الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده(4)
الكاتب ... د.فتحي الدريني
المصدر ... مجلة الحضارة الإسلامية-العدد1
الدعامة الخلقية في الفقه الإسلامي وأثرها في تقييد الحق:
تسهم القيم الخلقية بنصيب وافر في تقييد الحق وحمايته إسهامها في خلق التكافل الاجتماعي، ولقد كان لهذه النزعة الخلقية والاجتماعية في الفقه الإسلامي أثر طيب في نشوء نظريات تحدد استعمال الحق، سواء فيما يتعلق بالعلاقات التعاقدية بين الأفراد، أي في الحقوق الخاصة، كنظرية ((العذر[1])) في عقد الإيجار عند الحنفية ونظرية ((الحوائج والثمار[2])) عند المالكية والحنابلة، ونظرية ((الفسخ)) لاسيما إذا تعلق بمحل العقد حق الغير، ونظرية ((تحمل التبعة)) أو الحقوق العامة كنظرية ((التعسف في استعمال الحق)) التي ينبسط ظلها على القانون الخاص والقانون العام، والتي وجدت في الشريعة الإسلامية. – بما هي خلقية النزعة – تربة خصبة فنمت فيها وترعرعت واستوت على أصولها، على وجه لم تعرفه القوانين الوضعية إلا في القرن العشرين، وعلى أضيق نطاق، وغير ذلك من النظريات التي يمكن استخلاصها من هذه الفروع المبثوثة في شتى أبواب الفقه الإسلامي، والتي تشهد لهذا الفقه بما يحفل، من عناصر المرونة والحياة.
قلنا أن القيم الخلقية تسهم بنصيب وافر في تقييد الحق وحمايته، إسهامها في خلق التكافل الاجتماعي، فما قيد حق لشخص إلا لصيانة حق لغيره، ذلك أن الشريعة إذ تأمر بالامتناع عن الأضرار وتحرمه مثلاً – وهو واجب خلقي أصلاً – إنما تحرم هذا السلوك تأكيداً لحق الغير في مصونية ماله أو عرضه أو نفسه، وبالجملة لصيانة المقاصد الأساسية الخمسة في الشرع وما يتبعها[3]. فكل أمر أو نهي خلقي يقيد سلوك الفرد في ظروف معينة، لم يُشرع ذلك لمجرد الأمر والنهي، بل يقصد بهذا التقييد حماية حق الغير.(1/1)
وقد تناول بعض الأصوليين بالبيان القاعدة الذهبية التي تعتبر قوام الحقوق بما فيها الإباحات أو الحريات العامة، وهي أن ((حق الغير محافظ عليه شرعاً)) فرداً كان ذلك الغير أم جماعة، ذلك لأن الأصل عصمة الإنسان عن الأضرار به وإيلامه[4]، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا ضرر ولا ضرار" ولو بان استعمال الإنسان لحقه.
ولعظم خطر هذا الأصل اعتبر في الشرع من حق الله[5]، وعلى هذا أصبح كل حق للفرد يشوبه حق الله، وهو المحافظة على حق الغير، وهذا ما يقتضيه الصالح العام.
ذلك مثل من قاعدة خلقية في الأصل تحدد سلوك الفرد بالنظر إلى ذاته من حيث كما لها والسمو بها، وفي هذا السبيل تفرض الشريعة واجبات خلقية شتى، سموا بذات الإنسان، ولا ريب أن ذلك من المهمة الأولى للشريعة.
على أن القاعدة الخلقية[6] قد ترتقي إلى أن تصبح قاعدة فقهية تحدد سلوك الفرد بالنسبة لغيره إذا ترتب على الإخلال بها ضرر بالناس، وذلك بترتيب جزاء دينوي يوقعه القضاء، فتواجه أثر الإخلال بالواجب بالنسبة إلى الغير، وتقرر للمضرور حقاً في الضمان أو التعويض عما لحق به من ضرر أو غير ذلك من الجزاء.
القواعد الشرعية هي في الأصل قواعد خلقية:
والواقع أن الممعن في القواعد الشرعية من مثل قاعدة ((نفي الضرر)) وقاعدة ((نفي الحرج)) وقاعدة ((الأمور بمقاصدها))[7]. يجدها كلها قواعد خلقية في الأصل أصبحت قواعد شرعية لحماية قيم إنسانية في المجتمع.
والفقه الإسلامي – بما هو ديني الصبغة – يتدرع بكل قاعدة – خلقية كانت أم فقهية – لتأكيد الأصل العام الذي قامت عليه الشريعة، وهو جلب المصالح ودرء المفاسد.
ومما لاشك فيه أن في إعمال قواعد الخلقية، درءاً للمفاسد، بالترفع ذاتياً عن جميع أسبابها، وبذلك تمتاز الشريعة عن القوانين التي لا تولى عنايتها بمخاطبة الفرد ليسمو في نفسه، ويحقق كماله الذاتي.
القواعد الخلقية في الفقه الإسلامي تمتزج بقواعد التشريع:(1/2)
على أن هذه القيم الخلقية والمثل العليا التي أمتزجت في الفقه الإسلامي بقواعد التشريع، من البر والإحسان والرحمة والأخوة والاتيار تستمد معاييرها وتدعيمها من ينبوع واحد هو مبدأ الخير الأسمى وهو ((الإيمان)) بالله تبارك وتعالى، كما تهدف إلى غاية مشتركة هي إقامة الدنيا بحيث تكون سبيلاً إلى الآخرة أي أن تحكم بحكم الدين المسيطر على الضمير والوجدان، تحقيقاً لصالح الفرد والجماعة، بل والإنسانية بعامة، أو بعبارة أخرى لبناء مجتمع إنساني فاضل على أساس من التعاون على البر، والتسابق في الخير، والتواصي بالرحمة، والتفاضل بالتقوى، والسعي – أفراداً وجماعات – لابتغاء مرضاة الله، وهو الهدف المشترك للفرد والجماعة في الشريعة.
ولا يتبادرون إلى الذهن أن هذه أمور خلقية مثالية لا علاقة لها بالتشريع، بل هي لباب الحكمة التي تدور أحكام الشريعة عليها، وهذا ما دعاه بها علماء أصول الشريعة.
فالشاطبي يقول في هذا المعنى:
"إنها الغاية من إنزال الشريعة، لأنها ما أنزلت إلا لبيان وجه شكر المنعم، وبيان وجه الاستمتاع بها"[8].
ثم يبين معنى الشكر فيقول:
"والشكر هو صرف ما أنعم علي في مرضاة المنعم، وهو راجع إلى الإنصراف إليه بالكلية، ومعنى بالكلية أن يكون جارياً على مقتضى مرضاته بحسب الاستطاعة في كل حال"[9].
وغني عن البيان أن الأوامر والنواهي – وهي مناشيء الحقوق والواجبات – شاملة القواعد الخلقية المبثوثة في الشريعة وإذا كانت الشريعة إنما أنزلت للامتثال ابتغاء مرضاة الله، فالقواعد الخلقية والفقهية في نظر الشرع بمرتبة سواء من حيث الامتثال، ومن هنا تقيد الحق بكليهما في الشريعة ولهما نفس الأثر.(1/3)
ومن القواعد الخلقية التي انعكست آثارها على الحقوق والمعاملات تحديداً وتقييداً، وجاءت بها النصوص من الكتاب والسنة، قاعدة وجوب ((التعاون)) كقوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان" وحكمها الأصوليون في العقود التي يكون الباعث الدافع لأحد المتعاقدين أو كليهما غير مشروع، كما في بيع السلاح أيام الفتنة، أو بيع العنب ممن يتخذه خمراً، وكما في بيع ((العينة)) توصلا إلى الربا المحرم، لأن في تنفيذ مثل هذه العقود تعاوناً على الإثم، وهو منهي عنه بالنص[10].
وكذلك قاعدة تحريم ((الغرر والغش والتدليس))، وقاعدة ((الايثار)) "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" وقاعدة ((العفو)) "فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بمعروف وأداء إليه بإحسان" وقاعدة ((إنظار المعسر)) "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" أو التصدق عليه بالدين حالة اعساره. "وأن تصدقوا".
فإسقاط الفرد حقه – شريطة ألا يؤدي إلى إسقاط حق مغلب لله تعالى كأن يتعلق بالنظام العام – أو التنازل عن بعضه، من قواعد الدين.
ونضيف إلى هذا قاعدة ((الصلح)) بين المتخاصمين، وقد ندب الشرع إليه، ((والصلح خير)) وفيه تنازل عن بعض الحق أو كله، لمصلحة راجحة هي إحلال الوئام بين الناس، وإتقاء ضرر أشد فيما لو أصر ذو الحق على استيفاء حقه كاملاً، وأقلُّه موجدة المقضي عليه على المقضي له، وقد يتجه الأول إلى إيقاع الأذى بالآخر، لاعتقاده أنه مظلوم فيما قضي له به، ولذا كان رجاء الصلح من الأسباب المجيزة لتراخي القضاء.(1/4)
فنحن نرى مدى إمتزاج القواعد الخلقية بالقواعد الشرعية، وأثر ذلك في بناء صرح التكافل الاجتماعي، مما ينأى بفكرة ((الحق)) عن معنى السلطة المطلقة الذي انحدر إلى التشريعات الغربية من القانون الروماني، كما ينأى بها عن معنى ((الأنانية الفردية)) التي لا تتفق ومبدأ ((الايثار)) و((التعاون)) و((التراحم)) و((العفو)) تلك الأنانية التي عانت منها التشريعات الوضعية قروناً تحت تأثير أفكار فلسفية كانت صدى لاستبداد الحاكمين، وكان لعجز تلك التشريعات عن مواجهة أزمة التضارب بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة أثر في حمل فقهاء القانون في الشرق والغرب على إعادة النظر في الأساس الذي يقيمون عليه تشريعاتهم الجديدة، في ضوء هذه الأزمات التي أعجزت الفرديين عن حلها، فكانت هذه المذاهب الاجتماعية التي تتعاون فيما بينها تطرفاً واعتدالاً في تقييد الحق مما لا يتسع هذا المجال لبسط القول فيه، أقول هذا المعنى للحق وهو السلطة المطلقة التي تكمن وراءها الأنانية الفردية في استعمال الحقوق لا وجود له في الشريعة الإسلامية كما بينا المعنى الاجتماعي للحق في ضوء القيم الخلقية المبثوثة في الشريعة.
ومما يؤكد المعنى الاجتماعي للحق – في ضوء القيم الخلقية المبثوثة فيها – أنها لا ترغب – في نطاق المعاملات والحقوق الفردية بوجه عام – في المعاملة بالمثل، والمعادلة في الاقتضاء به بل تجعل ذلك أمراً مباحاً لا حرج فيه ولا جناح، وبالتالي لا ثواب عليه ولا عقاب، بل رأيناها تحث على تجاوز العدل إلى الفضل والاحسان والتسامح، "ولا تنسوا الفضل بينكم"، "إن الله يأمر بالعدل والاحسان" فالشريعة – فيما يتعلق باستعمال الحقوق – تنهى عن التزيد في حق النفس – أي في اقتضاء الحق – وتحض على الزيادة في حق الغير – أي في قضاء الحق – كما أنها إذ تأمر الدائن بإنظار المدين المعسر، تندبه – في الوقت نفسه – إلى التصدق عليه بالدين، وإبرائه منه[11].(1/5)
وفي الشئون الاجتماعية تندب إلى مقابلة الإساءة بالإحسان، أما مقابلة السيئة بالسيئة فهو حق سائغ لمن حرص عليه غير باغ ولا عاد[12].
وفي الأحداث الجنائية، "فمن عفى له من أخيه شيء فإتباع بمعروف وأداء إليه بإحسان".
فالمبدأ الذي يستخلص من تعاليم الشريعة فيما يتعلق بالمعاملات وإقتضاء الحقوق وقضائها، إن المعاملة الفاضلة في نظر القرآن، إنما هي المعاملة التي تقوم على العفو، والإيثار والفضل، وأن الرذيلة إنما هي في الطرف الأقصى التي تقوم على الجور والاستئثار والأنانية والبخس، أما المعاملة بالمساواة والمعادلة الدقيقة، فإنها رخصة لا يتوجه إليها أمر ولا نهي، ولا يناط بها مدح ولا ذم، وبالتالي لا يستحق صاحبها ثواباً ولا عقاباً[13].
وحصيلة هذا، أن الشريعة إذا رغبت في التسامح، وحثت على تجاوز العدل إلى الفضل والإحسان في المعاملات والتصدق بالحقوق، فلأن تجعل استعمال الحق مقيداً بما لا يضر بالغير من باب أولى، ونؤكد هنا ما قررناه آنفاً من أن الحق المطلق لا وجود له في الشريعة الإسلامية، ولا يتسق مع روحها وقواعدها ومقاصدها، ومن ثم فلا مكان فيها للأنانية الفردية التي تكمن وراء استعمال الحقوق غالباً، والتي كانت سبباً في نشوء مذاهب اجتماعية متطرفة انطرت شخصية الفرد، وألغت حقوقه متذرعة بطغيان الأنانية الفردية، فكأن التخلص من الطغيان لا يكون إلا بالوقوع في طغيان مثله!!
تقييد الحق بالمعنى الخلقي والديني من قواعد الشرع:(1/6)
بينا أن المعنى الديني والخلقي في الفقه الإسلامي لا ينفصل عن ((المعاملات)) بل أن من الأصوليين من يجعل العفو عن المظالم، وإسقاط الحقوق مما يتسق مع قواعد الشريعة، ويعتبر تحريم العفو، والأخذ بالجزاء دائماً أبعد عن القواعد[14]، وواضح أن العفو – في الأصل – شيمة خلقية، وفضيلة نفسية، وهي عند علماء المسلمين أصل من أصول الشريعة يتصل بقواعدها، ولعل هذا العفو يتصل إتصالاً وثيقاً بالرحمة، والرحمة قد أنزلت الشريعة كلها من أجلها، "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، "وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة" إلى آخر ما ورد في هذا المعنى من الآيات والأحاديث التي تفوق الحصر.
فإن قيل: إن هذا مزج للقواعد الشرعية بالقواعد الخلقية مع الفارق بينهما طبيعة وهدفا، قلنا إن هذا المزج ميزة الشريعة الإسلامية باعتبارها شريعة دينية لم تأت للتنظيم والتقنين وإقرار الجزاء الدينوي فحسب، بل جاءت للإصلاح والتكوين النفسي، وهو إصلاح جذري لا يغني عنه تنظيم العلاقات الاجتماعية، وتحديد سلوك الأفراد في صورها المادية قبل الآخرين، وهذه الظاهرة هي التي تميز الشريعة الإسلامية عن غيرها من التشريعات الوضعية، وبهذا كان للشريعة منطق يختلف عن منطق القانون في التشريع.
---
[1] الهداية ج3 ص182 – تبين الحقائق ج5 ص146 – ص147 – البدائع للكاساني ج4 ص222.
[2] القوانين الفقهية لابن جزي ص352 – بداية المجتهد لابن رشد ج2 ص155 وما بعدها.
[3] الموافقات للشاطبي ج2 ص322.
[4] وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
[5] الموافقات ج2 ص322 – وراجع مجلة الحضارة العدد السابق ص48.
[6] نفرق بين القاعدة الخلقية والفقهية فالأولى لا شأن للقضاء بترتيب جزاء على الإخلال بها إذا لم يمس ذلك مصلحة مشروعة للغير، أما الثانية فهي التي يترتب على الإخلال بها جزاء قضائي في مواجهة أثر هذا الإخلال على حق الغير.
[(1/7)
7] هذه القاعدة ينسحب حكمها على ((الباعث)) غير المشروع في التصرفات والمعاملات، ولا شك أن الباعث المشروع عنصر خلقي في الأصل إذ يقتضيه طهارة النية وشرف المعاملات.
[8] الموافقات ش ج2 ص322.
[9] المرجع السابق.
[10] الموافقات ج4 ص201 – جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي ص18.
[11] نظرات في الإسلام – للدكتور محمد عبدالله دراز ص67.
[12] المرجع السابق.
[13] المرجع السابق.
[14] سيأتي تفصيل ذلك في العدد القادم من المجلة إن شاء الله تعالى.
الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده(5)
الكاتب ... د.فتحي الدريني
المصدر ... مجلة الحضارة الإسلامية-العدد9
الفرد في نظر الشريعة كائن حي حر مستقل مسؤول:
تأدى بنا البحث في العدد السابق إلى النتائج المنطقية التي ترتبت على اعتبار أن الشريعة هي أساس الحق وليس الحق هو أساس الشريعة[1]، وبينا أن فلسفة الفقه الإسلامي أو قل منطق التشريع الإسلامي في تنظيمه لمعالم حياة المجتمع بوجوهها المختلفة يهدف إلى تحقيق عناصر ثلاثة تعتبر جماع إنسانية الإنسان وهي: الحرية والعصمة والمالكية[2].
وأفضى بنا البحث أيضاً إلى أن الحرية في مفهومها الصحيح ليست إلا مظهراً لإنسانية الفرد وشخصيته وكيانه المستقل في الجماعة، الأمر الذي ينفي كونه آلة اجتماعية مسخرة أو اعتباره مجرد عنصر تكويني.
وأشرت كذلك إلى أن هذا ((الاستقلال)) ليس تاماً، بل الفرد مرتبط بالجماعة ارتباط تعاون في دائرة البر والخير المشترك.
كما نوهت بأن حريته – وهي شرط أساسي لتنشيط مواهبه وتنمية ملكاته – ليست مطلقة، بل هي مقيدة بما يحقق الغاية التي شرعت من أجلها.
ولعل أول ما أرسى الفقه الإسلامي على هذه الحرية من قيود هو ((المسؤولية الفردية والجماعية)).
المسؤولية الفردية تبرر الحرية وتقيدها.
أما المسؤولية[3] الفردية تبرر الحرية فذلك أوضح ((إذ لا مسؤولية حيث لا سلطة)).(1/8)
وإما أنها تقيدها، فإن المسؤولية إنما تقوم أصلاً على مخالفة تعاليم الشرع، وفيما نحن بصدده أي في ممارسة الحرية، تثور المسؤولية إذا استعملت الحرية الممنوحة للفرد في غير الغاية التي شرعت من أجلها.
وهذا هو التعسف في استعمال الحريات. ولسنا الآن بصدد بيان حقيقة هذا التعسف وحسبي أن أبين أن الحرية الفردية في الشريعة إنما هي حرية مسؤولة ومقيدة باستعمالها في الوجه الذي شرعت من أجله، وهذا ينفي مشروعية استعمالها إذا ترتب عليه ضرر بالغير أو بمصلحة صاحبها بقطع النظر عن الغير من الفرد أو الجماعة.
ألا ترى أنه لا يجوز للفرد التصرف في ماله إسرافاً مثلاً، ولذا شرع الحجر على السفيه، كما لا يجوز للمالك تضييع ماله أو إلقاؤه في البحر[4]، لأنه تصرف في غير مصلحة مشروعة، أو قل تصرف في غير الحكمة التي من أجلها شرع حق الملكية.
وأيضاً لا يجوز للفرد التصرف في ((حق الحياة)) في غير غاية يقرها الشرع فالشرع إذ فرض الجهاد، وفيه هلاك النفس في سبيل إعلاء كلمة الله والدفاع عن الوطن، حرم الإنتحار، لأنه تصرف في ((حق الحياة)) في غير الغاية التي من أجلها خلق الإنسان، ومن هنا ندرك أن حق الحياة ليس حقاً خالصاً للفرد يتصرف فيه كيف يشاء بل هو مقيد بالغاية التي من أجلها وجد الإنسان، وهي عبادة الله وعمارة الكون وتنظيم الحياة فيه على مقتضى من النظر الشرعي، وهو تشريع لم تأخذ به معظم القوانين الحديثة في العالم.
هذا فيما يختص بممارسة الفرد لحريته وحقوقه بالنسبة لذاته.(1/9)
أما تصرفه بالنسبة لغيره من الفرد أو الجماعة فحريته في هذاا التصرف مقيدة أيضاً بما يمنع الضرر عنهما، ولا نعني بالضرر هنا ذلك الذي ينشأ عن فعل يشكل اعتداء على حق الغير، لأن هذا محرم في جميع الشرائع، وإنما نعني – بالإضافة إلى ذلك – تلك الوجوه من الأضرار التي تنشأ من تصرف الإنسان حتى في خالص حقه، دون اعتداء ومجاوزة إلى حق الغير وهو ما تفردت به الشريعة الإسلامية دون سائر التشريعات قديمها وحديثها حتى في أرقى دول العالم وأعلاها كعباً في الحضارة.
ولو رحنا نستقصي الفروع الفقهية لتقرير هذا الأصل لأعيانا الحصر، فمن ذلك مثلاً ((حق الطلاق)) فالشريعة لم تعتبره حقاً تقديرياً مطلقاً كما ذهب إلى ذلك الفقيه الفرنسي المعاصر ((جوسران)) ونعني بذلك أن استعمال الزوج لحق الطلاق ليس خاضعاً لتقديره الشخصي حتى يكون حقاً مطلقاً من جميع الوجوه، فالطلاق السني، وإن كان من الاسقاطات أو الأوضاع الشرعية التي لا يمكن القول بعدم وقوعه ولو كان صادراً عن نية الإضرار بالزوجة، قد قيده الشارع من حيث الآثار بحيث ينفي عنه صفة ((التقديرية)) أو ((الإطلاق)) لاسيما إذا كان في استعمال هذا الحق افتئات على حق الزوجية في الإرث، فلا تقر الشريعة استعمال حق مشروع في الأصل يفضي إلى هضم حق الغير قصداً، ومن هنا أجمع الصحابة على توريث المبتوتة في مرض الموت، معاملة للزوج الفار من توريثها بنقيض قصده وبذلك أخذ جمهور الفقهاء.
هذا مثل لتقييد ((حقوق الشخصية))[5] كما يسميه رجال القانون، والتي لا يقر كثير منهم تقييد هذه الحقوق حتى اليوم.
ثمرة المسئولية من الناحية النظرية والعملية:
قلنا أن المسئولية الفردية تبرر الحرية وبذلك يكون الفرد حراً ذا إرادة واعية وكيان شخصي مستقل، وهذه هي ثمرة المسئولية من الناحية النظرية.(1/10)
أما ثمرتها من الناحية العملية، فإنها تجعله أهلاً للتملك والتعاقد، وهذا هو حق ((المالكية)) ومن هنا كان إقرار الشريعة ((للملكية الفردية)) كحقيقة ثابتة معلومة من الدين بالضرورة[6]، وكقاعدة أساسية في النظام الاقتصادي الإسلامي، وذلك مما يتفق والفطرة الإنسانية، وتقتضيه كرامة الإنسان، فضلاً عن كونه وسيلة مثمرة لإذكاء الحافز الذاتي للفرد، وتنشيط مواهبه وملكاته، من أجل العمل لصالحه وصالح الجماعة، وبدهي أن هذا عامل أساسي لتقدم المجتمع وإزدهاره.
مسئولية الفرد قبل الجماعة:
هذا ومسئولية الفرد قبل الجماعة مرجعها أنه مكلف برعاية مصالحها، كما هو مسؤول عن تحصيل مصلحة نفسه، فمن حق الجماعة على الفرد ألا يعبث بمصالحها تحت ستار ما منح من حقوق، وأيدت الشريعة حق الجماعة هذا بأن أقامت من الجماعة نفسها رقيباً على تصرفات الفرد حتى في خالص حقه، ووجهت إليها المسؤولية إذا تقاعست عن النهوض بعبء هذه الرقابة، بل جعلت منها قوة مانعة للفرد من إحداثه الأضرار بها قبل أن تقع وبعبارة أخرى فرضت الشريعة على الجماعة القيام بهذا الواجب رعاية لحقها من عبث الأنانية الفردية أبان استعمالها لحقها، ولعل أوضح ما ورد في هذا الشأن حديث السفينة: من أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل القائم في حدود الله، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوا وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً"[7].(1/11)
ووجه الدلالة من الحديث أن الفريق الذي أراد أن يخرق السفينة إنما عزم على أن يتصرف في حقه ونصيبه ((فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها)) وظاهر في الحديث أنهم لم يقصدوا الاضرار، بدليل قولهم ((ولم نؤذ من فوقنا)) ولكن لما كان مآل تصرفهم في نصيبهم مفضياً – لا محالة – إلى الاضرار بمن في السفينة جميعاً، بقطع النظر عن الباعث أوجب الشارع على بقيتهم أن يأخذوا على أيديهم، وقاية للجماعة من مآل هذا التصرف، ولو لم يكن ثمة باعث غير مشروع.
المصلحة العامة مقدمة:
على أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الفردية عند التعارض كما هو مقرر في أصول الشريعة[8]، ولو لحق الفرد من جراء ذلك ضرر، لأنه ينجبر بالتعويض، ولأن في رعاية المصلحة العامة وتقديمها رعاية للمصلحة الخاصة ضمنا، كما أشار إلى ذلك الحديث ((نجوا جميعاً)).
ومما يؤكد ذلك، أن الشارع حرم احتكار المنافع والأقوات وكل ما يؤدي إلى ضرر بالعامة، كما أوجب التسعير الجبري إذا تعدى التجار في أسعار ما يحتاج إليه الناس تعدياً فاحشاً[9]، وهذا لا شك تدخل من الدولة في أصل حق الملكية للمصلحة العامة.
كذلك أجاز الشارع نزع الملكية الخاصة – في ظروف معينة – للمصلحة العامة[10] بشرط أن يعوض الفرد تعويضاً عادلاً توفيقاً بين المصلحتين.
طبيعة الحق الفردي كما يراه علماء الأصول:
وقد بين المحققون من الأصوليين ((طبيعة الحق الفردي)) في الفقه الإسلامي بأنه ((حق مشترك)) وليس حقاً فردياً خالصاً، ذلك لأن الصالح العام مراعى في كل حق فردي، وهذا ما عبر عنه الشاطبي ((بحق الله)) إذ يقول:
"وأيضاً ففي العادات – وهي الحقوق والحريات – حق الله تعالى من جهة وجه الكسب ووجه الانتفاع، لأن حق الغير محافظ عليه شرعاً أيضاً، ولا خيرة فيه للعبد، فهو حق الله تعالى صرفاً في حق الغير"[11].
وهكذا نرى أن الصالح الفردي سواء في وجوه الكسب أو وجوه الانتفاع مراعى فيه الصالح العام.(1/12)
وعلى هذا فكل حق فردي مشوب بحق الله، وهو حق الجماعة، الأمر الذي ينفي عن الحق الفردي سفة الإطلاق والخلوص، ويسبغ عليه الصفة الاجتماعية[12].
والذي أرى أن قاعدة الضرورات في الشريعة الإسلامية تقتضي الجواز في جميع أنواع هذا الترقيع، ذلك لأن ترقيع العين لإعادة البصر (وهي محل التردد والاشتباه) يمكن قياسه على الحاجة إلى استنقاذ الحياة بدفع الهلاك، أو إلى منع إتلاف العضو عندما يتوقف ذلك على تناول بعض المحرمات، حيث يصرح الفقهاء أنه يجب تناوله لدفع الهلاك، فهنا لو قيل أيضاً يجوز أخذ العين مثلاً من الميت لإحياء حاسة لكان ذلك مقبولاً شرعاً.
وإذا كان يجوز بل يجب وجوباً تشريح الميت لتعلم الطب، أو لكشف جريمة، ويجوز كشف عورة الرجل والمرأة لأجل ضرورة التطبيب ودفع الأذى مع أن كل ذلك من المحرمات القطعية في الأصل، فأبيحت أو وجبت بحسب درجة الضرورة إليها، بمقتضى أن الضرورات تبيح المحظورات، وهي قاعدة نص عليها القرآن نصاً قطعياً، أفلا تكون الاستفادة من عيون الموتى لاستعادة بصر شخص أعمى هي أولى بالجواز؟
ومما يلحظ في هذا الصدد أنه لم يتردد أحد من فقهاء العصر في جواز نقل الدم من جسم إلى جسم آخر شرعاً عن الحاجة إلى الاسعاف، كما لم يتردد أحد في جواز ترقيع الجلد بالجلد. فما الفرق بين ذلك وبين ترقيع العين مع العلم أن الدم عضو من جملة أعضاء البدن في نظر الطب كالعيون والجلد، ومع العلم أيضاً أن النظر الشرعي يعتبر العضو بعد انفصاله من الحي كجزء من ميت. ولذا ينص الفقهاء على أنه لو قطع عضو من شاة وهي حية كان كجزء من الميتة لا يحل أكله، إلا من السمك فإن النص قد ورد بأن ميتته حلال فلم يوجب الشرع ذبحه لأجل حله.(1/13)
فالذي يظهر أن الذي يقال شرعاً في حكم نقل الدم والترقيع بالجلد يقال في شأن الترقيع بالعين. وكون الدم والجلد يؤخذان من حي والعين تؤخذ من ميت لا تأثير له في الحكم، لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت، ولأن العضو بانفصاله من الحي يعتبر شرعاً كالمنفصل من ميت كما بينا.
وعلى أن الجواز ينفي أن يقيد بإذن الشخص نفسه في حياته أو إذن أوليائه بعد وفاته إن لم يكن هو قد نهى قبل وفاته عن أخذ عيونه، وبشرط أن يكون ذلك تبرعاً إنسانياً ليس لقاء عوض، لأن دخول العوض في هذا الموضوع له محاذير، فيتنافى مع القواعد الشرعية في الموضوع.
وقد صدر منذ سنوات قانون في سورية جوز عوين الموتى للترقيع بها بشرط الإذن من أولياء الميت، أو بوصيته أو إذن من الميت قبل وفاته. ولكنه لم يتعرض لأمر العوض لأنه لم يكن محل تفكير أو تساؤل.
هذا ما أرى في هذا الموضوع والله سبحانه وتعالى أعلم.
---
[1] نعني بذلك أن ليس للفرد من حقوق مستمدة من ذاته هو، قام على أساسها التشريع، بل التشريع الإسلامي هو الذي أنشأ الحق ومنحه الفرد أو الجماعة، وأن لا إعتبار لحق لم يقره الشرع عن طريق النصوص أو القواعد العامة أي عن طريق مصادر الشريعة.
[2] التوضيح لصدر الشريعة حـ2 ص162.
[3] أشرنا في المقال السابق إلى النصوص التي تقرر هذه المسئولية.
[4] الفروق للقرافي حـ2 ص141 – والمالك هنا أهم من أن يكون فرداً أو جماعة أو حتى الدولة – فلا يجوز لها أن تلقي في البحر بعض إنتاجها الفائض لتضمن غلاء سعره في البلاد الأجنبية كما تفعل الولايات المتحدة أحياناً.
[5] حقوق الشخصية هي الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان والتي تعتبر مظهراً لشخصيته وذاته كحق الزواج والطلاق والوصية وهي تختلف عن الحقوق الشخصية في مفهومها، راجع أصول القانون للدكتور حسن كيره ص1084 وما بعدها
[(1/14)
6] سيأتي البحث ((حق الملكية)) في الشريعة الإسلامية وموقف الأصوليين والفقهاء عن مدى تقييده وبسط الأدلة في ذلك في موضعه إن شاء الله.
[7] أخرجه البخاري من حديث النعمان بن بشير.
[8] الموافقات للشاطبي – حـ2 ص350.
[9] الموافقات للشاطبي – حـ2 ص350.
[10] الموافقات للشاطبي – حـ2 ص350.
[11] الموافقات للشاطبي حـ2 ص322 وتعليق فضيلة الشيخ عبدالله دراز في هامشها.
[12] سيأتي مزيد بحث في هذا الموضوع عند تناول إحدى الدعائم الأساسية التي يقوم عليها الفقه الإسلامي وهي ((التضامن الاجتماعي)).
الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده(6)
الكاتب ... د.فتحي الدريني
المصدر ... مجلة الحضارة الإسلامية-العدد2
مدى تقييد حق الملكية الفردية في ضوء حديث ((لا ضرر ولا ضرار)) وآراء أئمة المذاهب الفقهية في ذلك:
بينا في المقال السابق موقف السنَّة من تقييد حق الملكية الفردية إزاء علة الضرر بعد أن تعذَّر منعه بغير ذلك، كما في حديث سمرة بن جندب، وقد كان يستعمل حقه في الاستطراق في بستان الأنصاري للوصول إلى نخلته، ولما كان يلزم من استعمال حقه هذا ضرر بالأنصاري، عرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حلولاً مختلفة، وأبى سمرة إلا الإصرار على إيذاء الأنصاري، فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإجتثاث النخلة التي يملكها سمرة، لأن بقاءها هو علة بقاء حق الاستطراق لسمرة في بستان الأنصاري، والاستطراق هو منشأ الضرر، وهكذا دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - الضرر الناشيء عن استعمال حق الملكية باستئصال علة العلل، وقال لسمرة "إنما أنت مضار" وفي رواية أخرى أنه - صلى الله عليه وسلم - علل ذلك بقوله: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" وفي هذه الرواية يعتبر حديث ((لا ضرر ولا ضرار)) مسوقاً للنهي عن الضرر الناشيء عن استعمال حق الملكية، فثبت أن هذا الحديث – وهو من جوامع الكلم – أصل عتبد في هذا الباب.(1/15)
تفصيل القول فيما يشمله حكم هذا الحديث من وجوه الضرر الناشئة عن استعمال الحق بوجه عام[1]:
نقول: امتثال النهي في الحديث يكون بأحد أمرين:
أولاً: بدفع الضرر قبل وقوعه.
وهذا هو الدور الوقائي لمقتضى الحديث.
ثانياً: بإزالة الضرر بعد وقوعه.
وهذا هو الدور العلاجي لمقتضاه، وذلك، لأن الضرر إما أن يكون متوقعاً أو واقعاً، فإن كان متوقعاً فالامتثال يكون بدفعه قبل وقوعه، ومن هنا، وضع الفقهاء قاعدة: ((الضرر يدفع بقدر الإمكان))[2] ومبدأ ((سد الذرائع)) الذي أخذ بأصله جميع الفقهاء، وتوسع المالكية والحنابلة في تطبيقه قائم على دفع ضرر متوقع، ومبدأ سد الذرائع هذا يعتبر توثيقاً لمبدأ ((المصالح)) الذي قامت عليه الشريعة.
وليس العمل ((بالاستحسان)) في بعض صوره عن الحنفية إلا تطبيقاً لدفع ضرر متوقع، فقد قالوا: أن المالك يمنع من التصرف بعقاره إذا كان يترتب على تصرفه ضرر فاحش استحساناً لا قياساً لأجل المصلحة[3].
وإن كان الضرر واقعاً، فالامتثال والتنفيذ إنما يكون بإزالته، أي بإزالة أسبابه لمنع استمراره في المستقبل، والضمان أو التعويض عما وقع إن كان له وجه، لأن كل ما كان واقعاً على وجه غير مشروع فهو واجب الإزالة. ولكن، قبل أن نتصدى لعرض آراء أئمة المذاهب في تقييد حق الملكية الفردية إذا ترتب على استعماله ضرر على قدر معين من الجسامة يلحق بالغير، بالاستناد إلى هذا الحديث، ووجوه استدلالاتهم ونقدها لنتبين ماهو الراجح منها بالنظر إلى قوة الدليل وروح الشريعة، أقول قبل ذلك، أود أن أتناول الحديث[4] بشيء من الشرح المجمل المركز الجامع.
المعنى المراد من اللفظين ((لا ضرر ولا ضرار)) عند الأصوليين والفقهاء:
يحكي الشوكاني الخلاف في الفرق بين اللفظين في المعنى ويذكر أقوالاً منها:
أولاً: أن الضرار: أن تضره بغير أن تنتفع، والضرر أن تضره وتنتفع أنت به[5].
ثانياً: أن الضرار هو الجزاء على الضرر، والضرر الابتداء.(1/16)
وذهب بعض الفقهاء وأصوليو الجعفرية إلى احتمال أن يكون التكرار للتأكيد، بل هو الأرجح عند هؤلاء الأخيرين[6].
وكتب أصول الجعفرية صريحة في ذلك[7].
وفي فقه المالكية، يذكر صاحب المنتقى على موطأ مالك، المعاني المحتملة لهذين اللفظين، ومن ذلك.
– أنه يحتمل أن يراد بالحديث: لا ضرر على أحد بمعنى أنه لا يلزمه الصبر عليه، ولا يجوز إضراره بغيره.
غير أن بعض فقهاء المالكية يخص الحديث بنفي الضرر عن الجار، والنهي عن الاضرار به، سواء كان مقصوداً أم غير مقصود.
وتعقب هذا بأنه تخصيص للحديث بلا دليل، إذ الحديث عام، وبعمومه يشمل كل صور الضرر إلا ما استثنى بدليل، وهذا ما يؤكده العلامة الشوكاني بقوله:
"هذا فيه دليل على تحريم الضرار على أي صفة كانت، من غير فرق بين الجار وغيره، فلا يجوز في صورة من الصور إلا بدليل يخصص به هذا العموم، فعليك بمطالبة من جوز المضارة في بعض الصور بالدليل، فإن جاء به قبلته، وإلا ضربت بهذا الحديث وجهه، فإنه قاعدة من قواعد الدين تشهد له كليات وجزئيات"[8].
وعلى هذا، فليس الحديث خاصاً بنفي الضرر أو تحريم إيقاعه على الجار خاصة لما هو ظاهر فيه من العموم، والتفرقة دون دليل محض تحكم هذا والمشهور – كما يقول ابن رجب – إن بين اللفظين فرقاً[9]، ويحمل الحديث على معنى أن الضرر نفسه منتف في الشرع، وإدخال الضرر بغير حق كذلك[10].
وعلى هذا فالضرر هو الإسم، والضرار هو الفعل، كما يذكر احتمالاً آخر من المعنى للحديث وهو : ((أن الضرر أن يدخل على غيره ضرراً ينتفع هو به، والضرار ما لا يضره ويتضرر به الممنوع)) وقد رجح هذا المعنى ابن عبدالبر وابن الصلاح، وقد ذكره كذلك ابن الأمير[11].
وجماع القول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نفى الضرر والضرار بغير حق، وأما إدخال الضرر على من يستحقه فهذا غير مراد قطعاً[12].(1/17)
وعندي إنه إذا انتفت مشروعية الضرر بصريح قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا ضرر ولا ضرار" كان ذلك نهياً عن الأفعال التي تؤدي إلى الضرر مقصوداً أم غير مقصود، اجتثاثاً لواقعة الضرر في أي صورة من صوره بالقضاء على أسبابه المحرمة، وبالقضاء على أسبابه المشروعة في الأصل أيضاً إذا ترتب عليها اضرار على قدر يعني من الجسامة، تطبيقاً لعموم هذا الحديث، وتنفيذاً لإرادة المشرع في أوسع مدى، إلا ما استثنى منه بدليل.
واعمال الحديث على هذا الوجه يقضي بمحو واقعة الضرر بقطع النظر عن السبب المنشئ له ولو كان في الأصل مشروعاً، إذ الحديث عام ومطلق غاية ما في الأمر أن الأصوليين استنتجوا من جزئيات الأحكام بالاستقراء ضابطاً يكيَّف الفعل في ضوئه بالمشروعية وعدمها، ضابط المشروعات هذا قاض بضرورة النظر في ثمرة الفعل بين ما اشتملت عليه من نفع وضرر، فإذا كانت كفة الضرر هي الراجحة[13] منع الفعل ولو كان في الأصل مشروعاً تطبيقاً لعموم هذا الحديث وما اشتق منه من قواعد تحكم الضرر سنأتي على بحثها في موضعه بإذن الله تعالى.(1/18)
وبناء على هذا الأصل يكون النهي عن الضرر في هذا الحديث شاملاً لما إذا كان الضرر ناتجاً عن طريق المباشرة، أو ناتجاً عن طريق النسب مع التعدي، وهو عين ما تقرره المسئولية التقصيرية في القانون المدني، وشامل كذلك للضرر الذي يترتب على فعل مشروع في ذاته، وهذا يعتبر أصلاً من أصول نظرية التعسف في استعمال الحق التي عرفها الفقه القانوني المعاصر على نحو أضيق مما عرفته الشريعة الإسلامية منذ عدة قرون، يؤيد ذلك ما ورد في الكتاب والسنة من النهي عن المضارة في ((الحقوق))[14] كما يؤيده ما أثر من فقه الصحابة بمنع كل ذي حق من أن يتسبب باستعمال حقه في إيقاع الضرر بغيره، كما في قضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه على محمد بن مسلمة في إجباره على إمرار الماء في أرضه لمصلحة جاره، وكما في توريث عثمان بن عفان رضي الله عنه في توريث المبتوتة في مرض الموت بقصد حرمانها من الميراث، وكل ذلك من باب المنع من استعمال الحق إذا أدى إلى الاضرار بالغير دون نفع يرجع على صاحب الحق، أو المنع من استعماله لمجرد قصد الاضرار وهضم الحقوق، تحريماً للتسبب في ذلك ولو كان ذلك التسبب في الأصل مشروعاً.
غير أن بحثنا هنا لا يتسع لسرد الأدلة من الكتاب والسنة وفقه الصحابة، وتناول ذلك بالتفصيل وبيان وجه الاستدلال، وإن كنا قد أشرنا إلى ذلك في غير موضع من مقالاتنا السابقة، لأني أود قصر البحث هنا على نقطة هامة هي:
مدى استدلال أئمة المذهب بحديث ((لا ضرر ولا ضرار)) في استعمال حق الملكية الفردية على الخصوص.
رأى الإمام الشافعي في مدى حق الملكية بالاستناد إلى حديث ((لا ضرر ولا ضرار)):(1/19)
يرى الإمام الشافعي – رحمه الله – أن حديث ((لا ضرر ولا ضرار)) ليس نصاً قاطع الدلالة في منع المالك من التصرف في ملكه إذا ترتب عليه ضرر بغيره، بل هو محتمل أيضاً لنفي الضرر عن المالك في منعه من التصرف في ملكه لمصلحة الغير ضرراً أشد من مصلحة دفع الضرر عن غيره، الضرر عن الغير لإيقاعه بالمالك، ويرى الإمام الشافعي أن في منع المالك من التصرف في ملكه لمصلحة الغير ضرراً أشد من مصلحة دفع الضرر عن غيره، إذ يقول في كتابه الأم:
"فإن تأوَّل رجل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا ضرر ولا ضرار" فهذا الكلام مجمل لا يحتمل لرجل شيئاً إلا احتمل عليه خلافه، ووجهه الذي يصح به، أن لا ضرر في أن لا يحمل على رجل في ماله[15] ما ليس بواجب عليه، ((ولا ضرار)) في أن يمنع رجل من ماله ضراراً، ولكل ما له وما عليه. فإن قال قائل: بل أحدث للناس في أموالهم حكماً على النظر لهم[16] وأمنعهم في أموالهم على النظر لهم، قيل إن شاء الله تعالى: أرأيت رجلاً له بيت يكون ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع في دار رجل له مقدرة[17]، أعطاه به ما شاء، مائة ألف دينار أو أكثر، وقيمة البيت درهم أو درهمان، وأعطاه مكانه داراً مع المال أو رقيقاً، هل يجبر على النظر له أن يأخذ هذا الكثير بهذا القليل؟... أو رأيت رجلاً له قطعة أرض بين أراضي رجل لا تساوي القطعة درهماً، فسأله الرجل أن يبيعه منها ممراً بما شاء من الدنيا، هل يجبر على أن يبيع ما لا ينفعه بما فيه غناه؟؟.."
وذكر أمثلة أخرى في هذا المعنى. إلى أن قال – رحمه الله –:
"فإن قال قائل لا يجبر واحد من هؤلاء على النظر له قلنا: وكل هؤلاء يقول: إنما فعلت هذا اضراراً بنفسي واضراراً للطالب إليَّ[18]..." إلخ.(1/20)
وهكذا نرى الشافعي ينكر أن يقيد المالك في تصرفه في ملكه ولو أدى إلى الاضرار بغيره بل ولو أضر بنفسه وبغيره قصداً، ما دام يتصرف في حدود ملكه المرسومة له شرعاً، كما لا يتخذ من حديث ((لا ضرر ولا ضرار)) حجة في هذا التقييد لما تطرق إليه من الاحتمال الذي ذكرناه، لأنه مجمل، وقد حمله على معنى رآه الوجه الصحيح للحديث كما رأينا.
على أن الإمام الشافعي على الرغم من إطلاقه لحرية تصرف المالك دون قيد لا ينفي الإثم إذا قصد المالك الاضرار بغيره، فالمالك يحمل وزر هذا القصد من الإثم، وهذا محل إتفاق بين العلماء، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
غير أننا بتتبعنا للفقه الشافعي نرى أن الإمام نفسه – رحمه الله – يحد من حرية المالك في تصرفه في ملكه في كثير من الصور وإن كان لا يستند في هذا التقييد إلى حديث ((لا ضرر ولا ضرار)) بل إلى أدلة أخرى، الأمر الذي لا يصح معه القول بأن الإمام الشافعي يقول بنظرية ((الحق المطلق)) في الشريعة الإسلامية، وليس هنا مقام بحث تلك الصور وأدلتها.
رأي الإمام أبي حنيفة في مدى حق الملكية بالاستناد إلى حديث لا ضرر ولا ضرار:
لا يأخذ الإمام أبو حنيفة – رحمه الله – بحديث ((لا ضرر ولا ضرار)) يقيد حق المالك في تصرفه في ملكه قضاءً، فلا يمنع من التصرف في ملكه ولو تضرر من ذلك غيره، فله أن يحفر في ملكه بئراً أو بالوعة ولو كان ذلك يوهن جدار جاره، ولو سقط لا ضمان عليه، لأنه ليس معتدياً، أي مجاوزاً حدود ملكه المادية في التصرف، وهو لا يمنع إلا إذا تعلق بملكه حق عيني للغير، كحق صاحب العلو على السفل مثلاً[19].
وقد عبر الكاساني عن وجهة النظر هذه بقوله في بدائعه:(1/21)
"حكم الملك ولاية التصرف للمالك في المملوك باختياره، وليس لأحد ولاية الجبر عليه إلا لضرورة، ولا لأحد ولاية المنع عنه، وإن كان يتضرر به، إلا إذا تعلق به حق الغير، فيمنع عن التصرف من غير رضا صاحب الحق... للمالك أن يتصرف في ملكه أي تصرف شاء سواء كان تصرفاً يتعدى ضرره إلى غيره أو لا يتعدى، فله أن يبني في ملكه مرحاضاً أو حماماً أو تنوراً، وله أن يقعد في بنائه حداداً أو قصاراً، وله أن يحفر في ملكه بئراً أو بالوعة أو ديماساً[20] وإن كان يهن من ذلك البناء ويتأذى به جاره، وليس لجاره أن يمنعه... ولو فعل ذلك حتى وهن البناء وسقط حائط الجار لا يضمن، لأنه لا صنع منه في ملك الغير"[21] أو ليس معتدياً ومجاوزاً حدود ملكه.
وجاء في فتاوى قاضي خان[22]: أن أبا حنيفة يقول:
"من تصرف في ملكه لا يمنع وإن تضرر جاره".
وحكى أن رجلاً شكا إلى أبى حنيفة من بئر حفرها جاره في داره فخشي منها الشاكي على جداره، فقال له أبو حنيفة – رحمه الله – أحفر في دارك بجوار تلك البئر بالوعة ففعل، فنزَّت البئر، فكبسها صاحبها.
وهكذا لم يفت أبو حنيفة الشاكي بأن له أن يجبر جاره على كبس بئر، قضاء، بل بيَّن أن لكل منهما كامل الحرية في التصرف ما دام ذلك ضمن حدود ملكه.
وإذا لم يقيد أبو حنيفة حق المالكية قضاءً فذلك لأنه يرى أن معنى الملك هو حرية التصرف، فتقييد هذه الحرية نقضٌ لأصل الملكية وافتئات عليها..
وأيضاً فإن الإمام أبا حنيفة – رحمه الله – لا يرى أن يدفع الضرر عن غير المالك بإيقاع الضرر بالمالك كما ذكرنا لأن ضرره بالمنع من التصرف في ملكه أشد، ذلك لأن حرية تصرفه في ملكه تستند إلى حق شرعي ثابت، وهو لم يمنح هذا الحق إلا لمصلحة راجحة، فتقييد حريته فيما تبث له من حق اعتداء عليه، والاعتداء في ذاته غير مشروع، فلا يدفع الضرر عن غير المالك بأمر غير مشروع.
حق الملكية مقيد ديانةً عند أبي حنيفة:(1/22)
رأينا أن أبا حنيفة – رحمه الله – يطلق حرية التصرف في المالك إطلاقاً تاماً، ولا يجعل للقضاء حقاً في التدخل لتقييده لدفع الضرر عن غير المالك شريطة أن يكون هذا التصرف في حدود الملكية، ودون أن يكون للغير حق عيني متعلق بها.
غير أن الإمام يترك التقييد للوازع الديني، فالديانة توجب على المالك ألا يتخذ من حق الملكية ذريعة إلى الإضرار بغيره، بقصد أو دون قصد، إذ ليس وقوع الضرر أو إيقاعه من التعاون على البر المأمور به شرعاً، ولا هو عمل بمقتضى الانتهاء عن الضرر والضرار الوارد كقاعدة من قواعد الدين.
وعلى هذا يمكن القول بأن أبا حنيفة – رحمه الله – إذا أطلق من حرية التصرف في الملك عملاً بموجب القياس، لأن الأصل أن الناس مسلطون على أموالهم، وأن حق الملكية يخول صاحبه شرعاً سلطة التصرف كما يشاء دون اعتداء ومجاوزة لحدود ملكه الموضوعية أو المادية، فإنه ترك تقييد هذا الحق لحكم الديانة، وذلك اعتماداً منه على قوة الوازع الديني، وهيمنة سلطان العقيدة، ولا نرى مما يخالف أصل هذا النظر تقييد الحق قضاءً إذا ضعف هذا الوازع بتغير الزمن، يرشدك إلى هذا أن الإمام كان يكتفي بظاهر العدالة في رواية الحديث في القرن الثالث بينما امتنع صاحباه عن الأخذ بذلك لتغير الزمن وغير ذلك من الأمثلة كثيرة، أقول ليس مما يخالف أصل ذلك النظر عند الإمام أن يقيد حق الملكية قضاءً أيضاً بتغير الزمن بعد أن كان مقيداً ديانة إذا اقتضت المصلحة ذلك، والمصلحة – كما يقول الإمام الغزالي – مقصود الشرع، ولذا رأينا الإمام أبا يوسف – رحمه الله – والمتأخرين من فقهاء الحنفية وأصحاب الفتاوى منهم، يرجحون القول بمنع المالك من التصرف بملكه على وجه يضر بالملكية المجاورة ضرراً فاحشاً، لحديث ((لا ضرر ولا ضرار)) ولضعف سيطرة الدين على النفوس، فحقت عليهم كلمة ((القضاء)) لحملهم على الامتناع عن الاضرار.
ويعبِّر صاحب تبيين الحقائق عن وجهة النظر هذه بقوله:(1/23)
"ولو أراد بناء تنور في داره للخبز الدائم كما يكون في الدكاكين أو رحا للطحن أو مدقات للقصارين لم يجز، لأن ذلك يضر بالجيران ضرراً ظاهراً – أي فاحشاً – لا يمكن التحرز عنه، والقياس أنه يجوز، لأنه تصرف في ملكه، وترك ذلك استحساناً لأجل المصلحة"[23].
هذا وسنبحث في العدد القادم إن شاء الله رأي الإمامين مالك وأحمد والظاهرية والشيعة الجعفرية في مدى استعمال حق الملكية بالاستناد إلى حديث ((لا ضرر ولا ضرار)) بالإضافة إلى ما فعله أصوليو المالكية والحنابلة وأصحاب القواعد منهم في وجوه الضرر الناشئة عن استعمال هذا الحق، وإلى ما وضعوا لها من الحلول المستنبطة من هذا الحديث، إلى جانب الأحكام الجزئية التفصيلية التي تتعلق بحقوق أخرى، تطبيقاً لهذا الحديث الذي يعتبر قاعدة من قواعد الدين تشهد له جزئيات في الشرع وكليات، وسنرى أن المالكية والحنابلة كانوا أوسع أفقاً وأعمق بحثاً وأشمل نظراً في موضوع تقييد الحق بوجه عام ولا سيما حق الملكية الفردية، والله أعلم.
---
[1] أي ما يشمل الحق الاستئثاري بمعناه الدقيق والاباحات أو الرخص العامة بوجه عام.
[2] مجلة الأحكام العدلية: مادة (31).
[3] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي حـ4 ص196.
[(1/24)
4] سوف لا نتعرض للحديث من حيث السند، لأنه وإن كان ظنياً باعتبار سنده، إلا أن مضمونه يرقى إلى مرتبة القطعي، باستقراء الأحكام الواردة في القرآن والسنة المشهورة: كالنهي عن مضارة كل من الوالدين الآخر في أولادهما، ((لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده.. الآية (233) البقرة)) والنهي عن وصية الضرار، ولو كانت في حدود الثلث أو بما دونه ولا جنبي أو في وجوه البر والقرب، لقوله تعالى: ((من بعد وصية يوصى بها أودين)) سورة النساء آية (12) والنهي عن رجمة الضرار لقوله تعالى: ((ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا)) البقرة آية (231) والنهي عن المضارة في استعمال حق الملكية لقوله - صلى الله عليه وسلم - ((إنما أنت مضار)) إلى غير ذلك من النصوص الجزئية الواردة في النهي عن الضرر، ولهذا يقول الشوكاني: أنه قاعدة من قواعد الدين تشهد له كليات وجزئيات.
راجع نيل الأوطار حـ5 ص261.
[5] المرجع السابق.
[6] ((غاية الأصول)) طبع إيران ص266.
[7] فقد جاء في ((غاية الأصول)) المجلد الثاني ص266: ((الظاهر أن الضرر هو ما يقابل النفع من النقص في النفس أو الطرف أو العرض أو المال، كما أن الأظهر أن يكون الضرار بمعنى الضرر جئ به تأكيداً، كما يشهد به إطلاق ((المضار)) على سمرة بن جندب)).
واختار هذا الاحتمال ورجحه ابن حبيب من المالكية – المنتقى شرح الموطأ حـ6 ص4. وعمدة من قال بالتأكيد: أن لفظ الضرار ورد في الكتاب والسنة – النهاية حـ3 ص16.
[8] نيل الأوطار حـ5 ص260.
[9] وهذا يؤيده المغايرة في المعنى من حيث اللغة – جاء في لسان العرب ما نصُّه: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)) ولكل واحد من اللفظين معنى غير الآخر، فمعنى قوله: ((لا ضرر)) أي لا يضر الرجل أخاه، وهو ضد النفع، وقوله: ((ولا ضرر)) أي لا يضار كل واحد منهما صاحبه، فالضرار منهما معاً، والضرر فعل الواحد – حـ6 ص153.
[(1/25)
10] جامع العلوم والحكم ص267.
[11] النهاية – حـ3 ص16.
[12] المرجع السابق.
[13] الموافقات للشاطبي حـ3 ص350 وما بعدها.
[14] راجع جامع العلوم والحكم لابن رجب ص267 حيث عدد صوراً من استعمال الحق بقصد المضارة تطبيقاً لعموم هذا الحديث.
[15] ويشمل ذلك الملكية.
[16] أي من أجل مصلحتهم.
[17] أي غني واحد.
[18] الام حـ3 ص222.
[19] البحر الرائق حـ5 ص320 – البدائع حـ6 ص189 – ص190 – وراجع كتاب ((أبو حنيفة)) للشيخ محمد أبي زهرة.
[20] جاء في القاموس المحيط: أن الديماس (بالفتح ويكسر) الكن والسرب والحمام دياميس ودماميس، الخ...
[21] البدائع حـ6 ص463 – ص464 – المبسوط للسرخسي حـ15 ص21.
[22] فتاوى قاضيخان بهامش الهندية: حـ3 ص256.
[23] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي – حـ4 ص196.(1/26)