بسم الله الرحمن الرحيم
الحضور والشهادة والرسالة
... ... ... ... ... تقديم
... ... ... ... ... الأستاذ / جودت سعيد
... بسم الله والحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفي والأمرين بالسقط من الناس وبعد: فإنني مدين للكاتب مالك بن نبي فيما حصلت من رؤية للعالم 0 إنه هو الذي وضعني على طريق المعرفة للعالم فى هذا العصر وهو الذي يقول فى كتابه (( الأفريسيوية )) : ( إن إنسانا يجهل إضافات القرن العشرين للمعرفة البشرية لا يمكن أن يحضر العالم إلا ويشنع بنفسه ) 0
... إن هذا العصر الذي نعيش فيه هو عصر اضطر الناس فيه أن يعرفوا أو يتعرفوا على آيات الله فى الأفاق والأنفس ،الوحي الذي بقي مستمرا للبشر جميعا لتلقي رسالة الله إلى العالم 0
والعنوان الذي وضعته لهذه الكلمات (( الحضور والشهادة والرسالة )) مأخوذ من كتاب مالك بن نبي المعنون
بـ (( كومولث إسلامي )) حيث تحدث عن الحضور والشهادة والرسالة ولما قدم إلى الأخ (( وحيد تاجا )) رسالته هذه التي أقدمها لكم أيها القراء الأعزاء النهمون إلى المعرفة المتلقون لأمر أول كلمة فى آخر رسالة : (أقرأ ) طلب مني أن أطلع عليها وأكتب كلمة مهما كانت موجزة كمقدمة لها 00 ففكرت ماذا أكتب فخطرت لي هذه الفكرة ، فكرة الحضور والشهادة والرسالة 0(1/1)
... أولا : خطر لي فكرة الشهادة ، حيث الاخ وحيد مراسل صحفي ، والمراسلون الصحفيون على اختلاف مهماتهم بدور الشهادة على العالم ، ويوصلون شهادتهم إلى الناس ، إنها مهمة كبيرة مقدسة لأنها نافعة ، وسيمكث فى الأرض ما ينفع الناس 0 والشهادة من الحضور ، ولا شهادة لغائب ، ( وليبلغ الشاهد منكم الغائب ) 0 هذه وصية رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) فى حجة الوداع ، فقد قال للناس الذين شهدوا ذلك الموقف : ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب ) ، والله تعالي يقول عن أمة محمد ( لتكونوا شهداء على الناس ) } البقرة 143 { ، ويقول : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ) } النساء : 135 { ، ويقول : ( كونوا قوامين لله شهداء بالقسط )
} المائدة : 8 { 0 والشهادة هي وظيفة الأمة الوسط ، والشهادة ترمز إلى الاستشهاد فى سبيل الحق والعدل ، وترمز إلى أداء وإيصال المعلومة إلى الغائبين 0 والصحفيون يقومون بدور الشهادة بالقسط بالعدل ، بالحق ، والشهادة تقتضي الحضور والحضارة من الحضور ومن لا يحضر العالم لا يكون متحضرا 0 إنها الكلمات الثلاث : الحضور والشهادة والرسالة مترابطة 0 إن الحضور يؤهل لدور الشهادة والشهادة تؤهل للرسالة للبلاغ وإيصال المعلومة إلى الناس ، والإنسان ما هو إلا نفس + معلومة ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ،و قد خاب من دساها ) } الشمس :7:10 { 0
... وكلما اتسع حضور الإنسان اتسعت شهادته وكلما اتسعت شهادته عظمت رسالته ( قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون )(1/2)
} ص : 67 – 68 { وتذكير الناس بأنباء ما قد سلف وأنباء ما يحدث هو الرسالة والإنسان الرسالى هو الذي يوصل المعلومة إلى الناس ومهنة الصحافة ومراسلو الأنباء إنهم أناس يقومون بدور الحضور والشهادة ويقومون بأداء الرسالة 0 إنهم الأجناد المجهولون اليقظون 0 إنهم من عباد الله ولكن يقومون بدور وظفية العبد المؤمن ( طوبي لعبد مؤمن أخذ بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها ) ، والمراسلون هم المستنفرون كلما سمعوا بصاحب فكر وبصاحب ذكر يطيرون إليه يسائلون أهل الذكر
( فاسألوا اهل الذكر ) }النحل : 43{ والأخ وحيد يسأل أهل الذكر ، يقلب بصره فى سماء الفكر فيطهر ليسأل أهل الذكر فيما عندهم ليقوم بدور الحضور والشهادة وأداء الرسالة 0 إنه لدور عظيم إيصال الأنباء العظيمة ( عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ) } النبأ :1-3 { 0
... إن فى الإنسان شوقا إلى الأنباء وإن فى الإنسان شوقا إلى التبليغ ، ولا قدرة له على الكتمان ، لأنه كتمان يشعر القلب بالإثم ( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتهما فإنه آثم قلبه ) } البقرة : 283 { 0
... أي أخي وحيد : تابع واجتهد واحضر واشهد وبلغ أجوبة أهل الذكر ولطالما تمتعنا بقراءة ما جمعت من أجوبة الأسئلة التى توجهها إلى مظان الحصول على الأجوبة ، وما العالم إلا أحداث وحضور وشهادة ورسالة 0
... بلغ أنباء خوالج أهل الذكر بالأمس واليوم لتساهم فى صنع الغد الأفضل للعالم ، ولذلك خلقهم 0 ومعذرة إليك أيها الأخ وحيد تاجا ومعذرة إليك القارئ العزيز ، وأبشركم جميعا بأن ما يأتي وما سيأتي وما سوف يأتي فإنه سيكون أفضل على قانون أن الأفضل هو الذى سيمكث فى الأرض 0
... واللام عليكم ورحمه الله 0 ... ... ... ... ... جودت سعيد
... ... ... ... ... ...
المقدمة
... ... ... ... ... ... ... وحيد تاجا(1/3)
عندما بدأت بإجراء هذه الحوارات منذ ما يزيد عم عشر السنوات لم يدر بخاطري قط جميعا بين دفتي كتاب كما لم يكن الهدف من إجرائها نشرها فى مجلة أو صحفية فقط 0 لقد كان السبب المباشر وراء تلك الحوارات البحث عن إجابات لأسئلة راودتني ومازالت تراود الكثير من الناس 0 فمنذ نهاية السبعينات ومع انتصار الثورة الإسلامية فى إيران وتجدد الصحوة الإسلامية أخذت أسئلة كثيرة تطرح عن فحوى وأسبابها ، وعن الدور الذي لعبته هذه الثورة فى اشتعالها وتأججها 0 ومع نشاط الحركات السياسية الإسلامية برز سؤال : عم يريد الإسلام اليوم ؟ هل يريد بناء حضارة مثل تلك التى بناها قبل 1400 سنة وهل مازالت تلك الحضارة صالحة لهذا العصر ولهذه الأيام ؟ هناك أمور كثيرة تغيرت اليوم وأصبح من الضرورى على المفكر الإسلامي وعلى العالم الإسلامي أن يجيب على أسئلة العصر وقضاياه فأخذنا نسمع عن الإسلام السياسي وعن الإسلام التقليدي كما أخذنا نسمع عن الفكر الإسلامي المعاصر مقابل الفكر الإسلامي المحافظ ، فما المقصود بكل هذا ؟ وبماذا يختلفان عن بعضهما بعضا وأين نقاط التقاطع بين الفكر الإسلامي المعاصر والفكر الإسلامي التقليدي ؟ هل هناك فكر إسلامي واحد فى العالم الإسلامي أم أن لكل بلد خصوصياته البيئية واجتهاداته ؟
... ثم كيف يفهم الإسلام اليوم مسالة الديمقراطية ؟ إذا لا يعقل أن يتجاهل هذه القضية وهي مثار اهتمام كل الناس وأولي الأولويات بالنسبة لجميع المفكرين والمثقفين على اختلاف مشاربهم وبالتالي ما هي العلاقة بين الشوري والديموقراطي وهل نرفض الديموقراطية لأنها مصطلح غربي فقط ! ومن ناحية أخري ... ما هو موقف الإسلام اليوم من تعدد الأحزاب ؟ وهل يقبل بالألتقاء والحوار مع الأحزاب اليسارية والشيوعية والعلمانية ؟
فهذه المسائل لا بد أن تكون فى ذهن كل المفكرين والعلماء المسلمين 0 كما يجب أن تأخذ حيزا كبيرا من تفكير المثقفين العلمانين 0(1/4)
... وترافقت حالة النهوض الإسلامي مع تصاعد الهجمة الشرسة من الإعلام الغربي على الإسلام لتطرح من جديد مسألة العلاقة مع الغرب وسبل تحسين هذه العلاقة 0 فى كل يوم ومع كل حدث كانت تطرح أسئلة جديدة وكانت حرب الخليج الثانية الحدث الأشد خطرا وأثرا على تصدع الصف العربي وعلى انهيار الخطاب العربي المعاصر فقد فاقت هذه الخرب فى نتائجها الخطيرة هزيمة حزيران 1967 0 وتركت نهايتها ونتائجها أسئلة كثيرة فى أذهان الناس عن الخطاب القومي العربي وعما إذا بقي خطاب عربي أصلا ! فقد سبق وانهار الخطاب الماركسي القومي 0 وهناك م آخذ لا حصر لها على الخطاب الديني فهل يمكن رغم هذا أن يكون الخطاب الإسلامي هو الخطاب البديل ؟ أم أنه من الممكن أن يعود الخطاب القومي بشكل أو بأخر ليأخذ دوره من جديد ومع بروز وصمود المقاومة الإسلامية فى جنوب لبنان وفلسطين المحتلة ( حزب الله حركة الجهاد الإسلامي ، وحركة حماس ) وازدياد العلميات الاستشهادية ضد الكيان الصهيوني طرحت تساؤلات عديدة حول ارتباط تلك العلميات بالجهاد أو الشهادة 0
وجاء مؤتمر مدريد وعملية السلام مع الكيان الصهيوني لتطرح أسئلة جديدة حول موقف الإسلام ، والحركات الإسلامية من عملية السلام مع هذا الكيان المغتصب وفى ذات الوقت كان السؤال يطرح على جميع المفكرين على اختلاف مشاربهم حول موقفهم فى هذا الصراع وهو على مفترق طرق ؟(1/5)
... ومع أحداث العنف المسلح فى الجزائر وفى مصر وغيرهما ووصف تلك العمليات بالإرهاب توسعت دائرة الأسئلة تستوضح الموقف من العنف المسلح وموقع هذا العنف ضمن دائرة الجهاد المقدس ... وطرحت مسألة النظام العالمي الجديد وبرزت معها نظرية نهاية التاريخ وصدام الحضارات ووصل الأمر إلى نهاية الإيدولوجيا وحتى نهاية المثقف العربي بعد أن أخذ الجميع يتساءلون عن طبيعة العلاقة التى يجب أن تربط المثقف الإسلامي أو العلماني بالسلطة السياسية فأين المفكر والعالم الإسلامي من هذه ؟ كما أين هو موقع المفكر والمثقف العلماني العربي ؟ وكيف ينظر الجميع إلى مثل هذه الأطروحات ؟
... ومن جديد انتشرت ظاهرة العودة إلى الحجاب بين النساء وتعالت فى الوقف ذاته أصوات تطالب بالمزيد من الحرية والمساواة للمرأة فى المجتمع الإسلامي ، وأفرزت الحالة أسئلة جديدة عن أثر انتعاش الصحوة الإسلامية على المرأة ، وتفسير ظاهرة انتشار الحجاب وطالت الأسئلة كل أبعاد علاقة المرأة بالرجل وبالمجتمع حقوقا وواجبات 0 كل هذه التساؤلات كانت تدور فى ذهني وأنا ألتقي مع هؤلاء المفكرين وحاولت أن أتوسع أكثر ما يمكن فى بحثي عن الإجابات فالتقيت علماء ومفكرين إسلاميين وعلمانيين فى سوريا ولبنان والأردن وفلسطين فضلا عن مصر وتونس والجزائر والمغرب كما اتقيت ببعض المفكرين الذين اعتنقوا الإسلام مؤخرا مثل منير شفيق الذي كان مسيحا ومنظرا شيوعيا ومثل روبرت كرين مستشار الرئيس الأمريكي رتشارد نيكسون للأمن القومي وغيرهما 0
... حاولت أن ألتقي مع هؤلاء لأري مدي انعكاس الصحوة الإسلامية عليهم ورأي مواقفهم فى كل القضايا المطروحة وكذلك التقيت نصر حامد أبو زيد وطبيب تيزينى وعلى حرب كل هذا فى إطار محاولة لفهم أوسع وأعمق لما يجري ويدور ، لا لأريد القول أن الإجابات قد اكتملت فهي لن تكتمل أبدا ولكن ما اجتمع منها أتاح لي كما أتاح فيما أرجو – لمن اطلع عليها فهما مختلفا لما جرى ويجري 0(1/6)
... وتماما مثلما تهدف الصورة الفوتوغرافية إلى تثبيت الزمن فى لحظة معينة منت أري فى هذه الحورات وثقية وفى نشرها عملية إيقاف وتثبيت للزمن فى هذه المرحلة وثيقة لمعرفة مواقف هؤلاء الناس ، وهم ليسوا بالأشخاص العاديين بل هم الطلعية وهم العلماء والمفكرون 0
... صحيح أن هذه المواقف قد تتغير فيما بعد ، لكن من المهم تثبيت وتوثيق مواقف هؤلاء المفكرين فى هذه المرحلة غير العادية فى حياتنا ورأيت أنه من الجيد أن تجتمع هذه الإجابات بعد أن نشرت متفرقة لتكون وثيقة للزمن ، فهناك عدد كبير من الناس اطلعوا على هذه المقابلات فى مجلة (( العالم )) اللندنية و (( ااسفير )) اللبنانية ، والرأى العام الكويتية والوطن العمانية حيث نشرت ولكن هناك الكثير أيضا ممن لم يطلعوا عليها ، وقد جمعها بين دفتي كتاب فرصة أفضل ليطلع الناس على شتي الآراء والأفكار من وجهة نظر العالم الإسلامي والمفكر العلماني 0 لقد فكرت كثيرا إن كان من الضروري جمع الحوارات الإسلامية والعلمانية فى كتاب واحد ، أم من الأفضل نشرها فى كتابين منفصلين ؟ وبعد مناقشات طويلة مع عدد من الأصدقاء استقر الرأي على نشر الحوارات الإسلامية المتقاربة جدا فى محاورها فى كتاب حول (( الخطاب الإسلامي المعاصر )) ونشر الحوارات مع المفكرين العلمانيين ومع بعض الأجانب الذين أسلموا مؤخرا فضلا عن الحوارات التى أجريت مع بعض النساء العاملات فى مجال الدعوة الإسلامية ،وذوات الرأي المخالف فى كتاب آخر تحت اسم (( الإسلام – الخطاب العربي وقضايا العصر )) 0
... وفى النهاية : أرجو فعلا أن أكون قد قدمت شيئا مفيدا من خلال جمع هذه الحوارات فى كلا الكتابين 0
... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... وحيد تاجا
... ... ... ... ... ... دمشق فى 12/ 8 / 1998 م 0
المحور الأول
التجديد والنهوض الحضاري
? سماحة المفتي هل لكم أن تحدثونا عن الأسلوب الذي تعملون به لتأدية رسالتكم فى الدعوة ومدى نجاحه0(1/7)
? إن النجاح الحقيقي للعالم هو النجاح الذي حققه النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) وتلاميذه الكرام إذ استطاعوا بنصف قرن من الزمان أن يحرروا ليس فقط أمتهم وعروبتهم بل أن يحرروا نصف شعوب العالم لا من الاستعمار العسكري فحسب بل من الاستعمار والتخلف الحضاري والاقتصادي ومن الخرافة والجهل 000 ومن أمية العلم والأخلاق وأمية الإنسانية واستطاعوا بحقيقة الإسلام وبجوهره أن يتوصلوا إلى كل هذا 0
... ولئن كان بعض القادة والملوك والرؤساء قد فتحوا ، لكن فتوحاتهم كانت فتوحات استعمار وتسلط وسلب ونهب وعدوان 000 ولم يفتحوا كما فتح المسلمون والعرب الأول فآخوا بين الإنسان من قلب الصين إلى المحيط الأطللسى 0
... وأنا إذا نسب إلى النجاح فهو نجاح جزئى استطعت تحقيقه بتفهمى لحقيقه الآسلام الذى هو فقة القران وحكمتة (يس والقران الحكيم ) (يس :1-2 )،(كتاب أحكمت آياته )(هود :1)، والحكمة هى الصواب فى القول والعمل ،إذا قال يقول صوابا ،إذا عمل يعمل صوابا ،والأنسان الذي يتأسى اقتدى بخطوات النبى صلى الله علية وسلم فى ميدان التليم بهذه الثقافة السماوية التى صدرت من مخطط ومبدع ومهندس ،فطر السموات والأرض وما فيها من نظام على أدق كمال ،لايمكن أن يخفق ،ولايمكن أن ينزم 0إلاأن الاسلام لبس كما هو مفهوم عند كثير من علماء الدين ،أن نصلى هذذه الصلاة الطقوسية ،أونحج هذا الحج الطقوسى فحسب وإنما الصلاة مدرسة حافلة تبنى إنسانأ عظيما 0(إن الصلاة تنهى عن الغشاء والمنكر )(العنكبوت :45 )0
((1/8)
إن الانسان خلق هلوعا ،إذا مسة الشر جزوعا )(العارج :19-20 )، لاصمود عنده ولاصبرأمام الزلازل ،(وإذا مسة الخير منوعا )(المعارج :21 )،أنانى طماع يحب الخير لنفسة فقط ،إلاالصلى ،فالصلاة تخرج الإنسان من الهلع والضعف النفسي ،وتخرجه من الأنانية إلى حب الجماعة ،وفى الاسلام الجماعة ليست الأسرة أوالوطن وإنما العالم كله (وما أرسلناك إلا رب للعالمين )(الأنبياء :701 )0 إنى أفهم الإسلام على أنه إسلام القرآن وليس إسلام التعصب المذهبي فالتعصب المذهب كان سبب نكبة المسلمين عبر حوالي 1000 سنة وحتي الآن وما لم نرجع إلى إسلام النبي وإسلام تلاميذته ومدرسته التى رباهم فيها الإسلام الواحد سنبقي كما نحن بل سنزداد تخلفا وتقهرا إلى الوراء 0
... لقد قال الله تعالي : ( هو سماكم المسلمين من قبل ) (الحج : 78 ) لم يقل سمكاكم سنة أو شيعة وشافعية وحنيفية لا بل : ( قال إن هذه أمتكم أمة واحدة ) الأنبياء : 92 0 كما قال تعالي أيضا ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) الروم 47 0 ، وإيماني إنما هو علم وتربية وأخلاق وسلوك وارتباط بمنهجية القرآن بشكل علمي جسديا وفكريا وروحيا 0
... القطار إذا مشي على السكة الحديدية المخصصة له سينجح سريعا كان أم بطيئا وإذا خرج عن السكة سيفشل وبمقدار زاوية انحرافه سيبتعد عن الطريق القويم 0 والإسلام لم يأت ليهدم الشرائع السماوية الأخري لا المسيحية منها ولا اليهودية ولكنه أتي ليفتحها وليصححها من أخطاء بعض المجتهدين فيها الذين ابتعدوا عن فهم الحقيقة فأتي مستوعبا لكل شرائع السماء وموحدا لكل إنسان على وجه الأرض وليأخذه بيده فينقله إلى العم ، ومن التخلف إلى التقدم ومن اللاعقلانية إلى العقلانية الكاملة ومن الضعف فى كل الميادين إلى ميادين القوة ، القوة الإيجابية النافعة ، وليس القوة المدمرة 0(1/9)
? تركز باستمرار على دور الدعاة وأهميته 0 فما هى الطرق والسبل لإعداد دعاة قادرين على حمل لواء الدعوة فى هذه الظروف التى تمر بها أمتنا الإسلامية ؟
لقد قلت لعدد من الحكام العرب خلال لقائي بهم : غنها اليوم نحتاج إلى دعاة إسلاميين عاملين أكثر من حاجتنا لأي شئ أخر عن المواجهة مع أعداء الإسلام لا يمكن أن تحسم بالطرق العسكرية وحدها كما أن العالم أصبح قرية ضغيرة وأصبح البلاغ المبين مرهونا بكفاءة الدعاة وليس الحربية والدعاة المطلوبون فى هذه المرحلة – وفى كل مرحلة – هم ذلك الجيل الأول الذي انطلق من مسجد النبي الكريم ( - صلى الله عليه وسلم - ) فى المدينة وقد أعدهم النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) علما وسلوكا ، ومعرفة وتزكية فكانوا إذا حلو بأرض قوم تعلقت بهم القلوب وأنس بهم الناس ورأوا فى سلوكهم ما يدعوهم إلى الدخول فى الإسلام 0 وسأضرب هنا مثالا واحدا : -
... فى القرن السابع الهجري شهد العالم الإسلامي الاجتياح المغولي وهو أكبر غزو تشهده المنطقة فى التاريخ وكانت الجيوش الإسلامية تنكسر أمام ذلك الغزو وتتراجع عاصمة إثر عاصمة حتى سقطت بغداد عام 656 هـ ، ومضت تلك الجحافل المغولية بالحياة والأحياء إلى أن توقفت عند عين جالوت عام 659 هـ بحسب الظاهر العالم الإسلامي من خوارزم إلى دمشق كان تحت حكم السيوف المغولية وكانوا يطمسون سائر المعالم الإسلامية فى الأماكن التي بقيت تحت سيطرتهم ولكن فجأة نقرأ فى التاريخ أن هذه المدن تستعيد وجهها الإسلامي تدريجيا وأن قادة المغول العسكريين يتحولون إلى الإسلام ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى قامت الحكومات المغولية المسلمة فى خرسان و أوزبكستان والهند وأفغانستان وباكستان وتحول أولئك المحاربون الأشداء إلى مسلمين وداعين إلى الإسلام وشرعوا يبنون المساجد والمدارس الإسلامية ولا زالت مساجدهم التى بنوها فى الهند وآسيا الوسطي تمثل أعظم الآثار الإسلامية الباقية إلى اليوم 0(1/10)
... إن هذا التحول المدهش حقيقة تاريخية لا ينكرها أحد وتدل عليها مئات المساجد الباقية ولكن المؤرخون يختلفون فى تفسيرها إذا لم يكن هناك أي سبب سياسي يدعو هؤلاء الغالبين إلى الدخول فى دين المغولبين والحقيقة التى لا يمكن تجاهلها هى أن قوافل من الدعاة العاملين كانوا يتسربون إلى الحواضر المغولية ليس معهم من السلاح والعتاد إلا محبة الله والكلمة الطيبة والنية الصادقة مع العلم والعقل وكانوا يعلمون بصمت حتي تمكنوا من تحويل عظماء المغول إلى الإسلام 0 فقد أسلم تغلق خان على يد الشيخ جمال الدين وولده رشيد الدين كما أسلم بركة خان على يد الشيخ سيف الدين الباخرسي وهكذا تتابع إسلام سلاطين المغول حتى أصبح الإسلام – خلال سنين قليلة هو دين هذه الشعوب التى جاءت إلى العالم بلا دين ، إن الأمر نفسه يمكن أن يكرر فى كل جيل بعد ان قدمنا الأدلة الواضحة على نجاحة تاريخيا وإن الحضارة اليوم أحوج ما تكون لدعاة فى مستوي سيف الدين الباخرسي ، وتقوم على كواهلهم مهمة الهداية والإصلاح فى هذا العالم 0
... الدعوة إلى الإسلام أصيبت بارتكاسات عديدة هل يمكن تحديد بعض السلبيات من خلال الواقع ليكون ذلك عونا للدعاة والعاملين فى سلك الدعوة الإسلامية ؟
? لا أحب أن أخوض فى السلبيات ولكن أعتقد أن أي طرح للإسلام يجب أن يكون مؤمنا بحق الآخرين فى الرأي والاجتهاد واحترام ثقافتهم وأن الطرح المتعصب الممزوج بالعنف يسئ أكثر مما يحسن وينعكس سلبا على الجهود الإسلامية فى تحقيق العودة إلى الإسلام 0
تتحدثون كثيرا عن ضرورة العودة إلى الإسلام فما المقصود بهذا تحديدا ؟ وما هو المنهج الذي ترونه مناسبا لهذه العودة ؟(1/11)
... العودة إلى الإسلام مطلب حقيقي أجمع عليه سائر الحكماء فى هذا العالم وهو اليوم ليس محل خلاف فى العالم الإسلامي خاصة بعد أفول الإلحاد فى مطلع التسعينيات ولكن العودة إلى الإسلام كلاما يقوله المرء أو شعارا ترفعه الحركات الإسلامية حيث يكون نصيبنا من ذلك الأماني والتغني بالماضي دون أن يكون له أثر فى الحاضر0
هناك كلام كثير فى البلدان الإسلامية عن العودة إلى الإسلام ومن أجل ذلك تعتقد مؤتمرا ولقاءات مختلفة ولكن الذي ينبغي أن نتبه إليه هو أن كثيرا من دعوات إلى الإسلام تفتقر إلى المنهج الواضح إذا ليس كافيا أن ننادي بشعار العودة إلى كتاب والسنة ثم نقف من معاينتهما ودلالاتهما موقف المتفرج 0
... فالكتاب الذي جعله الله نورا وهدي للناس لا يجوز قصر أحكامه على بعض مسائل العبادات والأحوال الشخصية والحدود كما يظن بعض المشتغلين بالعلوم الشرعية بل إن الإسلام دعوة إلى إعمار الأرض وإحيائها فكما أن العبادات وإقامتها فى الأرض واجب ديني ومقصد قرآني 0 لقد ضرب القرآن الكريم مثلا للحكم الإسلامي فى شخص ذي القرنين وذلك فى سورة الكهف التى يقرؤها المسلم كل أسبوع مرة إذا أوجزت الآيات العظيمة رسالة ذي القرنين فى ثلاث جهات من العالم :
... الأولى : عند مغرب الشمس وجد عندها قوما لا يكادون يفقهون قولا 0
... الثانية : عند مطلع الشمس وجد عندها قوما لم نجعل لهم من دونها سترا 0(1/12)
... الثالثة : بين السدين وجد هناك يأجوج ومأجوج وهم أشرار مستعمرون غاضبون وهكذا فقد كانت رسالة ذي القرنين فى مغرب الشمس محاربة الجهل ونشر المعرفة وكانت رسالته فى مطلع الشمس محاربة الفقر فيما كانت رسالته بين السدين محاربة الظلم والبغي والاستعمار وبناء السد الاستراتيجي الذي يحمي البلاد من العدوان الخارجي والخلاصة علينا أن نقوم ببناء قيادات راشدة للدعوة الإسلامية العالمية تعمل على نشر الدعوة الإسلامية باستخدام واسع لوسائل الإعلام والتكنولوجيا المعاصرة ومنها بناء قناة فضائية للتعريف بالإسلام واستخدام واسع لشبكة الإنترنت وغيرهما مما يستجد من وسائط الاتصال والإعلام مع ضرورة التعاون مع الحكومات الإسلامية الوطنية لتبني برنامج إسلامي يجمع بين الأصالة والمعاصرة مع التأكيد على أن بناء قوة الأمة وصيانة سيادتها وكرامتها جزء لا يتجزأ من منهج لعودة إلى الإسلام الذي نسعى إليه 0
... كيف تنظرون إلى ما يسمي بالصحوة الإسلامية وهل توافقون أصلا على هذا المصطلح ؟
الصحوة الإسلامية ظاهرة عافيةوبركة على كل شعوب العالم الإسلامي ونأمل أن تتبع هذه الصحوة نهضة إسلامية شاملة على أساس من العلم والازدهار للشعوب الإسلامية وما نشهده فى بعض البلدان الإسلامية من سلبيات فى التطبيق الإسلامي لا يقلل من أهمة الصحوة الإسلامية إذا لا بد فى كل عمل كبير من هوامش سلبية ولا شك أن هذه الصحوة بحمد الله تتعاظم فى كل يوم بعد أن يئس الناس من جدوي الحلول المطروحة التى تتجاهل الإسلام على الرغم من أن الإسلام كان أعظم مجد شهدته هذه الشعوب خلال تاريخها 0
... الإسلام دين الحق دين الإيمان والمحبة دين الحق على الباطل ومع هذا يتخطب العالم الإسلامي العشواء فى ظلام الليل الدامس فى حين الماركسين والأمريكين يغزون الفضاء فى هذه المرحلة بالذات أين يبدو الإسلام بمعناه الحقيقي ؟(1/13)
... الإسلام ليس دين الحق فقط بل دين الحق والحقيقة ودين الإيمان الذي عرفه النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) : ( الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل ) 0 والإسلام دين الحب فالنبي 0 ... ) يقول المؤمنين فى تواهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضوا تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي والإسلام دين نصرة الحق على الباطل فالإسلام لا يسمح للإنسان المسلم إذا رأي ضعيفا مضتطهدا أو إنسانا مظلوما أن يتركه وشأنه 0 إن مجرد تسمية العالم الإسلامي هو ظلم للإسلام ففي حديث نبوي يقول النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) يأتي زمان على الناس لا يبقي فيه من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه 0 وقولي هذا يجب أن لا يستدعي اليأس لأنه من صفات الكفر لكن كلامي هذا مثل كلام المحلل للدم عندما يتبين مرضا فى الدم وكذلك يجب ان عالج مجتمعنا الإسلامي لتنقل من إسلام الاسم إلى إسلام العلم بحقيقة الإسلام إن تخبط العالم الإسلامي فى ظلام التخلف والجهل والتمزق سببه كله أن ثقافتنا الإسلامية غير صحيحة فهي بحاجة إلى تجديد أو بتعبير عصري يحتاج إلى التنوير بمعني أننا نحتاج إلى إنشاء جيل جديد آخر من علماء الدين فلا نزال نتمسك بالكثير من آراء قديمة ثبت عدم صحتها وهى سبب تخلفنا وإذا العقلية ولا طريق إلا بأن نخرج من هذه العقلية ولا طريق إلا أن ننشئ عالم دين جديدا فنحن نكاد أن نفقد الشعور الإنساني فالإنسان إذا رأي غيره متقدما فمن طبعه أن ينافسه أو يساويه او يعمل مثله فنحن نري الأمم أخرجت الكنوز ليس من باطن الأرض وإنما من أعماق البحار الآن تغزو الفضاء وتطوف حول النجوم بينما القرآن ( قل انظروا ماذا فى السماوات والأرض ) يونس 101 والنظر ليس بالعين و؟إنما بالعقل أى قل ادرسوا واعلموا ماذا فى السماوات والأرض فكأننا نحن لا علاقة لنا به فأولئك فهموا هذه الحقائق بعقولهم وهممهم ونحن لا بعقوبتنا ولا يهممنا ولا بقراننا ولا بإسلامنا والسبب أن علماء(1/14)
الدين ليسوا من الطراز العثماني فحسب وإنما يمكن أن يكونوا من زمن سيدنا نوح وما دمنا متعلقين بهذا العقل المتخلف وباسم الدين فستتخلف 0 والأخطر من هذا أن الجيل الصاعد عندما يري الأمم المتقدمة ونحن المسلمين متخلفون يكون هذا سببا لأن يتهم الإسلام بأنه سبب بأنه سبب التخلف والواقع أنه ليس كذلك لأننا آتينا بسيارة من طراز هذا العام واتينا بسائق لا يصلح للقيادة ولم تمش معه او تحطمت به فالسبب ليس من السيارة وإنما جهل قائدها لذلك نحن نحتاج وكل من يملك هذه الطاقة على إيجاد عالم الدين الذي يلتقي مع تعاليم النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) وأن نخرج تلاميذه على الطريقة التى تخرجهم ورباهم عليها النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) ففتحوا العالم فتح تحرير وإخاء وحضارة 0
? كيف تنظرون إلى الاجتهاد ودوره فى ترسيخ الوحدة الإسلامية فى إطار تعددية المذاهب ؟
أول : تعددية المذاهب أنا شخصيا من بداية نشأتي والمدرسة التى نشأت فيها هى البعد عن تعددية المذاهب والمدرسة والدي فوالدي كان من كبار العلماء والمربين ربي الكثير من رجالات دمشق من وزراء وقضاة وحكام وعلماء وكان له مذهب واحد هو مذهب القرآن الكريم المشروح بسنة النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) التى هى أقواله وأعماله وطريقته فى بناء الإسلام مع احترام كل المجتهدين والعلماء السابقين 0(1/15)
أما أن نتعصب لرأي شخص من سلفنا الصالح مع إخلاصهم وعلمهم خطأ فى فهم الإسلام لأن أصحاب المذاهب – نحن نسميهم أصحاب مذاهب – هم لم يسموا طريقتهم بالمذهبية لكن المتعصبين لهم بعد وفاتهم سموا طريقتهم بالمذهبية فكان كل واحد من المجتهدين يقول (( إذا صح الحديث فهو مذهبي )) أى أن مذهبي طريقة النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) فأحاديث النبي (ص) موجودة والقواميس موجودة والشروح موجودة وهناك أمور اجتهادية فى المذاهب كانت لأمور طرأت فى زمان ومكان معينين لأنه باختلاف الزمان والمكان أن تختلف الأحكام وهناك أمور لا اجتهاد فيها كصلاة الظهر أربه ركعات تحريم الخمر لا اجتهاد فيه وانما الاجتهاد فى الأمور الطارئة والمتجددة فهذه فيها قرآني أو إلى إسلام بلا تعصب مذهبي مع احترامنا لكل من سبقنا من الأئمة رضوان الله عليهم واليوم يجب الاجتهاد فى بناء الصلاة التى صار لها 14 قرنا وهى تدرس وكذلك الوضوء وإنما يجب الاجتهاد فى بناء المصانع فى التكنولوجيا والهندسة الزراعية فى البناء الاقتصادي والفكري فى وحدة المسلمين وفى كل ما يعيد المسلمين مركزهم 0القيادي العالمي وأستاذيتهم وأبواهم العالمية هكذا فعل آباؤنا فى حسن فهمهم للإسلام فالاجتهاد يجب أن يكون فى هذا نجتهد فى القوة وبقوله تعالي ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) الأنفال : 60 0 وأنا أسأل أي مذهب من المذاهب وأي طائفة من العلماء الذين يدعون الاجتهاد أو الذين لا يدعونه هل اجتهدوا وبذلوا شيئا من الجهد فى سبيل تأسيس المصانع ؟ سواء المصانع العسكرية او المدينة او الفضائية أو غيرها ؟ يجب أن نبذل الجهد لنرجع إلى مدرسة القرآن ونفهمه فهما حيا ونقرأه لا للتلاوة ولا للأجر والحسنات فقط وإنما لأجل الفهم على ضوء واقعتا وعلى ضوء أهداف القرآن الكريم والواجب الذي علينا أن نعمله وبذلك لا نتقدم نحن ونغزو الفضاء وإنما نغزو القلوب والعقول والعالم ونوحد العالم نحن اقوي من كل قوة فى هذا(1/16)
العالم مهما بلغت لأن من يملك قوي الروح والعقل والاستيلاء على القلوب أقوى ممن يملك المدافع والطائرات والقنابل 0000 الخ 0
... من خلال ممارستكم واحتكاككم اليومي واللصيق بالفقه الإسلامي وربطه بالمستجدات فى حياة المسلمين هل ترون هناك ضرورة لتحرير هذا الفقه ووضعه فى قالب عصري يتفق والعصر الذي نعيشه وكيف يمكن الموائمة بين الشرع والمعاصرة ؟(1/17)
الإسلام بشكل دائم يتواءم مع المعاصرة والتشريع الإسلامي يتواءم مع مصلحة الإنسان ففي الحديث القدسي يقول الله تعالي : ( هلكت الخلق ليربحوا على لا لأربح عليهم ) ، والقرآن يقول : ( إن تكفروا فإن الله غني منكم ولا يرضي لعباده الكفر وغن تشكروا يرضه لكم ) الزمر : 7 0 فالإسلام أنزل لأجل مصلحة الإنسان وسعادته ومعنوياته وكمثال بسيط الصوم ركن من أركان الإسلام والنبي ( - صلى الله عليه وسلم - )ذكر الأسباب الموجبة لفريضة الصوم ولكن اى مسلم يتحقق بان الصوم يضر به فعندئذ يصبح الصوم حراما بحقه بعدما كان فريضة وركنا من أركان الإسلام لأنه كان يحقق المنفعة فإذا تحققت المضرة ينقلب الفرض أو الواجب حراما والنبي( - صلى الله عليه وسلم - ) يقول ( ليس من البر الصيام فى السفر ، لأن أسفارهم كانت فى الصحراء وتؤدي لمشقة كبيرة وكذلك الصلاة إذا كان أداؤها فى حالة الوقوف فيه مشقة لمرض أو جرح فالإسلام ينقلك من الصلاة قائما إلى الصلاة قاعدا ، وإذا لم يكن مستطيعا ذلك فمستلقيا وهذا كله يدخل تحت عنوان قول الله تعالى فى القرآن : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) البقرة : 286 ومثال آخر فقد جعل الله فى القرآن ممن يستحق الزكاة المؤلفة قلوبهم فالنبي أعطاهم وكانوا من زعماء العرب وأبو بكر أعطي أما سيدنا عمر فمنعهم فقالوا له ك النبي وأبو بكر أعطيانا فلماذا تمتعنا أنت ؟ فقال لهم : لأن الاسم بحاجة إليكم إما وقد قوي الإسلام فلا حاجة به إليكم فمنع عنهم ما نص عليه القرآن نظرا لتبدل الزمان والمكان فالإسلام لا نقول عنه أنه مع العصر وإنما مع مصلحة الإنسان فحيثما كانت المصلحة العامة فثم شرع الله ودينه 0
... ما هو موقف الإسلام من الديموقراطية ؟ وهل يسمح الإسلام بوجود المعارضة ؟(1/18)
الإسلام دين الشورى والله عز وجل يقول : ( وأمرهم شوري بينهم ) الشورى 38 ) والشورى تشبه الديموقراطية فى شئ وتخالفها فى شئ آخر فهي تشبه الديموقراطية فى اشتراك الناس فى الحكم ولكنها تختلف عن الديموقراطية فى إنها تقتصر الرأي المسموع على العليم دون الجهول والعرف دون العابث إذ ليس كل أحد أهلا أن يستشار ولا رأي لجاهل فى الإسلام تتجه الديموقراطية فى أنها تقصر الرأي إلى الاهتمام بالكيف وأقرب تسمية يمكن أن تعرف بها الشورى فى الإسلام أنها : (( ديموقراطية العلماء والخبراء أهل المعرفة والاختصاص )) وهذا المعني يؤيده القرآن الكريم فى عدة مواضع فيأمر بسؤال أهل العلم فأسألك أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) الأنبياء 7 0 ويخبر أن سواد الناس ليسوا دائما على صواب ولكن اكثر الناس لا يعلمون الأعراف 187 0 (وإن تطع أكثر منفى الأرض يضلوك عن سبيل الله ) الأنعام 116 0 ولنضرب مثلا على ذلك المثال الآتي : إن جماهير الناس فى الغرب لو استشيرت وفق قواعد الديموقراطية حول الخمر أو الزنا مثلا لجاءت النتائج مخيبة لآمال العقلاء إذا قال الناس لن تتنازل عن اهوائها فى معاقرة الخمرة وارتكاب الزنا من أجل مثل أخلاقية رغم اتفاق العقلاء على ضرر الخمر الجسدي والمعنوي وضرر الزنا الاجتماعي والصحي ولكن الأمر نفسه لو عرض على الناس وفق قواعد (( الشورى الإسلامية )) واقتصر الناخبون هنا على الخبراء فى الصحة والاجتماع فستسكنون النتيجة بالتأكيد غير ما سبق وهكذا فإن الإسلام احترام رأي العليم وأسقط رأي الجاهل 0وأما المعارضة فإن تاريخ الإسلام ملئ بوجود المعارضة الفكرية فى سائر العصور خاصة عصور المجد الإسلامي الاولي إذا كنا تاريخيا متجاورين متأخرين ونحن مذاهب أربعة وكذلك الجغرافية والزبدية والإباضية ولم يطلب من اتباع مذهب التحول إلى مذهب أخر ولعل الفترة السوداء الوحيدة هى تلك التى تولي فيها المعتزلة القرار السياسي أيام المأمون والمعتصم(1/19)
والواثق وعرضوا الناس فيها إلى السيف من اجل آرائهم الاجتهادية ، وقد ولي ذلك إلى غير رجعة وتعتبر المعتزلة هى المسئولة عن ذلك ولا ينبغي تحميل الإسلام أخطاءهم وخطاياهم 0
... حتى فى المسائل العامة قد كانت ثمة معارضة لمسائل غاية فى الأهمية ولم يكن ذلك يحسم بالبطش أو بالقهر فبيعة الصديق مثلا وهى أكبر مسألة تواجه الأمة بعد وفاة النبي (ص) إنما كانت عن شوري بين أصحاب السقيفة وقد تىخر عدد من الصحابة بالبيعة أياما بل شهورا من غير أن ينقص ذلك من أقدارهم من شئ بل إن بعضهم مات من دون أن يبايع كالسيدة الطاهرة فاطمة بنت محمد (ص) وكذلك سعد بن عبادة الخزرجى ومع ذلك فإن الأمة حفظت ومع ذلك فإن الأمة حفظت لهم كرامتهم وظلوا فى المجتمع الإسلامي كراما ولم يقم الصحابة الكرام بأي عمل من شانه أن يحد من حريتهم الفكرية أو يغير من احترام الأمة لمقامهم الرفيع 0
... وإذا حصل فى التاريخ الإسلامي أن تعرض حق الفكر للاعتداء فإن المسؤول عن ذلك هو الأفراد الذين نبذوا سيرة السلف الأول 0 أما فهو دين الحرية الفكرية والتي شملت سائر مرافق الفكر على خطورتها قال الله تعالي : ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ): 29الكهف )
... برأيكم ما أثر الغزو الفكري على الإسلام والمسلمين ؟(1/20)
بالطبع أثر الغزو الفكري واضح ونحن عندما نقول الغزو الفكري يعني ذلك أن العدو يغزونا ليستولي على أفكارنا وعقولنا وعواطفنا وميولنا والإنسان هو الفكر والجسم مرآة تظهر فيها شخصية الإنسان وهذا هو أخطر أنواع الغزو 0 وأعداء الإنسانية لما عجزوا عن مقاومة الإسلام بالسلاح انتقلوا بتفكيرهم إلى حرب الكلمة وأول من بدأ هذا هو القديس لويس ملك فرنسا (( قائد الحملة الصليبية الثانية )) فحينما عجزوا عن حرب المسلمين عسكريا انتقلوا إلى حرب الكلمة ، فأفسدوا عقول المسلمين وأخلاقهم ووحدتهم وهممهم وعزائمهم نحو التطلع والاتجاه نحو المعالي ونحن لم نعد لهذا الغزو الدفاع الملائم والإسلام لا يعرف الدفاع بل يعرف الهجوم لكن الإسلام الآن يتفقد قادة الفكر الإسلامي والتعليم البنائين للشخصية الإسلامية فمتي وجد هذا العالم المعلم الحكيم فسيقوم بنشر الحضارة والإخاء والحب لأن الإسلام إذا غزا فإنه يغزو القلوب يملأها حبا وتعاونا وإخاء وليظلل العالم السلام الذي يتمناه اليوم 0
... لذلك يجب على كل من يملك طلقة من حكام المسلمين وعلماء وأغنياء المسلمين يوحدوا الطاقات لنقف صفا واحدا وننقذ المسلمين أولا وننقذ العالم كله ثانيا من تخبطه ومن أنانينه وأطماعه 0
استطاع المسلمون فى الماضي إقامة إمبراطورية واسعة فيما يقرب من قرن واحد تحكمت فى السياسة الدولية أما اليوم فقد تحكمت فى هذه السياسة قوي كبري وأصبحت السيادة للقوة فقط فهل يستطيع الإسلام أن يصل ويرتفع إلى مصاف الدول الكبري وهل تستطيع القوة الإسلامية أن تصبح أحد مصادر الطاقة التى تتحكم فى صنع القرار السياسي الدولي وهل يسمح الإطار الدولي المعاصر فى استقبال الإسلام كقوة سياسية ؟(1/21)
... الإسلام لم يقم أية إمبراطورية بالمعني السياسي وإنما كانت مهمة الإسلام ان يقيم للبشرية العائلة الواحدة والمجتمع الواحد ففي الإمبراطورية يوجد حاكم متصلب وشعوب مضطهدة أما الإسلام سوي بين العرب وغير العرب بين الأبيض والأسود ساوي بينهم جميعا ينشر العلم والحضارة والرقي وكل أنواع المساواة حتي إن اكثر علماء الإسلام كانوا من غير العرب كانوا من الأعاجم بينما الإمبراطوريات لم تفعل هذا مع الشعوب فالإسلام إذا فهمناه بمعناه الحي الصحيح يقيم إمبراطورية وإنما عالما موحدا بمعني أسرة واحد ووطن واحد ،وعالما متآخيا غير متصلب وغير مستغل لثروات الشعوب يقيم عالما موحدا : متصلب وغير مستغل ومستنزف لثروات الشعوب يقيم الرخاء للجميع والأخذ المتخلفين بمصاف الشعوب الراقية الإسلام إذا عاد فإنه سيبطل الحروب ولا يحقق السلام فقط بل ما هو أعلي وأرقي من السلام وه المؤمن مرآة المؤمن لا يحقق الاشتراكية بل الإثيار وهو أن يقدم الإنسان على نفسه من هو أحوج منه وهذا هو الإسلام 0 ما رأيكم بكلمة ملحد وعلى من تطلق هذه التسمية ؟(1/22)
إنى كعالم إسلامي ابغض كلمه ملحد أن تستعمل فى المعنى المتعارف عليه لأن معنى ملحد اليوم هو المنكر لوجود الله والأنبياء والرسالات السماوية وبالأصل علماء الدين ينبغي أن يكونوا أطباء تلاقيا مع قول الله فى القرآن ( ونزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) الإسراء 28 0 فالقرآن كان هو مواد كصيدلية فمن كان الطبيب المعالج ؟ كان الطبيب المعالج النبي عليه الصلاة والسلام فكان رسول الله يداوي الناس ونحن لو كنا أطباء نداوي الناس فمن وجهة نظري الذين ألحدوا فى العصر الحاضر وفيما مضي لم يلحدوا بالله الذي وهبهم السمع والبصر ووهبهم الحياة وحولهم من حيوانات منوية إلى مخلوقات إنسانية لها عقلها وعلمها وتطورها وحضارتها الملحدون فى عصرنا ألحدوا بأخطاء رجال الدين ولن يلحدوا بالدين الصحيح فلو وجد علماء الدين الذين يفهمون الدين بروحانياته وحكمته ةعقلانيته وواقعيته وصوابه لرأينا الملحدين يسابقون المؤمنين التقليديين إلى الإيمان وهذا لا أقوله عاطفة واجتهادا بل مشافهة فأنا رأيت كثيرا ممن يسمون ملحدين من شيوعيي وغير شيوعيين ولم يكن التفاهم يتحمل أكثر من جلسة واحدة قصيرة الزمن حتى ينقلب من يسمي ملحدا (( وهذه تسمية ظالمة وخاطئة )) فكان ينقلب هذا الإنسان إلى مؤمن بل وإلى ملتزم للإيمان والإسلام التزاما علميا وحقيقيا والتقيت بهؤلاء الذين يسمون ملحدين التقيت بهم بكل أنواعها من رجال دولة ورجال سياسية ورجال مثقفين وأساتذة جامعات وأشخاص عاديين وكانت النتيجة أنهم كلهم يلتقون مع الإيمان ويتقبلونه أحسن القبول ويعترفون به الاعتراف الكامل 0
... ما هي السبل لتصحيح علاقة الإسلام والمسلمين بالغرب ؟(1/23)
إن المسلم مأمور أن يحمل للناس رسالة الخير والمحبة وألا يصرفه عن مواقفه الربانية سلوكهم الجاهلي لقد كان النبي الكريم فى جهاده مع المشركين حريضا على مقاتلة الشرك والقضاء عليه ولكن لم يقصد قتل المشركين أراد القضاء على الكفر وليس القضاء على قومه من الكافرين ، مرارا وقعت رقابهم بين يديه ولكنه كان يكف عنها سيف القصاص ويبسط فيها يد العفو وإن السياسات الخاطئة لكثير من الحكام الغربية التى تجعل المجتمع الإسلامي يقاد إلى الانتصاف فقد دأب الغرب مثلا منذ قيام إسرائيل على دعم سياستها العدوانية ولم يحصل أنهم حاصروها أو قاطعوها حين رفضت القرارت الدولية كما يجري اليم فى لبيا والسودان وإيران وغيرها وهكذا فإن هذه السياسة المزدوجة بمكيالين ومعيارين هى التى تخلق روح الشحناء بين المسلمين والغرب ، وانا أنصح القائمين على السياسة فى الغرب ألا يتصرفوا وفق ما تمليه المصالح السياسية المؤقتة بل عليهم أن ينتصروا للعدالة والمثل العليا التى ينادون بها فإنه كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون 0
... وهكذا فالإسلام ليس هو المسؤول عن حالة عدم الثقة بين الشرق والغرب لأن كثيرا من
السياسات الغربية والناشطين فى حقل الدعوة الإسلامية أن يجتهدوا لتعريف الغرب بالإسلام وأن يرفعوا من أمام الغربيين حواجز الخوف من الإسلام ويطلعونهم على حقيقته الحضارية والإنسانية كما يجب علينا أن نوسع قاعدة الحوار والتعاون مع المتنورين منهم ونقدم لهم الدعم ليتمكنوا بدورهم من المساهمة فى تصحيح العلاقة بين الإسلام والغرب 000000
د0 محمود عكام
... ما المقصود بالفكر الإسلامي ؟(1/24)
الفكر الإسلامي : هو الحركة العقلية التى تناولت النص القرآني وحامت حوله فورديه وصدرت عنه 0 وعلى هذا فالنتاج كله يدخل ضمن الفكر الإسلامي إلا أن التقسيمات تتابه بحسب المجال والتخصصات فإن تناولت الحركة العقلية آيات الآحكام وأحاديثها المبينة كان الفقه وإن انصبت على نصوص أركان الإيمان كانت العقيدة وهكذا 0
وللفكر بشكل عام قواعد ومناهج لكنه بالنسبة إلى التفكير يعني الحصيلة والنتيجة والتفكير بالنسبة إلى التفكير الذي يعني – هذا الأخير – المحاولة الجادة ليصل صاحبها إلى النهاية أو المعادلة الصحيحة : -
... ( إن فى خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك) آل عمران : 190 ) فها هي المحاولة أنتجت : ( ربنا ما خلقت هذا باطلا ) آل عمران 190 فكانت مادة للتفكير الذي يؤدي إلى تحديد ملامح الفكر النتاج وهو قيامه على ضرورة الأخذ عن الله دون سواه واستكشاف ما في نصه الثابت النسبة إليه من قواعد سلوكيه ومعالم تصورية 0(1/25)
... هل من صلة بين الفكر الإسلامي والبحث العلمي ؟ إذا كان الجواب نعم فما هي مقاومات البحث العلمي فى هذا الفكر ؟ إذا كان الفكر الإسلامي حركة عقلية مفتوحة وجهدا معرفيا متواصلا حيال مفهوم نصي مقدس ثبتت قدسيته لكونه من الله تعالي بإقرار العقل الذي عجز عن أن يأتي بمثله وقد حاول وتسليم الناس المعاصرين بصدق الناقل وأمانته إذا تعرض لأصعب الامتحانات على مستوي العلوم التجريبية والاجتماعية والنفسية وغيرها فاجتازها بنجاح ولا تزال النجاحات تتوالى يوما بعد يوم مواكبة اكتشافات الإنسان لذاته ولغيره وللكون الذي حوله كل ذلك تحت عنوان جاء آية فى كتاب الله عز وجل : ( سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق ) فصلت : 53 ) هذا الفكر الذي ذكرنا يمتلك مقومات البحث العلمي إن لم نقل إنه يؤصلها هذه المقومات بلغة عصرنا هى :
... 1- ((المفهوم)) (( أو المصطلح ))0 ... 2- و((المنهج)) 0 و((الأسلوب ))
وأي فكر لا يحويها يكاد يسمي لغوا وتتفاوت الأفكار قوة بقوة هذه المقومات أو ضعفها0 والفكر الإسلامي: - 1- له مفاهيمة المستقاة من النص الحاكم أو شرحه المسمي بالسنة النبوية ويمثل المفهوم القرآن الكريم وكتب الحديث الصحيحة من حيث الرواية والمفاهيم هذه فى دلالتها تختلف بين قطعية لا تحتمل إلا المعني الذي له وضعت وظنية لها عدة معان متحملة وتشكل الأخيرة النسبة العظمي وهى التي تدلل على ثراء الفقه المستنبط وإمكانية استيعابه للمستجدات 0
2- وللفكر الإسلامي أيضا منهجه الذي يمثله علم أصول الفقه إذا يعني بالقواعد العامة الضابطة لا ستخراج المعاني من المفاهيم والمصطلحات وكيفية التعامل معها وربطها بغيرها لتشكل نسقا معرفيا لا تباين فيه ولا اختلاف وذلك بوسائل اللغة والمنطق وحاكمية النتائج على المقدمات وتحديد المصالح العامة والضروريات الأساسية 0(1/26)
... 2- وأما الأسلوب الذي يشكل المقوم الثالث للبحث العلمي فهو فى الفكر الإسلامي معتمد أيما اعتماد إذا إن هناك عموما خصصت له كعلم التجويد وكيفية نطق القرآن الكريم ولفظة وعلم القراءات والأوجه المتعددة للكلمات من حيث تقلبها فى القوالب الكلامية المترادفة وعلم الحديث الذي يتوجه إلى الإسناد وحال الرواي الناقل 0 وعلى كل فوجود هذه المقومات واحتواؤها من قبل الفكر الإسلامي يشكل مدقق ومفصل وموضح ومصنف : دليل بين على أن هذا الفكر فكر إنساني محوره كلام مقدس صدر حقا وصدقا عن الخالق بإثبات العقل وبرهانه وتمحيصه 0 ويمكننا القول أخيرا :-
... إن أى فكر لا يمتلك مقومات البحث العلمي فكر مدع وإن رسم له عنوانا فى عالم الأفكار 0
كيف تقيمون تجديد الفكر الإسلامي ؟ وما المقصود به ؟
أما التجديد فمصطلح لطيف يتجلي بإعادة المباشر مع النص وفق قواعد الحركة العقلية الإنسانية ما كان منها ثابتا أو متغيرا بحسب ظروف المجدد الزمانية والمكانية ولا نريد أن نقيل عقلنا اليوم بحجة أن عقل من سبقنا قد اشتغل لنا وأنتج ما يكفينا ، بل علينا أن نفعل عقولنا لتقوم بنفس دور السابقين وعلى هذا الأساس فتقبل الثابت بعقل وجد وتنتج المتغير بحسب المعطيات الراهنة والحالة 0 واللاتجديد يعني :
... الفصل بيننا وبين نصنا بمفهوم سابقة تحل محل النص إذا النص الأصلي نباع وثري وغني وأما الفهم المستقي منه فلا يعدو أن يكون إشعاعا من شمس تحوي الملايين التجديد أن نجدد كل ما ران على تراثنا ونزيله ليكون انعكاسا صادقا عن النص فى العصر الذي أنت فيه وكأني بعصرك مرآة وعليك ان تقف أمامها دون سواها لتري ظلا ومنعكسا للنص الإلهي وهو القرآن الكريم 0 هناك كثيرون لا يفقهون أمام عصورهم بل يسحبون أنفسهم من واقعهم إلى عصر سابق ويقفون وراء فلا يظهرون ويحسبون أنهم بهذا التواري ظاهرون وأحب أن أؤكد على أن هناك فرقا بين محدد تائه ومجدد واع : فالأول لا نص له 0(1/27)
والثاني متوفر على نصه النباع الذي لا ينصب : ( لا يخلق على كثره الرد ) كما ورد عن النبي ( - صلى الله عليه وسلم - )والمجدد الواعي هذا من لا يتجاوز عقله إلى هواه ونزواته وإنما ياتزم القواعد الاستنباطية القائمة على اللغة ومنطقها والسياق الشرعي القرآني وإطاره الفهمي العام والمناسبة الجادة للإنسان المسلم الذي يمكن بشكل عام إلا أن يكونه فكر وأحسن محاولات التفكر والتفكير ( ولا تموتن إلا وانتم مسلمون ) البقرة 132 0
... ما منهج التجديد الذي ترونه وما ملامحه ؟
منهج التجديد يقوم على ثلاثة محاور : عقل ونص وأدوات أما العقل فأول شروطه ليكون فى ذلك التجديد مساهما : ( الحرية ) وأعني بها انطلاقه ذاتية غير متأثرة بمنفعة شخصية وأهوي متبع أو فكرة سابقة مسيطرة 0 وأما النص : فشرطه المناسب والمواءمة للإنسان كله وخارجه ظاهره وباطنه وكلنا يدرك أن الإنسان من حيث تقريبية كالآلة التى تحتاج إلى دليل يبين تركيبها وطريقة عملها وتشغيلها وهذا الدليل من فعل صانع الآلة وكذلك الإنسان ومن باب أولي لا بد من دليل يجد فيه تركيبته ووصفه ووظيفته وهذا لا يتاتي إلا إذا كان من صانعه فلنبحث عن صانعنا وقد بحثنا فكان الله جل علاه ودليله إلينا كتابه القرآن الكريم فإن كان هناك شك فى الصانع أوفى الدليل من حيث الثبوت والنقل فليقدم كل ما عنده وبيننا وبينه الحوار والمجادلة بالتى هي أحسن 0 وأما الأدوات : فيجب استفسار كل ما كان وما صار لتكون فى خدمة النص تستخدمها الحركة العقلية والاقتصار على أدوات ماضية التجديد بعض مصداقيته كما أن اعتماد الأدوات المستجدة فقط يجعل التجديد قطيعة مع النص لأننا لم نعتبره من خلال فعلة السابقين 0 وحين نمثل لهذا نقول :(1/28)
... لقد اعتمد أسلافنا أدوات منها المنطق واللغة والبلاغة واليوم طلع علينا عالم الاستنباط بأدوات جديدة منها السانات والإناسيات والتحريات الأثرية والنمطيات والاجتماعيات والنفسيات و 000 فلم لا تتقن من قبلنا وسائل نتفاعل بها مع النص الإلهي لخدمة التشريع وربما كان بعض هذه الأدوات على حساب أدوات سابقة وهذا استمرار وليس اعتداء ولم يكن وما كان فى يوم من الأيام التكرار مطلوبا 0 ورضي الله عن عمر بن الخطاب إذا قال (( تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي )) والأمر مستمر ومتجدد 0 00
... أين يقع مفهوم التأصيل ؟ التأصيل لا ينافي التجديد لا يعني معاداة التأصيل لأننا قلنا وفيما يخص الفكر الإسلامي : إن هذا الفكر يدور فى فلك القرآن نصا أساسا والسنة الشريفة تباينا وتفسيرا لهذا النص 0 فالأصالة قائمة فى نص لا يتغير من حيث كلماته وآياته بل هو ثبوت الوجود المطلق الذي يمد الموجودات المقيدة 0 والأصالة ثابتة فى إيمان يفرز علاقة بين المخلوق والخالق تقوم هذه العلاقة على حاكمية الخالق ومحكومية المخلوق دون أن ينتاب هذا الأمر أدني تغير والأصالة مؤكدة من خلال الارتباط بالسلف ابتداء من مبلغ النص وناقله إلينا الرسول - صلى الله عليه وسلم - اتباع واقتداء والتزام واعتباره المعيار الأمثل فى التطبيق 0 ومتابعة مع من بعده من أئمتنا الأكارم على أنهم نماذج فى التفاعل الجاد مع النص وليس على أن كلامهم واستنباطهم حل محل النص وهذا ما يجب أن نحذر منه ونحذر فالرسول مبلغ وناقل ومبين وموضح ومفسر والأئمة فاهمون مجدون مجتهدون يمثلون بعض ما يمكن مفهوما من النص ولا يعني هذا أنهم أغلقوا النص المفتوح واستنفدوا ما فيه من مخزون فقهي فلا تزال النص هذا غضا طريا يلامس بما فيه من مخزونات كامنة كان العصور فافتحوا النص ولا تغلقوا والفيصل صحة فى نسبة الفهم إلى النص وإيمان بحاكمية هذا النص ، لأنه من الله العزيز الحميد 0(1/29)
... هناك دعوة تقول أن العلم دائما خاضع لتصورات حاملة ، ولا يخلو أى علم من ذلك ، حتى إن القرآن الكريم استخدم استخدامات عديدة ، وقل الفرق الإسلامية من خوارج ومعتزلة استندوا إلى القرآن الكريم ، ما هو رأيكم ؟
... النص القرآني محكوم بأمرين فى رأي : 1- بفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتفسيره وتبيانه : إن ثبت سندا وتوثيقا 0 2- وبآلية اللغة ، وأسباب النزول ، والسياق ، والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية : إن لم يكن هناك تبيان نبوي 0
وإن كنتوا على ثقه بأن التبيان النبوي هو الذي أمدنا لما ذكرنا ، من لغة وأسباب نزول ، فى مواجهة النص وفهمه 0 وبالتالي ، فالباب مفتوح لكل من امتلك الأداة والوسيلة ، والنتيجة (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض ) 0 الرعد 17 0
... والقرآن الكريم أوسع من أن يحد بفهم أو رأي 0 والإسلام أكبر من أن يرسم معالمة عالم أو مفكر0 وموقفنا حيال المفسرين على اختلاف مذاهبهم ، موقف من يطالب بوحدة قياس متحدة ، وإن اختلفت أسماؤها ، والمهم فيها حدها وقدها 0 وأنا أفهم أن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم كان فى الأسماء دون الحدود ، وكل كان فى فهمه جزء من الإسلام ليشكل الإسلام فى النهاية كلهم 0
فهل تغير الإسلام فلم يعد قادرا على استعيابنا سنيا وشيعيا ومعتزليا وسواه 0 أم تغيرنا نحو لنضع فهومنا موضع الحاكم على الدين والإسلام ؟
... ... ... وكل يدعي وصلا بليلى ... ... وليلي لا تقر لهم بذاكا
ولنقف ونحن نرفض تفسيرا خاطئا موقفا واحدا ، ولو تعددت مصادر هذا التفسير مذهبيا ، فالحق أحق أن يتبع ظهر فى جماعتي أو فى جماعة أخرى 0 ما دام الجميع ينهلون من معين واحد 0 وإن اختلفت أسماء أوانيهم 0 فالماء العذب لا يرفض لعدم الاتفاق على اناء واحد بشكل متحد 0(1/30)
هل وقع الفكر الإسلامي فى مطلب الاستلاب والتغريب ؟ لا أريد الحديث بطريق الخبر وإنما أفضل الكلام بطريق الإنشاء فأقول : إذا أردنا لفكرنا المسلم ألا يقع قى مطب الاستلاب والتغريب فلنطرح (( ثوابت )) هذا الفكر التى تحدد أبعاده واستقى ليته ثم لا علينا بعدها إذا أفاد من الآخرين فلن يتأثر الجوهر 0
... وأهم هذه الثوابت نص إلهي لا يحاد عنه يشكل المرجعية الفكرية والعلمية لنا 0 ورسول مرسل من الله وعي كلامه كما انزل عليه وبين أسلوب التعامل معه فاقتضي هذا ضرورة الاطلاع على حياته - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة ما صح عنه مما يشكل التبيان للمجهل والتقييد والتوضيح للخفي و000 على مستوي الفعل والقول فصلاته العلمية تبيان الله تعالي ( وأقيموا الصلاة ) البقرة : 43 0 وحجة توضيح لقول الله : شأنه ( ولله على الناس حج البيت ) آل عمران : 97 0وكذلك أقواله فى ميدان الأخلاق 0 المفصلة لمجهل قول الله تعالي : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) النمل : 90 وسواها 0 وقد يكون الاتهام بالتغريب جاء نتيجة سلوك المفكر لا طبيعة فكره ففكره الخلط بين الشخص وتصرفاته وبين فكره مرض نعاني منه وللأسف الشديد وربما يكون الحديث عن التغريب جراء بعض الإفادات من تقنيات الأدوات المستخدمة وهذا بعض ما تفشي فى عدد من مساحات مجتمعنا معاداته وللأسف وقد يكون الغرب كعادة الموضوعيين منه قد روج لهذا من أجل إشغال المسلمين بالدفاع دون الدعوة وبالتبرير دون التفكير 0
... هل يمكن الحديث عن مشروع ثقافي إسلامي ؟
ولم لا ؟ والمفردات قائمة تنقصها الإرادة الجادة الحازمة الحاسمة والتي تجسد القضية الضائعة والعنصر المفقود فى عالمنا وللأسف :
... ... إذا شعرت يوما أراد الحياة ... ... فلا بد أن يستجيب القدر(1/31)
فما ذنب القدر إذا لم يرد الشعب ؟! لقد عرفت الثقافة فقلت : هي تحويل المعطى المعرفي إلى سلوك والمعطي المعرفي هذا موجود وهو القرآن الكريم ولكن مشكلة التحويل تستلزم إرادة وتكاتفا وتعاونا 0 لقد قرأت فى مجلة الإكسبريس الفرنسية منذ أربعين عاما أى عام 1984 أن لجنة عملية انبثقت عن البيت الأبيض الأمريكي لدراسة القرآن الكريم والإفادة مما فيه فى مجالات الأخلاق والإقتصاد والسياسة 0
... ولم تنبثق مثل هذه اللجنة وبشكل علمي جاد عن الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي واكتفينا بالادعاء المجمل دون الدليل المفصل وبالحديث العام العابر دون الحديث الخاص الؤثر وانقسمنا فحولنا الإرادة إلى ارادات تعمل كل منها لصالح جماعة أو دولة أو حزب فى مقابل دولة أخرى أو حزب مماثل أو حزب آخر مماثل وموافق :
... ... ... أمتي هل لك بين الأمم ... ... منبر للسيف أو القلم ؟
لو جمعنا بنية الوفاق كل ما يقال عن الإسلام من قبل المسلمين العقلاء وغير المسلمين العقلاء لكان لدينا من مذكرة إيضاحية تقضى إلى قانون إسلامي موحد 0
ولكن المشكلة فى الإرادة والسعي الجماعي والوحدة تلك الأشياء التى أصبحت خيالا أو ضربا من الأسطورة 0 كيف تنظرون إلى العلاقة مع الغرب ؟
... علاقتنا مع الغرب محسومة لصالح الدعوة ومن دون تردد والدعوة فريضة جماعية وفردية تطلب من الداعي معرفة محققة بما يدعو إليه وبمن يدعوه وكيف يدعو فإذا كنا ننادي بالإسلام فالغرب بعض من مجال دعوتنا ومحالها فهل عرفناه ؟ وهل دعوناه ؟ وهل قمنا بالتبليغ الفعلي ؟ تلك أسئلة العلاقة مع الغرب 0
لقد قال علماؤنا سابقا : إن هناك أمتين : 1- أمة الإجابة وهؤلاء من آمنوا وأسلموا 0(1/32)
2- وأمة الدعوة وهؤلاء من يجب دعوتهم إلى الإيمان والإسلام بالتي هى أحسن وبعد المنطلق المناسب والمضمون الصحيح 0 اما من اعتدي من الأمة الثانية فالدعوة تتحول وتتخذ لبوس الجهاد : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وغن الله على نصرهم لقدير ) الحج : 39 ) فلنمارس الدعوة فريضة منظمة مبرمجة لدين قويم جاء للإنسان يحمل له سعادة الدنيا وفلاح الآخرة 0ما سر الاهتمام بالفكر الإسلامي فى الآونة الأخيرة ؟ زيادة الاهتمام هذه جاءت من اهتمام الإنسان بشكل عام بالفكر والمسلم بعض من هذا الإنسان بالإضافة إلى مضارعة الآخرين الذين راحوا يعرضون فكرهم وينظمون له مناهج وأساليب 0 وليس الاهتمام بالفكر الإسلامي مقصورا فى رأي على المسلمين بل غدا لغيرهم أيضا إذا سمعوا عنه الكثير ورأي منهم بأم عينيه وبعد اطلاع كاف عليه أن هذا الفكر مرشح الثقة فى العالم كله 0 لكننا نعترف كثيرا من أهله أى المسلمين يقفون عائقا أمام النجاح لأنهم ليسوا على مستواه فى حركتهم السلوكية وطموحهم المستقبلي فى خدمة الإنسان 0 إن زيادة الاهتمام أيضا بضرورة النص أدي إلى زيادة الاهتمام بالفكر وقد ألمحنا إلى هذا فى سجوف إجابتنا السابقة 0
... كيف تنظرون إلى ما يسمي بالصحوة الإسلامية ؟ وهل توافقون أصلا على هذا المصطلح ؟
أوافق على مصطلح الصحوة الإسلامية ما دمنا أهلها وأبطالها وفاعليها والقائيمن بها وأرفضها كلمة مخدرة ينشرها غيرنا فى جونا ليمارس علينا من خلالها ضغطا أو ليصادر تطلعاتنا وآمالنا ويوقفنا عندها سقفا لا نتجاوزه بحالته الراهنة ، على أنها المأمول النتظر لذا فإني إذا أعرف من أطلق هذا المصطلح أستطيع أن أحدد الموقف أكثر 0
... ألا ترون أن العامل الاقتصادي لعب دورا أساسيا فى انبعاث الصحوة الإسلامية من جديد ؟(1/33)
للعامل الاقتصادي دوره ولكن ليس له كل الدور وإلا فلماذا ينتشر الإسلام بحركاته فى بيئات مستقرة اقتصاديا ويغزو بآثاره عائلات غير منزعجة اقتصاديا أو ماديا ؟ قد نشعر بالعالم الاقتصادي يحرك : لأنه العامل المباشر الذي يلامس الجسد والناس يتساوون بالإحساس جوعا وعطشا ولما وقسوة وعلى هذا فالاقتصاد محرك مباشر ولكنه ليس الأساس إن ما يدفع الناس لتقبيل الحركات الإسلامية هو أنهم يشعرون أن الإسلام يغطي كل ساحاتهم وأن غيثه يغمر كل أرضهم مادة ومعني نفسا وروحا وخلال إقامتي فى فرنس كنت أري أحوالا كهذه ما رأيكم بمسألة الديموقراطية فى الإسلام وهل يسمح الإسلام بوجود المعارضة ؟ المعارضة والمعارضون قضية لا تحتمل نقاشا وحوارا فى الوجود ولكن الأمر والحوار والنقاش يتعلق بالتنظيم إذا لكل دولة أو حزب قانونه فى تنظيم المعارضة الخاصة به والتابعة له والمهم فى النهاية أن ينتفي الإرهاب والقهر والقسر وأن يحل محل ذلك الحوار الجاد والدعوة الواعية والتسامح الإنساني الراقي0 وأظن أن التاريخ يشهد لنا فى ذلك وترتفع فى صفحاته رايات الديموقراطية أوضح مما يمكن أن تظهر فى صفحات غيرنا لأن الإسلام بثوابته يقوم على تكريم الإنسان وتقديره واحترامه : ( ولقد كرمنا بني آدم ) الإسراء 70 ) ( وقولوا للناس حسنا ) البقرة : 83 ) ( قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس إله الناس ) الناس 1-30 ) وهل الديموقراطية فى النهاية إلا هذا فى أرقي مستوياتها ؟ والتجربة كما يقال – أكبر برهان 0
... ... ... ... د 0 حسن حنفي(1/34)
ما هو مفهومك للتجديد فى الفكر الديني ؟ ما قصدته بالتراث والتجديد هو محل الأزمة الراهنة فنحن نعيش فى عصر ونتعلم تراثا فى عصر مضي نعيش فى مواجهة الاستعمار والقهر والتخلف والفقر والتجزئة والعشائرية والحروب الأهلية والتبعية ولا مبالاة الناس ولكن عندما كنا التصوف القديم والفقه القديم لا نري أنه عن هذه الأشياء لأنه دون عندما كنا منتصرين وبالتالي أصبحت ثقافتي وعالمي فى ميدانين مختلفين فالثقافة القديمة والتراث القديم الذي تعلمه للناس لا يساعدهم كفاية فالفارابي أو الكندي فى واجهة الإسلام تعاملوا مع اليونان أو الرومان ولكني الآن أتعامل مع الغرب الحالي والأمر مختلف كل الاختلاف وإذا بقيت أحكي للطلاب عن نظرية الأفعال فسوف ينامون فى قاعات الدرس لأنهم لا يعرفون العلاقة بين هذه النظريات القديمة والواقع الذي يعيشونه وهكذا الفقه فإذا أخذنا كتابا قديما عن الطهارة أو الصيام أو الحج 000 الخ00
فمن منا لايعرف كيف يتوضأ ؟ وكيف يصلي ؟ ولكن أين المعاملة ؟ أين الاقتصاد والتجارة الخارجية ؟ أين القطاع العام والقطاع الخاص ؟ والأمر نفسه بالنسبة إلى التصوف إذا بقيت أعلم الناس الزهد والصبر والروع فأين المقاومة ؟ وأين المعارضة ؟ وأين الرفض ؟ فى زمان التصوف ربما عندما استحال تغيير الواقع آثر بعض الناس تغيير النفس بعد أن استشهد أئمة أهل البيت ولكن الواقع الراهن ليس ميؤوسا منه إلى هذا الحد فقد قمنا بحركات ضد الاستعمار ثم يمكن إعادة النظر فى التصوف من جديد وإدخاله كحركة تقدمية تاريخية 0
هل يعني هذا أنك تنادي بالقطعية مع التراث ؟(1/35)
... لا 00لا أقصد فالعيب موجود فينا وليس فى التراث القدماء اجتهدوا فقهاء وصوفية ومتكلمين ومفسرين وكتاب سيرة 00 الخ فلا عيب عليهم اجتهادهم وإنما أعيب على نفسي أنني لم أستأنف هذه الأشياء بعد ألف عام من التدوين الأول لذلك أعدت بناء التراث القديم ليس بهدف إحياء التراث القديم وإنما بهدف تغيير الواقع من حيث اللغة ومن حيث مناهج التدريس ومن حيث الرؤية ومن حيث البؤرة والمحور وأركز على الإنسان والأرض والمعارضة وبدأت أطبق ذلك علما فكتبت فى علم الكلام كتاب من العقيدة إلى الثورة وأنا الآن أكتب فى علوم الحكمة من النقد إلى الإبداع وبعد ذلك سأكتب من الفناء إلى البقاء مراعين بناء التصوف حتى أساعد الناس على البقاء فى العالم وليس الخروج منه ثم من النص إلى الواقع لأعيد بناء علم أصول الفقه القديم معطيا الأولوية للواقع كما سأوضح فى أسباب النزول من أجل أن ينشأ جيل جديد يستطيع أن يقرأ تراثنا ويجد صداه فى نفسه بدلا من أن يقرأ تراثا قديما لا يجد معه أي صلة فيتجه إلى الغرب ويتجه إلى العلوم الحديثة وتزداد المسافة الفاصلة بين أنصار الغرب وبين أنصار القديم ويقع النضال بين الاخوة الأعداء كما هو الحال فى الجزائر وفى مصر إذن مهمة هذا المشروع هى الحرص على استمرار الأمور فى التاريخ وإعلان شأن الاجتهاد ونحن لسنا أقل شأنا من الفلاسفة القدماء أو الفقهاء أو المتكلمين 0(1/36)
... سؤال هل يمكن الحديث عن مشروع ثقافي إسلامي فى هذه المرحلة ؟ هناك مشروع ثقافي إسلامي بدأ منذ مئه عام مع محمد عبده وحسن البنا ورشيد رضا وقاسم أمين وعلال الفاسي ورشيد الإبراهيمي وعبد الحميد بن باديس وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد إقبال 0 ومحمد إقبال 0 لقد حاول هؤلاء وغيرهم طرح مشروع ثقافي إسلامي حديث يربط بين النظرية والعمل بين التجديد الفكري والنضال الاجتماعي والسياسي ،ولكن حدثت بعض الظروف جعلت الإصلاح يتراجع شيئا فشيئا فعبد الثورة العرابية فى مصر مثلا 1882 فإن محمد عبده انتقل من الثورة السياسية التى قادها الأفغاني إلى التركيز على التطور الاجتماعي البطئ وإحياء اللغة العربية وإصلاح المحاكم الشرعية ولما قامت ثورة كمال أتاتورك فى تركيا عام 1924 خشي رشيد رضا سيطرة العلمانيين باسم الإصلاح كما حدث فى تركيا فارتد محافظا على الإسلام وعندما اصطدم الإخوان المسلمون بالثورة المصرية عام 1954 نزل الإخوان تحت الأرض وخرج الإسلام منتقما يريد الثأر من العلمانية والناصرية والقومية واللبرالية 000 هذا الهم الذي نحن فيه الآن 0
... وهناك تيار آخر ليبرالي وهو الذي قاده الطهطاوى وطه حسين والعقاد وغيرهم وقد أعجب هؤلاء بالليبرالية الغربية ثم حاولوا قراءتها قراءة إسلامية 0 إذن هناك اجتهادات ولكن هذه الاجتهادات جعلت الغرب مثالا للتحديث فما زال النمط المرجو سواء فى الإصلاح الديني أو في الفكر السياسي الليبرالي أو فى البناء العلماني الملكية الدستورية المقيدة التعددية السياسية النظام البرلماني كما حاول كل طرف أن ينتقي من السيرة والتراث ما يساعد على اختياره الفكري والسياسي 0
... الآن وبعد الصحوة الإسلامية هل يمكن الحديث عن تبلور للمشروع الثقافي الإسلامي ؟(1/37)
بعد الصحوة الإسلامية لسنا فى حاجة إلى قراءة ليبرالية أو قومية للتراث وإنما نحن بحاجة إلى اعادة بناء التراث واختيار أحد أبنائه من أجل إعداد الأمة لفترة قادمة بعد فترة حركة الإصلاح الديني تكون الثقافة الإسلامية فيها هى الأساس فى المجتمعات التراثية ويكون التراث المكون الرئيس لإيديولوجيتها السياسية ولإعطائها وثيقة شمولية للعالم وفى ذات الوقت يكون هو الحامل لبرنامج وطني عام يحقق برنامجا إصلاحيا يكون الإسلام فيه هو المكون الرئيسي ويحاور بقيه التيارات كما حدث فى بداية الثورة الإسلامية فى إيران عندما كان الإسلام هو البوتقة التى انصهر فيها الشيوعيون والماركسيون والليبراليون وحركة تحرير إيران وأنصار مصدق 0 فالإسلام قادر على أن يكون هو الوعاء كما كان قديما عندما آخي بين المهاجرين والأنصار وبين الأوس والخزرج وكل القبائل تحت ما يسمي التصور الإسلامي العام الذي يتسم بالتعددية الفكرية والحوار بينها والاتفاق عل برنامج عمل وطنى واحد 0 ...
... ذكرت بعض الأسماء التى أسست حركة الإصلاح الديني أو المشروع التقدمي الإسلامي ولكن ماذا عن الأسماء والمفكرين المعاصرين ؟(1/38)
هناك العديد من الشخصيات المعاصرة والهامة راشد الغنوشي فى تونس وكمال أبو المجد وفهمي هويدي وطارق البشري وغيرهم الكثير وتشهد تركيا نهضة كبيرة جدا تبحث عن مخرج مما قام به كمال أتاتورك وهناك أسماء فى أندونسيا والهند وماليزيا وآسيا الوسطى والجزية العربية 0 وهناك بشل عام محاولات ربما ليست لأسماء لامعة ولكنها ومجموعات من الشباب تحاول قدر الإمكان الخروج من الأزمة الراهنة بتجديد الفكر ولكن لا يعرف بعضها بعضا ما فيه الكفاية لذلك افكر فى هذه الأيام بإصدار بعض الأعداد من محطة اليسار الإسلامي بشكل أعداد وثقافية بحيث إنك تنتشر فى منبر واحد كثير من الكتابات التى تنتشر فى العالم الإسلامي حتى يعرف بعضنا بعضا وبالتالي يكون لنا منبر مستقل نحاول قدر الإمكان أن نخرج فيه هذا اللون الجديد من الفكر الإسلامي حتي يعرف بعضنا وبالتالي يكون لنا منبر مستقل نحاول قدر الإمكان فيه هذا اللون الجديد من الفكر الإسلامي بالرغم من صعوبات التوزيع 0 وعلى كل حال فالعالم الإسلامي محصن ضد نوعين من الخطاب :
... الأول : الخطاب الإسلامي التقليدي الذي يعرف كيف يقول وكيف يخاطب الناس بالإسلام وبالتراث ولكنه لا يعرف ماذا يقول 0
الثاني : وهو الخطاب العلماني الذي يعرف ماذا يقول لكنه لا يعرف كيف يقول ونحن الآن نحاول أن نجد خطابا ثالثا يعرف ماذا يقول أى يستعمل الثقافات المتوازنة من القدماء ويعرف كيف يقول بمعني لا يقول إلا ما يتعلق بالمصالح الهامة 0(1/39)
ما هي الأولويات بالنسبة لهذا التيار الآن ؟ أولا : أولى الأولويات هى الحرية الفكرية فلا أحد يمتلك الحقيقة لوحده كلنا يجتهد الأي نخطئ ونصيب ونتجاور ولكن قضية الاستبعاد والتخوين والتفكير يجب أن تنتهي فلا بد من فسح المجال أو لا لأكبر قدر ممكن من الاجتهاد ومن ثم عدم إبعاد أحد بما فيهم الكاركسيون والعلمانيون وكل الناس فالناس لجأت إلى الماركسية أو الليبرالية والقومية فى غفوة من الزمن عندما قرؤوا التراث القديم فوجدوا فيه أحكام الحيض والنفاس أو فقهاء السلطة ولما رفضوا ذلك لم يجدوا إلا الماركسية أو الليبرالية ولكن الوقت الذي سيجدون فيه الخيار الثالث الإسلام الثوري والإسلام الاجتماعي والإسلام السياسي فسوف يأتي إليه الناس 0
... ثانيا : الحوار الوطني فالفكر ليس جريمة نحن نعيب على الناس العنف وإراقة الدماء هذه الدماء التى حرمها الله عليك بما فى ذلك دماء الكفار وأهل الكتاب لأنهم يعيشون فى كنفنا وبالتالي ما دمنا ندعوا الناس بالحسني ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر ونجادل بالحسني ونتضح بالحسنى فلماذا نغلق الأبواب ظ فالفكر ليس جريمة والدعوة إلى الحوار ليست جريمة فهذه الأمة للجميع كما كان الحال فى ميثاق أهل المدينة والحوار الصريح المتبادل هو نقطة البداية فّا احترم بعضنا بعضا وفهم بعضنا بعضا ولم يخون أو يكفر بضعنا بعضا ما أهون أن نجاحه عند هذا التحديات الرئيسة لعصرنا 0 ولكن طالما بقيت لغة التفكير والإستبعاد وأنا المؤمن الوطني والكل يريد أن يتخلص من باقي الفرق يستأثر بالسلطة وتقوم عليه الانقلابات وتتحول السلطة بالتالي إلى هدف بذاته 000 طالما بقيت هذه الأمور فإن الاستعمار باق والتخلف باق والقهر يسود الجميع 0
... وأين تقع مسألة التقريب بين المذاهب فى اهتمامكم ؟(1/40)
يجب أن نفرق بين الماضي والحاضر بمعني أنني لا أتكلم على الإطلاق عن السنة والشيعة كل هذه الأمور كانت عبارة عن خلافات فى وجهات النظر تعبر عن فردية سياسية انعكست فى التراث 0 أما الآن فأنا لا أعرف ما هو الفرق بين السنة والشيعة إ أذا كان كنت متخصصا ولكن لو سألت الناس : ماذا تعني السنة أو الشيعة أو الخوارج ؟ لرأينا أنهم لا يعرفون شيئا وبالتالي يجب أن نعود إلى طبيعة الإسلام الأول ونسمح بقدر أكبر من التعددية ولكن أن تقول لي من كان أحق بالخلافة الإمام على أم معاوية ظ أقول هذه مسألة عفا عليها الزمن وتلك دماء حرمها الله وبالتالي فأن أتجاوز المذهبية والطائفية والعشائرية وادافع عما يسمي الأقليات فليس من المعقول ما يحدث عندنا أقلية وأكثرية بل يوجد الحق والقانون العام والشريعة والاختلاف لا يجب أن يكون على وقائع ماضية بل يمكن أن نختلف كيف نحقق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية والمساواة ونختلف على نظام الأجور وعلى القطاع العام والقطاع الخاص ونختلف على التجارة الداخلية والتجارة الخارجية ولكن استدعاء النعرات القديمة مضر للأمة ولمصالحها 0
... وماذا عن مسألة الحوار بين الأديان التى تتعالي هذه الأيام ؟
إذا كان الحوار بين الأديان يهدف إلى تحقيق السلام والعدالة للبشر فلماذا وقف الغرب ساكنا أمام مذابح البوسنة والهرسك ؟ ولماذا وقف الغرب ساكنا أمام مذابح الشيشان ؟ ولماذا وقف ساكنا دون حراك أمام مذابح الفلسطينين فى جنوب لبنان وفي الضفة ؟ ولماذا متفرجا فى كشمير ؟ الحوار ليس معناه أنك تطيني كلمتين وقبلتين وتقول : إننا إخوة وفى وفى الواقع أنك تنفرد وتستغل يقف متفرجا فى كشمير ظ الحوار ليس معناه أن ك تعطيني كلميتين وقبلتين ونقول : إننا إخوة وفى الواقع أنك تنفرد وتستغل وتريق الدماء !(1/41)
يجب ألا نفرق بين الحوار النظري والتطبيقي العلمي وكذلك فالحوار بين الأديان الإسلام واليهودية والمسيحية جديد فلماذا يتعثر الحوار بين الشمال والجنوب ؟ وعندما يحاول الجنوب أى العرب والمسلمون أن يحاوروا الغرب يقولون النفط والسؤال الذي نطرحه لماذا النفط ؟ وبالتالي ماذا عن أموال النفط ؟ ولماذا عن الاستثمار ؟ وماذا عن نهب الاستعمار لنا فى القرن الماضي ؟
فالحوار لا بد أن يكون شاملا لكل شئ الثقافة والدين والسياسة ، الاقتصاد وذلك من منطلق الندية والمساواة فى الحوار لا أن تحاورني وأنت تستغلني أو تحاورني وأنت لا تعترف بالإسلام كطرف محاور وأن تحاورني وأنت تريد أن تعطيني فى الخلف 000 الخ فإذا كان المقصود بالحوار عملية تعمقية ونفاق وتستر على ما يدور من مذابح فى الأرض ضد المسلمين فأنا ضد الحوار 0 الإسلام لا يفرق بين الدين والسياسة بين العقيدة والشريعة فالذي يريد أن يحاور فى الدنيا والآخرة ولا يقتصر فقط على الآخرة 0
... كيف ترى العلاقة بين الإسلام والغرب؟(1/42)
إن طل شئ فى حقيقة الأمر إنما هو تراكم تاريخي وذاكرة دمعية الغرب لا ينسي أبدا أننا أخذنا وفتحنا المستعمرات الرومانية القديمة وأن روما كان لها الشام والمغرب العربي وعندما خرج الإسلام من الجزيرة العربية وفتح الشام ومصر وذهب إلى الأندلس أصبح الغرب يكن لنا نوعا من الكراهية لأننا قصلنا الإمبراطورية الرومانية لذلك بدأت الردة علينا أثناء الحروب الصليبية وجاؤوا يريدون استعادة القدس من جديد ولله الحمد فقد تخصلنا بفضل صلاح الدين من الحروب الصليبية الاستعمارية وعندما ضعفنا من جديد الاستعمار الغربي الحديث واستعمر الدول العربية وبدأ يعيد الكرة من جديد وبعد حركة الاستقلال الوطني تحررنا منه والآن ها هو الاستعمار يطل من جديد على المستوي الاقتصادي والسياسي والثقافي وها نحن نزداد تبعية ونفقد شيئا فشيئا ما حصلنا عليه أثناء حركات التحرر الوطني بيننا وبين الغرب نوع من الأخذ والعطاء التاريخي يأتوننا محتلين مسيطرين ونحن نحاربهم ونستقل وهذا ما يحدث ايضا على مستوي الثقافة فقد كنا نعتبر اليونان قديما معلمين بعد ذلك ابتدعنا علومنا وأصبحنا معلمين للغرب ومن ثم أصبح الغرب هو المعلم ونحن التلاميذ وهكذا 00 بيننا وبين الغرب علاقات تقوم على الحب والكراهيةفى الوقت نفسه ونحن على ضفة بحر واحد هو البحر الأبيض المتوسط إذا قوي الشمال استولي على الجنوب وإذا قوي الجنوب نهض أمام الشمال 0
... هل كان الهدف هو تجديد هذه العلاقة فى كتابك مدخل إلى علم الاستغراب ؟(1/43)
... فى اللحظة الراهنة الغرب هو مصدر العلم والثقافة والمعرفة وبالرغم من استقلالا فنحن ما زلنا نتعلم والأمور تشتد والمسافة بيننا تتسع والعربية والإسلامية على الاجتهاد والتحرر من آثار الماضي أصبحنا على هذا التحرر أن يضيع بتقليد الغرب وكأننا خلصنا الذات العربية من تقليد القدماء فوقعنا فى تقليد جديد هو تقليد الغرب قمت بمحاولة فى كتابي مدخل إلى علم الاستغراب لكي أحرر الذات العربية والإسلامية بالثقافة العالمية بل هي ثقافة تاريخية محلية وان الإنسان يستطيع أن يحدث مجتمعاته دون تقليد النموذج الغربي حتي أفسح المجال للإبداع الذاتي للشعوب وأدرس تطور الغرب وبناءه وعقليته ومجتمعه وأرسخ جذور هذا العلم الاستغراب كما أسس القدماء علم الاستشرقاء ويصبح الغرب هو الموضوع كي أستطيع أن أتعمامل مع الغرب على مستوي الندية وأطور نفسي من مستوي التلميذ إلى مستوي المعلم وأحاول قدر الإمكان أن انقل الثقافة والعلاقة مع الغرب من مستوي التلميذ الدراس والتحليل وأحول الغرب من كونه مصدرا للعم لأن يصبح موضوعا له 0
... ... إلى أي حد يمكن أن ينجح هذا الأمر وما مدي تأثيره فى العلاقة مع الغرب ؟
... كما أشرت بعد أن تعلمنا من اليونان بدأنا نتفقد العلوم اليونانية وكتب ابن الوزير ترجيح أساليب القرآن على منطق اليونان ونحن الآن ننقل من الغرب منذ 200 عام فإذا بدأنا بنقد الوافد وكان نتاج علمنا دقيقا فإنه يفرض احترامه على الأوسط العلمية الأكاديمية مثلما فعل مارتن برنار عندما كتب كتابه أثينا السوداء والذي يبن فيه المصادر الإفريقية الآسيوية للحضارة الأوربية وهو كتاب ضد أسطورة أن اليونان مبدعو الحضارة وأنهم لم يسبقهم أحد لقد بين مارتن أنهم تعلموا من ىسيا وفينيقيا وحضارة الشرق القديم ومن مصر الخ 0(1/44)
... ... 0 كان الكتاب موثقا توثيقا جيدا لم يستطيع أن يرد عليه أحد وكذلك كتاب علم الاستغراب الذي يترجم الآن إلى الإنكليزية والفرنسية طالما أننا نقدم أبحاثا علمية جادة وليست ادعائية فأظن أنه سيكون لها أبلغ الأثر على مدي عدة أجيال كما كان الاستشراق الذي كان فى القرن التاسع عشر والآن تحول الاستشراق إلى العلوم الإنسانية وبدأ يصبح أكثر علمية ودقة وأخذ يتخلي عن الأحكام المسبقة وقد احتاج هذا الأمر إلى 300 عامل وأنا الأن أتجاوز ادب الرحالات والانطباعات إلى علم دقيق وسوف نحتاج بالطبع إلى عدة أجيال أخري حتي يصبح ذلك العلم أحد التيارات الرئيسية 0
... ... ما هو نوع الحضارة التى يطمح الإسلام إلى بنائها ؟ وما مدي علاقتها بالحضارة الإسلامية السابقة ؟
... الإسلام يتجدد مع كل عصر والتراث الإسلامي هو مجموعة الإجابات التى تطرحها الأسئلة فى عصر ما فهناك أسئلة مطروحة من عصر الاستعمار حول القهر التخلف الوحدة والتنمية والهوية تجنيد الجماهير فهل الإسلام قادر على أن يجيب على هذه التساؤلات الهامة ؟! يج هنا أن نأخذ كل الإجابات الممكنة التى قالها القدماء وأجريها على الأسئلة المطروحة فلو وجدت فيها ما يفيد اتبعها وإذا كان هناك إجابتان اختار القدماء واحدة منهما ووجدت أن الأخرى هي الأفضل أختار هذه الأخيرة القدماء اختاروا الأشاعرة وأنا قد أختار المعتزلة لأنها الأقرب إلى الفعل القدماء اختاروا الشافعية وانا قد اختار الملكية لأنني أريد أن تكون المصلحة أساس التشريع القدماء اختاروا مثلا فى الفقه إعطاء الأولوية للعبادات على المعاملات : لأن الإسلام كان ولا يزال طردا وانا قد أعيد بناء الأولويات أعطي الأولوية للمعاملات على العبادات 000 الخ وحتى لو لم أجد بدائل فى القديم أبدع إجابات جديدة وعلوما جديدة وفقها جديدا ومذاهب سياسية تتعامل مع القطاع الخاص والريح وفائض القيمة 000 الخ 0(1/45)
... ... لقد استطاع القدماء أن يتعاملوا مع أفضل الحضارات القديمة الرومانية الهندية واليونانية والفارسية والصينينة وأخرجونا لنا حضارة لم نستطيع حتى الآن أن ننشرها كلها فالإسلام قادر على أن يستجيب لتحديات العصر ويجيب على الحضارة الغربية والشرقية ولكن القضية فينا نحن هل استطعنا أن نخرج من التقليد سواء تقليد القدماء أو تقليد المحدثين ؟ هل لدينا ثقة فى النفس ؟ وهل لدينا طموح ثقافي حضاري ؟ ... ... هل نشعر فى أي مرحلة من التاريخ نحن نعيش ؟
... ... هل نحن أصحاب دار أم مفترجون من الخارج ؟ هل نستطيع أن نخلص ونقدم كما أخلص القدماء وقدموا ؟ أم نحن طلاب شهوة وسلطة ومال ؟ كيف تفهم الإسلام السياسي ؟
الإسلام السياسي هو دخول الإسلام إلى معترك الحياة العامة وخروجه من قفص العبادات والعقائد والشعائر فالإسلام هو نظرة متكاملة إلى الحياة والفرد والمجتمع وأنا مع هذا المصطلح الذي يشير ايضا إلى الجماعات الإسلامية التى تحاول تغيير الواقع عن طريق العنف أو بدون عنف فالإسلام عند الأفغاني ومحمد عبده إسلام سياسي وكل الحركات الإصلاحية تدخل فى إطار الإسلام السياسي 0(1/46)
الفكر الإسلامي المعاصر هل هو فر واحد فى مشرق العالم العربي ومغربه ؟ بالطبع لا ولا يمكن أن يكون الفكر الإسلامي بطبيعته متعدد وهناك حق الاختلاف الشرعي ولا يوجد مذهب واحد ولا فلسفة واحدة فالإسلام بطبيعته تعبير عن الالتقاء بين الإسلام كما هو موجود فى القرآن والسنة وبين السياق التاريخي والاجتماعي للأمم والشعوب هناك قواسم مشتركة بطبيعة الحال من خلال التوحيد ولكن التوحيد يتجلي فى سياقات تاريخية واجتماعية مختلفة فى المغرب العربي وفى مصر وفى بلاد الشام وفى الهند 000 الخ والإسلام فى الغرب وفى الصين وفى اليابان 0 فالإسلام بطبيعته متعدد لأنه لا يأتي لينتزع الأمة من ثقافتها المحلية بل يتحد معها ويطورها فأسلمة الملايو هي تأكيد على الهوية الثقافية الماليزية وأسلمة أفريقية هي تأكيد على الهوية الأفريقية باسم الإسلام 0
كيف تري موقف الإسلام من التعددية والديموقراطية ؟
... إذا كانت الديموقراطية تعني عدم التفكير والتسليم بوجود وجهات نظر مختلفة لها حق التعبير فالإسلام مع هذا وإذا كان المقصود بالديموقراطية هو أن لكل إنسان الحق فى أن يعبر عن رأيه فأنا من ؟ أنصار استعمال هذه الألفاظ وإعطائها معان إسلامية 0
... ... هل يقبل الإسلام بوجود أحزاب علمانية ؟
الإسلام لا يمنع مع تكوين تيار ماركسي أو علماني أو ليبرالي مادام له اجتهاده والإسلام قادر على أن يتجاوز هذه التيارات وأن يدخل معها فى حوار : الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان ويترك للناس بعد ذلك أن تختار أيا من البضاعتين أقرب إليها لتحقيق مصالحها العامة 0
كيف تنظر إلى مسألة العنف فى الإسلام ؟ العنف فى الإسلام مفروض على الأمة سواء فى الماضي أو الحاضر والعنف نوعان عنف مستتر وعنف علني 0 العنف العلني : هو ما تذكره الصحافة : فلان قنبلة أو سيارة انفجرت 000 الخ 0(1/47)
العنف المستتر : وهو الأخطر والأهم فهو ذاك العنف الذي يمارس ضدي فى كل مكان فمثلا لم يستشرني أحد فى النظام السياسي الذي أعيش فيه فهو مفروض على إما بانقلاب عسكري أو بملوك ورثوا الحكم عن آبائهم وأجدادهم ولم يستشرني أحد فى النظام الاقتصادي الذي أعيش فيه أو فى الأجر الذي أتقاضاه ولم يستشرني احد فى قضايا الحرب والسلام ولا فى أي من القوانين التى تفرض على كل صباح وبالتالي فأنا تحت العنف اليومي المستتر لأنه لا حرية لي فى شئ فالعنف الظاهر يأتي هنا كوسيلة لإثبات الوجود 0
لو كنت شابا فى العشرين من عمري فلن أطيق صبرا ولن أجد وسيلة إلا أن آخذ سلاحي بيدي وبالتالي العنف الظاهر هو ردة فعل عنف المستتر ومنه البطالة والفقر والقهر وعد وجود مسكن وعدم قانون يحترم الناس 000 إلخ وهذا لا يعني أني أدعو الناس إلى العنف المباشر لا ولكنني أدعو إلى تفهم أسباب هذا العنف ولكن فى الوقت الذي يصبح فيه لكل إنسان الحق فى الاختيار وحرية التعبير ووجود مستقبل أمامه يساهم فى صنعه عندما سيتلاشي العنف 0
... ... عادات مسألة الحداثة تطرح من جديد مع تصاعد التيار الإسلامي ما رأيك ؟(1/48)
... لفظ الحداثة لفظ غربي يكثر استعماله فى هذه الآونة تى يتبين المثقف العربي أنه مطلع على آخر موضوعات العصر 0 وأنا لا أحبذ هذا اللفظ (( الحداثة )) وماذا بعد الحداثة ؟ وإذا لم أستعلها لن أصبح أقل علما وإذا استعملها لا أصبح أكثر ثقافة ولكن على أية حال بعضهم يحاول طرح موضوع الحداثة من جديد حتى يبينوا أن الإسلام غير قادر على التأقلم ولكن الإسلام وعن طريق الاجتهاد هو أكبر دين حداثي لأنه يعطي الفرع شرعية الأصل وهو يعترف بالزمان والمكان ويعترف بالتطور وأن إجماع كل عصر غير ملزم للعصر القادم وأن الاجتهاد أصل من مصادر التشريع وهذه روح الحداثة وكما قال محمد إقبال ك الاجتهاد هو روح الحركة الإسلامية 0 لدينا الاجتهاد وهو اللفظ الذي أفضله لفظ الحداثة حداثتي من الداخل والمصالح متغيرة والمصلحة أصل التشريع أما الحداثة الأوروبية فقد أتت فى ظروف خاصة وفى فترة خاصة بعد أن تمتع الغرب بالنهضة الحديثة وهو يحاول الآن أن يطرح الحداثة وكأنها استعمار جديد يرده الناس ثم يصدرون عنه وقد خرجوا من ثقافتهم الوطنية 0
جودت سعيد
بداية إذا أردنا إعادة ترتيب أوراق البيت الإسلامي فى ظل الوضع الدولي فأي القضايا تحظي اهتمامكم ؟ وكيف ترتبون الأولويات ؟ ما تطرحونه هو سؤال كبير موجه إلى حضارة تستعيد حيويتها وأمر بالغ الأهمية أن تكون ثمة مطروحات يطرحها العالم الإسلامي مالك بن نبي وتتلمذت على يديه فقد فتحت عيني – بواسطة فكره – على مشكلات العالم الإسلامي التى هي فى مقدمة الأولويات مما جعلني أتمسك بأفكاره وأعض عليها بالنواجذ نظرا للفكرة الهامة التي جاء بها القابلية للاستعمار 0
... أين تمكن أهمية فكر (( القابلية للاستعمار )) ؟(1/49)
العالم الإسلامي يتكلم كثيرا عن الاستعمار وأثره على أوضاعه ومعاناته وتطوره ولكن ابن نبي يقول : حينما يكون كلامنا أقل عن الاستعمار وأكثر عن القابلية للاستعمار نكون قد بدأنا السير فى الطريق الصحيح ومما يؤكد عليه أيضا : أن القابلية للاستعمار لم تصنع فى واشنطن وموسكو وباريس بل هى موجودة فى كيان العالم الإسلامي وتحت قباب جوامعه من بخاري وسمرقند ،وحتى دلهي و طهران 000 إلى دمشق والقاهرة والقيروان 0 كيف كانت معايشتكم لهذا الفكر ؟ لقد عشت مع أفكار هذا المفكر وقرأت كتبه عن مشكلات الحضارة مرارا وتكرارا وتعمقت فى فهم الفكرة الآنفة الذكر لكنني لم أقف عند تلقيها كما هي فحسب بل رحت أقبلها وأجد لها السند الإسلامي والأساس القرآني واكثر ما يفهمني مصطلحا الاستعمار و((القابلية للاستعمار )) اللذان يبدوان غربيين عن إفهامنا رحت أهتم بآلية هذا الموضوع بنظر عميق فى القرآن الكريم وتعاليم الإسلام وإضافة إلى النظرة الحضارية والتاريخية 0
... وهل اقتصرتم فى هذا الشأن على فكر مالك بن نبي ؟(1/50)
لا 000 لقد استفدت من الدراسات التى كتبها توينبي وفاوست وغوته وغيرهم إن قصة الحوار الذي يعرضه القرآن الكريم والذي دار بين الله عز وجل وآدم وبينه سبحانه وبين إبليس يوضح كثيرا من غموض هذا الموضوع لقد وجه الله سبحانه أمرا لإبليس فعصاه ووجه نهيه إلى آدم فأتاه 00 كلاهما وقع فى المخالفة فى المعصية كرمز للمشكلة الإنسانية ويعنيني هذا الرمز كمشكلة حضارية 0 فعندما واجه الخالق سبحانه الطرفين اختلفت الردود : إبليس وقف موقف التبرير وتسويغ وقوعه فى المعصية ومخالفه أمر الله عز وجل وقال ( لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون ) الحجر 23 إنه يجعل من الأصل المادي مبررا للرفض : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) ص 76 والدلاتة الفلسفية الأعمق كانت بكلم و إبليس ( فبما أغويتني ) الأعراف 16 كأنه يقول لخالقه : إن لك فى الأمر بمشيئة وإرادة وقدرة وقد تم بأمرك أنت القضاء الذي يدفعني إلى ذلك لقد أغويتني بينهما نجد موقف آدم مختلفا إذا لم يحاول تبرير المعصية ولم يقل إن الشيطان قد مارس عليه أغراء قويا بقوله ( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين او تكونا من الخالدين ) الأعراف 4 انه إغراء شديد 00 ( هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلي ) طه 120 رغم كل هذه الإغراءات لم يقل آدم لقد خدعني الشيطان وأغراني بل قال بكل صدق وتحمل للمسؤولية : لقد ظلمت نفسي 00 أنا المخطئ وأنا السبب لعل آدم استأهل أن يستخلف فى الأرض لأنه قادر على تحمل التبعات وعلى رد المشكلات إلى أسبابها الحقيقية وقادر على تحمل مسؤولية خطئه 0
... كيف نضع هذه الدلالات العميقة فى سياق الموضوع الذي نتحدث عنه ؟(1/51)
إن هذه الصفة الآدمية حتى الآن ليست موجودة فى البشرية فالعالم كله على طريق إبليس فأمريكيا تفرح بزوال الاتحاد السوفيتي وتعتبر العالم ا؟لإسلامي عقبة أمامها إنهم يصرحون بذلك ونحن نعتبر الغرب عقبة أمامنا بينما آدم لم يقل ذلك وحين يعترف الإنسان بأنه لا أحد يغريه أو يعوه يستطيع تحقيق الكثير إننا مفوضون بأن نقول أخطائنا حينما نخطئ أما الأعداء فليست لديهم القدرة على أن يفعلوا بنا ما نظنهم يفعلون 0 هذا الحوار الذي جري بين الله عز وجل وآدم من جهة وبين الله سبحانه وتعالي وبين إبليس من جهة أخرى يعد حوارا قبليا لكن القرآن الكريم يخبرنا بحوار بعدي ففي اليوم الآخر يرد إبليس على متهميه بالقول : ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستحببتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) إبراهيم 22 : ( وما كان لي عليكم من سلطان ) إبراهيم 22 ، ( ما أنا بمصرخكم 00 وما أنتم بمصرخيني 00) إبراهيم 22 أنه الشئ رائع واضح وجلي(1/52)
... 0 يتضح من حديثكم أنكم تؤسسون على فكره رد المشكلات إلى الذات فإلي أر حد يتعامل العالم الإسلامي مع هذه الفكرة حسبما ترون ؟ إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد فى التاريخ البشري الذي ريد المشكلات إلى الذات لا إلى الآخر عندما يصيبنا شئ يقول القرآن الكريم ( قل هو من عند أنفسكم ) آل عمران : 65 وليس من خبث أعدائكم حتي فى غزوة أحد عندما هزم المسلمون وقالوا أني هذا ؟ لم يقل لهم خدعكم خالد بن الوليد 00 قال : هو من عند أنفسكم والآن على المسلمين أن يتعلموا هذا الحس وأن يستعيدوه لقد كان مالك بن نبي يقول فى مؤتمراتنا نجعل مشكلة فلسطين هي المشكلة الجوهرية بينما هى نتيجة من نتائج المشكلة الإسلامية ومشكلة أريتريا والبوسنة والهرسك وما سيأتي لاحقا 0 والشيطان لن يصبح صديقا لنا حسب قول بن نبي وعليه ينبغي ألا ننتظر حتى يتغير وكذلك سيبقي الاستعمار فينا ما دامت القابلية موجودة فالاستعمار والقابلية للاستعمار عملية جدل ومشاركة 00
... هل هذه إشارة إلى أن العالم الإسلامي ما زال يجمل نظرة التفاؤل والنهوض وبذور الخير للعالمين ؟(1/53)
أجل إننا نحمل فى أعماقنا فكرة قد لا نعبر عنها وهي أن هذا الكون يمكن أن يصنع صنعا آخر وأن تحل حضارة مكان حضارة وأن تستبدل العلاقات الإنسانية السائدة بأفضل منها هذا الحس العميق الي ورثناه ربما موجودا فى أعماقنا ولذلك نتقبل الحضارة الغربية فى أعماقنا هذا أمر إيجابي ولو تأخر أداء المسلمين لرسالتهم العالمية إن لنا رسالتنا ولنا مواقفنا وهذا بحد ذاته أمر مهم جدا 0 إن الغرب اليوم يطالب بالديموقراطية لكنه يصاب بالرعب إذا صارت الديموقراطية عندنا لأن هذا يحمل موته لذلك تراه يحارب أية إرادة للديمقراطية فينا وبشكل شرس وكحرب الأفيون فى الصين سوف يحاربنا لماذا ؟ لأننا حينئذ سنملك الاستعداد لأن نبيت عراة جياعا وأن نقطع عنهم كل شئ ولا نأخذ منهم شيئا إنني لا أقول هذا للسياسيين بل للمثقفين الذين لا يعرفون شعوبهم ولا يحسون بآمالامهم 0 طالما أنكم تشيرون إلى المثقفين هل لكم أن ترسموا ملامح دور المثقف وأدائه لرسالته ؟ ما المثقف ؟(1/54)
... إنه المحامي عن هذه الأمة المحامي عن هذا المسكين الي لا يستطيع أن يتكلم وقلبه ملئ بالتطلعات المثقف هو من يجب أن يعبر عن أشواق المسلم البسيط وتصوراته ويؤدي دوره الهام والمؤثر فى صناعة الواقع الذي ينشده العالم الإسلامي هذا أيضا من الأولويات التى ينبغي أن نفكر بها 0 حين كان الناس يموتون بالجدري والكوليرا والطاعون كان باستور فى مخبرة يتأمل ذباب الخل فى الأنابيب ويعد لكشوفاته ولكنه لو ذهب يبكي على الأموات كما فعل الباقون لما ساهم فى إنقاذ العالم وأنا اليوم انشغلت بمشكلات أو سطحية ورحت أبكي القتلى والجرحي من المسلمين لما استعطت أن اعكف على البحث عن المرض وعن علاجه وستكرر المآسي لا أبالي بما يريده الغرب من أنشودة الديموقراطية او السلام أو نزع العنف ومتي لا نستخدمه ونعرف متي نسكت ومتي نضرب إننا الآن نضرب حيث لا ينبغي لنا ذلك ونسكت يث يجب ألا نسكت هذه المأساة التى تكاد تفقد الإنسان عقله 0(1/55)
الفكر الإسلامي المثقف الإسلامي إلى أى حد يمكن القول بأنه قد تورط فى إشكالية التغريب بشكل أو بأخر ؟ يبدوا لي أن العالم الإسلامي لو يتورط بإشكالية التغريب أو سواها لكنه تورط بالتوقف وإغلاق عقله تورط بالقابلية للاستعمار لما ظن أن الدنيا تسير إلى الأسوأ وإلى الزوال وما من يوم إلا والذي يليه شر منه هذا ما سيطر على عقلنا ويا ليتنا تغربنا جيدا إذا كنا حاضرين فى العالم بشكل جيد ولكن عندنا متغربون هزيلون يلجئون إلى الأفكار الميتة فى الغرب أو الأفكار القاتلة وأنا أقول لو اننا تغربنا بشكل جيد لما وقعنا فى إشكالية التغريب أما الآن فاختيارنا مثل اختيار إبليس دائما الأسوأ حتى فكرة القومية والاشتراكية لم تسطع خرق قلب العالم الإسلامي فلم يستجب لها وكلها مرت كشيء عابر ميت ثم سقطت وفى مقابل هذا نجد أننا أيضا لم نستطيع أن نكتشف إسلامنا لماذا لأننا لم نقرأ تاريخنا الذي يشكوه محمد أركون ويقول عن المسلمين بأنهم يعيشون قطعيتين : قطيعة عما حدث فى تاريخنا وقطيعة عما حدث ويحدث فى الغرب وعن فلسفة الغرب بينما يقول الله عز وجل فى القرآن لنا انظروا التاريخ إلى الأقوام البائدة إلى ديارهم واكتشفوا سنة التاريخ فهذا يخرجم مما تعانون على أنه ليس بالضرورة لمن يقرأ الغرب وتاريخه أن يتغرب ولكننا أصبحنا كما يقول الفيلسوف والشاعر الإسلامي محمد إقبال :
... ... إن إبراهيم فينا هجرا ... ... ... وبعدتم أنتم عن آزرا أى لا آزرا ولا إبراهيم 0(1/56)
كيف تظهر عالمية المشروع الإسلامي فى ظل مرحلة اتفق على تسميتها بالصحوة الإسلامية ؟ كيف ترون هذه المتجليات ؟ إن الحضارة كما يقول مالك بن نبي : إنسان وتراب ووقت وأنا أضيف إلى ذلك الحضور فحينما تحضر العالم ستمط الحضارة حينما تحضر السوق العالمية سواء كانت سوق ثقافة أم سوق بضاعة ينبغي أن تكون حاضرا(( ولتكونوا شهداء على الناس )) البقرة 143 وبمجرد أن نحضر السوق نعرف البضاعة الرائجة من البضاعة الكاسدة والفاسدة ونعرف ما يحتاج إليه العالم 0(1/57)
... إن العالم العربي اليوم يحتاج إلى السلام ولكن السلام الذي صنعوه أو الذي يؤكدون على صنعه هو سلام الامتيازات إنهم يريدون أن يبقي ثلاثة أرباع العالم مكرسا لخدمتهم وصناعتهم وامتيازاتهم 0 لكننا نحن المسلمين ننادي بسلام العدل إذا ينبغي ألا يقسم الناس إلى قسمين فكلنا لآدم وهذا هدفنا وهذه هي رؤيتنا الإنسانية نحن الذين سنضع سلامنا وسلام العالم حين نكون حاضرتيه أما حينما نغيب فلا ندري ما يصنعون ولا ندري ما نصنع ولذلك فإنني أطالب بضرورة دراسة علم النفس وعلم الاجتماع وعلم استشراق المستقبل لأن المشاريع التى يعرضونها علينا نقف منها موقف الرفض أو القبول بحسب معرفتنا أو جهلنا للأمور التى تحدث فى العالم الغربي 0 يقول الكتاب التركي سعيد النورس فى كتاب عام 1912 أي قبل بدء الحرب العالمية الأولي بسنتين : أعلن أن المدافع الغربية ستقضي على الخلافة الإسلامية وأن سورية ستستقل عنا لكنها لن تستقل وستصير جزائر أخري و إن عيني المغرورقين بالدموع أسفا على أحوال المسلمين لتتطلعان إلى بريق الأمل بأن حقي المغصوب سيرجع إلى أولادي وأحفادي ذلكم هو عزائي 0 ... وبعد 12 سنة من هذا الكلام استعمر الفرنسيون سورية ولبثوا ما لبثوا ثم زالوا إن هذا الكتاب ليس نبيا بل كان يعرف حاضرا يعرف كيف يخطط العالم وإلى أين يتجه ويبدو أن مثقفينا فى العالم الإسلامي لا يملكون عيونا للنظر كما يجب إلى هذه الأمور لا عيونا ذاتية إسلامية ولا عيونا غربية حتى المفكر محمد أركون الذي أراه عملاقا لا يقدر على أن يخرج قيد شعرة عن الفلاسفة الغربية بل يكتفي بنقل ما يقوله الغربيون من خلال تطور علم الألسنيات فى الرمز وفى الدلالة 0 إلخ لكن ما يقوله بأن المسلمين بحاجة إلى (( ثيولوجيا جديدة )) أي لا هوت جديد فهذا ما لم يسبقه إليه أحد 0(1/58)
تتردد الآن فى الغرب نغمة (( الإرهاب الإسلامي كيف يمكن الرد على هذه النغمة من خلال نظريتكم إلى (( اللاعنف )) ؟ هذا موضوع كبير ذو جذور تاريخية عميقة لكنني أعيد إلى الأذهان ما بدأت به حديثي حول موضوع آدم وإبليس وتحمل المسؤولية جذور المشكلة تبدأ منذ أن تقابل ابنا آدم وكان هناك قاتل وكانت هناك ضحية إننا بيولوجيا – أبناء وأحفاد الذي بقي حيا لكننا – ثقافيا – أبناء الذي قتل لأن الله عز وجل عندما يقص علينا هذه القصة كرمز ويزكي طريقة ( لئن بسطتت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إلي أخاف الله رب العالمين )) المائدة 28 يريد منا أن ننظر فى العبرة فلا نقع فى الخطأ الذي وقع به القاتل 0
... وكما تخلص البشر من أكل لحوم البشر سيتخلصون من العنف وسوف تتقزز منه النفوس فى المستقبل ومهما كان الغرب يتهمنا بذلك فلا حرج أن نحمل فكرة اللاعنف بنقل تويبني تشبيها يشبه به أحد الغربيين المستضعفين أو المسلمين او الشرقيين بالحيوانات فيقول : هؤلاء الشرقيون الذين نحتلهم حيوانات مؤذية لأنهم يخشوننا إذا أردنا أن نذبحهم وهكذا أصبحنا إرهابيين لأننا نخرمش الذين يهمون بذبحنا رغم هذا فنحن الذين نعرف السلام وكيف نحققه ونعرف العنف و ويلاته لقد حققوا السلام بفعل الرعب النويي المتبادل فيما بينهم حققوه هباً ونحن نحققه رغبا وإيماناً فلا نسابقهم بالتسلح إن السلام ليس هو عامل النصر أو الهزيمة نحن لم نهزم لقلة أسلحتنا بل اشترينا سلاحا كثيرا لكنه لم ينغعنا ولم تنصرنا دباباتهم ولا طائراتهم لأن السلاح لن ينصر مشتريه بل ينصر صانعيه 0(1/59)
أود أن أؤكد على طلب إجابة واضحة حول دعوتكم إلى اللاعنف ومرتكزات كم فى ذلك وأين مفهوم الجهاد فى الإسلام من ذلك ؟ لعله شئ جديد ان أقول إن اللاعنف لا يعني إبطال الجهاد أو تعطيل أن ينفروا خفافا وثقالا أنا لا ألغي ذلك بل أحاول توضيح شروطه إن المجتمع الذي سيمارس هذا الجهاد ينبغي أن يصنع صنعا مثلما فعل رسول الله (ص) و أصحابه والملاحظ أن مشكلات العالم اليوم تنحصر فى مشكلتين جوهريتين :
... 1- مشكلات حكم الشعوب ... ... ... 2- مشكلات شن الحروب 0(1/60)
أى الحكم والحرب وبالنسبة إلى القضية الأولي تدلنا سنة رسول الله وتاريخ الدعوة الإسلامية على أن الوصول إلى الحكم يتم بالصبر حتى قبلنا الناس وبأسلوب طلع البدر علينا 00 أى بلا حرب ولا عنف وبعد الوصول إلى الحكم يكون شن الحروب نقرأ فى سورة الممتحنة : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم ) الممتحنة 8 إن الحرب تشن على من يمارس هذا العدوان بشقيه هذه هى الحرب الموجودة فى القرآن الكريم إن الذي لا يشارك بذلك إما بماله وإما بدمه فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير أرجو الانتباه لهذه النقطة لا تقتلوهم بسبب عقيدتهم واعتقاداهم بل بسبب ممارستهم العنيفة المحرمة فليعتقدوا ما يشاؤون وكذلك ليعتقد الناس اليوم بما يشاؤون الإسلام المسيحية البوذية الإلحاد كل ذلك تبرر لا قتالهم ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) الممتحنة 8 إذن مبرر القتال محدود جدا ومحدد جدا حتى فى آيات سورة التوبة والأنفال وآل عمران 0 كذلك أمامنا سؤال آخر وهو ك لما تبدأ الدولة الإسلامية بالفساد كيف نواجهها ؟ لقد دلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف نقابل هؤلاء بكلمة الحق ولو جاء الآخر ليقتلنا ولو كان الحاكم المسلم ظالما حيث قال لنا اكسروا سيوفكم 00 رغم أن ( الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر إلى الجنة 000 صانعه وحامله والرمي به ) هذا القتال المشروع بعد إنشاء الدولة بهذه الشروط 0(1/61)
أما إذا كان الحاكم الإسلامي بدأ يغير نظام الحكم من الشوري إلى الديكتاتورية فينبغي أن تقابله وتكرر عليه وتقول للخطأ مهما كانت ردود فعله ولو وصلت إلى قاتل المعترض والتضحية بماله ودمه 00 انت تطيعه فى المعروف وتعصيه فى المنكر وحتى لو جاء يقتلك لا ينبغي لنا أن تلجأ للسلام فى الوقت الذي يقول فيه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أن الذي يربي فرسا حتي بوله وورثه يوضع يوم القيامة فى الميزان هذه أحاديث ورادة ولكن فى الوقت نفسه يأمرنا أن يكون مجتمعنا نظيفا من العنف إن للعنف شروطا ومحددات وأنا العنف بالكهرباء فإذا اتصل قطباها عند جهاز كالمروحة او الثلاجة أو المصباح فإنها تعطي نتائج إيجابية أما إن اتصلا بلا مبرر أو في غير المكان المخصص لهما فسيحدث ذلك حريقا 0
... ينبغي علينا أن ننقذ الجهاد من الخرافة وان نعترف شروطه وينبغي ان يعود المسلم إلى أن يثق به عدوه أكثر مما يثق هذا العدو بأبنائه لأن المسلم يعرف متي وأين وكيف يستخدم السلاح 0
دعوتكم إلى اللاعنف أين تلتقي مع دعوة غاندي وأين تفترق ؟ وبرأيكم ألا يرحب الغرب بهذه الدعوة الآن ؟ إنني أفترق مع دعوة فى فهمي للعنف حسب ما أفهمه من الإسلام فالإسلام يجير استخدام العنف إذا توافر شرطان ضروريان :
... الشرط الأول : أن يتم الوصول إلى الحكم وقيادة وقيادة الناس برضاهم كما وصل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد صبر طويل استغرق نصف عمر الدعوة الإسلامية فى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فاستقبله أهل المدينة وهم ينشدون : ( طلع البدر علينا ) هذا هو شرط المجاهد – بكسر الهاء – 0(1/62)
... الشرط الثاني : شرط المجاهد – بفتح الهاء – ضده وهو الذي يمارس الإكراه فى الدين ولا يعطي للناس حرية اختيار الدين الذي يرتضونه ويختارونه طوعا وبا\إدارتهم هذا ما يجب منعه عن ممارسة الإكراه بالعنف عندما يتعذر منعه بطريقة أخري إن هذين الشرطين إذا نظرنا إليهما جيدا وجدناهما مطلبين إنسانيين عالميين فالشرط الأول لا شك فى أنه مطلب عاملي بأن تختار الشعوب حكامها وأن تمتلك حق عزلهم أيضا والشرط الثاني حرية التدين وهو مطلب عالمي إنساني كذلك وإن سقوط الاتحاد السوفيتي لدليل تاريخي على أن من لا يوفر هذين الشرطين مآله الانحلال وبذلك تطابقت آيات الكتاب مع آيات الآفاق والأنفس 0
... كيف ترى غاندي ودعوته إلى اللاعنف والمقاومة السلمية ؟(1/63)
لقد عرضت قبل قليل فهمي لمسألة اللاعنف من وجهة نظر إسلامية وما أظن أن اللاعنف عند غاندي يتسع لمثل هذا الذي عرضته ورغم ذلك فأنا أحترمه لنه قام ونبه الناس إلى أن اللاعنف سلاح للتحرير السياسي لم تكن كراهية غاندي للإنكليز عرقية أو لأنهم غرباء عن الهند ولكن لأنهم لا يحترمون الإنسان ومثل هذه النظريات جديرة بالاحترام وبعد استقلال الهند لم يحاول غاندي يتسلق منصبا سياسيا بل بقي مع الشعب يسعي لتخليصه من اضطهاد الهندي للهندي واتفق مع الشعب على ممارسة اللاعنف للوصول إلى حكم الشعوب باختيارهم ورضاهم لقد حرر غاندي الطاقة السلمية المغروسة فى أعماق الإنسان وهذا ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع المسلمين حين وصل إلى الحكم باللاعنف وهو عليه السلام الذي قال ( ما كان العنف فى شئ إلا شانه وما كان الرفق فى شئ إلا زانه وإن الله ليعطي بالرفق مالا يعطي على العنف ) 0 ‘نى اتفق مع غاندي وأراه احيا فكرة إسلامية مهمة (( لا طاعة فى معصية )) وعلم الناس من جديد كيف يقامون القوانين الظالمة بخرقها كما فعل فى قيادة الناس إلى البحر للحصول على الملح خارقا قانون (( حظر الملح عن غير طريق الدولة )) كيف نعصي القانون الظالم ى بقتله والاعتادء عليه بل بعدم تنفيذه وعدم الخضوع له مثلا حرية الرأي التى يبكي عليها المسلمون ويتمنون أن يشموا رائحتها ولا يجدونها لم يكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يطالب الآخرين بأن يسمحوا له ممارسة حرية الرأي وإنما مارسها وعاشها علنا وقال للآخرين افعلوا ما شئتم 0 إن كان للديموقراطية أصل فهذا هو أصل الديموقراطية لأنها ليست هبة تعطي من المستعبد وإنما هي واجب يمارسه عبد الله وإذا كان الغربيون يطلقون مصطلح (( الاستبداد الشرقي )) على حضارات الشرق إلا أنهم يغفلون المقاومة الشرقية قبل أن تكون لليونان حضارة يقص القرآن الكريم علينا عن المقاومين السلميين الشرقيين (( الأنبياء )) الذين قاوموا(1/64)
الاستبداد الشرقي – بـ (( الدين الشرقي )) الذي رمي بالسيف بعيدا ورفع كلمة الحق عاليا متحديا وذلك من عهد نوع عليه السلام الذي قال تعالي عنه ( واتل عليهم نبأ نوح إذا قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلي الله توكلت فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلى ولا تنظرون ) يونس 71 ينبغي أن نرفع كلمة ود ووفاء لسقراط الذي مارس اللاعنف ومارس عدم التارجع عن قول الحق وإن لم يستطيع أن يحرك الجماهير الغربية لكن أنبياء الشرق قادوا الجماهير باللاعنف بينما الثورات الغربية كلها دموية 0 كنت مرة أتحدث إلى الشباب عن اللاعنف فقال بعضهم : كيف تدعوا إلى اللاعنف ومل من ثورة إلا وقامت على العنف 0 وأعظمها وأكملها ثورة الرسول محمد (ص) التى قامت على اللاعنف وقامت على المسلم والشرعية 0
... قال أحدهم متسائلا : لم لم يظهر نبي فى الغرب أو لم يظهر دعاة اللاعنف فى الغرب ؟ فأجابه آخر : إن الحضارة حديثة العهد فى الغرب أما فى الشرق فالحضارة قديمة وعريقة ومن هناك كان دعة اللاعنف من الشرق يذكر توبيني الحوار بين الشمال والجنوب حتي قبل المسيح عليه السلام والحوار الذي يعرضه توبيني حوار ثقافي إن الأسكندر حين عبر الدرينل وداهم الجنوب بالصدام العسكري كان رد الجنوب عليه لا عنيفا كان المسيح هو الرد على الاحتلال الهيليسي ولم يكن أحد من الرومان فى عهد المسيح عليه السلام يتصور أن يخرج من الشرق فكر يغزوهم بدون عنف أما الذي حدث فهو أن هذا الحوار المختلف بين العنف واللاعنف استغرق سبعة قرون من عبور الإسكندر إلى أن أعلن قسطنطين قبوله المسيحية مضطرا ؟ وبدون عنف وتوبيني يقلب بصره فى أنحاء الأرض :
... كيف سيكون الرد على عبور أحفاد الإسكندر الأطلنطي ؟ هل سيأتي الرد من حضارات أمريكا التى كادت أن تقترض أمام حضارة كولومبوس ؟(1/65)
... أم سيأتي من السود الذين جلبوا إلى أمريكيا التى كادت وسيكون الرد من مواطن الحضارات القديمة ؟
لا شك فى أن الحضارة الغربية حضارة جذبية كما يصفها بحق بم مالك بن نبي إنهم لا قدرة لهم على أن يتكيفوا على المساواة بين الناس فهل من طاقة للمسلمين الآن لكي يعيدوا للناس ثقة الإنسان بالإنسان أم يخرون هذا الدور ؟! إن على المسلم ألا تختلط عليه كراهية المرض مع كراهية المريض وأن يفرق بين المريض الذي هو أحوج ما يكون إلى الرفق والشفقة وبين المرض الذي ينبغي أن نكرهه ونسعي إلى إزالته مع الوجود 0هذا التصور واضح على مستوي المرض الجسدي لكنه مختلط جدا على مستوي المرض الأخلاقي إننا مصابون بعدم التمييز بين المريض والمريض فى المستوي الأخلاقي وعلى المسلمين أن يهيئوا أنفسهم للحوار الإنساني الجديد وأن يتعلموا من جديد الحوار العنيد بين بني آدم فى العصر النووي إن نيلزبور حين نصح ترومان وترشل يدعا الروس ويضعا هذا الكشف أمام سيطرة عالمية للديموقراطية لم يكن من تشرشل إلا أن أمر بتحديد إقامة نيلزبور حتى لا يتسرب علم النواة إلى الروس ولا يزال الغرب يمارس هذه اللعبة لعبة مقاومة أن يثق الإنسان بالإنسان فهل فى إمكان المسلمين يعلموا العالم من جديد أن هذا الإنسان جدير بالثقة به 0 وبرأي إن الغرب لا يرحب بهذه الدعوة إلى اللاعنف بل يرتعب منها ويتمني ألا نهتدي إليها كذلك لن يرحب باللاعنف كل من يستفيد من تخلف المسلمين لأن العالم الإسلامي مسحور بالجهل والعنف 0
... هلا بينكم رأيكم فى الاختلاف بين المذاهب ؟ وهل يشكل ذلك عائقا فى وجه الوحدة الإسلامية ؟(1/66)
أجل إن واقعنا الحالي يشكل عقبة كبيرة وهذا ما يؤلمني إننا لم نتذوق معني ( لا إكراه فى الدين ) البقرة 14 حتى إن الله تعالي سمح لنا بأن نتزوج ممن تقول إن الله زوجة أو ولدا وأن نعيش معها بأنس وود ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) الروم 21 أهذا هو الدين الذي يتضايق فيه الأخ من أخيه إذا صلي ويداه مسبلتان أو إذا توضأ بشكل ما ؟ إنها حقا لمأساة0 أقتنع الناس ليكونوا معك ولكن لا تحاول فرض رأيك بالقوة حتى إنني أقول : إن تعدد الأديان لا يضايقني فضلا عن تعدد المذاهب 0
... لقد سبقني إلى سؤال أود طرحه هل ينسحب هذا على موضوع الحوار بين الأديان ؟
لا شك فى ذلك وإنني وإنني أرحب بدعوة الحوار بين الأديان والظرف أصبح مهيأ ويجب أن نساهم فى هذا الموضوع لأننا نمتاز بأمر هام جدا ألا وهو إيماننا بـ ( لا نفرق بين أحد من رسله ) البقرة 285 0 وكذلك ( منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ) غافر 78 0 وإن لدينا الاستعداد لنتعرف بالذين لا كتاب لهم ولا نعرف عنهم نبأ ولأن نأخذ بآرائهم الصالحة فليقتضوا وليقتنعوا الناس 0أما أن يتوقع المسلمون فهذا دليل على عدم ثقتهم بدينهم وبربهم وبرسالتهم ( ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادوا فأصبحتم من الخاسرين ) فصلت 23 0 وأود أن ألخص الأمر بهذه الكلمة : إذا كنت على فهم ما ثم تغيرت بعد سنين هل أصبح عدوا لنفسي ؟ إذن فلا أسمح للآخر بأن يعيش مثلما أسمح لذاتي وما نظنه عوامل معيقة سيصبح عوامل محركة للأمام 0
زكي الميلاد
... ما مفهومك لمصطلح الفكر الإسلامي ؟ هل هو الفقه أم التراث ؟ أم هو ما أنتجه الإنسان المسلم ؟
أم ماذا ؟ 00(1/67)
الفكر الإسلامي كمصطلح ومفهوم جاء لتحديد الفارق بين الاسم كرسالة سماوية ربانية ثابتة وخالدة لا تبديل فيها ولا تغيير وبين الفكر الإسلامي الذي يعني الجهد الفكر البشري الملتزم بالنهج الإسلامي بما يمثله هذا المنهج من أصول وضوابط نطاق التطبيق قد يطابق الواقع وقد يخالفه فهو ليس معصوما وليس مطلق وعلاقته بالحق علاقة نسبية وليست مطلقة علاقة الصواب والخطأ بينما الإسلام يمثل الحق يتأطر فى إطار شريحة نوعية وهى التى تشتغل بشؤون الإسلام كحقل معرفي متخصص بمعني أنه ليس كل جهد فكري بشري يحسب على الفكر الإسلامي وهنا ينبغي أن نميز بين ثلاثة أنماط :
... الذي لا يرتقي عطاؤه الفكري إلى أن يصنف على الفكر الإسلامي لعدم تخصصه 0
النمط الثاني :-
... المتخصص فى دراسة الإسلاميات من غير الإلتزام بالمنهج الإسلامي فىأصوله وضوابطه وقواعده وهذا النوع من العطاء الفكري لا يصنف على الفكر الإسلامي ومثال هذا النوع ما يقدمه المستشرقون من عطاء فكري فى حقل الدراسات الإسلامية 0
النمط الثالث : -
... هو الذي نقصده بالحديث عن الفكر الإسلامي وسبقت الإشارة غليه والفكر الإسلامي بهذا المفهوم يكتسب مشروعيته وضرورته من احترام الإسلام للعقل وعدم جواز الحجز عليه كما لا يجوز عدم العمل به فالعقل له مساحة كبيرة فى إرادة الحياة وتنظيم المجتمع والتفاعل مع الزمن فى حركته وتطوراته 0
والمكانة التى يأخذها الإنسان فى الإسلام هى فى الوقت ذاته مكانة العقل لأن العقل هو جوهر الإنسان بالإضافة إلى تقدير الإسلام للعلم وضرورة أن يعمل الإنسان بعلمه كما أن الإسلام أعطي مشروعية حق الاجتهاد فى أن يبذل الإنسان جهده فى معرفة الحقائق وربط المسؤولية بالعلم فمتي ما حصل عند الإنسان بالعلم فمتي ما حصل عند الإنسان بالعلم مسؤولا بذاك العلم 0
... ما العلاقة بين الفقه الإسلامي والفكر الإسلامي على ضوء ما تفضلتم ؟(1/68)
لا يقصد بالفكر الإسلامي الفقه الإسلامي والاختلاف هنا بين حلقين يتمايزان فى الاختصاص فالفقه الإسلامي مجاله الأحكام الشرعية واختصاصه بالفقهاء ويشترط إليها هذه الأحكام الإلزام اما الفكر الإسلامي فمجاله العلوم الاجتماعية والإنسانية يضاف إليها العلوم العقلية كعلم الكلام وأصول الفقه0
وهناك من يعتقد أن مفهوم الفكر الإسلامي جاء بديلا عن مفهوم الفقه الإسلامي وأن الأصلح على رأي هؤلاء أن نتوقف عن استعمال قد يكون صحيحا إذا أخذنا بالمفهوم العام للفقه الإسلامي وليس هذا الرأي قد يكون إذا آخذنا بالمفهوم العام للفقه الإسلامي وليس المفهوم الخاص الذي يقتصر على الأحكام الشرعية فقط 0
... ما أولويات الفكر الإسلامي فى هذه المرحلة فى ضوء المتغيرات الدولية ؟
من المهم جدا التفكير فى أولويات الفكر الإسلامي فى هذه المرحلة التاريخية الدقيقة والفاصلة من تاريخ العالم والحضارة الإنسانية وأولويات هذه المرحلة بالتأكيد تختلف بدرجة كبيرة عن أولويات المراحل السابقة فقد دخلت عناصر كثيرة ومكونات جديدة ليس على الصعيد العربي الإسلامي فحسب بل على الصعيد العالمي وليس فى مجال واحد كالمجال السياسي فحسب بل فى عدة مجالات منها : المجال السياسي والاجتماعي والثقافي والسكاني والاقتصادي والتربوي والإعلامي وفى مقدمة هذه الأولويات : أولا : تأسيس فقه الأولويات لسنوات طويلة لم يكن العقل الإسلامي ينشغل بشئ اسمه الأولويات فى تعاقب المراحل وما يحصل فيها من تحولات وتطورات أساسية وهذا من جوانب القصور فى الفكر المسلمين خلال الأزمنة الماضية وفى هذه المرحلة تنامي الوعي بفقه الأولويات وقد جاء هذا الوعي فى مرحلة هي من أهم المراحل حاجة إلى هذا الاهتمام وهذا بدوره يكشف عن تطوران فى العقل الإسلامي الذي نفسه مضطرا للنفكير فى هذه القضية مع ما يحصل فى العالم من تغيرات متسارعة وخطيرة 0(1/69)
... ومن معطيات فقه الأولويات الخروج من دائرة الانشغال بالقضايا الجزيئة والفرعونية إلى الانشغال بالقضايا الأساسية والكبري ومن بعثرة الاهتمام إلى تركيزه وضرورة أن يكون هناك بعض الأولويات التى تصل حد الاتفاق والاجماع عليها ما أمكن 0 ثانيا : ضرورة تشخيص هذه المرحلة بكيفية علمية ومعقمة وصياغة الأولويات إنما يتبني علميا ومنهجيا على ضوء التشخيص للواقع ونحن فى فترة من اهم الفترات حاجة إلى التشخيص ولا نحتاج إلة دليل على ذلك مع ما نتبعه من تحولات كبري وانعطافات نوعية وفاصلة ومن الممكن القول عن هذه الفترة : إن التاريخ بدأ يتحرك بسرعة وأن هناك انبعاثا جديدا للحضارات غير الغربية 0
... وما ينقصنا فى هذا الجانب هو القراءات الإسلامية العلمية والمحكمة للمتغيرات الدولية وتحولات السياسات العالمية الجديدة فى الوقت الذي تتعدد فيه القراءات المختلفة خصوصا تلك الدراسات التى تتبلور من داخل مراكز الدراسات والعمل البحثي إلا أنه فى الجانب الإسلامي نلحظ نقصا علميا واضحا يترك على أثره منهجية التعامل مع هذه الأوضاع الجديدة 0(1/70)
... ثالثا " بلورة وصياغة المشروع الحضاري الإسلامي المعاصر ونقصد به بلورة البدائل الإسلامية وتفصيل مناهج الفكر الإسلامي فى الميادين المختلفة الثقافية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإعلامية وغيرها ففى العقود الماضية كان الخطاب الإسلامي يبلور البدائل الإسلامية فى إطار النظرية لرفع النفى والتأكيد والإثبات فأمام نفي الاتجاهات الفكرية الوضعية لوجود نظام اقتصادي فى الإسلام كان الخطاب الإسلامي يرد على هذا النفي بإثبات أن فى الإسلام نظاما اقتصاديا فى إطار النظرية وهكذا فى نفي نظام الإدراة والحكم والدولة فى الإسلام أما اليوم فالفكر الإسلامي مطالب بأن يبلور البدائل الإسلامية فى إطار التطبيق لأن المشروع الإسلامي اليوم على احتكاك كبير بالواقع ومطالب بان يقدم الحلول والمناهج الناضجة والواقعية لمشكلات صعبة ومعقدة ففي الاقتصاد مثلا ما البديل الإسلامي لحل مشكلة البطالة والتضخم وتوزيع الثروة وتنظيم التجارة الداخلية والخارجية وإزالة الفوارق الاجتماعية وإنجاز العدالة الاجتماعية ؟ وهكذا فى المجالات الأخري 0
... رابعا ك كيف نقدم الإسلام إلى العالم اليوم وكيف نجري حورا موضوعيا مع الغرب وكيف نطرح الإسلام داخل الحضارة الغربية ؟ هذه الأسئلة الصعبة التى تواجه الفكر الإسلامي المعاصر وتطالبه بإجابات فى مستوي العصر ومشكلاته الكبرى 0
خامسا : ضرورة أن يلعب الفكر الإسلامي دورا كبيرا فى معالجة الخلافات والنزاعات فى العالم الإسلامي بأشكالها المذهبية والسياسية والجغرافية والعرقية والقومية بالإضافة إلى الحروب الأهلية التى تجري على بعض أراضى البلاد الإسلامية كأفغانستان فهذه المشكلة واحدة من أخطر المشكلات التى تواجه العالم الإسلامي منذ قرون عدة والخطوة الأساسية فى هذا المجال ضرورة أن يتجاوز الفكر الإسلامي المعاصر هذه الرواسب من داخله بحيث يكون موحدا للصفوف لا مفرقا جامعا لا مجزئا شوريا لا استبداديا 0(1/71)
... وهل يمكن الحديث عن مشروع ثقافي إسلامي فى هذه المرحلة ؟
المشروع الثقافي الإسلامي المعاصر كما نتطلع إليه ينبغي أن يعيد اليوم تأسيس نفسه بصياغة معرفية ومنهجية جديدة تؤهله لأن يتجاوز إشكاليته الداخلية حتى يكون فى مستوي المشكلات الحضارية الكبرى فى الأمة وتجديد المشروع الثقافي الإسلامي بات أكثر ضرورة للوعي المعاصر كلما اقتربنا من الواقع أكثر وتأملنا فى الماضي بعمق ونظرنا للمستقبل بأفق بعيد 0
... ونحن فى رحلة ما هي اخصب ما تكون لهذا العمل من التجديد ونكاد نقول أن القدرة على إنجاز هذا المشروع فى هذا الوقت هي نفس مستوي أحسن من أي وقت مضي خصوصا وأن المسالة الثقافية تأخذ مكانة متقدمة فى المشروع الإسلامي المعاصر 0
... والمشروع الثقافي الإسلامي حتي يأخذ دوره فى هذه المرحلة يتطلب منه :
أولا : أن يتنقل من النقد إلى البديل فخلال عقود من الزمان والمشروع الثقافي يتركز عطاؤه فى مجالات النقد والدفاع ورد الاعتبار نقد نظرية الغرب للمرأة ونقد الاشتراكية فى الاقتصاد وغيرها من المسائل الفكرية والتحول المنتظر فى المشروع الثقافي أن ينتقل إلى البديل النقد 0
ثانيا : أي ينتقل من العموميات إلى الخصوصيات ومن الكليات إلى الجزيئات من خلال تفصيل مناهج ونظم الإسلام 0
ثالثا : وقف الاجترار الفكري وتوليد الاتكاليات التى يفترض أنها خرجت من دورة الزمن ومن تاريخية الفكر الإسلامي من قبيل هل أن فى الإسلام اقتصاديا أو نظاما سياسيا وما أسبه 0
رابعا : أن يتحول المشروع الثقافي الإسلامي من الاهتمام بقضايا الماضي ومشكلاته إلى الاهتمام بقضايا الحاضر والدراسات المستقبلية 0
ما المقصود بتجديد الفكر الإسلامي ظ هل هو فتح باب الاجتهاد أم تجديد الفقه أم المعاصر والمواءمة ؟
... لا شك فى أن البحث دقيق وشائك للغاية فى موضوع تجديد الفكر الإسلامي ويتطلب التمسك بضوابط صارمة وقواعد صلبة ليطمئن الإنسان على سلامة نهجه وليتيقن من صحة أفكاره 0(1/72)
ومن درس هذا الموضوع من المفكرين والعلماء كان يعتقد بذلك ولذلك نجد فى عمل هؤلاء البدء بإيضاح مفصل فى أن التجدي هو الفكر الإسلامي وليس فى الدين الذي لا يجوز فيه الزيادة ولا النقصان ولا التغيير أو التبديل أو النسخ او التعطيل وحتى الأنبياء والرسل لا يحق لهم ذلك 0 وما انحرفت المذاهب والعقائد إلا لأنها فى الدين ما ليس من الدين أو غيرت فيه بالزيادة أو النقصانت كالقاديانية التى كذبت انقطاع الوحي وختم الرسالة والنبوة بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أو البهائية التى آمنت بالتناسخ وأنكرت البعث وغيرها من المذاهب الضالة وقد انقرض الكثير منها فالمقصود بتجدير الفكر الإسلامي الفكر الإسلامي هو تجديد فى الفكر لا فى الإسلام فى إصلاح رؤيتنا للدين وكيفية التعامل السليم معه 0
... والذين اعترضوا على تجديد الفكر الإسلامي إنما اعتقدوا أن هذا التجديد هو فى الدين أو سوف يطال الدين أو من باب الاحتياط أو سد الذرائع ولم يتصوروا أن التجديد هو الفكر وفى الرؤية والموقف عند الإنسان كفرد أو جماعة 0
... وهو يختلف كليا عن موضوع فتح باب الاجتهاد الذي يرتبط بعلم أصول الفقه كما يختلف فغالبا عن تجديد الفقه لأن الفقه كما أوضحنا يرتبط بالأحكام الشرعية وعن العلاقة بالمعاصرة فغالبا ما يفهم التجديد فى الفكر الإسلامي من منظور مواكبته للعصر ولغرض أن يجاري تطوراته ويواكب تقدمه حتى نبرهن أن الفكر الإسلامي ليس غائبا عن العصر ولا راكدا أمام حركته ولا متوقفا أمام تقدمه وإن العديد من إنجازات العصر العلمية والفكرية قد أثبتها الإسلام من قبل أو تطور بها الفكر الإسلامي فى عصور ازدهاره 0 والحقيقة أن المعاصرة من مكونات التجديد ومن شروطه ولكن ليس التجديد كله معاصرة بل هو أوسع مدي من المعاصرة 0
... ما المنهج الذي تراه مناسبا للتجديد وما هي سماته ؟(1/73)
المنهج الذي أراه مناسبا فى تجديد الفكر الإسلامي هو المنهج المنضبط بقواعد وأصول المنهج الإسلامي والذي لا يتجاوز هذه القواعد بأي حال من الأحوال وهذا هو فارق بين المنهج الإسلامي فى تجديد الفكر وبين غيرة من المناهج الأخرى التى لا تري تمسكا بهذه الضوابط ولهذا فإننا نعترض على مثل هذه المحاولات فى تجديد الفكر ضوابط التجديد فى الفكر الإسلامي فهي :
... أولا : التجديد ليس خروجا على النص بل هو الألتزام به كما لا يجوز بعنوان التجديد تأويل النص بطريقة مخلة أو تعطيل بعضه 0
... ثانيا : عدم الإخلال بالقواعد والأصول المتعارف عليها فى أصول الفقه00
... ثالثا : المنهج الإسلامي فالتجديد فى الفكر الإسلامي لا يصح إلا بالمنهج الإسلامي ولا يجوز أن نستعير منهجا من خارج الإسلام لنعتمده فى تجديد الفكر الإسلامي 0
... رابعا : الألتزام بقاعدة الثابت والمتغير فى الإسلام 0
أما معالم هذا المنهج فى تجديد الفكر الإسلامي فهي :
... أولا : إن التجديد الذي يريده الفكر الإسلامي هو الذي ى ينقطع ولا ينفصل عن التأصيل وإن ما نريده هو التجديد وليس الإحياء والتجديد هو أعمق من الأحياء فالإحياء بعث للروح والتجديد بناء وتطوير والتكامل بينهما أن الإحياء قد يسبق التجديد ويكون مقدمة له وأن التجديد لا يعني مجرد المعاصرة كما أوضحنا كما لا يعني مجرد التجدد بمعني التغيير التلقائي الذي لا يخضع لتخطيط 0
... ثانيا : إن التجديد الذي نريده فى الفكر الإسلامي ليس دينيا منقطعا عن الجانب المدني و لا مدنيا مفصولا عن الجانب الديني 0
... ثالثا : إن التجديد فى الفكر الإسلامي بعودة الفروع إلى الأصول وانطباق الأصول على الفروع 0
أين يقع مفهوم التأصيل ضمن هذا التجديد ؟(1/74)
... مفهوم التأصيل لا ينفصل عن مفهوم التجديد وبينهما تكامل وثيق تأصيل بلا تجديد بلا تأصيل هو بعث مفاهيمي للفكر الإسلامي من الداخل والتجديد هو بعث مفاهيمي للفكر الإسلامي فى الخارج بمعني أن التأصيل هو تفتيح فى المفاهيم والتجديد هو تتقيح فى الواقعة الواضعي لغرض التطبيق السليم فى إنزال القيم الإسلامية على الواقع بطريقة تتجاوز يصعب علينا تطبيقها 0
والتصور الذي توصلت إليه فى تجديد الفكر الإسلامي وبحثته بشكل مفصل فى الكتاب المذكور (( الفكر الإسلامي بين التأصيل والتجديد )) وهو التصور الذي يحقق التكامل بين التأصيل والتجديد 0
هذا التصور يتكون من ثلاث ركائز أساسية وترابطية :
... أولا : المنهج ويعني بلورة وصياغة المنهجية الإسلامية فى التأصيل والتجديد 0
... ثانيا : إدارة المنهج وهما الوحي والعقل فالوحي هو أداة التأصيل والعقل هو أداة التجديد وهذا لا يعني أن لا تداخل بينهما 0
... ثالثا : موضوع المنهج وهو العلوم الاجتماعية والإنسانية وهو الموضوع الذي ينبغي أن تتركز علية عملية التأصيل والتجديد 0
... وما مفهوم الإسلام للحداثة ؟ وهل يتعارض الإسلام مع التقدم ؟
إذا كانت الحداثة تعني فلسفة التقدم من خلال بنية اجتماعية قوامها العقلانية والنقد فإن الإسلام له فلسفته الخاصة فى التقدم وبناء الحضارة تتبع من طبيعة نظرته للإنسان والمجتمع والعالم وهى النظرة التى تختلف مع الحداثة بالمفهوم الغربي 0
وإذا كان الإسلام يختلف مع الحداثة فهذا لا يعني أنه يتعرض مع التقدم وحينما يدعو الإسلام إلى التقدم فهذا لا يعني أيضا أنه يدعو إلى الحداثة بالمفهوم الغربي والذي يدعونا إلى هذا الرأي هو ملاحظتنا على الحداثة كما طرحها الخطاب الغربي والخطاب العلماني فى الفكر العربي 0
... ومن هذه الملاحظات أقول بإيجاز :
أولا : إن الحداثة تحمل دعوة للقطعية دعوة للقطعية مع التراث وهذا ما نرفضه 0(1/75)
ثانيا : إن الحداثة تطرح بربطها فى العلمانية وهى أن العلمانية من شروط تحقيق الحداثة وهذا ما يتناقض مع الرؤية الإسلامية 0
ثالثا : إن يطرحه الفكر الغربي والفكر العلماني العربي هو دعوة للتغريب والاستلاب وبالتالي تعزيز الهيمنة الغربية على المجتمعات الإسلامية 0
رابعا : تستوحي الحداثة نموذجا من النموذج الاجتماعي الأوروبي وهو نموذج لا ينسجم وطبيعة المجتمع الإسلامي ومكوناته الحضارية وخصوصياته التاريخية 0
خامسا : إن الحداثة تحولت إلى إيديولوجية للتيارات العلمانية تحارب بها الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية 0
... والبديل الذي نطرحه هى بلورة المعاصرة الإسلامية التى نستوحها من سورة العصر ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) العصر1-3
... أين تقع العلاقة مع الغرب فى تفكيرنا الإسلامي ؟
العلاقة بين الإسلام والغرب من أهم المشكلات الحضارية الكبري التى تواجه المجتمع الإسلامي منذ قرون والتى تتوقف عليها أية معالجة حضارية شاملة وقد أثبت التاريخ الحديث والمعاصر أن هذه القضية من أصعب وأخطر القضايا التى واجهت العالم خلال أكثر من قرن من الزمان 0(1/76)
... والجديد فى الأمر أن هذه القضية أخذت حضورها الواسع فى هذا الوقت أكثر من أي وقت مضي وعلى المستويات كافة فى داخل العالم الإسلامي وفى داخل الغرب ففي داخل العالم الإسلامي نلحظ تطورا ناضجا فى الخطاب الإسلامي فى رؤيته وفهمه للغرب وهناك دعوات ناضجة فى العلاقة والحوار مع الحضارة الغربية والمشكلة الأساسية هى من داخل الغرب الذي يجد فى نفسه صعوبة فى الاعتراف بالاسم والحوار معه فدائما ما يصنف الإسلام فى موقع العدو ومصدر الخطر وبالتأكيد أنه ليس من صالح الغرب هذا التوتر فى علاقته بالإسلام وتصوير هذه العلاقة دائما على قاعدة الصدام والصراع كما فى نظرية صاموئيل هاتنتغتون صدام الحضارات فعلي الغرب أن يعيد النظر فى علاقته بالإسلام وهو مطالب فى هذا الوقت أكثر من أي وقت مضي فى تصحيح العلاقة بما يخدم مستقبل الإنسان والحضارة الإنسانية 0
... ومن الأصوات التى تستحق به الإشادة فى الدعوة إلى الحوار والتعايش بين الإسلام والغرب ما تحدث به الأمير تشارلز فى مناسبتين : الأولي ألقاها فى أكتوبر 1993 فى مركز الدراسات الإسلامية فى جامعة اكسفورد حيث أشاد فيها بفضل الإسلام على الإنسانية والثانية فى مؤتمر المعهد الملكي للشؤون الدولية بمناسبة مرور 75 عاما على تأسيس المعهد والذي انعقد فى شهر إبريل 1995 واعتبر أن المصالحة بين الغرب والإسلام تمثل أحد الأدوار الحيوية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة 0
... هل يمكن القول أن الفكر الإسلامي نفسه قد وضع فى مطب الاستلاب والتغريب ؟
فى الحقيقة إن الفكر الإسلامي من بين كل المذاهب والإيديولوجيات والفلسفات الذي لم يتعرض للاستلاب والتغريب وكا من قيم بموضوعية من التيارات الأخري اعترف بهذه الخاصية للفكر الإسلامي 0(1/77)
وتاريخيا مثل الفكر الإسلامي المدافع الرئيسي لهوية الأمة وثقافتها وتاريخها وتراثها وحضارتها أمام زحف التغريب والغزو الفكري الغربي وكل التيارات الأخري تأثرت بشكل من الأشكال بالتغريب بما فى ذلك التيارات التى دخلت فى صراع مع الاستعمار ولهذا يتساءل أحد المفكرين العرب وهو الدكتور محمد عابد الجابري كيف يكون الغرب هو العدو وهو الاستعمار والأمبريالية وفى الوقت نفسه هو التقدم والتطور والحضارة عند بعض هذه التيارات بناء على قاعدة محاربة العدو بسلاحه ، ولكن العدو كان هو الأقدر فى توظيف سلاحه وبعض هذه التيارات انهزمت أمام سلاح العدو 0
... ومن أهم النجاحات التى حققها الفكر الإسلامي خلال العقود الماضية حمايته للأمة من زحف التغريب الذي نجح على مستوي شريحة اجتماعية محدودة هى شريحة المثقفين ومن خلال نظام التعليم نظام بدرجة أساسية لكنه فشل على مستوي عموم المجتمع 0
والمحاولات التى حاولت أن تخرج على ما هو ثابت وما هو متعارف عليه فى الإسلام قوبلت برفض كبير دفعت هؤلاء إلى التراجع عن بعض الأفكار ومن هذه المحاولات كتاب (( الإسلام وأصول الحكم )) للشيخ على عبد الرازق الذي صدر فى سنة 1925 فى القاهرة وكتاب الشعر الجاهلي للدكتور طه حسين الذي صدر سنة 1924 فى القاهرة أيضا وغيرها من المحاولات 0
وفى الوقت الراهن هناك محاولات لبعض المشتغلين بالدراسات الإسلامية لإدخال العلمانية فى الإسلام كما هي محاولات الدكتور محمد أركون أستاذ الدراسات الإسلامية فى جامعة السوربون فى فرنسا والدكتور أركون يجاهر علنا بهذه الفكرة 0
... وهذه النوعية من المحاولات هى محاولات خاطئة وتنطلق من إستعياب للفكر الأوروبي وإسقاطه على الفكر الإسلامي من غير استعياب عميق وسليم للفكر الإسلامي0
د0 محمد سعيد رمضان البوطي(1/78)
... إذا بدأنا من حيث انتهيتم 00 من كتاب الجهاد فى الإسلام لماذا جاء الكتاب فى هذا الوقت بالذات 00 وما الجديد فى نظرتكم إلى مسألة الجهاد فى الإسلام ؟
... لأن من الثابت بداهة أنه عندما يقع الخطأ يحين وقت التصحيح ثم إن ضرورة التصحيح تتفاوت الضرر المبثق من الخطأ ولا أعتقد أن فى الأضرار الناجمة عن الأخطاء ما هو أشد خطرا من ضرر الخطأ ولا أعتقد معني الجهاد وممارسته والواقع المشاهد ناطق بذلك 000 أما نظرتي لمسألة الجهاد فأعتقد أنها لم تأت بجديد وإنما رسخت وأوضحت ما هو مستقر فى مصادر الشريعة الإسلامية ألا يجعلنا من العابثين بشرعه 0
... وأين مسألة اللاعنف فى الإسلام من الجهاد ومن الآية الكريمة ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) {الأنفال 60 0 }00
كلمة اللاعنف شاعت أيام المهاتما غاندي لا سيما عندما نشر مذكراته بعنوان (( قصة تجاربي مع الحقيقة )) وأنا لا أحب أن أستعملها فى التعبير عن سياسة الدعوة إلى الله واعتقد أن الإسلام لا يجمد عند سياسة العنف واللاعنف إنه يدعو إلى المسلم وليس له ضمانة لذلك إلا الإسلام 000 ويقاتل فى سبيله وإنما يكون ذلك عندما يقوم من يصد سبيل الدعوة غليه والتعريف به والضمير الغائب فى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) { الأنفال : 60 } يعود إلى المتربضين بالإسلام أو الصادين عن سبيل الدعوة إليه 0
... فى بداية كتابكم تطرقتم إلى الفكر الإسلامي بشئ من النقد هل يمكن توضيح ذلك ؟(1/79)
الفكر الإسلام يينبثق من صاحب الفكر وهو الإنسان وقد يكون خطأ أو صوابا وقد يكون لخدمة الإسلام أو للإساءة إليه 00 أما عقائد الإسلام وشرائعه وأحكامه فهي منبثقة من الإسلام ذاته على أن يكون مقياس فهمها اتباع مصادر الإسلام والانضباط بمنهج النصوص فيه ولن تكون عندئذ إلا صوابا ولن يكون التعامل معها إلا لخير الإسلام وفائدة المسلمين ومصداق هذا الذي أقول أن اكتب الفكر الإسلامي أكثرها من تأليف المتلاعبين بالإسلام والمتربصين به [ !! ] 0
... ظهرت فى الآونة الأخيرة مصطلحات عديدة مثل الإسلام السياسي الفكر الإسلامي المعاصر 00 الفكر الإسلامي التقليدي 00 كيف تنظرون إلى هذه المصطلحات ؟
أما التعبير بالإسلام السياسي فيراد به الانتماء إلى النظام الاجتماعي والسياسي فى الإسلام دون التبني لمعتقداته وذلك فى ظل نظام أحكام الذمة وهى جزء لا يتجزأ من النظام الاجتماعي والسياسي فى الشريعة الإسلامية وهو شرط أساسي لسريان قانون لهم ما لنا وعليهم ما علينا ومن ثم فهذا التعبير لا علاقة له بما يسمي الفكر الإسلامي وإنما هو عنوان على طائفة من الأنظمة والأحكام الشرعية الراسخة الثابتة 0
... أما الفكر الإسلامي المعاصر والفكر الإسلامي التقليدي فإنما أفرزتهما كما سفلت التصورات البشرية التى لا علاقة لها بجوهر الإسلام وذاته ليس فى الإسلام الذي شرف الله به عباده فكر معاصر ولا فكر تقليدي وإنما فيه جملة تعليمات وإرشادات بعد الأساس الاعتقادى يجب التفاعل الوجداني والتعامل السلوكي معها فى كل ظرف وحين 0
... أشرتم فى كتابكم (( الجهاد فى الإسلام )) إلى رفض كوين جزب إسلامي والانضمام إلى الجبهة الوطنية التقدمية 000 لماذا كان الرفض ؟
... لأن الجبهة الوطنية فى وضعها الحالي تتألف من أحزاب مختلفة فى المنهج والمسار بل فى الأهداف أيضا فما معني إضافة حزب آخر إليها ينطق باسم الإسلام ويسير على نهجه ؟(1/80)
معني ذلك أننا أعلنا أن نصيب الإسلام من مجتعتنا يقوم على أساس تقسيمه بين ستة مشتركين بل متنافسين ولا شك أن هذا ينطوي على مجازفة كبيرة للحقيقة إن الإسلام يجب أن ينظر إليه على أنه المعصم الجامع للأصابع الخمسة التى تتكون منها هذه الجبهة فكيف وبأي منطق تطلب مني أن أحيل المعصم الجامع والذي يجب أن تكون جامعا إلى أصبع إضافي ؟
... ولكنكم فى مقدمة كتابكم نوهتم إلى أن جاء فى الكتاب هو رأي فقهي وليس رأيا شخصيا فهل هذا هو موقف الإسلام من الأحزاب الإسلامية بشكل عام ؟
... أجل إن هذا الذي أقوله قرار إسلامي لا يلحقه خلف وليس فكرا إسلاميا ابتدعه من عندي فمن يرتاب فى أن الإسلام فى مجتمعنا هذا هو معصم جامع وليس مجرد إصبع بين مجموعة الأصابع 00 ولاحظ أنني أتحدث عن وجود كرسي باسم الإسلام أو باسم حزب إسلامي بين كراسي الجبهة الوطنية ولست أتحدث عن وجود حزب إسلامي ينشط نشاطا إسلاميا فى ساحة المجتمع 0
... كيف تنظرون إلى مسألة التعددية الحزبية وهل يمكن فى بلد يحكمها الإسلام الآن عدم القبول بالأحزاب العلمانية القومية أو الشيوعية ؟(1/81)
... المجتمع الإسلامي يتألف من أفراد ولمكي يكون المجتمع المؤلف من هؤلاء الأفراد إسلاميا يجب بتوجيه هؤلاء الأفراد إلى الإسلام عن طريق التبصير به والدعوة إليه وإزالة الشبهات التى تصد عن معرفته على حقيقته وهذا لا يتم إلا بمعاناة دائبة مستمرة وعندما يتجه هؤلاء الأفراد أو معظمهم بمحض إرادتهم واختبارهم إلى الإسلام ويذعنون لمبادئه وأحكامه فغن ذلك يصبح إيذانا بانبثاق المجتمع الإسلامي الذي يقوم على أساس من عقد الإذعان من كل منهم للإسلام وحكمة وهنا ينبغي أن نعلم أن جملة ما يقتضي به نظام المجتمع الإسلامي حرية التعبير عن الأفكار والاتجاهات المتعددة والمتخالفة ذلك لأن القرار بوجود فئات غير مسلمة داخل المجتمع الإسلامي يتضمن بالضرورة الإقرار بحق هذه الفئات غير فى التعبير عن أفكارهم ومذاهبها على أن تظل الدعوة إلى الإسلام مع مجادلة المطلبين بالمنطق والحكمة مستمرة على أوسع نطاق وهو مقتضي قوله الله تعالي : ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) [ النمل 125 ] وحرية التعبير هذه هى التى أفرزت فى صدر الإسلام كثيرا من الفرق الإسلامية الجانحة سادت فى مناخ الحرية ثم بدات فى غمار الحوار والنقاش وعرض الأدلة والبراهين فى حالة واحدة يقضى الإسلام بسلب هذا الحق عن الذين يمارسونه وذلك عندما يثبت أن يدا أجنبية معادية قد تسربت فاتخذت لها عملا فيما بيننا ورواح العملاء يتحركون تحت ستار الحرية وباسم الديموقراطية 0
... هل هذا الموقف ينسحب على مسألة الديموقراطية أيضا ؟
عندما تفسر الديموقراطية بالشكل الذي أوضحته فهي بند أصيل فى النظام الإسلامي 0
... فى كتابكم المذكور تعرضتم إلى المسألة الفلسطينية والسؤال المطروح الآن موقفكم من الاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي فى أوسلو وفي القاهرة ؟(1/82)
... المسألة الفلسطينية تخص العرب والمسلمين جميعا وليست حقا للفلسطينيين دون غيرهم ومن ثم فإن كل جزئي تسترضي به شريحة من هذه الأمة يعد تلاعبا بالحق لا خدمة له وأذكر هنا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( سلم المسلمين واحدة لا يسالم مسلم دون مسلم إلا على سواء بينهم ) 0
... يزداد الحديث مؤخرا عن التقريب بين المذاهب ما رأيكم بهذا الأمر ؟
... وهل هناك خطوات عملية تمت من قبلكم على هذا الصعيد ؟
كانت المذاهب منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا موجودة ولقد كان بينها تقارب بمعني أنها تبادل الاحتارك والثقة وتسير على المبدأ القائل : ( نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيها اختلفنا فيه )) فغن كان هذا هو المعني المتقارب بينها اليوم فإنه لواجب لا ريب فيه وإن السبيل أمامه لمفتوح ومعبد أما إن كان المراد به تنازل أصحاب كل مذهب عن جزء من مذهبيه ابتغاء التقارب المطلوب فهذا ما لا يمكن تحقيقه وأخشي أن يكون التداعي إليه نوعا من المخادعة الشكلية 0
... أيضا قضية الحوار بين الأديان بدأت تأخذ حيزا ملفتا فى الآونة الأخيرة فما موقفكم منها ؟
عندما يكون نظيفا مبرءا من الخفيان والأصابع الدخلة فمرحبا به 0
... كتبتم ردا على الماركسية أكثر من قوة وهناك من يتساءل عن الفرق بين السننية فى تطور المجتمعات التى أقرها القرآن الكريم وبين المادية التاريخية فى الطرح الماركسي ؟(1/83)
عجيب أمر هذا التشبيه بل عجيب أمر هذه المقارنة بجد ذاتها سنن الله فى عبادة هي ما نقرؤه فى كتابه عز وجل من القوانين الكونية التى قضي بها الله عز وجل إن فى الطريقة التى يسوس بها عباده أو الأنظمة التى يدير على أساها كونه أما مقولات المادية الجلية فمجموعة أوهام تدور على الوهم الرئيسي الباطل والقائل : المكونات تتحرك وتتنامي بدافع من حركة التناقضات المتراكمة فى داخلها فإذا كان وجه الشبه بينهما تسمية كل منهما بالقوانين فإن الشبه ذاته موجود فيما بين الإيمان والإلحاد أيضا 00 إذا عن كلا منهما يخضع لقانونه الخاص به 0
... العالم الإسلامي – كم نري – يحتاج إلى مجتهدين والجميع يقولون أن باب الاجتهاد لم يغلق ومع هذا لم يخرج حتى الآن مجتهد من بين السلمين فلماذا نخاف من الخطأ والإسلام نفسه حمي الخطأ فى قوله تعالي : ( ربنا لا تأخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) [ البقرة 286 ] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إذا اجتهد المجتهد فأصاب فله أجران وغن أخطأ فله أجر ) ؟
خير نماذج الاجتهاد فى هذا لعصر هو الاجتهاد الجماعي وهو متوفر فى المجتمعات الفقهية المعروفة فى عالمنا العربي الإسلامي ويلعب دورا كبيرا فى بيان أحكام كثير من الأمور المستجدة فى عالمنا اليوم أم الاجتهاد الفردي فقد غدا أشبه بساحة واسعة للكلآ المباح يتسرب إليها العابثون تنفيذا لخطط خارجية كانت إلى الأمس القريب خفية وهي اليوم معلومة بل ومفضوحة 0(1/84)
... جاء فى كتباكم (( العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر )) قصة الإمام الأشعري وكيفية انتقاله من منهج الاعتزال إلى مذهب أهل السنة والجماعة وكيف صعد إلى المنبر بعد خلوة أربعين يوما وقال : ( أيها الناس إني نظرت فى مذهب الاعتزال ومذهب أهل السنة والجماعة فتكافأت عندي الأدلة فاستخرت الله فخيرني مذهب أهل السنة والجماعة الآن أخلع مذهب الاعتزال كما أخلع قميصي هذا وألقي بكتبه إلى الناس والسؤال : ما دام الأشعري يقول ك تكافأت عندي الأدلة فلماذا نقول إن المتعزلة قد ضلوا وهل استخارة الله تعالي قرار علمي يغير مجري التاريخ ؟
... هذا النص الذي تنقله فيه تحريف والصحيح الذي رواه ابن عساكر هو قوله فاستهديت الله تبارك وتعالي فهداني إلى اعتقاد ما أودعته كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت أعتقدته ولا شك أن هداية الله للإنسان إنما تقوم على تبصيره بالحق عن طريق دلائله وبراهينه وهى تختلف اختلافا كبيرا عن الاستخارة بمعناها الاصطلاحي المعروف والذي يبرز هذه الحقيقة هو ما تراه من الأدلة التى كان يعتمد عليها الأشعري فى مناقشة المعتزلة فقد كانت كلها براهين علمية راسخة وملزمة ولم يستعض عنها يوما ما بأن يقول لقد استرخت الله فاختار لي هذا الذي اعتقدته وأدين به 0
... تطرقتم فى أحد كتبكم إلى مسألة حرية الإنسان فى ظل عبوديته لله 00 هل يمكن توضيح الفكرة ؟(1/85)
أعتقد أن توضيح الفكرة بل هذه الحقيقة تتوقف على قراءة الكتاب الذي يأتي حلقة ثانية فى سلسلة (( هذا هو الإسلام )) حاولت أن أخاطب فيها الغربيين الذي يتلهفون اليوم لمعرفة الإسلام ثم أن أخاطب المسلمين الذي غدوا غرباء عن إسلامهم أكثر ربما من عربة الغربيين عنه وعل كل يمكن إيجاز هذه الحقيقة فى بيان أن التربة الوحيدة التى تستنبت فيها الحرية الحقيقية للإنسان مع أخيه الإنسان هى تربة العبودية لله عندما يصطبغ بها الإنسان يقينا عقليا وتفاعلا وجدانيا وكل من اصطبغ بهذه العبودية عرف هذه الحقيقة 0
منير شفيق
من المعروف أنك كنت مسيحيا على الصعيد الديني وماركسيا على الصعيد الفكري ثم انتقلت إلى الصف القومي ومن ثم اعتنقت الإسلام والسؤال هو ما الذي هداك إلى الإسلام ؟ وكيف تم هذا التحول ؟
... عندما اعتنقت الإسلام لم أكن شيوعيا على المستوي التنظيمي فقد كنت قد تركت الحزب الشيوعي منذ سنوات عديدة ولكن خلفيتي الماركسية كانت تحاول دائما أن تدرس القضايا التى تواجه الامة دراسة أصلية غير معقدة على أي من الموضوعات المسلم بها فى الماركسية وكنا دائما للاقتراب أكثر فأكثر من نبض الشعب فى محاولة لمعرفة السمات الحقيقية التى تتسم بها بلادنا والتى تسمح بالتغيير فى هذه البقعة من العالم 0 ومنذ أواخر عام 1976 بدأ النقد الحقيقي للماركسية فى أساسياتها أى فى فاسفتها المادية وفى منهجها الديالكيتي وفهمها للاقتصاد السياسي حتى وصل الأمر إلى نقد رؤيتها وتحليلها وليس فقط لبلاد المشرق 0
... تحدثت بـ (( نون الجماعة )) فهل يعني هذا أنك كنت جزءا من مجموعة أو تيار اتخذ الاتجاه والمسار نفيه فى انتقال للصف الإسلامي ؟(1/86)
... هذا صحيح فإن انتقالي لم يكن عملية فردية فأنا لم أتحول إلى الإسلام لظروف خاصة أو لقناعة شخصية وإنما كنت جزءا من تيار واسع كان يضم عددا كبيرا من الشباب المثقف والمبدع وهم ذوو اطلاع متعمق فى الماركسية وفى التاريخ وفي الاقتصاد ومع أننا لم نكن تنظيما ولكن كلنا نلتقي دائما ونناقش القضايا بعمق لعدة أشهر وبالطبع كانت هناك اتلافات ووجهات نظر متضاربة إلى هذا الحد أو ذاك ولم نكن نخرج برأي إلا بعد أن نكون قد قتلناه بحثا ونقاشا لذلك كانت عملية الانتقال خظوةباتجاه تعميق هذا الفكر والذي كان لي فضل صياغته أو طرحه بشكل متميز ومع نهاية 1977 توصل الجميع تقريبا إلى ضرورة البدء بصياغته نظرية نابعة من صميم تتعلق برؤية العالم وتحليل المجتمعات ورؤية التاريخ بحيث تكون هذه النظرية نابعة من صميم واقعنا وفى الوقت نفسه نعلن طلاقنا الكامل مع الماركسية والحقيقة أن الكثير من أوراق هذه المرحلة لا يزال فى حوزتي ويمكن أن أعيد كتابته مظهرا كيف دار النقاش وكيف تطور 0
... يفهم من كلامك أن الإسلام لم يكن الهدف الأساسي من البحث وإنما المقصود هو صياغة نظرية جديدة بعد أن توصلتم إلى نقد الماركسية فكيف تم الاهتداء إلى الإسلام ؟(1/87)
هذا صحيح فقد كان الهدف الأول هو الوصول إلى نبض الشعب ومعرفة الأساليب الكفيلة بتثويره ولا تنس أننا فى هذه الفترة كنا نعمل مع المقاومة الفلسطينية فى هذه المرحلة بدأت الانتفاضة والظاهرات فى إيران ولما كان مبدؤنا أننا حيث تكون الجماهير أو حيث تكون حركة وإرادة شعبية للتغيير فيما كانت الإمبريالية كنا نتجه لدعمها وتأدييدها مهما كان لونها وهذه المدة كانت ذات لون إسلامي وبالطبع فقد لفت هذا الأمر نظر الجميع لأنه منذ أمد غير قليل كانت الحركات الإسلامية قد كتبت أو منعت من أن تلعب دورا فى الحياة السياسية وأخذنا ندرس هذه الظاهرة بكل أبعادها والذي أثر على بصورة استثانئية ليس ما حدث من الظاهرات أو ثورة فى إيران فقد اعتدنا أن نري ثورات كثيرة فى العديد منم البلدان وكانت ثورات ناجحة حققت إنجازات عظيمة الشيء الذي أثر فى وفي كثير من الأخوة هو رد الفعل الجماهيري فى بلادنا فى فلسطين ولبنان والبلاد العربية عموما رد الفعل الذي استقبل نداء (( الله أكبر )) الذي رفعته الثورة الإسلامية فى فى إيران وبدأ وكأنه نداء يخرج من قلوب هذه الجماهير فى ذلك الوقت الذي كنا نبحث فيه عن خط الجماهير وعن سمات الثورة فى بلادنا فأخذنا نهتف انظروا إن (( الله أكبر )) فى قلب الجماهير ! انظروا كم يحرك هذا النداء جماهيرنا ويهزها من الأعماق ! ولكن تغربنا النظري والثقافي كان قد أعمانا أن نري هذه السمة المتجذرة والعميقة فى داخل شعوبنا ربما كانت جماهيرنا قد فرحت لا انتصارات حققتها الثورة الفيتنامية فى ذلك الوقت أو في كوبا أولانتصارت حققت من قبل أى حركة وطنية ولكن لم نلحظ مرة واحدة أن هذه الجماهير قد تحركت من أعماق قلوبها مع شعار رفعته أي من تلك الثورات فى هذه المرة كان الله أكبر هو شعارها وليس إيران أو تركيا أو شعار أى بلد آخر هذه المسألة ساعدت على الكشف عن مكنونات هذا العميق الجماهيري مكنونات هذه الأمة لذلك نقول إن الحافز(1/88)
العربي الداخلي وعلاقته بالإسلام وتجاربه معه وقد نقلنا هذا البحث والتعمق به إلى آفاق جديدة لفهم ظروف بلادنا ولفهم هذا التاريخ ولمحاولة تحليل إنسان بلادنا ومعرفة ما يخفي وما يظهر من شخصيته من مطامحه وآماله ومشاعره وقناعاه 0
... كم استغرقت هذه الفترة تقريبا ،وما هى المواضيع التى شغلتكم فى البحث والنقاش أكثر من غيرها
استغرق النقاش فى موضوع الإسلام حوالي السنتين ،ناقشنا فيه الإسلام من زواياه الحضارية والثقافية ،ومن أهميتة السياسية ،واستطاع هذا التيار بمجموعه تقريبا أن ينتقل فى تفكيره إلى إدراك أن لا ثورة ولا
تغيير ولا تنمية فى بلادنا ولا استقلال ولا حدة ولا تحرير لفلسطين إلا من خلال الإسلام ،ومن خلال تبني الجماهير للشعارات الإسلامية ،ومن خلال النهوض على أساس الإسلام 0كنا نرى فى هذا الموضوع قضية موضوعية سواء آمنا بالإسلام أم لم نؤمن بة ،فهده المسألة لا دخل لها بالإرادات ولا بالأوضاع ،على الأقل فى ذلك الوقت ،وخرجنا بنتيجة أن النغيير فى بلادنا يجب أن يقوم على أساس الإسلام ،اللهم إلا إذا كان هناك أحد يريد أن يفرض تغييرأ بالقوة والقسر ، ولكن هذا التغيير لا يستطيع أن ينجز أو يحقق الهدف المنشود منة ،وسيكون حالة كحال التغريب ،وأخذنا نعيد النظر فى قراء تناريخ ،فلم يعد تاريخنا بالنسبة إلينا كما كانت تتحدث عنة الماركسية،وللحقيقة كنا ننظر دائمأ إلى تاريخنا بنظرة اعتزاز ،فهو تاريخ مشرق ،ولا علاقة له بالعهود المظلمة ،كما يفكر الغربيون 0
... هل يفهم من هذا أن علاقتكم بالإسلام لم تتجاوز كونه محركأ للثورة والجماهير ،وبالتالي كيف نظرتم إلى الناحية الإيمانية والعقيدة ،وهى ركن أساسي في التعامل مع الإسلام ؟(1/89)
... بعد أن تعمقنا فى دراسة الإسلام ووجدنا تلك الميزات العظيمة التى يتميز بها حضاريا وثقافيا وسياسيا ،وكونه محركا للجماهير وموضع ثقتها ،توصلنا إلى أن هذه الميزات ليس لها أي قيمة دون المحور الأساسي الذي تقوم ،وهو ((العقيدة ))فهي التي تولد كل هذه المزايا وهذه المعطيات ،وتوصلنا بالتالي إلى أننا لو كنا جادين فعلا في فهم الإسلام كمشروع سياسي وتنموي وإنقاذي للبلاد ،فلن نستطيع فهمه وإقامته بصورة سليمة إلا إذا استندنا إلى محوره المحرك ((العقيدة ))،وإذا لم نفهم عقيدة التوحيد جيدا فلا يمكن أن يقوم هذا البناء وهنا بدأنا نبحث تلك القضايا المتعلقة بالعقيدة ولا أخفي أن بعضها كان لا يفكر فى بحث مسألة الخلق حتى إن بعضنا كان ينكر الخالق أستغر الله وبعضهم الآخر طوي إيمانه بالله تحت طبقات من الإهمال وهكذا عادت المناقشات المعمقة 00 كيف حدث الخلق ؟ وهل هناك خالق ظ وخرجت أمامنا كل النظريات المادية والنظريات الإلحادية فى مقابل نظريات الإيمان ونظريات الإثبات لوجود الخالق عز وجل وكانت الحجج التى قدمت فى مجال الإيمان أقوي بكثير من الحجج الأخرى وتوصل الكثيرون منا إلى أن الله تعالي هو الذي خلق الأكوان وهو مدبرها وأن عظمة القرآن والإسلام ما كانت لتكون على هذا القدر من الفاعلية لو لم يكن القرآن منزلا من الله تعالي ولو لم يكن الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا نبيا من عند الله وهو خاتم النبيين ومن هنا دخلنا معركة جديدة مع أنفسنا فى داخل هذا التيار وتقدم البعض أكثر من الآخر فهناك من اهتدي وحسن إسلامه وهناك من بقي يناقش وهناك من بقي يقدم قدما ويؤخر أخري المهم أن هذا التيار الفكري الثقافي – السياسي بدأ يسير على السكة الصحيحة والصراط المستقيم فيما يتعلق بإمساك الموضوع من جوهره 0
... هل يمكن أن تحدثنا عن أهم القضايا التى واجهتكم فى هذه المرحلة بالذات ؟(1/90)
المسألة الهامة التى واجهت الذين اقتنعوا قناعة كاملة هى كيف ندخل إلى ذلك الشئ فى الإيمان هو الخوف والرهبة من الله تعالي ، والحب لله عز وجل الاشتياق إليه هذه القضايا الوجدانية كانت تحتاج إلى نوع من الشفافية التى يفتقدها التفكير المادي السابق بتفقدها الفكر الفلسفي وهنا لم تعد المسألة مسألة جماعية وكانت القضية الوحيدة التى لم نستطيع مناقشتها بشكل وجدان وأحاسيس ومشاعر وأنواع من الشوق كل هذه القضايا كانت مسائل فردية تتعلق بكل واحد من هذه المجموعة على حدي وأذكر أنني ذهبت مرة أحد الاخوة وكان طبيبا ونمت عنده تلك الليلة وعندما استيقظت لصلاة الفجر وجدته يقرأ القرآن ويشهق باكيا مبللا بدموعه القرآن الكريم هزني هذا المنظر جدا وتمينت أن أصل إلى هذا المستوي من الإيمان والإحساس بالخشوع 0
... كيف تنظر إلى مصطلح (( الخطاب الإسلامي المعاصر )) ؟(1/91)
... هناك خطاب إسلامي صحيح هو الذي يقدمه العلماء والمفكرون فى كل زمان ومكان وفى كل مرحلة وفقا لتلك المرحلة ولظروفها وهذا الخطاب الإسلامي الصحيح هو خطاب معاصر دائما من زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى زمنا هذا فالمعاصرة يجب أن ترتبط بالسلامة والدقة ولو ادعي أحد انه يقدم خطابا إسلاميا معاصرا ولكن الخطاب لم يكن مؤصلا تأصيلا سلميا ولا يستند إلى القرآن والسنة استنادا حقيقيا فلا يمكن اعتباره معاصرا فالخطاب المعاصر هو الذي جذوره عميقا فى التأصيل ينظر إلى هذاالعالم نظرة عميقة لفهم الظروف والقوانين التى تحكمه والحاجات الحقيقة التى يجب أن تعالج فى هذا العصر وهناك خطاب يمكن أن يسمي نفسه معاصرا لكنه فى الحقيقة لا يواجه تحديات وإنما يحني رأسه لتحديات الغرب فالمعاصرة تكون بالتحدي وبالوقوف فى وجه ما يسمي بالعبارات العصرية أو المواقف العصرية لأن من أهم سمات الحضارة الغربية أنها جاءت لتكتسحها وأنها لا تقبل حتى المعاصرة معنا بل هى تريد إنهاء موضوع الإسلام بكل خطاباته المعاصرة والتقليدية فالمطلوب من الخطاب الإسلامي المعاصر أن يفهم الغرب فهما عميقا ويعرف نقاط الضعف فيه لمواجهته وتحديد وليس للخنوع له والانبهار بقوته العسكرية والتكنولوجية والنظر فعلا إلى الإنسان الغربي وأين وصلت به المادية التى جردته من إنسانيته فالمشروع الإسلامي يمكن أن يقدم لهذا الإنسان حبل النجاة 0
... أشرت إلى (( الإسلام السياسي )) فكيف تفهمون هذا المصطلح ؟(1/92)
... أعتقد أن هذه العبارة قد أسئ استخدامها أو أراد بعضهم أن يساء استخدامها فكل إنسان سياسي ولا بد أن يتحدث بالسياسة وكل ما يفعله له علاقة بالسياسة ولا يستطيع إنسان أن يهرب من السياسة لكن المسألة الخلافية هى فى المرجعية السياسية بمعني هل نؤمن بالإسلام ونعتمده مرجعية وتأصيلا لفهمنا وتعاملنا مع السياسة ؟ أم أن السياسة تعتمد مرجعية أخرى كالمرجعية الغربية مثلا فأنا أري أن مفهوم السياسة عند الغرب يقوم على النفعية وعلى النظرة البراغماتية ولا مكان للقيم الأخلاقية فى الصراع السياسي الغربي وعندما أقول يجب أن نتمسك بالإسلام فهذا يعني أن يقوم العمل السياسي أولا على الهداية وأن تكون له مركزيات أخلاقية وقيم واستقامة صادقة وصدق ومحاسبة ، أما أن يستخدم الدين كغطاء للسياسة فهذا شئ لا نقره وكما نري أن العلمانيين يستخدمون الدين كغطاء للسياسة أكثر من غيرهم فهناك العديد من القادة الذين يحاولون أن يظهروا بمظهر إسلامي وهم أبعد ما يكون عن الإسلام 0
... المهم أن نناقش الموضوع تحت سؤال : على أي أسس تكون السياسة ؟ وكيف يكون السياسي ؟ وما هي أخلاقياته ؟
... هناك اتجاهان : اتجاه لا يريد أن يناقش هذا الأمر ، ويريد أن يطبق النمط الغربي فى الصراعات السياسية والحزبية ،فى حين أننا نري أن لدينا دينا ، وتقاليد ، وتاريخا يستهوينا ،مثلا القائد الذي يشبه عمر با الخطاب ، أو على ن أبي طالب ، أو أبو بكر الصديق ، أي الدينا نماذج للحاكم وطبعا أول وأهم أسة هو سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - 0
... هذا الكلام يجرنا إلى سؤال حول مفهوم الديمقراطية فى الإسلام وموقفه من تعدد الأحزاب ؟(1/93)
... هناك فى الآونة الأخيرة رأي غالب بين الحركات الإسلامية والمفكرين الإسلاميين يري ضرورة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع فيما يتعلق بمسألة الدخول إلى الحكم وإعطاء مجال أوسع للحرية الفكرية هذه القضية أصبحت من المسلمات والمطلوب الآن إيجاد صيغ لها وتحويلها إلى حقيقة واقعية وهذا طبعا لا يلغي وجود بعض من يقول لا ديموقراطية ، ولا صناديق اقتراع ولا برلمان ولكن هذا لا يمثل الاتجاه السائد
... هناك خوف من كلمة (( الديموقراطية )) لدي بعض الاتجاهات الإسلامية ؟
... لا أحبذ استخدام كلمة (( الديموقراطية )) لأنها أحيانا تحمل كثيرا من الغموض وأحيانا تفهم على الطريقة الغربية والمطلوب تفكيكها إلى عناصر ونري ما يمكن أن ينسجم من هذه المعاصر مع العقيدة والإيمان وبعد ذلك لن تكون هناك مشكلة المهم أن يكون المحتوي واضحا وحاضرا ومجسدا 0(1/94)
... وبالنسبة إلى الطريقة التى يجب أن تطبق فيها التعددية والشورى والاحتكام إلى الجماعة واختيار أهل الحل والعقد ومحاولة اختيار نواب الشعب والابتعاد عن فرض الرأي بالقوة وبالعنف أو الوثوب إلى السلطة بأشكال غير دستورية لا بد أن تترك فسحة لكل بلد حسب ظروفه الخاصة فحتي الدول الغربية لا تخضع إلى نمط واحد من الديموقراطية والذين يحملون العصا فى كل مناسبة ويقولون افعلوا كما الغرب وكما تفعل أمريكا وإلا ستكونون مدانين بقضايا حقوق الإنسان وبمعاداتكم للديموقراطية هؤلاء يريدون أن يخلطوا الأمور فمن حق شعوب العالم الثالث والشعوب الإسلامية أن تبحث عن صيغها مثلا لو أخذنا السودان فلماذا لا يكون له طريقة خاصة فى التعبير عن إرادة الشعب وعن كيفية انتخاب الناس هل يجب أن نطالبه بإعلان انتخابات عامة مثل بريطانيا مثلا فى حين أننا نسكت عن دول أخرى فى اعتقادي أننا لا بد أن نحترم إدراة التعبير فى كل بلد ونحاول أن نرصد كيف يسير هذا الأمر 00 هلى يتقدم أم يتراجع وينتكس ؟ فالخصوصية سيف ذو حدين ويمكن أن يتسخدم لإشاعة القهر والاستبداد ومصادرة الحريات وفى رأيي إن تجربة السودان تقدم نموذجا جديدا أو معاصرا لإدارة الحكم وتطبيق الشورى على مراحل ولا بد من أخذ هذه التجربة الغنية بعين الاعتبار 0
... كيف تنظر إلى مسألة التقريب بين المذاهب ؟(1/95)
... إن الوحدة الإسلامية ضرورة وليست فقط واجب إيماني وعقيدي فلا بد أن يتقرب المسلمون من بعضهم وأن يزيلوا الخلافات فيما بينهم وخاصة فيما يتعلق بقضايا أساسية فى الإسلام فالتحديات التى تواجه الأمة تفرض أن تقوم محاولات جادة للتقريب وللتوحيد وللبحث عن القضايا المشتركة للتعايش ولبناء تقاليد جديدة بالحوار بعيدا عن المهاترة وعن العنف وعن تسقط المواقف والأخطاء حتى لا تضخم الخلافات وهذا لا يعني بالضرورة أن يتخلي أحد عن نظرياته او مفاهيمه فليحتفظ كل برأيه كما يشاء ولكن يجب أن نجد القضايا المشتركة لنعمل بها ولنصد هذه الهجمة التى تستهدف الجميع دون استثناء وهذا لا بد أن يحدث إن لم يكن الآن فبعد عشرين سنة أو بعد خمسين سنة ولكن لا بد أن يحدث لأن الفكر الإسلامي فة حالة تعمق وتطور أكثر فأكثر فى فهم الضرورات وفهم الظروف وأعتقد أن هذه المسألة لا تقف عن المذاهب بل علينا نحن أهل هذا المشروع الإسلامي أن نحمل عملية التقريب والتوحيد والتضامن حتى مع شعوب العالم الثالث وأن نجد أرضية مشتركة كي نوحد مواقف المستضعفين من المسلمين وغير المسلمين فى وجه هذا الاستكبار العالمي الخطير 000
السيد محمد حسن الأمين
... معروف أنكم من دعاة التجديد فى الفكر الإسلامي فما المقصود بالتجديد ؟(1/96)
إذا جاز لنا أن نتكلم عن التجديد فى الفكر الإسلامي وهو شأن يصح الكلام فيه فمن الواضح أن التجديد هنا يطال الفكر وليس الدين نفسه لأن الدين كما هو مرتكز فى أذهاننا جميعا ثابت فى عناصره الأساسية والجوهرية وفى نصوصه الثابته وبالتالي فإن التجديد لا يمكن أن يطال القيم الأساسية والمبدأية والثابتة للدين وغنما يطال الجوانب القابلة للتغيير والتطور وأبرز ما يمكن أن يكون ميدانا للتجديد هو قراءة النصوص الإسلامية وقراءة المفاهيم الإسلامية التى تتغير من مرحلة إلى مرحلة ومن عصر إلى عصر ومن مجتمع إلى مجتمع على نحو يكون التجديد فيه هو القراءة التى تحاول أن تستلهم النص الديني فى ثوابته الأساسية ولكن فى الوقت نفسه أن تضفي على هذه القراءة روح العصر التى تتم فيه هذه القراءة وبالتالي يصبح لكل عصر ولكل مرحلة سماتها المميزة القراءة النص الإسلامية وهذا أمر طبيعي 0
... لماذا ؟
نحن نعرف أن القرآن الكريم وهو النص المنزل فى الإسلام لم ينزل وفق العقيدة الإسلامية ليخاطب المسلمين الأوائل الذين عاشوا فى عصر نزول النص فحسب إنما نزل ليخاطب ذلك العصر وما يليه من عصور حتى آخر الزمان إذا صح هذا التعبير فهذا يفترض بالضرورة ألا تسفتيد قراءة القرآن فى عصر واحد وأن تكون هذه القراءة ممكنة فى العصور كلها وهذا يعني أن الفكر الإسلامي هو فكر متغير وإن كان النص الإسلامي نصا ثابتا 0
... ما المقصود تحديدا بالفكر الإسلامي ؟(1/97)
... كل ما ينتجه الفكر انطلاقا من العقيدة الإسلامية هو فكر إسلامي بطبيعة الحال بمعني المسلم الذي يؤمن بالإسلام عقيدة ويفكر وينتج نصوصا ذات علاقة بالفقه أو الحديث او التفسير أو بالفلسفة أو بالاجتماع الإسلامي أو فى القانون أو فى مجال من المجالات إذا هو يعمل فى نطاق فكر إسلامي وفى إطار رؤية إسلامية هذا ما يعني به عندما أقول : الفكر الإسلامي أما المقصود بالنص الإسلامي فهو النص القرآني ، والنص الثابت صدروه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهذه النصوص التى تتسم بعنصر الثابت من حيث النص ولكنها تخضع للفهم المختلف أو المتغير من حيث معناها ومن حيث انطباقها على الأحداث أو من حيث انطباقها على الرؤية التى نراها نحن 0
... ويمكن أن ألخص فأقول : إن ثابت النص لا يعني قراءة هذا النص أى إن هذا النص الذي يكون ثابتا ومقدسا لا تكون قراءته ثابته ومقدسة فالجيل الأول من المسلمين عالج النصوص القرآنية ونصوص السنة النبوية ضمن نمط معرفي مشتق من عصره وبالتالي استطاع أن ينسج أدبيات حول هذا النص كانت معبرة عن النص من جهة وعن عصر النص من جهة أخرى وهكذا فإن عصرنا مايمكن أن يسنج حول هذه النصوص مفاهيم معبرة عن النص وعن عصرنا نحن والجديد يقع فى هذا الإطار 0
... هل ينسحب هذا الكلام على تجديد الفقه أو تجديد أصول الفقه ؟
... لا شك فى أنه ينسحب على المعارف الإسلامية كلها ومنها الفقه الإسلامي وحتى أصول الفقه لأن كلمة الفقه فى اللغة العربية تعني الفهم والفقه هو تغير الشريعة فالشريعة هى الأحكام المنزلة والفقه هو فهم هذه الأحكام ومن الطبيعي أن يكون الفقه موضوعا من موضوعات التجديد وكذلك أصول الفقه لأن هذه الأصول لا علاقة لها بالنص بصورة مباشرة أو بالشريعة بصورة مباشرة وإنما هى القواعد العقيلة التى وضعها الفقهاء لتكون وسيلة من وسائل فهم النص الشرعي أو استنباط الحكم الشرعي فى مجال الاجتهاد0(1/98)
... إذا من حيث المبدأ فإن التجديد فة هذين يشكلان مجالا واسعا بطيعة الحال ويجب أن تشهد هذه الحقول عمليات إعادة النظر وعمليات إضافات وعملية تجديد مستمر بدون توقف 0
... هل يمكن القول : إن التجديد هو الاجتهاد ؟
لا يمكن أن نفضل موضع الاجتهاد عن موضوع التجديد من حيث المعطيات العادية لمفهوم الاجتهاد يمكن للبعض القزل : إن الفقه المعاصر بإمكانه أن يعتمد على القواعد والمصطلحات الفقهية التى كانت سائدة فى بدايات القرن الرابع الهجري ولكني أجيب على هذا القول بأن هذا شبه مستحيل لأن الاجتهاد يتمضن معرفة بالناهج وبالقواعد التى لم تم إنتاجها طوال هذه الفترة أى منذ بدأت محاولات الاجتهاد إلى اليوم 0 فهذه لا بد من استعرضها ولا بد من تثيلها جميعا لكي يشعر المجتهد بأنه استطاع أن يتعرف على أقوال الفقهاء وعلى مناهجهم وطرائقهم وبالتالي استطاع هو أن يقتنع بمنهج معين أو بطريقة معينة أو أن يبتكر منهجا أو طريقة معينة وبالتالي يوجد هناك مجهدون محافظون إن صح التعبير كما يوجد مجتهدون مجددون وأنا أميل إلى القول بأن المجتهد لا بد بالضرورة أن يكون مجددا بصورة أو بأخرى وحتى المجتهدون المحافظون لا أعتقد انهم محافظون بالمعني الذي يجعل شخصيتهم غير مستقلة إطلاقا إذا لو كانوا كذلك لما كانوا مجتهدين وكان يمكن أن يكونوا مقلدين للسلف أما أنهم اجتهدوا فلا بد أن يكون لديهم إضافات معينه مكنتهم من الاجتهاد ولكن هذا لا يعني أن تكون سمة بعض أنواع الاجتهاد هى المحافظة وسمة بعضها الآخر هى سمة التجديد وهذا التحدي تاريخيا فى تاريخ الفقه وفى تاريخ المعرفة الإسلامية نلاحظ انه فى كل مفصل من المفاصل توجه حركة اجتهادية ذات طابع تجديدي وثوري وتوجد بعد ذلك حالة من التقليد لهذه الثورية الاجتهادية ما نلبث أن تنتهي بقيام ثورة جديدة فى الاجتهاد وهذه سنة الفكر الإنساني وسنة المعرفة البشرية التى تنطبق على حقول المعرفة دميعها ومن حقول المعرفة هذه(1/99)
الفكر الإسلامي لأنه فى النهاية مظهر من مظاهر المعرفة الخاضعة للتغيير والتجديد خلافا للنص الإسلامي الذي هو نص ثابت 0
... ما هو منهجكم فى التجديد ؟
... نحن نري أن اللغة العربية التى هى المادة الأساسية للتعامل مع النص الفقهي ومع النص المعرفي تعد موضوعا أساسيا لتكوين منهج الاجتهاد ولقراءة النصوص الفقهية وغير الفقهية أيضا وإذا كانت اللغة هى كائنا متطورا ا\باستمرار وكائنا يختزن المعرفة البشرية فهذا يعني أن أي منهج يتناول المعرفة الإسلامية أو الموقف الإسلامي أو الفكر الإسلامي فى مجال الفقهي أو المجال الفلسفي او فى مجال من المجالات الأخرى لا بد أن ينطلق من هذه العلاقة مع اللغة العربية ومع حساسية هذه اللغة العربية مستندا إلى التراكم الحاصل بعد المراحل الزمنية فى القراءات وأشكال الاجتهاد التى مارسها العلماء المسلمون بحيث يكون الفقيه متوفرا على معرفة هذه المناهج وبالتالي قادرا على المقارنة فيما بينها وعلى البحث عن التغيرات التى مازالت قائمة فيها وأن يكون فى الوقت ذاته متوفرا على علوم العصر ومفاهيمه وحساسيته المعرفية بحيث يتمكن من بناء منهج متكامل فيه عنصر معرفة التراث من جهة ومعرفة المعاصرة أو النوفير على المعاصرة فى جهة أخرى لتقديم رؤية أو موقف أو لتقديم رية معرفية يمكن وصفها بأنها مبتكرة أو أصلية أو جديدة لنسمها أصلية أكثر مما نسميها جديدة لأننا قد نختلف على موضوع الجديد وما هو الجديد ولكن عندما نقول رؤية أصلية لا بد أن تتوفر لهذه الرية – كما أسلفت – معرفة اللغة العربية معرفة دقيقة ومعرفة التراث ومعرفة العصر والإلمام بقضايا العصر وبحساسيته المعرفية لأنه لا يمكن بناء منهجية للتجديد بدون للتجديد بدون التوفر على هذه العناصر 0
... هل يمكن إعطاء مثال على هذه الرؤية ؟(1/100)
... إذا أردنا إعطاء مثال نقول : إن عصرنا أكثر من أي عصر مضي استطاع أن يتوصل إلى ما نسميه بـ حقوق الإنسان )) ومن هذه الحقوق حق مشهور اسمه ((حق الاختلاف )) أي أن من حق البشر أن يكون مختلفين ((وحق الإحتلاف )) الذي يتداولة المسلمون الآن ، كما يتداوله كل أصحاب المعرفة والمفكرون 0 لو أردنا أن نفهم هذا المفهوم فى فكر الفقهاء السلمين والفلاسفة المسلمين السابقين لرأيناه موجودا فعلا ،ولكن لم يصل إلى الدرجة التى يتم فيها صياغة مفهوم اسمه مفهوم (( حق الاختلاف )) ، ولكن عصرنا استطاع أن يصل إلى هذا المفهوم 0 المصادر التى وصل بوساطتها عصرنا إلى مفهوم
الاختلاف متعددة ، منها مصادر فلسفية ، جاءت من العصر التنوير الغربي ، ومصادر ثقافية واجتماعية ومصادر سياسية فيما يسمي بالديموقراطية ، والتى تتضمن اعترافا بالاختلاف داخل المجتمع ، وإقرارا بحق الاختلاف 0 المسلم عندما يتكلم عن (( حق الاختلاف)) بطبيعة الحال لا يمكن أن يأتى بنص من نصوص السلف الصالح يدافع فيه عن (( حق الاختلاف )) أو ينفي فيه هذا الحق ، كما يجري فيه التدوال فى عصرنا ، لأن عصرنا أخذا هذا المفهوم من مصادر لم تكن موجودة فى العصور الماضية ، وبالتالي المسلم مطالب أن يكون له حضور فى مفهوم كمفهوم (( حق الاختلاف )) والآن كيف يصوب المسلم رؤيته الإسلامية حول (( حق الاختلاف )) ؟ هل يصوغها من أقوال الفقهاء المسلمين فقط ، دون النظر إلى الظروف التى أحاطت بهذا المفهوم عبر عصرنا الراهن ؟ طبعا لا يستطيع أن يفعل ذلك 0 إذا لابد من أن يقرأ ذلك المفهوم فى ظل المعاصرة ، وفى ظل طبيعة المعاصرة ، لكي يستطيع أن ينتج فى النهاية فكرا إسلاميا قائما على فهم هذا الاتجاه وربطة مع بعض الاتجاهات الفقهية والفلسفية التى تشي بها النصوص الإسلامية ، أو نصوص الفقهاء والفلاسفة والمفكرين المسلمين لكي يستطيع أن ينتج فكرا له صفة الإسلامية من جهة ، وله صفة المعاصرة من جهة أخرى 0(1/101)
... إذا بقينا ضمن الأجواء نفسها ، فإن (( حق الاختلاف بلغة العصر هو الديموقراطية والتعددية 0 كيف تنظرون إلى ذلك ؟
... إن الاختلاف هو حقيقة لا مجال لنكرانها وقد وقد أشار النص القرآني بالذات انطلاقا من قوله تعالي ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) هود 117 – 118 ) 0
... ويري بعض المفسرين أنه للاختلاف خلقهم ونحن لا نستطيع أن نفهم القيمة العليا للإنسان فهما حقيقيا وأن تعطي له ما يستحق من هذه القيمة إلا أدركنا قدرة هذا الإنسان على أن يكون له سماته المحتلفة عن الآخر وفكره المختلف عن الآخر الناس يختلفون عن بعضهم والإنسان هو الكائن الأسمي بين الموجودات إذن هو يختلف عن الكائنات الأخرى التى تكاد تكون نسخا متكررة بعضها عن بعض أما المعني الإنساني فلا يوجد منه نسختين متكرتين فهو بتكوينه يحمل بذور الاختلاف وبهذا المعني يصبح من حق الغني ومصدر السمو والرقي عند الإنسان ولكن لا بد أن تكون هذا الكلام بصيغة عامة فإذا حاولنا أن ننتقل من هذه المبادئ العامة إلى الفكر السياسي نقول : لابد أن يكون هناك داخل المجتمع الواحد والأمة مظاهر الاختلاف ولكن هل هي مظاهر الصراع والانقسام والتجزئية ؟ لا نحن نقول : إن مظاهر الاختلاف هى مما يساعد على بناء الوحدة التى يدعو إليها المجتمع الإسلامي وبالتالي نقول : إن الوحدة التى هي شأن مقدس فى أفكار الفكر الإسلامي تقوم على الاعتراف بالاختلاف وعلي الاعتراف بالآخر أو بالكائن المختلف فى داخل المجتمع الواحد والأمة الواحدة كما إنه من الطبيعي أن يكون الاختلاف قائم بين الشعوب والأمم وفقا لقوله تعالي : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات 13 ) 0(1/102)
... مع فارق أساسي أن الفكر الإسلامي الذي يقرر حقيقة الاختلاف كظاهرة بشرية هو فكر يدعو لحوار المختلف وتعارف المختلف لأن التعبير عن التعارف هنا هو من أجل وأقوي التعايير عن الحوار هذا التعبير الوارد فى القرآن الكريم ( لتعارفوا ) أى تحاورا بما يغني 0
... إن الاختلاف هو من أجل الحوار وبالتالي فالحوار مظهر من مظاهر الحيوية البشرية الإنسانية التى تنتهي إلى الوحدة الإنسانية داخل المجتمع الواحد والوحدة داخل مجموعة مجتمعات لكنها لا تنتهي هذا التنوع والتعدد فى إطار هذه الوحدة الشاملة0
... من الأمور المطروحة على الساحة مسألة الاجتهاد فى الحديث النبوي الشريف فهناك من يري أن المرجعية الأساسية هى القرآن الكريم ما رأيكم بهذه المسألة وما مدي الاجتهاد فى الحديث النبوي ؟ وما حدوده ؟(1/103)
... لا يمكن أن نحصر الاجتهاد فى مجال واحد من المجالات ممكن عندما نقرأ النص القرآن تقرأه ونستوحي منه ونخرج بحصلية معرفية قد تكون غير مطابقة لنظر البعض بالنص تماما وهذا الأمر يستحب كذلك على النص النبوي الشريف فالحديث النبوي الشريف مادة من المواد التى تشكل موضوعا من موضوعات القراءة الفقهية والقراءة الإسلامية وبالتالي فهو موضوع من موضوعات الاحتهاد 0 صحي أن البعض يري أن الاعتماد على النص القرآني يجب أن يكون أساسيا ومقدما على ما سواه وقد يذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك فيقول إنه علينا بالقرآن وما لنا بالأحاديث لأنها غير قطعية الورود والثبوت أن يذهب البعض إلى ضرورة التركيز على القرآن بدرجة أساسية وعدم التركيز بالدرجة نفسها على الحديث النبوي الشريف لا عتبارات عديدة نحن نقول : نعم فى الآيات القرآنية أية ظاهرة واضحة فى هذا الحكم فن الطبيعي عندها أن نبحث في السنة النبوية انطلاقا من قول القرآن نفسه ( وما آتكم الرسول فخذوه ) الحشر 7 فلا بد من اعتبار أن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسنته هى تطبيق للنص القرآني أو تطبيق للأوامر الإلهية وبالتالي اكتسبت صفة المصدر ولا بد أن نعتبرها مصدرا نعم فى التعامل مع السيرة النبوية لا بد لنا من منهج يختلف عن التعامل مع النص القرآني ذلك أن فى السنة أحيانا أى فى كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - كقائد فى عصر معين وفى حدث معين وأن ما قاله هنا ينطبق على عصره بمعني أنه كان تدبيرا خاصا له صلة بظروفه عليه السلام وأحيانا يصدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قول أو فعل يكون أوسع فى مساحة عصره ويمكن تطبيقه على العصور كافة أى يصدر عنه بما هو نبي وليس بما هو رئيس دولة : مثلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقام سلطة أو ما يشبه شكلا من أشكال السلطة فى المدينة فهل هذا الشكل ملزم للمسليمن اليوم ؟ لا أعتقد هذا 0إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قام بتنظيم السلطة وفق(1/104)
متطلبات وحاجات عصره بما يعني أنه اقترح المبادئ العامة فى السلطة ولم يطرح شكلا نهائيا للسلطة لأن هذا الشكل يجب أن يكون متغيرا بتغير الظروف والعادات ومن نا يمكن التمييز بين سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والنص القرآني الذي يخاطب البشر فى كل العصور وهذا واضح ولا مجال للاختلاف فيه0
... يلاحظ فى العقدين الأخيرين تزايد الاهتمام بالمسألة الثقافية الإسلامية ؟
... هذا صحيح وهى ظاهرة صحيحة وسليمة ففي هذا العصر يشعر المسلمون أكثر من أي وقت مضي بضرورة التعبير عن هويتهم الإسلامية فالمسلمون الذين أطلقوا نسميه بـ (( الصحوة الإسلامية )) فى عصرنا الراهن يشعرون بأنهم لا يمكن أن يتجزؤا هذه الصحوة بالصورة التى تطلبها منهم العقيدة وتفرضها تحديات الحياة إلا بالتجديد والاجتهاد إذا لم لا يمكن أن ينجزوها بالشكل الذي يجعلهم مجرد مقلدين للأجيال الإسلامية السابقة التى أنتجت رؤيتها للإسلام فى ظروف مختلفة عن الظروف التى ننتج فيها رؤيتها للإسلام من هنا نلاحظ أن هاجس التجديد فى الفكر الإسلامي هو هاجس أساسي لدي كثير من المفكرين الإسلاميين الذين يساهمون فى إنتاج الصحوة الإسلامية الجديدة إذ إنهم يصرون على أن ينتجوا هوية لها ملامح مختلفة عن الهوية التى كانت فى العصور السايقة ومن هنا نلاحظ محاولة التجديد القائمة والصراع حول مناهج التفكير الإسلامية التى قد يري بعضهم أنها متطرفة أو مناهج منحرفة 0
... ومن وجهة نظري الشخصية أري أنه لا يوجد خطر فى الحرية المطلقة فى إنتاج رؤية إسلامية وإن وجد بعض الخطر فهو حتما أقل بكثير من الخطر المتاتي من إغلاق باب التفكير ومن محاصرة حرية التفكير الإسلامي وإذا أردت أن أستطرد أقول : مثلا إن بشأن قراءة النص القرآني قد أختلف معه فيها ولكنني لا أستطيع منعه من هذا التفكير لأنه إذا منع أو إذا وضعت حدود للتفكير الإسلامي فسوف نخسر إمكانات ضخمة وكبيرة 0(1/105)
... إن مزيد من انتعاش هذه الصحوة الإسلامية ومن مدها بأسباب الحياة الحقيقية ولا خوف من حرية الفكر فمساوئ الحرية نعالجها بقواعد الحرية نفسها أما الاستبداد الفكري فإن مساوئه لا يمكن معالجتها على الإطلاق وربما كنا نحن المسلمين ضحايا الاستبداد الفكري فكيف نواجه أو نقف فى وجه حرية الفكر لمجرد أننا نخاف من بعض الاستعمال السئ لهذه الحرية فى الوقت الذي تكون فيه هذه الحرية مصدرا من مصادر كشف آفاق لا حدود لرحابتها وأهميتها فى تكوين الصحوة الإسلامية 0
د0 أحمد فتحي بد رخان
... نسمع كثيرا عن أسلمة العلوم مثلا طب إسلامي اقتصاد إسلامي علم اجتماع إسلامي أدب إسلامي 00 الخ والسؤال ما مدي علمية هذه المصطلحات وما هو المقصود بالاقتصاد الإسلامي ؟
... لا توجد برأيي علوم طبيعية (( فيزياء )) كيمياء تشريح طب إسلامية وعلوم طبيعية غير إسلامية فقوالين الفيزياء وتجارب الكيمياء والتفاعلات الفيزيولوجية فى جسم الإنسان وغيرها كل هذه العلوم تخضع لنواميس محايدة فى سائر المجتمعات ومختلف الأنظمة الاجتماعية كيلا تتحرف عن أهدافها الإنسانية والأخلاقية 0(1/106)
... أما بالنسبة إلى العلوم الإنسانية بما فيها الاقتصاد أو العوم الإنسانية الاقتصادية فإنها تتقسم إلى قسمين قسم يسمي بالعلوم الاقتصادية ذات العلة الطبيعية مثل علاقة العرض والطلب وحركة الأسعار والتضخم النقدي والأزمات الاقتصادية وغير ذلك فهذه حكمها حكم العلوم الطبيعية أى أنها تخضع لنفس النواميس التى تخضع لها العلوم الطبيعية والقسم الأخر وهو العلوم الاقتصادية ذات العلة الإنسانية مثل مشكلة الملكية وحقوق الملكية والعدالة الاجتماعية والاستغلال والإحسان وغير ذلك فهذه يمكن أسلمتها لأن الإسلام يملك فيها منهاجا ذاتيا يتميز عن المناهج الوضعية بامتلاكه العقيدة التوحيدية فالإسلام بواسطة مصدرية الأساسيين القرآن والسنة يهيمن على جميع فروع المعرفة الإنسانية مباشرة ويخضع جميع الحلول الشافية لجميع مشكلات العلوم الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والتربوية 0
... إن دراسة السنن المحركة للعلوم الطبيعية والعلوم الاقتصادية ذات العلة الطبيعية هى موضوع علم الاقتصاد أما دراسة السنن المحركة للعلوم الاقتصادية ذات العة الإنسانية فهى موضع المذهب أو النظام الاقتصادي الإسلامي 0
... إن أسلمت العلوم الاقتصادية أو العودة إلى مصادر التشريع فيما يتعلق بهذه العلوم تتسم بأهمية قسوى لأن نظريات المدارس الاجتماعية الغربية تركز على نزعة الخلاص الفردي والتحرر من قيود الحتمية الاجتماعية والجبرية المادية بالإضافى إلى الدعاية الواسعة لمفاهيم نسبية الأخلاق وذلك بهدف عزل الثوابت الدينية عن سلوكيات الفرد والمجتمع 0(1/107)
... أما فى مجال الاقتصاد فإن المنهج الغربي الوافد يروج لنظرية نسبية العدالة وهذه النسبية تقضي بتبديل النظريات الاقتصادية حسب الزمان والمكان لأن الحقيقة بنظر منظري المنهج الغربي الوافد نسبية وليست مطلقة وهكذا يتمكن الأنصار هذا المنهج من التخلص من مسؤولية الفشل المستمر لتنظيراتهم وتطبيقاتهم الاقتصادية وتحمل هذه المسؤولية للظروف والصدف أو لعوامل التطور 0
... لكل نظام خصائص وأصول 0 فما هى خصائص هذا النظام الاقتصادي الإسلامي ؟
... خصائص النظام الاقتصادي الإسلامي :
أولا : إنه جزء عضوي من النظام الإسلامي لذلك لا يمكن دراسته بمعزل عن المركب الثقافي الإسلامي الشامل هذا المركب القائم على العقيدة التوحيدية وبإعتبار أن الدين يتمضن المسائل الاقتصادية فإن عزل الاقتصاد عن الدين ليس من العلمية فى شئ 0
ثانيا : الاقتصاد الإسلامي من الناحية العلمية شمولي بمعني أنه لا يدرس حركة الأموال فقط كما فى الأنظمة الوضعية بل يتناول دراسة الثروة القومية بأكملها 0
ثالثا : الاقتصاد الإسلامي موضعي وليس تجزيئيا بمعني أن الإشكاليات الاقتصادية الطارئة تفسر وتوجد لها الحلول اعتمادا على الفقه الاقتصادي المستنبط من القرآن والسنة وآراء الفقهاء والاقتصاديين الإسلاميين سواء على المستوي النظري أو المستوي العلمي التطبيقي 0
رابعا : اعتبار القيم الأخلاقية أساسا فى البناء الاقتصادي فى الإسلام وتمثل هذه القيم فى المحافظة على العلاقات الأسرية وأسلوب الإنفاق والتوازن بين مصالح الفرد والمجتمع وبين مصالح الأجيال ومنع تشكل التفاوت الطبقي والإثراء غير المشروع أى إن خصائص النظام الاقتصادي الإسلامي تقيده بضوابط الحلال والحرام أما الأصول فأنها تتفرع فى الإسلام عبر ثلاث قنوات : فكرية وأخلاقية واقتصادية 0(1/108)
... القناة الفكرية : هى مجموعة التعاليم الاقتصادية المتعلقة بشكل الملكية والتبادل والاستهلاك والدخل والنفقات والإرث والهبات والتوازن بين هذه الأمور جميعها 0
... القناة الأخلاقية : حيث يأمر الإسلام بالعدالة والأمانة والصدقة ومحاربة الرشوة والفساد 00 وغير ذلك 0
... القناة الاقتصادية : وهي أن الكسب يقوم على أساس العمل وأن الأرزاق تتفاوت حسب درجات التأهيل وذلم لتنفيذ قانون التسخير 0
... يذهب بعضهم إلى أن الإسلام لا علاقة له بالاقتصاد وأن القرآن الكريم لا يحوي تعاليم لإدارة اقتصاد القرن العشرين 0 ما رأيك ؟
... يطيب لبعض اللادينيين من اقتصاديين ومفكرين وغيرهم الزعم بأن الإسلام لا علاقة له بالاقتصاد وهؤلاء تعقدون بأن الإسلام كسائر الأديان عبارة عن مجموعة من العبادات والطقوس ليس إلا وفى حقيقة الأمر – وخلافا لهذه المزاعم – فأن التاريخ البشري يثبت بأن الإسلام أدرا الأنظمة الاقتصادية لكتل البشرية هائلة فى عصر الخلفاء الراشدين والعصور التى تلتها من أموية وعباسية وعثمانية وكذا الحكم الإسلامي فى الأندلس الذي امتد مئات السنين وهنا أتسائل كيف استطاع الحكم الإسلامي أن يدير اقتصاديات هذه الإمبراطوريات لو لم يكن فى الأصل متسلحا بتعالم إدارية واقتصادية ربانية ؟ ولكن اللادينين سينبرون للقول بأن الإسلام ليس لدية أجوبة على المستجدات الاقتصادية لهذا العصر وأجيبهم بأن التعاليم الاقتصادية الإسلامية التى جربت سابقا وتجرب الآن كفيلة بإيجاد الحلول الشافية لجميع المستجدات العصرية وذلك عن طريق الإجتهاد من المصادر التشريعية الرئيسية وضمن نطاق المصالح المرسلة وأنا اعتقد أمراض الاقتصاد المعاصر فى العالم لا يمكن أن تعالج إلا بوصفات إسلامية اقتصادية 0(1/109)
... وهنا – إسمح لي – أن أعود إلى تساؤلكم الأول حول مدي علمية الاقتصاد الإسلامي وأسأل بدوري : ما معني العلمية فى الاقتصاد والجواب على ذلك هو أن الاقتصاد يكون علما حينما تكون له دلائل واقعية عينية وهذا ما ينطبق على الجانب الطبيعي للقوانين اقتصاديا التى لها – كما ذكرت – تطبيقات فى الواقع الخارجي ( علاقة العرض بالطلب ، علاقة القيمة بالأسعار ، الأزمات الاقتصادية ، التضخم النقدي ) وحينما نكشف بالبحث والدراسة عن القوانين الاقتصادية الطبيعية وكيفية تشكلها نكون بذلك ممارسين للعلم الاقتصادي 0
... من جهة أخرى يكون الاقتصاد مذهبا أو فكرا حينما تتخذ القوانين الاقتصادية شكل العلاقة الوثيقة مع القوانين غير الاقتصادية مثال على ذلك : قوانين الاخلاق والاجتماع والنفس والتربية والفن0 وهنا يكون الاقتصاد اعتباريا ويصبح نظاما أثناء التحقيق العلمي وهذا هو البرهان على عملية الاقتصاد الإسلامي من جهة وعلى مذهبيته من جهة أخري وباعتبار أن أهداف العقيدة التوحيدية فى الإسلام لا يمكن تطبيقها بشكل سليم بدون الاقتصاد متوازن ومستقل ذاتيا وعلى أرض الواقع إذن هنا يتخذ الاقتصاد الإسلامي صفة علمية أخري 0
... أما البرهان الثالث على علمية الاقتصاد الإسلامي وإمكانية تطبيقه فهو الترابط بين الجانبين : الطبيعي والفكري فى القوانين الاقتصادية المرشدة لسياسات الاقتصادية فى المجتمع الإسلامي وهذا الترابط هو الذي يشكل مفهوم الاقتصاد السياسي فى الإسلام 0
... البرهان الرابع : هو أن الإسلام دين الفترة وهذا يعني أن المنهج الاقتصادي فى الإسلام يساير الوضع الطبيعي للبشرية كما خلقها الله فأودع فيه الميلين المادي والروحي اللذين بالجمع بينهما تحقق غاية الوجود البشري فى التكامل نحو الله 0
... يري بعضهم أن الاقتصاد الإسلامي أقرب إلى الاقتصاد الحر ، والسؤال كيف نفهم الحرية الاقتصادية فى المجتمع الإسلامي ؟(1/110)
... إن أحد أصول الاقتصاد الإسلامي التوازن وهو أيضا أول القوانين الاقتصادية الإلهية وهذا القانون يولد بدوره قانونا إسلاميا آخر هو قانون عدم التناقض ، فالتوازن يعني أن الإسلام لا يعترف بالحقوق الاعتبارية المطلقة ومنها حق الحرية المطلقة بل يعترف بالحرية الموزونة التى تضبطها الضرورات الشرعية فإن الحدود القصوى للحرية الفردية الاقتصادية تفصلها عن مجال الحرية الاجتماعية وأكثر ما تظهر فلسفة الحرية الاقتصادية فى الإسلام فى وضع الضوابط للتصرف بحق الملكية على أساس لا ضرر ولا ضرار وهذا ما يميز النشاط الاقتصادى فى الإسلام عنه فى النظم الحرة أي الرأسمالية الليبرالية والاحتكارية 0 إن قانون التناقض التناحرى بين الملكيات هو المهيمن فى النظام الرأسمالي بينما يسود فى النظام الإسلامي قانون عدم التناقض أو التنافس الشريف وهذا فارق فلسفي لا يستهان به بين النظامين يجعلني أعتقد بأن الاقتصاد الإسلامي أبعد ما يكون عن الاقتصاد الحر فإذا كانت الحرية الاقتصادية فى الرأسمالية هى كل شئ فأنها فى الإسلام هى الأصل 0
... هذا الكلام يدفعنا إلى السؤال عن دور الدولة فى الاقتصاد والتنمية من وجهة النظر الإسلامية ؟
... التنمية الاقتصادية هى أحد أسس النشاط الاقتصادي فى الإسلام إلى جانب أصول التوازن والكسب والتفاوت فى الأرزاق وفى عصرنا يمكننا الجزم بأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية أصبحت معيارا مهما فى تقيم أي تجربة اقتصادية إسلامية خاصا بعد فشل جميع النماذج الوضعية للتنمية وهذا ما نفهمه من حديث للخليفة الثاني عمر بن الخطاب : ( إن الله استخلفنا على عباده لنسد جوعهم ونوفر لهم أنهم فإن لم نفعل ذلك فلا طاعة لنا عليهم ) ومن خصائص التنمية فى الإسلام :
... أولا : المسؤولية الفردية والاجتماعية والحكومية فى مجالات التوزيع والإنتاج والتبادل 0
... ثانيا : أنها تنمية ثقافية بالدرجة الأولي 0
... ثالثا : أنها عبادة اقتصادية وسياسية وثقافية 0(1/111)
... رابعا : تمزج ما بين المادي والروحي فى العمران البشري وبناء الإنسان المسلم وتمزج بين العام والخاص ، بين مصالح الدنيا ومصالح الآخرة ، بين الملكية الفردية و الملكية الجماعية وملكية الدولة 0
... خامسا : إن التعددية الاقتصادية سمة من سمات التنمية فى الإسلام وهذه التعددية تضمن مشاركة جميع القطاعات الاقتصادية فى عملية الاقتصادية بصورة متوازنة والتى أري ضرورة بقاء قطاع الدولة أو القطاع العام فى دول العالم المستضعف وذلك للتخفيف عن كاهل المستضعفين والفقراء وحينما يطبق النظام الإسلامي فإنه كفيل بتخليص الناس من شرور المال حينها يصبح تدخل الدولة ضرويا فقط من الوجهة الرقابية لحماية المال العام 0
... بعد هذا العرض للنظام الاقتصادي الإسلامي نتساءل عن مدي إمكانية تطبيق هذا النظام ضمن الظروف التى نعيشها الآن ؟
... يمكن تطبيق الاقتصاد الإسلامي فى أي بلد يتبني النظام الإسلامي سواء فى هذه الظروف أو فى غيرها وهذا يعزي إلى الشروط الموضوعية الفاعلة فى البلد المعين وهذه الشروط تختلف من بلد آخر ونحن نسمع الحين ولأخر عن تطبيقات اقتصادية فى مجال الصيرفة فى بعض العناصر فى الاقتصاد الإسلامي وهذا ممكن إلا أن هذه تعريف العالم بمزايا بعض العناصر فى الاقتصاد الإسلامي وهذا ممكن إلا أن هذه التجارب تبقي معرضة للإحباط والهزيمة إذا لم تتح حمايتها بسياج نظام إسلامي كامل لأن الإسلام نهج متكامل فإما أن تطبق كل عناصر هذا المنهج أولا تطبق لأن التطبيق الجزئي غير مضمون النتائج على المدي البعيد 00(1/112)
... ولنأخذ مرة أخري عملية التنمية كمثال على ضرورة التطبيق المتكامل للمنهج الإسلامي فعملية التنمية حتى تحقق غايتها لا بد من توفر توليفة معينة من العوامل التى يأتي فى مقدمتها : المناخ السياسي ووجود معدل معين لتكوين رأس المال المادي والبشري والمالي ومستوي معين من الفنون الانتاجية والتكنولوجية الملائمة وإن توفر هذه التوليفة من العوامل المساعدة للنهوض بالتنمية لا يكفي لحصول التغير الاقتصادي والاجتماعي إلا بدمج المعامل الثقافي المحرك لهذه العوامل وهو العقيدة الدينية التى تدفع الإنسان وتحرضه للنهوض والمشاركة فى التنمية بعد أن يحصل التغيير فى النفس الإنسانية والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة الازلية وهي ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يتغيروا ما بأنفسهم ) الرعد 11 0 ... ...
... إن رأس المال الاجتماعي + المعامل الثقافي = تنمية اقتصادية واجتماعية وهذا هو النهج الوحيد نحو تطبيق الاقتصاد الإسلامي فى كل الظروف 0
... سؤال أخير : كيف تنظر إلى الوضع الاقتصادي الدولي ؟
... إن أكثر ما يهمنا فى هذا الموضوع المحاور التالية :(1/113)
الربا ودوره فى استغلال الشعوب ومديونية البلدان النامية والنظام النقدي الدولي لا بد من التذير بأن الفوائد الربوية هى معامل هدم اقتصادي فى جميع مجالات الإنتاج والتوزيع على النطاقين المحلي والدولي وفى مجالات الإنتاج تكون العلاقات الربوية أخطر منها فى مجالات التوزيع خلافا لما يقال : لأن ابتلاع الربا فى مجالات الإنتاج معناه إنقاص الخيرات المادية فى الحياة دون أن يعوض عنها فى الإنتاج وخاصة على النطاق الدولي حينما يتم ابتلاع الربا الإنتاجية (( فائض القيمة )) من قبل الدول الاستكبارية بقوة السلاح وعن طريق تمويل الدول المستضعفة برؤوس الأموال الغربية والوافدة بواسطة القروض التى تجبر شعوب هذه الدول على الانخراط فى عمل دائم وشاق من أجل إيفاء هذه الديون وخدماتها المتجسدة فى أقساط الديون وفوائد القروض فنتيجة ضعف مقدرتها الاقتصادية تصبح عرضة للنهب الإمبريالي والتبعة الاقتصادية وفقدان استغلال قرارها السياسي أمام جبروت الدول المقرضة 0
... إن دول العالم الإسلامي وسائر البلدان النامية بحاجة إلى رسم سياسات نقدية دولية جديدة تحميها من النهب المنظم الربوى لمواردها ولا بد من التعاون بين السلطات النقدية لدول العالم الثالث لمواجهة سطوة الدولار وغيره من العملات الاستكبارية ولوقف النزيف الربوي عن اقتصاد العالم الإسلامي وسائر دول العالم المستضعف 0
المحور الثاني
الحركة الإسلامية : واقعها ، همومها ، آفاقها
السيد محمد حسين فضل الله
... إذا حاولنا إعادة ترتيب أوراق البيت الإسلامي فما هي الأولويات التى ستحظي باهتمامكم ؟(1/114)
... مشكلة البيت الإسلامي أنه يفتقد المرجعية الفكرية التى تلاحق الواقع فى جميع مواقعه وفى جميع تطلعاته ليدرسها وليجمع مفرداته وليعمل على أساس إيجاد لقاء فكري بين مختلف أفراد العائلة الإسلامية لتقوم كل جهة أفكارها وتصوراتها ومشاكلها وقضاياها مقارنة بالقضايا التى تقدمها الجهة الأخرى ليخرج الجميع من خلال هذا الحوار الإسلامي المتميز بدراسة الخصوصيات العميقة التى تنوع الواقع الحركي الإسلامي بعيدا عن الأضواء 0 وبعيدا عن الشعارات وليخرج الجميع باستراتيجية واحدة تتوزع فيها المواقع الإسلامية المتعددة الأدوار حتى يكون لنا خط إسلامي واحد فى مواجهة التحديات التى يطلقها موقع الكفر الواحد والمستكبر الواحد 0
... إن المشكلة التى نواجهها فى هذه المرحلة هى أن كل فريق إسلامي حركي يعيش مشاكله الخاصة بعيدا عن الاهتمامات التى تربطة بالآخر مما يجعل من كل فريق فريقا ولو أراد الإهتمام بمشاكل الفريق الآخر فإنه يريدها من خلال خدمة خصوصية لا من خلال خدمة الجو العام إنني أزعم أنه ليست هناك حركة إسلامية واحد 0 هناك حركات إسلامية قد تكون متباعدة فى الفكر أو الخط السياسي ومن الضروري لأي قيادة إسلامية أن تعمل على تجميع هذه المواقع وتركيبها والعمل على إيجاد حالة من التعارف بينها 0 وعلينا فى هذه المرحلة بالذات إذا لم نستطع الوصول إلى الأولوية الإستراتيجية الأولى أن نعمل على إيجاد تواصل بين الإسلاميين يوحد إعلامهم فى مواجهة الإعلام الاستكبارى العدواني الواحد المتعدد الأصوات المتنوع الأدوار الذي يشن حربا عالمية إعلامية سياسية على كل المواقع الإسلامية 0
... إن علينا أن نعمل على إيجاد قاعدة إعلامية موحدة يمكن لها أن تواجه هذه الحرب الموحدة التى نستطيع أن نحمي أنفسنا ووجودنا من هذا الهجوم الصاعد لتبقي لنا مواقعنا فى الوجدان العالمي ولنتمكن بعد ذلك من أن نرتب أمورنا فى وضع طبيعي أو قريب من الوضع الطبيعي 0(1/115)
... فى هذا المجال هل يمكن الحديث تقريب حقيقي بين المذاهب الإسلامية ؟
... إن مسألة التقريب بين المذاهب تحتاج إلى نوعين من العمل الاول هو الحركة الفكرية بمعني أن يبحث كل فريق من المسلمين بالدائرة الفكرية العالمية عقائده وخطوطه الفكرية من جديد بحيث يعرف الشيعة ما هو خط التشيع فى العمق بالمعني العلمي الذي يمكن لهم أن يدافعوا فيه عن أفكارهم وعقائدهم ومذاهبهم الفقهية ومفاهيمهم الفقهية من خلال المصادر الإسلامية الأصلية ويدرس السنة كذلك عقائدهم ومذاهبهم ومذاهبهم الفقهية حتى يشعروا أن بإمكانهم أن يدافعوا عن المذهب بطريقة يحاول أن ينطلق بالحجة المصادر الإسلامية لأن المشكلة التى تواجهنا هى أن كل فريق يحاول أن ينطلق بالحجة مذهبيا لا إسلاميا بالمعني النفتح ولهذا لا نجد هناك لغة للتفاهيم بينهم لأن كل واحد يتحدث مع الآخرين باللغة الخاصة التى يحركها فى دائرته الخاصة بعيدا عن اللغة الإسلامية لذلك فإننا نلاحظ أن ما يحدث به السنة والشيعة فى خلاقاتهم هو ما كانوا يتحدثون به قبل أكثر من ألف عام لم تتغير ولا مفردة واحدة لا على مستوي الأسلوب ولا علي مستوي الحجج التى يقدمها هذا الطرف أو ذاك بالرغم من أن الحياة الفكرية تطورت وطرحت أشياء كثيرة يمكن أن نستخدمها فى حل الكثير من المشكلات 0
... والمشكلة هى أن السنة والشيعة لا يريدون أن يتنازلوا عن شئ مما ورثوه وبغض النظر عما إذا كان ما ورثوه يخضع للبرهان أو الدليل ومن هنا علينا أن ندرس ما عندنا وعليهم أن يدرسوا ما عندهم بطريقة علمية موضوعية بعيدا عما إذا كانت هذه المفردات الفكرية السطحية مما التزم به الأقدمون أو مما(1/116)
لميلتزموا به فلدينا – نحن المسلمين – قاعدة أساسية وهى أن نرجع فى كل ما ننتزع حوله إلى الله وإلى الله والرسول مما يجعلنا نحتاج إلى فهم قرآني منفتح وإلى توثيق الأحاديث وفهم منفتح لها هذه النقطة الأولى إذا لم نعالجها فمن الصعب أن يكون هناك تقارب فكري بين السنة والشيعية لأن التقارب إنما ينطلق من خلال المعركة الذاتية مع النفس التى تكون أساسا للحركة الذاتية مع الآخر 0
... ألا يمكن أيضا محاولة دراسة قواسم مشتركة يلتقي السنة والشيعية عليها ؟
... تماما وهذه هى النقطة الثانية الى أشرت إليها نحن نستهدي القرآن فى ذلك فعندما نقرأ قوله تعالي : ( قل يأ أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ) آل عمران 24 0 وكذلك عندما نقرأ قوله تعالي : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم إلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ) العنكبوت 46 0 عندما نقرأ هذين النصين نجد أن القرآن أراد أن يدعو أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلى الكلمة السواء وهى التوحيد والإيمان بالرسالات ونحن نعرف كم هى المفردات التفصيلية التى يختلف فيها المسلمون مع النصارى ومع اليهود فيما يتعلق بعقيدة التوحيد وفى تفاصيل فإذا وضعتم أرجلكم على الأرض المشتركة ووفقتم وأطلقتم كلماتكم على أساس الكلمة السواء فإن بإمكانكم أن تناقشوا المفردات بروح اللقاء بدلا من مناقشتها بروح الفراق لو كانت المسألة هى أن نبحث التفاصيل فى البداية وأن نجعل منها حاجزا بيننا ليمنعنا عن اللقا فأية تفاصيل بين السنة والشيعة بالنسبة إلى التفاصيل بين المسلمين وبين أهل الكتاب إننا نستطيع أن نستهدي هذا الأسلوب القرآني فى مسألة اللقاء ( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) آل عمران : 64 إنه يدعو إلى لقاء لا إلى الحوار فقط0(1/117)
... أشرتم إلى مسألة الحوار بين الأديان والملاحظ ازدياد الحديث فى هذا الموضوع فى الآونة الأخيرة فما هو رأيكم ؟
... إن الله علمنا أن نحاور كل الناس ولا توجد مقدسات فى الحوار فقد حاور الله تعالي إبليس فهل هناك من الناس من هو مثل إبليس كما ان القرآن هو كتاب حوار مع المشركين فى توحيد الله ومع الكافرين فى وجه الله وفى نبوة النبي كما حاور المنافقين لذلك نعتبر أن عظمة القرآن فى أنه كتاب الحوار المقدس الذي يقول لك : إن مسألة الإيمان هى أن تفكر وتقتنع وبالتالي أن تحاور لذلك عندما تحدث الله سبحانة وتعالي عن الدعوة إلى الله تحدث عن الحوار : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) النمل 125 ولكي يتم الحوار لا بد أن تفهم ما عند الآخر ويفهم الآخر عندك وقد عير القرآن الكريم عن أساس الحوار بشكل لم يستطيع أي تطور بشري أن يصل إليه وهو اعتبار الشك أساسا للحوار ( وإنا وإيكاكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين ) سبأ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قدم نفسه أمام الآخرين بتعليم الله له صورة الشاك وهو الذي جاء بالصدق وصدق به ليجيز للآخرين أن يشكوا كما شك ومن موقع هذا يمكن أن نبدأ الخطوات التى تقود إلى اليقين وفو ضوء ذلك فنحن من القرآن الذي فتح فالقرآن يمثل حركة فكرية فى مسألة الحوار مع أهل الكتاب لا في عقائدهم التفصيلية فحسب بل حتى فى سلوكهم 0
... فى الآونة الأخيرة بدأنا نسمع مصطلحات كثيرة فى الساحة الإسلامية مثل (( الإسلام السياسي )) (( الإسلام التقليدي )) و(( الفكر الإسلامي المعاصر )) فما هو مفهومكم للإسلام السياسي ؟ وهل لا بد له بالضرورة أن يختلف مع الإسلام التقليدي إن صح التعبير ؟
... ربما كانت هذه المصطلحات منطلقة من الواقع المتخلف مقابل واقع يريد أن يتخلص من تخلفه هذا لأنه لا يوجد لدينا إسلامان 00 إسلام سياسي وإسلام بعيد عن السياسية أو إسلام تقليدي منفتح 0(1/118)
... إن الإسلام هو دين الله أنزله على رسوله فى كتابه والذي حركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي عاش الأئمة والصحابة والعلماء حركته فى تجاربهم بطريقة أو بأخري مع اختلاف مواقعهم التى قد تلتقي بالعصمة فى بعضها وقد لا تلتقي بها 0 والمسألة هى أن المسلمين مواقعهم عاشوا وطقوسهم و أوأضاعهم الأخلاقية الخاصة بعيدا عن كل التحديات وهكذا نشأ واقع يبتعد عن السياسة ولا يريد للمسلمين أن ينفتحوا على القضايا السياسة فى مواجهة القضايا الكبري لأن هناك مفاهيم فرضت نفسها على المسلمين وجعلتهم يفكرون أن فى مواجهة القوى المتحدية يمثل إلقاء للنفس فى التهلكة فى ظل عدم وجود تكافؤ بين حجم القوى لدينا وحج القوي هناك ولأن بعض المسلمين كان ينتظر آخر الزمان حتى يأتى العدل والإصلاح فهو يأس عقيدي من ؟انه لا يمكنان يكون هناك إصلاح ما قبل الزمان منن أجل مواجهة لأنهم رأو خطأ المفهوم الآخر فالمسألة تتخلص فى وجود قضايا الإسلام للإسلام مقابل فهم متخلف وبالتالي فإن حركة الإسلام التقليدي والإسلام فى المنفتح تسير فى هذا الاتجاه فالإسلام التقليدي مثل حركة ثقافية فى فهم الإسلام فى الدوائر الضيقة التى لا تنفتح على الحياة ولا تعالج مشاكل الواقع بل تظل قابعة تجتر المفردات الفقهية أو المفردات الفكرية بصيغتها التاريخية ولا تحاول أن تجتهد كما اجتهد الأقدمون وان تغير فى الأساليب والأشكال كما غير الآخرون لذلك نقول إن المسألة هى كيف نفهم الإسلام وكيف نطبق هذا الفهم 0
... هذا الفهم الصحيح للإسلام هل يمكن القول أنه فهم واحد فى مشرق الوطن العربي ومغربه ؟(1/119)
... عن الانفتاح الثقافي على الإسلام فى مصادره وفى حركته وتطلعاته وأساليبه كان حركة اجتهادية فمن الطبيعي أن يختلف المجتهدون ى فهم كل هذه المفردات أو كل هذا التراث أو كل هذه الحركة للواقع وربما يذهب بعض المفكرين بعيدا فى هذا المجال فيحاولون أن يفرضوا على الإسلام صيغة التفكير الغربي ويحملوا الإسلام ما لا يحتمله من عقائدهم وأفكارهم وقد ينحرف بعضهم وقد يستقيم بعضهم الآخر ولكننا نري فى هذا التنوع الذي يخرزن بعض السلبيات يحمل الكثير من الإيجابيات فمعني أنك بدأت تفكر يعني أنك تتحرك فى الاتجاه السليم حتى ولو انحرفت أثناء الطريق هنا أو هنا لأن الفكر عندما يتحرك لا بد له أن إلى النتائج الحاسمة وإلى الخط المستقيم 0
... إذا اتفقنا أن لكل حركة إسلامية فى العالم العربي خصائصها وسماتها الخاصة بها 000 فهل يمكن أن نتحدث عن خصائص الحركة الإسلامية فى لبنان ؟
... إن قيمة الحركة الإسلامية فى لبنان تأتي من معايشتها لتجارب مختلفة فهي حركة لم يستغرقها أسلوب واحد أو أفق واحد بل هى حركة إسلامية تتحرك فى خط العنف عندما يفرض عليها الآخرون العنف كما أنها لا تزال تتحرك فى خط المقاومة الإسلامية ضد الصهيونية وضد الاستكبار العالمي الذي يفرض عليها عنفه عندما يفرض احتلاله ويفرض وحشيته وهجميته وفى الوقت ذاته واقعية تأخذ بالأسلوب الواقعي السياسي فتشارك فى العمل السياسي حيث أنها دخلت إلى المجلس النيابي بالرغم من أن كونها قد لا تعترف بشرعيته من ناحية الخط الفكري لكنها تجد فيه ساحة للتحرك الإسلامي على مستوي الأعلام وعلى مستوي تصحيح بعض المواقع القانونية وعلى مستوي التعارف مع الفئات الأخري كما أنها حركة منفتحة على كل الساحة السياسية والساحة الدينية فى لبنان وفى اعتقادي أن الحركة الإسلامية فى لبنان تمثل نوعا متقدما منفتحا واقعيا للمحرك الإسلامي فى العالم 0(1/120)
... أشرتم إلى مسألة الديموقراطية والتعددية الجزبية فكيف تفهمون الديموقراطية من موقعكم الإسلام ؟
... الديموقراطية مفهوم غربي لذلك لا نستطيع أن نفرضه على الإسلام بمفهومه الفكري الذي يتخلص فى أن الشعب هو مصدر السلطات وأن الشعب هو مصدر شريعة القانون كما هو مصدر شرعية الحكم ونحن عندما نلتقي مع هذا المفهوم من هذا الخط الفكري فإننا لا نستطيع إلا أن نناقشه لأن الإسلام فى الجانب الشرعي المتعلق بالله والرسول ليس منطلقا من رأي الأكثرية فى شريعته يل هو يمثل الشرع الحاسم حتى ول رفضته الأغلبية وكان هناك إجماع عالمي ضده ولكن يمكن أن نلتقي مع الديموقراطية فى بعض الأساليب التى تتصل بالحكم وبالحكام 0
... ونحن نعتقد أن التجربة الإسلامية فى إيران هى تجربة رائدة فى اعتماد رأي الأكثرية الشعبية فى كل القضايا العامة فالإمام الخميني - رضوان الله عليه – الذي رأي ولاية الفقيه العامة لم يتخذ من هذه الولاية عنوانا للحكم بشكل استبدادي باعتبار أنه يملك الشرعية بل أفسح المجال وأراد للفقيه أن يرجع إلى الشعب فى كل القضايا العامة كي ينطلق رأي الفقيه فى خط رأي الشعب العام فالفقيه يسشير الشعب ويؤخذ برأي الأغلبية فيه ولهذا كانت الشورى أساسا للشرعية الواقعية للدستور وإن كان انطلاقه من مصادر الشريعة ومن اجتهاد المجتهدين وهكذا كانت هى الشورى هى أساس اختيار رئيس الجمهورية واختيار الوزراء الذى لا بد أن يرجع إلى مجلس الشورى ليوافق عليه وكذلك فالإسلام ليس غريبا عن الأسلوب الديموقراطي وغن كان بعيدا عن الخليفة الفكرية للديموقراطية وعلى ضوء هذا نلتقي ونفهم التعددية الحزبية فهذه المسألة لا بد أن تخضع للمصلحة العامة لأن قضية الحريات هة قضية تتصل بالمصلحة العامة 0 ...(1/121)
... إن الدولة الإسلامية تمنح الحريات الثقافية والفكرية وقد منح الحريات السياسية بما لا يهدد القاعدة التى ترتكز عليها هذه الدولة وهى الالتزام الأيديولوجي فيها فالمسألة منحركة تتبع عناصر المصلحة العامة فى جميع من هذه الحالات 0
... هل يفهم من هذا أنه لا فرق بين نظام الحزب الواحد وبين الدولة الإسلامية ؟
... هذا ليس صحيحا لأنه من الممكن أن تتعدد الأحزاب فى داخل الإطار اإسلامي وربما تلتقي فى بعض الحالات مع أحزاب غير إسلامية تقرض المصلحة الإسلامية السمح لها من دون أن تكون مضادة للإسلام فى الجانب الفكري 0
... إذا انطلقنا إلى مساحة أوسع فى ظل الوضع الدولي الجديد 000 كيف ترون العلاقة مع الغرب ؟
... نحن لسنا ضد الغرب بمعني الناس يعيشون هنا (( الغرب / العلم )) أو الثقافة أو التكنولوجيا قد نختلف مع بضعنا فى هذه الأمور أو كما يختلف الغرب مع بعضه إن طبيعة التنوع الفكري بيننا وبين الغب يقرض اخلافا أو بيننا وبينهم ولكن هذا الاحتلاف بفرض الحوار ولا يفرض العداء 0
... مشكلتنا ليست مع الغرب والإنسان وإنما مع الغرب و الإدارة إن مشكلتنا مع الغرب بصفته الاستعمارية الاستكبارية ولا بصفته الإنسانية إننا نعرف أن للغرب مصالح فى بلادنا بما نملك من ثروات ولنا مصالح عند الغرب فيما يملك من الإمكانيات ونحن نؤمنن بتبادل المصالح وتكافؤ المصالح ولكن لا نؤمن أن تسقط مصالحنا تحت تأثير مصالحه وهذه هى المشكلة 0
... عندما ينطلق الغرب ليحرمنا فإننا لا بد أن نحترمه ولكنه إذا لم يحترمنا فمن الصعب أن نشعر بأي احترام تجاهه وإذا أطلق علينا صواريخه وقنابله فلن نقدم للغرب عندها باقه الورد 0
... السؤال الذي يفرض نفسه هل يمكن لتفكير واحد هو الفكر الإسلامي فى حالتنا أن يبني حضارتين متماثلتين مع فارق 1400 سنة ؟ وما هى الحضارة الة يسعي إلي بناءها الفكر الإسلامي المعاصر ؟(1/122)
... لقد استطاع الإسلام أن يبني حضارة واسعة ولكن فى حجم القدرات والإمكانات والأوضاع فى تلك المرحلة ومن الطبيعي أن الإسلام قادر أن يبني حضارته من خلال القدرات والإمكانيات الموجودة فى هذه المرحلة الخط واحد ولكن حركة الخط فى الواقع متنوعة لأن الواقع قد تغير ولذلك فإن طريقة إنشاء الحضارة الآن وحجم هذه الحضارة لا بد أن يختلف عن طريق إنشاء الحضارة فيما سبق ونحن نعرف أن الإسلام منفتح على الحضارات الأخري يأخذ منها ما لا يتنافي مع مفاهيمه وخطوطه لا سيما فى القضايا العلمية وبالتالي فإن بإمكاننا – كما استطعنا فى الماضي أن نأخذ من الآخرين ونصنع كثيرا مما استخدمه الإنسان فى المجالات العلمية والثقافية والعلمية 0
... راتبط العنف بالحركات الإسلامية كما ارتبط بالحركات اليسارية فى الوطن العرب – والسؤال ما هى مسوغات العنف ؟ وكيف تفهمونه ؟ وهل يقع العنف ضمن دائرة الجهاد ؟
... ليس صحيحا أن العنف ولد امتد مع الحركات الإسلامية أو اليسارية بل إن الغرب هو الذي بدأ العنف الغرب هو الذي خاض الحروب الصليبية ضد الشرق الإسلامي والغرب هو الذي استعمر البلاد الإسلامية وهو الذى استعمر بلدان العالم الثالث وسلب ثرواتها ولذلك فإن الحركات اليسارية والإسلامية كانت تتحرك دفاعيا ولكن الغرب الذي يملك إعلاما متقدما فى المواقع الفكرية والسياسية وغيرها حاول أن يسلط الأنظار على العنف الذي هو رد فعل ليقدمه كفعل ولم يحاول – بطبيعة الحال – أن يسلط الضوء على النف الذي بدأه 0(1/123)
... أما بالنسبة للجهاد الذي شرعه الإسلام وهو ليس تشريعا جديدا فى العالم فعندما نقرأ الجهاد فى الإسلام نراه جهادا فى سبيل المستضعفين الذين يقولون ( ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) النساء 75 وجهادا ضد الذين يقاتولونك إن الجهاد فى الإسلام هو جهاد وقائي بعض مواقعه ودفاعي فى المواقع الأخري ولكنه ليس عدوانينا أبدا 00 الإسلام هو دين الرفق الذي ينتهي عندما يفرض الآخرون عليك العنف 0
... سؤال أخير – سماحة السيد – ما هو موقعكم من علمية السلام الجارية مع الكيان الصهيونى ؟ وما هو حكم التعامل مه الصهاينة ؟
... نحن لا نعترف بشريعة إسرائيل ونقول إن اليهود احتلوا فلسطين التى كانت مملوءة بأهلها وشردوهم وأتوا باليهود من سائر أنحاء العالم ليعيشوا فى بيوت الفلسطيينين وأما حديثهم عن كون فلسطين كانت لليهود قبل 3000 عام فهذا حديث لا يمكن أنم يقبله أى فكر وأى منهج حضاري لأن قضية البلدان تتطور وتنوع حسب اختلاف الأوضاع فى العالم وإلا إذا أراد كل شعب أن يرجع إلى البلاد التى كانت فيها أجداده لا ختلف العالم كله لذلك نقول إن وجود إسرائيل ليس شرعيا وبالتالي لا معني للسلام معها يجب على المسلمين مقاطعة إسرائيل وعدم الاعتراف بشريعتها ونحن نقول للمسلمين قلناه لبعض الكرادلة المسيحيين ونحن فبنقاش معهم موقف الفاتيكان من إسرائيل قلنا لو كان السيد المسيح حاضرا فهل سيعترف بـ إسرائيل ونقول للمسلمين الذين يلهثون وراء إسرائيل الآن لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - موجودا هل كان يعترف بوجود إسرائيل على انتفاض الوجود الفلسطيني ؟! وجوابنا على السؤال من جواب المسلمين والمسيحيين على هذين السؤالين 0
محفوظ نحناح
... اتفق على تسمية هذه المرحلة الصحوة الإسلامية برأيك هل ما زلت هذه الصحوة قائمة أم الوضع قد تغير ؟(1/124)
... إن الصحوة الإسلامية كانت ومازالت وستبقي ما دام الإسلام قائما فى بلاد العرب والمسلمين فالصحوة قائمة على الصعيدين الرسمي والشعبي فإذا اجتمعنا كان الخير الكثير وإن اختلفنا وراء شر مسيطر 0
... إذا أردنا إعادة ترتيب أوراق البيت الإسلامي وما هى الأولويات التى تحظي باهتمامكم فى هذه المرحلة ؟
... البيت الإسلامي كافة كان ومازال وسيبقي كذلك البيت الإسلامي كحركات إسلامية بدأ يتضح أمامها كثير من خطوط الطول والعرض للتعامل معها ومن هنا فإن أهم ما أحسب أنه صواب أن تتحرر عقلية الكثير من العاملين فى الحقل الإسلامي من نزعة أنا وحدي وبعدي الطوفان ولا بد من الدخول فى مرحلة مهمة جدا وهى مرحلة التعايش بين الأفكار الإسلامية ورجال الحركات الإسلامية والاستمتاع إلى بعضهم بعضا وليس هذا فقط بل الاستمتاع لآراء الغير أيضا وعندما يتم اللقاء بين أهم قطبين فى العالم العربي والإسلامي أعني القطب القومي والقطب الإسلامي فإن الخير فيهما لا نهاية ونحن نري بأن هناك تيارات إسلامية يجب التعامل معها كما أن التيارات الإسلامية بدأت تعرف قدرها وحجمها فى صراعتها مع التخلف والفقر والجهل والمرض من أن هناك قدرات أخري موجودة يجب التعامل معه ولهذا نحن ندعو إلى بناء الجسور فى العلاقات وليس إلى كسر ونسف هذه الأصول 0
... وهل هناك أولويات تحظي باهتمامكم ؟
... أهم الأولويات هى إفساح المجال أمام الحريات وأمام العمل الديموقراطي وأمام احترام حقوق الإنسان الرأي الثاني إذا استطعنا أن نكرس هذه المعاني فإننا سنختار الزمن فى المستقبل أما إذا بقيت نزعة الإقصاء للغير ومحاولة تدمير الذات عن طريق أنا وبعدي الطوفان فإننا سنكرر المآسي التى كانت ستبقي لا سمح الله بهذا 0
... ونحن نتحدث عن الحوار تتعالي فى الآونة الأخيرة أصوات تنادي بالحوار بين الأديان السماوية ما رأيكم ؟(1/125)
... إذا كان الله خالق الكون قد حاور الملائكة والجن والإنس وحاور الشر وحاور النحل وسليمان وحاورت الملائكة بعضها بعضا فلماذا لا يكون الحوار بين المتخالفين فى الرأي ! هل الحوار يكون مع الذات فقط ! الحوار مع الذات يسمي مونولوج حوار ذاتي أما الحوار مع الآخرين فهو الرغبة فى فهم الآخر والاقتناع برأيه إن كان على صواب أو محاولة إقناعه برأينا هذا الحوار الجاد أما إذا كان الحوار ذاتيا مع النفس فهذا لا يسمي حوارا ولهذا نحن ندعو باستمرار إلى أن يكون الحوار أشمل من أي أن يكون بين المسلم والمسلم وإنما بين المسلم وبين غيره من أصحاب الديانات الأخرى 0
... فى الآونة الأخيرة بدأنا نسمع مصطلحات كثيرة 000 (( الإسلام السياسي )) و(( الإسلام التقليدي )) و(( الفكر الإسلامي المعاصر )) و(( الفكر الإسلامي التقليدي )) 0 ما هو رأيكم فى مفهوم الإسلام السياسي ؟
... لا بد أن نحدد (( الإسلام السياسي )) رغم أن بعضهم يقول : إن هناك إسلاما تقليديا وغن هناك إسلاما تنويريا وإسلاما متشددا وإسلاما متعدلا والحقيقة أن الإسلام تضيق عليه هذه التسميات الإسلام دين الله عز وجل بقيمه العليا : الرحمة التسامح التعايش القدرة على إقناع الآخرين وعدم إقصاء أى طرف فى الوجود واحترام حقوق الإنسان هذه هى العوامل التى يسمي بها الإسلام إسلاما وعليه فإن محاولة استحداث هذه التسميات هى صرف للطاقة الإسلامية كيلا تؤدي دورها فى العمل الإسلامي الذي سيضمن الحريات وحقوق الإنسان ويضمن الاستماع للرأي الثاني والتشبع بأفكار الآخرين وإدراك فى عقول الآخرين فكرا لا يقل جملا ومنطقا وقوة من فكر رجال الحركة الإسلامية 0
... هل ينطبق الكلام نفسه على (( الفكر الإسلامي المعاصر )) ؟ وما هو مفهومك للفكر الإسلامي المعاصر ؟(1/126)
... من كان يعيش فى العصر العباسي كان يسمي فكره بالفكر الإسلامي المعاصر وهكذا فى عهد الفاطميين والذي يعيش فى القرن العشرين يقوم بالعملية نفسها فكلمة المعاصر تنطبق على كل زمان وكل مكان وعليه فالإسلام المعاصر فى رأينا هو الإسلام الذي يعيش عصره وزمانه كما قال عمر بن عبد العزيز
... نحن دعاة للاجتهاد والأخذ بأدوات الاجتهاد بما يناسب العصر وبما يستوعب علوم العصر وطاقة العصر وهذا يتطلب من المسلم المعاصر أن يستوعب هذه الألوان واللغات والتكنولوجيا والمعارف والثقافات حتى يتمكن من إعطاء قاسم مشترك لجميع هذه الشعوب وإلا فما هو السبب الذي يجعل الأمريكان أو الروس أو العجم أو العرب أو الأفارقة يدخلون الإسلام ؟ فالمسألة إذا تتعلق بقدرة الإنسان المسلم المعاصر على أن يستمد من ماضيه يكافئ به عصره ويستوعب به مستقبله0
... هل يمكن القول إن الفكر الإسلامي هو واحد فى مشرق العالم العربي ومغربه ؟
... لكل بلد خصائصه ولكل قطر مميزاته فلا يمكن أن يقال عن المجتمع الجزائري بأنه مثل المجتمع السوري أو المصري لأن عملية الذوبان والالتحاق والإدماج والتبعية التى أصيب بها الجزائريون لم تصل إليها أخرى لا فى سوريا ولا فى أى بلد آخر ومن هنا فالحركة الإسلامية فى الجزائر غير لحركة الإسلامية فى أي بلد آخر 0
... وبالتالي ما هي خصائص ومميزات الحركة الإسلامية فى الجزائر ؟
... هل تقصدون حركتنا أم جميع فصائل الحركة الإسلامية ؟
... الحركة الإسلامية بشكل عام ثم حركة المجتمع الإسلامي ؟(1/127)
... حركة المجتمع الإسلامي هى حركة مبادئ ثلاثة : ( العلم والعمل والعدل ) وتعتمد خصائص ثلاثا (( الواقعية والمرحلية والموضوعية )) وتعتمد أبعادا ثلاثة البعد الإسلامي والبعد الوطني والبعد الديموقراطي وتعتمد مشاركة جميع الفعاليات فى المجتمع الجزائري بما فيه المرأة إذا لا يمكن للمرأة أن تكون بمنأي عن التفاعلات السياسية الوطنية أو الدولية فهى عنصر مشارك فى كل الأحوال بهذا الشكل يمكن أن نعرض أفكارنا على غيرنا فمن قبلها فبها ومن تركها فذاك شأنه ولا نختلف معه ولا ننازعه الأمر فالمسألة إذا بالنسبة للحركة الحزبية الإسلامية السياسية فى الجزائر تستهدف تشييد حسن العلاقات مع نظام الحكم ومع كل من يتناقض معها فى المبتدأ والخبر لأن حركتنا تعتقد أن أية بؤرة توتر بين إسلامي وإسلامي أو بين حاكم أو بين حزبي وحزبي هة توطئة للدخل الأجنبي وهى متكأ الهزيمة الحضارية وهى منبع لأي صراع لا يخدم سوي الهيمنة الأجنبية لهذا نحن نعمل على أن نتقوي بغيرنا من أبناء الوطن الواحد أومن أبناء القومية العربية والإسلامية 0
... هذا بشكل ما يخص حركتكم هل يمكن الكلام عن الحركة الإسلامية بشكل عام فى الجزائر ؟
... من خصائص الشعب الجزائري أنه شعب عربي مسلم ويحمل مذهبا واحدا وهذه خاصة قد لا يكون لها شيبه فى أكثر البلاد العربية الأخرى التى توجد فيها ديانات كثيرة ومذاهب متعددة وطوائف كثيرة فمن هذا الباب يعد مقوما من المقومات الأساسية لأي إقلاع نهوضي وحضاري فى المستقبل لهذا يعمد الغرب المستكبر المعاند على إثارة القلاقل فى بلادنا من أجل تعطيل هذا النمو الحضاري وحتي يحرم أشقاؤنا المشارفة من إي نمو رسالي فى منطقة المغرب الأوسط نحن شاعرون بهذا ونعمل جهدنا لكي يتفهم إخواننا فى بلادنا أي موقف يتردي فيه الجسد العربي وخطورة أي موقف تتخذه الحركة الصهيونية العالمية من اجل تحقيق مشروعها التلمودي من النيل إلى الفرات أو من المحيط إلى الخليج 0(1/128)
... تكلمنا عن موقفكم من الأحزاب والسؤال هل يقبل الإسلام وجود أحزاب علمانية شيوعية أو أحزاب قومية ؟
... ومن قال بغير هذا ؟ من قال أن الإسلام يرفض الغير وأن الحركة الإسلامية ترفض غيرها ؟! هذا القول مردود على أصحابه ودعاته نحن نحترم آراء الآخرين رأينا أن الحركة الإسلامية بقدر ما تدعو إلى تكريس الحريات وحماية حقوق الإنسان والدفاع عن المستضعفين والمظلومين وإحقاق الحق لأصحابه بقدر ما تفرض هذه القضايا على الحركة الإسلامية أن تتعايش مع غيرها وإذا استطاع التاريخ الإسلامي أن يعطينا درسا لكي أستوعب الديانات تحت المظلة الإسلامية فلماذا لا تستوعب الحركة الإسلامية غيرها من النظريات سواء البائدة أو المعرضة لزوال ؟ ومن هنا فأي فكر آخر يتعارض والحركة الإسلامية يمكن أن يوجد فى حيز الواقع السياسي تحت شروط :
1- خدمة الصالح العام للوطن 0
2- عدم التنكر لماضي الأمة وأمجدها 0
3- الانفتاح على بقية الأفكار والآراء المخالفة 0
4- حماية حقوق الإنسان من الزوال 0
ولهذا فنحن نري فى حركتنا أن من واجبتها الأولية وهو الحفاظ على التعددية السياسية فى بلادنا والدعوة لكي تكون التعددية فى بلاد أخري إذا أمكن ذلك 0
... كما أننا ندعو إلى المحافظة على حقوق الإنسان حيثما كان هذا الإنسان وكيفما كان لونه وعرقه ولغته فالتنوع الثقافي فى بلادنا العربية هو تنوع تكامل وليس تنوع تأكل وغيرنا يكرس جهوده من أجل هذا التنوع وسيلة تأكل وليس وسيلة تكامل ولهذا يثار هنا وهناك بعض النزعات الشعوبية لجعل الجسد العربي ممزقا لا يقوي على المواجهة والصعود 0
... ارتبط العنف العربي بالحركات الإسلامية مثلما ارتبط بالحركات اليسارية فى الوطن العربي بشكل عام 00 ما هو موقفكم من العنف وهل يقع العنف ضمن دائرة الجهاد ؟(1/129)
... نحن نرفض العنف وسيلة للوصول إلى السلطة ونرفض العنف وسيلة للبقاء فى السلطة وعلى فكره فإن هذا المبدأ وضعناه فى ندوة الوفاق الوطني الذي حصل فى الجزائر ووقعت عليه الطبقة السياسية العنف مرفوض حتى إن كان بغطاء إسلامي أو بغطاء وطني أو بغطاء ديموقراطي أو بغطاء ديكتاتوري أو بغطاء شيوعي أو بغطاء شمولي العنف وسيلة من وسائل تدمير الذات وعائق من عوائق التنمية الوطنية أو القومية لهذا تري أن الحوار هو الخيار الأوحد والمفضل لتحقيق تنامي الوعي لدي الإنسان المسلم ولتحقيق الخروج من دائرة التقدم والازدهار واحتلال الموقع الأمامي فى صفوف الصراع الحضاري 0
... كيف تفهم الجهاد فى الإسلام ؟
... فرق بين من يدعو إلى جهاد من أجل تحرير أرضه وعرضه كما يفعل الفلسطينيون وكمامن قبلهم الجزائريون لتحرير بلادهم من براثن الاستعمار الفرنسي وكما فعل الليبيون لتحرير بلادهم من الاستعمار الإيطالي وكما فعل المصريون لتحرير بلادهم من هجمة نابليون وكما يفعل الفلسطينيون لا سترداد حقهم المغتصب فرق بين هذا وبين من يدعو إلى ممارسة قتال أبناء الوطن الواحد وأبناء البلد الواحد نحن نري أن البلد الواحد لا بد أن تتعايش فيه بنوه عيشا فى تنوع ثقافي تنوع سياسي تنوع حزبي والبقاء للإصلاح فى هذه الحالة على أن يكون السياسي أو الإسلامي مثل التاجر الماهر الذي يعرض بضاعته على الرأي العام والزبون عليه أن يختار فإذا اختار هذا الأسلوب فله ذلك وإذا اختار أسلوبا آخر فله ذلك بكل حرية وبكل ديمقراطية ومن غير تعسف أو إكراه أو إجبار 0
... أشرت إلى مسألة الاجتهاد ومن الملاحظ مؤخرا أننا لم نعد نسمع عن مجتهدين وكأن باب الاجتهاد قد أقفل فى الإسلام ؟(1/130)
... هذا كلام غير صحيح نحن نري أن المدارس الفقهية العربية والإسلامية استطاعت أن تجتهد فى كثير من المجالات ونجد أن المدرسة الإسلامية بشعبتها وسنتها وبجميع فرقها تقوم بدور الاجتهاد على قدر ما نستطيع حقا نحن نعلم أن الاجتهاد لا يكون إلا ظروف الاستقرار والأمن وظروف الرخاء الاجتهاد فى مواطن الضعف والاستلاب يصبح اجتهادا صعبا لكل الامة الإسلامية إلا تخلو فترة من فتراتها ولا مكان من أقطارها من مجتهدين استمع لهم من استمع وأعرض عنهم من أعرض والأمر الذي ينقص هؤلاء المجتهدين هو عدم وجود منابر خاصة يتحركون من خلالها اجتهدوا فى مواطن الفقه ولم يجتهدوا فى التكنولوجيا لتبليغ أفكارهم وآرائهم من خلالها اجتهدوا فى مواطن الفقه ولم يجتهدوا فى مواطن أشد الحاجة إلى اجتهاد آخر يؤدي فى النهاية إلى تحقيق النفع للأمة بأقرب طريق 0
... أشرتم إلى علاقتنا مع الغرب كيف ترون علاقة الإسلام مع الغرب ؟ وما هو السبيل إلى تحسين هذه العلاقة ؟
... يفترض أن الإنسان المسلم لا يتنكر لأصالته ويفترض أن الإنسان الغربي لا يتنكر لأصالته هذا قاسم وهو عدم التكرر وهو شئ جميل الامر الثاني أن المصالح بين الشمال والجنوب مصالح مشتركة ويفترض أن تفعل هذه المصالح المشتركة لتؤدى دورها الحضاري والأمر الثالث هو ان بعض الغربيين يعملون على إيجاد عدو جديد بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الإمبراطورية الاشتراكية الشيوعية فما وجدوا السبيل إلا بأن يصطنعون صنما لا يعبدونه وإنما صنما يحطمونه وهو الجسد العربي والجسد الإسلامي بإحدي طريقتين إما بالمواجهة وإما باصطناع (( طالبان )) فى كل مكان 0
... ما السبيل إلى تحسين هذه العلاقة ؟(1/131)
... العلاقة لا تتحسن بجرة قلم أو بقرار قومي وإنما تتحسن من خلال الاحتكاك الثقافي المباشر من خلال الندوات واللقاءات والكتابات والقضاء على نفسية الاستعلاء عند هذا وذاك 0بعبارة أخري يجب أن تكون هناك ديمقراطية في التعامل مع الشمال و الجنوب 0 و ألا يكون الكيل بمكيالين، عل هذا من أهم الأوليات في التعامل مع الشرق و الغرب أو بين الشمال و الجنوب ، وقد رأينا أناسا خيرين في بلاد الغرب و في أمريكا يطلبون بضرورة التعامل مع الظاهرة الإسلامية ومع بلاد المسلمين كما وجدنا في بلاد المسلمين من يرغب قي التعامل مع الآخرين و من هنا فالطريق ممهدة إذا لم توضع أمامها جملة من العوائق المتصهينة لا ترضي أن يلتقي أهل الكتاب مع بعضهم بل وتعمل على إثارة القلاقل بين الديانتين خصوصا الإسلامية والمسيحية ولهذا نحن معجبون تماما بالتعاون والتكاتف بين الأشقاء العرب المسلمين فى فلسطين مع أشقائهم ومواطنيهم المسيحين فى نضالهم ضد الحركة الصهيونية 0
... ما هو موقفكم من عملية السلام مع الكيان الصهيوني ؟ وما هو حكم الإسلام فى التعامل مع الصهاينة ؟(1/132)
... السؤال ينقسم إلى قسمين أنتم تعملون أن الحركة الصهيونية أرادت أن تفرض إرادتها على الذات العربية والجسد العربي بطريقة مباشرة عن طريق الهيمنة وعن طريق جر الشريعة الدولية لتأييد هذا المطلب والذات العربية تلفظ هذا وترفضه رفضا كاملا وعليه فإن الموضوع الذي تدعوه السلام ونحن نسميه فى حركتنا الاستسلام لأن هناك فكرة تدور فى فلك الإعلاميين أن السلام سياسة واقعية ومن الواقعية نقبل بما قبلته الشريعة الدولية وبما قبله غيرنا من الأقوياء وفى رأينا أن صياغ الحق من أصحابه لا يزول بالتقادم وإذا عجزنا هذا الجيل عن تحرير أرضه وحماية عرضه لسبب من الأسباب إما بسبب استلاب حضاري أو لهزيمة عسكرية فغن الشعوب ترض هذا وقد أعطانا التاريخ القديم والمعاصر نموزجين فى التناريخ القديم احتلت فلسطين قرابة قرنين من الزمان إلى أن هيأ الله لها صلاح الدين الأيوبي فحررها والجزائر استعمرها الأجنبي وقد وصل الأمر بالاستعمار الفرنسي ليقول عن الجزائر إنها أرض فرنسية الجزائر وفرنسية 00 طمس الهوية قضي على اللغة العربية وضع حدودا بينها وبين أشقائها المشارقة كل هذا حصل لكن فى نهاية المطاف كنا نسمع وإلى الآن :
... ... ... ... شعب الجزائر مسلم ... ... وإلى العروبة ينتسب
... وعليه فإن موضوع السلام وإن فرض نفسه بقوة السنان والقهر فى هذه الأيام فإنه إلى زوال ولا يمكن أن ينسفة إلا من صاغوه ووقعوا عليه لدرجة أننا نسمع عما حصل من بيريز مع بعض البلاد العربية وما حصل فى أوسلو ونحن نسمع الآن من يغدر بتلك العربية رافضة لهذا التيار المتصهين فى المنطقة العربية وإن كان عاجزا عن المقاومة فإن حواليها الألغام وكسرت عنها القيود وعل كل لا اليهود يقبلون بقرارات أوسلو ولا العرب والمسلمون يقبلون باتفاقات أوسلو كما لا يقبلون بالاستسلام والهوان 0
د0 فتحي يكن
... كتابكم الأخير كان حول الصحوة الإسلامية على مشارف القرن الواحد والعشرين والسؤال كيف ترون هذه الصحوة الآن ؟(1/133)
... بصراحة أقول بأن الصحوة الإسلامية فى وضعها الحالي ليست فى مستوي العصر فهي مختلفة معرفيا ومختلفة واقعيا على الأرض كما أنها مختلفة حتى من الناحية التربوية فضلا عن الناحية التنظيمية وحتى على مستوي الأداء فالأداء الإسلامي بقي أداء تقليديا لم يتطور وكذلك الأداء الإسلامي والسياسي والنيابي بقي تقليديا بمعني لم يطرأ الكثير من التطورات على الصحوة الإسلامية والخطاب الإسلامي بقي تقريبا على ما هو عليه منذ الحمسينات والستينيات رغم المتغيرات الكثيرة التى طرأت على العالم وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي 0
... لقد كان حريا بهذه المتغيرات أن تدفع باتجاه تغيير الخطاب الإسلامي تغييرا جذريا فقد أحدث سقوط الفكر الماركسي فراغا كبيرا وقد ملأ الإسلام هذا الفراغ ولكن بشكل عفوي وليس بشكل مدروس ومخطط له لهذا كان اهتمامي مصبا نحو ضرورة إعادة النظر فى الخطاب الإسلامي ليكون فى مستوي العصر إن فى الأداء أو فى الأسلوب أو فى المنهجية 0
... ولا بد من إعادة تكوين العقلية الإسلامية من جديد حتى تكون مؤهلة للمشاركة على الأقل بمواقع القرار العالمي فلو أن الصحوة الإسلامية بكل شرائحها وامتداداتها توافقت فيما بينها وترابطت ضمن إطار مشروع إسلامي عاملي لمكان من الممكن أن تحدث تغيرا فى الواقع العالمي وتخرجه من أحاديثه وتسهم فى اتخاذ القرار 0
... ولكن كيف سيتم هذا الاتفاق على مشروع إسلامي عالمي واحد فى ظل غياب الحوار حتي بين أطراف الخطاب الإسلامي انفسهم ؟ ناهيك عن الحوار مع الآخر ؟(1/134)
... الحوار هو أهم الأولويات بالنسبة للحركات والشرائح الإسلامية وضمن الحوار لا بد من وجود محطات أساسية أهمها : تحديد فهمنا للنهج الإسلامي الذي نتبعه هل هو منهج إصلاحي ؟ أم منهج تغييري ؟ فإذا كان منهجا إصلاحيا فما هى المنهجية المعتمدة فى الإصلاح ؟ وإذا كان منهجيا تغييريا فما المنهجية المتبعة أهى التغيير بالقوة ؟ ام بالانقلاب العسكري ؟ أم بالثورة الشعبية ؟ أو هي الحال بالنسبة لحركتنا أو الحركة الإسلامية فى مصر مثل الجماعة الإسلامية المسلحة التى تري أنه لا بد من إسقاط النظام لتكوين بديلا عنه وكل من الامرين يحتاج إلى الأدلة الشرعية وأقول بصراحة إننا حتى الآن لم نجد دليلا شرعيا قطعيا على أن التغيير الإسلامي يجب أن يتم عن طريق العنف ولو كان هذا الأمر قائما لما بقي
الرسول - صلى الله عليه وسلم - 23 سنة وهو يدعو ويتنقل من مرحلة إلى مرحلة أخري لأن الإسلام يختلف عن بقية الأيديولوجيات الأخرى التى قد تكتفي بأن تصل إلى الحكم وتفرض نظامها عن طريق السلطة إنما الإسلام يريد أن يصل إلى الحكم على قاعدة شعبية مقتنعة بهذا الحكم فليس الحكم غاية فى الإسلام إنما هو وسيلة لتوجيه الناس عبر الجماهير بأن يكون لدينا ممثلون فى المجالس النيابية تطرح مشاريع اقتصادية واجتماعية وتطويرية لخدمة الامة 00 ففي لبنان مثلا طرحنا مشروع مجانية التعليم ومجانية الطبابة ويمكن ان نطرح مشروعا لإعفائنا من القروض الخارجية حيث تبلغ ديون لبنان 15 مليار دولار بمعني يمكن ان تقدم مقترحات نحذر فيها من خطورة الوضع ولكننا لا ندعو إلى اعتماد طريق القوة والعنف فهذا يجهض المشروع الإسلامي 0
... وماذا عن الحوار مع الأطراف الأخرى ؟(1/135)
... هناك قوي يمكن أن تقوم بيننا وبينها قواسم مشتركة كثيرة وهذا ما نصل إليه من خلال الحوار الإسلامي – المسيحي الإسلامي – القومي 00 ومن هذه القواسم : مواجهة الجمركية بين البلدان العربية وهكذا نجد أن هناك قواسم لا حصر لها تجمعنا مع القوميين ومع المسيحيين على اختلاف مذاهبهم ففي قواسم مهمة جدا أهمها الاتفاق على انتماء لبنان العربي ومواجهة المشروع الصهيوني وخاصة موضوع التطبيع وبدأنا نأخذ مواقف موحدة فى العديد من الامور فعندما أخذت الدولة بعض القرارات المتعلقة بالتعليم الديني وحاولت أن تجعله اختياريا كان هناك موقف إسلامي – مسيحي موحد بضرورة أن يكون التعليم الديني إلزاميا كما هو الحال فى سورية مثلا 0
... ضمن الحوار الإسلامي – الإسلامي هناك مسألة المذاهب ؟
... ينبغي أن تنتهي قضية المذهبية فى الدائرة الإسلامية بمعني لا يجوز أن تبقي المذهبية عائقا وفتيل انفجار فى المساحة الإسلامية لأن أعداد الإسلام يغزلون على هذا الوتر نحن نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه لأن هناك فوارق كبيرة فى المعتقدات هذا له فقه وهذا له فقه حتى ضمن الدائرة السنية هناك الشافعي والحنفي والحنبلي فلندع القضايا الخلافية التى تتعلق بالفقه أما القضايا الكبري فلا خلاف عليها وقد حصرنا أكثر من مؤتمر لتقريب المذاهب وتقدمنا بورقة عمل ما نزيد عن صفها وهناك لجان للنظر فى معظم القضايا 0
... وماذا عن الحوار والخطاب مع الغرب ؟(1/136)
... يجب أن نفرق فى خطابنا بين الشعب وبين الحكومات نحن نؤمن بأن الإسلام رسالة للعالمين وبالتالي يجب أن نخاطب الشعوب فالشعوب الغربية نفسها تعاني وقد ظهر فى أمريكا مؤخرا من الكتب التى تكشف عن مدي معاناة الشعب الأمريكي من اللوبي الصهيوني ومن جراء تدخله فى السوق والصناعة بمعني يجب أن تتوجه إلى الشعوب الغربية وطبعا خطابنا إليها يختلف عن خطابنا للشعوب الإسلامية فلا بد أن نقدم لها الإسلام الصحيح وندفعها كي تتبني قضايانا ومشاكلنا فهي لا تعترف عن قضايانا إلا ما يقدمه أعدائنا الصهاينة ولكن عندما تعرفها من خلالنا فلا بد أن يختلف الأمر وأن توجد قواسم مشتركة معها فالإسلام ليس سكينا تذبح ولا قنبلة ولا عنف 0
... وكيف تري العلاقة بين الإسلام والغرب ؟
... هناك الكثير من الأمور التى بدأت تتضح حاليا بالرغم من الحملة الإعلامية المضادة التى ينسها أعداء الإسلام وبدأ الناس فى الغرب يدركون ما يتم ويضعون الامور فى نصابها ضمن خلفية الاستخبارات الأمريكية والموساد الصهيوني وهؤلاء من يقوم أحيانا بتنفيذ الأعمال الإرهابية ويلصقونها بالإسلام ومن هنا وجدنا إقبالا كبيرا على الإسلام فى السويد وفى فرنسا وفى ألمانيا 0 ولماذا لأنهم وجدوا فى الإسلام سبيلا للخروج من الأزمات والمشاكل التى يعاني منها المجتمع الغربي 0
... وكلما استطاع الدعاة أن يقدموا الإسلام بشكله الحضاري وبشكله الصحيح كلما وجدنا تفهما وإقبالا من قبل الشعوب الغربية فلا بد إذا من إعادة النظر فى الخطاب الإسلامي الموجه إلى الغرب بصورة خاصة ولا يجوز أن يكون الخطاب الموجه إلى السعودية هو نفسه الموجه إلى فرنسا مثلا !
... من الملاحظ فى السنوات الأخيرة تكاثر عدد الحركات السياسية الإسلامية ما هي الأسباب برأيكم وهل هى الظاهرة إيجابية أم سلبية ؟
... هذا الإزدياد المطرد فى الحركات الإسلامية له عاملان :(1/137)
... العامل الأول : وجود حركات كانت بعيدة عن مجال العمل السياسي إلا أنها اقتحمت مؤخرا هذا المجال وغرقت فى السياسة ولكن على حساب العديد من الأمور الأخري التربوية والفكرية حتى وصل الأمر ببعض تلك الحركات إلى اعتناق مبدأ (( ميكا فيللي )) الغاية تبرر الوسيلة وهذا خطأ كبير فالغاية الشريفة تحتاج إلى وسيلة شريفة ولا بد من الاعتماد على القيم النبيلة فى الوسيلة وفى الغاية 0
... العامل الثاني : هناك حركات المنابر أخري وجدت أن عملها أن يكون متكاملا وأن يحقق أهدافه إلا من خلال المنابر السياسية مثل البرلمانات والحكومات والبلدية فأضافت إلى برنامجها وإلى وسائلها وسائل جديدة بقيت على توزانها وبقيت على شمولية حملها للدعوة بمعني لم تستهلكها الحياة السياسية أو تغرق فيها وهذا شئ إيجابي 0
... وماذا عن أسباب ازدياد الحركات السياسية الإسلامية ؟
... عندما سقط الاتحاد السوفيتي سقطت بالتالي معظم الحركات اليسارية التى كانت تشغل الحركة السياسية اليومية في الشارع العربي والإسلامي ،وأمام هذا الفراغ وجدت الحركات الإسلامية نفسها مضطرة لإملاء هذا الفراغ أضف إلى ذلك أنة كان ممنوعا عليها في ظل وجود الحركات اليسارية أن تلعب دورا سياسيا فقد كانت مغيبة تماما وبالتال اقتحمت الساحة لإملاء الفراغ وأخذت نصيبها منها 0
ولكن الحركات دخلت المعترك السياسي ،وهي لما تتحضر تحضيرا جيدا ،فكان دخولها انتحاريا ،بعكس من كان قد هيأ نفسه يشكل جيد ،لأن الخطاب السياسي يختلف عن الخطاب الدعوى ،وخطاب المسجد ،فأنت في البرلمان مثلا لابد أن تكون ملما بالقوامين والاقتصاد ولغة المشاريع ((أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم ))لذلك على من يريد أن يدخل معترك السياسة أن يتابع باستمرار كل ما يدور في العالم من قريب أوبعيد 0
... هذا يقودنا إلى مفهومكم عن الإسلام السياسي 00 هل يمكن أن تحدثونا عنة ؟(1/138)
السياسة تغني رعاية شؤون الأمة ،وضمن إطار هذا المصطلح فالسياسة عندنا تعني كل شئ ،لهذا يفترض في الحركات الإسلامية أن ترعى شؤون الأمة العقدية ،والأخلاقية ،والاجتماعية ،والتربوية ،والصحية ،والبيئية ،إلخ 00 حتى خطبة الجمعة يجب آلا تخرج من المفهوم السياسي ،فهي تغنى رعاية شؤون الأمة في يوم الجمعة ،فعلى الخطيب أن يقدم للأمة عرضا للأحداث التى مرت من خلال الأسبوع ،ولموقف الإسلام منها ،وليس في الإسلام حالة الذي انفصام ما بين القضايا الاعتبارية ةالعمل السياسي ،والإسلام يؤخذ ككل ولا يفرق بين الإنسان الذى يعمل في الإطار السياسي والاجتماعية والاقتصادي ويحمل مشروعا نهضويا إسلاميا ،وبين الإنسان الآخر الذى يصلي ويتعبد ،ولكن الإسلام لايكتفي بصلاة وعبادة هذا المسلم ،بل لابد أن يخرج ويشارك في الحياة الاجتماعية والسياسية لتكون عامل بناء في الأمة وفي قول سيدنا عمربن الخطاب رضي اللة عنة خير مثال على هذا عندما رأى إنسانا مكث في المسجد بعدما خرج الناس ،وكان يهمهم بالقرآن ،كما يفعل بعض الناس ،فقال له ((قم لا تمت علينا ديننا أماتك الله )) فالإسلام دين حياة ،وليس دين أموات ،فالسياسة عندما هي رعاية شؤون الأمة في كل جوانبها الحيانية 0
تطرقنا أكثر من مرة للحديث عن البرلمانات ،ودور الإسلام من خلالها ،وقد كتبت في المسالة البرلمالة ،والسؤال :ما هو موقف الإسلام من مسألة الديمقراطية البرلمانية والتعددية الحزبية ؟
في ظل المتمات المتعددة ينبغي على المسلمين أن يتواصلوا مع هذه التعدديات ،وأن يتلاءموا معها ،وباعتقادي أن الإسلام قادر على العطاء أكثر مما يأخذ ،وضمن إطار التعددية لابد من التواصل الحضاري ،والتواصل الفكري ،والتواصل السياسي ،والتواصل المدهبي 0(1/139)
ففي لبنان مثلا نحن نفتش بالفعل عن كل القيم التى جاء بها الدين الإسلامي والدين المسيحي ،ونحاول التركيز عليها في المجتمع اللبناني ،ففي هذا المجتمع ىتعيش 17 طائفة مسيحية وإسلامية ،وقدرنا أن نعيش معا ،وليس قدرنا أن تبقى الحرب الأهلية قائمة بيننا 0
وقد تشكلت لدى الجميع قناعة بأننا ينبغي أن نتعايش ضمن التددية ،بمعنى أن يقبل بعضنا بعضا ،ةلنا في رسول الله صلى الله علية وسلم أسوة ،فقد حضر في الجاهلية حلفا في عبد الله بن جدعان هو حلف الفضول ،وبعد ا
لإسلام قالب صلى الله عليه وسلم عنة :(لقد حضرت قبل الإسلام حلفا ولو دعيت بة في لأجبت ،تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها وألا يغلب ظالم مظلوما )،ومعروف أن حلف الفضول هو أول حلف تنهي مشكلة التدديات 0
هل هذا الموقف تكتيكي بمعنى أنة بمجرد وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة سيخلف كل سئ أم أنة موقف استراتيجي ؟
هناك الآن بالفعل محاولة جادة لإعادة النظر في كثير من القضايا مانت عبر التاريخ محل أخذ ورد ،لنأخذ مثلا موضوع الذمة ،منذ فترة قرأنا للمستشار الكبير سالم البهنساوي كتابا يتحدث فية عن أهل الذمة ،وهذه مسألة أساسية في موضوع التعددية ،لأن المسيحيين يعتبرون أنة مجردة نسميتهم من أهل الذمة فية انتقاص لهم ،وجعلهم من الدرجة الثانية ،يقول البهنساوي بكل صراحة :إن المسيحيين العرب لا يمكن أن يعتبروا من أهل الذمة بل هم مواطنون ،بمعنى لو قامت دولة إسلامية في أي دولة فلا يحق لهها أن تعامل هؤلاء على أنهم من إهل الذمة ،أوتطلب منهم الجزية ،بل هم مواطنون ،ويحق لهم خدمة العلم كبقية الموطنين ،وهذه فتوى مهمة جدا 0كذلك فإن الدكتور يوسف القرضاوي كتب كتاب ((غير المسلمين في المجتمع الإسلامي))تعرض فيه إلى هذا الأمر في الاتجاه نفسه 0
فهناك الآن محاولة جادة لإعادة النظر في القضايا التى كانت في الماضي لا بنظر إليها إلا في جانب واحد0(1/140)
هذا على صعيد التعددية الدينية ،ولكن ماذا عن التعددية السياسية ؟هل يسمح الإسلام فعلا للاحزاب العلمانية والقومية بممارسة نشاطها ؟
إن الإسلام يتدخل فقط عندما تمس قضايا تعتبر جذرية وأساسية ،،مثل لأن يدعى في مجتمع إسلامي إلى عبادة الشيطان ،أوأن تشكل مؤسسات أوجمعيات تدعو إلى عبادة الشيطان ،كما سمعنا مؤخرا ،أوأن يدعى للالحاد ،أومقولة لا إله والحياة مادة كما طرح ماركس وغيره 0 هذه
قضايا أساسية ،ولا بد للمجتمع والإسلام أن يحافظ على الظرة الأساسية للكون والإنسان والحياة 0
أما ما عدا هذه الأمور ففي اعتقادي أنها قضايا اجتهادية تخضع للاجتهاد ،ولا تصدم الدين صدما مباشرا ،وتبقى كلمات الأمور السياسية ((إن أحسنت فأعينوني ،وإن أسأت فيكم فقوموني ،ولا خيرفيكم لم تقولوها ،ولا خير فينا إن نسمعها ))،ساء أكان هذا القول من مسلم أومسيحي ،أي إنسان نختلف أونتفق معه في الرأي ،طالما أنها لا يتصادم مع القضية الكبرى ،القضية العبادة ،(إن الله لا يغفر أن يشرك بة ،ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )(النساء:48)،وبالتالي يمكن لكافة الأفكار ،والاتجاهات أن تأخذ طريقها عبر الجدلية الفكرية أو عبر الحارسة السياسية شريطة أن تتجاوز قضية الإيمان بالله 0
... ... ما هي خصائص الخطاب الإسلامي في لبنان ؟
... يتميز بالانفتاح والواقعية ومحاولة إيجاد مشروع سياسي يتبناه الجميع والابتعاد عن الحساسيات التى تتعلق بالقضايا الخاصة 0
... تطرقتم أكثر من مرة إلى مسألة العنف فى الإسلام وموقف الحركات الإسلامية منه فما هو موقفكم من العنف ؟ ومتى يجواز استخدامه أو اللجوء إليه ؟(1/141)
... أنا أفرق بين عنف وعنف إن استخدام العنف فيما يتعلق بإطار حمل الدعوة ونشرها وتبليغها يعتبر خرجا عن الإسلام وهناك أدلة قرآنية وأحاديث نبوية لا تعد ولا تحصي تحض على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وحتى فيما يتعلق بدعوة سيدنا موسى عليه السلام هناك إشارة قرآنية فى ذلك (( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي ) طه 44 0 وهو فرعون ديكتاتور تلك الفترة فالعنف فى إطار الدعوة لا يجوز بأي حال من الأحوال بل هو مخالف للخطاب القرآني ومخالف لتوجيهات الرسول (ص) 0 ...
... فالعنف الذي يجيره الإسلام هو فى حالة الدفاع عن الوطن ضد العدو أو عند تحرير أرض مغتصبة كما حدث فى عام 1982 عندما قامت إسرائيل بحربها العدوانية واجتياح لبنان فقد شكلنا فى صيدا مقاومة مسلحة وكانت أول مقاومة استطاعت أن ترد جيش الاحتلال الصهيونى إلى الخلف وهذا العنف هو الذي يدخل ضمن دائرة الجهاد والإنسان الذي يقتل هنا وهو الشهيد لكن الذي يقتل فى غير ذلك فاسمح لى أن أضع أمامه إشارة استفهام ؟
... وكيف ننظر إلى إشكالية الصراع ما بين الحركات الإسلامية والسلطة التى أصبحت وكأنها قدر محتم لا مفر منه ؟
... بصراحة لا أري أي مبرر لوجود هذه الإشكاليات الدائمة والصراع المستمر بين الحركات الإسلامية وبين الحكام والذي أصبح كما أشرت وكأنه قدرنا منذ ما نريد عن النصف قرن من الزمن والسؤال الذي يفرض نفسه هل أدي هذا الصراع إلى فوائد ملموسة ؟ وهل حقق أغراضا إسلامية معينة ؟ أم أنه أعاق المشروع الإسلامي وأحبطه وأسقطه وعرقلة 0(1/142)
... أنا أري أنه أعاق المشروع الإسلامي ولم يكن باعث نهضة له ولا باعث قوة ولا باعث اندفاع وإنما كان عامل تأكل فلا تكاد الحركة تتكامل حتى تبدأ إشكالية الصراع مع السلطة فتتأكل وتعود من جديد فنحن ندعو إلى إعادة النظر فى هذه الإشكالية ورؤية هل الأفضل أن أنصح هذا الحاكم وأقول له قولا لينا أى أن أمتثل هذا القول القرآني وأبقي على اتصال معه ؟ وهل هذا أفضل لي ولبلدي ولشعبي ولمشروعي الإسلامي ولمستقبل حركتي ؟
... وأذكر هنا انه ليس محتوما وليس قدرا على الأمة وعلى الحركات الإسلامية أن يبقي فى صراع دائم مع الحكام 0
... ففي لبنان فعلا قد نختلف مع الحكومة فى بعض الأمور وقد نتفق فى أمور أخري ولكننا لا نجيز لأنفسنا ان ندخل فى صراع مع السلطة ونقول بأنه فى اللحظة التى تدخل فيها الحركة الإسلامية فى هذا الصراع تكون قد أنهت نفسها وانتهي دورها لأن هذه فتنه وليس جهادا 0
... من الملاحظات الهامة الأخرى على الحركات الإسلامية ذلك الصراع ما بينها وبين العلماء المسلمين ؟
... هذه نقطة هامة وخطيرة جدا وهى إشكالية من الإشكاليات المطروحة بقوة فقلما نجد انسجاما وتناغما ما بين الحركات الإسلامية وبين شريحة العلماء لأن العلماء كما نعرفهم الدعاة إلى الإسلام فإذا كانت الحركات الإسلامية غير قادرة على أن تتعامل مع العلماء والعلماء غير قادرين على التعامل مع الحركات الإسلامية فأي وحدة إسلامية يمكن أن تنهض وأن يقوم انا أؤمن بضرورة ألا يكون هناك حالة انفصام ما بين الحركة الإسلامية وبين علماء الأمة بل عكس ينبغي أن يتقدم علماء الأمة الساحة الإسلامية وأخوانا الشيعة يتقدم حركتهم الإسلامية دائما العلماء فلماذا نحن فى إطار السنة نقع فى هذه الإشكالية تعثر فى القوي الإسلامية ثم انقسام العلماء وتشتتهم ومن ثم عدم اسنجام ما بين الحركات الإسلامية وما يين العلماء أنفسهم ! ونحن ندعو إلى حالة اندماجية بين الجميع الأطرف فليس هناك من مبرر لهذه الحالة 0(1/143)
... أشرت إلى مسألة الصراع مع الكيان الصهيوني والسؤال ما هو موقفكم من السلام مع العدو الصهيوني ؟
... إن أى مشروع سلام مع الكيان الصهيوني هو مخالف للمفهوم الإسلامي ولموقف الإسلام ولحكم الإسلام لأن اليهود بالأساس امة ملعونة ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل داوود وعيسي بن مريم ) المائدة 78 فهؤلاء تآمروا على الإسلام وعلى الرسول العظيم عبر التاريخ وحتى يومنا هذا والسلام الذي يدعون إليه هو سلام إسرائلي وليس سلاما عربيا وإلا إذا أرادوا السلام فلماذا تعمل المفاعلات النووية حتى أ\الآن ولماذا يحتفظون بـ 300 رأي نووي ولماذا يحتلون أراضينا ويقيمون الأحلاف العسكرية للضغط على الدول التى تقول لا – أعنى سوريا ولبنان – فالحلف العسكري الإسرائيلي – التركي – الامريكي ما هو إلا وسيلة لإرضاخ سورية تحديدا ثم لبنان لإرغامها على التوقيع على معاهدات السلام وهل هذا سلام أم أنه نوع من الاستسلام والإذعان للنظام الدولي وللمشروع الصهيوني 0
... ثم إنهم يحملون استراتيجية الاختراق الصهيوني للواقع العربي والإسلامي بمعني الاختراق الذي يمكن أن يؤدي إلى مسخ الهوية العربية الإسلامية وطبعا العرقلة الاخيرة التى يعتمدها نتينياهو تدلك على استراتيجيتهم ومطامعهم بعد اسقاط مقولة الأرض مقابل السلام وها هو الآن يطرح الاقتصاد مقابل السلام يعني أنه يريد أن يقاضينا على غذاء وطننا حتى يعطينا السلام 0
... ثم هناك قضية التهويد ليس القدس وحدها وإنما كل فلسطين على قاعدة أن فلسطين أرض بلا شعب وأن اليهود شعب لا أرض له والمعادلة تتحقق بإبادة الشعب الفلسطيني كله 0
... هكذا دولة وهكذا مشروع لا يمكن أن يفكر إنسان عاقل بإقامة السلام معها وأنا أقول إن الحكم الشرعي لا يجيز لنا أن نقيم سلاما مع (( إسرائيل )) ولا يجيز لنا أن نقيم علاقات تجارية أو سياسية أو اقتصادية معها 0
د0 أحمد الريسوني(1/144)
... ما هى برأيكم الأولويات التى يجب على الحركات الإسلامية وضعها نصب أعينها وهى تدخل القرن الحادي والعشرين ؟
... ... ... الأولوية الأولي (( مسألة العلمية )) :
... فالحركة الإسلامية فى مختلف الأقطار انطلقت وهى واقعية تحت ضغوط واستفزازات وهى ناظرة إلى مخاطر وانحرافات بدأت تغزو المجتمعات الإسلامية وتسيطر عليها فكان أن قامت وهبت لأجل الدعوة الإسلام وأحكامه وقيمه وعقائده ورد الهجمات الألحادية والهجمات المعادية للإسلام بصفة عامة فكانت بطبيعتها دعوة تعبئة واستنفار ولذلك تركزت جهودها على التبشير والتبليغ والدفاع والتعريف والجدال والرد على الخصوم كما تميزت بالعمل على إعادة التدين الصحيح والفعال إلى صفوف أبناء المجتمعات الإسلامية ولأجل هذه الأسباب نشأت الحركات الإسلامية وهى أقرب ما تكون إلى الأحزاب السياسية والحركات النضالية الكفاحية فلذلك لم تعتن بما أسميته المسألة العلمية ما يكفي من العناية والرعاية والتقدير0 ...
... ولا يخفي أن العلم والتأسيس العلمي هو أصل كل شئ فى الإسلام وهو الضمانة التى يجب أن ترافق كل عمل يحيط به فلهذا أصبح اليوم لازما أن تجعل الحركة الإسلامية العمل العلمي والتكوين والتخطيط العلمي فى مقدمة أولويتها وألا يبقي ذلك متروكا للظروف الإضافية والثانوية أو لمبادرات الأفراد الشخصية 0
... فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بعث معلما والله يقول عنه : ( هو الذي بعث فى الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) الجمعة 2 0 فكل حركة لا تجعل العلم ضمن أسسها وأولوياتها ينبغي النظر إليها على انها حركة غير مضمونة وغير متينة وغير سليمة وغير راشدة 0(1/145)
... الأولوية الثانية : هى الغاية البالغة بإزالة أسباب الفرقة والخصام والصراع بين المسلمين وبين الحركات والهيئات الإسلامية بضفة خاصة ذلك أن الحركات الإسلامية بسبب ظروف النشأة التى أشرت إليها اعتنت بالتجميع والتفكير والتعبئة ونمت فى أعضائها لهذه الأسباب عوامل التكتل والتعصب والتحزب حتى تحولت كثير من الحركات الإسلامية إلى تكتلات حزبية معادية لما سواها وقد انتج هذا صراعات كثيرة استنزفت جهود الحركة الإسلامية وإمكاناتها وأضاعت وأفسدت من فرصها الشئ الكثير ولهذا لا بد من الوعي الآن ونحن نأتي بعد تحارب مريرة من الصراعات عشناها وشاهدناها والآن نستطيع ان ندرك أهمية هذه المسالة وخطورتها والأمثلة ماثلة أمامنا فى عدد من الحركات الإسلامية العربية وغير العربية 0
... لقد اهتمت الحركات الإسلامية فى تنمية التفكير والبناء والتجميع ولم تنتبه إلى أن ذلك يتم بكيفية تنطوي فى الوقت نفسه على عوامل الفرقة والتفريق والتشتيت والتمزيق فلذلك لم يعد من الممكن الاستمرار فى هذا النوع من البناء الوهمي الذي يبني ويهدم بل ربما تفوق الهدم على البناء وهذا كثيرا بسبب معروف هو أن الهدم يسير وسهل وتساعد عليه عوامل وأطراف كثيرة خارجية بينما البناء الحقيقي لا يكاد يجد إلا من يكيد له ويغلق فى وجهه الطريق 0
... وبالتالي لا بد ان قف قليلا وربما وقفنا كثيرا نعالج هذه الآفات قبل الانطلاق فى التعبئة والتجميع ولا بد أن تكون مسألة إعادة الثقة والأخوة وتمتين العلاقات علاقات التفاهم والتواصل ثم علاقات التنسيق والتعاون ثم علاقات التناصر بين مختلف فصائل الحركات الإسلامية هيئات وأفرادا وجمهورا من أولي للحركات الإسلامية وهى على عتاب القرن الحادي والعشرين 0
... فى ظل الوضع الدولي الجديد كيف ترون العلاقة مع الغرب ؟
... يمكن النظر إلى العلاقة مع الغرب من زاوتيين :(1/146)
... من زاوية ما نريد فبتمني وما نراه الوضع الأمثل والأنفع للطرفين والزاوية الثانية وهى ما يقع وما ينتظر أن يقع فعلا لأن ما يقع وما سيقع ليس بإمامينا فجعل هذه العلاقة تسير وفق اتجاه يمسكون بزمام الأمور والذين بيدهم القرارات الفاعلة والمؤثرة وهم أساسا قادة الغرب وبالدرجة الثانية حكام عالمنا العربي والإسلامي وبالدرجة الثالثة الحركات والهيئات الفكرية والسياسية وضمنتها تقع الحركات الإسلامية 0
... إذا دور الحركات الإسلامية فى توجيه العلاقة مع الغرب ليس هو الدور الأول ولا الدور الثاني ومع ذلك فلا بد من أن تكون لنا رؤيتنا لهذه العلاقة وتبني هذه العلاقة اليوم على أمر واقع وهو ان أمر واقع لا خيار لنا فيه وأيضا لا خيار للغرب فيه فلم يعد أبوابنا ونوافذنا حتى نحمي أنفسنا من أفكاره ومفاسده وغزوه وتأثيراته حتى لو كان هذا صحيحا ومجديا فإنه غير ممكن علميا وبالتالي فلا داعي لأن نشتغل به وندرسه ونفكر فيه سلبيا أو إيجابيا نحن جميعا وشعوبا وحكاما أساتذة وطلابا رجالا ونساء فى تشابك وتواصل وترابط مع الغرب شئنا أم أبينا سواء اكان ذلك صالحا أم صالحا وعلينا ان نواصل وترابط مع الواقع ما دام ليس هناك سبيل لتغييره ولا لدفعه ومن البعث أن نحاول الهروب من هذا الواقع إذا يجيب أن نختار السبيل الإيجابي الاكثر ملائمة والأكثر دفاعا عن هذه العلاقات السياسية قائمة بين الغرب باعتباره دولا وبين دولنا ولو أن الدول العربية ليس لها تأثير لكن العلاقات الثقافية والاجتماعية والشعبية والإنسانية هى التى نستطيع أن نتحدث عنها وأن نعتني بها لنرسم ما ينبغي أن يكون 0
... وهل هناك بالمقابل للإسلام على المجتمعات الغربية ؟
... ... إذا كنا جميعا نتحدث عن الهيمنة الغربية والغز الغربي والاختراق الغربي لمجتمعاتنا وأوضاعنا الدينية والثقافية والاجتماعية والسلوكية والإعلامية فنستطيع أن(1/147)
نتحدث عن اختراق حاد للإسلام والمسلمين فى المنظومة الغربية والمجتمعات الغربية 0
... وإذ يحتل الإسلام حضورا فى ديار الغرب كلها ويتزايد عددا وتأثيرا وفكرا فليس هناك الان مجتمع غربي إلا وفيه نسبة ذات شأن من المسلمين تزداد فعاليتها بشكل ملموس وإذا نظرنا إلى وضع المسلمين على سبيل المثال فى الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الماضية سنجد أن الإسلام والمسلمين قد حققوا مكاسب متواصلة متزايدة على الصعيد الرسمي وعلى صعيد المجتمع الأمريكي ويتعلق بالجالية المسلمة المهاجرة من مختلف الجنسيات وأيضا للمسلمين الأمريكيتين من السود أساسا ومن البيض أيضا وأصبح الاعتراف بهم وبدينهم متزايدا شيئا فشئنا وآخر خطوة هى الاحتفال الرسمي بالبيت وأصبح الاعتراف بهم ومن ناحية أخرى فإن أخرى فإن معظم الدول الغربية وأصبح لها هيأتها القانونية وأنشطها وتحركاتها وأصبحت تسهم فى تثبيت هوية المسلمين وتدافع عن حقوقهم ووجودهم بالإضافة إلى هذا هناك الشخصيات الإسلامية بغض النظر عن تخصصها أو مواقعها أو درجات تدينها لها تأثير متزايد على المجتمعات الغربية وهى تمثل نوعا من الاختراق للمنظومة الغربية وللمؤسسات الغربية وياتي أيضا عدد من الصحفيين والإعلاميين الذين هجروا ديارهم اختيارا واضطرارا إلى اختراق مضاد أو علي الأقل اختراق متبادل بيننا وبين الغرب بنا ما يشاء وينشر أفكاره صورة واحدة هى
أن الغرب يهيمن علينا ويؤثر فينا ويفعل بنا ما يشاء وينشر أفكاره وعاداته وعقائده وتصوراته بل من الممكن ان يحدث العكس ولو أن هذا الاختراق المتبادل من الجانب الإسلامي الآن هو غير مكافئي فى الوسائل والإمكانات وفى الوضع السياسي والقانوني ومع ذلك فإنه على الأقل يفتح هذا الباب 0
... كيف يمكن تحسين العلاقة مع الغرب ؟(1/148)
... علينا أن نتمسك على الأقل بباب المساواة والديموقراطية وحقوق الإنسان وأن نتمسك بحق المسلمين فى أن ينالوا كافة حقوقهم السياسية والقانونية وأن يمارسوا كل ننشاطتتهم مثلما تمارس الغرب فى ديارنا وعلى أبنائنا وإذا كان ولا بد ولا مفر من أن يغزونا الغرب شئنا أم أبينا فعلى الأقل نأخذ حقنا بأن نفعل ما نستطيع أيضا تجاهه بكامل الحرية وبكامل المساواة فإذا سارت الأمور على هذا الأساس يمكن أن تتحسن هذه العلاقة ويمكن أن يحقق المسلمون أيضا كثيرا من الإنجازات وأن يتقدموا نحو نوع من التكافؤ لكن إذا أصرت بعض الحكومات الغربية على اعتبار المسلمين خطرا دائما وشيئا منبوذا ومكروها ويجب أن تتعامل معه بالحذر والكيد والتضييق والحصار على نحو ما نجده فى فرنسا لأنها أبرز نموذج فى هذا الاتجاه وإذا ما وقع هذا الأمر ولو بدرجة أقل فإنه سيفسد كل إمكانية لتحسن هذه العلاقة وسيعمق الشعور بالعداء الذي لا مفر منه بين العالم الغربي المسيحي وبين العالم الإسلامي 0
... كيف تفهمون الإسلام السياسي ؟ وهل يختلف بالضرورة عن الإسلام التطبيقي إن صح التعبير ؟
... بداية لا بد من التنويه إلى أن هذه المصطلحات غير دقيقة بل يمكن القول إنها غير سليمة وغير برئية فمصطلح الإسلام السياسي أو جماعات الإسلام السياسي عادة ما يراد بهذه العبارة الإيحاء بأن هناك جماعات توظف الإسلام توظيفا سياسيا أيديولوجيا وتستغل الإسلام لأهداف وما طامح سياسية فإذا أردنا أن نحاسب هذا المصطلح ونحاكمه علمياً علينا أن نتساءل ما إذا كان يتجه إلى النوايا أو إلى التصريحات فإذا تعلق الأمر بالنوايا فيجب إثبات أن هؤلاء الموصفين بجماعات الإسلام ديناً وتعبداً إنما هو مجرد تلاعب واستغلال للإسلام لأغراض غير إسلامية وهذا الاتهام يحتاج إلى دليل يثبته وإلا فهو جدال من حرب الاتهامات والتشويه العدائي لا أقل ولا أكثر .(1/149)
... أما إذا وجدنا من يقول إن الإسلام يصلح أداة إيديولوجية لتعبئة الجماهير وكسبها وإنه وسيلة فعالة للوصول إلى الحكم والمكاسب والمغانم فهؤلاء يمكن أن نعلن عليهم هذا الوصف والحقيقة أن أقرب شىء إلى الإسلام السياسي هو ما تعتمده بعض الأحزاب السياسية القومية أو الوطنية أو العلمانية .. إلخ فهؤلاء يعتبرون الإسلام قوة دفع ثورى وقوة تحريك سياسي فالإسلام بالنسبة إليهم ليس هدفاً وإنما هو وسيلة وأداة لا أكثر !(1/150)
... ونجد كثيراً من حكام العالم الإسلامى والعالم العربى على وجه الخصوص يستعملون الإسلام استعمالاً سياسياً واضحاً على أساس أن هذا الإستعمال السياسي ليست له مصداقية ولا ترجمة علمية فى حياتهم الشخصية أو أفكارهم التطبيقية أو أفعالهم أو برامج حكومتهم ، مثبتين من ذلك أن الإسلام يعتمد شعارا أساسياً كالتضييق على إسلامية الدولة ومن أن تكون الدولة ملتزمة بهذا الإسلام فمعنى هذا أنه إسلام سياسي واستغلال سياسي لهيبة الإسلام ومكانته لدى جمهور الأمة كذلك نجد فى خطاباتهم وصيحاتهم التأكيد على احترام الإسلام وما هو إلا تصريح سياسي معد للاستهلاك . فهؤلاء يصح تماماً وصف عملهم بأنه إسلام سياسي بل الأكثر من ذلك أننا نجد بعض القادة فى الغرب يتعاملون مع الإسلام بهذا النوع من التعامل فيعربون عن احترامهم له والتزامهم به وتعظيمهم له لأسباب كثيرة أهمها الأسباب الإنتخابيه والأمنية و هذا أيضاً إسلام سياسي وليس إسلاما حقيقيا وكذلك إذا وجدنا بعض الشخصيات زعماء ودعاه .. إلخ إذا وجدنا أصحابها أى أصحاب هذه الألقاب والأوصاف يسلكون هذا المسلك أى لا يلتزمون بالإسلام ولا يرون فيه إلا أداة ارتزاق وانتهازية وقضاء مآرب ووصول إلى مناصب دينية أو دنيوية فهؤلاء أيضاً يمكن أن يوصف إسلامهم بأنه إسلام سياسي . أما أن يكون الشخص مؤمناً حقاً بالإسلام ، ويلتزم به فى ليله ونهاره فى سلوكه ومهنته ، ويدعو إليه كاملاً مخلصاً ويجاهد فى سبيله ويبذل لأجله نفسه وماله ووقته فهذا هو المسلم الحق ، وهذا هو الإسلام وكفى .(1/151)
... يتبين من هذا أن الحركات الإسلامية التى تدعوا إلى الإسلام كاملاً وتلتزم به كاملاً ، طبعاً فى حدود الطاقة البشرية وهذه الحركات ليس من العدل ولا من الصواب أو النزاهة وصفها أنها جماعات الإسلام السياسي . إذا صح لنا أن نصنف أناساً يستعملون الإسلام لمصالحهم ولتحقيق أهدافهم ومآربهم السياسية فإننا نستطيع أن نقول إن معظم الحركات الإسلامية تضحى بمصالحها الكثيرة من أجل الإسلام فهى تفعل العكس لأن معظم الحركات الإسلامية والشخصيات الإسلامية كان يمكن أن تصل إلى مآربها السياسية وإلى المناصب السياسية وإلى سدة الحكم لولا أنها نادت بالإسلام .
... فالإسلام عند معظم الحركات الإسلامية أو كلها هو السبب لعدم وصول هؤلاء إلى الحكم ولعدم تقلدهم المناصب العامة فالتزامهم بالإسلام كان على الدوام حائلاً ما بينهم وبين تحقيق المصلحة الشخصية أو العامة بل يتحول ذلك الالتزام بالإسلام إلى مجموعة من المحن والمتاعب والتضحيات الجسام فكيف يوصف هؤلاء بأنهم جماعات الإسلام السياسي ؟
... نعم إذا كان يقصد بالإسلام السياسي الإسلام الذى يهتم بكل ما فى الإسلام من جوانب سياسية ومقتضيات سياسية وبما فيه العمل والتقيد به فى المجال السياسي إلى جانب الإيمان به عقيدة وعبادة وسلوكاً فإذا أطلقت تسميته بهذا المعنى فهي صحيحة .
... وبهذا لا يمكن أن يقابل الإسلام على هذا النحو على أنه متضاد ومتقابل مع الإسلام التطبيقي فالإسلام التطبيقي هو أيضاً يهتم بالسياسية كأحد المعطيات المعاشة كشؤون الدولة والأمة وشؤون الأفراد وهو عبادة وعقائد وسلوك وأخلاق واجتماع وسياسة واقتصاد ومناحي حياة معاشة كاملة .
... ما هو مفهومكم للفكر الإسلامي المعاصر ؟ وما هى أوجه الاختلاف مع الفكر الإسلامي التقليدي ؟(1/152)
... إن هذه المقابلة بين هذين المفهومين غير دقيقة وغير صحيحة فالفكر الإسلامي المعاصر يمكن أن يتقاطع مع الفكر الإسلامي التجديدي ، والفكر الإسلامي القديم له ملامحه الخاصة به ،وله انشغالاته ومعاركه ومزاياه ،وللفكر الإسلامي الحديث أو المعاصر أيضا قضاياه ومعاركه 0إذا كان الفكر الإسلامي القديم قد اشتغل على الصعيد الداخلي بالإشكالات الناجمة عن الفهم البشري للإسلام ولعقائده وتصوراته ،مثل القضايا الكلامية ،والعقائد وشروحها ،والعمق فيها والتفلسف فيها فقد اشتغل على الصعيد الخارجي بالجولات والحوارات مع الأفكار التى احتك بها مع الجماعات التى اعتنقت الإسلام وانتقلت أفكارها إلى المجتمع الإسلامي ،كالفلسفة اليونانية والديانات القديمة الموجودة كاليهودية والنصرانية والزرادشتية والبراهمية 0 هذه كلها ديانات كان لها وجود وحضور وممثلون ،ولها مؤلفا وأفكار رائجة في البلدان التى انتشر فيها الإسلام ،وقد اشتغل الإسلام بهذه القضايا ،وكان لزاما عليه أن يشتغل بها 0
... والفكر الإسلامي المعاصر له قضاياه التى يعيشها اليوم ،كالدعوة والتنظيم وقضايا المرأة والاقتصاد والديمقراطية 0
... فهذا اختلاف بين القديم والحديث من حيث مادة العمل والمعارك ،وهو اختلاف طبيعي ؛يبقى القاسم المشترك للقديم والحديث والمعاصر معا هو المرجعية الإسلامية ،والفضاء الإسلامي الذى يتحرك ويتنفس فيه هذا الفكر 0(1/153)
... ويمكن الحديث عن فكر إسلامي تقليدي ولو كان وعاصرا ،وفكر إسلامي معاصر ولو كان تقليديا ،وهذه هي وسألة التقليد والتجديد في الفكر والعلوم الإسلامية ،فالفكر الإسلامي التجديدي هو الفكر الذى يعتمد البحث والنظر والدليل والحجة ويبدع ويبتكر ويتعامل مع النصوص معاشرة ،كما يتعامل مع واقعة فيفهمه ويستوعبه ويستخرج له الحلول من هدي الإسلام ومقاصده ،دون أن يلتزم بالتقليد أو يتقيد بما أعطاه سابقون من حيث إنهم أغلقوا أبوابهم على علومهم فقط ،واشتغلوا بما أعطاه سابقوهم فقط ،حتى لو كان معاصرا 0 فلدينا اليوم تقليديون معاصرون كثر منكمشون في البحث بين سطور القديم باحثون عما قالة فلان ،ومحققون لما رواه أو كتبه فلان 0
... الفكر الإسلامي المعاصر هل هو واحد في مشرق الوطن العربي ومعربة ؟أم أن لكل منطقة خصائص ومميزات ؟
... الفكر الإسلامى لكى يوصف بهذا الوصف لا بد أن يكون متقيداً بمرجعية الإسلام ومنطلقاً من الإسلام كذلك والإسلام محدد واضح هو كتاب الله تعالى وما صح من السنة فلا بد أن تكون هناك قواسم مشتركة وقواعد ومقالات مشتركة بين هذا الفكر سواء أكان فى قديم الزمان وحديثه أو فى مشرق العالم الإسلامى ومغربه .
... إذاً هناك أمور متماثلة متطابقة لا بد أن تكون وإلا لما وصف هذا الفكر بأنه فكر إسلامى ولكن مع ذلك وكما يختلف الفكر مع الفكر اختلافاً بحسب الزمان واختلاف الظروف يختلف أيضا بحسب اختلاف المكان وظروفه .
... ولهذا يمكن أن نلمس سواء فى الأحقاب الماضية أو الآن بعض الاختلافات والتمايزات من قطر إلى قطر آخر .(1/154)
... إذاً هناك خصوصية مكانية وزمانية دون أن يعني هذا اختلافاً فى الأحكام أو الثوابت بل بحسب طبيعة القضايا والتحديات التى تواجه كل منطقة أو قطر . أما الاختلاف بين منظمة ومنظمة أخرى إسلامية فهذا شبيه بالاختلاف المذهبي واختلاف المنظمات الإسلامية والحركات مرده إلى الاختلاف فى ترتيب الأولويات وفى فهم الواقع وبعض الاجتهادات الفكرية والفقهية وهذا أيضاً موجود والفكر الإسلامي يتسع لهذا إذا كان الخلاف محصوراً فى الفروع والمسائل الاجتهادية .
... ما هى خصائص الحركة الإسلامية فى بلاد المغرب العربي بشكل عام وفى القطر المغربي بشكل خاص ؟
... ميزات الحركة الإسلامية فى المغرب العربي ليست واحدة نظراً لإختلاف الظروف المحيطة بها من بلد إلى آخر وخاصة الظروف السياسية والقانونية فالحركة الإسلامية تتكيف مع الوضع السياسي بنفس النحو الذي يتعامل معها هذا الوضع السياسي ولهذا يصعب الحديث عن خصائص مشنركة لهذه الحكة الإسلامية فى المغرب العربي .
... أما فى المغرب بشكل خاص فإن الحركة الإسلامية تمتاز بقلة ومحدودية تصادمها مع السلطة القائمة وهذا ما يجعلها تعيش إلى حد ما بقدر من الهدوء والاستقرار هذا الهدوء يساعد عادة على الاعتدال ولكنها فى كثير من مقولاتها وشعاراتها وأدبياتها وأفكارها ومصطلحاتها تتأثر وتتغذى من الحركات الإسلامية العالمية كحركة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ وغيرها فهناك تفاعل وتواصل وتأثير وتأثر .
... ما موقفكم من الديمقراطية ومن التعددية الحزبية ؟ وهل يقبل الإسلام بوجود أحزاب علمانية أو قومية أوشيوعية ؟(1/155)
... طبعاً آراء المفكرين الإسلاميين فى مسألة الديمقراطية والتعددية الحزبية مختلفة ومتفاوتة فهناك اتجاه عام واسع عريض يؤكد على أن الديمقراطية هى تجربة بل ركام من التجارب البشرية فى نطم الحكم والتسيير الإداري فهى على هذا الأساس رصيد بشرى أثبت فعاليته وفائدته وإذا نظرنا إليه فى جوهره بغض النظر عن الأسماء والخلفيات نجد أن هذه الديمقراطية ليست شيئا منافيا للإسلام بل أن من حق الإسلام أن يقرر التشاور وتبادل الرأى وحرية الرأى والمساواة بين الناس فى إبداء رأيهم وإن من حق المسلمين أن يختاروا حكامهم ويراقبوهم ويحاسبوهم وهذه أمور تعد من مضامين الديمقراطية وهى مبادئ ومضامين مشتركة أقرها الإسلام ونادى بها قبل أن تشيع فى الناس فكرة الديمقراطية وأنا مع الرأى القائل بعدم تصادم الديمقراطية ومعاداتها ولكن لا بد من تهذيبها وتكييفها والمحافظة على تجاربها وتنظيماتها التى لا توجد عندنا نحن المسلمين لأن هذه الأمور متروكة للتجربة والاجتهاد البشرى .
... أما هل يقبل الإسلام بوجود أحزاب علمانية ؟ فمن الوجهة الإسلامية لا بد لكل حركة وتجمع وحزب من أن بكون مع الصبغة الإسلامية للمجتمع والدولة ، وألا يكون مناهضاً وألا يكون مناضهاً لهذه الصبغة على أساس أننا نتحدث الآن عن مجتمعات إسلامية إذ كل من يطعن بالصبغة الإسلامية المجمع عليها فى البلاد الإسلامية أو يناهضها إنما يعمل على نقض ما أبرمته الأمة ويعمل على تفكك هذه الأمة وعلى تشتيت كيانها وكلمتها وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يقبل وجود أحزاب هذا شأنها . أما إذا كانت هذه الأحزاب تسلم بالإسلام وبالصبغة الإسلامية للمجتمع والدولة وبالمرجعية العليا للإسلام فيمكن لأى حزب أن يكون له وجوده وبرامجه وأن يتنافس فى إصلاح المجتمع وتحقيق مصالحة وأن يكن له الحق فى نقد الآخرين ومناقشتهم وعرض برامجه واجتهاداته .(1/156)
... ففي هذه الجدود نعم لتعدد الأحزاب مهما كانت أسماؤها وبرامجها إذا كانت بحدود ما ينص عليه الإسلام ومسلماته .
... كيف تنظرون إلى ظاهرة العنف فى الإسلام ؟ وهل يقع العنف فى دائرة الجهاد ؟
... قبل أن ننظر إلى العنف من الزاوية الإسلامية النظرية نستطيع أن نسجل أن العنف فى المجتماعت العربية والإسلامية المعاصرة والذى نسب أحياناً إلى الحركات اليسارية ونسب إلى الحركات الإسلامية أخيراً هذا العنف قبل أن نتحدث عن حكمه الفقهي وما شابه علينا أن نتحدث عن أسبابه فى عالمنا العربي الإسلامي وعلينا أن نتوجه أولاً بالتساؤل والمحاسبة واللوم إلى الذين يضعون أسباب هذا العنف . علينا أن نسأل الحكومات التى يقع فى ظلها أو ضدها هذا العنف ما إذا كانت عاجزة عن إيجاد مجتمع تمارس فيه الحريات بلا عنف ؟ ويمارس فيه النقد بلا عنف ؟ وتمارس فيه حقوق المعارضة بلا عنف ؟ أم أنها لا يستطيع أن تفعل هذا ولا تستطيع إلا أن تدفع الناس إلى خيار العنف دفعاً .(1/157)
... من الأمور المسلم بها ومن قوانين التاريخ والحياة ان العنف يولد العنف والتطرف يولد التطرف وإذا كان ولا بد من انتقاد ظاهرة العنف فيجب أن ننتقذ العنف السابق وإذا كنا ندين العنف الفرعي فلا بد من أن ندين قبله العنف الإصلي الذي ولده وأنتجه أما العنف من حيث المبدأ فليس هناك أمة فى تاريخها أو حاضرها تنكر أن هناك حالات يتحتم اللجوء فيها إلى العنف وحق الشعوب فى تحرير نفسها ما هو إلا حق باستعمال العنف وحق الدفاع عن النفس المنصوص عليه فى قوانين الدنيا كافة قديما وحديثا ما هو إلا إقرار بإمكانية اللجوء إلى العنف فى حالات معينة فهناك إذا حالات اضطرارية يلجأ فيها الأفراد أو الجماعات إلى العنف على أساس أن هذا العنف حل لاضطراري لجأ إليه الإنسان بصورة اضطرارية والله تعالي يقول : 0 لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) النساء 148 فالله تعالي لا يرضي من عباده الجهر بالسوء لأنه علينا إذا التمييز بين الحالات التى يكون فيها الإنسان مضطرا ويكون تصرفه مشروعا ومعذورا وبين الحالات التى تكون العنف فيها عشوائيا وعدوانيا أو ابتدائيا 0
... كيف تفهم مسألة التقريب بين المذاهب ؟ وكيف يتم ذلك علميا وعمليا ؟
... يقصد بالتقريب بين المذاهب هو التقريب بين السنة والشيعة وأظن أن هذا أصبح من ضرورات هذا العصر ومن ضرورات المسلمين المستعجلة وإذا كنا اليوم نساق سوقا إلى التقارب مع الغرب والتقارب مع إسرائيل ومع اليهود والتقارب مع أعدائنا القدامي والجدد أفلا نستيقظ من نهب للتقريب بين المسلمين ؟
... فالخلاف بين المذهبين الأكبرين فى العالم الإسلامي ليس بأخطر ولا أبعد شقة من خلافنا مع اليهود والنصاري والعلمانيين وغيرهم واظن أن من ضرورات المسلمين اليوم أن يتقاربوا ويتحاوروا 0(1/158)
... أما كيف يتم ذلك فالكيفيات لا يمكن حصرها ولا يمكن تحديدها فجميع الجبهات والقنوات والوسائل ينبغي أن تتحرك ينبغي أن يتحرك العلماء والمفكرون والصحفيون والإعلاميون وإن أمكن أن يتحرك الحكام والسياسيون وأو أنهم آخر من يتحرك فى هذا الاتجاه 0
... وماذا عن الدعوة المتعالية إلى الحوار بين الأديان ؟
... الله تعالي يقول ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هى أحسن ) العنكبوت 46 فهذه الآية وحدها كافية لتفسح المجال وتفتح الباب للحوار بين الأديان أي بين المسلمين وساهم من ذوي الديانات الأخرى 0 الحوار مع متقنعي الأديان الأخرى يهدف بالنسبة إلينا نحن المسلمين فى أبعد مداه أن يعرف غير المسلمين ما هو الإسلام وأين يروا حقيقته وأن تزول الحواجز بينهم وبين معرفته والدخول فيه 0
... ولكن حتى لو لم يتحقق هذا أو تحقق بشكل جزئي فإن الحوار والجدال له فوائد كثيرة على الأقل تصغير الهوة وإقرار المسلمات المشتركة وإقامة الحجة فهذا الحوار لا يمكن أن يكون إلا خيرا لكن ينبغي أن يكون هناك دعوات غير جادة تستهدف أهدافا غير الحوار الحقيقي حينيئذ ينبغي على المسلمين أن لا يضيعوا أوقاتهم فى مثل هذه الحوارات الملغومة وغير البريئة 0
... كيف تنظرون إلى العلمية السلمية مع الكيان الصهيوني ؟ وما حكم التعامل مع الصهاينة ؟
... لا شك أن العرب والمسلمين عادة بما فى حكامهم إلى عهد قريب يعتبرون أن إسرائيل قامت على اغتصاب أرض فلسطين وعلى تشديد شعبها هكذا كانت تنظر كثير من الشعوب حتى الشعوب غير الإسلامية وإلى عهد قريب فما الذي تغير حتى يعود إلى الاعتراف بإسرائيل والتسليم بحق إسرائيل فالاغتصاب ما زال مستمرا والشعب الفلسطيني نصفه أو أكثر مازال مشردا وكثير منه مشرد حتى داخل فلسطين فى المخيمات وما زالت أراضيه مصادرة وما زالت مقدساته مصادرة ومغتصبة فما الذي حصل ؟(1/159)
... هناك كلام 000 وحديث عن السلام لكن على أرض الواقع ما تحقق أن مجموعة من الفلسطينيين تسلموا تسيير بعض الشؤون المحلية والاجتماعية فأرجوا منها إسرائيل كما أنهم تولوا ضبط بعضهم وقمع المعرضين منهم لهذا المسلسل 00 حتى الآن هذا كل ما تحقق 00 فما الذي يدعونا لتغيير موقفنا من إسرائيل ومن وجودها ومن التعامل معها ؟! إذا كان كا ما حصل أن بعض السياسين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين تعبوا من هذه الحالة ومن هذه الكلفة التى كانت تكلفهم وتجعل على عاتقهم مسؤولية تحرير فلسطين فلما عجزوا بحثوا عن هذا الوضع الذي يسمونه سلاما مع إسرائيل وتطبيعا مع إسرائيل ولكن فئات أخرى وفى مقدمتها الإسلاميون لا زالوا متمسكين بمطالبهم وثوابتهم التى تري أن التعامل مع الصهاينة هو تعامل مع مغتصبين محتلين وغزاة وقتلة للشعب الفلسطيني ويهددون المنطقة بكاملها 0
... إننا كإسلاميين كنا على ما كان عليه حكامنا سابقا ولكن عندما غير حكامنا مساراتهم وأبدوا تعبهم وعجزهم واتجهوا صوب إسرائيل بقي الإسلاميون مخلصين لشعاراتهم ومعتقداتهم وآرائهم بركاب الحكام لأنهم أصحاب عقيدة ورأي ومبدأ ولا يمكنهم أن يغييروا ذلك بالنسبة للعلاقة مع
(( إسرائيل )) والنظرة إليها 00
د 0 فتحي الدريني
... يشهد العالم ومنذ سنوات مد إسلاميا ما هى فى رأيك الأسباب التى أدت إلى هذه الصحوة الإسلامية وما هى بالتالي أسباب الحالة السابقة للمد وإذا اعتبرنا أن الثورة الإسلامية الإيرانية هى أحد هذه الأسباب فما هو موقفك منها وما هو تقييمك ؟(1/160)
... السبب الرئيسي فى الجزر هو مناقض تماما لسبب الرئيسي فى المد 000 هما على طرفي نقيض فإذا كان المد الإسلامي قائما أساسا على تفهم حقائق الإسلام أولا ثم على تطبيقها واقعا فى كيان دولي على النحو الذي رأيناه فى الثورة الإسلامية الإيرانية فقد وجدنا أن الفكر الإنساني ةالفكر السياسي بشكل خاص قد تغير بقيام هذه الثورة عما كان عليه من قبل لا أقول من الناحية السياسية فقط بل من الناحية الثقافية والعلمية أيضا لأنه ثبت أن الكيان الثوري فى إيران قائم على عقائد وعلى مثل عليا ولا قيمة لأي مبدأ أو عقيدة إذا لم تكن صالحة للتطبيق وقد طبقت فعلا فأصبحت وضعا قائما 0(1/161)
... إنى أري أن الإسلام إنما تظهر صلاحيته وفى كون قواعده ومثله العليا مجرد فلسفة ولكن الخاصة القوية فى مبادئ الإسلام هى إمكانية تطبيقها فعلا لتترك أثرا واضحا فى المجتمع الذي قامت فيه هذه الدولة فإذا كانت المبادئ التى قامت عليها الثورة الإيرانية قد تركت أثرها واضحا فى الشعب الإيراني بوجه خاص فمن المحتمل جدا ان يكون لها الأثر ذاته فى الشعوب الأخرى الشعوب التى تحاول أن تتجه نحو تقدير الإسلام وتطبيق مبادئه ومن هنا التفت العالم إلى الثورة الإسلامية فى إيران التفاتا قويا لأنها قضت على نظام حكم هو أقرب إلى الطاغوت وأريد أن أوكد على ناحية هنا فمن الثابت انه مهما كان الزعيم قويا ومخلصا فإنه لن يستطيع أن يغير مجتمعا ما إلا إذا كان المجتمع نفسه مهيأ لهذا التغيير فالذي أراه أن الثورة الإيرانية إنما نجحت لأن شعبها المسلم كان مهيأ لتغيير ولكن جهود الإمام الخميني لا يستطيع أحد إنكارها فقد كان له الفضل الكبير فى إيقاظ الوعي وإيقاذ نار مشاعره المشبوهة وفى توجيه الشعب الإيراني إلى مصالحه الحقيقة ووضعه السياسي الصحيح إذن استطاع الإمام الخميني أن يغيره لأن هذا الشعب كان مستعدا أو بعبارة اخري كان مسلما حقا وقد قال تعالي ( إن الله لا يغير ما بقوم يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد 11 والخطاب كما تري عام وليس موجها إلى زعيم إنما هو موجه وقد كان تأثيره فى الشعوب والأمم واضحا لأنه نجح أولا فى بيئة معينه من العالم على نحو ظاهر يترك أثر فى الفكر العالمي 0(1/162)
... هذا فى اعتقادي سبب أو عامل رئيسي من عوامل المد الإسلامي لكن الجزر الإسلامي الذي كان قائما قبل الثورة الإسلامية أعتقد أن أسبابه الضعف السياسي القائم فى بعض الدول العربية والإسلامية لأنها كانت خاضعة للاستعمار زمنا طويلا ولا شك آثار الاستعمار لا تمحي فى يوم وليلة فكان الاستعمار سببا رئيسيا من أسباب الجزر لأنه حال دون اكتمال الوعي فإذا كان من اهم أسباب المد أولا هو انقشاع غمة الاستعمار ثم ارتقاء المستوي الفكري والسياسي والعلمي فى البلاد العربية والإسلامية فقد كان للثورة الإسلامية الإيرانية فى هذا المجال دور كبير 0
... من الملاحظ أن هناك ضجة مفتعلة بين السنة والشيعة من برأيك وراء هذه القلاقل أو الفتن بين المسليمن وما هو موقفك من المسألة التقريب بين المذاهب ؟
... هذا أمر ليس بجديد على البلاد الإسلامية بشكل خاص بل هو موضوع عاهدناه اعني التفرقة الطائفية والمذهبية فى الداخل وهى لا تقتل خطورة عن التفرقة العنصرية على الصعيد الدولي وهو امر كانت تتولاه الدول الاستعمارية فمن المعلوم أن الاستعمار البريطاني من أهم مبادئه سياسية فرق تسد وأسباب التفريق التى كانوا يتخذونها ضد الإسلام هى الطافية والمذهبية ولكن لو رجعنا إلى الإسلام نجد أن هذه التفرقة من مواقف الإثم الكبرى يعني أنها من الكبائر إذا اتخذها المسلمون وسيلة لكي يحطموا أنفسهم بأنفسهم ويقتلوا بعضهم بعضا 0
... ولكن لنسأل انفسنا من أين أتت المذاهب ؟ وما سبب نشوئها ؟(1/163)
... الإسلام فى الواقع هو الذي أنتج هذه المذاهب ! لماذا ؟ 00 بالتاكيد لم يكن ذلك متعصبا أو ارتجالا ولا اعتباطا إنما كان قائما على أسس علمية وقواعد أصولية وقد انتهينا فى بحوثنا من معاجلة أسباب نشوء هذه المذاهب إلى ان الله تعالي قد قصد أن تنشأ هذه المذاهب وأول دليل على ذلك أن القرآن الكريم نفسه لم يأت مفصلا فى أحكامه وإنما جاء على نحو كلي ولا شك أن المنهج الكلي للقرآن الكريم فى تقريره للأحكام كان سببا هاما من أسباب اختلاف الفقهاء فإذا لو أراد الله تعالي أن يفصل 00 لفصل ولكنه لم يفعل لحكمة بالغة هى انه لا يريد للقرآن الكريم أن يقيد الأجيال المقبلة بأحكام قد لا تحقق مصلجتها فى الأزمان المتطورة 0
... هذا شئ آخر فى صدر نشأة المذاهب وفى أسبابها الحقيقة هى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفسر القرآن كله بل هو المعروف والثابت أن الكثير من آيات القرآن الكريم لم يفسرها الرسول هل نقول إنه قصر ؟ لا لأن الله تعالي قد أمره ببيان القرآن حين قال فى كتابه العزيز ( وأنزلنا إليك لتبين للناس ما نزل إليهم ) النحل 44 فبين الرسول بعض آيات القرآن الكريم توقيفا وأعني بالتوقيف طريق الوحي لكنه لم يبين القسم الآخر لأنه لم يؤمر من قبله تعالي بالبيان ولو أمر لصدع بما أمر به إذا لا يتصور أن يخالف الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما أمر به(1/164)
... فإذا ثبت أن الله تعالي أراد أن يترك قسما كبيرا من القرآن الكريم لا جتهاد المجتهدين ومن طبيعة الاجتهاد الاختلاف فى الرأي فإذا نشأت المذاهب نتيجة لهذه العوامل ويقصج من الله عز وجل و؟أيضا لا ننسي أن هناك اجتهادا فى تطبيق هذه الأحكام على الوقائع الموجودة فى كل بيئة ومعلوم أن البيئات الإسلامية تحف بها ظروف مختلفة وباختلاف الظروف الحكم هذا هو ما نسيمه أصوليا بتحقيق المناط إذا اختلاف الفقهاء أيضا كما يكون فى الاستنباط يكون فى التطبيق بل إن التطبيق هو المهم لأنه هو الذي تجنبي منه الثمرة الموجودة ممن التشريع فلذلك حصل خلاف بين التطبيق هو المهم تطبيق المبادئ على المسائل التى تختلف ظروفها من بئية إلى أخرى 0(1/165)
... وعلى هذا فإن الموقف المعادي من قبل بعض المذاهب الإسلامية الأخرى هو جهل بحقائق الإسلام وارتكاب لأكبر المآثم ولأن الله تعالي يدعو إلى هذه الوحدة بقوله : ( واعتصموا بحبل جميعا ولا تفرقوا ) آل عمران 103 إذا يجب أن تنشأ هناك مذاهب ولا بد أن تنشأ إلى يوم القيامة وإن ذلك من طبيعة نصوص القرآن الكريم فى تقريره للأحكام أضف إلى ذلك ان القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين ولا بد من تفسيره على أساس من المنطق اللغوي- وهو الأصل – ولا شك فى أن اللغة العربية فيها خصائص وأساليب فى البيان مختلفة هى التى حملت كثيرا من المجتهدين على الاختلاف فى تفسير نصوص القرآن الكريم من الناحية اللغوية لأن الغة لا تعطي دائما المعني القطعي بل قد تعطي المعني الظني لأن هناك احتمالات كثيرة فى تفسير النص اللغوي ولا سيما والدفاع عن النفس وإلا أنه يجب ان تتوحد هذه المذاهب من حيث السياسة والدفاع عن لنفس وإلا لو اتخذ التعصب أساس لعلاقتهم فإنه لا يكسب ولا يستفيد من هذا العدو من الاستعمار والصهيونية ونحن بأمس الحاجة إلى الاعتصام ك بحبل الله جميعا ليمكننا أن نقف فى مجابهة العدو الصهيوني ومقاتلته وما دمنا نرجه إلى الحالة التى كان عليها الاستعمار قد خلقتها فينا عن طريق التفريق بين المذاهب فإن فى ذلك تفتيا للقوي ولن يفلح المسلمون إذا ما عادي بعضهم بعضا وأخذوا يتعصبون ويتوسلون بالطائفية والمذهبية 0
... هل هناك توافق بين أصول السياسة فى الإسلام وقواعد الفلسفة السياسية الوضعية ؟ أثمة تباين بينهما؟ وما منشأ هذا الاتفاق أو الافتراق إن وجد ؟(1/166)
... فى الواقع إن المقارنة العلمية بين أصول السياسة فى الإسلام وبين قواعد السياسة الوضعية تبين أن بينهما تباينا شائعا لا يمكنفى نظري أن يلتقيا ذلك لأن السياسة الوضعية اتخذت قواعدها من تصورات الفكر السياسي فى العالم الغربي ومن أقدمهم ميكافيلي فالتصورات التى جمعها كتاب الأمير لميكافيلي هى التى مهابط وحي بالنسبة للفلسفة السياسية الوضعية فى عصرنا الحاضر ومن العلوم أن قواعد السياسية الميكافلية رغم أنهم تبرؤون منها لكنهم فى الواقع يعملون بها إن هذا الأخلاقي لا تمت إلى الإسلام بصلة إن الإسلام أقام تشريعه السياسي من جهة أخري فلذلك تجد أن القواعد الأخلاقية فى الإسلام التى انتظمتما أمر الله تعالي الشامل للأمر بالتشريع تجدهما أمرا واحدا فهذه القواعد تتبع من منبع واحد هو أصل التشريع وأصل الأخلاق وأصل السياسة وهو العقيدة الإسلامية أما الفكر الغربي فلا تجد له مثل هذا المنطلق فلا عقيدة فى التشريع السياسي الغربي وإنما يمكن القول إنها نوع من الإيديولوجيات غير المؤنسة والسبب فى هذا أن ميكيافيلي قد رأي أن الواقع السياسي فى الفكر الغربي أوفى السياسة الغربية منفصل تماما عن المثل العليا وباعتبار أن الدين مثل عليا وباعتبار أنه قيم من الفضائل الخلقية ومن القواعد الإنسانية مثل الحرية والعدل والمطلق والمساواة والرحمة والإيثار كل هذه المثل العليا لا دخل لها فى السياسة فى تصوره ولكنها عندنا من صميم السياسة ومن هنا نسنتنج أن الفلسفة السياسية الغربية لا تمت إلى فلسفتنا السياسية بصلة بل هى على النقيض تماما ومن هنا إذا كانت فلسفتنا السياسية قائمة على القواعد الخلقية لا تنفصل عنها فهي التى ينبغي أن تسود العالم 0
... ما هى خصوصية تتسم بها فلسفة السياسة الوضعية فى نظر فلاسفتها أو أرادو هذه السياسة فى العصر الحديث فلماذا جرد هؤلاء من الفلاسفة السياسة الوضعية من القيم الإنسانية ؟(1/167)
... هذا سؤال جيد لأن لكل سياسة خصائص ومبادئ وإن أهم خصائص السياسة الوضعية ومبادئها فيما رأيت وعلى ما أشار إليه كثير من فلاسفة السياسة فى العصر الحديث هو (( السياسة )) هذه هى الخصيصة الأولى فى الفكر السياسي الغربي ما معني هذا ؟ معناه أنه ينبغي أن تنفذ أساليبنا السياسية ولو كانت لا تمت إلى تعاليم الدين بصلة لقد جردوا السياسة من الدين ومن الفضائل لأنها بنظرهم من طبيعة خاصة لا تتفق مع طبيعة الدين والفضائل ومن هنا وقعنا فى أزمة عالمية ولا سيما العلاقات الدولية فالعلاقات الدولية أساساها المصلحة والمنفعة المادية الخاصة بل الأنانية فالجميع هنا لا يحاولون أن يجعلوا من الفضائل ميزانا لهذه المصالح وإنما يريدون أن يستحوذوا على أكبر قدر من ثروات الشعوب المستضعفة لمصالحهم الخاصة أو لمصلحة شعب على حساب الشعوب الأخرى ولو ظلما وعدوانا وبغيا فى حين إن الإسلام حارب هذه النزعة ولذلك كان خالدا لأنه يري أن الإنسان يميل إلى الاستحواذ على ما يرضي أنانيته ولكن الإسلام جاء فنهي عن ذلك لأنه اعتبر هذا من باب الهوى والهوى أنواع منه : هوى استكبار والاستعلاء فى الأرض ومنه هوى العنصرية والتفوق العنصري ومنه هوى حب السيطرة على الناس وكل أنواع الهوى محرمة فى الإسلام قطعا إذ ينبغي فى نظر الإسلام أن تكون السياسة قائمة على قواعد موضوعية إنسانية عالمية وهذه الصفات الثلاث لا نجدها إطلاقا فى السياسة الوضعية للأسف 0
... لو رحنا نحلل ظواهر السياة الاستعمارية منذ أواخر القرن الماضي حتى يومنا هذا مما نجده فى السياسة الأمبريالية أو سياسة الهيمنة الدولية والاستكبار فى الأرض 00 ماذا عسانا نجد مؤدي هذا البحث والتحليل الموضوعي ؟ وهل يمكن أن يؤدي هذا التحليل إلى تبين بواعث وغايات مستهدفة لهذه السياسة فى هذا القرن ؟ أو أواخر هذا القرن ؟(1/168)
... الواقع أننا عندما نحلل ظواهر السياسة الوضعية منذ أواخر القرن الماضي وحتى منتصف هذا القرن أو اواخر ذلك يؤدي إلى تبين القواعد التى تقوم عليها هذه السياسة والأغراض التى تدفعها إلى تحصيلها أو تحقيقها فما المقصود إذن أو ما المتوخي من هذه السياسة التى يتبعها رواد الفكر السياسي او السياسيون فى هذا العالم ؟ يمكن أن أقول إن البواعث إما أن تكون إنسانية أو أن تكون غير إنسانية فإن كان الباعث يؤدي إلى ما يحقق لنا المصلحة الإنسانية العليا عن طريق تعاون الدول الكبرى فى سبيل تحقيقها فذلك غرض إنساني والباعث عليه إنساني نبيلا وحينئذ توزن قيمة السياسة بقيمة باعثها أو قيمة الغرض منها فالغرض هو الذي يقيم السياسة خيرا أو شرا إما إذا وجدنا بعد التحليل أن الغايات التى تتوخذها السياسة الدولية هى غايات شخصية أو ذاتية سواء أكانت لشخصية الدولة أو لشخصية كل دولة على حدة أو لأغراضتتصل بحب السيطرة على العالم وهذا غرض غير إنساني فى نظر الإسلام لأن الإسلام يري أن الناس ليسوا مخلوقين للدول الكبرى ولا ينبغي أن تهيمن دولة قوية دولة ضعيفة لمجرد أنها أكثر منها قوة أو أكثر ثروة او أكثر علما لأن العلم ينبغي أن يوضع فى خدمة المجتمع الإنساني كله فإذا ما كانت القوة غرضا إنسانيا وإنما هى وسيلة لحماية الحق والعدل فى العالم كله فإذا ما كانت القوة فى خدمة المثل العليا فمعني ذلك أن المثل العليا فوق القوة فى حين أن السياسة الوضعية تجعل القوة فوق المثل العليا قيتناقضا لذلك قلت فى بدء الحديث : إنه لا يمكن التوفيق بين مبادئ السياسة الوضعية وبين الأصول التى قامت عليها الفلسفة السياسية الإسلامية 0
... ما هى النتائج العلمية فى الواقع السياسي الدولي أو العربي التى ترتبت على اتخاذ مبدأ (( السياسة أولا ؟ ومبدأ العدل الدولي هو مصلحة الأقوى ؟(1/169)
... مبدأ السياسة أولا بالمفهوم الذي قدمنا من أنه ينبغي الوصول إلى الأغراض التى يتوخاها السياسيون بأية وسيلة كانت بمعني أن الغاية تبرر الوسيلة بينما نحن نقول : المثل العليا أولا ثم ندعو إلى إصلاح ذات البين فى حين أنهم يدعون إلى سياسة فرق تسد أى تفريق ذات البين إن القرآن الكريم يدعو أولي الأمر إلى أن يصلحوا فى الأرض وإلا يكونوا من المفسدين بينما السياسة الوضعية تدعو إلى الإفساد فى الأرض لكي يصل الساسة إلى المراكز العليا التى يتبؤونها على حساب المثل العليا والأخلاق والدين وعليه فالإسلام يري أن الدين وفضائله العليا هو لمصلحة الإنسانية والأخلاق والدين وعليه فالإسلام يري أن الدين وفضائله العليا هو لمصلحة الإنسانية كافة لا لمصلحة شعب على شعب وهم يريدون أن يكون لمصلتحهم لا لغيرهم فتنافيا 0
... الإسلام لا يريد أن يفرق بين الشعوب ومن اجل هذا حارب العنصرية محاربة لا هواة فيها وسمي هذه المحاربة الجهاد فى سبيل الله لماذا ؟ لأن العنصرية على العكس من المثل العليا يسميها القرآن الكريم كلمة الله ( وجعل كلمة الذين كفروا السفلي وكلمة الله هى العليا ) البقرة 40 والجهاد فى سبيل الله هو الجهاد فى سبيل المثل العليا بينما يقاتل الآخرون فى سبيل الشيطان وفى سبيل الحصول على المنافع المادية وفى سبيل إهدار القيم ونحن نحارب من أجل القيم ونضحي بالمنافع المادية والثروات وما إليها ما عند الله باق لا ينفد إذا فقد أدي مبدأ السياسة أولا إلى مقاصد الإسلام وإلى محاربة المسلمين وأكبر دليل على هذا الصهيونية فالصهيونية عنصرية آثمة معتدية متسلبة لحق العرب والمسلمين فى ديارهم وأكبر والحكم الشرعي بالنسبة إلى إسرائيل هو إزالتها من الوجود وتخليص ما أسبلته من حقوق العرب والفلسطيني وهذا أمر لا ينكره أحد من المنصفين 0(1/170)
... تكلمتم عن فلسفة العلاقة التى أحكمها الإسلام بين قواعد تشريعه السياسي وبين فطرة التكوين الإنساني فهل لكم إيضاح تلك النقطة ؟
... من أبرز ما يمتاز به الإسلام هو انه أنشأ علاقة وثقي بين فطرة التكوين الإنساني وبين مبادئ التشريع الإسلامي وهذا أمر لو أمعنا النظر فى سببه لما كان هناك عجب ذلك لأن الشرع من الله الفطرة من خلق الله فلا نجد هناك تنافسا بين التشريع والفطرة لأن مصدرهما واحد وهذا ما أشار إليه القرآن لكريم فى قوله تعالي مخاطبا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) الروم 30 ومعني هذه الآية أنك لو أمنعت النظر فى قواعد التشريع لرأيتها هى الفطرة نفسا فإذا كانت هذه هى الفطرة فينبغي على أولي الفطرة هذه أن يأخذوا بالتشريع الذي يناسب فطرتهم ومن غير المعقول أن يفرض تشريع على الناس يناقض ما فطروا عليه لأنه لا يدوم لذلك تري الإسلام يربط المبادئ التشريعية وآثارها بالملكات النفسية بالفطرة الإنسانية لماذا ؟ من أجل تمهين الملكات العليا على الغرائز الدنيا لأن الدنيا : كما نعلم – فيه الملكات العليا كالعقل والضمير هذه الملكات لم تكن هذه الملكات العليا من القوة بحيث تستطيع السيطرة على الملكات والغرائز الدنيا كانت النتيجة أن الغرائز هى التى تسوده وهو ما سماه القرآن الكريم من الهوى والهوى معنى عام يشمل كل ما لا يتفق مع الملكات العليا لا الدنيا ألا تري فى الحديث الشريف قوله - صلى الله عليه وسلم - ( من هاجر إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن هاجر إلى امرأة يريد أن ينكحها أو إلى مال يصيبه فهجرته إلى ما هاجر إليه ) إذا لو أمعنا النظر فى الحديث الشريف لرأينا أن الهجرة كانت عملا سياسيا فى المقام الأول لأن الهجرة من مكة إلى المدينة فى عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لإقامة دولة أقول : نشتف من هذا أن كل عمل سياسي ينبغي أن يكون(1/171)
وراء باعث إنساني يتفق مع مقاصد التشريع فالهجرة إلى الله ورسوله هجرة إلى المثل العليا والقيم والهجرة إلى امرأة أو إلى مال هو لنفع مادي وهو ما نري عليه السياسة الدولية الآن لأنها لا تسعي مطلقا إلى جعل المثل العليا بل تجعلها الدنيا لذلك افترقا فإذا أحكم الإسلام العلاقة بين مقومات الفطرة بحيث تتنافس معها بل تتعشقها ألا تري ان الإنسان يتعشق العدل ويحترم العادل ويكره الظلم ويمقت الظالم هذا بالفطرة فإذا كان هذا مستقرا فى الفطرة الإنسانية فهو مستقر فى الشرع فثبت أن الشرع والفطرة صنوان لا يفترقان ولا ينفكان وهو الذي فرطت به السياسة الغربية ولم تحرص عليه وحرص الإسلام على أن يربط السعي السياسي أو النشاط السياسي بجميع أوجهه بالفطرة وملكاتها العليا لأنهما متفقان ولأنهما صنوان وعلى ذلك فإن السياسة التى تسعي إلى الفصل بينهما وإلى ترسيخ مبدأ السياسة أولا منافية تماما للعلاقة التى أحكمها الإسلام بين تشريعه السياسي وبين مقومات الفطرة للتكوين الإنساني 0
... ما هو موقف الإسلام من القوة فى مجال العقيدة ؟ وفى مجال الحياة ؟ وفى حالة السلم أو فى حالة الحرب ؟ فى واقع الفرد أو فى واقع المجتمع ؟
... القوة فى نظر الإسلام سند الحق وليست مقصودة لذاتها ذلك لأن كون الإسلام مثاليا وواقعيا يري أن الحق قد ينبغي عليه وقدر يتسلب من صاحبه إذا لا بد له من قوة تحميه فمع التسليم بأن الحق يشمل على عناصر إقناعية وانه عدل وأن صاحبه ينبغي ان يؤتي جقه لأن مبدأ إعطاء كل ذي حق حقه مبدأ عادل عقلا وشرعا ولكن المبدأ ليس محترما من قبل جميع الدول فيما يظهر ولا من جميع الأفراد كذلك وإلا لما وجدت الحروب 0
... ألا تري معني أن السياسة الاسعمارية قائمة أساسا على أن الحق للقوة يعني أن كل ما يقوله هو حق ولو كان ظلما فى ذاته ولكن الإسلام لم يعط للقوة وزنا إذا كانت هذه القوة طاغية غاشمة 0(1/172)
... يرشدنا إلى هذا قوله تعالي : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم بالقسط وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ) الحديد 25 لقد ربط الإسلام بين القوة وبين البينات والبينات هنا دلائل الإقناع من الحق والعدل والحرية والمساواة والكرامة 0
... فإذا كانت القوة خادمة لهذه المثل فنعما هى !! أما إذا انقلبت القوة إلى هدم هذه المثل وليطغي بعض الناس على بعض فإن هذه القوة يجب أن تقاوم بقوة مثلها وأعظم منها ومن هنا جاء وجوب إعداد القوة شرعا بقوله تعالي ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) الأنفال 60 0
... ونقف هنا عند هذه الآية الكريمة لنبين أن الإسلام عندما سح فى الأرض وانتشر استخدم القوة لإزالة العقبات التى تعترض سبيله لا من أجل الاستعمار ولا من أجل إرغام الناس على اعتناقه ولا من أجل استلاب خيرات تلك البلاد كما فعل الاستعمار والدليل على هذا قائم أما بالنسبة إلى العدوان فإن الله تعالي قد حرمه أصلا ( ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) البقرة 190 0
... وفيما يتعلق بالخيرات والمنافع فإن الجهاد قد وصف دائما إنه الهاد فى سبيل الله وليس فى سبيل المغانم فال - صلى الله عليه وسلم - : ( من هاجر إلى الله ورسوله فهجرته إلى ما هاجر إليه ) وهذا يقطع بأن الإسلا قد ارتفع عن المشتبهات المادية والغنائم بل إن القرآن الكريم كان صريحا فى هذا قوله تعالي : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة ) النساء 94 0 إذا لم يكن المقصود من الجهاد أصلا الاستيلاء على الغنائم وإنما المقصود الأساسي هو نشر كلمة الحق فى الأرض والإصلاح فى العالم وهذا هو دور المسلم وقد قاكت أكثر من مرة إن الإسلام يستهدف من تشريعه الإصلاح الذاتي للإنسان ليتمكن من إصلاح الآخرين 0(1/173)
... وقد جعل الله تعالي الدفاع عن المستضعفين فى الأرض من أجل إزاحة كابوس الظلم عنهم كالجهاد فى سبيل الله ( وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان ) النساء 75 ومن هنا نري أن القرآن الكريم ى يتخذ من القوة وسيلة لاستعمار البلاد ولا يظلم الناس وإنما القوة لحماية الإنسانية الفاضلة والدفاع عن مبادئها وقيمها حتى يتمتع بالعدل المسلم وغير المسلم على السواء 0
... ما هو نوع القوة التى يؤمن بها الإسلام ؟
... يعتبر الإسلام أن هناك قوة مادية وقوة معنوية ولذلك نري العديد من الآيات الكريمة تحاول أن تقوي الروح المعنوية لدي المسليمن ويجمع الإسلام فى القوة بين المادة والمعني ثن إن العلم نفسه قوة فعندما يقول تعالي ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) الأنفال 60 وقصد هنا التعميم أى مهما كان نوع القوة سواء أكانت مادية أم معنوية فالإسلام لم يترك مجالا من المجالات التى يقوي بها المسلمون أنفسهم ماديا او معنويا إلا وامر بإعدادها والإعداد هنا ليس معناه الشراء من الاجانب بل ينبغي أن نضع نحن السلاح بأيدينا حتى لا يتحكم البائع – كأننا من كان – فى مصيرنا ثم إن الإعداد ينبغي ألا يكون كيفما اتفق بل ولا بد أن يكون (( سلاحا مرهبا )) لأن ما كان يرهب العدو فى الماضي لا يرهبه اليوم 0
... ولهذا فإن هذه الآية الكريمة تعتبر آية فى البلاغة لأنها قد صيغت صياغة خاصة تكفل ديمومتها لأن الله تعالي إذا وضع كلمة ترهبون فمعنى ذلك أنه يجب أن يطور السلاح فى كل عصر بحسبه وإذا كان عند العدو سلاح فتالك رهيب أو قنبلة ذرية فينبغي أن يكون لدينا مثل هذا السلام وأمضي منه فتكا إذا على المسلمين أن يعدوا العدة وأن يطوروا أسلحتهم حت يرهبوا عدوهم وإلا فإنهم يعتبرون متخلفين عن الامتثال لأمر الله تعالي وكانوا عرضة للكوارث والمحن وهذه سنة إلهية 0(1/174)
... هل يستطيع الإسلام اليوم أن ترتفع إلى مصادفة القوى الكبرى ؟ وهل يسمح الإطار الدولي المعاصر باستقبال الإسلام كقوة سياسية ؟
... إن الارتقاء إلى المستويات العليا لا يكون عفويا ولا بد من أن نستند إلى أسباب وعوامل تتجه جريا على سنة الأسباب والمسببات وارتباطها ولا بد لكل ثمرة حسنة أو غير حسنة من سبب يوجدها لأن قانون الصدفة غير موجود 0000 فارتقاء الإسلام اعني المسليمن فى دولهم للمستويات العليا لن يتم إلا إذا اتخذوا الأسباب التى من شأنها أن تفضي بهم إلى ذلك وقد أشرنا فى شرحنا للقوة فى معانيها المادية والمعنوية إنما ترمي إلى أمرين الأول : إلى الحماية والدفاع عن المثل العليا والقيم لإقامة الحياة الإنسانية المثلي ولإزالة العقبات التى تعترض سبيل ذلك وأشرنا إلى أنه لا بد من القوة المعنوية لكي يكون للمسليمن نيه ذاتية تحقق وجودهم الدولي من ذلك العلم بجميع أنواعه وفروعه 0
... ولا بد من ان يساير المسلمون الركب الحضاري فى تطوره ومطلوب منهم ذلك لأن العلم فى نظر القرآن الكريم ميزان للتفاضل بين الأمم حتى إذا استحوذت الدولة الإسلامية على ناصية العلم وعلى ناصية القوة امكنها حينئذ أن تفرض وجودها على المجتمع الدولي كما تفرض الدول الكبرى اليوم وجودها على المجتمع الدولي وتتحكم فيه ولكن الفرق أن الإسلام إذا استكمل الأسباب التى تؤهله إلى الارتقاء فإنه يعدل ولا يجوز ويساوي ولا يمايز وينصف ولا يتحكم ويسلك سبيل النزاهة ولا يعرف المحاباة 0(1/175)
... أما بالنسبة للشطر الثاني من السؤال نقول : إن الإسلام إذا ما توقع وانزوري فإن لم ينتظر حتى يسمح الإطار الدولي العاصر بإستقباله فكما قلنا إنه إذا امتلك ناصية العلم والقوة باتخاذ أسبابهما سوف يفؤض نفسه فرضا ومن ثم يكون قوة سياسية تحقق التوازن بين القوى السياسية المتصارعة فلا يميل نحو الشرق ولا يتجه نحو الغرب وإنما تصبح له ذاتية كاملة معينة قد يكون لها تأثير كبير بفضل خصائص الذاتية على الدول الكبرى ذات اليمين وذات اليسار وحينئذ يصبح الإسلام هو القوة السياسية الوحيدة التى تعشقها الحياة الإنسانية الفاضلة فى العالم كله ؟!
... أشرتم إلى مسألة الصهاينة – تري ما هو موقف الإسلام من (( إسرائيل )) ؟ وماذا تمثل لنا كمسليمن ؟
... إن إسرائيل فى حكم الإسلام يجب إزالتها من الوجود لماذا ؟ لأن الإسلام لا يبيح للصهاينة أو لغيرهم أن يحتلوا أى جزء من ديار المسلمين وإذا ما احتل العدو أى جزء أصبح الجهاد فرضا عينيا على سائر المسليمن رجالا ونساء وعلى المحاذين لإسرائيل بوجه خاص أن يجاهدوا أولا ثم يستعينوا بالمسليمن الذين ينأون عن حدودها هذا الشيئ فإذا من المتفق عليه أن موقفنا تجاه إسرائيل الآن هو نصب الحرب والقتال والجهاد 0 إن إسرائيل دولة مغتصبة لحق المسلمين فى أراضيهم وهذا الاغتصاب خلق علاقات جديدة هى علاقات العداء بيننا وبينهم وهذه لن تزول إلا بزوال سببها وهو العدوان وإلا ستبقي العلاقة بيننا وبين إسرائيل بحكم الشرع علاقة عدائية ولن تنقلب إلى صلح إطلاقا لأن سبب الجهاد لا يزال قائما0(1/176)
... صم إن إسرائيل تعنى بالنسبة إلى الإسلام العدو الأول ولا سيما بعد أن تكتشف نواياها ففيما يتعلق بالقدس مثلا والذي من ساحته المشرفة عرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء فأصبح هذا المسجد يمثل الشخصية المعنوية للمسلمين فكلمة (( مسجد )) فى الإسلام لا تطلق إلى على مكان العباد الخاص بالمسلمين وقد أطلق الله تعالي عليه باسم المسجد حتى يكون للمسلمين أبد الدهر إذا حينما نعلم يقينا أن هذه البلاد فى أرضها ومساجدها ويحاربها وأنهارها وسمائها كل هذا ملك المسلمين فإن المسلمين لا يستطيعون أن يتهاونوا فى أمر بلادهم لن الحق فى بلادهم هو حق لله ويجب على المسلمين أن يدافعوا عن حق الله فى أرضه ولا يمكنهم أن يتساهلوا أو يتهاونوافى هذا الحق بل يجب أن يصونوه ويدافعوا عنه ومن هنا فرض الجهاد 0
د 0 محمد عويضة
... هل يمكن أن نتعرف على حزب جبهة العمل الإسلامية فى الأردن ؟
... تأسس حزب جبهة العمل السياسي عام 1992 وهو العام الذي تشكلت فيه أو بعده جميع الأحزاب السياسية فى الأردن لأن السماح بالعمل السياسي للأحزاب فى الأردن ثم فى هذا العام بعد توقف وحظر استمر منذ الستينيات ويعمل الجزب فى المجال السياسي من منظور إسلامي وهو مفتوح لكل من يرغب بالعمل تحت هذه اللافتة ويعتبر الحزب من الشخصيات المستقلة والجمهور الأكبر من أعضائه هم جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن 0
... وأين موقع الحزب فى الخارطة السياسية والحزبية فى الأردن ؟
... الخارطة السياسية والحزبية فى الأردن فى موزعة على 23 حزبا سياسيا ينتمون إلى مختلف الاتجاهات ويأتي الإسلاميون فى المقدمة ممثلين بحزب جبهة العمل الإسلامي ومن ثم تأتي الأحزاب القومية وتليها الأحزاب اليسارية 0
... يري بعضهم أن الحركة الإسلامية فى الأردن قد خسرت بعض جماهيرها فى الآونة الأخيرة ؟(1/177)
... هذا الكلام لا أساس له من الصحة والواقع يدحضه فمنذ أن دخلنا فى معترك العمل السياسي عام 1989 بشكل واضح فى البرلمان وبشكل حزبي سياسي عام 1992 لم تجر انتخابات فى الأردن على جميع الأصعدة البرلمانية 0 البلديات – النقابات – الطلاب ) إلا وكان الإسلاميون هم الرقم الأول فيها 0 ...
... ولكن هذا الكلام تردده بعض الصحف ضمن حملاتها المشبوهة لتشوه صورة العمل الإسلامي ولدحر الإسلاميين عن هذا الميدان الهام ولكوننا نقود عشرة أحزاب للمعارضة ولا نشك أن هذا يزعج بعض الأجهزة وبعض السلطات وبالتالي هناك محاولات عدية لتشويه صورتنا ولتعطيل هذه المسيرة 0
... كيف تقيم انضواء جبهة العمل الإسلامي فى صفوف المعارضة ؟
... عن حزب جبهة العمل الإسلامي هو الذي تحالف الأردنية فالمفهوم الوطنية والمشكلات التى تعاني منها والصعوبات التى نتعرض لها أكبر من أي حزب من الأحزاب وعلى الرغم من أننا أكبر حزب سياسي فى الأردن ولنا اكبر شعبية إلا أننا نشعر أن هناك قضايا أكبر من حجمنا وهذه القضايا تمثل القواسم المشتركة بين العديد من الأحزاب ومن هنا كانت مبادرتنا للاتقاء مع أحزاب أخري فى تكتل المعارضة للعمل سويا على هذه القواسم المشتركة 0
... ما الذي تريده المعارضة الأردنية بالتحديد وما هو برنامجاها السياسي ؟
... يتحدد برنامجنا فى ثلاث قضايا :
... القضية الأولى : مقارعة التطبيع والحمد لله لم تضع المعارضة السلمية ومواجهة التطبيع وقد حققت أحزاب المعارضة على هذا الصعيد نجاحات كبيرة إعلاميا وسياسيا وجماهيريا ولا يزال التطبيع مقتصرا على الصعيد الرسمي فقط أما علي الصعيد الجماهيري فهناك رفض تام لأي اتصال مع العدو الصهيوني ولا يزال نظام الفصل النقابي لكل من يطبع العلاقات مع الصهاينة قائما وفاعلا وهناك تجاوزات محددة فى مجال الصحافة بدعم من الجهات الرسمية 0(1/178)
... القضية الثانية : والتى تلقي عليها أحزاب المعارضة الضوء هى الحريات العامة وهناك نشاط واسع على هذا الصعيد يترجم بالضغط المتزايد على الحكومات المتعاقبة باتجاه التاكيد على الحريات العامة والإفراج عن المعتقلين ومنع علميات الإعتقال إلى حد كبير 0
... القضية الثالث : تبني الهموم الوطنية العامة وقضايا المواطنين بشكل عام فما من قضية وطنية مرت بالساحة الأردنية أو بالساحة العربية والإسلامية إلا وتبنها أحزاب المعرضة وكان لها منها موقف واضح0
... ما هى الأولويات التى تحظي باهتمامكم على صعيد العمل الإسلامي ؟
... مسألة الوعى من أهم الأولويات التى تشغل بالنا فأنت تجد فى العمل الإسلامي أ فى الحركات الإسلامية اهتماما بأمور ضغيرة وثانوية تشغل بال الشباب والناشئة وليش هناك الوعي الكافي للتوجه نحو القضايا الأكبر والاهم فالمفروض على العاملين فى الحقل الإسلامي أن يولوا قضية الوعي اهتماما زائدا بحيث يقدم الأهم على المهم فى مسألة الأولويات 0
... الأمر الآخر لا بد من توحيد الجهود نحو فكرة الوحدة سواء على صعيد العمل الإسلامي أو الوحدة على صعيد الوطن العربي كمقدمة للوحدة على مستوي العالم الإسلامي وخاصة أن هناك بشائر فى المنطقة تبشر بحضور الخطر الطاغي الذي يهدد الجميع وهو الكيان الصهيوني ثم لابد من العمل الطويل والجهاد المريد لتأكيد الحرية والشوري والديمقراطية فى الساحات العربية والساحات الإسلامية فعلي العاملين بالإسلام كما علي غيرهم بذل جهود كبيرة جدا لتساهم الشعوب فى صناعة القرار فى البلاد العربية الإسلامية وفى تحمل المسؤولية ولا يجوز أنيبقي الصراع مستمرا بين الشعوب والحكومات لأن جهود الحكومات منصبة للنيل من شعوبها ومعظم جهود الشعوب موجهة ضد حكوماتها وقد آن الأوان أن نصل إلى صيغة التعددية السياسية والشورى والحوار والديموقراطية بحيث يكون للمواطنين دورهم فى اتخاذ القرار وفى تحمل المسؤولية 0(1/179)
... قلت إن الدعوة للتقريب بين المذاهب تكرس حالة التفريق هل يمكن إيضاح ذلك ؟
... هذا صحيح لأننا لا بد أن ننطلق أساس كمسلمين كفكر إسلامي وكعقيدة إسلامية وكأمة إسلامية بعيدا عن قضية المذاهب فالمذاهب هى اجتهادات ظهرت على الطريق لعلماء أفاضل اجتهدوا فى مسائل فقهية تعرض لها المسلمون فى زمانهم 0
... وقد نحتاج إلى اليوم إلى غير هذه الاتجاهات فإنا أعتبر من الخطأ بمكان أن نقف عند المذهبية سواء المذهبية الفقهية او المذهبية السياسية أو المذهبية العقدية بأي شكل من الأشكال ولا بد أن ننطلق ونتكلم بالجوامع المشتركة نحن امة واحدة شعارنا التوحيد هتافنا لا إله إلا الله محمد رسول الله كتابنا واحد وسنة نبيا (ص) إلى حد بعيد جدا الصحيح فيها قد يكون فيه بعض الاجتهادات لكنه واحد ومحفوظ لنبحث عن القواسم المشتركة التى نتحرك من خلالها كأمة إسلامية لها رسالة واحدة وعقيدة واحدة ولا نشغل انفسنا بماذا صدر عن هذا المذهب أو ذاك فإذا بدأنا ننظر إلى هذا بصفته شافعيا والآخر حنبليا أو صوفيا أو سفليا فهذه النظرة بحد ذاتها تجزئ كذلك النظر إلى قضية السنة والشيعة ولاسيما فى هذه المرحلة وإلا فلم الآن بالتحديد نحن مع الطرح الإسلامي كرسالة وكمبدأ وكأمة بعيدا عن الاجتهادات الفقهية 0ماذا عن الحوار بين الأديان(1/180)
الحوار مع بقية الأديان له جانب إيجابي وجانب سلبي ،وللآسف مازلنا حتى الآن في جانبه السلبي ، حيث تطرحه منظمات دولية لها علاقة بالماسونية العالمية أوبالصهيونية ،وهي محاولة للضغط على المسلمين كي يتنازلوا عن إسلامهم أو عن مبادئهم لصالح الفكر الآخر ،وبالرغم من كثرة هذه الحوارات في الأونة الأخيرة إلا أننا لم نجد في الساحة الواقعية أي أثر لهذا الحوار 0 فالمسلم بطبيعته متسامح ،وقد عاش اليهود والمسيحيون في العالم الإسلامي قرونا طويلة جدا دون اضطهاد ،بل إن جمتع المؤرخين اليهود والنصارى يشهدون أن الفترة الوحيدة التى عاشوا فيها بحرية وأمانة كانت الفترة التى عاشوها في ظل الحكم الإسلامي 0
نحن لا مشكل لد ينا ،وإنما العالم الغربي والكيان الصهيوني المتعصب هو الذى يتهمنا بالتعصب وهو الذي يدعي الآن التسامح ،فليتسامح هو وليتنازل عن أي حوار مفيد ،وحتى في التاريخ الإسلامي كانت تجري مثل تلك الحوارات ،ونحن مع الحوار على كل صعيد ،ولكن لانسئ إلى هذا الحوار ولا نضع فية دوائر عالمية لمحافل الماسونية 0
ما سر دفاعك عن ((الإسلام السياسي ))؟
لا أرى في هذا المصطلح أي إشكال 0لأن الإسلام نظام شامل ينظم ويصلح كل شؤون الحياة ،والجانب السياسي من شؤون الحياة ،فعدما نتكلم عن الإسلام نفهم أن هذا الحزب الذي يعمل للاسلام السياسي إنما يتولى جانب من جوانب النشاط الإسلامي العام ،وهو الحقل السياسي ،والسؤال إنما هنا أن كل الناس على اختلاف منطلقاتهم الفكرية والعقيدية يعملون في الميدان السياسي فلماذا لا يعمل المسلم في الحقل السياسي من منظوره الإسلامي ؟
وكيف تنظر إلى تقسيم الفكر الإسلامي إلى تقليدي ومعاصر ؟(1/181)
مثل هذه الألفاظ قد تكون مقبولة إذا صدرت عن أناس موثوقين ومخلصين ،وبالتالي فهم يصفون شيئا كان قديما وكان مألوفا مقابل وضع جديد معاصر يحتاج لنظرة جديدة ،ولنكه غير مقبول من أناس حاقدين يريدون به أن يصفوا الحركة الإسلامية بالجمود والتخلف والرجعية ،لأن العمل السياسي قد تجاوز هذه النظرة منذ زمن بعيد 0
هل يمكن تحديد سمات للفكر الإسلامي المعاصر ؟
هناك فكر إسلامي معاصر ،وهناك فكر إسلامي قديم ،وهناك فكر إسلامي سيطهر في المستقبل وسيكون في حينه معاصرا ،الإسلام الموحى به هو الكتاب والسنة ،وتعامل البشر مع الكتاب والسنة والاحتكام إليهما في الظروف العملية هو ما نسميه بالفكر الإسلامي في أي مجال ،سواء أكان في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو غيره ،وهذه الحقيقة مناسبة للفصل بين الإسلام وبين الفكر الإسلامي 0 فالإسلام وحي مقدس محفوظ مقطوع بصحته ،ولكن الفكر الإسلامي هو نتاج فهمنا ،بمعنى آخر هو فهمنا لموضوع أو لمسألة إسلامية معينة ،وهذا الفهم يتغير ويتطور حسب مستوى الفهم حسب الواقع والمستجدات 0 إذا نحن في هذا العالم المعاصر لنا فكر إسلامي معاصر ،ولا ضير في ذلك 0
على ضوء تجربتكم حول المسألة الديمقراطية في الأردن ،ما هو موقف الإسلام من هذه المسألة ؟(1/182)
الديمقراطية فيها مبدأ وفيها شكل ،فالهدف الأساسي للديمقراطية هو حرية الإنسان ومشاركته والتشاور معه في القرار الشعبي ،إلخ ،وهذه الماني هي معاني إسلامية وإن أخذت هذا العنوان ،طبعا نحن لسنا مع الديمقراطية بمفهومها السلفي كما كانت عند اليونان القدامى ،بمعنى أن المرجعية للقرار الشعبي أي لو قرر الشعب التنازل عن فلسطين سيكون قرارا شرعيا مقبولا بشكل قطعي ،ولو قر الشعب تحليل بعض المرمات لوجب ذلك ليس هذا المقصود بالديمقراطية ولا نقبلها بهذا المعنى ،وإنما الشورى الإسلامية هي التى تدعو إلى المشاركة في القرار 0 المشاركة في الرأي وتحمل ((مسؤولية /حرية ))المواطنين والقرار الجماعي ضمن المرجعية الشرعية ،وهنا الفرق بين مفهوم الديمقراطية ومفهوم الشورى ،في الديمقراطية الغربية المرجعية للشعب ،أما في الشورى الإسلامية فالمرحعية للشرع ،وداخل إطار الشرع يمكن للناس أن يجتهدوا ولا مانع رأي غالبية الناس 0
وماذا عن موقفكم من الديمقراطية كحزب ؟هل هو موقف تكتيكي أم استراتيجي ؟
نحن نتعامل مع الواقع ،ففي الدولة الإسلامية التى ينشأ البناء الإسلامي فيها لبنة ليس هناك مجال لشيوعي أوعلماني ،أولأي شخص آخر ولكننا نعيش الآن في عالم إسلامي مشوه بعيد عن الإسلام في كثير من الأمور ،وقريب من الإسلام في كثير من الأمور ،وبالتالي لا بد التعامل مع الواقع ،وفي ظل هذا الواقع الآخرون موجودون ،ولذلك نحن نتحاور معهم ونتعامل معهم ،والحوار والتنسيق خير من الصراع والتناحر معهم ،وأخير لا يصح إلا الصحيح ،فهو موفق استراتيجي يحكمه الواقع ،ونحن نتحرك باتجاه أننا نريد الحرية في المجتمع حتى نستفيد أيضا من الحرية كما يستفيد الآخرون 0
وماذا عن ارتباط العنف بالحركات الإسلامية ؟وأين موقعة في دائرة الجهاد ؟(1/183)
الفرق بين العنف والجهاد فرق شاسع جدا 0 الجهاد حق مشروع في مل الرسالات السماوية وفي كل القوانبين الأرضية ،حق الشعوب في الدفاع عن نفسها وفي نقاومة المعتدي الظالم لها 0 أما نصطلح العنف في هذه الأيام فقد أطلقه العالم الغريي والصهيونية العالمية على العالم الإسلامي والعاملين في الحقل الإسلامي لنع الإسلاميين والمسلمين من أن يقوموا بدورهم المشروع في مقاومة المحتل الغاصب ،والغرب هو الذي مارس العنف والتطرف والتعصب ، ولكن كما يقول المثل ((رمتني بدائها وانسلت ))،فالعالم الغربي اليوم ضمن حملة تشويه صورة العالم الإسلامي والوقوف في وجه المد الإسلامي يحرص على أن يصف أي تحرك في العالم الإسلامي بالعنف والتطرف ،فالذي يجري في فلسطين أوفي جنوب لبنان هو عنف وتطرف مثلا 0 أما الكيان الصهيوني الذي يجري في فلسطين، وجنوب لبنا والجولان ،وما يقوم به من عمليات تعذيب وقمع للاهالي فليس بعنيف أورهابي ،وكما أشرت في كل الشرائع السماوية وحتى الأرضية ةقوانين الأمم المتحدة تجيز للإنسان أن يقاوم المحتل الغاصب ،لكن اليهود يسمون هذا إرهابا ،ويسمون كل دولة تتعاطف مع هؤلاء بأنها تساعد الإرهاب 0
... كيف تنظر إلى العمليات الجهادية فالإسلام حرم الانتحار فهل تعتبر هذه العمليات انتحارية ؟
... الانتحار الذي حرمه الإسلام هو إذا كان الإنسان المنتحر يريد أن يتخلص من عذاب أو إذا جرح فى الجهاد ويريد أن يتخلص من الجراح هذا الذي يسمي انتحارا وهو محرم كما ذكرت لكن إذا كانت العلمية العسكرية والأسلوب الجهادي يتطلب هذا النوع من العمليات فهذا ليس انتحارا بل ضرب من ضروب الجهاد ولعلماء الإسلام فتاوي عديدة واضحة بهذا المعني 0
... وكيف تنظرون ضمن هذا الإطار مع الغرب ؟(1/184)
... نحن نتبني الحوار وتحسين العلاقة مع الآخرين عكس ما يقال (( رضينا بالبين والبين فينا )) فالعالم الغربي هو الذي يرفض الحوار وهو الذي يتحامل على العالم الإسلامي والغرب هو الذي باع العالم الإسلامي لصالح المشروع الصهيوني اذي يخدم المشاريع الاستراتيجية الاستعمارية للغرب ولذلك فقد أوجدوا هذا الكيان فى قلب الأمة ونحن نتمني اليوم على الحركة السياسية العربية والإسلامية أن تعمل باتجاه شق العالم الغربي بحيث لا يبقي متحالفا ضدنا وضد قضايانا ومصالحنا وإذا أمكن ألا تبقي أمريكا منفردة بقيادة المعسكر الغربي وإبراز الدور الأوروبي بشكل أكبر هذا أفضل وفى جميع الحالات نحن مع الحوار لكن ليس الحوار الذي يجعلنا نتازل عن موقفنا أو قضايانا لأن قضايانا عادلة وكلنا ثقة بأننا قادرون أن نوضح موقفنا وقضايانا العادلة والصحيحة والموثوق بها للآخرين ومن نا فنحن لا نخشي من اللقاء مع الآخر 0
... تطرقت إلى مسألة السلام فما هو موقفكم منها وكيف ترون السلام فى زمن نتياهو ؟
... لا يمكن أن يقوم السلام بين غاصب ظالم معتد وبين ضحية مظلومة مطرودة من أرضها ولهذا كنا نخطئ كل من سار فى درب السلام فنحن نري أن الواقع العربي لا يساعد فى تحصيل أى حقوق فالواقع العربي الراهن ضعيف وهزيل ومفكك وبالتالي سينفرد العدو اليهودي المغتطرس والمدعوم من أمريكا ومن الغرب بشكل عام بالفوز بنتائج عملية السلام وهذا ما حصل فعلا فالذين سارعوا إلى السلام سواء الطرف الفلسطيني أو الطرف الأردني وعدوا الناس بخيرات كثيرة وقد أثرت هذه الدعوة على فئة قليلة من الناس ولكن الشريحة الأكبر فى الأردن كانت لا تزال ضد السلام وبأنه لا سلام مع الظلم والعدوان 0(1/185)
... وقد جاءت الأحداث وحتى قبل نتياهو لتثبيت أن كل ما أطلق من وعود لم يتحقق منه شئ وبدأ المواطنون يتساءلون وأخذ المسلمون فى الأردن يضطرون إلى إطلاق التصريحات لطمأنة الناس إلى ان الخير قادم ولكنه يحتاج إلى بعض الوقت وجاء بعدها نتنياهو وحمل معه سياسته المتعصبة المنتفعة ليؤكد مقولتا أحزاب المعارضة التى تؤدي جميعا أن السلام لا يمكن أن يكون مع الظلم والاغتصاب نحن مع السلام ولكن السلام الذي تعود فيه حقوقنا كاملة وكل فلسطين حقوقنا وكل فلسطيني فى أية بقعة من الأرض له الحق ان يعود إلى أرضه وبيته ووطنه 0
محمد جمال باروت
... بدأت ناقدا للشعر والرواية وانتهيت باحثا فى إشكاليات الواقع العربي من حركة التنوير إلى العلاقة مع الغرب إلى الحركات الإسلامية إلى الحوار الإسلامي العلماني هذا التحول يدفعنا إلى السؤال عن مفهومك للمثقف ودوره وعلاقته بالسلطة السياسية ؟
... أضع نفسي فى فضاء ما يمكن تسميته بالمثقف النقدي الذي بتخطي نمط المثقف التقني لا ينفك المثقف النقدي عن فحص الشروط التى أنتجت المفاهيم ومراجعة هذه المفاهيم وإعادة النظر بها جذريا ونزع السحر الإيدولوجيي او التبشيري عنها أي إعادتها من مألها بصنمي الطوطم إلى وضعيتها الإجرائية فقد فقدت هذه المفاهيم مع تماسكها فى بينات إيديولوجية منعية صلبة صفاتها الإجرائية واكتسبت فضائل أسطورية أو طوطمية يتولى المثقف التبشري أو الرسولي إدعاء حراستها بوصفة قيما عليها وهو ما يفسر ان القطب الكهاني يتحكم إلى حد بعيد بمفهوم المثقف التبشيري أو الرسولي عن نفسه 0
... أخذ هذا المفهوم الأخير نمطين أساسين له هما :
... النمط الإكليركي : الذي يرتبط بتوصيف جوليانباندا للمثقف باندا يسمي المثقفين بالإكليركيين بتعالي المثقف هنا عن الواقع الساد بل وينعزل عنه بهدف إنتاج أفكار تتخطاه ويدافع عن هذه الأفكار حتى وإن كفله ذلك القتل أو الصلب أو الحرق 0(1/186)
... والنمط الانتلجنسوي : وهو الذي يشترك مع النمط الإكليركي الباندي فى رفض الواقع السائد ومحاولة تحويل الواقع مما هو عليه إلى ما يجب أن يكون عليه فى المدونات الأيدولوجية إلا أنه يختلف عنه فى أنه يقوم على انخراط المثقف فى تناقضات مجتمعه الانتلجنسوي ليس بالمعني التقليدي إن الديبلوم الجامعي أو الشهادة الجامعية ليست حدا فى تعريفه بل يتعرف فى ضو وظيفته التغيرية أى فى ضوء رفض الواقع السائد ويمكن اعتبار الأحزاب السائدة الكلوية برمتها الأنتجلسوي وطردا مع إدماج المثقفين فى بينية الدولة الحديثة ومقتضايتها وارتفاع الحديث عن نهاية المثقف أى نهاية المثقف التبشيري أو الرسولي تكون المفهوم الحديث لنمط المثقف التقني الذي يضع معرفته فى خدمة المخططين وأصحاب القرار إنه نموذج المثقف الخبير الذي تحكمه إنتاج الأفكار علاقة الزبون / المعلم وفى إطار هذاالنمط تضيع العلاقة ما بين الزبون والمعلم أن بشكل خاص على السوسيولوجيين الذي فرغوا علم الاجتماع من أهدافه التحريرية للمجتمع وحولوه إلى اداة علمية فى صالح التحكم والسيطرة يبدو المثقف الرسولي إيدولوجيا أو عقائيديا بقدر لمثقف التقني الإيدولوجية والسياسية المضمرة 0
... يتخطي المثقف النقدي كلا من نموذجي المثقف التقني والمثقف التبشيري او الرسولي فهو ليس خبيرا يري فى الثقافة رتبة أو أمتيازا كما أنه ليس رسولا تحكمه المفاهيم النبخوية الرسالية والوصاية على الأفكار وبالتالي عن الجماعات التى يعتقد أنها الحاملة الموضوعية أو التاريخية لتلك الأفكار سواء كانت تلك الجماعات طبقة أو شعبا أو أمة 0(1/187)
... وفى شطرنا العربي المحدد يبدو أن النثقف النقدي يتمني إلى ما يمكن أن نسيمه بنقض إيدولوجيا الحداثة ونزع السحر عن مفاهيمها الصنمية فإزاء هوة التأخر ما بين مجتمعاتنا والغرب دغع الرسولي بأنماطه الإيديولوجية المختلفة المفاهيم إلى صفات مفاهيم الحداثة والدولة والتنوير والنهضة والعلم والعقل إلى مفاهيم إيديولوجية أو معتقدية تمامية تنطوي ضمنا على شفاء المجتمع من أمراضه ويركز ذلك على الوعى والذي يتكرر فى إرادوية النخبة ويتم راهنا فى سياق احتدام الصراع ما بين جهاو الدولة وحركات نقضه لا سميا الإسلامية منها استعارة النخب الحديثة لتلك المفاهيم أدواتيا وتوظيفيا كأدوات لإحكام السيطرة وليس للتحرير إن المثقف النقدي تبعا لذلك وإن كان ينحدر من أصول تبشيرية أو رسولية أو أن لغته هى لغة الخطاب الحديث هو دوما خارج السلطة ليس بمعني أجهزتها وحسب بل بشكل أساسي بمعني عدم إنتاجه لمنظومات السلطة فى خطابه فليست هناك صلة ما بينه وبين المثقف السلطوي الذي آلت إليه شرائح واسعة من النخب الحدواثوية وقد يتقاطع فى ذلك مع المثقف الأنتلجسوي إلا أنه لا يتطابق أنماطها الدولية والحزبية والمؤسساتية بل فى إطار عقدة العلاقات بتحطميه للثنائية السلطوية ما بين النخبة والعامة وتدميره لمفهوم كرتبة أو امتياز أو مصدر السلطة مرجعية من نوع جديد والترك بدوره الثقافي والفكري بوصفه فاعلا اجتماعيا فى فضاء تلك العلاقات 0
... انطلاقا من تشددك فى تحديد المفاهيم نسأل ما الذي نعنيه بالخطاب الإسلامي المعاصر هل هو الإسلام السياسي حصرا ؟ وأين يقع منه الإسلام الشعبي والإسلام الرسمي حسبما ذهبت فى كتابك (( يثرب الجديدة )) ؟(1/188)
... إن الخطاب الإسلامي المعاصر أشمل وأعقد بكثير من مفهوم الإسلام السياسي فهذا المفهوم الأخير هو نمط من أنماط هذا الخطاب وليس نفسه وإن ادعي على غرار كل خطاب إيدولوجي كلوي تمثيله الإيديولوجي للإسلام ويكرر الخطاب الإسلامي السياسي الراهن فى ذلك بشكل معكوس ادعاءات الخطابات الإيديولجية الأساسية لموضوعات الخلاف أو حتي الانشقاق فى الجماعات الإسلامية السياسية أو شبه ويغطي الخلاف حولها خلافات سياسية إن هناك فرقا غالبا ما يكون تضادا بين منظور الإيديولوجي السياسي للإسلام وبين منظور الانتروبولوجي فالإسلام منظورا إليه أنثروبولوجيا أى كما يمارس فعليا من قبل المؤمنين به أو الذين يعتنقونه تنمط فى ثلاثة نماذج أو بنيات أساسية يمكن أن تتفرع إلى بينات فرعية أو ثانوية وهى الإسلام السياسي الذي يرتبط بالجماعات الإسلامية السياسية التقليدية أو الراديكالية والإسلام الشعبي الذي تقترب فيه العبادة من العادة ويلتصق كثيرات بتقاليد الجماعات المحلية وأرثها والإسلام الرسمي الذي يكثر طلب جهاز الدولة عليه واستدعاؤه ليضفي على الدولة عنصرا من عناصر شرعيتها حيث يتحول إلى أداة إيديولوجية سياسية من أدوات ذلك الجهاز فى المجال الديني هناك تواصل ما بين هذه الأنماط أو النماذج الثلاثة إلا أن هذا التواصل لا يعني أبدا تطابقها إذا يتميز كل منها بنوع من الاستقلالية الذاتية وما يفعله الخطاب الإسلامي السياسي هو محاولة أسلمة الإسلام الشعبي وحتى الإسلام الرسمي من جديد بهدف الذي يتفرع فيه الخطاب الإسلامي السياسي إلى خطابات فرعية ليست إسلامية إلا جدلا بل حركات إسلامية تضم حزمة من التيارات والاتجاهات والجماعاتغير المتطابقة بل والمتناقضة أحيانا والتى تصل للعلاقة فيما بينها إلى حد التكفير أحيانا والذي يكتسب يتستر بالصياغات الفقهية والعقدية للخلاف أما فى المجال الشيعي السياسي الذي يكتسب استقلالية ذاتية فأستطيع التمييز ما بين ثلاث بينات(1/189)
أساسية هى بينية الموقف الفقهي التقليدي الذي يقوم على عدم جواز إقامة دولة إسلامية على مذهب آل البيت فى عصر الغيبة إلى أن الدولة الإسلامية على الغيبة أخذ شكل ولاية الأمة على نفسها مع دور محدد للفقهاء وقد ارتبط هذا الموقف بحركة الإصلاح الإسلامية الاجتهادية فى حوازت النجف فى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ووقف خلفه عدد من المراجع الكبار من أمثال آية الله كاظم الخراساني زميل جمال الدين الأفغاني فى الدراسة النجفية ووجد صياغته المنظومة فى وثيقة تنبيه الأمة وتنزيه الملة فى وجوب المشروطة )) التى كتبها الميزراز حسين الغروي النائبين وأفكار النائب هنا فى تصور الدولة الإسلامية هى فى قسم أساسي منها أفكار الكواكبي الذي ترجم الموقف الثالث فهو الذي يرتبط بالتفسير الخميني لـ ولاية الفقيه فى عصر الغيبة الكبري ساد الفصل ما بين التشيع الروحي والتشيع السياسي واقتصرت ولاية الفقهيه على المضامين لعبادية والمتصلة بالأحوال الشخصية إلا أن الخميني كانأول من نقلها إلى مجال الأصول واعتبر أنكل ما ثبت للإمام المهدي الغائب يثبت للفقهاء فى عصر الغيبة بما فى ذلك الولاية السياسية وهذا هو جوهر نظرية ولاية الفقيه العامة التى يقوم عليها دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية 0(1/190)
... ما نلاحظه اليوم هو أن التيار الإصلاحي أو اليساري كما يطلق عليه فى إيران يميل إما إلى إعادة نظرية ولاية الفقيه إلى حدودها التقليدية العبادية وتفريغها من مضمونها الكاريزمي إلى نقضها باتجاه تحويلها من ولاية إلى وكالة أى إلى شكل من أشكال ولاية الأمة على نفسها وفى هذا السياق يستعيد اليساريون تراث الثورة الدستورية الإيرانية المشروطة بقدر ما يعيد اليمينيون الاعتبار إلى آية الله النووي الذي شنقه المشارطة وهاجموا منزله انطلاقا من أنه يمثل المشروعة ومن هنا يصف اليمنيون السيارين بالنافقين وأنهم يدعون لفصل السياسة عن الدين ويستهلون المبادئ الإلحادية والليبريالية واللادينية فى تحويل الولاية إلى وكالة وقد انتقل هذا الإسلام نفسه ويعني ذلك كله أن الإسلام السياسي الشيعي ليس كتلة واحدة متجانسة وغن كان ينتمي إلى فضاء عام واحد وأن نظرية ولاية الأمة على نفسها تكتسب فيه أكثر فأكثر أهمية أساسية فى استرتيجية إحياء المجتمع المدني والدمقرطة وإرساء دولة القانون وتحديد دور الفقهاء بما ينسجم مع تحويل الولاية إلى وكالة تعاقدية 0
... هذا الخطاب الإسلامي هل يمكن أن يكون الخطاب العربي البديل ؟ لا سيما بعد أن رأينا من نزوح وتحول الفئات الماركسية وخصوصا المادوية باتجاه الإسلام وتأكيد ترابط الإسلام والعروبة من طرف الاتجاهات القومية ؟(1/191)
... ينطوي مفهوم البديل على تصور كلوي للمجتمع ويبدو فى ذلك وهم الخطاب الإسلامي السياسي الراهن عن نفسه الذي يعيد فى الواقع إعادة إنتاج إسلاموية تنتمي فى النهاية إلى بينية الإيديولوجيا التبشيرية الكلوة وإن أخذت مضامين إيديولوجية مختلفة وحتى متناقضة ولعلل هذه البنية الأساسية التى تتحكم بنمط إنتاج الأفكار هى التى تفسر ما أشرت إليه من نزوح وتحول لبعض الفئات الماركسية وخصوصا الماوية منها باتجاه الإسلام على حد تعبيرك وأشاطرك هنا الرأي وأضرب عليه مثلا أنه قد تم بالفعل انتقال نسبة ملحوظة ممن كانت تعتبر نفسها الرأي فى الحزب الاشتراكي اليمني للإخوان المسلمين فى اليمن وهى فى حقيتها جزء من بديل يبدو متقادما أو منحسرا أو أنه فقد جاذبيته الإيديولوجية والاجتماعية إلى بديل من الكلوي فالخطاب الإسلامي السياسي المعاصر يعيد فى الواقع إنتاج الإسلام فى منظومة بوصفها تحتوي على كل وصفات الحل والبديل ولا يمكن لمثل هذه الأيديولوجية إلاكون مغلقة لأنها تدافع عن بديلها بمزيد من تحصين نفسها وتعزيز كليوتها وفى ذلك تكون مفهوم البديل الإسلاموي جزءا من أمة مفهوم البديل فى الخطابات الماركسية والقومية والعلمانوية أو الحداثوية أزمتها فى أن واحد فى حين اللقاء الحاصل جزئيا أو الممكن أو ربما المحتمل ما بين بعض ممثلي الخطابات الماركسية والقومية أو حتى اتجاهاتهم وما بين الحركة الإسلامية وخطابتها يعكس رغبة فى الاعتراف بواقع التعدد والاختلاف أكثر ما يعبر عن الإندماج فى بديل واحد وتمكن المشكلة فى تحويل تلك التلاقيات حول نقاط متعددة إلى نوع من تذويب الإسلاموي بمرجعية منظومية الإيديولوجية عن الإسلام لكل التيارات والخطابات الأخرى فمهموم البديل ينحل فى النهاية إلى مفهوم كلوي وسلطوي وأحادي يدعي التوحيد فيما هو يمزق ويكتل فيما هو يهمش ويقصي ولا يمكن تحرير الخطاب الإسلامي السياسي المعاصر من وهمه عن البديل إلا بإعادة بناء نفسه(1/192)
كأحد خطابات الفكر الاجتماعي والسياسي إلى خطاب يعترف بالخطابات التيارات الأخرى بوصفه واحدا منها وليس بديلا عنها 0
... قبل الحديث عن العلمانية الإسلامية التى أشرت إليها اكثر من مرة فى كتبك وأبحاثك هل يمكن أن نحدد باختصار مفهومنا لـ العلمانية والعلمانوية ؟
... إن مصطلح العلمانية مثقل بحمولات معتقدية ويشير استخدامه الراهن لدي من يعتنقونه أو من يعارضوه على حد سواء إلى وصيته كأدلوجة صنمية مبسطة ولذا فغنه من الأفضل استخدام مصطلح الدنيوية أو الزمالية بدلا عنه إذا أن العمانية تنتسب إلى العالم إنها بكلام آخر تشير إلى سيرورة دنيوة العالم وهذه هى العمانية فلينعني الذي يدل عليه مصطلح Modernte فى حين أن العقيدة العلمانية أو العلمانوية تشير إلى السيرورة وتحويلها إلى إيدولوجيا أو عقيدة إن الفرق بين العلمانية بالمعني الأول وما بينها بالمعني الثاني يتجلي الثنائية الضددية ما بين الديني والدنيوي المقدس والمدني وتري فى منظور سيميائي للثقافات أن الديني بعد من ابعاد المدني أنه انترولوجي لجروح بالأندييه أى بدون نظام رمزي عام فى حين أن العمانوية او العلمانية كعقيدة ليست سوي دين مقلوب والدين المقلوب يظل فى النهاية دينا وإن كان وضعيا ويمكن فى تحويل الدنيوة إلى عقيدة علمانية جوهر العقيدة الحديثة أو الحداثوية التى تحول مفردات السيرورة المستمرة إلى أساطير أو أصنام جديدة سرعان ما يكتسب متخيلها استقلالية ذاتية يخطط المجتمع وفقا له لا العكس فالعمانيوية بهذا المعني متخيل عقائدي عن سيرورة العالم صيغ فى شروط احتدام الصراع المركب فى فرنسا القرن التاسع عشر بشكل خاص ما بين الجمهوريتين والملكين وما بين المدنين والريفيين والمحافظين والراديكاليين والعمانيين والإكليركيين فى سياق انتصار العقل الوضعي وفتحه للقارات المجهولة فى المجتمع والكون والعلمانوية بهذا المعني مذهب فرنسي بشكل أساسيا رتبط بالصراعات التى أدت إلى نشوء(1/193)
الجمهورية الثالثة الفرنسية وفصلها ما بين الدين والدولة يقدر ما أن العلمانية بمعناها كصيرورة دنيوية للعالم تسم العالم البروتستانتي أما موقفي الفكري على غرار موقف تيار ثالث فى الفكر العربي المعاصر يري نفسه علمانيا بالمعني الثاني للمصطلح وليس بالمعني العلمانوي إذا أن العلمانوية فى ثقافتنا العربية الحديثة تعويض إيديولوجي وليس بالمعني العمانوي إذ أن العلمانوية فى ثقافتنا العربية الحديثة تعويض إيديولوجي عن غياب الحداثة 0
... وكيف تري انعكاس العلمانية والعلمانوية على الخطاب النهضوي العربي النظري والسياسي ؟(1/194)
... شهدت التجربة العثمانية فى القرن التاسع عشر ما يسمي بمرحلة التنظيمات التى تخلص هدفها بتحديث السلطنة وإعادة بنائها فى أجهزة مؤسساتية عصرية على الغرار الأوربي ونشأ سياق هذه العملية وتناقضاتها والإجابات المختلفة عن إشكالياتها ما نسميه اليوم بالنهضة العربية التى كان لها ما يوازيها لدي الشعوب العثمانية الأخرى لا سيما التركية يمكن التول بشكل مكثف وموجز أنه نشأ فى خطاب النهضة اتجاهان هما الاتجاه العماني الراديكالي الذييستوحي حدة الصراع ما بين العمانيين الجمهوريين والإكليركيين فى فرنسا أى الصراع الذي أدي إلى إعلان الجمهورية الثالثة ونجد أبرز مثل صاف لهذا الاتجاه فى فرح أنطون الذي كان يستشهد كثيرا بمجرى ذلك الصراع ويدعو إلى اعتماده ويمكن القول إن هذا الاتجاه كان متأثرا إن هذا الاتجاه كان متأثرا بالمنحني الراديكالي الفرنسي أو ما سميناه بالعلمانوية فى حين أن الاتجاه الثاني مان يرتبط بخطاب الإصلاح الإسلامي وهو ما نجده لدي محمد عبده والنائيني والأفغاني إلى حد ما نجده منذجا لدي عبد الرحمن الكواكبي هذا الاتجاه الذي يستوعب الحداثة ضمن قضية تعزيز وحدة العالم الإسلامي عبر تحديثه استوعب العلمنة وأراد لها أن تتم على الطريقة التى تمت لدي الأغاني والكواكبي ويمكنني القول إن قرار الجمعية الوطنية التركية بالفصل ما بين السلطنة والهلافة عام 1922 قد كان تتويجا أو مأسسة بكلمة أدق لخطاب الإصلاح الإسلامي 0(1/195)
... إن الوثيقة الفقهية التى شرعت ذلك الفصل هى خلاصة أطروحات الإصلاح الإسلامي وباستثناء تحوطات رشيد عليها وحذره من مآلاتها الضمنية لم تجد اعتراضا يذكر إذا كان مصطفى كمال يومئذ أملا للعالم الإسلامي بقيادة تركية إسلامية جديدة له إلا أن ما فعله الكماليون بإلغاء الخلافة التى كانت نفسها قد أصبحت رمزية وشائخة هو على وجه الضبط اختصار بضربة بيروقراطية سياسية واحدة وخلال أقل من عامين لما استغرقه تطور فرنسا الجمهورية خلال مائة وأربعة عشر عاما على الأقل فقد كانت النخب الكمالية والبورقيبية واليبريالية المصرية محكومة فى فهمها للعلمنة بالنموذج الراديكالي العلماني للجمهورية الثالثة الفرنسية وأدي إلغاء الخلافة إلى تطور جديد هو نشوء الحركة الإسلامية المعاصرة بجسمها الأم الأساسي وهو جماعة الإخوان المسلمين وكان هذا النشوء ردا على تلك العمانية الراديكالية التى تمثلت فى إجهاز الكماليين على الخلافة بقدر ما حاول أن يستوعب ولكن بشكل محافظ ميراث الإصلاح الإسلامي0
... تطرقت فى كتابك يثرب الجدية إلى العمانية الإسلامية ما المقصود منها تحديدا وكيف تنتج تلك المقاربة ؟(1/196)
... لم أكن أول من استخدم هذا المفهوم مع أن تركيزي عليه أوحي بذلك ويبدوا أني كما تبين لى لاحقا من مجري النقاشات ورودود الفعل مسؤول عن التباسه إلى حد ما فقد وضحته عبر عدة أطروحات هى التمييز ما بين الفهم المبسط للعمانية لدي العمانيين والإسلاميون على حد سواء وبين الديني والدنيوي إلا أن علمانيتي رحبة وواسعة لا تقوم على الثنائية الضدية ما بين الديني والدنيوي على منظور سيميائي للثقافات يري ف الديني بعدا سيميائيا من أبعاد الدنيوي على الدولة أن تهبه احتراما وحمايتها بوصفه العصب الأساسي للأنا الحضارية الثقافية إن استخدامي الجوهري لمفهوم العلمانية الإسلامية إذا ما ما شئت التوضيح أكثر هو استخدام وصفي أجرائي أكثر منه معيارا فقد أردت منه أن أوضح حصة الإصلاح الإسلامي العلمنة على غرار حصة الإصلاح الروتستاوني فيها وتحدثت فى ذلك عن احتمال علمنة إسلامية فى الخطاب وقدرت أن هذا الاحتمال ما يزال قائما مستمرا هنا وهناك وإن كان يشكل متتقطع فى الوقت الذي يخلط فيه الإسلاميون ما بين العلمنة وما بين حيز ضيق ومحدد منها هو العلمانوية وينقضون على العلمانية محولين إياها إلى عو نهائي ويتفقد هذا الخلط للإحساس النقدي بالمفاهيم وهكذا تتحول العمانية إلى إشارة سواء لدي معتنقها أو معارضها على حد سوا مع أن العلمانية حزمة متعددة الألوان والاتجاهات والصفات والدرجات ليس تاريخها واحدا إلا جد لا أى عبر علاقته بالعلمية الكبرى المتعددة الحقول عملية الحداثة 0
... قبل أن نتحدث عن الحوار بين التيارات هل تري أنه يمكن للحركات الإسلامية أن تتمثل الديموقراطية فعلا وأن تنتجها ؟(1/197)
... إذا سمحت لى بإعادة صياغة السؤال بلغة علم الاجتماع السياسي وتحديدا بلغة علم الظاهرة فإنه يمكن طرحه بالشكل التالي : إلى أى حد يمكن فيه للحركات الإسلامية أن تتحول من النمط التضامني إلى النمط التمثيلي أعني بالنمط التضامني هنا الأحزاب والحركات والجماعات العقائدية التى تنطلق من منظورات الهندسة الكلية للمجتمع باسم كائن مثالي اعلي وسام قد يكون الطبقة أو الشعب او الأمة أو العرق أو الله فهي بهذا المعني حركات هيغلية حتى و؟إن لم يقرا أى منها هيغل بقدر ما أعني بالنمط التمثيلي الأحزاب والحركات التى تعتبر نفسها طرفا من أطراف نسق تعددي تنافسي فتشكل جزءا من هذا التنسيق وتقبل بقواعده إن معظم الحركات التضامنية تعتبر نفسها حركات حزبية حتى وإن حماة اسم الحزب بقدر ما تعتبر نفسها أسمي من الأحزاب بنمطها التمثيلي التعددي التنافسي فتنر خط فيه لتحسين مواقعها أو ا تتخذه مركبة للوثوب على السلطة ومن ثم استبداله بنسق تضامني كلوي أو أنها ترفض هذا النسق مسبقا ولا تتعاطى معه وتطرح تغييره الانقلابي وتقع معظم الحركات الإسلامية فى فضاء النمط التضامني الكلوي غير أننا نميز فى خطابها بين اتجاهين ينخرط الأول تكتيكا فى النسق التعددي – التنافسي ويشارك فى انتخاباته ومجالسه النيابية مع البراءة من الأصل هو ريتكب فى المنظور الفقهي لهذا التيار إثما فى حين ان الثاني يعتبره نسقا كفريا فيحرم أى تعاط معه 0(1/198)
... كان الخطاب الإخواني التقليدي لا سيما فى مرحلة البنا غامضا على هذا المستوي فالبنا تقبل المبادئ الدستورية النيابية التى تنص عليها دستور 1923 العلماني فى مصر مع أنه لم يدع أى مجال للشك ف انه يتصور الحياة السياسية على أساس تضامني توحيدي ينفي التعددية والتنافسية الحزبية غلا أننا لا نجد لديه تكفير للمجالس النيابية بل يري الحياة النيابية متسقة مع مبادئ الإسلام فى الحكم ومن هنا طرح المئتمر السادس بالجماعة عام 1941 الاشتراك فى الانتخابات النيابية وحاول البنا مرتين أن يخوض زب الوفد أما فى الثاني عام 1945 فخاضاها رغم معارضة الحكومة وثم إسقاط مرشحيه بالتزوير ودفع أحمد ماهر رئيس الحكومة ثمنا لذلك حياته وكان ذلك أول عملية اغتيال يقوم بها الجهاز الإرهابي أو النظام الخاص لجماعة كما ان الدستور اليمني أعلن إثر الانقلاب على الإمام فة شباط 1948 والذي كانت الجماعو وراء صياغته كان دستورا مدنيا سضمن فى أصوله مبدأ الحياة التمثيلية النيابية بل تقدم البنا خطوات هامة حين أعلن أن الجماعة تطرح تعديل الدستور والوصول إلى السلطة بالطرق الدستورية فى الوقت نفسه الذي كان لديه جهاز خاص انقلابي انفلت على الأرجح من سيطرته فى فترة عام 1948 – 1949 م وقاد الجماعة إلى محنتها الأولي وفى كل الأحوال فإن كل هذه المرونة لا تنفي أن نسق البنا وفهمه للجماعة كان تضامنيا لونية كلوية فقد تكون وعي البنا فى سياق أزمة النسق التعددي التنافسي الليرالي المصري الثلاثينيات والأربعينيات وكانت صورة وعيه تقترب من صورة وعي الحركات الشباب التقليدية العقائدية التضامنية القومية والشيوعية التى تطرح تقويض ذلك النسق ويفسر ذلك المسألة الشورى ملزمة أم معظمة ظلت إشكالية فى الحطاب الإخواني فآل الخطاب الإخواني باستثناء عبد القادر عودة إلى أن يعتبرها ملزمة مع أنه فى التسعينيات تبين وضوح طرح الجماعة للشورى كملزمة أستطيع القول من خلال تحليل ما كان(1/199)
يدور فى أروقة المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين فى البلاد العربية أو فى آواخر الستينيات أن المشكلتين الأساسيتين غير المتفق عليهما كانتا : مسألة الشورى أهى ملزمة أم معلمة ومسألة العمل السلمي أم العنفي وهما مشكلتان تعكسان صراعا مستديما فى الجماعة ما بين تيار تقليدي سياسي مرن وتيار راديكالي نصي متشدد 0
... اختلفت الصور فى الثمانينات والتسعينيات مع ظهور شكل التعددية التنافسية فى عدد من البلدان العربية يتيح للجماعة أن تعمل بشكل تمثيلي أوجز هنا حقيقة أن الجماعة عملت على ان تكتسب شكل الحزب التمثيلي وأن تعمل فى البلدان التى تتميز بوجود نسق تعددي فى شكل أحزاب تمثيلية وترافق ذلك مع حسمها النظري الفقهي النهائي للقطعية ما بينها وبين الخطاب الجهادى الراديكالي واعتبار نفسها جماعة من المسلمين وليس جماعة المسلمين واتباعها استراتيجية هيجيمونية بالمعني الغر امشي تقوم على إحياء المجتمع الديني المدني والعمل من خلال مؤسساته الجمعياتية طرحها فى العديد من البلدان التوجه نحو تطبيق الشريعة وقبولها الفعلي بقواعد النسق التعددي التنافسي وآلياته ونبذها للعنف وتحالفها السياسي فى بعض البلدان مع أحزاب علماتنية فليس هناك دليل على أن الجماعة متورطة فى أعمال العنف فى مصر بل إنه يحتمل فيها إذا تطور الاتجاه الذي يحاول نقلها من جماعة تضامنية إلى حزب تمثيلي أن تقترب مستقبلا من نمط من أنماط حزب ديموقراطي إسلامي على غرار الأحزاب الديموقراطية المسيحية فى أوربا وإن كان ذلك قيد احتمالات المستقبل0(1/200)
... والمسألة هنا موجهة للنسق التعددي المحقق فيما كان قابلا لاستعياب الإخوان فيه بالتالي تطوير ذلك الاتجاه ويساعدنا ذلك فهم كيف أن التيارات الجهادية نمثل جماعة الجهاد إيمن الظواهري وطلائع الفتح الدكتور أحمد فضلا عن الجماعة الإسلامية عمر عبد الرحمن أو غيرها تصل إلى حد استنتاج تكفير الأخوان أو التصريح بأنهم يرتكبون كفرا بواحا فى شريعتهم للمجالس الكفرية وتعاطيهم مع المؤسسات الديموقراطية وهذه الحركات الجهادية المقلوبة إيديولوجيا عن الحركات اليسارية الجديدة الكلوية الشعوبية فى الستينيات تشكل حزءا من المأزق وليس حلا له بل هى عرض من أعراض هذا المأزق وهى تقبل مع خلاف داخلي حاد – تجنب طريق العنف وتحديده فى إطار دفع الصائل كما هو الاتجاه الجديد فى الجماعة الإسلامية فى مصر إلا أن موقفها الجوهرى هو فى اعتبار المؤسسات الديموقراطية مؤسسات كفرية وشركية فى الوقت الذي تطرح فيه الاتجاهات ما بعد الإخوانية مثل اتجاه حركة النهضة فى تونس نزعة أسميها بالنزعة الليبرالية الإسلامية التى تقوم أولويتها على بناء دولة الحق والقانون قبل أى شئ آخر 0(1/201)
... إن الإسلاميين شأنهم فى ذلك شان كثير من العلمانيين كانوا ضحايا الديموقراطية وهذا ما يجب أن يعيه الإسلاميون دوما لا أن يكونوا فى استمرار الجميع كضحايا للدولة المستبدة إن النسق التعددي التنافسي الليبرالي لا يحل مسألة العنف لكنه يحجمه فى أدني الحدود ويعزله من خلال ما يقدمه من كزايا الانجازالسياسي وفعاليته وأعتقد أن الاستراتيجية الغرامشية للإخوان المسلمين اليوم عبر السياسي وفعاليته وأعتقد أن الاستراتيجية الغرامشية للإخوان المسلمين اليوم عبر الأسلوب الهيجمينى او الهيمنة يعضد تلمس المزايا والسير باتجاه تطوير الجماعة إلى نمط حزب ديموقراطي إسلامي على غرار الاحزاب الديموقراطية المسيحية وهو ما يجب أن يتوافق مع تجديد متعدد الجوانب فى الجماعة والحق أن تطور الجماعة باتجاهنمط من أنماط حزب ديموقراطي إسلامي كان متحملا فى تاريخها وإن كان احتملا مفتوحا سرعانما أفلق بعض الانقضاض اشعبوي على النسق التعددي التنافسي الليبرالي النسبي وعدم تجذر المفهوم التمثيلي للحزب فى الوعي الأخواني وأقصد هنا على وجه الدقة الاجتمالي الذي ممثله جماعة الإخوان فى سورية إبان المراقب العام الأول الدكتور مصطفى السباعي الذي كان لديه وعي مسبق بتطوير الجماعة باتجاه ذلك الاحتمال وميزة السباعي أن راديكاليته السياسية التى حولته إلى نمط نقي من أنماط شيخ احمر قد عبر عنها فى إطار تحويل الجماعة والاقتراب بها كي تكون حزبا تمثيليا وطرفا من أطراف النسق التعدد التنافسي الليبرالي فمثل الديموقراطيين المسيحين كان السباعي مع الإصلاح الزراعي مع أنه تجاوزهم ى انه طلب منذ عام 1949 بكل وضوح بإصلاح زراعي راديكالي إلا أنه رأي ذلك عبر الرطق الدستورية وليس عبر الصراع الطبقي وكان متمسكا بمبادئ السلام المدني ومحاولة تطوير النسق التعددي / التنافسي السوري كي يقبل حل المشكلات الاجتماعية الأساسية يومئذ وفى مقدمتها مشكلة الأرض فى إطاره 0(1/202)
... دعوت للحوار بين التيار الإسلامي والتيار العلماني ما هى برأيك أسس هذا الحوار كي يكون فاعلا ؟
... ليس هذا الحوار جديدا على التيارين فكلنا نستذكر الحوارية الشجاعة الثرة ما بين فرح أنطون والإمام محمد عبده فى أوائل هذا القرن ينطق صرحا باسم التحزلات العمانية الراديكالية لجارية يوميئذ فى فرنسا والتى ستقضي إلى فصل الجمهورية الثالثة الفرنسية التام ما بين الدين والدولة بقدر ما كان عبده ينطق باسم حركة الإصلاح الإسلامي وفى ذهنه النموذج الإصلاحي البروتستانتي اللوثري الذي لا يواجه ما بين الدين والدولة بل ينظم العلاقة ما بينهما عبر تأمين فضاء اجتماعي مدني مستقل ذاتيا تشتغل فيه آليات الدنيوية وليس هذا الفضاء اليوم سوي ما نسيمه بالمجتمع المدني الذي قامت الدولة العربية الحديثة منذ نشوئها على تأميمه باسم تحقيق التكامل أو الاندماج الاجتماعي على غرار نموذج الدولة / الأمة الأوروبي وإن كانت تلك الدولة محاكاة ساخرة لهذا النموذج 0(1/203)
... إن الفضاء التعددي التنافسي يسمح لكافة الفاعلين الاجتماعيين مهما كانت إيديولوجيتهم وتنظياتهم ان يجدوا بهذا الشكل أو ذاك محلا لهم فيه ورغم أنى أعتقد أن الإشكالية الأساسية التى تواجه مجتمعاتنا اليوم ليست هى إشكالية العلمنة بل هى إشكالية الديموقراطية والحد من افتراس الدولة للمجتمع وتحويل علاقتها به من علاقة تقوم على العنف إلى علاقة تقوم على القانون فإنه يمكنني القول فى الآن ذاته أن ذلك الحوار انتج خطابا فإنه يمكننا وصفه فيما إذا أعدنا بناءه على نحو ما الخطاب العلماني الإسلامي فالحوار ما بين الخطابين العلمانيين والإسلامي ليس مستجيلا بل كان ممكنا ويجب ان يكون ممكنا باستمرار بل إ العلاقة بين التياريت تخطت فى بعض المراحل حدود الحوار النظري الإيديولوجيى إلى حدود التحالف الجبهوي السياسي كما هو الأمر فى أشكال التنسيق والتحالف التى قامت ما بين الإخوان المسلمين فى مصر وحركة الأمر فى أشكال التنسيق والتحالف التى قات ما بين الإخوان المسلمين فى مصر وحركة حدتو الشيوعية بين أعوام 1949 و 1954 والتى وصلت إلى حد تشكيل جيهة مشتركة بين الإخوان والشيوعيين والوافديين فى عام 1954 والتى وصلت إلى حد تشكيل جبهة مشتركة بين الإخوان والشيوعيين والوفديين فى عام 1954 كان سيد قطب ممثلا للإخوانفيها ووصل الأمر إلى حد ان المرشد الثاني حسن الهضيبي لم يمانع بأن يكون للشيوعيين حزب ظاهر فى مصر مثلما ادي ذلك ببعض قادة حدتو إلى تمييز ما سموه بـ جناح يساري فى الإخوان المسلمين 0
... إن موقف الخطاب الإسلامي من العلمنة يرتبط تقليديا بمسألة دين الدولة واستمداد القوانين منه ويقدم التفحص فى ملف مواقف هذا الخطاب وأعني به الخطاب الإسلامي السياسي جردا بتطوره 0(1/204)
... فالبنا مثلا ميز بين القانون والدستور وتقبل مبادئ دستور 1923 الذي يعتبر أحد الدستورين الحزب الأكثر للعمانية الليبرالية المصرية مع أنه كان محافظا فى تقدير مدي انسحاب القانون المدني مع الشريعة بينما نجد تلميذه الدكتور مصطفى السباعي أولمراقب عام للإخوان المسلمين فى سورية يري فى ذلك القانون مثالا للقانون الإسلامي أما المرشد الثاني الهضيبي فقد وصل اعتبار أن القانون المدني المصري كله باستثناء الربا ينسجم مع مقاصد الإسلام وتشريعية وأن القانون الجنائي المعمول شرعي وهو من قبل التعزيز ولع مشروع الدستور الذي تقدم به الإخوان عام 1953 إلى مجلس الضباط فى مصر يوضح وزن العناصر العلمانية فيه بل إن الشيخ الدكتور مصطفى السباعي دافع عن دستور 1950 السوري العلماني فى أكثر من مرة وبكل وضوح اعتبره من أكثر دساتير العالم الإسلامي مع أنه لا ينص على أن الإسلام هو دين الدولة بل إن الإسلام هو دين رئيس لدولة وأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع وليست المصدر الرئيسي والأساسي وأضيف إلى كل ذلك أن السباعي الذي كان عضوا فى لجنة الدستور هو الذي بادر اتقاء لمخاطر التوتر الطائفي إلى تعديل المادة إلى تنص على ان الإسلام دين الدولة إلى الإسلام دين رئيس الدولة لقد حل السباعي إشكالية أساسية من إشكاليات الإسلاميين مع ما يسمي بالعلمنة وأسميه بالدنيوة ولا يتعرض حله هذا مع تصور العلمانيين الذي كانوا المصممين الأساسين لدستور 1950 فقد تصور السباعي دوما ان الشريعة مستوعية للمدني علماني وبغياب السباعي خسر التشريع الإسلامي بالحرف الواحد بأنه تشريع مدني علماني ويغياب السباعي خسر الخطابان الإسلامي والعلماني محطة من أهن محطات اللقاء والحوار والتفاعل ما بينهما إلا أنه مازال ممكنا استعادة السباعي وطرح أسئلته من جديد رغم كل ما يقيمه الخطاب الإسلاموي الجهادي من قيبطة بين قوانين الشريعة كما يفهما وبين القوانين الوضعية(1/205)
مقاصد الإنسانية التى تنسجم مع تحقيق مصالحها الدنيوية فى كل العصور وحيثما يوجد تقدم وعي هذه المصالح وإنتاجها بها فإن الشريعة تستوعبه وتشر يعنه فى مسألة الدولة يمكنني القول أن الخطاب الإسلامي الإصلاحي وامتداه السلفي الممثل بالخطاب الإخواني ينطلق من المنظور المدني للدولة الذي يتقاطع كثيرا مع عناصر المنظور العلماني بقدر ما أن الخطاب الإسلاموي الجهادي الذي يعتنق التاويل الانقلابي والتفكييري لنظرية الحاكمة المودودية ينطلق من نظرية المفهوم الثيوقراطي للدولة بكلام آخر إن الصراع ما ين المفهوم الثيوقراطي للدولة وبين المفهوم المدني لها هو مطروح اليوم على الحركات الإسلامية نفسها بقدر ما هو أحد أبرز إشكاليات لحوار (( العلماني / الإسلامي )) ما أريد قوله : إن شكلا من أشكال الحوار العلماني الإسلامي مطروح على الخطاب الإسلامي نفسه ويبدو وكأنه أحد إشكالياته الداخلية اليوم التى لا يستقيم حالها بمعزل عن تصور الحركات الإسلامية لنفسها كجماعات من المسلمين وكاطراف فى النسق التعددي القائم نسبيا أو المحتمل وليس كبديل وبمركزه العمل حول بناء سلطة القانون والديموقراطية إحياء المجتمع المدني 0
... يري الدكتور طيب تيزيني أن قضية العمانية كانت موجودة دائما فى الإسلام وأن النص الديني الإسلامي نص ديني ببينيه السطحية ونص اجتماعي سياسي ببينته الخفية ودستور المدينة الذي وضعت الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - كان الممثل الاول باتجاه طريق العمانية هذه العلمانية التى عنت فى حينه أن الانتماء الأساسي هو انتماء للمدينة لوطن ما فى حين أن الانتماءات الدينية كانت موزعة على الاطراف المعنية ما رأيك بهذا القول ؟(1/206)
... إن ما يراه تيتزني يقع حسب المفاهيم التى استخدمها فى فضاء العلمانية الإسلامية بغض النظر عن مدي اعتباره لنفسه كذلك قرؤيته لدستور المدينة لا تختلف أبدا عن رؤية راشد الغنوشي مثلا من حيث أن ذلك الدستور اعتبر كل من يطقن فى المجال الجديد (( أمة من دون الناس )) وشمل كذلك حتى القبائل التى لا تدين بالديانات السماوية فوثيقة المدينة هى بهذا المعني إذا ما جاز مؤقتا إسقاط مراحل معاصرة على التاريخ بهدف المقارنة والتبيان هى نوع من دستور مدني مبكر فى زمن كانت فيه السلطات أو الإمبراطوريات أو النماذج القديمة للدولة دينية كانت الوثيقة بهذا المعني مدونة مبكرة لتعددية زمنها التى كانت دينية بالنسبة إلى جميع الأطراف بمعني فسيح ومرن للعلمنة كان دستور المدينة علمانيا على وجه ما وكفلت الدولة العربية الإسلامية عموما على الصعيد القانوني متأسسة الحريات الدينية واحترام الأحوال الشخصية لغير المسلمين فى زمن أصر على التذكير فيه أو الدول برمتها كانت تقوم على مرجع ديني او إلهي بل ربما مع ملاحظة الفارق الأساسي ما بين الاجتماعين الغربي والإسلامي يمكن القول إن التمييز ما بين الخلافة والسلطنة وإحالة الوظائف الإدارية والتنفيذية التى كانت مماطة بالخلافة إلى السلطنة فيما يسمي بالعهد العباسي الثاني كام متماثلا بنيويا مع ذلك التمييز ما بين رأسي الإمبراطورية الرومانية المقدسة أى الإمبراطور والبابا إثر الإصلاح الغريوري الكاثوليكي وقد استخدمت الوثيقة الفقهية التركية الإصلاحية الإسلامية ذلك الفصل ما بين الخلافة والسلطنة فى التاريخ الإسلامي لتبريره عام 1922 إن النص الديني اجتماعي سياسي فى بينته الخفية ما يقوله تيزيني هنا صحيح إلى حد كبير بمعني أنه يتم تأويل هنا نوع من دنيوة للنص الديني وإن كان شكل التأويل دينيا وهو ليس خاصا بالإسلام أو الأديان بل يشمل كل الإيديولوجيات العقائد المتمسكة بما فى ذلك الإيديولوجيات الدينية(1/207)
المعكوسة أو ذات المنشأ الوضعي فى التأويل يغدو النص مفتوحا وكثيرا ولا يعود ممكنا فى عمليته التمييز فعليا ما بين النص وما يؤول فيبير إنها تختلف عن سائر الحضارات ما قبلها فى أنه ليس لها أصل مؤسس سوي ديناميكتيها نفسها انتيجت هذه الديناميكية نصوصا مقدسة مؤسس سوي ديناميكتها نفسها إلا انها نفسها فى نوع علماني جديد خضعت بدورها لـ الاجتهاد والتاويل وإعادة التفسير 0
... الماركسية على سبيل المثال نموذج تام لذلك إن جواز التحالف مع البرجوازية الوطنية فى الخطا بالماركسي مثلا بر بآلية لا تختلف بيويا وإن اختلفت أيديولوجيا عن جواز التحالف مع الأحزاب العلمانية فى الخطاب الإسلاموي فهنا فى الخطابين ليدنا مرجعية النص ما أريد قوله : إن الدنيوية كسيوره خى عملية مستمرة وجزء لا يتجزأ من الاجتماع البشري وهى لا تحتاج على المستوي المفهومي المنطقي إلى علاقة ضرورة مع العلمانوية إن الإنسان حضارات ما قبل الحداثة كان مؤمنا بكل ما نعتبره اليوم غير علمي أو انه أسطوري مجاف للعلم لكنه يبني قلاعه وبيوته وفق أدق ما نترفع اليوم فى الهندسة وإن أحد أبرز الجوانب الأساسية اليوم فى العقلانية المفتوحة هو تجاوز التضاد الذي أقامته العقلانية المغلقة أو الإيديولوجية بين العلم والأسطورة للتنوير إلا أنها تعود اليوم كأحد مجلات المعرفة وفى المنظور السيميائي العام يصب ذلك فى تجاوز الثنائية الضدية ما بين الديني والمدني والاعتراف بالديني كبعد من أبعاد المدني 0
انتهي الكتاب بفضل من الله
... ... ...(1/208)