال بإثره: وفي رواية: يجعل ما قاله كعب الأحبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما قاله رسول الله عن كعب، فاتقوا الله وتحفظوا من الحديث. (2)
أقول :
ما رجحه ابن كثير هو الراجح ، لأنه إذا بدئ بنقبه منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد انتهى أمره منذ زمان ، كسدٍّ ماديّ يمنع هؤلاء الناس من الخروج والاتصال بمن سواهم من الشعوب والأمم الأخرى - والأغلب أنهم أهل الصين وكوريا ومنشوريا بني الأصفر -
فالسدُّ اليوم قد اندثر ، ولم يعدْ مانعاً من خروجهم ، إنما الذي يمنعهم هو السَّدُّ المعنويُّ
وكل ذلك يسمَّى سدًّا ،إلى أن يأذن الله بذلك ،وهم بشر مثلنا تماماً . وقد نسجت حولهم خرافات وأباطيل في كتب السنَّة ينبغي الحذر منها .
وأما الزعم أنهم موجودون خلف السدِّ وأنه السدَّ ما زال موجودا يمنعهم من الخروج ، وذلك لأننا لم نكتشف كثيرا من أجزاء الأرض ، فهو فيما أرى نقض لكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - المتفق على صحته من أنهم بدؤوا بنقبه منذ عهده . (3)
المسألة الرابعة : هلاك يأجوج ومأجوج وطيب العيش وبركته بعد موتهم
بعد طغيان يأجوج ومأجوج وإفسادهم وعتوهم في الأرض وإهلاكهم للحرث والنسل ، يتضرع نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام وأصحابه إلى الله سبحانه وتعالى ، ليكشف عنهم ما حل بهم من البلاء والمحن التي لم يجدوا بأنفسهم حيلة ولا قوة لدفعها ، فيستجيب الله لهم ، فيسلط الله عليهم الدود الصغير فيهلكهم فيصبحون موتى موت الجراد ، يركب
__________
(1) - "البداية" 8/109،
(2) - صحيح ابن حبان - (15 / 243)وانظر: "تاريخ ابن عساكر" 19/21/2، و"سير أعلام النبلاء" 2/606، وقد وهم الشيخ ناصر الدين الألباني في تصحيح هذا الحديث ورده على ابن كثير.
(3) - انظر : أشراط الساعة - (1 / 185) و إتحاف الجماعة ( 2 / 297 ) ،والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ( 214 ) .فقد تكلموا بكلام كثير حول هذا الموضوع ، ليس فيه كبير فائدة فيما أرى .(1/98)
بعضهم بعضا ، فتمتلئ الأرض من نتنهم ، فيؤذون الناس بنتنهم أشد من حياتهم ، فيتضرع نبي الله عيسى وأصحابه ثانية إلى الله عز وجل فيرسل طيرا تحملهم وتطرحهم في البحر ، ثم يرسل مطرا تغسل آثارهم ، ثم يأمر الله الأرض لترد بركتها وتنبت ثمارها ، فيعم الرخاء ، وتطرح البركة فيعيش عيسى ابن مريم وأصحابه في عيش رغيد .
ففي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه الطويل الذي مر ذكره فيما سبق أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال فيه : « فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ ، إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى : إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي ، لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ ، وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا ، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ : لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِئَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ ، فَلاَ يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ ، فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا لاَ يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ ، فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ : أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا ، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ.»
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : يُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ ، يَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} ، فَيَغْشَوْنَ الأَرْضَ ، وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ إِلَى مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ ، وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيَهُمْ ، وَيَشْرَبُونَ مِيَاهَ الأَرْضِ ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَمُرُّ بِالنَّهَرِ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهِ ، حَتَّى يَتْرُكُوهُ يَبَسًا(1/99)
، حَتَّى إِنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ لَيَمُرُّ بِذَلِكَ النَّهَرِ فَيَقُولُ : قَدْ كَانَ هَاهُنَا مَاءٌ مَرَّةً ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ أَحَدٌ فِي حِصْنٍ ، أَوْ مَدِينَةٍ قَالَ قَائِلُهُمْ : هَؤُلاَءِ أَهْلُ الأَرْضِ ، قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ ، بَقِيَ أَهْلُ السَّمَاءِ ، قَالَ : ثُمَّ يَهُزُّ أَحَدُهُمْ حَرْبَتَهُ ثُمَّ يَرْمِي بِهَا إِلَى السَّمَاءِ ، فَتَرْجِعُ إِلَيْهِ مُخْتَضِبَةً دَمًا ، لِلْبَلاَءِ وَالْفِتْنَةِ ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ ، إِذْ بَعَثَ اللَّهُ دُودًا فِي أَعْنَاقِهِمْ ، كَنَغَفِ الْجَرَادِ الَّذِي يَخْرُجُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ، فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى لاَ يُسْمَعُ لَهُمْ حِسًّا ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ : أَلاَ رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ فَيَنْظُرَ مَا فَعَلَ هَذَا الْعَدُوُّ . قَالَ : فَيَتَجَرَّدُ رَجُلٌ مِنْهُمْ لِذَلِكَ مُحْتَسِبًا لِنَفْسِهِ قَدْ أَظَنَّهَا عَلَى أَنَّهُ مَقْتُولٌ ، فَيَنْزِلُ ، فَيَجِدُهُمْ مَوْتَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَيُنَادِي : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، أَلاَ أَبْشِرُوا ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَاكُمْ عَدُوَّكُمْ . فَيَخْرُجُونَ مِنْ مَدَائِنِهِمْ ، وَحُصُونِهِمْ ، وَيُسَرِّحُونَ مَوَاشِيَهُمْ ، فَمَا يَكُونُ لَهَا رَعْيٌ إِلاَّ لُحُومُهُمْ ، فَتَشْكَرُ عَنْهُ كَأَحْسَنِ مَا تَشْكَرُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّبَاتِ أَصَابَتْهُ قَطُّ. (1)
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (4 / 193)(11731) 11754- والحاكم في المستدرك ( 2 / 245 ) ( 4 / 489 ) وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي .صحيح(1/100)
المبحث الخامس
طلوع الشمس من مغربها
طلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة الكبرى كما هو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع العلماء
قال الله تعالى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ } (سورة الأنعام ، آية : 158 ) .
قال ابن جرير الطبري بعد ذكره لأقوال المفسرين في الآية : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « ذلك حين تطلع الشمس من مغربها » (1)
وعن أبي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا ، فَذَاكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا ، لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل (2)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ ، فَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا ، لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلاَ يَطْعَمُهُ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِى فِيهِ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا » . (3)
__________
(1) - تفسير ابن جرير الطبري ( 8 / 103 ) .
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (4635 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1413)
(3) - صحيح البخارى- المكنز - (6506 ) أطرافه 85 ، 1036 ، 1412 ، 3608 ، 3609 ، 4635 ، 4636 ، 6037 ، 6935 ، 7061 ، 7115 ، 7121 - تحفة 13749(1/101)
وعَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ». (1)
وعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ ، فَقَالَ : مَا جَاءَ بِكَ ؟ فَقُلْتُ : ابْتِغَاءُ الْعِلْمِ ، فَقَالَ : لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَفْعَلُ .. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.- قَالَ : فَمَا بَرِحَ يُحَدِّثُنِي حَتَّى حَدَّثَنِي : أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ بِالْمَغْرِبِ بَابًا مَسِيرَةُ عَرْضِهِ سَبْعُونَ عَامًا لِلتَّوْبَةِ ، لاَ يُغْلَقُ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}. (2)
وعَنْ زِرِّ بن حُبَيْشٍ، قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بن عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا أَصْلَعُ؟ فَقُلْتُ: ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْمَلائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًى بِمَا يَصْنَعُ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ حَاكَ، أَوْ حَالَ، فِي نَفْسِي الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَهَلْ حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنَّا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَوْ مُسَافِرِينَ"أَمَرَنَا أَنْ لا نَخْلَعَ خِفَافَنَا ثَلاثًا إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ: غَائِطٍ، وَبَوْلٍ، وَنَوْمٍ".
قُلْتُ: فَهَلْ حَفِظْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْهَوَى شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي كَذَا وَكَذَا، فَنَادَاهُ رَجُلٌ فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ، بِصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ أَعْرَابِيٍّ، جِلْفٍ جَافٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَهْ، فَإِنَّكَ قَدْ نُهِيتَ عَنْ هَذَا، فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَحْوٍ مِنْ صَوْتِهِ، فَقَالَ:"هَاؤُمُ"، قَالَ: الْمَرْءُ يُحِبُّ الْقَوْمَ، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ، قَالَ:"الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ".
قَالَ فَمَا بَرِحَ يُحَدِّثُنِي حَتَّى حَدَّثَنِي:"أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ بِالْمَغْرِبِ بَابًا مَسِيرَةُ عَرْضِهِ سَبْعُونَ عَامًا لِلتَّوْبَةِ، لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ"، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "يَوْمَ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7165 )
(2) - مسند أحمد (عالم الكتب) - (6 / 204)(18100) 18277-18278-18279 صحيح(1/102)
يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا" [الأنعام: 158]. (1)
وعَنْ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه (2) عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " لَا تَزَال التَّوْبَة مَقْبُولَة حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا , فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ , وَكُفِيَ النَّاس الْعَمَل " . (3)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إِنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ . إِحْدَاهُمَا أَنْ يَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ , وَأَنْ يُهَاجِرَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَلَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتِ التَّوْبَةُ , وَلَا تَزَالُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا , فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ "
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَمُعَاوِيَةِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: " الْهِجْرَةُ خَصْلَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ، وَالْأُخْرَى أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقْبَلُ التَّوْبَةُ، وَلَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ، فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ، وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ " (4)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ ، فَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا ، لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (7 / 56) (7219 -7221) صحيح
(2) - شرح مشكل الآثار - (7 / 47) (2635 ) صحيح
(3) - تفسير الطبري - (10 / 402) (11060 ) صحيح
(4) - شعب الإيمان - (9 / 380) (6820 ) صحيح ، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ( 3 / 133 ) وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح ، وقال ابن كثير في النهاية الفتن والملاحم ( 1 / 221 ) . وهذا إسناد جيد قوي . وأخرجه البزار كما في كشف الأستار ( 2 / 304 ) والطبراني في المعجم الأوسط ( 1 / 69 ) . والكبير ( 19 / 381 ) ، وقال الهيتمي في المجمع ( 5 / 250 ) ، رواه أحمد والطبراني والبزار . . . ورجال أحمد ثقات .(1/103)
بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلاَ يَطْعَمُهُ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِى فِيهِ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا » . (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ثَلاَثٌ إِذَا خَرَجْنَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الأَرْضِ ». (2)
وقد ذكر القرطبي - رحمه الله - عدم قبول التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها فقال : " قال العلماء : وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوع الشمس من مغربها ؛ لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس ، وتفترُ كلُّ قوة من قوى البدن ، فيصيرُ الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانها من أبدانهم ، فمن تاب في مثل هذه الحالة لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت " (3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا ». (4)
وعَنْ أَبِي زُرْعَة , قَالَ : جَلَسَ ثَلَاثَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَرْوَان بْن الْحَكَم بِالْمَدِينَةِ , فَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُحَدِّث عَنْ الْآيَات , أَنَّ أَوَّلهَا خُرُوجًا الدَّجَّال .فَانْصَرَفَ الْقَوْم إِلَى عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , فَحَدَّثُوهُ بِذَلِكَ , فَقَالَ : لَمْ يَقُلْ مَرْوَان شَيْئًا , قَدْ حَفِظْت مِنْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ أَنْسَهُ , لَقَدْ سَمِعْت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُول : " إِنَّ أَوَّل الْآيَات خُرُوجًا : طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا , أَوْ خُرُوج الدَّابَّة عَلَى النَّاس ضُحًى , أَيَّتهمَا كَانَتْ قَبْل صَاحِبَتهَا فَالْأُخْرَى عَلَى أَثَرهَا قَرِيبًا " .ثُمَّ قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَكَانَ يَقْرَأ الْكُتُب : أَظُنّ أَوَّلهمَا خُرُوجًا طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا ; وَذَلِكَ أَنَّهَا كُلَّمَا غَرَبَتْ أَتَتْ تَحْت الْعَرْش ,
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (6506 ) وصحيح مسلم- المكنز - (413 )
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (417 )
(3) - التذكرة للقرطبي ( 2 / 753 ، 794 ) .
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (7570 )(1/104)
فَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوع , فَيُؤْذَن لَهَا فِي الرُّجُوع , حَتَّى إِذَا بَدَا لِلَّهِ أَنْ تَطْلُع مِنْ مَغْرِبهَا فَعَلَتْ كَمَا كَانَتْ تَفْعَل أَتَتْ تَحْت الْعَرْش , فَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوع , فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهَا شَيْئًا , فَتَفْعَل ذَلِكَ ثَلَاث مَرَّات لَا يَرُدّ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ , حَتَّى إِذَا ذَهَبَ مِنْ اللَّيْل مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَذْهَب , وَعَرَفَتْ أَنْ لَوْ أَذِنَ لَهَا لَمْ تُدْرِك الْمَشْرِق , قَالَتْ : مَا أَبْعَد الْمَشْرِق رَبّ مَنْ لِي بِالنَّاسِ , حَتَّى إِذَا صَارَ الْأُفُق كَأَنَّهُ طُوِّقَ اِسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوع , فَقِيلَ لَهَا : اُطْلُعِي مِنْ مَكَانك ! فَتَطْلُع مِنْ مَغْرِبهَا .ثُمَّ قَرَأَ : { يَوْم يَأْتِي بَعْض آيَات رَبِّك لَا يَنْفَع نَفْسًا إِيمَانهَا } . (1)
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - : " الذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض ، وينتهي ذلك بموت عيسى ابن مريم ، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي ، وينتهي ذلك بقيام الساعة ، ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب " (2)
قال البرزنجي في الإشاعة : وهذا جمع حسن - رحمه الله - (3)
وعَنْ أَبِى ذَرٍّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمًا « أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « إِنَّ هَذِهِ تَجْرِى حَتَّى تَنْتَهِىَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً وَلاَ تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِى ارْجِعِى مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِى حَتَّى تَنْتَهِىَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً وَلاَ تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِى ارْجِعِى مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِى لاَ يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِىَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ لَهَا ارْتَفِعِى أَصْبِحِى طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «
__________
(1) - تفسير الطبري - (10 / 402) (11061 ) صحيح
(2) - فتح الباري ( 11 / 353 ) .
(3) - الإشاعة لأشراط الساعة ص ( 350 ) .(1/105)
أَتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ ذَاكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا ». (1)
وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ : وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا أَنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ وَأَصْحَابَ الْمَعَانِي قَالُوا فِيهِ قَوْلَيْنِ ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ، أَيْ : لِأَجَلٍ أُجِّلَ لَهَا ، وَقَدَرٍ قُدِّرَ لَهَا ، يَعْنِي انْقِطَاعَ مُدَّةِ بَقَاءِ الْعَالَمِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مُسْتَقَرُّهَا غَايَةٌ مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ فِي صُعُودِهَا وَارْتِفَاعِهَا لِأَطْوَلِ يَوْمٍ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِي النُّزُولِ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى أَقْصَى مَشَارِقِ الشِّتَاءِ لِأَقْصَرِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ " مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ " فَلَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لَهَا اسْتِقْرَارٌ مَا تَحْتَ الْعَرشِ مِنْ حَيْثِ لَا نُدْرِكُهُ وَلَا نُشَاهِدُهُ ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ غَيْبٍ فَلَا نُكَذِّبُ بِهِ وَلَا نُكَيِّفُهُ ، لِأَنَّ عِلْمَنَا لَا يُحِيطُ بِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : أَنَّ عَلِمَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فِي كِتَابٍ كُتِبَ فِيهِ مَبَادِئُ أُمُورِ الْعَالَمِ وَنِهَايَاتُهَا ، وَالْوَقْتُ الَّذِي تَنْتَهِي إِلَيْهِ مُدَّتُهَا ، فَيَنْقَطِعُ دَوَرَانُ الشَّمْسِ وَتَسْتَقِرُّ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ فِعْلُهَا ، وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ ، الَّذِي بُيِّنَ فِيهِ أَحْوَالُ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ وَآجَالُهُمْ وَمَآلُ أُمُورِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ : وَفِي هَذَا ـ يَعْنِي الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ ـ إِخْبَارٌ عَنْ سُجُودِ الشَّمْسِ تَحْتَ الْعَرْشِ فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ مُحَاذَاتِهَا الْعَرْشَ فِي مَسِيرِهَا ، وَالْخَبَرُ عَنْ سُجُودِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ ، وَلَيْسَ فِي سُجُودِهَا لِرَبِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ مَا يَعُوقُهَا عَنِ الدَّأْبِ فِي سَيْرِهَا وَالتَّصَرُّفِ لِمَا سُخِّرَتْ لَهُ . قَالَ : فَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لَمَّا جَاءَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ أَنَّ الشَّمْسَ تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ نِهَايَةُ مُدْرِكِ الْبَصَرِ إِيَّاهَا حَالَ الْغُرُوبِ ، وَمَصِيرُهَا تَحْتَ الْعَرْشِ لِلسُّجُودِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ غُرُوبِهَا فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْخَبَرِ ، فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ وَلَيْسَ . مَعْنَى قَوْلِهِ تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ أَنَّهَا تَسْقُطُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فَتَغْمُرُهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنِ الْغَايَةِ الَّتِي بَلَغَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي مَسِيرِهِ حَتَّى لَمْ يَجِدْ وَرَاءَهَا مَسْلَكًا فَوَجَدَ الشَّمْسَ تَتَدَلَّى
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (418 )(1/106)
عِنْدَ غُرُوبِهَا فَوْقَ هَذِهِ الْعَيْنِ ، أَوْ عَلَى سَمْتِ هَذِهِ الْعَيْنِ ، وَكَذَلِكَ يَتَرَاءَى غُرُوبُ الشَّمْسِ لِمَنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ لَا يَرَى السَّاحِلَ ، يَرَى الشَّمْسَ كَأَنَّهَا تَغِيبُ فِي الْبَحْرِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ تَغِيبُ وَرَاءَ الْبَحْرِ ، وَفِي هَهُنَا بِمَعْنَى فَوْقَ ، أَوْ بِمَعْنَى عَلَى ، وَحُرُوفُ الصِّفَاتِ تُبَدَّلُ بَعْضُهَا مَكَانَ بَعْضٍ (1)
وفي فتاوى الشبكة الإسلامية :
" من المعلوم بدلالة المشاهدة علما قطعيا لا شبهة فيه أن الشمس طالعة في كل وقت لا تغيب عن مكان إلا ظهرت في مكان آخر، وهذا لا ينافي سجودها تحت العرش، كما أن سجودها لا يعوقها عن الدأب في مسيرها والتصرف لما سخرت له، لأن الشمس خاضعة لمشيئة الله مثل كل المخلوقات، فتكون في دورانها خاضعة في جميع أحوالها ساجدة تحت العرش. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ويحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة، أو تسجد بصورة الحال فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين. وقال الحافظ ابن حجر في موضع آخر: قال الخطابي: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن.. وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها . اهـ.
وقال الشيخ رشيد رضا : الشمس يصدق عليها أنها ساجدة تحت العرش بالمعنى الذي أثبت القرآن فيه سجود كل شيء لله عز وجل من الكواكب والشجر والنبات وغير ذلك، وذكرنا توجيها آخر لسجودها وهو أنه تمثيل لخضوعها في طلوعها وغروبها لمشيئة الله تعالى . اهـ." (2)
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ لِلْبَيْهَقِيِّ( 804 و805)
(2) - انظر : الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي - (1 / 132) ( 190 ) وسئل نفع الله به : إذا غابت الشمس أين تذهب ؟ وفتاوى الأزهر - (7 / 382) -سجود الشمس تحت العرش وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (9 / 941) رقم الفتوى 61100 سجود الشمس ونزول الله جل جلاله تاريخ الفتوى : 05 ربيع الأول 1426(1/107)
المبحث السادس
خروج الدابة
من أشراط الساعة الكبرى خروج دابة من الأرض في آخر الزمان تكلم الناس وتسميهم مؤمنا وكافرا ، وذلك عند فساد الناس وتركهم أوامر الله تعالى .
والكلام على هذه العلامة يشتمل على المسائل التالية :
المسألة الأولى : الأدلة على خروجها من الكتاب والسنة
قال تعالى : { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ } ( سورة النمل ، آية : 82 ) .
عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن معنى تكلمهم : تجرحهم ، بمعنى تكتب على جبين الكافر كافرا ، وعلى جبين المؤمن مؤمنا . وروي عنه أيضا بمعنى تخاطبهم .
قال الحافظ ابن كثير : " هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق . يخرج الله لهم دابة من الأرض فتكلم الناس على ذلك " (1)
وقال الألوسي: " أي تكلمهم بأنهم لا يتيقنون بآيات الله تعالى الناطقة بمجيء الساعة ومباديها أو بجميع آياته التي من جملتها تلك الآيات " (2)
فمنها عَنْ أَبِى أُمَامَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فَتَسِمُ النَّاسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ ثُمَّ يَغْمُرُونَ فِيكُمْ حَتَّى يَشْتَرِىَ الرَّجُلُ الْبَعِيرَ فَيَقُولُ مِمَّنِ اشْتَرَيْتَهُ فَيَقُولُ اشْتَرَيْتُهُ مِنْ أَحَدِ الْمُخَطَّمِينَ ». وَقَالَ يُونُسُ يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ « ثُمَّ يَغْمُرُونَ فِيكُمْ » (3) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا الدَّجَّالَ وَالدُّخَانَ وَدَابَّةَ الأَرْضِ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَأَمْرَ الْعَامَّةِ وَخُوَيِّصَةَ أَحَدِكُمْ ». (4)
__________
(1) - انظر : تفسير ابن كثير ( 3 / 351 )
(2) - جلاء العينين ص ( 27 ، 28 ) و انظر : روح المعاني ( 6 / 314 ).
(3) - مسند أحمد - المكنز - (22968) والصحيحة (322) وصحيح الجامع (2927) صحيح
الخرطوم : جمع خرطوم وهو الأنف وقيل مقدم الأنف وقيل ما ضم الرجل عليه الحنكين -المخطم : المخطم الذى به الخطام وهو خط يكوى من الأنف إلى أحد الخدين -يغمرون : يعلون ويغطون ويستغرقون
(4) - صحيح مسلم- المكنز - (7585 )
« خويصة أحدكم » أي : الواقعة التي تخص أحدكم ، يريد حادثة الموت التي تخص كل إنسان ، وهي تصغير خاصة ، وصغرت لاحتقارها في جنب ما بعدها من البعث والعرض والحساب . النهاية في غريب الحديث ( 2 / 37 ) .(1/108)
وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِىِّ قَالَ اطَّلَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ « مَا تَذَاكَرُونَ ».قَالُوا نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ « إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ ». فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ. (1)
وعَنْ أَبِى سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى غُرْفَةٍ وَنَحْنُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَاطَّلَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ « مَا تَذْكُرُونَ ». قُلْنَا السَّاعَةَ. قَالَ « إِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ فِى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَالدُّخَانُ وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الأَرْضِ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ تَرْحَلُ النَّاسَ ». (2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا » (3) .
المسألة الثانية : صفة الدابة (4)
اختلف العلماء في صفة الدابة إلى عدة أقوال كثيرة ، ولا يوجد قول يؤيده الوحي المعصوم ،قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - : " والآية صريحة بالقول العربي أنها ( دابة ) ، ومعنى الدابة في لغة العرب معروف واضح ، لا يحتاج إلى تأويل ، وقد بين الحديث بعض فعلها ، ووردت أحاديث كثيرة في الصحاح وغيرها بخروج هذه الدابة الآية ، وأنها
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7467 )
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7468 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7570 )
(4) - انظر تفسير القرطبي ( 13 / 236 ) ، والتذكرة له ( 2 / 818 ) وشرح النووي لمسلم ( 18 / 78 ) ، وفتح القدير للشوكاني ( 4 / 151 ) .(1/109)
تخرج آخر الزمان ، ووردت آثار أخر في صفتها لم تنسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبلغ عن ربه والمبين آيات كتابه ، فلا علينا أن ندعها .
ولكن بعض أهل عصرنا من المنتسبين إلى الإسلام ، الذين فشا فيهم المنكر من القول ، والباطل من الرأي ، الذين لا يريدون أن يؤمنوا بالغيب ، ولا يريدون إلا أن يقفوا عند حدود المادة التي رسمها لهم معلموهم وقدوتهم من ملحدي أوربا الوثنيين الإباحيين ، المتحللين من كل خلق ودين ، فهؤلاء لا يستطيعون أن يؤمنوا بما نؤمن به ، ولا يستطيعون أن ينكروا إنكارا صريحا ، فيجمجمون ويحاورون ويداورون ، ثم يتأولون فيخرجون الكلام عن معناه الوضعي الصحيح للألفاظ في لغة العرب ، يجعلونه أشبه بالرموز ، لما وقر في أنفسهم من الإنكار الذي يبطنون! .
بل إن بعضهم لينقل التأويل عن رجل هندي معروف أنه من طائفة تنتسب للإسلام ، وهي له عدو مبين ، وعبيد لأعدائه المستعمرين !!
فانظر إليهم أنى يترددون ويصرفون ؟ وأي نار يقتحمون ؟ ذلك بأنهم بآيات الله لا يوقنون " اهـ . (1)
فالواجب على كل مؤمن الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى سيخرج للناس دابة مخالفة لما يعتاده الناس تكلمهم وتختم على الكافر بالكفر وعلى المؤمن بالإيمان ، وهذا من الإيمان بالغيب الذي مدح الله به المؤمنين .
يقول العلامة عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - : " وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان وتكون من أشراط الساعة ، كما تكاثرت بذلك الأحاديث ولم يذكر الله ورسوله كيفية هذه الدابة ، وإنما ذكر أثرها والمقصود منها ، وأنها من آيات الله تكلم الناس كلاما خارقا للعادة حين يقع القول على الناس ، وحين يمترون بآيات الله فتكون حجة وبرهانا للمؤمنين وحجة على المعاندين " (2)
المسألة الثالثة : مكان خروج الدابة
__________
(1) - انظر : مسند الإمام أحمد بتحقيق الأستاذ أحمد محمد شاكر ( 15 / 82 ) .
(2) - تفسير ابن سعدي ( 5 / 603 ) .(1/110)
اختلف العلماء في مكان خروج الدابة إلى عدة أقوال :
القول الأول : أنها تخرج من جبل الصفا أو من المسجد الحرام بمكة المكرمة .
قال القرطبي : " واختلف من أي موضع تخرج ، فقال عبد الله بن عمر : تخرج من جبل الصفا بمكة ، يتصدع فتخرج منه ، وقال عبد الله بن عمرو نحوه ، قال : لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت " (1)
ومما يدل على خروجها من أعظم المساجد ، ما أخرجه الطبراني في الأوسط عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ - أَرَاهُ رَفَعَهُ - قَالَ : " تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ ، فَبَيْنَا هُمْ إِذْ دَبَّتِ الْأَرْضُ ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتْ " . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : تَخْرُجُ حِينَ يَسْرِي الْإِمَامُ مِنْ جَمْعٍ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ سَابِقَ الْحَاجِّ لِيُخْبِرَ النَّاسَ أَنَّ الدَّابَّةَ لَمْ تَخْرُجْ . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ . (2)
قال محمد صديق حسن خان : وهو المشهور (3)
القول الثاني : أن لها خرجات ، الأولى من أقصى البادية ، ثم تختفي ، ثم تخرج من بعض أودية تهامة ، ويصدق عليها أنه من وراء مكة ، وفي المرة الأخيرة تخرج من مكة . وهذا القول الأخير هو الذي يجمع بين الأقوال في خروجها .
يقول السخاوي - رحمه الله - " وتخرج كما في بعض المرفوعات أو الموقوفات ثلاث خرجات من الدهر ، فمرة من أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية ، يعني مكة ، ثم تكمن زمانا طويلا ثم تخرج مرة أخرى دون تلك فيعلو ذكرها في أهل البادية ويدخل ذكرها القرية ، يعني مكة ، " (4)
__________
(1) - تفسير القرطبي ( 13 / 263 ) .
(2) - المعجم الأوسط للطبراني - (1695) صحيح
(3) - الإذاعة ( 139 )
(4) - القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة للسخاوي ص ( 40 ) .(1/111)
ويقول محمد صديق حسن خان بعد ذكره للأقوال في خروج الدابة : ويجمع بين هذه الأقوال بما جاء في الأحاديث المرفوعة والموقوفة كما قال السخاوي وغيره من أنها تخرج ثلاث خرجات ، ثم ذكر كلام السخاوي السابق . (1)
المسألة الرابعة : عمل الدابة
عمل هذه الدابة كما جاءت به الأحاديث أنها تسم الناس المؤمن والكافر ، حتى إنه جاء في بعض الروايات : فتلقى المؤمن فتسمه في وجهه ، ويشترك الناس في الأقوال ويصطحبون في الأمصار ، يعرف المؤمن الكافر وبالعكس .
قال ابن كثير : وعن ابن عباس : تكلمهم ، تجرحهم ، يعني تكتب على جبين الكافر كافر ، وعلى جبين المؤمن مؤمن ، ومنه تخاطبهم ، وتخرجهم ، وهذا القول ينتظم من مذهبين وهو قوي حسن جامع ، والله تعالى أعلم (2)
ويتلخص عمل الدابة في الأمور التالية :
ا - أنها دابة تكلم الناس .
2 - أنها تسم المؤمن بعلامة وتجلو وجهه حتى ينير .
3 - أنها تسم الكافر بعلامة قيل : هي خطم الأنف .
قال ابن الأثير : يعني تصيبه فتجعل له أثرا مثل أثر الخطام (3)
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - الإذاعة ( 139 ) .
(2) - النهاية في الفتن والملاحم ( 1 / 208 ) .
(3) - النهاية في غريب الحديث ( 2 / 50 ) ، وانظر المنهاج في شعب الإيمان للحليمي ( 1 / 426 ، 427 )(1/112)
المبحث السابع
الدخان الذي يكون في آخر الزمان
من علامات الساعة وأشراطها العظمى ظهور دخان قبل قيام الساعة . والكلام على هذه العلامة يتضمن المسائل التالية :
المسألة الأولى : الأدلة من الكتاب والسنة
قال تعالى : { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ }{ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ }{ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ }{ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ } ( سورة الدخان ، الآيات : 10 - 13 ) .
أما الأدلة من السنة على هذا الأمر فهي كثيرة :
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِىِّ قَالَ اطَّلَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ « مَا تَذَاكَرُونَ ».قَالُوا نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ « إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ ». فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ. (1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوِ الدُّخَانَ أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدَّابَّةَ أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ ». (2)
وعن أبي مالك الأشعريّ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إنَّ رَبَّكُمْ أنْذَرَكُمْ ثَلاثا: الدُّخانُ يَأْخُذ المُؤْمِنَ كالزَّكْمَةِ، ويَأْخُذُ الكَافِرَ فَيَنْتَفِخَ حتى يَخْرُجَ مِنْ كُلّ مَسْمَعٍ مِنْهُ، والثَّانِيَة الدَّابَّةُ، والثَّالِثَة الدَّجَّالُ". (3)
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7467 )
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7584 )
(3) - تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة - (22 / 18) ضعيف ، وهذا إسناد جيد تفسير ابن كثير - دار طيبة - (7 / 249) وذكر ابن حجر رواية الطبري عن أبي مالك وابن عمر وقال : ( إسنادهما ضعيف أيضا ، لكن تضافر هذه الأحاديث يدل على أن لذلك أصلا ) . فتح الباري ( 8 / 436 ) .(1/113)
المسألة الثانية : اختلاف العلماء حول المراد بالدخان ومتى يحدث ؟
لقد اختلف العلماء - رحمهم الله - في المراد بالدخان الوارد في الآية والأحاديث المتقدمة على قولين :
1 - فذهب بعضهم إلى أن هذا الدخان هو ما أصاب قريشا من الشدة والجوع عندما دعا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حين لم يستجيبوا له ، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان ، وإلى هذا القول ذهب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتبعه جماعة من السلف ورجحه ابن جرير الطبري رحمه الله (1)
وقد استدل هؤلاء بما جاء عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ جُلُوسًا وَهُوَ مُضْطَجِعٌ بَيْنَنَا فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ قَاصًّا عِنْدَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ يَقُصُّ وَيَزْعُمُ أَنَّ آيَةَ الدُّخَانِ تَجِىءُ فَتَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَجَلَسَ وَهُوَ غَضْبَانُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِمَا يَعْلَمُ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ لأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا فَقَالَ « اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ ». قَالَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَىْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ مِنَ الْجُوعِ وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ أَحَدُهُمْ فَيَرَى كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ جِئْتَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) إِلَى قَوْلِهِ (إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ). قَالَ أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الآخِرَةِ (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ. (2)
__________
(1) - انظر : تفسير الطبري ( 25 / 113 ، 114 ) ، وتفسير البغوي ( 4 / 149 - 150 ) ، وتفسير القرطبي ( 16 / 131 ) ، وتفسير ابن كثير ( 4 / 124 - 125 ) .
(2) - صحيح مسلم- المكنز - (7244 )
حصت : استأصلت - هذا دعاء من النبي - صلى الله عليه وسلم - على كفار مكة بأن يبعث الله عليهم سبع سنين مجدبة كالتي في زمن يوسف عليه السلام التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن .(1/114)
وعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ الدُّخَانُ وَالْقَمَرُ وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ ( فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ) (1)
2 - وذهب كثير من العلماء سلفا وخلفا إلى أن الدخان هو من الآيات المنتظرة التي لم تأت بعد ، وسيقع قرب يوم القيامة ، وإلى هذا ذهب علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم وغيرهم ، وكثير من التابعين .
وقد رجح الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هذا ، مستدلا بالأحاديث التي سبق ذكرها عند الاستدلال على هذه الآية ( آية الدخان ) ، وبغيرها من الأحاديث ، وأيضا بما أخرجه ابن جرير عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: غدوت على ابن عباس ذات يوم، فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لمَ؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت. " (2)
قال ابن كثير - رحمه الله - بعد ذكره لهذا الأثر : " وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما حبر وترجمان القرآن ، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرها التي أوردوها مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن ، قال الله تبارك وتعالى : { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } أي بين واضح ، يراه كل أحد ، وعلى ما فسر به ابن مسعود رضي الله عنه إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (4767) وصحيح مسلم- المكنز - (7246)
اللزام : هو ما جاء في قوله تعالى : « فقد كذبتم فسوف يكون لزاما » سورة الفرقان ، الآية 77 . أي يكون عذابا لازما نتيجة تكذيبهم ، وهو ما وقع لكفار قريش في بدر من القتل والأسر . انظر : تفسير البغوي ( 3 / 380 ) ، وتفسير ابن كثير ( 3 / 330 ) ، وشرح صحيح مسلم للنووي : ( 17 / 143 ) - وفيه إشارة إلى قوله تعالى : « الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ » سورة الروم ، الآيات ( 1 - 3 ) - وفيه إشارة إلى قوله تعالى : « يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ » سورة الدخان ، الآية : 16 - وفيه إشارة إلى قوله تعالى : « اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ » سورة القمر ، الآية : 1 .
(2) - تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة - (22 / 17) والمستدرك للحاكم(8419) وذكره ابن كثير في تفسيره ( 4 / 125 ) .صحيح(1/115)
الجوع والجهد ، وهكذا قوله تعالى : { يَغْشَى النَّاسَ } ، وقوله تعالى : { هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا " (1)
3 - وقد ذهب بعض العلماء (2) إلى الجمع بين هذه الآثار بأن قالوا هما دخانان ظهر أحدهما وبقي الآخر الذي سيقع في آخر الزمان ، فأما الآية الأولى التي ظهرت فهي ما كانت قريش تراه كهيئة الدخان ، وهذا الدخان غير الدخان الحقيقي الذي يكون عند ظهور الآيات التي هي من أشراط الساعة .
قال القرطبي - رحمه الله - : قال مجاهد : كان ابن مسعود يقول : " هما دخانان قد مضى أحدهما ، والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض ولا يجد المؤمن إلا كالزكمة ، وأما الكافر فتثقب مسامعه " (3)
وقال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله - : " وبعد، فإنه غير منكر أن يكون أحلّ بالكفار الذين توعدهم بهذا الوعيد ما توعدهم، ويكون مُحِلا فيما يستأنف بعد بآخرين دخانا على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندنا كذلك، لأن الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تظاهرت بأن ذلك كائن، فإنه قد كان ما رَوَى عنه عبد الله بن مسعود، فكلا الخبرين اللذين رُويا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيح. " (4) .
وقال النووي رحمه الله تعالى : ويحتمل أنهما دخانان للجمع بين هذه الآثار " (5)
وقال الطحاوي في مشكل الآثار : بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ: { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } [الدخان: 10]
عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَذَكَرَ: { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } [الدخان: 10] فَقَالَ: إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَصَابَ النَّاسَ دُخَانٌ يَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ
__________
(1) - تفسير ابن كثير ( 4 / 125 - 140 ) ، وانظر : النهاية في الفتن والملاحم له ( 1 / 172 ) بتحقيق د / طه زيني .
(2) - انظر : التذكرة القرطبي ( 655 ) ، وشرح صحيح مسلم ( 18 / 27 ) .
(3) - التذكرة ( 655 ) .
(4) - تفسير الطبري ( 25 / 114 - 115 ) . وتفسير الطبري - مؤسسة الرسالة - (22 / 19)
(5) - شرح صحيح مسلم للنووي ( 18 / 28 ) .(1/116)
وَأَبْصَارِهِمْ وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ فَجَلَسَ غَضْبَانًا ثُمَّ قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ إذَا سُئِلَ الرَّجُلُ عَنْ مَا لَا يَعْلَمُ، قَالَ: اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } [ص: 86]، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ إنَّ قُرَيْشًا اسْتَعْصَتْ وَنَفَرَتْ فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقِيلَ لَهُ { ارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ عَضَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ وَحَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ فَقَالُوا: { رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إنَّا مُؤْمِنُونَ } [الدخان: 12] ثُمَّ قَرَأَ: { إنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إنَّكُمْ عَائِدُونَ } [الدخان: 15] فَكُشِفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا فِي كُفْرِهِمْ: { يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إنَّا مُنْتَقِمُونَ } [الدخان: 16]، فَعَادُوا فِي كُفْرِهِمْ فَأَخَذَهُمُ اللهُ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَلَوْ كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ يُكْشَفْ عَنْهُمْ "
وعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ , غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: فَدَخَلَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: " اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ "
فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الدُّخَانَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ , وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي قَدْ مَضَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: " خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ ، وَالْقَمَرُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ الْكُبْرَى وَاللِّزَامُ " وعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ: { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } [الفرقان: 77] .
فَقَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا قَدْ ذَكَرْتُمُوهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مِنْ مَا يُوجِبُ أَنَّ الدُّخَانَ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ وَأَنَّهُ كَائِنٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؟، وَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ مَا يُحَقِّقُ ذَلِكَ،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدَّابَّةَ، أَوِ الْقِيَامَةَ " وَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ هَذَا فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الدُّخَانَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ غَيْرُ(1/117)
الدُّخَانِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثَيِ حُذَيْفَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ: { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } [الدخان: 9]، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } [الدخان: 10] أَيْ عُقُوبَةٍ لَهُمْ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّكِّ وَاللَّعِبِ، وَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ هَاتَانِ الْعُقُوبَتَانِ لِغَيْرِهِمْ، أَوْ يُؤْتَى بِهِمَا بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنَ الدُّنْيَا وَسَلَامَتِهِمْ مِنْ ذَلِكَ الدُّخَانِ . فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: قَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } [الدخان: 10] وَالَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِهِ لَيْسَ هُوَ دُخَانًا حَقِيقِيًّا، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَوَهَّمُهُ أَنَّهُ دُخَانٌ وَلَيْسَ بِدُخَانٍ، وَفِيهَا أَنَّ إتْيَانَهُ يَكُونُ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنَ الْجُوعِ الَّذِي حَلَّ بِهِمْ وَأَصَابَهُمْ فِي الْأَرْضِ أَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ سُمِّيَ دُخَانًا عَلَى الْمَجَازِ ؛ لِتَوَهُّمِ قُرَيْشٍ أَنَّهُ دُخَانٌ فِي الْحَقِيقَةِ مِنَ الْجَهْدِ الَّذِي بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ كَمِثْلِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي قِصَّةِ الدَّجَّالِ " أَنَّهُ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ فَتُنْبِتُ " فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ مُطْلَقًا هَكَذَا، وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَذَلِكَ وَفِيهِ "وَمَعَهُ نَهْرَانِ أَنَا أَعْلَمُ بِهِمَا مِنْهُ " وَفِيهِ: " وَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ " فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ إنَّمَا هُوَ مِنْ سِحْرِ الدَّجَّالِ لَا مِنْ حَقِيقَةٍ لَهُ وَسَنَذْكُرُ هَذَا فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِيمَا رُوِيَ فِي الدَّجَّالِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إنْ شَاءَ اللهُ فَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَرَاهُ مِمَّا تَرَاهُ دُخَانًا جَازَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ دُخَانٌ عَلَى الْمَجَازِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } [الدخان: 10] فَهُوَ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِمَّا قَدْ ذُكِرَ فِي أَحَادِيثِهِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْهُ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى السَّمَاءِ إنَّمَا كَانَتْ وَاللهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَحِلُّ بِالنَّاسِ مِنْ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ تُضَافُ إلَى السَّمَاءِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ } [السجدة: 5]، فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْأُمُورَ الَّتِي تَكُونُ فِي الْأَرْضِ مُدَبَّرَةٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَيْهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ تَدْبِيرِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّبَبِ الَّذِي عَاقَبَ بِهِ قُرَيْشًا(1/118)
لِكُفْرِهَا وَعُتُوِّهَا عَاقَبَهَا بِهِ حَتَّى رَأَتْ مِنْ تِلْكَ الْعُقُوبَةِ دُخَانًا وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ، فَأَمَّا مَا فِي حَدِيثَيْ حُذَيْفَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ ذِكْرِ الدُّخَانِ فَهُوَ عَلَى دُخَانٍ حَقِيقِيٍّ مِمَّا يَكُونُ بِقُرْبِ الْقِيَامَةِ , وَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى خَيْرَ عَوَاقِبِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ (1)
ولا شك أن الجمع هو أفضل الطرق ولا منافاة بين الرأيين حينئذ - والله تعالى أعلم ، وردُّ العلْم إليه أسلم .
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - شرح مشكل الآثار - (2 / 421) ( 963 -965)(1/119)
المبحث الثامن
الخسوفات الثلاثة
من العلامات الكبرى التي أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحدوثها في آخر الزمان الخسوفات الثلاثة ،وقد دلت على هذا ، فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ الْغِفَارِيِّ ، قَالَ : اطَّلَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ ، فَقَالَ : مَا تَذْكُرُونَ ؟ قَالُوا : نَذْكُرُ السَّاعَةَ ، قَالَ : إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ ، فَذَكَرَ الدُّخَانَ ، وَالدَّجَّالَ ، وَالدَّابَّةَ ، وَطُلَوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَنُزَولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَثَلاثَةَ خُسُوفٍ : خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ " (1)
وعَنْ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ:سَيَكُونُ بَعْدِي خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يُخْسَفُ بِالأَرْضِ وَفِيهِمِ الصَّالِحُونَ؟، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِذَا كَانَ أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْخَبَثَ. (2)
فهذه الخسوفات الثلاثة من الأشراط الكبرى التي لا تظهر إلا في آخر الزمان ، وهي غير الخسوفات التي وقعت في الماضي وفي أماكن متعددة ؛ لأن هذه من أشراط الساعة الصغرى ، أما هذه الخسوفات الثلاثة فهي خسوفات عظيمة .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - : " وقد وجد الخسف في مواضع ، ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما وجد ، كأن يكون أعظم منه مكانا أو قدرا " (3)
- - - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - شرح السنة للبغوي - (7 / 44) (4250 ) وقال :هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، قلت : هو في مسلم
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (17 / 105) (19081 ) صحيح
(3) - فتح الباري ( 13 / 84 ) .(1/120)
المبحث التاسع
النار التي تحشر الناس
آخر الآيات الكبرى والعلامات العظمى لأشراط الساعة وأول الآيات المؤذنة بقيام القيامة خروج نار تحشر الناس إلى محشرهم ، والكلام عليها في عدة مسائل :
المسألة الأولى : الأدلة على خروجها
جاءت الروايات بأن خروج هذه النار يكون من اليمن من قعرة عدن ، وجاءت روايات أخرى بأنها تخرج من بحر حضرموت ، ومن الأحاديث التي تبين ذلك :
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِىِّ قَالَ اطَّلَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ « مَا تَذَاكَرُونَ ».قَالُوا نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ « إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ ». فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ. (1)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَحْشُرُ النَّاسَ ». قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَاذَا تَأْمُرُنَا قَالَ « عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ ». (2)
وعَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ إِنِّى سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِىٌّ ، { قَالَ مَا } أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَمِنْ أَىِّ شَىْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَمِنْ أَىِّ شَىْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « خَبَّرَنِى بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ » . قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ . وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ . وَأَمَّا الشَّبَهُ فِى الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِىَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ
__________
(1) - صحيح مسلم- المكنز - (7467 )
(2) - مسند أحمد - المكنز - (5502) صحيح وقد صححه الألباني . انظر : صحيح الجامع ( 3 / 203 )(1/121)
كَانَ الشَّبَهُ لَهُ ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا » . قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ . ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ ، إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلاَمِى قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ بَهَتُونِى عِنْدَكَ ، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَيْتَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَىُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ » . قَالُوا أَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ » . قَالُوا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ . فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . فَقَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا . وَوَقَعُوا فِيهِ . (1)
المسألة الثانية : الجمع بين الأحاديث الواردة في مكانها
الجمع بين ما جاء أن هذه النار هي آخر أشراط الساعة الكبرى وما جاء أنها أول أشراطها بأن يقال : إن آخريتها باعتبار ما ذكر معها من الآيات الواردة معها في حديث حذيفة ، وأوليتها باعتبار أنها أول الآيات التي لا شيء بعدها من أمور الدنيا أصلا ، بل يقع بانتهاء هذه الآيات النفخ في الصور بخلاف ما ذكر معها من الآيات الواردة في حديث حذيفة ، فإنه يبقى بعد كل آية منها أشياء من أمور الدنيا (2)
أما ما جاء في بعض الروايات بأن خروجها يكون من اليمن ، وفي بعضها الآخر أنها تحشر الناس من المشرق إلى المغرب فيجاب عن ذلك بأجوبة :
1 - أنه يمكن الجمع بين هذه الروايات بأن كون النار تخرج من قعر عدن لا ينافي حشرها الناس من المشرق إلى المغرب ، وذلك أن ابتداء خروجها من قعر عدن فإذا خرجت انتشرت في الأرض كلها ، والمراد بقوله - صلى الله عليه وسلم - : « تحشر الناس من المشرق إلى المغرب » إرادة تعميم الحشر لا خصوص المشرق والمغرب .
2 - أن النار عندما تنتشر يكون حشرها لأهل المشرق أولا ، ويؤيد ذلك أن ابتداء الفتن دائما من المشرق ، وأما جعل الغاية المغرب فلأن الشام بالنسبة إلى أهل المشرق مغرب .
__________
(1) - صحيح البخارى- المكنز - (3329 )أطرافه 3911 ، 3938 ، 4480 تحفة 764 ، 5328 أ - 161/4
(2) - انظر : فتح الباري ( 13 / 86 ) .(1/122)
3 - يحتمل أن تكون النار المذكورة في حديث أنس كناية عن الفتن المنتشرة التي أثارت الشر العظيم والتهبت كما تلتهب النار ، وكان ابتداؤها من قبل المشرق حتى خرب معظمه وانحشر الناس من جهة المشرق إلى الشام ومصر وهما من جهة الغرب ، كما شوهد ذلك مرارا في عهد التتر والمغول وغيرهم ، وأما النار التي في حديثي حذيفة بن أسيد وابن عمر فهي نار حقيقية ، والله أعلم (1)
المسألة الثالثة : مكان الحشر
المكان الذي يكون الحشر إليه في آخر الزمان هو الشام كما صحت بذلك الأحاديث الكثيرة منها :
عن بَهْزَ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ تَأْمُرُنِي ؟ خِرْ لِي ، قَالَ : فَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ ، فَقَالَ : إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ رِجَالا وَرُكْبَانًا ، وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ هَا هُنَا ، وَنَحَا بِيَدِهِ" (2)
وعن بَهْزَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَأْمُرُنِى قَالَ « هَا هُنَا ». وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ قَالَ « إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ رِجَالاً وَرُكْبَاناً وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ ». (3)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : الشَّامُ أَرْضُ الْمَحْشَرِ ، وَالْمَنْشَرِ. (4)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:"مَنْ شَكَّ فِي أَنَّ أَوَّلَ الْمَحْشَرِ هَا هُنَا، يَعْنِي الشَّامَ، لِيَتْلُ هَذِهِ الْآيَةَ: " هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ " ، قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"اخْرُجُوا"، قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ:"إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ" (5)
__________
(1) - انظر : فتح الباري ( 13 / 86 ) .
(2) - المستدرك للحاكم ( 8686) صحيح
(3) - مسند أحمد - المكنز - (20564) صحيح
(4) - مسند البزار كاملا - (2 / 91) (3965) وابن عساكر1/174و180و178من طرق صحيح
(5) - تفسير ابن أبي حاتم - (12 / 297) وتفسير ابن كثير - دار طيبة - (8 / 59)و فتح الباري ( 11 / 380 ) صحيح(1/123)
وقال حُذَيْفَةُ بن أُسَيْدٍ صَاحِبُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّثُ فِي ظِلِّ غُرْفَةٍ ، فَأَشْرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ تِلْكَ الْغُرْفَةِ ، فَقَالَ : مَا تَحَدَّثُونَ ؟ قُلْنَا : نَتَحَدَّثُ عَنِ السَّاعَةِ ، قَالَ : " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ عَشْرُ آيَاتٍ : طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالدَّجَّالُ ، وَالدُّخَانُ ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ ، وَثَلاثَةُ خُسُوفٍ : خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ ، وَخَسْفٌ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَيَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ، وَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تُحِيطُ بِالنَّاسِ لا يَتَخَلَّفُها أَحَدٌ تَسُوقُهمْ إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ ، فَتُقِيمُ حَتَّى يَقْضُوا حَوَائِجَهُمْ ، ثُمَّ تَحَرَّكُ بِهِمْ فَتُرَحِّلُهُمْ " ، قَالَ : وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ رُومَانَ أَوْ رَكُوبَةَ يُضِيءُ مِنْهَا أَعْناقُ الإِبِلِ بِبُصْرَى " . (1)
والسبب في كون الشام هي أرض المحشر أن الأمن والإيمان حين تقع الفتن في آخر الزمان يكون بالشام ، وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - للشام بالبركة عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى شَامِنَا وَفِى يَمَنِنَا . قَالَ قَالُوا وَفِى نَجْدِنَا قَالَ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى شَامِنَا وَفِى يَمَنِنَا . قَالَ قَالُوا وَفِى نَجْدِنَا قَالَ قَالَ هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ (2) .
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضائل الشام والترغيب في سكنها لا مجال لذكرها هنا ، وقد تقدم أن نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان يكون بالشام وبه يكون اجتماع المؤمنين لقتال الدجال ، وهناك يقتله المسيح عليه السلام بباب لد ، هذا بالإضافة إلى أن أرض الشام مهبط الأنبياء ومسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (3)
المسألة الرابعة : زمان الحشر
وأما عن زمن الحشر : فقد اختلف أهل العلم فيه ، فذهب بعض العلماء كالبيهقي والغزالي وغيرهما إلى أن هذا الحشر ليس في الدنيا وإنما هو في الآخرة عند الخروج من القبور. (4)
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (3 / 284) (2961) صحيح
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (1037 )
(3) - للحافظ الربعي كتاب قيم بهذا الشأن سماه ( فصائل الشام ) جمع فيه الأحاديث الواردة في فضل الشام ، وقد شرحه العلامة القاسمي ، وطبع بتحقيق وتخريج العلامة الشيخ الألباني بالمكتب الإسلامي فليراجع .
(4) - انظر : المنهاج في شعب الإيمان ( 1 / 442 ) وفتح الباري ( 11 / 387 ) .(1/124)
وذهب جماهير العلماء (1) إلى أن هذا الحشر يكون في الدنيا قبل قيام الساعة حيث يحشر الناس أحياء إلى الشام ، وأما الحشر من القبور إلى الموقف فهو على خلاف الصورة الواردة في حشر الناس إلى الشام حيث جاء في وصف حشر الدنيا ما روي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاَثِ طَرَائِقَ ، رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ ، وَثَلاَثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا ، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا ، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا ، وَتُمْسِى مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا » (2) .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على أن المراد به حشر الموجودين في آخر الدنيا من أقطار الأرض إلى محلة المحشر بأرض الشام ، وقد ورد في هذا الحديث وغيره الركوب والأكل والنوم وإماتة النار من يتخلف ، ولو كان هذا بعد نفخة البعث لم يبق موت ولا ظهر يركب ويشترى ولا أكل ولا لبس في عرصات القيامة ، وأيضا : فإن حشر الآخرة قد جاءت به الأحاديث تبين بأن الناس مؤمنهم وكافرهم يحشرون حفاة عراة لا عاهات فيهم ، ففي الصحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا بِمَوْعِظَةٍ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَلاَ وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِى فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِى. فَيُقَالُ إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قَالَ فَيُقَالُ لِى إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ ». وَفِى حَدِيثِ وَكِيعٍ وَمُعَاذٍ « فَيُقَالُ إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ». (3)
__________
(1) - شرح مسلم للنووي ( 17 / 194 - 195 ) وفتح الباري ( 11 / 387 ) .
(2) - صحيح البخارى- المكنز - (6522 ) وصحيح مسلم- المكنز - (7381 )
(3) - صحيح مسلم- المكنز - (7380 ) -الغرل : جمع أغرل وهو الذى لم يختتن(1/125)
فمن أين للذين يبعثون بعد الموت حفاة عراة حدائق يدفعونها في الشوارف ، أو أبعرة يركبها من يساق من الموقف إلى الجنة ، إن هذا في غاية البعد (1)
وبهذا يتبين أن الحشر الوارد في الأحاديث السابقة إنما يكون في الدنيا قبل يوم القيامة ، أما حشر يوم القيامة فقد بينه حديث ابن عباس السابق ، فمن ذهب إلى خلاف ذلك فقد أخطأ وجانب الحق والصواب - والله أعلم .
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله - : " فأما شرار الخلق فتخرج نار في آخر الزمان تسوقهم إلى الشام قهرا حتى تجمع الناس كلهم بالشام قبل قيام الساعة " (2)
وقد سبق التنبيه إلى أن هذه النار غير النار التي خرجت في المدينة والتي تعد من الأشراط الصغرى ، والله أعلم . (3)
- - - - - - - - - - - - -
__________
(1) - انظر : النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير ( 1 / 230 - 231 ) ، وفتح الباري لابن حجر ( 11 / 384 ) .
(2) - لطائف المعارف لابن رجب ( 90 ) .
(3) - انظر كتاب أشراط الساعة - (1 / 229)(1/126)
أهم المصادر
1. التحرير والتنوير لابن عاشور
2. التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع
3. التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع
4. التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع
5. التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع
6. التفسير الوسيط للقرآن الكريم لطنطاوي- موافق للمطبوع
7. الدر المنثور للسيوطي - موافق للمطبوع
8. تفسير ابن أبي حاتم
9. تفسير ابن المنذر (319)
10. تفسير ابن كثير - دار طيبة
11. تفسير البحر المحيط ـ موافق للمطبوع
12. تفسير البغوي
13. تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة
14. تفسير الطبري 310 (دار هجر)
15. تفسير الفخر الرازى ـ موافق للمطبوع
16. تفسير القرطبي ـ موافق للمطبوع
17. محاسن التأويل تفسير القاسمي
18. آيات الأسماء والصفات
19. أشراط الساعة
20. أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
21. إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة
22. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم
23. الإيمان بيوم القيامة وأهواله
24. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة
25. التوحيد للناشئة والمبتدئين
26. الخلاصة في شرح حديث الولي
27.(1/127)
المكتبة الشاملة - أشراط الساعة الصغرى والكبرى
28. النهاية في الفتن والملاحم موافق للمطبوع
29. شرح الطحاوية - ط دار السلام (792)
30. شرح الطحاوية في العقيدة السلفية
31. شرح الفتوى الحموية
32. فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
33. قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر
34. منهاج السنة النبوية
35. الواضح في أركان الإيمان
36. أخبار مكة للفاكهي (272)
37. الآحاد والمثاني
38. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة
39. السنن الكبرى للبيهقي- المكنز
40. المجالسة وجواهر العلم (333)
41. المستدرك للحاكم مشكلا
42. المعجم الأوسط للطبراني
43. المعجم الصغير للطبراني
44. المعجم الكبير للطبراني
45. المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود
46. تهذيب الآثار للطبري
47. جامع الأصول في أحاديث الرسول
48. سنن أبي داود - المكنز
49. سنن ابن ماجه- المكنز
50. سنن الترمذى- المكنز
51. سنن الدارقطنى- المكنز
52. سنن الدارمى- المكنز
53. شرح مشكل الآثار (321)
54. شرح معاني الآثار (321)
55.(1/128)
شعب الإيمان (458)
56. صحيح ابن حبان
57. صحيح ابن خزيمة
58. صحيح البخارى- المكنز
59. صحيح مسلم- المكنز
60. كشف الأستار
61. مجمع الزوائد
62. مسند أبي عوانة مشكلا
63. مسند أبي يعلى الأسد
64. مسند أحمد (عالم الكتب)
65. مسند أحمد - المكنز
66. مسند البزار كاملا
67. مسند الحميدي - المكنز
68. مسند الطيالسي 204
69. مصنف ابن أبي شيبة
70. معرفة الصحابة لأبي نعيم (430)
71. موسوعة السنة النبوية
72. إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي
73. فتح الباري لابن حجر
74. آداب الزفاف
75. السلسلة الصحيحة
76. السلسلة الضعيفة
77. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم
78. تحفة الأحوذي
79. جامع العلوم والحكم محقق
80. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين
81. شرح ابن بطال
82. شرح النووي على مسلم
83.(1/129)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري
84. عون المعبود
85. فتح الباري لابن رجب
86. فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين
87. فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2
88. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
89. النهاية في غريب الحديث
90. لسان العرب
91. المنار المنيف
92. فتاوى معاصرة للقرضاوي
93. تَارِيخُ الْمَدِينَةِ لِابْنِ شَبَّةَ
94. السُّنَنُ الْوَارِدَةُ فِي الْفِتَنِ لِلدَّانِي(572) صحيح
95. معجم البلدان
96. تهذيب التهذيب
97. لوامع الأنوار البهية
98. الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة
99. الإشاعة في أشراط الساعة
100. التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح
101. نظم المتناثر من الحديث المتواتر
102. الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد
103. عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر
104. ميزان الاعتدال
105. مقالات الإسلاميين
106. الفرق بين الفرق
107. البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان
108. الشريعة للآجري
109. الشرح والإبانة
110.(1/130)
لطائف المعارف
111. شَرْحُ أُصُولِ الاعْتِقَادِ
112. طبقات الحنابلة
113. تفسير أبي السعود
114. تفسير الألوسي
115. البحر المحيط
116. المفردات للراغب
117. التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع
118. اتاريخ ابن عساكر
119. سير أعلام النبلاء للذهبي
120. الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد
121. الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ لِلْبَيْهَقِيِّ
122. الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي
123. فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة
124. جلاء العينين في محاكمة الأحمدين
125. فتح القدير للشوكاني
126. تفسير ابن سعدي
127. القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة للسخاوي
128. المنهاج في شعب الإيمان(1/131)
الفهرس العام
المبحث الأول ... 6
خروج المهدي ... 6
المسألة الأولى : معنى المهدي ... 6
المسألة الثانية : اسمه واسم أبيه ونسبه ... 7
المسألة الثالثة : صفة المهدي ... 8
المسألة الرابعة : مكان خروج المهدي وزمانه ومدة مكثه في الأرض ... 8
المسألة الخامسة : تواتر أحاديث المهدي ... 14
المسألة السادسة : أقسام الناس في المهدي ... 17
المبحث الثاني ... 21
فتنة المسيح الدجال ... 21
المسالة الأولى – المراد به وتعريفه ... 21
المسالة الثانية – تواتر أخباره : ... 21
المسالة الثالثة – البلدان التي لا يدخلها : ... 26
المسألة الرابعة – كم ستستمر فتنته ؟ ... 27
المسألة الخامسة – التعوذ من فتنته : ... 27
المسألة السادسة – ما يعصم من فتنة الدجال ... 29
المسألة السابعة – الحكمة من عدم ذكره في القرآن الكريم ... 31
المسألة الثامنة – امتحان إيمان الناس بما يجري على يدي الدجال من خوارق : ... 32
المبحث الثالث ... 34
نزول عيسى ابن مريم عليه السلام ... 34
المسألة الأولى : الأدلة على نزوله من الكتاب والسنة : ... 34
المسألة الثانية : صفات عيسى عليه السلام ... 48
المسألة الثالثة : مكان نزوله ... 49
المسألة الرابعة - مدة بقاء عيسى عليه السلام إذا نزل : ... 52
المسألة الخامسة : الأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام متواترة ... 55
المسألة السادسة : الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره ... 61
المسالة السابعة- الأمور التي تكون في زمن عيسى عليه السلام ... 62(1/132)
1 - قتل المسيح الدجال : ... 62
2 - هلاك يأجوج ومأجوج : ... 66
3 - القضاء على كل الشرائع والحكم بالإسلام : ... 66
4 - رفع الشحناء والتباغض من بين الناس ، وانتشار الأمن والرخاء بين الخلق . ... 68
المسالة الثامنة- موت عيسى عليه السلام : ... 75
المبحث الرابع ... 76
خروج يأجوج ومأجوج ... 76
المسألة الأولى : أصل يأجوج ومأجوج ونسبهم ... 76
المسألة الثانية : الأدلة على خروجهم من القرآن والسنة ... 77
المسألة الثالثة : السد ويأجوج ومأجوج ... 95
المسألة الرابعة : هلاك يأجوج ومأجوج وطيب العيش وبركته بعد موتهم ... 98
المبحث الخامس ... 101
طلوع الشمس من مغربها ... 101
المبحث السادس ... 108
خروج الدابة ... 108
المسألة الأولى : الأدلة على خروجها من الكتاب والسنة ... 108
المسألة الثانية : صفة الدابة ... 109
المسألة الثالثة : مكان خروج الدابة ... 110
المسألة الرابعة : عمل الدابة ... 112
المبحث السابع ... 113
الدخان الذي يكون في آخر الزمان ... 113
المسألة الأولى : الأدلة من الكتاب والسنة ... 113
المسألة الثانية : اختلاف العلماء حول المراد بالدخان ومتى يحدث ؟ ... 114
المبحث الثامن ... 120
الخسوفات الثلاثة ... 120
المبحث التاسع ... 121
النار التي تحشر الناس ... 121
المسألة الأولى : الأدلة على خروجها ... 121
المسألة الثانية : الجمع بين الأحاديث الواردة في مكانها ... 122
المسألة الثالثة : مكان الحشر ... 123(1/133)
المسألة الرابعة : زمان الحشر ... 124(1/134)