رسالة إلى أهل اليمن
فضيلة الشيخ د. سفر بن عبدالرحمن الحوالي .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:-
فإن جريدة السياسة الكويتية ، تريد أن تمنعنا من التوبة والاستغفار، وأن تصرف الناس عن التوبة -نسأل الله العفو والعافية- فكتبت -وأراد الله تبارك وتعالى أن يخزيها، فتناقضت في صفحة واحدة- فكتبت في أعلى الصفحة تقول: ''ماذا وراء الارتداد الفكري والزمني إلى الوراء عشرات السنين"؟ "فنانات في طريقهن للاعتزال وينتظرن لحظة الهداية الإلهية''.
اعتزال الفنانات تعتبره: السياسة ارتداداً فكرياً وزمنياً إلى الوراء عشرات السنين!! وينقلون عن مفتيي هؤلاء القوم-:
المفتي الأول عادل إمام يقول: '' من تريد التحجب والاعتزال فهي حرة، بشرط أن تكون توبتها في قلبها، وليس على صفحات الجرائد والمجلات''
أما هو فيدعو إلى الفجور والفسق والعهر والدعارة على كل المستويات، في الأفلام والأشرطة، ويذهب إلى الصعيد يتحدى الجماعات المتطرفة كما يقول، أما من يتوب فلتكن توبته في قلبه!
المفتي الثاني: فريد شوقي : وقُبِّحا من مفتيين!! يقول: ''كيف يقول من اعتزل الفن إنه تاب عنه؟ -فهو يقول: من أي شيء تاب؟'' فقد أصبح المنكر عنده معروفاً، والمعروف منكراً، فهو الآن لا يدري لماذا يقول هؤلاء: إنهم قد تابوا عن الفن! وهو لا يقدم إلا الفسق والفجور والدعارة وشرب الخمر، فهو يقول: هذه لا تحتاج إلى توبة، الذي يجب أن يتوب: هو الشاب الذي يصلي ويقرأ القرآن، وهو الذي عليه أن يعلن توبته! فعندهم أن هذا هو المرتد المنحرف الذي يجب أن يتوب، فهذه هي مفاهيم هؤلاء القوم نسأل الله تبارك وتعالى العفو والعافية والسلامة.(1/1)
فهذه جريدة السياسة وهذا هو كلامها وقد ذكرت كلاماً طويلاً، وقد ذكرت فيه -وهذه بشرى ولعل فيها خيراً- أنَّ آثار الحكيم وعفاف شعيب وشهيرة ، على أبواب التحجب، وكل واحدة تقول: إنني على أبواب التحجب، أو عبارات قريبة من ذلك، وهذا الذي جعلهم يولولون ويصيحون.
وفي نفس الصفحة -في أسفلها- يقول: ''هوليود تترنح تحت ضربات الإيدز، ضحايا المرض اللعين من نجوم الرياضة والفن يتساقطون الواحد تلو الآخر'' ثم ذكروا الفنان توني ريتشارد ، ونجم الكرة الساحر جونسن والمخرج موناتاشا فذكرت في نفس الصفحة كيف يتساقطون ويتهاوون تحت ضربات الإيدز! فهل هذا يدعو إلى التوبة أم إلى الاستمرار في الفن والعهر والفواحش؟ وإذا كان الخبر عن الغرب فالأمر عادي جداً، لكن إذا كان عن المسلمين فلا بد أن يوصف الرجوع إلى الله بأنه ردة فكرية.
جريدة السياسة والاعتبار بالأحداث
ولقد كانت الأحداث التي حدثت في الكويت فرصة عظيمة ليتوبوا ويستغفروا الله، ونحن كلنا مذنبون، ونحتاج أن نتوب وأن نستغفر الله عز وجل في كل مكان، لكن ما حدث بالكويت كان موعظة كبيرة جداً، ولو أن هناك قلوباً تعقل، لكانت التوبة أول ما يجب أن يعملوه، وقد حدث هذا داخل الكويت والحمد لله، لكن القطاع الصحفي يشن هذه الأيام هجوماً شنيعاً على الإسلام، وعلى الحجاب، وعلى الشباب المتدين، وكل الصحافة الكويتية شاركت في هذا إلا الصحافة الإسلامية وهي قليلة، لكن خُطباء الجمع، وقطاعات كبيرة من الناس ضد هذا الفساد والإفساد، ومن أشد المشاركين في هذا الفساد جريدة السياسة .(1/2)
وجريدة السياسة تطبع هنا وتوزع هنا، فهي لا تتكلم عن الكويت فقط، ولكن تنشر هذا الإلحاد والفسق والانحلال هنا داخل هذا البلد؛ وهي تطبع في مطبعة عكاظ، واستمرت في الصدور، وكان اللائق برئيس تحريرها أن يتقي الله، وأن يستحي -على الأقل- إن لم يخف من الله ألاَّ يهاجم ويجاهر بحرب الإسلام في هذا البلد -بلد الإسلام وفي عقر داره- وحيث أتيح له أن يكتب وأن ينشر وأن يعبر.
جريدة السياسة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ومما كتبه رئيس تحرير الصحيفة فيقول: ''هناك رسالة قال صاحبها: أحدهم أدخل رأسه من شباك سيارتي، وقال لزوجتي: غطي رأسك يا فاجرة!! ويقول: أنا إنسان مؤمن أصلي وأصوم، فلماذا يقال لزوجتي: يا فاجرة! مِنَ الذين يدَّعون الأمر بالمعروف، ويقول: أريد أن أسألهم: لماذا لا يذهبون هم إلى الصلاة حتى لا تفوتهم الفريضة بدلاً من البحث عمن لا يصلون؟ وهكذا يجعل نفسه مفتياً، ويقول: باسم الدين يوقفون سيارتك، ويطلبون منك أن تثبت أن زوجتك هي زوجتك، وباسم الدين يستجوبون المرأة عن اسم آخر أبنائها، وعن شكل بيتها، وعن غرفة نومها، ولون حمامها، وماركة المناديل الذي تستخدمها لإثبات أنها زوجتك!! ''
فهل يوجد سخرية واستهزاء أكثر من هذا؟! الهيئة والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، يسألون المرأة عن لون الحمام، وعن لون المناديل!! أعزكم الله!! وهذا عنوان كبير، ويطبع في دار عكاظ.(1/3)
ثم بعد أن تقيأ ما تقيأ، قال كلاماً من جملته: ''واحد لحيته مثل التيس أوقفني، وقال: لماذا تتحدث عن رجال الدين؟'' فانظروا هذا الاستهزاء بالله ورسوله!! وقد أنزل الله تبارك وتعالى في المنافقين: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] وهم لم يستهزئوا بالدين نفسه، بل بالقراء الذين يحملون الدين وهم من الصحابة، فكيف بمن يستهزئ بسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مباشرة، ويطعن في دعاة الحق والخير مباشرة بمثل هذا الشكل؟!
جريدة السياسة والحجاب
وقبل فترة كتب أحمد جار الله في السياسة يقول: ''إن كاتباً عربياً يقول عن مدينة جدة : إنها باريس ولكنها محجبة، ويقول: ماذا ينقص جدة عروس البحر الأحمر حتى أهلها مبتسمون دائماً، وآمل ألاَّ يكون الابتسام الدائم حراماً، فالبعض يحلل ويحرم كما يهوى -يقصد الذين يحرمون السفور والاختلاط- فجدة مثل باريس لكنها محجبة'' إذن لكي تكون باريس كاملة فلتكشف الحجاب، هذه هي الدعوة الخبيثة التي يريدونها، فهل قدوتنا هي باريس ؟ وهل جئنا بك يا أحمد جار الله لتخاطبنا بهذا الكلام؟! وهل آويناك لتعلمنا ديننا وتفتينا فيما يحل وما يحرم؟!
ويقول في نفس العدد: ''واحد قرأ بضعة أحاديث، وطول اللحية، وقصر الثوب، وأصبح يفتي بالحلال والحرام، مع أن عمره يمكن لا يتجاوز تسعة أو ثمانية عشر سنة!! يفتي ويحلل ويحرم''
فهؤلاء لا يدركون أن قضية الإفتاء لا ترتبط بعمر، ولا يعلمون -مثلاً- كم كان عمر الإمام مالك رحمه الله لما تصدر للإفتاء، فالقضية ليست قضية العمر، بل القضية هل قال حقاً أم باطلاً.(1/4)
فهو يتبرع بإيذاء الناس وملاحقتهم واتهامهم بما ليس فيهم بمجرد ظن باطل، وينشر الأقاويل التالية: ''إنها الوجاهة الاجتماعية -وجاهة رجال الهيئة والدعاة الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر- راتب الواحد يصل إلى ألفين ريال، ولا يسهر في الأسبوع إلا أربع أو خمس ليال!!''
ما هي الوجاهة التي سيحصل عليها بهذا الراتب الضئيل وهذا الكد الطويل؟! وكان بإمكان أحدهم أن يتوظف في أي إدارة ويأخذ الآلاف وهو مرتاح، يشرب الشاي ويقرأ الجرائد، ثم يرجع إلى البيت لينام، ثم يقول: ''ومتعة السلطة لدى البعض، ودول مجلس التعاون بحاجة -معروف أنه لا توجد هيئة إلا في السعودية - إلى أن توقف هؤلاء عن إيذاء الناس، فالدين يسر'' ها هو الذي ينكر على الذين يفتون -وقد يكونون طلاب علم- بدأ يفتي، وقد لا يعرف لا آية ولا حديثاً ''فالدين يسر، ولم يكن في يوم من الأيام عسراً، كما أنه لا يمكن إدخال نظام بعيد عن الدين!!'' ما شاء الله!! وانتهت فتواه!!
ونشر في مقال آخر نفس الشيء، يقول: ''واحد قال لي: حالق اللحية ملعون، وجاره ملعون، ولا أدري هل هذا حديث أم أنه ادعاء أجوف؟!'' هو لا يدري طبعاً، وهذا مبلغه من العلم! ويقول: ''يبدو أن قائل هذا الكلام هاوي فتن، ويريد أن يتقاتل حالق اللحية وجاره يتقاتلان؛ لأن ذلك حلق اللحية، وحقت اللعنة على الجار، كلام فاضي! ويبدو أن هناك من يستعمل سلاح الدين لخلق الفتن بين عباد الله، مع أن دين الله يسر وليس عسراً، هذا ما نعرفه وما ندركه'' .
جريدة السياسة والجماعات الإسلامية
وكتب أحمد جار الله مرة فقال:(1/5)
''آخر أيام الأحزاب الدينية -ويقول:- إن الأحزاب الدينية تحتضر الآن في مصر وزعامتها أُدْخِلُوا السجونَ في الجزائر وتونس وفي الأردن شطبوا من الحياة السياسية بعد أن أُعطوا فرصة في السلطة، فكانوا أعتى من الظلام تخلفاً، وسوء فهم وتزمتاً، ونظرات ضيقة للكون وللإنسان وللحياة، وفي أفغانستان انتهت منظماتهم المتعددة، رغم أن الله واحدٌ والإسلام واحد، إلى قرار أجبروا عليه بالإكراه للتوصل إلى حل وسط مع السلطة، ولا ننسى أن هذه الأحزاب الدينية المتداعية الآن كَسِوَاها، لا تمتُّ بصلة إلى أفعال الإيمان، إنما تطلب السلطة وتنشد الحكم وتمهد لذلك، وهي لذلك تنكبت طريق الإرهاب، فقتلت، واغتالت، وخطفت، وفجَّرت، وفعلت كما فعل الآخرون، وكلنا يذكر مواقفها السياسية الساذجة الموغلة بالتخلف، وكلنا يذكر تلك الأيام السوداء التي عصفت بنا رياح الأحزاب الدينية أثناءها -إلى أن يقول:- وكل متاجرة هذه الأحزاب كانت بالسلعة الحرام، بالسياسة، والإرهاب، والرجوع إلى الشر وإلى السلطة، وبالعدوانية الشرسة، وضد الناس وضد المجتمع وبالتحريض لقلب أنظمة الحكم، والأحزاب الدينية انفضحت كأحزاب سياسية ضد الإنسان وحريته، مثلها مثل الأحزاب الشيوعية واليسارية الأخرى، وبالتالي لم يعد لها مكان لا في الشرق الأوسط ولا في النظام الدولي الجديد'' .
سبحان الله العظيم! كل هذا الهجوم على الدعاة.
موقفنا تجاه جريدة السياسة
فهذا هو موقف هذه الجريدة من الدين, ولو تتبعنا أعداد الجريدة لوجدنا أنه لا يخلو عدد من هذه الجريدة من هذا.(1/6)
فبعد هذا الاستهزاء، وبعد هذه السخريات، وبعد هذا الكلام، يحق لنا أن نطالب أن ترحل هذه الجريدة عن هذا البلد الطاهر الطيب، فهي لا تمثل هذا البلد في شيء، والاستنكار الذي وصلني نتيجة هذه الأعمال كثير جداً، ومجموع لديَّ في أوراق كثيرة، فضلاً عن رسائل واتصالات، ولهذا أنا أرى وأرجو أن ينتقل هذا الرأي إلى من ينفذه، وأن ترحل هذه الجريدة عن هذه البلاد، وأن يرحل كاتبها، وإذا أصروا على كتابة مثل هذا الكلام من الكويت ، فلا يسمح لأي عدد يحمل مثل هذا الكلام بالدخول إلى هذه البلاد التي ما قامت وما رفع الله ذكرها إلا لما قامت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وهي دعوة إسلامية دينية والحمد لله.
فكيف تتكلم عن الدين والإسلام بالسخرية والاستهزاء في البلد الذي قام على الجهاد، وقام على الدعوة إلى الله؟! والواجب على هذا البلد أن يواصل مسيرته، والمأخوذ عليه الآن هو التقصير في مواصلة المسيرة، وليس كما يزعم هذا الخبيث أنهم يتيحون الفرصة لهؤلاء الناس في إنكار المنكر، وبالعكس لم تتح لهم الفرصة الكاملة، ولم يُقم الواجب المطلوب الذي نرجو أن تصل إليه الهيئات وغيرها.
ومطبعة عكاظ -غير جريدة عكاظ - المفروض ألا تسمح بطباعة الجريدة، لكن المطبعة تجارية، ولذلك نطالب من يملك سلطة اتخاذ القرار أن يرحلهم عن هذا البلد، وقد هيئت لهم في بلادهم الإمكانيات، فيجب أن يرحلوا عنا بشرورهم.
ولدي قصاصات كثيرة جداً، وأنا لا أريد أن أطيل فيها، وأريد من أحدكم أن يأخذها، وأن يحملها إلى جريدة عكاظ ، وبعضها يوجد فيه دعاية إعلان لامرأة تركب الخيل! ودعايات أزياء فاضحة! وكل هذا ممنوع نشره في الصحافة السعودية.(1/7)
وننبه على شيء واحد وهو أننا قد قلنا مراراً: إن أعداء الله والمخططين لإفساد هذا الدين، يخططون خطوة خطوة، ومن هذا التخطيط: أن هناك جرائد كويتية تنشر صورة فتاة من العشرين إلى ما شاء الله، وعندنا بدءوا هنا بأطفال مثلما فعلوا في: (أمل عربي) في عكاظ ، وذكرّناكم بهذا، وسوف تكبر الطفلة، وليس معقولاً أن تبقى صغيرة، أو مثلما قال جحا عندما سئل: كم عمرك؟ قال عشرون سنة، وبعد أربع سنوات سئل: كم عمرك؟ قال: عشرون سنة، فسئل: كيف؟ قال: العاقل لا يكذب!!
وهؤلاء يعلمون أن الطفلة ستكبر، وأن التي تغني في برنامج الأطفال، وتظهر صورتها في (أمل عربي) وعمرها ثمان أو تسع أو عشر أو إحدى عشرة سنة سوف تكبر، وهذه صورة فتاة اسمها وجدان عبدالله عارف وعمرها اثنتا عشرة سنة، إذا تأمل الإنسان فيها يقول: هذه في عمر الزواج!
ومن الأمور الغريبة أن كل إنسان أخذ يفتي كما يشاء؛ فالأمين العام للغرفة التجارية بجدة - هدانا الله وإياه- أخذ يفتي ويشارك, وقد قلنا مراراً: إنه يجب على كل إنسان أن يرد العلم إلى أهل العلم.
وأنا أقول عن نفسي: لا أقبل من نفسي ولا من أحد منكم أن يفتح كلاماً يتعرض فيه لعلم الهندسة أو علم الطب أو غير ذلك من الأشياء التي لا نعرفها، وهذا ليس من شأننا، لكن هؤلاء يتدخلون في كل شيء، وكأن الكلأ المباح هو هذا الدين، فنجده يفتي في كل شيء، وكما يشاء، فيقول الأمين العام للغرفة التجارية في موضوع: مجالات عمل المرأة، لما سأله الصحفي: ''لو كنت مسئولاً عن إصدار قرار لتحديد فرص عمل للمرأة السعودية في الوقت الحالي، فماذا تتخذ من قرارات؟ -ونحن الآن نشكو قضايا تجارية من اختصاصه، يمكن أن تعرض عليه؛ لكن الصحفي سأله في موضوع آخر- قال: أولاً: تحويل بعض مدارس المرحلة الابتدائية للأولاد إلى مدارس تحت إشراف وإدارة الرئاسة العامة لتعليم البنات، وإيجاد فرص عمل جديدة للخريجات من الفتيات السعوديات'' .(1/8)
فهذا هو أول عمل يريد أن يصنعه، ولا يقول: أول شيء نأمرهن أن يتحجبن، مع أن هذا حلم خيالي، ولا يمكن أن يوليه أحد للرئاسة إن شاء الله، ولن يصل إلى حد أن يأمر وينهى في إدارة تعليم البنات، لكن انظروا في أول الافتتاحية، ومع كثرة الخريجين الذي لم يجدوا وظيفة للتدريس في مدارس الأولاد، فيحولها إلى رئاسة تعليم البنات من أجل أن يوظف الفتيات فيها، وهكذا، ثم بدأ يريد امرأة تشتغل في البحث العلمي، وسنترالات الهاتف السعودي، والحجز الآلي في الخطوط، وديوان المراقبة العامة -وفي القطاع الخاص- في السكرتارية وغيرها من الأعمال، وفي المراكز التجارية، ولما سئل: ما هو رأيكم في الاختلاط؟ قال: ''أنا ضد الحفلات والمناسبات المختلطة، وهذا رأيي الشخصي'' .
الحمد لله أنك ضد الحفلات المختلطة، فإذا اجتمع أقارب في ليلة من الليالي، كالأب والعم وابن العم في حفلة عشاء مرة في السنة أو السنتين فهو ضد هذا الاختلاط، لكن الأولاد والبنات في المرحلة الابتدائية تريد أن تخلطهم في المدرسة، والبعض في الثامنة عشرة والبعض في التاسعة عشرة وتريد أن تخلطهم طول السنة، ويجيء المفتشون والموجهون والموجهات، وهذا كله ليس فيه شيء!! فانظروا إلى هذا التناقض، الحفلة فيها شيء وهي منكرة، لكن هذه ليست منكرة!(1/9)
وأنا أقول: هذا الرجل أو غيره عنده عقل ولكنه مضيع لعقله، ومشكلة المسلمين هي التقليد الأعمى، فهذه الناحية نظر لها من زاوية اجتماعية فهي لا تصلح، ولا يرضاها لنفسه؛ لكن في ناحية التعليم نسي فكره، واستخدم عقلية الغرب الذي يرى الاختلاط، ويرى أنه لا بأس به، فأفتى بغير علم!! وانظروا أثر النية، إذا نويت خيراً كأن قلت: لو ولاَّني الله تبارك وتعالى الإدارة الفلانية لأصلحتها، وسوف أعمل فيها كذا؛ وآمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، فإن الله سوف يوفقك، ويكتب لك الأجر ولو لم تنل الإدارة، لكن لو نويت؛ كما في حديث المال؛ الذي قال: ليتني أكون مثل فلان الذي يبذر ويستهتر ويفجر ويفسق في ماله، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فهما في الإثم سواء }، فالذي يتمنى أنه لو تولى لأفسد، هو وإثم المفسد العامل سواء، نسأل الله تبارك وتعالى العفو والعافية، إذاً لماذا لا تتمنى الخير، فهذه مقتطفات فقط وغيرها كثير.
اليمن مكانةً وتاريخاً
وهنا موضوع مهم يتعلق بالبلد الذي نحبه ويحبنا، والشعب الذي نحن منه وهو منا، وهم إخواننا الدعاة وإخواننا المؤمنون في الشعب اليمني الشقيق، الذي أراد الله له أن تكون حياته سلسلة من المآسي والفتن؛ فقد تولى عليه الروافض في أول الأمر منذ نهاية القرن الثالث تقريباً، ثم تولت عليه الباطنية بعد ذلك، ثم في العصر الحديث وبعد جهاد وكفاح طويل مع الباطنيين انتصر عليهم الترك، ثم أخرج الترك، ثم جاءت الثورة المزعومة، وجاء عبد الناصر وفعل بهم ما فعل -جزاه الله بما يستحق- ثم كانت المآسي والفتن التي لا تخفى عليكم إلى اليوم.
فهذا الشعب المؤمن: {هم أرق أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية } وهم الذين قبلوا البشرى، وهم الذين سيكونون المدد لهذه الأمة في حروبها مع الدجال، وفي ملاحمها مع الروم، كما جاء هذا في الأحاديث.
الدعاة في اليمن(1/10)
وإخواننا هنالك في حاجة شديدة إلى أن ينصحوا فيما يتعلق بالعمل الدعوي الذي يسيرون فيه، وذلك لأن كثيراً من الإخوة أخبروني وكتبوا لي بأن هنالك من يريد أن يعلن الجهاد المسلح في هذا البلد نظراً لتردي الأوضاع، ولفساد أحوالها، ولا يخفى علينا جميعاً أنه بالمقابل هنالك من يخالفهم في هذا القول، وهم الأكثر.
فأحببت أن أقدم نصيحة لإخواني هنالك وهي لكل مسلم.
رسالة إلى أهل اليمن
مضمون النصيحة :
إخوتي الكرام: الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى واجبة علينا جميعاً، ولا يخفى على أحد منا فضلها وأهميتها، ولكن يجب علينا أن نضبطها بمنهاج النبوة؛ وأن تكون على سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل تكون موافقة لسنن الله تعالى في المجتمعات وفي الكون، فإن لله تعالى سنناً، وهذه السنن اتبعها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعوته، ولذلك مرت الدعوة الإسلامية بمراحل متدرجة.
ومن ذلك: أن الجهاد إنما يأتي في مرحلة تالية، في مرحلةٍ تكون السنة الربانية فيها أقرب إلى التحقق، ولسنا -أياً ما كنا- بأشد شوقاً وأكثر تلهفاً إلى الجهاد في سبيل الله، وإقامة دين الله من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرهم في أول الأمر بكف اليد، ويقول: ''إني لم أومر بذلك'' حتى هيأ الله تعالى له ما أراد من أرض الهجرة، ويسَّر له من إقامة الدولة، وأن يكون هو رأسها وسيدها، فعندئذٍ أنزل الله تبارك وتعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39].(1/11)
وهكذا كان ابتداء الجهاد إذناً وليس أمراً، والإذن إنما يكون بناءً على طلب، وعلى تلهف، وعلى تشوقٍ من الناس إليه، وهذا ما حدث في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفضل الجهاد وأثره العظيم لا ينكر، ولو خَصَّصْنا محاضرات، وكتب في فضله وفوائده للأمة ما أتينا عليها ربما، لكن هذه كلها يجب ألا تنسينا حقائق لا بد من معرفتها ونحن نتعامل في حقل الدعوة إلى الله، وهي أن مرحلة الصبر والبلاغ والدعوة والنذارة؛ لا بد أن تسبق ذلك كله، وهذه مرحلة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُتجاوز، وهي التي قال فيها رسل الله لأقوامهم: وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا [إبراهيم:12].
حتى لو آذونا، وحتى لو سجنوا من سجنوا، وآذوا من آذوا؛ فلا عمل لنا إلا الصبر والبلاغ وإقامة الحجة؛ حتى يفتح الله تعالى بيننا وبينهم بالحق وهو خير الفاتحين، أما استعجال سنن الله تبارك وتعالى، وتوريط الأمة في مشاكل لا ندرك ولا نضمن عاقبتها؛ فهذا شيء يجب أن نعيه جميعاً، لا أقول في اليمن وحده، بل في كل مكان، ويجب أن نعلم أن هناك عقبات، لا يصح معها أن يعلن الجهاد المسلح في هذا البلد الذي نحن حريصون كل الحرص أن يحكمه الإسلام في أقرب لحظة، وهذا الذي ندين الله تعالى به جميعاً، وهذا ما نريده لكل بلد في هذه الأرض لا يحكم بما أنزل الله، لكن لا بد من التنبه إلى الأوضاع الدولية الآن؛ وأن ننظر إلى العقبات الخارجية، وهل تسمح الأوضاع الدولية الآن بوجود جهاد مستقل لإعلاء كلمة الله، وإقامة دين الله، سوف يكون التعاون بين الحكومة القائمة وبين الشرق أو الغرب بين قوى نعلمها ولا نعلمها في سبيل القضاء على هذا الجهاد، فالغرب والقوى الدولية، لا يريدون أن تتكرر مأساة أفغانستان أو إرتيريا ، وهم حريصون على طمس هذا الجهاد هناك أو الفلبين أو غيرها، فهل يسمحون به أن يكون في بلد مهم له موقعه المهم كاليمن ؟! لا يكون ذلك أبداً.(1/12)
وأهم من ذلك في نظري أنه هل إمكانيات الدعاة ووسائلهم تتيح لهم ذلك؟ لنكن موضوعيين، فيما نعلم وما يظهر لنا أن الدعاة لا يملكون العدد الكافي ولا يملكون الإعلام الكافي، وجيشها ماذا يريدون، كثير من الناس فيه لا يعلم شيئاً، فكيف يتعاطف معك من لا يعلم عن أي شيء؟!
والدعاة أيضاً لا يملكون الاقتصاد والمال اللازم، وهكذا أمور كثيرة، على أن أهم من ذلك -أيضاً- أن نقول ما المقصود بالجهاد؟ إن كان المقصود به إعلاء كلمة الله، فإن أهم ما تعلى به كلمة الله تبارك وتعالى هو تصحيح العقيدة في قلوب الناس، كما بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً إلى اليمن وقال: {ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله } وفي رواية: {إلى أن يعبد الله وحده لا شريك له } فأول الدعوة، أن نعلم الناس العقيدة الصحيحة، وأن نفهمهم إياها، حتى يتفقهوا فيها، ويعرفوا من يوالون ومن يعادون فيها، وحتى نضمن أنهم إن جاهدوا، فإنهم يجاهدوا لله، لا لغرض أو مطمع دنيوي.
ولا سيما في بيئة معقدة متشابكة كبيئة اليمن ؛ فيها نواحي قبلية، وفيها نواحي طائفية، وفيها نواحي مذهبية، وفيها أمور لا يستطيع الإنسان معها أن يضمن ولاء هذا أو ذلك، وأيام الحرب بين الملكيين والجمهوريين كان هذا الأمر واضحاً؛ فالقبيلة إن أعطاها الملكيون انضمت إليهم، وإن أعطاها الجمهوريون انضمت إليهم، فالنفوس ما لم تكن صادقة متربية مزكاة بتقوى الله، كيف نضمن أنها تقف معنا، وإن وقفت في أول الأمر أو جاءت بعض الأسباب التي نراها تشجعنا أن نجاهد أو أن نبدأ الجهاد، نحن نخشى أن تتحول العملية إلى جاهلية قبلية عنصرية، فينفرط الحبل والزمام، ولا نعود نحن نسيطر عليه، وتتدخل القوى العظمى الخبيثة لصالح طرف على طرف، أو تحول اليمن لبناناً أخرى، وهي حريصة على ذلك، كما هي حريصة أن تفعل ذلك في السودان وفي أثيوبيا وفي غيرها.(1/13)
فمن المشاكل التي سوف تترتب على قيام مثل هذا: الفرقة بين المسلمين -وكفانا فرقة- أكثر الدعاة وأكثر المسلمين لن يوافق على هذا الأمر، وسوف يكون هناك من الفرقة بين المسلمين ما نحن في غنى عنه في هذه اللحظة، ولن تكون الفرقة ولن يكون مثل هذا العمل الذي يختلف الناس فيه نقيضين إلا عند غياب الشورى، فلو كانت الشورى بين الدعاة والشورى تكون في الأمور الاجتهادية، والرجوع إلى العلماء في الأمور النصية، ومشاورة أهل العلم في كل مكان -لأن الدعوة تهم الجميع في كل مكان- لكان هذا هو الذي يجمع الأمة ويوحد رأيها.
أما أن ينفرد أحد برأيه -فينفرد بجهاد، أو حتى بدعوة- وللآخرين رأي آخر، ولا يكون هناك تواصٍ وشورى لأخذ هذا الأمر وهم في بلد واحد؛ فإن هذا يؤدي إلى تفريق الأمة، وإلى تمزيق كلمتها، ونحن نعلم من واقع اليمن أن القبيلة أو المحافظة قد لا يكون فيها عالم؛ بل ربما طالب العلم هناك لا يدرك إلا بعض ما يؤدي به الواجب؛ فالجهاد إذا لم يكن هناك علماء يقودونه ويوجهونه، كيف نضمن له أن يستمر؟!
وكيف نضمن له أن ينتصر؟!
المربي مفقود، والجهاد يحتاج إلى أكثر من المربي، يحتاج إلى القائد وهو الذي يكون مربياً وزيادة، إذ من المربين من لا يكون على قدر من العلم يؤهله ليقود الأمة! بل قد يقود طائفة أو يربي جماعة في مسجد، أو جماعة من الشباب أو حلقات علم، لكن أن يربي أمة فهذا أمر ليس بالهين، فمن يربي هذه الأمة؟
فحينئذٍ تضيع الأمور، ويأتي علماء السوء يفتون ضد هذه الأعمال، فتكون المأساة التي نسأل الله تعالى ألا تكون.
وقد يقول بعض الإخوة: إلى متى نظل نربي؟(1/14)
فنقول: نحن لا نستعجل أمر الله، ونحن واثقون بوعد الله بالنصر لمن قام بهذا الدين، ومن الأنبياء من لم يؤمن به أحد، كما جاء في الحديث الصحيح : {رأيت النبي ومعه الرجل والرجلان والرهط، ورأيت النبي وليس معه أحد } فعلينا ألا نستبطئ نصر الله، وألا نستعجل وعدَ الله، وأن نستمرَّ في التربية والتزكية، والتفقه في الدين وتصحيح العقيدة، والصبر على المخالفين في العقيدة وفي المنكرات التي يجاهرون بها حتى يفتح الله سبحانه قلوبهم للخير، وحتى تتكون قاعدة عريضة يمكن أن تقوم بدين الله سبحانه، ولا تحوجنا إلى هذه الجهود التي لا ندري ما هو مصيرها لو قامت.
وأنا أرى أن القياس على أفغانستان أو على غيرها في غير محله؛ لأن أفغانستان العدو فيها واضح -روسي شيوعي جاء بدباباته واحتل البلد- أما هنا القضية ملبس عليها فاليمن ملبس عليها، فالحكومة تقول: إنها إسلامية، وتقول: الدستور إسلامي، ومن العلماء من يؤيدها، فلا نقيس ذلك على أفغانستان ولا على غيرها ولا ما أشبهها، وقد يقول بعض الإخوة: ما هو البديل؟
هل ننضم للأحزاب السياسية وندخل البرلمان ونتحول للعمل السياسي؟!
فنقول: لا، ليس هذا المقصود، إنما نريد دعوةً على منهاج النبوة، تبدأ بتصحيح العقيدة، وتفقيه الناس في دينهم، وتعليم سنة نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وتفتح هذه الحلقات الطيبة المباركة من توعية الناس وتعليمهم وتثقيفهم في المحافظات، وفي الألوية، وفي القرى، في كل مكان بقدر الاستطاعة، عن طريق المعاهد، وعن طريق تحفيظ القرآن، وعن طريق نشر الأشرطة، ونشر الكتيبات، وتوعية الناس، ودعوة تقوم وتحتسب وتصبر؛ فإنها ستؤذي طبعاً.(1/15)
فهذه هي القاعدة الأساسية التي نريدها، أما ما يتعلق بالعمل السياسي أو ما تورطت فيه بعض الأحزاب من العمل السياسي، فنقول: يجب أن تكون الأمور شورى، أن يتشاوروا فيها، ويتباحثوا في مفاسدها ومصالحها، وهذه مسألة أخرى تحتاج إلى تفصيل وإلى بحث طويل؛ لأن هذه المشاركة قد يكون فيها بعض المصالح، ولكن في نفس الوقت فيها مفاسد واضحة لا تخفى على أي أحد؛ فلا بد أن تدرس هذه الأمور بعناية.
وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا للعمل الصالح وللصواب، وأن يجعل دعوتنا كلها خالصة لوجهه الكريم إنه سميع مجيب.
هذا الموضوع عن الجامعة، وكنا قد تحدثنا كما تعلمون في الأسابيع الماضية عما فيها، بناء على كثرة الإلحاح، والرسائل الكثيرة والاتصالات، والوثائق المثبتة بين أيدينا، وفي الحقيقة هي قضايا متشعبة وكثيرة جداً، والذي أثار الموضوع أكثر -وإلا فهو ثائر- هو ما حدث في كلية العلوم من الاختلاط، ثم تتابعت بعد ذلك الموضوعات.
وقلنا في الأسبوع الماضي: إننا لا ندري هل اللجنة مشكلة أم غير مشكلة للتحقيق في الموضوع، ثم تبين لنا أن اللجنة مشكلة، وأنها برئاسة الدكتور رضا كامل ، وهو رجل نحسبه على خير ولا نزكيه على الله، ونرجو من الله تبارك وتعالى أن يعينه، وأن يوفقه لتحقيق الأمل المعلق عليه من المجتمع كله، فإن الناس ممن كلمني واتصل قال: لا بد أن تكلم الدكتور، أو أن تتفاهم معه عماذا سيفعل هو واللجنة.(1/16)
نحن سننتظر، والبعض ما انتظر، فالبعض قد أبرق لأعلى الجهات عن الموضوع، وبعض أولياء الأمور قد سحب ابنته من السكن، وحصلت بعض الأشياء، لكن البعض يقول: نحن ننتظر ونرى، إن كانت اللجنة كما نظن في القائمين عليها، وعالجت الموضوع علاجاً جذرياً، فالموضوع ليس خطأً إدارياً كما قد يتبادر للذهن؛ بل القضية قضية أعراض، وقضية اختلاط، وقضية خروج على مبادئ وقيم نؤمن بها ولا يمكن أن نتنازل عنها بأي حال من الأحوال، فالقضية مهمة جداً وخطيرة، وهي قديمة، وهذه ما هي إلا أذن البعير وما خفي كان أعظم، واللجنة ممن يعلم ما لا نعلم وما لم يكتب إلينا بلا ريب -فضلاً عما كتب إلينا- كثير جداً، فنحن لنا أمل إن شاء الله في الدكتور رضا كامل .
واللجنة لها أن تقوم بالموضوع وأن تعالجه معالجة جذرية، مع أن القضية -وهذا الذي نعتقده، وندين الله به من خلال الأحداث- تحتاج إلى ما هو أكبر وأقدر من اللجنة؛ لأن النخر قد دخل هذه الجامعة في كل مستوياتها، ولا بد من تطهيرها بالحق وبالعدل، وبأن ترجع إلى كتاب الله تبارك وتعالى وإلى سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أما وقد طرح هذا الموضوع، وشكلت له لجنة، فنرجو على الأقل أن تكون اللجنة عند حسن ظننا.
الجامعة والتنصير
وهناك أيضاً بعض الموضوعات تتعلق بالجامعة وهي كثيرة جداً، ولكن نأخذ منها ما يتعلق بإدارة الخدمات في الجامعة، مدير عام الخدمات في الجامعة الدكتور سهيل هاشم صوان ؛ وقد قرأنا لكم بعض ما جاءنا عن وضع التنصير، أو الفليبينيات بالذات، وهن ممن يقمن بالتنصير وهن تحت إدارته.(1/17)
وجاءني اثنان من العاملين في إدارته ظاهرهما الخير والصلاح، وقالا: إن الرجل فيه استقامة وفيه صلاح وفيه دين، ولكنه لا يدري عن هذه الأمور أو لم تبلغه، وأنه استاء وتألم، لأن الإخوة كتبوا إلي بما كُتب، ونحن في الحقيقة نقول لكم جميعاً: تعلمون أنه ليس من منهجنا الإساءة إلى أحد، ولا نقصد بذكر أي أحد أن نسيء إليه، لا في دينه ولا في دنياه، ولكن دين الله أعظم عندنا من كل أحد، والغيرة عليه يجب أن تكون مشتركة بيننا جميعاً.
وما دام أن سعادة الدكتور بهذا الحرص -كما بلغنا وزوجته مشرفة على قسم الطالبات، وعندهم الغيرة، فالمطلوب أن نرى أثر هذه الغيرة بقرارات حاسمة وواضحة تحد من الفساد بقدر ما يستطيعون، وبما يدخل تحت سلطتهم، ولا نطالبهم بما لا يطيقون، ولكن بما يدخل تحت سلطتهم نطلب منهم ذلك، ونرجو أن يتخذوا أسرع ما يمكن من خطوات، وخاصة مع هذه المهندسة الفليبينية التي يسمونها ستيلا التي يعلم الطالبات أنها تقوم بدور تنصيري خبيث بين الطالبات.
هذا الذي بلغنا ونرجو أن يكون الدكتور عند حسن ظننا، وأن يتقبل هذه النصيحة، وأن نرى منه ما يرضي الله ورسوله، ويرضي ضميره؛ فإنه إن كان كما وصف الإخوة فإنه لن يرتاح ضميره إلا أن يقضي على الفساد في هذه الجامعة، والأدلة والقرائن كثيرة فيما يتعلق بهذا الموضوع، ولبسطها مجال آخر إن شاء الله.
ومع الأسف انظروا كيف يتم تبسيط الأمور؟ ومع أن عميد كلية العلوم بلغنا أيضاً أنه رجل فيه دين وفيه خير، ولذلك -لما بلغتني هذه الأخبار- أقول: نشكو إلى الله جلد الفاجر وضعف التقي؛ فالفاجر جلد مع أنه متعاقد، ويقول: هاتوا الطالبات من القسم الداخلي، ويوصلهن فندق البلاد، ويسهر، ويوصلهن، ويعمل كما يشاء، والعميد ومدير إدارة الخدمات، فيهم خير -كما يبلغنا- ومع ذلك نجدهم ضعفاء في القرار.
مشكلة الاختلاط(1/18)
وهنا برقية خطية عاجلة تقول: ''نفيدكم أنه قد تم عمل تنظيم المواعيد لدخول مباني الكلية أيام الخميس والجمعة، بحيث تم تخصيص الفترة الصباحية من الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة الثالثة ظهراً للطالبات مع المشرفين والمشرفات فقط، أما الفترة المسائية فقد تم تخصيصها للبنين وإلى من لهم تصريح بالدخول'' .
وقد تم توجيه هذا الأمر إلى وكلاء الكلية، ورؤساء الأقسام، وإدارة الكلية، ومدير الشئون الفنية والمختبرات التي غالباً ما يبدأ الفساد منها، والتي يفترض ألا تكون مختلطة.
لماذا لا ننشئ معامل خاصة بالفتيات؟ ولماذا لا نفصل -وهذا الواجب شرعاً- الطلبة فصلاً كلياً؛ بحيث نعين مشرفات على الطالبات، ومشرفين على الطلاب؟! أما أن الطالبات يذهبن مع المشرفين، وإن كان هذا في الخميس والجمعة فالمشكلة أعظم؛ لأن الخلوة هنا أمكن، حيث لا يوجد ناس مثل بقية الأيام، وإذا كان هذا يحدث -ونحن نعرفه في الأيام العادية مع كثرة الطلاب- حيث يقفل المدرس أو المشرف الغرفة ويبقى هو وإياها منفردين، فكيف إذا كانت الكليات خاوية والمباني خالية؟! فسبحان الله! كيف يقع مثل هذا؟!
وأنا أقول: إن الجامعة تستطيع فصل الطلبة عن الطالبات، وهناك دليل واقعي على أن الجامعة تستطيع.
حيث حدث في يوم الاثنين الماضي، أنه في كلية طب الأسنان حدثت حركة معينة، وإذا بالطلاب يُخْرَجُون من القاعات، ويَفُصِلون البنات عن البنين، والموظفين عن الموظفات. فعاشت الكلية بدون اختلاط يوماً واحداً كأنها كلية إسلامية.
إذاً نقدر، ما دمنا فعلنا هذا، وقد يكون هذا خوفاً من الناس، افرضوا أن واحداً جاء زائراً، ولما جاء ورأى الطلاب هكذا، قال: الحمد لله لا يوجد اختلاط؛ ثم لما ذهب تخلطهم!! فهذا الضحك على من؟ هذا لم يأت لغرض شخصي، بل جاء لدين الله، فأنت تضحك وتسخر ممن؟ من الله عز وجل!! وتسخر على من؟ على دينك الذي حرم الاختلاط!!(1/19)
فنقول: هذه الحركة تدل على أنه في الإمكان أن نمنع الاختلاط، فإذا طبقناه يوماً واحداً فلنطبقه بقية العام، ولنتق الله، ولنراقب الله، ولا نهم الناس، فالقضية ليست هي قضية ناس حيث نذر الرماد في العيون، ونضحك عليهم، نقول لهم: هؤلاء لا يبالغون ويشيعون الأكاذيب، ويطعنون في الجامعة، ونحن ليس عندنا اختلاط، فهذا من الكذب على الناس والتضليل.
وشيء آخر: لماذا توضع امرأة مشرفة على طب الأسنان مع وجود الرجال؟! وهذه المرأة تناقش المدرسين، وتناقش الطلاب، وتخلو بأحدهم، وتحضر مجلس الجامعة!! وأمور كبيرة يتطلبها عملها، فهل عُدِمَ الرجال في هذا البلد؟! فهذه أمور كثيرة وأحب أن أقول: إننا مع الأسف الشديد، نستطيع أننا نقوم بالواجب، ولكننا لا نفعله.
بعض المنكرات في الجامعة
في معامل المستشفى في الجامعة أقيم حفل بمناسبة زواج إحدى العاملات في قسم المعامل، وكانت الحفلة مختلطة، وأيضاً كان فيها بطاقات كريسميس من قبل فلبيني داخل المعمل..
نحن لا ندري هذه المعامل أو الخدمات تتبع أي إدارة؟ على كل حال هذا ما حدث.
وهناك رسالة يقول صاحبها: إنه في الجامعة وفي كلية علوم الأرض، قام أحد الطلاب بتمثيل دور امرأة، ولبس العباءة، وتشبه بالنساء، وقد حسبه الجمهور في بادئ الأمر أنثى؟
وأنا أرى أن نطوي موضوع الجامعة، لعلنا نستطيع أن نتفاهم معهم بطريقة أخرى إن شاء الله تعالى.(1/20)
إذا كان هناك أحد من الرقابة الإعلامية فهذه طريقة خبيثة لإدخال المجلات الداعرة، وهذه الورقة كما ترون غلاف لمجلة تايلندية، وهذه صورة المجلة، وهذه الورقة السوداء تحتها صورة، وفي الضوء يمكن أن تراها، وعليها ما يحجبها، لكن بمجرد أن تمسح تكون الصورة واضحة، وهذا يعني أنهم قد يدخلون أية صورة، ولذلك يجب أن ننبه الإخوة في الرقابة لذلك، وأنا أخذت الغلاف هذا؛ لأن فيه السعر، وفيه اسم المجلة، بكلمات تايلندية، وليس فيها أي كلمة لا عربي ولا إنجليزي، ولا أعرف اسمها، وسوف أحضر لكم الغلاف نفسه.
التدريب على الرقص
وهناك إعلان ننقله إليكم بكل ألم، يقول: ''دورات البحر الأحمر تعلن عن موسم صيف الرقص لعام 91-92م'' رقص! رقص لأمة الجهاد والإيمان والتقوى التي تحفظ الوقت وتدرك قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ }.
الأمة التي يعلق عليها الأمل لتحرير المسجد الأقصى، ولتحرير أفغانستان ولتحرير بلاد الشام والعراق وكل الأراضي التي يسيطر عليها العلمانيون والملحدون، هذه الأمة تعلم الرقص!! دورات عجيبة سبحان الله!! ''الرقص التربيعي من الساعة السابعة والنصف في اليوم الحادي عشر والثامن عشر والسابع والعشرين من سبتمبر، والرقص الدائري من كذا إلى كذا.. تعطي اسمك وتلفونك لعضوية النادي'' عجيب!(1/21)
فهناك نادي، وهناك عضوية وهناك أرقام هواتف، ومستر ألن ومسس نانو ومستر جاك ومستر بل ومستر سكوت ، وكتبوا أرقام سبعة هواتف! فهذه عصابة لها فروع في شركات ومستشفيات.. وفرق كاملة للتدريب.. وهي مافيا لا تعتدي على المال فقط؛ بل والأعراض وهي أغلى، وهذا لابد أن تنكره الجهات المسئولة، كالهيئة والإمارة، وهذا ما ظهر ولا ندري بما هو مخبأ، ثم بعد ذلك يقال: لماذا بعض الشباب ينفعل ويخرج عن طوره، فكيف وهذه أفعال تثير من في قلبه أدنى ذرة من إيمان؟! وعاقبة الأمم التي تَفْجُر هو السحق والدمار الكامل.
هذا تفصيل عما جرى في كلية العلوم، وإلى الآن لم ننته من المشكلة الأولى، وتأتي مشكلة ثانية؛ ولذلك أنا ما زلت عند رأيي أنه لا بد من علاج جذري وحاسم لموضوع الجامعة، ولا بد أن نوصل الأمر إلى أعلى المستويات بقدر ما نستطيع، والحمد لله على أن سماحة الشيخ عبد العزيز عنده هذا علم كاف، ولا بد أن تعاد الكرة معه، عن طريق الآباء والمدرسين المخلصين في الجامعة والدعاة والقضاة، وكل من يملك رأياً، وعليه وعلى غيره من العلماء إيصال هذا الأمر إلى من يملك سلطة تغيير هذا الفساد بجرة قلم، ويريح هذه الأمة منه.
دعوة إلى البر
وهذه دعوة نوجهها للإخوة الكرام الذين يريدون العمل لوجه الله: فهذه سلسلة رسائل من الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الرسالة الأولى إلى بائعي الأفلام ، فنرجو من الإخوة الكرام التطوع بطباعتها، لمن يستطيع طباعتها؟ وكلما كان شكلها الطباعي أكثر أناقة أو منظراً، كلما تقبلها الناس.
خبر من فرنسا
وهذا خبر يخفف عنكم بعض اللوعة: أجري في فرنسا استفتاء شارك فيه مليونان وخمسمائة ألف فتاة، (90%) منهن يفضلن الزواج من المسلمين؛ لأنها لا تريد واحداً يكون اسماً لها، وفي الواقع يعبث كما يشاء، لكن تريد الزوج بالمعنى الحقيقي للزوجية.(1/22)
وفي جريدة أخرى، الآن في ألمانيا ، يطالبن بأن تحتفظ المرأة باسمها واسم أبيها بعد الزواج، وعندنا نحن المسلمين ظهرت أسماء مثل: صفية زغلول وجيهان السادات سبحان الله! لحقنا بآخر الركب من الخلف! هم الآن يطالبون بأن تنسب المرأة إلى أبيها بعد الزواج، ونحن نحاول أن نقلدهم فيما قد عرف فساده، وإذا طلقها زغلول، وأخذت دغلول، فماذا يصير اسمها؟!
كتب يروج لها المفسدون
هذا كتاب أسرار الحياة الزوجية وكتاب صور سرية للحياة الزوجية ، ولننظر إلى الفرق بين الشباب الجاد الطاهر الذي يعيش الجهاد والدعوة والعلم والعمل، وبين هؤلاء العابثين إلى أين يقودوننا؟ هل نحن بحاجة إلى كتب ومؤلفات عن الحياة الزوجية؟!
وأسوأ من ذلك أنه ذكر الحياة السرية لأناس من جملتهم الرئيس بوش !! وهذا يعني أن بوش قدوة لنا!! لماذا لا تعرض صور من حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهديه مع نسائه في معاملاته؟ فقط اهتمامهم بحياة هؤلاء القوم: الغرب وبوش ويقول لك: كيف نربي أبناءنا؟ وأن مفتاح شخصيتهم التحدي، من صفحة خمس وثمانين إلى صفحة ست وتسعين هذه عن حياة بوش وهذا عنوان كتاب قالوا في الحب والحبيب !! قاتلهم الله!! لا يأتي الخبث إلا من الخبيث: وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً [الأعراف:58].
تعميم بمنع الكريسمس
وهذا تعميم من وزارة الصحة إلى وكيل الوزارة التنفيذية للتخطيط والمستشفى التخصصي ومستشفى الملك خالد والشئون الصحية في المناطق كلها، يقول:(1/23)
عطفاً على كذا وكذا -البرقيات من وزارة الداخلية- عن ظاهرة الاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة، وأنه ربما تقوم بعض الشركات والمؤسسات أو الفنادق أو المطاعم بإبراز بعض مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة، والرغبة في منع هذا العمل، ومجازاة من يقوم به، والتعميم بذلك على جميع المؤسسات والشركات والفنادق والمستشفيات، ونود إبلاغ ذلك لجميع المستشفيات التابعة لكم للاعتماد، فهذا مما يجب أن ينشر وأن يوزع.
قضية الحجاب قضية مهمة، والدافع للكلام عنها له هو أن الجامعة على ما يوجد فيها من مشكلات الاختلاط، فإنه يوجد فيها -أيضاً- من يؤصل لكشف الوجه باسم الدين! وهذه رسالة جاءت من مجموعة من الطالبات، يذكرن أن بعض المدرسات يقلن: إن من باب الغلو في الدين أن يتشدد ابن باز وابن عثيمين -حفظهما الله- بحكم غطاء الوجه! وأنه حرام، ولا يقولون: إنه أفضل وأحسن للمرأة أن تستر وجهها من الرجال فقط، بل يقولون: إنه حرام... إلى آخر الرسالة.
وتقول الرسالة: كثير من الطالبات خرجن من المحاضرة مقتنعات بكشف الوجه، والبعض مترددات في ذلك، فانظروا إلى هذا الهدم نسأل الله العفو والعافية.
والقضية تحتاج إلى أمرين:
أولاً: من الناحية العلمية المنهجية؛ هل عمل المدرِّسة التي قالت هذا الكلام أن تدعو الفتيات والطالبات إلى أن يكشفن وجوههن، وأن تبين أن العلماء متشددون ومغالون ومتزمتون، ويزيدون في الأمر عما شرع الله، هل هذا هو عمل المدرِّسة؟! لا شك أن هذا الكلام هو على حساب مادة الدرس، وقد تكون فقهاً أو حديثاً أو موضوعاً مهماً، فيقلب إلى هذا!(1/24)
ثانياً: قضية هل الحجاب الذي أمر الله به وشرعه، وأنزله على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعملت به الأمة الإسلامية أربعة عشر قرناً هل هو تغطية شعر الرأس كما يفهم بعض الناس ومن قال هذا؟ وهل جاء في الكتاب والسنة وعمل الصحابة؟! وقبل أن ينزل الحجاب كيف كان الصحابيات رضي الله عنهن؟ هل يستطيع أحد أن يقول: إن الصحابيات كن قبل نزول الحجاب يكشفن شعورهن ونحورهن وسيقانهن، فلما نزل الحجاب غطين الشعر وطولن الثوب، وظلت الوجوه مكشوفة، هل هذا يفهمه أحد؟! ومن يستطيع أن يتجرأ ويقول هذا؟.
الرد على من أباح كشف الوجه
الذي كان قبل الحجاب هو أن الرجل يرى المرأة، والمرأة ترى الرجل فيعرفها وتعرفه، فلما نزل الحجاب أصبحن كالغربان، وأصبحت المرأة لا تُعرف، فلما رأى عمر رضي الله عنه أم المؤمنين سودة بنت زمعة قال: قد عرفناك يا سودة ، وهو لا يرى منها شيئاً، ولكن عرفها من طولها، فقال: قد عرفناك يا سودة ، فانكفأت راجعة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي يده عرق وهو يتعشى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته بالواقعة فأمسك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلته الرحضاء التي تأتيه إذا نزل عليه الوحي، فلما سُرِّى عنه، قال: {إن الله قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن }، فإذا تسترت المرأة وبعد ذلك عرفت؛ فإن هذا الأمر يكون خارجاً عن استطاعتها، وليس عليها أن تستره، ولذلك قال : إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] التفسير الصحيح: أنه الزينة الظاهرة، والجمال الظاهر، الذي لا يمكن أن يخفى؛ كأن تكون طويلة، فكيف تقصر نفسها؟! أو نحيفة أو غيره، مما لا يمكن أن تملكه، أما ما تُظْهِر هي فلا، فهناك فرق بين أن تظهره هي وبين ما ظهر، فهو يظهر وهي لا تريد إظهاره.(1/25)
ثم إن الله تعالى يقول في القواعد من النساء: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] سبحان الله!! أذن لهن أن يضعن حجابهن ولباسهن غير متبرجات بزينة، ومع ذلك قال: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] ثم سبحان الله! الذي جعل صلاة المرأة في غرفتها أفضل من صلاتها في مسجد بيتها، وصلاتها في مسجد بيتها أفضل من صلاتها في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبين المهاجرين والأنصار وهم أطهر خلق الله؛ فمن يبيح لها أن تخرج في الأسواق، وتخرج إلى الجامعة، وتأتي وهي كاشفة حاسرة؟! وكيف فهمتم هذا؟!
أباح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل أن ينظر من المرأة المخطوبة إلى ما يدعوه إلى نكاحها؛ فماذا ينظر؟ وكيف يكون الحجاب هو تغطية الشعر والوجه مكشوف؟! فالخاطب من حيث النظر هو يرى وجهها ويرى كفيها، ليرى ما يدعوه إلى نكاحها، كما بيَّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وذلك لأن الأصل أن المرأة المسلمة لا يرى منها أي شيء، فلذلك لا بد أن يراها، فإذا خطب وتم الأمر، واتفقوا على الخطبة، فإنها تجلس أمامه، ويرى وجهها وكفيها؛ فمن وجهها يستدل على أشياء، ومن كفيها يستدل على أشياء، بيَّنها وفصَّلها الفقهاء رحمهم الله تعالى، أما إن كان يراها الناس في السوق، وفي المستشفى، وفي الشارع، ومع السوَّاق، ومع كل أحد، وجاء يخطب وقال: نريد أن نراها، فماذا يرى بعد ذلك؟! فهذه أدلة واضحة، والمرأة لمجرد أنها تخرج ولو كانت متحجبة لكن يظهر منها رائحة الطيب، فهذه قد توعدها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوعيد شديد.
ظاهرة السفور(1/26)
فمتى وجدت ظاهرة كشف الوجه في الأمة الإسلامية؟ هذه كتب التاريخ أمامنا، بل حتى كتب الأدب، بل غيرها، لم تعرف المسلمات كشف الوجه للأجانب إلا مع مجيء الاستعمار، وأذكر لكم قصة غريبة: عندما قامت دعوة تحرير المرأة في مصر ، وكانت النساء في مصر كلهن محجبات، عندما قامت هذه الدعوة، فإن هدى شعراوي وعزيزة نبراوي خلعن الحجاب عن وجوههن، وصورهن موجودة إلى اليوم في الجرائد، والكتب محفوظة عليهن، وثياب طويلة إلا الوجه، فهذا الذي كشفنه، ولما ذهب وفد مصر إلى المؤتمر العالمي للمرأة في روما فحضرن، وكن امرأتين إحداهن هدى شعراوي وهي كاشفة الوجه، والأخرى محجبة الوجه، وهي في مؤتمر تحرير المرأة العالمي قد جاءت من مصر ، وقالت رئيسة المؤتمر: أما هذه فهي مصرية مسلمة -تعني المحجبة- وأما هذه فأشك أنها من جنسية أخرى، أخذتموها لتمثل مصر ؟ لأنه ما كان هناك مسلمات كاشفات الوجوه، مجرد أن تكون المرأة مسلمة معناه أنها مغطاة الوجه، فهذا الذي فعلته وطالبت به هدى شعراوي .
ثم يأتي البعض ويقول: المفروض أن كل بنات الجامعة يكن كذلك، وفي السوق، وهناك من يحجب زوجته إذا مشت في الطريق، وإذا ركبت في السيارة فهي كاشفة، فمن الذي أحلها للخط العام؟! ومن الذي أحلها للخياط؟! ومن أحلها للطبيب؟! ونحن لا نعني الضرورة، لكن نتكلم عن الحالات العادية، فإذا كان أصل الخروج لا يجوز إلا لحاجة أو ضرورة؛ لأنها عرضة الفتنة، ولأن من لديه غيرة لا يقبل أن تُرى حتى ولو كانت مجرد شكل أسود إلا لحاجة أو ضرورة تقتضي ذلك، فكيف بما دون ذلك.(1/27)
فهذا الأمر انتشر في العالم الإسلامي مع مجيء الاستعمار، والحملات المغرضة المشبوهة التي تسترت بالدين، لما ظهر كتاب تحرير المرأة والمرأة الجديدة لقاسم أمين وأمثاله، وإذا به يذكر بعض الأدلة، ونقاشه أشبه ما يكون بالنقاش الفقهي، وبعد ذلك يتمادى قوم، ويقولون: إن الحجاب عادة تركية لا يعرفها المسلمون ولا يعرفها العرب، سبحان الله!! كيف لا يعرفونها؟! إذاً كلها عصور دياثة لا ندري عنها إلى أن جئتم الآن أنتم وبينتم لنا! إن هذا لا يمكن أبداً.
حقيقة الحجاب
ونقول للأخوة الكرام وللأخوات الكريمات: ليس الحجاب هو مجرد أن تستر المرأة وجهها وجسمها كله، ليس هذا هو الحجاب فقط! إن أساس الحجاب أن تكون تقية مؤمنة بقلبها: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26] وألاَّ تخضع بالقول، وإذا اضطرت أن تخاطب الرجال فبالقدر الضروري، وللأمر المهم، وبالعبارات التي لا تزيد عن الحاجة، ولو من الهاتف فضلاً عن أن يراها، الحجاب: هو معنى شرعي إيماني قلبي وبدني معاً وليس مجرد ألاَّ ترى منها أي شيء.
والآن أصبحت تتحرك، وتمشي في السوق كما تشاء وكأنها رجل، هل يقال: إنها محجبة؟! لا. فكيف بها إذا كشفت الوجه ثم مشت هذه المشية؟! كيف بها إذا تعطرت وتطيبت ولبست؟! وهذا ما يفعله أكثر الناس، فنقول لأخواتنا الطالبات: أن لا يسمعن ولا يفتحن آذانهن لأي ناعق كائناً من كان، ومثل هذه هي المدرسة التي قالت هذا الكلام لا بد إن شاء الله تعالى أن يتخذ معها الأسلوب المناسب لإقناعها أو لردعها إن لم تقتنع عن نشر مثل هذه السموم بين بناتنا.(1/28)
ففي الوقت الذي يكون الاختلاط على أشده والدعوة إليه قائمة؛ يأتي من يمهد له وهو يشعر أو لا يشعر، هذا لا يمكن أن يُرضى، ولا يمكن أن يُقَرَّ أبداً، فاتقوا الله يا إخواني المسلمين، اتقوا الله في أعراضكم، في بناتنا وأخواتنا ونسائنا، واعلموا أن الأمة التي تفرط في عرضها لا يمكن أن تحتفظ بعد ذلك بأي شيء، فإن العرب حتى في جاهليتهم ما كانوا يرضون هذا لبناتهم أو لأخواتهم ولا لأمهاتهم، بل كانوا يتفاخرون بالعفة؛ وهذا عنترة بن شداد يقول:
وأغضُّ طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
سبحان الله! والآن الأفلام والمجلات والقصص والفساد، وحتى المدرسات -أحياناً- يعلمونهن كيف تغازل البنت، وكيف تعاكس، وكيف ترمي من الشُّبَّاك!!
نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم القبول، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.(1/29)