مقدمة المؤلف
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإنه مِمَّا تبكي له عيون الإسلام ما وقع لبعض أبنائه من غلو فِي أقضية خطرة، أورد الأمة نيران الفتنة، وسلط عليها أعداء الملة، وكان سببًا مباشرًا فيما ضرب عليها من المهانة والذلة.
من هذه القضايا: ما درج عليه الفقهاء من تقسيم الدنيا إلى دارين: دار كفر ودار إسلام، لكلٍّ خصائصها وأحكامها؛ تَمييزًا للمسلمين عن الكفار، وتأكيدًا على المفاصلة التامة بين الكفر والإيْمان.
فبتحكيم القوانين الوضعية فِي أكثر البلاد الإسلامية -وللأسف الكبير-؛ ذهب فريق من أهل الغلو إلى أنَّها ديار كفرية، ومجتمعاتِها كلها جاهلية، ثُمَّ كان هذا التكفير المشئوم مسوغًا لإعلان الجهاد على أهل الإسلام واستباحة الدماء والأموال والأعراض، وما إلى ذلك مِمَّا هو من مسلك الخوارج الحرورية, وليس من منهج أهل السنة, بل صار الخوارج المعاصرون يتبرؤون من نسبته إلَى أسلافهم الذين مضوا !!.
ومما يؤسف له: أن نفرًا من فضلاء أهل العلم المعاصرين قد ذهب إلى هذا المذهب، وهم وإن كانوا مجانبين القول بتكفير المجتمعات ومنكرين لما يتبعه من استحلال الدماء والأموال والأعراض، لكن قولهم مهد للغاليين، وسوغ لهم أعمالهم.
ويرى هذا البحث: أن جَعْلَ الحكم بالقوانين الوضعية مناطًا للحكم على الدار بأنَّها دار كفر وليست بدار إسلام مُجَانِبٌ للصواب، ومُخَالِفٌ للنصوص الشرعية ومنهج أهل السنة، ولِما قرره السادة الفقهاء على اختلاف مذاهبهم وتنوع مشاربِهم، اللهم إلا فيما نقل عن مذهب طوائف من الخوارج والمعتزلة !!!.
وقد قسمت هذه الدراسة إلَى تَمهيد وأربعة مباحث:
الأول: مناط الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام.(1/1)
الثاني: تحول دار الإسلام إلى دار كفر.
الثالث: استيلاء الكفار على دار الإسلام وإقرارهم المسلمين فيها يظهرون إسلامهم.
الرابع: أثر القوانين الوضعية فِي الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام.
والله أسأل أن يجعل ما نكتبه براءة لذمتنا، ومباركًا علينا وعلى أمتنا.
والله من وراء القصد، وهو المستعان، وعليه التكلان.
ولاحول ولا قوة إلا بالله.
وكتب
أبو عبد الرحمن خالد بن علي العنبري
الشارقة في 5/11/1424’
التمهيد
يتفق معظمُ كُتَّابِ السياسة والقانون على أن الأركان الأساسية للدولة هي: السيادة, والحكومة, والشعب, والإقليم, ويعنون بالسيادة: صاحب السلطة العليا فِي المجتمع والدولة, وهي القضية الأولى فِي أي نظام سياسي, والسيادة فِي النظام السياسي الإسلامي لأحكام الله -جل وعلا-, وأعظمها: توحيده سبحانه.
إن أهم ما يميز دول الإسلام عن دول الكفر إقامة التوحيد بجميع أنواعه, ونبذ الشرك بكل صوره وألوانه, لقد كان التوحيد أولى أولويات حكومات الأنبياء, فأبرز ما جاء من أخبار القرآن الكريم عن دولة سليمان - عليه السلام - إنكارها الشرك الكائن فِي مملكة بلقيس, والأخبار فِي هذا عن دولة الإسلام الأولى الَّتِي كان يحكمها خاتم المرسلين ج من الشهرة بمكان, فالتوحيد أولاً وآخرًا, بل قبل تكوين الدول وإقامة الحكومات, فلا جرم أن يكون إظهار شعائر التوحيد من الأذان والصلوات علامة مفرقة بين دار الإسلام ودار الكفر فيما صرَّح به المالكية وغيرهم.
ثُمَّ يأتي من بعد ذلك فِي الاهتمام والأولويات التحكيمُ للشريعة المنَزلة المباركة الطيبة, المتجاوزة لحدود الزمان والمكان, المتميزة عن غيرها من الأحكام البشرية والقوانين الوضعية بربانية المصدر والوجهة, والعدل والإنصاف والمساواة, والكمال والشمول لكل ما يحتاجه الناس على الإطلاق, الوافية بجميع مصالحهم, بحيث لا تفتقرُ إلَى أي مصدر آخر يمدها, أو يستدركُ عليها.(1/2)
والنصوص الشرعية تقرر حقيقتين جوهريتين, تلقاهما أهل الإسلام بالإنقياد والقبول والتسليم:
الأولى: أن التشريع حق خالص لله وحده, لا ينازعه فيه أحد أي أحد, مهما علا قدره, وكمل عقله, كما قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ} [يوسف:67], {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف:26], {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ} [الشورى:21]. فالله سبحانه أحكم الحاكمين وأحسنهم, وحكمه تعالى هو الحق والعدل المطلق, {أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8], {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].
الثانية: أنه يجب على المسلمين, حكامًا ومحكومين, الحكم بِما أنزل الله والتحاكم إليه فِي جَميع مجالات الحياة, {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ} [المائدة:49] {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].
أما الإقليم ويعبر عنه العلماء بالدار, ويعرفه كتاب السياسة بأنه: رقعة من الأرض والبحر وطبقات الجو الَّتِي تعلوها تباشر الدولة عليها سلطانَها بصفة دائمة ومستقرة.
والإقليم عنصر أساسي من عناصر قيام الدولة؛ لأنه لا يُمكن أن يكون لشعب كيان مستقل وحقيقي ما لَم يكن على إقليم معين (1) .
ولأنه تعبير عن شخصية الدولة, وطمأنينة لسكانٍها, ومجال لتطبيق سيادتِها.
__________
(1) موسوعة السياسة: (6/496). انظر "فقه السياسة الشرعية" للمؤلف (246).(1/3)
فأهمية الإقليم لا تأتي فقط من كونه عنصرًا ماديًّا جغرافيًّا يقيم عليه السكان, ولكن له أهمية معنوية فِي وجود الدولة وتجسيد شخصيتها (1) .
وإذا كان كتاب "الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير" للعبد الفقير كاتب السطور قد بين أحوال الحكام بالقوانين الوضعية وأحكامهم فِي ضوء الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة, بحيث إنه: "أعطى الموضوع حقه, واستوفى الكلام عليه بِما لا مجال للزيادة عليه بيانًا وتوضيحًا", كما وصفه الإمام الرباني مُحمَّد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- فِي مقدمته الَّتِي شرف بِها الكاتب وما كتب, فقد أضحى لزامًا علي -براءة للذمة ونصحًا لشباب الأمة- تفصيل القول فِي حكم البلاد أو الديار الَّتِي تُطبق هذه القوانين الَّتِي ابتلي بِها المسلمون وكانت شؤمًا عليهم, وأن تحقق المناط الصحيح للحكم عليها بالكفر أو الإسلام.
وهذه القضية حقيقة بالبحث والمناقشة لدقتها وخطورة ما ينبني عليها عند بعض الغلاة, إذ كان التكفير للبلاد الَّتِي تحكم بالقوانين الوضعية مسوغًا لاستباحة الدماء والأموال والأعراض, وما إلَى ذلك مِمَّا تبكي له عيون الإسلام !!!.
FFFFF
المبحث الأول
مناط الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام
سيطرة المسلمين أو الكفار على الدار، وسيادتُهم عليها، وامتلاكهم لَها هو مناط الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام، ثُمَّ يتبع ذلك علامات توجد أحيانًا وتضعف أحيانًا أخرى، بل ربما تنعدم كـ: الأمن أو الخوف، وتطبيق أحكام الإسلام أو الكفر.
__________
(1) مبادئ علم السياسة: (159). انظر "فقه السياسة الشرعية" للمؤلف (246).(1/4)
"إذ تلتقي كلمة المذاهب الأربعة على أن البلدة تصبح دار إسلام إذا دخلت فِي منعة المسلمين واستقرت تحت سيادتِهم، بحيث يقدرون على إظهار أحكام الإسلام والامتناع عن أعدائهم، وإنما يكون ذلك بطريق الفتح عنوة أو صلحًا، سواء أصبح أهلها كلهم أو بعضهم مسلمين، أو بقوا جميعًا غير مسلمين، كبلدٍ كان جميع سكانه أهل ذمة مثلاً.
وينبغي أن نعلم: أن المقصود من ظهور أحكام الإسلام فيها ظهور الشعائر الإسلامية الكبرى، كالجمعة والعيدين وصوم رمضان والحج، دون أي منع أو حرج، وليس المقصود بِهَا أن تكون القوانين المرعية كلها إسلامية (1) .
لَم أجد اختلافًا بَيْنَ فقهاء المذاهب الأربعة فِي هذا المناط، غير أنه قد وقع فِي نصوصهم تباين فِي الأسلوب، وتغاير فِي العبارات، حسبها بعض الباحثين اختلافًا متباينًا، فحكاها أقوالاً متنافرةً، وليس الأمر كذلك، فإن من الفقهاء من ينص على المناط بعينه، ومنهم من يعبر عنه بلوازمه وعلاماته من تطبيق الأحكام وظهور الأمن أو الخوف والكل بمعنًى واحد، ذلك لأن ظهور هذه العلامات يكفي فِي الدلالة على السيادة والغلبة والتمكن, وليس هذا بغريب على من عرف طريقة العلماء ومناهجهم فِي البحث والتصنيف، وهذا ما سوف نحاول إيضاحه بذكر الدليل على هذا المناط من السُّنةِ الصحيحة أولاً، ثُمَّ بسرد جملة من أقوال العلماء تبعث الاطمئنان لما قررنا ثانيًا.
FFFFF
F أولاً: الدليل:
وهذا المناط الذي ذكرناه نص عليه الشارع صراحة فِي حديث بريدة - رضي الله عنه - ، وعبر عن لازمه أو علامته فِي حديث أنس - رضي الله عنه - .
__________
(1) قضايا فقهية معاصرة (1/182).(1/5)
أما حديث بريدة: $كان رسول الله ج إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه فِي خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثُمَّ قال: اغزوا باسم الله فِي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم...
ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثُمَّ ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنَّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنَّهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم فِي الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.
وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك؛ فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنْزلهم على حكم الله فلا تنْزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك؛ فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا # (1) .
فأضاف رسول الله ج الدار إلى المهاجرين لوجودهم فيها وسيادتِهم عليها، ثُمَّ أمَر بالانتقال مِن دار ليس عليها سلطان أهل الإسلام إلى بلاد عليها سلطان أهل الإسلام، مِمَّا يدل على أن الدار إنَّما تُعتَبر بامتلاك السيادة والسلطان بحيث يَملك المسلمون أوالكفار إعلان أحكامهم، فبحسبها تكون، فإن كانت السيادة لأهل الإسلام، كانت دار إسلام، وإن كانت السيادة للكفرة، كانت دار كفر.
__________
(1) رواه مسلم: (1731).(1/6)
ومن مشكاة هذا الحديث أخذ شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- يقول: "وكون الأرض دار كفر أو دار إيْمان، أو دار الفاسقين ليس صفة لازمة لَها، بل هي صفة عارضة بحسب سكانِها" (1) .
ويقول: "والبقاع تتغير أحكامها بتغير أحوال أهلها، فقد تكون البقعة دار كفر إذا كان أهلها كفارًا، ثُمَّ تصير دار إسلام إذا أسلم أهلها، كما كانت مكة -شرفها الله- فِي أول الأمر دار كفر وحرب" (2) .
أما حديث أنس - رضي الله عنه - : $كان رسول الله ج يغير إذا طلع الأذان، فإن سمع أذانًا أمسك وإلا أغار# (3) .
ففيه دليل واضح على أن ظهور بعض أحكام الإسلام كافٍ للحكم على الدار بالإسلام، وهذه الأحكام من لوازم السيادة على الدار كما أسلفنا.
والمقصود من ذلك: أن المعول عليه فِي الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام: السيادة والسلطان والامتلاك للدار، ثُمَّ يتبع ذلك ظهور الأحكام، وكذلك الخوف أو الأمن للمسلمين أو الكفار.
وبعبارة أخرى: "فالشرط الجوهري لاعتبار الدار دار إسلام هو كونُها محكومة من قِبَلِ المسلمين وتحت سيادتِهم وسلطانِهم، فتظهر عند ذاك أحكام الإسلام، ويأمن جميع السكان مسلمون وكفار بأمان الإسلام المسلمون بسبب إسلامهم، وغير المسلمين بعقد الذمة".
وليس من شرط هذه الدار أن يكون فيها مسلمون ما دامت تحت سلطانِهم (4) .
وفِي هذا يقول الإمام الرافعي: "ليس من شرط دار الإسلام أن يكون فيها مسلمون، بل يكفي كونُها فِي يد الإمام" (5) .
ويدل على هذا أن خيبر كانت تحت ولاية المسلمين مع أن سكانَها كانوا كافرين.
__________
(1) الفتاوى: (18/282).
(2) المصدر السابق: (27/143).
(3) متفق عليه: البخاري (610)، ومسلم (1365).
(4) أحكام الذميين والمستأمنين: (18).
(5) فتح العزيز (8/14).(1/7)
ومن هاهنا جعل العلماء من أقسام دار الإسلام دارًا يفتحها المسلمون ويقرون فيها سكانَها الأصليين -أهل الذمة- مقابل جزية يدفعونَها أو خراج، فمثل هذه الدار حُكِمَ عليها بالإسلام مع أن سكانَها كفار، ولهم قضاة يحكمون بينهم بغير ما أنزل الله من القوانين الكفرية والأحكام الجاهلية.
صفوة القول وخلاصة المسألة ما قاله العلامة الْمُحقق الشوكاني: "الاعتبار بظهور الكلمة، فإن كانت الأوامر والنواهي فِي الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونًا له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام، ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها؛ لأنَّها لَم تظهر بقوة الكفار ولا بصولتهم كما هو مشاهد فِي أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين فِي المدائن الإسلامية، وإذا كان الأمر بالعكس فالدار بالعكس" (1) .
وقد اختصر ابن حزم الكلام فِي هذه المسألة أيضًا قائلاً: "والدار إنَّما تنسب للغالب عليها والحاكم فيها والمالك لَها" (2) .
واختصره كذلك الحافظ أبو بكر الإسماعيلي فِي كتابه "اعتقاد أهل السنة" وجعل التمكين والسيطرة مناط الحكم على الدار بالإسلام؛ إذ يقول: "ويرون الدار دار إسلام لا دار كفر -كما رأته المعتزلة- ما دام النداء بالصلاة والإقامة بِهَا ظاهرين، وأهلها مُمَكَّنين منها آمنين" (3) .
F ثانيًا: أقوال العلماء:
? أقوال العلماء الأحناف:
فقهاء الحنفية أكثر العلماء بيانًا لمسألة الدار، وتوضيحًا لِمَا يتفرع عنها، وقد صرح بعضهم بأن المناط هو الغلبة والولاية على الدار، وذكر بعضهم علامة ذلك من ظهور الشعائر وجريان الأحكام كدلالة كافية على الغلبة والتمكن، ومنهم من نص على الأمرين كليهما.
__________
(1) السيل الجرار (4/575).
(2) المحلى (13/140).
(3) اعتقاد أهل السنة (51).(1/8)
فقد قرر السرخسي فِي مبسوطه: "أن البقعة إنَّما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة، فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك، فالقوة فِي ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب، وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الإسلام فالقوة فيه للمسلمين" (1) .
وهذا ما قرره أيضًا مؤلف قواعد الفقه؛ إذ يقول: "دار الإسلام: ما غلب فيها المسلمون وكانوا آمنين، ودار الحرب: هو على خلاف دار الإسلام، يعنِي: ما غلب فيها غير المسلمين" (2) .
وهذا هو ابن عابدين، يكتفي بسيطرة المسلمين وولايتهم على الدار للحكم عليها بأنَّها من دور الإسلام وإن لَم يوجد علامة ذلك من الحكم بِما أنزل الله، فيقول: "وبِهذا ظهر أن ما فِي الشام من جبل تيم الله المسمى بجبل الدروز وبعض البلاد التابعة: كلها دار إسلام؛ لأنَّها وإن كانت لَها حكام دروز أو نصارى، ولهم قضاة على دينهم، وبعضهم يعلنون بشتم الإسلام والمسلمين؛ لكنهم تحت حكم ولاة أمورنا، وبلاد الإسلام محيطة ببلادهم من كل جانب، وإذا أراد ولي الأمر تنفيذ أحكامنا فيهم نفذها" (3) .
وإذا كان ابن عابدين قد اكتفى فِي النص الفائت بسيطرة المسلمين على الدار ودخولها تحت ولايتهم للحكم عليها بأنَّها من دور الإسلام وإن عدمت الأحكام الشرعية، فهاهو الجصاص ينص على الأمرين كليهما، فيقول: "إن الحكم على الدار إنَّما يتعلق بالظهور والغلبة وإجراء حكم الدين، والدليل على ذلك: أنَّا متَى غلبنا على دار الحرب وأجرينا بِهَا أحكامنا صارت دار إسلام، سواء كانت متاخمة لدار الإسلام أم لَم تكن، وكذلك البلد من دار الإسلام، إذا غلب عليه الكفار، وجرى فيه حكمهم؛ وجب أن يكون من دار الحرب" (4) .
__________
(1) المبسوط: (10/114).
(2) قواعد الفقهاء: (1/288).
(3) حاشية ابن عابدين: (4/175).
(4) شرح مختصر الطحاوي للجصاص "مخطوط"، نقلاً عن العولمة (100).(1/9)
وكذلك السرخسي ذكر الأمرين معًا، فقال: "إن دار الإسلام هي اسم للموضع الذي يكون تحت يد المسلمين. وعلامة ذلك: أن يأمن فيه المسلمون" (1) .
ويقول فِي موضع آخر: "المعتبر فِي حكم الدار هو السلطان والمنعة فِي ظهور الحكم" (2) .
وأخيرًا يقول الكاساني: "لا خلاف بيْن أصحابنا فِي أن دار الكفر تصير دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها" (3) .
ويفسر مصنف الدر المختار (4) مقصود الأحناف بظهور الأحكام، فيقول: "ودار الحرب تصير دار إسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها كجمعة وعيد".
FFFFF
?
أقوال علماء المالكية:
أما علماء المالكية؛ فقد جعلوا الأذان علامة مفرقة بين الدارين، وذلك لأنه أمارة ظهور الشعائر الإسلامية، الَّتِي هي من علامات غلبة المسلمين وسيادتِهم على الدار.
يقول ابن عبد البر: "ولا أعلم خلافًا فِي وجوب الأذان جملة على أهل الأمصار؛ لأنه من العلامة الدالة المفرقة بين دار الإسلام ودار الكفر، كان رسول الله ج إذا بعث سرية يقول لَهم: $إذا سمعتم الأذان فأمسكوا#" (5) .
قال المازري: "فِي الأذان معنيان: أحدهما: إظهار الشعائر والتعريف بأن الدار دار إسلام...." (6) .
ويقول الزرقاني: "وأما فِي المصر؛ فواجب كفاية، فلو اتفقوا على تركه أثِموا وقوتلوا عليه؛ لأنه شعار الإسلام ومن العلامات المفرقة بين دار الإسلام والكفر" (7) .
يقول العبدري: "فِي الأذان دخول الوقت، والدعاء للجماعة، ومكان صلاتِها، وإظهار شعار الإسلام، وأن الدار دار إسلام" (8) .
__________
(1) شرح السير (3/81). وتأمل كلمة "وعلامة ذلك...".
(2) المصدر السابق (5/1073).
(3) بدائع الصنائع: (7/130).
(4) انظر: (4/130).
(5) الاستذكار (4/18)، وانظر التمهيد مرتبًا: (3/61).
(6) الذخيرة للقرافي: (2/58).
(7) شرح الزرقاني: (1/148)، وانظر: المنتقى للباجي (1/ 133).
(8) التاج والإكليل (1/451).(1/10)
ويقول أحمد بن غنيم: "ومن فوائده: الإعلام بأن الدار دار إسلام" (1) .
FFFFF
?
أقوال علماء الشافعية:
وتقسيم العلماء الشافعيين دار الإسلام إلى ثلاثة أقسام يظهر منه بوضوح اعتبارهم لمناط الغلبة والسيطرة.
بل صرح شيخهم الرافعي به حين قال: "يكفي فِي كونِها دار إسلام كونُها تحت استيلاء الإمام وإن لَم يكن فيها مسلم" (2) .
والكلمة الأخيرة فِي هذا النص المهم توافق ما قرره الأحناف من قبل.
وقد قسم الماوردي ما استولى عليه المسلمون إلى ثلاثة أقسام، يظهر منها بجلاء أن العبرة عند أصحابه الشافعيين بالسيطرة والامتلاك للأرضين، فقال:
"وأما الأرضون إذا استولى عليها المسلمون فتقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: ما مُلِكَتْ عنوة وقهرًا حتَّى فارقوها بقتل أو أسر أو جلاء ... تصير هذه الأرض دار إسلام سواء سكنها المسلمون أو أعيد إليها المشركون لملك المسلمين لها، ولا يجوز أن يستنْزل عنها للمشركين لئلا تصير دار حرب.
والقسم الثاني منها: ما مُلِكَ منهم عفوًا لانجلائهم عنها خوفًا، فتصير بالاستيلاء عليها وقفًا ... وتصير هذه الأرض دار إسلام.
والقسم الثالث: أن يُستَولى عليها صلحًا على أن تقر فِي أيديهم بخراج يؤدونه عنها، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يصالِحهم على أن ملك الأرض لنا، فتصيْر بِهذا الصلح وقفًا من دار الإسلام.
والضرب الثاني: أن يصالِحهم على أن الأرضين لَهم، ويضرب عليها خراج يؤدونه عنها، وهذا الخراج فِي حكم الجزية، متَى أسلموا سقط عنهم، ولا تصير أرضهم دار إسلام، وتكون دار عهد ...
وقال أبو حنيفة: "قد صارت دارهم بالصلح دار إسلام، وصاروا به أهل ذمة تؤخذ جزية رقابِهم". ا’ (3) .
__________
(1) الفوكه الدواني (1/171).
(2) فتح العزيز: (8/14).
(3) الأحكام السلطانية للماوردي: (174).(1/11)
وهكذا نرى أن كل صور الاستيلاء من المسلمين تجعل الدار عند الشافعية دار إسلام، سواء سكنها المسلمون أم لا، طبقت فِي الدار أحكام الإسلام أم لا، اللهم إلا فِي صورة واحدة هي الأخيرة فِي تعداد الماوردي، تلك الَّتِي يُبرم فيها الصلح على أن يكون امتلاك الأرض للكفار، فتصير هذه الدار دار عهد عند الشافعية، دار إسلام عند أبِي حنيفة.
FFFFF
?
أقوال علماء الحنابلة:
وتقسيم الشافعية وجدنا نحوه عند الحنابلة، مِمَّا يدل على اعتبارهم لِهذا المناط، واعتمادهم عليه.
يقول ابن قدامة: "فأما دار الإسلام فضربان:
أحدهما: دار اختطها المسلمون كبغداد والبصرة والكوفة، فلقيط هذه محكوم بإسلامه وإن كان فيها أهل الذمة؛ تغليبًا للإسلام ولظاهر الدار؛ ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
الثانِي: دار فتحها المسلمون كمدائن الشام، فهذه إن كان فيها مسلم واحد حكم بإسلام لقيطها؛ لأنه يحتمل أن يكون لذلك المسلم؛ تغليبًا للإسلام، وإن لَم يكن فيها مسلم، بل كل أهلها ذمة؛ حكم بكفره؛ لأن تغليب حكم الإسلام إنَّما يكون مع الاحتمال.
وأما بلد الكفار فضربان أيضًا:
أحدهما: بلد كان للمسلمين فغلب الكفار عليه كالساحل، فهذا كالقسم الذي قبله: إن كان فيه مسلم واحد؛ حُكم بإسلام لقيطه، وإن لَم يكن فيه مسلم؛ فهو كافر.
الثانِي: دار لَم تكن للمسلمين أصلاً كبلاد الهند والروم، فإن لَم يكن فيها مسلم؛ فلقيطها كافر؛ لأن الدار لَهم وأهلها منهم" (1) .
كما أن من الحنابلة من عبر بلازم من لوازم المناط أعني غلبة الأحكام فهي دلالة كافية على الغلبة والتمكن.
قال أبو يعلى الحنبلي: "وكل دار كانت الغلبة فيها لأحكام الإسلام دون أحكام الكفر فهي دار إسلام، وأي دار كانت فيها الغلبة لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي دار الكفر" (2) .
__________
(1) المغني: (6/35).
(2) المعتمد فِي أصول الدين: (267).(1/12)
وقال ابن مفلح: "فكل دار غلب عليها أحكام المسلمين فدار الإسلام وإن غلب عليها أحكام الكفار فدار الكفر، ولا دار لغيرهما" (1) .
هذه هي نصوص الفقهاء، وقد لاحظنا أنَّهم جعلوا من أقسام دار الإسلام ما فتحه المسلمون وأقروا عليه الكفار نظير جزية يدفعونَها، ومِمَّا لا شك فيه أن هؤلاء الكفار سيحكمون بغير ما أنزل الله، مِمَّا يدل دلالة واضحة لا لبس فيها ولا غموض أن العبرة بالسيادة والغلبة والسيطرة على الدار والامتلاك لَها، وأن ظهور الأحكام مجرد علامة تتخلف أحيانًا برمتها -كما تخلفت هنا-، وتضعف أحيانًا أخرى بحيث تظهر بعض أحكام الإسلام، بل يظهر معها أحكام الكفر، لكن لا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها؛ لأنَّها لَم تظهر بقوة الكفار ولا بصولتهم كما نص على ذلك الشوكاني -رحمه الله-.
ومثل الدار فِي ذلك مثل من أسلم، فلا يشترط للقضاء عليه بالإسلام أن يأتِي بجميع أحكامه، ولا يخرج منه بمجرد فعل الكبائر، فكذلك الدار لا يشترط للحكم عليها بالإسلام أن تطبق فيها أحكامه كافة، ولا يخرجها من هذا الوصف إلى الوصف بالكفر ظهور بعض أحكام الكفر.
ومِمَّا يستأنس به على هذا: أن النَّبِيَّ ج حكم على من أتى بالشهادتين بالإسلام، كما حكم بالإسلام على الدار الَّتِي أعلنت بالأذان، فإذا كان الشارع لَم يحكم على مقترف الكبيرة (2) غير المستحل لَها بالكفر، فكذلك لا يحكم على الدار بالكفر بمجرد ظهور أحكام الكفر.
ولا يشكل على هذا ما صرح به جملة من العلماء فِي هذا المقام من ذكر غلبة أحكام الإسلام، فالذي يتحرر أنَّهم لا يشترطون للحكم على الدار بالإسلام أن تطبق كل أحكامه، بل يكفي أن يظهر بعضها لاسيما الشعائر الكبرى من الأذان والصلوات والأعياد وغيرها، يدل على هذا ما يذكرونه من تقييد أو تمثيل.
__________
(1) الآداب الشرعية: (1/212).
(2) والكبائر من شعب الكفر كما قرر ذلك ابن قيم الجوزية فِي "الصلاة": (34).(1/13)
يقول التهانوي -من الأحناف- فِي كشافه: "ولا خلاف فِي أنه يصير دار الحرب دار إسلام بإجراء بعض أحكام الإسلام فيها" (1) .
وهاهو كتاب الدر المختار يُمَثِّلُ للأحكام بعد اشتراطه لَها، فيقول: "ودار الحرب تصير دار إسلام بإجراء أحكام الإسلام فيها، كجمعة وعيد....." (2) .
وبنحو هذا مَثَّلَ كتاب الدرر الحكام فيقول: "ودار الحرب تصير دار إسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها -كإقامة الجمع والأعياد- وإن بقي فيها كافر أصلي" (3) .
ويقول الدسوقي -من المالكية-: " ... لأن بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بأخذ الكفار لَها بالقهر ما دامت شعائر الإسلام قائمة فيها".
ثم يؤكد على ذلك فيقول: "بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بِمجرد استيلائهم عليها، بل حتَّى تنقطع إقامة شعائر الإسلام عنها، وأما ما دامت شعائر الإسلام أو غالبها قائمة فيها؛ فلا تصير دار حرب" (4) .
وما لاحظناه من تقسيم الشافعيين والحنابلة -الذي أشرنا إليه قريبًا- حجة قوية أيضًا؛ حيث حكموا بالإسلام على الدار الَّتِي يسكنها أهل الذمة ويحكمون فيها بغير ما أنزل الله بطبيعة الحال! بيد أنَّها تحت سيطرة المسلمين.
ومِمَّا يدل على صحة ذلك: حديث أنس - رضي الله عنه - الذي احتج به المالكية على أن الأذان هو العلامة المفرقة بين الدارين: "كان رسول الله ج يغير إذا طلع الأذان، فإن سمع أذانًا أمسك وإلا أغار" (5) .
فقد اكتفى رسول الله فِي حكمه بإسلام هذه الدار بظهور بعض أحكام الإسلام.
يقول النووي: "فِي هذا الحديث دليل على أن الأذان يمنع الإغارة على أهل ذلك الموضع، فإنه دليل إسلامهم" (6) .
__________
(1) كشاف اصطلاحات الفنون: (2/92).
(2) الدرر المختار: (4/175).
(3) الدر الحكام شرح غرر الأحكام لمنلا خسرو: (1/331).
(4) حاشية الدسوقي (2/188).
(5) متفق عليه: البخاري (610), ومسلم (1365) وقد سبق.
(6) شرح النووي (4/84).(1/14)
نخلص من ذلك كله إلى أن الأمر الذي لا اختلاف عليه فِي نظر الباحث بين فقهاء المذاهب الأربعة:
أن مناط الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام هو السيطرة والغلبة والامتلاك للدار، وقد نص بعضهم على ذلك صراحةً، وعَبَّرَ بعضهم الآخر بلازم ذلك أو علاماته من ظهور الشعائر والأحكام.
وأنه لا يشترط تطبيق جميع أحكام الإسلام للحكم على الدار بالإسلام، بل يكفي بعضها، بل ربما تنعدم -كما رأينا- فِي الدار الَّتِي يستولِي عليها أهل الإسلام، ويقرون فيها أهل الذمة؛ نظيْر جزية يدفعونَها أو خراج.
وهذا يؤكد أنه لا يؤثر فِي الحكم على الدار بالإسلام ظهور أحكام الكفر إذا لَم تظهر بغلبة الكفار وسيطرتِهم على الدار.
المبحث الثاني
تحول دار الإسلام إلى دار كفر
وصْفُ الدار بالكفر أو الإسلام ليس وصفًا لازمًا لا يتغيَّر، بل هو وصْفٌ عارضٌ يُمكن أن يتبدل بتحول صفاتِها وتغيُّر أحوالِها.
وفِي هذا يقول شيخ الإسلام بن تيمية: "وكون الأرض دار كفر أو دار إيْمان أو دار الفاسقين ليس صفة لازمة لَها، بل هي صفة عارضة بِحسب سكانِها" (1) .
والذي يهمنا ثَمَّ تحقيق المناط الذي به تتحول دار الإسلام إلى دار كفر، وهذا يقتضي عرض مذاهب العلماء فِي هذه المسألة الدقيقة.
FFFFF
المذهب الأول:
أن دار الإسلام لا تصير دار كفر مطلقًا
نسب ابن حجر الْهيتمي هذا المذهب إلَى أصحابه الشافعيين، فقال:
"لو رجا ظهور الإسلام بِمقامه, ثَمَّ -يعنِي: فِي دار الحرب- كان مقامه أفضل، أو قدر على الامتناع والاعتزال, ثَمَّ ولم يَرْجُ نصرة المسلمين بالهجرة -كان مقامه واجبًا؛ لأن محله دار إسلام، فلو هاجر لصار دار حرب، ثُمَّ إن قدر على قتالهم ودعائهم للإسلام لزمه، وإلا فلا.
__________
(1) الفتاوى: (18/287).(1/15)
قال: تنبيه: يؤخذ من قولهم: ... لأن محله دار إسلام: أن كل محل قدر أهله فيه على الامتناع من الحربيين صار دار إسلام, وحينئذٍ الظاهر أنه يتعذر عوده دار كفر وإن استولوا عليه، كما صرح به الخبر الصحيح: $الإسلام يعلو ولا يعلى عليه# (1) .
قال: ثُمَّ رأيت الرافعي وغيره ذكروا نقلاً عن الأصحاب: أن دار الإسلام ثلاثة أقسام:
? قسم: يسكنه المسلمون.
? وقسم: فتحوه وأقروا أهله عليه بجزية، مَلَكُوه أو لا.
? وقسم: كانوا يسكنونه ثُمَّ غلب عليه الكفار.
قال الرافعي: وعدهم القسم الثانِي يبين أنه يكفي فِي كونِها دار إسلام كونُها تحت استيلاء الإمام، وإن لَم يكن فيها مسلم.
قال الرافعي: وأما عدهم الثالث؛ فقد يوجد فِي كلامهم ما يشعر بأن الاستيلاء القديْم يكفي لاستمرار الحكم، ورأيت لبعض المتأخرين أن محله إذا لَم يَمنعوا المسلمين، وإلا فهي دار كفر. انتهى.
قال ابن حجر تعليقًا: وما ذكره الرافعي عن بعض المتأخرين بعيد نقلاً ومدركًا كما هو واضح، وحينئذ فكلامهم صريح فيما ذكرته: أن ما حكم بأنه دار إسلام لا يصيْر دار كفر مطلقًا" (2) .
__________
(1) أخرجه الدارقطني: (3620) ومحمد بن هارون الروياني فِي مسنده من حديث عائذ بن عمرو المزني بسند حسن كذا قال ابن حجر فِي فتح الباري (3/261), وقد أخرجه البيهقي فِي السنن (6/205) من نفس طريق الدارقطني لكن فيه مجهولان! وللحديث شواهد من حديث عمر: رواه الطبراني فِي المعجم الوسيط والبيهقي فِي دلائل النبوة, ومن حديث معاذ: رواه بحشل فِي تاريخ واسط.
وقد ثبت موقوفًا على ابن عباس: رواه البخاري تعليقًا فِي كتاب الجنائز (79) باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟ ورواه كذلك الطحاوي فِي شرح معاني الآثار (3/257).
والحديث حسنه ابن حجر والألباني وغيرهما, والله أعلم.
(2) تحفة المحتاج: (9/269).(1/16)
وقد عورض ما استدل به ابن حجر بـ "أن دعوى صراحة الحديث فيما أفاده: محل تأمل؛ إذ المتبادر منه: أن المراد بعلوه: انتشاره وإخماد الكفر إلَى أن يأتي الوقت الموعود به قرب الساعة، وهذا لا ينافِي صيْرورة بعض داره دار حرب، كما لا ينافِي غلبة الكفار لأهله ونصرتَهم عليهم فِي كثير من الوقائع" (1) .
كما أن قول ابن حجر: "وحينئذٍ فكلامهم صريح ..." عُورض من ابن قاسم فقال: "فِي الصراحة نظر!! خصوصًا مع احتمال أن يراد بالاستيلاء القديْم الاستيلاء الأصلي, وهو ما كان للمسلمين من أول الأمر" (2) .
ومِمَّا يقوي الاعتراض على ابن حجر فِي نسبة ما رآه لأصحابه الشافعيين ما سبق نقله عن الماوردي: "هذه الأرض دار إسلام -سواء سكنها المسلمون أو أعيد إليها المشركون-؛ لملك المسلمين لَها، ولا يجوز أن يستنْزل عنها للمشركين لئلا تصير دار حرب" (3) .
FFFFF
المذهب الثاني:
أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر بارتكاب الكبائر
ويقابل المذهب الأول مذهب طوائف من الخوارج، إذ اعتبروا دار مخالفيهم دار كفر، يجوز فيها قتل الأطفال والنساء, وهم فِي نظرهم مثل كفار العرب وعبدة الأوثان .
وقد ذكر شيخ الإسلام بن تيمية أنَّهم "جعلوا دار المسلمين دار كفر وحرب, وسموا دارهم الَّتِي يهاجرون إليها دار إيْمان, واستحلوا بلاد الإسلام أكثر من استحلالهم بلاد الكفار" (4) .
وذكر الشربينِي فِي مغنِي المحتاج: "اعتقاد.. -الخوارج-: أن من أتى كبيرة كفر, وحبط عمله، وخلد فِي النار، وأن دار الإمام صارت بظهور الكبائر فيها دار كفر وإباحة؛ فلذلك طعنوا فِي الأئمة؛ ولَم يصلُّوا خلفهم؛ وتجنبوا الجمعة والجماعة" (5) .
__________
(1) حاشية الشروانِي: (9/ 269).
(2) حاشية ابن قاسم: (9 /269).
(3) انظر تفصيل ذلك: كتاب العولمة (109-124) للدكتور: عابد السفيانِي.
(4) انظر الفتاوى: (3/28).
(5) مغنِي المحتاج (4/124).(1/17)
وجاء فِي حاشية البجيرمي: "وأما الخوارج؛ وهم صنف من المبتدعة, قائلون بـ: أن من أتى كبيرة كفر, وحبط عمله, وخلد فِي النار, وأن دار الإسلام بظهور الكبائر فيها تصيْر دار كفر وإباحة" (1) .
وقد ذكر أبو الحسن الأشعري فِي مقالات الإسلاميين رأي الخوارج -من الأزارقة والصفرية- فِي دار الإيْمان: أنَّها دار كفر وشرك (2) , كما حكى رأي الإباضية منهم، فكان مِمَّا قال: "وزعموا أن الدار -دار مخالفيهم- دار توحيد, إلا عسكر السلطان فإنه دار كفر" (3) .
على أن ثمة من ينفي نسبة مثل هذه الأراء إلى الإباضية، وينتقد أبا الحسن الأشعري فِي إثباتِها فِي مقالاته, ومن اتبعه -من أمثال البغدادي- فِي عزوها إليهم (4) .
FFFFF
المذهب الثالث:
أن دار الإسلام لا تتحول إلى دار كفر بِمجرد استيلاء
الكفار بل حتى تنقطع عنها شعائر الإسلام
قال الدسوقي: " ... لأن بلاد الإسلام لا تصيْر دار حرب بأخذ الكفار لَها بالقهر ما دامت شعائر الإسلام قائمة فيها ...... وأما ما أخذوه من بلادنا بعد استيلائهم عليها بالقهر, وقدرنا على نزعه منهم قبل أن يذهبوا به لبلادهم؛ فإنه ينْزع منهم؛ لأن بلاد الإسلام لا تصيْر دار حرب بِمجرد استيلائهم عليها, بل حتَّى تنقطع إقامة شعائر الإسلام عنها, وأما ما دامت شعائر الإسلام أو غالبها قائمة فيها؛ فلا تصيْر دار حرب" (5) .
__________
(1) حاشية البجيرمي (4/201).
(2) مقالات الإسلاميين (2/154).
(3) مقالات الإسلاميين: (104).
(4) الفرق بين الفرق للبغدادي (103).
(5) انظر الإباضية بين الفِرَقِ الإسلامية (41) وما بعدها, الإباضية فِي ميدان الحق.(1/18)
والحق: أن إقامة الشعائر وحدها مع سيطرة الكفرة على دار الإسلام وظهور أحكامهم؛ لا تصلح مناطًا للحكم على الدار بالإسلام؛ إذ إن إقامة الشعائر لا تختص بِها الديار الإسلامية، بل توجد من كثير من المسلمين المقيمين فِي دار الكفر الأصلية فِي زماننا، وتعدها الحكومات من لوازم الحرية الدينية الَّتِي تكفلها للجميع, وتنص عليها فِي دساتيرها، ولا أظن أن أحدًا من العلماء اليوم يعتبر الأندلس دار إسلام من أجل بقاء شعائر الإسلام الظاهرة فيها!!.
المذهب الرابع:
أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر بتمام القهر والغلبة
لا يكتفي الإمام أبو حنيفة باستيلاء المشركين على دار الإسلام للحكم عليها بالكفر، بل يضيف إلَى ذلك شرطين آخرين؛ لكي يتحقق من تَمام غلبة الكفار وسيطرتِهم على الدار.
وقد أسهب الكاسانِي فِي بيان مذهب إمامه، فقال: "واختلفوا فِي دار الإسلام أنَّها بِماذا تصيْر دار كُفرٍ؟
قال أبو حنيفة: إنَّها لا تصيْر دار الكفر إلا بثلاث شرائط:
F أحدها: ظهور أحكام الكفر فيها.
F والثانِي: أن تكون متاخمة لدار الكفر.
F والثالث: أن لا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمنًا بالأمان الأول, وهو أمان المسلمين.
ثُمَّ ذكر مذهب صاحبيه, فقال: وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: إنَّها تصيْر دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها.(1/19)
ثُمَّ قال: وجه قول أبِي حنيفة -رحمه الله-: أن المقصود من إضافة الدار إلَى الإسلام والكفر ليس هو عين الإسلام والكفر, وإنَّما المقصود هو الأمن والخوف, ومعناه: أن الأمان إن كان للمسلمين فيها على الإطلاق, والخوف للكفرة على الإطلاق؛ فهي دار الإسلام, وإن كان الأمان فيها للكفرة على الإطلاق, والخوف للمسلمين على الإطلاق؛ فهي دار الكفر, والأحكام مبنية على الأمان والخوف لا على الإسلام والكفر, فكان اعتبار الأمان والخوف أولَى, فما لَم تقع الحاجة للمسلمين إلَى الاستئمان؛ بقي الأمن الثابت فيها على الإطلاق, فلا تصيْر دار الكفر, وكذا الأمن الثابت على الإطلاق، لا يزول إلا بالمتاخمة لدار الحرب, فتوقف صيرورتِها دار الحرب على وجودهما، مع ما أن إضافة الدار إلَى الإسلام احتمل أن يكون لِما قلتم, واحتمل أن يكون لِما قلنا, وهو ثبوت الأمن فيها على الإطلاق للمسلمين, وإنَّما يثبت للكفرة بعارض الذمة والاستئمان, فإن كانت الإضافة لِما قلتم؛ تصيْر دار الكفر بِما قلتم, وإن كانت الإضافة لما قلنا؛ لا تصيْر دار الكفر إلا بِما قلنا, فلا تصير ما به دار الإسلام بيقين دار الكفر بالشك والاحتمال على الأصل المعهود: "إن الثابت بيقين لا يزول بالشك والاحتمال"، بخلاف دار الكفر، حيث تصيْر دار الإسلام لظهور أحكام الإسلام فيها؛ لأن هناك الترجيح لجانب الإسلام؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: $الإسلام يعلو ولا يعلى#. فزال الشك على أن الإضافة إن كانت باعتبار ظهور الأحكام لكن لا تظهر أحكام الكفر إلا عند وجود هذين الشرطين, أعنِي: المتاخمة وزوال الأمان الأول؛ لأنَّها لا تظهر إلا بالمنعة ولا منعة إلا بِهما, والله - سبحانه وتعالى - أعلم.(1/20)
وقياس هذا الاختلاف فِي أرض لأهل الإسلام ظهر عليها المشركون, وأظهروا فيها أحكام الكفر, أو كان أهلها أهل ذمة, فنقضوا الذمة, وأظهروا أحكام الشرك, هل تصير دار الحرب؟ فهو على ما ذكرنا من الاختلاف, فإذا صارت دار الحرب فحكمها إذا ظهرنا عليها وحكم سائر دور الحرب سواء، وقد ذكرناه" (1) .
وقد وجه السرخسي كذلك مذهب إمامه، فقال: "ولكن أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- يعتبر تَمام القهر والقوة؛ لأن هذه البلدة كانت من دار الإسلام محرزة للمسلمين, فلا يبطل ذلك الإحراز إلا بتمام القهر من المشركين, وذلك باستجماع الشرائط الثلاث؛ لأنَّها إذا لَم تكن متصلة بالشرك فأهلها مقهورون بإحاطة المسلمين بِهم من كل جانب, فكذلك إن بقي فيها مسلم أو ذمي آمن فذلك دليل عدم تَمام القهر منهم, وهو نظير ما لو أخذوا مال المسلم فِي دار الإسلام، لا يَملكونه قبل الإحراز بدارهم؛ لعدم تَمام القهر, ثُمَّ ما بقي شيء من آثار الأصل فالحكم له دون العارض، كالمحلة إذا بقي فيها واحد من أصحاب الخطة فالحكم له دون السكان والمشترين, وهذه الدار كانت دار إسلام فِي الأصل, فإذا بقي فيها مسلم أو ذمي فقد بقي أثر من آثار الأصل, فيبقى ذلك الحكم, وهذا أصل لأبِي حنيفة -رحمه الله تعالى- حتَّى قال: إذا اشتد العصير ولَم يقذف بالزبد؛ لا يصير خمرًا لبقاء صفة السكون, وكذلك حكم كل موضع معتبر بِما حوله, فإذا كان ما حول هذه البلدة كله دار إسلام؛ لا يعطى لَها حكم دار الحرب كما لو لَم يظهر حكم الشرك فيها, وإنَّما استولَى المرتدون عليها ساعة من نَهار, ثُمَّ فِي كل موضع لَم تصر الدار دار حرب" (2) .
على أنه قد يقال: إن تَمام الغلبة يُمكن أن تتحقق بدون شرطي المتاخمة لدار الحرب, وعدم الأمان، ولذلك لَم يعتبرهما الأكثرون، بل الأحناف أنفسهم لَم يسلموا بِهما.
__________
(1) بدائع الصنائع (7/130).
(2) المبسوط (10/114).(1/21)
يقول الجصاص: "وكذلك البلد من دار الإسلام إذا غلب عليه أهل الكفر، وظهر فيه حكمهم؛ وجب أن يكون من دار الحرب، ولا معنى لاعتبار ذمي ولا مسلم آمن على نفسه؛ لأن المسلم قد يأمن فِي دار الحرب ولا يسلبه ذلك حكم دار الحرب، ولا يوجب أن يكون من دار الإسلام" (1) .
ويؤكد على هذا ابن قدامة الحنبلي فقال بعد أن ذكر مذهب أبِي حنيفة: "ولنا أنَّها دار كفار, جرت فيها أحكامهم, فكانت دار حرب، كما لو اجتمع فيها هذه الخصال الَّتِي ذكرها أبو حنيفة أو دار الكفرة الأصليين" (2) .
FFFFF
المذهب الخامس:
أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر إذا
استولى عليها الكفار وأظهروا أحكامهم
ذهب أكثر أهل العلم إلَى أن غلبة الكفار على دار الإسلام, بحيث يظهرون أحكامهم يصيرها دار كفر وحرب، ووجهوا ذلك بـ: أن البقعة إنَّما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة, وسبق نقل جملة من أقوالهم.
جاء فِي بدائع الصنائع للكساني: "وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: إنَّها تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها".
وجه قولهما: "إن قولنا: دار الإسلام ودار الكفر؛ إضافة دار إلَى الإسلام وإلَى الكفر, وإنَّما تضاف الدار إلَى الإسلام أو إلَى الكفر؛ لظهور الإسلام أو الكفر فيها كما تسمى الجنة دار السلام, والنار دار البوار؛ لوجود السلامة فِي الجنة والبوار فِي النار, وظهور الإسلام والكفر بظهور أحكامهما، فإذا ظهر أحكام الكفر فِي دار فقد صارت دار كفر, فصحت الإضافة؛ ولهذا صارت الدار دار الإسلام بظهور أحكام الإسلام فيها من غير شريطة أخرى، فكذا تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها, والله أعلم" (3) .
__________
(1) شرح مختصر الطحاوي نقلاً عن العولمة: (100).
(2) المغنِي: (10/95).
(3) بدائع الصنائع (6/113).(1/22)
وذكر ابن عابدين شروط أبِي حنيفة، وأردفها برأي صاحبيه: "وقالا بشرط واحد لا غير، وهو إظهار حكم الكفر. ثُمَّ قال: وهو القياس" (1) .
قال أبو جعفر: "والواجب أن تصير دار الحرب بغلبة الكفار وجريان حكمهم" (2) .
وهذا المذهب أولَى بالقبول، وأقرب إلَى الرجحان، ويوافق ما قررناه فِي المبحث الأول: "أن مناط الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام هو السيطرة والغلبة وما يتبع ذلك من ظهور الأحكام على النحو الذي فصلنا".
FFFFF
المبحث الثالث
استيلاء الكفار على دار الإسلام وإقرارهم
المسلمين فيها يظهرون إسلامهم
المذاهب السابقة فيما إذا غلب الكفار على دار من ديار الإسلام، وعطلوا فيها شرائعه الربانية، وطبقوا أحكامهم الجاهلية، فكان لهم الحكم والأمر والنهي، وليس للمسلمين فيها من شيء.
لكن ماذا لو غلب الكفار على دار إسلامية، فسقطت تحت سيطرتِهم الكاملة، لكنهم أقروا فيها أهلها المسلمين على إظهار دينهم، بل وأبقوا فيها من يواليهم من هؤلاء المسلمين, يحكمون فيها بما يشاءون، غير أن الدار تحت ذمة الكفار وسيادتِهم، بحيث يسير المسلمون على الخطوط العامة لسياستهم الخارجية، بل بِما تحالف جيش المسلمين معهم ضد المسلمين فِي الديار الأخرى؟.
__________
(1) الدر المختار (3/390).
(2) مختصر اختلاف العلماء (3/471).(1/23)
هنا تتنَزل بحق فتوى شيخ الإسلام بن تيمية فِي ماردين (1) : بلدة إسلامية شهيرة فِي تركيا, حكمها الأراتقة (2) ما يزيد عن ثلاثة قرون (من سنة 465 إلى سنة 812’), استولَى عليها التتار, ودخلت تحت حمايتهم، وأقروا فيها المسلمين يحكمهم الأراتقة، وبعد هجوم التتار على بلاد الشام تحول جند ماردين إلى موالاة الكفار -نصارى وتتار-، ونصروهم على أهل الإسلام.
هاك فتوى شيخ الإسلام بن تيمية-رحمه الله-:
"مسألةٌ فِي بلدِ ماردين: هل هي بلدُ حربٍ أم بلدُ سلم؟ وهل يجبُ على المسلمِ المقيمِ بِهَا الهجرةُ إلَى بلادِ الإسلامِ أم لا؟ وإذا وجبت عليه الهجرةُ وَلَم يُهاجر, وساعد أعداءَ المسلمينَ بنفسهِ أو مالهِ، هل يأثَمُ فِي ذلك؟ وهل يأثَمُ مَن رماهُ بالنفاقِ وسبه بهِ أم لا؟.
__________
(1) انظر معجم البلدان (5/39) ومراصد الإطلاع (3/1219).
(2) تنتسب هذه الدولة إلى زعيم عشيرة من التركمان, يدعى "أرتق بن أكسب", وكان قد التحق عام 449’ بخدمة السلطان السلجوقي تتش بن ألب أرسلان صاحب بلاد الشام, فأقطعه القدس وما حولها, ولما توفي "أرتق" خلفه ولداه: "معين الدين سقمان, ونجم الدين إيلغازي" وفِي سنة491’ استرد الفاطميون القدس, فأخرجوهما منها, فَتَوَجَّهَا بقومهما من التركمان إلى الجزيرة الفراتية, فَتَمَلَّكَ "معين الدين سقمان" ديار بكر آمد, وتَمَلَّكَ "نجم الدين إيلغازي" ماردين, وأقام كل منهما فيما تَمَلَّك دولة أرتقية. "انظر أحداث التاريخ الإسلامي بترتيب السنين, تأليف د/ عبد السلام الترمنينِي".(1/24)
الْجَوَابُ: الحمدُ لِلَّه دماء المسلمينَ وأموالهم مُحَرَّمةٌ حيثُ كانوا فِي ماردين أو غيرها، وإعانة الخارجين عن شريعةِ دين الإسلامِ مُحَرَّمةٌ، سواءٌ كانوا أهلَ ماردين أو غيرهم، وَالمقيم بِهَا إن كان عاجزًا عن إقامةِ دينه, وجبت الهجرةُ عليهِ، وإِلا استحبت وَلَم تجب, ومساعدتُهُم لعدوِّ المسلمين بالأنفسِ والأموالِ مُحَرَّمةٌ عليهم، ويجبُ عليهم الامتناعُ مِن ذلكَ بأيِّ طريقٍ أمكنهم، مِن تغيب، أو تعريضٍ، أو مصانعةٍ، فإذا لَم يُمكن إلا بالهجرةِ تعينت، وَلا يَحِلُّ سبهم عمومًا ورميهم بالنفاقِ، بل السب والرمي بالنفاقِ يقعُ على الصفاتِ المذكورةِ فِي الكتابِ والسنَّةِ، فيدخلُ فيها بعضُ أهلِ مارِدِين وغيرهم, وأما كونُها دار حربٍ أو سلمٍ؛ فهي مركبةٌ فيها المعنيان, ليست بِمَنْزِلةِ دارِ السلمِ الَّتِي يجرِي عليها أحكامُ الإسلام؛ لكونِ جندها مسلمين، ولا بِمَنْزِلةِ دارِ الحربِ الَّتِي أهلها كُفارٌ، بل هي قسمٌ ثالِثٌ يعاملُ المسلمُ فيها بِما يستحقهُ, ويقاتلُ الخارجُ عن شريعةِ الإسلامِ بِما يستحقهُ".
ولنا وقفات عند هذه الفتوى المباركة:
1- أن شيخ الإسلام لَمْ يُكَفِّر حكومة ماردين ولا جندها مع أنَّهم يوالون الكفار, وينصرونَهم على المسلمين؛ وذلك لعدم تحقق مناط الحكم بالتكفير، وهو الرضا بدين الكفار ونصرتُهم لأجله، والحجة فِي هذا قصة حاطب (1) .
__________
(1) انظر القصة فِي صحيح البخاري (2845), (4025), ومسلم: (2494).(1/25)
2- أنه لَم يحكم على "مَارِدِين" بكفر مع أنَّها قد غلب عليها الكفار، وجعلوها تابعة لهم، وولاتُها وجندها يبذلون لهم الولاء والطاعة، وينصرونَهم على المسلمين؛ وذلك لأن سكانَها مسلمون، ويظهرون أحكام الإسلام، فهم فِي حالة أشبه ما تكون بالحكم الذاتي، وكذلك لَم يحكم عليها بإسلام مع أن أهلها مسلمون، وهو القائل :"وكون الأرض دار كفر أو دار إيْمان أو دار الفاسقين ليس صفة لازمة لها، بل هي صفة عارضة بحسب سكانِها" (1) .
وذلك لأن الغلبة والسيطرة للكفار، ومن ثَمَّ فهي ليست بدار إسلام خالصة، وليست بدار حرب محضة، إذن هي دار مركبة يتنازعها الإسلام والكفر، أو خالطها الإيْمان والشرك، وبعبارة أدق هي: "هِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ يُعَامَلُ الْمُسْلِمُ فِيهَا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ وَيُقَاتَلُ الْخَارِجُ عَنْ شَرِيعَةِ الإِسْلامِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ".
وإذا كان هذا رأي الإمام ابن تيمية، فإن ثمة رأيًا آخر, فقد تعرض الإسبيجابي -الفقيه الحنفي- لهذه المسألة بعد إغارة التتار على البلاد الإسلامية, واستيلائهم على أجزاء منها.
والذي رآه الإمام المذكور: هو بقاء تلك البلاد المحتلة من قبل التتار من جملة الإسلام؛ لعدم اتصالها بدار الحرب؛ ولأن الكفرة لَم يظهروا فيها أحكام الكفر، فقد ظل القضاة فيها من المسلمين.
ثُمَّ قال: "وقد تقرر أن بقاء شيء من العلة يبقي الحكم، وقد حكمنا بلا خلاف بأن هذه الديار قبل استيلاء التتار عليها كانت من ديار الإسلام، وأنه بعد الاستيلاء عليها بقيت شعائر الإسلام كالأذان والجمع والجماعات وغيرها, فتبقى دار إسلام" (2) .
__________
(1) (الفتاوى: 18/282).
(2) أحكام الذميين للدكتور عبد الكريم زيدان (20).(1/26)
كما تعرض لَها الرملي -الفقيه الشافعي-، فقد سئل عن المسلمين الساكنين فِي وطن من الأوطان الأندلسية، يقال له: "أرغون" (1) , وهاهم تحت ذمة السلطان النصراني يأخذ منهم خراج الأرض، ولَم يتعد عليهم بظلم، ولهم جوامع يصلون فيها، ويصومون رمضان, ويتصدقون، ويقيمون حدود الإسلام جهرًا كما ينبغي، ولا يتعرض لهم النصرانِي فِي شيء من أفعالهم الدينية؟ (2) .
فأجاب: "لا تجب الهجرة على هؤلاء المسلمين من وطنهم؛ لقدرتِهم على إظهار دينهم به؛ ولأنه ج بعث عثمان يوم الحديبية إلَى مكة؛ لقدرته على إظهار دينه بِها، بل لا تجوز الهجرة منه؛ لأنه يرجى بإقامتهم به إسلام غيرهم؛ ولأنه دار إسلام, فلو هاجروا منه صار دار حرب" (3) .
وهذا الرأي من ذينك الفقيهين -الحنفي والشافعي- يلتقي رأي الدسوقي -الفقيه المالكي- القائل: إن "بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بأخذ الكفار لَها بالقهر ما دامت شعائر الإسلام قائمة فيها".
فها نَحن أمام رأيَيْن فيما إذا غلب الكفار على الدار، وأقروا فيها أهل الإسلام, يظهرون دينهم مقابل مال أو خراج يدفعونه لهم، أو نصرتِهم على أهل الإسلام، ليس رأيٌ منهما يجعلها دار كفر محضة, فما بال هؤلاء! كيف يحكمون؟!!.
FFFFF
المبحث الرابع
أثر القوانين الوضعية في الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام
اختلف الإسلاميون فِي عصرنا فِي وصف ديارهم الَّتِي تحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لما أنزل رب البرية إلَى مذاهب شتى، وقال فيها بعضهم أقاويل منكرة، يترتب عليها عواقب وخيمة، ونكبات مدمرة.
ويرجع هذا الخلاف إلَى الأسباب التالية:
__________
(1) حصن منيع بالأندلس من أعمال شنتبرية, بيد المسلمين إلَى الآن فيما بلغنِي, كذا قال ياقوت الحموي, المتوفَى سنة 626’. انظر معحم البلدان (1/154)، ومراصد الإطلاع (1/58).
(2) الغلو فِي الدين للدكتور عبد الرحمن اللويحق (339).
(3) فتاوى الرملي (4/52), نقلاً عن المصدر السابق.(1/27)
F اختلافهم فِي تحديد المناط الَّتِي تتحول به دار الإسلام إلَى دار كفر.
F اختلافهم فِي تكفير من حكم بغير ما أنزل الله.
F عدم فهم بعضهم كلام أهل العلم فِي هذه المسألة, وتنْزيلهم له فِي غير منْزله.
ويُمكن أن نحصر مذاهبهم فِي ثلاثة مذاهب:
1- أن الديار الإسلامية تحولت إلَى دار كفر محضة.
2- أن الديار الإسلامية مركبة من كفر وإسلام.
3- أن ديارنا إسلامية وإن حكمت بالقوانين الوضعية.
FFFFF
المذهب الأول:
أن الديار الإسلامية تحولت إلى دار كفر محضة
يرى أصحاب هذا المذهب أن الدول الإسلامية الَّتِي تحكم بالقوانين الوضعية قد صارت ديار كفر؛ وذلك لأن الغلبة صارت لأحكام الكفر وليست لأحكام الإسلام، وهاك بعض أقوالهم:
"فقد شنت حركة أصولية فِي لندن هجومًا على حركة طالبان الَّتِي تسيطر على (90 %) -فِي ذلك الوقت- من أراضي أفغانستان قائلة: إنَّها لا تطبق أحكام الإسلام فِي علاقاتِها الخارجية مع الدول الأخرى، وأن الملا عمر حاكم طالبان لا يستحق لقب «أمير المؤمنين»؛ لأنه لا يتمتع بإجماع ومبايعة الأمة، ويجب أن يطلق عليه أتباعه لقب أمير طالبان فقط.
واعتبر عمر بكري زعيم جماعة «المهاجرون» الأصولية فِي رسالة تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منها أرسلها إلى الملا عمر الحاكم القوي لطالبان مع ثلاثة من أتباعه: أن أراضي أفغانستان الخاضعة لحكم طالبان هي «دار كفر» وليست دار إسلام" (1) .
وجاء فِي رسالة التعريف بحزب التحرير: "وبلاد المسلمين اليوم لا يوجد فيها بلد ولا دولة تطبق أحكام الإسلام فِي الحكم وشئون الحياة، لذلك فإنَّها كلها تعتبر دار كفر ولو كان أهلها مسلمين".
وجاء فِي كتاب "الجهاد الفريضة الغائبة": ويبدو هنا تساؤل: هل نحن نعيش فِي دولة إسلامية؟.
__________
(1) جريدة الشرق الأوسط: عدد (2) أغسطس (2001).(1/28)
من شروط الدولة الإسلامية: أن تعلوها أحكام الإسلام، وأفتى الإمام أبو حنيفة أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر إذا توفرت ثلاث شروط مجتمعة.... فذكرها, ثُمَّ ذكر رأي صاحبيه, ثُمَّ فتوى ابن تيمية فِي ماردين.
ثُمَّ قال: والحقيقة: أن هذه الأقوال لا تجد تناقض بين أقوال الأئمة, فأبو حنيفة وصاحبيه لَم يذكروا أن أهلها كفار, فالمسلم لن يستحق السلم والحرب.
والأحكام الَّتِي تعلو المسلمين اليوم هي أحكام الكفر, بل هي قوانين وضعها كفار, وسيروا عليها المسلمين, ويقول الله - سبحانه وتعالى - فِي سورة المائدة: {وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 45]. فبعد ذهاب الخلافة نِهائيًّا عام (1942), واقتلاع أحكام الإسلام كلها واستبدالها بأحكام وَضَعَها كفار؛ أصبحت حالتهم هي نفس حالة التتار ..... وحكام العصر قد تعددت أبواب الكفر الَّتِي خرجوا بِها من ملة الإسلام, بحيث أصبح الأمر لا يشتبه على كل من تابع سيرتَهم, هذا بالإضافة إلَى قضية الحكم" (1) .
F الرد على كتاب الفريضة الغائبة:
ولسنا بصدد تعقب كل ما جاء فِي الكتاب، ولكننا نشير هاهنا إلى مغالطته الكبرى فِي تطبيق شروط أبي حنيفة.
فكل من لديه مسكة من عقل يفهم من هذه الشروط ما فهمه الشيخ أبو زهرة -رحمه الله- إذ يقول: "فإنه على تطبيق رأي أبِي حنيفة: تكون الأقاليم الإسلامية من أقصى المغرب إلى سهول تركستان وباكستان ديارًا إسلامية؛ لأنَّها وإن كان سكانُها لا يطبقون أحكام الإسلام، يعيشون بأمان الإسلام الأول، وبذلك تكون الديار ديارًا إسلامية" (2) .
__________
(1) الفريضة الغائبة, مع إثبات الأخطاء النحوية كما هي, منقول من الشبكة العالمية (الانترنت), وانظر كتاب "نقض الفريضة الغائبة" (80) للشيخين جاد الحق وعطية صقر هدية مجلة الأزهر عدد محرم 1414 ’ .
(2) الجريمة والعقوبة فِي الفقه الإسلامي (343).(1/29)
1- هذا إذا طبقنا مذهب أبي حنيفة بشروطه الثلاثة.
2- وأما على مذهب المالكية, فيما نقلناه عن الدسوقي أن: "بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بأخذ الكفار لَها بالقهر ما دامت شعائر الإسلام قائمة فيها" (1) ؛ فلا ريب فِي إسلام ديارنا قولاً واحدًا.
3- وأولى أن تكون إسلامية بلا مرية على رأي ابن حجر الهيتمي القائل: "إن ما حكم بأنه دار إسلام لا يصير دار كفر مطلقًا".
4- أما على رأي أهل البدع من الخوارج ومَن انتهج سبيلهم ممن يقول: "إن دار الإسلام تنقلب إلى دار كفر بظهور الكبائر". فتكون البلاد جميعًا على هذا الرأي دار كفر، لكن ما بُنِي على باطل فهو باطل، ومن ثَمَّ فلا نطيل فِي الرد والمناقشة.
5- فإذا أتينا إلَى قول من ذهب إلَى أن غلبة الكفار على دار الإسلام, وإظهار أحكامهم يصيرها دار كفر وحرب -وممن ذهب إلى ذلك صاحبا أبِي حنيفة- فقد فهم منه كثرة كاثرة من المعاصرين -ومنهم أَجِلَّة- أن بلادنا تصير ديار كفر!!.
فهاهو الشيخ أبو زهرة -رحمه الله- يقول: "لعل ثَمرة الخلاف بين الرأيين تظهر فِي عصرنا هذا.
فإنه على تطبيق رأي أبي حنيفة: تكون الأقاليم الإسلامية من أقصى المغرب إلى سهول تركستان وباكستان ديارًا إسلامية؛ لأنَّها وإن كان سكانُها لا يطبقون أحكام الإسلام، يعيشون بأمان الإسلام الأول، وبذلك تكون الديار ديارًا إسلامية.
وبتطبيق رأي أبي يوسف ومحمد ومن معهما من الفقهاء: تكون الأقاليم الإسلامية لا تعد دار إسلام بل دار حرب، لأنَّها لا تظهر فيها أحكام الإسلام ولا تطبق".
وإذا كنا مع الشيخ أبي زهرة فيما يثمره رأي أبي حنيفة، فلسنا معه فِي أن الأقاليم الإسلامية تصير دار كفر وحرب بتطبيق رأي صاحبيه! وذلك لأمور:
__________
(1) حاشية الدسوقي (2/188).(1/30)
أولُها: أن المعتبر عند أصحاب هذا المذهب لصيرورة دار الإسلام إلى دار كفر غلبة الكفار على الدار, بحيث تكون لهم السيادة عليها والأمر والنهي، وليس مجرد تطبيق أحكام الكفر -القوانين الوضعية-، فمن الغلط هاهنا أن ينَزل هذا المذهب على بلادنا والغلبة فيها والسيادة للمسلمين!.
وبعبارة أخرى: فإن هذا القول ممن ذهب إليه مفترض فيما إذا استولى الكفار على دار الإسلام، وليست صورته فيما إذا كان المسلمون لهم السيادة والحكم والأمر والنهي.
ثانيها: أن أحكام الكفر -القوانين الوضعية- لَم تظهر بسبب غلبة الكفار وسيطرتِهم على دار الإسلام، إنَّما ظهرت بإذن من حكام المسلمين، ورأي الصاحبين مفترض فيما إذا غلب الكفار على دار الإسلام, وسيطروا عليها, وأظهروا أحكامهم بقوتِهم وصولتهم.
يؤكد هذا والذي قبله: قول الكاساني بعد سياقه رأي أبي حنيفة ورأي صاحبيه: "وقياس هذا الاختلاف فِي أرض لأهل الإسلام, ظهر عليها المشركون, وأظهروا فيها أحكام الكفر, أو كان أهلها أهل ذمة, فنقضوا الذمة, وأظهروا أحكام الشرك, هل تصير دار الحرب؟ فهو على ما ذكرنا من الاختلاف" (1) .
ثالثها: أن الفقهاء القائلين بِهذا القول يحكمون بالإسلام على دار الكفر الَّتِي غلب عليها المسلمون، وأقروا عليها أهل الذمة بجزية يؤدونَها أو خراج، وما من شك أن الذميين يحكمون فِي هذه الدار بغير ما أنزل الله، فالأولى أن يُحكم بإسلام الدار إذا كانت السيادة فيها للمسلمين, ويحكمون بجملة مِمَّا أنزل الله, من إقامة للشعائر الظاهرة, وأحكام المواريث, والأحوال الشخصية, وغير ذلك.
__________
(1) بدائع الصنائع (7/131).(1/31)
رابعها: أن الفقهاء الذين يقولون بِهذا القول لَم يشترط أحد منهم تطبيق جميع أحكام الإسلام للحكم على الدار بأنَّها دار إسلام، فصاحبا أبِي حنيفة -وهما ممن يقولان بِهذا القول- يريان صيرورة دار الكفر دار إسلام بإجراء بعض أحكام الإسلام، وقد بقي فِي أوطاننا كثرة من مظاهر الإسلام, من إقامة الجمع والجماعات والأعياد, وغيرها من الشعائر الإسلامية, بالإضافة إلَى الحكم فِي الأحوال الشخصية بالشريعة الإسلامية، وقد تقرر أيضًا أن بقاء شيء من العلة يبقي الحكم.
خامسها: لو سلمنا -جدلاً- أن ديارنا تنقلب إلى دار كفر بتطبيق الأحكام الوضعية -على رأي الصاحبين- فإن تطبيق بعض أحكام الإسلام يحول دار الكفر إلَى دار إسلام عند جميع الأحناف -ومنهم الصاحبان-، بل عند فقهاء المذاهب الأربعة كافة، وغير خافٍ أنه يطبق فِي ديارنا عامة: أحكام الميراث والزواج والطلاق, وغير ذلك مِمَّا يعرف بالأحوال الشخصية، هذا بالإضافة إلى ظهور الشعائر الإسلامية من الصلوات الخمس والجمعة والعيد وغيرها، فدارنا إسلامية فِي كل الأحوال على مذهب الأحناف بلا خلاف.
يقول التهانوي فِي كشافه: "ولا خلاف فِي أنه يصير دار الحرب دار إسلام بإجراء بعض أحكام الإسلام فيها" (1) .
وهذا ابن عابدين يكتفي بالشعائر فيقول: "دار الحرب تصير دار الإسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها -كجمعة وعيد- وإن بقي فيها كافر أصلي, وإن لَم تتصل بدار الإسلام" (2) .
سادسها: وإذا كان فِي الدار أحكام للكفر وأحكام للإسلام -وهذا هو الواقع للأسف-، فينبغي أن يُحكم على الدار بالإسلام؛ تغليبًا للإسلام؛ لحديث: ((الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)).
__________
(1) كشاف اصطلاحات الفنون (2/92).
(2) الدر المختار (4/175).(1/32)
ولا يقال: إن القوانين الوضعية أكثر من الشرعية عددًا، فالعبرة هنا ليست بالعدد، ألا ترى أن الفقهاء يحكمون للَّقِيط فِي الدار الَّتِي فيها مسلم واحد وبقيتها كفار بالإسلام، وقد سبق نقل جملة من أقوالهم، هذه هي طريقة الفقهاء.
ولذلك قال ابن عابدين: "قوله: بإجراء أحكام أهل الشرك. أي: على الاشتهار, وأن لا يحكم فيها بحكم أهل الإسلام ... وظاهره: أنه لو أجريت أحكام المسلمين وأحكام أهل الشرك؛ لا تكون دار حرب".
وسابعها الأخير: أنه على فرض تعارض الأدلة أو الشرائط واختلاف وجهات النظر، فإنه يبقى ما كان على ما كان، استصحابًا للمال أو يترجح جانب الإسلام احتياطًا.
نخلص من ذلك كله: أن الحكم على بلادنا الإسلامية بأنَّها ديار كفرية؛ لأنَّها تطبق القوانين الوضعية -مجانب للصواب, لا يجري على أصول الفقهاء, على اختلاف مذاهبهم, اللهم إلا على مذهب طوائف من الخوارج، الذين يرون تكفير الأشخاص والديار بِمجرد فعل الكبائر.
FFFFF
المذهب الثاني
أن الديار الإسلامية تحولت إلى دار مركبة من كفر وإسلام
استروح كثيرون من الإسلاميين فتوى شيخ الإسلام بن تيمية فِي ماردين، وأنزلوا حكمها على بلاد المسلمين، ورأوها حكمًا عدلاً ومخرجًا حسنًا مِمَّا يجدونه فِي أنفسهم من التردد فِي وصف ديارهم بالكفر أو الإسلام، فنادوا بأن بلادهم ليست بدار إسلام محضة, ولا كفر خالصة، بل هي دار ثالثة, مركبة من الكفر والإسلام، وأعرض أكثرهم عن كلام آخر لشيخ الإسلام بن تيمية يتنَزل على أوطانِهم تَمامًا دون تَمحل أو التواء!.
يقول أبو بصير من موقعه على الشبكة العالمية: "وأمصارنا لا تختلف كثيرًا عن بلدة ماردين الَّتِي سئل عنها شيخ الإسلام بن تيمية؛ حيث كان فيها الكفار -ويُمثلون الطبقة الحاكمة المتنفذة- والمسلمون -ويُمثلون عامة الناس والسكان- فأجاب شيخ الإسلام ... فذكر الفتوى.(1/33)
ثُمَّ قال: وهذا الحكم يُحمل على أكثر أمصار المسلمين فِي هذا العصر؛ لتطابق أوصافها مع أوصاف بلدة ماردين الَّتِي سُئل عنها شيخ الإسلام" (1) .
والحق: أن الأوصاف غير متطابقة؛ ذلك أن ماردين تغلب عليها التتار الكفار، فصارت لهم الكلمة والسيادة عليها، بينما السيادة والغلبة فِي بلادنا للمسلمين، وتطبق فيها جملة من الأحكام كافية للحكم عليها بالإسلام، وما يطبق فيها من القوانين الكفرية ليس بسبب غلبة الكفرة وسيطرتِهم على الدار.
وقد أوضحنا سابقًا أن موضع هذه الفتوى فيما إذا غلب الكفار على دار الإسلام، وأقروا فيها من يواليهم من المسلمين, يظهرون دينهم مقابل مال أو خراج يدفعونه لهم، أو مقابل نصرتِهم على أهل الإسلام.
وإذا كانت السيادة فِي بلادنا للمسلمين، فهم أهلها وأصحاب الأمر والنهي فيها؛ فأحق أن ينَزل عليها قول شيخ الإسلام: "وكون الأرض دار كفر أو دار إيْمان أو دار الفاسقين ليس صفة لازمة لها، بل هي صفة عارضة بحسب سكانِها" (2) .
وقوله فِي موضع آخر: "والبقاع تتغير أحكامها بتغير أحوال أهلها, فقد تكون البقعة دار كفر إذا كان أهلها كفارًا، ثُمَّ تصير دار إسلام إذا أسلم أهلها كما كانت مكة -شرفها الله- فِي أول الأمر دار كفر وحرب".
وغير خاف أن الشيخ ابن تيمية لا يقصد مجرد السكنى هاهنا، وإنَّما يقصد الغلبة على الدار والسيادة، وهذا ما يترشح من كلمة "سكانِها" فِي النص الأول, وكلمة "أهلها" فِي النص الثاني.
المذهب الثالث
أن ديارنا إسلامية وإن حكمت بالقوانين الوضعية
يرى أصحاب هذا المذهب أن الحكم بالقوانين الوضعية لَم يسلب عن ديارنا صفة الإسلام ولَم يحولها إلَى وصف آخر؛ وذلك لأمور:
__________
(1) www.abubaseer.com
(2) الفتاوى (18/287).(1/34)
أولُها: أن الأصل الذي لا اختلاف فيه: "بقاء ما كان على ما كان". وهو هاهنا: وصف ديارنا بالإسلام، فلا خروج عن هذا الأصل الأصيل، ولا انتقال عنه إلا بيقين, وهو هاهنا: تحقق مناط الحكم عليها بالكفر, أو الخروج من وصفها بالإسلام.
وهذا يقتضي مِنَّا قبل الحكم على الدار أن نتثبت من شيئين:
1- أما أحدهما: أن نثبت الأوصاف التي علق الشارع بِها الحكم على الدار.
2- والأخر: انطباق تلك الأوصاف على الدار المعينة.
ثانيها: أنه قد تبين مِمَّا سبق عدم انطباق أي مناط مِمَّا ذكره العلماء على أي من ديارنا الإسلامية الَّتِي تحكم بالقوانين الوضعية والسيادة فيها للمسلمين، اللهم إلا المناط الذي ذكره الخوارج والمعتزلة, القائلون بـ: "أن ظهور الكبائر ينْزع وصف الإسلام عن الدار". وقد سبق تفصيل ذلك.
ثالثها: أنه جدلاً وعلى سبيل التنَزل مع المخالف, "فعند تعارض الأدلة أو الشرائط، فإنه يبقى ما كان على ما كان، أو يترجح جانب الإسلام احتياطًا" (1) , فإن فِي الحكم على الدار بالكفر مفسدة بينة لاسيما عند الشباب الذين يجعلون هذا الحكم منطلقًا لأعمال العنف والإفساد.
ويأتي على رأس القائلين بذلك من المعاصرين شيخنا الإمام: محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-؛ إذ يقول فِي أحد أحاديثه المسجلة:
"يبدو لنا أن الأمر ما ذكره ابنُ تيمية -رحمه الله- فِي بعض فصول فتاويه: أن الأرض ليست بالجدران، وإنَّما هي بالسكان، فإذا كان الغالب على سكان البلد ونظامهم هو الإسلام؛ فهي دار إسلام، وإن كانوا قد يُحكمون بنظام ليس إسلاميًّا صرفًا أو محضًا.
__________
(1) نقلاً عن أحكام الذميين (51).(1/35)
ثُمَّ أقر الشيخ الألباني سائله على ما يلي: سمعناكم فِي شريط قديْم تقولون: إن بالنسبة للجزائر وسوريا, تقولون: إن ما دام أغلب سكانِها مسلمين، كون حكامها لا يحكمون بِما أنزل الله، هذا لا يخرجها من كونِها دار إسلام إلَى دار حرب" (1) .
FFFFF
خاتمة
إن السيادة فِي الدولة الإسلامية لأحكام الله دون سواه, فهي أهم أركان دار الإسلام أو دولة الإسلام, وأعظم هذه الأحكام: توحيده سبحانه, فأهم ما يميز دول الإسلام عن دول الكفر إقامة التوحيد بجميع أنواعه, ونبذ الشرك بكل صوره وألوانه.
أما الأقليم فهو عنصر أساسي من عناصر قيام الدولة؛ لأنه لا يُمكن أن يكون لشعب كيان مستقل وحقيقي ما لَم يكن على إقليم معين, وقد اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على أن المعول عليه فِي الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام: السيادة والسلطان والامتلاك للدار, ثُمَّ يتبع ذلك ظهور الأحكام, وكذلك الخوف أو الأمن للمسلمين أو الكفار, وليس من شرط هذه الدار أن يكون فيها مسلمون ما دامت تحت سلطانِهم, ولا يضر ظهور الأحكام الكفرية فيها أو القوانين الوضعية, إذا لَم تظهر بقوة الكفار ولا بصولتهم, ولا يشترط للحكم على الدار بالإسلام أن تطبق جَميع أحكامه, بل يكفي أن يظهر منها بعض الشعائر الكبرى كالأذان والصلوات والأعياد وغيرها.
وكون الأرض دار كفر أو دار إسلام, ليس صفة لازمة لَها, بل هي صفة عارضة بحسب السيطرة والغلبة والسيادة على الدار, وذلك على القول الراجح, وهو مذهب الأكثرين.
ولو غلب الكفار على دار إسلامية, فسقطت تحت سيطرتِهم الكاملة, لكنهم أقروا فيها أهلها (المسلمين) على إظهار دينهم, فهنا تتنَزل بحق فتوى شيخ الإسلام بن تيمية فِي ماردين أنَّها دار مركبة, يتنازعها الإسلام والكفر, وثَمة رأي آخر أنَّها تبقى دار إسلام!.
__________
(1) سلسلة الهدى والنور, رقم (771) تسجيلات مكتبة طيبة الإسلامية بعجمان, الإمارات.(1/36)
وقد اختلف الإسلاميون فِي وصف ديارهم الَّتِي تحكم بالقوانين الوضعية, ويرجع هذا الخلاف إلَى اختلافهم فِي تحديد المناط الَّتِي تنقلب به دار الإسلام إلَى دار كفر, واختلافهم كذلك فِي تكفير من حكم بغير ما أنزل الله, هذا إلَى جانب عدم فهم بعضهم كلام أهل العلم فِي هذه المسألة وتنْزيلهم له فِي غير منْزله.
وانتهى هذا البحث إلَى أن ديارنا إسلامية وإن حكمت بالقوانين الوضعية, وأن جعل الحكم بِها مناطًا للحكم على الدار بأنَّها دار كفر وليست بدار إسلام مجانب للصواب, مخالف للنصوص, ولعقيدة أهل السنة, ولما قرره السادة الفقهاء على اختلاف مذاهبهم وتنوع مشاربِهم, اللهم إلا فيما نقل عن مذهب طوائف من الخوارج والمعتزلة, ومع أن الباحثين من الخوارج (الإباضية) ينفون هذه النسبة ويتبرؤون منها, فإن تكفير الديار معتقد كثيرين من الإسلاميين اليوم! فواأسفاه!.
FFFFF
1- مسرد أهم المصادر والمراجع
??أحكام الذميين والمستأمنين فِي دار الإسلام -دكتور عبد الكريم زيدان -مؤسسة الرسالة- 1402’ .
? الاستذكار, لـ: ابن عبد البر, ت/ 463 ’, دار قتيبة للطباعة والنشر, بيروت, تحقيق الدكتور/ عبد المعطي أمين قلعجي, ط/ أولى, 1414’ .
? الأحكام السلطانية للماوردي (450 ’ ) دار الكتب العلمية- بيروت.
? الآداب الشرعية، تأليف/ الفقيه المحدث أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، حققه شعيب الأرنؤوط، وعمر القيام، مؤسسة الرسالة بيروت، ط/ الأولى 1416’ .
? الإباضية بين الفرق الإسلامية.
? اعتقاد أهل السنة تأليف/ الحافظ أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي (ت/371’) تحقيق/ جمال عزون، دار الريان، الإمارات، ط1/1413 ’ .
? البخاري.
? بدائع الصنائع فِي ترتيب الشرائع, للكاساني, ت/ 587’, تحقيق وتخريج/ محمد عدنان ياسين درويش, دار إحياء التراث العربي, ط/ الثانية, 1419’.(1/37)
? التمهيد لِما فِي المؤطإ من المعاني والأسانيد "مرتبًا", تحقيق/ أسامة بن إبراهيم, الناشر/ الفاروق الحديث للطباعة والنشر, ط/ الأولى, 1420’.
? التاج والإكليل لمحمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري، ت/897، ط/2، دار الفكر بيروت 1398’.
? تحفة المحتاج بشرح المنهاج، لابن حجر الهيثمي، دار الكتاب العربي بيروت.
? حاشية الدسوقي، محمد عرفة الدسوقي، تحقيق محمد عليش، دار الفكر بيروت.
? جريدة الشرق الأوسط.
? حاشية ابن قاسم على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، لابن حجر الهيتمي، دار الكتاب العربي بيروت.
? الحكم بغير ما أنزل الله, د/ خالد علي مُحمَّد.
? حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار, لـ: ابن عابدين, المكتبة التجارية, مصطفى أحمد الباز, مكة المكرمة, ط/ الثانية, 1386’.
? حاشية الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، لابن حجر الهيتمي، دار الكتاب العربي بيروت.
? الدر الحكام شرح غرر الأحكام لمنلا خسرو.
? الذخيرة للقرافي, تحقيق الدكتور/ محمد حجِّي دار الغرب الإسلامي، ط/ الأولى، 1994م.
? السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار, للشوكاني, تحقيق/ محمود إبراهيم زايد, دار المكتبة العلمية, بيروت, ط1, 1405’.
? سنن الدارقطني -مؤسسة الرسالة- الطبعة الأولى 1424’- 2004م.
? شرح الزرقاني على موطإ الإمام مالك، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، ط/ 1398’.
? الصلاة لابن القيم الجوزية.
? صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ت /261 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار الفكر بيروت، ط/ 1403’.
? صحيح مسلم بشرح النووي، دار الكتب العلمية بيروت.
? العولمة وخصائص دار الإسلام ودار الكفر, دكتور/ عابد السفياني، دار الفضيلة, بيروت, ط/ 1, 1421’.
? الغلو فِي الدين للدكتور عبد الرحمن اللويحق, مؤسسة الرسالة, الطبعة الثالثة 1416’.(1/38)
? الفواكه الدواني، أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي المالكي، ت/1125، دار الفكر بيروت 1415’.
? الفرق بين الفرق لعبد القاهر بن طاهر البغدادي (ت 429’) تحقيق مُحمَّد محيي الدين عبد الحميد -دار المعرفة بيروت-.
? فقه السياسة الشرعية -د/ خالد على مُحمَّد- توزيع مؤسسة الجريسي الطبعة الأولى 1418 ’.
? فتح الباري بشرح صحيح البخاري -للحافظ ابن حجر العسقلاني- المكتبة السلفية بالقاهرة.
? قضايا فقهية معاصرة, دكتور/ محمد رمضان البوطي -مكتبة الفارابي- دمشق ط/ 5, 1414 ’.
? كشاف اصطلاحات الفنون، محمد علي بن علي التهانوي (توفي بعد 1158) وضع حواشيه أحمد حسن، دار الكتب العلمية بيروت، ط/1- 1418’.
? المحلى, تصنيف: ابن حزم الأندلسي, ت/ 456’, تحقيق/ أحمد شاكر, دار التراث, القاهرة.
? المبسوط, لـ: شمس الدين السرخسي, دار الفكر, بيروت, ط/ 1406’.
? المنتقى شرح موطإ الإمام مالك، تأليف/ القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي، ت/494’.
? المغني لابن قدامة، دار الكتاب العربي، بيروت 1403’، عناية جماعة من العلماء.
? مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، شرح محمد الشربيني الخطيب، دار إحياء التراث العربي بيروت.
? مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، لشيخ أهل السنة والجماعة الإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (ت330) تحقيق/ محمد محي الدين عبد الحميد المكتبة العصرية بيروت، ط/1411’.
? مجموع الفتاوى ابن تيمية, جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي وساعده ابنه مُحمَّد, الرئاسة العامة لشئون الحرمين الشرفين.
? معجم البلدان، للشيخ الإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت ابن عبد الله الحموي الرومي البغدادي، دار صادر بيروت.
? مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة بيروت، ط/ أولى-1373’.(1/39)
? نقض الفريضة الغائبة للشيخين جاد الحق وعطية صقر, هدية مجلة الأزهر, عدد محرم 1414’.
2- مسرد الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
الاستفتاح ... 5
مقدمة المؤلف ... 7
التمهيد ... 10
المبحث الأول:
مناط الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام ... 14
السيطرة والغلبة والسيادة مناط الحكم على الدار باتفاق المذاهب
الأربعة ... 14
الدليل على ذلك ... 16
أقوال الْمُحققين من العلماء: ابن تيمية, الشوكاني, ابن حزم,
الإسماعيلي ... 19
أقوال علماء المذاهب الأربعة ... 20
أقوال علماء الأحناف ... 20
أقوال علماء المالكية ... 23
أقوال علماء الشافعية ... 25
أقوال علماء الحنابلة ... 27
مثل الدار فِي الحكم عليها مثل من أسلم ... 28
لا يشكل على هذا ما صرح به جملة من العلماء من ذكر غلبة
الأحكام ... 29
المبحث الثاني:
تحول دار الإسلام إلَى دار كفر ... 32
المذهب الأول: أن دار الإسلام لا تصير دار كفر مطلقًا ... 33
المذهب الثاني: أن دار الإسلام تتحول إلَى دار كفر بارتكاب
الكبائر ... 36
الخوارج المعاصرون ينفون نسبة هذا المذهب إلَى أسلافهم من
الخوارج الأوائل ... 37
المذهب الثالث: أن دار الإسلام لا تتحول إلَى دار كفر بمجرد
استيلاء الكفار, بل حَتَّى تنقطع عنها شعائر الإسلام ... 38
المذهب الرابع: أن دار الإسلام تتحول إلَى دار كفر بتمام القهر
والغلبة ... 39
المذهب الخامس: أن دار الإسلام تتحول إلَى دار كفر إذا استولى
عليها الكفار, وأظهروا أحكامهم ... 44
هذا المذهب أولى بالقبول ... 45
المبحث الثالث:
استيلاء الكفار على دار الإسلام وإقرارهم المسلمين فيها يظهرون
إسلامهم ... 46
فتوى شيخ الإسلام بن تيمية فِي ماردين ... 46
فتوى الاسبيجابي الفقيه الحنفي ... 49
فتوى الرملي الفقيه الشافعي ... 50
المبحث الرابع:
أثر القوانين الوضعية فِي الحكم على الدار بالكفر أو الإسلام ... 52
أسباب الخلاف ... 52
المذهب الأول: أن الديار الإسلامية تحولت إلَى دار كفر محضة ... 53
أراضي أفغانستان الخاضعة لطالبان دار كفر فِي نظر عمر بكري ... 53(1/40)
بلاد المسلمين اليوم ديار كفر عند حزب التحرير ... 54
وكذلك عند مؤلف كتاب "الفريضة الغائبة" ... 54
الرد على كتاب "الفريضة الغائبة" ... 55
رأي الشيخ أبي زهرة ... 55
الرد عليه ... 57
المذهب الثاني: أن الديار الإسلامية تحولت إلَى دار مركبة من كفر
وإسلام ... 61
المذهب الثالث: أن ديارنا إسلامية وإن حكمت بالقوانين الوضعية ... 63
رأي الشيخ الألباني -رحمه الله- ... 64
الخاتِمة ... 65
مسرد المصادر ... 71
مسرد الموضوعات ... 77(1/41)