الباطنية عبر التاريخ
فضيلة الشيخ د. سفر بن عبدالرحمن الحوالي .
الحمد لله القائل في محكم كتابه: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55] وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فالحمد لله تعالى الذي أرسل محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبد الله وحده، وأظهر الله به الدين، وأرغم به الملحدين، فأظهر الحجة، وأبان المحجة، وترك الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ورضي الله تعالى عن أصحابه الطيبين الطاهرين الذين أوصلوا لنا هذا الدين وكانوا خير حواريين لخير نبي.(1/1)
وبعد: فإن هذا الدين محارب ومستهدف منذ أن بعث الله نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال جل شأنه: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، وكما قال جلَّ شأنه: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] إلى غير ذلك مما ذكر الله تبارك وتعالى، ومما تنطق به سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد أُوذي وحُورب في مكة ثم تألبت عليه الأحزاب في المدينة من اليهود والمشركين والمنافقين في غزوة الخندق ثم كان تآلب الامبراطوريات العالمية: الامبراطورية الشرقية الفارسية المجوسية والامبراطورية الرومانية النصرانية الصليبية في الغرب، وكان تعاون جميع أمم الكفر والضلال على هدم هذا الدين ومقاومته، ولكن الله تبارك وتعالى أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وظهر أمر الله وهم كارهون، وأذلَّ الله تبارك وتعالى بدين التوحيد وبرسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عروش الطغيان، وأذل بدينه الحق ما وضعه دجاجلة وكهان الأديان، وأبطل الشرائع الظالمة والأديان المنسوخة، وأعلى كلمة الحق والتوحيد والعدل في العالمين، وهذا هو السبب الذي جلب عداوة أمم الأرض جميعاً من يهود ومجوس ونصارى وصابئة وفلاسفة ومنافقين على شتى أنواعهم.
والباطنية ما هي إلا صورة أو مرحلة من مرحلة محاربة هذا الدين ومقاومته ومحاولة استئصاله وإبادته، فقد بدأت المحاولة الأولى المنظمة المخططة لها في الفتنة التي ذهب ضحيتها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ثم استمرت في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه، وكان أيضاً ضحيتها طلحة والزبير وعثمان بنفسه رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وتزعزعت الدولة الإسلامية وظهر فيها المنافقين، وانتشرت فيها البدع، رغم أن الحق كان هو الأقوى والأظهر ولله الحمد.(1/2)
كانت المحاولة الأولى على يد عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسس ذلك الدين، الذي دخل منه جميع أعداء الإسلام وهو دين التشيع، فما من رجل أراد أن يطعن في الإسلام إلا ودخل من باب التشيع ثم يجد السبيل أمامه مفتوحاً.
ولهذا روى غير واحد ممن ألف في السُّنة عن المحدث الإمام الثقة أبي الربيع الزهراني أنه كان له جار زنديق، ولكن يبدو أن الله تعالى قد مَنَّ عليه بالتوبة فقال له: ما بالك كنت تدَّعي الرفض والتشيع ثم أظهرت الزندقة؟
فقال: إنا نحن معشر الزنادقة ومعشر أعداء الدين قد فكرنا وأردنا أن نهدم الإسلام وأن نحارب أهله، فما وجدنا أيسر من أن ندخل من باب التشيع، فإن هذه الطائفة جاهلة حمقاء، وإننا إن دخلنا عن طريقها استطعنا أن نحقق ما لا نستطيعه لو دخلنا من طريق غيرها، وهذا معنى كلام ذلك الزنديق سابقاً.
فهذه الفرقة هي شر الطوائف بلا شك نظراً لما اتصفت به، كما قال الإمام الشعبي رضي الله تعالى عنه لمالك بن مغول : '' يا مالك إن شر الطوائف الخشبية -وكانت الشيعة يسمون الخشبية ؛ لأنهم اتخذوا السيوف من الخشب، وقالوا: لا جهاد بالسيف إلا مع الإمام المعصوم الذي يظهر في آخر الزمان- لو كانوا من الطير لكانوا رخماً، ولو كانوا من الدواب لكانوا حميراً ''.
وقال طلحة بن مفرط رضي الله تعالى عنه: [[لو شئت لملأت الرافضة بيتي ذهباً وفضة ]] وأكثر من واحد قال مثل هذا، فالمهم عندهم أن يضع أحاديث في فضائل علي ، وأن يكذب على علي فيملأ بيته ذهباً وفضة.
فمن هنا كان كل عدو للإسلام يدخل فيجد هذا الباب الذي فتحه عبد الله بن سبأ اليهودي ، ولهذا من أصدق العبارات التي قيلت في وصف هذه الفرقة وفي التعبير عن حقيقتها ما قاله بعض العلماء حين قال: ''إن الشيعة بذرة نصرانية غرستها اليهودية في أرض مجوسية '' .(1/3)
فالتشيع بذرة نصرانية غرستها اليهودية في أرض مجوسية ، وعند التدقيق والتحقيق في مسألة الفرق ومنها الباطنية يظهر لنا صحة العبارة، فإن عبد الله بن سبأ اليهودي هو من يهود اليمن ، وهي طائفة من يهود الحبشة في الأصل، وأصل يهود الفلاشا هو من الحبشة ، وكانوا متأثرين إلى حد كبير بالنصرانية ، وكان يريد أن يضاهي ما فعله شاوُل الذي هدم دين النصارى بالغلو في المسيح، وادعاء أن الله حل فيه، وأنه إله، فادَّعى هو مثل ذلك في علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فكانت بذرة الغلو وتقديس الأشخاص وتأليههم هذه بذرة نصرانية غرستها اليهودية ، لأننا نجد أن وراء كل حركة شيعية أو باطنية أيادي اليهود واضحة جلية كما سيتبين لنا في المرحلة الثانية التي تسمى الباطنية .
وأما قوله: "وفي أرض المجوسية "؛ لأن هذا الدين الهدَّام الخطير إنما نشأ في تلك البلاد المجوسية ، حيث تظهر فيه الفتن وحيث يظهر قرن الشيطان، كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأحاديث الصحيحة، وتعلمون أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قال أيضاً: {يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة } وهذا من آيات نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن مدينة أصبهان مدينة معروفة منذ القدم بوجود اليهود فيها، وهي المدينة التي خرج منها سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، فكان فيها يهود ونصارى، وكان فيها المجوس أيضاً الذين هم أكثرية أهل البلاد، ومن هنا ومن تلك البيئة التي توجد فيها هذه الأديان، ومن البيئة التي كان الحقد الشديد على الإسلام يأكل قلوبها، وتغلي مراجلها به، من هنا ظهرت تلك الفرق ومنها الباطنية .(1/4)
والباطنية تسمى بأسماء كثيرة، لأن الباطنية -في الحقيقة- ليست فرقة واحدة ولكنها علم واسم على فرق كثيرة، فهي أخطبوط أو شبكة من الفرق ومن الدول ومن الضلالات ومن الأفكار، أراد بها أصحابها أن يجتثوا الإسلام نهائياً، ولهذا قال بعض المؤرخين: ما بين مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخروج الدجال فتنة أعظم وأشد على الإسلام من الباطنية ، فهي أخطبوط دخل في جميع الفرق، وأعظم فرقتين أو طائفتين دمرت الحياة الإسلامية تدميراًَ واضحاً جلياً هما الشيعة الروافض والصوفية ، وكلاهما متأثر وله علاقة قوية بالباطنية ، لا سيما الرافضة كما هو معلوم وكما سنعرف.
إذاً: الباطنية مجمع الضلالات، الرافضي إذا غلا في الرفض أصبح باطنياً، والصوفي إذا غلا في التصوف أصبح باطنياً.
والباطنية فرق منها: الخرمية ، والبابكية ، والقرامطة ، والإسماعيلية ، والعبيدية ، وغيرها فهي فرق كثيرة لا تحصى.
وكذلك الباطنية لها دول قامت، ومن أمثلة الدول التي قامت عليها: العبيدية التي تسمى الفاطمية ، وقامت دولة القرامطة ، وقامت في المشرق أكثر من دولة تحت اسم الباطنية .
فهذه إذاً حركة خطيرة عظيمة قامت لغرض ضخم وهدف كبير وهو هدم الإسلام.
أصل الباطنية(1/5)
والأصل الذي ترجع إليه الباطنية كما تتفق على ذلك المصادر من سنية وباطنية ، أو من إسلامية وباطنية ، هو إلى إسماعيل بن جعفر الصادق ، وجعفر الصادق هو أحد أئمة الرافضة ، وكان قد ولد له ولد يُسمى إسماعيل ، وحدث أن مات إسماعيل وهو صغير، والأمر طبيعي جداً أن يولد صبي ثم يموت وهو صغير فدفنه أبوه وانتهى الأمر، ولكن القضية ليست هكذا، حيث كان أولئك الحاقدون المندسون وعلى رأسهم رجل يقال له ميمون القداح ومعه ابنه عبيد الله بن ميمون القداح يحضرون إلى جعفر الصادق وينتسبون وينتمون إليه، ويقولون: نحن من شيعتكم، ونريد أن نأخذ من علمكم، فحصل أن هذا الرجل كون خلايا سرية في عدة دول، كالعراق ومصر وبلاد فارس ، وكان هؤلاء الخلايا يتكونون في الغالب من المجوس ومن الديصانية وقد اختلف في هذا الرجل فقيل: إنه يهودي، وقيل: إنه ديصاني -أي: ديانة قديمة- وقيل: إنه ثنوي، وليس في الحقيقة هناك كبير فرق ولا اختلاف؛ لأنه إن كان يهودياً فهو من يهود فارس، ومن قال: إنه مجوسي فلأن الفرس ديانتهم هي المجوسية ، ومن قال: إنه ديصاني فأيضاً الديصانية فرقة من فرق المجوس، فهو كما يبدو في الغالب أنه رجل يهودي من يهود الفرس، المهم أنه نظم أولئك في تلك الخلايا السرية، وأظهر أنهم ينتمون إلى: محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، وكما قلنا إسماعيل بن جعفر مات وهو صبي، وأبلغت الدولة أباه بأنه يوجد لك ابن اسمه إسماعيل مختفٍ وينظم خلايا ضد الدولة العباسية، فأنكر جعفر وقال: لا يوجد، فقالوا: بلى يوجد لك ابن، قال: إن ابني توفي وهو صغير ودفنته، فاضطر جعفر الصادق أن يكتب محضراً ومشهداً ويشهد عليه الناس الذين حضروا الجنازة والموت بأنني دفنت ابني هذا وهو صغير، وأنه لا وجود لإنسان اسمه إسماعيل بن جعفر الصادق ولكن أولئك كذبوه، فقالوا: هذا زمان غيبة الإمام -إسماعيل بن جعفر هذا هو الإمام الذي يغيب بناءً على عقيدة الغيبة وهي عقيدة مجوسية قديمة-(1/6)
قالوا: إسماعيل بن جعفر الصادق غاب، وفي فترة الغيبة هذه له نواب وكلاء وله بُواب يُكلمون ويبلغون الناس ماذا يريد، وماذا يخفي معه من العلم اللدني أو العلم الموروث، الذي ورثه آل البيت وحدهم دون سائر الأمة، وقالوا: أما إنكار أبيه له فإنه من باب التقية، فعندما يحتار الناس يقولون لهم بأنه أنكر تقية، ويأتون بمثل هذه التلبيسات التي يصعب على العقول -ولا سيما مع العوام السذج- أن يتبينوا حقيقتها.
فبهذا المكر اليهودي الخبيث استطاع ميمون القداح وابنه أن يبذرا الدعوة وأن ينشراها في الآفاق، ثم قالوا: إن إسماعيل توفي وخلفه محمد بن إسماعيل الذي يقال: إنه في الحقيقة عبيد الله بن ميمون القداح حيث جعل ميمون القداح والده نفسه بمنزلة إسماعيل بن جعفر ، وجعل عبيد الله بن ميمون القداح بمنزلة محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، ومنذ ذلك الحين افترقت هذه الفرقة عن بقية فرق التشيع، وكل فرق الشيعة نشأت لهدم الإسلام بلا شك، ولكن هؤلاء افترقوا في تعيين من هو الإمام، وأخذوا بهذه الدورة التي يسمونها دورة الغيبة أو الاستتار.
بداية ظهور الباطنية وأسباب الظهور(1/7)
كانت هناك مرحلة جديدة لهدم الإسلام، وهي المرحلة التي شهدها أواخر القرن الثالث، لأن الفرق التي كانت قد أنشأت من قبل -كما يبدو في التحليل التاريخي والتدقيق- لم تحقق النتيجة المطلوبة، فكانت المرحلة الجديدة وهي مرحلة الباطنية ، حيث أظهرت الفكرة وأظهرت الدول التي تنتسب إلى إسماعيل أو إلى محمد بن إسماعيل ، ولهذا يُسمون إلى اليوم بالإسماعيلية ، وهو أحد أسمائهم أو هي أحد طوائفهم، ولما ظهرت هذه الفرقة استفادت مما حدث في زمن المأمون وما بعده، من ترجمة الفلسفة ومنطق اليونان وعلومهم الضالة، واستفادت من تفكك الأمة الإسلامية ومن ضعفها، وأيضاً خشيت وخافت من عودة شوكة السنة التي أعقبت انتصار الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه في تلك المعركة الكبرى التي قادها بنفسه وقادها من بعده من أتباعه.
ولهذا ظهرت هذه الفرق وظهرت بدايات لها في أواخر القرن الثالث عندما بدأ ظهور القرامطة في سواد الكوفة حوالي سنة (285هـ) تقريباً، فبدأ ظهور هذه الفرقة الباطنية الإباحية المجوسية ، ثم أخذت الفرق تتشعب ولم يأتِ منتصف القرن الرابع سنة (350 أو 360هـ ) إلا وكان الحال كما عبر الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في كتابه دول الإسلام وفي مواضع أخرى من كتبه، قال: في سنة (360 أو 361هـ) عمَّ الرفض الدنيا شرقاً وغرباً، ففي تلك الفترة استطاعوا أن يجعلوا الرفض يعم الدنيا شرقاً وغرباً فبنو بويه كانوا شيعة ، والعبيديون كانوا يحكمون بلاد الشام ومصر والمغرب وكانوا أيضاًَ رافضة .
وهم في الحقيقة كما قال أبو حامد الغزالي وغيره: ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض، لكن كانوا يظهرون أنهم رافضة للسبب الذي ذكره ذلك الزنديق لأبي الربيع الزهراني حتى يُقبلوا عند الأمة وحتى ينتشروا.(1/8)
وكان من الشعائر التي أعلنها أولئك أنهم كانوا يأتون إلى السوق وينادون أن من لعن وسب فله كيلة وإردب، فيأتي الرجل فيلعن الشيخين أبي بكر وعمر -رضي الله وتعالى عنهما ولعن من لعنهما- ويأخذ ذلك الطعام، فإذا أخبروا أن رجلاً من أهل السنة رفض أن يلعن الشيخين أو رفض أن يظهر دين أولئك الرافضة فإنه يقتل، وحصلت مجازر شديدة جداً في بلاد المغرب ومصر وبلاد الشام ، بل حكموا الحجاز ثم نُودي لهم بالخلافة في نفس بغداد ، وحصلَ أيضاً أَن أنشئوا دولة في اليمن فكان كما قال الإمام الذهبي رحمه الله: عم الرفض الدنيا شرقاً وغرباً.
دول المذهب الباطني
وكان هذا هو الوجود الظاهري لهذه الفرقة، كدول في القسم الشرقي من العالم الإسلامي، حيث كانت هناك دول منها القرامطة في نفس الوقت، وفي نفس التاريخ، وبنفس الفكرة والهدف، القرامطة كانت منهم قرامطة الشام وقرامطة العراق الذين دوخوا الخلافة سنين عديدة، وأيضاً انتشروا في فارس ثم في البحرين التي هي شرق جزيرة العرب ، وليست الجزيرة المعروفة اليوم، وهناك أسسوا دولة لهم قوية كانت معاصرة في تأسيسها لدولة العبيديين أيضاً، والقرامطة هؤلاء وهم من نفس الفئة من الرافضة الغلاة -أي: من الباطنية - هم الذين انتقموا من المسلمين في سنة (317هـ) عندما جاءوا إلى مكة ودخلوا البيت الحرام واستحلوه في يوم التروية، وقتلوا الحجاج وألقوا بجثثهم في بئر زمزم، وكان الخبيث زعيمهم يقتل الناس ويقول:
أنا بالله وبالله أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا
فقتلهم عند الكعبة، وكان أصحابه يقولون لمن يقتلون من المسلمين: تقولون في دينكم: إن الله يسلط العذاب على من يقتل أو من يستحل هذا البيت، فأين الطير الأبابيل وأين الحجارة من سجيل؟
وجاء أشقاهم وجعل يضرب الحجر الأسود، ويقول: أين الطير الأبابيل، أين الحجارة من سجيل؟
ثم أخذوا الحجر واقتلعوه وذهبوا به إلى البحرين التي هي اليوم تسمى الأحساء وبقي هنالك (22 سنة).(1/9)
هذا ما حصل منهم، وحصل منهم أيضاً إباحة الأموال والدماء والفروج فيما بينهم، وكذلك استباحوا حرمات الأمة، وانقطع الحج سنين عديدة، فكان ركب الحجاج يخرج من بغداد ومعه قوة تحميه، فيأتوا فيقطعون عليه الطريق ويقتلون القوة ويستبيحون أولئك الحجاج، ويمنعونهم من الذهاب إلى مكة ، وحصل ذلك في سنوات عديدة، كما هو مفصل في التاريخ.
وقد قامت هذه الطائفة بهذا العمل الحاقد انتقاماً لبيت النار المجوسية ، وثأراً وتشفياً في بيت الله الحرام، الذي هو رمز لدين الحنيفية الذي جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان الأمر هو تحقيقاً لما قاله عبد الله بن مقفع من قبل، وهو من أحد المؤسسين للفكر الباطني المجوسي، حينما مر عبد الله بن مقفع على بيت من بيوت النار، والنار مشتعلة فيه فتذكر دين آبائه وأجداده المجوس، فتمثل ببيتين للشاعر الأحوص يقول فيها:
يا بيت عاتكة الذي أتغزل حذر العدى وبه الفؤاد موكل
إني لأمنحك الصدود وإنني قسماً إليك مع الصدود لأميل
فيقول: أنا أمر من عند النار وأظهر بأني أصد عنها، ولكنني مع صدودي فإن قلبي معلق بها، وهؤلاء القوم هذا هو حالهم فجميع فرق الباطنية قلوبهم متعلقة بالمجوسية وباليهودية ، ويريدون أن يثأروا من هذا الدين -دين الإسلام الحنيفية السمحة- وبعد فترة خضعت أيضاً الحجاز والبلد الحرام للباطنية اليمنيين -الدولة الباطنية التي قامت في اليمن - ولكم أن تتعجبوا كيف تقوم في وقت واحد دولة باطنية في مصر وبلاد الشام ، ودولة باطنية في شرق العالم الإسلامي، ودولة باطنية في اليمن في نفس الفترة، هذا بلا شك يجب أن نقف عنده وقفةً مهمة، لنعلم أن الأمر ليس صدفة عابرة، ولكنه تخطيط ومؤامرة كبيرة تعاون فيها اليهود والنصارى والمجوس وأشباههم، ففي وقت واحد تقوم هذه الدول في كل مكان ويكون لها نفس الهدف.(1/10)
فما إن ذهب القرامطة إلا وخضعت مكة فترات من الزمن للصليحيين وهم من الباطنية اليمنيين، ثم قامت بعد ذلك دولة مشهورة للباطنيين وهي دولة الحشاشي ن في قلعة الموت المشهورة في بلاد فارس ، ونشأت من هذه الدولة فرقة خبيثة وهي من بقايا العبيديين، ولما قضى صلاح الدين الأيوبي رحمه الله على العبيديين وعلى دولتهم المسماة بالدولة الفاطمية ، فقامت لهم بقية في بلاد إيران وسموا بالحشاشين ، وفرقة منهم تسمى الكداوية أو الفدائيين.
وهؤلاء الحشاشون سموا بذلك لأنهم كانوا يستخدمون الحشيش، والمعروف في تاريخ الحشيش أن أول من استخدم وعرف الحشيش هم: الصوفية الهند ، فلهذا سميت شجرة الحشيش حشيشة الفقراء، ثم اختصرت وسميت الحشيشة، لأنهم كانوا يعيشون في الغابات ولا يعيشون مع الناس، ويقولون: نتعبد ونسيح في الأرض ونصوم، فما كانوا يأكلون إلا من هذه الشجرة، فكانوا إذا أكلوا منها تعطيهم الخيالات البعيدة والأحلام التي تنسيهم ذلك الواقع المؤلم، ولذلك سميت حشيشة الفقراء.
وكما تعلمون أن كلمة فقير تطلق على الفقراء أوالمتفقرة وهي من الأعلام التي تطلق على الصوفية .
وتعلَّم الباطنية من الصوفية هذا الشيء وعرفوا هذه المادة -الحشيش- واستخدموها وكانوا يأتون بالرجل من العوام أو ما أشبه ذلك -لا سيما إذا كان لهم تأثير في العامة- فيخدرونهم بهذه المادة وما أشبهها، ثم يدخلون به إلى بستان ضخم طويل عريض، وفيه الجواري والغناء وفيه المياه، وكل ما يتخيله الإنسان ويحبه، ويقولون له: هذه الجنة، ويجد الإمام فيها، فيقولون: هذا الإمام المستور وهذه هي الجنة، ويدخلونه وهو مبنج فيفيق فيجد هذه المناظر المهيبة الغريبة، ثم بعد ذلك يخرج إلى الخارج ويفيق فيقولون له: ماذا رأيت؟(1/11)
فيقول: رأيت الإمام، ورأيت الجنة ورأيت الحور العين، فيقولون: أدخل في طاعة هذا الإمام وبايع هذا الإمام أنت ومن معك، وبهذه الطريقة وأمثالها من الحيل الكاذبة استطاعوا أن يجمعوا أعداداً كبيرة من الغوغاء ومن العوام، والفرقة المعروفة منهم بالفدائيين كانت سيفاً رهيباً مسلطاً على المسلمين، فكم قتلوا من علماء، وكم اغتالوا من أمراء ومن قادة، حتى أن بطل الإسلام في ذلك الزمن وهو صلاح الدين الأيوبي تعرض لأكثر من مرة لاغتيال أولئك الفدائيين، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحميه، وغيره قد وقع وقد سقط ضحية لهؤلاء المجرمين.
هذا هو الجانب العملي أو الجانب الواقعي لهذه الدول.
أما في الجانب الفكري فإننا نجد أن هؤلاء الناس يرتكزون في دينهم وعقيدتهم على نفس الأسس التي أصلها وأنشأها وبذرها عبد الله بن سبأ اليهودي لكنهم طوروها وأضافوا إليها ما اقتبسوه من الفلسفة اليونانية فجاءوا بدين جديد وجعلوا مادة هذا الدين وكتابه أو قرآنه -إن صح التعبير- عندهم خمسين رسالة كتبها فلاسفتهم تسمى رسائل إخوان الصفا ، فكتبوا هذه الرسائل وجعلوها كالدستور أو كالكتاب المقدس لهذا الدين الضال المنحرف، وظهر عندهم مجموعة من الكتاب والمفكرين والشعراء، وكانوا على المستوى الفكري يبثون عقيدتهم بكل وضوح بعد أن كانوا يتخفون بها.
فمن ذلك مثلاً: أن أحد الشعراء من باطنية اليمن في ذلك الزمن قال القصيدة المشهورة التي يتحدث فيها عن عقيدة الباطنية التي أذكر لكم بعض أبياتها يقول:
خذي الدف يا هذه واضربي وغني هزاريك ثم اطربي
تولى نبي بني هاشم وجاء نبي بني يعرب
تولى نبي بني هاشم أي: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وجاء نبي بني يعرب أي: إمام الباطنية الموجودين في عهده.
فيقول:
لقد حط عنك فروض الصلاة وحط الصيام فلا تتعبي
أي: من أساس دينه أنه حط الصلاة وحط الصيام.
ثم قال:
أباح البنات مع الأمهات وزاد كذاك نكاح الصبي(1/12)
أي: أحلو الزنا واللواط والعياذ بالله.
وهذه يقولها في مقام الفخر بهذه العقيدة التي جاءتهم، والتي يريدون أن يجعلوها بدل دين الإسلام، ولهذا يقول:
لكل نبي مضى شرعة وهذي شريعة هذا النبي
فهذه هي شريعتهم وهذا هو دينهم.
ثم يقول لها على عادة العرب حيث يخاطبون المرأة في الشعر:
فلا تمنعي نفسك المعرسين من الأقربين ومن أجنبي
أي: لا تمنعي نفسك أحد لا قريب ولا بعيد.
ثم ذكر بعد ذلك:
أليس الغراس لمن ربه وأسقاه في الزمن المجدب
أي: أليست البنت الأولى بها أن يتزوجها -والعياذ بالله- أبوها لأنه هو الذي سقاها.
فيبرر دين المجوس الذين يبيحون نكاح الأمهات والبنات، ويدعو بهذه الدعوى العلانية الصريحة إلى أن يكون هذا هو الدين الذي يحل محل دين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، محل دين نبي بني هاشم ومحل شريعة الإسلام.
فأظهروا ذلك لأن الوقت لم يعد يحتمل الاختفاء، فدولهم تحكم العالم شرقاً وغرباً، فأظهروا ذلك الحقد، لكن في مرحلة قوة الإسلام يخفون دينهم ويظهرون التقية، ويقولون: لماذا لا يتوحد المسلمون؟
فإمام الإسماعيلية المعاصرين الآغاخانية قرأت له مقابلة قبل أشهر في مجلة المستقبل لأنهم لا يزالوا إلى اليوم، وهو مقيم في باريس وهو ثري جداً، لأن هؤلاء الأئمة يوزنون بالذهب ويعطى وزنه ذهباً، ولذلك فإنه من أثرى أثرياء العالم.
يقول: إن للعالم الإسلامي أن يتوحد، وإن للأمة الإسلامية أن تنسى الخلافات، وأنا مستعد أن أقوم بوساطة لكي تتوحد الأمة الإسلامية، وأقوم بوساطة لإيقاف الحرب العراقية الإيرانية، فهذا هو ديدنهم في فترة التقية يظهرون ذلك، فإذا ظهروا فإنهم يعلنون كما يشاءون، وهذا الرجل أمه إنجليزية وزوجته إنجليزية ويعيش في باريس ، ولو سمح المقام لحدثناكم عن الصلة بين الإنجليز والفرنسيين واليهود وبين هذه الفرق في العصر الحديث، لأن الموضوع استمر ولم يتغير، والمؤامرة على هذا الدين لا تزال.(1/13)
فالمقصود أنهم أظهروا هذه العقائد بالنسبة لمصر والشام والمغرب حيث الدولة العبيدية التي تسمى الفاطمية علانية، فمن عقائدهم: أن الحاكم الذي يُسمي نفسه الحاكم بأمر الله أنه هو الإله، وكانوا يقولون: أَمَرَ الحاكم تبارك وتعالى، ولا إله إلا هو، وجل اسمه وتقدس -والعياذ بالله- فكل صفات الله عزوجل يقولونها لهذا الفاجر الذي يسمونه الحاكم، وكانوا يصرحون بذلك، وجاء شاعرهم ابن هانئ الأندلسي وهو من الشعراء المشهورين، وألقى قصيدة طويلة في مدح أحد هؤلاء يقول في أولها:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
-والعياذ بالله- قال هذه القصيدة والناس يسمعون في حفل عظيم، وذلك الملك مزهو بذلك، كانوا يعتقدون أنه الإله وأن الألوهية حلت فيهم.
من عقائد الدروز
وما يزال الدروز إلى يومنا هذا يعتقدون أن الإله وأن رب العالمين هو الحاكم -والعياذ بالله- فيقولون في دينهم: أشهد أن إلهنا ومولانا الحاكم هو رب العالمين -والعياذ بالله- وقد قتل زعيمهم شر قتلة ومات شر ميتة، ولكن ما يزالون على هذه العقيدة.(1/14)
والدروز هؤلاء يعتقدون بالإضافة إلى ألوهية الحاكم -لأن الباطنية فرق ومنها: الدروز المعاصرين- أنه سيأتي ويظهر في آخر الزمان الإله المنتظر، ومعلوم أنهم أخذوا فكرة العودة من الشيعة وإمامهم الذي في السرداب، وأنه سوف يحكم العالم كما تقول الرافضة ، وهؤلاء يقولون: الحاكم سيعود ليحكم العالم -نفس القضية والهدف واحد- وقالوا: لو عاد في آخر الزمان فإنه سيقتل جميع المسلمين، وسيهدم الكعبة حجراً حجراً، ولا يقبل الجزية من المسلمين أبداً، وإنما إن قبلها فإنه يأخذها من اليهود والنصارى، على عكس ما نعلم نحن في دين الإسلام من أن عيسى عليه السلام كما أخبر الصادق المصدوق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي سيأتي فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية وينسخ جميع الأديان إلا دين الإسلام، فهؤلاء بالعكس تماماً ويصرون أنهم سيعودون وسوف ينقضون الكعبة حجراً حجرا، وإن شئتم أن أسمي لكم زعيمهم فهو رجل مشهور كتبه موجودة وهو معروف للجميع وهو كمال جنبلاط الزعيم اللبناني الذي هلك منذ حوالي عشر سنوات تقريباً، فهذا هو زعيم الدروز ، وهو يذكر في مؤلفاته أن هذه عقيدة الدروز ، وأنه سوف يكون لهم هذا الوعد، الذي هو عودة الحاكم، بالإضافة إلى عقائد أخرى لعل الحديث يأتي عنها لأنها مما يجمعها مع بقية الباطنية .
عقيدة الباطن
ومن أعظم أصول هذه العقائد التي أظهرته في القرن الخامس وما بعده هو القول بالباطن، وهذا من أعظم الأسباب أو هو السبب الذي سموا من أجله الباطنية ، فهو أقرب وأصح الأسباب في تسميتهم الباطنية ، وهو أنهم يقولون بالباطن، فما هو هذا الباطن؟(1/15)
قالوا: إن الدين له ظاهر وباطن، فظاهر الدين ما يعلمه الناس من القرآن والسنة التي يقرأها أي إنسان على ظاهرها، وهذه شريعة الدين الظاهرة التي جاء بها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن هناك الوصي -على خلاف بينهم في هذه القضية، لكن المقصود أن هناك إماماً مستوراً أو إماماً وصياً هو علي ، ثم بعضهم يقول: لا، إنه يبتدأ رأساً منإسماعيل بن جعفر الصادق كما تقدم- وهذا الإمام المستور يأتي فينسخ الشريعة الظاهرة ويحل محلها الشريعة الباطنة، ولهذا لا يبقى من الشريعة الظاهرة إلا الرسوم، وأما الحقيقة فإنه لا يعلمها إلا الإمام المستور، ومن ذلك -مثلاً- الصلوات الخمس، فهذه العقيدة عند أهل الظاهر وهي الدين الظاهر وهو كما يفعله المسلمون حيث يصلون الصلوات الخمس يومياً، يقولون: لما ظهر إسماعيل بن جعفر نسخ هذه الشريعة وجاء بشريعة الباطن، فهذه الصلوات الخمس هي عبارة عن أسماء خمسة -مثلاً- عند النصيرية الذين يسمون العلوية الصلوات الخمس أن يحفظ الإنسان أسماء الآلهة الخمسة الذين يألهونهم من دون الله، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين ومحسن فهذه هي الصلوات الخمس، والصيام ليس الصيام المعروف الآن وهو صيام شهر رمضان فهذا عند أهل الظاهر، لكنهم يقولون: لا، الصيام في الحقيقة وفي الباطن ذكر ثلاثين شخصاً، أو الإمساك عن أسرار الأئمة وعدم إفشاءها، فمن يفشي أي شيء من أشياء هذه الفرقة والأئمة فإنه يتعرض للموت، ويتعرض للقتل إلى غير ذلك مما أولوه تأويلاً يخرجون به من الملة، وهم بلا شك خارجون من الملة لأنهم قالوا: لا بعث، ولا حساب بعد الموت، ولا جنة، ولا نار، والأمر كله مسألة -حسب التعبير الفلسفي عندهم- روحانية ومسألة خيالية ذاتية.(1/16)
فالنبوة أنكروها وقالوا: لا نبوة ولا وحي وإنما هو فيض يفيض من العقل، إلا أنَّ هذا الرجل لديه استعداد وملكة في قبول هذا الفيض من العقل الكلي، فأنكروا وجود الله، وأنكروا صفات الله، وقالوا: لا يوصف بشيء حتى أنهم قالوا: لا نقول موجود ولا غير موجود ولا نصفه بشيءٍ مطلقاً، وإنما الإله الحقيقي عندهم هو العقل الذي يتكون في الواقع من العقول العشرة، وكل عقل خلق الثاني إلى العقل الأخير الذي خلق العالم أو أفاض على العالم كما يزعمون، وهذا هو الفيض الأفلاطوني المعروف عن اليونان .
فهذا موجز سريع لبعض العقائد الفلسفية الغامضة التي يربون أصحابهم عليها، والتي نتج عنها وتقوى بها دين الصوفية ، فابن سبعين وابن الفارض وأمثالهما كانوا يرون أن النبوة مكتسبة بناءً على هذا الأصل، فيقولون: إن الإنسان إذا كان لديه استعداد نفسي يمكن أن يصبح نبياً.
وعقيدة الباطن التي وجدت عند الصوفية وعند الروافض وغلاة الشيعة عموماً ووجدت في الباطنية ، تفسر القرآن والسنة كما تشاء، وهي أصلاً لا تؤمن بهما ولا تعترف بهما، فكل ما جاء في كتاب الله عزوجل يقومون بتأويله، فالصلوات الخمس -مثلاً- والصوم، والجهاد، والبعث، والجنة، والنار، كل ذلك يؤولونه، ويقولون: نحن نؤول هذا، والتأويل: هو العلم الباطن، ومن أين أخذتم هذا العلم الباطن ؟
من فرقتين ينتهي أمرهما إلى الباطنية :
الأولى: الشيعة .
الثانية: الصوفية .
أما الشيعة ، فقالوا: العلم الحقيقي والذي نعرف به بواطن الأمور وحقائقها موجود في كتابين:
الأول: يسمونه الجفر .
الثاني: يسمونه الجامعة .(1/17)
ويقولون: إن إمام الزمان الذي يدعونه دائماً في الحج والعمرة وفي كل وقت، ولذلك فإن في أي كتاب من كتيباتهم في الحج -وهي بالآلاف- أي كتاب منها مذكور فيها أدعية لصاحب الزمان، أو لقائم الزمان عجَّل الله فرجه وسهل مخرجه! كما يقولون ويدعون ويتضرعون أن يخرج قريباً حتى يحكم العالم ويظهر دينهم كذا زعموا!!
فيقولون: هذا صاحب الزمان وهو الإمام الثاني عشر الذي دخل في السرداب كما قال الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله: إنه ذهب إلى تلك المنطقة ووجد ما يسمونه بالسرداب وهو ثقب لا يستطيع الفأر أن يدخل فيه، أي: أنه غار صغير في الجبل، قالوا: في هذا المكان دخل الإمام الغائب، وسوف يخرج من هذا السرداب في آخر الزمان، ثم ماذا يفعل إذا خرج؟!
قالوا: سوف يبعث جميع الحكام الظالمين وأولهم: أبو بكر ، ثم عمر ، ثم جميع حكام المسلمين فيقتلهم جميعاً انتقاماً لعلي ولآل البيت، ويقولون: إنه دخل بالعلم الباطن الحقيقي فمعه الجفر والجامعة والذي فيهما كل ما كان وما سيكون، من الأخبار، والأحوال، ومن العلوم، وحقائق الدين.
ولهذا بهذه المناسبة إذا قرأتم لأي رافضي بعد أن ثارت قضية قولهم بتحريف القرآن، يقولون: لا. نحن لا نقول هذا أبداً، تعالوا وزوروا بلادنا ليس عندنا إلا هذا القرآن، وليس عندنا شيء غيره، فهم يستخدمون التقية، فيجب أن نكون منتبهين لهذا.
فما هي التقية؟
في هذه المسألة يقولون: إن أبا عبد الله عليه السلام -ويعنون به إذا قالوا في كتبهم: قال أبو عبد الله عليه السلام فالمقصود به جعفر الصادق - وأيضاًَ ينسبون هذه المقولة إلى علي رضي الله عنه، وهو برئ من ذلك، قال لهم: '' اعملوا بهذا القرآن الذي جمعه عثمان ، والمتخلفون من بعده -أي: أبو بكر وعمر وعثمان - اعملوا بهذا القرآن، واقرءوه إلى أن يظهر القائم من ولدي -القائم أو صاحب الزمان من ولدي- فيظهر لكم بالقرآن الحقيقي ''.(1/18)
فالآن هم يقولون هذا الكلام أمامنا، ويقولون: إنهم صادقون وليس عندهم إلا هذا القرآن ولا يوجد كتاب آخر، وهم يقصدون بذلك أن القرآن الحقيقي موجود في السرداب، ومع ذلك فقد كتبوا من مصحفهم هذا بعض السور، كما قال أحدهم وهو الطبرسي قال: نستطيع أن نعرف بعض السور فليس لازماً أن القرآن الحقيقي كله موجود في السرداب، فإنه من الممكن أن نكتشف مثل سورة الولاية وسورة كذا، وأخذوا يأتون بسور يكتبونها بأيديهم فجة سقيمة ركيكة، ويقولون: هذا من القرآن الناقص الذي أنقصه عثمان وعمر وأبو بكر رضي الله تعالى عنهم أجمعين وقبح أولئك المجرمين، فالمقصود أن العلم الباطن -كما يزعمون- موجود عند الإمام في السرداب.
والباطنية رأوا أن المسألة إذا بقيت معلقة في السرداب فسوف تكذبها العقول ولا تصدقها، فحولوا موضوع السرداب إلى شيء آخر، فقالوا: لا، القضية ليست قضية السرداب، بل القضية أن فترة ظهور الشريعة انتهت، والآن انتقلنا إلى فترة غيبة الشريعة أو باطن الشريعة أو حقيقتها، فالإمام إلى الآن -مثلاً- الآغاخان هو من ذريته ولديه هذا العلم، كما يقولون: الإمام هو الذي يملك ويُعطي للناس العلم، فهذا العلم الحقيقي والعلم الباطن، فهو يُفسر ويبين للناس حقيقة دينهم، وهو موجود أو نوابه وأبوابه موجودين يبلغون الناس عن الإمام، فيبلغون للناس ماذا يريد الإمام وبماذا يتعبدونه.
علاقة الشيعة والصوفية بالباطنية
ومن هذا المنطلق يذكر العلماء -كابن الجوزي وهو من أكثر من فصَّل عن القرامطة - كيف تكونت الباطنية ، يقولون: كانت الباطنية أول ما نشأت تحول الناس من شيعي إلى باطني، والعملية في حقيقتها بسيطة جداً خصوصاً إذا دققنا النظر فيها، يأتون إلى الشيعي فيقولون له: ما تقول في أصحاب محمد: أبو بكر ، وعمر ، وعثمان والصحابة كلهم؟
فيقول: مرتدون كفار إلا علي والمقداد وسلمان وأبو ذر من أربعة إلى اثني عشر.(1/19)
وقد ظهر من كلام أبي الربيع الزهراني أن أول ما يدعون الإنسان إليه هو أن يكون شيعياً، وعندما يكون شيعياً قد دخل في التشيع، وعندئذٍ يريدون أن يرقوه ليكون باطنياً ليعتمدوا عليه أكثر، قالوا له: فما ظنك بأبي بكر وعمر قال: كذابون ومخرفون قالوا: هل تلعنهم؟
قال: ألعنهم، فيثقون به أكثر، فيقولون: ما رأيك في علي ؟
قال: مولانا وإمامنا. فيضحكون منه، كيف مولاك؟
قال: نعم، قالوا: ما رأيك في العلم الباطن وفي علم الغيب؟
قال: يعلم كل شيء وعنده العلم الباطن فيقولون له: إن كان يعلم هذا العلم كله لماذا لم يخبر عنه بكلمة واحدة؟
لماذا لم يخبر أحداً من الأتباع؟
ثم يقولون له: وما رأيك في شجاعة علي ؟
فيقول: أشجع الناس، وأعظم الناس، كما تقول الشيعة ، فيقولون: أين الشجاعة منه؟ فهذا أبو بكر يأخذ الخلافة منه وهو ساكت، وعمر يأخذ الخلافة وهو يسكت، وعثمان يأخذها وهو ساكت، ويزوج ابنته أم كلثوم لعمر وهو ساكت، أين الشجاعة؟
فيقول: إذاً فما الحق؟
فيقولون: نقول لك ما هو الحق: علي وسلمان والمقداد وأبو ذر كلهم كفار -ما بقي إلا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا: والأنبياء كلهم يأتون بعجائب، وغرائب لكي يضحكوا بها على الناس، ويقولون: هذه معجزات وبينات، فبهذه الطريقة يخرجونه نهائياً من الإسلام.
فيقول: إذاً ما الحق؟
قالوا: الحق فيما وضعه العلماء والحكماء والفلاسفة فيلقنونهم عقيدتهم التي -كما قلنا- تقول عن الله: لا نقول هو موجود ولا غير موجود، ولا يؤمنون بجنة ولا نار، ولا كذا ولا كذا، فيخرجونه بذلك عن حقيقة الدين، وهؤلاء الذين هم في النهاية يرقون ضمن درجات معينة ويبايعون، وهم الذين ينشرون هذا الدين، الذين تشبعوا بهذه الفكرة تماماً.
فبهذا نعرف العلاقة، لماذا كان الرافضة من أسهل الأبواب إلى الوصول إلى الباطنية ؟(1/20)
لأنه إذا صدق كلامهم في الصحابة وصدق أن القرآن محرف، وأنه غير موجود إلا في السرداب، وقالوا: لا، ليس في السرداب، بل القرآن مع الإمام المعصوم، أما الذي في السرداب فخرافة، فإذا اقتنع أن السرداب خرافة -وهو خرافة ولا بد أن يقتنع- ألزموه بالإلحاد، فإذا اقتنع بسب الصحابة كلهم ولم يبق إلا الأربعة قالوا: سب الأربعة وكفرهم كلهم، وتعال وادخل في ديننا.
فمن هذا الباب دخلوا للصوفية أيضاً فيأتون إليه، ويقولون: أنت لماذا تذكر الله، لماذا تتعبد؟
فيقول: من أجل الفناء والاتحاد بالله، فأفنى في ذات الله، فيقولون له: فكيف تفنى في ذات الله وأنت لا تزال مثل هؤلاء العوام؟
تصلي نفس الصلاة، وتصوم نفس الصوم، ولا تترقى ولا تصل إلى درجة اليقين، وهم يعرفون أن غلاة الصوفية يوقنون بأن الإنسان يصل إلى مرحلة اليقين، ويفسرون قوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] أي: اعبد ربك حتى تستيقن، فإذا استيقنت فلا تعبد الله -والعياذ بالله- مع أن اليقين هو الموت كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح في وفاة عثمان بن مظعون : {أما عثمان فقد أتاه اليقين من ربه } فالمقصود أنهم يقولون له: جاءك اليقين، فإذا جاءك اليقين فلا صلاة ولا صيام ولا شيء، فيترك الصلاة والصيام، فيأتون إليه، ويقولون له: وهل صدقت أنك تحب الإله؟
وأنك قد وصلت إلى درجة اليقين؟
هؤلاء كذابون دجالون، كل أصحاب الطريقة كذابون دجالون يريدون البنات والصبيان، فيشككونه في دينه، وهو -فعلاً- يقبل الشك، فالعقيدة الصوفية بالفعل قابلة للشك، والطعن عند أي عاقل من العقلاء.
فإذا ما وصلوا إلى هذه المرحلة، قال: وما الدين الحق إذن؟(1/21)
بعد أن يشككوه كثيراً ويبدأ يفكر، قالوا: الدين الحق عندنا، واليقين والعلم لدينا، ثم يأخذونه، ونجد كما أن الشيعة تقول: بأن العلم اللدني عند الإمام في السرداب وفي الجفر والجامعة أو أنهم يتلقونه عن الإمام المعصوم، فإن الصوفية تقول: إننا نتلقى عن الخضر، وجميع الصوفية إذا قرأتم في حياتهم يقولون: قابلني الخضر ورأيت الخضر وقال لي وكلمني.
فإذن هذا مدخلهم ليتحول الإنسان من كونه صوفياً إلى أن يصبح باطنياً، يأتون إليه ويشككونه: أنت تصدق وتؤمن بالخضر، وأن هناك رجلاً من أيام موسى حي وإلى اليوم فيشككونه وهو شك صحيح، كيف يمكن هذا الكلام؟
قال: المشايخ يقولون هذا، فيقولون: المشايخ كلهم دجالون وكلهم كذابون -وهذا صحيح- فيبدأ يشك.
فيقول: إذاً كيف نعرف الدين الصحيح وكيف نعرف الحقيقة؟
وهو يعلم أن الحقيقة عند أئمة الصوفية حيث أنهم يأخذون عن الخضر وعن رؤية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مباشرة يقظة أو في المنام، فهم بيدءون يتحدثون معه عن شيء هو مسلم بمقدمته، وهو الاقتناع أن الشريعة لا تصلح لأنها ظاهرة فقط، فيقولون له: الخضر خرافة ودجل لا يمكن أن يصدق، فيشككونه حتى يشك في الخضر، فإذا شك قال: إذاً أين العقيدة الصحيحة؟
قالوا: العقيدة الصحيحة التي يؤيدها العقل والبراهين العقلية، هي في كتبنا كتاب رسائل إخوان الصفا وكتاب دعائم الإسلام للقاضي النعمان وهو من قضاتهم، وفي كتاب كذا وفي كتاب كذا، فيخرجونهم من التصوف إلى الباطنية بسهولة.
وكذلك يأتون إلى العوام والسذج ويدعونهم للخروج من الإسلام إلى الباطنية عن طريق الشهوات، فيعدونهم بالشهوات وبإباحة النساء وبإباحة كل شيء كما سمعنا في قصائدهم، فيدخل ويتطوع ويتجند معهم أعداد من الغوغاء لا هدف ولا هم لهم إلا هذه الشهوات وهذه الملذات التي يقضونها في المعسكرات مع نساء أولئك الخبثاء من المتعة وغير المتعة.(1/22)
وكما تعلمون أن أكثر الناس والفساق من الأحداث والصغار ومن الشباب إذا وجدوا أبواب الشهوات مفتوحة فإنهم يلجونها ويدخلون، وأولئك يبذلون لهم أعراضهم عن طريق المتعة وغيرها، وفي النهاية يقولون لهم: الأمر ليس هو أمر متعة، الأمر أن الفروج مباحة، والأموال مباحة، وكل شيء مباح، فيدخلونه في دين مزدك دين المزدكية ، دينهم القديم، دين المجوس القديم باسم الباطنية وهكذا أدخلوا الناس دينهم.
فرقة الآغاخانية
وبالنسبة للباطنية في العصر الحديث فقد استمرت سلسلة الباطنية وأئمتها وانقسمت إلى فرقتين: فرقة تسمى البهرة والآغاخانية وهؤلاء موجودون في الهند في منطقة من مناطق اليمن تُسمى جبل حراز وما حوله، وأيضاً في جنوب الجزيرة العربية في بعض القبائل، وهؤلاء يسمون بالإسماعيلية أو الآغاخانية ، على أساس أن الآغاخانية هذه أو البهرة هؤلاء مختلفون هم وبقية الإسماعيلية فيمن هو الإمام؟
فطائفة تقول: إن الإمام هو نزار وتسمى النزارية ، وطائفة تقول الإمام: هو المستعلي وتسمى المستعلية ، وهذا الآغاخان الذي حدثتكم عنه زعيمهم الذي في باريس ، وزعيمهم هذا من تلك الطائفة، وهو لا يزال موجوداًَ إلى اليوم، وطائفته لها وجود كبير في كينيا كما يوجدون في الهند وبعض الدول الأفريقية، وأيضاً أخذوا ينشرون بدعهم وعقائدهم في الدول الأوروبية والأمريكية.
و ظهرت أيضاً فرق باطنية حديثة منها البهائية وأصل البهائية من تأثير رجل يُسمى أحمد الأحسائي حيث أنه أولاً أسس فرقة تُسمى الشيخية ؛ لأن الرافضة كانوا يسمونه الشيخ أحمد فأسس فرقة اسمها الشيخية ، ومن الشيخية وجدت البهائية والبابية ، وهي منتشرة في كثير من بلاد العالم، وتقرءون عنها في هذه الأيام كثيراً، ومقرها في عكا في أرض فلسطين المحتلة، فتحت رعاية اليهود ينتشرون ويعيشون.(1/23)
ومن الطوائف -أيضاً- التي لا تزال موجودة وهي معروفة لكم جميعاً طائفة الدروز ، والدروز يتفقون مع الباطنية في الباطن وفي التأويل، ويزيدون عنهم القول بالتناسخ وهو في العقيدة البوذية القديمة، وهو القول بأن الأرواح تتناسخ، وإنكار البعث، وينفردون عنهم بالقول بأن الحاكم بأمر الله الخليفة -كما يُسمى- العبيدي هو إلههم، وهذا مما يميزهم، ولهم كتبهم الخاصة بهم ودينهم ومعابدهم الخاصة بهم.
وأيضاً من الفرق الباطنية المعروفة: الفرقة المسماة: بالعلوية ، وهي في الحقيقة اسمها الحقيقي النصيرية ، وإنما سمتهم الدولة العثمانية العلي إلاهية ، حيث كانوا يسمونهم العلي إلاهية أي الذين يقولون: إن علياً ً إلههم، ثم حرفت إلى العلوية وهم طائفة كبيرة ومشهورة ومعروفة في بلاد الشام وأيضاً يوجدون في تركيا فهذه هي لمحة عن واقع الفرق الباطنية اليوم، وهم -كما أسلفت- يقولون: إننا في دور خمول الآن -هم بدور تقية- لأن الأمر لا يستطيعون أن يظهروه ولا أن يكشفوه.
علاقة الصوفية والرافضة بالباطنية المعاصرة(1/24)
وأما علاقتهم بالصوفية وعلاقتهم بالرافضة فلا أظن أنها تخفى عليكم من خلال ما سبق، فالهدف واحد وهو تدمير الإسلام وهدمه وتحطيمه، والمستقى واحد وهو المصادر الخرافية والمصادر المجهولة، إما إمام في السرداب وإما إمام مستور وإما الخضر، فالأهداف كلها تجتمع في مصادر خرافية مجهولة موهومة تريد أن تفسد على المسلمين عقيدتهم ويتوقون بذلك؛ لأنه لو تجرأ أحد، وقال: هذا القرآن باطل لقتله أي مسلم حتى ولو كان غير ملتزم بدينه، لكن لو قال: إن هذا القرآن له تفسير باطني، وله معانٍ غيبية وله كذا وكذا، أو إذا جاء وقال: نحن نحب آل البيت، ونعظم بيت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنهم يدخلون من هذا الباب كنوع من أنواع التقية، وصلتهم بالمستعمرين وباليهود والنصارى وبالفرنسيين والإنجليز واضحة مثل الشمس في رابعة النهار، فالدعاة الإسماعيليون وأئمة الإسماعيلية في الهند والقاديانية أيضاً وهم من الفرقة التي تنحى هذا المنحى، كانوا يعلنون في كتبهم ولا تزال مكتوبة أنهم مع الحكومة الإنجليزية، وأنه لا يجوز لأي إنسان أن يخرج على الحكومة الإنجليزية في الهند ، وأن يثور عليها، في البلاد العربية وهم قد انقسموا إلى فرقتين: الدروز وهم على مدى تاريخهم مواليين للإنجليز.
والنصيرية : وهم على مدى تاريخهم المعاصر مواليين إلى أن كونوا دولة وهم موالون للفرنسيين، أي أن هناك نوع من الضغط والتجاذب في العلاقات الدولية، فاقتسمت الدول العظمى آنذاك أو اتفقت على أن هذه تأخذ فرقة وهذه تأخذ فرقة، ولهذا فإن هذه الدول النصرانية واليهودية هي التي تدعم وجود هذه الفرقة على مستوى البحث العلمي، وانظروا إلى إنتاج المستشرقين .(1/25)
والمستشرقون لهم معاجم وكتب عن هذه الفرق، وهناك مؤتمرات عقدت عنهم، وأعظم ما يهتم به المستشرقون هو هذه الفرق، وهذا الاهتمام موجود، كدائرة المعارف التي تسمى دائرة المعارف الإسلامية التي هي في الحقيقة دائرة المعارف الاستشراقية ، انظروا إلى التركيز الشديد فيها على الباطنية والصوفية والروافض وعلى هذه الفرق الضالة، وكيف لا يتكلمون عن السنة وعن الحق إلا بمنتهى الكذب والطعن والإسفاف، فهؤلاء عملوا وجهدوا في نشر الكتب مع الباطنيين المعاصرين.
ومن الباطنيين المعاصرين الذين ينشرون الكتب مصطفى غالب وله عدة كتب عن أصحاب هؤلاء، وعارف تامر أيضاً له عدة كتب عن هؤلاء، وأيضاً عدة منهم من الذين هم باطنية أو إسماعيلية صرحاء، أما الرافضي منهم فحدث ولا حرج، تعلمونهم جميعاً ونهايتهم واحدة ومصيرهم واحد.
فعلى المستوى الفكري الآن يريدون أن يبينوا للناس أو يطرحوا للناس هذا الفكر وينشروه ويعمموه، فيخدعوا الشباب، هذا الشباب الغض الذي بدأ يعود إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبدأ يعود إلى الكتاب والسنة، ليقولوا له: المسلمون أمة واحدة، وهذا صحيح أن المسلمين أمة واحدة، لكن هؤلاء ليسوا من فرق المسلمين، يقولون: لا تفرقوا بيننا ودعونا نتعاون جميعاً لمحاربة إسرائيل ولمقاومة الاستعمار الغربي والشرقي لكذا وكذا، ولا تفرقوا فيما بيننا ولا تثيروا الخلافات، ولا تقولوا: هذا سني، وهذا شيعي، وهذا صوفي، وهذا بدعي وهذا كذا، لا تثيروه ودعونا هكذا، وإذا نحن سكتنا ومشت وانطلت علينا هذه الخدعة، فمعنى ذلك: أنهم سيدخلون إلى بلادنا وإلى عقول شبابنا، وسوف يضللون هذه الأمة، فلا تفيق إذا جاءتهم فترة انتهاء التقية وابتداء فترة ظهور إلا ونحن لا وجود لنا ولا كيان، وإذا بهم قد غزونا من كل ناحية، وقد ظهروا علينا من كل جانب.
ولهذا من أعظم ما يجب علينا -وهو ما نختتم به الحديث- أن نكون:(1/26)
أولاً: على إيمان قوي بالله عز وجل، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد توعدهم ووعدنا، فقال: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120] فلا نعصي الله عزوجل فيسلط الله تبارك وتعالى علينا بمعاصينا وبذنوبنا أولئك الفجار الأشرار من يهود أو نصارى أو مجوس وما أشبههم.
وأعظم شيء يجب أن نتحلى به هو أن نتمسك بديننا علماً، فلا تكفينا العواطف، بل نريد العلم، والعمل، والجهاد بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقضاء على كل فساد في العقائد أو في العبادات أو الأعمال التي تسربت إلى بلادنا وإلى أمتنا، لأن تحصين الجبهة الداخلية هذا هو الأساس.
وكما تعلمون أن الأعداء لا يغزون من الخارج إلا إذا ضعفنا من داخلنا، فإذا ضعفت الأمة من داخل قلوبها غزاها أعداؤها من خارجها، وهم لم يدخلوا من الناس في الباطنية إلا من كان مريضاً بالتشيع أو مريضاً بالتصوف أو ما أشبه ذلك من الضلالات، فيجب علينا أن نحمي شبابنا من هذه الضلالات هذا هو الشق الأول باختصار شديد.
ثانياً: يجب أن نكون على وعي، وبصيرة، وعلى إدراك ومعرفة بما يخطط لنا هؤلاء الأعداء، فنحن -في الحقيقة- مثل من هو مخدر أو نائم فإذا ضرب أفاق ويضل مستفيقاً ما دامت الضربة حامية، فإذا برد أثَّر الضرب عاد إلى النوم، هذا مع الأسف هو حال وواقع هذه الأمة، بينما يجب علينا أن نكون متيقظين أشد اليقظة في كل وقت، فإن الإسلام مستهدف ولم يستهدف في زمن ما مثل ما هو مستهدف في هذا الزمن.(1/27)
فيجب علينا أن نتعلم من الأحداث حولنا مما يدور ومما يجري، وأن نعرف حقيقة هؤلاء الأقوام والعقائد التي تحفزهم وتدفعهم، فليس الأمر وليست القضية قضايا وقتية، ولا قضايا زعامات مؤقتة محدودة أبداً، إنما الأمر أمر عقائد موروثة من قديم الزمان يريدون أن يعيدوها، والأمر أمر حقد موروث متداول على هذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما دامت ترتفع المآذن، ويقال فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فلن يرضيهم والله أبداً هذا الأمر.
أي زعيم مهما تغير ومهما جاء الذي بعده الكل متفقون على هذا، لأنها عقيدة ثابتة وليست مواقف سياسية متغيرة، فيجب أن يكون هذا معلوماً لدينا جميعاً وأن نكون واعين وأن نكون على مستوى المسئولية في هذا الأمر.
ونحن طلبة علم -ولله الحمد- نقرأ ونأخذ العلم النافع، ونأخذ الحقائق عن هذه الفرق وغيرها من مصادرها الصحيحة.
حقيقة الباطنية
السؤال: ما المصادر التي يستفاد منها في معرفة مداخل هذه الفرقة؟
الجواب: المصادر هي مثل منهاج السنة النبوية لشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية -رحمه الله- فهو كتاب عظيم جدير لكل طالب علم أن يكون عنده، وأرجو أن ينتشر -إن شاء الله- محققاً، لأنه قد تم تحقيقه على يد الدكتور محمد رشاد سالم -رحمه الله- فسوف يظهر إن شاء الله محققاً إن لم يكن قد ظهر، لكن على كل حال لم ينتشر، وجدير بكل واحد منكم أن يكون عنده هذا الكتاب، وهو فيه بحوث صعبة بلا شك لكن فيه أيضاً بحوث واضحة وسهلة، وهو مرجع لا بد منه في هذا الموضوع، وكذلك الكتب التي تعينكم على فهم حقيقة هؤلاء الناس من كتب الفرق الموثوقة.
نشأة الباطنية
السؤال: كيف نشأت الباطنية ؟(1/28)
الجواب: كثرت الأسئلة عن نشأة الباطنية ونوجز ذلك على أرجح الآراء بأن ما بذره عبد الله بن سبأ من القول بألوهية علي رضي الله تعالى عنه، وتلك الفكرة الخبيثة والتقية وما أشبه ذلك ظهرت على يد هذا اليهودي الآخر وهو ميمون القداح وابنه عبيد الله بن ميمون القداح ، الذين انتسبوا إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، وقالوا: بدأ دور جديد من أدوار الدين، فمن هنا تكون النشأة، وهي في الحقيقة مرتبطة باليهود والمجوس في آن واحد، فعبد الله بن سبأ في البداية وميمون القداح بعد ذلك، ثم البداية الفكرية الواضحة وهي كتابة رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا ، أما النشأة العملية فأول ما ظهرت عند ظهور القرامطة في سواد الكوفة في سنة (285هـ) تقريباً.
حقيقة الفرقة المكرمية
السؤال: سائل يسأل عن الفرقة المسماة المكرمية ؟
الجواب: الفرقة المكرمية هذه فرقة من الفرق الباطنية ، وأيضاً هي من الفرق الإسماعيلية ، وكان لها دولة قوية جداً في اليمن أواخر القرن العاشر، ويعود الفضل في القضاء عليها بعد الله عز وجل إلى دخول الدولة العثمانية إلى اليمن ، لأن الأئمة الزيدية عجزوا عن القضاء عليها حتى دخل العثمانيون اليمن فقضوا على دولتهم، وبقيت عقائدهم متفرقة في بعض القبائل والمناطق.
السؤال: كيف تقام الحجة على هذه الفرقة؟
الجواب: الحقيقة أن هؤلاء القوم -ولا نعني: الجهال والأتباع- ليسوا ممن يحتاج أن تقام الحجة عليهم، لأنهم يحرفون ويتعمدون ويريدون هدم الدين هدماً صريحاً واضحاً، ولكن مع ذلك مما يقيم الحجة عليهم، أن يؤلف ويكتب عن دينهم، وأن تفضح عقائدهم وتنشر بينهم، وأن تقرأ وتعلم وأن تطلع، ويناقشون على علم، وهذا مما نحتاجه نحن المسلمين ونحن شباب الدعوة إلى الله جميعاً.
موقع الباطنية من فرق الإسلام
السؤال: هل الباطنية من فرق الإسلام؟(1/29)
الجواب: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة } أما الباطنية فليست من فرق هذه الأمة، وكذلك غلاة الروافض، وغلاة الصوفية ، وكذلك غلاة نفاة الصفات: كالجهمية ،كلهم ليسوا من الفرق الاثنتين والسبعين، وقد أخرجهم أئمة الإسلام كعبد الله بن المبارك ووكيع وسفيان بن عيينه وأمثالهم، وقد ذكر ذلك الإمام البخاري في كتاب خلق أفعال العباد وذكره أيضاً عبد الله بن أحمد في كتاب السنة وغيرهما من الأئمة الثقات الأثبات، فقد نقلوا عن هؤلاء الأئمة أن هؤلاء الغلاة ليسوا من فرق الإسلام، ومثل هؤلاء فرق الغلاة الذين كانوا في عصرهم كغلاة القدرية ونفاة الصفات فهؤلاء ليسوا من الفرق الاثنتين والسبعين، وقياساً على هؤلاء وأشد منهم الباطنية ؛ لأنه ما من معتزلي ولا أشعري -فضلاً عن السني- إلا وهو يكفر الباطنية ويخرجهم من الملة، ولم تجمع الأمة الإسلامية وتجمع كتب التاريخ والفرق على تكفير أية فرقة كإجماعها على تكفير الباطنية ، حتى أن بعض كتب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية تكفرهم، لأنهم كما عرضنا يبدءون بعرض العقيدة الشيعية ثم في الأخير يطعنون في علي وفي الأربعة الذين معه، بمثل ما طعنوا في أبي بكر وعمر ، فيكون الأمر وينتهي الحال إلى تكفير علي أيضاً، وأنه كذَّاب ودجال، فمن هنا تكفرهم بعض كتب الشيعة الإمامية ، وإن كانوا وإياهم في الأصل والمشرب واحد، مثل ما يكفرون النصيرية ؛ لأن محمد بن نصير يدعي أنه هو الباب الذي يبلغ عن صاحب السرداب، بينما الآخرون يرون أنهم هم أولى بذلك، فاختلفوا في هذه القضية بعد اتفاقهم جميعاً على اختلاق فكرة الغائب في السرداب، فنتيجة لهذا الاختلاف يكفر بعضهم بعضاً.(1/30)
والصلاة خلفهم وعلى جنائزهم لا تجوز في حال من الأحوال، فلا يُصلى خلفهم ولا تشهد جنائزهم، ولا تؤكل ذبائحهم، ولا يجوز مناكحتهم، وشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله أفتى فيهم بالفتوى الصريحة وهي موجودة في مجموع الفتاوى وفي غيره، لما سُئل عنهم وعن دينهم، فأفتى فيهم بهذه الفتوى، وأنهم يعاملون معاملة المرتدين الذين هم أشد كفراً من اليهود والنصارى، فاليهود والنصارى تؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم وتقبل منهم الجزية، وهؤلاء لا يقبل منهم ذلك كله، وإنما الحل -كما ذكر رحمه الله وأثابه- قال: الحل أن يقتل كبارهم، وأن يؤخذ عبادهم وصلحاؤهم وعقلاؤهم أو ما يسمونهم فيقتلون بعد أن يدعوا إلى الإسلام، فمن تاب منهم فإنه يوضع تحت الرقابة الشديدة، هذا على قول وعلى مذهب من يرى أن الزنديق له توبة، وبعض العلماء كالإمام مالك والرواية الراجحة للإمام أحمد يرون أنه لا توبة للزنديق في الدنيا عندنا، وأما في الآخرة فالله يحاسبه على ما في قلبه، فعلى هذا يقتلون جميعاً، وأما صغارهم وصبيانهم فيؤخذون ويُفرقون بين المسلمين ويربون على السنة والجماعة فهذا هو ملخص لما أفتى به شَيْخ الإِسْلامِ وهو ملخص لحكم التعامل معهم.
من أنواع الشرك
السؤال: أخ يسأل من المغرب يقول: عندنا إمام يتبع الطريقة الصوفية ويحدث أن في الأرض أولياء يقضون حوائج الناس، ويقول لهم: من نذر أن يذبح لهم فليذبح لهم؟
الجواب: هذا الأخ يسأل عن قضية يسأل عنها الآلاف وهي وموجودة، وأتباع هؤلاء الناس بالملايين، يقولون: نقضي الحاجات، ونكشف الكربات، ونفرج الغمات، وإذا أردت شيئاً فاذبح لنا، فيذبح الإنسان لهم ويدعوهم، فماذا تريدون بالله بعد أن يدعو الإنسان غير الله، ويعتقد أن غير الله هو الذي يكشف الغم، ويشفي المرض، ويذهب الحزن، وأيضاً يذبح له.
ماذا تعتقدون وماذا بقي له من دين؟(1/31)
أليس هذا هو الشرك الأكبر، فهؤلاء هم أئمة الشرك والضلال، فلا يجوز لك أن تعتقد أن أحداً يقضي الحوائج ويدعى ويستغاث به إلا الله عز وجل.
والمخلوق إنما يقضي حاجتك فيما يستطيع عليه، ويكون ذلك مواجهة في حضوره وفيما يقدر عليه، لا بوسيلة غيبية، وأما دعاء غير الله عز وجل فإنه يخرج من الملة؛ لأن الدعاء عبادة، بل: {الدعاء هو العبادة } كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما جاء في كتاب الله عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، وأيضاً كما ذكر في أكثر من موضع أن المشركين يوم القيامة يكفرون بدعائهم، وقال تعالى عنهم: وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:6]، فالعبادة والدعاء تأتيان بمعنى واحد في القرآن، وكذلك الذبح لغير الله عز وجل هو نوع من أنواع الشرك الأكبر؛ لأنه صرف العبادة المحضة إلى غير الله عزوجل، فالذبح لغير الله بهذه النية، أي: بنية التقرب وقضاء الحاجات وكشف الكربات، هذا ارتكاب وفعل للشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عزوجل إلا بالعودة إلى الإيمان وشهادة أن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، والتوبة منه ومن جميع أنواعه.
نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يعافينا وإياكم من الشرك وأن ينصر الإسلام على المشركين إنه سميع مجيب.
الرد على فتوى جواز التعبد بمذهب الاثنى عشرية
السؤال: قرأت أن شيخ الأزهر شلتوت قال: أنه يجوز التعبد بمذهب الإثني عشرية ؟(1/32)
الجواب: أما الحكم فنحن أهل السنة والجماعة أمرنا الله تبارك وتعالى وأمر هذه الأمة جميعاً أن يكونوا قوامين لله شهداء بالقسط، وألا يجرمنهم شنئان قوم على ألاَّ يعدلوا، وأهل السنة والجماعة هم أولى الناس بالتمسك بأوامر الله عز وجل، ونحن لا نسوي في الحكم بين الباطنية الذين هم غلاة الروافض الذين سبق بيان عقيدتهم، وبين الإثنى عشرية ، وإن كانوا في الحقيقة مشتركين في كثير من الأصول.
والإثنى عشرية إذا دقق المدقق، وحقق المحقق، ورأى ما في كتبهم وما كتبه عنهم علماء الإسلام الثقات المعروفون فإنهم بلا شك من حيث العقيدة ومن حيث المبدأ الذي هم عليه خارجون عن الملة، وأما الباطنية فهم أشد منهم كفراً وأشد إغيالاً في الرفض، ولا غرابة، فالكفر بعضه أشد من بعض، كما قال الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا [التوبة:37]؛ فإن مشركي قريش والعرب كانوا على الشرك وعلى الكفر، لكن الزيادة في الكفر لأنهم شرعوا ما لم يأذن به الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالباطنية أشد، وما من باب تخرج منه الرافضة الإمامية الإثني عشرية من الملة إلا والباطنية أولى وأشد وأكثر خروجاً منهم.
أما بالنسبة لفتوى شلتوت وأمثاله: فقد صدرت هذه الدعوى وهي دعوى التقريب بين المذاهب في مصر ودعا إليها بعض العلماء وراجت عند بعضهم -مع الأسف- حتى أصبحوا يدرسون ما يسمى الفقه الجعفري في الأزهر، ونتيجة لذلك يقول شلتوت وغيره مثل هذا القول، والحقيقة أن الفقه والأحكام الفقهية لأية طائفة لا يمكن أن تنفصل عن عقيدتها.(1/33)
ومن الأمثلة على ذلك أن الروافض الإثنى عشرية هؤلاء يرون أن صلاتنا باطلة وأن صلاتنا غير صحيحة، بناءً على اعتقادهم فينا، لأنهم يقولون: من رضي وتولىَّ أعداء علي فهو كافر، وفي كتب كثيرة منها الكافي ومنها من لا يحضره الفقيه وأمثال ذلك تنص وتصرح بأن من يتولىَّ أعداء علي فهو كافر، أي من يتولى أبا بكر وعمر وعثمان الذين هم في نظرهم أعداء علي فهو كافر، فإذاً صلاتنا غير صحيحة، فكيف نقول: إن الأحكام الفقهية لا ارتباط لها بالعقيدة.
وقد تقولون: إن الروافض يُصلون خلفنا، نعم هذا مثل ما تقدم أنه يجب علينا أن نعرف دينهم لنعرف كيف يفكرون، وكيف يعملون، في هذه الكتب نفسها من كتب دينهم، يقولون: إذا صليت خلف الناصبة -أي: أهل السنة لأنهم يناصبون علياً العداوة- فصل خلفهم فإن لك سبعمائة حسنة، أي: إن صلاتك خلف الناصبة، مضاعفة سبعمائة مرة، لأنك تأخذ حسناتهم، فتصلي خلفهم من أجل أن تأخذ من حسناتهم وتحط آثامك عليهم وهذا منصوص عليه في كتبهم، فيصلون معنا بهذه النية، وقالوا: ورووا عن أبي عبد الله صاحبهم الذي هو جعفر يقولون: قال أبو عبدالله عليه السلام وغيره: لا تكبر إذا صليت معهم، أي: لا تكبر تكبيرة الإحرام؛ لأن مفتاح الصلاة هو التكبير، فادخل معهم بلا تكبير، وأيضاً هذا لون من ألوان التقية، فيدخل ولكن لا يكبر أيضاً، وقد نصوا في أكثر كتبهم الفقهية أنك إذا صليت خلف الناس أو العامة فإنك تنوي الانفراد، أي: هو في الحركات مع الجماعة لكن في نفسه ينوي الانفراد، ولهذا أحياناً تجدون المخالفة واضحة، فالإمام يصلي أربعاً وهو يصلي ركعتين ينفرد عنه، لأنه -أصلاً- منفرد بالنية عنه، إلى غير ذلك مما المقصود منه أن تعلموا أنه لا يمكن الفصل بين العقيدة وبين الأحكام التعبدية الفقهية، ونحن وهم مختلفون في الأصول والفروع، فكيف نقول: إنه يجوز التعبد بدينهم كما قال شلتوت !
معنى قول الباطنية بقدم الكون(1/34)
السؤال: قرأت في أحد الكتب التي تتكلم عن الباطنيين وعن معتقداتهم، أن من معتقداتهم الإيمان بقدم الكون فهلا فسرتم لنا معنى هذا المعتقد؟
الجواب: قدم الكون كما يُسمى أزلية العالم أو قدم العالم هذا يؤمنون به نتيجة لما قلنا من موافقتهم لبعض فلاسفة اليونان في ذلك حيث كانوا يرون قدم العالم، ومعنى قدم الكون أي: أنه ليس له إله ولم يخلق وإنما هو موجود هكذا.
فرق الشيعة ومنهم الزيدية
السؤال: أخبرني شيعي أن الشيعة تنقسم إلى عدة فرق، فهل توجد فرقة من هذه الفرق قريبة من أهل السنة والجماعة ؟
الجواب: نعم! الشيعة تفترق إلى أكثر من ثلاث وسبعين فرقة كما هو نصهم على ذلك في كتبهم هم، وهم فرق كثيرة وأقرب فرقة إلى أهل السنة والجماعة على الأقل في ما مضى هي الفرقة الزيدية ، والزيدية قربها من أهل السنة والجماعة نتيجة لماذا؟
لأن زيد بن علي بن الحسين بن علي الذي يدعون أنه إمامهم أو قائد حركتهم، كان يقول: إن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان صحيحة نقرها، ولكن الأولى والأفضل منهم هو علي ، أو على الأقل هذا ما ينسبونه إليه، فيقول: إنه تجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل أو الأفضل، فقالت له الخشبية الذين عبر عنهم الشيعة أنهم خشبية في ذلك الوقت: لا نتبعك حتى تتبرأ من أبي بكر وعمر وعثمان أو بالذات من أبي بكر وعمر ، فقال: كيف أتبرأ منهما وهما وزيرا جدي؟
قالوا: إذاً نتركك ونرفضك، فقال: رفضتموني رفضتموني. فقيل: إن أصل تسميتهم الرافضة هو هذه الكلمة.
والزيدية كانوا أقرب، لأن المسألة عندهم أنهم يترضون عن أبي بكر وعمر ذلك الوقت على الأقل ويرون صحة خلافتهما، لكن يفضلون عليهما علياً ، ويرون أفضلية خلافة علي هذا ما كان.
ومع الزمن أصبحت الزيدية معتزلة كما هو الحال بالنسبة للشيعة الإثنى عشرية حيث أصبحوا في العقيدة معتزلة ، فأصبحوا أبعد بكثير؛ لأنهم ينفون صفات الله عز وجل ويقولون أيضاً في الإيمان: إن العاصي في منزلة بين المنزلتين.(1/35)
والفرق بين الزيدية وبين الإثنى عشرية الإمامية باختصار: هو أن الإثنى عشرية الإمامية يقوم دينهم على المنقول من الكتب، حيث ينقلون عن الكافي وعن أمثاله من الكتب، ويقولون: قال أئمة آل البيت، فهو دين نقل، أي: آثار ينقلونها، وبالطبع كلها موضوعة ومكذوبة أو أكثرها. أما الزيدية فدينهم بالمعقول.
علاقة الباطنية بالماسونية
السؤال: ما هي العلاقة بين النصارى وبين الباطنيين؟
الجواب: هو مشاهد ومعلوم، فلا حاجة بأن يُستفاض في الكلام عنه, وما من يوم يأتي إلا وتتناقل وسائل الإعلام العامة والخاصة ما يثبت ذلك وما يوطده.
أما علاقة الباطنية بالماسونية فإن المستشرقين دهشوا من العلاقة بينهما خصوصاً عندما رأوا أن الترقي داخل الباطنية في درجات تشبه السلم الماسوني, وبعد أن تبين أن الماسونية قديمة قدم خراب الهيكل على الأقل, وخراب الهيكل كان في سنة (70م)، دمره قائد روماني اسمه تيتو ، وبعضهم يرجع أن نشأة الماسونية هي أقدم من ذلك, عندما وقع اليهود في أسر بختنصر ملك الفرس, وقبولهم الماسونية دليل على أن هؤلاء استفادوا من خططهم, وعندما نعلم أن الماسونية من اليهود, وهذا لا شك فيه عند أكثر الناس حتى الغربيين, ونعلم أن الباطنية والرفض والتشيع من اليهود, لا نستغرب أبداً أن تكون هذه الدرجات وهذا السلم واحد.
فإن مما انتشر واشتهر عند علماء المسلمين ومؤرخيهم, أن العبيديين الذين يسمون أنفسهم الفاطميين أنهم من ذرية ميمون القداح اليهودي، وأن هؤلاء يهود, وهؤلاء هم الذين جعلوا يعقوب اليهودي وابن شلز النصراني وزراء لهم في دولتهم، وهم الذين كانوا يرقون الناس سراً حسب دعوتهم, وهم الذين استحدثوا فكرة المولد, فلماذا أحدثوا فكرة المولد؟(1/36)
أحدثوا ليلة المولد احتفالاً بموت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وابتهاجاً بموت نبي الإسلام، وهم يريدون أن يموت هذا الدين, وأعظم وأسعد يوم في حياتهم وفي تاريخهم هو اليوم الذي قبض فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه هو عدوهم اللدود الذي طردهم، طرد بني قريضة وبني قينقاع وبني النضير ويهود خيبر , ثم كمّل أصحابه من بعده ذلك, وهو الذي انتزع الله تعالى ببعثته النبوة من بيت إسرائيل إلى بيت إسماعيل, فتاريخهم يشهد بأن هذا هو حالهم، وكانوا يربون الناس تربية سرية, على درجات تشبة الدرجات الماسونية تماماً، وهذه المقارنة أثارت عجب المستشرقين وغيرهم, وأي باحث يفاجأ بهذا التشابه.
طرف من عقائد ومبادئ الباطنية
السؤال: تبادر إلى ذهني ما حصل من فتنة الحرم في 6 ذي الحجة التي قام بها الإيرانيون، أن لها أساساً من هذه الفرق والطوائف، نرجو توضيح مبادئهم ومعتقداتهم وكيف نحاربهم؟(1/37)
الجواب: العبارة التي تقول: (التاريخ يعيد نفسه) نحن نعبر عنها تعبيراً إسلامياً, فنقول: إن سنة الله تعالى واحدة, والله تعالى يقول: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] ويقول: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118] فاليهود والنصارى والمنافقون وأعداء الإسلام دائماً في أي زمان ومكان، ومن الممكن أن يعملوا هذا العمل وما هو أعظم منه: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً [التوبة:10] ولا يهدءون ولا ينامون ولا تُقر أعينهم إلا إذا لم يبق على ظهر الأرض مسلم, ولهذا يمنون أنفسهم بالأحلام, كما ذكرنا بعضها, وكما تحلم الدروز بأنه إذا خرج صاحبهم سينقض الكعبة حجراً حجراً, ويقتل المسلمين واحداً واحداً, فهم يمنون أنفسهم بهذه الأحلام, ويجعلونها في عقائدهم، فكيف إذا استطاعوا أن يحققوا في الواقع شيئاً من ذلك, والقرامطة في عام (317هـ) انتهكوا حرمة البيت وهم الباطنية , وهم غلاة الشيعة , فلا تستغربوا أبداً بأن يقع مثل هذا, وكثير منكم ربط بين هذه القضية وبين ما جرى, وهذا استنتاج سليم, ويجب علينا أن نعرف عقائدهم, لأنها هي التي تحركهم.
كيف يتم الرد على الروافض
السؤال: كيف نوضح مبادئهم وعقائدهم؟(1/38)
الجواب: هو كما قلت، وقد ذكرنا بعض عقائدهم, ولكن من المهم الرجوع إلى الكتب, لاسيما منهاج السنة , لشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية مثلاً, وأيضاً كتاب: وجاء دور المجوس , وكذلك كتب الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمة الله عليه, وأمثال هذه الكتب التي تفضحهم, وكتب الأستاذ محمد أمان الله وغيرهم ممن يتحدثون عن هذه الفرق بالتفصيل الذي لا يتسع له المقام الآن.
حقيقة الزيدية
السؤال: أنا من بلد عربي, وعندنا معروف أن الشيعة يسمون زيدية ، ولكن نسمع منهم سب أبي بكر وعمر ، فهل هؤلاء يُسمون زيدية ، وهل الزيدية مسلمون؟
الجواب: الحقيقة هؤلاء روافض ينتسبون إلى زيد بن علي زوراً, لأنه لم يثبت أن زيد بن علي كان على هذه العقيدة.
فالحقيقة هؤلاء روافض، لأن الشيعة ثلاثة أقسام:
المفضلة الزيدية هذه درجة.
والدرجة الثانية: السبابة أو السابّة الذين يسبون الشيخين.
والدرجة ثالثة: المؤلهة الذين يؤلهون علياً ً رضي الله عنه.
فهم ثلاثة درجات, فهؤلاء انتقلوا من المفضلة إلى درجة السبابة أو السابّة , فليسوا من الزيدية وإنما هم رافضة , وإن كانوا يسمون أنفسهم زيدية .
أما سؤالك عن الزيدية هل هم مسلمون؟
هذا ينطبق عليهم إذا أصبحوا روافض ما ينطبق على الرافضة , إذا كانوا فعلاً زيدية أي: يفضلون علياً ً مجرد تفضيل، فإن ذلك لا يخرجهم من الملة, لكن يخرجهم من السنة، فهم ليسوا من أهل السنة والجماعة , ولكنهم على بدعة وضلالة.
وقد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: ''من فضل علياً ً على عثمان فهو أضل من حمار أهله'' .(1/39)
فما بالك بمن يفضله على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فالذي يُفضل علياً على عثمان فهو أضل من حمار أهله، وذلك لأنه أزرى بأصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنهم لو علموا أن علياً أفضل من عثمان -كما يدَّعي أولئك- لما اختاروا عثمان للخلافة وتركوا علياً ً, وإنما جعلوه بعده لعلمهم أنه أفضل منه، أو على الأقل من بعض الوجوه.
اتهام الرافضة لأبي هريرة وعلي بأن لهما علماً باطناً
السؤال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: {قلت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني أسمع منك أحاديث كثيرة فلا أحفظها, فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابسط رداءك، فبسطت ردائي, فضمه ضمة, ثم قال: خذه فأخذته, فلم أنسَ شيئاً بعد ذلك }. فكيف يستدل به أهل الباطن إن كان لهم وجه استدلال, وكيف نرد عليهم؟
الجواب: لعل الأخ وَهِمَ، فحديث أبي هريرة , الذي يستدل به الباطنية هو قول أبي هريرة رضي الله عنه: [[وعيت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعائين من العلم, أما أحدهما فبثثته, وأما الآخر فلو بثثته لقطع ما بين هاتين ]].
قالوا: إذاً أبا هريرة عنده علم باطن وأخفاه, كما زعموا في علي رضي الله تعالى عنه, أولاً: نقول: ما معنى هذا الحديث؟
معنى الحديث أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يكتم حديثاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأحكام لأنها أحكام , وأن ما لم يبثه فهو أخبار الفتن, أن فلاناً سيكون كذا, وفلان سيقتل فلاناً, ما يحدث من الفتن التي أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها ستقع بعده, كما أخبر حذيفة رضي الله عنه -مثلاً- بأسماء المنافقين دون أن يخبر غيره, فأبي هريرة رضي الله عنه لم يبث ذلك؛ لأنه لا حاجة ولا مصلحة للمسلمين في أن يبث ذلك، لأنه من أخبار الفتن, وهي سوف تقع, وأما الأحكام فإنه لم يكتمها ولم يكتم منها شيئاً.(1/40)
وأما علي رضي الله عنه, فقولهم: إنه كتم شيئاً من العلم, أو أنه اختصه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من العلم أولاً: أن في هذا طعن في نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كيف يبعثه الله رحمةً للعالمين، ويأتي بهذه الأنانية -وحاشاه من ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقول لأهل بيته: تعالوا أعطيكم أخباراً خاصةً, وعلماً خاصاً وكل شيء, وأنتم يا بقية الناس خذوا هذا العلم العام, فيختص أهل بيته بهذا العلم، سبحان الله!!
نحن الآن لو أن شخصاً منا حصل على ألف ريال، وقيل له: وزعها، فأعطى أهل بيته شيئاً, وأعطى الناس شيئاً لقلنا: إن هذا خائن، وهذا إنما في المتاع الزائل الفاني, فكيف يخون صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال له: كتم شيئاً من الدين، واختص به أهل بيته فقط؛ لأنهم أهل قرابته, ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب الناس إليه عائشة ، كما سأله عمرو بن العاص : {من أحب الناس إليك؟
قال: عائشة , قال: ومن الرجال: قال أبوها, ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً }.
فهذا هو أحب الناس إليه, وهو رفيقه في الغار, وصاحبه، وإذا قيل: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالمتبادر أنه أبو بكر رضي الله عنه، ولم ينقل عنه ولم تنسب أي فرقة أنه اختصه بشيء, فما بالكم بغيره، ولو كان هناك شيء -فرضاً- لقدم عليه هذا الصاحب قبل القرابة, فهو أفضل عنده وأحب إليه من قرابته.
فالمقصود أن في ذلك تخوين للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(1/41)
والأمر الثاني: أن السبئية أشاعوا ذلك في أيام علي رضي الله تعالى عنه, وصح عنه في حديث صحيح في صحيح البخاري وصحيح مسلم ورواه أحمد في المسند وغيره، أنه قال لما سئل: [[هل خصّكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من العلم ]] الذي هو العلم الباطن كما تزعم الصوفية والباطنية والروافض، فهم يتفقون على أن هناك علماً باطناً لعلي ، [[فيقول علي رضي الله عنه: لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، ما خصّنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء إلا فهماً في كتاب الله وما في هذه الصحيفة، فأخرج هذه الصحيفة فإذا فيها العقل, وفكاك الأسير, وألا يقتل مؤمن بكافر ]]، أي: معاهدة عاهدها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتبها, واحتفظ علي بهذه الورقة في قراب سيفه، والأحكام التي هي مكتوبة وواردة عن الصحابة, ومعروفة عند المسلمين، وبعض الروايات فيها زيادة.
ضيق الصدر من البدع
السؤال: إن الصدر ليضيق بهذه البدع، فما واجب الشباب المسلم تجاهها، وهل من بشائر بشرك الله بالخبر؟
الجواب: أما أن الصدر يضيق, فلم لا يضيق, وكيف لا يضيق, والأمر أمر شرك بالله عز وجل, وهدم للإسلام، وطعن لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وتكذيب لكتاب الله, وصد عن سبيل الحق؟!
لا بد أن تضيق صدور المؤمنين, فقد ضاقت نفس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأى الكفر, ولما رأى الأصنام تُعبد من دون الله عز وجل, ضاقت وأُنزل عليه الآيات في ذلك: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8]، وقوله: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ [الكهف:6] إلى آخره.(1/42)
فالضيق يقع, وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كثرة ما تألم من أحد المواقف من مواقف المشركين, ظل يمشي وهو لا يدري عن نفسه، وقال: {ما أفقت إلا وأنا في قرن الثعالب }، حيث خرج من الطائف وهو مستغرق في الهم والتفكير, وما أفاق إلا وهو في قرن الثعالب , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, لأنه رحمة للعالمين, يريد لهم الخير ويدعوهم إلى النجاة ويدعونه إلى النار, يخونونه وهو الأمين, ويكذبونه وهو الصادق، فليس غريباً أن تضيق صدورنا بأمثال هذا الضلال.
وأما البشائر فالبشائر موجودة، وأبشركم جميعاً بما بشر به النبي أصحابه بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -في الحديث الذي ورد من عدة طرق, بل عن عدة من الصحابة- {لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم, ولا من خذلهم } وفي رواية: {يقاتلون على أمر الله حتى يأتي أمر الله } وما هو أمر الله؟
الريح الطيبة التي تهب بين يدي الساعة, فتقبض أرواح المؤمنين, فلا يبقى إلا شرار الخلق, وهم الكفار الذين تقوم عليهم الساعة, فالسنة ظاهرة -بإذن الله عز وجل- ولم ترتفع أعلام البدعة إلا وكان ذلك حافزاً لأهل السنة أن يعودوا إلى رشدهم, ويتمسكوا بدينهم, فترتفع أعلام السنة بإذن الله عز وجل.
والأمر بأيدينا, فنحن بيدنا الخيار، إما أن ننصر السنة والحق فذلك نصر لنا ولديننا, والله تعالى وعد: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج:40]، وإما أن نتخلى -والعياذ بالله من ذلك- فأيضاً قد أخبر: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] ينصر الله دينه بمن شاء.
ألا ترون أنه لو قامت الدعوة الصحيحة، وكُتب عن هذا كتابات صحيحة, ووجهت وسائل إعلام قوية على بلادهم, ألا ترون أنه سيهدي الله عز وجل منهم العدد الكثير وقد وقع ذلك.(1/43)
شخص منهم هداه الله للإسلام -وهذا تعبيره- يقول: كنت على دين هؤلاء الروافض ثم هداني الله إلى الإسلام, وهذا الرجل رد على هؤلاء الروافض، وفضحهم وبيَّن مخازيهم, وهو الذي رد على قصيدة الضال منهم، الذي يقول فيها:
ماذا منطقي وكلامي والقلب من يوم السقيفة دامي
رد عليهم بقصيدة أطول منها, وبين مخازيهم وفضائحهم, هذا الرجل الذي كان على دينهم ثم أسلم، وقد بين ماذا يعملون عند المشاهد المقدسة، حيث لديهم العتبات التي يسمونها المقدسة وماذا يعملون في يوم عاشوراء، من ارتكاب المحرمات واستحلال ما حرم الله تعالى, وهو كان منهم، وكان من علمائهم وهداه الله إلى الإسلام.
فنقول: الله ناصر دينه بما شاء وبمن شاء, ولكن نحن يجب علينا أن نقوم بواجبنا، والله تعالى سوف يظهر هذا الدين على الدين كله, ولو كره المشركون.. ولو كره الكافرون.
من أسماء الباطنية
السؤال: هل الإسماعيلية هي الباطنية أم أن الباطنية هي دين اليهود والفلاسفة ؟
الجواب: الإسماعيلية تطلق في بعض الكتب على الباطنية جميعها, لأن أصلها هو إسماعيل بن جعفر هذا ما يدَّعونه.
وبعض المؤلفين يفرد الإسماعيلية ، ويقول: الإسماعيلية هي فرقة من الباطنية .
ويسمون الإسماعيلية ، ويسمون التعليمية لماذا؟
لأنهم يقولون: نأخذ ديننا تعليماً عن الإمام المعصوم.
ويسمون السبعية لأنهم يقسمون الحياة البشرية إلى سبعة أدوار, وكل دور مقسم إلى سبعة منهم نطقاء ومنهم صامتون إلى آخر التقسيم.
ويسمون البابكية والخرمية لأن بابك الخرامي الذي خرج في أيام المعتصم وكانت له فتنة عظيمة جداً, وكان إباحياً على دينهم.
ويسمون العبيدية ، لأن العبيديين الذين يسمون الفاطميين هم من أكبر طوائفهم.
وقد يسمون جميعاً القرامطة ، لأن القرامطة إحدى طوائفهم, وهكذا أحياناً يطلق الجمع على الطائفة والعكس.
علاقة عاشوراء بما يفعله الشيعة(1/44)
السؤال: ما علاقة صوم اليهود ليوم العاشر من محرم، وما يفعله الشيعة من محرمات في اليوم نفسه؟
الجواب: اليهود يقولون: إن هذا يوم أعز الله تعالى، وأظهر فيه موسى، وأغرق فرعون, ولذلك كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {نحن أولى بموسى منهم } فنحن نصوم هذا اليوم.
أما الرافضة فإنه يقترن عندهم بمقتل الحسين ، وهم كما أسلفنا أنهم يسمون بالخشبية ، وكانوا يريدون أن ينتقموا من أنفسهم لأنهم هم الذين أغروه, وهم الذين خدعوه, وكتبوا له: تعال عندك القوة والشوكة والمنعة, وحذره عبد الله بن عباس وحذره عبد الله بن عمر وغيرهما من الصحابة، قالوا: احذر هؤلاء، فإنهم كذابون، وقد كذبوا على أبيك، وخانوا أباك من قبل، فما قبل، فذهب فخذلوه، فلما قتل، قالوا: نُكفر عن أنفسنا بأن نجتمع في هذه الذكرى، ونضرب أنفسنا, ولذلك يسمون بالتوابين أي يتوبون, فقالوا: نضرب أنفسنا بالسيوف والخشب والسكاكين والأحذية وكذا وكذا, والذي يموت من هذا الضرب يعتبرونه شهيداً, مع الزمن ومع دخول اليهود والمجوس وأمثالهما ممن يخططون لهدم الدين أدخلوا قضية الإباحية في هذا اليوم وفي هذه الشعائر الدينية عندهم، فأدخلوا الإباحية فيهم، كما أدخلوها عند القرامطة , والمتعة نفسها هي من أسباب هذه الإباحية.
المهدي المنتظر
السؤال: المهدي المنتظر يزعم الرافضة أنه منهم، فما هو القول في المهدي؟(1/45)
الجواب: القول الصحيح في المهدي الذي عليه أهل السنة والجماعة وهو الحق أنه رجل من هذه الأمة يبعثه الله تبارك وتعالى بين يدي الساعة عند العلامات الكبرى, عند خروج الدجال وخروج المسيح عليه السلام, فيخرج هذا الرجل, وهو رجل عادي, من هذه الأمة, يقيم هذا الدين، وينصر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به هذا الدين, ويأتي المسيح عليه السلام فيصلي خلفه, ثم يقتل المسيح عليه السلام الدجال, وتقوم قائمة الإسلام في الأرض, ويكسر المسيح عليه السلام الصليب ويقتل الخنزير, ويضع الجزية، فلا يبقى نصراني على وجه الأرض أو يهودي إلا قتل, فيقوم الدين ويقوم الإسلام, ولكن هذا الدين الذي يقيمه عيسى عليه السلام ليس هو الدين الذي أنزله الله على عيسى عليه السلام ولا هو دين جديد, إنما هو دين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وإئتمام عيسى عليه السلام خلف هذا الإمام -الذي هو المهدي- هو مما يدل على هذا, فهو إنما جاء تابعاً لشريعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, والأحاديث الواردة فيه متواترة, وإن لم ترد في الصحيحين تصريحاً, لكن وردت الإشارة إليه, وورد في غيرها في أحاديث صحيحة لا ينكرها إلا من ينكر نزول عيسى عليه السلام.
أهمية تعلم العقيدة
السؤال: بعض الناس من الإخوة لا يهتمون بالعقيدة، بحجة أنها صعبة في التعلم أو أنها غير مهمة؟
الجواب: ما هي العقيدة؟
العقيدة هي الإيمان: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, ومعرفة ما يضاد في ذلك من أقاويل المشركين واليهود والنصارى والمنافقين, وما أشبه ذلك.
أما أنها صعبة! ففي الحقيقة أنه ليس هناك أسهل من العقيدة الإسلامية التي جاء بها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إن كان هناك صعوبة فهي في معرفة كلام أعدائها وفي معرفة المخالفين لها, فهذه فيها صعوبة, لكن لماذا نحن دائماً نريد الجنة بسهولة؟!
ولماذا نريد سلعة الله الغالية برخص؟!
ولماذا نقول: الفقه صعب؟!(1/46)
والحديث وعلم الرجال صعب؟!
والعقيدة صعبة؟!
إذاً: ماذا تريدون يا شباب الإسلام؟!
هذا ديننا, وهؤلاء أعداؤنا يواجهوننا, فلا بد أن نعرف ما عندهم, ولا بد أن نقاوم, ولا بد أن نتعلم, بل يجب أن يكون عند الكل إيمان ومبادئ وحد أدنى، وعند المتخصصين الباع الطويل في ذلك, ولا أساس للأمة جميعاً إن لم يوجد فيها هذا الشيء.
أما قضية أنها غير مهمة, فهذه مشكلة, إذا كانت العقيدة غير مهمة، فمعنى ذلك أن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتفاصيل ذلك غير مهم!!
فهذه قضية لا يقولها مسلم, إلا إذا كان يقصد شيئاً معيناً في دينه, ويسميها العقيدة, فإذاً هو يحتاج أن يفهم ما معنى العقيدة -أولاً-.
الفرق بين الشيعة والشيوعية
السؤال: هل الروافض هم الشيوعيون؟
الجواب: لا, الروافض اسم يطلق على الشيعة وليس الشيوعية .
والشيوعيون هؤلاء هم أتباع يهودي آخر، وهو كارل ماركس اليهودي الذي أنشأ الشيوعية .
وعبد الله بن سبأ اليهودي هو الذي أنشأ الشيعة , لكن عبد الله بن سبأ كان من اليمن , وكان في القرن الأول من الهجرة في زمان الخلفاء الراشدين, وأما كارل ماركس فإنه كان في القرن التاسع عشر الميلادي, في القرن الماضي وكان يهودياً ألمانياً, والغرض من الدينين واحد, وكل ما يعمله اليهود هو هدم أديان العالم, وهدم أخلاقهم, وإشاعة الفحشاء بينهم.(1/47)
ومما يدلكم على ذلك, أن مجتمع القرامطة كان شيوعياً بحتاً في ناحية المال وفي ناحية النساء, حتى أن روجيه جارودي الذي أعلن أنه أسلم فيما بعد, وهو من كبار الشيوعيين الفرنسيين, وفي رده الأول لما نقد الماركسية قبل أن ينتقل منها إلى شيء آخر, يقول: إن الماركسية ليست عقيدة أزلية، وبإمكان كل إنسان أن يكون شيوعياً ماركسياً من تاريخه, ومثال ذلك الدول العربية والعالم الإسلامي, فلو أن أحداً قرأ تاريخ القرامطة لقال: إنهم شيوعيون لكن على الطريقة القرمطية, ولا يحتاج أن يكونوا شيوعيين على الطريقة الماركسية , أي يقول: هي عقيدة تاريخية قديمة, والقرامطة أخذوها عن المزدكية , وهي أيضاً شيوعية قديمة.
عقيدة الخميني
السؤال: ماذا تقول في عقيدة الخميني ؟
الجواب: نحن لا نحتاج لذكر الأسماء, فعقيدته عقيدة الرافضة الاثنى عشرية , وهو إمام من أئمتهم, ولا يعدل عن أي شيء من دينهم, إلا أنه مجتهد داخل المذهب, بمعنى أنه قد يتصرف في بعض الأحكام كأي مجتهد من المجتهدين, فقد يرجح قولاً على قول, ويقدم قضية على قضية, لكن هو لا يفرق في أي مسألة عن أئمة الروافض بأي حال من الأحوال.
كفر قادة الروافض
السؤال: هل يكفر قادة هؤلاء الروافض، وما وجه تكفيرهم؟
الجواب: من خلال معرفتنا لعقائدهم لا شك أنهم يكفرون وبالذات زعماؤهم, لأن القول في تحريف القرآن لا شك أنه كفر, والقول بتكفير أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفر, والطعن في الصديقة بنت الصديق الطاهرة المطهرة المبرأة من فوق سبع سماوات أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها, بأنها ارتكبت الفاحشة، هذا كفر وتكذيب لكتاب الله, وهذا ما يدينون به.
واعتقادهم عصمة الأئمة بل بألوهيتهم كما في الكافي ، أنهم يعلمون ما كان وما سيكون، واعتقادهم بأن أئمتهم لهم خلافة تكوينية تخضع لها جميع ذرات النجوم, فماذا بقي لله عز وجل؟(1/48)
وإذا كان كما في كتاب ولاية الفقيه أن لأئمتهم خلافة تكوينية تخضع لها جميع ذرات الوجود, فهل يقول هذا مسلم؟
ويقول: إن لأئمتهم درجة لا يصل إليها ملك مقرب ولا نبي مرسل, فمن فضل أحداً على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل يمكن أن يكون مسلماً؟!
ومن أي فقرة أو أي باب من أبواب عقائدهم تجد الكفر الصريح والضلال البعيد, عافانا الله وإياكم؟
أما بالنسبة للعامة والأتباع -فهم منهم في وقت المواجهة- وتجادلهم بالتي هي أحسن, لكن وقت المواجهة يكونون منهم، كما قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كبار وصغار ونساء المشركين: {هم منهم }.
إنكار طه حسين لشخصية عبد الله بن سبأ
السؤال: طه حسين ينكر في أحد كتبه وجود شخص اسمه عبد الله بن سبأ ؟ ويدَّعي أنه من وضع المؤرخين. كيف نرد عليه جزاكم الله خيراً؟
الجواب: ممكن أن نرد عليه رداً بسيطاً جداً, وهو أن طه حسين تُوفي عام (1973م) وربما يأتي أحدهم عام (2073م), ويقول: إن طه حسين شخصية خرافية من صنع المؤرخين, فما هو الدليل على وجود طه حسين ؟
وكل واحد مات ما هو الدليل على وجوده؟
إن كذبنا ما يقوله العلماء وما يقوله الثقات, وما يقوله الناس, طبعاً الذين ماتوا انتهى أمرهم غير موجودين ولا نراهم, فممكن بعد فترة، يقال: لا وجود لطه حسين أيضاً, ونفس الدليل, فتقول: لكن له كتب، فيقول: شخص كتبها وسمى نفسه طه حسين .
فبماذا نرد عليه؟
فالمقصود من هذا هو إنكار المتواتر من حقائق التاريخ لا يقدم عليه إنسان إلا بغرض: إما أنه جاهل عِلمياً، أو بغرض، وطه حسين ومن معه في الحقيقة لهم هدف واضح من إنكار شخصية عبد الله بن سبأ , فهؤلاء الناس يقولون: الفرق بين أهل السنة والشيعة : هو أن الشيعة تحب علي بن أبي طالب , هذا هو الفرق عندهم, ولا يعترفون بشيء آخر, والمستشرقون الذين نقل عنهم طه حسين ، ومنهم مرجليون يريدون أن يطعنوا في علماء المسلمين، ويقولون: شخصيات خرافية.(1/49)
إذاً: هم كذابين، فهؤلاء أهل السنة لا يوثق بكلامهم، والمستشرقون والروافض وطه حسين الجميع ينهلون من منهل واحد, ويصدرون عن مورد واحد, ولا نحتاج أن نتحدث عن طه حسين أكثر من هذا.
تعظيم أهل الكفر
السؤال: ذكرت في المحاضرة رسائل إخوان الصفا وأنها تحمل في طياتها مذهب الباطنية الخبيثة، ونحن درسناها في المقررات الجامعية على أنها رسائل أدبية، ذات قيمة عالية, فإذا كانت كذلك، فلماذا تذكر على أنها رسائل أدبية؟
الجواب: ابن سينا من الفلاسفة المشهورين, الذين ينكرون البعث, ويكفرون بآيات الله, وكان أصله على دين العبيديين الاثنى عشرية , ثم أصبح فيلسوفاً ينكر الأديان وينكر الوحي, والآن أصبح يُعظم ويُسمى باسمه أسماء المستشفيات, والمستوصفات, والشركات, وأبو زكريا الرازي الطبيب أيضاً ملحد, وكثير غيرهم, وليس فقط إخوان الصفا , ونحن في غفلتنا ممكن أن نعتمد على مثل هذا.
والشيء الآخر أن في هذه الكتب أسلوباً أدبياً نقول: من الممكن أن يأتي شاعر جاهلي شعره جيد، ويمكن أيضاً أن يكون شيوعياً شعره أو أدبه جيد، لكن! نقول: مادام أن الله أعطاه موهبة في الكتابة أو في البيان لا يعني أن الله أعطاه الهداية, وأعطاه العقيدة الصحيحة التي ينجو بها من عذاب الله ويدخل بها الجنة, فهذه قضية وهذه قضية, فافرض أن لها قيمه أدبية, لكن ما قيمتها الإسلامية؟
وما قيمتها من حيث الدين والعقيدة؟
بلا شك أنها كفر وضلال.
ترجمة جعفر الصادق
السؤال: تكلم مؤلف كتاب: تبديد الظلام ، عن جعفر الصادق وقدح فيه كثيراً، وقال: من شاء المزيد فليرجع إلى كتاب ميزان الاعتدال فرجعت فلم أجده ترجم له, بينما ذكره كثير من علماء السلف وأثنوا عليه أنه من أئمة السلف فما هي أوفى ترجمة كتبت عنه؟(1/50)
الجواب: الحقيقة أن الشيخ الجبهان غفر الله لنا وله, أخطأ فيما كتب عن جعفر الصادق , ومثلما قلنا نحن أهل السنة لا يجرمنا اعتداء قوم علينا أن نفتري عليه: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8], فعندما نقول: إن جعفر الصادق ماسوني وأنه كذا, فإن هذا قولاً بغير علم, فهذا الكلام خطأ، ولا نقر الشيخ عليه، وإن كان الشيخ -جزاه الله خيراً- له باع طويل في محاربة هذه الفرقة، وأمضى عمره تقريباً كله في فضح هذه الفرقة الضالة, لكن لا نقره, فنحن لا نقول إلا الحق, ولا نقول شيئاً بغير دليل وبغير بيّنه, وأما ترجمة جعفر الصادق فإن ما كتب عنه علماء الجرح والتعديل هو المعتمد، لأنهم أوثق من يرجع إليهم, ولا تلتفت إلى قول غيرهم أبداً.
موقف أهل البيت من الشيعة
السؤال: ما موقف أهل البيت وخاصة جعفر الصادق من الشيعة ؟
الجواب: أهل البيت المهتدي منهم ينكر ما تنسبه إليهم الشيعة -مثلاً- كان محمد بن علي بن أبي طالب رحمه الله تعالى, يصيح على الملأ ويتبرأ من المختار بن أبي عبيد كذاب ثقيف, الذي كان يقول: أنا إمام، ونائب عن محمد بن الحنفية وهو إنما يقول ذلك تقية.
وأما جعفر الصادق فكُتب الرافضة أنفسهم تروي عنه روايات ضد مذهبهم, ويقولون: إنه قال هذا على سبيل التقية, فهم بهذا المبدأ -مبدأ التقية- الذي هو النفاق في الحقيقة, وهو أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن، بهذا النفاق وبهذا المبدأ الخبيث, أعموا أبصار أتباعهم, وكلما قال أتباعهم -مثلاً- علي أقر خلافة الشيخين، قالوا: تقية.
علي زوج أم كلثوم بعمر , وهذا لا يجوز، ويعتبر كفراً -حسب ما يقولون- قالوا: فعله تقية؟
قال جعفر كذا، قالوا: تقية.
قال علي الرضا قالوا: تقية، قال زيد : كل هذا يجعلونه من باب التقية, إذاً أين الحقيقة؟
الحقيقة هي ما عندهم، وما يفترونه وما يتبعونه, فهذا هو موقفهم.
العلاقة بين الصوفية والشيعة(1/51)
السؤال: ما تفسيركم بتمسك من يقول: إنه من بقايا أهل البيت بالتصوف؟
الجواب: تفسير ذلك بأن أعداء الإسلام يُخططون لكل مرحلة في القرن الثالث والرابع انصرف الناس عن الرافضة وعن التشيع، حيث وجدوا أنها واضحة الضلال، وكثير منهم قالوا: إن هذا دين لا يقبله عقل وتركوه, وبقيت القضية موجودة: أي: قضية الخروج عن الدين بأي شكل من الأشكال, أي: قضية عبد الله بن سبأ في تأليه علي , كما فعل بولس بالنسبة للمسيح, فنقل أعداء الإسلام التعظيم والتأليه من شخص علي إلى شخص محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أي: إذا كنت تريد أن تكون شيعياً، قل: علي هو الإله، وادعوه واعبده وطف حوله في كربلاء وأمثالها.
فإذا قلت: لا, قالوا: إذاً تدعو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتستغيث به وتعبده, فجعلوا الأمة أمام هذين الخيارين، والغلو واحد، والهدف واحد, والمؤسسون متحدون.
فلذلك تجدون الغموض الشديد يكتنف شخصيات الذين أسسوا التصوف, مثل أحمد الرفاعي , وكثير ممن أنشأوا هذا الدين اكتنفهم الغموض, وأول من أطلق عليه لقب الصوفي, هو رجل رافضي، هو جابر بن حيان -الذي أيضاً نفتخر به- وجابر بن حيان سمي الصوفي وهو رافضي، وكتبه الموجودة المطبوعة الآن في العلوم الكيميائية, يقول فيها: إن إمامي ووصي أوصاني بأن أفعل كذا وأفعل كذا, ويقولون: إنه يشير بذلك إلى جعفر الصادق ، وهو أول من سمي الصوفي, ويقولون: إن معروف الكرخي يستمد ولايته من كونه كان بواباً عند علي الرضا , وتنتهي سلسلة خرقة التصوف إلى علي بن أبي طالب في كثير من الطرق, مثلما تنتهي سلسلة الأئمة عند الشيعة .(1/52)
فالتشابه موجود والهدف واحد, وإنما قالوا: نُخرج هذا عن طريق الغلو في علي , ونُخرج هذا عن طريق الغلو في محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فمن كان من أهل البيت، وقال: لا نعبد علياً ولا نعظمه, أو أن تعظيم علي قد طغى على تعظيم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قالوا له: أنت عظم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, والنتيجة واحدة.
كفر ابن عربي وأمثاله
السؤال: بم يفسر مدافعة ابن حجر الهيتمي صاحب كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر , عن ابن عربي ، بقوله: إن الذين يعادونه من أجل أبياته الشركية لم يفهموا ما قصده, وهو يترحم عليه، ويصفه بالولاية والعلم، كما ورد في كتابه الفتاوى الحديثية ؟
الجواب: كثير من العلماء المتأخرين, وقعوا في هذا الخلط, وبعض الناس يعتذر لابن عربي ولغيره، ويقول: لهم مقاصد غير مفهومة, وقد رد عليهم أكثر من عالم كابن دقيق العيد وغيره, وقالوا: إنما يتأول كلام المعصوم, أي: إنما نبحث عن مخرج لكلام المعصوم لأنه لا يتعارض ولا يتناقض, أما كلام غيره فلم يُبحث له عن مخارج وهو واضح الكفر؟
فكل ما قاله ابن عربي , فإن معانيه الواضحة هي الكفر.
فمثلاً: عندما يقول: إن الله هو أبو سعيد الخراز ، وهو فلان وفلان, ويقول: الرحمن على العرش استوى, من استوى، وعلى أي شيء استوى؟ وما في الوجود إلا هو, أمثال هذا الكلام كفر واضح، فلماذا نتأول له؟
فيقع من بعض العلماء أنهم يحسنون الظن لهؤلاء، وعلى أن هؤلاء أولياء، والحال ليس كذلك, والإنسان لا يبالي بمن أخطأ, وإنما عليه هو أن يقرأ, وأن يطلع، والحق واضح في هذه المسائل, فلهم من الأبيات, والكتب ما لا يقبل التأويل بأي حال من الأحوال.
التشابه بين فرق الصوفية والباطنية
السؤال: قلتم: إن البهرة والآغاخانية موجودون في الهند ، فهل لكم -جزاكم الله خيراً- أن تبينو إن كان هناك علاقة بينهم وبين صوفية الهند في عصرنا الحاضر؟(1/53)
الجواب: هناك علاقة واضحة جداً بين صوفية الهند وبهرة الهند وهي العلاقة بالإنجليز.
فالصوفية والقاديانية والبهرة كلهم متفقون على إسقاط الجهاد, ولا كلام عن الجهاد ولا حديث عنه, بل يرون إسقاط الجهاد, بالذات في القارة الهندية , وكل الدعوات الصوفية التي تخرج من الهند لا تتحدث عن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تراه, وهذا ما فعله القادياني ، وهذا ما تفعله الإسماعيلية وغيرهم, فهذه إحدى الأشياء التي يتفقون فيها، وتدلكم على أن القوم يغذون بأيدٍ خارجية, أي: أنه من الممكن أن يأتي يهودي ويندس في أي طائفة من هذه الطوائف، ويعتقد اعتقادهم ويترقى عندهم حتى يصبح شيخاً كبيراً معمماً، ويقول فيها ما شاء, وهذا من الممكن جداً، ونتيجة لذلك تكثر فيها الفرق والضلالات.
فرقة البهائية
السؤال: نريد تفصيلاً واضحاً عن البهائية ؟
الجواب: البهائية هي طائفة خرجت في إيران فرعاً عن الشيخية التي أسسها أحد أئمة الروافض اسمه الشيخ أحمد الإحسائي , وهذه الفرقة جعلت لها كتاباً بدل القرآن سموه: البيان , وكتاب آخر اسمه: الأقدس , وهم يعتقدون أن البهاء نسخ شريعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وأن البيان والأقدس أفضل من القرآن، وأنها ناسخة للقرآن, وأن قول الله: خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:3-4]، أي: علَّمه كتاب الميرزا البهائي الذي ألفه, ومقرهم في عكا ، ولهم انتشار في الولايات المتحدة وغرب أوروبا حيث يدخلون النصراني في الإسلام حسب زعمهم، وهم يدخلونه في دين البهائية , وقد اتفق علماء المسلمين على تكفيرهم, حتى علماء الروافض في عصرهم هم الذين كفّروا البهاء والشيرازي الذي قبله، وقتلوهما في نفس إيران , لأنهم خرجوا من الأصول التي عند الرافضة , فما بالك بخروجهم على الأصول التي هي كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مصحف فاطمة
السؤال: ما هو مصحف فاطمة ؟(1/54)
الجواب: مصحف فاطمة يقول الروافض كما في كتابهم الكافي -الذي ألفه الكليني وهو عندهم مثل صحيح البخاري عندنا بل أشد-: إن مصحف فاطمة هو ثلاثة أضعاف القرآن, وليس فيه من القرآن الذي عندنا حرف واحد أبداً, لكن أين يوجد هذا المصحف؟
إنه يوجد مع الإمام الغائب المنتظر (عجل الله فرجه وسهل مخرجه! -كما يدعون-) في السرداب، ولماذا نتعبد بهذا القرآن بالوجوب؟
قالوا: إن جعفر الصادق قال: تعبدوا بهذا القرآن حتى يظهر الإمام من أبنائنا, فيظهر لكم مصحف فاطمة .
وأول من جمع هذا القرآن علي بن أبي طالب , واختص به أهل بيته, فهذه هي عقيدتهم, ولا تجد أي كتاب من كتبهم إلا وينطق بهذا, وعندما قام أحد الخطباء من أهل السنة -جزاه الله خيراً- وخطب عن هذه القضية, رد عليه بعض الروافض المعاصرين, وأثاروا هذه القضية, وقالوا: القضية عندنا إجماع على أن هذا القرآن كامل, ولكن ليكن عندنا قاعدة حتى لا ننخدع, التقية دائماً هي طريقتهم.
كيف يقولون عندنا بالإجماع أن هذا القرآن كامل، وبعد هذا يقولون: إن مصحف فاطمة ليس فيه من هذا القرآن حرف واحد؟
إذاً كلام الخطيب صحيح، وارجعوا إلى ترجمة عبد الله بن سبأ مؤسس دينهم حتى تروا أصل هذا الدين وتتأكدوا، ارجعوا إلى ترجمة عبد الله بن سبأ اليهودي هذا في كتاب لسان الميزان , تجدون أن ما قاله الكليني في الكافي , هو ما قاله عبد الله بن سبأ من قبل في القرآن وأنه محرف, بل عبد الله بن سبأ يقول: إن القرآن الحقيقي -وهو مصحف علي - عشرة أضعاف هذا القرآن, وكيف أنهم يقولون: إنهم مجمعون أن القرآن كامل, لكن هناك زيادة عليه، فالتقية دائماً يستخدموها ليلبسوا علينا ديننا.
فرقة النصيرية
السؤال: النصيرية العلوية هل هم من الشيعة أم الباطنية والدروز ؟(1/55)
الجواب: قلنا: إن العلوية النصيرية , أو العلي إلاهية , أي: النصيرية , والدروز هما من فرق الباطنية التي هي خارجة عن الإسلام بالكلية, كما وضح ذلك شَيْخ الإِسْلامِ في فتاويه وفي منهاج السنة .
نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يكتب لنا ولكم الأجر، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضى، وأن يجعلنا من جنود هذا الدين القائمين الذابين عن سنة سيد المرسلين، إنه سميع مجيب.(1/56)