ومنها: النقابات المهنية والحرفية، فقد أشارت كتب الحسبة إلى ضرورة وجود عريف في كل صنعة من صالح أهلها، خبيراً بصناعتهم، بصيراً بغشوشهم وتدليسهم، مشهوراً بالثقة والأمانة، مشرفاً على أحوالهم، ويطالع المحتسب بأخبارهم[69].
وإذا كان اتباع الطرق السليمة عنصراً أساسياً في المجتمع المدني، فإن المتطوعين بالحسبة يباشرونها بالطرق السليمة في تلك المؤسسات، فليس لهم أن يعزروا ويعاقبوا في المنكرات الظاهرة، وإنما لهم النصيحة والوعظ والحوار والمجادلة وغير ذلك من الوسائل السلمية؛ لأن إعطاء صلاحيات تنفيذ العقوبات للمتطوعين وآحاد الناس يثير الفوضى والاضطراب في المجتمع الإسلامي، ويؤدي إلى مفاسد كثيرة، وهو افتيات على الإمام، كما قال ابن عبد السلام: «تولي الآحاد لما يختص بالأئمة مفسدة»[70]، هذا إذا كان الإمام مطبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وملتزماً بها. أما إذا كان جائراً أو غير مطبق لأحكام الشريعة، فقد أجاز الفقهاء لآحاد الناس تولي ما يختص بالأئمة في الأموال خاصة، فلهم أن يوزعوها، ويضعوها في مواضعها، كما قال ابن عبد السلام[71]: «يجوز - يقصد تولي آحاد الناس- لما يختص بالأئمة في الأموال إذا كان الإمام جائراً، يضع الحق في غير مستحقه تحصيلاً لمصلحة ذلك الحق الذي لو دفع إلى الإمام الجائر ولكان دفعه إليه إعانة على العصيان»، وقال تعالى: (( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) (المائدة:2).
ولا شك أن هذه المؤسسات الأهلية السلمية المحتسبة، هي التي تنشئ العمل الجاد المثمر، القادر على حماية حقوق الإنسان أكثر من المؤسسات الرسمية؛ لأنها تكون مستقلة عن السياسة المحلية للدولة، فلا تدور في فلكها، وإنما تدور في فلك مصلحة الأمة، ولأنها تعتمد في الغالب على أناس مخلصين يفرزهم العمل ويبرزهم الميدان، وبالتالي يكونون محل ثقة الناس واحترامهم و تقديرهم. هذا في الأعم الأغلب، وإلا فقد يوجد بين القائمين على المؤسسات الرسمية من يفوق العاملين في المؤسسات الأهلية إخلاصاً لله وغيرة على دينه.
الهوامش :
[1] لسان العرب لابن منظور، مادة(حسب)، (1/205)؛ معجم مقاييس اللغة لابن فارس، 2/59؛ المصباح المنير للفيومي، ص185؛ المفردات للأصفهاني، ص116؛ بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادى، 2/460؛ النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 1/381.
[2] صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب (6)، ص361.
[3] صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب (35)، ص32.
[4] صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب (33)، ص251.
[5] الأحكام السلطانية للماوردي 240؛ والأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء، 284.
[6] مجموع الفتاوى لابن تيمية، 28/ 217.
[7] معالم القربة في أحكام الحسبة لابن الإخوة، ص51؛ وانظر: نهاية الرتبة في طلب الحسبة لابن بسام، ص10.
[8] معالم القربة لابن الإخوة، ص 62.
[9] إحياء علوم الدين للغزالي، 2/312.
[10] نصاب الاحتساب للسنامي، ص83.
[11] المفردات للراغب الأصفهاني، ص117.
[12] سنن الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب(11)، ص285، وقال: حسن صحيح.
[13] سنن ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب (58)، ص175، وهو حديث صحيح.
[14] موطأ الإمام مالك مع تنوير الحوالك، كتاب الجهاد، باب الشهداء في سبيل الله، 1/307.
[15] صحيح مسلم، كتاب البر، باب (151)، ص1147.
[16] صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب (41)، ص34.
[17] صحيح البخاري،كتاب الإيمان، باب (41)، ص34.
[18] صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب (41)، ص34.
[19] الحسبة لابن تيمية (ص14-69-71).
[20] المقدمة، لابن خلدون، ص150؛ بدائع السلك في طبائع الملك لابن الأزرق،1/262.
[21] الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية لابن القيم، ص237.
[22] المرجع السابق، والمقدمة لابن خلدون، ص150.
[23] نهاية الرتبة في طلب الحسبة لابن بسام(بتصرف)،(213-215)؛ ومعالم القربة في أحكام الحسبة لابن الإخوة (295-319).
[24] الأحكام السلطانية للماوردي، ص242، والأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء، ص286.
[25] المرجعان السابقان.
[26] الطرق الحكيمة لابن القيم، ص237، وانظر:الحسبة لابن تيمية، ص13.
[27] صحيح البخاري، كتاب الاعتصام، باب(2) رقم (7288)، ص1390.
[28] الطرق الحكيمة لابن القيم، ص237.
[29] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب(20) رقم(177)، ص42.
[30] سنن الترمذي، كتاب القدر، باب(9) رقم(2169)، ص360، وقال: حديث حسن.
[31] سنن الترمذي، كتاب التفسير، باب سورة المائدة رقم(3047)، ص485.و قال: حسن غريب؛ وسنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب(17) رقم(4336)، ص473.
[32] صحيح مسلم، كتاب الزهد، باب(7) رقم (7473)، ص1293.
[33] صحيح البخاري، كتاب الاستئذان، باب(2) رقم (6229)، ص1199.
[34] سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب(8) رقم (2168)، ص360، وهو حديث صحيح.
[35] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب (22) رقم (196)، ص44.
[36] الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم، 4/171؛ وانظر: الإرشاد للجويني، ص311؛ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 4/48.
[37] (بتصرف) من حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية و الفكر القانوني الغربي للدكتور محمد فتحي عثمان، ص11-12؛ حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة للغزالي، ص115؛ والنظرية السياسية الإسلامية في حقوق الإنسان الشرعية لمحمد مفتي وسامي الوكيل، ص26-33.
[38] تاريخ الطبري،2/134.
[39] بتصرف من النظرية السياسية لمفتي و الوكيل، ص31-33.
[40] إحياء علوم الدين للغزالي، 2/306، ومعالم القربة في أحكام الحسبة لابن الإخوة، ص61.
[41] بتصرف من الموافقات للشاطبي، 2/8-12.
[42] النظرية السياسية الإسلامية في حقوق الإنسان لمفتي و الوكيل، ص32.
[43] السياسة الشرعية لابن تيمية (بتصرف)، 78-191؛ وانظر: حقوق الإنسان لمحمد فتحي عثمان، ص30-31.
[44] انظر: الأحكام السلطانية للماوردي، ص243-258؛ الأحكام السلطانية لأبي يعلى، ص287-308.
[45] الشِرب: النصيب من الماء المخصص للبلد، أو الذي يسمى بمصلحة المياه.
[46] الأحكام السلطانية للماوردي، ص246.
[47] صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب (29) رقم (2686) ص511.
[48] الأحكام السلطانية للماوردي، ص15-16.
[49] صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب(8) رقم (7150) ص1364.
[50] صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب(8) رقم (7151) ص1364.
[51] معالم القربة في أحكام الحسبة لابن الإخوة، ص316-319.
[52] نهاية الرتبة في طلب الحسبة لا بن بسام، ص214.
[53] الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية لابن القيم، ص237.
[54] قوانين الأحكام لابن جزى، ص463.
[55] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأبي بكر الخلال، ص115.
[56] مجموع الفتاوى لا بن تيمية، 28/217.
[57] الأحكام السلطانية للماوردي، ص252.
[58] المؤطأ للإمام مالك مع تنوير الحوالك، 2/169.
[59] رياض الصالحين للنووي ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الرابعة، ص596، قال: رواه أبو داود بإسناد صحيح.
[60] المرجع السابق.
[61] الأحكام السلطانية للماوردي، ص252.
[62] مشروع المجتمع المدني والتحول الديمقراطي لمصطفى حمارنة، ص5؛ وبحث فرض الكفاية لكل من الدكتور عبد الله الكيلاني وعبد الرحمن الكيلاني، مجلة دراسات، مجلد 25، عدد2، ص228.
[63] الفواكه الدواني للنفراوي، 1/463؛ الحسبة لابن تيمية، ص13؛ الطرق الحكيمة لابن القيم، ص237.
[64] الموافقات للشاطبي، 2/177.(7/210)
[65] قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام، 1/41.
[66] أصول الفقه للخضري، ص42.
[67] المنثور في القواعد للزركشي، 3/35.
[68] الأحكام السلطانية للماوردي، ص246.
[69] نهاية الرتبة في طلب الحسبة لابن بسام، ص18، وانظر مقالة النقابات الإسلامية لبرنارد لويس، مجلة الرسالة المصرية، الأعداد 355-356-357-362، سنة 1940م.
[70] قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام، 1/80.
[71] المرجع السابق.
===============
الإسلام بين كينز وماركس وحقوق الإنسان في الإسلام
دراسة
السيدة العزيزة .
لقد قرأت ببالغ الأهمية موضوعك حول :" الاسلام بين كينز و ماركس ". و لقد ذهلت لتحليلك العميق للجانب الاقتصادي للإسلام الذي أوحت به الرسالة الإسلامية . فلا أحد تقريباً ،يملك في الوقت الحاضر ما يحيط بالتدابير الاقتصادية العميقة للإسلام سواكِ . و لذا ،فإن إسهامك هذا ، في هذا المجال لا غنى عنه . إنك بذلك تساهمين في تحطيم الأمركة الاقتصادية الحديثة بإقامة الدليل على أن التخلي عن الأخلاقية في الإنسان التي ثبّت دعائمها القانون الإلهي ، أبطلت المفعول المجدي لعلم الاقتصاد الحديث بشكل كامل . إن تأملك العميق حول الإسلام يتماشى مع تأمل الأستاذ :" فرانسوا بيرو " فيما يتعلق بإسهام المسيحية في التحليل الاقتصادي . أنت ، كما هو ، ترفضان هذا التعارض المطلق بين الدين و المجتمع ،بين اليقين و العقل ، هذا التعارض الذي ينبع من الجهل المطبق ، في الوقت نفسه ، لمبادئ الاقتصاد ، و لمضمون النصوص الدينية معاً . و لدى تعمّقي في قراءة نصك ، أعتقد أن الإسلام ذهب أبعد بكثير مما ذهبت إليه المسيحية ،لأنها _ بلا شك_ منذ " سان أوغستان " تحول الاتجاه فيها إلى إبعاد الشعور الروحاني ،بشكل مبالغ فيه، عن المعيار
الأخلاقي .
آمل لعملك هذا أن يصل إلى مدارك أكبر عدد ممكن من الشعوب .
توقيع :
آلان باركر
- ×× -
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الهدف من هذا الكتاب ليس الدخول في أحكام النظريتين، الماركسية، والرأسمالية وفلسفاتهما من حيث هي، وإنما من خلال انعكاسهما على المجتمع الإنساني من سعادة ورفاهية وعدالة وأمان، وكيف استطاعت الامبراطورية، الإسلامية على امتداد مساحاتها الشاسعة والواسعة، حتى في فترة انحلالها في عهودها الأخيرة، أن تتلافى طوابير العاطلين عن العمل من الحاملين لأعلى الشهادات، والألوف المؤلفة من الجائعين المنتظرين منذ أيام للحصول على كأس صغير من الحساء، على بعد عشرات الأمتار من البيت الأبيض الأمريكي صبح مساء، وملايين النائمة في العراء، في قيظ الصيف وقر الشتاء... بينما توصلت اليمن في عهودها الإسلامية النيرة -على سبيل المثال- إلى الحصول على لقب "اليمن السعيد" لشمول السعادة والرفاهية والحياة الكريمة لكل فرد من أفرادها، في طول البلاد وعرضها، وكيف توصلت بعض المدن الإسلامية (الكوفة) في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى إعادة الأموال، التي كانت ترسل إليها لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، إلى بيت المال لعدم وجود من يستحق فيها الزكاة (يوجد في الوقت الحاضر مايزيد على أربع أخماس المعمورة يستحق فيها الزكاة)، وكيف كان الخليفة عمر بن الخطاب يعتبر نفسه مسؤولاً حتى عن الشاة الجائعة ولو كانت في أقصى المدينة، بينما لايعتري أحد من الحكام، في الوقت الحاضر، أي هاجس للملايين التي تموت في ظل رعايتهم جوعاً وسقماً وبلاء..؟!
ولابد لنا إذاً، في هذا الكتاب، للوصول إلى هذا الهدف، بعد أن دُوِّل النظامان وفرضت مشاكلهما وحلولهما على العالم أجمع، من دراسة العناصر التالية:
1ً-تحليل المشاكل التي طرحها المذهبان لاستشفاف ما إذا كانت هذه المشاكل، هي بالفعل، مشاكلهما الحقيقية بالذات، قبل أن تصبح مشاكل العالم أجمع، ومشاكل الإنسان في كل مكان...؟
2ً-استعراض الوسائل والحلول المعتمدة لحل هذه المشاكل، وما إذا كانت قد أتت أكلها الطيبة لشعوبها بالذات، قبل أن يعم خيرها على جميع الناس...؟
3ً-ماهي المشاكل التي طرحها الإسلام، وماهي الحلول التي قدمها للشعوب المستضعفة التي استظلت بمظلته، من كافة الأعراق والألوان، على امتداد مسافات شاسعة، من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها، خلال قرون عديدة من الزمان، وكيف استطاع أن يؤمن لها صنوفاً من السعادة والحياة الكريمة اللائقة بالإنسان؟....
4ً-وهل مازال المسلمون يملكون ذات الوسائل والمعطيات لتقديم ذات الحلول التي تمكنهم من تطبيق أحكام الإسلام؟...
أم أن ماجرى على هذا الكون من تحكم النظامين وغطرستهما، وتخريبهما، واستهتارهما بالإنسان، ومحاربتهما له خلال قرنٍ من الزمان، وفي كل مكان، لم يبق من الإسلام للمسلمين سوى:
-العبادات المجانية.
-الموت في سبيل الله، الذي هو- في الواقع، في سبيل الأمريكان...!
×××
القسم الأول :
الاقتصاد كعلم أو مذهب
ماهو المذهب الاقتصادي؟
وماهو علم الاقتصاد؟
لابد من التنويه بأن لعلم الاقتصاد، خلافاً لبقية العلوم الطبيعية، تعريفين أو أكثر، تختلف باختلاف المذهب الاقتصادي الذي يراد تطبيقه. وسنتناول أولاً التعريف بشكل عام.
فعلم الاقتصاد: هو العلم الذي يتناول تفسير الحياة الاقتصادية وأحداثها وظواهرها، وربط تلك الأحداث والظواهر بالأسباب والعوامل العامة التي تتحكم بها.
وأما المذهب الاقتصادي: فهو عبارة عن النهج، الذي يفضل القائمون على تفسير الحياة الاقتصادية، بالطريقة التي يتبعونها، تطبيقه في حياة المجتمع، وحل مشاكله العلمية والعملية وبتعبير آخر:
العلوم الاقتصادية: هي دراسات منظمة للقوانين الموضوعية التي تتحكم في المجتمع في حياته الاقتصادية، والمذهب الاقتصادي هو عبارة عن نهج خاص
للحياة، يطالب أنصاره بتطبيقه لتنظيم الوجود الاجتماعي على أساسه، بوصفه المخطط الأفضل الذي يحقق للإنسانية ماتصبو إليه من رخاء وسعادة على الصعيد الاقتصادي.
وعلى هذا، فالمذهب هو دعوة عمل وتصميم، والعلم كشف أو محاولة كشف عن حقيقة وقانون. لهذا السبب كان المذهب عنصراً فعالاً وعاملاً من عوامل الخلق والتجديد، وأما العلم فهو يسجل مايقع في مجرى الحوادث الاقتصادية كما هو دون تصرف أو تلاعب.
وعلى هذا الأساس، فقوانين المادية التاريخية علم، والنهج الاشتراكي مذهب -حسب ماركس- والقوانين الطبيعية علم، والنهج الرأسمالي مذهب -حسب آدم سميث وريكاردو-.
إلا أنه إذا تبين لنا -كما تبين لدى قسم كبير من الباحثين العصريين- أن ماركس لم يكن على صواب في تفسير المادية التاريخية والقوانين الطبيعية التاريخية، بل إنه تصرف بها وأخذ منها ما يناسبه، وأن آدم سميث وريكاردو قد حصرا القوانين الطبيعية في ظل النظام الحر المطلق، أي أنها ليست كالقوانين الطبيعية في الفيزياء والكيمياء، تطبق في كل مجتمع، وكل زمان ومكان، وهي بذلك لاتتصف بصفة العلم، أدركنا أن الاقتصاد كعلم ليس له أساس موضوعي، فلم يبق إذاً إلا الاقتصاد كنهج.
إن ماقصد إليه النهجان -في الواقع- من إصباغ صفة العلم على نهجيهما، هو التدويل لكل نهج من جهته، وجعله صالحاً لتطبيقه لكل شعب على وجه الأرض، ولكل زمان ومكان، بغية مد هيمنته وسيطرته على العالم أجمع* .
أما وقد أثبت النظام الماركسي فشله على أرضه بالذات في عمر لم يتعد النصف قرن، وتربع الثاني وحده على عرش متداعي الأركان لسوف لايطول به العهد أيضاً لسنوات، فإن ماكان أساسه هشاً لايؤمل له الصمود "وإن للباطل جولة ثم يضمحل....".
-×××-
الفصل الأول(7/211)
النظرية الماركسية كعلم أو مذهب
آ-المفهوم العلمي للماركسية:
1ً-المادية التاريخية: تعتبر المادية التاريخية -في رأي الماركسية- أنها الطريقة الوحيدة التي تفسر التاريخ والحياة الإنسانية بكافة ظواهرها. وبتعبير آخر، إن الوضع الاقتصادي، وعلى وجه التحديد، وضع القوى المنتجة ووسائل الإنتاج، هي التي تصنع تاريخ الناس وتنظمهم وتطورهم، وتحدد أوضاعهم السياسية والدينية والفكرية، وما إليها من ظواهر الوجود الاجتماعي.
وهنا، لا حاجة لنا في الدخول في الديالكتيك الفلسفية التي اتبعت أساساً لاستنباط تلك القاعدة العلمية، ولا التساؤلات التي انصبت عليها، وكلها تدور في حلقة مفرغة: (هل الدجاجة أصل البيضة، أم البيضة أصل الدجاجة؟!....) فعلى سبيل -المثال: هل المجتمع يغير الأفكار أم الأفكار تغير المجتمع؟
جواب ماركس: "لا هذا ولا ذاك، إنها وسائل الإنتاج.."
-وإذا كانت وسائل الإنتاج تصنع التاريخ وتغير البشر، فما هو السبب في تغيير وسائل الإنتاج؟ جواب ماركس: "إنها وسائل الإنتاج ذاتها"
ولذا، فلسوف نعتمد على التطبيق والمقارنة والواقع لفحص النظرية الماركسية لنرى ما إذا كانت وسائل الإنتاج هي التي كانت المحرك الأول في نشوء الماركسية ذاتها، وفي البلدان الاشتراكية على وجه التحديد لنحكم من خلال التطبيق على صحة النظرية، وبالتالي درجتها من المحتوى العلمي.
ولابد لنا -في بادئ الأمر- من لفت النظر إلى الفرق الشاسع بين الباحث التاريخي والباحث العلمي في مجال العلوم الطبيعية (كالفيزياء، والكيمياء والرياضيات،... الخ)، فإن الباحث التاريخي الذي يريد أن يفسر المجتمع البشري ونشوءه وتطوره لايستطيع أن يفحص هذه الظواهر بصورة مباشرة، كالعالم الطبيعي (في مخبره الخاص)، وإنما هو مضطر إلى تكوين فكرة عنها بالاعتماد على النقل والرواية وشتى الآثار العمرانية وغيرها. كما أنه لايملك لتحريها مايملكه العالم الطبيعي من إجراء التجارب وتقديم الدليل التجريبي على نظرياته، وعلى هذا، فهو لايملك سوى الملاحظة التي تعتمد -كما ذكرنا- على الرواية.
فمن ناحية الملاحظة بالذات، فإن الماركسية لم تكن تملك حين وضعت مفهومها الخاص عن التاريخ، سوى الملاحظة المحدودة في نطاق ضيق لاكتشاف قوانين التاريخ كلها واليقين العلمي بها. فقد قال (أنجلز)* :
"وبما أن البحث عن الأسباب المحركة في التاريخ مستحيلاً تقريباً في سائر المراحل السابقة بسبب تعثر علاقتها واختلاطها مع ردود الفعل التي تؤثر بها، فإن عصرنا قد بسط هذه العلاقات كثيراً بحيث أمكن حل اللغز: فمنذ انتصار الصناعة الكبرى في انكلترا، لم يعد خافياً على أحد بأن النضال السياسي كله يدور فيها حول طموح طبقتين إلى السلطة: الاستقراطية، والبورجوازية".
ومعنى هذا، إن ملاحظة الوضع الاجتماعي، في فترة معينة من حياة أوروبا، بل وفي انكلترا وحدها بصورة خاصة، كانت كافية في رأي المفكر الماركسي (انجلز) لليقين العلمي بأن العامل الاقتصادي، والتناقض الطبقي، هو العامل الأساسي في التاريخ الإنساني كله، بالرغم من أن فترات التاريخ الأخرى لاتكشف عن ذلك لأنها غائمة معقدة، كما اعترف هو نفسه، مع أن سيطرة عامل معين، على مجتمع معين، في فترة معينة، لايكفي لتعميم سيطرته الرئيسية في كل أدوار التاريخ، وفي كافة المجتمعات* .
أما الناحية التطبيقية، فهي المقياس الذي سنلجأ إليه لاختيار صحة النظرية الماركسية، على أرضها بالذات، أي في البلدان الاشتراكية وذلك تماشياً مع الأهمية الكبيرة التي يعطيها ماركس نفسه للناحية التطبيقية في كشف مدى صحة المقياس العلمي، وقبل أن يطول العهد ونعتمد على الروايات السليمة منها أو الفاسدة. فالناحية التطبيقية -حسب الماركسية نفسها- هي المقياس الأعلى لاختبار صحة كل نظرية. وكما قال (ماوتسي تونغ):
"إن نظرية المعرفة في المادية الديكالتيكية تضع التطبيق في المكان الأول. فهي ترى أن اكتساب الناس للمعرفة يجب ألا ينفصل في أية درجة كانت عن التطبيق، إذ أن إهمال التطبيق يوقع في المجرد الذهني.."
ولنأخذ القسم الخاص من التطبيق للنظرية في المجال الذي يتصل بتطور المجتمع الرأسمالي ونشوء الاشتراكية. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل حصلت الثورة الاشتراكية نتيجة لنمو الرأسمالية الصناعية وبلوغها الذروة؟
في الواقع، كلنا نعلم أن الثورة الاشتراكية، في البلدان التي طبقت فيها الاشتراكية تطبيقاً جزئياً مثل: بولونيا، وتشيكوسلوفاكيا، والمجر، لم تنبثق عن تناقضات المجتمع الداخلية، وإنما فرضت فرضاً من الخارج بقوة الجيش الأحمر، أي بواسطة الحرب الأجنبية والغزو العسكري المسلح. وإلا فأي قانون من قوانين التاريخ شق ألمانيا نصفين، وأدرج قسمها الشرقي ضمن العالم الاشتراكي، وجزءها الغربي ضمن العالم الرأسمالي؟ أهو قانون القوى المنتجة (التي هي واحدة في الشطرين) أم قوة الجيش الفاتح؟
وأما في البلدان التي طبقت فيها الاشتراكية بشكل كلي عن طريق الثورات الداخلية، فإن هذه الثورات لم تحصل طبقاً للنظرية التي حل بها الماركسيون كل ألغاز التاريخ وهي: "المادية التاريخية".
ففي روسيا مثلاً، وهي البلد الأول في العالم الذي سيطر عليه النظام الاشتراكي عن طريق الثورات الداخلية، فإن هذه الثورات لم تحصل نتيجة نمو وسائل الإنتاج والقوى المنتجة. فالقوى المنتجة فيها لم تكن لتبلغ الدرجة التي تحددها النظرية لإمكان التحول واندلاع الثورة الاشتراكية. لقد كانت روسيا -في الواقع- في مؤخرة الدول الأوروبية من الناحية الصناعية لكي يلعب تزايد القوى المنتجة دوره الرئيسي في تقرير شكل النظام، بل -على العكس- نمت تلك القوى في فرنسا وبريطانيا وألمانيا نمواً هائلاً، ودخلت هذه البلاد مرحلة عالية من التصنيع، ومع ذلك، فبمقدار ارتفاعها في هذا المضمار، كان بعدها عن الثورة ونجاتها من الإنفجار الثوري الشيوعي المحتوم في مفاهيم المادية التاريخية. أي أن الاتجاه الثوري في روسيا لم يخلق نتيجة للثورة الصناعية وتطور وسائل الإنتاج، بل العكس هو الصحيح، فقد جاءت الثورة الصناعية كنتيجة للثورة السياسية، فكان الجهاز الانقلابي في الدولة هو الأداة لتصنيع البلاد وتطور قواها المنتجة، وليس التصنيع هو الخالق لهذا الجهاز.
وإن كان من الضروري أن نربط بين الثورة من ناحية، وحركة التصنيع ووسائل الإنتاج من ناحية أخرى، فالتطبيق أثبت عكس العلاقة التي حددتها الماركسية.
فروسيا، مثلاً لم يدفعها نمو الإنتاج إلى الثورة بمقدار ما دفعها انخفاض تلك القوى وتخلفها الخطر عن ركب الدول الصناعية التي قفزت بخطوات عالية جداً في مضمار الصناعة والإنتاج.
فكان لابد لروسيا، لكي تحتفظ بوجودها الحقيقي في الأسرة الدولية وتنجو من الاحتكارات التي أخذت تقيمها الدول السباقة، وتفرض كيانها كدولة حرة على مسرح التاريخ، من إنشاء الجهاز السياسي والاجتماعي الذي يحميها من تلك الاحتكارات، ويحل مشاكلها التصنيعية حلاً سريعاً، ويدفع بها إلى الأمام في حلبات التصنيع، ومجالات السباق الدولي.
ومن ثم، فإن الثورات الداخلية في روسيا ماكان لها أن تنتصر بفعل التناقضات الطبقية المفروضة -حسب النظرية- بمقدار ما اعتمدت على انهيار الجهاز السياسي الحاكم انهياراً عسكرياً في ظروف حربية قاسية، كانهيار الحكم القيصري عسكرياً في ظروف حربية (الحرب العالمية الأولى)، الأمر الذي مكن قوى المعارضة، وعلى رأسها الحزب الشيوعي، من الانتصار السياسي، وإقامة الحكومة الاشتراكية.(7/212)
وشيء آخر جدير بالملاحظة، هو أن الحكومة الاشتراكية نفسها، بحكم السلطة المطلقة التي لاحدود لها، التي مارستها، هي التي ساهمت في خلق أسباب وجودها والمبررات الماركسية لنشوئها؛ فهي التي أنشأت الطبقة التي تزعم أنها تمثلها، كما أنها هي التي نقلت وسائل الإنتاج والقوى المنتجة إلى المرحلة التي أعدها (ماركس) لاشتراكيته العلمية.
والصين، البلد الآخر الذي ساد فيه النظام الاشتراكي بالثورة، ينطق أيضاً بالتناقض الواضح بين النظرية والتطبيق.
فلم تكن الثورة الصناعية -التي لم تبدأ بالفعل إلا بعد وفاة (ماو) وانفتاحها على الغرب وتخليها عن مقومات الاشتراكية الأساسية- هي العامل الأساسي في تكوين الصين الجديدة، وقلب نظام الحكم فيها، ولم يكن لوسائل الإنتاج (التي مازالت حتى عهد قريب تقليدية) أي دور في ذلك، ولم يكن لفائض القيمة الصناعي (فالصين بلد زراعي، بل ويحرص على أساليب الزراعة التقليدية)، ولا لتناقضات رأس المال التي تقررها قوانين المادية التاريخية، أي دور في المعترك السياسي. إن الثورة الشيوعية في الصين كانت قد بدأت قبل الغزو الياباني، وظلت لمدة عقد كامل تنتشر وتتوسع، ولم يتحقق لها النصر إلا بعد تحطيم جهاز الدولة نتيجة ظروف حربية خارجية أدت إلى زعزعته.
وهناك أقطار عديدة عاشت نفس الظروف والعوامل التي أنجحت الثورة الاشتراكية في روسيا، ولكنها لم تأخذ مثلها طابعاً اشتراكياً، رغم التشابه في القوى الإنتاجية، نظراً للظروف الفكرية والتيارات المتناقضة التي كانت تعمل في الحقل السياسي والمجال الثوري هنا وهناك.
فإذا كان التطبيق يدعم حقاً النظرية، كما يزعم المنطق الديكالكتيكي للماركسية، فإن المادية التاريخية يعوزها حقاً هذا الدليل....!
المادية التاريخية، والحياة الفكرية
لعل أخطر وأهم النقاط الجوهرية في المفهوم المادي للتاريخ عند الماركسية يكمن في العلاقة التي تؤكد على وجودها بين الحياة الفكرية للإنسان بشتى ألوانها (من فلسفية وعلمية، ودينية... الخ). وبين الوضع الاقتصادي، وبالتالي وضع القوى المنتجة. لا بل وإنها تتهم كافة المفكرين بجهلهم المطبق للأسباب التي خلقت. لهم أفكارهم، والتي لم يتح اكتشافها إلا للمادية التاريخية.
وهذا الإطار الاقتصادي الذي تضع الماركسية ضمنه كل أفكار الإنسان في المعمورة منذ الخليقة حتى تاريخها، جدير بالبحث العلمي والفلسفي المستفيض أكثر من بقية الجوانب الأخرى، وقد خصص له المرحوم (محمد باقر الصدر) كتاباً بعنوان "فلسفتنا" يمكن الرجوع إليه. وإن مايهمنا من هذه العلاقة هو استعراض بعض النواحي التطبيقية.
فالمجتمعات التي سبقت العصر الحديث في الوجود كانت متقاربة -إلى حدٍ كبير- في وسائل الإنتاج وأساليبه، ولم يكن بينها أي فرق جوهري. فالزراعة التقليدية، والصناعة اليدوية هما الشكلان الرئيسيان للإنتاج في مختلف تلك المجتمعات، وبالرغم من ذلك فإنها كانت تختلف اختلافاً كبيراً في مستوياتها العلمية. فلو كانت أشكال الإنتاج وأدواته هي العامل الأساسي الذي يحدد لكل مجتمع محتواه العلمي ويطور الحركة العلمية تبعاً لدرجته التاريخية، لما وجدنا تفسيراً لهذا الاختلاف، ولامبرراً لازدهار العلم في مجتمع دون آخر.
فلماذا -على سبيل المثال- اختلف المجتمع الأوروبي في القرون الوسطى عن المجتمعات الإسلامية في الأندلس والعراق ومصر، مع اشتراكها في نوعية القاعدة؟ وكيف ازدهرت في المجتمعات الإسلامية الحركة العلمية في مختلف العلوم، وبدرجة عالية جداً، ولم يوجد لها أي تباشير في أوروبا الغربية التي هالها مارأته في حروبها الصليبية من علوم المسلمين ومدنيتهم؟*
ولماذا استطاعت الصين القديمة وحدها أن تخترع الطباعة، ولم تتوصل إليها سائر المجتمعات إلا عن طريقها (فقد أخذ المسلمون هذه الصناعة عن الصينيين في القرن الثامن الميلادي، ثم أخذتها أوروبا عن المسلمين في القرن الثامن عشر).
بالإضافة إلى ذلك، فكثير من الحاجات الاقتصادية القديمة العهد بالتاريخ لم يتوصل الفكر إلى تلبيتها إلا بعد مرور قرون عديدة، بينما -على العكس- فقد سبق العلم الحاجات الاقتصادية بعشرات القرون في كثير من الحالات. (فعلى سبيل المثال، فإن اكتشاف المغناطيس في تعيين اتجاه السفن لم يتم إلا في القرن الثالث عشر، مع أن الطريق البحري كان هو الطريق الرئيسي منذ قرون خلت، وعلى العكس، فإن اكتشاف البخار قد تم في القرن الثالث الميلادي، أي قبل المجتمع الرأسمالي الذي دعا إليه بعشرات القرون.
المادية التاريخية وتكون الطبقات
ومايقال في تكون الأفكار لدى الماركسية نتيجة للوضع الاقتصادي والقوى المنتجة، يقال أيضاً بالنسبة لتكون الطبقات: (( إن انقسام الناس-حسب الماركسية- إلى فئة تملك كل وسائل الإنتاج، وفئة لاتملك منها شيئاً، هو السبب التاريخي لوجود الطبقات في المجتمع بأشكالها المتنوعة تبعاً لنوعية الاستغلال الذي تفرضه الطبقة الحاكمة على المحكومة من عبودية أو قنانة أو استخدام بالأجرة)).
ونعود هنا إلى السؤال التقليدي: (الدجاجة سبقت أم البيضه)؟ فالتكوين الطبقي للطبقة الرفيعة الحاكمة في المجتمع، إذا كان نتاجاً للملكية (الوضع الاقتصادي)، فلابد لها من إيجاد هذه الملكية لكي تصبح رفيعة حاكمة، ولاسبيل إلى حصولها على تلك الملكية إلا عن طريق النشاط في ميادين العمل. ولم يسبق أن كان النشاط في ميادين العمل هو الطريق الأساسي لتكون الطبقة الحاكمة في المجتمع، اللهم إلا بالنسبة للمجتمع الرأسمالي في ظروف تكونه وتكامله، وحتى في هذا المجتمع، فكان السلب والنهب والنفوذ الاستعماري وسيلة الوصول إلى الحكم أكثر منه عن طريق النشاط في ميادين العمل. وكلنا يعلم كيف تكونت الطبقة الحاكمة في أمريكا، وأعمال البطش والإبادة الجماعية التي استعملها الغازون الأوروبيون بالهنود الحمر، الشعوب الأصلية، دون أن يكون لهؤلاء الغازين في هذه القارة أي عنصر من عناصر المادية التاريخية.
وإذا عدنا إلى التاريخ القديم نجد أن طبقة رجال الأعمال في المجتمع الروماني كانت تداني الأشراف في ثرواتها بالرغم من التفاوت الكبير بين مقامهما الاجتماعي. وعلى العكس، فإن طبقة (الساموراي) ذات النفوذ الكبير في اليابان القديمة، والتي كانت تداني الإقطاع في السلم الاجتماعي، لم تكن تعتمد إلا على فروسيتها وخبرتها في حمل السيف وليس على الملكية. وقس على ذلك طبقة (الآريين الفيديين) الذين غزوا الهند قبل التاريخ الحديث بألفي سنة وسيطروا عليها وأقاموا فيها تنظيماً طبقياً لم يكن للملكية أي أثر في تكوينه، بل كان قائماً على أسس عسكرية، ودينية وعنصرية، ولم يشفع للتجار والصناع مكليتهم لوسائل الإنتاج كي يرتقوا إلى مصاف الطبقات الحاكمة، أو ينافسوها في سلطانها السياسي والديني.
وأخيراً، كيف نفسر قيام الطبقة الإقطاعية في أوروبا الغربية نتيجة للفتح الجرماني، إذا لم نفسره تفسيراً عسكرياً وسياسياً؟ فكلنا يعلم، وحتى انجلز نفسه قد اعترف بأن القواد الفاتحين الذين تكونت منهم تلك الطبقة لم يكن مقامهم الاجتماعي ناتجاً عن الملكية الإقطاعية، وإنما تكونت ملكيتهم الإقطاعية هذه تبعاً لدرجتهم الاجتماعية، وامتيازاتهم العكسرية والسياسية الخاصة، بوصفهم غزاة فاتحين دخلوا أرضاً واسعة، وتقاسموها، فكانت الملكية أثراً، ولم تكن هي العامل المؤثر.(7/213)
وهكذا، فإن الواقع التاريخي للإنسانية لايسير في موكب المادية التاريخية، وبذلك تخسر الماركسية برهانها العلمي، وتبقى في مستوى سائر الاقتراحات المذهبية.
نظرية ماركس بالقيمة الفائضة
لابد لنا قبل أن نعرج على الماركسية كمذهب من إبداء الملاحظتين التاليتين عن نظرية ماركس "بالقيمة الفائضة" التي تعتبر المصدر العام لأرباح الطبقة الرأسمالية، والسبب في الصراع الطبقي المحتوم بين الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج والطبقة العاملة، والذي سيؤدي بالرأسمالية العالمية -حسب رأيه- إلى مصيرها المحتوم.
وكلنا يعلم أن نظرية القيمة الفائضة، تعتبر أن المنبع الوحيد لقيمة السلع هو العمل الذي أهرق فيها. وإن الفرق بين مايدفعه الرأسمالي إلى العامل من أجور، وما يتسلمه من إنتاجه من قيمة (إذ أن الرأسمالي يقتطع من العامل جزءاً من القيمة التي يخلقها، كربح له) هو بمثابة السرقة لحقوق العامل. وهذه من شأنها أن تؤدي -بطبيعة الحال- إلى قيام صراع عنيف بين الطبقة المسروقة والطبقة السارقة، حسب رأيه.
الملاحظة الأولى:
إن كان العمل يحتل أهمية قصوى في تحديد قيمة السلعة، إلا أن المادة (موضوع العمل) لايمكننا أن ننكر قيمتها. فالعمل المنصب على استخراج معدن كالذهب مثلاً، لاتقارن قيمته بالنسبة للعمل المصروف على استخراج صخور لاتجدي نفعاً. فالعنصران إذاً، (المادة والعمل) متفاعلان ومتضامنان في تكوين القيمة التبادلية للسلع المستخرجة. فليست القيمة كلها -إذاً- نابعة من العمل، وليس صاحب العمل هو المصدر الوحيد لقيمة السلعة، وبالتالي ليس من الواجب أن تكون القيمة الفائضة (الربح) جزءاً من القيمة التي يخلقها العامل دون اعتبار ما لمواد الإنتاج الطبيعية من نصيب في قيمة السلعة المنتجة.
الملاحظة الثانية:
وهناك عنصر آخر أقصته الماركسية من حسابها، لدى محاولة اكتشاف سر الربح، وهو القدر الذي يخلقه المالك نفسه من قيمة، بسبب مواهبه التنظيمية والإدارية التي يستعملها في تسيير المشروع الصناعي أو الزراعي. فهناك مشاريع متساوية في رؤوس أموالها والأيدي العاملة التي تعمل فيها، ومع ذلك فقد تختلف اختلافاً هائلاً في الأرباح التي تجنيها طبقاً لكفاءات التنظيم ومقدرة الرؤوس الخالقة للثروة من الإشراف على عملية الإنتاج وعلى تصميمها، وتحديد مايلزم، والبحث عن منافذ لتوزيعها.
وإذا كان العمل جوهر القيمة -حسب ماركس- فمن باب أولى أن يكون للعمل القيادي والتنظيمي، والفكر الذي خلق الثروة نصيب من القيمة التي يخلقها العمل في السلعة.
وهكذا، فإن انهيار نظرية القيمة الفائضة يتبعه رفض التناقضات الطبقية التي تستنتجها الماركسية من هذه النظرية، كالتناقض بين العامل والمالك بوصفه سارقاً يقتطع من العامل الجزء الفائض من القيمة التي يخلقها في السلعة موضوع العمل.
والحقيقة التي يقررها الاقتصاد الإسلامي بهذا الصدد هي أن المالك لا يشتري من العامل عمله، كما يرى الاقتصاد الرأسمالي، ولايشتري أيضاً منه قوة العمل، كما يقرر الاقتصاد الماركسي* وإنما يشتري المالك من العامل منفعة عمله. فمنفعة العمل شيء مغاير للعمل ولطاقة العمل، وهي بضاعة لها قيمة بمقدار مالتلك المنفعة من أهمية، كتحويل قطعة الخشب إلى منضدة، أو تحويل فلزات الذهب إلى مجوهرات. وهذا المبدأ يفسر انخفاض القيمة التبادلية لسلعة من السلع، تبعاً لانخفاض الرغبة الاجتماعية فيها نتيجة عامل سياسي أو ديني أو فكري أو أي عامل آخر، فتتضاءل قيمة السلعة بالرغم من احتفاظها بنفس الكمية من العمل الاجتماعي، وبقاء ظروف إنتاجها كما هي دون تغيير. وهذا يبرهن بوضوح على أن للدرجة التي تتيحها السلعة من الإنتفاع وإشباع الحاجات، أثراً في تكوين القيمة التبادلية.
ب-الماركسية كمذهب اقتصادي
ذكرنا في مطلع هذا الفصل أن العلوم الاقتصادية هي دراسات منظمة للقوانين الموضوعية التي تتحكم في المجتمع، كما تجري في حياته الاقتصادية. أما المذهب الاقتصادي فهو المنهج الذي يطالب به أنصار النظرية العلمية لتنظيم الوجود الاجتماعي على أساسه، بوصفه المخطط الأفضل الذي يحقق للإنسانية، ماتصبو إليه من سعادة ورخاء.
وقد تناولنا العلوم الاقتصادية من وجهة نظر الماركسية بالتحليل والفحص على مجهر الواقع التطبيقي، ورأينا كيف أن المادية التاريخية التي تفسر كافة الفعاليات والنشاطات الإنسانية في التاريخ من خلالها، لاتفتقر فقط إلى الدليل العلمي، وإنما أنها -في أغلب الأحوال- قد قلبت المفاهيم رأساً على عقب. كما أن انهيار نظرية القيمة الفائضة قد اتبع معه كافة التناقضات الطبقية التي استنتجتها الماركسية من هذه النظرية، وتلاشى معها التناقض العلمي المزعوم وبطلت فكرة الصراع الطبقي المستوحاة من ذلك التناقض.
وبذلك، لم يبق من الماركسية سوى المذهب الذي اتبعه أنصارها لتخليص المجتمع العالمي من تناقضاته -حسب زعمهم- وتحقق للإنسانية كل مايؤمن سعادتها ورخاءها.
وفي المذهب الماركسي مرحلتان تطالب الماركسية بتطبيقهما تباعاً، وهما: المرحلة الاشتراكية، ثم الشيوعية. فالشيوعية تعتبر -من وجهة نظر المادية التاريخية- أعلى مرحلة من مراحل التطور البشري، لأنها المرحلة التي يحقق فيها التاريخ معجزته الكبرى. وأما الاشتراكية فهي تقوم على أنقاض المجتمع الرأسمالي. وهي من ناحية تعبر عن الثورة التاريخية المحتومة على الرأسمالية حين تأخذ بالاحتضار، ومن ناحية أخرى تعتبر شرطاً ضرورياً لإيجاد المجتمع الشيوعي، وقيادة السفينة إلى شاطئ التاريخ....!
الاشتراكية، ومعالمها الرئيسية:
تتلخص معالم الاشتراكية وأركانها الأساسية فيما يلي:
-محو الطبقية، وخلق المجتمع اللاطبقي.
-استلام البروليتاريا للأداة السياسية، بإنشاء حكومة دكتاتورية.
-تأميم مصادر الثروة ووسائل الإنتاج، واعتبارها ملكاً للمجموع.
-قيام التوزيع على قاعدة: (من كل حسب طاقته، ولكل حسب عمله).
الشيوعية:
وهي قمة الهرم التاريخي للبشرية. وفيها يحدث التغيير في أكثر المعالم والأركان السابقة، عدا الطبقية التي تحتفظ بها. فهي تهدف للقضاء على قصة الحكومة والسياسية، وتحرر المجتمع منها. كما أنها لاتكتفي بتأميم وسائل الإنتاج، بل تلغي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الفردية (وهي التي يستثمرها المالك بنفسه لاعن طريق الأجراء)، وتحرم الملكية الخاصة لبضائع الاستهلاك وأثمانها. وكذلك فإنها تجعل التوزيع مرتكزاً على قاعدة: (من كل حسب طاقته، ولكل حسب حاجته).
وبصورة عامة، فإن ماركس لايستند في تبرير الاشتراكية والشيوعية إلى قيم ومفاهيم خلقية معينة في المساواة، كغيره من الاشتراكيين الذين يصفهم ماركس بالخياليين. إن القيم والمفاهيم الخلقية ليست في رأي الماركسية إلا وليدة العامل الاقتصادي، والوضع الاجتماعي للقوى المنتجة. فلا معنى للدعوة إلى وضع اجتماعي على أساس خلقي بحت.
وسنتناول دراسة الأركان والمعالم الرئيسية للاشتراكية على ضوء التطبيق العملي، ومدى تماشيه مع الأهداف المحددة.
معالم الاشتراكية بين الأهداف والتطبيق
1ً-من خلال محو الطبقية:(7/214)
إن محو الطبقية -الركن الأول للاشتراكية- من شأنه -حسب المبدأ- أن يضع حداً فاصلاً لما ذخر به تاريخ البشرية -على مر الزمن- من ألوان الصراع، لأن مرد تلك الألوان إلى التناقض الطبقي الذي نتج عن انقسام المجتمع إلى مالكين ومعدمين، فإذا ماقامت الاشتراكية وحولت المجتمع إلى طبقة واحدة، زال التناقض الطبقي، واختفت كل ألوان الصراع، وساد -حسبها- الوئام والسلام إلى الأبد...!
إلا أن التطبيق قد أثبت في البلدان الاشتراكية نفسها أن إزالة الملكية الخاصة، وتأميم وسائل الإنتاج، لم يقض على التركيب الطبقي، إذ أن تركيباً طبقياً من نوع آخر قد برز إلى الوجود على أساس آخر (الجهاز الحزبي والسياسي). وأن الإمكانيات والصلاحيات التي تمتع بها الجهاز المذكور تفوق سائر الإمكانيات التي حصلت عليها أكثر الطبقات على مر التاريخ. فقد كسب رجال الحزب الشيوعي سلطة مطلقة على جميع الممتلكات ووسائل الإنتاج المؤممة في البلاد، كما كسبوا مركزاً سياسياً يتيح لهم الانتفاع بتلك الممتلكات، والتصرف بها تبعاً لمصالحهم الخاصة. وتمتد امتيازاتهم من إدارة الدولة والمؤسسات الصناعية ووسائل الإنتاج إلى كل نواحي الحياة. كما تنعكس أيضاً في التناقضات الشديدة بين أجور العمال ورواتبهم الضخمة.
ولذلك، فإن صراعاً من نوع آخر قد برز إلى الوجود بين الطبقات البديلة ذاتها، صراعاً يفوق إلى حدٍ كبير العنف الذي عرفته الماركسية لأشكال التناقض الطبقي في التاريخ.
وعلى سبيل المثال، فقد شملت عمليات التطهير تسعة وزراء من أعضاء الوزارة الأحد عشر الذين كانوا يديرون دفة الحكم في الاتحاد السوفياتي عام 1936، واكتسحت ثلاثة وأربعين أميناً من أمناء سر منظمة الحزب المركزية الذين كان يبلغ عددهم ثلاثة وخمسين أميناً، وثلاثة من مارشالات الجيش السوفياتي الخمسة، و60% تقريباً من مجموع جنرالات السوفييت، وجميع أعضاء المكتب السياسي الذي أنشأه لينين بعد الثورة، باستثناء ستالين، كما أدت عمليات التطهير إلى طرد مايزيد على مليونين من أعضاء الحزب عام 1939 من أصل مليونين ونصف وكذلك سبعين عضواً من أعضاء مجلس الحزب الثمانين. وبذلك كاد الحزب الشيوعي المطرود يوازي الحزب الشيوعي نفسه*.
وهكذا، يبدو جلياً كيف تؤدي طبيعة المادية الدكتاتورية في الجهاز الحاكم في المجتمع الاشتراكي الذي يرمي بأهدافه إلى القضاء على الطبقية إلى ظروف طبقية تتمخض عن ألوان رهيبة من الصراع، وأن هذه التجربة التي جاءت لتمحو الطبقية قد أنشأتها من جديد، ولكن على مستوى لايرعى حرمة لوطن ولا لشعب، ولا لمبدأ؛ فهي نفسها التي انقلبت على الحزب، والطبقة، والوطن في أوائل التسعينيات وفتحت الأبواب على مصراعيها لحثالات الشعوب من المتعطشين للدماء والمال، وأعادت إلى التاريخ بذرة لأفظع ماتصف الماركسية من ألوان الطبقية في التاريخ.
2ً-من خلال سلطة البروليتاريا المطلقة الوهمية
يشترط الركن الثاني للتجربة الاشتراكية، أن تتحقق على أيدي ثوريين محترفين يتسلمون قيادتها، وهم وحدهم الذين يستطيعون أن يؤلفوا حزباً جديداً، بلشفي الطراز، إذ ليس من المعقول أن تباشر البروليتاريا بجميع عناصرها قيادة الثورة وتوجيه التجربة. أي أن القيادة الثورية للطبقة العاملة كانت محصورة بمن يدعون أنفسهم بالثوريين المحترفين، وإن على هذه القيادة أن تتسلم السلطة بصورة مطلقة لتصفية حسابات الرأسماليين نهائياً. وتعتبر هذه السلطة الدكتاتورية ضرورية، ليس فقط لتصفية الرأسمالية فحسب، كما تزعم الماركسية، بل لابد منها لتنفيذ كل مايتطلبه التخطيط الاقتصادي من سلطة قوية غير خاضعة للمراقبة، ومتمتعة بإمكانيات هائلة، ليتاح لها أن تقبض بيد حديدية على كل مرافق البلاد بحجة أن تنمية الإنتاج تتطلب مثل هذه السلطة الحديدية.
إلا أن مانتج عن هذه السلطة، هو استفحال قوتها إلى أن استفردت وحدها بالإنتاج، والقيمة، وفرق القيمة... وهذا ما أدى إلى تداعي النظام ذاته، لتضطلع -هي نفسها- بمسؤولية حكم ديمقراطي لايختلف، من قريبٍ أو بعيد، عن شريعة الغاب في الماوماو الأسطورية....!
3ً-من خلال التأميم لمصادر الثروة
لقد هدف التأميم -في الواقع- بالإضافة إلى محو الطبقية، إلى تحقيق الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج. وهنا أيضاً، فقد أثبت التطبيق أنه لا يكفي أن تلغى الملكية الخاصة بقانون، وأن يتم الإعلان عن الملكية الجماعية للثروة بقانون، لكي يتمتع المجموع مثلاً بهذه الملكية...
في الواقع، لقد سمح التأميم للطبقة الحاكمة بأن تتمتع هي وحدها بالمحتوى الحقيقي للملكية بسيطرتها المطلقة على مقدرات البلاد وثرواتها. وحصلت هذه الطبقة على نفس الفرص التي كان الرأسماليون الاحتكاريون يتمتعون بها في المجتمع الرأسمالي، كل ذلك مع حق تمثيل المجتمع اللاطبقي والتصرف بممتلكاته، كما أصبحت أقدر من أي رأسمالي، على سرقة القيمة الفائضة.
ولقد اضطر ستالين للاعتراف بأن كبار رجال الدولة والحزب قد استغلوا فرصة انشغال دولتهم في الحرب الأخيرة، فجمعوا الثروات الباهظة... وقد أعلن عن ذلك بمنشور أذاعة وعممه على جميع أبناء الشعب...
فالتأميم -في الواقع- لم يقم على أساس روحي أو قناعة بقيم خلقية وإنسانية، وإنما قام على أساس مادي بحت لتحقيق أكبر نصيب من الإنتاج.
إن رجال السلطة أنفسهم الغيورين على الإنتاج لزيادة الإنتاج فقط، هم أنفسهم الذين شلوا كافة الفعاليات الإنتاجية في البلاد تمهيداً للثورة المضادة التي قام بها غورباتشوف فيما بعد، مما أدى إلى وقوعها في أزمة اقتصادية عويصة لاسبيل إلى حلها -حسب زعمهم- إلا عن طريق هدم النظام من أركانه الأساسية. وهذا ماحصل بالفعل في أوائل التسعينيات على يد المنقذ الإصلاحي الكبير غورباتشوف، والذي انتهى دوره عند هذا الحد، ليتربع السادة الحقيقيون من الثوريين المحترفين على نظام يتقاذفه الرعاع من كل قطب من أقطاب العالم، لاتربط بينهم أية رابطة من طبقة أو عنصر أو مبدأ، إلا رابطة الفساد والتخريب وتعطيل الإنتاج، والمضاربات، وتهريب الممتلكات والعملات وامتصاص الدماء. ولم يبق من تنمية الإنتاج في مفاهيم المادية التاريخية، التي هي القوة الدافعة للتاريخ على مر الزمن -حسب رأيهم- إلا أضغاث أحلام....!
4ً- من خلال التوزيع وعدالته
إن الركن الأخير من الاشتراكية، وهو التوزيع، فيرتكز على مبدأ: "من كل حسب طاقته، ولكل حسب عمله".
أي حق كل فرد أن يعمل ليعيش في مجتمع، يتألف من طبقة واحدة، وذلك تماشياً مع قانون ماركس للقيمة "بأن العمل هو أساس القيمة"، وأن للعامل نصيباً من الإنتاج بالقدر الذي يتفق مع كمية عمله.
وهنا يبدو التناقض الصارخ بين هذا المبدأ واللاطبقية للمرحلة الاشتراكية. مما لاشك فيه، أن الأفراد يختلفون في أعمالهم تبعاً لاختلاف كفاءاتهم، ونوعية العمل تخلقها تلك الأعمال. فالعامل الذي يمارس إنتاج أجهزة دقيقة ومعقدة لاتقاس قيمة عمله بالعامل الذي يستخدم في حمل الأثقال مثلاً.
فإذا ماجرى التوزيع حسب قاعدة (لكل حسب عمله)، لابد من أن يجري على درجات متفاوتة، وبذلك سوف يخلق الفروقات الطبقية من جديد، أو أن يجري بالتساوي على جميع العاملين، أي للعامل البسيط كما للعامل المركب، وللعامل الموهوب كما للعامل العادي، وبذلك تكون قد اقتطعت من العامل الموهوب القيمة الفائضة التي يتفوق بها على العامل البسيط، كما كان يصنع الرأسمالي تماماً على حساب المادية التاريخية.(7/215)
ولهذا اضطرت السلطة من خلال التطبيق إلى الاتجاه إلى دفع المجتمع إلى التناقضات الطبقية من جديد، بأن تركت فروقات في الدخل تتراوح بين
1.5 و5%.
إلا أن السلطة قامت فيما بعد بتعميق الفروقات والتناقضات، فأنشأت طبقة البوليس السري، وميزت عملها الجاسوسي بامتيازات ضخمة، وسخرتهم لتدعيم كيانها الدكتاتوري التي أوصلت البلاد إلى أسوأ مما جاءت لإصلاحه، إلى أن أتت على النظام برمته كما ذكرنا.
الشيوعية
وهي نهاية المرحلة الاشتراكية، وبداية المجتمع الشيوعي. ولها ركنان:
الأول: توسيع التأميم ليشمل كل وسائل الإنتاج، وكل البضائع الاستهلاكية .
والثاني: تحرير المجتمع من الحكومة والسلطة السياسية بصورة نهائية.
-فمن خلال توسيع التأميم ليشمل البضائع الاستهلاكية وتوزيعها على جميع أفراد الشعب حسب مبدأ "لكل حسب حاجته لا عمله فقط"، فقد بدا فيها المذهب الاشتراكي في قمة إمعانه في الخيال، إذ يتصور أن بالإمكان أن يعطي كل فرد كل مايشبع رغبته ويحقق سائر طلباته، لأن الثروة التي سيملكها الشعب من جراء النظام الاشتراكي، سوف تصبح قادرة على إشباع كافة الرغبات. فلا ندرة من بعض البضائع ولاتزاحم على السلع، ولا حاجة للتنظيم...! أي أن الشيوعية كما جنحت في خيالها في صنع المعجزات في الشخصية الإنسانية فحولت الناس إلى عمالقة في الإنتاج، فهي تصنع المعجزات مع الطبيعة نفسها فتجردها من الشح والتقتير والمحل ونفاذ الموارد الطبيعية، وتمنحها روحاً كريمة سخية تغدق بعطائها على كل مايتطلبه الإنتاج الهائل من موارد ومعادن ومياه*.
ويبدو أن قادة التجربة الماركسية قد حاولوا خلق الجنة الشيوعية الموعودة على الأرض ففشلوا، وذلك حين جردوا الفلاحين من وسائل إنتاجهم الفردية فترة 1928-1930، التي راح ضحيتها مائة ألف قتيل باعتراف التقارير الشيوعية ذاتها، وأضعاف هذا العدد في تقرير أعدائها، ومن ثم إضراب عام 1932، الذي راح نتيجة المجاعة الناجمة عنه ستة ملايين نسمة باعتراف الحكومة نفسها، مما اضطر السلطة إلى التراجع، ومنح الفلاح شيئاً من الأرض وكوخاً وبعض الحيوانات للاستفادة منها، على أن تبقى الملكية الأساسية للدولة.
-الشيوعية والحكومة
وتزداد الشيوعية تجنيحاً بأخيلتها عندما تفترض الانتقال بالشيوعية من مرحلة حكومات دكتاتورية إلى مرحلة "اللاحكومة".
ولنجنح مع الماركسية في أخيلتها، ولنفرض أن المعجزة قد تحققت، وأن المجتمع الشيوعي قد وجد وأصبح كل شخص يستطيع أن يشبع كافة حاجاته ورغباته؛ أفلا يحتاج المجتمع إلى سلطة تحدد هذه الحاجات، وتوافق بين الحاجات المتناقضة فيما إذا تزاحمت على سلعة واحدة، وتنظم العمل وتوزعه على فروع الإنتاج؟ ولذا، فإن الشيوعية لم تر النور، وأن الاشتراكية قد أخمدت جذوتها الرياح الفاسدة من داخلها خلال مدة لم تتجاوز النصف قرن.
النتيجة:
نتيجة لما تقدم يتبين لنا أن إلغاء الملكية الخاصة، وتأميم كافة وسائل الإنتاج، والقضاء المبرم على طبقة، واستبدالها بطبقة أخرى استناداً إلى فلسفات خيالية محضة، وخاصة إذا ماكانت الطبقة الأولى نشيطة ومنتجة ولديها الخبرة والتمرس في إدارة المؤسسات الإنتاجية وإنجاحها، وكانت الطبقة البديلة لاتملك من ذلك شيئاً؛ كانت السبب الرئيسي في فشل الاشتراكية وانحرافها عن أهدافها في إعطاء الطبقة العاملة حقوقها، وبالتالي في تنشيط عجلة الإنتاج وتحسينه في تأمين الحاجات القصوى للشعب من جهة، وتزويد الخزينة بما يسد عجزها ويؤمن متطلباتها من جهة أخرى.
إن إزالة الملكية الخاصة، وتسليم وسائل الإنتاج لإدارة الطبقة الجديدة المصطنعة، لم تكن -بحد ذاتها- حلاً عادلاً وصائباً، وذلك من النواحي الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية.. الخ:
-فمن الناحية الاقتصادية، لقد فقدت الدولة بهروب هذه الطبقة وبعثرتها، الرؤوس التي تصنع الثروة، والتي هي -بحد ذاتها- أكبر ثروة، إلى جانب ثرواتهم التي هربوها معهم. وهي -من جهتها- لاتعجز عن استثمارها في أي مكان من العالم. وكلنا يعلم أن أموالها التي نقلتها إلى أوروبا الغربية قد ساهمت إلى أقصى حد في إنعاشها، بينما حاقت بأوروبا الشرقية وحدها الخسارة الفادحة.
إن الملكية الخاصة، في الواقع، لم يحصل عليها المالك إلا لقاء عمل وجهد وفكر وتضحية برأس مال خاص، لم يسرقه أو يستولي عليه من أحد، أو آل إليه من تعب آبائه وأجداده. ولذا، فليس من حق الدولة أن تسلبه إياه، وتسلمه لغيره، ممن لاناقة له فيه ولاجمل.
لقد كان باستطاعة الدولة، الغيورة على مصالح الطبقة العاملة، أن تدع هذه الطبقة تواصل استثمار ثرواتها في بلادها، وتتمتع بملكها ضمن شروط اقتصادية واجتماعية تخدم أهدافها، وتضيف إلى هذه الطبقة طبقة جديدة من المحرومين تضع تحت تصرفها مايوجد تحت تصرف الدولة من ثروات طبيعية غير مستغلة من القطاع العام، لتقوم بإحيائها واستغلالها. وبذلك، فإنها تضيف إلى الملكيات الخاصة السابقة ووسائل الإنتاج الموجودة، وبالتالي للطبقة الغنية، طبقة أخرى، قد تفوقها فكراً وعطاء وغنى، وبذلك، تستفيد الدولة من فعاليات كافة الطبقات العاملة في المجتمع، والذين أثبتوا فعلاً نجاحهم في فعالياتهم، وتتلافى خلق طبقة مصطنعة لاتملك الإمكانيات الفكرية والعملية المطلوبة لنجاح الفعاليات الإنتاجية التي استلمت مقاليدها. هذا، ناهيك عن إفساد هذه الطبقة من جراء حصولها على حقوق الغير دون أن تبذل أي جهد، اللهم إلا موالاة السلطة، مما يجعلها أيضاً عديمة الاهتمام، غير مكترثة سواءً نجح المشروع الذي استولت عليه أو فشل. كما أن من شأن ذلك، توسيع دائرة النصب والاستيلاء على تعب الغير وحقوقهم إلى درجة تطمس كل حق لغيرهم من أبناء الشعب.
-ونتيجة لفشل تلك الطبقة في إدارة المؤسسات الإنتاجية التي آلت إليها وعدم أمانتها على مقاليدها، فقد انعكس ذلك بخسارة فادحة على الدولة وكيانها السياسي، وعلى المجتمع برمته، فتهدم النظام برمته. فبالإضافة إلى كون هذه الطبقة لاتملك الفكر المنظم والخالق للثروة، فهي لاترعى حقاً أو واجباً نحو الدولة، والوطن والمجتمع، لأنها الحصينة بانتسابها إلى الحزب الحاكم قد أطلقت لغرائزها العنان بسلب حقوق الوطن والعاملين فيه بحيث أدى ذلك إلى إفلاس البلاد وإفقار الناس وضياع الوطن، بينما اغتنت هي وحدها غناءً فاحشاً أهلها لتتبوأ عرش النظام الرأسمالي الإنقلابي وويلاته الذي تلاه.(7/216)
وهذا مايبرر -في الواقع- أن محاولة الانتقال بروسيا من الاشتراكية إلى الرأسمالية، في أوائل التسعينيات، لم تواجه بأية معارضة على الإطلاق، ولم يطوقها الأعداء من الخارج. فقد كانت التحاقية بالكامل، بل وتلقت مكافآت على ذلك، وأخذت الطبقة التي خلقها الحزب الشيوعي نفسه من ثواره الميامين، تسخر نظام الحرية لمصلحتها بشراسة منقطعة النظير، فأحلت لنفسها، باسم الحرية والديموقراطية كل ما يجلب لها الثروة، وبأية طريقة كانت: من تهريب المخدرات والعملات، وبيع ممتلكات الدولة ومؤسساتها وثرواتها واختراعاتها ومخترعيها وأسرارها الحربية، وعلومها الفضائية، وجلود نسائها وأطفالها.. إلى آخر ما هناك من فظائع يندى لها الجبين.. لقد تحولت -في الواقع- إلى أدوات مرتهنة بأيدي المافيا الصهيونية العالمية، تسعى فقط إلى الثروات بنهم وعدم مسؤولية، فتحلم بعمال دون أجور، ومتقاعدين دون رواتب تقاعدية، ومجتمع دون نقابات، وحياة دون ثقافة، واقتصاد دون إنتاج، وأموال دون عمل..! فالأسواق المالية ومضارباتها وبورصاتها غدت المصدر الوحيد للشرعية، وأصبح ارتكاب جرائم القتل والسلب والنهب الخبز اليومي للشعب، وامتلأت الطرقات والأرصفة بالمتسولين والبؤساء والعاطلين عن العمل وفتيات الطريق، وأصبحت تجارة الجنس المورد الرئيسي للبلد لجلب القطع الأجنبي.
وبعد أن كان الاقتصاد الحر قد وضع جل أمله في روسيا، بعد أن تدخل في حلبته، ممنياً نفسه بالإنفتاح على أسواقها لحل مشاكله وأزماته، أصبحت الأزمة الاقتصادية المستعصية فيها، وانهيار أسواقها المالية، وتدهور عملتها، من أولى المشاكل التي تهدد الاقتصاد الحر.
فالإسلام -في الواقع، قد تجلت عبقريته الإلهية بأنه لم يقض على طبقة ليستبدلها بطبقة أخرى، وإنما أصلح الطبقة الغنية التي كانت نافذة في السابق، بأن حولها من طبقة مستغله ظالمة وجبارة، إلى معطاءة وخيره وسمحة، تنفذ أوامر الله في عباده في السر والجهر، وتغدق بالأموال على بيت مال المسلمين دون حساب؛ وخلق إلى جانبها، بفضل قيام الدولة بواجباتها تجاه رعاياها، بإسناد ما بحوزتها من الملك العام إلى الطبقة المحرومة، والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الإسلامي، خلق من العبيد أسياداً وعباقرة، ومن المستغلين الباطشين أكرم الناس وأعدلهم، وبذلك تحول المجتمع برمته إلى طبقة واحدة نشيطة ومنتجة وورعة، تعمل لدنياها كأنها تعيش أبداً، وتعمل لآخرتها كأنها تموت غداً...! وبذلك فقد عاش الإسلام في ربوع عديدة من الكرة الأرضية خلال قرون عديدة، ولم يتسن للنظام الاشتراكي أن يبلغ النصف قرن...!
×××
الفصل الثاني
الاقتصاد الرأسمالي كعلم أو مذهب
مقدمة:
كما يقسم الاقتصاد الماركسي إلى علم ومذهب، كذلك، يقسم الاقتصاد الرأسمالي إلى علم ومذهب.
فمنذ فجر التاريخ العلمي للاقتصاد، حين كان آدم سميث وريكاردو يضعان بذور هذا العلم وبنياته الأولية (الاقتصاد الطبيعي الكلاسيكي) سادت الفكر الاقتصادي آنذاك فكرتان:
- إحداهما: أن الحياة الاقتصادية تسير وفقاً لقوى طبيعية محدودة تتحكم في كل الكيان الاقتصادي للمجتمع، كما تسير شتى مناحي الكون طبقاً لقوى الطبيعة المتنوعة. والواجب العلمي تجاه تلك القوى التي تسيطر على الحياة الاقتصادية هو اكتشاف قوانينها العامة التي تصلح لتفسير مختلف الظواهر والأحداث الاقتصادية.
- والأخرى: أن تلك القوانين الطبيعية كفيلة بضمان السعادة البشرية، إذا عملت في جو من الحرية المطلقة، وأتيح لجميع أفراد المجتمع التمتع بتلك الحرية في مجالات: التملك، والاستغلال، والاستهلاك.
وقد وضعت الفكرة الأولى البذرة العلمية للاقتصاد الرأسمالي، والثانية بذرته المذهبية.
ولقد ارتبطت الفكرتان حتى خيل للمفكرين الاقتصاديين أن تقيد حرية الأفراد والتدخل في الشؤون الاقتصادية من الدولة، يعني الوقوف في وجه الطبيعة وقوانينها، وبالتالي يعتبر جريمة في حق القوانين الطبيعية العادلة...!
وهذا اللون من التفكير -في حد ذاته- يخرج علم الاقتصاد من حيِّز العلوم الاقتصادية. فالخروج على قانون طبيعي علمي لا يعني أن هناك جريمة ارتكبت في حق هذا القانون، وإنما يبرهن على خطأ هذا القانون، وينزع عنه صفة العلم الموضوعي. فالقوانين الطبيعية لا تختلف في ظل الشروط والظروف المختلفة، وإنما تختلف باختلافها آثارها ونتائجها.
وعلى هذا، لا بد من أن تدرس الحريات الرأسمالية، لا بوصفها ضرورات علمية تحتمها القوانين الطبيعية، وإنما تدرس على أساس مدى ما يتيح للإنسان من سعادة وكرامة، وللمجتمع من قيم ومثل...
وفي الواقع، فإن المذهب الرأسمالي ليس له طابع علمي، ولا يدعي لنفسه هذه الصفة، كما أنه لا يستمد كيانه من القوانين العلمية، كالمذهب الماركسي، وإنما يستمد كيانه من تقديرات مادية بحتة. وتقتصر العلاقة بين الجانب العلمي والجانب المذهبي في تحديد الإطار ومجرى الاتجاه للقوانين العلمية. أي أن القوانين المذكورة لا تعمل إلا في ظل الظروف الاجتماعية التي تسيطر عليها الرأسمالية بجوانبها الاقتصادية وأفكارها ومناهجها، وليست مطلقة كالقوانين الفيزيائية والكيميائية، تنطبق على كل مجتمع وفي كل زمان ومكان.
ولا بد لإيضاح ذلك من إلقاء بعض الضوء على عدد من القوانين الاقتصادية المذكورة لكي نعلم كيف، وإلى أية درجة يمكن الاعتراف لها بصفة العلم.
آ- قوانين الاقتصاد الرأسمالي العلمية
قانون العرض والطلب :
-هذا القانون القائل: "إن الطلب على سلعة إذا زاد، ولم يكن في المقدور زيادة الكميات المعروضة استجابة للزيادة في الطلب، فإن ثمن السلعة لا بد أن يرتفع".
هذا -في الواقع- ليس قانوناً موضوعياً كقوانين الفيزياء والفلك. وإنما يمثل ظواهر الحياة الواعية للإنسان. فهو يوضح أن المشتري سيقدم -في مثل الحالة المذكورة- على شراء السلعة بثمن أكبر من ثمنها، وأن البائع سيمتنع عن البيع إلا بذلك الثمن.
ونظراً لعلاقته بإرادة الإنسان، فهي تتأثر بكل المؤثرات التي تطرأ على الوعي الإنساني. فليس صحيحاً من الناحية الإنسانية أن الإرادة الإنسانية في مجرى الحياة الاقتصادية تسير دائماً، وفي كل مجتمع، كما تسير في المجتمع الرأسمالي، ما دامت المجتمعات تختلف في إطاراتها الفكرية والمذهبية والروحية، وليست بالضرورة غارقة في ضرورات المادة ومفاهيمها إلى قمتها.
فالرأسمالية، كما رأينا، مثلها مثل الاشتراكية، من أجل تدويل نظامها وفرضه على كافة شعوب العالم، أرغمتهم مسبقاً بأن يتقولبوا بقولبها الفكري والروحي والإحساسي والنفسي، بغسل أدمغتهم -تحت شعار التطور- لكي يتكون لديهم ذات الإحساس بالمشاكل التي ادعتها ومن ثم حتمت عليهم ذات الحلول لكي تفرض -من خلالها- سيطرتها على العالم أجمع..
فالقاعدة الرئيسية التي وضع في ضوئها كثير من القوانين الاقتصادية الكلاسيكية تجرد الإنسان من كل الروابط الاجتماعية -فيما عدا المادة- وتفترض أن كل إنسان، هو في قرارة نفسه، إنسان اقتصادي يؤمن بالمصلحة المادية الشخصية كهدف أعلى. وهذه القاعدة، لا تنطبق إلا على المجتمع الرأسمالي الأوروبي، وطابعه الفكري والروحي، وأساليبه الخلقية والعملية. إلا أنها -كما رأينا- تسربت، من خلال غسل الأدمغة الدائم، عن طريق الاستعمار الثقافي والعلمي والاقتصادي.. الخ إلى المجتمعات الأخرى في كل ركن من أركان المعمورة.(7/217)
فأين ما كان دائراً في المجتمعات الإسلامية في عصورها الزاهرة، مما يدور فيها الآن؟ ويمكننا أن نورد -على سبيل المثال- الفقرة التالية في وصف الإجارات والتجارات للشاطبي:
(( نجدهم في الإجارات والتجارات، لا يأخذون إلا بأقل ما يكون من الربح أو الإجرة، حتى يكون ما حاول أحدهم من ذلك كسباً لغيره لا له. ولذلك بالغوا بالنصيحة فوق ما يلزمهم. فكأنهم وكلاء للناس لا لأنفسهم، بل كانوا يرون المحاباة لأنفسهم -وإن جازت- هي كالغش لغيرهم ))
وإلى عهد غير بعيد، وقبل أن يستفحل الغزو الثقافي الغربي في المجتمع الإسلامي، كان سائداً في أسواق الباعة التقليديين في حلب، عندما يطلب شخص من بائع شراء حاجة أن يجيبه: "اذهب إلى جاري- إنني استفتحت (أي بعت شيئاً)، بينما جاري لم يستفتح بعد...!".
من هنا ندرك مدى الخطأ في إخضاع مجتمع، كان يتمتع بمثل هذه الخصائص والمقومات، لنفس القوانين التي يخضع لها مجتمع رأسمالي زاخر بالأنانية والمفاهيم المادية.
ولقد شهد الربع الأخير من هذا القرن كيف أن المسيطرين على الفكر الرأسمالي يتلاعبون بالعرض والطلب، ويخلقون القوانين العلمية حسب مصلحتهم.
وإلا..! ما الذي أدى في أوائل الثمانينات إلى أن تهبط أسعار البترول من 42 دولاراً للبرميل إلى ما دون السبع دولارات؛ وتنهار أسعار المواد الأولية الأخرى إلى أدنى مستوى شهدته في تاريخها، هذا، بينما كان الاقتصاد الغربي يواصل نموه بشكل جيد في النصف الثاني من الثمانينات؟!.. إن الزوبعة الكاذبة والضالة التي خلقوها بإيهام البلدان البترولية بوصولهم إلى خلق مواد بديلة للطاقة. في ذلك الحين، وتحول البترول إلى مادة نتنة سوف تفسد في آبارها، هي التي أدت إلى السرعة المدهشة في زيادة الإنتاج وفيضان السوق الأوروبية والغربية برمتها ومخازنها بالبترول وتخلي الحكام عن سياساتهم التي كانت معتمدة للحد من إهدار الطاقة، هذه المادة النادرة، والقابلة للنفاد عن قريب، والتي هي بمثابة الشريان الرئيسي الذي يمد الحياة إلى كافة المرافق الحيوية، ليس في الغرب وحده، بل في العالم أجمع، بعد أن أصبحت بفعل التدويل، على النمط الغربي في كافة متطلبات الحياة.
وأين هو القانون الذي كان لا بد أن يعمل في ظل الانتعاش الاقتصادي العالمي لينعكس -كما كان في السابق- بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية بدل انخفاضها؟!..
إن هذا الانخفاض الفاحش لأسعار الطاقة والمواد الأولية الأخرى، كان -في الواقع- هو الذي أدى إلى انخفاض معدلات التضخم في البلدان الغربية إلى مستوى لم تشهده من قبل (من العشرينات إلى الرقم الواحد أو الرقمين)، هذا، بينما تصاعدت في البلدان المسروقة أضعافاً مضاعفة لدرجة أصبحت كلفة الحياة فيها تفوق كلفتها في البلدان الغربية إلى حدٍ كبير، مع الاختلاف الفاحش بمستوى الدخل (من عشرات إلى مئات المرات). وهكذا، فقانونهم في العرض والطلب يسرق المواد الأولية وثروات شعوبهم بأسعار شبه مجانية، ويسرق دخول هذه الشعوب التافهة ببضائعهم الباهظة الثمن.
فكيف لنا ألا نتصور أن هذا النظام سوف يؤول بالقسم الأكبر من بلدان العالم إلى الدمار الكامل، وإلى شعوبها بالإبادة جوعاً وسقماً وبلاءً...!؟
- قوانين توزيع الدخل.
إن هذه القوانين، كما شرحها ريكاردو وغيره من الأقطاب الكلاسيكيين، تقضي بتخصيص جزء من الإنتاج أجراً للعامل يحدد وفقاً لقيمة المواد الغذائية القادرة على إعاشته والاحتفاظ بقواه للعمل، ويقسم الباقي على شكل: ربح، وفائدة، وريع .
لقد استخلص الاقتصاد الرأسمالي من ذلك أن للأجور قانوناً حديدياً لا يمكن بموجبه أن تزيد الأجور أو تنقص، وإن زادت أو انخفضت كمية النقد التي يتسلم بها العامل أجره تبعاً لارتفاع قيمة المواد الغذائية وهبوطها.
ويتلخص هذا القانون الحديدي في أن العمال إذا ازدادت أجورهم لسبب ما، فسوف تتحسن حالتهم المعيشية ويقدمون بصورة أكثر على الزواج والتناسل، فتكثر الأيدي العاملة، ويتضاعف العرض، فتنخفض الأجور إلى الحد الطبيعي.
وإذا حدث العكس أدى ذلك إلى انتشار البؤس والمرض في صفوفهم، فيقل عددهم وتنخفض كمية العرض، فترتفع الأجور.
وبهذا، فقد بات الإنسان في ظل الحرية الرأسمالية نفسه سلعة خاضعة لقوانين العرض والطلب، وأصبحت الحياة الإنسانية رهناً لهذه القوانين، وبالتالي رهن القانون الحديدي للأجور. فإذا زادت القوى البشرية العاملة، وزاد المعروض منها على مسرح الإنتاج الرأسمالي، انخفض سعرها لأن الرأسمالي سوف يعتبر ذلك فرصة حسنة له على حساب أتعاب الآخرين، فيهبط بأجورهم إلى مستوى لا يحفظ لهم حياتهم، كما قد يقذف بعدد هائل منهم إلى الشارع يقاسون آلام الموت جوعاً، لا لشيء إلا لأنه يتمتع بحرية غير محدودة. والأمل الوحيد الذي تقدمه الرأسمالية للطبقة العمالية المذكورة هو في انخفاض عددهم بسبب تراكم البؤس والشقاء والموت من الجوع، لكي يقل عددهم، ويزيد الطلب عليهم على العرض لترتفع أجورهم وتتحسن أحوالهم.
هذا القانون الذي يتقدم به إلينا الاقتصاديون الكلاسيكيون بوصفه تفسيراً علمياً، وقانوناً طبيعياً للحياة الاقتصادية، لا ينطبق، في الحقيقة -إلا على المجتمعات الرأسمالية التي لا يوجد فيها ضمان اجتماعي عام، ويعتمد التسعير فيها على جهاز السوق. أما في مجتمع يسود فيه مبدأ الضمان الاجتماعي العام لمستوى حياة كريمة كالمجتمع الإسلامي، أو في مجتمع يلغي فيه جهاز السوق ويجرده من وظيفته في تحديد الأسعار تبعاً لنسبة العرض إلى الطلب، كالمجتمع الاشتراكي، فلا تتحكم فيه تلك القوانين أصلاً.
والآن، بعد أن فاضت سوق العمل الغربية بالأيدي العاملة -على مختلف المستويات- الوافدة من كل حدبٍ وصوب، بسبب الحروب الدائرة في كل مكان بين الشركات العالمية الأمريكية والأوروبية، بأيدي الشعوب نفسها، وما تمخص عن النظم الاقتصادية المفروضة على العالم من استهتار بالإنسان وتشريده وتجويعه، فإن إجرة العامل هبطت -في كل مكان- إلى دون ما يسمى بعتبة الفقر، خالية من أي ضمان صحي أو اجتماعي، كما أصبح العامل معرضاً للطرد في أية لحظة كانت، وأعتقد أن لذلك أيضاً علاقة بانهيار المعسكر الاشتراكي، فلم يعد هناك من خطر يهدد النظام الرأسمالي من دولة العمال وثورة العمال، بل أصبح العكس هو الصحيح، فالعولمة الأمريكية ومنافستها الأوروبية قد أعلنتا الحرب الطبقية على العمال، وفازت بها...!
وهكذا، فإن الهيكل العلمي للاقتصاد الرأسمالي ليس له صفة القوانين العلمية الموضوعية، فلم يبق منه إلا الإطار المذهبي.
ب- الاقتصاد الرأسمالي كمذهب
يرتكز المذهب الرأسمالي على أركان ثلاثة رئيسية هي:
حرية التملك، وحرية الاستغلال- وحرية الاستهلاك
1- الأخذ بمبدأ الملكية الخاصة بشكل غير محدود:
فالملكية الخاصة، في هذا المبدأ، هي القاعدة العامة التي تمتد إلى كل المجالات، وميادين الثروة المتنوعة، على العكس من المذهب الاشتراكي، ولا يجوز الخروج عنها إلا بحكم ظروف استثنائية، تضطر أحياناً إلى تأميم بعض المشاريع. ويتكفل القانون في المجتمع الرأسمالي بحماية الملكية الخاصة، وتمكين المالك من الاحتفاظ بها.
2- حق كل فرد باستغلال ملكيته وتمكينه من ذلك، والسماح له بتنمية ثروته بمختلف الوسائل والأساليب التي يتمكن منها.
وتستهدف هذه الحرية أن تجعل الفرد العامل الوحيد في الحركة الاقتصادية، إذ ما من أحد أقدر منه على معرفة منافعه الحقيقية وطرق اكتسابها.
3- ضمان حرية الاستهلاك.(7/218)
فلكل فرد الحرية في إنفاق ماله كما يشاء واختيار نوع السلع التي يستهلكها، ولا يمنع ذلك لجوء الدولة -في بعض الأحيان- إلى منع بعض السلع، مثل المخدرات.
والسؤال الذي يقفز إلى مجال البحث هو: ما هو الهدف من الحرية الاقتصادية؟
والجواب على ذلك -حسب الاقتصاديين الرأسماليين يتلخص فيما يلي:
1- لأن مصالح الفرد التي يندفع إلى تحقيقها بحرية كاملة ودوافع ذاتية محضة، تتوافق مع مصالح المجتمع، فالحرية -على هذا الأساس- ليست إلا أداة لتوفير تلك المصالح العامة، وضمان ما يتطلبه المجتمع من خير ورفاه.
2- لأن الحرية الاقتصادية هي أفضل قوة دافعة للقوى المنتجة، وأكفأ طريقة لتفجير الطاقات والإمكانيات وتجنيدها لزيادة الإنتاج ومضاعفة الثروة الاجتماعية.
3- وهناك فكرة ثالثة ذات طابع خلقي محض وهي: إن الحرية، بوجه عام، هي حق إنساني أصيل، وتعبير عملي عن الكرامة البشرية، وعن شعور الإنسان بها. فليست هي أداة للرفاه الاجتماعي أو لتنمية الإنتاج فحسب، وإنما هي تحقيق لإنسانية الإنسان ووجوده الطبيعي الصحيح. والآن لنستعرض من خلال التطبيق مدى توافق النتائج التي توصلت إليها الحرية الاقتصادية في النظام الرأسمالي مع أهدافها.
1- مفهوم الحرية كوسيلة لتحقيق المصالح العامة.
ذكرنا أن هذه الفكرة ترتكز على أساس الإيمان بأن الدوافع الذاتية تلتقي دائماً مع المصالح العامة والرفاه الاجتماعي، شرط أن تعمل في جو من الحرية المطلقة المجردة من كل قيد من القيم الروحية أو الخلقية، لأنها حرية حتى في تقدير هذه القيم. فالأفراد أحرار في التقيد في تلك القيم أو رفضها.
فعن طريق التنافس الحر بين مختلف المشاريع الإنتاجية، يعمل صاحب المشروع بدافع من مصلحته الخاصة على تحسين مشروعه والاستزادة من كفاءته حتى يحتفظ بأسبقيته على سائر المشاريع. وأن جزاء من يتخلف عن هذا السباق هو إفلاس مشروعه. فالمنافسة الحرة في النظام الرأسمالي سيف مسلط على رقاب المنظمين يطيح بالضعيف والمهمل والمتكاسل، ويضمن البقاء للأصلح.
لقد أصبح اليوم حديث التوافق بين المصالح العامة والدوافع الذاتية في ظل الرأسمالية والحرية المطلقة أدعى للسخرية منه للقبول. فالمنافسة الحرة من كل قيد، لم تؤد -في الواقع- إلى إشباع الحاجات الإنسانية بأقل نفقة ممكنة، بل إلى تخفيض نفقات الإنتاج بأقل أجر ممكن لليد العاملة ونقل الإنتاج للخارج، وتسريح العمال، وإعادة الهيكلة. فعلى سبيل المثال، إن أكثر بلدان العالم إنتاجية وثراء (أمريكا) أصبحت أكثر اقتصاديات العالم سرقة للأجور. فالمنافسة المتصاعدة تسببت في إصابة ما يزيد على نصف السكان بالفزع. ففي عام 1995 حصل أربعة أخماس مجمل المستخدمين والعمال الذكور في الولايات المتحدة الأمريكية، عن كل ساعة عمل، على مبلغ تقل قيمته الشرائية عما كانوا يحصلون عليه عام 1973 بمقدار 11%، أي أن المستوى المعيشي الفعلي للغالبية العظمى للشعب الأمريكي قد انهار في العقدين الأخيرين مع بلوغ أمريكا مرتبة "أكثر اقتصاديات العالم إنتاجية"، وفرحة كلينتون بالازدهار الذي يعم الاقتصاد الأمريكي "على نحو لا مثيل له منذ ثلاثين عاماً". هذا، علماً بأن الأجر قد انخفض بالنسبة للثلث الأدنى في سلم الدخول على نحو أشد مما سبق: فهذه الملايين من السكان صارت تحصل على أجر يقل بمقدار 25 % عما كان سائداً قبل عشرين عاماً.
وهذا لا يعني أن المجتمع الأمريكي، إجمالاً، هو الأفقر. إذ لم يسبق أبداً أن حاز الأمريكيون على ما يحوزون عليه اليوم من الثروة والدخول. إلا أن المشكلة تكمن فقط في أن النمو المتحقق هو برمته من حصة الخمس الثري، أي من حصة العشرين مليون عائلة لا غير، حسب الإحصاءات.
وحتى في إطار هذه الفئة يتوزع الدخل توزيعاً غير عادل على نحو شديد للغاية. فواحد بالمائة من أثرى العائلات تضاعف دخلها مرات عديدة منذ 1980. وهكذا، أضحى أغنى الأغنياء، أي حوالي نصف مليون مواطن يمتلكون اليوم ثلث الثروة التي يمتلكها الأهالي في الولايات المتحدة الأمريكية. وانعكست هذه الثمار على مديري المشروعات الكبيرة. الذين ارتفع دخلهم، العظيم أصلاً، بشكل صاف بمقدار 250% خلال السنوات السبع الأخيرة.
ويحصل غالبية هؤلاء المديرين الكبار على رواتبهم العالية إكراماً لما يبذلون من جهد يرمي إلى تخفيض تكاليف العمل من ناحية الأجور، بكافة السبل بما فيها الانتقال من الوطن إلى أي بقعة من بقاع العالم.
فعلى سبيل المثال، تشغل المشروعات الأمريكية في المكسيك ما يقرب من نصف مليون عامل بأجر يقل عن دولار واحد في اليوم. أضف إلى هذا، أن هؤلاء العاملين لا يحصلون على أية مدفوعات اجتماعية كالتأمين الصحي أو الضمان الاجتماعي. وفي كافة القطاعات طور المديرون القياديون استراتيجيات يستطيعون من خلالها تفادي تأسيس أية تنظيمات تدافع عن مصالح العاملين لديهم. وكما قال lester Thurou (لستر ثارو): "إن بوسع المرء أن يدعي أن من في أمريكا من رأسماليين، قد أعلنوا الحرب الطبقية على عمالهم، وأنهم قد فازوا بها".
والسؤال الذي يفرض نفسه في الوقت الحاضر، إذا كان هذا هو عليه الحال في أمريكا، قلب الحرية النابض؛ فإلى أي مدى يمكن أن تضمن الدوافع الذاتية للرأسماليين فيها تحقيق المصالح العامة في مختلف المجتمعات.
وبمعنى آخر، هل تتوافق المصالح الخاصة للمجتمع الرأسمالي مع مصالح غيره من المجتمعات البشرية، وخاصة بعد أن مد أجنحته لتطال، عن طريق العولمة، كل بقعة من بقاع العالم، مع ما ذكرنا من تجرده المذهبي من كل الإطارات الروحية والخلقية. ألسنا نعيش في الوقت الحاضر نظام السخرة واستعباد الشعوب في أراضيها لحسابه واستعبادها لقضاء دوافعه الذاتية فقط؟!
والواقع التاريخي للرأسمالية هو الذي يجيب على هذا السؤال.
فكلنا يعلم ما قاسته الإنسانية على أيدي المجتمعات الرأسمالية نتيجة لفراغها الروحي، وانهيارها الخلقي. فالحرية الاقتصادية التي لا تحدها حدود معنوية، هي من أفتك أسلحة الإنسان بالإنسان، وأفظعها إمعاناً في التدمير والخراب. لقد كان من نتاج هذه الحرية مثلاً، تسابق الدول الأوروبية بشكل جنوني على استعباد البشر الآمنين وتسخيرهم في خدمة الإنتاج الرأسمالي. وتاريخ أفريقيا وحدها صفحة من صفحات ذلك السباق المحموم، تعرضت فيه القارة الأفريقية لطوفان من الشقاء، إذ قامت دول عديدة كبريطانيا، وفرنسا، وهولندا وغيرها، باستيراد كميات هائلة من سكان أفريقيا الآمنين، وبيعهم في سوق الرقيق، وتقديمهم قرابين للعملاق الرأسمالي. وكان تجار تلك البلاد يحرقون القرى الأفريقية ليضطر سكانها إلى الفرار مذعورين، فيقوم التجار بكسبهم وسوقهم إلى السفن التجارية التي تنقلهم إلى بلاد الأسياد. وما قيام بريطانيا، فيما بعد بحملة واسعة ضدهم وضد القرصنة، إلا تمهيداً لقرصنتها وحدها، حيث أتت بأسطولها الفخم إلى سواحل أفريقيا، واحتلت مساحات كبيرة على الشواطئ الغربية وبدأت بعملية استعباد لا نظير لها في التاريخ.(7/219)
ومن العبودية والاستعمار البريطاني، عانت القارة خلال مدة نصف قرن خلت من فظائع الحروب والانقلابات على أيدي النظامين المسيطرين على العالم، الشرقي والغربي على السواء. وبقيت تتأرجح من أيدي الماركسيين إلى أيدي ما يسمى بالديموقراطيين، مع كل ما تبع ذلك من قلب بنياتها رأساً على عقب، وتبديد ثرواتها، ونهك قيمها الروحية والفكرية، وسرقة كل ما هو ضروري لحياة شعوبها. وها هي تحت ظل نظام العولمة الجديد، تحل فيها قرصنة أمريكا بأجلى صورها. فمع اعتذار الرئيس الأمريكي كلينتون لها من التاريخ، تشعل فيها الحروب الطاحنة من كل حدبٍ وصوب بين الشركات الأمريكية، الغازين الجدد، والشركات الأوروبية الغزاة التقليديين، لاغتصاب ثرواتها المعدنية الدفينة، هذه الحروب التي تجري بأيدي شعوبها بالذات وباسم الديموقراطية والحرية..!
فهل لنا أن نعتقد بأن الحرية الرأسمالية. التي تعمل دون أي اعتبار روحي أو خلقي، بإمكانها أو تستطيع تحويل جهود البشر في سبيل مكاسبهم الخاصة، إلى آلة تضمن المصالح العامة والرفاه للجميع؟!...
وهذا، في الواقع، لا يقتصر على أفريقيا وحدها، بل يشمل جميع أنحاء العالم التعيس. فحمى التخصيص، في ظل العولمة، وما يرافقها من تسريحات عشوائية للعمال، نتيجة الصهر والإندماج للمؤسسات الإنتاجية والمرافق العامة، والسلب لقواهم الشرائية وحقوقهم الاجتماعية والصحية.. الخ، لم تستثنِ أي بلد على الإطلاق، وهي بصفتها حرب ضارية على الطبقة العاملة، ليست كبقية حروب الطبقات التي شاعت منذ أوائل القرن حتى الآن؛ ذلك أنها تصيب ما يزيد على 95% من الجنس البشري على وجه الكرة الأرضية، بعد أن نسف من الوجود كل منتج خاص أو تقليدي، وتحول القسم الأعظم منها، في كافة فروع الإنتاج إلى عمال، واقتصرت الفعاليات الاقتصادية على الشركات العالمية في كل مكان. وهكذا، تحولت الرأسمالية إلى سلاح جاهز بيد الأقوياء يشق لهم الطريق، ويعبد أمامهم سبل المجد والثروة على جماجم الآخرين...!
2- الحرية سبب لتنمية الإنتاج
لا بد لإيضاح هذا الخطأ الجسيم من عرض بعض نتائج تنمية الإنتاج في ظل الحرية الرأسمالية:
لنتساءل أولاً: ما هي المشاريع التي نما إنتاجها في ظل الحرية المطلقة المقرونة بألوان لا حصر لها من الظلم والاستهتار والجشع والطمع؟!
إنها -بدون شك- المشاريع القوية التي حطمت غيرها من المشاريع (دون حاجة إلى تأميم)، وبدأت بالاحتكار تدريجياً إلى أن قضت على كل لون من ألوان التنافس وثمراته في مضمار الإنتاج. وتحولت بذلك المنافسة إلى صفر.
فالتنافس الحر الذي يواكب الحرية بالمعنى الذي يسمح بزيادة الإنتاج، لا يواكب الحرية والرأسمالية إلا شوطاً محدوداً، ثم يخلي الميدان بعد ذلك للاحتكار، الذي ينجم عنه تراجع النمو الاقتصادي نتيجة الجشع والطمع من جهة المنتجين، وتضاؤل القوة الشرائية لدى المستهلكين، وهكذا فإن النظام الاستهلاكي يقضي على المستهلكين...!
إن الزيادة في الإنتاج -في الواقع- لم تقترن بانخفاض الأسعار، لفقدان المزاحمة رغم انخفاض كلفة الإنتاج بسبب انهيار أسعار المواد الأولية، وسرقة حقوق العمال، ولم تترافق بتوفير قدر أكبر من السعادة للمجتمع الرأسمالي نفسه، نظراً لسوء التوزيع الذي رافق الوفرة في الإنتاج.
والمذهب الرأسمالي أعجز ما يكون عن امتلاك الكفاءة التوزيعية التي تضمن رفاه المجتمع وسعادة الجميع. فالرأسمالية -في الواقع- تعتمد في التوزيع على أساس جهاز الثمن. وهذا يعني أن من لا يملك ثمن السلعة ليس له الحق في الحياة. وبذلك يحكم بالموت جوعاً على من كان عاجزاً عن اكتساب هذا الثمن لعدم قدرته على المساهمة في الإنتاج، أو لعدم تهيئة فرصة له للمساهمة، أو لوقوعه فريسة في يد المساهمين الأقوياء الذين سدوا في وجهه كل الفرص. ولهذا كانت بطالة الأيدي العاملة في المجتمعات الرأسمالية من أفجع الكوارث الإنسانية في المجتمعات الأخرى.
فليست المبالغة في كفاءة المذهب الرأسمالي وقدرته على تنمية الإنتاج إلا تضليلاً وستراً للجانب المظلم منه، والذي يحكم بالحرمان من التوزيع على من لا يحصل على القطع السحرية من النقود.
فما الفائدة إذاً من زيادة الإنتاج إذا لم يقترن بالرفاه الاجتماعي العام؟ إن الرفاه العام لا يتعلق بكمية الناتج العام، بمقدار ما يتعلق بكيفية تقسيم هذا الناتج على الأفراد. ولذا فقد قرن الإسلام وشريعته الإلهية التنمية بالتوزيع كما سنرى فيما بعد.
3- الحرية تعبير عن الكرامة الإنسانية
أي بوصفها المظهر الجوهري للكرامة وتحقيق للذات اللذين ليس للحياة بدونهما أي معنى. والمراد بالحرية الجوهرية توفير القدرة والوسائل والشروط التي تعين الفرد على النجاح في عمله كإنسان في ظل الحرية.
والرأسمالية، في الواقع، بعيدة كل البعد عن هذه الحرية بالمعنى الجوهري، وتقتصر على الحرية الشكلية، أي حرية أصحاب الثروات الضخمة في الاستزادة من ثرواتهم بالطرق التي تتفق مع مصالحهم الشخصية، وحريتهم في استخدام العامل أو رفضه، وحرية رجال السلطة في استخدام أتباعهم في أعلى المراكز، ولو لم يملكوا من المؤهلات ما يسمح لهم بذلك وحريتهم في تحويل الخطأ إلى صواب والصواب إلى خطأ، وحريتهم في كم الأفواه التي لا توافقهم، وشطب العلوم التي ليست من مصلحتهم.. الخ.
وهكذا، فإن هذه الحرية الشكلية لا تتأتى إلا لعدد ضئيل جداً من الشعب، بحيث تحولهم -لشدة المبالغة في الحرية- إلى صفة الهمجية، في الوقت الذي يراد منها أن تمثل الصفة الأولى للإنسانية.
فتحت اسم نظام السوق الغوغائي تتحكم في العالم أجمع، في الوقت الحاضر طبقة ضئيلة جداً من الشبان المراهقين، دون علم ولا خبرة ولا إحساس بالمسؤولية، مدعومة بأجهزة تكنولوجية على درجة كبيرة من السرعة والفعالية، ولا تخضع لسيطرة أية حكومة، حتى في أمريكا نفسها، حامية هذا النظام. ويكفي أن يعلن أي مسؤول عن حصول تباطؤ في أي رقم من الفعاليات الاقتصادية في بلاده، حتى تقوم بنزح كل ما لديها من أموال، غدت خفيفة الحركة لاعتمادها على الأسهم والسندات والمضاربات بها وبالعملات، وتؤدي بالبلد، في لمح البصر إلى الإفلاس*.
أما بقية أفراد الشعب، فالحرية الشكلية التي تؤمنها لهم لا تعدو السماح لهم بممارسة مختلف ألوان النشاط الاقتصادي في سبيل الغايات التي يسعون إلى تحقيقها دون أن تعينهم على ذلك.
إن إقرار هذا النوع من الحرية الشكلية، يعني عدم إمكان وضع مبدأ لضمان العمل للعامل، أو ضمان المعيشة لغير العامل من العاجزين، لأن وضع مثل هذه الضمانات لا يمكن أن يتم بدون تحديد تلك الحريات التي يتمتع بها أصحاب العمل وأرباب الثروة.
وهو ما يتنافى مع مبدأ الحرية الشكلية التي تسمح لكل شخص بالتصرف في المجال الاقتصادي كما يريد. ولما كانت الرأسمالية تؤمن بهذا المبدأ، فقد وجدت نفسها مضطرة إلى رفض فكرة الضمان أي فكرة الحرية الجوهرية. ولكن!... لقد تبين -بما لا يدع أي مجالٍ للشك: "أن من يعمل ليعيش وحده، لا بد من أن يزول هو أيضاً، إن آجلاً أو عاجلاً، مع المجموع...(7/220)
فالحرية -في الواقع- إن كانت نزعة أصيلة في الإنسان لأنه يرفض بطبعه القسر والضغط والإكراه، ولكن لا بد للإنسان من حاجات جوهرية لا معنى للحرية بدونها. فهو بحاجة -مثلاً- إلى شيء من السكينة والاطمئنان في حياته، لأن القلق يرعبه، كما ينغص حياته الضغط والإكراه. فإذا فقد كل الضمانات التي يمكن للمجتمع أن يؤديها له في حياته ومعيشته، خسر بذلك حاجة من حاجاته الجوهرية، وحرم من إشباع ميله الأصيل إلى الاستقرار والثقة، كما خسر حريته كاملة. فالتوفيق الدقيق والحكيم بين حاجة الإنسان الأصيلة إلى الحرية، وحاجته إلى الاستقرار مثلاً في العمل، والثقة في المستقبل، وسائر حاجاته الأصلية الأخرى في الحياة، هو العملية التي يجب أن يؤديها أي مذهب كان للإنسانية، إذا أراد أن يكون عالمياً قائماً على أسس راسخة من الواقع الإنساني.
وأخيراً، فإن موقف الرأسمالية من الحرية والضمان ينسجم كل الانسجام مع الإطار العام للتفكير الرأسمالي، لأن الضمان ينطوي على فكرة تحديد حريات الأفراد والضغط عليها، ولا تستطيع الرأسمالية أن تجد لهذا الضغط والتحديد مسوغاً على أساس مفاهيمها العامة عن الكون والإنسان.
إن الضغط والتحديد في الإسلام، يستمد -في الواقع- مبرره من الإيمان بسلطة عليا تمتلك حق تنظيم الإنسانية وتوجيهها في حياتها، ووضع الضمانات المحددة لحريات الأفراد، على ضوء الدين الحنيف، إذ يرى أن للإنسان خالقاً حكيماً من حقه أن يصنع له وجوده الاجتماعي، ويحد طريقته في الحياة لصالحه وصالح الإنسانية جمعاء.
أوجه الالتقاء بين الماركسية والرأسمالية
بعد كل ما تقدم، لسنا بحاجة إلى كثير من الجهد لنبين أن الرأسمالية مقرونة بالحرية المطلقة، تلتقي مع المذهب الماركسي في عدة نقاط جوهرية:
- إن كلا النظامين أعطى القيمة الرئيسية في المجتمع لمالكي وسائل الإنتاج والمسيطرين عليها، وإن مصالح الإنتاج هي التي تحدد القيم التي تحكم المجتمع لا مصالح الإنسان.
- إن وسائل الإنتاج انحصرت في يد الأقوياء في النظامين، في يد رجال الحزب السياسي الذين يملكون السلطة السياسية في النظام الاشتراكي، وفي يد المحتكرين للإنتاج والذين يفرضون رجال السلطة السياسية في النظام الرأسمالي.
وبهذا، فإنهم يجمعون بين السلطة والمال بآن واحد في كلا النظامين*.
ويتساوى النظامان بتدويل نظاميهما وفرضهما على جميع بلدان العالم وشعوبها، وكأن العالم في كل مكان، ورغم بعد المسافات واختلاف العقول والثقافات والمعطيات، يعاني من ذات المشاكل وذات الهموم، ويتقبل ذات الحلول، حتى وإن ثبت أن هذه الحلول غير ناجعة في موطنهم بالذات. هذا، مع كل مازامن هذا التدويل من نبش وقلب للبنيات الأساسية من هذا النظام أو ذاك...
- أليست التحولات التي حصلت لصالح الاشتراكية في بلدان العالم الثالث عن طريق تجريد الزراع والصناع المحليين من وسائل رزقهم وإنتاجهم بغية خلق الطبقة الرأسمالية التي تستطيع أن تشيد المصانع والمزارع الكبيرة التي هي الطريق إلى الاشتراكية، حسب زعمها، أليست هذه التحولات هي نفسها التي فرضها أيضاً النظام الرأسمالي على هذه البلدان باسم التخلص من التخلف، لإحلال الإنتاج المؤسساتي -في الواقع- محلها لصالح الشركات العالمية، وباسم التطور والتقدم؟!...
- أليس في تجريد شعوب بلدان العالم الثالث من ثرواتها الطبيعية، ووسائل إنتاجها، ومهنها، وجعلها تابعة للخارج -في الشرق أو الغرب- ذات المفهوم من العبودية الذي تفسر به الماركسية تحول طبقة أسرى الحرب إلى عبيد للقبائل التي أثرت نتيجة استعبادهم؟
- ألم تعاني شعوب هذه البلدان من سيئات النظامين معاً: جهاز الحكم الدكتاتوري العسكري سياسياً، هبة الماركسية، الذي يبيح لنفسه القتل والسجن والطرد والتعذيب دون حكم أو محاكمة، ويستولي على الممتلكات ويغتصب الحقوق ويتوزعها بين أفراده، والجهاز الاقتصادي الذي لا يرى حرجاً باقتباس النهج الرأسمالي باشنع صوره، والذي يتيح للشركات العالمية الغربية الحرية المطلقة في قلب البلدان أعاليها أسافلها لإبادة كل أثر للإنتاج المحلي بكافة أنواعه، وإعداد البنيات التحتية التي تسهل لها إقامة مؤسساتها الإنتاجية البديلة، على حساب الكروم والبساتين والحقول، التي كانت تغذي الشعوب بأفضل أنواع المنتجات الزراعية وأرخصها*، لإيصال منتجاتها البديلة إلى كل بقعة من بقاع هذه البلدان، وتجعلها تابعة إليها في الغذاء والكساء وكافة الاحتياجات.
- أليس النظامان هما المسؤولان عن إلحاق عملية التفريغ المادي لشعوب بلدان العالم الثالث بالتفريغ الذاتي من الأسس التربوية والأخلاقية والثقافية والعلمية.. الخ وفرض الأسس الغريبة عنهم محلها، من الشرق أو الغرب -حسب الحال- مما جعل السكان الأصليين غرباء في أوطانهم، وعبيداً للأجانب في عقر دارهم؟
هذا، وإذا ما أفاد المذهب الماركسي في شيء، فإنه –مما لا شك فيه- قد أفاد المذهب الرأسمالي، وجعل المنتجين يغدقون بعطاءاتهم للعمال ليسدوا بذلك الطريق الذي يمكن أن تنفذ منه الشيوعية. وما أن زال خطر ثورة العمال المرتقبة، بزوال الاشتراكية نفسها في موطنها بالذات، حتى كشرت السلطات الرأسمالية عن أنيابها، وأخذت بتشليح العمال الضمانات الاجتماعية التي كانت قد منحتهم إياها، وتفننت بألوان التسريح التعسفي، واستغنت أكثر فأكثر عن العمال، وقلصت أجورهم إلى أدنى المستويات، وتحول ثلاثة أرباع المعمورة إلى فقراء..
وها هو ميخائيل كورباتشوف، أخذ يصحو -بعد فوات الأوان- من ثمالة أقداح انتصاره في حركته التصحيحية الميمونة، بعد أن نحي جانباً عشية تأديته واجبه كاملاً نحو أسياده ومخدريه، وأخذ يسير في جنازة شعبه نائحاً، بعد أن سدد له الطعنة المميتة، ليعلق في فندق "الفيرمونت" في سان فرنسيسكو عام 1995، رداً على سؤال أحد الصحفيين التالي:
"إن كنتم تعتقدون أن العالم برمته سيتحول إلى برازيل كبيرة، أعني إلى دول تسودها اللامساواة، مع وجود أحياء مقفلة تسكنها النخب الثرية؟"
فأجاب:
"إنكم بهذا السؤال تطرحون لب المشكلة على بساط البحث.. إنها لحقيقة أن روسيا نفسها أصبحت على شاكله البرازيل".
في الواقع، لقد تحول العالم أجمع إلى برازيل كبيرة... إلا أن هذا لا يعني أن الأسلاك الشائكة، والأجهزة الألكترونية، وكاميرات الليل والنهار، سوف تحمي إلى ما لا نهاية هذه القلة الضئيلة من الأثرياء المتخمين من الطوفان السكاني المتصاعد من الجائعين والمغتصبة حقوقهم والمحرومين، فثورة الجائعين لا ترحم...!
النتيجة.
وهكذا، يتبين لنا مما تقدم أن الاقتصاد كعلم قد خسر برهانه العلمي في النظرية الماركسية والرأسمالية على السواء، وأن الاقتصاد كمذهب، على العكس من الأهداف المرسومة له في كلا المذهبين الدوليين قد أثبت فشله في اكتشاف المشاكل الحقيقية التي تعاني منها الشعوب، لأنه بالأصل لا يهدف فعلاً إلى اكتشافها.
وبالتالي، فإن الحلول التي طرحت لمعالجة المشاكل الوهمية قد أتت على النظام الاشتراكي من أساسه، وأنها، مما لا شك فيه، سوف تأتي -إن آجلاً أو عاجلاً- على النظام الرأسمالي، فبذور انحلاله أخذت تترعرع فيه، وما الانفجارات المالية التي اندلعت في كل مكان من آسيا إلى أوروبا الشرقية، إلى أمريكا اللاتينية، وفي القريب العاجل إلى أوروبا الغربية، ومنها إلى كل مكان من المعمورة، سوف لا تستثني أمريكا، القلب النابض في هذا النظام، من الوقوف عن الخفقان...!(7/221)
وإذا ما كان في تاريخ الإنسانية نظام يستحق أن يعم العالم أجمع لما يغدق على شعوبه من الخير والعدالة والإنسانية والأمان؛ فمما لا شك فيه، إنه النظام السماوي الذي طرحه الإسلام. لقد ضمن فعلاً، في عصوره الزاهرة تحويل شعوب الإمبراطورية الإسلامية التي امتدت في القسم الأكبر من الكرة الأرضية، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، إلى طبقة واحدة؛ ولكنها واحدة بسعادتها ورفاهيتها، ونبوغها، وإنسانيتها وتكافلها مع بعضها، لا إلى طبقة واحدة بشقائها، وفقرها، وتشردها وخوفها على حاضرها ومستقبلها ومستقبل أجيالها، كالنظام الرأسمالي العالمي الجديد... الذي هيمن على العالم وحده في الوقت الحاضر.
والتحديد للحرية في المجتمع الإسلامي لم يكن فقط لصالح المجتمع على حساب الفرد، ولا لصالح الفرد على حساب المجتمع، ولم يكن زجرياً بأكثريته بل كان يتكون في ظل التربية الخالصة التي ينشئ الإسلام عليها الفرد في المجتمع، ويصوغ شخصيته ضمنها. إن لتلك الإطارات قوتها المعنوية الهائلة التي توجه الأفراد توجيهاً صالحاً دون أن يشعروا بسلب شيء من حريتهم. ولذا، فإن هذا التحديد الذاتي لم يكن -في الحقيقة- تحديداً للحرية، وإنما هو عملية إنشاء للمحتوى الداخلي للإنسان الحر، إنشاءً صالحاً بحيث تؤدي الحرية في ظله رسالتها الصحيحة.
فبينما يقول القرن الثامن عشر: "لا يجهلن سوى الأبله، إن الطبقات الدنيا يجب أن تظل فقيرة، وإلا فإنها لن تكون مجتهدة" (آرثر يونج)؛
ويقول القرن التاسع عشر: "ليس للذي يولد في عالم تم امتلاكه حق في الغذاء إذا تعثر عليه الظفر بوسائل عيشه عن طريق عمله أو أهله، فهو طفيلي على المجتمع، ولا لزوم لوجوده، فليس له على خوان الطبيعة مكان، والطبيعة تأمره بالذهاب"(مالتوك)
يقول الإسلام قبل هؤلاء بألف سنة: "إن الفقر والحرمان ليسا نابعين من الطبيعة نفسها، وإنما نتيجة لسوء التوزيع والإنحراف عن العلاقات الصالحة التي يجب أن تربط الأغنياء بالفقراء"؛ ويقول علي كرم الله وجهه:
" ما جاع فقير إلا بما متع به غني"
إن هذا الوعي لقضايا العدالة الاجتماعية في التوزيع، لا يمكن أن يكون وليد المحراث والصناعة البدائية اليدوية، رداً على مفهوم المادية التاريخية، ولا وليد الحرية المطلقة في استغلال الإنسان لأخيه الإنسان المشروطة في النظام الرأسمالي، إنه يكمن في الإنسان ذاته، الإنسان الذي رباه الإسلام فأحسن تربيته، والذي تعتبره كافة الأديان السماوية خليفة لله في الأرض...!
فما هو الإسلام؟
وما هي حقوق الإنسان في الإسلام؟.
- ××× -
القسم الثاني :
الاقتصاد في الإسلام
كعلم أو مذهب
مقدمة: الثورة في المفهوم الإسلامي
يعتقد المفكرون الغربيون، ومن يجري في إثرهم من المستغربين أن الإسلام هو عبارة عن دين وليس باقتصاد، عقيدة وليس بنهج للحياة، علاقة بين العبد وربه، وليس أساساً لثورة اجتماعية اقتصادية صالحة لكل زمان ومكان.
لقد غاب عن خلدهم أن الإسلام هو ثورة حقيقية لا تنفصل فيها الحياة عن الإيمان، وأن المفهوم الاجتماعي فيه يشكل جزءاً لا يتجزأ من المضمون الروحي (لأن الله غني عن العالمين)، وأن هذه الثورة هي وحيدة من نوعها في التاريخ الإنساني.
والوحدانية هي جوهر الإيمان في الإسلام. فهو يحرر الإنسان من كل شكل من أشكال العبودية ما عدا الله (لا إله إلا الله)، وذلك يعني أنه يرفض كل شكل من أشكال "المعبود"، خلال تعاقب الأزمان. وهذا يقود بالذات إلى تحرير كافة ثروات الطبيعة من كل نوع من أنواع الملكيات ما عدا الله، وهنا يربط الإمام علي كرم الله وجهه بين هذين المفهومين في قوله:
"إن العبيد هم عبيد الله، وإن الثروات هي ثروات الله".
وبذلك، فقد هدم الإسلام كل القيود الشكلية، وكل السدود التاريخية التي كانت تمنع الإنسان من السعي الدائم والحثيث من الاتصال بربه والسعي في الأرض لكسب رزقه، سواءً ما كان منها مصطنعاً تحت تأثير الخوف من قوى أسطورية، أو ما كان منها بشرياً، كظالم أو متجبر أو جماعة صغيرة مسيطرة ومستغلة تراكم الأموال على حساب الشعوب وتحول بينها وبين تأمين مستلزماتها الحياتية، وتفرض عليها علاقات تتصف بالعبودية.
من هنا، فقد ناضل النبي في الإسلام، كما ناضل كافة الأنبياء في بقية الأديان، نضالاً ثورياً ضد كل شكل من أشكال الظلم والاستغلال والعبودية. وكما ثاروا لتحرير الإنسان من الداخل لكل شكل من أشكال العبودية لغير الله، فقد جاهدوا لتحرير الأرض وثرواتها من الخارج. وقد لقب التحرير الأول: "الجهاد الأكبر"، والتحرير الثاني: "الكفاح الأصغر، بمعنى أن الأخير لا يتسنى له أن ينجح ويحقق هدفه إلا في إطار الأول. ويستنتج من ذلك:
1- أن الثورة لا تسمح بأن يحل مستغل محل مستغل آخر، ولا أي شكل من الظلم محل شكل آخر، ذلك أنه في الوقت نفسه الذي حرر فيه الإنسان من الاستغلال الخارجي، فقد حرره من داخله من ينابيع الاستغلال للغير الكامنة فيه، وذلك بتغيير مفهوم العالم والحياة بالنسبة إليه.
ولذلك، فالثورة في المفهوم الإسلامي تختلف اختلافاً جذرياً عنها في المفهوم الغربي والشرقي على السواء. فليست في إحلال الرأسمالية محل الإقطاعية، ولا في إحلال الطبقة العاملة محل الطبقة الرأسمالية، أي ليس المقصود منها تغيير أسماء المستغل، وإنما محوه من جذوره وتحرير الإنسان من كل شكل منافٍ للعدالة الإنسانية من الخارج ومن داخل نفسه بالذات (لأن النفس أمارة بالسوء...)
2- إن كفاح الأنبياء ضد الظلم والاستغلال، لم يأخذ شكل كفاح الطبقات، كما هو الحال في كثير من الثورات الاجتماعية في التاريخ، حيث أنها ثورة إنسانية هدفها تحرير كل إنسان، من أية طبقة كان، وتحريره من شيطانه في الداخل أولاً. فليس كل إقطاعي ظالماً، وليس كل غني مستغلاً ولا كل عامل ملاكاً، ولا كل فلاح نبيلاً..! ولذا، فقد سمى النبي الكريم هذا الكفاح "الكفاح الأكبر".
وبفضل هذا الكفاح استطاع الإسلام أن يحقق مطالب الكفاح الأصغر، بحيث أيقظ في كافة النفوس مكامنها الخيرة والحسنة، وفجر فيها الطاقات الإبداعية، وقضى على جذور السيئات في أعماقها.
إن الثوري الذي يتابع خط الأنبياء، في "الكفاح الأكبر"، ليس بذلك الإنسان المستغل الذي يحسب أنه يستمد قيمته من امتلاك وسائل الإنتاج، ووسائل السيطرة والنفوذ في الأرض، فيلجأ إلى اقتناصها من أيدي المالكين الأصليين واقتنائها في حوزته، حاسباً بأن انتماءه إلى طبقة المستغلين هو الذي يحدد مكانه في النضال الاجتماعي. إن الثوري الذي يسير في خط الأنبياء، هو ذلك الإنسان الذي يستمد قيمته من جهوده التي يبذلها بالتقرب من الله عن طريق نفعه لعباده "أحبهم إلى الله أنفعهم لعباده"، واتصافه بكافة القيم الإنسانية، والذي يضارع بضراوة كل أشكال الاستغلال التي يعتبرها اختلاساً للقيم الإنسانية، والانحراف بها عن مسيرها الحقيقي وتحقيق أهدافها الكبرى، نحو إلهائها بالتفتيش عن الغنى والإثراء الفاحش بشتى الوسائل.
إن ما يحدد هذا الوصف الثوري الذي يتبع خط الأنبياء هو درجة نجاحه في الكفاح الأكبر، وليس وضعه الاجتماعي، ولا الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها.
وسنتناول عناصر البحث في الاقتصاد الإسلامي، على منوال البحث في النظامين الماركسي والرأسمالي، بمحاولة الفصل إلى علم ومذهب، علماً بأن الإسلام لا يدعي لاقتصاده بصفة العلم. وقد سبق أن نفينا أيضاً صفة العلم عن كل من النظامين الاقتصاديين السابقين.
آ- الاقتصاد الإسلامي كعلم(7/222)
إن المذهب الإسلامي لا يزعم لنفسه الطابع العلمي، كالمذهب الماركسي، كما أنه ليس مجرداً عن أي أساس عقائدي معين أو أية نظرة إلى الحياة والكون سوى النفع المادي، كالمذهب الرأسمالي. وقد أثبتنا فيما سبق أنهما لا يملكان بالفعل صفة العلم.
وبمعنى آخر، فالاقتصاد الإسلامي ليس علماً مصطنعاً لقوانين يعتبرها طبيعية، وهي -في الواقع- غير طبيعية (الماركسية)، ولا كعلم الاقتصاد السياسي الذي يراقب ويحسب ليقدم التفاسير والتعليلات التي لا طائل تحتها (فالتعديلات التي تطرأ عليه كل عام تتجاوز الأسس الثابتة، وتذخر بالتناقضات).
فالاقتصاد الإسلامي -كما ذكرنا- هو ثورة لقلب الواقع الفاسد وتحويله إلى سليم. إنه ثورة من داخل النفس على النفس الأمارة بالسوء لكي تصبح كريمة سخية عادلة جديرة بصفة الإنسان. إنه تغيير الواقع، لا وصف وتفسير له. كما أنه ليس علماً افتراضياً مرسوماً في أروقة المكاتب، والذي جاءت نتائجه خاطئة وبعيدة جداً عن الواقع.
وما لنا وكلمة العلم في هذا المجال. فلم يسبق في تاريخ الحضارات التليدة التي تعاقبت على الكون، في عظمتها وجلالها وسموها وعبقريتها، أن ادعت حضارة أن اقتصادياتها كانت تقوم على العلم، أو أنها ابتدعت نظريات علمية اقتصادية، خاصة وقد ثبت لنا أن الاقتصاد العلمي، بشقيه الشرقي والغربي، لاقى فشلاً ذريعاً في نظرياته خلال مدة لم تتجاوز النصف قرن، بينما استمر الإسلام ينشر رايته الخيرة، ويسبغ السعادة والرفاهية على الشعوب كافة مدة قرون عديدة. فما هي الأسس التي بني عليها المذهب الاقتصادي في الإسلام.
ب- الاقتصاد الإسلامي كمذهب
الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي:
يتميز الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي بأركان رئيسية ثلاثة تختلف عن سائر المذاهب الاقتصادية الأخرى وهي:
1- مبدأ الملكية المزدوجة
2- مبدأ الحرية الاقتصادية في نطاق محدود
3- مبدأ العدالة الاجتماعية.
1- مبدأ الملكية المزدوجة
يختلف الإسلام عن الرأسمالية والاشتراكية في نوعية الملكية التي يقررها اختلافاً جوهرياً.
فالرأسمالية تؤمن بالملكية الخاصة كقاعدة عامة، لمختلف أنواع الثروة في البلاد، ولا تعترف بالملكية العامة إلا حين تفرضها الضرورة الاجتماعية القصوى.
والاشتراكية، على العكس من ذلك، تعتبر فيها الملكية الاشتراكية أو ملكية الدولة بمثابة المبدأ العام الذي يطبق على كل أنواع الثروة في البلاد.
أما الإسلام، فيقر الأشكال المختلفة للملكية في وقت واحد. فيضع مبدأ الملكية المزدوجة (الملكية ذات الأشكال المتنوعة) بدلاً من مبدأ الشكل الواحد للملكية الذي أخذت به الرأسمالية والاشتراكية. فهو يؤمن بالملكية الخاصة، والملكية العامة، وملكية الدولة. ويخصص لكل شكل من هذه الأشكال حقلاً خاصاً تعمل فيه. دون أن يعتبر شيئاً منها شذوذاً واستثناءً، أو علاجاً مؤقتاً اقتضته الظروف.
ولهذا، كان من الخطأ أن يسمى المجتمع الإسلامي مجتمعاً رأسمالياً، وإن سمح بالملكية الخاصة، لأن الملكية الخاصة بالنسبة إليه ليست هي القاعدة العامة. كما أن من الخطأ أن نطلق على المجتمع الإسلامي اسم المجتمع الاشتراكي، وإن أخذ بمبدأ الملكية العامة، لأن الشكل الاشتراكي للملكية ليس هو القاعدة العامة في رأيه.
وكذلك من الخطأ أن يعتبر مزجاً مركباً من هذا وذاك، لأن تنوع الأشكال الرئيسية للملكية في المجتمع الإسلامي، لا يعني أن الإسلام مزج بين المذهبين وأخذ من كل منهما جانباً، وإنما يعبر ذلك التنوع في أشكال الملكية عن تصميم مذهبي أصيل، قائم على أسس وقواعد معينة، وموضوع ضمن إطار خاص من القيم والمفاهيم تناقض الأسس والقواعد التي قامت عليها الرأسمالية الحرة والاشتراكية الرأسمالية.
فتحديد نوع الملكية يمكن أن يستوحى من الطبيعة ذاتها للثروات الطبيعية:
فالملكية العامة، كمنابع، المياه، والأحراش، والمراعي ومصادر الطاقة، والثروات المعدنية عموماً هي، كالشمس والهواء ملك لكل ما خلق الله على وجه الأرض.
فهي ملكية مشتركة منع الإسلام الفرد من الاختصاص بها، وفرض ألا يتملك منها إلا بقدر حاجته.
وحتى المعامل التي تقوم باستثمار هذه الثروات يجب أن تكون مشتركة لأن الإنتاج من حق المجموعة. فإذا ملك فرد مصنعاً لاستخراج هذه الثروات، فهذا يعني أنه سيستخرج منها أكثر من حقه فيها، أي ما هو حق لمجموع أفراد المجتمع.
ولذا، فعلى الجماعة الممثلة بالدولة أن تتولى تنظيم استخراج هذه المواد وتوزيعها على المجموع لأن الفرد سيلجأ إلى بيعها للناس وهذا لا يجوز لأنها من حقهم على الدولة.
نظرة الإسلام العامة إلى الأرض
تقسم الأرض إلى قسمين:
- الأرض العامرة طبيعياً: وهي التي وفرت لها الطبيعة شروط الحياة والإنتاج من ماء ودفء ومرونة في التربة وما إلى ذلك.
- الأرض الميتة: وهي التي بحاجة إلى جهد إنساني يوفر لها تلك الشروط.
فالأرض العامرة هي ملك للدولة، وكذلك بالنسبة للأرض الميتة، أي ذات طابع عام للملكية. إلا أن إحياء الأرض الميتة، أي إنفاق الفرد جهداً خاصاً على أرض ميتة، يمنح هذا الفرد الحق بالانتفاع بالأرض، ما دام عمله مستمراً في الأرض، فإذا استهلك عمله، أو توقف عن استثمارها سقط حقه فيها. أي أن العمل في الأرض ليس سبباً لتملك الفرد رقبة الأرض وإنما سبباً لحقه في الانتفاع فيها فقط. ويسمح الإسلام من الناحية النظرية للإمام بفرض الضريبة عليه لتساهم الإنسانية كلها في الاستفادة من الأرض، التي هي -في الأصل- ليست ملكاً أو حقاً لأي فرد، إنها هبة من الله تعالى للإنسانية جمعاء وكافة الكائنات الحية على وجه الأرض.
المواد الأولية:
تأتي المواد الأولية بعد الأرض مباشرة في الأهمية. فكل ما يتمتع به الإنسان من سلع وطيبات مادية مردها إلى الأرض. وما تذخر به من مواد وثروات معدنية.
ويقسم الفقهاء المعادن إلى قسمين: المعادن الظاهرة، والمعادن الباطنة.
فالمعادن الظاهرة: هي التي لا تحتاج إلى مزيد من العمل لإجلاء جوهرها، كالملح والنفط مثلاً. أي المعدن الذي تكون طبيعته المعدنية بارزة، سواءً احتاج الإنسان إلى حفر وجهد للوصول إلى آباره في أعماق الطبيعة، أو وجده بيسر وسهولة على سطح الأرض (أي كله من عطاء الله، عدا استخراجه)
وأما المعادن الباطنة: فهي كل معدن احتاج في إبراز خصائص المعدنية إلى عمل وتطوير، كالحديد والذهب (أي يحتاج إلى جهد زائد من البشر)
والرأي الفقهي السائد أن المعادن الظاهرة تعتبر من المشتركات العامة بين كل الناس، فلا يعترف الإسلام لأحد بالاختصاص بها، ولأنها مندرجة ضمن الملكيات العامة. ويسمح للأفراد بالحصول منها على قدر حاجتهم، دون أن يستأثروا بها أو يتملكوا ينابيعها.
وعلى هذا، يصبح للدولة وحدها الحق في أن تستثمرها، بقدر ما تتطلبه الشروط المادية للإنتاج والاستخراج من إمكانيات، وتضع ثمارها في خدمة الناس.
أما المشاريع الخاصة التي يحتكر فيها الأفراد استثمار المعدن، فتمنعها منعاً باتاً. ولو مارست تلك المشاريع العمل والحفر للوصول إلى المعدن واكتشافه في أعماق الأرض، فليس له الحق في تملك المعدن وإخراجه عن نطاق الملكية العامة.
وأما المعادن الباطنة: إنها في الرأي الفقهي السائد من المشتركات العامة، فهي تخضع لمبدأ الملكية العامة، ولا يسمح للفرد بتملك عروقها وينابيعها في الأرض إلا بالقدر الذي تمتد إليه أبعاد الحفرة عامودياً وشاقولياً، حسب الرأي السائد فقهياً. وإن كان هناك اختلافات كثيرة بين الفقهاء في هذا الصدد*(7/223)
ويواجه الفرد، منذ البدء في العمل، تهديداً بانتزاع المعدن منه إذا حجز المعدن وقطع المعدن، وجمد الثروة المعدنية. ويكون بذلك حكمه حكم الأرض إذا توقف عن إحيائها.
وهذا النوع من الملكية، يختلف بكل وضوح عن ملكية المرافق الطبيعية في المذهب الرأسمالي، لأن هذا النوع من الملكية لا يتجاوز كثيراً عن كونه أسلوباً من أساليب تقسيم العمل بين الناس، ولا يمكن أن يؤدي إلى إنشاء مشاريع فردية احتكارية، كالمشاريع التي تسود المجتمع الرأسمالي، ولا يمكن أن يكون أداة للسيطرة على مرافق الطبيعة، واحتكار المناجم، وما تضم من ثروات، لأنها ملك الناس قاطبة. وهكذا، فإن الإسلام قد سمح بالملكية الخاصة إلا أنه أحاطها بحدود عديدة.
2-مبدأ الحرية الاقتصادية في نطاق محدود
ويتجلى هذا المبدأ في الاقتصاد الإسلامي بالسماح للأفراد بحرية محدودة بحدود القيم المعنوية والخلقية والطبيعية التي يؤمن فيها الإسلام، والتي تؤمن استفادة جميع خلق الله من الثروات الطبيعية التي أنعم الله بها عليهم.
وهنا نجد الاختلاف البارز بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي. فبينما يمارس الأفراد حريات غير محدودة في ظل الاقتصاد الرأسمالي (لا أخلاق في الاقتصاد والمال) (الغاية تبرر الواسطة)، وبينما يصادر الاقتصاد الاشتراكي حريات الجميع (عدا رجال الحزب)، يسمح الإسلام للأفراد بممارسة حرياتهم ضمن نطاق القيم والمثل العليا التي تهذب الحرية وتصقلها، وتجعل منها أداة خير للإنسانية جمعاء.
والتحديد الإسلامي للحرية في الحقل الاقتصادي على قسمين:
الأول: التحديد الذاتي، الذي ينبع من أعماق النفس، ويستمد قوته ورصيده من المحتوى الروحي والفكري للشخصية الإسلامية.
والثاني: التحديد الموضوعي، والذي يأتي من قوة خارجية تحدد السلوك الاجتماعي والاقتصادي وتضبطه.
فالتحديد الذاتي، يتكون طبيعياً في ظل التربية الخاصة التي ينشئ الإسلام عليها الفرد في المجتمع الذي يتحكم الإسلام في كافة مرافق حياته.
وقد كان لهذا التحديد الذاتي نتائجه الرائعة في تكوين طبيعة المجتمع الإسلامي مما برهن على كفاءة الإنسان لخلافة الأرض عن الله سبحانه وتعالى، وصنع عالماً جديداً زاخراً بمشاعر العدل والرحمة، واجتث من النفس البشرية عناصر الشر. ودوافع الظلم والفساد.
ويكفي من نتائج التحديد الذاتي، أنه ظل وحده هو الضامن لأعمال البر والخير في المجتمع الإسلامي، بالرغم من ابتعاد المسلمين عن روح تلك التجربة مدة قرون عديدة. فما زال ملايين المسلمين يقدمون بملء حريتهم على دفع الزكاة والضمان الاجتماعي وغيرها من حقوق الله سراً وجهراً حتى الآن. وقد ثبت أنها أشد مضاءً من التحديد الخارجي.
أما التحديد الخارجي، فهو التحديد الذي يفرض على المجتمع الإسلامي من الخارج، بقوة الشرع. ويقوم على المبدأ القائل: "لا حرية للشخص فيما نصت عليه الشريعة المقدسة من ألوان النشاط التي تتعارض مع المثل والغايات التي يؤمن الإسلام بضرورتها".
ويتم تنفيذ هذا المبدأ عن طريق النصوص التي تنص الشريعة على منع بعض النشاطات الاجتماعية والاقتصادية، وإشراف ولي الأمر على تنفيذها بصفته سلطة مراقبة وموجهة مستمدة من القرآن: ] وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم[.(سورة النساء- الآية 59)
ولذا، فالحرية في الإسلام، ليست حيوانية مستهترة متعالية مستكبرة، إنها محدودة في إطار اجتماعي إنساني يضمن مستوى مناسباً من المعيشة لجميع أفراد المجتمع، بحيث لا تكون هذه الحرية على حساب فقدان الآخرين عملياً وواقعياً قدرتهم على التحرك ليسعوا في الأرض ويأكلوا من رزق الله، كما تفعل الشركات العالمية في الوقت الحاضر في ظل نظام العولمة.
وبهذا، فقد حدد الإسلام الملكية الخاصة في حيازة الثروة، ولم يطلقها كما في النظام الرأسمالي دون قيود قانونية أو أخلاقية مما يؤدي إلى اضطراب في توزيع الثروة العامة وخلق الفروق الطبقية.
إلا أنه لم يصادرها كليةً كالنظام الاشتراكي، فمصادرة الملكية الخاصة مخالف لفطرة الإنسان، ذلك أن حيازة الأشياء من مظاهر غريزة البقاء، وهي متأصلة في الإنسان، ولا يمكن تجاهلها. فمن طبيعة الإنسان السعي لجمع الثروة له ولأولاده، فإذا انتفى هذا الهدف فقد الحافز على العمل، وفقد الإنسان القدرة على الإبداع وإعمار الأرض والسعي فيها كما أمره الله. كما أنه لم يطلق يد المالك في ملكيته ولا في الطريقة التي يحصل عليها.
بعض المبيحات والمحرمات في الإسلام:
إن الدين الإسلامي- في الحقيقة- هو دين يسر، وليس بدين عسر، أي أنه لم يشدد على البشر في الواجبات والمحرمات، بل ينطلق في شرائعه من مصلحة الفرد والمجتمع معاً. وحتى في العبادات نفسها، وطرق تأديتها تتجلى مصلحة الفرد والمجتمع بأجلى مظاهرها]فالله غني عن العالمين[.وما يهمنا في هذا البحث منها ما له صلة بالنواحي الاقتصادية والمعيشية، أي ما له علاقة بحقوق الإنسان في الحياة: وقبل كل شيء، فقد كرم الإسلام الإنسان ذاته كإنسان في جميع مراحل حياته: كرمه كبويضه منع إتلافها، وجنيناً منع إجهاضه، بل وحض على إكثاره وتبجيله:]المال والبنون زينة الحياة الدنيا[* ، وكرمه أماً: ]الجنة تحت أقدام الأمهات[، وكرمه امرأة وزوجة، وكرمه شيخاً عجوزاً وعاجزاً فقيراً.. الخ وذلك، بشكل لم يسبق شريعة من الشرائع الدينية أو الدنيوية أن وصلت إليه، حتى توّجه أخيراً بجعله "خليفة الله في الأرض"..
ولذا فقد حض الإسلام، أول ما حض، على تنمية الإنتاج وربطها بالتوزيع. وقد تكون تنمية الإنتاج النقطة الوحيدة التي تتفق عليها المذاهب الإسلامية والرأسمالية والماركسية جميعاً على الصعيد المذهبي للاستفادة من الطبيعة إلى أقصى حد ضمن الإطار العام للمذهب.
فكل هذه المذاهب تجمع على أهمية هذا الهدف وضرورة تحقيقه بجميع الأساليب والطرق التي تنسجم مع الإطار العام للمذهب. كما أنها ترفض مالا يتفق مع إطارها المذهبي. فالرأسمالية ترفض مثلاً من الأساليب في تنمية الإنتاج وزيادة الثروة ما يتعارض مع مبدأ الحرية الاقتصادية، والإسلام يرفض من تلك الأساليب مالا يتفق مع نظرياته في التوزيع وتحقيق العدالة الاجتماعية، وأما الماركسية فهي تؤمن بأن المذهب لا يتعارض مع تنمية الإنتاج، بل يسير معها في خط واحد تبعاً لنظرتها عن الترابط الحتمي بين علاقات الإنتاج وشكل التوزيع، أي أن لكل شكل من الإنتاج نوع خاص من التوزيع، ولا بد لتكييف التوزيع طبقاً لحاجات الإنتاج، عكس الإسلام الذي يحدد الإنتاج لحساب التوزيع.
فالإسلام يريد من الإنسان المسلم أن ينمي الثروة ليسيطر عليها وينتفع منها في تحسين وجوده ككل، لا لتسيطر عليه، وتستلم منه زمام القيادة، وتمحو من أمامه الأهداف الكبرى. فالثروة وأساليب التنمية تهدف ضمن الشرائع الإلهية إلى تأكيد صلة الإنسان بربه المنعم عليه، وتهيء له عبادته في يسر ورخاء، وتفسح المجال أمام مواهبه وطاقاته للنمو والتكامل، وتساعده على تحقيق مثله في العدالة والأخوة والكرامة.(7/224)
والإسلام، على العكس من الرأسمالية التي تنظر إلى عملية تنمية الثروة بصورة منفصلة عن توزيعها، فهو يربط تنمية الثروة كهدف بالتوزيع ومدى ما يحققه نمو الثروة لأفراد الأمة من يسر ورخاء. فليست تنمية الإنتاج للإنتاج ذاته كهدف وإنما كطريق للتوزيع وسعادة البشرية. فإن لم تساهم عمليات التنمية في إشاعة اليسر والرخاء بين الأفراد، وتوفر لهم الشروط التي تمكنهم من الانطلاق في مواهبهم الخيرة وتحقيق رسالتهم، فلن تؤدي تنمية الثروة دورها الصالح في حياة الإنسان. وفي هذه الحالة فالله ينتزعها منهم: ]إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم من يشاء[ فالتنمية في الإسلام إذاً ليست كما في النظام الرأسمالي، بزيادة دخل المنتج بنسبة كذا، ولو كان ذلك على حساب تسريح العمال، وزيادة معدل البطالة، وسرقة حقوق العاملين، ولا لاستثمار رؤوس الأموال الأجنبية وتنميتها ولا لمضاربيها ومرابيها على كافة المستويات..
2-ولذا، فقد حرم الإسلام الربا، بوصفه أولى العقبات في التنمية الاقتصادية، ووسيله سهلة لسرقة أموال الناس دون عمل. فالربوي الرأسمالي يقوم بامتصاص أموال المقترضين دون أن يؤدي أي عمل إنتاجي.
والبديل في الإسلام هو توظيف هذا المال في مشروعات إنتاجية تؤمن خلق فرص عمل جديدة وزيادة في الإنتاج يتقاسم ريعه العاملون، وأصحاب الأموال، وغير العاملين من المحتاجين، وهو أكثر ضماناً، إذ قد يتعرض المرابي إلى خسارة الفائدة ورأس المال معاً، كما يجري حالياً نتيجة للمضاربات والإفلاسات لكبار المصارف وبيوت المال في العالم الصناعي وما يدور في فلكه.
وتعتبر الفائدة في العرف الرأسمالي بمثابة أجر رأس المال النقدي الذي يسلفه الرأسماليون للمشاريع التجارية وغيرها. وتحدد بنسبة مئوية من المال المسلف. ولا تختلف كثيراً عن الأجر الذي يحصل عليه أصحاب العقارات، وأدوات الإنتاج، نتيجة لإيجار تلك العقارات والأدوات.
أما الإسلام، فقد سمح للكسب الناتج عن إيجار العقارات وأدوات الإنتاج وحرم أجر رأس المال، وما ذلك إلا للأسباب التالية:
-فالقاعدة التي تجتمع عليها كافة التشريعات هي: أن الكسب لا يقوم إلا على أساس عمل، وبدون المساهمة من شخص بإنفاق عمل لا مبرر لكسبه. فالكسب الناتج عن ملكية أدوات الإنتاج مسموح به نظراً لما تخزنه الآلة من عمل سابق سوف يكون للمستأجر الحق في استهلاك قسط منه خلال استخدام الآلة في عملية الإنتاج التي يباشرها. أما الكسب الناتج عن ملكية رأس المال النقدي (الفائدة) فليس له ما يبرره نظرياً، لأن المستقرض سوف يرد المبلغ للدائن بكامله دون أن يستهلك منه شيئاً.
وكذلك الحال بالنسبة لاستئجار العقار، فالمستأجر يستأجر عملاً سابقا سوف يستهلك المستأجر قسماً منه حين الانتفاع به.
وتبرر الرأسمالية الفائدة بصفتها تعبيراً عن الفارق بين قيمة السلع الحاضرة وقيمة سلع المستقبل، اعتقاداً منها بأن للزمن دوراً في تكوين القيمة. فالقيمة التبادلية لدينار اليوم أكبر من القيمة التبادلية لدنيار المستقبل.
إلا أنه إن كان صحيحاً أن العملات الضعيفة في البلدان الفقيرة المستدينة تنخفض قيمتها باستمرار، كما تنخفض معها- في الوقت نفسه- قيمة موادها الأولية، فإن العملات في البلدان الغنية الدائنة، هي في ارتفاع مستمر كما ترتفع معها قيمة بضائعها باستمرار. ولنتصور حجم الخسائر الباهظة والمضاعفة التي تتكبدها البلدان الضعيفة المدينة:
-التسديد لخدمة الدين* بعملات مرتفعة باستمرار، من عملات وبضائع محلية منخفضة باستمرار.
-زيادة الفوائد المتصاعدة باستمرار لتبلغ أضعاف حجم الدين ذاته
-خسارة المشاريع التي تمولها، أو شللها من قبل الدائنين بالذات لكونها تنافس بضائعهم بالذات، أو توقفها عن العمل لعدم وجود أسواق لمنتجاتها في الخارج، وعدم قدرة الأسواق الداخلية على امتصاصها لضعف الدخول.
وكذلك، فمن وجهة نظر الإسلام، ليس للرأسمالي الحق بالفائدة على القرض، حتى إذا صح أن سلع الحاضر أكبر قيمة من سلع المستقبل، لأن توزيع الثروة في الإسلام يتطلب إنفاق عمل مباشر أو مختزن، ويرتبط بمفاهيم الإسلام المذهبية وتصوراته عن العدالة.
وتعتبر الرأسمالية المخاطرة بالمال مبرراً لحق الرأسمالي بالفائدة، فهي بذلك تحرمه من الانتفاع بالمال المسلف- حسب رأيها- كما أنها بمثابة مكافأة له على انتظاره طيلة المدة المتفق عليها، أو أجرٍ يتقاضاه الرأسمالي نظير انتفاع المدين بالمال الذي اقترضه منه، كالأجر الذي يحصل عليه مالك الدار من المستأجر لقاء انتفاعه بسكناها.
والإسلام يعارض ذلك، لأنه لا يعترف بالكسب تحت اسم الأجر أو المكافأة إلا على أساس إنفاق عمل مباشر أو مختزن -كما ذكرنا- وليس للرأسمالي عمل مباشر أو مختزن ينفقه ويمتصه المقترض ليدفع إليه أجره، ما دام المال المقترض سوف يعود إلى الرأسمالي دون أن يستهلك منه شيئاً.
3-وكذلك، فقد حرم الإسلام كنز المال:
الآية: ] والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم[.
والهدف الاقتصادي في هذا التحريم يكمن في أن كنز المال يعني انخفاض كمية الثروة المنتجة، ومن ثم تقليص فرص العمل، وحصول البطالة، مما يزيد الفروقات الاجتماعية وحالات البؤس وشظف العيش.
وهذا المنع من اكتناز المال ليس مجرد ظاهرة عرضية في التشريع الإسلامي، إنه يعبر عن أوجه الخلاف الخطير بين المذهب الإسلامي والمذهب الرأسمالي. فبينما تؤيد الرأسمالية استعمال النقد للاكتناز (بالإضافة إلى دوره كمقياس للقيمة وأداة للتداول) وتشجع عليه بتشريع نظام الفائدة، يحاربه الإسلام بفرض ضريبة على المال المكتنز (الزكاة). وجاء في الحديث عن الإمام جعفر الصادق: "إنما الله أعطاكم هذه الفضول من الأموال حيث وجهها الله، ولم يعطكموها لتكنزوها".
ومن مضار كنز المال الاقتصادية أيضا، أن تجميع الثروات الكبيرة في أيدي الأفراد دون استثمارها، يؤدي إلى زيادة البؤس والحاجة لدى الأغلبية العظمى من الشعب. وهذا يؤدي بدوره، إلى عجز هذه الطبقة عن استهلاك ما يشبع حاجتها من السلع، فتتكدس المنتجات دون تصريف، ويسيطر الكساد * على الصناعة والتجارة، فتعم الإفلاسات مختلف النشاطات الاقتصادية ويتوقف الإنتاج، وتستفحل المجاعات، كما في المعادلة التالية:
انخفاض الاستهلاك = كساد= توقف عن الإنتاج= زيادة بطالة= مجاعة
4-وحرم الإسلام المخاطرة:
كالقمار، لأن الكسب فيه لا يقوم على عمل، وإنما يرتكز على أساس المخاطرة، مما يعرض الفرد وعائلته إلى الإفلاس والضياع، ويعود على المجتمع بالانحلال. والإنفاق فيما حرم الله، كالخمر ولحم والخنزير. وقد تبين ضررهما الشديد في الوقت الحاضر نظراً للأمراض الخطيرة التي نتجت عنهما. وتشن السلطات في البلدان الغربية حرباً إعلامية واسعة النطاق للحد من تعاطي الخمر لصلته الوثيقة بأمراض الشرايين، وتشمع الكبد، بالإضافة إلى ضحايا الطرق، التي تشكل القسم الأكبر من الوفيات كل عام.
5-ونهى -في الوقت نفسه- عن الإسراف والتقتير.
الآية: ] ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا ً[
وجعل المبذر بمثابة السفيه الذي يجب أن يحجر عليه.
والغاية من ذلك، إن في تبديد الثروة وتقتيرها، منع باقي عباد الله من الاستفادة منها.(7/225)
ومنع إنتاج المواد ذات التكاليف الباهظة المبددة للثروة والمشكلة عبئاً على الاقتصاد العام، وكذلك المصاريف غير المنتجة التي تصرف على المظاهر والاحتفالات لأن المحرومين من وسائل عيشهم أحق فيها. ويكفي أن نعلم حجم مليارات الدولارات التي تنفق حالياً على ألعاب الكرة وحدها في العالم كل عام، في الوقت الذي تموت فيه الملايين من الجوع، لنعلم فقط زاوية واحدة من زوايا التكاليف الباهظة المبددة للثروة التي تمتص موارد البشرية جمعاء*.
6-وحذر من الوقوع في أخطار التبعية الاقتصادية للغير.
وهي في الواقع من أولى خصائص التخلف الاقتصادي في العالم الثالث:
"لا خير في أمة لا تأكل مما تنتج، ولا تلبس مما تصنع".
ومن المعلوم أن التبعية الاقتصادية في هذه البلدان تصل إلى ما يزيد على 90% في غذائهم وكسائهم وإنتاجهم وأدوات إنتاجهم.. الخ، بينما لا يتجاوز في البلدان الصناعية 20% ويبدو خطرها أشد ما يبدو من الناحية الغذائية:
فسلاح الغذاء، أشد مضاءً من كافة الأسلحة، وأنه كان وراء انهيار الاتحاد السوفياتي -كما رأينا- إذ لم تتردد أمريكا في استعماله في الماضي والحاضر، ومن أخطاره أيضاً أن يمنع من وصول المواد الغذائية عوائق طبيعية من زلازل وأعاصير، أو فيضانات، أو جفاف.. الخ تقضي على المزروعات في البلد المصدر نفسه أو حتى الحروب، (وما أكثرها!).
كما أن الاعتماد على الغير في تغذية الشعوب يخشى معه تعريضها إلى أخطار صحية عن قصد أو غير قصد، من جراء استيراد مواد فاسدة، أو سامة، أو مشبعة بالهرمونات.. الخ، كما يحصل من وقت لآخر، مثال: لحوم البقر البريطانية المجنونة، والدجاج البلجيكيه، والألبان ومشتقاتها، والزيوت الإسبانية، مما تطالعنا به الأخبار كل يوم..
7-وفضل الإسلام الإنفاق الإنتاجي على الاستهلاكي:
حرصاً منه على تنمية الإنتاج وزيادة الثروة. فنهى عن بيع العقار وتبديد ثمنه في الاستهلاك، وحض، حتى في الصدقات على تقديم ما يساعد الفقير على الإنتاج ليأكل من ثماره، على العكس من النظام الرأسمالي- كما رأينا- والذي رفع شعار المجتمع الاستهلاكي ليشجع الإنتاج، فقضى عن الإنتاج والمستهلكين بالذات..
8-ولذا، فقد حذر الإسلام من العبث في الأرض وإفساد الطبيعة:
الآية: ]ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون[ (الروم-41).
والفساد في البر والبحر هو ما نعيشه الآن من التلوث في الطبيعة والانهيارات وعدم التوازن الذي طال المرافق الطبيعية بكافة أشكالها نتيجة التعرض للقوانين الطبيعية بغية التحكم فيها وتعديلها وتعليمها دروسها. فهي إذاً نتيجة لغطرسة الإنسان وجبروته واعتقاده مشاركة الإله في ألوهيته ومن المعلوم أن التلوث هو ابن هذه الحضارة الحديثة واكتشاف الطاقة، والإنتاج على مستوى عالمي لغزو العالم في كافة أصقاعه* وهو من آيات الله ليريهم نتيجة ما عملوا لعلهم يمتنعون عن ذلك.
9-وحض على ضرورة التوازن في الطبيعة مراعاة لقوانينها:
الآية: ]الأرض مددناها، وألقينا فيها رواسي، وأنبتنا فيها من كل شيء موزون، لكم فيها معايش، ومن لستم له برازقين، وإن من شيءٍ إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم[ (الحجر 19-20).
وكلنا يعلم أن التنافس على الثروة في الاقتصاد الرأسمالي، ونضح الموارد الطبيعية ببرها، وبحرها، وسمائها ومائها، قد أنهك هذه الأرض، وأربك توازنها** فالهزات المتوالية، وتعاقب حالات الفيضانات واليباس، والحر والقر، والانهيارات الأرضية والجبلية والجليدية، والأعاصير والعواصف، تشمل الكرة الأرضية بأجمعها، ولا يكاد يمر يوم واحد دون حصول هذه النكبات.
10-ولذا فقد وضع الإسلام ضوابطَ للتصرف في الحرية، وفي حق الإنسان في التصرف بملكيته الخاصة "فلا ضرر، ولا ضرار.."
ومن الأمثلة على سوء التصرف بالملكية الخاصة وانعكاسه على أضرار الغير والمجتمع بما فيه المالك نفسه، المثال التالي:
"ركب قوم في سفينة، فاقتسموا.. فاختص كل منهم بمكان.. فأخذ أحدهم ينقر مكانه بفأس.. فقالوا له ماذا تفعل؟! قال: هذا مكاني أفعل به ما شئت.. فإن أخذوا على يده (أي منعوه) نجا ونجوا، وإن تركوه هلك وهلكوا..!"
وهكذا، فإن المنع من التصرف المطلق بالملك الخاص، يكون ضمن مصلحة الفرد والمجتمع بآن واحد.
فالإسلام إذاً، يؤمن بالملكية الخاصة ضمن حدود، وهي من حق جميع أفراد الشعب وطبقاته وأديانه دون أي تمييز، إلى جانب الملكية العامة وملكية الدولة. وقد برهن الواقع من التجربتين: الاشتراكية والرأسمالية على خطأ الفكرة المعتمدة على شكل واحد للملكية. وما انهيار النظام الاشتراكي إلا نتيجة الاعتداء على الملكية الخاصة، ونسف طبقة كانت تعمل وتنتج وتغذي الخزانة، واستبدالها بطبقة أخرى، تبين أنها أشد من الأولى استغلالاً وظلماً، دون أن تكون لديها ذات المؤهلات للإنتاج، ولا حتى ذات الدوافع لتنمية الثروة وتغذية الخزينة، اللهم إلا دوافعها الخاصة، وما الانفجارات والأزمات في النظام الرأسمالي إلا نتيجة لإطلاق حرية الملكية من عقالها، دون حدود أو قيود، لدرجة أصبحت موارد الكرة الأرضية برمتها بأيدي فئة ضئيلة من البشر، نادراً ما سجل التاريخ مثيلاً لها في الطمع والجشع والظلم والاستهتار، لا وطن لها، ولا دين، ولا حافز ولا هدف إلا جمع المال بأية طريقة كانت "فالغاية تبرر الواسطة" والاستئثار بحقوق البشرية جمعاء، مما لم يعد يدع أي مجال لتطبيق العدالة الاجتماعية الركيزة الأساسية للإسلام، حتى في بلاد الإسلام بالذات دون تحرير الموارد الطبيعية من أيديها.
3-العدالة الاجتماعية في الإسلام
مقدمة: كل ما تقدم، من شمول الملكية العامة في الإسلام للقسم الأكبر من ثروات الطبيعة، وانحصار الملكية الخاصة ضمن حدود ضيقة تضمن مصلحة المجتمع، يقودنا إلى عمق العدالة الاجتماعية في الإسلام، أي حق جميع أفراد المجتمع، العاملين منهم، والمحرومين من العمل وغير القادرين على العمل، الفقراء والمحتاجين، وكل من يعيش على وجه الأرض بالحياة اللائقة الكريمة، وحقهم في اقتسام موارد الطبيعة وخيراتها التي خلقها الله للناس أجمعين.
ولتأمين ذلك، أوجب الإسلام على الحاكم، الذي يملك -في الواقع- التصرف بالملكية العامة، أن يؤمن العمل ويسهله لجميع القادرين على العمل في حدود صلاحيته، ومن لم تتح له فرصة العمل، أو كان عاجزاً عنه، فعلى الدولة أن تضمن حقه في الاستفادة من ثروات الطبيعة بتوفير مستوى الكفاية له من العيش الكريم من موارد الملكية العامة وملكية الدولة كما فرض الإسلام على العاملين الذين يستفيدون من استغلال ثروات الله أن يؤدوا لهم نصيبهم من هذه الثروات، أي أن يكفلوا الحياة الكريمة لغير العاملين والفقراء والمحتاجين.. الخ وهي فريضة الزكاة التي:
-تضمن حق المحرومين من ثروات الله.
-وتحول دون احتكار الأقوياء للثروة.
-وتمد الدولة بالنفقات اللازمة لممارسة واجبها بتحقيق الضمان الاجتماعي.
فالضمان الاجتماعي في الإسلام يرتكز إذاً على أساسين:
-التكافل العام بين أفراد المجتمع.
-حق الجماعة على الدولة في الموارد العامة وتأمين العيش الكريم.
ولكل من الأساسين حدوده ومقتضياته في تحديد نوع الحاجات التي يجب أن يضمن إشباعها.(7/226)
فالأساس الأول للضمان، لا يقتضي أكثر من ضمان إشباع الحاجات الحياتية والملحة للفرد، بينما يفرض الثاني إشباع الحاجات الكمالية أيضاً، لتصل بالفرد إلى مستوى الغنى. وفي كلا الضمانين تبدو عظمة الإسلام في تحقيق الحرية الجوهرية، وليس فقط الشكلية، عكس الحرية التي يقدمها المبدأ الرأسمالي كما مر معنا.
التكافل العام. وهو الأساس الأول للضمان الاجتماعي.
الحديث و الآية:" كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته" ]وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه[.
إنه المبدأ الذي يفرض فيه الإسلام كفاية" على المسلمين، ضمان بعضهم بعضاً في إشباع الحاجات الحياتية الضرورية للفرد، وفي حدود ظروف المسلم وإمكانياته، عن طريق الزكاة التي اعتبرها حقاً لهم، وليست مجرد هبة أو صدقة.
وعن أبي عبد الله الصادق (ع): "إن الله عز وجل فرض في مال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم، إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله عز وجل، ولكن من منع من منعهم حقهم، ولو أن الناس أدوا حقوقهم لعاش الجميع بخير".
أي أن منع الناس من ممارسة حقهم، هو السبب في الفقر. وأن الثروة المنتجة من قبل الأفراد تشكل حجماً كبيراً يتجاوز حق المنتجين وحدهم، ويمتد إلى أصحاب الحق من المحرومين من العمل والإنتاج.
والمكلف في الإسلام لا يكمن في طائفة أو حزب أو دين، وإنما في أبناء المجتمع جميعاً "فالخلافة عامة". وهي الوجه الاجتماعي للعدالة الاجتماعية الإلهية التي نادى بها الأنبياء كافة. وإذا ما كانت "الوحدانية" تعني اجتماعياً أن "المالك هو الإله الواحد" فإن العدالة" تعني أن هذه الملكية التي يختص بها الله لا تسمح باعتبارها عادلة بتفضيل فرد على آخر، ولا تعطي الحق لفئة اجتماعية على حساب فئة أخرى، ولكن تمنح الخلافة للمجموعة بكاملها.
وإن كان يحق للدولة أن تمارس حقها في إلزام المكلفين على دفع الزكاة، وامتثال ما يكلفون به بموجب الشرع، إلا أن الإسلام يهتم، لتحقيق أهدافه بالعامل النفسي، أكثر من اهتمامه باستعمال القوة والزجر. أي أنه يلجأ إلى الطريقة الإنسانية، والمفاهيم السامية التي أعطاها للحياة، عن طريق البث في المجموعة المكلفة عنه المشاعر النبيلة التي توجهها لتحقيق الأهداف.
وكلنا يعلم، أن المجتمعات الجاهلية كانت -شأنها شأن المجتمعات المسماة بالمتطورة الآن" لا تنظر للحياة إلا من خلال مرحلتها العابرة التي تنتهي بالموت، ولا تحقق ذاتها وسعادتها إلا بإشباع الغرائز والشهوات الحياتية. ولذا، فإن جمع المال لذاته وتكديسه والتنافس عليه، هو بالنسبة إليها الهدف الطبيعي الذي بموجبه يتمكن الإنسان أن يملأ حياته بالعظمة، وينتهي بها - من الناحية الكمية والمعنوية- على الوجه الذي يؤمن له الخلود على الأرض.
هذا المفهوم الذي تعطيه المجتمعات المادية للحياة، والدور الذي تنيطه بالمال، هما أسباب الجهود التي تبذلها لزيادة الدخل والغنى. كما أنها خلف كل تناقض، وكل نمط من أشكال الاستغلال.
ولكي يحرر الإسلام الإنسان من هذا المفهوم، ويقتله من قرارة نفسه، رفض أن يعطي للمال أية قيمة لذاته، ونهى عن تكديسه، ومحى عنه كل قوة تؤمن له الخلود والعظمة.
وهنا يبدو دور الدين وأثره في التوفيق بين الدوافع الذاتية والمصالح الاجتماعية العامة. فالدين هو الطاقة الروحية التي تستطيع أن تعوض الإنسان عن لذائذه الموقوتة التي يدعها في حياته على الأرض، أملاً في النعيم الدائم، وتخلق في تفكيره نظرة جديدة تجاه مصالحه، ومفهوماً عن الربح والخسارة، أرفع من المفاهيم التجارية المادية. فالعناء طريق اللذة، والخسارة لصالح المجتمع سبيل الربح، وحماية مصالح الآخرين تعني حماية مصالح الفرد في حياة أسمى وأرفع.
الآية: ] من عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها[.
ولذا، فقد جعل الإسلام الفرائض المالية (التكافل) بمثابة العبادات الشرعية التي تنبع من دافع نفسي، طلباً لرضاء الله، والقرب منه.
فالدين إذاً، هو صاحب الدور الأساسي في حل المشكلة الاجتماعية عن طريق تجنيد الدافع الذاتي لحساب المصلحة العامة* بالترغيب تارة، والوعيد أخرى.
آ-عن طريق الترغيب:
فالإسلام -بصورة عامة- لا يرغم أحداً بالقوة على تنفيذ تعاليمه: ]لا إكراه في الدين، لقد تبين الرشد من الغي[.
وعن طريق الترغيب، يقدم القرآن صوراً رائعة للربط بين المصالح الدنيوية والمصالح الأخروية.
الآيات: ]يومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يرة، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره[.
] من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجري إلا مثلها[ لقد حل الإسلام -في الواقع- قيمة العمل الصالح محل قيمة المال والغنى للخلود، وحض على التنافس فقط سعياً لهذا الهدف. فمنح الإنسان الطمأنينة الحقيقية بأن خلوده لا يتحقق بتكديس الثروة، ولا باكتناز الأموال، وإنما بمقدار ما يقوم به من عمل صالح. فغير بذلك مفهوم الاستثمار: فبدلاً من اعتباره مبدداً لثروته ومقلصاً لنفوذه وخطراً على مستقبله وخلوده، جعل منه -على العكس- ضماناً لخلوده، وكعطاء بمقابل يزيد على عشر أضعافه.
الآيات: ]إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم[.
]مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم[.
فحياة الإنسان على الأرض إذاً، هي بمثابة الاختبار الذي يجتازه الإنسان أمام الخالق، فمن اجتازه بنجاح كان جديراً بالخلود، ومن يفشل كان بمثابة العدم.
الآية: ]أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً[ (115-المؤمنون) أي أن الإنسان ليس بعابر سبيل أتى إلى هذه الأرض ليأكل ويشرب وينهب حياة الآخرين ويكدس الأموال ثم يموت..]وهو الذي يبدأ الخلق، ثم يعيده[ أي يعيده بالعاملين الذين نجحوا في الاختبار على الأرض.
والآيات التي تعدد انحراف الإنسان عن الغاية من خلقه كمكلف باستثمار خيرات الأرض، وحسن توزيع خيراتها لا تحصى، وهي تلفت النظر إلى انحراف الإنسان عن الهدف الذي كلفه به ربه من ناحيتين:
أولاً: امتناعه عن استثمار الخيرات بذاته، والتوقف بذلك عن الإبداع والابتكار.
ثانياً: امتناعه عن القيام بتوزيع ما يفيض عليه من الخيرات على المحتاجين، سواءً كان المستغل فرداً، أو جماعة أو دولة..
ب-عن طريق الترهيب. وهو نادر جداً في القرآن، كما ذكرنا
الآية: ]ويل لكل همزة لمزة، الذي جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمه، وما أدراك ما الحطمه، نار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، إنها عليهم مؤصدة، في عمدٍ ممدده[.
ففي هذه الآية، يهدد الله الإنسان الذي يكسب المال عن طريق الاستغلال والقوة (الهمزة واللمزة) والذي يجمعه لذاته ويجعل تكديسه الهدف منه (الذي جمع مالاً وعدده) والذي يعتبر هذا المال مخلداً له في الحياة (يحسب أن ماله أخلده)، يتوعده بجهنم (الحطمة)*
وفي حديث، أن الإمام جعفر قال: "أيما مؤمن منع مؤمناً شيئاً مما يحتاج إليه، وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره، أقامه الله يوم القيامة مسوداً وجهه، مزرقة عيناه، مغلولة يداه إلى عنقه، فيقال: هذا الخائن الذي خان الله ورسوله، ثم يؤمر به إلى النار".
وينتج عن ذلك: أن الكفاية هي في حدود الحاجات الشديدة، وشدة الحاجة تعني كون الحاجة حياتية، والحياة عسيرة بدون إشباعها.
الأساس الثاني للضمان الاجتماعي
واجب الدولة
"الإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته"(7/227)
لقد أوجب الإسلام على الدولة رعاية شؤون الناس من وجوهها المختلفة، وأناط بها المسؤولية المباشرة في الالتزامات التالية:
- تنفيذ مبدأ التكافل العام
- تطبيق المباحات والمحرمات -سبق ذكرها-
- توجيه الموارد لحاجات المجتمع على أساس الحق العام للجميع في الاستفادة من ثروات الطبيعة.
-تأمين العمل لمن ليس له عمل.
تأمين التوازن الاجتماعي: بكفاية الحاجات المعيشية إلى درجة الغنى حتى للعاملين.
-بتأمين الحاجات الضرورية والكمالية أيضاً لغير العاملين والمحتاجين.
-وتأمين التوازن الاجتماعي بتطبيق مجموعة التشريعات الإسلامية
-ملء منطقة الفراغ من التشريع.
-فمن حيث الضمان الاجتماعي المفروض على الدولة لتنفيذ مبدأ التكافل العام بين المسلمين، فهو يعبر -في الحقيقة- عن دور الدولة في إلزام رعاياها بامتثال ما يكلفون به شرعاً- بالموعظة الحسنة- من زكاة وصدقة، حتى إنه يحق للوالي أحياناً أن يلجأ إلى إكراههم على القيام بواجباتهم في كفالة العاجزين، إذا امتنعوا عن القيام بها، وخاصة في الحالات التي يختل فيها التوازن الاجتماعي اختلالاً جذرياً.
- حق الجماعة على الدولة في مصادر الثروة
لا تستمد الدولة مبررات الضمان الاجتماعي الذي تمارسه من تنفيذ مبدأ الضمان المفروض على الأفراد (التكافل العام) فحسب، بل من أساس آخر للضمان الاجتماعي وهو حق الجماعة في مصادر الثروة. وعلى هذا الأساس تكون الدولة مسؤولة بصورة مباشرة عن ضمان معيشة المعوزين والعاجزين، بقطع النظر عن الكفالة الواجبة على أفراد المسلمين أنفسهم. وترتكز فكرة الضمان الاجتماعي على أساس إيمان الإسلام بحق الجماعة كلها في موارد الثروة، لأن هذه الموارد خلقت للجماعة كافة لا لفئة دون فئة ]خلق لكم ما في الأرض جميعاً[. وهذا الحق يعني أن كل فرد من الجماعة له الحق بالانتفاع بثروات الطبيعة والعيش الكريم منها فمن كان منهم قادراً على العمل في أحد القطاعات العامة والخاصة، كان من وظيفة الدولة أن تهيئ له فرصة العمل في حدود صلاحياتها. ومن لم تتح له فرصة العمل أو كان عاجزاً عنه، فعلى الدولة أن تضمن حقه في الاستفادة من ثروات الطبيعة بتوفير مستوى الكفاية له من العيش الكريم.
وبموجب هذه المسؤولية، لا تفرض على الدولة ضمان الفرد في حدود حاجاته الحياتية فحسب (كالتكافل العام) بل تفرض عليها أن تضمن للفرد مستوى الكفاية من المعيشة الذي يحياه أفراد المجتمع الإسلامي (أي المواد الكمالية أيضاً) ففي حديث أن الإمام موسى بن جعفر قال محدداً ما للإمام وما عليه:
"إنه وارث من لا وارث له، ويعول من لا حيلة له".
وذهب هذا التضامن إلى درجة جعلت للجائع الحق على ثروات المجتمع كما لو أنها ليست ملكاً لأحد:
"إذا بات مؤمن جائعاً فلا مال لأحد"
وقال (ص): "من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاً فإلينا"
والكل هو الضعيف.
وجعل الإسلام من تخلف الحاكم عن القيام بهذا الواجب، الحق للرعية أن تحجب عن طاعته:
"إن الله استخلفنا على عبادة لنسد جوعتهم، ونوفر لهم أمنهم، فإن لم نفعل، فلا طاعة لنا عليهم"
عن الخليفة عمر بن الخطاب.
كما أن ضمان الدولة، لا يختص بالمسلم فقط. فالذمي الذي يعيش في كنف الدولة الإسلامية إذا كبر وعجز عن الكسب، كانت نفقته من بيت المال. وقد نقل الشيخ الحر حديثاً)
عن الإمام علي:
"أنه مر بشيخ مكفوف كبير السن يسأل، فقال أمير المؤمنين: ما هذا؟ فقيل له: يا أمير المؤمنين إنه نصراني.. فقال الإمام: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه!! أنفقوا عليه من بيت المال".
آية: ]فكلهم عباد الله، والله رؤوف بالعباد[.
]أحبكم إلى الله أنفعكم لعباده[.
أي لكل عباده لا لطائفة دون أخرى ولا لمذهب دون آخر، ولا لجنس ولا لدين دون آخر..
ويمتد هذا الواجب على المسؤول نحو الشاة الجائعة كقول الخليفة عمر بن الخطاب: "لو كان في أقصى المدينة شاة جائعة، لكان عمر المسؤول عنها يوم القيامة".
هذا، بينما لا يعتري أحد من الحكام، في هذه الأيام أي هاجس للملايين التي تموت في ظل رعايتهم جوعاً وسقماً وبلاء (إنها بنظرهم ضريبة التطور المحتوم)
- وكواجب المسؤول بتأمين العمل لمن ليس له عمل، كان الرسول (ص) والخلفاء من بعده يقطعون الأفراد من الأراضي، ويعطونهم الأموال للاستعانة بها على استثمارها. إلا أنه لم يسمح لولي الأمر بإقطاع الفرد شيئاً من مصادر الطبيعة، إلا بالقدر الذي يتمكن فيه الفرد من استثماره والعمل فيه، لأن إقطاع ما يزيد عن قدرته يبدد ثروات البلاد الطبيعية وإمكانياتها الإنتاجية، ويحرم الغير من حقه فيها، ويخل بالتوازن الاجتماعي.
وكان (ص) قبل أن يسمح بإعطاء أية صدقة يحاول أن يجعل المحتاج يأكل من عمله وجهده. وكمثال على ذلك: جاء رجل يطلب من رسول الله مالاً، فسأله: هل يملك شيئاً.؟ فأخبره بأنه يملك متاعاً معيناً. فأمره بإحضاره، فباعه الرسول (ص) بطريقة المزايدة ثم أعطى الرجل ثمن المتاع ليحتطب ويأكل من عمله.
-تأمين التوازن الاجتماعي المنوط بالمسؤول في الإسلام:
إن مبدأ التوازن الاجتماعي لا يعني -في الواقع- عدم الاعتبار للاختلافات الطبيعية السيكولوجية التي تنبع منها الاختلافات الشخصية في مختلف الخصائص والصفات من فكرية وروحية وجسدية، فهذه كلها يقرها الإسلام، ولا يرى فيها خطراً على التوازن الاجتماعي ولا تناقضاً معه. فالتوازن الاجتماعي هو التوازن بين أفراد المجتمع في مستوى المعيشة، أي أن يحيا جميع الأفراد مستوى واحداً من المعيشة، مع الاحتفاظ بدرجات داخل هذا المستوى الواحد تتفاوت بموجبها المعيشة، ولكنها تفاوت درجة، وليس تناقضاً كلياً في المستوى، كالتناقضات الصارخة بين مستويات المعيشة في المجتمع الرأسمالي.
ولتحقيق هذا الهدف، قام الإسلام بضغط مستوى المعيشة من أعلى بتحريم الإسراف، ومن أسفل، بالارتفاع بالأفراد الذين يعيشون مستوى منخفضاً من المعيشة إلى مستوى أعلى عن طريق الزكاة.
وقد جاء في الحديث لتحديد مسؤولية الوالي حتى الإغناء:
"إن الوالي يأخذ مال الزكاة فيوجهه حسب الوجه الذي وجهه الله له على ثمانية أسهم للفقراء والمساكين. يقسمه بينهم بقدر ما يستغنون في سنتهم بلا ضيق ولا تقية. فإن فضل من ذلك شيء، رد إلى الوالي، وإن نقص من ذلك شيء، ولم يكتفوا به، كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر- سعتهم حتى يستغنوا".
وهذا النص يحدد بوضوح: إن الهدف النهائي الذي يحاول الإسلام تحقيقه ويلقي مسؤوليته على ولي الأمر: هو إغناء كل فرد في المجتمع الإسلامي.
فتعميم الغنى هو الهدف الذي تضعه الشريعة أمام ولي الأمر.
ففرضت بإعطاء الزكاة للفقير حتى يصبح غنياً، ومنعت إعطاءه بعد ذلك. أي جعلت الغنى فاصلاً بين جواز الزكاة ومنعها "تعطيه من الزكاة حتى تغنيه" عن الإمام الجعفر.
وعلى هذا الأساس، يمكننا تحديد مفهوم الغنى والفقر عند الإسلام بشكل عام: فالفقير هو الذي لم يظفر بمستوى من المعيشة يمكنه من إشباع حاجاته الضرورية والكمالية بالقدر الذي تسمح به حدود الثروة في البلاد. أو بتعبير آخر: من يعيش في مستوى تفصله هوة عميقة عن المستوى المعيشي للأثرياء في المجتمع الإسلامي (كم نحن بعيدون في هذا التعريف للفقر، عن مستواه في الوقت الحاضر، بالملايين الذين يموتون جوعاً كل عام!).
أما الغني فهو من لا تفصله في مستواه المعيشي هذه الهوة، ولا يعسر عليه إشباع حاجاته الضرورية والكمالية بالقدر الذي يتناسب مع ثروة البلاد ودرجة رفاهيتها المادية، سواءً كان يملك ثروة كبيرة أم لا.(7/228)
فالنصوص تأمر الوالي إذاً بإعطاء الزكاة وما إليها، إلى أن يلحق الفرد بالناس، أو إلى أن يصبح غنياً، أو لإشباع حاجاته الأولية والثانوية من طعام وشراب وكسوة وزواج.. الخ ما يتمتع فيه المسلمون في مجتمعه.
ومن واجبات الوالي تطبيق مجموعة التشريعات الإسلامية التي حضت على حماية التوازن، كإلغاء الفائدة، ومحاربة اكتناز الأموال وتبديدها وتوجيه الموارد بشكل يكفل الموارد الضرورية للمجتمع، والامتناع عن إنتاج المواد الضارة والمحرمة وذات التكاليف الباهظة المبددة للثروة والمشكلة عبئاً على الاقتصاد العام، أو السيطرة على مساحات واسعة من الأرض، والتوقف عن إحيائها.. الخ، كما ذكرنا سابقاً.
ملء منطقة الفراغ من التشريع
إلا أن مسؤولية الدولة لا تقتصر على مجرد تطبيق الأحكام الثابتة في الشريعة، بل تمتد إلى ملء منطقة الفراغ من التشريع، لكي تملأها في ضوء الظروف المتطورة بالشكل الذي يضمن الأهداف العامة للاقتصاد الإسلامي.
فالإسلام، لا يقدم مبادئه التشريعية للحياة الاقتصادية بوصفها علاجاً موقوتاً (نرفع الفائدة ونخفض الفائدة بين يوم وليلة، ونرفع العملة ونهبط العملة بين لحظة والثانية، كالنظام الرأسمالي على سبيل المثال) وتنظيما مرحلياً يجتازه التاريخ بعد فترة من الزمن إلى شكل آخر من أشكال التنظيم، وإنما يقدمها باعتبارها الصورة النظرية الصالحة لجميع العصور. ولا بد لإعطاء الصورة هذا العموم والاستيعاب، أن ينعكس تطور العصور فيها ضمن عنصر متحرك، يمد الصورة بالقدر من التكيف وفقاً لظروف مختلفة.
فمن الواضح فقهياً -على سبيل المثال- أن يباح للبائع البيع بأي سعر أحب، ولا تمنع الشريعة بيع المالك للسلعة بسعر مجحف. إلا أن الرسول (ص) عندما علم أن بعض التجار يمارسون تضييقاً فاحشاً على الناس، وشحاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكماً في البياعات، منع الرسول الاحتكار، كما أمر الإمام علي واليه الأشتر بتحديد السعر، ومنع التجار من البيع بثمن أكبر، وفرض أن يكون البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين: البائع والمشتري.
وقد صدر عنهما ذلك بصفة "ولي أمر" استعمالاً لصلاحياتهما في ملء منطقة الفراغ، وفقاً لمقتضيات العدالة الاجتماعية.
وكمثال آخر على ذلك:
فالمبدأ التشريعي القائل: "إن من عمل في الأرض، وأنفق عليها جهداً حتى أحياها، فهو أحق بها من غيره" يعتبر في نظر الإسلام عادلاً، لأن من الظلم أن يساوي بين العامل الذي أنفق على الأرض جهده، وغيره ممن لم يعمل فيها شيئاً ولكن هذا المبدأ بسيطرة قدرة الإنسان على الطبيعة ونموها، أصبح من الممكن استغلاله. ففي عصر كان يقوم إحياء الأرض فيه على الأساليب القديمة، لم يكن يتاح للفرد أن يباشر عمليات الإحياء إلا في مساحات صغيرة. وأما بعد أن توفرت لدى الإنسان وسائل السيطرة على الطبيعة، أصبح بإمكان أفراد قلائل ممن تؤاتيهم الفرصة، أن يحيوا مساحات هائلة من الأرض، باستخدام الآلات الضخمة، الأمر الذي يزعزع العدالة الاجتماعية ومصالح الجماعة. فكان لا بد للصورة التشريعية من منطقة فراغ يمكن ملؤها حسب الظروف. فيسمح بالإحياء حسب الوسائل القديمة، ويمنع في الحالة الثانية إلا في حدود تتناسب مع أهداف الاقتصاد الإسلامي وتصوراته عن العدالة*.
والدليل التشريعي على إعطاء ولي الأمر صلاحيات كهذه لملء الفراغ: هو النص القرآني: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم[.(النساء –29)
إلا أن لصلاحيات ولي الأمر حدود: فيسمح لولي الأمر بالمنع أو الأمر لكل فعل مباح تشريعياً بطبيعته، ولا يوجد نص تشريعي يدل على حرمته أو وجوبه، فإذا منع الإمام عن فعل مباح بطبيعته، أصبح حراماً، وإذا أمر به، أصبح واجباً. وأما الأفعال التي ثبت تشريعياً تحريمها بشكل عام (كالربا) مثلاً، فليس من حق ولي الأمر السماح بها. كما أن الفعل الذي أوجبته الشريعة، كإنفاق الزوج على زوجته، لا يمكن لولي الأمر منعه، لأن طاعة أولي الأمر مفروضة بالحدود التي لا تتعارض مع طاعة الله، وأحكامه العامة.
فألوان النشاط المباحة بطبيعتها في الحياة الاقتصادية هي التي تشكل منطقة الفراغ.
وكما وضع الإسلام مبدأ التوازن الاجتماعي وحدد مفهومه، تكفل أيضاً بتوفير الإمكانيات اللازمة للدولة لكي تمارس ذلك المبدأ وتحقق العدالة الاجتماعية للجميع.
ويمكن تلخيص هذه الإمكانيات في الأمور التالية:
1ً- إيجاد قطاعات لملكية الدولة، تستثمرها وتنفق مواردها لأغراض التوازن الاجتماعي.
2ً- فرض ضرائب ثابتة تؤخذ بصورة مستمرة (الزكاة)
إيجاد قطاعات عامة*
لم يكتف الإسلام بالضرائب الثابتة، كالزكاة وما إليها، والتي سنبحثها بالتفصيل مؤخراً، لتنفيذ أحكام العدالة الاجتماعية وإيجاد التوازن بين جميع فئات الشعب وأفراده، بل جعل الدولة مسؤولة إلى جانبها بالإنفاق من القطاع العام بهذا الغرض. فقد جاء في الحديث عن الإمام موسى بن جعفر (ع): "إن على الوالي في حالة عدم كفاية الزكاة، أن يمون الفقراء من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا.
وكلمة (من عنده) تعني أي من غير الزكاة. من موارد بيت المال ويعتبر الفيء، من أحد موارد بيت المال. كقوله تعالى:
الآية: ] ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كي لا يكون دولة بين الأغنياء
منكم[.(الحشر-7)
ولا يختص الفيء بالغنيمة التي يغنمها المسلمون بدون قتال، بل يمتد إلى الأراضي الموات، وبطون الأودية، والمعادن، وكافة ما تدخل ملكيته في منصب النبي والإمام والتي تستخدم لغرض حفظ التوازن، وضمان تداول المال بين الجميع، كما تستخدم للمصالح العامة.
وكان الرسول (ص) والخلفاء من بعده يقطعون الأفراد من الأراضي، ويعطونهم الأموال للاستعانة بها على استثمارها، وذلك بحدود قدرتهم على استثمارها -كما ذكرنا- وكان الرسول (ص) قبل أن يسمح بإعطاء أية صدقة يحاول أن يجعل المحتاج يأكل من عمل يده.
وهكذا، فإن الإسلام يلزم الحاكم بتقديم مساعدته من أملاك الدولة، كمساعدة للعمل والإنتاج لا للاستهلاك فقط، فيحقق بذلك الفائدة للفرد والمجتمع بآن واحد. وبذلك فقد حض الإسلام على العمل وقدسه كما سنرى فيما بعد.
الزكاة كضريبة ثابتة
فالزكاة، كضريبة مالية مفروضة، هي الركن الرابع من أركان الإسلام الخمس، وهي من أهم العبادات الدينية، لكونها ليست مجانية، بل مادية مكلفة كما أنها أهم وسائل الضمان الاجتماعي، لقيمتها ليس فقط الاجتماعية والإنسانية بتحقيق التوازن الاجتماعي بمفهومه في الإسلام، وإنما السياسية والاقتصادية أيضاً.
آ-ويبدو دور الزكاة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية جلياً من خلال تحديد مقدار الزكاة: إنه ربع العشر من المال المدخر، ولا تتركه حتى تنخفض به إلى عشرين ديناراً (حسب القوة الشرائية آنذاك).
وهنا تعتبر الزكاة بمثابة مصادرة تدريجية للمال الذي يكنز ويجمد عن العمل وبذلك تندفع جميع الأموال إلى حقول النشاط الاقتصادي بكافة فعالياته.
الآيات: ]الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها من نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون[ (التوبة-34)
وصورة (الهمزة)، وقد مر ذكرها سابقاً.(7/229)
وهذا المنع من اكتناز المال ومحاربته بفرض ضريبة الزكاة عليه، يعبر عن أوجه الخلاف الخطير بين المذهب الإسلامي والمذهب الرأسمالي كما ذكرنا سابقاً، فالنظام الرأسمالي يشجعه، ويخلق له المصارف وبيوت المال لتكديسه وحجبه عن الإنتاج المثمر، ويكافئه بتشريع نظام الفائدة بينما يحاربه الإسلام ويمتصه عن طريق الزكاة ويدخله في حلبة الإنتاج وزيادة الاستهلاك الذي يدير عجلة الإنتاج.
ب- أما من الناحية السياسية، فإن استئثار فئة قليلة بالقسم الأكبر من المال، لابد أن يؤدي إلى أن يطغى نفوذها على الحكام أنفسهم، فلا يصبح بمقدورهم أن يعالجوا الخلل الاقتصادي والاجتماعي.
الآية: ]كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم[ (الحشر-7)
وهو ما نعيشه في الوقت الحاضر، في كافة بقاع العالم، إذ أن الثروات الضخمة التي تكدست في أيدي فئة قليلة من البشر، فاقت الثروات التي تملكها الحكومات ذاتها، ففقدت الدول بذلك هيبتها وسيطرتها على هؤلاء. الأثرياء، وانحصرت مهمتها بتأمين مصالحهم الخاصة فقط وتيسير مهماتهم على حساب استفحال الفقر والجوع والحرمان من أمس الحاجات الضرورية التي تقاسي منها الغالبية العظمى من الشعوب.
جـ- تحقيق التوازن الاجتماعي، وذلك بتأمين التقارب في مستوى المعيشة بين جميع أفراد الأمة، وذلك عن طريق تحويل المجتمع إلى طبقة واحدة غنية ومترفة، أي مساواة الناس بالغنى وليس بالفقر كما هو الحال في النظامين السابقين والدليل الفقهي على علاقة هذه الضريبة، وما إليها (الصدقة، والخمس) حسب المذاهب، بأغراض التوازن الاجتماعي، بالإضافة إلى الناحية الإنسانية والاقتصادية ما يلي:
عن إسحاق بن عمار: "قال: قلت للإمام جعفر بن محمد: هل أعطي الفقير مائة من الزكاة؟ قال: نعم، قلت: مائتين؟ قال: نعم، قلت: ثلاثمائة؟ قال: نعم، قلت: أربعمائة؟ قال نعم، قلت: خمسمائة؟ قال: نعم حتى تغنيه..."
وكما مر معنا عن أبي بصير، عن الإمام جعفر بن الصادق:
"إن الله تعالى نظر في أموال الأغنياء، ثم نظر في الفقراء، فجعل لهم في أموال الأغنياء ما يكتفون به، ولو لم يكفهم لزادهم".
وعن الإمام علي رضي الله عنه: ]إن الله سبحانه وتعالى فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما منع به غني، والله تعالى جده سائلهم عن ذلك يوم القيامة[. نهج البلاغة.
وفي كل ذلك ما يبين امتداد حق الفقراء في أموال الأغنياء حتى الغنى وتحقيق التوازن الاجتماعي، وتقريب مستويات المعيشة بين جميع أفراد الأمة والمجتمع.
أصحاب الحق في الزكاة
الآيات: ]والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم[(المعارج-25)
]إنما الصدقات للفقراء والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين وفي سبيل الله، وابن السبيل[ (التوبة/ 60)
فالزكاة إذاً، هي حق معلوم في أموال الأغنياء، يصرف للفئات التي سمتها الآية 60 من صورة التوبة المذكورة.
الحض على العمل: وإذا كان الإسلام قد جعل لغير العاملين والفقراء والمساكين... الخ، ممن ورد ذكرهم في أحكام الزكاة، حقاً في ثروات الله التي حصل عليها العاملون، فإن هذا لا يعني أنه دفع الناس للخلود إلى الراحة والكسل، والاعتماد على الغير في معيشتهم، بل -على العكس- فقد حض الله تعالى على العمل وقدسه إلى منزلة العبادة
الآيات: ]وقل اعملوا فسيرى الله عملكم[ (التوبه-105)
]هو أنشأكم من الأرض، واستعمركم فيها[ (هود /61) أي كلفكم بإعمارها.
]هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً، فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور[ (الملك/ 15)
- وفضل الإسلام من يأكل بعمل يده عمن يقبل الصدقة. وقال (ص)
"اليد العليا خير من اليد السفلى" فأخذ المسلمون يتسابقون إلى العمل وأداء الصدقة بدل قبولها
وقال أيضاً: "من فتح على نفسه باب السؤال، فتح الله عليه سبعين باباً من الفقر".
ومن تقديسه للعمل إلى منزلة العبادة، جاء في الحديث:
أثنى الصحابة أمام الرسول على رجل يكثر من العبادة، فسألهم: من يعيله؟ قالوا: "كلنا"، فقال: "كلكم أعبد منه".
وعن الرسول (ص): أنه رفع يوماً يد عامل مكدود فقبلها، وقال:
"طلب الحلال فرض على كل مسلم ومسلمة، ومن أكل من كد يده مر على الصراط كالبرق، ومن أكل من كد يده نظر الله إليه بالرحمة، ثم لا يعذبه أبداً، ومن أكل من كد يده حلالاً فتح الله له أبواب الجنة يدخل من أين شاء.
وكان الرسول (ص) كما جاء في سيرته الشريفة، يسأل عن الشخص إذا أعجبه مظهره، فإذا قيل له "ليس له حرفة، ولا عمل يمارسه"، سقط من عينه،
ويقول: "إن المؤمن من إذا لم تكن لديه حرفة يعيش بدينه".
ويقول الصادق:"لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال، يكف به وجهه، ويقضي به دينه، ويصل به رحمه".
وجعل الإسلام العمل سبباً لتملك الأرض: "من أحيا أرضاً فهي له"، كما جعل عمارة الأرض سبباً لتملكها، فإن توقف عن إعمارها اقتطعت منه. قال(ص): "وليس لمحتجز حق فوق ثلاث"، أي لا يحق لمن يحتجز أرضاً أن يهملها أكثر من ثلاث سنوات.
الحض على العلم:
كان الحصن على العلم أول آية أنزلت على رسول الله (ص)، الآية: ]اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم[.
وجعل الإسلام من طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة:
الحديث: ]العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة[.
" كما جعل العلماء بمثابة الأنبياء وفضلهم على سائر البشر:
]هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟![ (الزمره-5)
الآية: ]إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون[. (الرعد-4)
]إنما يخشى الله من عباده العلماء[.(*) (فاطر-28)
]ويتفكرون في خلق السموات والأرض[
وأقرن الإسلام العلم بالعمل: "العلم والعمل توأمان"، وذلك لكي يتم التحقيق من صواب العلم من خلال تطبيقه العملي، ولكي تتم تغذية العمل باستمرار بنتائج العلم الصائب، لتطوير العمل وتحسينه. ولكنه ألح على طلب العلم النافع: "اللهم احمنا من علمٍ لا ينفع"، (للأسف، إننا في عصر يسود فيه العلم الضار - بكافة صنوفه من الطب، للزراعة وأسمدتها الكيماوية ومبيدات أعشابها وتصنيعها، إلى الفضاء وتجسسه وأسلحته الفتاكة، إلى الإشعاعات والجينات وأنابيب خلق الكائنات...الخ)(**)
وبصورة عامة، لابد للعلم والعمل من أن يهدفا إلى تحقيق سعادة الفرد في الدنيا وخلوده في الآخرة: عن علي (ع):
"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً".
وذلك، لكي لا يفقد الإنسان أمله في الحياة، فلا يتوقف عن العمل المستمر مهما أصيب من أمراض، ومصائب وفشل (فالله يغير من حالٍ إلى حال).
ولابد من أن يكون عمله -في الوقت نفسه- صالحاً لخير المجتمع، فيكسب بذلك دينه ودنياه.
وهكذا، فإن السياسة الاقتصادية في الإسلام توجب على الحاكم تحسين الدخول فرداً فرداً، أي ليس باحتساب الزيادة الإجمالية في الدخل التي قد لا تصيب في التوزيع إلا فئة بسيطة من المستغلين، كما هو الحال في النظامين السابقين.
وبفضل هذه العدالة الاجتماعية، ازداد الشعور بالمسؤولية بين المسلمين، وأقبلوا على العمل بشغف وإتقان ونشاط، لدرجة قلما كان يوجد بين صفوف المسلمين من يستحق الزكاة. ويشهد على ذلك أنه في عهد الخليفة (عمر بن عبدالعزيز)، كان أحد عملائه في الكوفة يعيد الأموال، التي كان يكلفه الخليفة بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، إلى بيت مال المسلمين، وعندما سأله الخليفةعن السبب أجاب:
"لم أجد فيها من يستحق الزكاة".(7/230)
وكما قال الكاتب الفرنسي الكبير (آلان راود)، في كتابه "اليمن وشعوبها": "أحببت صنعاء كما يحب البستان الماء، لا لأنها بلد الـ(13000) حمام و(13000) جامع، في كامل الجلال والجمال، في عهد هارون الرشيد، ولكن، لأن فيها كل ما يشهد على حضارة ورفاهية شعب بأسره"(*).
والسؤال الآن:
لماذا جعل الإسلام الزكاة حقاً للسائل والمحروم...الخ
وليست مجرد هبة أو صدقة؟!..
مما لاشك فيه، أن للزكاة -كما رأينا - منافع عديدة، اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وهي العبادة الوحيدة المكلفة، والمتوجبة طيلة حياة المسلم المكلف. ولكن...لماذا جعلها الله سبحانه وتعالى حقاً للمستحقين، وليست هبة أو صدقة، كما في قوله تعالى:
الآية: ]الذين في أموالكم حق معلوم للسائل والمحروم[.(النور-33)
والجواب -على ما أعتقد يكمن - بصفتي اقتصادية- في الآيتين الكريمتين التاليتين:
- ] وآتوهم من مال الله الذي آتاكم [.
- والله الذي خلق السموات والأرض، وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم، وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الأنهار، وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، إن الإنسان لظلوم كفار". (ابراهيم-32)
أي أن الله سبحانه وتعالى الذي خلق الكائنات على وجه الأرض، خلق لهم فيها ما يكفيهم جميعاً.وأن ما على سطح الأرض، ومافي جوفها، وسمائها هوملك لله وحده، ومخصص لجميع عباده.وما الإنسان العامل إلا مستخلف من قبل الله لاستثمار خيراته. فالامتناع عن استغلالها أو المنع من ذلك، يعتبر ظلماً وكفراً، ويحول دون وصول البشر إلى مرتبة خليفة الله في الأرض.
أما العاجزون عن العمل والمحرومون فيه، والبؤساء والمساكين.. الخ. فهم أيضاً من عباد الله، ولهم نصيبهم مما آتى العاملين والمورثين، فهو خالقهم وكافلهم أيضاً من ثروات الله ]وآتوهم من مال الله الذي آتاكم[.
في الحقيقة، إن الله الذي خلق هذا الكون بكل مافيه من إنسان وحيوان ونبات، خلق له معه في هذه الطبيعة كل مايكفل له حياته إلى أجل لا يعلمه إلا هو. فالإنسان، يجد في هذه الأرض، كل مايؤمن له، طعامه وشرابه، وكساءه، ودواءه، ومتعته ومأواه.. الخ.. وحضه على العمل لاستثمار هذه الثروات واستغلالها، وجهزه بكل مايلزم لذلك من عقل وطاقة وقوة... الخ. وفرض عليه أن يؤدي من هذا المال الذي آتاه الله به حصة الفقراء والمساكين والمحرومين من العمل.. الخ، أصحاب الحق في الحياة من هذه الثروات مثله.
والحيوان، هداه الله عن طريق الغريزة إلى اكتشاف مايؤمن له غذاءه الذي يتفق مع تكوينه، واختيار مأواه، وحماية نفسه.. الخ( وما تدخل الإنسان في حياة الحيوانات، وتعليمها دروسها، وتكثيرها بطرق اصطناعية تجارية محضة، إلا وراء اندثار القسم الأكبر من هذه الحيوانات، وفسادها)، فالعصفور -على سبيل المثال- يميز من ذاته بين الحبة النافعة التي تلائمه وغير النافعة، أو الحجرة؛ والنحلة، وحتى النملة، أدق مخلوقات الله، تقوم بنفسها بأمهر ما يقوم به أفضل العلماء من بني الإنسان فبيوت النمل الرائعة الصنع استوحيت منها ناطحات السحاب في أمريكا، والنحل -كما نعلم- يقوم بأدهش عملية إنتاجية في الكون، تنظم فيها مراحل الإنتاج، وتوزع الأدوار على العاملات وتقوم كل منها بدورها في أوقات محددة دقيقة، حسب المستلزمات والمعطيات من الطبيعة، دون أن يكون فيها أي دور أوجهد للإنسان، اللهم إلا ليمد يده ويتناول أقراص الشهد، ويأكله هنيئاً مريئاً فيه شفاء للناس.
(وكلنا يعلم أن تدخل الإنسان الحديث في تغذية النحل في الوقت الحاضر، قد أفسد العسل، وشل وظيفته كشفاء للناس، إن لم يكن قد حولها إلى ضرر بالصحة).
فلماذا يختص الشخص الذي حصل على العسل به وحده، وما الذي جعل له الحق به وحده، من دون المحتاج، علماً بأنه خلق للناس أجمعين؟
فعملية الإنتاج في هذا المثال، واليد العاملة، والمواد الأولية، والإشراف على العمل، ورأس المال والعمل والعمال، كلها من عند الله، وهديه لعباده.
وقس على ذلك بالنسبة للأسماك، التي تغص بها البحار والأنهار، والتي لا تتطلب إلا إلقاء الشبكة في الماء(*)، وملايين الأنواع من النباتات الصالحة كغذاء وكساء ودواء، مما اكتشف، ومالم يكتشف بعد، والتي لا حاجة في إنتاجها للإنسان وعمله، فكلها من عند الله، ولصالح عباده أجمعين.
كما أن هناك عدداً لا يحصى من الثروات التي خلقها الله في الطبيعة، والتي لابد للاستفادة منها من عمل الإنسان. كاستخراج المعادن من باطن الأرض، وتصنيعها وتحويلها، وزراعة البساتين والكروم والحقول... الخ. ويتجلى في هذه العمليات الإنتاجية اشتراك الخالق مع البشر جنباً إلى جنب في استخراج ملك الله واستثماره.
ولنأخذ مثال الإنبات في الزراعة، لنحدد ما نتج منه بفضل عمل البشر، وماهو من هبة الإله.
فهناك عدد كبير من النباتات والثمار، لا تحتاج من جهد الإنسان إلا وضع البزرة في التربة، علماً بأن البزرة الأولى، والشجرة الأولى لكل ما ينبت على وجه الأرض من نباتات هي من خلق الله. قال تعالى: ] وآية لهم الأرض الميتة أحييناها، وأخرجنا منها حباً فمنها يأكلون، وجعلنا فيها جناتٍ من نخيل وأعنابٍ، وفجرنا فيها من العيون[.(ياسين-33)
وما التربة وما بداخلها من مواد عضوية لتغذيتها، والأمطار التي تهطل من السماء لسقايتها، والشمس التي تمدها بالحرارة لإنضاجها، والرياح التي تتولى عملية التلقيح، وتمدها بالأوكسجين والهيدروجين إلى آخر ما هنالك،مما نعلم وما لا نعلم.. ما هذا كله إلا من عند الله، وليس لإنسان أي دور فيه(*)، فالمواد الأولية الأساسية في هذا المثال، الضرورية لعملية الإنتاج، كلها هبة من عند الله، ولذا فإن الإنتاج حق لعباده أجمعين.
وهناك عدد آخر من النباتات تحتاج إلى جهد أكبر من الإنسان في زراعتها، وسقايتها، وحصادها، وجنيها، كما تحتاج إلى رأس مال لتأمين ذلك. أي أنها تحتاج إلى:
ـ رأس مال.
ـ أدوات إنتاج، تقليدية أو عصرية.
ـ يد عاملة.
ولكن، هذه الخدمات لا تقاس بالعطاءات المجانية التي يقدمها الإله، وهي الوسائل الرئيسية في الإنتاج، ولا يمكن أن يتم الإنتاج بدونها:
ـ الأرض وما تحتوي تربتها من المواد العضوية.
ـ الماء الذي ينبع من الأرض أو يهبط من السماء.
ـ الشمس، والهواء,....الخ..
وهذه تأتي كلها مجاناً من عند الإله، والحق فيها لعباد الله قاطبة".
فكيف يتم التوزيع حسب النظام الحالي، وكيف يجب أن يتم حسب تعاليم الإسلام؟...
التوزيع حسب النظام الحالي:
يأتي رأس المال، على رأس المستفيدين من حصة الإنتاج، من ربح، وفائدة وريع، علماً بأن صاحبه لايقوم بأي عمل
وإذا ما كان هونفسه الذي يقدم وسائل الإنتاج، كالشركات العالمية، وهذا هو الغالب في الوقت الحاضر، فإنه يستأثر بالإنتاج وحده، ولا يصيب العاملين الذين قدموا الجهد الأكبر سوى نسبة بسيطة كأجر، لا يكفيه قوت يومه، وهو يأخذ بالتضاؤل شيئاً فشيئاً نظراً لكثرة العرض في اليد العاملة على الطلب، والمشردة من كافة بلدان العالم.
فتوزيع الإنتاج يقتصر هنا على حق رأس المال وأدواته من الوسائل البشرية، ولا يأخذ بعين الاعتبار وسائل الإنتاج الربانية، والتي بدونها لا يستطيع أي إنسان، وأي رأس مال، وأية وسائل إنتاج بشرية، أن تنتج شيئاً. أي أن التوزيع -بهذه الحالة- لا يصيب حصة الفقراء والمحتاجين...الخ. ممن لهم حق ونصيب في هبات الله، والذين خلقهم وتكفل بهم.
التوزيع حسب أحكام الله:(7/231)
يجعل الإسلام العمل -بصورة عامة- شرطاً في تملك الثروة الطبيعية التي لا يملكها فرد آخر مثل: الخشب الذي يقتطعه العامل من أشجار الغابة، والأسماك والطيور في البحر والجو، والمواد المعدنية التي يستخرجها المنتج من مناجمها، والأرض الميتة التي يحييها الزراع ويعدونها للإنتاج، وعين الماء التي يستنبطها من أعماق الأرض... الخ. وهي كلها ملك عام كما ذكرنا.
فالعامل -في هذه الحالات- له وحده ملكية الإنتاج الذي أنتجه، على أن يوزع، قبل كل شيء، حصة غير العاملين والمحتاجين... الخ. الوارد ذكرهم في آية التوبة، كما ذكرنا سابقاً، وليس لرأس المال على تلك الثروات إلا الحق بالأجر.
وبهذا، فإن الفرق بين النظرية الإسلامية في التوزيع، مابعد الإنتاج، والنظرية الرأسمالية كبير للغاية. ومرد هذا الفرق إلى اختلاف النظريتين في تحديد مركز الإنسان، ودوره في عملية الإنتاج. فدور الإنسان في الأولى هو دور الوسيلة التي تخدم الإنتاج، ودوره في الإسلام الغاية التي يخدمها الإنتاج. فالإنسان، في النظام الرأسمالي، كما في النظام الاشتراكي، هو بمثابة سائر القوى المساهمة في الإنتاج، يتلقى نصيبه من الثروة الطبيعية التي جهد في استخراجها وتحويلها، بوصفه خادماً للإنتاج، كأجر فقط، لاستمرار حياته وعمله، بينما يصبح مالك رأس المال مستحوذاً على جميع ما يقوم به الأجراء لإنتاجه، ومن حقه بيعه بالثمن الذي يحلو له، دون أن يؤدي حصة من لهم نصيب من ملك الله الذي آتاهم....(*).
أما النظرية الإسلامية، فهي تجعل العمل شرطاً في تملك الثروة الطبيعية، وتمنح العامل وحده حق ملكية الإنتاج الذي أنتجه، وتختفي سيطرة رأس المال على تلك الثروات، التي يمتلكها في ظل المذهب الرأسمالي لمجرد قدرته على توفير الآلات اللازمة للإنتاج، ودفع نفقاته، وتحل محلها سيطرة الإنسان على ثروات الطبيعة التي خلقها الله لخدمة الإنسان، لأنه الغرض من الإنتاج. ولا يحصل رأس المال وأدواته إلا على أجر لقاء الخدمة التي قدمها، وهي لا تعني المشاركة في الثروة المنتجة.
وإذا لم يكن للوسائل المستعملة في الإنتاج مالك آخر سوى الإنسان العامل نفسه، فلا يشاركه أحد في الإنتاج سوى من لهم نصيب من ملك الله الذي آتاه كحقه تماماً.وهم الفقراء والمحتاجون الوارد ذكرهم في آية التوبة... الخ. كما ذكرنا.
الفرق في التوزيع بين الماركسية والإسلام:
- من الناحية النظرية:
مما لاشك فيه أن النظرية الماركسية كانت قداستوحت من النظام الإسلامي شيئاً من مبدأ العدالة الاجتماعية. وذلك فيما يتعلق بمسؤولية الدولة في تأمين سبل العمل لكافة السكان (وبالفعل، لم يكن قبل انهيار النظام المذكور في أوائل التسعينات عاطل واحد عن العمل)، (يتجاوز عدد العاطلين عن العمل في ظل نظام الحرية الجديد 65% في روسيا عام 1996، وتقارب في الوقت الحاضر ثلاث أرباع السكان)، كما ضمنت للعاجز والمريض الضمانات الضرورية اللازمة للحياة.
وهي تعتبر أيضاً تماشياً مع القواعد الإسلامية، أن للعامل الحق بالإنتاج وليس بالأجر، إلاأنها تقيده بما أضافه العامل بعمله على المادة الأساسية -قبل العمل- من قيمة جديدة تبادلية. ولذا، فإن للعامل في رأي الماركسية الحق في السلعة المنتجة، باستثناء قيمة المادة التي تسلمها من الدولة قبل الإنتاج.
- من الناحية العملية:
أما من خلال التطبيق العملي، فإن القائمين على إدارة المشاريع المؤممة لم يدفعوا للعالم إلا أجراً –كأصحاب المشاريع الرأسمالية- لايكاد يكفيه ليتابع عمله، وكدسوا لأنفسهم الأموال على حساب العامل، والمشاريع الإنتاجية نفسها، التي أفلس معظمها، مما أدى إلى استفحال مديونية الدول الاشتراكية، وتوقفها عن تسديد ديونها، وفقدان الحاجات الضرورية، حتى الغذائية الأساسية. وكلنا يذكر طوابير البشر التي كانت تتدافع، أمام مراكز التوزيع، أياماً وأسابيع، للحصول على قطعة لحم مجمدة، أو حتى ربطة خبز جافة، آخر أيام العهد، والتي كانت السبب الرئيسي في سقوط النظام. ومن الطبيعي أن هؤلاء المستغلين – هم أنفسم – الذين استلموا مقادير الحكم في النظام الجديد، ليعودوا بالشعوب، ليس فقط إلى أيام القياصرة، فهم بعيدون جداً عنها حتى أيام النظام الاشتراكي في عهده المرموق، بل إلىعصور الهمجية والغوغائية في أظلم العهود...!
أما الإسلام، فقد منح العامل، نظرياً وعملياً، خلال قرون عديدة من تطبيقه لشريعته، كل الثروة التي أنتجها العامل، إذا كانت المادة الأساسية التي مارسها العامل في عملية الإنتاج ثروة طبيعية لا يملكها فرد آخر، أي إذا كان هونفسه قداستخرجها من الطبيعة، ومهما كانت هذه الثروة، سواءً كانت ذهباً أو حجراً، أما إذا كانت ملكاً لفرد آخر، فلا مجال لمنحها للإنسان العامل على أساس الإنتاج الجديد الذي أدخله عليها، لأنها تحمل عمل المالك الذي له الحق الثابت بالملك، ويقتصر هنا حق العامل على الأجر فقط، وهذا مايطلق عليه اسم ظاهرة الثبات في الملكية(*).
إلا أن هذه الأحكام، أصبحت في الوقت الحاضر، -على مايبدو- مستحيلة التطبيق، حتى في البلدان التي تتبنى الإسلام في الذات، وأضحت العدالة الاجتماعية حبراً على ورق في اجتهادات الفقهاء في الإسلام، فلا الراعي ولا الرعية بقادرين على تنفيذ أحكامها لفقدان المعطيات في بلاد الإسلام بالذات.
ـ فلا الأرض ومافيها من الثروات الطبيعية بقيت ملكاً للإله –حسب زعمهم- ولا للشعوب ولا الحكام.. إنها فيما فوقها، وماتحتها وما في جوفها وسمائها ومائها بأيدي الشركات الأجنبية العالمية... تتصرف فيها كما تشاء.
ـ وأصبح العمل،ووسائل العمل بأيدي هذه الشركات...
ـ وانحصر المحصول ومردود المحصول في ملكها أيضاً، تحوله أين تشاء وتحرم شعوبه منه.
وهذا يتعارض -في الواقع- مع أحكام الإسلام الذي منع ملكية رقبة الأرض، حتى للعاملين فيها من أبناء الشعب(فهي ملك لله)، وحصر منفعتها فقط بهم، على ألا يتوقفوا عن استثمارها، وإلا أخذت منهم، وسلمت لغيرهم،كما رأينا، ولكن، على أن يوزعوا حقوق المحتاجين.
ـ وكذلك، امتدت سيطرة الشركات المذكورة ــ عن طريق التخصيص ـ إلى كل مرفق من المرافق العامة، التي كانت في عهدة الحكام، وفقدت الحكومات كل سيطرة عليها، مما أدى إلى شلل مهمة الراعي في تأمين العدالة الاجتماعية، وتأمين الخدمات العامة للشعوب، واقتصردورهم على سن القوانين التي تفتح للشركات الأجنبية المذكورة، الأبواب على مصراعيها، لسرقة خيرات البلاد، وتكديس الأموال، وتحويلها دون رقابة ولا حساب، إلى أي مكان تشاء.(*)
ولم يبق -في الواقع- للشعوب التي حضها الإسلام على العمل واستثمار خيرات الأرض، أية فرصة للعمل، سوى التمثيل، والرقص، والغناء، واحتلال الأرصفة (من رجال ونساء وأطفال) لإمتاع السياح. فليس لهم الحق في اقتطاع حجر، أو احتطاب خشب، أو زراعة أرض، أو غرس شجر، أو صيد سمك، أوحتى عصفور، كما لم يبق لها الحق في فتح دكان كقصاب أو سمان...!. ولم يبق في ساحة العمل إلا الشركات الأجنبية، ومجمعاتها، وعملاؤها في الداخل، وكأن الله تعالى، قد استخلف فقط الإنسان الأمريكي الصهيوني. على ثروات الأرض بكاملها، ومنحهم إياها بوثيقة مضمونة -كما يعتقدون-. وإنني لأتساءل هل خصهم الإله من المميزات العقلية والجسدية، بما يفوق منها مالدى الشعوب التعيسة الأخرى؟!...
وهل اكتشف، أن خليفة الله هذا، قد حباه الله بأربع عيون، ورأسان وثمانية أطراف؟....(7/232)
أم أن الله قد خلق البشر كلهم سواسية "كأسنان المشط"، لا فرق بينهم إلا بالتقوى؟!..
وهاهي حضاراتهم التليدة تشهد على عبقرياتهم ومهاراتهم بشكل لا مجال فيه للمقارنة بينها وبين حضارة الصهاينة الأمريكان...!.
والحضارة الإسلامية، في هذا المضمار -والتي نقل القسم الأعظم منها ومن علومها وفنونها إلى متاحفهم، عدا ما حرق وأبيد منها بدافع الحقد والإعاقة، بالطبع، خوفاً منها -شاهدة على ذلك-...
وهي لم تهدم حضارة البلدان التي فتحتها، بل -على العكس-.. فقد رممتها وجددتها، وأضافت عليها من مميزاتها وإبداعها، وذلك بشهادة أقسى أعدائها، كما أنها لم تسلب حق الشعوب في استثمار خيرات بلادها، بل -على العكس- وزعت الحق في إنتاج هذه الثروات وخيراتها، على كل فرد، فرداً فرداً، فمن اليمن السعيد إلى الأندلس العتيد إلى ربوع الصين والهند وكازخستان وإيران... برزت حضارات يعجز اللسان عن وصفها، مصحوبة -قبل كل شيء- بسعادة الإنسان كل إنسان...!
حتى اعترف لها بذلك المؤرخ الإنكليزي الكبير بقوله:
"ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب"....
ولكنني للأسف الشديد، لست على يقين، بوجود من يملك من المسلمين في هذه الأيام، الجدارة، والحرية، والاستقلال بثروات البلاد، لاستلام مقاليد الإسلام.
لقد تعطل -كما رأينا- دور الراعي في القيام بمسؤولياته، للقيام بتأمين سبل العدالة الاجتماعية، واستثمار خيرات البلاد، وإدارة مرافقها، فلم يعد قادراً على تأمين العمل والعيش الكريم للقادرين على العمل، ولا الحاجات الكمالية، لا بله الحياتية الأساسية، للعاجزين عنه، وكبلت البلدان بالديون، وجفت الموارد العامة من الخزينة، وضغطت النفقات من حساب حياة الشعوب، ليوجه القسم الأكبر منها لتسديد الديون...
- كما تعطل دور الأفراد أيضاً بالقيام بدورهم في كفالة بعضهم بعضاً.
فكيف يمكن للعاملين، الذين هبطت دخولهم إلى دون عتبة الفقر بكثير، أن يكفلوا حياة غير العاملين، والمحرومين...الخ. وهم أنفسهم بحاجة لمن يكفل لهم حاجاتهم الرئيسية أيضاً؟!...
فالجميع الآن بحاجة للتكافل...!
فمن الذي سيدفع الزكاة؟!....
أهي الشركات العالمية، والصهيونية التي تمولها، وهي تشن حرباً ضروساً على الشعوب كافة، وخاصة منها الشعوب الإسلامية، بكافة الوسائل، وفي كل مكان؟!...
وإذا لم يحقق الإسلام للمسلمين هذا الضمان، فماذا يبقى للمسلمين من الإسلام؟!...
الموت في سبيل الله!؟...
أم في سبيل الصهاينة الأميركان؟!....
الخلاصة العامة
إن الهدف من هذا البحث، ليس الدخول في أحكام النظريتين الماركسية والرأسمالية، وفلسفاتهما من حيث هي، وإنما من خلال انعكاسهما على المجتمع الإنساني من سعادة، ورفاهية، وعدالة، وأمان .
ومرد هذا الاختلاف يعود، في الواقع، إلى الاختلاف في تحديد مركز الإنسان ودوره في عملية الإنتاج.
فبالنسبة للنظام الرأسمالي، فإن دور الإنسان هو الوسيلة التي تخدم الإنتاج والربح، لا الغاية التي يخدمها الإنتاج، فهو في صف القوى المساهمة في الإنتاج، من طبيعة وماديه ورأس مال، بل والحلقة الأوهى منه، فيتلقى أجراً على مساهمته في الإنتاج، يعينه فقط على متابعه الإنتاج.
أمافي النظام الماركسي، فإن دوره في عملية الإنتاج هو الوسيلة التي تخدم النظام وتوصل وسائل الإنتاج، ولو بشكل مصطنع، إلى المرحلة المطلوبة حسب المادية التاريخية المبتدعة لتبرير هذا النظام، ولذا، فإن العامل من الناحية النظرية فقط، له الحق من الإنتاج بمقدار ما منحه بعمله من فرق في القيمة التبادلية الجديدة، شأنه في ذلك شأن بقية وسائل الإنتاج. أما من الناحية العملية، فإن نصيبه الفعلي قد انخفض إلى مستوى أدنى بكثير مما حصل عليه العامل من أجر في النظام الرأسمالي، وانفرد الحكام بالقيمة وفرق القيمة معاً.
ولذا، فلا فرق بين النظامين في الواقع، فرأس المال الخاص ينتخب رجال الحكم والحكام في النظام الرأسمالي، الذين يشتركون معه في الربح على حساب العمل والعمال، ويختص رجال الحكم في النظام الماركسي برأس المال ووسائل الإنتاج ليثروا على حساب العمل والعمال.
أما مركز الإنسان في الإسلام، فهومركز الغاية لا الوسيلة، فليس هو في مركز الوسائل المادية لتوزيع الثروة بين الإنسان وتلك الوسائل، بل إن الوسائل المادية تعتبر خادمة للإنسان في إنجاز عملية الإنتاج، لأن عملية الإنتاج هي نفسها لأجل الإنسان.وبذلك يختلف نصيبه عن نصيب الوسائل المذكورة. فهو وحده صاحب الحق في الإنتاج. بينما تتقاضى الوسائل المادية، ويتقاضى رأس المال مكافأة من الإنسان المنتج، بوصفها خادمة له.
ولابد من خلال النتائج التي آلت إليها التطبيقات للمذهبين الاقتصاديين الدوليين اللذين شملا العالم خلال مدة نصف قرن، لابد أن نشك في أن المشاكل التي تصدى لها المذهبان، كان المراد منها رعاية حقوق الإنسان، بل على العكس محاربة الإنسان في كل مكان، لأن الحلول المطروحة قد أدت إلى استفحال المشاكل الحقيقية، وخلق مشاكل جديدة سدت أمام الشعوب كل حق بالحياة في العالم أجمع، وليس فقط في موطنهما بالذات.
فالسؤال الذي يتحتم علينا أن نجيب عليه بعد دراسة هذين النظامين هو إذاً:
هل كانت المادية التاريخية المبتدعة، ووسائل الإنتاج المصطنعة، والطبقية التي أبيدت لتحل محلها الطبقية التي خلقت، من جهة النظام الماركسي؛ وقوانين العرض والطلب، والحرية المطلقة من عقالها بلا حدود، وتطوير وسائل الإنتاج لتحل محل الإنسان وتكثر من الإنتاج، من جهة النظام الحر، هل كانت بالفعل الحلول الحقيقية الناجعة لمشاكلهم في موطنهم بالذات، قبل أن تصبح الترياق في كل مكان...؟!…
فالمادية التاريخية: التي اتخذت صفة العلم في النظام الماركسي تفسر أوضاع الأمم السياسية والتاريخية والثقافية والحضارية من خلال تطور وسائل الإنتاج، علماً بأن التاريخ يشهد على أن المجتمعات التي سبقت العصر الحديث في الوجود، كانت متقاربة جداً في وسائل الإنتاج، ومع ذلك، فقد كانت تختلف اختلافاً كبيراً في مستوياتها العلمية والفكرية والحضارية، فشتان بين المجتمع الأوروبي في القرون الوسطى المظلمه، وبين المجتمعات الإسلامية وحضاراتها الرائعة في الأندلس، والعراق،ومصر... الخ في ذلك الحين.
ووسائل الإنتاج نفسها، كان قد أجري عليها التغيير بشكل مصطنع، بعد الثورة لكي تصل إلى المرحلة المطلوبة للإيديولوجية الماركسية، إذ أن وسائل الإنتاج في روسيا مثلاً، لم تكن قبل الثورة الاشتراكية لتبلغ الدرجة التي حددتها النظرية لا مكان التحول المطلوب واندلاع الثورة العمالية. فقد كانت في مؤخرة الدول الأوروبية من الناحية الصناعية. وعلى العكس، فقد كانت تلك القوى في مرحلة القمة من تطورها في كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا. ومع ذلك، فهذه البلدان كانت وبقيت أبعد ما تكون عن التحول العلمي الإجباري المطلوب للمادية التاريخية.(7/233)
أما الطبقية التي دثرت بحجة الظلم والتعسف، لتحل محلها الطبقة الأرحم والأعدل، والأدهي التي خلقت، فإن الاستيلاء على وسائل الإنتاج من طبقة كانت تنتج وتغذي الشعب والخزينة بالحاجات الضرورية، وتسليمها إلى طبقة أخرى هي، بالأصل، لا تملك ذات المؤهلات لإدارة عجلة الإنتاج، لم يقض على التركيب الطبقي بل خلق تركيباً من نوع آخر، وإن الإمكانيات والصلاحيات التي تمتعت بها الطبقة الجديدة تفوق سائر الإمكانيات التي حصلت عليها أكثر الطبقات ظلماً على مر التاريخ. وسمح لها النظام أن تتمتع وحدها بالمحتوى الحقيقي للملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، وحصلت على نفس الفرص التي كان الرأسماليون والاحتكاريون يتمتعون بها، كما أصبحت، أقدر من أي رأسمالي على سرقة فرق القيمة في الإنتاج، والاستئثار بها، دون أن يجرؤ أي لسان أو قلم على انتقادها، إذ كمت الأفواه، وقيدت حرية الفكر والإصلاح.
وهذا ما يفسر الفروق الشاسعة بين ثرواتها الضخمة التي راكمتها، وحالات الضيق والحرمان وفقدان المواد الغذائية الرئيسية التي عانى منها السكان، بل والأزمة الاقتصادية العصيبة التي أتت على النظام في أوائل التسعينات.
كل هذا، وهذا غيض من فيض، يجعلنا نشك بأن المشاكل التي طرحها هذا النظام، والحلول التي طبقها كانت لتخليص الشعوب من ظلم القيصرية وتأمين الحقوق لها والعدل والأمان، ناهيك عن جدواها لمشاكل شعوب العالم قاطبة بعد تدويلها والتي لا ناقة لها ولا جمل بالقيصرية ولا بالمادية التاريخيةووسائلها الإنتاجية - أو سواها من المشاكل المبتدعة.
فقادة التجربة الماركسية الجدد الذين زعموا أنهم يرغبون خلق الجنة الشيوعية الموعودة للشعوب على الأرض بدلاً لجنة الله في السماء، كانوا قد قضوا على قادة الثورة الحقيقيين ورؤوسها المفكرة عشية نجاح الثورة، فقاموا بعمليات تطهير ما يزيد على مليونين من أعضاء الحزب عام 1939 من أصل مليونين ونصف، عدا الوزراء وكافة ضباط الجيش.
كما جردوا الفلاحين المالكين من وسائل إنتاجهم (1928-1930). لأنهم يعتبرون الزراعة تخلفاً، وبوسائل وحشية يندى لها الجبين، راح ضحيتها مائة ألف قتيل، باعتراف التقارير الشيوعية ذاتها، وأضعاف هذا العدد حسب تقرير أعدائها، اتبعوها بالمجاعة الفاحشة (1932)، التي راح ضحيتها ستة ملايين نسمة، وذلك باعتراف الحكومة نفسها.
وهكذا، فقد سقط هذا النظام، ولم يبلغ من العمر نصف قرن، ذلك لأن معدّته لم تعد تهضم صناعة الحديد والصلب، في وقت لجأت معه أمريكا إلى استعمال سلاح الغذاء الأشد مضاءً من كافة ترسانته النووية. سقط وبأيدي قادته الجدد وطليعته المزعومة، ليتربعوا -هم أنفسهم- على عرش ماتلاه من أسوأ نظام يدعي الحرية والديموقراطية، ودون أن يرتفع فيه صوت واحد يعلن الاحتجاج.
وإذا ما أفاد المذهب الماركسي في شيء، فإنه مما لاشك فيه قد أفاد المذهب الحر في البلدان الصناعية ذاتها، وجعلها تغدق بعطاءاتها على العمال لتسد الطريق الذي يمكن أن تنفذ منه الشيوعية. وما أن زال خطر ثورة العمال المرتقبه بزوال خطر الشيوعية نفسها في موطنها بالذات، حتى كشرت الحقبة المسيطرة على القطاعات الإنتاجية الرأسمالية عن أنيابها، وأخذت بتشليح العمال الضمانات الاجتماعية التي منحهم إياها النظام، وتفننت بألوان التسريح التعسفي، والأدوات التكنولوجية الحديثة التي تستغني أكثر فأكثر عن العمال (فالتكنولوجيا الحديثة المتطورة هي بالدرجة الأولى، ذات هدف سياسي، الغاية منه تقليص دور العمال وحجمهم وسرقة حقوقهم).
وفي روسيا الديمقراطية الحالية بالذات، تطالعنا آخر المآسي من "عمال بلا أجور"، و"متقاعدين دون تقاعد"، و"ضباط بلا رواتب"، وعاطلين عن العمل تتجاوز نسبتهم العاملين، مع تفشي الجرائم والصراعات من شتى الأنواع: من صراعات عرقية وعنصرية، ودينية وحياتية، في الاتحاد السوفياتي السابق، قل أن يكون لها وجود. وقد تحولت تحت تأثير نظام العولمة الجديد إلى حروب ضد الطبقة العاملة نفسها،، جعلت ميخائيل كورباتشوف يسير في جنازة شعبه نائحاً، بعد أن سدد له الطعنة المميتة في فندق "الفير مونت" في سان فرانسيسكو عام 1995 عندما سئل:
"هل سيتحول العالم بأجمعه إلى برازيل كبيرة، أعني إلى دول تسودها اللا مساواة، مع وجود أحياء مقفلة تسكنها النخب الثرية؟"...
فأجاب: "إنكم بهذا السؤال تطرحون لب المشكلة على بساط البحث، إنها لحقيقة أن روسيا نفسها ستصبح على شاكلة البرازيل...".
في الواقع، لقد تحول العالم أجمع إلى برزايل كبيرة، إلا أن هذا لا يعني أن الأسلاك الشائكة، والأجهزة الإلكترونية، وكاميرات الليل والنهار سوف تحمي إلى ما لا نهاية هذه القلة الضئيلة من الأثرياء المحدثين من الطوفان السكاني المتصاعد من الجائعين والمحرومين والمغتصبة حقوقهم، فثورة الجائعين لا ترحم.
أما نظام الحرية المطلقة دون حدود، والذي تبنته أمريكا، فقد اتخذ في صراعه مع النظام المغتصب للحرية إلى أبعد الحدود، لتدويل نظامه، طرح مشاكل وحلول أكثر دهاءً وخبثاً ومضاءً. لقد استغل الحربين العالميتين بعدم اشتراكه الظاهري فيهما، وقد يكون هو نفسه قد أشعل فتيلتهما، فزودهما بالسلاح والعتاد والغذاء والجواسيس، واستطاع بذلك أن يحسم نتيجة الحربين لصالحه، استراتيجياً، واقتصادياً، وعسكرياً، ومالياً. وبينما خرج الجميع من الحربين منهارين على كافة الأصعدة، خرج وحده متخماً بالأموال والمنتجات على اختلاف أنواعها، ولابد له من أسواق لها. فشرع بنشر مظلته الإنسانية، مبتدئاً بتقديم مساعداته المالية لإعمار ما خربته الحروب، ومنها مشروع "مارشال" لإعمار أوروبا، الذي أدى في الواقع، إلى سيطرة شركاته الكبيرة الأم على الاقتصاد الأوروبي ذاته، وخلق شركات أوروبية فروعاً لها ملحقه به.
كما هب لمساعدة بلدان العالم الثالث على تخليصها من الاستعمار السياسي الأوروبي -حسب زعمه- ليحل في أسواقها استعماره الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي والمالي، باسم التطور والازدهار ومحاربة الفقر والحرمان. وهكذا فقد عانت هذه البلدان من التأرجح، خلال مدة تزيد على النصف قرن، بين أيدي القائمين على النظام الحر الرأسمالي من جهة والنظام الماركسي من جهة أخرى، مع كل ما تلا ذلك من أشكال الانقلابات في البنيات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية والعلمية والثقافية.. الخ. من وقت لآخر، حسب النظام، فلم تعد الشعوب تدري ماهي، وماهي هويتها، وماذا تريد...!..
ومن استعراض المشاكل والحلول التي طرحها النظام المذكور، وفرضها على العالم أجمع، والنتائج التي آلت إليها نرى:
أنه نادى بنظام الحرية المطلقة من كل حدود، معتبراً أن مصلحة الفرد دون رقابة ولا توجيه، تتوافق مع مصالح المجتمع، وأنها أكبر قوة دافعة لزيادة الإنتاج ومضاعفة الثروة الاجتماعية، وأنها أفضل ضامن لتحقيق إنسانية الإنسان وكرامته الشخصية...!.(7/234)
إن النتائج التي آلى إليها تطبيق نظام الحرية المطلقة المذكور، تحرر الإنسان من كل الروابط الاجتماعية والأخلاقية والدينية والحضارية والإنسانية...الخ.فيما عدا المادية... إنها تفترض أن كل إنسان على وجه الأرض هو في قرارة نفسه إنسان اقتصادي مادي فردي وجشع كالإنسان الأمريكي، ليس له إلا هدف واحد في الحياة هو المصلحة المادية. إن هذه القاعدة -في الحقيقة- لا تنطبق إلا على المجتمع الأوروبي نفسه الذي غزا أمريكا وأباد شعبها الأصيل بكافة صنوفه الوحشية المادية المستمدة من طابعه الفكري والروحي، ومقاييسه الخلقية والعملية من الجبروت والتسلط والاستهتار بكل إنسان، وتلاه الصهاينة، المتمرسون على يده، في إبادة الشعب الفلسطيني وتشريده طاعة لحكم إلههم المزعوم -كما يدعون-.
إلا أنه من خلال الاستعمار الثقافي وغسل الأدمغة الدائم لكافة شعوب العالم عن طريق التطوير المفروض، سرت هذه المعايير إلى كل ركن من أركان المعمورة. فقوانين الأقطاب الكلاسيكيين الأوائل. والكلاسيكيين الجدد، والتي تقضي بتخصيص العامل بجزء من الإنتاج يكفي فقط لقيمة المواد الغذائية الرئيسية القادرةعلى إعاشته للاحتفاظ بقواه اللازمة للعمل، لم تقتصر فقط على العامل الأمريكي، وتجعل ما يزيد على أربع، أخماس الطبقة العاملة لا تتوصل حتى للكفاف في معيشتها، بل سرت بسرعة البرق إلى كل جزء من أجزاء المعمورة، وحتى للبلدان الاشتراكية بالذات قبل سقوطها، والتي ينادي مذهبها بحق العامل بأكبر حصة من الإنتاج (فرق القيمة)، كما ذكرنا.
لقد أصبح اليوم حديث التوافق بين المصالح العامة والمصالح الفردية، في ظل الحرية المطلقة، أدعى للسخرية منه للقبول. فالمنافسة الحرة من كل قيد لم تؤد -في الواقع- إلى إشباع الحاجات الإنسانية بأقل نفقة، بل -على العكس- إلى تخفيض نفقات الإنتاج عن طريق سرقة أجور العمال، فعلى سبيل المثال: إن أمريكا، أكثر بلدان العالم إنتاجية وثراء في الوقت الحاضر، أصبحت أكثر اقتصاديات العالم رخصاً للأجور وسلباً لحقوق العمال، وتسريحاً لهم، دون حق أوضمان. وهذا لايعني أن المجتمع الأمريكي هو الأفقر، كما ذكرنا، إذ لم يسبق أبداً أن حازت أمريكا، في ظل نظام العولمة الجديد، الذي تستغل فيه ثروات العالم أجمع، على ما بحوزتها اليوم من الثروة والدخول.
إلا أن المشكلة تكمن فقط في أن هذه الثروة والدخول، تنحصر فقط بالخمس الثري فقط من الأمريكان. وحتى في إطار هذه الفئة، فالدخل يتوزع بشكل متفاوت للغاية، فواحد بالمائة من أغنى الأغنياء (أي حوالي نصف مليون أمريكي)، يملكون اليوم ثلث الثروة التي هي من حق جميع السكان، ويحصل غالبية المديرين على رواتب زادت بمعدل 250% خلال سبع سنوات، في الوقت الذي انخفضت فيه القوة الشرائية لبقية العاملين بين 11 و25% حسب الفئات. وما ذلك إلا إكراماً للمديرين المذكورين لجهودهم المبذولة في الوصول إلى تخفيض تكاليف الإنتاج عن طريق سرقة العمال مهما كانت الوسائل.
وكما قال (لسترثارو): "إن بوسع المرء أن يدعي أن مَنْ في أمريكا من رأسماليين قد أعلنوا الحرب على عمالهم، وأنهم قد فازوا فيها"...
في الواقع، إننا نعيش فترة الثورة المضادة على العمال في جميع بلدان العالم دون أن يتوصلوا -هم أنفسهم- إلى إعلان ثورتهم...!.
أما علاقة الحرية المطلقة بتنمية الإنتاج، وسد حاجات جميع السكان، فإنني لأتساءل ماهي المشاريع التي نما إنتاجها في ظل الاستهتار بالقيم الإنسانية والأخلاقية، والألوان التي لا حد لها من الجشع والطمع؟ إنها –بدون شك- المشاريع التي تكتلت وحطمت غيرها من المشاريع الصغيرة والمتوسطة (دون حاجة إلى تأميم)، وقضت على كل لون من ألوان التزاحم الشريف، عن طريق الاحتكار. كما أن الزيادة في الإنتاج لم تقترن بانخفاض الأسعار لتسد حاجات جميع السكان، لفقدان المزاحمة، بل على العكس، فقد خفضت القوة الشرائية للقوة العاملة إلى أدنى المستويات، لدرجة اضطرت القسم الأكبر من العمال إلى العمل في عدة مجالات لتغطية نفقات عائلاتهم، وحرمتهم من المتعة والراحة العائلية حتى أيام العطل والأعياد.
والأدهى من ذلك، اعتبار الحرية المطلقة تعبيراً عن الكرامة الإنسانية...!
وهنا أيضاً لابد من التساؤل عمن طالتهم هذه الحرية، وهذه الكرامة الإنسانية؟ لقد انحصر حق الحرية والديمقراطية المزعومة قطعاً، في حرية قبضة من الأمريكان الصهاينة، وأتباعهم وأذنابهم في كل مكان: من مجرمين، وقطاع طرق،ومضاربين، وتجار جنس، وخاطفين للأطفال، والشبان، من فتيان وفتيات، وتجار الدم الفاسد الملوث بجراثيم الإيدز، ومهربي المخدرات، والمتجولين في الملوثات المبيدة للجنس البشري، ومفجري الحروب، وبائعي الأسلحة، وزارعي المتفجرات...!.
فهؤلاء هم الذين يملكون في الوقت الحاضر، القسم الأكبر من الثروة، ويتحكمون بحياة الشعوب ومصيرهم، وهم أصحاب الكرامات، وأصحاب الحق في الحياة وهم دعاة حقوق الإنسان، والذين يصلبون الإنسان في كل مكان....
ومن أبرز تناقضات هذا النظام بأنه يرتكز -بالدرجة الأولى- على زيادة الاستهلاك لتسريع جملة الإنتاج -وإذا به يقضي على مستهلكيه بالذات، ويراكم الإنتاج ليفسد في مخازنه ومستودعاته، وكأن زيادة الإنتاج هي للإنتاج بالذات فإلى متى سيعيش هذا النظام؟!….
مما لاشك فيه أن المبالغة في التطرف التي وصل إليها هذا النظام، سوف تقضي على النظام ذاته بذاته، فبذور انحلاله أخذت تترعرع فيه، وهاهي الأنظمة المتفرعة عنه تتساقط تباعاً، فلجوء المرابين إلى المضاربات بالأسهم والعملات بدلاً عن الإنتاج لكسادة وللحصول علىأرباح ولو بالقيود أدى إلى الانفجار الرهيب لفقاعاتها منذ عام 1997، ابتداءً من النمور الآسيوية، إلى الأعجوبة اليابانية إلى كبريات الدول الاشتراكية منذ أن بزغ فيها أول شعاع من الحرية، فدول أمريكا اللاتينية والبترولية، والبقية تأتي...
كما أن عام 1999 يحمل في طياته الأخطار المرتقبة والانهيارات المتوقعة لبداية القرن المقبل في كل من أمريكا وأوروبا بالذات، والذي تحاول الكتلتان الحاليتان معالجته، في الوقت الحاضر -عن طريق الحروب الطاحنة بكافة أنواع الأسلحة، للهدم، وإعادة إنتاج الأسلحة وإعادة البناء... إنها -في الواقع- بذور الانحلال التي سوف تقضي على هذا النظام، ولم تعد تنتظر الإمهال...
فما هو البديل إذاً...؟
مما لاشك فيه أنه لا يوجد ثمة بديل واحد ناجع للعالم أجمع، وإلا فإننا سنقع، بأخطاء النظامين السابقين نفسها. بل هناك لكل شعب بديل ولكل حضارة بديل... وإذا كنت أرى أن الإسلام الذي أثبت خلال قرون عديدة أنه خير نظام أخرج للناس، وخير من خلص الشعوب التي خضعت لامبراطوريته الممتدة شرقاًوغرباً وشمالاً وجنوباً من الظلم والفقر والحرمان، ودفعها إلى استثمار خيرات بلادها بذاتها ولذاتها، وحسب طاقاتها وعلومها وثقافاتها وحضاراتها دون أن يزيلها، بل زاد عليها، وزود النفوس من الداخل بوقود من المميزات الحسنة التي اختارها الله لبني الإنسان، وشذبها من الشرور العالقة فيها، والتي تأتمر فيها نفس الإنسان، وحثها على أن تسعى جاهدة لاكتشاف المزيد من خيرات الله فتأكل من رزقه وتقاسم المحرومين والعاجزين عن العمل في حقهم بثروات الله.. إذا كنت أرى ذلك، فإنني لأتساءل هل ترك النظامان الجائران أي مجال أو خيار للحاكمين والمحكومين لتطبيق تعاليم الإسلام في بلاد الإسلام بالذات....؟
فما هو الإسلام؟(7/235)
الإسلام ثورة تختلف اختلافاً جذرياً عن النظامين السابقين.
يعتقد المفكرون الغربيون، ومن يجري في إثرهم من المستغربين العرب والمسلمين، أن الإسلام هو عبارة عن دين وليس باقتصاد، عقيدة، وليس بنهج للحياة، علاقة بين العبد وربه، وليس أساساً لثورة اجتماعية اقتصادية لخير الإنسانية جمعاء.
لقد غاب عن خلدهم أن الإسلام، هو ثورة حقيقية لا تنفصل فيها الحياة عن الإيمان، وأن المفهوم الروحي يشكل جزءاً لا يتجزأ من المفهوم الاقتصادي والاجتماعي "لأن الله غني عن العالمين"... و"وما أرسلناك إلا رحمةً بالعالمين"...
ففي الوقت الذي يحرر فيه الإنسان من كل شكل من أشكال العبودية لغير الله، يحرر فيه الثروات الطبيعية من كل نوع من أنواع الملكيات ما عدا الله. وهنا يربط الإمام علي كرم الله وجهه بين هذين المفهومين بقوله: "إن العبيد هم عبيدالله، وإن الثروات هي ثروات الله".
من هنا، فقد ناضل النبي(ص) في الإسلام، كما ناضل كافة الأنبياء في بقية الأديان نضالاً ثورياً ضد كل شكل من أشكال الظلم والعبودية والاستغلال. وكما ثاروا لتحرير الإنسان من الداخل من العبودية لغير الله، فقد جاهدوا لتحرير الأرض وثرواتها من المستغلين من الخارج والداخل، ولقب التحرير الأول "الجهاد الأكبر"، والثاني: "الجهاد الأصغر"..
وفي الوقت الذي حرر فيه الإنسان من الاستغلال الخارجي، حرره من داخله من ينابيع الاستغلال للغير الكامنة فيه، وذلك بتغيير مفهوم العالم والحياة بالنسبة إليه.
فالثورة في الإسلام تختلف اختلافاً جذرياً عنها في المفهوم الغربي والشرقي على السواء. فليست في إحلال الرأسمالية محل الإقطاعية، ولا في إحلال الطبقة العاملة محل البورجوازية. أي ليس المقصود منها تغيير أسماء المستغل، وإنما محوه من جذوره، ومن نفس الإنسان بالذات (فالنفس أمارة بالسوء)، إن كفاح الأنبياء ضد الظلم والاستغلال، لم يأخذ شكل صراع الطبقات، وإنما اتخذ طابعاً إنسانياً هدفه تحرير كل إنسان من أية طبقة كان، فليس كل إقطاعي ظالماً، وليس كل غني مستغلاً، ولا كل عامل ملاكاً، ولا كل فلاح نبيلاً.
وإن بإمكان الإسلام أن يحول الجميع إلى خيرين، صالحين، ونبلاء... وبالفعل، فقد أيقظ الإسلام من النفوس، حتى الشريره، مكامنها الخيرة، والحسنة، وفجر فيها الطاقات الإبداعية، ووجهها لخير المجتمع وسعادته.
ـ إن الثوري الذي يتابع خط الأنبياء، ليس بذلك المستغل الذي يحسب أنه يستمد قيمته من امتلاك وسائل الإنتاج أو تكديس الأموال على حساب الشعوب، إنه يستمد قيمته من الجهود التي يبذلها بالتقرب من الله، ليس فقط عن طريق الصوم والصلاة، وإنما لنجاحه بمسؤولياته كخليفة الله في الأرض، أي في جهده وابتكاره ونفعه لعباد الله: "أحبهم إلى الله أنفعهم لعباده".
للهيكل العام للاقتصاد الإسلامي ثلاثة أسس رئيسية تميزه عن المذهبين السابقين التاليين:
1 ـ الملكية متنوعة ومحدودة:
يتميز الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي باختلافه عن المذهبين السابقين، بإقراره للأشكال المختلفة للملكية بآن واحد، بدلاً من مبدأ الملكية الخاصة كقاعدة للنظام الرأسمالي، وملكية الدولة للنظام الماركسي.
فهو يقر الملكية العامة، والخاصة، وملكية الدولة.
وينطلق من قاعدة: "الملك على الأرض لله، والإنسان مستخلف فيه لمصلحة كافة عباد الله"، ويستوحي نوع الملكية من الطبيعة ذاتها للثروة الطبيعية وودرجة شموليتها لعناصر الحياة لجميع خلق الله.
فالملكية العامة: كمنابع المياه، والمراعي، والأحراش، ومصادر الطاقة...الخ..! عموماً هي كالشمس والهواء والماء، ملك لجميع مخلوقات الله. فهي ملكية مشتركة لا يجوز الاختصاص بها.
والأرض العامرة، هي ملك الخليفة ، باعتبار المنصب لا الشخص، وكذلك الأرض الميتة، أي أنها ذات طابع عام (ملك دولة)، ولا يجوز تملكها إلا بحدود العمل فيها. والعمل في الأرض يعطي العامل حق الانتفاع بالأرض فقط مادام عمله مستمراً فيها، فإذا ما توقف عن استغلالها انتزعت منه وأعطيت لغيره. فالإسلام إذاً سمح بالملكية الخاصة إلا أنه أحاطها بحدود، أي قلص منها وضغطها لتتحول إلى أداة لتحقيق الهدف وهو خلافة الله في تحمل المسؤوليات لإشباع حاجات الإنسانية المتنوعة، وليس غاية بذاتها، تطلب بوصفها تجميعاً وتكديساً شرهاً لا يرتوي ولا يشبع. قال رسول الله (ص): ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، ولبست فأبليت، وتصدقت فأبقيت (أبقيت أي معوض عليك)، وما سوى ذلك، فأنت ذاهب وتاركه للناس.
2 - الحرية الاقتصادية في نطاق محدود:
وكذلك، فالحرية في النظام الإسلامي محدودة أيضاً، فليست منطلقه من عقالها، كالنظام الرأسمالي، وليست مسروقة كالنظام الماركسي، والتحديد الإسلامي إما أن ينبع من أعماق النفس، ويستوحي من المحتوى الروحي والفكري للإسلام ويسمى التحديد الذاتي، أو يأتي من قوة خارجيه تحدد السلوك الاجتماعي والاقتصادي وتضبطه حسب أحكام الشريعة ويسمى التحديد الموضوعي. وقد ثبت أن التحديد الذاتي أشد مضاءً من التحديد الخارجي، وقد كانت له نتائج رائعة في تكوين طبيعة المجتمع الإسلامي، ويكفي من نتائجه أنه ظل وحده الضامن لأعمال البر والخير في المجتمع الإسلامي، بالرغم من ابتعاد المسلمين عن روح التجربة مدة قرون عديدة، فما زال عدد كبير من المسلمين يقدمون بملء حريتهم علىدفع الزكاة، والتضامن مع أخواتهم المحتاجين، سراً وجهراً حتى الآن.
لقد ثبت أن مصادرة الملكية الخاصة مخالف لفطرة الإنسان. فحيازة الأشياء من مظاهر غريزة البقاء في الإنسان،ومن طبيعة الإنسان السعي في الأرض لجمع الثروة له ولأولاده، فإذا ما انتفى هذا الهدف فقد الحافز على العمل.
كما ثبت أن إطلاق الحرية من عقالها، أدى إلى انحصارها في طبقة ضئيلة أزاحت من طريقها الطبقات الأخرى، واستأثرت وحدها بالثروات على اختلاف أنواعها، إنه مخالف أيضاً لطبيعة الإنسان، ومانع له من السعي في الأرض، وتحطيم له ولميزاته في الإبداع. فكأن الأمريكي وحده خليفة الله في الأرض، وحده المكلف بالإبداع، وحده المكلف بالإعمار، ولوحده الحق بثروات الله، وله مطلق الحرية أن يبيد ما سواه من عباد الله.
وهكذا، فالحدود التي فرضها الإسلام، والمحرمات التي منعها والمباحات التي أباحها، تنبع -في الوقت نفسه- من مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع.
بعض المبيحات والمحرمات في الإسلام:
لقد حضّ الإسلام على تنمية الإنتاج، كالنظام الرأسمالي، إلا أنه ربطها بالتوزيع، فتنمية الثروة في الإسلام ليست غاية بذاتها، وإنما لما تحققه لأفراد الأمة من يسر ورخاء، وما توفره لهم من الشروط التي تمكنهم من الانطلاق لتحقيق مواهبهم الخيرة والإبداعية وتحقيق رسالتهم كخليفة لله في الأرض، فإن لم يفعلوا لانتزعها الله منهم (إن يشأ يذهبكم، ويستخلف من بعدكم ما يشاء).
فالتنمية إذاً، ليست للأجنبي ورؤوس أمواله ومضاربيه ومرابيه على كافة المستويات.
ولذا، فقد حرم الإسلام الربا، بوصفه أولى العقبات أمام التنمية والازدهار الاقتصادي، لكونه يحجز المال عن الإنتاج، وأنجع الوسائل لسرقة أموال الناس وتكديس الأموال دون جهد وعناء.(7/236)
والبديل عنه في الإسلام هو توظيف هذه الأموال في مشروعات إنتاجية لاستثمار الثروات، وتأمين خلق فرص عمل جديدة، وزيادة الإنتاج ليتقاسم ريعه العاملون وغير العاملين من المحتاجين والمحرومين من العمل. كما أنه أكثر ضماناً لصاحب رأس المال، إذ قد يتعرض المرابي إلى خسارة الفائدة ورأس المال معاً، كما هو الحال في المضاربات المالية والإفلاسات المصرفية السائدة حالياً.
وكذلك فقد حرم كنز المال، لأنه يعني أيضاً انخفاض كمية الثروة المنتجه، ومن ثم تقليص فرص العمل وحصول البطالة، مما يزيد حالات البؤس والشقاء:
الآية: ] والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم[.والآية:]ويل لكل همزة لمزة....[ الخ، وهذا المنع من اكتناز المال ليس مجرد ظاهرة عرضية في التشريع الإسلامي، إنه يعبر عن أوجه الخلاف الخطير بين المذهب الإسلامي والرأسمالي. فبينما تؤيد الرأسمالية استعمال النقد للاكتناز، بالإضافة إلى دوره كمقياس للقيمة وأداة للتداول، وتشجع عليه بنظام الفائدة، يحاربه الإسلام بفرض ضريبة على المال المكتنز (الزكاة). وجاء في الحديث عن الإمام جعفر بن الصادق: "إنما الله أعطاكم هذه الفضول من الأموال لتوجهوها حيث وجهها الله، ولم يعطكموها لتكنزوها..".
ومن مضار كنز المال الاقتصادية أن تجميع الثروات في أيدي الأفراد دون استثمارها يؤدي إلى زيادة البؤس والحاجة لدى الأغلبية العظمى من الشعب فتتوقف عن الاستهلاك، فتتكدس المنتجات دون تصريف ويسيطر الكساد على الصناعة والتجارة، فتعم الإفلاسات مختلف النشاطات الاقتصادية ويتوقف الإنتاج، وتستفحل المجاعات، كما في المعادلة التالية:
انخفاض الاستهلاك= كساد= توقف عن الإنتاج= إفلاس= زيادة بطاله= مجاعة...
وحض الإسلام على الاكتفاء الذاتي، ونهى عن التبعية الاقتصادية في المأكل والملبس، وهي ما فرضه النظام الرأسمالي على كافة شعوب العالم:
"لا خير في أمة لا تأكل مما تنتج، ولا تلبس مما تصنع"..
فهو يحصن الأمة من الوقوع تحت رحمة غيرها من الاستعمار الغذائي، الذي هو أشد مضاءً من كافة أنواع الاستعمار، ويحميها من حالات وقوع الكوارث لدى الطرف الآخر فيتوقف عن تغذيتها...
كما حض الإسلام على توجيه المال للإنتاج أكثر منه للاستهلاك، على عكس المجتمع الاستهلاكي، فيأكل الإنسان بذلك من إنتاجه وليس من رأس ماله، فيستفيد ويفيد المجتمع معه.
وحرم المخاطرة كالقمار، لأن الكسب فيه لا يقوم على عمل، ويعرض الفرد وعائلته، ومن ثم المجتمع من خلفه إلى الانحلال.
ومنع إنتاج المواد الضارة والمحرمة وذات التكاليف الباهظة المبددة للثروة، ونهى عن التقتير والإسراف. ويكفي أن نعلم حجم المليارات من الدولارات التي تتفق حالياً على مباريات الكرة وحدها في العالم، في الوقت الذي تموت فيه الملايين من الجوع كل عام، بالإضافة إلىمايبدده المجتمع الاستهلاكي من ثروات الطبيعة ليكدسها، في جبال شاهقة من المزابل، أفسدت الأرض والسماء والبحار والأنهار.
ولذا، فقد حذر الإسلام من العبث في الأرض، وإفساد الطبيعة قبل أن تفسد في الوقت الحاضر: الآية: "ظهر الفساد في البر والبحر بماكسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون"(صورة الروم-41).
والفساد في البر والبحر هو ما نعيشه الآن من التلوث في الطبيعة، وهو نتيجة لغطرسة الإنسان وجبروته واستهتاره بقوانين الطبيعة، واعتقاده مشاركة الإله في ألوهيته، وهو من آيات الله ليريهم نتيجة ما عملوا لعلهم يرتدعون.
ولذا فقد حض الإسلام على ضرورة المحافظة على التوازن في الطبيعة:
مراعاة لقوانينها، وذلك قبل قرون عديدة من علماء العصر الحاضر...
الآية: ]الأرض مددناها، وألقينا فيها رواسي، وأنبتنا فيها من كل شيءٍ موزون، لكم فيها معايش، ومن لستم له برازقين[.
والآية :]وإن من شيء إلا وعندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر ٍمعلوم[.
(سورة الحجر 19-20)
وكلنا يعلم أن التنافس المستشري على الثروة في النظام الحر، ونضح الموارد الطبيعية بنهم، قد أنهك هذه الكرة الأرضية، وأربك توازنها. فالهزات الأرضية المتوالية، وتعاقب حالات الفيضانات واليباس، والانهيارات الأرضية والجبلية والجليدية، والعواصف والأعاصير المتلاحقة، تشمل الكرة الأرضية بأجمعها، وهي مثال صارخ على اختلال التوازن في الطبيعة.
ولذا، تقرر القاعدة الفقهية الشهيرة أن "لا ضرر ولا ضرار". فحرية الفرد محدودة بمصلحة المجتمع والعالم أجمع.
من كل ما تقدم، وهذا غيض من فيض، نرى أن الملكية العامة تشمل القسم الأكبر من ثروات الطبيعة، وهي كملك الله، بالإضافة إلى الملكية الخاصة المحدودة بمصالح المجتمع، تضمن تطبيق العدالة الاجتماعية في الإسلام.
3 ـ العدالة الاجتماعية:
وهي تعني حق جميع الناس، العاملين منهم والمحرومين من العمل، والفقراء والمحتاجين بأخذ نصيبهم من موارد الطبيعة، وخيراتها التي خلقها الله لعباده، وحقهم بالحياة الكريمة اللائقة كبشر.
ويرتكز الضمان الاجتماعي في الإسلام على أساسين:
ـ الأول: التكافل العام بين أفراد المجتمع.
ـ الثاني: حق الجماعة على الدولة في تأمين الضمان الاجتماعي وفرص العمل للجميع. فالأول مفروض على الأفراد فيما بينهم، ]إن في أموالكم حقٌّ معلوم، للسائل والمحروم[، ]كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته[، أي تعتبر هذه القاعدة جميع العاملين والمستثمرين لخيرات الله بمنزلة الحاكم المسؤول عن الرعية في إشباع الحاجات الضرورية للمحتاجين، عن طريق الزكاة.
وإنها حق لهم وليست هبة أو صدقة.
ـ والثاني يفرض على الحاكم أن يؤمن العمل لمن ليس له عمل، والحياة الكريمة لمن لا يقدر على العمل"الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته".
وإذا كانت الزكاة هي وسيلة التكافل بين الأفراد، فإن إقطاع الأراضي غير المستثمرة وتقديمها هي وسيلة الحاكم. أي أن الإسلام يلزم الحاكم بتقديم مساعدته من أملاك الدولة، كمساعدة للعمل والإنتاج، لا للاستهلاك فقط، فيحقق بذلك الفائدة للفرد والمجتمع بآن واحد.
وذهب هذا التضامن إلى درجة جعلت للجائع، الحق على مال المجتمع كما لو أنه ليس ملكاً لأحد:
"إذا بات مؤمن جائعاً، فلا مال لأحد".
ولذا، فعلى الدولة أو الحاكم أن تضمن للعاجز عن العمل حقه في ثروات الله باعتباره من مخلوقات الله التي تكفل بها سبحانه وتعالى:
قال (ص): "من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاًّ فإلينا"..
والكل هو الضعيف...
وجعل الإسلام من تخلف الحاكم عن القيام بهذا الواجب، أن تحجب الرعية عن طاعته: "إن الله استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم، ونوفر لهم أمنهم، فإن لم نفعل، فلا طاعة لنا عليهم... عن الخليفة عمر بن الخطاب.
ولا يختص هذا الحق بالمسلم فقط من المحتاجين، وإنما يشملهم إلى الذمي أيضاً" فكلهم عباد الله، والله رؤوف بالعباد". من كل دين وكل طائفة وكل مذهب وكل عرق أو لون...
ويمتد هذا الحق، وهذه المسؤولية حتى إلى الشاة الجائعة:
"إن كان في أقصى المدينة شاة جائعة، لكان عمر المسؤول عنها".
ولا تقتصر مسؤولية الدولة أو الحاكم بضمان الحاجات الأساسية فقط، للمحتاجين، بل تعدتها إلى الحاجات الكمالية أيضاً:
عن الإمام الصادق: "إن الله فرض في مال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم".
وبفضل هذه العدالة الاجتماعية ازداد الشعور بالمسؤولية لدى المسلمين، وأقبلوا على الإنتاج والإبداع وتسابقوا إلى عمل الخير بشغف دون إكراه أو إرغام، لدرجة قلما كان يوجد في بعض المناطق من يستحق الزكاة.(7/237)
وهكذا، فقد لعب الدين دوراً هاماً في التوفيق بين الدوافع الذاتية والمصالح الاجتماعية، مما لم يتمكن المذهب الماركسي العلماني من الوصول إليه عن طريق القوة وسلب الملكية، ولا المذهب الرأسمالي من إيقاف الدوافع الذاتية عند حدها دون دافع ديني. فالمكلف بالضريبة في النظام الرأسمالي يلجأ إلى التهرب منها بكافة الوسائل، إذ يرى فيها خسارة حقيقية غير معوضه، فلا خلود لغير المال ولا سعادة بغيره.
من كل ذلك إنني لم آت بشيء جديد، فقد أسهب العلماء والفقهاء في بيانه إلا أن السؤال الذي أطرحه بصفتي اقتصادية هو:
لماذا جعل الله للسائل والمحروم والعاجزين عن العمل... الخ. حقاً في مال الأغنياء، وليس مجرد هبة أو صدقة؟....
فالزكاة، أهم مورد يغذي بيت المسلمين، هي من أهم وسائل الضمان الاجتماعي لقيمتها، ليس فقط الاجتماعية والإنسانية، وإنما الاقتصاديه أيضاً. وتقدر بربع العشر من المال المدخر،وتهبط إلى عشرين ديناراً.
(حسب القوة الشرائية آنذاك).
وأصحاب الحق في الزكاة هم حسب قوله تعالى:
]إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب، والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل[(التوبة /60/).
ـ كما تتوجب في حالة حصول خلل في التوازن الاقتصادي.
"حتى لا تكون دولة بين الأغنياء منكم".
كما هو الحال في الوقت الحاضر. فرأس المال يمسك زمام الحكم في كل مكان.
ـ كما تعتبر ضريبة تمنع تمركز الثروة بأيدي ضئيلة تجردها عن الاستثمار. فهي بمثابة مصادرة تدريجية للمال المجمد وإدخاله في حوزة النشاط الاقتصادي. ولئلا تخلد الناس إلى الكسل والتواكل على الغير، فقد حض الإسلام على العمل في كسب الرزق، وجعل: "اليد العليا خير من اليد السفلى".
"هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها"، أي كلفكم بإعمارها.وجعل العمل سبباً لتملك الأرض: "من أحيا أرضاً فهي له"..
وحض في الوقت نفسه على العلم وجعله توأماً للعمل:
"العلم والعمل توأمان"، لكي يستفيد العلم من خبرة العمل، ويستفيد العمل من صحة العلم.وجعل العلماء بمثابة الأنبياء.
فللزكاة، مما لاشك فيه، منافع اقتصادية عديدة، ولكن لماذا جعلها الله حقاً للسائل والمحروم... الخ... وليست هبة أوصدقة؟.. بقوله تعالى: ]إوالذين في أموالهم حقٌّ معلوم للسائل والمحروم[...
والجواب على ذلك يكمن -على ما أعتقد في الآيتين الكريمتين التاليتين:
ـ ]الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم، وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الأنهار، وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، إن الإنسان لظلوم كفار[.
ـ ]وآتوهم من مال الله الذي آتاكم[..
أي أن الله سبحانه وتعالى الذي خلق جميع الكائنات على وجه الأرض، خلق لهم فيها مايكفيهم جميعاً. وإن ما على سطح الأرض ومافي جوفها وسمائها هو ملك لله وحده، ومخصص لجميع عباد الله. وما الإنسان العامل إلا مستخلف من قبل الله لاستثمار خيراته. فالامتناع، عن استغلالها أو المنع من ذلك، يحول دون الوصول إلى مرتبة خليفة الله.
أما العاجزون عن العمل والمحرومون منه، والبؤساء.. الخ، منهم أيضاً عبادالله، ولهم نصيبهم مما خلق الله، فهو خالقهم وكافلهم أيضاً.
وتبدو نعمة الله تعالى على الإنسان في زراعة الأرض، على سبيل المثال، بتقديم التربة الصالحة للزراعة، والمواد العضوية التي يحتاجها البذار للإنبات، بل والبذرة الأولى، والشجرة الأولى، والماء الذي يهبط من السماء أو ينبع من الأرض، والشمس التي تؤدي إلى عملية الإنضاج، والرياح للإلقاح... إلى آخر ما هناك مما نعلم وما لا نعلم: فهذه كلها حصل عليها الزارع هبة من عند الله وهي لعباده كافة.
كما أن النحل، ليس بحاجة لأي جهد من الإنسان في صنع العسل فكله من عند الله.
وبينما لا يصيب التوزيع الحالي من الإنتاج، سوى المالكين للأرض ورأس المال وأدوات الإنتاج، ويعطي أجراً للعامل فقط، فالإسلام يصيب بالتوزيع من الإنتاج نفسه بالدرجة الأولى العامل، والمحرومين من العمل، ولا يعطي رأس المال وأدوات الإنتاج إلا أجراً فقط.
فالمحروم من العمل له الحق إذاً بحصته من وسائل الإنتاج الإلهية المخصصة لجميع عباد الله، لعظم أهميتها في عملية الإنتاج، واستحالة الإنتاج بدونها. وقس على ذلك في استخراج البترول، والحديد، والذهب، وكافة الفعاليات الإنتاجية.
هذا، وختاماً للمقارنة، بينما يقول "آرثر يونج"، في القرن الثامن عشر: لا يجهلن سوى الأبله، إن الطبقات الدنيا يجب أن تظل فقيرة وإلا فإنها لن تكون مجتهدة".
ويقول القرن التاسع عشر: "ليس للذي يولد في عالم تم امتلاكه حق في الغذاء، إذا تعثر عليه الظفر بوسائل عيشه عن طريق عمله، أو أهله، فهو طفيلي على المجتمع، ولا لزوم لوجوده، فليس له على خوان الطبيعة مكان، والطبيعة تأمره بالذهاب (مالتوك)؛ يقول الإسلام قبل هؤلاء بألف عام: "إن الفقر والحرمان ليس نابعاً من الطبيعة نفسها، وإنما هو نتيجة سوء التوزيع والانحراف عن العلاقات الصالحة التي تربط الأغنياء بالفقراء"، فيقول الإمام علي كرم الله وجهه:"ماجاع فقير إلا بما متع به غني".
إن هذا الوعي لقضايا العدالة الاجتماعية في التوزيع لا يمكن أن يكون وليد المحراث والتجارة البدائية، أو الصناعة اليدوية، إنه يكمن في الإنسان ذاته الذي رباه الإله فأحسن تربيته. ولذا فإنهم يخشون الإسلام، ويتعاون النظامان على طعن الإسلام والمسلمين في كل مكان..
إنني على يقين، إذا ما طبق هذا النظام من العدالة الاجتماعية بشكل عالمي، لكان بالإمكان مكافحة الجوع والموت جوعاً (نتائج النظامين المذكورين)، في غضون أشهر، بل وأيام. فالخزائن تغص بالمواد الغذائية على اختلاف أنواعها، بينما يفضل المحتكرون أن تفسد في مخابئها، أو ترمى إلى البحر، على أن يمد بها في عمر الأحياء المتضورة من الجوع...
إن مكافحة الجوع لا تحتاج للمؤتمرات والتسويفات التي، حتى إذا صدقت النوايا فإنها (كمؤتمر القمة العالمي للأغذية المجتمع عام 1998)، تمهل الهياكل العظمية التي نخرها الجوع إلى عام 2005 لتغذية نصف عددهم البالغ 800 مليون نسمة (حسب أرقام المؤتمر العام 1996)، وهي ليست جادة في ذلك، وعلى أية حال، فحتى ذلك التاريخ، فإن العدد المذكور، سوف يتضاعف مرات عديدة وإن مات القسم الأكبر منهم.
والسؤال الأخير: كيف يمكن في الوقت الحاضر تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بمضمون العدالة الاجتماعية، حتى في البلاد الإسلامية بالذات، إذا كانت الأرض (التي، من المفروض، حسب الإسلام، أن تبقى ملكاً لله، لا يحق للعامل فيها أن يمتلك رقبتها وله فقط حق بالانتفاع منها) وما فوقها وما تحتها إلى أعماق جوفها، بأيدي الشركات الأجنبية، وأصبح العمل فيها ووسائل العمل بأيدي هذه الشركات، وأصبح المحصول ومردود المحصول أيضاً ملكاً لها؟!...
وكيف يمكن أن يبقى في هذه البلدان حق من الإنتاج لغير العامل والسائل والمحروم من العمل، وما أكثرهم، إذا كان العامل نفسه وابن البلد نفسه محروماً من هذا الحق؟! لم يبق، في الواقع، للشعوب في بلادها ثمة حق في اقتطاع حجر، أو احتطاب شجر، أو زراعة أرض، أو صيد سمكه، أو حتى عصفور، وليس له حتى حق بمكان للعمل كقصاب أوسمان...؟!...
إنني لأتساءل: من الذي سيقوم بدفع الزكاة؟
أهي الشركات العالمية التي لا تدفع حتى أجراً للعامل الذي تستخدمه يكفيه قوت يومه؟!
أما العمال الذين هم أنفسهم يستحقون الزكاة:(7/238)
وإذا لم يتحقق هذا الهدف، فماذا يبقى للمسلمين من الإسلام؟!
الموت في سبيل الله؟....!...
أم في سبيل الأمريكان؟....
وكلمتي الأخيرة التي أختم بها هذا الكتاب:
إن أخشى ما نخشاه في هذا الزمان: إذا ماقال أحدنا: "أشهد ألا إله إلا الله"، درج في عداد المتعصبين الإرهابيين، وإذا ما جادل، ولو بالحسنى، صنف في عداد الملحدين المارقين.. وإذا ما لهج لسانه بذكر الماضي، قيل أنه من المقوقعين الرجعيين المنبوذين...
وإذا ما محص في علومه الذاتية، وصم بالجهل والانغلاق...
وإذا مااستند إلى مايدعمه في علوم غيره، فهو عميل محترف... فماذا يريد هذا الزمان من الإنسان؟!...
إنه يرفض الإنسان، كل إنسان...
ولا يسند ويساعد سوى الحروب والتشاحن، والتصادم، والشتات، والجوع، والتجويع، والحرمان، وإهراق الدماء للإنسان في كل مكان....!.
الحصيلة الإجمالية لتدويل النظامين
نعم!... إنها الحروب ضد الشعوب...!
قرن من الحروب، كل أنواع الحروب نتجت عن تطبيق النظامين وتدويلهما ضد الإنسان في كل مكان...
من حروب ضد الأنظمة الملكية تارة، وضد الإقطاعية أخرى؛ ضد البورجوازية تارة، والرأسمالية أخرى؛ وضد الاشتراكية تارة، والطبقة العاملة بالذات أخرى...
قرن من الحروب ضد كل مذهب وكل دين.. ضد البروتستانتيه تارة. والأورثوذكسية أخرى؛ ضد اليهودية تارة، والإسلام والمذاهب الإسلامية فيما بينها أخرى؛ ضد كل عنصر، وكل جنس، وكل عرق، وكل لون، وكل لسان. ضد الآري تارة، والسامي أخرى؛ ضد الأسود تارة، والأحمر والأصفر والأبيض أخرى؛ ضد العرب تارة، والبربر والعجم أخرى؛ ضد العثمانيين تارة والأرمن والأكراد أخرى؛ ضد الأوتو والتوتسي، ضد البوذيين والهندوس والسيخ، إلى ما هنالك على سطح الكرة الأرضية من عناصر وأعراق لا حصر لها....
من حروب مباشرة، تسيل فيها الدماء، وتقوض البيوت على السكان، وتشرد الشعوب المغلوبة على أمرها، من شيوخ وأطفال ونساء، حاملة متاعها على أكتافها عبر التلال والوديان، منبوذة من اللجوء إلى أي مكان، من الشرق إلى الغرب ومن اليمين إلى الشمال...
وحروب غير مباشرة، باسم التطهير والتحديث التعيس.. حروب ضد مأواهم في مدنهم وقراهم ومأوى آبائهم وأجدادهم منذ غابر الأزمان، ضد كرومهم وبساتينهم ولقمة عيشهم، ضد مهنهم وفنونهم ووسائل إنتاجهم، ضد عاداتهم وعلومهم وثقافاتهم، وأديانهم، ضد أجدادهم وأجيالهم وأصولهم وفروعهم، ضد سمائهم ومائهم وبحرهم وبرهم، وضد الطبيعة التي تغذي وجودهم وجميع وسائل حياتهم...!
والأوهى من ذلك، أن كل ما تقدم قد جرى تحت اسم العلم والتطور والازدهار، من العلوم السياسية وثوراتها الديموقراطية، إلى العلوم الاقتصادية وقوانينها التطورية، إلى قواعد حقوق الإنسان، والتي تدعي إنقاذه من الجهل والفقر والتخلف والحرمان وهي التي تصلب الإنسان في كل مكان...
وهي تنحصر، في الوقت الحاضر، بعد أن قضت على الماركسية، وحولت العالم إلى ركام، والبلدان إلى قطعان بلا رعيان، إلى الأهداف التالية:
- إحاطة روسيا وتحطيم آخر معسكر لها فيما حولها
- إبادة جماعية للمسلمين وتشتيتهم في أصقاع الأرض عن طريق إلهائهم في حروب حدودية وداخلية ومذهبية فيما بينهم وثورات، وثورات مضادة تحت حجة رفع راية الإسلام، كما هو الحال في أفغانستان والصومال ومصر والجزائر والسودان، ومجاهدي خلق المعسكرة في العراق ضد الثورة الإسلامية في إيران، والثورة المضادة للإسلام المتوقعة من الطلاب الإيرانيين في أقرب وقت ممكن..
- السيطرة الكاملة على الثروات الطبيعية والبترولية وممراتها، موضوع الصراع في الوقت الحاضر بين الشركات الأمريكية وعولمتها، والشركات الأوروبية وعولمتها المضادة، الذي يجري بحروب ضارية بأيدي الشعوب المغلوبة على أمرها نفسها، وباسم الديموقراطية والحرية.
ما الحل إذاً؟!... وما هو البديل؟!...
لا يوجد ثمة بديل واحد صالح لكافة شعوب العالم، وإنما هناك لكل شعب بديل، ولكل حضارة بديل، وإلا فإننا سنقع في كافة أخطاء التدويل السابقة ولكن لابد قبل كل شيء، من إنقاذ ما يمكن إنقاذه:
- خنق رأس المال العالمي وشركاته الاستغلالية بعدم التعامل معها.
- الاعتماد على الذات مهما كانت التضحيات، لتقوم الشعوب ذاتها باكتشاف النهج الذي يلائمها، والذي يتماشى مع تاريخها وحضارتها وعاداتها وعلومها وثقافاتها، ويفجر طاقاتها الإبداعية، ويحفظ لها هويتها ووجودها.
- اختيار مبدأ العدالة الاجتماعية من الإسلام، إلى جانب ما منحتهم حضاراتهم من ضمان. فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه في هذا المجال.
- ولابد لذلك من أن تربى الشعوب على أسس دينية رفيعة، فبدون العامل الديني لا يمكن النجاح والوصول إلى أي هدف من الأهداف. لقد ثبت أن العلمانية والكفر بالله، والتجبر عليه هي من أولى العوامل التي صبغت القلوب بالقسوة، والعقول بالجدب، والنفوس بالظلم والطغيان، والطبيعة بالغضب والانتقام. وهي وراء فشل النظامين في موطنهما وفي كل مكان...!
×××
ملحق
إلى إذاعة لندن
موضوع
حقوق الإنسان في الإسلام
رداً على ما جاء في إذاعة لندن الناطقة باللغة العربية بتاريخ9/11/1998، من مقابلة ومناظرة بين مهاجم لحقوق الإنسان في الإسلام ومدافع عنه* إنني أجيب:
استمعت في التاسع من شهر تشرين الثاني إلى مناظرة إذاعية حول موضوع حقوق الإنسان في الإسلام الذي أثير في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد في جنيف من الشهر نفسه. وقد لفت انتباهي أن المهاجم لحقوق الإنسان في الإسلام جاء باتهامات للدين الإسلامي لا تقل ضلالاً عن تهجمات الصهاينة على الإسلام. ومما التقطته منه بشكل سريع:
- أن الإسلام يأمر بقطع الأيدي والأرجل وسائر أعضاء الجسم، في حالة السرقة، حتى الموت
- أن الإسلام يسرق حقوق المرأة، فهي ترث نصف حق الرجل، وجعل الرجل فوقها درجة.. الخ
- الإسلام يأمر بالجلد للزاني والزانية حتى الموت..
- الإسلام غير ديموقراطي
هذا، إلى آخر ما أحاطت به ذاكرتي بسرعة.
ومما لفت انتباهي أيضاً أن رد المدافع، عن الإسلام جاء مقتضباً للغاية ولم يزد عن قوله:
"العلة في المسلمين وليست في الإسلام"
ولم يفند ويدعم رده بالتفاصيل المقنعة التي تبين أن في هذه الأحكام تكمن حقوق الإنسان، مما جعل كفة المتهجم على الإسلام ترجح كثيراً على كفة المدافع، وفي نظر المسلمين بالذات، وأغلبهم جاهل بحقيقة الإسلام...
ولذا، فإنني أسمح لنفسي بأن أجيب على حجج المتهجم على الإسلام ونعته له بأنه ضد حقوق الإنسان، بشيء أكثر من التفصيل، مع اعترافي بأن المسلمين في الوقت الحاضر ليسوا من الإسلام في شيء.
فيما يتعلق بقطع يد السارق..
- إن كان حقاً أن الإسلام قد أمر بقطع يد السارق أو السارقة، إلا أن كتب التاريخ، عن تلك الحقبة من الزمن لم تحدثنا عن وجود مقطوعي الأيدي والأرجل سائر الأعضاء في الطرق بالمئات، بل- على العكس- عن مظاهر السعادة والرفاهية للشعوب بأسرها التي طالتها الفتوحات الإسلامية، بشكل لم يسبق لها مثل قبلها، ولا بعدها. ويمكننا أن نفسر ذلك بالأسباب التالية:(7/239)
1ً- لأن الإسلام، عن طريق الترغيب أو الوعيد قد حصَّن المؤمن ذاتياً من الداخل ضد المخالفات لتعاليمه ومنها السرقة. لقد صنع الإسلام بذلك ثورة من الإنسان على ما بداخل نفسه من عناصر الشر ودوافع الظلم والفساد والانحلال، وحقنه بفيض من مشاعر النبل والكرامة والعزة والرحمة. فكان المسلم يقبل بنفس طائعة على الأعمال الكريمة، ويحجم عن الأعمال الفاسدة التي نهى عنها الإسلام، أيضاً من ذاته. دون أن يحتاج إلى حسيب أو رقيب.. أو جزاء أو عقاب.
2ً- وليس أدل على ذلك من أنه لم يكن يوجد في بعض المدن الإسلامية (الكوفة) شخص واحد يستحق الزكاة أو يقبل بها، فالأموال التي كانت ترسل إليها كانت تعاد إلى بيت مال المسلمين، فكيف بوجود من يسرق ويستحق قطع اليد؟!…
3ً- إن عدم وجود سارق واحد يستحق قطع اليد في العهود الإسلامية الزاهرة يعود، ليس فقط، إلى الترغيب في الجنة والترهيب من النار فقط، وإنما لعدم الحاجة إلى السرقة. لقد أتاح الإسلام فرص العمل وأمنه لجميع أفراد المجتمع، وحضَّ على دفع الحقوق للعاملين كاملة غير منقوصة "قبل أن يجف عرقهم"، وأنذر الذين يسرقون حقوق العامل من أرباب العمل بقطع أيديهم إذا اضطر العامل أن يعود إلى السرقة مرة أخرى.
"إن عاد عاملك إلى السرقة مرة أخرى قطعت يدك أنت"
أي يد رب العمل..
4ً- أما المحرومون من العمل (لا بدافع البطالة والتسريح والطرد كما يجري حالياً)، فهؤلاء لا وجود لهم في المجتمعات الإسلامية)، وإنما بسبب العجز، والبؤساء والمساكين، فقد جعل لهم الحق شرعاً في جزء مما حصل عليه العاملون من استثمار ثروات الأرض وخيراتها، والتي خلقها الله للناس أجمعين وليست بحسنة أو هبة..
]والذين في أموالهم حقّ معلوم للسائل والمحروم".
فكان ما تدره عليهم الزكاة يكفيهم، ليس فقط لحاجاتهم الأساسية، وإنما الكمالية أيضاً. ولذا، فلم يكونوا بحاجة إلى السرقة، وبالتالي لقطع الأيدي والأرجل وسائر الأعضاء حتى الموت..!
هذا، بالإضافة إلى التكافل والتضامن في المجتمع الإسلامي، حيث يتكفل المسلمون، من أنفسهم، بالمحتاجين من جيرانهم وأقربائهم وحتى الغرباء لشدة ما حضَّ الإسلام المسلمين على ذلك دون أن يشعروهم بذل السؤال
"وأوصاني بالجار حتى حسبت كأن الجار قد يرث"
وما زالت هذه العادة سائرة في المملكة العربية السعودية حتى الآن.
5ً- ولكي لا يدع الإسلام الناس مستسهلين قبول الصدقة، فقد كرم العمل والإنسان العامل أكثر من تكريمه للعابد، وجعل الذي يقدم الصدقة أفضل من يتلقاها: "اليد العليا خير من اليد السفلى".
لذا، فقد كان الناس يتسابقون على تقديم الصدقة (اليد العليا) أكثر منهم على قبولها (اليد السفلى)، مما لا يدع مجالاً لمن يسرق وتقطع أوصاله الحين، أن الباعة كانوا يدعون مخازنهم ودكاكينهم مفتوحة، ويذهبون لتأديه الصلاة دون أن تمتد إليها يد سارق واحد. وما زال في المملكة العربية السعودية هذا الإجراء ساري المفعول حتى الآن رغم بعد الزمن منذ ذلك الحين حتى الآن.
6ً- وليس أدل على عدم وجود من يسرق في ذلك.
إنهم بفضل التربية الرشيدة للإنسان في الإسلام لم يكونوا بحاجة إلى كافة أنواع الأجهزة الألكترونية لتفادي السرقات كما في مجتمعات حقوق الإنسان في عصرنا الحالي، هذه المجتمعات التي تحولت بجملتها إلى لصوص من كافة المستويات، من أعلى الهرم حتى أسفله. ولو كان علينا أن نطبق عقوبة الإسلام، في الوقت الحاضر، لما وجدنا، إلا النادر من الناس، كامل اليدين أو الأطراف -حسب قول المتهجم-. وهذا، ما يفسر جزءاً من خوفهم من الإسلام.
ففي الوقت الذي لم يكن هناك شخص واحد يستحق الزكاة في عهد الإسلام، وفي الوقت الذي كان يعتبر فيه أحد الخلفاء الراشدين نفسه مسؤولاً حتى عن الشاة الواحدة إن جاعت، "لو كان في أقصى المدينة شاة جائعة لكان عمر المسؤول عنها" يوجد في الوقت الحاضر، في ظل حقوق الإنسان، ما يزيد على أربع مليارات نسمة على وجه الكرة الأرضية حسب الافتتاحية المنشورة في جريدة لوموند ديبلوماتيك لشهر شباط لعام 2000، جائعة تستحق الزكاة، وبما فيها البلدان المدعية أنها ترعى حقوق الإنسان بالذات (في أمريكا، ربع السكان عليهم أن يكفوا حاجاتهم بما يقل عن دولار واحد في اليوم)، ودون أن يوجد مسؤول واحد يرى نفسه مسؤولاً عنهم، بل على العكس، إنهم يعتبرونهم غير أهل للحياة لعدم تلاؤمهم مع الحضارة الحديثة، وعليهم أن يرحلوا، فليس لهم على خوان الحضارة الحديثة شيئاً. هذا، دون الكلام عمن ماتوا ويموتون من الجوع يومياً، ومن يعانون من الحشرجات الأخيرة بؤساً وتشرداً وضياعاً...
إن لنا الحق أن نتساءل في ظل حقوق الإنسان هذه، إنها لأي إنسان؟!…
لاشك أنها لحفنة من المسيطرين المتجبرين الطغاة، الذين وضعوا أيديهم الحديدية على كافة ثروات العالم في الكرة الأرضية بأجمعها، والتي خلقها الله لعباده قاطبة. إنهم مصاصي الدماء، ورجال الشركات العالمية الكبرى، وعلى رأسهم الصهاينة، وإلى جانبهم رجال أعمال من كافة البلدان يساعدونهم في مهمتهم ويتقاسمون معهم جزءاً من حصتهم من السرقة، إلى جانب مهربي المخدرات* الذين ارتقوا إلى الصفوف العليا بين المرموقين المحترمين أصحاب الحقوق في نظام حقوق الإنسان. وهؤلاء لا تتجاوز نسبتهم 2% من الشعوب في بلدان العالم الثالث، و 10% في البلدان المتحضرة.
ب- أما ما يتعلق بالزعم بإساءة الإسلام لحقوق المرأة، وسلبها حقها في الإرث إلى نصف حصة الرجل، فإنني أجيب:
إذا كان الإسلام قد حكم للمرأة بنصف حق الرجل من الإرث، فما ذلك إلا للأسباب التالية:
- إنه جعل واجب إعالتها على الزوج إن كانت متزوجة، وعلى الأخ إن كانت عزباء، وهذا ما لا تحلم به أية امرأة في كافة الشرائع والديانات الإلهية وغير الإلهية (فالمرأة في غير الإسلام، وخاصة في المجتمعات الغربية، لا تحلم حتى بكأس ماء لا تشارك في دفع ثمنه).
- وبذلك، فإن المال الذي ترثه المرأة هو حق لها وحدها لتدخره لمستقبلها فقط، فلا تحتاج إذا ما توفي زوجها أو أخوها أن تمد يدها لأحد، أو تتصرف تصرفاً مشيناً... ولذا، فهي لا تصرف درهماً واحداً من مالها على طعامها وشرابها وكسائها وسائر احتياجاتها.. في ظل حياة زوجها أو أخيها.
- بالإضافة إلى ذلك، جعل الإسلام المرأة مستقلة مالياً عن زوجها وأخيها تتصرف بمالها بمنتهى الحرية، وذلك على العكس من المدافعين عن المرأة في ظل حقوق الإنسان، حيث تحرم المرأة الغربية من الاستقلال المالي، ولا يحق لها أن تتصرف بما لها بحرية، أو تفتح به حساباً خاصاً بها في المصارف مستقلاً عن زوجها، كما أنها لا تنال من أجر على عملها إلا ثلث حق الرجل، للعمل نفسه.
- لقد رفع الإسلام من قدر المرأة ومكانتها حين الزواج، ففرض لها حقوقاً على الزوج ولم يدعها لقمة سائغة لكل عابر سبيل وكل مضلل، حتى أن الخليفة علي ابن أبي طالب(ع) أجبره الرسول على بيع درعه وفرسه لكي يجهز بقيمتيهما بيته قبل زواجه من ابنته فاطمة كرم الله وجهها، وذلك لكي لا يدع للمسلمين سابقة بتزويج بناتهم دون حقوق* وصان حقوقها في حال الطلاق لتعويضها عن شبابها الذي وهبته للرجل، ولتستطيع أن تمارس حياتها من جديد بالاعتماد على نفسها.(7/240)
هذا، عكس ما وصلت إليه المرأة في ظل حقوق الإنسان المعاصر، حيث جعل جسدها مطية لكل مفترس أو عابر سبيل، وشجعها على ذلك بكافة الأساليب، موهماً إياها بأنه يمنحها حقها في الحرية، والتي هي -في الواقع- حرية الرجل بالتمتع بكل امرأة اشتهتها نفسه، وحريته في أن يلفظها، بعد حين، للتمتع بأخرى أصغر وأجمل.. وهكذا.. بعد أن يكون قد سحق نضارتها وشبابها دون أي تعويض أو حساب أو عقاب.
- ولشدة تكريم الإسلام للمرأة، لم يكلفها بأي جهد في رعاية شؤون بيتها، إذ أوجب على الزوج تأمين من يقوم بخدمتها، كما لم يكلفها حتى: بإرضاع طفلها. وكلنا يعلم انتشار وجود المرضعات على نطاق واسع في ظل الحضارة الإسلامية. ولذا، فقد كانت المرأة ترفل بثياب العز والكرامة وتسبغ السعادة والطمأنينة على الأسرة الإسلامية ولم يكن هناك مجال للجلد حتى الموت، لعدم وجود الزاني والزانية في الأسرة الإسلاميه، بينما كلهم زناة في ظل حقوق الإنسان... فلو طبق حكم الإسلام في الوقت الحاضر لما كنا نعلم منْ يجلد مَنْ...! ولذا فهم يخشون الإسلام...
- لقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حقها بالعلم "العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، كما ساوى بينهما في الحق في العمل في كافة الميادين، دون أن يطالبها بكثير من الواجبات وأعطاها ذات الأجر لذات العمل.
فأين المرأة في الإسلام من المرأة في حضن دعاة حقوق الإنسان حيث تعمل كادحة من الصباح حتى المساء، وبأجر لا يوازي ثلث أجر الرجل، وتعود إلى البيت مكدودة بعد أن تلملم أطفالها جارية من مؤسسة إلى أخرى.
وغالباً ما ينحصر عملها بأعمال تافهة عديمة الشأن (سكرتارية، عاملة هاتف.. الخ) فالأعمال الهامة محصورة قطعاً بالرجال.
- أما تفضيل الرجال على النساء بقوله تعالى:
]الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله بعضهم على بعض، وللرجال عليهن درجة[
فإن كلمة قوامون لا تعني السيطرة والتحكم وإنما القيام بمسؤوليتها والقيام بمساعدتها، وحمل أثقالها، وطفلها، وجلب حاجياتها، وكل ما يعتبر الإسلام أن جسم المرأة وكرامتها لا تسمحان بذلك. ولذلك فإنه شرحها بقوله: "بما فضل الله بعضهم على بعض" أي بما فضل الله الرجل على المرأة بعضلات قوية تقوى على الحمل وتحمل النساء. وحض الرجل على الرفق في معاملة النساء بقوله: "رفقاً بالقوارير" أي النساء*.
على العكس تماماً من الواجبات التي تلقى على جسم المرأة في مجتمعات حقوق الإنسان من قيام المرأة بكافة الأعمال الجسدية المرهقة في المنزل وخارجه. فقلما نجد رجلاً واحداً يتسوق حاجاته في الأسواق أو حاجات بيته، أو يحمل كيساً أو طفلاً أو سواه. وإذا ما اضطر لشراء خبز (باكيت بالفرنسية) فإنه يواريها في محفظته الدبلوماسية عن عيون الإنسان تحاشياً للعار (للأسف، فقد انتقلت هذه العادات إلى مجتمعاتنا الإسلامية، مع الغزو الاقتصادي والثقافي من الغرب، واعتبرت -فوق ذلك- من حقوق المرأة المسلوبة في عهد حقوق الإنسان). أي أن على المرأة أن تكافح لتنال حقها هذا في العبودية...
أما عن الديموقراطية في الإسلام فحدث ولا حرج
فالشورى في الإسلام تستفيض بها كتب الشريعة كقوله (تعالى)
]وأمرهم شورى بينهم[
وكان رأي الشورى مفروضاً ولو كان مخالفاً لرأي الرسول نفسه (ص) مثال: غزوة أحد.
والأمثلة لا تعد ولا تحصى على الديموقراطية والعدالة في الإسلام مما لا يتسع المكان هنا لسردها. ويكفي أن نذكر -على سبيل المثال- أن الخلفية عمر ابن الخطاب قال في معرض إحدى خطبه:
"إن رأيتم فيَّ اعوجاجاً فقوموني"
فأجابه أحد المستمعين:
"إن رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا"
فأجابه عمر:
"أحمد الله أنه وجد في أمة محمد من يقوم عمراً بسيفه إن أخطأ"
ولنا في قضية "الإزار الجريح" أفضل مثال على العدالة في الإسلام حيث اشتكى أعرابي للخليفة أن واليه داس على إزاره. فاستدعى الخليفة واليه بحضور الأعرابي وطلب من الأخير أن يدوس على إزار الوالي كما داس الوالي على إزاره...
فائتونا يا دعاة حقوق الإنسان بمثال مثله في ظل حقوق الإنسان في هذا الزمان...
ألا فاتقوا الله يا دعاة حقوق الإنسان في الإسلام. فإنه لم يطلب من الجار أن يرفع الفأس ويهوي به على رأس جاره (كدعاة الدين اليهودي، والدين منهم براء) ولا بإبادة شعب بكامله من رجاله لنسائه لأطفاله لشيوخه، بالفؤوس* ولم يجعل من كل عضو من أعضاء المرأة سلعة استهلاكية لرواج بضائعه، ولم يتاجر بالأطفال ويشرد الشعوب التي وقعت تحت حكمه، ويحكم عليها بالموت جوعاً، ويسلبها أوطانها وثروات بلادها، بل على العكس. كانت إسبانيا قبل الإسلام قاحلة جرداء لا تعرف معنى الزراعة، فجعلها الإسلام جنة يانعة، وكانت الهند تعتبر الأرض قبل الإسلام، مقدسة (كالبقرة) لا تمس بمحراث، ففجر فيها الثروات الدفينة لدرجة أنها أصبحت تملك أغنى ثروة طبيعية في العالم. لم يكن في الإمبراطورية الإسلامية شبر واحد من الأرض دون استثمار، إذ كانت القوافل تقطع الطرق الصحراوية التي تفصل بين المدن تحت ظلال الأشجار. ولذا، فقد عمت السعادة والبهجة والرفاهية كافة الشعوب التي استظلت بمظلة الإسلام، وفتحت الأبواب على مصراعيها لدخول الفاتحين المسلمين بناءً على طلب الشعوب المظلومة من حكم الرومان دون حروب أو قتال.
وكما قال أحد المؤرخين الإنكليز "ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب"...
لقد أوصى الإسلام في فتوحاته لنشر الدعوى الإسلامية بألا يقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً عجوزاً، ولا يقطعوا شجرة، وأن يكونوا رؤوفين بالعباد.
أي أن هذه الفتوحات كانت لصالح الشعوب ولم تكن للهيمنة والسيطرة وضد الشعوب بالذات، كالغازين الحاليين -باسم التطور- لكافة ثروات الشعوب وممتلكاتها. إنهم -في الواقع- يخوضون حروباً ضارية، بلا هوادة، منذ ما ينوف على قرن من الزمن ضد الشعوب بالذات، كافة الشعوب البريئة، بالثورات والثورات المضادة المفتعلة، يبيدون كرومهم وبساتينهم وحقولهم برمتها، يهجرونهم من ديارهم، من القرى إلى المدن فإلى البراكات (براكات الموت) يقضون على مهنهم ويدثرونها، يحولونهم عن ثقافاتهم وعلومهم ولغاتهم وحضاراتهم وكل ما يصبغ ذاتيتهم، ويقطعون موارد رزقهم من أية جهة كانت، ويفرضون عليهم الحصار لكي يموتوا جوعاً، إلى آخر ما هناك من أساليب الإبادة الجماعية في حروبهم فيما بينهم، باسم الحرية والديموقراطية، والتي هي -في الواقع- حرية المبتدعين لحقوق الإنسان بأنها تنحصر فيهم وحدهم كإنسان...
في ظل حقوق الإنسان هذه، سلب وطن بأكمله من شعبه، الذي كان يعرف منذ الخليقة باسمه (فلسطين). وأبيد القسم الأكبر منه، وشرد الأكثر، وحكم على الباقين، ليس فقط بقطع الأرزاق -الذي هو أمر وأشقى من قطع الأعناق- وإنما بالإبادة الجماعية السريعة والموت البطيء معاً. هذا، دون أن يصبح وضع الشعب اليهودي بأفضل مما كان عليه. فالشعب اليهودي -في الوقت الحاضر- في فلسطين، من أتعس الشعوب وأشقاها، دون الأخذ بعين الاعتبار للمظاهر البراقة. لقد حرموا من أوطانهم الأصلية، وأصبحوا عرضة للكره الشديد والرفض من الشعوب الأصلية، مع كل ما يرافق ذلك من عداوات سوف تزداد عمقاً للأبد. وكم من اليهود الشرقيين يشعرون في قرارة أنفسهم بالحسرة واللوعة لمفارقتهم أوطانهم الأصلية التي دفن فيها آباؤهم وأجدادهم الحقيقيون منذ قرون عديدة، ويحنون إلى المعاملة الحسنة التي كانوا يحصلون عليها من العرب في كافة البلدان العربية التي عاشوا فيها سوية.(7/241)
مما لا شك فيه أن الصهيونية العالمية هي على رأس المبدعين والمخططين والمنفذين لكل هذه المآسي التي اصطبغ فيها هذا العصر. ولم ينج منها اليهود في كافة بقاع العالم. فالدولة اليهودية لم تقم حقاً على الهدف الروحاني المقدس، بل كان هذا هو المحرك للشعوب اليهودية المتدنية لوصول الصهيونية العالمية إلى الهدف الحقيقي وهو الهيمنة على العالم بأسره بكافة صنوفها. فقامت بحملة شعواء لاجتثاث اليهود الأمريكيين والأوروبيين والأفارقة والشرقيين من بلادهم وأوطانهم التي رسخوا فيها منذ قرون، وهم يحملون صبغتها في لون بشرتهم، وعيونهم وشعورهم. وأحجامهم وقاماتهم.. الخ، مع كل ما رافق ذلك من عذاب التشتيت والضياع. فشتات اليهود الفعلي بدأ -في الواقع- منذ تحريضهم على الهجرة إلى فلسطين، بدعوى أنها موطن أجدادهم الأقدمين بوثيقة مختومة من الإله رب العالمين. لقد تركوا -بالفعل- في بلادهم الأصلية، جثث آبائهم وأجدادهم الحقيقيين، بدمائهم التي مازالت ساخنة في قبورهم، لكي يأتوا وينبشوا القبور في فلسطين، ويهدموا الجوامع والمساكن بحثاً عن عظمة واحدة لأجدادهم الأقدمين، ولم ولن يعثروا على شيء، اللهم إلا إبادة الفلسطينيين، ومحو جذورهم وأصولهم وذريتهم...
فالدافع الديني ليس له وجود بالفعل بين 90% من يهود فلسطين، وأن الدينين الحقيقيين فيها هم أكثر شعوبها فقراً وشظفاً في العيش، وخاصة الشرقيين منهم. وهم -في نظر الصهيونية العالمية- لا خير فيهم إلا كترسانة على الحدود، وفداءً لهم في الحروب، وأجرهم على الله، كما يقولون...
هذا هو الإنسان المصلح الذي ساد الكون في هذه الأيام، وسن القوانين لحماية حقوق الإنسان (التي هي- بالأصل- حقوقه وحده، والذي أخذ يتجرأ -بكل وقاحة- وظلم- على الإسلام.
ما هذه الحملات الظالمة -في الحقيقة- على الإسلام، إلا لأنهم يخشون الإسلام... نعم! إنهم يخشونه ويعتبرونه عدوهم الأكبر، في الوقت الذي ما عرف اليهود في التاريخ المعاملة الإنسانية الحقة، إلا من الإسلام* لقد عرفوا جميع أصناف الحروب والإبادة من العصور الغابرة حتى العصور الحديثة، ومن الشرق إلى الغرب، ولم يسددوا سهامهم إلا إلى جهة العرب المسلمين.. "اتق شر من أحسنت إليه" هذا صحيح ولكن... إذا اتجه الإحسان للئام:
"إن أنت أكرمت الكريم ملكته
... ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا"
نعم! إنهم يخشون الإسلام، وإنهم إذ يخشونه فما ذلك إلا لأن الإسلام جاء لسعادة الإنسان، وهم لإبادته وشقائه...
فالإسلام أينما حل، في عهوده الزاهرة، شحن عقول الشعوب بالخلق والعبقرية والإبداع، وأيقظها من كبوتها، فأبدعت بأيديها بالذات، حضارات فريدة من نوعها يعجز القلم عن رسمها، وحلق بها في سماء الكون، وأطفأ الشرور من ثناياها، وبذلك فلم يخشاها...
والإسلام لم يشمخ، ولم يتعال، ولم يصنف الشعوب إلى بهائم وبجم من دونهم، ولا إلى شعب الله وشعب الشيطان، حسب هواهم، بل حض على التواضع والرحمة والإنس في المعاشرة:
]ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا[
] والله رؤوف بالعباد[.
"الناس سواسيه كأسنان المشط"
ولا يكون المسلم مسلماً حقاً، مستحقاً لحب الله ورضاه إلا إذا قام بالقول والفعل بنفع عباد الله كافة
]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[
]أحبكم إلى الله أنفعكم لعباده[
أي لجميع عباده، لا لطائفة دون أخرى، ولا لدين دون آخر، ولا لجنس ولون وعرق على وجه الخصوص، ولم يفرق بين شعب الله وشعب الشيطان..
والإسلام، لم يضغط بكافة الأساليب الوحشية على الشعوب الأخرى لإبادة نسلها وتعقيمها، واستئصال أجهزتها، لإبادة نسلها واجتثاث أصولها، بل حض الشعوب على الإنجاب:
]المال والبنون زينة الحياة الدنيا[
وحض الأبناء على رعاية آبائهم في شيخوختهم، لا أن يدعوهم يموتون كما في البلدان المتطورة وحيدين لا يشعر بهم أحد إلا بعد أن تنتشر روائح جثثهم المتفسخة، فيهرع الجيران للإبلاغ عنهم، أو بين أيدي الغرباء الفظة في المصحات وبيوت العجزة
]وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً.. الخ[
وبذلك، رانت السعادة على الشعوب التي دخلت في الإسلام بشكل لم تعرفها في أي عهد من عهودها السابقة، وهكذا، فإن المتجول في أنحائها لم يجد أثراً لمقطوعي الأيدي والأرجل وسائر الأعضاء تزحف على بطونها...
أعتقد أنني بمثل هذه التفاصيل أستطيع -لحد ما- أن ألقي بعض الضوء على ما جاء في مناظرة السيدين المذكورين سابقاً حول حقوق الإنسان في الإسلام.
إن ما جئت به ما هو -في الواقع- إلا غيض من فيض، يحتاج إلى مجلدات لتغطيته، مما يتعذر على كافة العلماء والفقهاء أن يحيطوا به مجتمعين.
وهل يمكن لأية قوة الكترونية أو سواها، مهما كانت درجة فعاليتها، أن تحصي الذرات المنطلقة من شعاع من النور أضاء الكون بأسره من رب العالمين، وبلسان نبيٍ كريم؛ بجله تعالى بقوله:
]وإنك لعلى خلق عظيم[
صدق الله العظيم...
- ×××× -
المصادر:
- القرآن الكريم
"نهج البلاغة"، الإمام علي بن أبي طالب (ع)
- "اقتصادنا"، السيد محمد باقر الصدر، الجزء الأول والثاني، وهو -على ما أعتقد- أفضل كتاب إسلامي تناول النظريات الثلاث وقد اعتمدت عليه في قسم كبير من المعلومات الإسلامية،
-وعنه المصادر التالية:
- "دور الأفكار التقدمية في تطوير المجتمع"، ستالين
- "ضد دوهريك"- انجلز
- "التفسير الاشتراكي للتاريخ"، إنجلز
- "المادية الديالكتيكية"، موريس كونفورت
- "دور الفرد في التاريخ"، بليخانوف
- "رأس المال"، ماركس
- محمد باقر الصدر "L, Islam conduit la vie"
- "دور الفرد في النظرية الاقتصادية الإسلامية"، العلامة السيد محمد باقر الحكيم- مجلة الثقافة الإسلامية- دمشق
- "بعض اتجاهات المنهج الإسلامي في المسألة الاقتصادية"، الدكتور: أحمد فتحي بدرخان، المرجع السابق
- "الروح الحزبية في الفلسفة" بليخانوف
- "العلاقات بين النظم الاشتراكية ودول العالم الثالث"، رسالة دكتوراه في العلوم الاقتصادية والمالية- جامعة السوربون- باريس -1- 1976 (عن الفرنسية)، للمؤلف.
- "التكنولوجيا الحديثة، الديون والجوع، وربما نهاية العالم" رسالة دكتوراه في العلوم الاقتصادية والمالية -1985- للمؤلف (مترجمه للغة العربية)
- "العولمة في النظم التكنولوجية الحديثة، والتفتيش عن طريق بديل" للمؤلف
محاضرة في مؤتمر أوتاوا في كندا 1997، ومؤتمر ليليا باسو في روما 1998 (مترجم للغة العربية) للمؤلف
- "اليمن بين قديمه وحديثه" للمؤلف.
- "الأوضاع الاقتصادية والمالية للدول العربية"، التقارير السنوية لاتحاد المصارف العربية الفرنسية في باريس للأعوام (1976 حتى 1982) للمؤلف.
وعن كتاب اقتصادنا للإمام محمد باقر الصدر:
- "الوسائل" للشيخ الحر العاملي محمد بن الحسن
- "جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام" الشيخ محمد حسن النجفي
- "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج"
- "الأحكام السلطانية" للماوردي
- "قواعد الأحكام" للعلامة الحلي
- "المغني" لابن قدامة
- أصول الكافي" لمحمد بن يعقوب الكليبي.
××××
ضبط الآيات القرآنية
م ... الآية الكريمة ... رقمها ... السورة ... ترتيبها ... الصفحة في الكتاب
1 ... (إنّ الله غني عن العالمين ... 97 ... آل عمران ... 3 ... 47
2 ... (إنّ النفس لأمارة بالسوء) ... 53 ... يوسف ... 12 ... 48
3 ... (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) ... 59 ... النساء ... 4 ... 54
4 ... (إنّ الله غنيٌّ عن العالمين) ... 97 ... آل عمران ... 3 ... 55(7/242)
5 ... (المال والبنون زينة الحياة الدنيا ... 46 ... الكهف ... 18 ... 55
6 ... (وإذ قال ربّك إني جاعل في الأرض خليفة) ... 30 ... البقرة ... 2 ... 56
7 ... (إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء) ... 133 ... الأنعام ... 6 ... 57
8 ... (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) ... 34 ... التوبة ... 9 ... 59
9 ... (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا) ... 29 ... الإسراء ... 17 ... 60
10 ... (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) ... 41 ... الروم ... 30 ... 61
11 ... (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون، وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين) ... 19-20 ... الحجر ... 15 ... 62
12 ... (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) ... 7 ... الحديد ... 57 ... 64
13 ... (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها) ... 46 ... فصلت ... 41 ... 65
14 ... (لا إكراه في الدين، لقد تبين الرشد من الغي) ... 256 ... البقرة ... 2 ... 66
15 ... (يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالها، فمن يعمل مثقال ذرة يره، ومن يعمل مثقال شراً يره) ... 6-7-8 ... الزلزلة ... 99 ... 66
16 ... (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا بمثلها وهم لا يظلمون ... 160 ... الأنعام ... 6 ... 66
17 ... (إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم) ... 17 ... التغابن ... 64 ... 67
18 ... (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم) ... 261 ... البقرة ... 2 ... 67
19 ... (أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً) ... 115 ... المؤمنون ... 23 ... 67
20 ... (وهو الذي يبدأ الخلق، ثم يعيده) ... 27 ... الروم ... 30 ... 67
21 ... (ويل لكل همزة لمزة، الذي جمع مالاً وعدّده، يحسب أنّ ما له أخلده كلا لينبذن في الحطمة، وما أدراك ما الحطمة، نار الله الموقدة، التي تطلّع على الأفئدة، إنها عليهم مؤصدة، في عمد ممددة) ... 1-2-3-4-5-6-7-8-9 ... الهمزة ... 104 ... 67
22 ... (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، ولما يأتهم تأويله) ... 39 ... يونس ... 10 ... 68
23 ... (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) ... 29 ... البقرة ... 2 ... 69
24 ... (والله رؤوف بالعباد) ... 30 ... آل عمران ... 3 ... 70
25 ... (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم) ... 59 ... النساء ... 4 ... 74
26 ... (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) ... 7 ... الحشر ... 59 ... 75
27 ... (والذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) ... 34-35 ... التوبة ... 9 ... 76
28 ... (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) ... 7 ... الحشر ... 59 ... 76
29 ... (والذين في أموالهم حقٌ معلوم للسائل والمحروم) ... 24-25 ... المعارج ... 70 ... 77
30 ... (إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) ... 60 ... التوبة ... 9 ... 77
31 ... (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم) ... 105 ... التوبة ... 9 ... 77
32 ... (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم) ... 61 ... هود ... 11 ... 77
33 ... (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً، فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقه وإليه النشور) ... 15 ... الملك ... 67 ... 77
34 ... (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم) ... 1-2-3-4-5 ... العلق ... 96 ... 78
35 ... (هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعلمون) ... 9 ... الزّمر ... 39 ... 79
36 ... (إنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون) ... 4 ... الرعد ... 13 ... 79
37 ... (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ... 28 ... فاطر ... 35 ... 79
38 ... (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) ... 191 ... آل عمران ... 3 ... 79
39 ... (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) ... 256 ... البقرة ... 2 ... 79
40 ... (أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) ... 59 ... الواقعة ... 56 ... 79
41 ... (علم الإنسان ما لم يعلم) ... 5 ... العلق ... 96 ... 79
42 ... (والذين في أموالهم حقٌ معلوم للسائل والمحروم ... 24-25 ... المعارج ... 70 ... 81
43 ... (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) ... 33 ... النور ... 24 ... 81
44 ... (والله الذي خلق السموات والأرض، وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم، وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، وسخر لكم الليل والنهار، وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، إن الإنسان لظلوم كفار) ... 32-33-34 ... إبراهيم ... 14 ... 18
45 ... (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) ... 33 ... النور ... 24 ... 81
46 ... (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون، وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون) ... 33-34 ... ياسين ... 36 ... 83
47 ... (فإن الله غني عن العالمين) ... 97 ... آل عمران ... 3 ... 98
48 ... (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ... 107 ... الأنبياء ... 21 ... 98
49 ... (إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء) ... 133 ... الأنعام ... 6 ... 101
50 ... (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) ... 34 ... التوبة ... 9 ... 101
51 ... (ويل كل همزة لمزة) ... 1 ... الهمزة ... 104 ... 101
52 ... (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) ... 41 ... الروم ... 30 ... 102
53 ... (والأرض مددناها، وألقينا فيها رواسي، وأنبتنا فيها من كل شيء موزون، وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين)
(وإن من شيء إلا وعندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم)
... 19-20-21 ... الحجر ... 15 ... 103
54 ... (والذين في أموالهم حقٌ معلوم للسائل والمحروم) ... 24-25 ... المعارج ... 70 ... 103
55 ... (والله رؤوف بالعباد) ... 30 ... آل عمران ... 3 ... 104
56 ... (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) ... 60 ... التوبة ... 9 ... 105
57 ... (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) ... 7 ... الحشر ... 59 ... 105
58 ... (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) ... 61 ... هود ... 11 ... 106
59 ... (والذين في أموالهم حقٌ معلوم للسائل والمحروم) ... 24-25 ... المعارج ... 70 ... 106(7/243)
60 ... (الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم، وسخر الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وأتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) ... 32-33-34 ... إبراهيم ... 14 ... 106
61 ... (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) ... 33 ... النور ... 24 ... 106
62 ... (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) ... 24-25 ... المعارج ... 70 ... 114
63 ... (الرجال قوامون على النساء كما فضل بعضهم على بعض) ... 34 ... النساء ... 4 ... 117
64 ... (وللرجال عليهن درجة) ... 28 ... البقرة ... 2 ... 117
65 ... (وأمرهم شورى بينهم) ... 38 ... الشورى ... 42 ... 118
66 ... (وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت) ... 8 ... التكوير ... 81 ... 118
67 ... (ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) ... 37 ... الإسراء ... 17 ... 122
68 ... (والله رؤوف بالعباد) ... 30 ... آل عمران ... 3 ... 122
69 ... (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) ... 46 ... الكهف ... 18 ... 122
70 ... (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) ... 23 ... الإسراء ... 17 ... 122
71 ... (وإنك لعلى خلق عظيم) ... 4 ... القلم ... 68 ... 123
الفهرس
صدر للمؤلفة
1. التكنولوجيا الحديثة، الديون والجوع، وربما نهاية العالم- مؤسسة الرسالة ، دمشق 1996 وصدر عن ذات المؤسسة.
2. أثر التكنولوجيا الحديثة على الجسم البشري، لعام 1996.
3. اليمن بين قديمه وحيثه، لعام 1998.
4. العولمة في النظم التكنولوجية الحديثة، والتفتيش عن طريق بديل، لعام1998.
×××
هذا الكتاب
دراسة تعرض لأسس علم الاقتصاد ومنطلقاته إضافة إلى المذهب الاقتصادي في المجتمع الرأسمالي لتنتقل إلى عرض الموضوع نفسه في المجتمع الاشتراكي وذلك من خلال إبراز الثغرات والسلبيات التي ظهرت في كلا النظامين من خلال مفاهيم وسائل الإنتاج، والملكية والتوزيع، والعمل والحرية وسواها من العناصر التي تتحكم في مسيرة هذا النظام أو ذاك لتدلف إلى مكونات علم الاقتصاد في المجتمع الإسلامي محللة المذهب الاقتصادي فيه، شارحة منطلقاته وأسسه ومكوناته وذلك من خلال أشكال الملكية في الإسلام ونظام المحرمات في الاقتصاد مبينة أهمية النظرية الاقتصادية الإسلامية من خلال التركيز على مفهوم العدالة الاجتماعية.
=============
الشيعة هم العدو فاحذرهم
شحاتة محمد صقر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إن الهدف من هذا الكتيب تقديم فكرة مبسطة ومختصرة جدًا عن الشيعة وخطرهم.فإن اليهود والنصارى والمشركين وسائر الكفار ، أعداء للإسلام والمسلمين ، وهذه حقيقة يقررها الإسلام ، ويدركها كل من تمسك بإسلامه ودينه ، وهذا العداء مكشوف وواضح وصريح.ولكن هناك أيضًا أعداء آخرون ، خطرهم كبير ، وشرهم عظيم ، حذّر منهم الإسلام ، وحدد القرآن مواصفاتهم ، وسمّيت سورة باسمهم ، وذكرت في السيرة أخبارهم ، أولئك هم المنافقون المجرمون ، الذين يصافحون بيد ويطعنون بالأخرى ، الذين يظهرون الغيرة على الدّين وهم يحطمونه ، يتحدثون باسم الإسلام وهم أعداؤه ، إن فضِح أمرهم ، وكشِفت مقالاتهم ، وتبيّنت أهدافهم ، حلفوا بالله ما أردنا وما قصدنا ، يحلفون بالله ليرضى الناس عنهم ، يخادعونهم ويُموّهون عليهم ، وإذا خلوا إلى بعضهم وإلى شياطينهم كان لسان حالهم ومقالهم : إنّا معكم إنّما نحن مستهزئون .
والمنافقون أصناف عديدون : فمنهم العلمانيّون ، الذين يرفضون شرع الله ? ويريدون دينًا حسب مواصفاتهم ومقاييسهم ورغباتهم ومنهم الفرق الباطنيّة الهدّامة، ومنهم طائفة رداءها النفاق، وشعارها الكذب ، ودينها اللعن والتكفير للصّحابة وأتباعهم .ولمَ لا نحذر منهم ! وهم يخدعون من يجهل حقيقتهم ، ويلبسون لباس الدّين ، ويظهرون التّباكي على قضايا المسلمين ، ويرددون دعوتهم للتقارب ووحدة الصّف ونبذ الخلاف إنهم طائفة الشّيعة الرافضة.
فرق الشيعة المعاصرة اليوم كثيرة ، الكبرى منها ثلاث هي: 1- الإسماعيلية ، ومنها النصيرية ( العلويون في سوريا )، والدروز، والبهرة، والبهائية ، والبابية والأغاخانية ، وغيرها . وكلها مارقة عن دين الإسلام .
2- الزيدية : وهم أتباع زيد بن عليّ بن الحسين ، ويعتبرون ـ رغم ضلالاتهم ـ من أقرب الفرق الشيعية لأهل السنة ، ما عدا فرقة منهم تسمى الجارودية ، فهي فرقة من الروافض وإن تسمت بالزيدية ، وموطن الزيدية في اليمن .
3- الإثنا عشرية ( الروافض) وهي كبرى الفرق الشيعية كالذين في إيران والعراق ولبنان وبعض دول الخليج (وهي موضوع هذا البحث) .
الاثنا عشرية : هم الذين يسمون الرافضة والجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق ـ وهو منهم بريء ـ ط ، وسموا بالاثنى عشرية لقولهم باثنَي عشر إمامًا ، ويشكّلون الغالبية العظمى من الشيعة اليوم .
نشأتها: تمتد جذورها الفكرية إلى طائفة السّبئية ، أتباع عبدالله بن سبأ اليهودي، والسّبئية هم أول من قال بالنص على خلافة عليّ ط ورجعته ، والطعن في الخلفاء الثلاثة وأكثر الصحابة ن ، وهي آراء أصبحت فيما بعد من أصول المذهب الاثنى عشري.
أهم عقائد الشيعة الاثنى عشرية
1- الإمامة : يرون أن إمامة الاثني عشر ، ركن الإسلام الأعظم ، وهي عندهم منصب إلهي كالنبوة ، والإمام عندهم يوحى إليه ، ويؤيد بالمعجزات ، وهو معصوم عصمة مطلقة.
* يميل علماء الشيعة إلى حصر أهل البيت النبوي في الابنة الصغرى للنبي ث فاطمة ، وزوجها عليّ وابنيها الحسن والحسين ن وتسعة من نسل الحسين ، ثم يعمدون إلى إغفال خلفاء المسلمين عبر العصور والتقليل من شأن منجزاتهم في نصرة الإسلام والمسلمين.
* أما أهل السنة فإنهم يعتبرون أهل البيت كل من حرمت الصدقة عليه من أقرباء النبي ث و يشمل هؤلاء عليّ وآله ، وجعفرًا وآله، وعقيلاً وآله، والعباس وآله.كما يعتبر علماء المسلمين زوجات الرسول من أهل البيت بنص الآية 33 من سورة الأحزاب، إذ يخاطبهن الله بقوله:? وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا? هذا فضلاً عن كون زوجات النبي ث أمهات كل من ادعى أنه مؤمن إذ تقول الآية السادسة من سورة الأحزاب: ?النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ?. كما أن صالحي أهل البيت ـ بدون استثناء ـ لهم مكانة سامية لدى أهل السنة ؛ فإن من عقيدة أهل السنة حب آل بيت النبي ث وحب أصحابه ، رضي الله عن الجميع.
2- الطعن في الصحابة : يزعم الشيعة أن الصحابة ن ارتدوا عن الإسلام إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة ، على اختلاف أساطيرهم ، وكيف يقال مثل هذا القول في أفضل قرن عرفته البشرية ، في قوم نقلوا لنا الدين ، وشهدت بفضلهم آيات القرآن العظيمة ، ونصوص السّنة المطهّرة ، ووقائع التاريخ الصادقة .(7/244)
3- محاولتهم النيل من كتاب الله : لمَّا كانت نصوص القرآن لا ذكر فيها لإمامة الاثنى عشر ، كما أنها تُثني على الصحابة وتعلي من شأنهم ، تحيّروا فقالوا لإقناع أتباعهم : إن آيات الإمامة وسب الصحابة قد أُسقِطَتْ من القرآن ، ولكنّ هذا القول كشف القناع عن كفرهم ، فراحوا ينكرونه ، ويزعمون أنهم لم يقولوا به ، ولكنّ رواياته قد فشت في كتبهم ، وآخر فضائحهم في ذلك كتاب كتبه أحد كبار شيوخهم سمّاه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب )، حيث أثبت تواتر هذا الكفر الصريح ، والكذب المكشوف في كتب الروافض ، واعترف بأن شيوخهم يؤمنون بهذا الكفر ، فكان هذا الكتاب فضيحة كبرى لهم وعار عليهم أبد الدهر .
*بعضهم قالوا بأن جبريل قد أخطأ في الرسالة فنزل على محمد ث، بدلاً من أن ينزل على عليّ ط لأن عليًّا يشبه النبي ث كما يشبه الغرابُ الغرابَ ولذلك سُمُّوا بالغرابية.
4- عقيدة التقية عند الشيعة
التقية عند الشيعة هي التظاهر بعكس الحقيقة ، وهي تبيح للشيعي خداع غيره فبناء على هذه التقية ينكر الشيعي ظاهرًا ما يعتقده باطنًا ، وتبيح له أن يتظاهر باعتقاد ما ينكره باطنًا ، ولذلك تجد الشيعة ينكرون كثيرًا من معتقداتهم أمام أهل السنة ، مثل القول بتحريف القرآن وسب الصحابة وتكفير وقذف المسلمين وإلى غير ذلك من المعتقدات .
يقول شيخهم ورئيس محدثيهم الملقب بالصدوق في (رسالة الاعتقادات ص 104):«واعتقادنا في التقية أنها واجبة من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة...والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج من دين الله وعن دين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة».
خطر الشيعة الروافض: تعد الرافضة من أخطر الفرق على الأمة، وأشدها فتنة وتضليلاً ، خصوصًا على العامة الذين لم يقفوا على حقيقة أمرهم ، وفساد معتقدهم ، والشيعة في هذا الزمان قد أحدثوا حِيَلاً جديدة لاصطياد من لا علم عنده من أهل السنة ، والتأثير عليه بعقيدتهم الفاسدة الكاسدة. فمن ذلك ما أحدثوه من دعوة التقريب بين السنة والشيعة ، والدعوة إلى تناسي الخلافات بين الطائفتين.وما هذه الدعوة إلا ستار جديد للدعوة للرفض والتشيع، ونشر هذه العقيدة الفاسدة بين صفوف أهل السنة ، وإلا فالشيعة لا يقبلون التنازل عن شيء من عقيدتهم.
* نشأت فرقة الشيعة الإثنى عشرية عندما ظهر رجل يهودي اسمه (عبد الله بن سبأ) ادعى الإسلام ، وزعم محبة أهل البيت ، وغالى في عليّ ط ، وادعى له الوصية بالخلافة ثمّ رفعه إلى مرتبة الألوهية ، وهذا ما تعترف به الكتب الشيعية نفسها.
من أسماء هذه الفرقة: الشيعة ، الإمامية ، الإثنا عشرية ، الرافضة، الجعفرية.
الكتب الرئيسة عند الإثنى عشرية : 1- الكافي للكُلَيني: وقد أشار علماء الشيعة إلى أن هذا الكتاب أصح الكتب الأربعة المعتمدة عندهم ، وشرَحَه عدد من شيوخهم ، ومن شروحه(مرآة العقول) للمجلسي، الذي اعتنى بالحكم على أحاديث الكافي من ناحية الصحة والضعف.. وقد صحّح كثيرًا من الروايات المفتراة والمكذوبة ، والتي هي كفر بإجماع المسلمين كروايات تحريف القرآن وتأليه الأئمة.
2- من لا يحضره الفقيه لشيخهم المشهور عندهم بالصدوق محمد بن بابويه القمي.
3- تهذيب الأحكام لشيخهم المعروف بـ(شيخ الطائفة) أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي. وقد ألفه لمعالجة التناقض والاختلاف الواقع في رواياتهم.
4-الاستبصار لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي .
اعتقاد الشيعة الإثنى عشرية في القرآن الكريم
أولا: اعتقاد تحريف القرآن الكريم:
* يقول الله U :? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ? [ الحجر: 9] ويقول الشيعة :إن القرآن الذي عندنا ليس هو الذي أنزل الله على محمد ث ، بل جرى عليه التغيير والتبديل، وزِيد فيه ونُقص منه.وجمهور المحدثين من الشيعة يعتقدون التحريف في القرآن كما ذكر ذلك النوري الطبرسي صاحب كتاب( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) وهو كتاب شامل مفصل بحث فيه المحدث الشيعي بحثًا وافيًا في إثبات التحريف في القرآن ـ بزعمه ـ ، وأورد فيه أكثر من ألفَي رواية من الروايات الشيعية المعتمدة في كتبهم تفيد القول بالتحريف والنقص ، وأن لا اعتماد على هذا القرآن الذي بين أيدي المسلمين اليوم .وردّ الطبرسي على من أنكر أو أظهر التناكر من الشيعة .
ويرى الأستاذ محب الدين الخطيب / أن سبب الضجة أنهم يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصورًا بين خاصتهم ، ومتفرقاً في مئات الكتب المعتبرة عندهم ، وأن لا يجمع ذلك كله في كتاب واحد تطبع منه ألوف من النسخ ويطلع عليه خصومهم فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار الجميع.
ولما أبدى عقلاؤهم هذه الملاحظات خالفهم فيها مؤلفه ، وألّف كتابًا آخر سماه: رد بعض الشبهات عن (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب). وقد ألّف كتابه هذا في أواخر حياته قبل موته بنحو سنتين ، و قد كافئوه على هذا المجهود ـ في إثبات أن القرآن الكريم مُحَرَّف ـ بأن دفنوه في مكان متميز من بناء المشهد العلوي في النجف.
ومما استشهد به النوري الطبرسي على وقوع النقص بالقرآن إيراده في الصفحة 180 من كتابه سورة تسميها الشيعة ( سورة الولاية ) مذكور فيها ولاية علي ط ، وهذا نصها:« يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبي والولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلى الصراط المستقيم * نبي وولي بعضهما من بعض و أنا العليم الخبير * إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم * والذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبون * إن لهم في جهنم مقامًا عظيمًا إذا نودي لهم يوم القيامة أين الظالمون المكذبون للمرسلين * ما خلفتهم المرسلين إلا عني و ما كان الله ليظهرهم إلى أجل قريب و سبح بحمد ربك و عليّ من الشاهدين). تعالى الله عما يقولون و يفترون.
صورة من سورة الولاية في مصحف الشيعة المحرف
بعض أقوال شيوخهم في إثبات تحريف القرآن
* يذكر صاحب( الكافي):«...رفع إليَّ أبو الحسن مصحفًا وقال:«لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه ? لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا?[البينة:1) فوجدتُ فيها ـ أي السورة ـ اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ».(الكافي 2/261).
* وفي( الكافي )كذلك( 1/412): عن جابر، عن أبي جعفر ÷قال: قلت له: لمَ سُمِّي أمير المؤمنين ـ أي عليّ بن أبي طالب ـ ؟ قال:« الله سماه هكذا ؛ أنزل في كتابه:« وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمدًا رسولي وأن عليًا أمير المؤمنين »ا. هـ.
فإضافة هذه الزيادة على الآية الكريمة ( وأن محمدًا رسولي وأن عليًا أمير المؤمنين ) واعتبارها من القرآن ، هو عين القول بالتحريف ، ومعناه أن الآية كما هي مثبَتَة في كتاب الله تعالى .. وكما يقرأها المسلمون .. إنما هي آية ناقصة .. لم تُكتب كما أنزلت ..!!
* وفي (الكافي) كذلك( 1/417): عن أبي جعفر ÷قال:« نزل جبرائيل ÷ بهذه الآية على محمد ث هكذا:« بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في عليّ بغيًا » ا. هـ.... فقوله (هكذا) أي نصًاوحرفاً .. وهذا صريح الكذب والتحريف!
* يقول المحدث الشيعي (نعمة الله الجزائري) ـ نسبة إلى جزائر البصرة ـ في كتابه (الأنوار النعمانية):«إن الأصحاب (أي علماء المذهب الشيعي) قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن.» (فصل الخطاب ص 30) .(7/245)
* الخميني الذي يستشهدون بأقواله على عدم وقوع التحريف يفضحه الله تعالى ، حيث قال في معرض كلامه عن الإمامة والصحابة:«..فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة، كانوا يتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته، ويُسقِطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد، ويلصقون العار ـ وإلى الأبد ـ بالمسلمين وبالقرآن، ويُثبتون على القرآن ذلك العيب الذي يأخذه المسلمون على كتب اليهود والنصارى».(كشف الأسرار ص 131)
* وقد أثنى الخميني أكثر من مرة على نور الدين الطبرسي ، مؤلف كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) (الحكومة الإسلامية ص 66 ).
* وقد درج بعض شيوخهم المعاصرين على التظاهر بإنكار هذه الفِرْية ، والدفاع عن كتاب الله سبحانه. لكن يلاحظ كفره في فلتات لسانه ، وترى الباطل يحاول دسه في الخفاء. ومن أخبث من سلك هذا الطريق شيخهم أبو القاسم الخوئي ، المرجع الأعلى للشيعة في العراق وغيرها من البلاد. ففي تفسيره(البيان) يقرر أن المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم ، بل المتسالم عليه بينهم هو( القول بعدم التحريف) .(تفسير البيان ص226). ولكنّ أبا القسم الخوئي يقطع بصحة جملة من روايات التحريف فيقول:« إن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين، ولا أقل من الاطمئنان بذلك، وفيها ما روي بطريق معتبر». (تفسير البيان ص222).
ونقول للخوئي وأمثاله: لا شك أن أمير المؤمنين عليّ ط ما كان يقرأ ويحكم إلا بالمصحف الذي أجمع عليه الصحابة ن ، وهذا ما تعترف به كتب الشيعة.ولو كان هناك مصحف غير القرآن كما يزعم الجاهلون لأخرجه عندما كان خليفة للمسلمين ، ولحكم به وهذا ما لم يحدث ، وهذا طعن من الشيعة في عليّ ط .ولهذا أخرج ابن أبي داود بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة قال:قال عليّ:« لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا ، فوالله ما فعل في المصاحف إلا عن ملإٍ منا». وقد نقلت ذلك كتب الشيعة.
ثانيًا:العمل بالقرآن ريثما يخرج مصحفهم مع إمامهم المنتظر:
قال شيخهم نعمة الله الجزائري:« قد روي في الأخبار أنهم ‡ أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين فيقرأ ويعمل بأحكامه»(الأنوار النعمانية: 2/363-364).
مصحف فاطمة: وتدعي كتب الشيعة نزول مصحف على فاطمة م بعد وفاة رسول الله ث . ويزعم الشيعة أنه قد دُوِّن فيه علم ما يكون، مما سمعته الزهراء م من حديث الملائكة بعد وفاة أبيها ث. وذلك تسكينًا لها على حزنها لفقد أبيها ث.
وممّا يدل على كذبهم وجود بعض الروايات عندهم التي تتحدث عن مصحف فاطمة أنه من إملاء رسول اللّه ث وخَطِ عليّ ط : جاء في( بصائر الدرجات ص 153) عن عليّ بن سعيد عن أبي عبد اللّه u: « وعندنا واللّه مصحف فاطمة ، ما فيه آية من كتاب اللّه وإنّه لإملاء رسول اللّه ث وخط عليّ u (1)بيده » . .
والمضحك أنّه توجد روايات أخرى تشير إلى أن المصحف ألقي على فاطمة من السماء ، ولم يكن المملي رسول اللهث ، ولا خط عليّط ، ولم يحضر ملك يحدثها ويؤنسها ليكتب عليّ ما يقوله الملك، تقول الرواية:«مصحف فاطمة ‘ما فيه شيء من كتاب الله وإنما هو شيء ألقي عليها »(بحار الأنوار 26/48).
وتزعم الشيعة أن مصحف فاطمة ثلاثة أضعاف القرآن:فعن أبي بصير عن أبي عبد اللّه u قال:« وإنّ عندنا لمصحف فاطمة سلام الله عليها، وما يدريهم ما مصحف فاطمة سلام الله عليها؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة سلام الله عليها؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، واللّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد».(الكافي1/239). وهذه الأسطورة يرويها ثقة الإسلام ـ عندهم ـ الكليني بسند صحيح ـ عندهم ـ كما يقرره شيوخهم (انظر: الشّافي شرح أصول الكافي3/197(.
عقيدة الشيعة في السنة
الشيعة يردّون كتب السنة جملةً وتفصيلاً فلا يعتبرونها ولا يُقِرّونها ؛ لأن رواتها كفار ـ بزعمهم ـ وترتب على ردِّهم للسنة أن يوجدوا بدائل وهذه البدائل هي أقوال الأئمة ، لذلك لا تجد لهم في كتبهم من الأحاديث ما هو مرفوع للنبي ث إلا نادرًا خصوصًا كتب الفقه الشيعي ، لا تجد فيها عن فلان عن فلان عن النبي ث ، فكل الروايات تسند عن أئمتهم.
يقول في تعريفها شيخهم محّمد الحسين آل كاشف الغطاء:« إنهم [ أي الشيعة ] لا يعتبرون من السنة ـ أعني الأحاديث النبوية ـ إلا ما صحّ لهم من طريق أهل البيت ‡عن جدهم ث ، يعني:ما رواه الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن أبيه أمير المؤمنين عن رسول الله سلام الله عليهم جميعًا ، أمّا ما يرويه مثل: أبي هريرة ، وسمرة بن جندب ، ومروان بن الحكم ، وعمرو بن العاص ونظائرهم فليس لهم عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة وأمرهم أشهر من أن يذكر»(أصل الشيعة وأصولها، ص 236) .
فالسنة عندهم هي:«كل ما يصدر عن المعصوم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ»(محمد تقي الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن ص122)، والمعصوم هو رسول الله ث ، والأئمة الإثنا عشر، أي لا فرق عندهم في هذا بين هؤلاء الإثنى عشر وبين من لا ينطق عن الهوى ث ، إن هو إلا وحي يوحى. ولا فرق في كلام هؤلاء الإثنى عشر بين سن الطفولة ، وسن النضج العقلي ؛ إذ إنّهم ـ في نظرهم ـ لا يخطئون عمدًا ولا سهوًا ولا نسيانًا طوال حياتهم ، ولهذا قال أحد شيوخهم المعاصرين: « إن الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي ث كما هو الحال عند أهل السنة ، وأن الأئمة كالرسل ، قولهم قول الله ، وأمرهم أمر الله ، وطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله ، وإنهم لم ينطقوا إلا عن الله تعالى وعن وحيه »(الاعتقادات لابن بابويه ص 106).
عقيدة الشيعة في أصحاب رسول الله ث
تقوم عقيدة الشيعة الإثنى عشرية على سب وشتم وتكفير الصحابة ن . ذكر الكليني في (فروع الكافي) (كذبًا)عن جعفر:« كان الناس أهل ردة بعد النبي ث إلا ثلاثة ، فقلت:من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ». وذكر المجلسي في (حق اليقين) أنه قال لعليّ بن الحسين مولى له: « لي عليك حق الخدمة فأخبرني عن أبي بكر وعمر؟ فقال:إنهما كانا كافرين ، الذي يحبهما فهو كافر أيضًا ». وفي تفسير القمي عند قوله تعالى:? وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ? [النحل :90] قالوا: الفحشاء أبو بكر، والمنكر عمر، والبغي عثمان.
ويقولون في كتابهم(مفتاح الجنان):« اللهم صل على محمد وعلى آل محمد والعن صنمَيْ قريش وجِبتَيْهِما وطاغوتَيْهما وابنتيهما.. إلخ» ويعنون بذلك أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة ن .
وفي يوم عاشوراء يأتون بكلب ويسمونه عمر، ثم ينهالون عليه ضربا بالعصي ورجمًا بالحجارة حتى يموت ، ثم يأتون بسخلة(2) ويسمونها عائشة ، ثم يبدؤون بنتف شعرها وينهالون عليها ضربًا بالأحذية حتى تموت.
* كما أن للشيعة عيد يقيمونه في اليوم التاسع من ربيع الأول ، يحتفلون باليوم الذي قتل فيه الفاروق عمر بن الخطاب ط ، ويسمون قاتله أبا لؤلؤة المجوسي: بابا شجاع الدين ، رضي الله عن الصحابة أجمعين وعن أمهات المؤمنين.(7/246)
وبلغت استهانة الخميني بأصحاب رسول الله ث أن فضّل عليهم شعب إيران كما يذكر ذلك في وصيته:« وأنا أزعم بجرأة أن الشعب الإيراني بجماهيره المليونية في العصر الراهن أفضل من أهل الحجاز في عصر رسول الله»( الوصية السياسية:الخميني ص 23)، ويقول هذا الخبيث الكافر في سبه لخير الأمة بعد نبيها ث:
« إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين، وما قاما به من مخالفات للقرآن ، ومن تلاعب بأحكام الإله ، وما حللاه وما حرماه من عندهما ، وما مارساه من ظلم ضد فاطمة بنت النبي ث ، وضد أولادها، ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين»، ثم يقول في الصفحة الأخرى:«وإن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى، والأفاقين والجائرين غير جديرين بأن يكونوا في موضع الإمامة، وأن يكونوا ضمن أولي الأمر».(كشف لأسرار:الخميني ص126-127).
قال الإمام مالك /عن الشيعة :« إنما هؤلاء قوم أرادوا القدح في النبي ث فلم يمكنهم ذلك ، فقدحوا في أصحابه حتى يقال : رجل سوء ، ولو كان صالحًا كان أصحابه صالحين » ( الصارم المسلول ج 3 ص 108) .
أوجه التشابه بين اليهود والشيعة الإثنى عشرية
قال شيخ الإسلام ابن تيمية /: « وآية ذلك أن محنة الشيعة الإثنى عشرية محنة اليهود ، وذلك أن اليهود قالوا لا يصلح الملك إلا في آل داود ، وقالت الشيعة الإثنى عشرية: لا تصلح الإمامة إلا في ولد عليّط. وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل السيف ، وقالت الشيعة الإثنى عشرية:لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء.
واليهود يؤخرون الصلاة إلى اشتباك النجوم ، وكذلك الشيعة الإثنى عشرية يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم . والحديث: « لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم».(3)
واليهود حرفوا التوراة وكذلك الشيعة الإثنى عشرية حرفوا القرآن. واليهود لا يرون المسح على الخفين وكذلك الشيعة الإثنى عشرية. واليهود تبغض جبريل يقولون هو عدونا من الملائكة، وكذلك الشيعة الإثنى عشرية يقولون غلط جبريل بالوحي على محمد ث. وكذلك الشيعة الإثنى عشرية وافقوا النصارى في خصلة النصارى ؛ ليس لنسائهم صداق إنما يتمتعون بهن تمتعا ، وكذا الشيعة الإثنى عشرية يتزوجون بالمتعة ويستحلونها.
وفُضِّلت اليهود والنصارى على الشيعة الإثنى عشرية بخصلتين: سُئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى. وسئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواري عيسى ، وسئلت الشيعة الإثنى عشرية: من شر أهل ملتكم؟ قالوا:أصحاب محمدث.
عقيدة الإمامة عند الشيعة الإثنى عشرية
الإمامة عند الشيعة تختلف عن الإمامة في الدين عند أهل السنة والجماعة، فالإمام عند الشيعة له من الخصائص كما للنبيث!، يقرر ذلك محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه(أصل الشيعة وأصولها ص85) يقول:« إن الإمامة منصب إلهي كالنبوة ، فكما أن الله سبحانه يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة ، ويؤيّد بالمعجزة التي هي كنَصّ من الله عليه. فكذلك يختار للإمامة من يشاء ويأمر نبيه بالنص عليه وأن ينصبه إمامًا للناس من بعده ».
والإمامة عند الشيعة أحد أركان الإسلام الخمسة ، فهم يعتقدون كما جاء في أصول الكافي عن أبي جعفر أنه قال:«بني الإسلام على خمس ، على الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج والولاية ، ولم ينادَ بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه ــ يعني الولاية » .
منزلة الإمامة وحكم منكرها: جعلت الشيعة مدار قبول الأعمال من العباد على الإيمان بالإمامة ، فنسبوا إلى الصادق قوله: « إن أول ما يُسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله Y عن الصلوات المفروضات ، وعن الزكاة المفروضة ، وعن الصيام المفروض ، وعن الحجّ المفروض ، وعن ولايتنا أهل البيت ، فإن أقرّ بولايتنا ثمّ مات عليها قبِلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجه ، وإن لم يقر بولايتنا بين يديY لم يقبل الله منه شيئا من أعماله».(أمالي الصدوق ص 154).وحكى المفيد ـ أحد علماء الشيعة ـ إجماع الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار.(البحار8/366 ، 23/390) .
عصمة الأئمة: ذهب الشيعة إلى القول بعصمة الأئمة ، فلا يخطئون عمدًا ولا سهوًا ولا نسيانًا طول حياتهم ، ولا فرق في ذلك بين سن الطفولة وسن النضج العقلي ، ولا يختص هذا بمرحلة الإمامة.
يقول الخميني: «إنّ الأئمة الذين لا نتصور فيهم السهو والغفلة، ونعتقد فيهم الإحاطة بكل ما فيه مصلحة المسلمين »(الحكومة الإسلامية، ، ص 52).
ويقال هنا:إنّ العصمة من الخطأ كبيرِه وصغيرِه ، عمدًا وسهوًا، ونسيانًا من المولد إلى الممات أمرٌ يتنافى مع الطبيعة البشرية ، وهذا ممّا لا يقبله العقل إلا بدليل قطعي من الشرع. وإنّ النّفي المطلق للسّهو والنّسيان عن الأئمّة تشبيه لهم بالله ? لا تأخذه سنة ولا نوم. والقول بالعصمة يتنافى مع ما ثبت من أن الأئمة يعترفون بالذنوب ويستغفرون الله منها.
الأئمة عندهم يعلمون الغيب: يروي الكُلَيني في(أصول الكافي، باب أنّ الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علموا) عن جعفر أنّه قال:« إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم ، وأنّ الأئمة يعلمون متى يموتون ، وأنّهم لا يموتون إلا باختيار منهم ».
ويعتقدون أنّ الله ? خلق السماوات والأرضين لأجل عليّط، وجعله صراطه المستقيم، وعينه وبابه الذي يؤتى منه ، وحبله المتصل بينه وبين عباده من رسل وأنبياء وحجج وأولياء.(الوافي للفيض الكاشاني المجلد الثاني ص224) وبهذا يقضون على السبب الحقيقي من خلق الخلق الذي سطره الله في القرآن بقوله تعالى:?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ? [الذاريات:56] .
الأئمة هم أسماء الله وصفاته :روى الكليني عن أبي عبد الله في قول الله U:? وَلِلّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف: 180] قال:« نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا » (أصول الكافي1/143-144). وقد تناقل هذا المعتقد علماء الشيعة في روايات عديدة نسبت زورًا لجعفر الصادق ط وغيره.
الغلو في كيفية خلق الأئمة: قال الخميني في كتابه (زبدة الأربعين حديثا): « اعلم أيها الحبيب ، أن أهل بيت العصمة عليهم السلام ، يشاركون النبي في مقامه الروحاني الغيبي قبل خلق العالم، وأنوارهم كانت تسبح وتقدس منذ ذلك الحين ، وهذا يفوق قدرة استيعاب الإنسان حتى من الناحية العلمية. ورد في النص الشريف « يا محمد ، إن الله تبارك وتعالى ، لم يزل منفردًا بوحدانيته ، ثم خلق محمدًا وعليًّا وفاطمة ، فمكثوا ألف دهر ، ثم خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها ، وأجرى طاعتهم عليها، وفوض أمورهم إليهم، فهم يُحِلون ما يشاءون أو يُحَرّمون ما يشاءون، ولن يشاءوا إلا أن يشاء الله تعالى ، ثم قال: يا محمد ، هذه الديانة التي من تقَدَّمَها مَرَقَ، ومن تخلف عنها مُحِق، ومن لزمها لَحِقَ ، خذها إليك يا محمد ».(7/247)
الأئمة الإثنا عشر عند الشيعة أفضل من الأنبياء:من المعلوم من الدين بالضرورة أنّ الرّسل أفضل البشر وأحقّهم بالرّسالة ؛ حيث حققوا كمال العبوديّة لله تعالى، وأتموا التّبليغ والدّعوة، ? اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ? [الأنعام:124] ، وقد امتازوا برتبة الرّسالة ، وفضلهم الله بمنزلة النبوة عن سائر النّاس ، وقد أوجب الله على المسلمين متابعتهم. قال تعالى: ? وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ ? [النّساء: 64] ولا يجوز لأحد أن يفضّل أحدًا من البشر عليهم. قال الإمام الطّحاوي في بيان اعتقاد أهل السّنّة:«ولا نفضّل أحدًا من الأولياء على أحد من الأنبياء ‡ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء».(شرح العقيدة الطّحاويّة: ص493).ولكن غلو الشيعة جعلهم يضعون أئمتهم في درجة أفضل من الأنبياء والرسل والملائكة المقربين كما يذكر ذلك (الحر العاملي) قائلاً:« الأئمة الإثنى عشر أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء السابقين والملائكة وغيرهم ».(الفصول المهمة ص152). ووصل بهم الحال إلى اختلاق روايات على أهل البيت تؤكد أنّ الأئمة يُوحى إليهم ، وأنّ عليًّا ط ناجاه جبريل u في فتح خيبر. وأن فاطمة م لما توفى رسول الله ث بعث الله لها ثلاثة ملائكة يُكلمونها ويسلّونها ،وكان عليّط يكتب ما يقول المَلك!(خطاب ألقاه الخميني يوم الأحد 2/3/86م بمناسبة عيد المرأة).
ويقول الخميني:«إن للإمام مقاما محمودًا ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون ، وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لم يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل...»وقال أيضًا:«إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلاً خاصًّا وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر إلى يوم القيامة ».(الحكومة الإسلامية ص112).
ويقول أيضًا:فالإمام المهدي الذي أبقاه الله I ذخرًا من أجل البشرية ، سيعمل على نشر العدالة في جميع أنحاء العالم وسينجح فيما أخفق في تحقيقه جميع الأنبياء.(خطاب ألقاه الخميني بمناسبة الخامس عشر من شعبان عام 1401هـ.)
عقيدة الرجعة عند الشيعة
الرجعة عند الشيعة تعني العودة بعد الموت.وهي من أصول مذهب الشيعة الإثنى عشرية ، ومن المعلوم ضرورةً أنّ هذا مخالف لصريح الكتاب والسنة من أن من قضى نحبه وانتهى أجله أنه لا يعود مرة أخرى حتى يُبعَث الناس من قبورهم يوم القيامة. كقوله تعالى : ? حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ? [المؤمنون99-100] .
وجنوح الشيعة الإمامية لتأصيل هذه العقيدة وبثها في نفوس الشيعة، إنما هو من باب تصبير الشيعة وتثبيتهم على معتقداتهم الفاسدة ، لما يرون من حالات الضعف والمهانة التي لقوها من الناس عبر التاريخ ، وهي تبعث الأمل لدى الشيعة الإمامية بأنّ هناك يومًا ما سينتقم فيه الشيعة من أعدائهم ، وتكون الغلبة لهم.
وقد قسم الشيعة الإمامية رجوع الناس بعد الموت إلى ثلاثة أصناف:الأول:رجوع المهدي أو خروجه من مخبئه ، وكذلك رجوع الأئمة بعد موتهم.
الثاني: رجوع خلفاء المسلمين الذين اغتصبوا الخلافة!، والاقتصاص منهم.
الثالث:رجوع أصحاب الإيمان المحض، وهم الشيعة الإمامية ومن تابعهم، ورجوع أصحاب الكفر المحض وهم جميع من لم يؤمن بمذهبهم، وعلى رأسهم أهل السنة بلا شك، ويستثنى من ذلك المستضعفين وهم النساء ، والبُلْه ، ومن لم تتم عليه الحجة كأصحاب الفترة…وهؤلاء عند الشيعة الإمامية مُرجَوْن لأمر الله إما يعذبهم أو يتوب عليهم.(انظر بحار الأنوار 8/363 )
وبرجعة الأئمة يفرح الشيعة الإمامية بملاقاة أئمتهم وخصوصًا المهدي الذي طالما اشتاقت إليه نفوسهم ، وبعودة الأئمة تكون الغلبة لهم والرفعة لهم. وبرجعة الخلفاء الذين اغتصبوا الخلافة ، تطيب نفوسهم ، وتشفى صدورهم بالانتقام ممن اغتصب الخلافة من عليّ وهم أبو بكر وعمر وعثمان ن وفي رجعة المؤمنين أي الشيعة الإمامية أهل الإيمان المحض ! ، والكافرين وهم غير الشيعة الإمامية تتمة لسرورهم برؤية أعدائهم وهم يعذبون وينكل بهم. فكان الأولى أن تسمى عقيدة التنكيل والانتقام بدلاً من عقيدة الرجعة ، لأنها مبنية على الانتقام والتشفي.
عقيدة ظهور الأئمة عند الشيعة الإمامية
عقيدة الرجعة عند الشيعة الإمامية ليست هي عقيدة الظهور، فعقيدة الرجعة خاصة للإمام الثاني عشر والظهور له ولغيره من الأئمة ، وتعني أن يظهر الإمام أو غيره بعد موته لأناس معينين، ولذا فقد بوّب المجلسي في بحار الأنوار، باب : أنهم يظهرون ـ أي الأئمة ـ بعد موتهم ، ويظهر منهم الغرائب». (بحار الأنوار27/303). وهذا الظهور خاضع لإرادة الإمام ، فمتى أراد أن يظهر ظهر. وتذكر كتب الشيعة أنّ أبا الحسن الرضا كان يقابل أباه بعد موته ، ويتلقى وصاياه وأقواله » (بحار الأنوار 27/303 ، وبصائر الدرجات ص78).
ظهور المهدي لإغاثة الملهوف: قال الشيعي المعاصر الشهرودي:
« لا يخفى علينا أنه u ، وإن كان مخفيًا عن الأنام ومحجوبا عنهم، ولا يصل إليه أحد ، ولا يعرف مكانه ، إلا أن ذلك لا ينافي ظهوره عند المضطر المستغيث به الملتجئ إليه ، الذي انقطعت عنه الأسباب وأغلقت دونه الأبواب ، فإنه إغاثة الملهوف ، وإجابة المضطر في تلك الأحوال ، وإصدار الكرامات الباهرة ، والمعجزات الظاهرة ، هي من مناصبه الخاصة ، فعند الشدة وانقطاع الأسباب من المخلوقين ، وعدم إمكان الصبر على البلايا دنيوية أو أخروية ، أو الخلاص من شر أعداء الإنس والجن ، يستغيثون به ، ويلتجئون إليه».(الإمام المهدي وظهوره ص 325).( لاحظ أن هذا الاعتقاد شرك بالله U) .
خرافاتهم في خروج المهدي (*)ورجعته
* يحكم بحكم داود:إن الحكم يقام على غير شريعة المصطفى ث، جاء في الكافي وغيره، قال أبو عبد الله:« إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ولا يُسأل بينة».(أصول الكافي1/397)
* يقيم الحدّ على أم المؤمنين عائشة م :عن أبي جعفر قال:«أما لو قام قائمنا ، وردت إليه الحميراء ، حتى يجلدها الحد وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة ». (بحار الأنوار 52 /314).
* يُخرِج أبا بكر وعمر م من قبريهما ، ويصلبهما ويحرقهما.(الأنوار النعمانية 2 /85).
* يبعثه الله نقمة:عن أبي جعفر قال:« إنّ الله بعث محمدًا رحمةً ، وبعث القائم نقمةً.»(بحار الأنوار52 /315).
* يقتل ذراري قتلة الحسين : قيل للرضا:« يا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق أنه قال:إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين بفعل آبائها»، قال: « هو كذلك» قلت:« وقول الله تعالى :? وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى? [ الإسراء :15] قال ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها.»
* ويقتل المهدي العرب:عن أبي عبد الله قال:«ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح».(الأنوار العمانية 52/ 349). (لاحظ بغضهم للعرب ؛ لأن العرب المسلمين هم الذين قضوا على امبراطورية أجدادهم المجوس عبدة النار) .
عقيدة النياحة وشق الجيوب وضرب الخدود(7/248)
إنّ الشيعة يعقدون محافل ومجالس للمآتم والنياحة ويعملون المظاهرات العظيمة في الشوارع والميادين في ذكرى شهادة الحسين ط في العشر الأوائل من محرم كل عام معتقدين أنها من أجَلّ القربات فيضربون خدودهم بأيديهم وصدورهم وظهورهم ويشقون الجيوب يبكون ويصيحون بهتافات: يا حسين...يا حسين، وخاصة في اليوم العاشر من كل محرم ، ويخرجون في ذلك اليوم مترابطين متصافين يحملون قبة الحسين (التابوت) المصنوعة من الخشب ونحوه ويقودون خيلا مزينًا بسائر الزينة ، يمثلون به حالة الحسين في كربلاء بفرسه وجماعته ويستأجرون عمالاً بأجور ضخمة ليشتركوا معهم في هذا الضجيج والفوضى ويسبون أصحاب رسول الله ث ويتبرءون منهم وقد تؤدي هذه الأعمال ـ أعمال الجاهلية الأولى ـ إلى المنازعات مع أهل السنة خاصة عند سبهم لأصحاب رسول الله ث والطعن والتبرؤ من الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان ، فتسبب إراقة دماء الأبرياء.
والشيعة يصرفون في مآتم الحسين ط أموالاً طائلة ؛ لأنّهم يعتقدون أنّها من أصول دينهم وأعظم شعائرهم . إن الشيعة يعوِّدون أولادهم بالبكاء في هذا المأتم ، فإذا كبروا اعتادوا البكاء متى شاءوا، فبكاؤهم أمر اختياري وحزنهم حزن مخترع ، مع أنّ الشريعة الإسلامية أكدت في النهي عن النياحة وشق الجيوب وضرب الخدود، والقرآن الكريم أوصى المسلم المبتلى بالمصائب بالصبر والرضا بالقضاء.
ثمّ إنّ الأئمة المعصومين عندهم والذين تجب طاعتهم ـ عندهم ـ قد ثبت عنهم أيضا مثل ذلك ، فقد ذكر في نهج البلاغة ، قال عليّ ط بعد وفاة النبي ث مخاطبًا إياه ث :« لولا أنك نهيت عن الجزع وأمرت بالصبر لأنفدنا عليك ماء الشؤون». (الشُّؤُون وهي مَواصل قَبائل الرأس ومُلْتَقاها ومنها تَجيءُ الدُّموع.)
وجاء في ( نهج البلاغة) أيضا أن عليًّا u قال: «من ضرب يده عند مصيبة على فخذه فقد حبط عمله». وقال الحسين لأخته زينب في كربلاء:« يا أختي أحلفك بالله وعليك أن تحافظي على هذا الحلف، إذا قتلت فلا تشقي على الجيب ولا تخمشي وجهك بأظفارك ولا تنادي بالويل والثبور على شهادتي » . ( منتهى الآمال 1/248).
ونقل أبو جعفر القمي أنّ أمير المؤمنين u قال فيما علم به أصحابه:« لا تلبسوا سوادًا فإنّه لباس فرعون ».(من لا يحضره الفقيه:للقمي ، ص51) وفي فروع الكافي للكليني أنه ث وصى السيدة فاطمة الزهراء م فقال:«إذا أنا مت فلا تخمشي وجهًا ولا تنادي بالويل ولا تقيمي على نائحة».
مناسك المشاهد والأضرحة
زيارة الأضرحة فريضة من فرائض مذهب الشيعة يكفر تاركها ففي الوسائل «عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله u قال: «سألته عمن ترك الزيارة زيارة قبر الحسين u من غير علة، فقال: هذا رجل من أهل النار». (وسائل الشيعة 10/336-337) وقد عقد لذلك المجلسي بابًا بعنوان: «باب أن زيارته (يعني زيارة الحسين). واجبة مفترضة مأمور بها، وما ورد من الذم والتأنيب والتوعد على تركها » وذكر فيه (40) حديثًا من أحاديثهم (انظر: بحار الأنوار101/ 1-11).
وشد الرحال إلى قبر الحسين ط عند الشيعة من أركان دينهم ومن بقايا الوثنية التي أرساها ابن سبأ اليهودي ، ولا نعجب إذا رأينا الشيعة تضع في ثواب زيارته الأحاديث الكثيرة الموضوعة التي ترغب في زيارته والاستشفاء من تربته:
* تزعم الشيعة أن ثواب من زار قبره مثل ثواب مائة ألف شهيد من شهداء بدر (انظر بحار الأنوار للمجلسي 98 /17 رواية رقم 24).
* ومن أتاه تشوقًا كتب الله تعالى له ألف حجة مقبولة وألف عمرة مبرورة وأجر ألف شهيد من شهداء بدر وأجر ألف صائم وثواب ألف صدقة مقبولة وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله تعالى. ( بحار الأنوار98/ 18 ) .
* وأن زيارته تعدل الحج والعمرة والجهاد في سبيل الله تعالى وعتق الرقاب(بحار الأنوار 98 / 28 ـ 48) وأن الأنبياء والرسل والملائكة يأتون لزيارته ويدعون لزواره ـ ويبشرونهم ويستبشرون لهم .(انظر بحار الأنوار 98/51، 68).
* وبلغ بهم الكذب أن قالوا:إن القيام بكربلاء يوم عرفة أفضل وأكثر أجرًا من الوقوف على صعيد عرفات الطاهر (مصباح الطوسي ص 498). وعن ابن مسكان قال: قال أبو عبد اللّه u :
« إن الله تبارك وتعالى يتجلى لزوار الحسين صلوات عليه قبل أهل عرفات ويقضي حوائجهم ، ويغفر من ذنوبهم ، ويشفعهم في مسائلهم ، ثم يثني بأهل عرفات فيفعل ذلك بهم» ( ثواب الأعمال ص 82).
* وقد وضعت الشيعة الروافض لزيارة القبور مناسك كمناسك الحج إلى بيت الله الحرام.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد صنف شيخهم ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد كتابًا سماه «مناسك المشاهد» جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قيامًا للناس ، وهو أول بيت وضع للناس ، فلا يطاف إلا به ، ولا يصلى إلاّ إليه ، ولم يأمر إلا بحجه »
الشيعة والمتعة الجنسية
* الإيمان بالمتعة عند الشيعة أصل من أصول الدين ومنكرها منكر للدين.(من لا يحضره الفقيه 3/366).
* يزعم الشيعة أن الله تعالى أحلّ لهم المتعة عوضًا عن المسكرات ، ويفترون على الله تعالى الكذب فيقولون : إن المتعة رحمة من الله جل جلاله خصّ الشيعة بها دون سائر الناس. فعن أبي عبد الله u في قول اللّه U :? مَا يَفْتَح اللهُ للناس مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا ? قال:
« والمتعة من ذلك».(وسائل الشيعة 14/439).
* ورغم إباحتهم للمتعة فالعجيب ثبوت روايات التحريم للمتعة عند أئمة آل البيت وفي كتبهم ، ومن ذلك:
1- عن عبد الله بن سنان قال:سألت أبا عبد الله u عن المتعة فقال:«لا تُدَنِّسْ نفسَك بها».(بحار الأنوار 100/318).
2 -عن عمار قال:قال أبو عبد الله u لي ولسليمان بن خالد:«قد حُرِّمَتْ عليكما المتعة».(فروع الكافي 2/48)
3- عن عليّ بن أبي طالب ط أنه روى عن النبي ث تحريمه للمتعة(التهذيب 186، الاستبصار 3/142) وعندهم أيضًا عن الإمام أبي عبد الله ، قال عن اللاتي يمارسن المتعة : « ما يفعلها عندنا إلا الفواجر »
أحكام امرأة المتعة عند الشيعة: (قارن بينها وبين الزانية(
* امرأة المتعة ليست زوجة حرة ، أو زوجة أمَة ، ولا ملك يمين ، وإنّما هي مستأجرة ؟!
* امرأة المتعة لا تَرِث ولا تُوَرَّث ( تحرير الوسيلة للخميني2/288).
* المتمَتَّع بها تَبِين بانقضاء المدة أو بهِبتها ، ولا يقع بها طلاق ، ويجوز التمتِّع بالمرأة الواحدة مرارًا كثيرة ، ولا تحرم في الثالثة ، ولا في التاسعة كالمطلقة !بل هي كالأمَة.
* جواز حبس المهر!! عن المرأة المتمتع بها بقدر ما تخلف.
* يجوز أن يتمتع بأكثر من أربع نساء!! وإن كان عنده أربع زوجات بالزواج الدائم!!
* تصديق المرأة عند نَفْي العدة والزوج ( أي قولها إنها ليست ذات زوج) ونحوهما ، وعدم وجوب التفتيش والسؤال ولا حتى منها .
* ليس هناك حد لعدد النساء المتمتع بهن ، فيجوز للرجل أن يتمتع بمن شاء من النساء ولو ألف امرأة أو أكثر.(الاستبصار للطوسي3/143 تهذيب الأحكام 7/259).
** والعجيب أنهم يرون إباحة التمتع بالمرأة المحصَنَة-أي المتزوجة- أي دون علمِ زوجها.(انظر فروع الكافي5/463، تهذيب الأحكام7/554، الاستبصار3/145). وفي هذه الحالة لا يأمن الأزواج على زوجاتهم، فقد تتزوج المرأة مُتْعَةَ دون علم زوجها الشرعي، ولست أدري ما رأي الرجل وما شعوره إذا اكتشف أن امرأته التي في عصمته متزوجة من رجل آخر غيره زواج متعة؟؟، ولست أدري لمن سينسب الولد هنا؟؟.(7/249)
قاذورات جنسية:1- الخميني يبيح التمتع بالبنت الرضيعة.يقول الخميني في كتابه(تحرير الوسيلة ص241 مسالة رقم 12).«وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة»!!! (التفخيذ:إدخال الذكَر بين الفخذين)
2- الخميني يبيح وطء الزوجة في الدبر ، يقول الخميني:«المشهور الأقوى جواز وطء الزوجة دبرًا على كراهية شديدة »!(تحرير الوسيلة ص241 مسألة رقم 11).(لاحظ:كراهية وليس تحريم)
3- اللبناني محمد فضل الله يبيح النظر إلى النساء وهن عاريات! (النكاح ج1 ص66)
4- أبو القاسم الخوئي يبيح لعب الرجل بعورة الرجل ، والمرأة بعورة المرأة من باب المزاح! (صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات ج3).
5– جواز التمتع بالبكر ولو من غير إذن وليها ، ولو من غير شهود أيضا.(شرائع الأحكام لنجم الدين الحلي2/186).
6– جواز التمتع بالبنت الصغيرة التي لم تبلغ الحلم ، وبحيث لا يقل عمرها عن عشر سنين. (الاستبصار للطوسي 3/145)
7–لا داعي لسؤال المرأة التي يتمتع بها إن كانت متزوجة أو كانت عاهرة.(الاستبصار للطوسي3/145)
فضيحة: كتبت مجلة الشراع الشيعية العدد 684 السنة الرابعة الصفحة الرابعة: أن الزعيم الشيعي رافسنجاني أشار إلى أن في إيران ربع مليون لقيط بسبب زواج المتعة!! وقد وُصفت مدينة مشهد الشيعية الإيرانية ـ حيث شاعت ممارسة المتعة ـ بأنها المدينة الأكثر انحلالاً على الصعيد الأخلاقي في آسيا.
* عنصرية:الأشراف من علماء الشيعة لا يسمحون لقريباتهم بممارسة نكاح المتعة لأن فيه مهانة لهم مع أنهم يسمحون به لغيرهم.
الخميني والمتعة: روي السيد حسين الموسوي (أحد علماء الشيعة) في كتابه (لله ثم للتاريخ..كشف الأسرار وتَبْرِئَةُ الأئمةِ الأَطهار ص35-37) أن الخميني عندما كان مقيمًا في العراق تمتع بصبية عمرها أربع سنوات أو خمس .وعندما ناقشه حسين الموسوي في ذلك قال له الخميني : إنّ التّمتع بها جائز ، ولكن بالمداعبة ، والتقبيل والتفخيذ. أمّا الجماع فإنّها لا تقوى عليه.
شبهة من شبهات أهل الضلال
يقول علماء الشيعة بإباحة نكاح المتعة ؛ لأنها كانت مباحة على عهد الرسول ث . ولم يحرمها سوى عمر بن الخطاب أثناء خلافته.
* الرد: معنى قوله تعالى : ? وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ? [النساء:24] ? فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ? هو استمتاع الزوج بزوجته ضمن عقد الزواج .
* وقد ثبت في الحديث الصحيح أن نكاح المتعة قد أباحه النبي ث عند الحاجة الطارئة الشديدة مثل الجهاد في سبيل الله. وكان يحرمه بمجرد انتهاء تلك الحاجة ، بل وعندما أبيح في المرة الأخيرة أتبعه بإعلان تحريم نكاح المتعة نهائيًا. فقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله ? قال: « يا أيها الناس إني قد كنت أذِنتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.»
فالإباحة كانت ـ في الواقع ـ إباحة مؤقتة واستثناء من القاعدة الأساسية ـ مثل التدرج في تحريم الخمر وتحريم الزواج بالمشركات ـ وقام بهذا الاستثناء النبي ث وهو يملك الصلاحية لذلك فهو لا ينطق عن الهوى ، أما غيره فلا يملك تلك الصلاحية ، وكان النبي ث حريصًا على سد هذا الباب بإعلانه تحريم الله لمتعة النكاح إلى يوم القيامة. وشيء آخر أن نكاح المتعة الذي أباحه الرسول ث في مناسبات محدودة لم يكن يشترط أن تكون المرأة فيه مسلمة أو كتابية، أي كان يجوز نكاح المشركة ، مما يميزه بوضوح عن الزواج الشرعي.
أما عن قول علماء الشيعة الجعفرية الإثنى عشرية بأن التحريم كان من عمرط ، فقول عمر بن الخطاب ط يؤكد التحريم و يعيد إعلانه لمن لم يبلغه التحريم.
استعارة الفرج عند الشيعة
نقل الطوسي : عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الرجل يحل لأخيه فرج جاريته؟ قال: « نعم لا بأس به ، له ما أحل له منها ». (الاستبصار ج3 ص136 )
ونقل الطوسي أيضًا: عن محمد بن مضارب قال قال لي أبو عبد الله ÷: يا محمد خذ هذه الجارية تخدمك و تصيب منها فإذا خرجت فاردُدْها إلينا ). (الاستبصار 3 / 136 وفروع الكافي 2 / 200) .
عقيدة البداء
البداء له معنيان:1- الظهور بعد الخفاء، كما في قوله تعالى:? وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ? [الزمر:47] .
2- نشأة رأي جديد لم يكن من قبل ، كما في قوله تعالى:? ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ? [ يوسف:35]
والبداء بمعنييه السابقين يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم وكلاهما مُحال على الله U فإن علمه تعالى أزلي وأبدي لقوله تعالى:
? وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ? [الأنعام:59] .
قالت اليهود:«وكان كلام الرب إلى صموئيل قائلا :ندمت أني قد جعلت شادا ملك لأنه رجع من ورائي ولم يقم كلامي »(سفر صموئيل الأول ص15) الله يقول ندمت !!.. ماهذا الكفر؟
البداء بمعنييه زعمته الشيعة وأطلقته في حق الله ـ تعالى عما يصفون ـ: فروى الكُليني في الكافي عن أبي الحسن قال:« نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون»(أصول الكافي1/327).
والبداء تعده الشيعة الإمامية من أصولها التي لا بد من الإيمان والإقرار بها. ذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتابه «أصول الكافي» بابًا كاملاً في البداء وسماه (باب البداء) وأتى فيه بروايات كثيرة منها:«عن زرارة بن أعين:«ما عُبِدَ اللهُ بشيء مثل البداء».(أصول الكافي 1/146)
والشيعة ذهبوا إلى أن البداء متحقق في الله U كما تدل عليه النصوص من مراجعهم الأساسية: وقد كذبوا على الله في ذلك وعلى أئمتهم ـ يظنون في الله غير الحق ظن الجاهلية ـ يدّعون أن الله كان يريد الإمامة لأبي جعفر ثم لما مات قبل أن يصبح إمامًا حينئذ بدا لله العليّ القدير أن يكون الإمام أبو محمد ففعل ، وذلك كما أنه قد كان يريد الله أن يجعل إسماعيل إمامًا ثم (والعياذ بالله) بدا لله الرأي الجديد فغير رأيه السابق فجعل موسى الكاظم إماما للناس، وهكذا يفترون على الله الكذب سبحانه اتباعًا لأهوائهم. ونسوا ـ قاتلهم الله ـ أنه ينتج من أكاذيبهم هذه نسبة الجهل إلى الله العليم الخبير الحكيم الجليل، وهذا كفر بواح.(7/250)
غرض الشيعة من اختلاق عقيدة البداء:1- إنّ من عقيدة الشيعة أن أئمتهم يعلمون الغيب ، ويعلمون ما كان وما سيكون ، وأنهم لا يخفى عليهم شيء! فإذا أخبر أئمتهم بأمر مستقبل وجاء الأمر على خلاف ما قالوا ، فإما أن يُكَذّبوا بالأمر وهذا محال لوقوعه بين الناس ، وإما أن يكَذّبوا أئمتهم وينسبوا الخطأ إليهم ، وهذا ينسف عقيدتهم التي أصَّلوها فيهم من علمهم للغيب. فكان أن أحدثوا عقيدة البداء. فإذا وقع الأمر على خلاف ما قاله الإمام قالوا:بدا لله كذا ، أي أن الله قد غير أمره.
ولكن الشيعة الإمامية وقعت في شر أعمالها ، فهي أرادت أن تنزه إمامها عن الخلف في الوعد وعن الكذب في الحديث ، فاتهمت الله ? بالجهل!
2- ولقد كان بعض شيوخ الشيعة الإمامية يمنّون شيعتهم بأن الأمر سيعود إليهم والغلبة ستكون لهم ولدولتهم بعد سبعين سنة، ولما انقضت تلك المدة ولما يتحقق من ذلك شيء ، لجؤوا إلى البداء وقالوا قد بدا لله سبحانه!(انظر تفسير العياشي 2/218، والغيبة للطوسي ص 263).
خرافات شيعية
* بول الأئمة وغائطهم سبب دخول الجنة: ليس في بول الأئمة وغائطهم استخباث ولا نتن ولا قذارة بل هما كالمسك الأذفر، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرم الله عليه النار واستوجب دخول الجنة».(أنوار الولاية ص 440).
* النظر إلى فرج المرأة يورث العمى:وكَرِهَ النَّظَرَ إِلَى فُرُوجِ النِّسَاءِ وَقَالَ يُورِثُ الْعَمَى، وَكَرِهَ الْكَلَامَ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَقَالَ يُورِثُ الْخَرَسَ».(من لا يحضره الفقيه3/556).
* رمضان اسم من أسماء الله الحسنى .(الكافي 4/69).
* فساء وضراط وغائط الأئمة كريح المسك. (الكافي 1/319).
* مرويات الحمار عفير:عن أمير المؤمنين عليّ أنه قال:«إن أول شيء من الدواب توفي عفيرـ حمار رسول الله ـ توفي ساعة قبضَ رسول الله ث ، قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره. قال: إنّ ذلك الحمار كلّم رسول الله فقال: بأبي أنت وأمي ،(تأمل ما فيه من احتقار للنبي ث )إنّ أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنّه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثمّ قال:يخرج من صُلب هذا حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم. قال عفير:فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار».(الكافي1/184).(لاحظ الجهل فبين هذا الحمار ـ الذي كان في زمن النبي ث ـ بزعمهم ـ وجده الذي كان مع نوح في السفينة ثلاثة أجيال فقط ، مع أن بين نوح÷ وبين نبينا ث ألوفاً من السنين . (فتأمل نتيجة الكذب على الله ورسوله ث).
* أكل الجبن عند أول كل شهر يقضي الحوائج: روي أن من يعتد أكل الجبن رأس الشهر أوشك أن لا تُردّ له حاجة.(مفاتيح الجنان366).
شركيات الخميني
1- اعتقاده تأثير الكواكب والأيام على حركة الإنسان:
فهو يزعم أنّ هناك أيامًا منحوسة من كل شهر يجب أن يتوقف الشيعي فيها عن كل عمل ، وأن لانتقال القمر إلى بعض الأبراج تأثيرًا سلبيًا على عمل الإنسان ، فليتوقف الشيعي عن القيام بمشروع معين حتى يتجاوز القمر ذلك البرج المعين. جاء في تحرير الوسيلة ؛ حيث يقول: «يكره إيقاعه (يعني الزواج) والقمر في برج العقرب ، وفي محاق الشهر، وفي أحد الأيام المنحوسة في كل شهر وهي سبعة: يوم 3، ويوم 5، ويوم 13، ويوم16، ويوم 21، ويوم 24، ويوم 25 (وذلك من كل شهر)» (تحرير الوسيلة: 2/238).
ولاشك أن اعتقاد تأثير والكواكب في جلب سعادة ، أو إحداث ضرر أو منعه هو اعتقاد الصابئة في الكواكب.
2- القول بالحلول والاتحاد: أ- قوله بالحلول الخاص:
يقول عن أمير المؤمنين عليّ: «خليفته- يعني خليفة الرسول ث القائم مقامه في الملك والملكوت ، المتحد بحقيقته في حضرة الجبروت واللاهوت ، أصل شجرة طوبى ، وحقيقة سدرة المنتهى ، الرفيق الأعلى في مقام أو أدنى ، معلم الروحانيين ، ومؤيد الأنبياء والمرسلين عليّ أمير المؤمنين» (مصباح الهداية: ص1).وقوله: «المتحد باللاهوت» كقول النصارى باتحاد اللاهوت بالناسوت (أن الله هو عيسى بن مريم u )، كقول غلاة الشيعة الذين زعموا أن الله حَلّ في عليّ .
ومن منطلق دعوى حلول الرب بعليّ ينسب الخميني لأمير المؤمنين عليّ ط أنه يقول:« كنت من الأنبياء باطنًا ، ومع رسول الله ظاهرًا».(مصباح الهداية: ص142).ويعلق عليه فيقول:«فإنه u صاحب الولاية المطلقة الكلية والولاية باطن الخلافة... فهو u بمقام ولايته الكلية قائم على كل نفس بما كسبت ، ومع كل الأشياء معيّة قيّومية ظليّة إلهية ظل المعية القيومية الحقة الإلهية، إلا أن الولاية لما كانت في الأنبياء أكثر خصهم بالذكر» (مصباح الهداية: ص142). وقال في قوله U :? يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ? [الرعد : 2]. قال:« أي ربكم الذي هو الإمام».(مصباح الهداية: ص145).
ب- قوله بالحلول والإتحاد الكلي: وتجاوز الخميني مرحلة القول بالحلول الجزئي ، أو الحلول الخاص بعليّ إلى القول بالحلول العام. فهو يقول ـ بعد أن تحدث عن التوحيد ومقاماته حسب تصوره ـ: «النتيجة لكل المقامات والتوحيدات عدم رؤية فعل وصفة حتى من الله تعالى ، ونفى الكثرة بالكلية ، وشهود الوحدة الصرفة.» (مصباح الهداية ص134).
ثم يكذب على أحد أئمته أنه قال: «لنا مع الله حالات هو هو ونحن نحن، وهو نحن، ونحن هو»(مصباح الهداية ص114)
3- دعوى النبوة: أفرزت شركيات الخميني ، وخيالاته الفلسفية دعوى غريبة ، وما هي إلا كفر صريح ، حيث رسم للسالك الصوفي أسفارًا أربعة: ينتهي السفر الأول إلى مقام الفناء ، وينتهي السفر الثاني عنده إلى أن « تصير ولايته تامة ، وتفنى ذاته وصفاته وأفعاله في ذات الحق».(مصباح الهداية: ص148-149). أمّا في السفر الثالث فإنه « يحصل له الصحو التام ويبقى بإبقاء الله ، ويسافر في عوالم الجبروت والملكوت والناسوت ، ويحصل له حظ من النبوة، وليست له نبوة التشريع ، وبالسفر الرابع:«يكون نبيًا بنبوة التشريع» (مصباح الهداية ص149).
فمراحل السفر عند الخميني:الفناء، والولاية وفيها الفناء عن الفناء، والنبوة بلا تشريع ، ثم النبوة الكاملة ، وهي تتضمن أن النبوة مكتسبة عن طريق «رياضات» ومجاهدات أهل التصوف. وهي دعوى ترجع إلى أصول فلسفية صوفية قديمة ، ولذا قال القاضي عياض ـ أحد علماء أهل السنة ـ:« ونكفرمن ادعى النبوة لنفسه ، أو جوّز اكتسابها ، والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها كالفلاسفة وغلاة الصوفية »
فهذه المقالة كفر صريح ، كفر بالنبوة وبالأنبياء ، وخروج عن دين الإسلام ، وقد ذكر في كتابه الحكومة الإسلامية:«أن الفقيه الرافضي بمنزلة موسى وعيسى »(الحكومة الإسلامية ص95). وقد ذكرنا عن الشيعة معتقدهم أنّ مقام الإمامة عندهم أعلى من مقام النبوة.
عقائد الشيعة في الإسلام والمسلمين
أولاً: تكفيرهم من لا يؤمن بولاية الأئمة الإثنى عشر:
يرى الشيعة أن الإمامة أصل من أصول الدين وأن النبي ث نصّ على اثني عشر إمامًا. يقول رئيس محدثيهم بن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق في رسالة الاعتقادات ص103 ما نصه: « واعتقادنا فيمن جحد إمامه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والأئمة من بعده عليهم السلام أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدًا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد ث ».
ثانيًا: النواصب في معتقد الشيعة هم أهل السنة والجماعة:(7/251)
يقول شيخهم حسين بن الشيخ محمد آل عصفور الدرازي البحراني الشيعي في كتابه (المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخرسانية ص 157): « ليس الناصب إلا عبارة عن التقديم على عليٍّ غيرَه»اهـ. والإمام أبو حنيفة / يقدم أبا بكر وعمر وعثمان ن على عليّ لذا وصفوه بالنصب والعياذ بالله. ولأن أهل السنة يقدمون الثلاثة على عليّ فهم نواصب أيضًا عند الشيعة .إذن النواصب هم كل أهل السنة .
ثالثًا: إباحة دماء أهل السنة:
إن الشيعة يستبيحون دماء أهل السنة ، شرفهم الله تعالى ، وإنهم عند الشيعة في حكم الكفار ، إنّ السني ناصب في معتقدهم ، وما يلي يكشف لك خبثهم ودهاءهم. روى شيخهم بن بابوية القمي والملقب عندهم بالصدوق وبرئيس المحدثين في كتابه علل الشرائع (ص601 طبع النجف)، وعن داود بن فرقد قال: « قلت لأبي عبد الله : ما تقول في قتل الناصب؟ ـ النواصب:الخوارج ـ قال:« حلال الدم ، ولكني أتقى عليك ، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطًا أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل ».
رابعًا: إباحة أموال أهل السنة:
وأمّا إباحة أموال أهل السنة فنذكر لك ما رووه عن أبى عبد الله أنه قال: « خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا الخمس» أخرج هذه الرواية شيخ طائفتهم أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام (4/122) وبمضمون هذا الخبر أفتى مرجعهم الكبير الخميني في تحرير الوسيلة (1/352) بقوله: «والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلق الخمس به بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسه». إن أسلوب الغش والسرقة والنصب والاحتيال وغيرها من الوسائل المحرمة ، ولكنها جائزة عند الخميني مع أهل السنة بدليل قوله: ( وبأي نحو كان ).
نجاسة أهل السنة عند الشيعة الإثنى عشرية :
يقول الخميني:« وأما النواصب والخوارج ـ لعنهما الله تعالى ـ فهما نجسان من غير توقف ».
وَهْمٌ اسمُه التقريب بين أهل السنة والشيعة الإثنى عشرية: كيف يمكن التقريب مع من يطعن في كتاب الله ، ويفسره على غير تأويله ، ويزعم بتنزيل كتب إلهية على أئمته بعد القرآن الكريم، ويرى الإمامة نبوة ، والأئمة عنده كالأنبياء أو أفضل ، ويفسر عبادة الله وحده التي هي رسالة الرسل كلهم بغير معناها الحقيقي ، ويزعم أنها طاعة الأئمة ، وأن الشرك بالله طاعة غيرهم معهم ، ويُكَفر خيار صحابة رسول الله ث، ويحكم بردة جميع الصحابة إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة على اختلاف رواياتهم ، ويشذ عن جماعة المسلمين بعقائد في الإمامة والعصمة والتقية ويقول بالرجعة والغيبة والبداء. إن الشيعة من أجل التقية والخداع يكتبون ويقولون ما لا يعتقدون أصلاً.
سؤال للمخدوعين من دعاة التقريب من أهل السنة: لو أن بعض الشباب كفّروا علماءكم الذين يمثلون المرجعية الدينية بالنسبة لكم ، أو كفّروا آباءكم أو أمهاتكم ، ولم يقولوا بأن القرآن محرف ـ كما يقول الشيعة ـ ، لَتَبَرّأْتُم منهم و لَحَذَّرتم الناس منهم ، فلماذا لا نجد مثل ذلك منكم مع من يقولون بتحريف القرآن ويتقربون إلى الله بتكفير ولعن وسب الصحابة ن وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم ممن بشرهم الرسول ث بالجنة؟
أهل السنة في إيران
*أهل السنة في إيران يشكلون ثلث السكان أي ما بين 15 إلى 20 مليون نسمة يمنعون من إقامة ولو مسجد واحد لهم في طهران ، وغيرها من المدن الكبرى الشيعية.
* وطهران هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها مسجد واحد للسنة مع وجود عشرات الأديرة والكنائس ، والمعابد لليهود والنصارى ، والهندوس والمجوس فيها ، هذا فضلا عن عدم إشراكهم في الحكم ، ومنعهم حقوقهم السياسية والاجتماعية وحتى المدنية ، وهدم مساجدهم ، ومدارسهم الدينية ، واضطهادهم المبرمج ، وإبادة قياداتهم بشتى الطرق وباسم الوحدة الإسلامية تقيةً ونفاقًا.
أقوال أئمة السلف والخلف في الشيعة الإثنى عشرية
* قال الإمام مالك بن أنس/: «الذي يشتم أصحاب رسول الله ث ليس له اسم ، أو قال: نصيب في الإسلام » .
* وقال الحافظ ابن كثير عند قوله سبحانه: ? مُحّمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا? [سورة الفتح :29]. :« ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك ـ رحمة الله عليه ـ في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة -رضوان الله عليهم ـ ، قال: لأنهم يغيظونهم ومن غاظه الصحابة ن فهو كافر لهذه الآية.ووافقه طائفة من العلماء على ذلك».
* قال الإمام القرطبي:« لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله ، فمن نقص واحدًا منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين».
* قال شيخ الإسلام بن تيمية /معلقاً على ما قاله أئمة السلف: «وأما الشيعة الإثنى عشرية فأصل بدعتهم عن زندقة وإلحاد وتعمُّد الكذب كثير فيهم ، وهم يقرون بذلك حيث يقولون: ديننا التقية ، وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه وهذا هو الكذب والنفاق فهم في ذلك كما قيل: رمتني بدائها وانسلت » .
* وقال الإمام أحمد بن حنبل: «ليست الرافضة من الإسلام في شيء ».(كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل صفحة 82).
* وروى الخلال قال: أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني قال موسى بن هارون بن زياد قال: سمعت الفريابي ورجل يسأله عمّن شتم أبا بكر قال: «كافر»، قال: فيصلى عليه؟ قال:«لا».
* عندما ناظر النصارى الإمام ابن حزم وأحضروا له كتب الرافضة للرد عليه لإثبات التحريف في القرآن قال عن الرافضة: « إن الرافضة ليسوا مسلمين ، وليس قولهم حجة على الدين، وإنما هي فرقة حدث أولها بعد وفاة النبي ث بخمس وعشرين سنة وكان مبدئها إجابة ممن خذله الله لدعوة من كاد الإسلام، وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في التكذيب والكفر».
* قال الإمام البخاري /:« ما أبالي صليتُ خلف الجهمي والرافض ، أم صليت خلف اليهود والنصارى ، ولا يُسَلم عليهم ولا يُعَادون ولا يُنَاكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم »(خلق أفعال العباد للإمام البخاري: ص125).
*وقال الإمام أبو زرعة الرازي: « إذا رأيت الرجل ينقص أحدًا من أصحاب رسول الله ث فاعلم أنه زنديق ».(كتاب الفرق بين الفرق ص356) .
* قال الإمام الشوكاني:« إن أصل دعوة الروافض كيد الدين ومخالفة الإسلام وبهذا يتبين أن كل رافض خبيث يصير كافرًا بتكفيره لصحابي واحد فكيف بمن يكفر كل الصحابة واستثنى أفرادا يسيرة ».( هذا قاله في نثر الجوهر على حديث أبي ذر) .
* قال الألوسي:ذهب معظم علماء ما وراء النهر إلى كفر الإثنى عشرية.(كتاب منهج السلامة).(7/252)
* قال الشيخ ابن باز: الشيعة فرق كثيرة وكل فرقة لديها أنواع من البدع وأخطرها فرقة الرافضة الخمينية الاثني عشرية لكثرة الدعاة إليها ولما فيها من الشرك الأكبر كالاستغاثة بأهل البيت ، واعتقاد أنهم يعلمون الغيب ، ولا سيما الأئمة الاثني عشر ـ حسب زعمهم ـ ولكونهم يُكَفِرون ويسبون غالب الصحابة كأبي بكر وعمر م .(مجموع فتاوي ومقالات متنوعة4 /439)
غدير خُم
* عيد غدير خم هو عيد للشيعة يصادف اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة ويفضلونه على عيدي الأضحى والفطر ويسمونه بالعيد الأكبر، وصيام هذا اليوم عندهم سنة مؤكدة ، وهو اليوم الذي يدَّعون فيه بأن النبي ث قد أوصى فيه بالخلافة لعليّ من بعده.
* يقول الطبطبائى ـ أحد كبار علماء الجعفرية في القرن العشرين ـ إن الحجة الجوهرية في أحقية على بن أبى طالب للخلافة بعد النبي ث هي حادثة غدير خُم. ويقول الشيعة :
1- إن الذين شهدوا خطبة غدير خم أكثر من مائة ألف صحابي.
2- ألقى النبي ث هذه الخطبة عند غدير خم وهو عائد من حجة الوداع إلى المدينة في الثامن عشر من شهر ذي الحجة وأن سبب خطبته هذه هو نزول الآية التالية عليه في هذا المكان: ? يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ? [المائدة:67] .
3- لهذا أعلن الرسول ث التالي:
أ- أنه سيترك للمسلمين ثقلين: أحدهم كتاب الله. طرفه بيد الله وطرفه الآخر بأيدي المسلمين وأن الآخر هو عترة النبي ث ، وأن ربه أخبره بأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
ب- بعد أن رفع يد عليّ قال: « من كنت مولاه فعليّ مولاه » .
ج- وأن الرسول ث أيضا قال: « اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » .
د- وقال: «اللهم أدِرْ معه الحق حيث دار» .
هذا ما يقوله علماء الجعفرية من الشيعة عن حادثة غدير خم.
فماذا يقول علماء أهل السنة والجماعة؟
* حسب دعوى علماء الشيعة لم يثبت على الإسلام الصحيح بعد وفاة النبي ث سوى بضعة من الصحابة لا يكاد يتجاوز عددهم البضعة عشر صحابيًا. وقد حضر خطبة الغدير أكثر من مائة ألف صحابي يعني أن كل هؤلاء المائة ألف قد نقضوا عهدهم وتآمروا على حرمان عليّ بن أبى طالب ط من الخلافة بعد الرسول ث . ما هي نسبة احتمال حصول ذلك؟ ولأي مصلحة؟ لو استعرضنا حتى كتابات علماء الشيعة لما وجدنا أي مصلحة في ذلك!
* خطبة غدير خم كانت في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة من العام نفسه الذي حج فيه الرسول ث حجة الوداع ، وفى الشهر نفسه الذي نزلت فيه آية : ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ? [المائدة:3] في اليوم التاسع من ذي الحجة يوم عرفة فكيف يمكن لهذه الآية الأخيرة الختامية أن تنزل قبل آية يأمر الله فيها نبيه بتبليغ الرسالة؟ خاصة وقد شهد ألوف الحجاج يوم عرفة بأن الرسول ث قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة.
و يؤكد جمهور علماء المسلمين بأن آية :? يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ? قد نزلت قبل حجة الوداع بل وقبل فتح مكة وغزوة خيبر.
* أهل بيت النبي ث لا ينحصرون في عليّ وآل عليّ إذ يشملون عقيلاً وآل عقيل وجعفرًا وآل جعفر والعباس وآل العباس وزوجات النبيث ، أمهات المؤمنين ، ولم يقل الرسول ث تمسكوا بأهل بيتي أو أنهم الهدى والنور ، ولو كان الحديث يحتمل أي معنى يتضمن تخويل سلطة خاصة لأهل بيته لكانت في جميع أهل بيته ولوجبت بها شرعية خلافة العباسيين الوراثية على أعناق الشيعة ووجب احترام الشيعة لحكم العباسيين بدلا مما في مصادر الشيعة من تسويد لصفحاتهم ظلمًا وافتراءً.
* لو ثبتت صحة هذا الحديث في مناسبة غير هذه فإنها لا تعنى أكثر من قول الله تعالى مخاطبا زوجات النبي ث : ? إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ? [التحريم:4] فهذا لا يعنى أن صالح المؤمنين أوصياء على النبي ث ولكن أصحابه وناصروه ، ثم إن الرسول لم يقل :من كنت وليه فعليّ وليه ، ولم يقل :من كنت وليه أو مولاه فعليّ وليه أو مولاه عقب وفاتي فيحتمل أن تعنى أن الخلافة من بعده لعليّ بن أبى طالب ط. والواقع أن جدل علماء الشيعة في هذه المسألة يظهر عقيمًا عندما نقرأ ما ورد في الصحيحين عن اقتراح النبي ث خلافة أبى بكر وعمر وعثمان بتلميحات صريحة أحيانًا ولطيفة أحيانًا أخرى.
* هذه الحادثة أخرجها الإمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم قال :قام رسول الله ث فينا خطيبًا بماء يُدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه وأثنى عليه ووعظ وذَكّر ثم قال : «أما بعد ، ألا يا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وأستمسكوا به » قال : فحث على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال : «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي » قال حصين الراوي عن زيد: ومن أهل بيته يا زيد ، أليس ؟ قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حُرِم الصدقة بعده. قال : ومن هم ؟ قال : هم آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس . قال : كل هؤلاء حُرم الصدقة ؟ , قال : نعم ».
* جاءت زيادات لهذا الحديث عند أحمد والترمذي وغيرهم أن النبي ث قال في ذلك المكان : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » وجاءت كذلك زيادات أخرى منها ( اللهم والي من ولاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار) يمكننا أن نقسم هذا الحديث إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : ما جاء في حديث مسلم وهو ليس فيه من كنت مولاه فعليّ مولاه .
القسم الثاني : الزيادة خارج مسلم وهي عند الترمذي وأحمد والنسائي وغيرهم و هي التي فيها زيادة ( من كنت مولاه فعليّ مولاه ) .
القسم الثالث : زيادة أخرى عند الترمذي وأحمد وهي ( اللهم والِ من ولاه وعادِ من عاداه).
القسم الرابع : وهي زيادة عند الطبراني وغيره (وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأَدِرْ الحق معه حيث دار ) .
* أما القسم الأول فهو في صحيح مسلم ونحن مسَلّمون بكل ما في صحيح مسلم .
القسم الثاني وهو( من كنت مولاه فعليّ مولاه ) فهذا حديث صحيح عند الترمذي وأحمد إذ لا يلزم أن يكون الحديث الصحيح فقط عند مسلم والبخاري .
أما زيادة ( اللهم والِ من ولاه وعاد من عاداه) فهذه اختلف فيها أهل العلم, هناك من أهل العلم من صححها وهناك من ضعفها ، حتى قوله( من كنت مولاه فعليّ مولاه ) هناك من ضعفها كإسحاق الحربي وابن تيمية وابن حزم وغيرهم .
* أما الزيادة الأخيرة وهي (وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ) هذه كذب محض على النبي ث .
* هذا الحديث يستدل به الشيعة على خلافة عليّ بعد النبي ث مباشرة بدلالة ( من كنت مولاه فعليّ مولاه ) قالوا المولى هو الحاكم والخليفة ، إذن عليّ هو الخليفة بعد رسول الله ث مباشرة .
* لو كان النبي ث يريد خلافة عليّ ط كان يقول هذا في يوم عرفة، حيث الحجاج كلهم مجتمعون , هناك يقول هذا الكلام ث , حتى إذا غدر أهل المدينة شهد له باقي المسلمين من غير أهل المدينة,(7/253)
* الشيعة يقولون: النبي كان خائفًا !! أن يبلغ هذه الخلافة , يخاف أن يُرَدَّ قوله , يخاف من أهل المدينة ثم يترك الناس كلهم ويخاطب أهل المدينة فقط !! ما هذا التناقض ؟ لا يُقبل مثل هذا الكلام.
* ثم لماذا يخاف النبي ث من الصحابة !! الذين تركوا أموالهم وأولادهم وديارهم وهاجروا في سبيل الله , الذين قاتلوا في سبيل الله , الذين شاركوا في بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر وحنين وفتح مكة وتبوك؟ هل هؤلاء هم الذين يخاف منهم النبي ث؟ !! بذلوا المُهَج بذلوا الأموال في سبيل الله I ثم بعد ذلك يخاف منهم النبي ث أنهم ما يقبلون خلافة عليّ ط .
* ( من كنت مولاه فعليّ مولاه ) , هم يقولون المولى الحاكم ونحن نقول المولى المحب بدليل قوله بعد ذلك :« اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه ». ما معنى قوله ( وال من والاه وعاد من عاداه ) وقوله (من كنت مولاه فعليّ مولاه) ؟ المعنى واحد .
*كلمة (المولى ) ـ كما يقول بن الأثير ـ تقع هذه على : الرب والمالك والمنعم والناصروالمحب و الحليف والعبد والمعتق وابن العم والصِّهر .كل هذه المعاني تطلق عليها كلمة (مولى) ولكن الشيعة قالوا: المقصود بها الخليفة .ولكن .....
* لو كان النبي ث يريد الخليفة كان يأتي بكلمة صريحة واضحة ما يأتي بكلمة تحتمل أكثر من عشرة معاني .. يأتي بكلمة واضحة سهلة بيّنة يعرفها كل أحد( عليّ هو الخليفة من بعدي) ، انتهى الأمر , لكن لم يأتي النبي ث بتلك الكلمة التي تنهي كل خلاف .
* وأما أن المقصود بكلمة ( مولى) أنها حاكم فهذا ليس بسليم ؛ قال الله تبارك وتعالى : ?فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ? [ الحديد :15 ]. سماها مولى وذلك لشدة الملاصقة وشدة اللحمة والقرب , ثم إن الموالاة وصف ثابت لعليّ ط في زمن النبي ث وبعد زمن النبي ث ، فهو في زمن النبي ث مولى وبعد وفاة النبيث مولى ، وهوالآن مولانا ط وأرضاه ، ولذلك قال الله تبارك وتعالى : ? إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ? [ المائدة: 55] فكل المؤمنين بعضهم أولياء بعض كما قال الله تبارك وتعالى .
* هذا دليل الموالاة الذي يستدل به الشيعة على إمامة عليّ ط وأرضاه بعد النبي ث كما ترى لا دلالة فيه أبدًا . ولذلك يقول عالمهم النوري الطبرسي: « لم يصرح النبي لعليّ بالخلافة بعده بلا فصل في يوم غدير خم وأشار إليها بكلام مجمل مشترك بين معانٍ يُحتاج إلى تعيين ما هو المقصود منها إلى قرائن » (فصل الخطاب ص 205 و 206 ) إذا كان الأمر كذلك فكيف بعد ذلك يُقال أن هذا الحديث نص على خلافة عليّ بعد النبي ث .
* قولُ علماء الشيعة بأن الرسول ث قال: « اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه »ـ على فرض صحته ـ دعاءٌ لا يميِّز عليًا ط بالخلافة ، فقد دعا النبي ث لخلق كثير أنواعًا من الدعاء لا حصرلها.
* أما قول علماء الشيعة إن الرسول ث قال:« اللهم أدر الحق مع على حيث دار»، فإن شيخ الإسلام ابن تيمية يؤكد كذب هذا الإدعاء. ونتساءل : أي حق هذا الذي يدور مع مخلوق حيث دار ويتلون حسب قراراته وآرائه وخلجات صدره؟ ولو أن الكذبة ادعت بأن الرسول ث طلب من الله أن يجعل عليًا مع الحق، لكان ذلك معقولا.
أساليبهم الملتوية
نظرًا لعدم وجود أدلة في القرآن الكريم والسنة الموثقة تؤيد ما ذهب إليه علماء الشيعة من التحيز المبالغ والغلو الأعمى فإنهم اضطروا إلى الأساليب التالية للدفاع عن عقيدتهم لخداع العامة:
1- الادعاء بأن القرآن الكريم غير كامل وتعرض للتبديل ، وهذا الإدعاء عادة لا يجهرون به لخطورته ولكنهم يدسونه في كتبهم المعتمدة و يهمسون به إلى من وثقوا من تبعيته.
2- اختلاق الكثير من الأحاديث أو تشويه خلفياتها التاريخية أو نصوصها وذلك لاستخدامها في تشويه معاني الآيات القرآنية الجلية فضلاً عن المتشابه منها أو تسخيرها مباشرة في تبرير دعاواهم المتحيزة.
3- اختلاق أو تشويه أحداث التاريخ الإسلامي أو ظروفها وملابساتها لتأييد غلوهم والاستعانة بها في تشويه معاني القرآن الكريم أو الأحاديث الصحيحة.
4- كما أنهم قد استشهدوا بكتب غيرهم ممن تسربت قصصهم المختلقة إلى كتبهم ، وقد يلجؤون إلى الاستشهاد ببعض المصادر غير الجعفرية حتى لو أشار المؤلف إلى الرواية المكذوبة للرد عليها. فمثلا يذكرون في مصادرهم أن المرجع السني كذا وكذا يؤيد القضية أو أن علماء السنة يوافقون على كذا أو مائة من كتب السنة أشارت إلى الرواية المذكورة. وعندما تعود إلى تلك المصادر المشار إليها تجد :إما أن القصة الشيعية وردت للرد عليها من قِبَل المؤلف أو أن القصة لم تَرِدْ بتاتًا أو تختلف عنها.
وخلاصة القول فإنه ينبغي على المسلم الذي يخشى على دينه ومصيره في الآخرة أن يحذر من الاعتماد على مصادر علماء الشيعة الذين يرون أن الكذب تسعة أعشار دينهم وعقيدتهم .
كذابون درجة أولى
أكذب الطوائف المبتدعة على الإطلاق هم الرافضة ، ولهذا يقال في المثل « أكذب من رافضي » ، وقد دأب الرافضة على الكذب سواء على الله أو على رسوله ث .
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «وقد رأينا في كتبهم من الكذب والافتراء على النبي ث وصحابته وقرابته أكثر مما رأينا من الكذب في كتب أهل الكتاب من التوراة والإنجيل ». ( مجموع فتاوى شيخ الإسلام ..جـ 28 ص 482 )
وقال أيضًا في ( منهاج السنة النبوية ) (1/59) :« وقد اتفق أهل العلم بالنقل ، والرواية ، والإسناد ، أن الرافضة من أكذب الطوائف ، والكذب فيهم قديم »ا.هـ.
* قام عالمهم السيد المرتضى ، مؤلف كتاب (أمالي المرتضى) و أخوه الشريف الرضي الشاعر، بتزوير كتاب (نهج البلاغة)، ونسبوه كذبًا إلى الإمام عليّ ط ، وفيه تعريض بالصحابة وتحامل عليهم .
* ومن كتبهم التي امتلأت بالكذب على النبي ث كتاب«المراجعات» لمؤلفه عبد الحسين بن يوسف شرف الدين العاملي الموسوي ـ عامله الله بما يستحق ـ ، وقد خرّج العلامة محمد ناصر الدين الألباني / بعضًا من أحاديث الكتاب المذكور ، وخاصة فيما يتعلق بفضائل عليّ بن أبي طالب ط.
(مع العلم أنه قد ورد في فضله أحاديث كثيرة أخرى صحيحة ) ، قال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في( الضعيفة) (2/297): «وكتاب ( المراجعات ) للشيعي المذكور محشو بالأحاديث الضعيفة والموضوعة في فضل عليّ ط، مع كثير من الجهل بهذا العلم الشريف ، والتدليس على القراء والتضليل عن الحق الواقع ، بل والكذب الصريح ، مما لا يكاد القارئ الكريم يخطر في باله أن أحدًا من المؤلفين يحترم نفسه يقع في مثله ».ا.هـ.
* طار الرافضة بكتاب (المراجعات) هذا في الآفاق ، وخدعوا به أتباعهم ، وزعموا أن هذا الكتاب طبع أكثر من مائة مرة ، وقصة الكتاب عبارة عن مراسلات ـ كما زعم المؤلف ـ بينه وبين شيخ الأزهر سليم بن أبي الفرج البشري ، وزعم أن المراسلات انتهت بأن صحح شيخ الأزهر مذهب الرافضة ، بل شيخ الأزهر أبطل مذهب أهل السنة !!!
* والوضع والكذب على أهل السنة ليس مستغربًا منهم فقد نسبوا كتاب « سر العالمين » إلى أبي حامد محمد الغزالي ، وهو كتاب موضوع عليه . فهم يبيحون لأنفسهم الوضع على أهل السنة ما دام أن لهم أهدافًا ، وعلى طريقة : « الغاية تبرر الوسيلة » ، ولكن نقول : « لقد أجازوا لأنفسهم الكذب على رسول الله ث وصحابته الكرام، وأهل بيته الأطهار ، فكيف لا يكذبون على أهل السنة ؟(7/254)
أمارات الوضع والكذب في هذا الكتاب :
أولاً : زعم الموسوي أن الكتاب مراسلات خطية حصلت بينه وبين شيخ الأزهر سليم البشري ، ولم يوثق كتابة ولا بصورة واحدة من تلك الرسائل الخطية. ورسائل الكتاب بلغت 112 رسالة ، منها 56 رسالة لشيخ الأزهر . وهذا يدل على كذب الموسوي ، ويطعن في صحة الرسائل.
ثانيًا : لم يُنشَر الكتاب إلا بعد عشرين سنة من وفاة شيخ الأزهر البشري ، فالبشري توفي سنة 1335 هـ ، وأول طبعة للكتاب في سنة 1355 هـ.
ثالثًا : كيف تكون المراسلات بين شيخ الأزهر البشري ولا يعلمها ـ على أقل تقدير ـ المقربون من شيخ الأزهر ، وخاصة من يعملون معه في الأزهر ؟ ولذلك بادر كثير من أهل العلم إلى تكذيب هذه الرسائل ، ونفي نسبتها لشيخ الأزهر البشري.
رابعًا : أسلوب الرسائل واحد لا يختلف ، أي أن الموسوي هو الواضع للأسئلة وهو الذي أجاب عنها ، ومن دقق عرف ذلك.
خامسًا : يشعرك الموسوي أن شيخ الأزهر البشري رجل لا يعرف شيئًا ، وليس صاحب تلك المكانة في العالم الإسلامي من جهة منصبه العلمي ، وكأن شيخ الأزهر يُسَلم بكل ما يطرحه الموسوي ، والأمثلة في هذا الباب كثيرة جدًا .
وبعد هذه الأمارات نجزم أن الموسوي هو من ألف وحبك الأسئلة، وأجاب عليها ليوهم أهل السنة أن مثل هذه الحيل تمر عليهم ولكن هيهات هيهات .
* إن القوم كأنهم والكذب توأمان ، فلقد كذبوا وما أكثره وأشنعه بأن أئمتهم يملكون الأوصاف الإلهية المختصة بذات الله وجلاله، وأنهم يشاركونه في أموره وتقديراته I عما يقولون علوًا كبيرًا .
فهذا هو الكليني ـ وهو كالبخاري عند السنة ـ يكذب على عليّ بن أبي طالب ط أنه قال:« لقد أعطِيتُ خصالاً لم يعطهن أحد قبلي ـ وحتى الأنبياء ـ ، علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتْني ما سبقني، ولم يعْزُب عني ما غاب عني»(الأصول من الكافي ج19 ص197].
والثابت في كتاب الله المنزل على محمد ث :? وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ? [سورة لقمان : الآية 34] .وأنه أمر نبيه ث أن يقول : ? لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهَ? [سورة النمل : الآية65] .
وأما الشيعة فلم يكتفوا بأن يثبتوا الصفات الربانية المختصة بمقامه وشأنه جل وعلا لعليّ ط مخالفين كتاب الله وتعاليم رسوله ث ، بل أثبتوها لأئمتهم جميعًا ، فلقد بوب الكليني بابًا مستقلاً «إن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون وإنه لا يخفى عليهم الشيء».
* ابحث مع الشيعة في السرداب عن إمامهم الغائب: إمامهم الثاني عشر شخصية موهومة نُسِبَتْ كذبًا «للحسن العسكري» الذي مات عن غير ولد ، وصفَّى أخوه «جعفر» تركته على أنه لا ولد له ، و قد كان للعلويين سجل مواليد يقوم عليه نقيب في تلك الأزمان لا يولد منهم مولود إلا سُجِّل فيه ، ولم يُسَجَّل فيه للحسن العسكري ولد ، ولا يعرف العلويون المعاصرون للحسن العسكري أنه مات عن ولد ذكر، ولكن لما مات الحسن العسكري عقيمًا وقفت سلسلة الإمامة عند أتباعهم الإماميين ، ورأوا أن المذهب مات بموته وأصبحوا غير إماميين لأنهم لا إمام لهم.
فاخترع لهم شيطان من شياطينهم يسمّى: «محمد بن نصير» فكرة أن للحسن ولدًا مخبوءًا في سراديب بيت أبيه ، ليتمكن هو وزملاؤه من الاحتيال على عوام الشيعة ، وأغنيائهم بتحصيل الزكاة منهم باسم إمام موجود ، وليواصلوا الادعاء كذبًا أنهم إمامية ، وأراد أن يكون هو (الباب) للسرداب الموهوم بين الإمام المزعوم وبين شيعته ويتولى جمع أموال الزكاة ، فخالفه زملاؤه من سائر شياطين هذه المؤامرة وأصروا على أن يكون (الباب) رجل زيات ، أو سمان له دكان على باب بيت الحسن العسكري ، وكان أهل بيت الحسن وأبيه يأخذون منه حاجتهم المنزلية.
فلما وقع هذا الاختلاف انفصل عنهم صاحب الاختراع وأسس مذهب النصيرية المنسوب إليه ، وكان زملاؤه يريدون أن يجدوا حيلة لإظهار ثاني عشرهم المزعوم ، وأن يتزوج ليكون منه ولد وأحفاد يتولون الإمامة ، ويستمر بهم مذهب الإمامية ، ولكن تبين أن ظهوره سيدعوا إلى التكذيب به من نقابة العلويين ، وجميع العلويين ، وبني عمومتهم من خلفاء بني العباس ، وأمرائهم ، فزعموا أنه بقي في السرداب منذ سنة 206هـ وحتى الآن ، وأن له غيبة صغرى ، وغيبة كبرى إلى آخر هذه الأسطورة التي لم يُسمع مثلها ولا في أساطير اليونان ، ويريدون من جميع المسلمين الذين أنعم الله عليهم بنعمة العقل أن يصدقوا هذه الأكذوبة ، وهيهات هيهات! إلا أن يتحول العالم الإسلامي كله إلى «مارستان» لمعالجة الأمراض العقلية ، والحمد لله على نعمة العقل فإنها مناط التكليف، وهي بعد صحة الإيمان أجلّ النعم وأكرمها.
ولاء المسلمين
إن المسلمين يوالون كل مسلم صحيح الإيمان ، ويدخل في ذلك صالحوا آل البيت بغير حصر في عدد معين ، وفي مقدمة صفوة المؤمنين الذين يوالونهم: العشرة الذين بشرهم النبي ث بالجنة ومنهم عليّ بن أبي طالب ط. ولو لم يكن للشيعة من أسباب التكفير إلا مخالفتهم النبي ث بأن هؤلاء العشرة من أهل الجنة لكفى.
وكذلك يوالي المسلمون سائر الصحابة الذين قام الإسلام ، والعالم الإسلامي على أكتافهم ، ونبت الحق والخير في تربة الوطن الإسلامي بدمائهم ، وهؤلاء هم الذين كذبت الشيعة على عليّ وأبنائه فزعمت أنهم أعداء لهم ، وقد عاشوا مع عليّ أخوة متحابين متعاونين ، وما أصدق ما وصفهم به الله U ، في سورة الفتح الآية 29 من كتابه ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ فقال فيهم عزّ من قائل: ? مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ? [الفتح:29] وقوله : ? لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ? [الحديد: 10] وهل يخلف الله وعده؟!
الحب والمودة بين الخلفاء الراشدين
إن من محبة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ط لإخوانه الثلاثة الخلفاء قبله ، أن سمّى أبناءه بعد الحسنين ومحمد ابن الحنفية بأسمائهم ، فمن أولاد عليّ بن أبي طالب ولد سمّاه (أبا بكر) وآخر سمّاه (عمر) وثالث سمّاه (عثمان)، وزوّج ابنته أم كلثوم الكبرى لعمر بن الخطاب ط ، وعبد الله ابن جعفر ذي الجناحين ابن أبي طالب سمّى أحد بنيه باسم أبي بكر ، وسمّى ابنًا آخر له باسم (معاوية)، ومعاوية هذا ـ أي ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ـ سمى أحد بنيه باسم (يزيد) لأنه كان يعلم أن يزيد كانت سيرته صالحة كما شهد له بذلك محمد بن الحنفية بن عليّ بن أبي طالب، رضي الله عن الجميع.(7/255)
* هل كان إمامهم الأول عليّ بن أبي طالب ط مخطئًا في تسمية أولاده أبا بكر وعمر وعثمان وهل كان أكثر خطأً بتزويجه بنته من عمر بن الخطاب ط.
* وهل كان محمد بن الحنفية كاذبًا في شهادته ليزيد لما جاءه عبد الله بن مطيع داعية ابن الزبير وزعم له أن يزيد يشرب الخمر، ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب.
فقال له محمد بن عليّ بن أبي طالب (كما جاء في البداية والنهايةلابن كثير:8/ 233): «ما رأيت منه ما تذكرون ، وقد حضرتُه وأقمتُ عنده فرأيتُه مواظبًا على الصلاة متحريًا للخير يسأل عن الفقه ملازمًا للسنة».فقال له ابن مطيع والذي معه:« إن ذلك كان منه تصنعًا لك». فقال: «وما الذي خاف مني أو رجا ،حتى يُظهر إليّ الخشوع؟ أفأَطْلَعَكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه ، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا ». فإذا كان هذا ما يشهد به ابن عليّ بن أبي طالب م ليزيد ، فأين هذه الحقيقة مما يفتريه الشيعة على أفضل البشر بعد الأنبياء؟ أعني أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعمر بن العاص وسائر أعلام الصحابة ، الذين حفظوا لنا كتاب الله وسنة رسوله ، وجاهدوا في سبيل الله .
الشيعة ومخالفتهم أهل البيت
* يزعم الشيعة أنهم موالون لأهل بيت النبي ث ، ومحبون لهم ، ومذهبهم مأخوذ من أقوالهم وأفعالهم ، ومبني على آرائهم ومروياتهم.
* إن الشيعة حاولوا خداع الناس بأنهم موالون لأهل لبيت النبي ث ، وأنهم أقرب الناس إلى الصحة والصواب من بين طوائف المسلمين، وأفضلهم وأهداهم لتمسكهم بأقارب النبي ث وذويه، وأن المتمسكين بأقوالهم ، والعاملين بهديهم ، والسالكين مسلكهم، والمتتبعين آثارهم وتعاليمهم هم وحدهم لا غيرهم.
* والقوم لا يقصدون من أهل البيت أهل بيت النبوة ، وهم لا يوالونهم ولا يحبونهم ، بل يريدون ويقصدون من وراء ذلك عليًا ط وأولاده المخصوصين المعدودين.
* و الشيعة لا يقصدون في قولهم إطاعة أهل البيت واتباعهم لا أهل بيت النبي ث ولا أهل بيت عليّ ط فإنهم لا يهتدون بهديهم. ولا يقتدون برأيهم، ولا ينهجون منهجهم ، ولا يسلكون مسلكهم، ولا يتبعون أقوالهم وآرائهم ، ولا يطيعونهم في أوامرهم وتعليماتهم بل عكس ذلك يعارضونهم ويخالفونهم مجاهرين معلنين قولاً وعملاً، ويخالفون آرائهم وصنيعهم مخالفة صريحة. وخاصة في خلفاء النبي الراشدين ، وأزواجه الطاهرات المطهرات ، وأصحابه البررة ، حملة هذا الدين ومبلغي رسالته إلى الآفاق .
* فلْنَرَ الشيعة الزاعمين اتباع أهل البيت ، المدّعين موالاتهم وحبهم، ولْنَرَ أئمتهم المعصومين ـ حسب قولهم ـ آل البيت ماذا يقولون في أصحاب رسول الله ث ، وماذا يعتقدون فيهم؟
وهل أهل بيت النبي يبغضون أصحاب نبيهم ث ويشتمونهم ، بل ويكفرونهم ، ويلعنونهم كما يلعنهم هؤلاء المتزعمون ؟ أم غير ذلك يوالونهم ، ويتواددون إليهم ، ويساعدونهم في مشاكلهم ، ويشاورونهم في أمورهم ، ويقاسمونهم همومهم وآلامهم، ويشاركونهم في دينهم ودنياهم ، ويشاطرونهم الحكم والحكومة، ويبايعونهم على إمرتهم وسلطانهم ، ويجاهدون تحت رايتهم، ويأخذون من الغنائم التي تحصل من طريقهم ، ويتصاهرون معهم، يتزوجون منهم ويزوجونهم بهم ، يسمون أبناءهم بأسماءهم ، يذاكرونهم في مجالسهم ، ويرجعون إليهم في مسائلهم ، ويذكرون فضائلهم ومحامدهم ، ويقرّون بفضل أهل الفضل منهم ، وعلم أهل العلم ، وتقوى المتقين ، وطهارة العامة وزهدهم.( و النقول من كتب الشيعة أنفسهم )
* فها هو عليّ بن أبي طالب ط الخليفة الراشد الرابع عندنا ـ أهل السنة ـ ، والإمام المعصوم الأول عندهم ، يذكر أصحاب النبيث عامة، ويمدحهم ، ويثني عليهم ثناء عاطرًا بقوله: لقد رأيتُ أصحاب محمد ث ، فما أرى أحدًا يشبههم منكم! لقد كانوا يصبحون شُعثًا غبرًا ، وقد باتوا سُجّدًا وقيامًا ، يراوحون بين جباههم وخدودهم ، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم! كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم! إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف ، خوفًا من العقاب ، ورجاء للثواب» [نهج البلاغة ص143، وهو من الكتب الموثقة عند الشيعة]
* ويمدح عليّ ط المهاجرين من الصحابة في جواب معاوية بن أبي سفيان ن فيقول:« فاز أهل السبق بسبقهم ، وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم » [«نهج البلاغة» ص383].
وأيضًا: « وفي المهاجرين خير كثير تعرفه ، جزاهم الله خير الجزاء » [(نهج البلاغة) ص383].
* كما مدح الأنصار من أصحاب محمد ث بقوله : « هم والله ربُّوا الإسلام كما يربي الفُلُوّ مع غنائهم بأيديهم السباط ، وألسنتهم السلاط » [«نهج البلاغة» ص557].(الفلو:المُهر)
* وسيد الرسل نفسه ث يمدح الأنصار ـ حسب قول الشيعة ـ «اللهم اغفر للأنصار ، وأبناء الأنصار، وأبنا أبناء الأنصار، يا معشر الأنصار! » [تفسير «منهج الصادقين» ج4 ص240، «كشف الغمة» ج1 ص224].وكذلك «قال النبي ث : الأنصار كرشي وعيبتي [أَيْ بِطَانَتِي وَخَاصَّتِي]، ولو سلك الناس واديًا ، وسلك الأنصار شعبًا لسلكت شعب الأنصار» [تفسير «منهج الصادقين» ج4 ص240، أيضًا «كشف الغمة» ج1 ص224].
عن الطوسي رواية موثوقة عن عليّ بن أبي طالب ط أنه قال لأصحابه: أوصيكم في أصحاب رسول الله ث ، لا تسبوهم ؛ فإنهم أصحاب نبيكم ، وهم أصحابه الذين لم يبتدعوا في الدين شيئًا، ولم يوقروا صاحب بدعة، نعم! أوصاني رسول الله ث في هؤلاء» [«حياة القلوب للمجلسي» ج2 ص621].
* ويمدح عليّ ط المهاجرين والأنصار معًا حيث يجعل في أيديهم الخيار لتعيين الإمام وانتخابه ، وهم أهل الحل والعقد في القرن الأول من بين المسلمين وليس لأحد أن يرد عليهم ، ويتصرف بدونهم ، ويُعرض عن كلمتهم ، لأنهم هم الأهل للمسلمين والأساس كما كتب لأمير الشام معاوية بن أبي سفيان ط أن الإمام من جعله أصحاب محمد إمامًا لا غير، فها هو عليّ بن أبى طالب ط يذكّر معاوية بهذه الحقيقة ويستدل بها على أحقيته بالإمامة.
قال عليٌّ ط:«إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامًا كان ذلك لله رضى ، فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى» [(نهج البلاغة) ج3 ص7 وص367] . (والكلام منقول من كتاب الشيعة).
فما موقف الشيعة من عليّ بن أبى طالب ط ومن كلامه هذا حيث يجعل:أولاً : الشورى بين المهاجرين والأنصار من أصحاب النبي ث وبيدهم الحل والعقد ، رغم أنوف الشيعة.
ثانيًا : اتفاقهم على شخص سبب لمرضاة الله وعلامة لموافقته I إياهم.
ثالثًا :لا تنعقد الإمامة في زمانهم دونهم ،وبغير اختيارهم ورضاهم.
رابعًا:لا يَرُدّ قولَ الصحابة ولا يخرج من حكمهم إلا المبتدع أو الباغي ، والمتبع والسالك غير سبيل المؤمنين. فما ظنك بمَن يسبهم.
خامسًا : يقاتَل مخالف الصحابة ، ويُحكَم السيف فيه.
سادسًا : وفوق ذلك يعاقَب عند الله لمخالفته رفاق رسول الله ث وأحبائه ، المهاجرين منهم والأنصار ن.
سابعًا: الإمامة والخلافة في الإسلام لا تنعقد إلا بالشورى والانتخاب ، لا بالتعيين والوصية والتنصيص كما يزعمه الشيعة مخالفين نصوص أئمتهم ومعصوميهم ـ حسب زعمهم ـ.
موقف أهل البيت من أعداء الخلفاء الراشدين
* روى علم الهدى الشيعي في كتابه «الشافي» في الحديث :«إن عليًا u قال في خطبته : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر»[«كتاب الشافي» لعلم الهدى ، ص428].(7/256)
*هكذا كان حب عليّ ط لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبي بكر الصديق ولعبقري الإسلام ومحسن الملة المجيدة عمر الفاروق م .
وهذا كان موقفه تجاههما وتجاه المعادي لهما.يقول في مبغضي الصديق بعد ما يبالغ في مدحه « فغضبُ الله على من ينقصه ويطعن فيه » (ناسخ التواريخ للمرزا محمد تقي لسان الملك الشيعي 5 /143، مروج الذهب 3 /60).وفى مبغضي الفاروق بعد الثناء العاطر عليه : وأعقب الله من ينقصه اللعنة إلى يوم الدين».وقال في مبغضي عثمان ط بعد ما ذكر أوصافه الجميلة وأخلاقه الحميدة : «فأعقب الله من يلعنه لعنة اللاعنين» (ناسخ التواريخ3 /60).
أكاذيب الشيعة على أهل البيت
مع ادعاء الشيعة حب أهل البيت وموالاتهم ، فإنهم ليسوا إلا مبغضي أهل البيت وأعدائهم ، يخالفون أوامرهم ويأتون منهياتهم، ينكرون المعروف ويأتون المنكر، ويبغضون أحباءهم ويتوددون إلى أعدائهم ، يطاوعون الأهواء والنفس الأمارة بالسوء ، ولا يتركونها ولا يعصونها، وفوق ذلك يختلقون القصص والأساطير والأكاذيب على أهل البيت ، ويفترونها وينسبونها إليهم ، يريدون من ورائها أغراضًا ذاتية وإرواء النفس من شهواتها وملذاتها، رواجًا لمذهبهم، وجلبًا لأوباش الناس إلى دينهم الذي هم كوّنوه واخترعوه بأنفسهم ، فيخسرون الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين ؛ لأن الصالحين من أهل البيت لم يقولوا شيئًا يخالف كتاب الله وسنة رسول الله ث ، ولا ينبغي أن ينسب إليهم ما يخالف الكتاب والسنة؛ لأن أهل البيت كغيرهم من المسلمين لم يؤمروا إلا أن يعملوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم ث وأن يتمسكوا بهما.
إهانة الشيعة لأهل البيت
* ابنا عم رسول الله ث ، وسيدا بني هاشم :عامل عليّ وصفيه عبد الله بن عباس، وأخوه عبيد الله بن عباس قالوا فيهما :
إن أمير المؤمنين قال : اللهم العن ابني فلان ـ يعني عبد الله وعبيد الله ـ واعم أبصارهما كما أعميت قلوبهما ، واجعل عَمَى أبصارهما دليلاً على عَمَى قلوبهما» [«رجال الكشي» ص52 تحت عنوان دعاء عليّ على عبد الله وعبيد الله ابني عباس].
* عقيل بن أبي طالب شقيق عليّ م قالوا فيه افتراءً علىا عليّ بن أبي طالب أنه قال ـ وهو يذكر قلة أعوانه وأنصاره ـ:« ولم يبق معي من أهل بيتي أحد أطول به وأقوى ، أما حمزة فقتل يوم أحد ، وجعفر قتل يوم مؤتة ، وبقيت بين خلفين خائفين ذليلين حقيرين، العباس وعقيل» (الأنوار النعمانية للجزائري ، «مجالس المؤمنين» ص78).
والمعروف أن العباس وعقيل وآلهما من أهل بيت النبوة كما أقر به الأربلي أن رسول الله ث سئل :من أهل بيتك؟ قال : آل عليّ، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل عباس» (كشف الغمة1/43].
* أهانوا بنات النبي ث الثلاثة حيث نفوا عنهن أبويته ، وقالوا : إن النبي لم ينجبهن ، بل كن ربيبات ، فيذكر حسن الأمين الشيعي:«ذكر المؤرخون أن للنبي أربع بنات ، ولدى التحقيق في النصوص التاريخية لم نجد دليلاً على ثبوت بنوة غير الزهراء (ع) منهن ، بل الظاهر أن البنات الأخريات كن بنات خديجة من زوجها الأول قبل محمد ث» (دائرة المعارف الإسلامية الشيعية 1/ 27).
* عليّ ط الإمام المعصوم الأول عند الشيعة ـ والخليفة الرابع عندنا أهل السنة ـ أهانوه ، وصغروه ، واحتقروه ، ونسبوه إلى الجبن والذل ، واتهموه بالتذلل والمسكنة .فهذا هو عليّ بن أبي طالب في نظر الشيعة ، وهكذا يصورونه جبانًا ، خائفًا ، مذعورًا ، وهو الذي اختلقوا فيه القصص، واخترعوا الأساطير، فيه، وفي قوته وشجاعته وطاقته وجرأته وبسالته.
* بل اتهموه بالجُبْن والهوان إلى حدّ قالوا فيه على لسان زوجته ابنة النبي ث، فاطمة م أنها لامَتْه ، وغضبت عليه ، وطعنته، وشنعت عليه بعد ما طالبت فدك وتشاجرت مع الصديق والفاروق م ، ولم يساعدها علي في تلك القضية ـ حسب زعمهم ـ قالت له :يا ابن أبي طالب! اشتملت مشيمة الجنين، وقعدت حجرة الظنين ـ إلى آخر ما قالته ـ» [«الأمالي» للطوسي ص259].( الظنين :الضعيف )
وقالوا:«إن فاطمة ‘لامَتْهُ على قعوده وهو ساكت» (أعيان الشيعة ، القسم الأول ص26).
وأكثر من ذلك أنهم قالوا إن عمر بن الخطاب غصب ابنة عليٍّ م ولم يستطع أن يمنعه من ذلك ، فلقد قال الكليني أن أبا عبد الله قال في تزويج أم كلثوم بنت عليّ :إن ذلك فرج غُصِبْنَاه »(الكافي في الفروع2 /141).وقالوا أيضًا « إن عليًا لم يكن يريد أن يزوج ابنته أم كلثوم من عمر، ولكنه خاف منه، فوَكَّل عمه عباس ليزوجها منه» (حديقة الشيعة ص277).
* أهانوا رسول الله ث وزوجته وعليًا ، م في رواية باطلة خرافية، قبيحة وسخيفة ، حيث ذكروا :« كان لرسول الله ث لحاف ليس له لحاف غيره ، ومعه عائشة ، فكان رسول الله ث ينام بين عليّ وعائشة ، ليس عليهم لحاف غيره ، فإذا قام رسول الله ث من الليل حطّ بيده اللحاف من وسطه بينه وبين عائشة » (كتاب سليم بن قيس ص221).هل هناك إهانة أكبر من هذه الإهانة؟هل تقبل أيها المسلم هذا على زوجتك أو أمك؟
* وكانوا يهينون عليًا ط ويخذلونه بعد ما تولى الحكم وصار خليفة للمسلمين وأميرًا للمؤمنين ، فلم يكن يذهب بهم إلى معركة ولا إلى حرب إلا وكانوا يتسللون منها ملتمسين الأعذار ، وبدون العذر أيضًا خفية تارة وجهرًا تارة أخرى ، وكتب التاريخ مليئة بخذلانهم إياه ، وتركهم وحده في جميع المعارك التي خاضها، والحروب التى أججت نيرانها وابتلي بها وعلى ذلك كان يقول :
« قاتلكم الله : لقد ملأتم قلبي قيحًا ، وشحنتم صدرى غيظًا، وأفسدتم عليَّ رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب ـ إلى أن قال ـ ولكن لا رأْيَ لمن لا يُطاع » [«نهج البلاغة» ص70، 71].
* أهانوا ابنة رسول الله ث أم الحسن والحسين ، زوجة عليّ ، فاطمة الزهراء ن أجمعين ، ونسبوا إليها أشياء لا يُتَصَوَّر صدورُها من أية امرأة مؤمنة مسلمة ، دون أن تصدر من ابنة الرسول وسيدة نساء أهل الجنة ، ومنها أنهم قالوا إنها كانت دائمة الغضب على ابن عم الرسول ث، وكانت تعترض عليه وتشكوه إلى أبيها في أشياء كثيرة ، صغيرة وتافهة.
* أما الحسن ط فلم يُهَنْ أحد مثل ما أُهين هو من قبل الشيعة، فإنهم بعد وفاة أبيه عليّ ن جعلوه خليفته وإمامًا لهم ، ولكنهم لم يلبثوا إلا يسيرًا حتى خذلوه مثل ما خذلوا أباه ، وخانوه أكثر مما خانوا عليًا ط .
وأهانوه إلى أن شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته ، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله الجعال الأزدي ، فنزع مطرفة عن عاتقه ، فبقى جالسًا متقلدًا السيف بغير رداء» (الإرشاد للمفيد ص190).
«وطعنه رجل من بني أسد الجراح بن سنان في فخذه ، فشقه حتى بلغ العظم…وحُمِل الحسن على سرير إلى المدائن … اشتغل بمعالجة جرحه ، وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سرًا ، واستحثوه على سرعة المسير نحوهم ، وضمنوا له تسليم الحسن إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به ، وبلغ الحسين u ذلك … فازدادت بصيرة الحسن u بخذلانهم له، وما أظهروه له من سبه وتكفيره ، واستحلال دمه، ونهب أمواله » (كشف الغمة ص540، 541).
* أوضح الحسن ما فعلت به شيعته وشيعة أبيه وما قدمت إليه من الإساءات والإهانات ، وأظهر القول وجهر به فقال :«أرى والله معاوية خير إلي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ، ابتغوا قتلي، وأخذوا مالي. والله! لأن آخذ من معاوية عهدًا أحقن به دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي » [«الاحتجاج» للطبرسي ص148].(7/257)
* وأهانوه حيث قطعوا الإمامة من عقبه وأولاده ، بل افتوا بكفر كل من يدعي الإمامة من ولده بعده.
* أما الحسين ط فأهانوه قولاً وفعلاً، فقالوا :إن أمه فاطمة م بنت رسول الله ث كرهت حمله ، وردّت بشارة ولادته عدة مرات كما لم يكن رسول الله ث يريد أن يقبل بشارة ولادته ، ووضعته فاطمة كرهًا ، ولكراهة أمه لم يرضع الحسين من فاطمة م. وهذه الروايات في أهم كتب الحديث عند القوم وأصحها . (الأصول من الكافي ج1 ص464].
* وقالوا:«ولم يرضع الحسين من فاطمة ‘، ولا من أنثى كان يؤتى به النبي ، فيضع إبهامه في فِيهِ فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث » (الأصول من الكافي ص465).
* وعاملوه معاملتهم أخيه وأبيه من قبل.
* وبقية أهل بيت عليّ وأهل بيت النبي ث لم ينجوا من إيذائهم وإضرارهم وإساءتهم وإهانتهم، فكفّروا وفسّقوا، وسبّوا وشتموا جميع من خرجوا ثأرًا للحسين وطلبًا للحق والحكم والحكومة، وادعوا الإمامة والزعامة ـ غير الثمانية من أولاد الحسين ـ سواء كانوا من ولده أو ولد الحسن أو عليّ بن أبي طالب ن أجمعين ، من محمد بن الحنفية، وابنه أبي هاشم، وزيد بن زين العابدين، وابنه يحيى ، وعبد الله بن المحض بن الحسن المثنى ، وابنه محمد الملقب بالنفس الزكية ، وأخيه إبراهيم ، وابني جعفر بن الباقر عبد الله الأفطح ومحمد ، وحفيدي الحسن :المثنى حسين بن عليّ ويحيى بن عبد الله ، وابنى موسى الكاظم : زيد وإبراهيم ، وابن عليّ النقي: جعفر بن عليّ ، وغيرهم كثير من العلويين والطالبيين الذين ذكرهم الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين) وغيره في غيرهم من الطالبيين من أولاد جعفر بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب ، كما اعتقدوا كُفْر جميع من ادعى الإمامة من العباسيين ـ أهل بيت النبي ث باعتراف القوم أنفسهم ـ وأبناء عم رسول الله ث .
* وأما الثمانية من أولاد الحسين الذين خلعوا عليهم لقب الإمام، لم يكونوا بأقل توهينًا وتحقيرًا وتصغيرًا من قبل الشيعة أنفسهم ، فإنهم تكلموا فيهم ، وشنعوا عليهم ، وخذلوهم، وأذلوهم ، وضحكوا عليهم ، واتهموهم بتهم هم منها براء ، كفعلتهم مع آباءهم ، مع الحسنَيْن ، وعليّ بن أبي طالب ن، وصنيعهم مع سيد الأنبياء ورسول الثقلين ث ، وأنبياء الله ورسله.
دور الشيعة في هدم الإسلام
1- من أهم أسباب انهيار الحضارة الإسلامية و انتقالها للغرب هو سقوط دار العلم بغداد بيد المغول. هذا السقوط لم يكن ممكنًا لولا مساعدة الشيعة للمغول. و لا يخفى ـ على من له أدنى وعي بتاريخ الشيعة ـ الدور الخياني للوزير الشيعي ابن العلقمي في سقوط بغداد ، عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك ، وما جره على المسلمين من القتل والخراب والذل والهوان بالاتصال بهولاكو ، وإغرائه بغزو العراق ، وهيأ له من الأمور ما يمكنه من السيطرة.
2- إن الحروب التي قام بها الصليبيون ضد الأمة الإسلامية ليست إلا حلقة من الحلقات المدبرة التي دبرها الشيعة ضد الإسلام والمسلمين، كما يذكر ابن الأثير وغيرة من المؤرخين.
3- إقامة الدولة الفاطمية ( العبيدية)في مصر وإنزالها العقاب على كل شخص ينكر معتقدات الشيعة.
4- قتل الملك النادر في دلهي (بالهند) من قِبَل الحاكم الشيعي آصف خان على رؤوس الأشهاد ، وإراقة دماء المسلمين السنة في ملتان من قِبَل الوالي أبي الفتح الشيعي ، ومذبحة جماعية للمسلمين السُنَّة في مدينة لكناؤ الهند وضواحيها من قِبَل أمراء الشيعة على أساس عدم تمسكهم بمعتقدات الشيعة بشأن الخلفاء الثلاثة ن .
5- اضطرت دار الخلافة العثمانية في استانبول لسحب جيوشها الفاتحة التي كانت على مشارف فيينا ـ عاصمة النمسا ـ بسبب هجوم الدولة الصفوية الشيعية في إيران عليها.
6 - كانت دولة ايران من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان اليهودي سنة 1948م بقيادة القادة الشيعة من ملوك ايران .
7- أعلن محمد على أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية مساء الثلاثاء 15/1/2004م :أن بلاده إيران:« قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربَيْهم ضد أفغانستان والعراق»، وأكد أنه «لولا التعاون الإيراني لمَا سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة »!! وأبطحي يعبر عن أساه ؛ لأن أمريكا التي كانت الدولة الإيرانية الشيعية تدعوها بـ«الشيطان الأكبر» لم تُقَدّر الخدمة الإيرانية لها , فأردف قائلا:«...لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة ».
8- أفاد عديد من الخبراء العسكريين بأن الطائرات التي انطلقت من قواعد أمريكية في الدول العربية لا يمكن أن تعبر لأفغانستان إلا عن طريق الأجواء الإيرانية في وقت كان المسئولون الإيرانيون يشددون على «حرمة الأجواء الإيرانية» إلا على «الطائرات المضطرة للهبوط اضطراريًا في إيران ».
حزب الله الشيعي اللبناني : حزب الله أم حزب الشيطان؟
*أصبح أدولف هتلر بطلاً في أعين كثير من الناس و خصوصًا العرب و ذلك كرهًا و نكاية باليهود ، بل ان منهم من سمى ابنه (هتلر) . و مع ارتفاع سعر الدم اليهودي أصبحت المواجهة معهم بطولة. بغض النظر عن الهدف من هذه المواجهة.
* قد يقول قائل: ان هؤلاء الشيعة يقاتلون اليهود المحتلين بينما العرب في سبات عميق. فنقول: الفيتناميون قاتلوا الأمريكان و كذلك الكوبيون والألمان فهل سيدخل كل هؤلاء الجنة؟ ثم إن أعداء الله قد يختلفون فيما بينهم و يتناحرون. فهل يعني هذا أن الطرف الذي يقاتل اليهود هو حزب الله؟ أن الأمركذلك لكان «چورچ حبش» أول مجاهد. و أخيرًا نقول : إن قدوتنا هو الرسول الأعظم ث و ليس العرب الذين هم في سبات عميق.
* يحرص هذا الحزب على عدم إظهار وجهه الشيعي للمسلمين في خارج لبنان ، وخير دليل على ذلك أنه يحرص على أن يخلو الأذان في (فضائية المنار) من جملة ( أشهد أن عليًا ولي الله) على حين يضمنها الأذان على (قناة المنار الأرضية).
* كما يحرص (حزب الله) على عدم تناول رموز أهل السنة في مختلف العصور بسوء على قناته الفضائية ، ولكنه على قناته الأرضية لا يوقّرهم.وبينما يدعو إلى الأخوة والاتحاد مع المسلمين ونبذ الطائفية، يقوم عناصره بتوزيع كتيبات فاخرة خاصة في الجامعات والتجمعات ، وهي مختومة بختم (التعبئة التربوية لحزب الله) تحتوي على شتائم وألفاظ نابية ولعن بحق رموز أهل السنة التاريخيين ، وذلك جهارًا نهارًا دون رادع وخاصة في مناسباتهم.
* في كل المواضيع لابد للحزب من استغلال القضية الفلسطينية والتذكير بأن الحزب سيقف دائمًا إلى جانب الانتفاضة الفلسطينية، وهذه مسألة دعائية ، والدليل أن الحزب يعلم تمامًا أن الاتفاقات التي وقعها مع العدو ومنها اتفاقية(نيسان) حرّمت شمال الأرض المحتلة على قذائف وصواريخ حزب الله ، وتحول موقفه منذ الانسحاب الصهيوني إلى حامي لحدود العدو ومدافع عنها ، وهذا ماجاء على لسان الأمين العام الأول للحزب الشيخ صبحي الطفيلي الذي قال:« لو كان أناس غير حزب الله على الحدود ـ يقصد الفلسطينيين وأهل السنة ـ لما توقفوا عن قتال العدو مطلقًا ، والآن إذا أرادوا الذهاب يعتقلهم الحزب ويسلمهم إلى الأمن اللبناني ، وتقولون لي إنه لا يدافع عن حدود الصهاينة »، وتزامن هذا الكلام الخطير مع مقال لأمين سر حركة فتح في لبنان نشرته جريدة القدس العربي في 5/4/2004 ،جاء فيه « ...فقد أحبط حزب الله أربع محاولات فلسطينية على الحدود ، وقامت عناصر حزب الله باعتقال المقاومين الفلسطينيين وتقديمهم للمحاكمة »!!!(7/258)
* يجب على المسلم ألا ينسى أن ( حزب الله ) الشيعي قبل الاعتداء الصهيوني الأخيرعلى لبنان كان حارسًا للحدود الشمالية للكيان الصهيوني.
* وإن كان ( حزب الله ) الشيعي قد أطلق بعض الصواريخ على شمال الكيان الصهيوني لأهداف معينة ، فقد أطلق الشيعة آلاف (الصواريخ) التي تتهم كتاب الله ? بأنه ناقص ومحرف ، وتكَفّر أصحاب رسول الله ث، وزوجتيه: عائشة وحفصة ن.
* ويجب على المسلم ألا ينسى أن (حسن نصر الله) زعيم (حزب الله الشيعي) قد تربى في إيران على يد الخومينى الذي كفره علماء المسلمين وعلى يد تلاميذ الخميني ، بل يعلن (حزب الله ) دائمًا أن الخوميني ـ الذي كفره علماء المسلمين ـ هو المرشد الروحي لهم.
* ويجب على المسلم ألا ينسى تعاون ( حركة أمل ) الشيعية و(حزب الله ) الشيعي على القضاء على الفلسطينين في لبنان بمساعدة سوريا .
* ويجب على المسلم ألا ينسى تعاون حركة ( أمل ) الشيعية مع سوريا لتصفية الوجود السنّي في بيروت .
* ويجب على المسلم ألا ينسى أنه بعد الاحتلال الأمريكي الشيعي للعراق قتِل حوالي 200 ألف سني :قتِل منهم 100ألف على يد الأمريكان و قتِل منهم 100ألف على يد (جيش المهدي) التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر والميليشيات الشيعية الأخرى، هذا ما صرح به أحد كبار زعماء أهل السنة العراقيين في أحد المؤتمرات ، وكان بجواره شيخ شيعي إيراني في لجنة التقريب بين المذاهب الإسلامية ، فقام الشيخ الشيعي وقال:« إن إيران حاولت أن تضغط بقدر استطاعتها على جيش المهدي كي يكفوا عن هذه المذابح».[!!!]وهذا اعتراف ضمني بحدوث هذه المذابح.
~يقول الله ? :? وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ? (هود:113)
بعض أسئلة موجهة لخمينى العرب(حسن نصر الله)
* تعلم أنك مُعيّن من قِبَل إيران وموالى لها وتعتز بذلك وتفخر به فلماذا لم تبعث أمك الحنون إيران مبلغ الخمسين مليون دولار التى وعدَتْ بها السلطة الفلسطينية منذ أربعة أشهر بل أعلن وزير خارجية إيران أن الأمر مازال فى مرحلة اتخاذ القرار ؟
*إذا كان حزبك الشيعى يقاتل الآن حقاً من أجل الفلسطينين فلماذا يُذبح الفلسطينيون فى العراق على يد المليشيات الشيعية التى درَّبْتَ أنت بعضها وهذا أمر فاحت رائحته ولا يمكن لمتابع أن ينكره.
*إذا كنتَ حقاً تجاهد فى سبيل الله فأين جهاد إخوانك من الشيعة فى العراق المحتلة منذ ثلاث سنوات؟لماذا أعلن علماؤك الشيعة فى العراق من أمثال السيستانى والصدر المسالمَةَ التامة للأمريكيين بل وحرمة قتالهم ثم دعوا لجهاد أهل السنة حتى كفّر الشيرازى وغيره من لا يقاتل الوهابيين؟ فأين جهادكم فى أرض الرافدين أم أنك تركت الجهاد فى العراق المحتل ثم أتيت لتجاهد فى لبنان المحرر؟
*كيف تقول إنك تدافع عن أهل السنة فى فلسطين وغيرها مع كونك تعتقد كفر أهل السنة بناء على مذهبك بل ويقول مذهبك إنهم أشد كفراً من اليهود والنصارى والمجوس؟ هل تسعى لحقن دم تعتقد أنه يجب أن يُسَال ؟
* كم من عام مضى على الأسرى وهم يعانون أسرهم فلما لم يحْل هذا الأمر إلا الآن؟ هل أردت خطف الأضواء من حماس السنية أم أردت تحسين صورة الشيعة الذين افتضح قبحهم فى العراق؟أم أردت الضعط على أمريكا لتحقيق مصالح سوريا وإيران ؟أم تعمل فى إطار المشروع الشيعى لإقامة ما يسمى بالهلال الشيعى الذى تخطط له إيران والممتد من إيران إلى لبنان؟
*لماذا تتحفظ حتى الآن عن إدانة الإحتلال الأمريكى للعراق؟ أين غيرتك يا زاعم الجهاد ؟أفى لبنان تجاهد بدمك وتبخل عن الجهاد بكلمة واحدة فى العراق؟
* إذا كنتم حقاً أعداء الصهاينة فلما نثرتم لهم الورود عند دخولهم لبنان سنة 1982 ، أتنثرون لهم الورود وهم غزاة ، وتجاهدونهم بعد الرحيل ؟
* إذا كانت القضية هى قضية كل المسلمين كما تزعمون فلماذا لا تمدون أهل السنة فى مزارع شبعا بالسلاح كى يجاهدوا معكم أو على الأقل تتركوهم يجاهدون ؟أم أنه احتكار شيعى للمقاومة ؟
* بماذا تفسر قول أحد قادة حزبك وهو إبراهيم الأمين عندما سُئل: «هل أنتم جزء من إيران؟» قال:« بل نحن إيران فى لبنان ولبنان فى إيران »؟
* إذا كنتم حقاً تقاومون أعداء الإسلام فلماذا تهجّم نائب الأمين العام لحزب الله نعيم القاسم على المقاومة السنية فى العراق ؟ أليسوا يقاومون أيضاً أم لابد أن يكونوا شيعة وأن يعملوا ضمن خطتكم حتى تقبلوهم؟
* لماذا تدافعون عن اللبنانيين والفلسطينين اليوم وقد سجل التاريخ بحبر لن يُمحى أنكم قتلتموهم فى مخيماتهم فى لبنان فى الثمانينات بعد إجبارهم على أكل لحوم القطط والكلاب ؟
* رأيناك تقبِّل يد الخمينى فهل نسيت أن الخمينى قال لشعبه يوماً: لا تُلْهِكم الحرب الصغيرة عن الحرب الكبيرة فمحاربة العراق أهم لنا بكثير من محاربة إسرائيل؟
* بم تفسر سماح أمريكا لـ 35000 خمسة وثلاثين ألف جندى من الحرس الثورى الإيرانى بالانتشار فى العراق لقتل أهل السنة ؟
وهذه رسالة إلى المخدوعين بالشيعة المعاصرين ننقلها مقتطفات من كلام الأستاذ سعيد حوى / ـ أحد قيادات (الإخوان المسلمين) في سوريا ـ في كتابه (الخمينية شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف).
قال /: « * جاءت الخمينية المارقة تحذو حذو أسلافها من حركات الغلو والزندقة التي جمعت بين الشعوبية في الرأي والفساد في العقيدة ، تتاجر بمشاهير جماهير المثقفين المتعلقين بالإسلام تاريخًا وعقيدة وتراثا ، فتتظاهر بالإسلام قولا وتبطن جملة الشذوذ العقدي والحركي ، فتدعي نصرة الإسلام وهي حرب عليه .
* الشيعة الاثنى عشرية لهم من العقائد الزائغة الكثير .
* الشيعة أسبغوا العصمة على أئمتهم ، فجعلوا القول بعصمة الإمام أصلاً من أصول مذهبهم فإجماع أئمتهم من المتقدمين والمتأخرين يفيد أن الإمام معصوم عن الخطأ والسهو والإسهاء والنسيان عن قصد أو عن غير قصد ، وأن الإمامة أعلى مرتبة من النبوة وأن لهم حرية الاختيار في التحليل والتحريم .
* وجاء الخميني ليؤكد هذا الغلو ويعمقه ، وذلك جحود لما هو معلوم من الدين بالضرورة ، وهو كفر بواح .
* نقل [ أي الخميني]عن المحدث نعمة الله الجزائري قوله في كتاب (الأنوار ) : «إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن ؛ كلامًا ومادة وإعرابًا والتصديق بها ). (فصل الخطاب : 30 / 238 ـ 329) وهذا كله كفر محض ؛ لأنه مناقض لما هو معلوم من الدين بالضرورة ، أي ميزة تكون للإسلام إذا كان كتابه محرفًا أو مغيرًا أو ناقصًا .
* وكنا نأمل أن يتصدى الخميني لمثل هذه الكفريات وينزه كتاب الله سبحانه عنها ويلعن القائلين بها ويصرح بكفرهم وخروجهم عن ملة الإسلام ، إلا أنه عاد فأكد هذا الشذوذ العقدي في كتابه (كشف الأسرار ) حينما قال: (لقد كان سهلاً عليهم ـ يعني الصحابة الكرام ـ أن يُخرجوا هذه الآيات من القرآن ويتناولوا الكتاب السماوي بالتحريف ويسدلوا الستار على القرآن ويغيبوه عن أعين العالمين ، إن تهمة التحريف التي يوجهها المسلمون إلى اليهود والنصارى إنما تثبت على الصحابة ). (كشف الأسرار : ص 114 نقلاً عن كتاب صورتان متضادتان للشيخ أبي الحسن الندوي) وهذا من خميني كفر بواح ونقض للإسلام كله .(7/259)
* من المعروف المجمع عليه عند علماء الشيعة ، بل من أصول مذهبهم ، أن الأمة قد كفرت بعد وفاة رسول الله ث وارتدت عن دين الله إلا ثلاثة أو أربعة لذلك فإن الشيعة أجمعين لا يحتجون من السنة إلا بما صح لهم من طريق أهل البيت .
* الخميني وشيعته ينكرون كل السنة التي رُوِيَت لنا بأسانيد صحاح ، وفي ذلك إنكار لأحاديث صحيحة كثيرة ، وبعض ما أنكروه يبلغ مبلغ المتواتر ، وجميع ما أنكروه يدخل ضمنًا في حد التواتر ، وهم بذلك ينقضون الأساس الثاني لهذا الدين وهو السنة .
* وهم بدلاً عن السنة الثابتة يعتمدون روايات عن أئمة الكذب والوضع مما جمعه الكليني وغيره ، وقد بلغَنا أن بعضهم نقد رجال الكليني فذكر عددًا كبيرًا منهم بأنهم كذابون ، وتلك شهادة الشيعة أنفسهم على ما في كتبهم المعتمدة من دس عند كثير من المنصفين منهم ، أما نحن[يقصد أهل السنة] فلا نقبل رواياتهم أصلاً لأنهم منحرفون في العقيدة يستحلون الكذب في نصرة اهوائهم . وقد ثبت أن الخميني الذي يقول بارتداد الصحابة بعد وفاة رسول الله ث ويتهمهم بوضع الحديث ، ويطعن في رواة الأمة الثقات ، لا يستدل في بحوثه إلا بكتب فرقته ، وهو أمر مشهور .
* الخميني قد كتب فصلين في كتابه ( كشف الأسرار ) أحدهما في بيان مخالفة أبي بكر للقرآن (كشف الاسرار : 111 – 114)، والآخر في مخالفة عمر لكتاب الله(كشف الأسرار : 114 – 117، فيهما من الكذب والافتراء والحقد على أئمة المسلمين ما لا يتصور وصفه من رجل يدعي العلم والمعرفة والدين .
* ووصف الخميني سيدنا عمر بن الخطاب ط بأن أعماله : ( نابعة من أعمال الكفر والزندقة والمخالفات لآيات ورد ذكرها في القرآن الكريم). (كشف الأسرار : 116)
* يقول خميني : ( نحن نعتقد بالولاية ، ونعتقد ضرورة أن يعين النبي خليفة من بعده ، وقد فعل ) (الحكومة الإسلامية :ص 18)، ويقول بعد قليل : ( وكان تعيين خليفة من بعده عاملاً ومتممًا ومكملاً لرسالته) (الحكومة الإسلامية : 19 ) ، ثم يوضح ذلك فيقول : ( بحيث كان يعتبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لولا تعيين الخليفة من بعده غير مبلغ رسالته ) ( الحكومة الإسلامية : 23) وهذا هو الشّذوذ الذي يخرج قائله عن دائرة الإسلام .
* أفظع مثال على مخالفتهم الإجماع إباحتهم لنكاح المتعة الذي لا زال قائمًا في إيران بعهد الخميني ، وما نكاح المتعة إلا زنا صريح بعد انعقاد الإجماع على تحريمه ، وممن قال بتحريمه عليّ بن أبي طالب نفسه .
* هم ( أي الشيعة ) يخالفون الإجماع في كثير من أمورهم في العقيدة والعبادة ومناهج الحياة ، ألا تراهم يخالفون الإجماع في الصلوات وفي الصوم وفي الحج وفي غير ذلك من شعائر الإسلام وشرائعه .
* والخميني يؤكد هذه المخالفة ، بل يكرسها في دستوره ، عندما يعتمد مذهب الاثني عشرية كمذهب وحيد وإلى الأبد ، ويجعل هذه المادة غير قابلة للبحث والتعديل ( المادة 12 ) .
* إن الشيعة الاثنى عشرية تَعُدّ كل من لا يؤمن بالأئمة وعصمتهم ناصبِيًّا تحرُم عليه الجنة ويدخل النار ، ومن مقولاتهم التي ذكروها في كتبهم وتبناها الخميني في كتبه ضرورة مخالفة أهل السنة والجماعة.
* ألا فليعلم شباب أهل السنة والجماعة من هذه الأمة رأي الخميني في أهل السنة والجماعة عامة ، ولينتبهوا إلى خداعه ومراوغته وخداع أتباعه فما هم إلا دعاة ضلالة وما هم إلا دعاة إلى النار .
* وقد آن لشباب الإسلام أن يدركوا خداع هؤلاء ، وأن يعرفوهم على حقيقتهم . فهنالك عقيدة صحيحة واحدة هي عقيدة أهل السنة، وهي التي ينبثق عنها كل خير ، أما هؤلاء فعقيدتهم زائفة ولا يُجتنى من الشوك العنب .
* وكفى بالخميني فضيحة صفقات السلاح مع إسرائيل وتعاونه الكامل معها ، فتلك علامة أنه لن يخرج من إيران إلا الدمار والولاء لأعداء الله .
* إن بعض من نفترض عندهم الوعي غاب عنهم الوعي فلم يدركوا خطر الخمينية ، وإن بعض من نفترض عندهم العلم قصروا عن إبراز خطر الخمينية فكادت بذلك تضيع هذه الأمة ، ولذلك فإننا نناشد أهل الوعي أن يفتحوا الأعين على خطر هذه الخمينية ، ونناشد أهل العلم أن يطلقوا أقلامهم وألسنتهم ضد الخمينية .
* لقد آن لهذا الطاعون أن ينحسر عن أرض الإِسلام ، وآن للغازي أن يكون مغزوًّا ، فالأمة الإِسلامية عليها أن تفتح إيران للعقائد الصافية من جديد ، كما يجب عليها أن تنهي تهديدها الخطير لهذه الأمة ، وليعلم أصحاب الأقلام المأجورة والألسنة المسعورة الذين لا يزالون يضللون الأمة بما يكتبونه وبما يقولونه أن الله سيحاسبه على ما ضلوا وأضلوا ، فليس لهم حجة في أن ينصروا الخمينية ، فنصرة الخمينية خيانة لله والرسول والمؤمنين ، ألم يروا ما فعلته الخمينية وحلفاؤها بأبناء الإِسلام حين تمكنوا ، ألم يعلموا بتحالفات الخمينية وأنصارها مع كل عدوٍ للإِسلام ، لقد آن لكل من له أذنان للسمع أن يسمع ، ولكل من له عينان للإِبصار أن يبصر ، فمن لم يبصر ولم يسمع حتى الآن فما الذي يبصره وما الذي يسمعه، فهؤلاء أنصار التتار والمغول وأنصار الصليبيين ، والاستعمار يظهرون من جديد ينصرون كل عدو للإِسلام والمسلمين ، وينفذون بأيديهم كل ما عجز عنه غيرهم من أعداء الإسلام والمسلمين ، ألا فليسمع الناس وليبصروا ولات ساعة مندم .
* وهؤلاء الخمينيون ظالمون ومن بعض ظلمهم أنهم يظلمون أبا بكر وعمر ، فكيف يواليهم مسلم والله تعالى يقول : ? وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ? (الأنعام:129)، إنه لا يواليهم إلا ظالم ، ومن يرضى أن يكون ظالما لأبي بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة وطلحة والزبير ؟ ومن يرضى أن يكون في الصف المقابل للصحابة وأئمة الاجتهاد من هذه الأمة ؟ ومن يرضى أن يكون أداة بيد الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ؟
* اللهم إني أبرأ إليك من الخميني والخمينية ومن كل من والاهم وأيدهم وحالفهم وتحالف معهم اللهم آمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.( انتهى كلام الأستاذ سعيد حوى/)
خاتمة
ندعو فيها كل مسلم ومسلمة إلى القيام بما أمرهم الله به ، من أداء الواجبات وترك المحرمات ، وتحقيق التوحيد قولاً وعملا ، وتطبيق الإسلام حياةً ومنهجا ، والاقتداء برسول الله ث ، والثبات على الحق ولو كثر المخالفون ، والدعوة إلى الهدى مهما خذّل المخذّلون ، ونصرة دين الله بلا خوف أو خجل ، والحرص على وقاية النفس والأهل نارًا وقودها الناس والحجارة ، وتربية النفس والأهل على الغيرة على الإسلام وأهله، وبذل النفس والنفيس في سبيل عزّه ، والغضب إذا انتهكت حرمات ربّه ، وإخلاص الدين لرب العالمين ، وموالاة المسلمين ، والبراءة من الكفار أجمعين ، وتعلم دين الله وتعليمه ، وشرح التوحيد وتبيينه ، وتهذيب الخُلق وتزيينه ، وتخليص البيوت من الوسائل الشيطانية ، وإقامتها على الطريقة الرّبانية ، وتزيينها بالتربية الإسلامية ، والشعور بمصائب المسلمين ، والمشاركة في نصرهم وعونهم تطبيقًا للشرع والدّين ، والمؤازرة للعلماء والدعاة الصالحين المصلحين المخلصين ، والدفاع عن حملة هذا الدين ، أصحاب النبي الأمين ث، وأزواجه الطاهرات الطيّبات أمّهات المؤمنين ، والرّد على منتقصهم والمتعرض لهم ، وفضح أعداءهم ، وعدم التّهاون والتّميّع مع المعتدي على أعراضهم .
مراجع للتوسع
1- الخومبنبة شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف للأستاذ سعيد حوى .(7/260)
2-صورتان متضادتان عند أهل السنة والشيعة الإمامية للشيخ أبي الحسن الندوي.3-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (الندوة العالمية للشباب الإسلامي)4-أصول مذهب الشيعة الإمامية ؛ للدكتور ناصر القفاري .5- المذاهب الإسلامية ، محمد أبو زهرة .6ـ تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة ، د. عبد الله فياض.7ـ دراسات في الفِرَق ، د. صابر طعيمة .8ـ مختصر التحفة الاثنا عشرية ، تحقيق محب الدين الخطيب. 9ـ الشيعة والسنة ، للعلامة إحسان إلهي ظهير .10ـ الشيعة والتشيع ، للعلامة إحسان إلهي ظهير.11ـ الشيعة وأهل البيت ، للعلامة إحسان إلهي ظهير.12-الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، محب الدين الخطيب .13ـ الصراع بين الشيعة والتشيع ، الدكتور موسى الموسوي.14ـ عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في الإسلام، د. سليمان بن حمد العودة.
n
أهم عقائد الشيعة الاثنى عشرية...............................................................5
الكتب الرئيسة عند الإثنى عشرية................................................................ 8
اعتقاد الشيعة الإثنى عشرية في القرآن الكريم............................................... 9
مصحف فاطمة..................................................................................... 14
عقيدة الشيعة في السنة.........................................................................16
عقيدة الشيعة في أصحاب رسول الله ث......................................................17
أوجه التشابه بين اليهود والشيعة الإثنى عشرية............................................19
عقيدة الإمامة عند الشيعة الإثنى عشرية......................................................20
عصمة الأئمة........................................................................................22
الأئمة عندهم يعلمون الغيب.....................................................................22
الأئمة الإثنا عشر عندهم أفضل من الأنبياء...................................................24
عقيدة الرجعة عند الشيعة........................................................................25
عقيدة ظهور الأئمة عند الشيعة الإمامية......................................................27
خرافاتهم في خروج المهدي ورجعته.........................................................28
عقيدة النياحة وشق الجيوب وضرب الخدود.................................................29
مناسك المشاهد والأضرحة......................................................................31
الشيعة والمتعة الجنسية..........................................................................33
الخميني والمتعة....................................................................................36
شبهة من شبهات أهل الضلال...................................................................37
استعارة الفرج عند الشيعة.......................................................................38
عقيدة البداء.........................................................................................38
خرافات شيعية......................................................................................41
شركيات الخميني...................................................................................42
عقائد الشيعة في الإسلام والمسلمين........................................................ 45
وَهْمٌ اسمُه التقريب بين أهل السنة والشيعة الإثنى عشرية................................47
أهل السنة في إيران.............................................................................. 48
أقوال أئمة السلف والخلف في الشيعة الإثنى عشرية......................................48
غدير خُم............................................................................................51
أساليبهم الملتوية..................................................................................59
كذابون درجة أولى................................................................................60
ابحث مع الشيعة في السرداب عن إمامهم الغائب............................................64
ولاء المسلمين.....................................................................................65
الشيعة ومخالفتهم أهل البيت...................................................................68
أكاذيب الشيعة على أهل البيت.................................................................73
إهانة الشيعة لأهل البيت........................................................................74
دور الشيعة في هدم الإسلام....................................................................80
حزب الله الشيعي اللبناني : حزب الله أم حزب الشيطان؟.................................81
يجب على المسلم ألا ينسى.......................................................................83
بعض أسئلة موجهة لخمينى العرب(حسن نصر الله)........................................85
رسالة إلى المخدوعين بالشيعة المعاصرين...................................................87
الأستاذ سعيدحوى يتبرأ من الخميني والخمينية ومن كل من والاهم.....................93
خاتمة...............................................................................................93
مراجع للتوسع......................................................................................64
3
رقم الإيداع :9732/2006
مواقع على الإنترنت تفضح دين الشيعة:
1- يمكنك الحصول مجانًا على موسوعة الرد على الرافضة (الشيعة) من موقع (منتديات سفينة النجاة) www.alnga.net
والموسوعة برنامج يحتوي على حوالي 130كتابًا في فضح حقيقة دين الشيعة والرد على ضلالاتهم.
2- يمكنك تنزيل محاضرات الشيخ محمد إسماعيل عن الشيعة وحزب الله من مواقع: طريق السلف www.alsalafway.com، صوت السلف www.salafvoice.com ،طريق الإسلامwww.islamway.com
3- موقع البرهان www.albrhan.com
4- فيصل نور www.khayma.com/fnoor
البحيرة ـ أبو حمص ـ حي الزهور
ت : 0452569826 ــ 0129732131
=============
ونطقت الرويبضة!!(منصور النقيدان أنموذجا)
كتبه:
عبدالله بن صالح العجيري
Abosaleh95@islamway.net
بين يدي المقدمة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..أما بعد..(7/261)
فقد فاجأت قناة العربية مشاهديها ببرنامج وثائقي غريب ، اختير ليكون بطلها شخصية مغمورة على المستوى العام ، لا يعرف له نتاج علمي يستحق التعريف أو نشاط اجتماعي ملفت للنظر أو عمل سياسي يجعله تحت المجهر ، وإنما مواقف وكلمات ونكوص عن الحق وإغراق في باطل يمكن أن يستثمر في التشويش والبلبلة على الدين وأهله ، ذاكم هو منصور النقيدان وهذا هو البرنامج الجديد والمعنون بـ (منصور النقيدان بين تيارين)1 ، والعجب لا ينتهي من مثل هذا الصنيع ، ومثل هذا التوجه ، فإنا كنا نعهد أن البرامج الوثائقية تعنى بالشخصيات الفاعلة والمؤثرة ، أو المشهورة المعروفة ، أو من كتبوا بصنيعهم أو قولهم شيئا من التاريخ ، وأين منصور النقيدان من هذه فلا هو في العير ولا في النفير ، فما أسباب هذا التسويق الفاضح لهذه الشخصية المضطربة ، وهذا الفكر هزيل ، وهذا النموذج غير البرئ ، إن الأمر عجيب جد عجيب ، وغريب جد غريب ، وأعجب منه وأغرب أن ينصب هذا حكما على التشدد والاعتدال ، (منصور النقيدان من التشدد والاعتدال)! هكذا يقال وهكذا يراد للأمة أن تسقط في هذه الهوة ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، وقد كُتبت هذه الأوراق إثر اللقاء الذي جرى بين النقيدان وتركي الدخيل في برنامج إضاءات على القناة ذاتها ، والذي قاء فيه النقيدان بأسوأ ما كان عنده وعلى الهواء ، وحال دون ظهور هذه الأوراق ظروف وأمور نسأل الله أن تكون خيراً ، فكان هذا البرنامج الوثائقي والذي بث قريبا سببا في إخراج هذه الأوراق علّ فيها فائدة وعبرة ، وقد ارتضيت أن تخرج كما هي يوم كُتبت من غير تعديل أو زيادة ، إذ المقصود بها يحصل بذلك ، ولا جديد في البرنامج فيذكر ، فإلى المقدمة.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد..(7/262)
يقول الله تعالى: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً) ، ويقول سبحانه: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) ، ويقول عز وجل: (وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً) ، ويقول تعالى: (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) ، ويقول عز وجل: (وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ) ، ويقول سبحانه: (وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) ، ويقول عز وجل: (وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) ، ويقول تعالى: (وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) ، ويقول تعالى: (مَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ، ويقول عز وجل: (مَنْ يَشَأْ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، ويقول سبحانه: (بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) ، ويقول تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، ويقول عز وجل: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ) ، ويقول تعالى: (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، ويقول سبحانه: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ، ويقول تعالى: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً...) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا)2 ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (..فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار)3 ، وكان يكثر أن يقول صلى الله عليه وسلم: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) فقيل له: آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا ، قال: (نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء)4 ، إن الثبات على الدين نعمة جليلة عظيمة يمن الله بها على من يشاء من عباده ، شأنها في ذلك كشأن الهداية إلى الدين والاستقامة عليه بل هي عينها وتمامها ، والناظر في أحوال أهل الإسلام اليوم يجد من فتن الشبهات وصنوف الشهوات ما يجعل الحاجة للهداية آكد ، والثبات والاستقامة مطلبا أكثر إلحاحا ، إنه زمن القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر ، زمن تصديق الكاذب وتكذيب الصادق وائتمان الخائن وتخوين الأمين ، إنها سنوات خداعة تصدر فيها الأراذل ، وارتفع الأسافل ، وتكلم الرويبضة ، وأُخذ فيها عن الصِغار –عليهم من الله الذلة والصَغار - ، وممن سلك في هذا النظام وخاض هذا المضمار الموحل رويبضة تافه ، صُدر فتصدر ، وقُدم فتقدم ، فأطل على الناس في قناة فضائية (عربية) ، ليعلن فيها ضلاله ويكشف عن انحرافه في صورة تعد سابقة في إعلان الضلالة والانحراف بكل وقاحة وصلافة وصفاقة وبجاحة ، وكأن الدين من قلوب الناس قد انعدم ، والإيمان قد زال منها وانثلم ، فمن كان ينتظر أو يتوقع في هذه المرحلة أن يطل رجل كان يظهر الإسلام ليعلن عن تدين جديد (الإنسانية)!، وعن فكر متصالح مع الكل اليهودي والنصراني والبوذي! وعن خطة تسع الجميع ، وعن منهج لا تكفير فيه لأحد يهوديا كان أو نصرانيا بل وبوذيا! ، أليس هذا الكلام زندقة مكشوفة؟ أليس هذا التصريح كفرا وردة لا يختلف في ذلك عامة الأمة ولا خاصتها؟ ومع فداحة الخطب وعظم المصيبة بهذا الإعلان المزري للضلال والانحراف بالصوت والصورة ، فإن تحرك أهل الدين والغيرة لفضح هذا التوجه ، وكشف أبعاد هذا التحرك ، لم يكن بمستوى الخطب الواقع ، نعم الرجل أحقر من أن يشتغل به أو يتحدث عنه أو يضاع فيه عمر ثمين صرفه في غيره من الأمور أهم وأولى ، وأمره أبين من أن يبين ، والكلام فيه كما يقال تحصيل حاصل ، ولكن الأمر أمر سابقة قد أقامها بين الناس ، وسنة يوشك عن قريب أن تكون طريقة مسلوكة وهديا يتبع ، إن له أصحابا ينتظرون ، يترقبون ، ينظرون ماذا سيحصل وماذا سيجري ، فإن كان الإغضاء والسكوت ، ومر الأمر كأن لم يكن ، وقعت الجرأة وتقدم القوم إلى (الخلف)! خطوة ، واستسهل البعض قول الكفر ، واستسهل الناس سماعه ، إن الواجب بيان خطورة الأمر ، ووضعه في نصابه الشرعي ، وتبيين حكم الله جل وعلا في هذا الرجل ليكون الأمر فيما قاله بينا واضحا لجمهور الناس ، بل الواجب أن يقام حكم الله فيه على ما (قاءه) في هذه القناة ، وما خطه (بشماله) في عالم الصحافة والإنترنت ، علّ من خلفه يخنسون ويضعفون ويعلمون أن للأمر ما بعده ، وأنه لن يكون لهم كما يريدون ويحبون ، (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) هذا قوله سبحانه في مريدي شيوع الفاحشة في المؤمنين فكيف سيكون القول في مريدي شيوع ما هو أعظم منه وأخطر من الشرك والكفر والزندقة ، والقصد من هذه الوريقات جمع جملة من انحرافات الرجل ليقف عليها الناظر علّ في ذلك تحريكا لعلماء أفاضل وشيوخ كرام أن يقولوا فيه كلمتهم وليبينوا للناس حكم الشرع فيه ، سدا لباب كفر أن يفتح ، ولرأس زندقة أن يطل ، والواقف على مقالات النقيدان لا يكاد يجاوز مقالا إلا وهو مؤسس على انحراف ، إضافة إلى تعمد الإجمال والإبهام والغموض في كثير من الخطاب ، سيرتهم في ذلك كسيرة رأسهم الأول عبدالله بن أبي بن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل! فلما ووجه بالكلام أنكر ، ولو ثُبِّت عليه وأَقر فلعله سيقول: فأنت الأعز يارسول الله وأنا الأذل!! هذا شأنهم في كل زمان ومكان ، تشابهت قلوبهم وأقوالهم وأعمالهم ، ينكؤون في كثير مما يقولون جرحا فإن أردت وضع أصبعك على الجرح لم تستطع ، والعجب أنهم كثيرا ما يريدون ضرب الدين بالدين ، تراهم قد استشهدوا بما يظنونه دينا ليهاجموا ما هو من الدين ، فعجبا لهم كيف يستدلون بالدين ثم هم أولاء يمدون ألسنتهم صوب الدين ، أعاذنا الله من سوء الحال(7/263)
في الدنيا والآخرة ، وليس القصد تتبع جميع مظاهر الانحراف في كتابات النقيدان ، والوقوف على كل سقطة فإنه أمر يطول ، وإنما المقصود انتقاء شئ من أبشع ما قاله وأشنعه ، غير معقب عليه برد فالأمر سيطول والقصد بيان ما عنده ليس إلا لتعرف حقيقة الرجل ، ويعرف الموقف الشرعي منه5 ، وعامة المنقول غني عن الرد والجواب لوضوح وجه الجواب ، وجلاء الحق والصواب ، أسأل الله أن ينفع بهذه الوريقات إنه سبحانه خير مسؤول..
منصور النقيدان في سطور(7/264)
منصور النقيدان ببساطة رجل يظن نفسه على شئ وهو على (لا شئ) له في كل وقت رأي وفي كل ساعة فكر ، وفي كل زمان اعتقاد ، فمرة مسلم (مغال) (متنطع) (مشاد للدين) ، ترك الدراسة في المدارس النظامية وتبرأ منها فما حصل غير شهادة (المتوسطة) ، ترك الوظائف الحكومية لأنها غير محبذة لدى الأصحاب ، أتلف ما عنده من أشرطة الكاسيت ، وأحرق معظم ما لديه من كتب المعاصرين ، خلع الساعة من يده ، وحول التوقيت إلى الغروبي ، لا تطيب قراءة كتب السلف عنده إلا بعد إطفاء الأنوار وإضاءة السراج ، سكن بيت الطين بغير كهرباء ، يواسيه في حرارة القيض سراج وقربة ومهفة ، عزاؤه في ذلك كله أن الأجر على قدر المشقة ، قام بإحراق محل للفيديو ، يضلل من خالفه وربما رأى كفره ، سجن غير مرة ، ثم انقلب حاله فترك ذلك كله ليستقبل قبلة جديدة ولييمم وجهه صوب أفق جديد ، وليبتدأ لنفسه طريقة أخرى فغدى عصرانيا ، عقلانيا ، ليبراليا ، أو قل كما قال هو (شيئا آخر)!! يتورع عن تكفير المسيحي واليهودي و(البوذي)! وسائر أهل الملل والأديان لا يجد غضاضة من أن يُنسب إلى دين جديد (الإنسانية مثلا)! بل يُطالب بإخراج دين جديد للناس ولا بأس إن سمي المسخ الجديد إسلاما بعد ذلك ، فما ذاق في رحلتي شتائه وصيفه دفء الإيمان وبرد اليقين ، ولم يجد للاعتدال طعما ، ولم يكن له من الوسطية معنى ولا نصيب ، ولم يعرف الإسلام الحق حق المعرفة في مختلف تقلباته وانعطافاته ، يحدثنا عن بداية ذلك الانقلاب وسببه فيقول: (منذ بلوغي سن السادسة عشرة وأشعر أنني إنسان يطرح الأسئلة، أنني إنسان قلق كثير التساؤل، أنني لا أحب أن أقمع الأسئلة الداخلية لدي)6 ، ويقول: (وأنا في سن السادسة عشرة عصفت بي شكوك وتساؤلات وحيرة استمرت معي شهوراً،كانت ذا طابع وجودي، أذكر جيداً لحظة ولادتها،كنت أصلي العشاء في المسجد، داهمتني تلك الأفكار والوساوس، عدت بعدها إلى البيت ولزمت سريري ثم توضأت وأويت إلى فراشي، فارق عيني النوم، نهضت وتوضأت وصليت ركعتين، ودعوت الله أن يعيذني من وساوس الشيطان ،بكيت وتضرعت، وشقيقي قريب مني يغط في نوم عميق، وضعت رأسي على الوسادة ولم تفارقني تلك الهواجس، في تلك الفترة قرأت كل ما وقع بيدي من كتب لها صلة بمعاناتي، كنت أقاسي عذاباً لا يطاق، أذكر مرة أنني عاهدت الله أن أتخلى عن كل شيء لأجله إن أراحني من تلك الشكوك التي سممت عيشي، ولأن الحديث عن مثل هذا النوع من العذابات الروحية داخل في نطاق المحرم، فقد لزمت الصمت ودفنته بين جوانحي... هدأت نفسي بعد حين)7 ، لكنه لم يصبر ويعالج مرضه بل أخرج المخبوء وكشف المستور وقاء بما قاء به مدعيا الشجاعة في ذلك فيا ويله ، يقول: (الكثيرون يتغيرون في الظل، ولكن القلة هم الذين يملكون الشجاعة ليتحدثوا عن تجاربهم)8 ، فهو من تلك القلة التي تملك الشجاعة ، هكذا منصور تسمعه فتحس منه رائحة الغرور والعجب ينفثها من فيه في مثل قوله: (أنا شئ آخر)9 ، ولا ينسى أن يرفع رأسه ويشمخ بأنفه لتتكامل الصورة ، وما قصة تغيره وتقلبه ونكوصه إلا علامة العظمة إذ هذا شأن العظماء من قبل ومن بعد! يقول: (ما من شخص ما من عالم أو مفكر أو فيلسوف أو شخص له تأثير في تاريخ الفكر الإنساني إلا وستجد له أكثر من رأي في فترة متغيّرة)10 ، فشأنه كشأنهم بل هو منهم! ولذا فلا يستغرب منه إن حاول إلصاق ما يعانيه من أمراض نفسية وأزمات روحية بعظماء زعم أنهم عانوا ما عاناه ، وابتلوا بما ابتلي به ، لكن الفرق أن أولئك كبلهم ماضيهم ومحبيهم أما هو فتحرر من ذلك أجمع طلبا للحقيقة ، ولا حقيقة مطلقة تُدرك –زعم وافترى- انظر إليه وهو يلصق مرضه بغيره على منهج (ودت الزانية لو أن كل النساء زواني)! يقول: (وهذه المرحلة من القلق استجابة تعكس جملة معقدة من المؤثرات ، التي يترك كل منها طابعا معينا في النفس وتجعل الإنسان تركيبا مختلفا عن الآخرين ، وهذه الأزمة الروحية ، التي يراها البسطاء (خللا نفسيا وحالة مرضية) تنبلج عن قلق مقدس يساور كل مصلح في كل هم يحاوله وعمل يزاوله وموضع يستقر فيه ، مبعثه صفاء النفس وشفافية الروح وحدة الذكاء ، فيدرك النقص ليروم الكمال ويسأم الركود فيبتغي التحول...! إنه إرهاص ظهور كل عظيم ومصلح في كل أمة)11 أرأيت كيف يكون القلق والأزمات الروحية وما يُرى أنه خلل نفسي وحالة مرضية إرهاصا لظهور العظماء والمصلحين في كل أمة! وأن مبعث ذلك أجمع صفاء النفس وشفافية الروح وحدة الذكاء!! والنقيدان يسعفنا بالتمثيل على نماذج من هؤلاء فانظر إليه كيف يفتري على شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (هل كان ابن تيمية شخصية قلقة ؟ رأيي هو بالإيجاب)12 ، ويفصل أوجه القلق والاضطراب في شخص ابن تيمية بعد إيراد جملة من قصصه وأحواله فيقول: (هذه القصة لا تعكس شغفاً معتاداً بالعلم ومعرفة القول الصحيح في تفسير آية ما بقدر ما تعكس حالة من الحيرة والقلق إزاء مسائل كبرى ذات طابع وجودي، تجعل إيمان الإنسان على المحك، فهذا الإلحاح والتخفي والتمرغ في مسجد عتيق وتكرار الدعاء هي حال طالب للهداية والطمأنينة وبرد اليقين أكثر منها حال طالب للعلم والمعرفة أشكلت عليه آية، أو استغلق عليه فهمها ، فهل كان ابن تيمية فيما يحكيه ابن القيم عن تسلط الأرواح الشيطانية يشير إلى عاصفة من الشكوك كانت تلم به بين الحين والآخر حتى تنعكس على حالته النفسية والصحية؟ فنحن نعلم أن السنة النبوية جاءت بأدعية ورقى وتعاويذ لمن أصابه مرض جسدي وليس في شيء منها أي ذكر لآيات السكينة في القرآن، مما يعني أن ابن تيمية وهو الفقيه الحافظ للسنة كان يجتهد باستخدام آيات من القرآن تساعده على تخفيف حالته المرضية (الخاصة))13 ، ولذا فهذه الشخصية المريضة القلقة كان لها أن تصل إلى بعض مما وصل إليه النقيدان من فهم جديد للإسلام ومحاولات لمسخ تعاليمه وأحكامه ، يقول النقيدان: (في تصوري أن ابن تيمية لو تأخر زمنه لكان أحد القلائل الذين بإمكانهم أن يقدموا تفسيراً جديداً للإسلام)14 ، ويقول: (كان بإمكانه أن يكون لوثر آخر في الإسلام)15 ، لكن ابن تيمية (المريض)! (القلق)! لم يستطع المضي في هذا السبيل والسعي في هذا الطريق ليصل إلى ما وصل إليه صاحبنا ، تأمله وهو يقول: (كان عقله أكبر من مذهبه ، ولكن خيوطاً خفية نسجتها عدد من العوامل والظروف، والبيئة العلمية التي ترعرع في أحضانها، كانت تشده دائماً إلى الخلف...فقد كانت العشيرة: قبيلة المذهب تنتظر منه دوماً موقفاً مدافعاً ونصرة، ولم يكن الرجل يخذل أصحابه)16 ، فأي الرجلين خير من الآخر وأعظم! أبن تيمية الذي لم يواصل المشوار ، وانقطع عن المسير ، أم الآخر الذي واصل طريقه حتى النهاية؟! هذا هو النقيدان وهذا ظنه بنفسه مريض قلق ، وهذا المرض أمارة العظمة بل لعله شرطها ، إذ هو شأن العظماء من قبله ، ومن يعرف النقيدان يعلم حبه للأضواء والشهرة يصعب عليه أن ينخرط في سلك أناس ، وأن يسير بسيرة الناس ، لا بل هو على منهج خالف تعرف ، يتشوق لإلقاء الأحجار في المياه الراكدة ، ويأنس بإشعال المتفرقعات ليضطرب الناس في شأنه يوما أو بعض يوم في المجالس والساحات ما بين جاهل مدافع ، ومميع مداهن ، وناقم ناقد ، ومن هم على هذه الشاكلة فالعود إلى الحق ومراجعة الصواب صعب ، إذ الحق والصواب ليس المبتغى ، إنما القصد والطلب هو الذكر بين الناس ولو بالسب واللعن ، ولموقع ولو في حواشي التاريخ (فلان زاغ يوم كذا وكذا)! على طريقة (دخل التاريخ من(7/265)
أوسخ أبوابه)! وهو مستعد للعمل بيديه ورجليه في سبيل تحصيل ولو شئ يسير من مبتغاه وطلبته مهما كان طرحه سخيفا ومخزيا ومقرفا ، انظر إليه وهو يقول: (أنا لا مشكلة لدي-كما هو رأي د. تركي الحمد- مع من يكفرني ، ولكن في المقابل سأقول أنا ما أراه وما أقتنع به، وسأنتقدهم، وسأرد عليهم إذا رأيت ذلك ، ولكن هذا الحق لن تناله مادمت ستقف في طوابير الانتظار ، خذه من فك الأسد، وقاتل دونه...وياما..ياما.. في هذا الطريق ضحايا..وغرباء...ومكاسير ، نحن الذين علينا أن نوجد حريتنا، مادام أن من بيدهم القرار سيفكرون طويلاً قبل أن يفتحوا الأقفال، في الوقت الذي يملؤ قلوب بعضهم الرعب والهلع من إيقاف مشايخ التكفير والإرهاب ، أو التعرض لهم ، يمنع من الكتابة نخبة من أفضل كتابنا!.)17، ويقول: (وكانت قناعتي دائماً أن الحرية لاتوهب، وإنما تؤخذ غلاباً، وأن شيئاً من تصرفاتنا وقناعاتنا وكتاباتنا مما يشعر الآخرون تجاهه بالقرف، والخزي، والعار، ليس علينا إلا أن نستمر بتكراره لنجعله واقعاً مفروضاً، غيرمقبول من الأكثرية..نعم..ولكنهم يتفهمونه، ويتعاملون معه،هذا بحد ذاته نجاح)18 ، هذا هو الطموح وتلك هي الخطة وهكذا يكون النجاح! قال أحدهم لمنصور بعد مقال كتبه: (خفف شوي ! أخشى أن تمنع من الكتابة في الصحف ؟ قال: سوف أخرج في الشوارع لأوزع المقال الذي أكتبه ولن أسكت عن أي مظهر من مظاهر التخلف أبداً)19 ، فأربع على نفسك فـ(لستَ أوّلَ من حط رحله في هذه الصحراء الموحشة، بعيداً عن التقوى والمراقبة ورعاية حق الله الخالق العظيم، ولعلك إن لم تسبق إليك منه رحمة ستبقى وحيداً في غربتك إلى الأبد)20 ، هذا طرف من شأن النقيدان وحاله ، يتفهم من خلاله سبب ولوجه للباب الذي ولج ، وسقوطه على أم رأسه في حمأة الضلال والانحراف ، نسأل الله العفو والعافية ، فإلى شئ من أقواله المنبئة عن سيئ أحواله..
* دين النقيدان ، ونظرته للتدين:
يقول النقيدان:
(ولو قابلت يوماً أحد رموز العلمانية لسألته: هل تؤمن بالإنسان؟ فإن قال: نعم ، قلت له: فأنا على ذلك الدين)21.
ثم قال في لقائه في قناة العربية في برنامج (إضاءات) ما يوضح حقيقة هذه العبارة وأبعادها ، وأن النقيدان يذهب بها إلى أقصى مداها ، جاء في اللقاء:
(منصور النقيدان: أنا أحترم أي شخص مهما كان دينه وعقيدته.. لأن العقل ضد العنف الذي يبرره..
تركي الدخيل: طيب هل هذا ما أشرت إليه عندما قلت الإيمان عندي هو كثير من الإنسانية، قليل من الرهبانية، وقلت أيضاً لو قابلت يوماً أحد رموز العلمانية لسألته هل تؤمن بالإنسان؟ فإن قال: نعم، قلت له: أنا على ذلك الدين؟ يعني هل أنت هل هي ديانة جديدة إنسانية مثلاً؟
منصور النقيدان: ربما شيء من هذا القبيل..
تركي الدخيل: هذا كلام خطير..
منصور النقيدان: لا بأس.. لا بأس أنا لي فهمي الخاص للدين أنا بالنسبة إليّ أعتقد أن الدين في الحقيقة هو ما يحمله قلبك من الشعلة من الروحانية ، ما تحمله للآخرين من حب ومن سلام ومن تسامح ، أنا لا أعطي للطقوس وللأشياء المادية المقام الأول، المقام الحقيقي بالنسبة لي هو ذلك الإيمان والنور الذي يزهر في قلب الإنسان، أن يعيش مسالماً للآخرين، ومحباً للآخرين، ومتفهماً للآخرين ، وأنا اخترت أن يكون هذا هو مفهومي للدين ، دين دعني أقولها ربما أكثر سكينة، أكثر تهذيباً، الإسلام أنا أعتقد أن الإسلام دين عظيم، أنا أؤمن أن محمداً – صلى الله عليه وسلم – وحده الشخصية العظيمة التي أثرت في تاريخ الإنسانية، أنا أؤمن أن الإنسان أثر في تاريخ الحضارة الإنسانية للإسلام لكنني أنا لي فهمي الخاص..
تركي الدخيل: طيب هل تعتبر نفسك مسلم ولاّ إنساني يعني؟
منصور النقيدان: أنا نشأتي نشأت في بيئة مسلمة، وتلقيت العلم الديني، وكنت ذات يوم شيخاً صغيراً..
تركي الدخيل: ولكنك تحوّلت عن ذلك.
منصور النقيدان: لكنني تحوّلت أنا اليوم أعتقد أنني إنسان أحترم الدين، وأحترم الإسلام، وأحترم الأديان عامة، وأعتقد أن الآخرين حقهم فليختاروا ما يشاؤون من الأديان)22.
ويقول:
((صلاح) شاب مسلم ومتدين، يقول إنه بعد التفجيرات الأخيرة في الرياض تعاظمت لديه شكوك كثيرة، لهذا هو حائر ماذا يفعل في رمضان؟ كيف يعيش روحانية الدين؟ كيف يمارس العبادات، في مجتمع محافظ متشدد، يحصي عليك حتى الأنفاس؟ صلاح يتساءل هل بإمكانه أن يحتفظ بإيمانه ويمارس الدنيوية في حياته؟
قد تكون الطريقة التي يُمارس بها الدين في مجتمعاتنا جافة تعكس التزاماً بالتقاليد والأعراف الاجتماعية أكثر مما هي قناعة حقيقية واختيار ورغبة نابعة من الذات، وهذا ما يجعل البعض يعيش هذا التمزق الذي ألم بصلاح وربما العشرات ممن لا يستطيعون الإفصاح ، حسناً ، يبدو أن صلاح عنده فهم مغلوط في تصوره لواجبات الدين وشعائره، وفي تصوره كذلك للعلمانية أو الدنيوية ، بإمكانك أن لا تكون متديناً، وتصبح أكثر دنيوية؛ ولكنك في الوقت نفسه مؤمن، تمارس من طقوس الدين ما يتماشى مع هويتك ويمنحك الانسجام والتناغم مع من هم حولك ، قبل ذلك بإمكانك أن تكون مسلماً جيداً، مظهرك جميل، لحيتك ليست بشعة، لست إرهابياً متطرفاً، ويكون لك فهمك الخاص لوظيفة الدين في المجتمع ، ولكن، من قال إن الإنسان بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكون مؤمناً ومتديناً حسب فهم خاص للدين مرتبط ببقعة أو ثقافة إقليمية ما، أو وفق رؤية مذهبية أو طائفية، أو أن يكون ملحداً أو غير مؤمن أو علمانياً؟ - إذا سلمنا بهذه العلاقة المتنافرة ما بين الإيمان والعلمانية ، هناك دوائر أوسع لفهم الدين وتفسيره، ولسماحة الشريعة وتصور حقيقة الإيمان ودوره في حياة الفرد والمجتمع، هي تفاسير ومدارس في اسوأ أحوالها لا تصل بالإنسان إلى أن يكون لا دينياً أو عدمياً ، الإيمان شيء جميل، يبعث فينا العنفوان وحب الحياة، ويسعفنا لفهم ما يدور حولنا من ظواهر ونواميس كونية نجهل غاياتها، وتعجز عقولنا الواهنة عن تفسير لها، أليس ذلك خيراً من التيه والحيرة، حتى ولو كان وهماً؟
إن الله يكفيه منا أن نحمل الشعلة في قلوبنا ، أن نكون دائماً على أهبة الاستعداد للعكوف بمحرابه ، لنقدم شيئاً (لعياله) لعباده فهو غني عن عبادتنا)23.
* تحرر النقيدان من كافة الضوابط وإن كان الدين:
يقول:
(أنا وجدت نفسي من حين عرفت أن لي حقاً في السؤال، والاعتراض والرد،وطرح رؤيتي، ووجدتها حينما آليت على نفسي أن لا أسلم دماغي إلى بشر كائناً من كان، اكبر القضايا التي تزلزل الواحد منا هي القضايا الوجودية الكبرى، وهي تجربة ذاتية يحسمها الإنسان وحده،وما عداها من القضايا كغيرها،لا تشعرني أنا بالضياع مهما تعددت الآراء،وحتى إن لم أصل إلى قناعة تامة ، فلدى كل واحد منا قضايا مركونة على الرف، فتش..وستجد)24.
ويقول:
(لهذا أخذت على نفسي ان لا أمنح أحدا من الخلق، فرصة ليمارس أبويته ، ووصايته ، وما قرأت ما قاله أحمد بن حنبل لعبدالرحمن بن ميمون: "إياك أن تقول بمسألة ليس لك فيه إمام" ما قرأته إلا قلت ..يا حسرة على العقول.
وبعدها وقبلها مازلت أرى حتى ساعتي هذه ما أحب وما أكره، أسلو أحياناً، وأطنش كثيراً. يتعبني ويزعجني ويؤلمني بعض ما أسمعه، وما يتعرض له أحبابي وأصدقائي بسببي، ولكن دائماً أقول العاقبة للمتقين..والآن أكتب متى ما أردت وأحمد الله على السلامة، والحرية التي أتمتع بها)25.
وسئل منصور السؤال التالي:(7/266)
(يقولون: مابين الإيمان والإلحاد إلا (شعره) أو نقطة على كلمة أو فاصلة بين حروف ، وإمام الحرمين الجويني وغيره .. لما غرقوا في دركات البحث الفلسفي .. لم يجنوا إلا أن قالوا في أخريات حياتهم: "ليتنا على دين العجائز" أو في هذا المعنى ، سؤال..ألا تخاف على نفسك الإلحاد ... من نهاية التنقلات والبحث .. أو ما تخشى أن ( يغّتر ) من ليس لديه حصانة علميه وإيمان وفقه ، أن يتحول وينتقل مثلك ثم لا يستطيع العودة).
فكان من جوابه أن قال:
(لا فأنا لا أخشى هذه الشعرة، ولا يخيفني إلى ماذا سأنتهي يوماً، دع الآخرين يجربون ..دعهم يغترون ربما يعودون وربما لا يعودون..هل هو أول عذاب للبشرية؟....يا سيدي نحن معذبون إلى آخر واحد منا على هذه البسيطة.... دعه يقترب من السجف وتحرقه سبحات الحقيقة...دعه ..يهيم بهذا ثم يألف غيره....
ويسلوهم من فوره حين يصبح)26.
* إيمان النقيدان بنسبية الحقيقة ، وعدم تملك أحد أيا كان للحقيقة المطلقة:
يقول:
(نحن نطالب بأن الآخرين من حقهم، حقهم أن يعبروا عن آرائهم وإيماننا بنسبية الحقيقة أنه ليس من أحد يعبر عن الحقيقة المطلقة ليس من أحد البتة يعطي الحقيقة المطلقة، وبالتالي هو لا يمتلك الحقيقة دون غيره)27.
* دعوة النقيدان لتطوير دين الإسلام ، وإعادة تفسيره:
يقول:
(الرهان على "الإسلامية"، هي طامة كبرى، فنحن بحاجة إلى إسلام متصالح مع الآخر، إسلام لا يعرف الكراهية للآخرين من أجل معتقداتهم أو توجهاتهم، نحن نحتاج إلى لوثرية جديدة، وإعادة تفسير "جريئة" للنص الديني لكي نتصالح مع العالم ، فبعد سبتمبر بدت عوراتنا الحقيقية، وتهاوى الجينز، ليبدو من تحته العباءة العربية القذرة، العالم أدرك أننا نكن له كرهاً متجذراً في نصوص ديننا، وعرف أننا لا نعرف لأحد كرامة إلا أبناء ديننا، وأن الآخرين لا حرمة لدمائهم وأموالهم، إلا من دخل تحت العهد بالذمة، حيث يلبسون لبوس الصغار، نحن نحتاج إلى إسلام كإسلام الجيل الثالث اليوم من أبناء المسلمين في فرنسا)28.
ويقول:
(الخلاصة أننا بحاجة إلى إسلام جديد من قبل سبتمبر و"الحرب الصليبية" ومن بعد سبتمبر ، هي ضرورة ذاتية مرتبطة بوجود الأمة وكيانها)29.
ويقول:
(حرية التفكير والنقد، وإخضاع أكثر الأفكار قدسية للمراجعة كانت وراء مراجعة المسيحية نفسها لكثير من أفكارها الدينية ، وهذا ما نحتاج إليه نحن المسلمين اليوم)30.
ويقول:
(ويأتي ضمن هذا التغيير الصادق المراجعة الشاملة لكثير من الأفكار الدينية التي أتت بها بعض الدعوات الإصلاحية والتي انعكست آثارها الإصلاحية على العالم الإسلامي)31.
ويقول:
(تظهر الحاجة الملحة إلى فهم واع للشريعة والنصوص الدينية ومقاصدها مع التحولات الكبرى ورياح التغيير التي تعصف بالأمم والثقافات، ومع التماس الحضاري، تتكشف سوءات ويتهاوى ركام من المقولات التي يتعامل معها بقدسية مطلقة ، وتظهر على السطح أزمات نابعة من ممارسات تجد لها غطاءً من الشرعية في النصوص والتراث الفقهي والديني)32.
ويقول:
(أعتقد أن ما نعيشه اليوم من تغيرات جذرية، يمثل فرصة تاريخية لا تزال مفتوحة وممتدة أمام جهود التغيير والتجديد ولإحداث حركة تصحيحية كبرى، وضخ دماء جديدة في مؤسسة الفتوى تمدها بالحيوية، والقدرة على التكيف مع المستجدات، للخروج من هذه الأزمة الخانقة والفقر في مستوى الخطاب الذي أصبح اليوم لا يجد من يصغي إليه، هناك نوعان من التغيير أحدهما ليس إلا نزوة عابرة، و هذا لا ينتج إلا العقم والفشل، والثاني يتمثل بإجراء مراجعة صارمة وموسعة، وانتهاج مسلك الإصلاح داخل الإطار والمؤسسة، وهذا التجديد لابد أن يكون مقترناً بتشجيع إرادة الإصلاح المتدرج الهادئ، لاسيما وأن الجوانب الإيجابية التي ينبغي الحفاظ عليها كثيرة ومتنوعة ، وبما أننا نعلم أن اجتهادات العلماء ومدارسهم وتفسيراتهم ومحاولاتهم لتطبيق فهمهم للإسلام عرضة للصواب والخطأ، فإننا بحاجة إلى إخضاع أفكارهم للنقد والمراجعة، وامتصاص بؤر التوتر فيها، والقضاء على منابع القلق ومناطق التوظيف المغرض، وتفعيل ما تضمنته من إيجابيات، وفتح المجال رحباً للنقد والمراجعة الصادقة، وخصوصاً أننا نعلم أن الإسلام ليس لوناً واحداً ولا مذهباً واحداً، وأن بالإمكان الاستناد على قاعدة صلبة من المشروعية الدينية، باعتماد ما يتناسب والمتغيرات والظروف التي تمر بها منطقتنا ومجتمعاتنا)33.
ويقول:
(أعتقد أن ما نعيشه اليوم من تغيرات جذرية يعيشها العالم والانفتاح الإعلامي في مجتمعاتنا، يمثل فرصة تاريخية لا تزال مفتوحة وممتدة أمام جهود التغيير والتجديد ولإحداث حركة تصحيحية كبرى ،وضخ دماء جديدة في المؤسسة الدينية تمدها برواء الحياة ، والقدرة على التكيف مع المستجدات ، بدلاً أن تفاجأ بأزمة خانقة وفقر في مستوى الخطاب المقنع للجمهور أو الأفكار الناجعة،فالأغبياء فقط هم الذين لا يتغيرون)34.
ويقول:
(في ظروف تاريخية معينة تواجه المجتمعات إشكالات كبرى وتمزقاً بين جمودها على ما تتصوره ثوابتَ فكريةً ودينيةً وبين متطلبات حياتها وضرورات وجودها ينعكس تمسكها بها سلباً على حياة أفرادها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وعلى علاقتها بالعالم من حولها، مما يوجب على فقهائها ومفكريها البحث عن مخرج وعادةً ما يكون أنسب الحلول هو إعادة التفسير، والتأويل، وربما الانتقائية ، كم في تراثنا الضخم من تفاسير وفهوم ومذاهب ومقولات، نحتاج إلى أن نتعامل معها على ضوء القاعدة التي تقول: (اذكروا محاسن موتاكم) ، إن حضارة ما وإن كان الدين بشكل نسقها لن تشق طريقها حتى تدفع بالأفكار المعوقة -التي تقف دون الاستيعاب لشتى الشعوب والديانات والثقافات تحت عباءتها - إلى الصفوف الخلفية،وإن كانت تلك الأفكار هي الشرارة الأولى، والدافع في البدء لتلك الانطلاقة،فالحضارة تأكل أفكارها الأولية، أو تطورها بما يتناسب واللحظة التاريخية، ولا يمكن ألبتة أن تبقى على نقائها وسذاجتها الأولى)35.
ويقول:
(فأحداث سبتمبر كان يمكنها أن تكون ذات أثر عميق ينعكس على فهمنا للدين، لولا الانكفاء الذي حصل بعدها والتقهقر، واللجاج وإنكار الحقيقة، وتلكؤ الحكومات عن الاعتراف بدور الدين أو"فهمنا للدين" فيما حصل ، إلى ما حصل من جموع غفيرة لا يستهان بها من كتاب ومثقفين ومفكرين، من تبرئة للذات واتهام للغرب، كفلسفة معاوية حينما قال: "من قتل عماراً هو من أتى به إلى أرض المعركة"! إلى تلك الآراء/الفتاوى الغريبة التي تعتبر أسامة بن لادن، وما فعله المجاهدون في أمريكا وبقاع أخرى من العالم من سفك للدماء وقتل للأبرياء، اجتهاداً يسوغه الشرع، وصاحبه بين الأجر والأجرين، ، وفي المقابل ترى تلك العقول المنتنة أن القرضاوي في إباحة الغناء، ضال مضل، ينشر الفساد والرذيلة..! الحادي عشر من سبتمبر كان لنا كالكَسَّاح الذي أخرج آخر ما في الباطوس من قذارة، ونتن وعفن، وكلما ازددت حفراً -منذ يوم الثلاثاء المبارك- تقيأت لك أرضنا مالا يخطر لك ببال)36.
ويقول:(7/267)
(هذه الروح في التعامل مع نصوص الشريعة وأحكامها، لو تم تفعيلها، بعملية مراجعة مستمرة، وإعادة تفسير متدفقة، مساوقة للتغير الهائل الذي طرأ على حياة المسلمين اليوم، في شتى مناحي الحياة- وقد ذكرنا سابقاً كيف نجحت عملية إعادة تفسير الآيات المتعلقة بالكون إثر كل اكتشاف علمي- فلربما تعطي بديلاً لنموذج علماني متعسف، ولكن إن استمر الحال على هذا الجمود، والتخاذل، والانكفاء مع امتلاء أهوج وتورم أرعن "أننا نملك الحل لهذا العالم" ، من دون أن نرى شيئا مقنعاً على أرض الواقع، فالمآل معروف للجميع ، فالبديل معروف)37.
ويقول:
(هناك دائما عملية إعادة تفسير مستمرة لنصوص القرآن، غير أن كونها تجري دائماً بعيداً عن الضوضاء، داخل مراكز دراسات ،تنشر بحوثها في دوريات ومطبوعات متخصصة، ، جنبها ردود أفعال تقضي عليها في مهدها ، ومكنها من أن تخطو خطوات)38.
ويقول على وجه الثناء:
(في تصوري أن ابن تيمية لو تأخر زمنه لكان أحد القلائل الذين بإمكانهم أن يقدموا تفسيراً جديداً للإسلام)39.
ويقول كذلك:
(كان بإمكانه أن يكون لوثر آخر في الإسلام)40.
والنقيدان لا يتوقف عند مرحلة المطالبة والتنظير المجمل لعملية تطوير الدين ومسخه ، بل يقدم المبرر الشرعي لمسخ الشرع!! وذلك بفتح باب الاعتراض على الشريعة ، وتجويز التشريع بوضع الأحكام الجديدة محل القديمة وهكذا! ، يقول: (فعمر بن الخطاب أكثر الصحابة اعتراضاً على الرسول (ص)41 وأكثرهم تساؤلاً حول الحكمة من التشريعات)42 ، ويقول: (وضرب عمر ضرباته في اجتهادات جريئة...فكان بذلك أكبر المشرعين43 ، وفتح لمن بعده كوة إلى رحابة التشريع ومرونة الأحكام، وانحنائها أمام المنعطفات والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية)44 ، وبناء على هذا التأصيل يأتي على شئ من التفاصيل التي يرى أنها مما يجب أن يعاد النظر فيه ، ومن ثم يعاد تفسيره ، ليقدم في صورته الإسلامية الجديدة! لكنه كما يقال: (إسلام آخر زمن)! يقول في عبارة جامعة لأوجه المراجعة المطلوبة:
(يتميز الإسلام بأنه لا يوجد فيه هيئة دينية عليا تقرر ما هي -بالتحديد- العقيدة الصحيحة المستقيمة نظراً لوجود آيات محكمات وأخر متشابهات و عدم قياس ثابت متفق عليه إجماعاً لتحديد الفاصل القاطع بين استقامة العقيدة والمروق عنها، إضافة إلى عوامل الاجتهاد والتأويل والإجماع الظرفي المتغير بذاته مع الزمن، والعرف والظروف البيئية ونوعية العقلية السائدة في تحديد مواقع الأنماط الفكرية،فعدم وجود هذا القاطع "الرسمي" بين الاستقامة والانحراف يدفعنا غير مخيرين إلى ضرورة النقد الداخلي والشجاعة والصدق مع النفس،والسماح للآراء الأخرى الراشدة بالتنفس، والتعبير عن وجهات نظرها مهما كانت قاسية، ومهما كانت جارحة للكبرياء ، إن من أهم المسائل التي تستوجب من علمائنا الأفاضل أخذها بعين الاعتبار قضايا ضوابط التكفير وموانعه، ونواقض الإسلام ما هو موضع اتفاق وما هو موضع اختلاف، ومفهوم تطبيق الشريعة،والحكم بما أنزل الله، والذي غدا اليوم كقميص عثمان في التبرير لكل متسلق إلى السلطة مستبيح للدماء والأموال، وإعادة النظر في مفهوم الولاء والبراء ولوازمه ومتعلقاته ، وإزالة كل ما علق بهذا المفهوم من زيادات وإضافات دعت إليها ربما ظروف سياسية وخصومات مذهبية وظفت فيما بعد سيفاً مصلتاً على كل مخالف، وأصبح تلقين التلاميذ والطلبة بها كاللعب بالنار بحيث يمكن أن توظف لإشعال الفتن،والطعن في عقائد الناس والخروج على الحكومات، كما أن علماءنا الأفاضل مطالبون ببيان أن قصر مدلول الحكم بما أنزل الله على المعاملات التجارية أو الحدود والعقوبات المقدرة- دون ما عداها من أوامر الله ونواهيه التي هي مما أنزل الله ومن أحكامه تعالى- سوء فهم لمقاصد شريعة الإسلام وصلاحيتها، فالرحمة بالناس مؤمنهم وكافرهم، ومراعاة أحكام الجوار على صعيد الأشخاص والمجتمعات أو على صعيد العلاقات الدولية، وتحسين صورة المسلمين وتحبيب الإسلام إلى البشرية، كل ذلك هو من الحكم بما أنزل الله الذي يغفله أولئك الذين يريدون أن يحصروه بالعقوبات وقطع الأيدي وجلد الزناة)45 ، هذا موجز لمجالات المسخ المطلوبة ، وإليك بعضها من كلامه مفصلة:
*تطوير عقيدة الولاء والبراء:
يقول النقيدان:
(وعلينا نحن فقط دون غيرنا مسئولية القيام بتلك المراجعات، أن نقدم للعالم ديناً أكثر تسامحاً وأكثر تعايشاً مع الآخرين)46.
ويقول:
(يستحيل أن يستوعب خطاب يكرس الكراهية تجاه الآخر دينياً أو طائفياً، ويسوغ العنف بكل أشكاله ضده، ويصنف المجتمع والمواطنين على أساس ديني، ومذهبي يستحيل أن يستوعب مفاهيم حقوق الإنسان، إذا أخذنا في الاعتبار أن الأصابع مازالت تشير إلى عرابيه بالتورط في توفير الفتاوى والمشروعية الدينية لغزوتي واشنطن ومنهاتن ، إن الفلسفة التي تقوم عليها مفاهيم حقوق الإنسان، تتصادم في الجوهر مع ثقافة تنتج هذا الخطاب)47.
*تطوير ما يتعلق بالتكفير ، ونواقض الإسلام بإحياء نزعة الإرجاء وفرضها على الناس:
يقول النقيدان:
(لدي قناعة تامة أن من الحكمة الآن التركيز على تلقين الناس مذهب (الإرجاء) في الإيمان ، فالفكر السلفي -بمعناه المعاصر- يحمل في بنيته نزعة تكفيرية إقصائية ، ونحن نحتاج اليوم إلى بعث وإحياء نزعة (الإرجاء) التي تجد لها مستندا قوياً في نصوص القرآن والسنة ومقولات السلف ، إن إحياء مذهب الإرجاء اليوم بتنوع ألوان طيفه ومقولاته المتعددة هو أفضل الحلول، كالقول بـ"قصر مفهوم الإيمان على الاعتقاد القلبي فقط، وما عداه فهو كمال"، إلى آخر يرى أنه " قاصر على الاعتقاد واللفظ الإقرار"، إلى من يذهب إلى القول بأن "الإيمان المنجي في الآخرة يكفي فيه الاعتقاد مع الإقرار اللفظي مع أداء شيء من أعمال الإيمان يتحقق بها جنس العمل الذي يدخل به المسلم الجنة"، والأخيران مذهبان كانا واسعي الانتشار في العصور الأولى بين علماء وفقهاء الأمة، ونستطيع اليوم أن نجد له شاهداً قائماً في المجتمع الأندونيسي الذي يحمل في فهمه للدين نزعة (علمانية) ، كما أن للإرجاء في تراثنا تجليات أخرى رائعة في أحكام تكفير المسلم: موانعه وشروطه، تنم عن تسامح الإسلام ورحابته ، الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن (تفعيل) الدين-حسب بعض أشياخي- في حياة المجتمعات، ورفع مستوى الشعور الديني، كفيل بأن يصل بنا إلى الكوارث التي نراها اليوم ماثلة أمامنا، غير أن إجراء عملية (خَصْيٍ) لفيروس الأفكار القابلة للانبعاث، عبر نشر مذهب(الإرجاء)، وتكثيف حضوره في الخطاب الديني والوعظي في المقام الأول، قد يقدم شيئاً مفيداً وجديداً، شريطة أن لا تكون الحكومات-التي ترى أن لديها مشكلة حقيقية تحتاج إلى علاج- هي الراعي المباشر لهذه الحملات، بل يجب أن تبقى بعيدة ترقب وتفسح المجال فقط وتزيل العقبات، أو على الأقل فقط أن تمنحه من الفرص ما تمنحه للآخرين)48.
* تطوير شريعة الجهاد:
يقول النقيدان:
(أخلص من هذا إلى أن إشكالية خطاب (الجهاد) من الممكن أن نتعامل معها (دينياً) على مستويين:(7/268)
أولاً: إبراز مفهوم الجهاد الحقيقي في النفس، والمال، والنجاح في الحياة، ومساعدة الآخرين، والتركيز على النصوص والشروحات التي تجلي هذا المفهوم ، واعتبار الظروف التاريخية والسياسية التي أحاطت بتشريع الجهاد في الإسلام، وكيف أن الإسلام انتشر طوال عقد ونيف قبل تشريع المقاومة المسلحة، وأن الجهاد كان ينصرف حينها إلى الصبر، والعفو واحتمال الأذى،ومقابلة السيئة بالحسنة.
وثانياً: نزع (القدسية الدينية) عن مفهوم المقاومة والدفاع عن الذات والوطن، التي تندرج ضمن مصالح المجتمعات والدول، عبر احتوائها ببث وإرساء ثقافة الشرعية الدولية، وحق تقرير المصير والقانون الدولي، فما دام أنه ثمة اتفاق بين فقهاء الأمة وعلمائها اليوم على أن جهاد الطلب والابتداء - وهو المقصود أصالة في التشريع - قد أغلق إلى الأبد، وأنه لا يجوز اليوم إعلان دولة مسلمة الجهاد على جارة لها غير مسلمة، وأن ثمة نظاماً دولياً جديداً تشكل ويتشكل، ونحن منخرطون فيه كسائر خلق الله، فلم يبق إلا أن يبين أن الدفاع عن النفس والبلد والأرض هو غريزة أساسية في الإنسان وحق فطري، أسبغ عليه الشارع وصف الجهاد توسعاً وتشريفاً،كما وصف الرسول من يموت في الهدم أو الغرق أو الحريق شهيداً، مع القطع بأن الشهيد شرعاً لا يدخل فيه أحد هذه الأصناف، وأن وصفه بالجهاد لا يعني أنه متعال على الزمان والمكان، لا يخضع كغيره للتوازنات ومصالح المجتمعات والدول)49.
ويقول:
(الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بابان من أبواب الفقه لم تقدَّم فيهما دراسات ذات بال تتوافق والمتغيرات والمنعطفات الكبرى التي عاشتهما الأمة الإسلامية في القرنين الأخيرين، وبعد نشوء مفهوم الدولة الحديثة، والشرعية الدولية وحقوق الإنسان، بحيث لم تزل أحكام الجهاد تدرس كما لو أننا نعيش في القرن الرابع أو الخامس، مع علم الجميع أن جهاد الطلب والابتداء أمر قد ولى زمنه، حضور ذلك الفقه بطابعه التقليدي سوّغ لكثير من الإسلاميين الاستناد على مثل آراء ابن تيمية السابقة لإعلان الجهاد ضد حكوماتهم التي يرونها (مرتدة) وبالتالي هي أشد خطراً من الحكومات الكافرة كفراً أصلياً، ولدى ابن تيمية من الآراء والاجتهادات التي يدعي فيها إجماع علماء المسلمين ما يستندون عليه ويعبون منه حتى الثمالة)50.
* تطوير مفهوم الاحتساب:
يقول النقيدان:
(إن مفهوم الحسبة اليوم يعاني من أزمة مردها إلى أن ثمة واقعاً مغايراً ومتغيراً، صفته الحراك والتطور، يراد له أن يصلح ويمارس عليه مفاهيم عبر قوالب متجمدة، ولن يكون لمفهوم الحسبة دور إلا بإحساس المجتمع عامة بالحاجة إليه مثالاً وهدفاً والالتزام بما يفرضه ويقتضيه، وأما الجمود على تلك القوالب والمقولات التي صاغها المتقدمون فلا يمكن بحال أن يكون مرجعا لصياغة نظريات جديدة للحسبة اليوم ، نعم يمكن البناء على ما يصلح البناء عليه منها متى ما ناسب الواقع وقارب روح الشرع من دون أن ترفع إلى مستوى الوحي المنزل)51.
* تطوير أحكام الحدود:
يقول النقيدان:
(هناك قواعد وعناوين يكثر إطلاقها، كمقولة إن: "الحدود توقيفية، ولا يجوز الاجتهاد فيها، أو استبدال عقوباتها المحددة بأخرى"، وحينما نتجاوز ذلك التعميم إلى قراءة كل جزئية على حدة، سنجد أن الأمر ليس من الرهبة كما يبدو للوهلة الأولى، فعمر بن الخطاب أمر ألا تقام الحدود في أرض العدو أثناء الحروب52، وعمر نفسه كان قد جعل حد شارب الخمر ثمانين جلدة، -مع أنه لم يكن لها عدد محدد في حياة الرسول- فلما حكم علي بن أبي طالب ردها إلى أربعين53، فإذا ساغ الاجتهاد في زيادة أو نقصان54 جنس العقوبة ، فاستبدالها بأخرى وارد على هذا الأصل)55.
ويقول:
(فقه الشريعة يقول: إن إبدال العقوبة المحددة بأخرى هو من جنس الزيادة في العقوبة ومضاعفتها56،كما فعل عمر،وإذا ساغ للفقيه الزيادة للمصلحة، جاز أيضاً نقصانها للمصلحة، أو استبدالها بأخرى،سيان في ذلك عقوبات الحدود أو غيرها)57.
وانظر كلامه في حد الردة مثلا:
(العنف المادي، هذا لا شيء يقرره ولا شيء يبرره أياً كان حتى مهما كانت التبريرات الدينية، أنا لا أقصد العنف تجاه أي إنسان كان مهما كانت ديانته، مهما كانت عقيدته، مهما كان جرمه الفكري وما ينظر بأنه مرتد أو زنديق أو أياً كان، ليس من شيء يبرر العنف والاعتداءات الجسدية والمادية على الآخرين، أما بالنسبة للآخرين فأنا أقبلهم لكن هل هم سيقبلوني؟ هذا شيء آخر، يعني أنت منذ قليل ذكرت أن الآخرين يصفونك بأنك متطرف، كثير من أولئك الذين ينظرون بأن منصور النقيدان مثلاً أنه اليوم متطرف وأنه اليوم انقلب على أفكاره الأولى، وبالتالي ليس له رؤية واضحة محددة لأنه لا يقر له قرار، هم يكفّرون مجتمعات إسلامية بعامة، يكفرون طوائف مسلمة هم يختلفون معها، فهؤلاء هم آخر من يتحدث عن التطرف وآخر من يتحدث عن الإرهاب أو العنف أو ما شابه)58.
*دعوة النقيدان لحرية التعبير المطلقة:
يقول النقيدان:
(أنا أؤمن تماماً بحرية التعبير والانتماء الديني أو الطائفي، ولكنني أدرك جيداً أن الدعوة إليه، أو التفكير في ممارسته ومحاولة ذلك في مجتمع كالمجتمع الذي درجت فيه هو انتحار وجنون، غير أننا بحاجة أحياناً إلى أن نخوض هذا الجنون،نحن بأمس الحاجة إلى أن نظهر مواقف شجاعة تشعرنا بالرضى عن النفس، والتناغم مع حقيقة وجودنا)59.
ويقول:
(لا حل سوى حرية التعبير ، فهي الكفيلة بتحجيم هذا السرطان المستشري ، ورفع الوعي وتعزيز ثقافة التسامح التي تتمثل أولاً بقبول آراء الآخر المسلم فقهياً ومذهبياً وفكرياً)60.
ويقول:
(إن حرية التعبير ورفع سقف الرقابة وعدم قسر الناس على ثقافة دينية معينة ورؤية مذهبية واحدة هو إحدى وسائل بتحجيم هذا السرطان المستشري ، ورفع الوعي وتعزيز ثقافة التسامح التي تتمثل أولاً بقبول آراء الآخر المسلم فقهياً ومذهبياً وفكرياً)61.
ويقول:
(ما نحن بأمس الحاجة اليوم إليه، إدراك أن الإرهاب الفكري الذي مورس ويمارس على الآخر المسلم الشيعي أو الصوفي، أو الليبرالي أو العلماني أو أو، هو الوجه الآخر للتنظيمات المسلحة، إن فتاوى كانت ومازالت يتم تداولها منذ سنوات لأحد كبار العلماء في السعودية وممن يتمتعون بجماهيرية كاسحة، تسيء إلى أصحاب المذهب الشيعي تحتاج اليوم موقفاً حاسماً، أمثال هؤلاء يجب أن يوقفوا عند حدهم وأن تتم محاكمتهم وإدانتهم لإثارة النعرات الطائفية، وأي تساهل مع هؤلاء سيكون له آثاره السيئة على الجميع، من الحكمة الآن القيام بإجراءات كثيرة وتنفيس وبحبوحة من حرية الممارسة والتعبير، تفادياً للمقبل من الأيام، ورتقاً لخرق بدأ يتسع، فما يجري في العراق اليوم مؤذن بشر مستطير قد يطال شرره كل من حوله)62.
ويقول:
(أعتقد أن الحل يكمن في أن يكون هناك حرية، وأن يطرح الجميع ما لديهم، وأن يبقى الجدل الديني بعيداً عن السلطة السياسية وتدخلاتها)63.
ويقول:(7/269)
(حدود الحرية الدينية عندي هي الحدود التي منحت عبدالله بن أبي بن سلول أن يقول : (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) يقصد أنه هو الأعز ، والرسول"ص" الأذل!، ولم يقتله رسول الله .. تقولون خشية أن يقال إن محمداً يقتل أصحابه ، أقول: لم تكن هناك حملات توعية، تمهد للقضاء عليه، لم تعقد له الجلسات ، لم تكن خطب الجمعة عنه ، لم يقم أبو هريرة بنشر مطويات تحذر منه ، وتوضح عظم خطره على الإسلام ، ولم يتناوله الرسول بالحديث عن نفاقه علناً، ولم تنزل سورة تفضحه باسمه كما فعل مع أبي لهب، وزوجته البائسة أم جميل، كان يقوم بين يدي الرسول"ص" يوم الجمعة عقب الصلاة، ويعظ الناس، لم ينقل عن الرسول أنه قاطعه أو أسكته، أو أهانه في مجلس،أو كسر خاطره علناً، كان يرغم فتياته على البغاء"تجارة الرقيق الأبيض"، وهو بين ظهراني المسلمين في المدينة، فنزلت فيه آية "النور"، بعتاب لطيف، (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا، ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) ، لم ينقل أنه امتنع من ذلك الفسق ولم تتم مداهمته بأحد جموس الهيئة، أو على الأباعر بقيادة عباد بن بشر، أو عبدالله بن أنيس ، مات فكان محل التقدير والاحترام ، ألبسه الرسول جبته ، ونزل معه في قبره، ونزلت آية التوبة تنهى الرسول عن الصلاة عليه، وانه لو استغفر له سبعين مرة، فلن يغفر الله له، وقال الرسول: (لو علمت أنني إن زدت غفر له لفعلت ذلك) ، هذه هي الحرية التي كانت في المدينة على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما حدود الحرية السلوكية والأخلاقية، فهي التي تسمح لمثل مغيث أن يتبع بريرة ،في الأسواق، والناس جيئة وذهاباً، وهي ليست على ذمته، ودموعه- ياعيني عليه-تسيل على خديه وقد ذاب قلبه عليها حباً وعشقاً، والرسول ينظر إليه ويعجب، ثم يلتفت إلى العباس ويقول: ألا تعجب من حب مغيث لبريرة؟ ومن بغض بريرة له؟
ومنها حدود حرية المسلك والاجتهاد الفقهي، حيث كان من المشهور أن أبا طلحة الأنصاري كان يأكل البرد في رمضان، وهو صائم ويقول: (إنه ليس بطعام ولا شراب)! ولم يتعرض له أحد بأذى أو تضييق، وهي الحرية التي تسمح لعائشة أن تكذِّبَ أحاديث يحدث بها بعض الصحابة، وترد عليهم بناء على رؤيتها الشخصية)64.
* موقفه من التحاكم للشريعة ، وعلاقة الإسلام بالسياسة:
يقول النقيدان:
(في لقاء أجرته صحيفة الشرق الأوسط نشر أول أمس الثلاثاء ، قال الكبيسي :(إن من الخسة أن تكذب وتدجل وأن تدعي أنك تريد أن تقيم دولة إسلامية، وأنت لم تستطع طوال 15 قرناً أن تقيمها حتى عندما كنت في أوج قوتك وفي وجود جيشك) ، مؤكداً أنه ما من عباءة أشد فرقة من العباءة الدينية، ولذلك لا ينبغي أن تقوم حكومة دينية في العراق اليوم ، ويقول بالحرف الواحد: ( نحن لا يجب أن نجعل دين الدولة على مذهب واحد، نريد دولة شعبها مسلم يتمتع بحريات كاملة دون أن تمثل طائفة بعينها) ، هذه الرؤية التي قدمها الكبيسي لعراق جديد تشابه إلى حد كبير رؤية (أبو الحسن الندوي) المفكر الهندي الذي كان يرى -بعد انفصال باكستان عن الهند- أن (العلمانية) هي أفضل وضع يمكن أن يعيشه المسلمون في الهند بحكم كونهم أقلية، ولاستحالة إقامة دولة إسلامية بحيث تحمي العلمانية/الديمقراطية حقوقهم، غير أن المثير فيما ذكره الكبيسي أن الوضع في العراق مختلف تماماً، فالكبيسي يؤكد أن إقامة (حكومة إسلامية) أمر مستحيل، مستشهداً بالتجربة التاريخية للمسلمين عبر خمسة عشر قرناً، مؤكداً من غير أن ينطق أن دولة الإسلام أمر قائم وحكم مستقر مع كل ما مر بالأمة من فترات ضعف وانحطاط، ومع كل ما توالى عليها من خلفاء وحكام وملوك ورؤساء تفاوتت درجات تمسكهم بالشريعة وشعائر الإسلام مادام أن المجتمع يمارس واجباته الدينية ويحظى بحقوقه بشتى مذهبياته وطوائفه،فدولة الإسلام باقية ما بقي المسلمون)65.
ويقول:
(راهن الكبيسي على مفاهيم الحداثة :الشرعية الدولية، واتفاقيات جنيف، وحقوق الإنسان، ناسفاً ما عداها من شعارات تقتات عليها الحركات الإسلامية، ومصدر شرعيتها (إقامة الدولة الإسلامية) ، فهل حقاً تشكل تلك قناعة راسخة لدى الشيخ بأن تلك الأطر والمفاهيم التي تشكل ثقافة (المحتل الغازي) هي الضمان الحقيقي لأن ينال الإنسان العراقي بمختلف أشكاله الطائفية والعرقية كرامته؟ وأن شعارات (الإسلام السياسي) والسعي لإقامة حكومة مسلمة ليس إلا دجلاً وكذبا؟ً وهل هذا يشكل انقلاباً حقيقياً في رؤية الشيخ أم أنه تكتيك؟)66.
وقال في أثناء المقال نفسه:
(هذه رؤية سياسية واقعية لما يجب أن يكون عليه العراق يقدمها أحد أشهر علماء المسلمين في العراق).
وقال في آخر المقال مثنيا على هذا الموقف ناقما على المواقف الأخرى التي (تقتات) عليها الحركات الإسلامية على حد تعبيره:
(فهل نعتبر تصريحات الشيخ الكبيسي المثيرة ورؤيته الواقعية لعراق جديد رهاناً على الإنسان، ومباديء حقوق الإنسان، وطلاقاً بائناً لشعارات طالما أهلكت الحرث والنسل؟).
ويقول:
(فالإسلام الذي جاء به محمد"ص"واحد، ولكنه غدا من بعده إسلامات عدة، وقراءات متنوعة، ومذاهب شتى، وما أتمناه ليس هو تغيير نمط التدين المحلي، فهذا يحتاج إلى ثورة على أكثر من صعيد ، وهي بعيدة المنال حسب ما أراه، ربما أن قد أشرت إليها فيما سبق من إجابات ، المشكلة الكبرى هو أن الدين لدينا قد انعجن بالسياسة، حتى أن الواحد لا يدري أحياناً أهو يلامس التابو الديني، أم يقارب المحرم السياسي)67.
*موقف النقيدان من مختلف الطوائف والمذاهب والملل والنحل:
*موقفه من منهج السلف والسلفيين وأئمة السنة:
يقول النقيدان:
(كنت في مقال سابق نشرته جريدة إيلاف الإليكترونية، قد ذكرت أن لدي قناعة تامة أن الفكر السلفي يحمل في بنيته نزعة تكفيرية، وأنا في استعراضي السابق ركزت على الظاهرة الإسلامية/الإسلاموية في السعودية، وهي على شتى ألوانها ترتكز على قاعدة السلف الصالح، ومرجعية أقوالهم ومواقفهم من الآخر المسلم وغيره، فهذه التشكلات المتطرفة اليوم ليست استثناءً، فقد ولدت كلها من عباءة السلف وقد وقعت أحداث مشابهة لما نراه ونسمعه اليوم من تكفير وإهدار للدم ومطالبة بإقامة حد الرد ، على فلان وعلان، من علماء ضد علماء مثلهم لا يقلون عنهم تقوى وتديناً وتمسكاً، فكيف بمخالفيهم من أصحاب المذاهب الدينية والطوائف الأخرى، والتاريخ الإسلامي حافل بأمثلة كثيرة جداً ، أنا أشبه علاقة نزعة التكفير ببنية هذا الفكر، بتلك العلاقة التي كانت تربط (سيد الخواتم) بصانعه(ملك الظلام) ، ألم يقل ذلك الساحر الطيب إن الخاتم يحن إلى صاحبه، ويشتاق إليه، وصاحبه لايقر له قرار حتى يجده؟ كلاهما منجذبان إلى بعضهما ، لهذا كتب أحدهم يوماً: (إن ديناً لا تكفير فيه ليس بدين)!)68.
ويقول:(7/270)
(أعتقد أن هذه المفارقات تجد جذورها في تراث هائل من أقوال السلف، وتعاملهم مع المخالف حيث بإمكانك أن تجد آراء تذهب إلى أن التقوى تتمثل بأن تأكل مع غير المسلم على أن تجتمع مع مسلم مخالف لك في النحلة على مائدة واحدة، وأن نكاح مسلمة محصنة عفيفة مخالفة لك في المذهب/المعتقد هدم للدين، بينما يجوزون أن ينكح مسيحية أو يهودية، أو أخرى ساقطة لا تعرف العفة ولا الفضيلة ، كما ستجد من ينخرط في مناظرات مع أهل الكتاب ولكنه لا يجوز لك أن تناظر مسلما مخالفاً في الاعتقاد أو الطريقة أو النحلة... إنه تراث لم يزل حاضراً وبقوة ، ومرشح للبقاء طويلاً، بعد أن تحول اليوم عفونة تصبغ حياتنا وتسمم أجواءنا، وبعد أن فقد عصارته، وتعفنت ثماره، ولم يبق منه إلا الدغل، وخيوط عنكبوت تلتف حول أعناقنا،وتعرقل مسيرتنا)69.
ويقول:
(لدينا اليوم عدد لا بأس به يعملون جاهدين على استدعاء أكثر الأفكار في التراث الديني الإسلامي تخلفاً، يتخذون منها درعاً واقياً لهوية مستهدفة، ويحتمون بها عوامل للشحن والتعبئة ، أفكار عديدة شكلت النسق في أدبيات الجماعات الإسلامية اليوم لم تأت من فراغ ، بل كانت قابعة في جيوب ومخابئ ثقافتنا ألغاماً قابلة للانفجار تظهر حيناً وتختفي ردحاً من الدهر متى ما توفرت الشروط الموضوعية لانبعاثها واستدعائها، فهي في متناول اليد، يستحيل القضاء عليها إلا بالقضاء على أسباب انبعاثها ، لا أسباب وجودها ، فهي كامنة كالفيروس)70.
ويقول:
(ربما يشعر البعض أنني أتحدث عن قضايا بعيدة كل البعد عن واقعنا ونوازله، ولكن هذا الفقه والتراث بمقولات أئمته وبكل طميه حاضر في ثقافتنا، ويشكل المرجعية والأرضية الصلبة لحركات وتوجهات ونزعات تعشعش بيننا، ونصطلي اليوم بثمار أفكارها)71.
ويقول:
(نسمع أحياناً أن العالم الفلاني استنكر أو رد أو استهجن ...إلخ، ولكننا نعلم أن هذا الفكر التكفيري الخارجي يجد له مستنداً وجذوراً في (النصوص المؤسسة) وفي ثقافة راسخة تعود إلى العهد الأول، وهذا ما يحاول البعض أن يتجنبوا الحديث عنه لحساسيته ، وهو مالا يمكننا استبعاده إن أردنا أن نقدم شيئاً ذا بال فيما يخص هذه المسائل ، صحيح أننا أمام هذه الإشكاليات الكبرى نلجؤ إلى التأويل وإعادة التفسير، والانتقائية، ولكنه أفضل المتاح حالياً ، هذا أفضل الحلول لنستطيع أن نتعايش مع العالم ، فلا أدري كيف سيتم قبولُ من يكررون صباحاً ومساءً نصوصاً دينية مقدسة تنضح بكره الآخر غير المسلم ومعاداته في مجتمع ليس مسلماً!)72.
ويقول:
(الترويج لخطاب الجهاد هو كاللعب بالنار، فاليوم بإمكانك أن توظف مفهوم الجهاد ضد عدوك الآخر الخارجي، أو المخالف الطائفي، وغداً سيرتد إليك لأن الجهاد وفق الرؤية الفقهية التقليدية لا يستثني العدو الداخلي، والذين لهم إلمام بأحكام الجهاد وفقهه وأصناف من يجب أو يجوز قتالهم والخروج عليهم، وأحكام نواقض الإيمان، وتكفير المعين شروطه وموانعه، وفق الرؤية السلفية، يدركون جيداً أن من اليسير تنزيل بعض النصوص والفتاوى، وتوظيف نقول وآراء -ظن الكثيرون أنها استنفدت أغراضها - وبعثها كرة أخرى لتأجيج فتن واحتراب داخلي مجرد تصوره يثير الخوف والفزع، في ظل ظروف مناسبة ومتغيرات كبرى، وإحباط عام يغذي أفكار الغلو، وتراث ديني في متناول اليد يسبغ المشروعية، وليس سراً أنه تم مؤخراً إيقاف مجموعة من دعاة الفكر التكفيري حيث جرى التغاضي عنهم في السابق حتى تعاظم شرهم واستأثروا بعد تفجيرات سبتمبر بحصة لا يستهان بها من الشباب الذين يتبنون اليوم أفكار القاعدة، ويحلمون بإقامة الجهاد هنا في بلدهم، ولم يترددوا في التوجه إلى العراق للجهاد؛ بتحريض وتشجيع مشايخ يحظون باحترام واسع عبر وسائل الإعلام المقرؤة والمرئية)73.
ويقول:
(لهذا أخذت على نفسي أن لا أمنح أحدا من الخلق، فرصة ليمارس أبويته ، ووصايته ، وما قرأت ما قاله أحمد بن حنبل لعبدالرحمن بن ميمون: "إياك أن تقول بمسألة ليس لك فيه إمام" ، ماقرأته إلا قلت ..يا حسرة على العقول ، وبعدها وقبلها مازلت أرى حتى ساعتي هذه ما أحب وما أكره، أسلو أحياناً، وأطنش كثيراً ، يتعبني ويزعجني ويؤلمني بعض ما أسمعه، وما يتعرض له أحبابي وأصدقائي بسببي، ولكن دائماً أقول العاقبة للمتقين. .والآن أكتب متى ما أردت وأحمد الله على السلامة، والحرية التي أتمتع بها)74.
ويقول:
(ومن الغرائب ما تنقله كتب العقائد من أن أحدهم دخل عليه رجل (من أهل الأهواء) فوضع إصبعيه في أذنيه وأبى أن يسمع منه حرفاً واحداً قال له: أتلو عليك آية، فقال: ولا آية ، وقد ذكر الله جل وعلا أن عباده (يستمعون القول فيتبعون أحسنه) ، والرسول صلى الله عليه وسلم جلس مع عتبة بن ربيعة وسمع منه حتى انتهى وأجابه عن كل نقطة في حديثه ، هذه العبارات التي كثيراً ما ترد في كتب العقائد صدرت من وعاظ وقصاص يملأون مجالسهم بشتم مخالفيهم وتكفيرهم ولعنهم فإذا ما أُحرجوا بالدعوة إلى المناظرة والجدال ولم يكن لديهم من العلم والمعرفة ما يقابلون به خصومهم لم يجدوا خيراً من هذه الأقوال يتدرعون بها، ومثل ذلك قولهم: أن المبتدع على وجهه ظلمة لا تفارقه وذلة لا تنفك عنه، وأنهم (وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق وجوههم ))75.
ويقول:
(وراق لبعضهم أن يتألى على الله ويحجر رحمته فقال بعدم قبول توبة الزنديق!!، وبأن المبتدع لا يتوب ولو أراد التوبة لم يوفق إليها!! فإذاً لا مناص من القتل صيانة للدين وذباً عن حرماته!!، وتحذلق بعضهم مدعين أن المبتدع يحضر لكل سؤال من بدعته جواباً قلما يستطيع مجادله نقضه، ولهذا فلا ينبغي مناظرة أهل البدع ولا تمكينهم من كتابة آرائهم ليرد عليهم!!، فيذكر ابن بطة في كتاب (الإبانة) أنه ما أضر بأهل الإسلام مثل مناظرة أهل البدع ومجادلتهم داعياً إلى التجافي عن سماع أقوالهم وعن مجادلتهم بالتي هي أحسن، مع أن الله في كتابه دعى إلى مجادلة المخالفين بالتي هي أحسن، كما دعى إلى مجادلة أهل الكتاب بالحسنى إلا الذين ظلموا منهم، فما دام أن القصد من إنزال الكتب وبعثة الرسل هو هداية الخلق ورحمتهم فما المحذور في مجادلتهم ومناقشتهم؟! ولكن هذه الأقوال الغريبة التي شاعت وحشيت بها كتب العقائد وجعلت قواعد مقدسة للتعامل مع المخالفين في الفكر والاعتقاد كان مصدرها بعض القصاص والوعاظ!! من أدعياء العلم الذين يملئون مجالسهم بلعن أهل البدع وتكفير مخالفيهم! ورواية الأكاذيب والأساطير في أن المخالفين لهم يمسخون في قبورهم قردة وخنازير!!، مثل هؤلاء يجرون أحياناً إلى النقاش والمناظرة فلا يجدون ما يسترون به جهلهم سوى هذه الأقوال والنقول التي يتدرعون بها!!، فلا عجب بعد هذا أن يكثر الزنادقة والمنحلون من الدين إذا كان المدعون للعلم بهذا المستوى من الهشاشة والضعف)76.
ويقول:(7/271)
(ومن الأقوال التي تطلق بلا عنان ما يذكر في مباحث بيان تحريم الغناء والمعازف من أن (الغناء ينبت النفاق في القلب) ، ومعلوم أن كثيراً من المحرمات إذا اقترفها العبد وجد من نفسه ضيقاً وضنكا، فإما أن يراجع ويتوب فيكون حاله بعد التوبة أفضل منه قبل المعصية وإما أن يأتي بأعمال صالحة تكفر الذنب أو تخففه، والنفاق إما أن يكون نفاقاً أكبر بإظهار الإسلام وإبطان الكفر وإما أن يكون من النفاق العلمي كالكذب في الحديث والفجور في الخصومة وغيرها، وليس ثمة تلازم البتة بين سماع الغناء والنفاق، وما العلة في اختصاصه دون غيره من الذنوب بإنباته للنفاق!77 ، ولم لم يكن الكذب هو مفتاح النفاق وبابه؟78
برأيي أن مصدر هذه المقولة أن أحد سلفنا الصالح كان يسمع الغناء خفية وهو يعتقد حرمته، وهي ازدواجية تجعل الإنسان يعيش تمزقاً وعذاباً وشعوراً قاتلا بالنفاق وهي تجربة ذاتية (تخصه) ليس له أن يعممها79 ، وقد رأينا من تشف نفسه وتنبل أخلاقه وتجنح روحه حينما يستمع أعذب الألحان وأحلى الأصوات، فالغناء كالكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، ومن الكلام ما ينبت الكفر والإلحاد، فهل أصاب ابن القيم الحنبلي حينما قال في نونيته:
حب الكتاب وحب ألحان الغنا****في قلب عبد ليس يجتمعان)80.
ويقول:
(أطلق ابن حنبل أقوالاً وآراء صارت من بعده عقائد لا يرقى إليها الشك ومسلمات لا تناقش ، امتُحِنَ الناس بها ولازالوا، آراء يُحتج لها ولا يُحتج بها ويُستدل لها ولا يُستدل بها81، فضلل وبدع من توقف في خلق القرآن ووكل علم ذلك إلى الله فعده شراً من الجهمية82 ، ولا أدري ما حجته وربنا سبحانه يقول : (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) ، وقال في مسألة اللفظ بالقرآن قولاً عجباً83 فأوذي كثير بسببها ونال البخاري ومسلماً وغيرهما الاضطهاد والتضييق من جرائها ، وأحمد بن حنبل هو الذي أوصى أحد أصحابه أن لا يقول بمسألة ليس له فيها إمام، ولما سئل عن مسألة في الفرائض توقف فيها لأنه لا يعلم في ذلك شيئاً عمن سلفه، ولأحمد ولغيره ممن سبقه أو لحقه في وصف البدع وأهلها وأهل الأهواء والضلالة آراء في حكم التعامل مع المخالف ممالا يفصل فيه نص قطعي الدلالة قطعي الثبوت، خلفوا أقوالاً سرت إلى عقول الأمة وسلطها العامة سيفاً مسلطاً على كل باحث عن الحقيقة أصيل الفكر نابذ للتقليد)84.
ويقول:
(فالفكر السلفي بعامة والوهابي بخاصة له موقف متشنّج معادٍ من الآخر المسلم، له موقف من الصوفية، وله موقف من الشيعة، ومن.. التكفيريون معادٍ.. غير أن وجود السياسي ونضج السياسي وعقلانية السياسي وواقعيته كانت كفيلة في العقود الماضية لتحجيم هذا التطرف وقمع هذا الغول الذي بإمكانه أن يخرج من عمق في أي لحظة.. في لحظة ما ، الوهابية اليوم تحتاج إلى أن تبسط رواق السلم والتسامح مع المذاهب الفقهية الأخرى)85.
ويقول:
(لا بد من الاعتراف بحقيقة مرة وهي أنني حينما أرجع إلى أدبيات الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد في مصر بعد مقتل السادات كثير من أدبيات القاعدة وغيرها كثير من أعداد مجلة صوت الجهاد التي هي ... اللسان الناطق لتنظيم القاعدة في السعودية ، هي ليست بعيدة كل البعد عن الأصول الفكرية للوهابية: الولاء والبراء.. التكفير موجبات التكفير شروطه وموانعه وما هي مسببات التكفير؟ هذه الأشياء كلها موجودة فيها وبالتالي لا يمكن أبداً أن تفكّ هذه الأفكار عن أصولها ، غير أنها ليست الوهابية نفسها ، هي المسؤولة عنها أساساً ، هذه أفكار لم تكن يوماً من الأيام فقط مسؤولة عنها الوهابية هي مشكلة الفكر السلفي بعامة)86.
* موقفه من أهل السنة والجماعة:
يقول النقيدان:
(أهل السنة والجماعة كغيرهم، لديهم صواب وخطأ)87.
* موقفه من الشيعة:
يقول النقيدان:
(أما الشيعة فهم إخواني)88.
ويقول:
(لقد أثبت أبناء الطائفة الشيعية أنهم أكثر حرصاً على وحدة هذا البلد واستقراره، مع كل الثغرات التي كان من الممكن أن يجد البعض فيها فرصة لما يدعيه المتطرفون الذين أثبتت الوقائع أنهم هم الخطر الحقيقي، مهما ادعوا أنهم الأكثر أصالة وسلامة معتقد وألصق بتعاليم بن عبدالوهاب)89.
*موقفه من العلمانية والعلمانيين:
يقول النقيدان:
(ثنائية الإسلامي/العلماني لها في مجتمعنا السعودي أحاديث وأسمار وملاحم، كان ضحاياها أشخاصاً مخلصين لأمتهم، وكتاباً حادبين على وطنهم، وآخرين ركعاً وسجداً يرجون رحمة ربهم ويخشون عذابه، ومنهم من فاضت روحه إلى بارئه تشكوا ما نالها من ظلم وقسوة ونبذ وصقيع اغتراب جلل حياتهم لم يكونوا يبحثون عنه،وآخرون يراهنون على الزمن..مؤمنين أن ما نعجز عن قوله، أو نخشى ردة الفعل الصاعقة تجاهه ؛ ما علينا إلا أن نكرره،ونلح عليه..ليكون يوماً واقعاً مفروضاً يرغم الآخرين على التعايش معه ،فالحريات لا توهب،وإنما تؤخذ غلاباً)90.
ويقول:
(كنت في السابق أقاسي العذاب الرهيب من أن يزيغ قلبي فأنحرف..انحرفت فاستمعت إلى عبد الباسط ، وسلمان العودة، بأشرطة الكاسيت، قلت: لا ، المهم أن لا أجالس وأصاحب الذين أشربت قلوبهم حب الوظائف والمدرس النظامية، فزغت قليلاً...وقرأت كتب سيد قطب خفية من الأصحاب... قلت: مازلت أنا على خير ، حتى الآن... ثم انحرفت فرأيت أفلام المجاهدين في أشرطة الفيديو، فقلت: الحمد لله مازلت متدينا،ولا أعصي الله، وأصلي النوافل ، ثم انحرفت فقرأت كتب الطنطاوي،وكرد علي والعقاد،..قلت: مسلم يشدو الأدب...ثم انحرفت...فقرأت الجرائد....ثم جالست وصادقت وقرأت لمن يوصفون بالعلمانية، فرأيتهم خيراً مني ، ومن كثير من المشعوذين ، يحملون هم أمتهم ، ولديهم رؤيتهم، ويحملون قلوباً مفعمة بحب البشرية جمعاء، وتتمنى خيرها ... وهكذا حتى أصبحت اليوم (إنساناً)، لا تأسرني الرؤية المذهبية المقيتة ، ولا الطائفية ، أقاتل حتى الشراسة عما أراه ، وأعبر عن أفكاري بحرية لم أتسولها من أحد ولم أنتظر فيها إذنا، ولم أطرق الأبواب لأقف في الطوابير ليأذن لي فلان أو علان ، لا أعادي الآخرين لتوجهاتهم، ولا أجد في قلبي غلاً لإنسان مهما كان دينه أو نحلته أو توجهه ، أتساءل دوماً وأحاول أن أتلمس حقيقتي أنا ، أجلس مع شروق الشمس وعلى أنغام فيروز ، أتأمل حياتي السالفة، وأضحك من طنين الذابة)91.
ويقول في جواب سؤال:
(أما سؤالك الكريم عن هل من الممكن أن يكون المسلم ليبرالياً ومسلماً في الوقت نفسه؟ فنعم.
وأما العلماني فهذا يعتمد على كيفية تصورك للعلمانية، ولحقيقة لإيمان وعلاقة الإنسان بربه، وهل الدين الذي ينجو به العبد ويدخل الجنة هو الفطرة الإيمان بوحدانية الله التي نجى بها النجاشي وكان بها مسلماً، وهو لم يركع لله ركعة واحدة92، ولم يبدل من سياسة حكمه قيد أنملة وبقي على سنة من قبله في السياسة والحكم ، وقد تأخرت وفاته إلى السنة السادسة من الهجرة، بعد نزول أكثر الأحكام التشريعية،مما يجعلنا نجزم أنه كان مطلعاً أول بأول على مستجدات التشريع،ومع ذلك صلى عليه الرسول صلاة الغائب93.
أما إن كان تصورك لحقيقة الإيمان لا يكون الإنسان مؤمناً إلا بالإقرار والإذعان لحكم الشريعة، فهنا يأتي الحديث عن العذر بالجهل، والتأويل، وبيان الحجة، وهو حديث يطول، وإذا كان ابن تيمية يقول لخصومه: أنا أعذركم، ولكنني لو اعتقدت ما تقولون به لكفرتُ، فأحسب أن الأمر أيسر مما نتوهم)94.
ويقول:(7/272)
(دعني أسألك عزيزي مستمع : ألا تلتقي أوقاتاً بأناس تشعر من حين تراهم أنك التقيت بهم منذ الأزل في عالم المثال، أو منذ لحظة البدء، أو أنهم قد يكونون من الأرواح التي تعرفت عليها نفسك المنفوسة وأنت في صلب أبيك؟. هكذا أبو طارق95)96 ، والطيور على أشكالها تقع.
* موقفه من الكفار من أهل الملل والنحل الأخرى:
يقول النقيدان:
(لتعلموا أن ديناً لا يسعى لسعادة الإنسان، لحفظ مصالحه الحقيقية، ليس إلا وبالاً، وتذكروا قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (إن هدم الكعبة أهون عند الله من سفك دم مؤمن) ، كل المؤمنين من كل الأديان (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً) ، الإيمان عندي هو كثير من الإنسانية قليل من الرهبانية ، ربما يكون لحياتنا طعم آخر ، ابحثوا عن الجمال والروحانية في الطبيعة ، وفي الموسيقى الهادئة ساعات السحر ، وفي صوت عبدالباسط حينما يقرأ القرآن ويرفل في صوته الملائكي ، الروحانية ليست في السجود وقراءة القرآن فقط ، بل حتى في الحب الصادق ، اكتشفوا الإيمان لدى المؤمنين الآخرين ، ربما تعلمون أنكم تتفقون معهم في معظم ما يقتلهم الإرهابيون لأجله ، قد نعود بعدها بفهم أكثر اعتدالاً ، وتكون نفوسنا أكثر هدوءاً)97.
ويقولكما في لقائه مع تركي الدخيل في قناة العربية:
(أنا أعتقد أن الدين بحد ذاته ضروري للمجتمع الإنساني هو حاجة وضرورية يلبي لدى الآخرين ، لكنني لدي موقف محايد من الأديان كلها أنا لا أكفّر أحداً، أعتقد أن..
تركي الدخيل: محايداً إيش..؟
منصور النقيدان: محايداً.. أنا لا أكفر مسيحياً ولا يهودياً ولا بوذياً ولا أياً كان، أنا لي موقف متفهّم للأديان كلها..
تركي الدخيل: طيب يعني هل هذا ما أشرت إليه..
منصور النقيدان: أنا أحترم أي شخص مهما كان دينه وعقيدته)98.
ويقول:
(لا أعادي الآخرين لتوجهاتهم، ولا أجد في قلبي غلاً لإنسان مهما كان دينه أو نحلته أو توجهه)99.
*موقفه من الغرب:
يقول النقيدان:
(وللأمانة والتاريخ، فإن كل ما يتفوه به أصحابنا اليوم من حديث وجدل حول حرية التعبير، لم يكن سوى نفحة من حضارة نقتات على نتاجها، ننبهر بألقها، يسحرنا جبروتها، ويكسرنا من الأعماق تفوقها، ولكننا نأبى إلا أن نحجب الشمس بأكفنا)100.
ويقول ذاما أهل الإسلام مثنيا على الغرب الكافر:
(علينا أولاً أن نعترف بأننا لؤماء، نعض اليد التي تحسن إلينا، وأننا نجحد فضل الآخرين علينا، وندعي ونحن التافهون أننا نحن الذين علمناهم، ونورناهم، وأنهم اليوم يصطلون بقبس حضارتنا الغابرة، ونصرخ كالمجانين، حينما تفتح لنا كوة نحو النور والضياء،راضين أن نقبع في أماكننا كالزواحف ...نتناسل في الغرف المغلقة، لتتوالد العقارب ويضج بها المكان ويضيق حتى تلتفت إلى نفسها وتلدغ بعضها بعضاَ،والعالم ينظر إلينا بكل سخرية)101.
ويقول:
(وعلينا نحن فقط دون غيرنا مسئولية القيام بتلك المراجعات، أن نقدم للعالم ديناً أكثر تسامحاً وأكثر تعايشاً مع الآخرين، ديناً ينأى بحامليه عن أن يكونوا ألأم الناس، وأكثرهم خسة ودناءة، وأكثرهم نكراناً للمعروف، وهم يتبجحون أمام العالم أنهم خير أمة أخرجت للناس، ديناً يجنب حامليه عن أن يكونوا من الضعة بمستوى يدفعهم إلى الشماتة بجراح بلد ومجتمع آواهم وعلمهم وأنفق عليهم ورفع من إنسانيتهم، وأشعرهم حقاً كيف يعيشون بشريتهم، كيف يتواءمون مع العالم كيف يكونون طيبين تماماً ومنتجين كمواطني تلك المجتمعات التي احتضنتهم، وأطمعتهم من جوع وآمنتهم من خوف)102.
* نظرة النقيدان لهذا البلد وأهله في دينه ومؤسساته الدينية والتعليمية وغيرها:
يقول النقيدان:
(ولم أصدق أبدا أنني أدركت أخيرا أن الإسلام ليس هو الوهابية وحدها ، وأن أشكالا أخرى منه تحث على التسامح والمحبة ، ولكي أتخلص من ألم ذلك الاكتشاف ، بدأت أكتب ضد الوهابية ، والذي حقق لي بعض الطمأنينة ، وكان كفارة عن ماضي الجهل والعنف ، وهذا ما تحتاجه المملكة العربية السعودية كشعب ، ولادة جديدة ، إننا نحتاج أن نتقبل الألم الناشئ عنه ونتعلم كيف نقبل التغيير ، نحتاج إلى صبر وقدرة لتحمل نتائج جرائمنا في العقديين الماضيين ، فقط عندما ننظر لأنفسنا بالشكل الذي ينظر به إلينا بقية العالم –أمة تفرخ الإرهابيين- ونفكر في أسباب ذلك وماذا يعني ، عندها سنتمكن من أن نخطو خطوتنا الأولى نحو تصحيح تلك الصورة ونجتثها من جذورها)103.
ويقول:
(المشكلة الحقيقة أن السعودية تغوص في مستنقع التطرف الديني المتجذر في معظم المدارس والمساجد والتي أصبحت أرضا خصبة للإرهابيين ، نحن لن نستطيع معالجة مشكلة الإرهاب طالما هو مستشر في مؤسساتنا التعليمية والدينية)104.
ويقول:
(الحادي عشر من سبتمبر كان لنا كالكَسَّاح الذي أخرج آخر ما في الباطوس من قذارة، ونتن وعفن، وكلما ازددت حفراً -منذ يوم الثلاثاء المبارك- تقيأت لك أرضنا مالا يخطر لك ببال)105.
ويقول:
(لقد كان المسئولون يعتقدون أن بالإمكان تفادي ضررهم في الداخل ، ربما كان الخوف من أن يكون أي تشديد أو ملاحقات أمنية ضد أولئك سبباً في أن يوجهوا عملياتهم للداخل ، وكان اليقين بأن بالإمكان التحكم بذلك ، وأن بالإمكان التعامل مع العمليات الإرهابية والمسئولين عنها والمتورطين فيها بقسوة مفصولاً عن التعامل مع ثقافة الغلو والتطرف الحاضنة لتلك التوجهات والتي يتم تلقينها في كل مركز صيفي، وفي كل مسجد وجامع، وفي كل حلقة تحفيظ، وفي المخيمات الدعوية ، والبرامج الدينية في التليفزيون وإذاعة القرآن الكريم وحتى في فتاوى تنشر في الصحف، وكتب ومنشورات تباع في المكاتب أو توزع مجاناً ، أخيراً أدرك أصحاب القرار والمعنيون أن ثقافة التطرف، ثقافة الدم، أن الفهم المتشدد للدين ، أن الغلو والخارجية التي ضربت أطنابها وعششت في أدمغة جيل بأكمله مسئولة مسئولية مباشرة عن كل ماحدث)106.
ويقول:
(علينا أولاً أن نعترف بأننا لؤماء، نعض اليد التي تحسن إلينا، وأننا نجحد فضل الآخرين علينا، وندعي ونحن التافهون أننا نحن الذين علمناهم، ونورناهم، وأنهم اليوم يصطلون بقبس حضارتنا الغابرة، ونصرخ كالمجانين، حينما تفتح لنا كوة نحو النور والضياء،راضين أن نقبع في أماكننا كالزواحف ...نتناسل في الغرف المغلقة، لتتوالد العقارب ويضج بها المكان ويضيق حتى تلتفت إلى نفسها وتلدغ بعضها بعضاَ،والعالم ينظر إلينا بكل سخرية ، أما أن يكون الحل هو الجهاد، وأن يكون البناء هو الهدم..والعدم، وأن يستجلب الحب بقتل الأبرياء والأطفال، والسلام عبر الاحتراب، والأمل عبر ثقافة الاستئصال والقتل، فهو ما يصعب على العقل السوي فهمه ... الجنون الذي نراه اليوم عرض من أعراض المرض والعلة التي استشرت في جسد هذه الأمة وثقافتها، وهذه راجعة أساساً إلى تراث متعفن، وثقافة الصديد والضحالة التي يربى أبناؤنا عليها صباحاً ومساءً، في المساجد، وعبر خطب الجمعة، وفي دروس الدين، ومن إذاعة القرآن الكريم، ومن قناة المجد)107.
ويقول:(7/273)
(إن إحدى الإشكالات الكبرى التي تواجهها المؤسسة الدينية (وزارة الشؤون الإسلامية/ هيئة الفتوى) أنه لم يتم فصام وقطيعة مع الأسس التي تغذي أفكار التطرف والغلو، وليس غريباً أن كتب"عصام البرقاوي -أبومحمد المقدسي" وغيره اعتمدت في تكفير الحكومات الإسلامية قاطبة، وفي تكفير أعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية مراجع منها " الدرر السنية في رسائل علماء الدعوة النجدية" والتي كانت توزعها مجاناً الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد"وقراءة سريعة عابرة في مجلدي "الجهاد " و"حكم المرتد" من الدرر السنية ، ولقاءات و حوارات "الشيخ حمد بن عتيق " وسليمان بن سحمان " و"سليمان بن حمدان" و" حمود التويجري " كافية في إعطاء حكم واضح)108.
*استعداء الغرب الكافر ومختلف الدول وتحريكهم ضد هذا البلد وأهله ، وطلب تدخلهم ومساعدتهم:
يقول النقيدان كما في مقالة له في مجلة النيويورك تايمز الأمريكية:
(قبل أسبوع من يوم أمس كان المفترض أن أحضر إلى أحد أقسام الشرطة لأتلقى 75 جلدة على ظهري ، الحكم الذي صدر فيّ من محكمة دينية بسبب مقالات كنت قد كتبتها أدعوا فيها إلى حرية التعبير ، وانتقاد الوهابية ، المذهب الرسمي للمملكة العربية السعودية)109 ، ومعلوم للجميع سبب صدور هذا الحكم ، وأنه لا علاقة له بمسألة حرية التعبير ، اللهم إلا أن تكون هذه الحرية في قذف الناس والطعن في الأعراض فنعم!
ويقول:
(كما أظهرت الهجمات الأخيرة أننا بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى لمساندة ومساعدة البلدان الأخرى لمساعدتنا للوقوف في وجه الثقافة الدينية المتطرفة والتي تمارس التمييز ضد الأقليات الدينية عندها إضافة للشيعة والصوفية)110.
هذا ما تيسر جمعه من أقوال النقيدان ومواقفه أسأل الله أن يكون فيها نفع وإفادة في معرفة حقيقة الرجل ودعوته وماذا يريد وما هو الموقف الشرعي الصحيح منه ومن نظرائه وقرنائه والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
=============
نهاية التاريخ أم نهاية الإنسان أم سقوط حضارة
(1) نهاية التاريخ
الزعم بنهاية التاريخ ، هو ما ادعاه المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما : وهو النائب السابق لمدير مجموعة تخطيط السياسة بوزارة الخارجية الأمريكية
وقدم أطروحته تلك أولا : في محاضرة ألقاها بهذا العنوان " نهاية التاريخ" خلال السنة الدراسية 88\1989 بمركز مختص بالبحث في ( نظرية وتطبيق الديموقراطية بجامعة شيكاغو) ، ثم تحولت المحاضرة إلى مقال شهير بمجلة ناشيونال إنتيريست ، ثم تحولت إلى كتاب نشرته دار النشر فيريبريس ، وقام بترجمة الكتاب إلى العربية الدكتور حسين أحمد أمين ونشره " مركز الأهرام للترجمة والنشر " ، الطبعة الأولى 1993
وقد ذهب المؤلف في كتابه إلى أن الديموقرطية الليبرالية تشكل " نقطة النهاية في التطور الأيديولوجي للإنسانية ، والصورةَ النهائية لنظام الحكم البشري وبالتالي فهي تمثل نهاية التاريخ " ، وبعبارة أخرى فإنه - كما يقول فوكوياما - إنه بينما شابت أشكالَ الحكم السابقة عيوبٌ خطيرة أدت إلى سقوطها فإن الديموقراطية الليبرالية يمكن القول بأنها خالية من مثل تلك التناقضات الأساسية الداخلية
ولم يكن يقصد فوكوياما بنهاية التاريخ نهاية وقوع الأحداث ، بما في ذلك الأحداث الخطيرة والجسام ، وإنما يقصد ( التاريخ من حيث هو عملية مفردة متلاحمة وتطورية ، لتجارب كافة الشعوب في جميع العصور ) ص8
وقد ارتبط هذا الفهم للتاريخ من قبل بكل من الفيلسوف الألماني هيجل ، وماركس ، فعند هذين المفكرين : أن ثمة تطورا متلاحما للمجتمعات البشرية من مجتمعات قبلية بسيطة قائمة على العبودية وزراعة الكفاف ، إلى مختلف أشكال الحكومات الدينية والملكية والأرستوقراطية الإقطاعية ، وانتهاء بالديموقراطية الليبرالية الحديثة والرأسمالية القائمة على التكنولوجيا عند هيجل ، والشيوعية من بعد ذلك عند ماركس .
كان في اعتقاد كل من هيجل وماركس أن تطور المجتمعات ليس إلى ما لانهاية ، بل إنه سيتوقف حين تصل البشرية إلى شكل من أشكال المجتمع يشبع احتياجاتها الأساسية والرئيسية وهكذا افترض الاثنان أن للتاريخ نهاية : هي عند هيجل الدولة الليبرالية ، وعند ماركس المجتمع الشيوعي ، وليس معنى هذا أن تنتهي الدورة الطبيعية للحياة والأحداث وإنما يعني هذا أنه لن يكون ثمة مجال لمزيد من التقدم في تطور المبادئ والأنظمة الأساسية ، وذلك لأن كافة المسائل الكبيرة حقا ستكون قد حلت . ص 9
ثم يصل فوكوياما إلى أن يقول في كتابه : إن لنا ونحن نودع القرن العشرين أن نعود إلى تأكيد ما قرره هيجل من قبل وهو : أن تاريخ البشرية يتجه بالشطر الأعظم من البشرية صوب الديموقراطية الليبرالية كنهاية للتطور التاريخي ، وذلك لسببين : الأول يتصل بالاقتصاد ومن ثم بالعلوم الطبيعية الحديثة ، والثاني يتصل بما يسمى " الصراع من أجل الاعتراف ونيل التقدير والاحترام "ص 9، فالبشر لا يرغبون في الرفاهية المادية فحسب ، وإنما يسعون إلى الاعتراف بمكانتهم وكرامتهم من جانب غيرهم من البشر .
فمن ناحية السبب الأول : نجد أن المبادئ الليبرالية في الاقتصاد - أي السوق الحرة - قد انتشرت ونجحت في خلق مستويات من الرخاء المادي لم نعهدها من قبل سواء في الدول المتقدمة أو العالم الثالث .
ولذلك أثره الكبير في استقرار الديموقراطية على أساس فرضيات ثلاثة تقوم عليها السياسة الخارجية الأمريكية : الفرضية الأولى : ( أن الديموقراطيات الليبرالية لا تميل إلى محاربة بعضها ) ولذلك له أثره الكبير في توسيع دائرة منطقة السلم في العالم ، الفرضية الثانية أنه ليس هناك مثال تاريخي واحد لأية دولة ديموقراطية ارتدت إلى السلطوية بعد وصول مستوى الفرد فيها إلى ما فوق مستوى 6 آلاف دولار من الناتج المحلي لسنة 1992 ، والفرضية الثالثة : أن أفضل طريقة لتشجيع النمو الاقتصادي هي دمج الدولة دمجا كاملا في النظام الرأسمالي الليبرالي للتجارة والاستثمار ) .
وتأتي هنا أهمية التقدم العلمي ( حيث تخلق آفاقا متجانسة من إمكانات الإنتاج الاقتصادي ، فالتكنولوجيا تتيح إمكانية تراكم الثروة بغير حدود ، وتتيح بالتالي إمكانية إشباع قدر متزايد دوما من الرغبات الإنسانية ، ولا شك في أن هذه العملية تضمن تجانسا متزايدا بين كافة المجتمعات البشرية بغض النظر عن أصولها التاريخية أو تراثها الحضاري .. وقد زادت الروابط التي تربط بين مثل هذه المجتمعات بفضل الأسواق العالمية وانتشار الثقافة الاستهلاكية في العالم كله ) ص 11
غير أن هذا العامل الاقتصادي لا يكفي وحده للوصول إلى نهاية التاريخ من وجهة نظر الديموقراطية الليبرالية ، لأنه ( ثمة حالات عديدة أمكن فيها للدول الديكتاتورية الوصول إلى معدلات نمو اقتصادي لم تتمكن المجتمعات الديموقراطية من تحقيقها ) ص 11 وذلك لأن الإنسان عند فوكوياما ( ليس مجرد حيوان اقتصادي ) ص 12
ومن هنا يتبين لفوكوياما أهمية العنصر الثاني الذي يحرك التاريخ وهو الرغبة الأساسية لدى الإنسان في الحصول على اعتراف الغير به واحترامه ، وهو الأمر الذي لا يوفره التقدم الاقتصادي في ظل الدول الديكتاتورية ، فكانت نهاية التاريخ من ثم لا يمكن أن تتم في ظل التصور الماركسي ، وكان لابد من توقعها في ظل تحقيق المجتمعات الديموقراطية الليبرالية بزعم أنها هي التي تحقق العنصرين معا : التقدم الاقتصادي ، والحصول على الإحساس بالرضا وعزة النفس .(7/274)
هذا الأمر هو الذي جعل فوكوياما يعود إلى هيجل ونظريته غير المادية في التاريخ القائمة على أساس " الصراع من أجل نيل التقدير والاحترام " ص12 وذلك بالوصول إلى الديموقراطية اللليبرالية . كما يعود في نفس الوقت إلى ذلك الجانب الذي سماه أفلاطون : الثيموس ( أي الهمة أو الشجاعة أو القوة الغضبية ) ضمن الجوانب الثلاثة عنده للإنسان : العقل والشهوة والقوة الغضبية ص 13 .
ثم هو يبني أطروحته على اتجاه الاقتصاد العالمي في طريق العولمة : ويقررأنها - أي العولمة وجدت لتبقى لأسباب ثلاثة :
أولا : لأنه - كما يقول ( لم يبق هناك نموذج تنمية كبديل عملي يعد بنتائج أفضل من العولمة حتى بعد أزمة الدول الأسيوية عام 1997\1998 ) طبقا لما صرح له به بعض زعماء الحركة الاقتصادية النامية في سنغافورة وماليزيا من أنهم أصبحوا يفضلون نمط السياسة القائمة على الحقوق الذي هو سمة من سمات الغرب " يفضلونه على نمط السياسة القائمة على الدكتاتورية الأبوية كسمة من سمات الثقافة الأسيوية
السبب الثاني : في عدم احتمال نقض العولمة هو : أن مشاكل عدم المساواة الاقتصادية التي يسعى اليسار إلى حلها لا يمكن حلها في الوقت الراهن إلا على أساس من المستوى العالمي
السبب الثالث : أن العولمة المعاصرة تلقى الدعم من تكنولوجيا المعلومات التي نشرت التليفون والفاكس والراديو والتليفزيون والإنترنيت في أقصى بقاع الأرض . .
وليس معنى ذلك عند فوكوياما ( أن الديموقراطيات الراسخة المعروفة في زمننا هذا كالولايات المتحدة أو فرنسا او سويسرا لا تعرف الظلم أو المشكلات الاجتماعية الخطيرة ، غير أن هذه المشكلات هي في ظني - حسب تعبيره - وليدة قصور في تطبيق المبدأين التوأم : الحرية والمساواة ، اللذين قامت الديموقراطية على أساسهما ولا تتصل بعيوب في المبدأين نفسيهما ) ص 8
تعليق (1) : وهنا نجد أن فوكوياما يتناسى أن الديموقراطية الحديثة لم تقم على أساس هذين المبدأين الحرية والمساواة فحسب : ولكن بضميمة العلمانية إليهما ، ومن هنا يصح لنا أن نتوقع مجييء العيوب من هذا المبدأ الثالث نفسه
تعليق (2) : إذا كان هذا الاعتذار - عدم القصور في المبدأ نفسه - مقبولا في شأن إخفاق الديموقراطية الحديثة إلى حد أنها كما يقول فوكوياما نفسه ( قد ترتد إلى أشكال أخرى للحكم أكثر بدائية كالحكومة الدينية أو الديكتاتورية العسكرية ) ص 8 .. فهل يقبل العلمانيون هذا الاعتذار عندما يقال في شأن النظام الإسلامي ؟
تعليق (3) : بالرغم من تصريح فوكوياما بأن الإنسان ليس حيوانا اقتصاديا ،وإنما هو يحتوي على الرغبة في اعتراف الآخر به ( انطلاقا من الثيموس الأفلاطوني ومطلب الاعتراف عند هيجل ) فإننا نحن نرى أن الأمر مع ذلك ما يزال يتحرك في النطاق المادي ، ولا يمكن تحقيق الشعور بالاحترام إلا من خلال تحقيق رغبة الإنسان في التطلع للحصول على الرضا من خلال رغبته في الاتصال بالأعلى ، بالله والآخرة ، وإذن فلا ينتهي التاريخ إلا باستسلام الإنسانية كلها للدين الذي يشبع هذه الرغبة ، و ذلك ما تنبأ به محمد صلى الله عليه وسلم في قوله من علامات الساعة ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة خيرا من الدنيا وما فيها ) رواه البخاري وغيره .
تعليق (4) : ارتبط هذا الفهم للتاريخ بكل من الفيلسوف الألماني هيجل ، وماركس ، فعند هذين المفكرين : أن ثمة تطورا متلاحما للمجتمعات البشرية من مجتمعات قبلية بسيطة قائمة على العبودية وزراعة الكفاف ، إلى مختلف أشكال الحكومات الدينية والملكية والأرستوقراطية الإقطاعية وانتهاء بالديموقراطية الليبرالية الحديثة والرأسمالية القائمة على التكنولوجيا .
تعليق (5) : نرى أن هذا التاريخ بهذا المفهوم الدنيوي البحت نظرية قابلة للجدل ، إذ أين المسار الديني الخاضع لقيومية الآخرة عند من يعتقد كونه عاملا أساسيا لا يزول ؟
تعليق (6) : كان في اعتقاد كل من هيجل وماركس أن تطور المجتمعات ليس إلى ما لانهاية ، بل إنه سيتوقف حين تصل البشرية إلى شكل من أشكال المجتمع يشبع احتياجاتها الأساسية والرئيسية وهكذا افترض الاثنان أن للتاريخ نهاية : هي عند هيجل الدولة الليبرالية ، وعند ماركس المجتمع الشيوعي ، وليس معنى هذا أن تنتهي الدورة الطبيعية للحياة والأحداث وإنما يعني هذا أنه لن يكون ثمة مجال لمزيد من التقدم في تطور المبادئ والأنظمة الأساسية ، وذلك لأن كافة المسائل الكبيرة حقا ستكون قد حلت ص 9
تعليق : ونحن نقول إن هذا يتوقف على وجهة النظر القيمية : إذ أين تأثير مسار القيم الأخروية عند من يؤمن بها وينتظر عندئذ مستقبلا لتحقيقها ؟
( 7) ثم يؤكد فوكوياما في كتابه : أن لنا ونحن نودع القرن العشرين أن نعود إلى تأكيد ما قرره هيجل من قبل : أن تاريخ البشرية يتجه بالشطر الأعظم من البشرية صوب الديموقراطية الليبرالية
تعليق : ونحن نرى أن هذا التأكيد ينطلق من تقدير مفعم بالذاتية ، وهي ذاتية ليست مقدسة ، ولا محصنة ضد الجدل ، فإذا لم تؤصل على أسباب موضوعية فقد اصبح وخصومه على مفترق طرق منذ البداية .
وما يذكره فوكوياما من أسباب لهذا الاعتقاد يؤكد ذاتيته .
(2)
هل تراجع فوكويوما
في مقاله الأخير الذي أصدره فوكوياما مؤخرا بعنوان ( إعادة نظر في نهاية التاريخ ) وقد نشرته مجلة " الكتب وجهات نظر " في عددها الثامن سبتمبر 1999 بترجمة الأستاذ أحمد محمود . يتساءل فوكوياما في هذا المقال الأخير : هل يعني ذلك من الصحيح أن ما قدمه في كتابه من أن كل شئ في النظام السياسي والاقتصادي الكوني يسير فعلا إلى حالة الاستقرار النهائية ؟ يجيب فوكوياما على هذا السؤال في مقاله الأخير بالنفي ، ولأسباب سياسية واقتصادية إلى الحد الذي يجعله يصرح بسؤال : لماذا كان القول بنهاية التاريخ خطأ إلى حد كبير ؟ ، إنه يصرح بأنه اكتشف أن احتمال كون الإنسانية في هذه المرحلة الديموقراطية الليبرالية القائمة على العولمة الحتمية قد اقتربت من نهاية التاريخ إنما ينشأ فقط في ظل شرطين : أولهما أن التقدم العلمي التكنولوجي له نهاية يتوقف عندها . والثاني : أن الطبيعة البشرية ثابتة لا تتغير تغيرا جذريا . وبما أن هذين الشرطين غير متوفرين : كما تبين له أخيرا فإن احتمال تحقق ما سماه نهاية التاريخ أصبح أمرا مشكوكا فيه كذلك :
أما الشرط الأول فقد أصبح مشكوكا فيه بسبب التقدم العلمي الذي لم يعد له نهاية ملحوظة إلى الحد الذي ينبئ باحتمال أن يخلق نوعا جديدا من البشر ومن ثم ينهار الشرط الثاني الذي افترض ثبات الطبيعة البشرية .
وفي المجال العلمي فهو يقرر أن الإنسانية على شفا انفجار جديد من الابتداع التكنولوجي ، وأنه إذا كان القرن العشرون هو قرن الفيزياء التي كانت منتجاتها النموذجية القنبلة الذرية والترانزستور فإن القرن الواحد والعشرين يبشر بأن يكون هو قرن البيولوجيا أو علم الأحياء .(7/275)
فإلى حد ما من الممكن اعتبار ما حدث طوال القرن والنصف المنصرمين ثورة في التكنولوجيا الحيوية إذ جاءت لنا بالتطعيمات ضد الجدري وشلل الأطفال مما أدى إلى زيادة متوسطات الأعمار المتوقعة ، والثورة الخضراء في الزراعة والفوائد الأخرى التي لا حصر لها . غير أن اكتشاف تركيب ما يسمى الحمض النووي فتح مجالا أرحب كثيرا في غزو الإنسان للطبيعة . وسوف تجعل أنواعُ التطورات التي يحتمل حدوثها في الجيلين القادمين : تجعل ما حدث في السابق من تقدم تافها إذا ما قورن بها .
وتوحي الأبحاث التي أجريت مؤخرا على الخلايا الموجودة في الأجنة التي لم تتخلق بعد لتصبح أعضاء الطفل المختلفة توحي بأن الشيخوخة وعدم تجديد الخلايا الميتة عمليتان يمكن التحكم فيهما وراثيا ويمكن تشغيلهما أو وقفهما بطريقة متعمدة ، ويعتقد بعض الباحثين في الوقت الراهن - كما يقول - أنه قد يكون من الممكن للعلم أن يمكن بعض البشر من أن يحيوا بشكل معتاد لمدة مائتي أو ثلاثمائة عام ، وربما أطول من ذلك ، وعلى مستوى عال من الصحة .
إن النتيجة الأكثر جذرية للبحث الدائر في مجال التكنولوجيا الحيوية هو احتمال تغيير الطبيعة البشرية ذاتها ليس فقط بالتأثير على الفرد الذي تطبق عليه : وإنما على كل الذرية التالية لهذا الفرد ، فلا تكتفي بنشاطها في الأغراض العلاجية وإنما - وفي ظل عدم وجود اتفاق فيما يتعلق بما يشكل أساس الصحة - : سيصبح في الإمكان أولا إعطاء هرمون النمو لطفل يعاني من القزامة لوجوده في شريحة الشذاذ الذين لا يتجاوزن نسبة خمسة في المائة ليصبح في عداد من يعتبرون أطفالا عاديين ، ثم يصبح بعد ذلك يعطى لطفل في شريحة العاديين ( شريحة الخمسين في المائة ) ليصبح في عداد نموذج جديد من البشر وهكذا تتغير مقاييس أشكال الصحة أساسا بغيثر ضابط أو نهاية
يقول كثيرون - حسب فوكوياما - : إنه يمكننا أن نرسم خطا بين العلاج المطلوب ، والتحسين المحذور ، وأنه يمكننا أن ندخر الهندسة الوراثية من أجل العلاج - [كما هي الدعوة التي يتبناها في مصر الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء عن طريق إصدار القوانين والمواثيق ] هؤلاء حسب رأي فوكوياما واهمون ، أو هم من غير المهتمين بما يجري في الحياة العلمية في الفترة الأخيرة .
فمما سيمكن تحقيقه في يوم من الأيام : العلاج بالعقاقير الذي يحدث نفس المستوى الأساسي من التأثير على السلوك البشري ، وهناك أعداد لا حصر لها من الحالات التي تمت فيها تهدئة أطفال على قدر كبير من الفوضى أو العنف أو العدوانية بعقار ريتالين .
وبالمثل فإن هناك عقار بروزواك الذي كان له أثر كبير في علاج المرضى الذين يعانون من الاكتئاب ، وهو يؤثر تأثيرا على مستوى السيروتونين في المخ الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالمشاعر الخاصة بالثقة بالنفس والكرامة
وبدلا من السعي - كما كان الأمر يحدث سابقا - إلى التغلب على النفس بكل قلقها ومحدوديتها .. يمكن لنا الآن أن نبتلع حبة دواء فحسب .
ويمكن للعقار الأول أن يقلل من ذكورة الأولاد ، كما يمكنه أن يقلل من أنوثة المرأة - حسب الطلب أو التخطيط المركزي على السواء - ليصل بنا إلى صنف مخنث من البشر ، وهو الهدف الذي تهدف إليه السياسة الجنسية المعاصرة ، تحقيقا لهدف المساواة ، الذي قال نيتشة عنه في الإنسان السوبرمان ( الكل يريدون أن يكونا سواء ، فالكل سواء )
وهذه التطورات التي يشهدها علم العقاقير العصبية تقدم لنا عينة لما سيأتي في القرن الجديد ، وبالتالي سنكتسب القدرة على التحكم في المورثات نفسها ، وبالتالي تغيير مجموعة السلوك التي كان يتم التحكم فيها وفقا لنظام المورثات قبل هذا التعديل .
وأن الأمر يتطور إلى أن يصبح في إمكان هذه التقنيات أن تؤدي إلى : أن تخلق نوعا جديدا من البشر .
وبهذا يكشف فوكوياما عن أن الافتراضين الأساسيين اللذين بنى عليهما أطروحته في نهاية التاريخ : وهما نهائية التقدم العلمي ، وثبات الطبيعة البشرية غير صحيحين : وأنه إذا كان البشر -حسب زعمه قابلين للتشكل بصورة لا نهائية وأن الثقافة تحتوي على إمكانات أكبر في قابلية التشكيل فحينئذ ( يكون جليا أنه ليست هناك مجموعة معينة من المؤسسات السياسية والاقتصادية الليبرالية يمكن أن تصل إلى أن تكون مرضية كل الرضا )
(3)
نهاية الإنسان
لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد في مقالة فوكويوما الأخيرة
فهو يلاحظ- في صحوة ضمير - :أنه بينما أن للتكنولوجيا الحيوية آثارها المفيدة التي لا يمكن إنكارها فإن كثيرين ينظرون إليها بقدر أكبر كثيرا من الشك ، بل إن مصدر الخطر فيها هو مالها من هذه الآثار المفيدة التي تجعل من غير الممكن الاستغناء عنها .
وفي أوربا وألمانيا على وجه الخصوص جعلهم التراث النازي حذرين بشأن الأبحاث الوراثية والتحكم في الجينات ، وقد حظر الألمان أنشطة مثل أبحاث المورثات ، كما دخلوا في خلافات مع شركات التكنولوجيا الحيوية بشان الأطعمة التي أدخلت عليها تغييرات وراثية .
وفي تكنولوجيا المعلومات : (هناك بعض الاستخدامات التي لن يدافع عنها حتى أكثر المؤيدين لحريتها : مثل عري الأطفال على صفحات الإنترنيت ، - ناهيك عن عري النساء الذي لم يشر إليه فوكوياما - وتداول معلومات صنع القنابل ، وحتى إذا أراد أحد السيطرة ، على استخدامات التكنولوجيا في مجال المعلومات فلن يكون بالإمكان القيام بذلك ، وأية محاولة لفرض قيود على استخدام تكنولوجيا المعلومات في الوقت الراهن سوف يتطلب مستوى من الحكم الكوني الذي لاوجود له حاليا ومن غير المحتمل أن يكون موجودا في أي وقت في المستقبل ) . ( وسوف تواجه المشاكل ذاتها أية محاولة للسيطرة على التكنولوجيا الحيوية فسوف تكون منافعها على قدر كبير بالنسبة لكثير من الناس بحيث سيتم تجاهل الهموم الأخلاقية بشأن مساوئها التي هي في رأيي - حسب تعبير فوكوياما - أشد خطورة بكثير من تكنولوجيا المعلومات .. ) ويقرر أننا قادمون على تطورات ( أكثر جذرية وبالتالي أشد رعبا تكمن في المستقبل ) : وأنه لن يكون بمقدورنا -في مجال الاستنساخ مثلا - أن نفرض قيودا سياسية على البحث العلمي ( وحتى إذا أردنا أن تكون هناك قيود فلن يمكن فرضها )
( وتعني العولمة - عنده - أن أية دولة ذات سيادة تسعى لفرض قيودها على الاستنساخ مثلا أو خلق الأطفال المصمَّمين لن تفلح في ذلك ، فالأزواج الذين يواجهون حظرا يفرضه الكونجرس الأمريكي قد يمكن لبعضهم التسلل إلى جزر الكيمان أو المكسيك .. بل التنافس الدولي قد يدفع الدول إلى تجاهل وخز الضمير ، فإذا بدا أن منطقة أو دولة تنتج أفرادا أسمى وراثيا من خلال قواعدها المتساهلة بشأن التكنولوجيا الحيوية فسوف يكون هناك ضغط على الدول الأخرى لتلحق بها) ويصبح النظام الدولي - القائم على العولمة والذي سمح بانتقال تكنولوجيا المعلومات الخيرة ، غير صالح لمواجهة التكنولوجيا الحيوية الأكثر شرا ( وعندئذ تكون جهود إغلاق الأبواب لا نفع فيها )
ولا يصح لأحد - كما يقول فوكوياما - أن يقلل من شأن النتائج المحتملة لذلك على أي من السياسة والأخلاق ، وإذا بلغ الأمر- كما يقول - فوكوياما - حد أن الطبيعة ليست شيئا وهبنا إياه الرب ، أو ميراثنا الارتقائي ، بل صنعه البشر فحينئذ ندخل مملكة الرب - على حد تعبيره بكل القوى المخيفة للخير والشر التي يوحي بها هذا الدخول .
والمشكلة إذن - كما وضع فوكوياما يده عليها أخيرا في صحوة ضمير - مشكلة أخلاقية .(7/276)
وسوف نتوقف نحن عند هذه النقطة لنعود إليها ، لكن يبقى أن نسأل عن أطروحته في نهاية التاريخ ما الذي حدث لها بعد هذا التحليل ؟
هنا نجد فوكوياما يحاول بلعبة لفظية إنقاذ أطروحته السابقة في نهاية التاريخ إذ يقول أنه ( سنكون قد انهينا التاريخ البشري بكل تأكيد لأننا سنكون قد ألغينا البشر أنفسهم ، وحينئذ سيبدأ تاريخ ما بعد البشري ) .
(4)
نهاية حضارة
إن ما يسميه فوكوياما نهاية التاريخ البشري والانتقال لما بعد البشري لا يعني غير انهيار البشرية لأسباب أخلاقية كما صرح بذلك ، وليس الوصول بهذه البشرية - كما زعم سابقا - إلى مرحلة الرضا المنبعث من ( الثيموس ) . بل دون أمل فيما يسميه ما بعد البشرية .
إذ ماذا يتبقى بعد هذه النهاية المأساوية لتاريخ البشرية ليقوم عليه تاريخ ما بعد البشرية ؟
وماذا في يد العلم ليبدأ الخطوات الأولى في هذا التاريخ بعد أن تم استبعاد الله - وحاشاه - من الطبيعة ، كما استبعد من البشرية ؟
وقد كان على فوكوياما بدلا من الدخول في ضباب وأسطورية ما بعد البشري - حسب زعمه - أن يتوقف طويلا أمام حقيقة أن تاريخ البشرية يحتاج إلى ما ينقذه :
ونحن نوافق فوكويوما في نظرته اليائسة لمن ينقذ البشرية في مرحلتها الحضارية الأخيرة لكي يعيدها إلى الطريق في سيرها نحو حالة الرضا : نعم نوافقه على ذلك لكن لسبب لم يدركه فوكويوما منذ البداية وهو أن هذه الحضارة إذ ارتكزت على عنصري الاقتصاد ومطلب اعتراف الآخر فقد أهملت منذ البداية عنصر الإيمان بالدين والاعتراف بها أمام الله ، وقامت على العلمانية الأمر الذي جعلها في نهاية تطورها الخاص بها في موقف الإفلاس الأخلاقي إفلاسا لم يعد يمكنها من الإمساك بقشة النجاة من الغرق بالرغم من تفوقها الاقتصادي والعلمي ، بل بسبب تفوقها الاقتصادي والعلمي معا .
هنا نمسك بتلابيب المأساة : وهي مأساة هذا النموذج الغربي للحضارة ، إذ ليس من شك في أن المشروع الذي قامت عليه الحضارة الأوربية المعاصرة في أصل بنيتها منذ بداية النهضة قد استبعد الدين تماماً، وإن كانت تلجأ إليه لأسباب عارضة أحيانا كما هو الحال في صراعها مع المسلمين . وهذه هي مأساة هذه الحضارة بالذات .
كل ذلك يهون ، أو يقاس ـ مع الفارق ـ على آثام حضارات تداعت من قبل ، لكن : ما تصنعه هذه الحضارة من كارثة للأرض : كوكباً ضمن المنظومة الفلكية ؟! لا يقاس عليه شيء .
وأخيرا يأتي مابشرحه فوكوياما من تدمير لتاريخ البشر ، انتظارا لوهم ما بعد البشرية
ومن هنا فقد كان يجدر بفوكوياما أن يتحلى بقدر أكبر من الشجاعة وأن يرتفع إلى مستوى المفكرين الذين ارتفعوا بقامتهم إلى مستوى معالجة هذا الموضوع ، وبدلا من أن يلعب لعبته اللفظية في القول بنهاية التاريخ البشري ليبدأ ما يسميه التاريخ ما بعد البشري : كان عليه أن يعلن بشجاعة نهاية هذه الحضارة لا نهاية التاريخ لتبدأ لا أسطورة ما بعد البشري ولكن : حضارة أخرى تجمع بين تجربة التقدم الاقتصادي وتجربة التقدم العلمي وتجربة التقدم الأخلاقي القائم على الدين .
فهل يصلح ما يسميه هاننجتون " صدام الحضارات " إعادة تأهيل أم هو محض غطاء لسقوط الحضارة
-==============
الحضارة الإسلامية سمات وخصائص
[11/03/2006]
تعريف الحضارة الإسلامية
أجمع العلماء على أنَّ الحضارةَ الإسلاميةَ تحتل مكانةً رفيعةً بين الحضاراتِ الكبرى التي ظهرت في تاريخ البشرية، كما أنها من أطول الحضارات العالمية عمرًا، وأعظمها أثرًا في الحضارة الإنسانية.
والحضارة الإسلامية هي نتاجٌ لتفاعل ثقافات الشعوب التي دخلت في الإسلام، سواء إيمانًا وتصديقًا واعتقادًا، أو انتماءً وولاءً وانتسابًا، وهي خلاصةٌ لتلاقح هذه الثقافات والحضارات التي كانت قائمةً في المناطق التي وصلت إليها الفتوحات الإسلامية، ولانصهارها في بوتقة المبادئ والقيم والمُثُل التي جاء بها الإسلام هدايةً للناس كافة، لقد نجحت الحضارة الإسلامية في اختيار العناصر الصالحةِ منها، ثم مزجت بينها وأكملت نواحي النقص بحيث صار لها في النهايةِ نكهة خالصة، وشخصية مميزة استمرَّت على مدى قرون طويلة، بل ما زالت تعيش بين ظهرانَيْنا حتى الآن.
والحضارة الإسلامية نوعان: النوع الأول حضارة إسلامية أصيلة وتُسمَّى حضارة الخلق والإبداع، وقد كان الإسلام مصدرها الوحيد، وعرفها العالم لأول مرة عن طريق الإسلام، والنوع الثاني حضارة قام بها المسلمون في الأمور التجريبية امتدادًا وتحسينًا، كما عرفها الفكر البشري من قبل، وتُسمَّى حضارة البعث والإحياء، فالحضارة الإسلامية بهذا المفهوم الجامع الشامل العميق هي إرثٌ مشترك بين جميع الشعوب والأمم التي انضوت تحت لوائها، وشاركت في بنائها، وأسهمت في عطائها، وهي الشعوب والأمم التي كوَّنت وشائج الأمة الإسلامية ونسيجَها المُحْكَم.
فليست الحضارة الإسلامية حضارةَ جنسٍ معيَّن فتكون بذلك حضارةً قوميةً تنتمي إلى قوم مخصوصين، ولكنها حضارةٌ جامعةٌ شاملةٌ للأجناس والقوميات جميعًا التي كان لها نصيبُها في قيام هذه الحضارة، ودورها في ازدهارها وتألقها، وفي امتداد تأثيرها ونفوذها إلى العالم الذي كان معروفًا خلال القرون التي سطع فيها نجمُها واتسع إشعاعها وامتدَّ نفوذها.
سمات وخصائص الحضارة الإسلامية
تنفرد الحضارة الإسلامية بخصائصَ وسماتٍ تكسبها الطابعَ المميزَ لها بين الحضارات الإنسانية المتعاقبة في الماضي والحاضر على السواء، ومن هذه الخصائص:
- حضارة إيمانية
إنها حضارة إيمانية انبثقت من العقيدة الإسلامية، فاستوعبت مضامينَها وتشرَّبت مبادئها واصطبغت بصبغتها، فهي حضارةٌ توحيديةٌ انطلقت من الإيمان باللَّه الواحدِ الأحد، البارئِ المصوِّر، مبدعِ السماوات والأرض، الأولِ والآخر، الباطنِ والظاهر، خالقِ الإنسان والمخلوقات جميعًا. هي حضارةٌ من صنع البشر فعلاً، ولكنها ذات منطلقات إيمانية ومرجعية دينية، كان الدين الحنيف من أقوى الدوافع إلى قيامها وإبداعها وازدهارها، ولقد تفرَّدت الحضارة الإسلامية بكونها الحضارةَ العالميةَ التي تبلورت وازدهرت في ظل المرجعية الدينية الإسلامية، بل وكأثر من آثار هذه المرجعية الدينية، فلم يكن نهوضها وازدهارها كغيرها على أنقاض الدين وعمل الثورة على الدين كما حدث في أوروبا إبان عصر النهضة.
- حضارة عالمية
من خصائص الحضارة الإسلامية أنها عالمية الأفق والرسالة؛ فالقرآن الكريم أعلن وحدةَ النوع الإنساني رغم تنوع أعراقه ومنابته ومواطنه، في قوله تعالى ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ? (الحجرات:من الآية13).
إن القرآن حين أعلن هذه الوحدةَ الإنسانيةَ العالميةَ على صعيدِ الحق والخير والكرامة جعل حضارته عقدًا تنتظم فيه جميع العبقريات للشعوب والأمم التي خفقت فوقها رايةُ الفتوحات الإسلامية، ولذلك كانت كل حضارة تستطيع أن تفاخر بالعباقرة من أبناء جنس واحد وأمة واحدة إلا الحضارة الإسلامية، فإنها تفاخر بالعباقرةِ الذين أقاموا صرحها من جميعِ الأممِ والشعوبِ.. فأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والخليل وسيبويه والكندي والغزالي والفارابي وابن رشد.. وأمثالهم ممن اختلفت أصولُهم وتباينت أوطانُهم، ليسوا إلا عباقرةً قدَّمت فيهم الحضارةُ الإسلامية إلى الإنسانية أروعَ نتاجِ الفكر الإنساني السليم.(7/277)
فإذا نظرنا للحضارات السابقة على الإسلام فنجدها وقد عرفت كل الحواجز التي أقامتها بين الفئات المختلفة من رعاياها، فالحضارة الرومانية فرَّقت في الحقوقِ بين سكان روما وسكان سائر إيطاليا، ثم بين الرومان وسائر رعايا البلاد المفتوحة، وبين الذين خضعوا للإمبراطوريةِ ومن كانوا خارجها الذين دعتهم (برابرة)، أما حضارة الإسلام فقد أزالت الحواجز النفسية والمكانية بين أبنائها في مختلف أنحاء العالم فكانت بحق إنسانية عالمية.
- متماسكة في مواجهة التحديات
تماسكت الحضارة الإسلامية وثبتت أمام التحديات التي لو واجهتها أية حضارة أخرى لانتهت إلى زوال؛ فقد بنى المسلمون هذه الحضارة الإسلامية وصنعوا التاريخ الإسلامي في ظل أشرس التحديات، فلقد حرَّرت فتوحاتهم الإسلامية الأولى الشرق من القوى الاستعمارية القديمة.. الفرس والروم، ثم قهر المسلمون أطماعَ الحروب الصليبية التي دامت قرنين من الزمن، وعلى أيديهم تمت الهزيمة الأولى للمغول الذين أبادوا الأخضرَ واليابسَ، بل استطاعوا أن يُدخِلوا كثيرًا منهم في الإسلام، وفي العصر الحديث قهروا أطماع أوروبا الاستعمارية، واليوم يصنع المسلمون تاريخًا من الصمود والمقاومة ضد أحلام الإمبريالية الأمريكية في العراق وشريكتها الصهيونية في فلسطين ساعين إلى إلحاقها بمصيرِ الغزاةِ والمستكبرين.
وسر هذا التماسك في القرآن الكريم.. هذا الكتاب الخالد جمع الأمةَ الإسلاميةَ على مرِّ العصور، ومهما ضعفت فإن الله يقيِّض لها على رأس كل قرن من يجدِّد لها دينَها طالما كان بينهم كتاب الله، يقول تعالى ?إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)? (الأنبياء) ففيه القوة الجامعة لشتاتها "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي".
ومن هنا حرص أعداء الإسلام على أن يطعنوا الأمةَ في موقعِ قوتها، وذلك بعزلها عن كتاب الله، ففي البلاد التي تتكلم بلغته حاولوا عزلها عن التطبيق لمفاهيمه وتحويله إلى شعائرَ تُتْلى في المآتم. أما البلاد التي تتكلم بلغات أخرى وكانت حروفها عربيةً فقد حرصوا على تبديل الحرف العربي الذي يربطها بالقرآن وإدخال حروف أجنبية تمهيدًا لعزلها عن مصدر (الشخصية الجماعية لأمة القرآن).
- حضارة معطاءة
إنها حضارة معطاء؛ أخذت واقتبست من الحضارات والثقافات الإنسانية التي عرفتها شعوب العالم القديم، وأعطت عطاءً زاخرًا بالعلم والمعرفة والفن الإنساني الراقي وبقيم الخير والعدل والمساواة والفضيلة والجمال، وكان عطاؤها لفائدةِ الإنسانية جمعاء، لا فرق بين عربي وعجمي، أو أبيض وأسود، بل لا فرق بين مسلم وغير مسلم، سواء أكان من أتباع الديانات السماوية والوضعية، أم ممَّن لا دين لهم من أقوام شتَّى كانوا يعيشون في ظل الحضارة الإسلامية.
- حضارة باقية
إنها حضارة باقية بقاء الحياة على وجه الأرض، تستمد بقاءَها من الإسلام الذي قامت على أساس مبادئه، وقد تكفل الله تعالى بحفظ الدين الحنيف، وهي بذلك حضارةٌ ذات خصوصيات متفردة، فالحضارة الإسلامية لا تشيخ لتنقرض، لأنها ليست حضارةً قوميةً، ولا هي بعنصرية، ولا هي ضد الفطرة الإنسانية، والإسلام لا يتمثَّل في المسلمين في كل الأحوال، لأن المسلمين قد يضعفون ويقل نفوذُهم ويتراجع تأثيرُهم، ولكن الإسلام لا يضعف ولا يقل نفوذُه ولا يتراجع تأثيرُه، وهي بذلك حضارة دائمة الإشعاع تتعاقب أطوارها وتتجدَّد دوراتها.
- ذات وحدة في الروح والطابع
أول ما يتجلَّى لنا عند النظر إلى حضارة الإسلام بصورة عامة هو وحدتها أي تشابهها في الروح والخصائص المميزة لها أيًّا كان ميدانها، فسواء نظرنا إلى الفقه أو الشريعة أو الفلسفة أو الطب أو الصيدلة أو العمارة فإننا نحس أن بينها وعلى اختلافها في الطبيعة الخاصة بكل منها خيطًا رفيعًا رابطًا يحس به الإنسان لأول وهلة، وهذا الخيط غير المنظور هو الذي يُشعرنا بأنَّ هذه كلها ميادين من حضارةٍ واحدة، ويرجع ذلك في نهاية الأمر وبدايته إلى الإسلام، الذي هو عقيدة وشريعة ونظام إجتماعي وخط سلوكي وحضارة، وهذه هي القوائم التي قامت عليها بناء الحضارة الإسلامية في شتى صورها وأشكالها، وهذه الوحدة في الروح والطابع هي التي أعطت المجتمع الإسلامي هذه الوحدة.
- حضارة متوازنة
وازنت الحضارة الإسلامية بين الجانب الروحي والجانب المادي في اعتدال، فلا تفريط ولا إفراط ولا غلو، هذه بعض سمات حضارتنا الإسلاميةلماذا تقدموا ولماذا تخلفنا / 4 / الحضارة الاسلامية بين الواقع والمأمول
12:55 AM, Tue-19-Jun-2007 .. نشر الساعة مقالات مسلسلة .. 3 التعليقات .. الرابط
مدخل اول :
ما الفرق بين الحضارة والثقافة؟
الفرق دقيق الى حد اننا قد نلتبس فيه. لكنه في الوقت ذاته كبير. فالحضارة انجاز تاريخي لأمة او مجموعة بشرية تساهم فيه في المسيرة الانسانية نحو عالم افضل في المعرفة والتقنية والرفاهية.
الثقافة جزء من كل فهي وجه من الوجوه المتعددة للحضارة. انها منظومة من الافكار والقيم والتقاليد التي تراكمت مع الزمن في البيئة والتراث لتكون الحالة الذهنية والنفسية و العقلية السائدة في مجتمع ما.
والحضارة هي الثابت الذي يسهل رصده في تاريخ الامة ، لان الحضارة في موتها او تواصل عطائها تشكل الصرح المادي والظاهر الذي لا يمكن تجاهله.
اما الثقافة فهي المتحول والمتغير في الحضارة اى عندما تضمحل الثقافة ولا تتفاعل مع الواقع التى تحيا فيه - بما انها المتحول والمتغير فى الحضارة - تؤدى الى موت الحضارة - ويظهرهذا واضحا - لانها تمثل الصرح المادى والملموس
مدخل تانى
: انتهاء الحضارة الاسلامية بسبب الانطفاء التدريجى للعقل العربى
اى عندما نحاول ان نثبت ان الحضارة الاسلامية التى كانت موجودة فى الماضى والتى ابدعت فى شتى المجالات واخرجت الينا علماء مثل ابن الهيثم والفارابى اصبحت الان جثة هامدة , ذلك لان الثقافة المسيطرة على العقول العربية والاسلامية ما هي الا ثقافة الخوف , ثقافة سد الذرائع , ثقافة التكفير
لقد شهدت بدايات الالفية الميلادية الثانية الانطفاء التدريجي الجدلي والثقافي للعقل العربي باعلان المذاهب السنية والشيعية خاتمة الاجتهاد في التفسير الديني. ولعل الدافع الى ذلك هو خوف فقهاء السنة والشيعة، على الاسلام الملتزم بالتفسير الصريح والبسيط للقرآن الكريم والحديث النبوي، من المذاهب والبدع التي ذهبت في الاجتهاد .
غير ان حالة الانطفاء الفكري ما لبثت ان تحولت الى حالة موت للعقل العربي والاسلامي في القرون الوسيطة. وهذه المرحلة الاجتماعية والثقافية الخاملة مهمة للغاية، لانها شبيهة بالموت الحالى للعقل العربي الذى ينتشرهذه الايام المجتمعات العربية والاسلامية.
مدخل ثالث
: صعوبة عودة الحضارة الاسلامية لاستحالة تغيير ثقافتنا
الإسلام دين شامل متفاعل مع واقع زمانه ومع الإنسان، صنع للعرب دولة هي السياسة بعينها، وأقام اقتصادا مركزيا للقبائل المتشرذمة، وأنشأ الفنون والثقافة والعلوم، وتحاور مع الأديان والثقافات الأخرى.
ولكن الأزمة في التمسك بغير الصحيح من الدين وإضفاء القدسية على حلول ومواقف قدمها الإسلام في ظرف وزمان محدد بالواقع المحيط وجعلها حلولا ومواقف صالحة لكل زمان ومكان، برغم أن الزمان والمكان مختلفان تماما(7/278)
فالتطور الهائل في العالم اليوم بفضل العلم ومكتشفاته قد غادر مكاننا وزماننا إلى مساحات جديدة ،لانه يحتاج عقلا وفهما وقرارات وحلولا غير ما كان يحدث في جزيرة العرب من مواقف أقل تعقيدا من اليوم بما لا يمكن أن يقارن بدنيانا شديدة التعقيد.
فيبدو أن هناك اختلاطا ما في المسألة يؤدي إلى التباسها، هو أن الدين في حد ذاته ليس طرفا في الموضوع، إنما هو خارج اللعبة وبريء من التخلف مثلما هو بريء من التقدم، وأن الإسلام كدين في ذاته لم يكن عنصرا في إنجازات الرازي والفارابي وابن الهيثم، وليس عنصرا في اختفاء العلماء المسلمين.
ومع الإسلام نفسه تقدمت دول أخرى في شرقي آسيا أطلق عليها لقب النمور الآسيوية، وبالإسلام نفسه تعيش بقية دول المسلمين في مؤخرة الأمم.
إن المشكلة ليست في الدين ولا في أي دين، لكنها في كيفية استثمار هذا الدين، فهناك من استثمره في التقدم وهناك من يستثمره في التخلف، وهناك من احترم الدين فصانه بعيدا عن الألاعيب السياسية ودسائس المشايخ والسلاطين، وهناك من يستثمره حفاظا على خط فكري نظري واحد ليظل سيد الموقف في كل شأن وكل أمر.
ففي الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن الفصل بين السلطات يتحدث المشايخ عن الدمج الكامل بين السلطات الدينية والدنيوية في دولة إسلامية.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن الحريات يتحدث قادة الصحوة الإسلامية وعلماؤها ومشايخها عن حد الردة ورضاع الكبار وعدم الاجتهاد مع وجود النص، وهدر دماء الكتاب والمفكرين.
وفي الوقت الذي تتحرك فيه الدنيا في وثبات عملاقة في الاقتصاد والعلم والمعرفة يدعو المشايخ إلى الثبات والعودة إلى خير القرون واحتقار الزمان الحاضر ومنجزاته .
مدخل رابع وأخير
: الحل فى التحول الفكرى والثقافى للعلم والفهم المستنير للدين
ان قال العلم أن الأنسولين هو علاج السكر وليس عسل النحل ، فلا يجوز لأي احد أن يقدم علاجاً للناس خارج علم الطب ، مهما قال انه يستخدم ، سواء كان يستخدم شعر ملك الجن أو بول الابل, هذا كله في علم الطب لا ينفع مريضاً ، بل هو السبيل إلى مزيد من المرض وأذى الناس والتجارة بأمراضهم.
العالم اليوم يتحول إلى قرية كونية تختلف فيها الأعراق والأديان وتتوحد إنسانيا ومصلحيا، ومازلنا نصارع من أجل تأسيس مفهوم الوطن الكلاسيكي مثل الخلافة والجماعة التي تؤخرنا كلما حاولنا النهوض
وهذه العودة إلى الطائفية والقبلية تشكل منظومة التخلف، وتهدد الاستقرار والتنمية ومعاش ، وإذا أدرجت في سياق المقدس والجهاد فإنها تتحول إلى كارثة عظيمة تدمر كل شيء.
وبالتالي فالفهم المستنير للدين هو الذي يشكل بداية الانطلاقة الحضارية، وهو الذي يحرّر الطاقات ، وبدونه لا يمكن للحضارة أن تتشكل ولا للنزعة الإنسانية أن تسود. نقول ذلك وبخاصة إذا ما رافق هذا الفهم التنويري العقلاني تقدم علمي وتكنولوجي، وكذلك نموّ اقتصادي متواصل كما حصل في أوروبا منذ أربعة قرون.
ما زلت على قناعة راسخة بأن النظام العربي حفر لنفسه فخا. فهو يتحمل مسؤولية كبيرة في ترويج اسلام التلقين الذي مهد عبر الشاشة الرسمية المؤهلة لصعود الاسلام المتشدد
وعبرالسماح لمجتمعات ضعيفة الوعي والثقافة، بتداول الكتب الدينيه المستوردة من القرون الوسطى ، دون السماح للاعلام الرسمي وللمثقف العربي، بوضع هذه الكتب على مائدة العرض وتحت مجهر البحث والنقد والبرهان العقلي
=============
الأسر العلمية ظاهرة فريدة في الحضارة الإسلامية
الخميس6 من جمادى الثانية1428هـ 21-6-2007م الساعة 09:38 ص مكة المكرمة 06:38 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > نافذة ثقافية > كتب
مفكرة الإسلام: صدر حديثا في مصر كتاب بعنوان الأسر العلمية ظاهرة فريدة في الحضارة الإسلامية للدكتور خالد حربي أستاذ الفلسفة بجامعة الإسكندريةيقول د. حربي: لقد شهد المجتمع الإسلامي إبان عصر الترجمة التي ازدهرت في العصر الأموي وبلغت ذروتها في العصر العباسي وجود أسر علمية أسسها الأفراد ولعبت دورا مهما في نقل الكثير من علوم الأمم الأخرى إلى العالم الإسلامي منها: أسرة بنو حنين بن اسحق الذي ألم باللغات اليونانية والسريانية والعربية، وقصد بغداد وعمل مع جبرائيل بن بختيشوع الطبيب الخاص للخليفة العباسي المأمون، فترجم كتب جإلينوس أصناف الحميات والقوى الطبيعية، وقد قلده المأمون رئاسة بيت الحكمة المعهد العظيم الذي يعزى إليه وإلى منشئه الفضل في انطلاقة علمية مذهلة، أثمرت ما أطلق عليه العصر الذهبي للعلوم الإسلامية. كان حنين يمارس العلم من خلال مجالس العلم والمناظرات التي تعقد بحضرة الخلفاء والوزراء في زمن تميز باحتضان سلطة الدولة للعلم والعلماء، الأمر الذي انعكس على تقدم وازدهار المجتمع العلمي، خاصة المجتمع العام بعامة. وقد كانت أغلب المجالس تنتهي بتصنيف كتب تتضمن تفاصيل ما ورد فيها من حوار علمي، وذلك لينتفع بهذه الكتب من لم يحضرها.أما مدرسة بنو قرة، فيشير حربي إلى أن عملها في الترجمة قد انصب على المؤلفات الرياضية الحساب والهندسة، وقد وضع ثابت بن قرة رأس الأسرة أسساً سار عليها هو وأعضاء أسرته، منها ضرورة تحصيل العلم إلى حد درجة الإتقان وإجادة لغات الأمم الأخرى فضلا عن إجادة العربية طبعا. ومن أعضاء هذه الأسرة أبو سعيد سنان بن ثابت بن قرة الذي مهر في الطب وكانت له قوة بالغة في علم الهيئة وله مؤلفات كثيرة وترجمات من اليونانية والسريانية؛ فقد نقل نواميس هرمس والسور وصلوات الصابئين. ومن أفراد هذه الأسرة ثابت بن سنان وهو حفيد ثابت بن قرة، وقد صار طبيبا حاذقا كان يتولى تدبير البيمارستان ببغداد، ويبدو أن تضلع ثابت الحفيد في الصناعة الطبية شغله عن التأليف أو الترجمة.
ومن أهم الأسر التي قدمت إلى بغداد ولعبت دورا مهما في حركة الترجمة، أسرة بني بختيشوع التي تكاد تكون الأسرة الوحيدة التي انفردت بالترجمة الطبية دون غيرها، ساعدها على ذلك أن جميع أفرادها كانوا أطباء مهرة.
ويؤكد حربي ان هذه الأسرة اختصت بالتعليم الطبي، ومن أفرادها جورجيس بن بختيشوع الذي عمل رئيس أطباء جنديسابور، ونقل كتبا كثيرة من اليونانية إلى العربية، وله مؤلفات عدة منها رسالة إلى المأمون في المطعم والمشرب، ومن أفرادها أيضا بختيشوع بن جورجيس وجبرائيل بن بختيشوع.
كما أن هناك العديد من الأسر العلمية التي ظهرت في مجال العلوم البحتة منهم: أسرة بني موسى بن شاكر، التي نبغت في علوم الفلك والهندسة والحيل الميكانيكا والمساحة والفيزياء، وكان قوامها الأبناء الثلاثة محمد وأحمد والحسن. إلا أن الأب لم يعمل مع هذه الأسرة لأنه توفي وهم صغار، وكان في بداية حياته قاطعا للطريق مغيراً على القوافل بالليل في جهات خراسان، لكنه ما لبث أن تاب على يد المأمون، الذي، كما قيل، كان وراء تكوينه العلمي، حيث أتقن علوم الفلك والرياضيات.
كما يوضح حربي انه في القرن الخامس الهجري، ظهرت عائلة بني زُهر في الأندلس وقد استمرت انجازات هذه العائلة على مدى قرنين من الزمان. وقد اطلعت العائلة على تراث أعظم أطباء العصر قاطبة وهم: الرازي، على بن عباس، الزهراوي وابن سينا، مما ساعدهم في انطلاقتهم العلمية في المجال الطبي.(7/279)
أما الجيل الثاني من العائلة، فقد عاصر الفيلسوف والطبيب العربي ابن رشد. وكان أول جيل العلماء في هذه العائلة أبو مروان بن زهر، وأبو العلاء بن زهر الذي أثرى الحركة الطبية العربية في الأندلس، فقد ترك مؤلفات قيمة منها الخواص والأدوية المفردة. وقد لحق به ابنه أبو مروان في صناعة الطب. وكان قد ارتبط بصلات علمية مع ابن رشد وألف له كتاب التيسير في المداواة والتدبير وقد تميز بابتكار أساليب علاجية غير مألوفة، خاصة مع الأدوية التي لا يستسيغها المرضى. ومن أهم كتبه أيضا كتاب الأغذية الذي كان له أثر قوي في تقدم الفن العلاجي في العصور اللاحقة.
أما الحفيد أبو بكر بن زهر، فهو يمثل الجيل الرابع في العائلة. وقد عرف بحبه لفروع أخرى من العلم، خاصة العلوم الشرعية. ومارس هو أيضاً العمل العلمي الجماعي واستطاع أن يكوّن جماعة علمية، ضمت أخته وبنت أخته اللتين أظهرتا نبوغا في الطب وممارسته،خاصة فيما يتعلق بطب النساء لدرجة أن الخليفة المنصور اختصهما بتطبيب نسائه. ويمثل الجيل الخامس من علماء بني زهر أبو محمد الحفيد أبي بكر بن زهر، الذي اتبع التقاليد العلمية الخاصة بالعائلة، حيث قرأ أمهات كتب الطب النظرية ومارس الجوانب العملية وقد علمه والده علم النبات. وقد صار فيما بعد من أمهر الأطباء وذاعت شهرته العلمية في بلاد الأندلس.
يؤكد حربيأن أهمية الأسر العلمية إنما تقاس أو تحدد بالناتج العلمي لعمل الأسرة ككل، وأثر ذلك على الأجيال العلمية اللاحقة. فأعمال أسر الترجمة قد شكلت النصيب الأكبر من حركة الترجمة ككل، وذلك بفضل العمل الجماعي القائم على روح الفريق. فهذه الأسر تكشف عن مدى التواصل العلمي بين أفرادها وبين الجماعات العلمية المختلفة وهذه حقيقة علمية ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار عند الحديث عن النهضة العلمية التي شهدها المجتمع الإسلامي.ويدعو الدكتور حربي الباحثين إلى البحث والتنقيب في مؤلفات تلك الأسر التي لا تزال في صورتها المخطوطة لتحقيقها ونشرها بصورة حديثة تليق بحجم انجازاتها
==============
حضارة على وشك الانتحار… ألمانيا تسعى لتقنين البغاء بوصفه مهنة لـ 400 ألف امرأة!!!!
الصفحة الرئيسة
تريد ألمانيا أن تحذو حذو هولندا التي اتخذت إجراء الخريف الماضي يقضي بالاعتراف بالبغاء مهنة، ملبية بذلك مطلبا تكرره المومسات الألمانيات منذ أكثر من عشرة أعوام, ويفترض أن يقدم تحالف حكومي بين الاجتماعيين الديموقراطيين وحزب الخضر اقتراح قانون لمجلس النواب يهدف إلى جعل البغاء 'نشاطا يندرج في إطار الخدمات العادية'، يتمتع بفرص كبيرة لتبنيه. ويسمح النص للمومسات بتوقيع عقود عمل وملاحقة زبائنهن أمام القضاء في حال تقصيرهم في الدفع. كما سيتمتعن بحق تعويضات البطالة والمرض والتقاعد. وفي المقابل ينص المشروع على إلغاء عقوبة التشجيع على البغاء المحددة في القانون الجزائي حاليا بالسجن ثلاثة أعوام.
ويعمل في ألمانيا حوالي 400 ألف مومس ينتشرن في بيوت الدعارة و الشوارع.
وتعتبر شتيفاني كلي [39 عاما] التي تعمل مومسا لحسابها الخاص منذ عشرين عامًا، وصديقاتها في لجنة العمل من أجل البغاء، هذا النص انتصارًا، ورأت انه لا يشكل سوى 'خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح لكنه ليس ما وعد به حزب الخضر في السنوات الأخيرة'.
وكانت كلي كسبت في 1995 دعوى رفعتها أمام المحاكم على زبون لم يدفع الأجر الذي يترتب عليه في حكم فريد من نوعه.
وتفيد استطلاعات للرأي أن حوالي 70% من الألمان يجدون البغاء أمرا طبيعيا ويرون أنه يجب الاعتراف به مهنة.
'ميدل إيست أون لاين'
تعليق: ماذا يحدث للإنسان عندما يبتغي حكم نفسه المتغيرة بعقله القاصر وفق علمه الناقص ؟ والجواب ما تراه دون ما تقرؤه, فهذه الحضارة الأوروبية كفرت بمناهج الله كلها حتى المحرف منها, ومضت تشق لنفسها طريقا عله يوصلها إلى ... ؟ .. لا ندري, لسبب بسيط أن الغرب نفسه لا يدري إلى أي وجهة يسير, أو بمعنى آخر لقد شق الغرب لنفسه طريقا للوراء كي يسير عليه للأمام, وبمعنى ثالث المنهج الغربي ليس منهجا للسير في أي اتجاه بقدر ما هو منهج للمراوحة في المكان, فهو منهج ينطلق من نفس الإنسان و ينتهي داخلها, ونتيجة لذلك فالثقافة الغربية الآن ـ بمعناها الواسع ـ يحدوها الرغبة في التحرر التام من القيود بجميع أشكالها, وسوف تتساقط القيود, أو ما بقي منها واحدا في إثر الآخر ـ والله أعلم ـ, حتى يجد الرجل الأوروبي نفسه يوما ما طليقًا بلا قيد, حرًا من غير شرط, عندها فقط ستدرك الحضارة الغربية أنها سكرت حتى الثمالة …
إن أصدق وصف للحضارة الغربية أنها حضارة تبغي الانتحار, حضارة ترتقي إلى الطابق الأخير, كي تلقي بنفسها من عل ...
==============
العالم الإسلامي في مهب التحولات الحضارية كتاب جديد
الاثنين15 من ربيع الأول1428هـ 2-4-2007م الساعة 08:32 ص مكة المكرمة 05:32 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > نافذة ثقافية > كتب
... مكتبة ...
مكتبة
مفكرة الإسلام :صدر مؤخرا في القاهرة كتاب بعنوان العالم الإسلامي في مهب التحولات الحضارية لمؤلفه الدكتور أحمد دواد أوغلوا المستشار السياسي لرئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، وقد قام بترجمته الدكتور إبراهيم البيومي غانم.يتضمن الكتاب ثمانية فصول، أربعة منها تتحدث عن نقد الرؤية الغربية للعالم ومحاولة مصادرة مستقبله باسم أيديولوجيات مصطنعة كأيديولوجية نهاية التاريخ التي ابتدعها فرانسيس فوكوياما وشرح الأزمة الحضارية التي يواجهها الغرب, والفصول الأربعة التالية تتحدث عن الرؤية الإسلامية للعالم كرؤية بديلة، وبحث إمكانيات تحقق هذه الرؤية في الواقع.
ينتقد المؤلف نظرية نهاية التاريخ التي بشرت بانتصار الليبرالية الرأسمالية على الاشتراكية واعتبارها الأيديولوجية التي يتوقف معها جدل الإنسان والتاريخ.ويرى أن هذه النظرية تعيد صياغة نظريات تعود للقرن الـ19 عبر عنها هيغل وماركس وتتحدث عن أن مسار التاريخ هو مسار خطي متصاعد.
وعموما فأطروحات نظرية النهاية هي ظاهرة من ظواهر العالم الغربي تكتسي ثوبا عصريا، كما هو الحال مع نظرية نهاية الأيديولوجيا التي سادت فترة الستينيات، وقصد منها تبرير الوضع الراهن لدمج المفكرين مع أسلوب الحياة الأميركية وثبت أنها غير علمية.كذلك نهاية التاريخ تتحيز لرؤية تاريخ الجنس البشري من المنظور الغربي وتتجاهل المساهمات الحضارية الأخرى، وهي في الواقع وسيلة دفاعية للنسخة الحداثية الخاصة بالحضارة الغربية ضد التحديات التي تواجهها وتشكل تهديدا لسلامة وأمن الجنس البشري.ومن ثم فما يجري في العالم بعد سقوط الاشتراكية هو تعبير عن تحول حضاري أكثر شمولا واتساعا من مجرد قراءته كنصر نهائي للتقاليد الديمقراطية الليبرالية وللاقتصاد الرأسمالي، ونظريات النهاية ذات الطابع الحداثى تحاول نفي الدين وإعلان نهايته بينما الواقع يشير إلى عكس ذلك.
ويذهب المؤلف إلى أن الإسلام هو القادر على أن يطرح بديلا للحداثة الغربية، فصمود الإسلام أمام محاولات القضاء عليه يشير إلى قوة وتماسك الرؤية التي يقدمها للعالم وتمثل بديلا للرؤية الحضارية الغربية.
فالإدراك الذاتي للإسلام من جانب المسلمين هو شرط تحقق إسلامهم، وهو ملازم للإنسان ما بقي حيا، فصمود أهل البوسنة راجع لذلك وحركات الإحياء الإسلامي هي نوع من تجديد الإدراك الذاتي بالإسلام.(7/280)
وهذا الإدراك هو الذي يحدد حرية الإنسان وأمنه، فالحرية في المنظور الإسلامي هي تعبير عن نضج روحي يمكن الإنسان من أن يتحكم في أنانيته الذاتية، فالحرية ليست موضوعا من موضوعات القوة بقدر ما هي موضوع للوعي بالذات ومعرفة النفس وكذلك الأمن يكمن في شخصية الإنسان ووعيه الذاتي.
ينطلق النظام المعرفي الإسلامي من التوافق والاتساق بين جميع مصادر المعرفة والمبدأ الأسمى وهو التوحيد، ومن هنا لم يعرف الإسلام العلمانية التي هي تعبير عن عجز المؤسسة الدينية للإجابة عن أسئلة الواقع المتجددة، والعقل والاجتهاد يعملان بكل قوة ولكن في سياق الوحي الضابط لاحتمال سوء الاستخدام.
وينطلق النموذج الإسلامي من جعل القيم حاكمة على الواقع ومؤسساته فهي مطلقة ومتجاوزة للزمان والمكان، ولذا فالنظريات الاجتماعية الإسلامية لا يمكنها أن تتجاوز القيم الإسلامية ولا أن تؤسس نماذج اجتماعية وقانونية ضدها، وهكذا تظل القيم الإسلامية هي معيار الشرعية لأي مؤسسات أو نظم أو قواعد.
ويضمن النموذج الإسلامي السلام مع البيئة لأن الكون هبة الله وهو حق مشترك للجنس البشري ولذا لا بد من المحافظة علي البيئة سمة جوهرية لبقاء الكون.
ويعبر النموذج الإسلامي عن الأصالة والتعددية، فتصوره للتاريخ والزمن يؤكد على الطبيعة الدائرية وليست الخطية الأحادية، ومن هنا أهمية التجديد وقدرة الحضارة الإسلامية على استعادة مكانتها، فالسيادة الحقيقية لا تنطلق من التفوق المادي وإنما من التفوق القيمي والروحي.
كما يؤكد المؤلف أن أزمة الأفكار والمؤسسات في العالم الإسلامي لبناء نموذج حضاري جديد ترجع إلى انفصال النخب الفكرية العلمانية عن المرجعية الإسلامية، ومحاولة هذه النخب الحاكمة والمسيطرة فرض ثقافة جديدة مطابقة للمفاهيم الغربية وإنجاز التنمية الاقتصادية وبناء القوة العسكرية لتحقيق موقع أفضل على الساحة الدولية وفي نفس الوقت تسويغ السياسات الاحتكارية لهذه النخب في مختلف المجالات.
ولكن هذه النخبة تواجه مأزقا اليوم وهناك تحول حضاري جديد أهم ما فيه أنه يستلهم المرجعية الإسلامية ويقوده جيل جديد من المسلمين ذوي التعليم العالي فكثير من قيادات الحركة الإسلامية داخل المجتمعات الإسلامية تجدهم إما مهندسين أو علماء اجتماع أو أطباء. وهناك أزمة اقتصادية حالت دون تحقيق وحدة بين دول العالم الإسلامي فحرص كل منها على الاندماج في النظام العالمي أكثر من حرصها على تحقيق الوحدة بينها وهناك أيضا أزمة سياسية متمثلة في الشرعية الشكلية المنفصلة عن منظومة القيم والميراث الاستعماري المتمثل في تكريس ميراث التجزئة المصطنعة. هذه الأزمات تحول دون تحقق الإسلام بديلا حضاريا.
وفي الأخير يشير المؤلف إلى أن خلفية المواجهة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي راجعة إلى تطور داخل المركز الحضاري الإسلامي نحو بناء مركز مستقل عن الغرب بظهور حركات الإحياء الإسلامي وتنامي وعي متزايد لدى الجماهير الإسلامية بضرورة العودة إلى الإسلام ويضرب مثالا لذلك بتركيا التي يتنامي العامل الإسلامي بقوة في سياستها الداخلية والخارجية.وهكذا يضعنا المؤلف في سياق إستراتيجي واسع لفهم ما يجري من أحداث على الساحة العالمية، حيث يهدف الغرب إلى منع قيام بديل حضاري إسلامي يمكن أن يمثل بديلا محتملا للمركز الحضاري الغربي الذي يواجه أزمة شاملة لا يمكن حلها من داخله.
===============
رؤية لآليات الصراع وموقع الأمة منه في فكر تنظيم القاعدة
السبت 21 من صفر1428هـ 10-3-2007م الساعة 09:27 ص مكة المكرمة 06:27 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > مقالات وتحليلات
... القاعدة ...
القاعدة
عصام زيدان
ما زال تنظيم القاعدة الأم بزعامة أسامة بن لادن يشغل حيزًا كبيرًا من الاهتمام العالمي؛ نظرًا للتأثير الذي يتركه التنظيم على مجريات الأحداث بأبعادها العالمية والإقليمية والمحلية, خاصة بعد حادثة ضرب عدة مراكز مؤثرة وحساسة في الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر عام 2001.
وقد تباينت حيال هذا التنظيم النظريات, وتضاربت زوايا الرؤية, والتبست الأهداف بالتكتيكات والاستراتيجيات, وبات من يحكم على التنظيم يحكم عليه إجمالاً دون تفرقة بين هذه الأبعاد الثلاثة, رغم ما قد يكتنف بعض الأهداف النهائية للتنظيم كالخروج من التبعية للغرب وتحكيم الشرع وتحرير المقدسات من مصداقية يحنو إليها الشارع العربي والإسلامي, وما قد يعتور التكتيكات والاستراتيجيات من تجاوزات شرعية وتجاهلاً لما قد يقتضيه ويفرضه الواقع السياسي بأبعاده وإحداثياته, وقواعد السياسية الشرعية.
وفي مقال لنا سابق عن التنظيم تحت عنوان "الملامح المميزة لخطابات الظواهري وابن لادن" تناولنا نقديًا ما يخص جانب الأهداف والتكتيكات, وفي هذا المقال سنتناول "فكرة الصراع, وموقع الأمة منها" كاستراتيجية في فكر القاعدة ومنهجها, نعتمد في هذا التحليل بالأساس على ما سبق أن نشرته جريدة الشرق الأوسط اللندنية من كتاب الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري بعنوان "فرسان تحت راية النبي".
الصراع كاستراتيجية أساسية لتنظيم القاعدة:
في هذا الكتاب أبان الظواهري عن استراتيجية تراكبية لتنظيم القاعدة قائمة في الأسس على فكرة الصراع, وتجييش الأمة في مواجهة الأعداء, تمهيدًا لتكوين نواة تمثل اللبنة الأولى في المشروع وتشكل قاعدة انطلاقية نحو دولة الخلافة العالمية كما يراها التنظيم.
ويمكن تناول مفردات الصراع في فكر تنظيم القاعدة على النحو التالي:
أولاً: عالمية الصراع:
بدأ فكر القاعدة مبنيًا على رؤية قائد التنظيم أسامة بن لادن في استهداف "العدو البعيد" المتمثل في المحور الأمريكي ـ الصهيوني ومن التحق به من قوى الغرب, وكان التنظيم قائمًا بذاته من حيث التخطيط والتنفيذ, غير مكترث بصورة ما بغيره من التنظيمات حتى تلك التي تتبنى أيديولوجية متشابهة, ولكن بعد مؤتمر شرم الشيخ 1996, تبنت القاعدة استراتيجية أكثر مرونة تسمح بإطلاق المبادرات الذاتية إقليميًا ومحليًا, وتم تحويل المشروع من "مشروع تنظيم" إلى "مشروع شراكة متعددة الجنسيات" بتوسيع دائرة المنتمين إلى التنظيم حتى ولو فكريًا فقط طالما أنه سيسعى مستقبلاً لإنفاذ مشروع القاعدة وأهدافها.
فبعد عامين من المؤتمر أي في عام 1998 كانت انطلاقة ما يسمى بـ"الجبهة العالمية لقتال اليهود والأمريكان", ووقع عليه قادة عدة فصائل جهادية كان على رأسهم زعيم القاعدة أسامة بن لادن, ورفاعي طه رئيس الجماعة الإسلامية بمصر, وتعددت بعد ذلك الكيانات والفصائل التي التحقت بالتنظيم وكان آخرها الجماعة السلفية للدعوة والقتال بالجزائر.
واستطاع الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري أن يضيف ما وصفه بـ"العدو القريب" الذي يتمثل من وجهة نظرة في الأنظمة العربية والحكام, إلى قائمة المستهدفين, لينقسم العالم وفق رؤية القاعدة إلى حلف المجاهدين تحت لواء القاعدة, وحلف المناوئين تحت اللواء الغربي.
ليس من المصلحة ولا من السياسية في شئ أن نجعل الأنظمة الحاكمة في سلة واحدة مع العدو البعيد, بل إن وضعها في دائرة "العدو" في حقيقة الأمر لا يمكن التسليم به بحال.
فالعدو البعيد لا يستهدف فقط الشعوب وإنما يستهدف الأمة كلها, ومن ثم فان توصيف تلك الأنظمة بالعدو لن يفيد إلا العدو الحقيقي المتمثل في الغرب.(7/281)
فالأجدى إذن أن نبحث عن قواصم مشتركة, وأرضية ثابتة يمكن أن ينطلق منها مشروع يحفظ الأمة من الصراع الداخلي المرير الذي لن يجني حصاده إلا العدو الغربي المتربص بالأنظمة والشعوب على حد سواء.
فإن كانت ثمة معركة حقيقية مع الأنظمة, فهي معركة فكرية تهدف لتجييشها في معركة الأمة ضد المؤامرات الخارجية ولا تحيدها ولا تجعلها في سلة العدو الغربي الذي يسعى حثيثا ويجعل نصب عينه ألا تجتمع الأنظمة مع الشعوب يوما, ليبقى العداء مستعرا وتحت أقدامه ولهيبه تضيع المصالح العليا للأمة.
وفي كتابه المشار إليه يوصّف الظواهري المعركة, ويصنفها تحت عنوان الصراع العالمي, فيقول: "ولا يمكن أن تخاض (المعركة) إقليمية دون النظر إلى العداء العالمي.. لا يمكن خوض الصراع من أجل إقامة الدولة المسلمة على أنه صراع إقليمي, فقد اتضح أن التحالف الصليبي - اليهودي بزعامة أمريكا لن يسمح لأية قوة مسلمة بالوصول للحكم في أي من بلاد المسلمين، وإنه سيحشد كل طاقاته لضربها وإزالتها من الحكم إن تمكنت من الوصول، وإنه تحقيقًا لذلك سيفتح عليها ميدانًا للمعركة يشمل العالم كله، بل سيفرض على كل من يساعدها العقوبات، هذا إن لم يشن عليهم الحرب، ولذلك فإننا تكيفًا مع هذا الوضع الجديد، يجب أن نعد أنفسنا لمعركة لا تقتصر على إقليم واحد بل تشمل العدو الداخلي المرتد والعدو الخارجي الصليبي - اليهودي".
وفي موضع آخر من كتابه يقول: "أي محايد لابد أن يلمح عدة ظواهر بدأت في التشكل في عالمنا الإسلامي بشكل عام؛ منها عالمية المعركة, فالقوى الغربية المعادية للإسلام حددت عدوها بوضوح, وهو ما تسميه بالأصولية الإسلامية, ودخل معها في هذا الحلف عدوتهم القديمة روسيا, واتخذوا عدة أدوات لمحاربة الإسلام منها الحكام الموالون والحاكمون لشعوب المسلمين...".
ثانيًا: أدوات الصراع:
الصراع سواء مع "العدو القريب" أو "العدو البعيد", لا يمكن النظر إليه في منظور القاعدة, إلا من باب الجهاد المسلح, وفقط, حيث لم يعد هناك من سبيل آخر يمكن من الوصول للأهداف المرجوة في ظل التآمر العالمي على الإسلام والمسلمين.
وجاء في "فرسان تحت راية النبي" للظواهري: "ومع ظهور هذه الطائفة الجديدة من المسلمين الذين طال غيابهم في واقع الأمة, يزداد بين كل أبناء الإسلام الحريصين على نصرته وعي جديد خلاصته: ألا حل إلا بالجهاد".
وعن كيفية الوصول إلى هذه النتيجة استعرض الظواهري بصورة نقدية بعض تجارب العمل السياسي للإسلاميين في الجزائر ومصر.. فقال عن التجربة الجزائرية: "لقد تعامت جبهة الإنقاذ في الجزائر عن أصول العقيدة وحقائق التاريخ وثوابت السياسة وموازين القوة وقوانين السيطرة، واندفعت نحو صناديق الانتخاب لتدلف منها إلى قصور الرئاسة ومقار الوزارة، ولكن على أبوابها كانت الدبابات بانتظارها، وقد وجهت مدافعها المحشوة بالذخيرة الفرنسية إلى صدور الذين نسوا سنن المواجهة بين الحق والباطل، فأعادتهم نيران الضباط المتفرنسين إلى أرض الواقع بعد أن حلّقوا في سماء الأوهام".
كما برّر حصر الوسيلة في الجهاد بشراسة المعركة وطبيعتها بقوله: "ومما ساعد على الوصول إلى نتيجة: "ألا حل إلا بالجهاد"; شراسة وتعسف الحملة الصليبية اليهودية الجديدة التي تعامل أمة الإسلام بغاية الاحتقار...".
ثالثًا: تكتيكات الصراع ومرحليته:
في فكر القاعدة لا يمكن لفئة محددة أو من وصفها الظواهري بالصفوة أن تخوض ذلك الصراع العالمي بمفردها, بل "يجب أن تخوض الحركة الجهادية المعركة وهي وسط الأمة وأمامها, وأن تحذر كل الحذر من أن تنعزل عن أمتها وتخوض ضد الحكومة معركة الصفوة ضد السلطة". كما جاء في كتاب الظواهري.
ومن هنا جاء اهتمام القاعدة بخطاب الأمة ومحاولة تجييشها في الصراع من أجل بناء قاعدة داخلية يمكن الانطلاق منها والاستمرار في المعركة, فآليات الصراع ومرحليته وفق منظور القاعدة ينقسم لشقين:
• الشق الأول: تثوير الأمة وتجييشها:
فقد جعل الظواهري من بين الأهداف الأساسية لكتابه وضع الإطار الفكري والنظري لمحاولة تجييش الأمة لتخوض الصراع العالمي المسلح ضد قوى الداخل والخارج على السواء.
وتستخدم القاعدة الأعمال المسلحة خاصة في البلاد الغربية والتركيز على القضايا المفصلية العامة كقضية فلسطين في الدفع بالأمة إلى أتون هذا الصراع.
يقول الظواهري في كتابه: "إن تصعيد العمل الجهادي للنيل من الأهداف الأمريكية واليهودية يبعث روح المقاومة بين أفراد الشعب الذي يعتبر اليهود والأمريكان رمزًا بشعًا على التكبر والطغيان...".
• الشق الثاني: إنشاء قاعدة للخلافة الإسلامية:
يبرز في هذا الشق الهدف من تجييش الأمة وخوض الصراع بها, وهو إيجاد "قاعدة" في قلب العالم الإسلامي تنطلق منها دولة الخلافة التي تسعى إليها القاعدة.
يقول الظواهري: "كل ما استعرضناه من وسائل وخطط لحشد الأمة وتجييشها سيظل مكسبًا معلقًا في الهواء دون نتيجة ملموسة وعائد مشاهد ما لم يؤدّ إلى إنشاء دولة الخلافة".
وضح إذن من خلال ذلك العرض أن الأمة في فكر التنظيم ومن خلال الزج بها في الصراع يراد منها أن تكون درعًا لحماية التنظيم من المواجهة المستنفدة لطاقاته مع الأنظمة, ومعبرًا لتكوين قاعدة تنطلق منها دولة الخلافة المشكّلة في ذهن التنظيم.
وقفات وتأملات:
حقيقةً, فكرة الصراع هذه التي ينطلق منها تنظيم القاعدة تحتاج إلى وقفات وتأملات نجملها في عدة عناصر كالتالي:
أولاً: إذا ما نظرنا إلى مرحلية الصراع من وجهه نظر التنظيم وخوضه بالأمة, سنجد خللاً واضحًا وبينًا بين مرحلة التأهيل للصراع, ومرحلة خوض الصراع, فالتنظيم بدأ بالفعل في الصراع, فيما الأمة لم تحقق حتى الحد الأدنى من مقومات الدخول في ذلك الصراع الشرس والمهلك.
كما قرر دخول الأمة هذا الصراع, وكأنه متفرد بالقرار, مهدرًا كثيرًا من الطاقات العلمية والشرعية الأخرى التي قد لا تتفق بالضرورة مع توجهاته, ومن ثم فإن اختطاف تنظيم واحد أو محاولته ذلك للأمة نرى به قدرًا كبيرًا من التعسف غير المبرر وتجهيل القسم الأكبر من المرجعيات الرافضة لهذا المنحى القاعدي.
ثانيًا: من زاوية النظر العالمية أيضًا التي انطلق منها التنظيم في التأصيل, نرى أن هناك خللاً في ميزان القوى بكافة جوانبه الاقتصادية والعسكرية... يميل بلا شك لصالح الغرب, فيما الأمة الإسلامية ما زالت حتى الآن لم تستكمل - إن صح التعبير - لم تبدأ في مشروع نهضتها الذي يجعلها في استقلالية حتى الأقل غذائية واقتصادية, فهي حتى الآن تعتمد بصورة أساسية على الغرب الذي نشب أنيابه من قبل في أراضيها وامتص ثرواتها وما زال.
ولا شك, أن خوض صراع عالمي دون عدة وإعداد لا يجد ما يدعمه من أصول الشرع وقواعد التشريع وأبجديات السياسية الشرعية, بل نجد الظواهري قد انتقد جبهة الإنقاذ لعدم إدراكها لموازين القوى وقواعد السياسية, وما نراه قد التزمها.
ثالثًا: من هذا المنظور, العالمي أيضًا, وتأسيسًا على ما سبق نقول: إن شن صراع عالمي واستفزاز الغرب من خلال عمليات متناثرة تقتل بضع مئات تجعل من الأمة رجالها ونسائها في مواجهة غير محسوبة, وغير مستعد لها خلفت وما زالت مآسي عديدة من قبل الغرب الذي يتاح له من خلال هذا الصراع الفرص المواتية لممارسة أفعاله الإجرامية بالمسلمين.(7/282)
فعند التحقيق, نجد القاعدة فشلت حتى الآن فيما خططت له من نقل المعركة إلى باحة العدو وأرضه, فيما اتسعت الرقعة المحروقة من بلاد العرب والمسلمين, وذاقت الأمة من ألوان الإهانات والإذلال وانتهكت حرمات النساء ما سطرت فيه المؤلفات والكتب, ولم تجيَّش الأمة للصراع, ولم تذهب إلى ساحة غير مؤهلة لها.
رابعًا: الانطلاق من فشل تجربة العمل السياسي, والاستشهاد بها على حصر وسيلة الصراع في الأعمال المسلحة وفقط تحتاج إلى وقفتين:
الأولى: أن تلك التجارب التي استشهد بها الظواهري في ذاتها في حالة إلى مراجعة منهجية, ولا يمكن من خلالها فقط الحكم على العمل السياسي بالفشل, وإلا انطلقنا من ذات الفهم للحكم على العمل المسلح بالفشل كذلك؛ لأنه لم تتمكن جماعة واحدة من جماعات العنف من الوصول لأهدافها بتلك الأعمال, بل تراجعت الجماعة الإسلامية في مصر عن منهجها, وجماعة الجهاد في الطريق إلى ذلك ما لم يقطع الطريق عليها قاطع.
الثانية: هذا الاستقطاب ما بين تجربة سياسية وأخرى مسلحة يغلق الباب أمام اجتهادات أخرى قد تكون أقل استقطابًا وحدية من الوسيلتين السابقتين, تدفع بالنخبة من الأمة لتدشين مشروع نهضة على كافة الأصعدة, لاسيما الإيمانية والأخلاقية, وشحذ قوى الفاعلية وسنن المفاعلة ليخرج الأمة كلها من ربقة العبودية للغرب, إلى فسحة الحضارة والروح الإسلامية المتقدة, ولاشك أن تجارب عدة في مجال التنمية والنهوض جاءت من شرق آسيا تحمل بشائر طيبة, وإن كانت مقوماتها لم تستكمل بعد.
وان كانت كلمة أخيرة بين يدي هذا المقال, فإنا نقول: إن مشاريع عدة قد طرحت وما زالت للخروج من الليل البهيم والنفق المظلم الذي طال الركون فيه, ولن يستطيع إلا من اعتمد سنن التاريخ وقواعد الشرع في مشروعه أن يحقق للأمة ما تصبو إليه, ومن غير هاتين الدعامتين سيسير السائر بالأمة إلى نفق أشد ظلمة, ولن نخرج من التيه المفروض.
===============
قرطبة.. "مكة أوروبا" بين عبق الماضي واضطهاد الحاضر
الأربعاء 11 من صفر1428هـ 28-2-2007م الساعة 08:19 م مكة المكرمة 05:19 م جرينتش
الصفحة الرئيسة > تقارير > تقارير مترجمة
... مسجد قرطبة ...
مسجد قرطبة
إعداد: ياسر مجدي
مفكرة الإسلام: أعتقد أننا جميعًا نعرف هذا الاسم، ولا يمكن حتى أن ننساه أو نتناساه؛ لأنه في الحقيقة مكتوب بأحرف من نور في تاريخ الحضارة الإسلامية والإنسانية، وما زال يتلألأ هذا النور، وإن خبت جذوتها، غير أن الشهر الماضي شهد حملة مغرضة شنتها صحيفة "أيه.بي.ثي" أحد الصحف المسيحية، التي لا تتورع في أن تصوّب أقلامها المملوءة بالأحبار السامة ضد دول إسلامية وعربية؛ زاعمة أن هناك ما تسميه مخططًا إسلاميًا لبناء مدينة بقرطبة، تطلق عليها "مكة أوروبا"على نفس نمط "مكة المكرمة" بالمملكة العربية السعودية.
وتحت عنوان "مكة أوروبا" نشرت تلك الصحيفة عدة مقالات وتحقيقات، يقول مدير الصحيفة في أحد المقالات: "إن المعلومات التي نشرتها الصحيفة على مدى أسبوعين أو أكثر، تشير إلى أنهم حاولوا ويحاولون وسيحاولون بكل جهدٍ وعزمٍ أن تتحول قرطبة إلى مدينة إسلامية، على غرار ونمط "مكة" العربية، في محاولة منهم لاستعادة مجدهم المفقود، وإعادة التلألأ من جديد إلى تلك المدينة التي كانت يومًا من الأيام مقرًا للخلافة الإسلامية بالأندلس.
وأضاف مدير الصحيفة المسيحية: "إن الرسالة التي وجهتها رئيسة الكيان المسيحي "فيليبا بيوتستا" قد كشفت القناع عن مشروعات واهتمامات؛ لاستعادة قرطبة، تعكس هذه الاهتمامات طموحات أكثر من مليار مسلم، يبحثون عن مجدهم المفقود، مشيرًا إلى أن هذه الرغبة بدأت تنمو وتتجاوز أحلام المسلم البسيط، إلى أن أصبحت فكرة راسخة لدى زعماء العرب، وخاصة من دول الخليج العربي، وما يؤكد ذلك هو قيام أحد مشايخ هذه الدول بتمويل مشروعات لإقامة أربعة مساجد ضخمة في إسبانيا، ما يعكس أن استعادة الأندلس بما فيها "قرطبة" تحوّلت من مجرد فكرة إلى مطمع "إسلامي".
ويبدو أن الحاقدين والكارهين للإسلام من الكتّاب الأسبان المسيحيين وجدوا في هذا الموضوع ضالتهم المنشودة، وبدوا جميعًا يتنافسون ويتبارون في الكتابة، عما وصفته الصحيفة بمشروع "مكة أوروبا"، حيث قام أحد الكتاب - وعلى نفس الصحيفة السابقة - بالخوض في هذا المضمار مستهلاً مقالاته بجملة تكشف عن مدى حقدهم الدفين للإسلام، قائلاً: "إن اهتمامات العالم الإسلامي لاستعادة قرطبة ليست وليدة لحظة، ولكن هذه الاهتمامات ظلت متخفية منذ عدة سنوات، تبحث بشتى السبل عن المفاتيح التي تفتح أمامها الأبواب المغلقة، التي تحول بينها وبين "قرطبة"، وقد تحقق ذلك عن طريق قيام بعض الأسبان الذين دخلوا الإسلام حديثًا، وموّلتهم بعض الدول العربية بالتخطيط لإنشاء مسجد بالقرب من مدينة "الزهراء"، التي أسسها الخليفة الأموي "عبد الرحمن الثالث" في عام 976 ميلاديًا" ليكون أكبر مسجد في أوروبا، وثاني أكبر مسجد في العالم، في خطوة تعتبر الأولى في طريق التخطيط لاستعادة "قرطبة" التي تعتبر بالنسبة للمسلمين ليست مجرد رمز ديني، ولكنها مجد مفقود، زاعمًا أن المسلمين ليسوا في حاجة إلى مسجد قرطبة للصلاة، فهناك أكثر من 800 مسجد منتشرة في جميع المدن الإسبانية - رقم مبالغ فيه، حيث تؤكد الجالية أن المساجد الموجودة في إسبانيا لا تتجاوز 400 مسجد، معظمهم "مصليات صغيرة"، "غير أن هذا الإصرار والإلحاح في الطلب يؤكد الرغبة الإسلامية الدفينة".
وزعم الكاتب أن رئيس الجالية الإسلامية "منصور أسكوديرو" التقى بوفد من المملكة العربية السعودية، وأخر من الإمارات العربية المتحدة، فيما بين عامي 1999 و 2000م؛ للتخطيط لإقامة مدينة "المنصور" على أرض تبلغ مساحتها 112 هيكتار، تحمل طابعًا معماريًا يشبه الأندلس أيام الدولة الإسلامية، غير أن هذا المشروع لم يتم، وإن كان المحامي الإسباني المسئول عن المشروع قد أكد أن الفكرة مازالت قائمة.
المسلمون والصلاة في مسجد قرطبة:(7/283)
فشلت كل الجهود التي بذلتها الجالية الإسلامية للسماح للمسلمين بالصلاة في مسجد - كاتدرائية قرطبة - رغم تأكيد رئيس الجالية الإسلامية مرارًا وتكرارًا أنهم يردون الصلاة في المسجد فقط، وليس كما يزعم استعادته، ويبدو أن هذا الحلم صعب المنال، بعد أن أعلن "مونسنيور خوان خوسيه" أسقف قرطبة رفضه القاطع للرسالة التي بعث بها "منصور أسكوديرو" رئيس الجالية الإسلامية بإسبانيا، إلى بابا الفاتيكان "بينيديكت السادس عشر"؛ لكي يمسح للمسلمين بالصلاة في مسجد - كاتدرائية قرطبة -، معللاً رفضه بحجج واهية، حيث أشار إلى أن قبول مثل هذا الوضع لن يسهم في وجود تعايش سلمي بين الرموز الدينية، ولن يساعد في وجور حوار بين مختلف الأديان السماوية الموجودة في إسبانيا، مضيفًا أن هذا الطلب ليس وليد الصدفة, بل هو موجود منذ حوالي عدة عقود، بل الأدهى والآمر في ذلك هو تصريحات مجلس الأساقفة الأسبان، التي أشاروا فيها إلى أنه ليس للمسلمين حق في مسجد قرطبة، لذا لا يليق بهم أن يطلبوا من بابا الفاتيكان السماح لهم بالصلاة في مسجد - كاتدرائية قرطبة -، مشيرين إلى أن "الكاتدرائية" لا تنتمي للفاتيكان، وأن المسجد قام أساسًا على أنقاض كنيسة - حسب مزاعمهم الزائفة -، معتبرين طلب كل من الجالية الإسلامية الإسبانية والائتلاف الإسلامي بأحقية المسلمين في الصلاة بمسجد - كاتدرائية قرطبة - ليس له أساس من الصحة، لا من الناحية التاريخية، ولا من الناحية القضائية.
مشروع مدينة "السلام" بقرطبة:
كان هذا المشروع هو نقطة الانطلاق لهذه الحملة المسيحية، وذلك بعد أن كشفت الجمعية الإسلامية - في قرطبة - عن مشروع بناء مدينة "السلام"، بتكلفة مالية تقدر بحوالي 22 مليون دولار، حيث من المفترض أن يتضمن المشروع مسجدًا ومدرسة إسلامية، وفندقًا ومطعمًا ومكتبة وملاعب رياضية بمدينة قرطبة، التي يقولون إنها ستكون "مكة أوروبا".
تزيف التاريخ:
كعادة الغرب، وخاصة الدول التي أشرقت فيها شمس الإسلام كـ"الأندلس" دائمًا ما يلجأون إلى تزيف الحقائق والتاريخ، حيث زعمت الصحيفة أن الأرض المقام عليها مسجد قرطبة كانت في الأساس كنيسة، غير أن الجيش الإسلامي استولى عليها، وقام بتشييد مسجد "قرطبة" الكائن بدلاً منها، وتلك دعوة باطلة، حيث إن الخليفة الأموي "عبد الرحمن بن معاوية" قام بشراء تلك الأرض من الكنيسة آنذاك، وقام ببناء وتشيد مسجد "قرطبة" عليها.
نبذة تاريخية:
يعتبر مسجد "قرطبة" من أعظم مساجد الأندلس وأكثرها أناقة، يعدّ تحفة فريدة من حيث روعة زخارفه، وفنون عمرانه، حيث إنه من الناحية الجغرافية يقع في الجهة الجنوبية الغربية من مدينة قرطبة بالقرب من نهر الوادي الكبير، وتحيط به من جوانبه الأربعة أزقة ضيّقة.
يرجع تأسيس المسجد إلى سنة (92هـ) عندما اتخذ "بنو أمية" قرطبة حاضرة لملكهم، حيث شاطر المسلمون نصارى قرطبة كنيستهم العظمى، فبنوا في شطرهم مسجدًا، وبقي الشطر الآخر للروم، وحينما ازدحمت المدينة بالمسلمين وجيوشهم اشترى "عبد الرحمن بن معاوية" شطر الكنيسة العائد للروم، مقابل أن يُعيد بناء ما تمّ هدمه من كنائسهم وقت الفتح، وأمر "عبد الرحمن الداخل" سنة (170هـ) بإعادة بناء الجامع على أساسٍ وشكلٍ جديدين، بلغت مساحته آنذاك (4875مترًا مربعًا)، وكان المسجد قديمًا يُسمى بـ "جامع الحضرة"، أي جامع الخليفة، أمّا اليوم فيُسمى بـ "مسجد الكاتدرائية"، بعد أن حوله الأسبان إلى "كاتدرائية مسيحية".
=============
ماذا ينتظرنا من العلمانيين ؟
الأحد 8 من صفر1428هـ 25-2-2007م الساعة 10:23 م مكة المكرمة 07:23 م جرينتش
الصفحة الرئيسة > مقالات وتحليلات
... مسجد ...
مسجد
د ـ محمد مورو
مفكرة الإسلام : منذ أن نشأت العلمانية ـ وهي لقيطة النشأة خبيثة الأثر ـ وهي تحاول أن تضرب بجذورها في التربة العربية والإسلامية مستخدمة في ذلك كل الوسائل غير المشروعة بالطبع من تلفيق وتزوير وَلَيٍّ للحقائق وتعسف في التفسير وغيرها.
وقصة العلمانية في بلادنا هي في الحقيقة قصة الصراع بين بلادنا المسلمة والاستعمار الأوروبي كآخر حلقة من حلقات التحدي الوثني الأوروبي المتسربل بقشرة مسيحية مزورة، ويمكننا أن نطلق على هذا التحدي اختصارًا كلمة الصليبية أي الوثنية ذات القشرة المسيحية، أو نطلق عليها كما فعل العلامة محمود محمد شاكر المسيحية الشمالية وهي مسيحية لا صحيحة ولا محرفة. بل وثنية أوروبية أخذت المسيحية فوثنتها توثينًا أي جعلتها وثنية.
بل إن العلمانية الأوروبية ما هي إلا ثورة وثنية أوروبية على المسيحية المحرفة -مسيحية الباباوات وصكوك الغفران- أي هي محاولة أوروبية للثورة على الكنيسة لحساب القيم الإغريقية واليونانية والرومانية القديمة مع إضافات سكسونية وجرمانية ولاتينية معاصرة، وما عصر النهضة الأوروبية الذي بدأ في القرن الخامس عشر إلا بعثًا للقيم الإغريقية والفلسفة الإغريقية الوثنية، بل وحتى الفنون الإغريقية القديمة مع إضافات لاتينية وجرمانية وسكسونية.
وحتى المسيحية الأوروبية ذاتها - والرومانية أيضًا، لم تكن مسيحية حقيقة ولا محرفة أيضًا، بل هي إدخال للمسيحية في الوثنية الإغريقية عن طريق الدولة الرومانية القديمة التي فرضت رؤيتها الإغريقية للمسيحية على جميع المسيحيين بما فيهم مسيحيو الشرق واضطهدت منهم من رفض هذه الرؤية اضطهادًا بشعًا تمتلئ به كتب التاريخ الكنسي وغير الكنسي.
المسيحية الأوروبية الرومانية إذا أخذت القيم الثابتة للحضارة الإغريقية، وهي القهر والعنف والاضطهاد الديني ومارستها في كل مراحلها، وعلى نفس المنهج سارت المسيحية الكاثوليكية، فاضطهدت العلماء، واضطهدت المسلمين واليهود وأنشأت محاكم التفتيش التي نقبت وبحثت في الضمائر، وأحرقت المخالفين في العقيدة أو حتى في الاجتهاد داخل المسيحية نفسها، بل وحتى العلماء والفلاسفة.
وعندما ظهرت البروتستانتية تعرضت بدورها للاضطهاد الكاثوليكي، ثم عندما تمكنت هذه البروتستانتية في بعض البلدان الأوروبية قامت بدورها باضطهاد الكاثوليك وغيرهم، أي إنها حملت نفس الاضطهاد الأوروبي والقهر والعنف وما كان لها إلا أن تحملها.(7/284)
ومع عصر النهضة الأوروبية -ومع الثورات الأوروبية ضد الإقطاع المتحالف مع الكنيسة- وهو ما أفرز العلمانية، نستطيع أن نلمح ثورة أوروبية على المسيحية ذاتها وإسقاطها من الحساب لدرجة ما، أي العودة الكاملة للوثنية الكاملة الإغريقية، ووجدنا بعثًا للفنون الإغريقية والشعر الإغريقي والمسرح الإغريقي والفلسفات الإغريقية، ولم تكن العلمانية الأوروبية إلا لتحمل بدورها نفس البذور ونفس القيم الأوروبية الثابتة من القهر والعنف والمنفعة اللاأخلاقية والاضطهاد الديني، وعلينا أن ننظر إلى كل الإفرازات الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية الأوروبية من فاشية ونازية واشتراكية ورأسمالية وشيوعية وغيرها، من خلال أنها إفراز طبيعي لنفس الأرضية الحضارية الأوروبية، وإذا فسدت الأرضية فسدت الإفرازات فلا فرق حقيقيًا بين هذه ، والصراع بين هذه الأيديولوجيات الفاسدة هو صراع على نفس الأرضية وتحمل نفس السمات العامة وأهمها التعصب ضد كل ما هو إسلامي ومحاولة تحطيم الإسلام والحضارة الإسلامية، وهكذا لم نجد فرقًا كبيرًا في السلوك بين الممارسات الإجرامية للفرنسيين في الجزائر سواء كانوا من اليمين أو اليسار، ملكيين أو جمهوريين، ديجوليين أو اشتراكيين، تحالفًا من الرأسماليين والديمقراطيين أو تحالفًا من الاشتراكيين والشيوعيين بل نجد معدل الجرائم يرتفع في الجزائر عندما تكون الحكومة الفرنسية حكومة من الاشتراكيين والشيوعيين فالحكومة الاشتراكية الشيوعية في فرنسا في عام 1945 هي التي ارتكبت المذبحة التي قام بها الطيران الفرنسي فأباد وأحرق 45 قرية جزائرية كاملة، بل كان وزير الطيران الفرنسي شيوعيًا.
وفي إطار الصراع بين أجنحة الحضارة الأوروبية، نجد أن كل مدرسة وكل دولة أوروبية تعمل على تجنيد طابور خامس وطني للتبشير بقيم الحضارة الأوروبية عمومًا، وهذه الدولة أو المدرسة وتلك خصوصًا، وهكذا يمكن أن نفهم الصراع بين الإنجليز والفرنسيين أو بين الكنيسة البروتستانتية والكاثوليكية أو المبشرين الألمان والإيطاليين أو المستشرقين من هؤلاء وأولئك على تجنيد أكبر قدر من العملاء المحليين، ولكن هذا كله في إطار تناقض جوهري يضم كل هؤلاء ضد كل ما هو إسلامي.
* * *
العلمانية في بلادنا ما هي إلا مفرزة استخباراتية متقدمة تتغير وتتبدل حسب أحوال الصراع في أوروبا، فدنلوب الإنجليزي يصفي النفوذ الثقافي الفرنسي في مصر لحساب النفوذ الثقافي الإنجليزي، وهكذا.
وقصة العلمانية هي قصة الصراع بين الحضارة الوثنية الأوروبية أو آخر فصول هذا الصراع مع الحضارة الإسلامية. وهذا الصراع ممتد في التاريخ والجغرافيا وشهد العديد من المراحل وأخذ الكثير من الملامح حسب الزمان والمكان.
وهذا الصراع بدأ مبكرًا جدًا في حياة الرسول r، والذي أدرك بفراسته ونبوته أن هذا الصراع سيشكل المساحة الأكبر في تاريخ الإسلام، ووضع له الأسس الصحيحة، وهي أن الهجوم خير وسائل الدفاع، وهكذا خاض المسلمون في حياة الرسول r العديد من المعارك ضد الدولة البيزنطية وحلفائها، على اعتبار أن هذه الدولة البيزنطية تمثل في ذلك الوقت المواقع المتقدمة للحضارة الأوروبية الإغريقية والرومانية، خاض المسلمون في حياة الرسول r العديد من المعارك ضد الدولة الرومانية وحلفائها في مؤتة وتبوك ودومة الجندل، وجهز الرسول r جيش أسامة بن زيد لغزو الشام، إلا أنه r مرض فأوصى بإنفاذ هذا الجيش، ووفى الخليفة الصديق t عنه بهذه الوصية بعد وفاة الرسول r.
واستمر الصراع بعد وفاة الرسول r، ونجح المسلمون في تحرير الشام وشمال أفريقيا من الدولة الرومانية، بل ووصل المسلمون إلى الأندلس، وأقاموا فيها حضارة إسلامية زاهرة لمدة ثمانية قرون، وهددوا الدولة البيزنطية نفسها في شرق أوروبا، وحاصروا روما أيضًا أكثر من مرة ووصلوا بنفوذهم ووجودهم إلى مختلف جزر البحر المتوسط قبرص، وصقلية، وإقريطش (كريت) وغيرها.
وعندما أصبح وجود الدولة الرومانية البيزنطية نفسه مهددًا بعد موقعة (ملازجرد) التي انتصر فيها السلاجقة على الدولة البيزنطية سنة 1071 م؛ قامت الدولة البيزنطية بالاستنجاد ببابا روما، وهكذا نشأت الحروب الصليبية في الشرق العربي 1095 - 1291 م، ومع فشل هذه الحروب الصليبية واندحارها ثم استمرار عملية الصراع في الأندلس وشمال أفريقيا قبل هذه الحروب الصليبية وبعدها وأثناءها، ومع ظهور الخلافة العثمانية التي أوصلت الإسلام إلى قلب أوروبا وأسقطت الدولة البيزنطية نهائيًا وفتحت القسطنطينية سنة 1453 م على يد محمد الفاتح، ووصلت الجيوش العثمانية الإسلامية إلى أسوار فيينا وجنوب روما ودخل الإسلام إلى ألبانيا والمجر والبوسنة والهرسك وكوسوفو، وخضع الصرب والكروات والمجريون والرومانيون وغيرهم للحكم الإسلامي العثماني، أحست أوروبا بالخطر الشديد، وقررت تغيير التكتيك من الصدام العسكري إلى الاختراق الثقافي والعسكري والسياسي.
ومن خلال هذا الاحتكاك المباشر وغير المباشر والذي وصل إلى قلب أوروبا عن طريق الأندلس إلى جنوب فرنسا وسويسرا وعن طريق العثمانيين إلى كل أوروبا الشرقية، ومن خلال جزر البحر المتوسط، كان من الممكن أن يعرف الأوروبيون حقيقة الإسلام فيدخلوا فيه وقد حدث هذا بالفعل في أكثر من مكان أوروبي مثل ألبانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو وغيرها، وكان لا بد لأوروبا من جهاز للدعاية لحماية رعاياهم من الأثر الإسلامي ونشأ من هنا الاستشراق الذي كان في البدء محاولة لمعرفة الإسلام بهدف تشويه صوته في عيون الأوروبيين، ومع حالة النوم والاسترخاء التي عاشها العالم الإسلامي، طمعت أوروبا في ذلك الوقت فيما هو أكثر، خاصة بعد أخذها بأسباب العلم والقوة، فتحول جانب من الاستشراق إلى تجسس أوروبي مباشر وغير مباشر على الدول الإسلامية؛ لمعرفة نقاط الضعف والتجهيز لحملة صليبية جديدة تحت اسم الاستعمار، وكذلك نشأ التبشير، ومن الاستعمار والتبشير والاستشراق بدأت الحملة الصليبية الجديدة التي انتهت بسقوط الخلافة العثمانية ووقوع معظم بلاد العالم الإسلامي في قبضة الاحتلال الأوروبي، وحدث تطور جديد في الاستشراق، فكان لا بد أن يمنع أي محاولة للنهضة في العالم الإسلامي وأي محاولة للمقاومة، وذلك بطمس معالم القوة في الثقافة الإسلامية وإحداث ما سمي بالتفريغ الثقافي على حد تعبير العلامة محمود محمد شاكر، وهذا التفريغ الثقافي يقوم على تشكيل مدرسة ثقافية محلية تتلمذ على يد المستشرقين وتردد نفس رؤيتهم للإسلام واللغة العربية والآداب الإسلامية وغيرها أو يتم تشكيل الوجدان والعقل لهؤلاء المدجنين من خلال المعارف الأوروبية وحدها.(7/285)
وهكذا وجدنا أنفسنا أمام تيارين أسوأ من بعضهما البعض الأول هو هؤلاء الذين ينظرون إلى الثقافة والآداب واللغة بل والدين بمنظور المستشرقين، وفضلاً عما في هذا الأمر من تآمر واضح فإنه أيضًا أمر غريب وعجيب، لأنه من البدهي أنه مهما كان المستشرق قد تعلم في اللغة العربية أو الآداب فإنه سيظل مجرد تلميذ في هذا الإطار، ولا يمكن أن يتحول إلى أستاذ أو دارس أو باحث أو صاحب مدرسة؛ لأنه قد نشأ وتعلم واكتسب ثقافته في أرضية ثقافية أخرى وبدهي أن أحدًا لن يفهم لغة أو ثقافة ما إلا إذا كان ابنًا لهذه اللغة وهذه الثقافة، وفي هذا الإطار يقول العلامة محمود محمد شاكر في كتابه المهم (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا): "غاية ما يمكن أن يحوزه مستشرق أن يكون عارفًا معرفة ما بهذه اللغة أو الآداب، وأحسن أحواله أن يكون في منزلة طالب عربي في الرابعة عشرة من عمره، بل هو أقل منه على الأرجح، أي هو في طبقة العوام الذين لا يعتد بأقوالهم أحد، ولا يمكن لمستشرق أن يكون محيطًا بالثقافة التي هي لازمة لتعلم اللغة والآداب، وهذه الثقافة سر من الأسرار الملثمة في كل أم من الأمم وفي كل جيل من البشر، وشرط الثقافة هذا ممتنع على المستشرق كل الامتناع، بل هو أدخل في باب الاستحالة من اجتماع الماء والنار في إناء واحد".
ويضيف العلامة محمود محمد شاكر: "فأعجب العجب إذن أن يعد أحد شيئًا مما كتبه المستشرقون في لغتنا وثقافتنا وديننا متضمنًا لرأي حقيقًا بالاحترام والتقدير، فضلاً عن أن يكون عملاً علميًا أو بحثا منهجيًا نسترشد به في شئون لغتنا وثقافتنا وتاريخنا وديننا، كما هو السائد اليوم في حياتنا الأدبية الفاسدة".
* * *
أما التيار الثاني، وهو الذي التقطته أوروبا، وعلمته ودجنته بحيث أصبح غربي التفكير والسلوك وحصل على العلوم وخاصة الاجتماعية منها من منظور أوروبي، فهذا سيأتي إلينا للتبشير بالقيم الأوروبية مباشرة.
أي إننا أمام تيار كامل تقريبًا أو تيار يفهم اللغة والآداب بل والدين من منظور المستشرقين وهو منظور سطحي في أحسن الفروض أو مشبوه ومتآمر في أسوئها.
من هؤلاء وأولئك نشأت العلمانية – وهي محاولة للتفريغ الثقافي أو تفسير الدين واللغة تفسيرًا سطحيًا أو تآمريًا يخدم مخططات الغرب، أو محاولة لزرع القيم والثقافة الأوروبية فينا، وكل هذا جزء من مخطط استعماري واضح المعالم معروف الأهداف، وهكذا لم يكن عجيبًا ولا غريبًا أن ترتبط العلمانية في بلادنا بكل مدارسها ورموزها بالاستعمار بطريقة مباشرة ومفتوحة، وقد فضح نابليون نفسه هذا الأمر في رسالته إلى كليبر التي يقول فيها "اجتهد في جمع 500 أو 600 شخص من المماليك أو من العرب ومشايخ البلدان لنأخذهم إلى فرنسا فنحتجزهم فيها مدة سنة أو سنتين يشاهدون فيها عظمة الأمة الفرنسية ويعتادون على تقاليدنا ولغتنا. وعندما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزب ينضم إليه غيرهم، ويضيف بونابرت: "كنت قد طلبت مرارًا جوقة تمثيلية وسأهتم اهتمامًا خاصًا بإرسالها إليك؛ لأنها ضرورية للجيش وللبدء في تغيير تقاليد البلاد".
وقد قام مفكرون إسلاميون مشكورون بفضح ورصد العلاقة بين الاستعمار وهؤلاء العلمانيين، فالعلامة محمود شاكر فضح لويس عوض وأثبت ارتباطه بدوائر الاستعمار في كتابه المهم أباطيل وأسمار، وطارق البشري فضح ورصد العلاقة المريبة بين الأحزاب الشيوعية المصرية خصوصًا والعربية عمومًا وبين الصهيونية وإسرائيل في كتابه الحركة السياسية في مصر 1945 – 1952 وقال إن تلك الأحزاب أنشأتها الصهيونية خدمة لمشروعها المرتقب وقتئذٍ في إقامة إسرائيل.
وفي الحقيقة فإنه أينما سرت وفتشت تجد هذه العلاقة بين العلمانية وبين الإنجليز أو الفرنسيين أو الأمريكان أو دوائر التبشير والاستشراق وهكذا، فعلي عبد الرازق مثلاً في دعوته لإلغاء الخلافة الإسلامية والزعم بأنها ليست من أصول الإسلام، وإنكاره أن الإسلام دين ودولة لم يكن إلا ناقلاً لبحث قام به الإنجليز وعملاؤهم في الهند إبان الحرب العالمية الأولى، وذلك خوفًا من إعلان الخلافة العثمانية لفكرة الجهاد لتعبئة المسلمين ضد الحلفاء في تلك الحرب، فأرادوا التشويش على فكرة الخلافة ذاتها، ثم قبع البحث في أدراج الخارجية الإنجليزية إلى أن تم نشره عن طريق علي عبد الرازق، وكذا قاسم أمين فما هو إلا ناقل لشبهات المستشرقين، وجدير بالذكر هنا أن كلاً من علي عبد الرازق وقاسم أمين كانا ينتميان إلى حزب مصري من صنائع الإنجليز، وهو حزب الأمة الذي لم يكن يخفي دعوته لاستمرار الاحتلال الإنجليزي لمصر، ونجد أن الذي هاجم قاسم أمين وكتابه هو حزب الاستقلال ورفض الإنجليز والكفاح ضدهم وهو الحزب الوطني، مصطفى كامل - محمد فريد.
نفس الارتباطات المشبوهة نجدها عند أحمد لطفي السيد رئيس تحرير جريدة حزب الإنجليز "حزب الأمة"، ونجدها في سلامة موسى ولويس عوض وغالي شكري، وشبلي شميل الذي يعترف رفعت السعيد أنه كان يدافع عن الإنجليز ويلتمس له العذر لذلك؛ لأنه كان هاربًا من النفوذ العثماني في الشام!
وفي الواقع فإن الأستاذ محمد محمد حسين في كتابه الهام اتجاهات وطنية في الأدب المعاصر" قد فضح الدوائر الاستعمارية التي كانت تقف خلف الدعوات الفرعونية أو القومية أو العلمانية عمومًا في مصر في أوائل هذا القرن.
وحتى اليوم نفس الارتباطات المشبوهة مع دوائر التنصير وهو الأمر الذي فضحه الدكتور محمد عمارة وجلال كشك وغيرهما في أكثر من كتاب ومقال، أو مع مؤسسات أمريكية أوروبية مشبوهة مثل مؤسسة فورد كونديشن التي تمول نشاطات ما يسمى بحركة تحرير المرأة وقد افتضح الأمر على يد بعض عضوات هذه الحركة أنفسهن داخل أروقة المؤتمر الذي انعقد سنة 1986 حيث تساءلن عن تمويل المؤتمر فاعترفت نوال السعداوي بأن مؤسسة فورد كونديشن الأمريكية. وكذا هيئة المعونة الأمريكية – بالقاهرة وجمعية نوفيك الهولندية ومكتب أكستوان بالقاهرة هم الذين مولوا هذا المؤتمر!
وآخر المطاف –هناك الذي يدعو الغرب جهارًا نهارًا للتدخل في مصر عسكريًا، ويدعو أيضًا للتحالف مع إسرائيل وضرب السودان، وعلاقته بالسفير الإسرائيلي أكثر من مشهورة.
وهكذا فإن العلمانية بكل مدارسها وتياراتها ورموزها مشبوهة الارتباطات مشبوهة الأهداف، وهي إما اختراق مخابراتي أجنبي مباشر، أو نشأت في أحضان دوائر التبشير كالجامعة الأمريكية، ببيروت مثلاً التي نشأ في أحضانها الكثير من القوميين العرب أو تلاميذ للمستشرقين المتآمرين أو السطحيين، وبدهي أنه ليس في الاستشراق إلا متآمر أو سطحي.
وهكذا وجدنا كل الدعوات العلمانية من دعوة إلى القومية العربية لضرب الوحدة الإسلامية وتقطيع أواصر المسلمين، أو دعوة إلى الفرعونية أو الفينيقية أو غيرها من الدعوات المقيتة التي تستهدف استبعاد الإسلام، أو الحركات الشيوعية المريبة ذات العلاقة بقيام إسرائيل، أو هؤلاء الداعين إلى الكتابة باللغة العامية نكاية في اللغة العربية وعزلاً لها وبالتالي عزل القرآن الكريم عن الواقع، أو الدعوة إلى استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية حتى يصبح كل تراثنا طلاسم على أبنائنا يحتاج لمن يترجمه لهم، أو هؤلاء الداعين للأخذ بثقافة الغرب بزعم أنها ثقافة العصر أو الحضارة العالمية، أو غيرها من المصطلحات الداعرة.(7/286)
أو هؤلاء الذين يدسون في الإسلام ما ليس فيه، أو يهيلون التراب على قيمه الثابتة للتشكيك فيها، ما بين مشكك في إعجازه، أو نافيًا للمعلوم من الإسلام بالضرورة محللاً للربا، أو للخمر، أو هذا الذي يلقي بالشبهات على الصحابة, أو الآخر الذي ينفي الشريعة ويريد أن يفصل الدين من الدولة, أو التي ترى تحرر المرأة في خروجها على تعاليم الإسلام وليس محاربة الاستعمار مثلاً، بل الحصول على التمويل منه لحركة تحرير المرأة وهكذا.
* * *
على أن آخر مراحل العلمانية وبعد هذا الكم الهائل من الشبهات حول الإسلام واللغة والتاريخ والشريعة، وجدنا من يريد أن يعلمنا الجانب العقائدي في الإسلام ويخضع الغيب للواقع أي ضرب العقيدة في مقتل مثل محمد أركون ومحمود إسماعيل .
===============
د. محمد عمارة: الليبراليون العرب أكثر استبداداً من غيرهم
الخميس5 من صفر1428هـ 22-2-2007م الساعة 05:30 م مكة المكرمة 02:30 م جرينتش
الصفحة الرئيسة > حوارات
... المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة ...
المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة
- منهج أهل السنة هو التحذير من التكفير.
- أمريكا بدأت بالعراق لإحداث تغيير في المنطقة يحقق مصالحها هي وإسرائيل.
- النموذج الأمريكي مرفوض إسلامياً وهذه هي الأسباب.
- مشكلتنا مع الغرب في مشروعه للاستعمار والهيمنة والاستغلال.
- لا أخاف التطرف الفكري لأن الأمة سترفضه.
- ليس هناك ارتباط بين الديمقراطية العلمانية.
- لن ينجح الحوار مع الغرب مادام الفاتيكان يسعى لتنصير المسلمين.
- الغطرسة الأمريكية جمعت بين القارونية والفرعونية.
حاورته/ د. ليلى بيومي
يعد الدكتور محمد عمارة مفكرأ إسلاميا بارزا , وهو غني عن التعريف , حيث قدم للمكتبة الإسلامية العديد من الكتابات التي أثرت الفكر الإسلامي المعاصر،
كما أنه من أبرز من سبروا أغوار الفكر العلماني، ولذلك فهو فارس مغوار في دمغ حجج العلمانيين والمعادين للفكرة الإسلامية، وفي كتاب أخير صدر له يناقش قضية التكفير انتهز المتربصون به جملة وردت في الكتاب فأقاموا الدنيا على الرجل وطالبوا بمحاكمته.
عن كل هذه القضايا، وعن بعض ما يتصل بهموم الحركة الإسلامية والفكر الإسلامي كان هذا الحوار مع د. محمد عمارة.
* كتابكم "فتنة التكفير" سبب لكم مشكلات كثيرة، طالب الأقباط على أثرها بمحاكمتكم، ما هي قصة هذا الكتاب؟.
** أردت أن أقول في هذا الكتاب، أصدرته وزارة الأوقاف، إن منهج أهل السنة هو التحذير من التكفير ويقول في ذلك أبو حامد الغزالي: "لا يسارع إلي التكفير إلا الجهلاء، وأن الخطأ في ترك ألف كافر أهون من إراقة دم مسلم"، ويقول "نحن لا نكفر أهل السنة"، ومع ذلك وافق الغزالي علي تكفير غير المسلم؟. والمشكلة جاءت من مجرد كلمتين فقط وهما "إباحة الدماء" في مضمون اقتبسته من كتاب لأبي حامد الغزالي اسمه "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة"، وقد قررت إحقاقا للحق حذفهما، ولا أعرف كيف ضمنهما أبو حامد كتابه، فأنا أقرأ له وأخذ منه في ثقة ولا أفتش وراءه، لكن هذا ليس موقف الإسلام الذي لا يبيح دماء الآخرين.
لقد خلصت في كتابي إلي تحديد موقع بؤر وألغام الخلاف الموجود في التراث وهي فكرة التكفير داخل مذاهب المسلمين.
وفي أحد فصول الكتاب جاء عنوان "ما العمل" وذكرت تحت هذا مطلبين، الأول هو إصدار فتوى جماعية بين السنة والشيعة والسلفية بعدم تكفير أي من المذاهب الأخرى لكل من ينطق بالشهادتين، أما المطلب الثاني فهو تهذيب كتب التراث بتطهيرها من أحكام التكفير.
وطالبت بأشياء عدة أهمها، دعوت منظمة المؤتمر الإسلامي بعقد مؤتمر لكل مفتيي العالم الإسلامي بإصدار فتوى "لا للتكفير"، أما المطلب الثاني وهو تهذيب التراث كما يحدث في تهذيب "ألف ليلة وليلة" من الفحش والأدب المكشوف وفقاً لحكم قضائي يقضي بحذف ما يتعارض مع الآداب كي نتمكن من تدريسها بالمدارس.
* كيف تنظرون إلى الاحتلال الأمريكي للعراق؟.
** الحرب التي شنتها أمريكا وحلفاؤها على العراق هي حرب مقاصدها معلنه من قبل الأمريكان أنفسهم، فعلى لسان وزير الخارجية الأمريكي السبق قال: إنها حرب تبدأ بالعراق لأحداث تغيير شامل في المنطقة على النحو الذي يحقق مصالح أمريكا وينهى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومنذ عقود كتب نيكسون في كتابه "انتهزوا الفرصة" يقول: إن أمريكا ليس لها في الشرق العربي إلا النفط وإسرائيل، وأمريكا بعد سقوط المنظومة الشيوعية أعلنت أن القرن الحالي هو قرن الإمبراطورية الأمريكية التي لا تريد قطباً آخر ولا شريكاً ولا منافساً في الهيمنة الامبريالية على العالم، وحتى تحقق هذا خطط مفكرو اليمين الديني في الحزب الجمهوري منذ سنوات للسيطرة على منابع الطاقة في العالم حتى تستطيع أمريكا التحكم في القوة الصناعية في العالم فتمنع قيام قطب منافس أو شريك في النظام الدولي، ولهذا ذهبت إلى أفغانستان وأقامت أكثر من 10 قواعد عسكرية في جمهوريات آسيا الوسطى للهيمنة على بترول بحر قزوين، وحتى تكون على حدود القوى المرشحة للنمو مثل الصين والهند وروسيا. وهى تلعب نفس الدور في منطقة البحيرات الأفريقية عبر ورقة الأقليات في السودان، من أجل السيطرة على النفط هناك.
* لماذا ترفض النموذج الأمريكي؟.
** النموذج الأمريكي مرفوض رفضًا كاملاً من وجهة النظر الإسلامية لثلاثة أسباب أساسية:
السبب الأول: أن النموذج الأمريكي توءم للنموذج الصهيوني، فالولايات المتحدة تأسست على إبادة شعب وحضارة، وإحلال مستوطنين غرباء محلهما أتوا بهم من أوروبا إلى أمريكا. ففلسفة إقامة وتكوين هذا النموذج هي نفس الفلسفة الصهيونية "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
والسبب الثاني: أن من سمات هذا النموذج المرفوض هو تمثيله للرأسمالية الليبرالية المتوشحة. والولايات المتحدة ترى أنها يجب أن تسود العالم إما حربًا أو سلمًا، من خلال صراع أو صدام الحضارات. ولقد لفرض هذا النموذج عبر استغلال برامج التنمية في مؤسسات التمويل الدولية، مستغلة حاجة الشعوب الفقيرة للقروض لتمويل عمليات التنمية. وقد فرضت تطبيق هذا النموذج عبر وصفة إجبارية لم تكن مناسبة لكثير من المجتمعات التي فُرِضت عليها، أو كانت قد تم تطبيقها في مجتمعات مشابهة فجرَّت الخراب والدمار.
والسبب الثالث: أن النموذج الأمريكي يمثل في هذا الوضع الراهن جنون القوة في تعامله مع العالم وخاصة العالم الإسلامي. فلقد تطورت علاقة أمريكا بالشعوب الطامحة للاستقلال والحرية من مرحلة سياسة القوة إلى مرحلة غطرسة القوة إلى المرحلة الحالية وهي جنون القوة. وهذا النموذج في وضعه الراهن يجمع ما بين القارونية من ناحية، والفرعونية من ناحية ثانية؛ ولذلك لا يمكن أن يكون مقبولاً من وجهة النظر الإسلامية بل ولا حتى من وجهه النظر الإنسانية المتحرر.
* هل الغرب كله شيء واحد؟.
** إنني أدعو إلي توخي الحذر عند رؤيتنا للغرب، فنحن يجب أن نميز بين الإنسان الغربي، وهذا لا مشكلة لنا معه بل إنه يفتح عقله وقلبه للإسلام ولقضايانا العادلة إذا نحن أحسنّا عرضها عليه وهذا الإنسان الغربي هو في الحقيقة ضحية للإعلام الغربي وللموروث الثقافي الغربي المليء بالمغالطات في ما يتعلق بالإسلام فهو أي الإنسان الغربي ضحية أكثر منه جانياً.
الشريحة الثانية في الغرب هي العلم الغربي وهذا لا مشكلة لنا معه بل إننا مدعون إلى طلبه وتعلمه والتلمذة علي أهله فهو مشترك إنساني عام.(7/287)
أما المشكلة في ما يتعلق بالغرب فهي المشروع الغربي مشروع الاستعمار والهيمنة والاستغلال وهذا المشروع يمثل بالنسبة لنا مشكلة ليس لأنه غربي فنحن انطلاقا من الإسلام نؤمن بالتعددية الدينية والثقافية والقومية والحضارية ونؤمن أن العالم يجب أن يكون منتدى حضارات تتعايش وتتفاعل وتتمايز في الخصوصيات الثقافية، لكن الذي يجعل المشروع الغربي مشكلة لنا هو أن الحضارة الغربية ذات نزعة مركزية تجعلها تؤمن بأن الحضارة بدأت بالإغريق والرومان وانتهت بالنهضة الأوروبية وأن النموذج الغربي الحضاري هو الحضارة الإنسانية والعالمية الوحيدة وعلي الآخرين تقليدها والتبعية لها والذوبان فيها، أي أن المشروع الغربي هو بحكم نزعته المركزية ينفي المشاريع الحضارية الأخرى وفي مقدمتها المشروع الحضاري الإسلامي.
* الحركة الإسلامية متهمة بممارسة الديكتاتورية عندما تصل إلى الحكم، كما حدث في السودان، وأفغانستان، وحتى قبل الوصول إلى الحكم أو حال الوصول إليه كما حدث في الجزائر عندما هاجم نائب رئيس جبهة الإنقاذ الديمقراطية، وأيضا في مصر انتقد الكثيرون تجربة الإخوان في النقابات المهنية وقالوا إنها كانت غير مشجعة، حيث كانوا يرفضون أن يشاركهم غيرهم إدارة النقابات ... كيف تردون على هذه الاتهامات؟.
أنا أولاً لي ملاحظات على التيارات الفكرية جميعها من حيث الموقف من الشورى والديمقراطية، وأنا أيضا أتساءل: هل الليبراليون عندما حكموا في بلادنا كانوا ديمقراطيين؟! هذا لم يحدث، التطبيقات الديمقراطية عند من يدعون الليبرالية كانت حكماً لفئة من الإقطاعيين أو الرأسماليين، بينما كانت جماهير الشعب محرومة، ولو نظرنا إلى الأحزاب الليبرالية فسوف نجد أن زعامتها وقيادتها كانت احتكاراً لفئة من الناس.
والأحزاب والتيارات القومية هي التي أقامت الديكتاتوريات والنظم الشمولية على مساحة العالم العربي بأكمله، فالمناخ الذي نعيشه يعاني من سلبيات كثيرة فيما يتعلق بالديمقراطية والتوجهات الشورية. نأتي إلى قضية الإسلاميين وأنا لا أبرئ التيارات الإسلامية أن لديها أيضا هذه المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بالديمقراطية والشورى، لكنها قد تكون أفضل من غيرها في هذا المجال، أنا لا أدري ماذا ستفعل إذا وصلت إلى الحكم، لأن هذا في علم الغيب، لكني أتصور أن كثيراً من الحركات والجماعات الإسلامية لها في تنظيماتها مجالس شورى، وتتحدث كثيرا عن موضوع الشورى.
أما فيما يتعلق بالتطبيقات فبخصوص التجربة السودانية فإن لها ظروفا وملابسات تجعلني أتروي في الحكم عليها، لأن الحركة السياسية في السودان كانت حركات صوفية قبلية ذات طابع إقطاعي، وهذا واضح عند الختمية والأنصار، وكانت حركات حديثة أغلبها أحزاب يسارية محدودة التأثير والعدد. أما الحركة الإسلامية في السودان فهي الحركة الحديثة القائمة على تنظيم غير قبلي وغير إقطاعي، فهي تجمع ما بين التوجهات الحديثة وبين المرجعية الإسلامية. ثم إن السودان له خصوصية، فلديه عدد من الثقافات وليس ثقافة واحدة، وليس شعبا واحداً ولا ديانة واحدة، ولا عرقاً واحداً، ولا لغة واحدة، وهذا يجعل للسودان خصوصية تجعلنا نحبذ أن تعطى له فرصة قبل الحكم على هذه التجربة مع التسليم بأنه ليس هناك نظام حكم، سواء كان إسلاميا أم غير إسلامي، يمكن أن يمثل المثال الذي نريده، فدائما هناك فارق بين المثال والواقع، فنحن حينما نتحدث عن الشورى والديمقراطية فإن القضية ليست مثلاً وأحلاماً.
أما بخصوص التصريحات التي صدرت عن بعض الإسلاميين في جبهة الإنقاذ في الجزائر، فجبهة الإنقاذ جبهة وليست تنظيما متحداً، وهي لها من اسمها نصيب فهي تيارات مختلفة ومستنيرة، ومن هنا فطبيعي أن يكون داخلها وجهات نظر مختلفة، وأن نسمع بعض التصريحات السلبية عن الديمقراطية.
وأحيانا فإن الإعلام المعادي يركز على خطبة قالها خطيب مجهول أو تصريح قد يكون لصاحبه تفسيرات معينة، وحتى لو قال "على بلحاج" نائب رئيس الجبهة إن (الديمقراطية كفر) فهو يقصد أنها تعطي الأمة سلطة التشريع حتى أنها تحرم الحلال وتحلل الحرام، وهذا موجود في بعض الدول الأوروبية كأن يكون للشذوذ الجنسي قانون، وللزنا بالتراضي قانون.. الخ، لأن فلسفة الديمقراطية في النظام الغربي هي أن الأمة مصدر السلطات بشكل مطلق وليس هناك سقف على سلطة الأمة، لكن الديمقراطية كمؤسسات وآليات وتجربة إنسانية فيها النظام النيابي، والانتخابات، والرأي العام، وتبادل السلطة. كل هذا لا يختلف مع الإسلام ولا مع الشورى الإسلامية، وهنا يجب ألا يعزل التصريح عن سياقه وملابساته ومقاصده، وألا يعمم.
أما قضية الإخوان فهم لهم أدبيات معينة تلتزم بالديمقراطية، وتبادل السلطة، والتعددية، والشورى، والاقتراع، بل إن لهم تصريحات كثيرة تتحدث حتى عن قبولهم لأحزاب شيوعية، وأن الحكم هو الأمة، وأنا بالنسبة لأي حزب أو جماعة أحاكمها بناء على أدبياتها ولا أتحدث عن النوايا لأن بعض الناس يريد أن يحاكم الناس ولو فعلنا ذلك نستطيع أن نرفض كل الناس، لأنه لا يعلم النوايا إلا الله، ونحن نتعامل مع الناس فيما يتعلق بالحياة الدنيا بالظاهر والمعلن، وأنا أقول إنه ليس هناك تيار سياسي في عالمنا العربي والإسلامي يستطيع أن يكون نموذجا للحكم والمثال الذي نتحدث عنه.
لكن على مستوى الواقع "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"، فأين هو التيار الديمقراطي الحقيقي الذي من حقه أن يحاكم الآخرين على سلبياتهم الديمقراطية.
* وصل الصدام بين الحركات الإسلامية والحكومات إلى أعنف مدى، حتى وصل إلى الصراع المسلح وأعمال العنف. هل كان هذا الصدام لازما لا فكاك منه؟ وما هي الآليات التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن؟.
** لا أنكر أن هناك فصيلاً، وهو بالمناسبة محدود العدد والتأثير في الظاهرة الإسلامية، يؤمن بالعنف، وهذا الفصيل نشأته حديثة.
نحن نميز بين أمرين، الأول: حوادث عنف، وهذه موجودة منذ أن نشأت الدنيا منذ قابيل وهابيل، وموجودة في تيارات فكرية كثيرة، فالعنف قانون في التيار اليساري، لأن الثورات الحمراء واستخدام العنف وتغليب طبقة على طبقة هذا عنف.
والتيارات الانقلابية التي تلجأ إلى الانقلابات العسكرية في العالم العربي هي تيارات عنف، التيار القومي تيار انقلابي وقام بحركات عنف واستولى على السلطة في عدد من البلاد، وهذا عنف، وهناك في الحركة الإسلامية فصائل للعنف.
مثلا "حزب التحرير" يؤمن بالاستيلاء على السلطة بواسطة الجيوش والانقلابات العسكرية. العنف في الحركة الإسلامية أصبح له نظرية منذ المحنة التي تعرض لها الإخوان المسلمون في 1954 ثم في 1965، وأعتقد أن "سيد قطب" - رحمه الله - كان أول مصري ينظر للعنف. فلم يعد العنف مجرد حادثة فردية إنما أصبح هناك نظرية ترفض الواقع، تحكم عليه بالكفر والجاهلية وتستعلي على هذا الواقع وتدعو إلى تغييره بالعنف.
فسيد قطب لم يكن منظراً للعنف الفردي والعشوائي الذي رأيناه في مصر، لأن هذا لون من العبث، لكنه كان منظراً لعنف ثوري، أي أنه يثور المجتمع ويحضر المجتمع الإسلامي والتيار الإسلامي لكي يقوم بعمل عنيف وثورة تغير الواقع الجاهلي الذي يتحدث عنه.(7/288)
سيد قطب قبل محنة السجن كان مفكراً مستنيراً وعقلانياً وكتاباته من الاجتهادات المبدعة في الفكر الإسلامي، ولكن عندما وضع في المحنة والمحرقة حدثت تغيرات في فكره، ورفض الواقع، وأصبحت القضية بالنسبة له "أبيض وأسود" ، كل ما يقوله الآخر الذي يمتحنه ويقهره ويعذبه ويسجنه فهو رافض له، فبعد أن كان يتحدث عن العدالة في الإسلام أصبحت الاشتراكية بالنسبة له كفراً، وكذلك القومية، فقد غالى إلى الحد الذي تحدث فيه أن الأمة ارتدت وأن معتقدات الناس أصبحت شركاً. فالذي أدى إلى هذا هو المحنة، فالعنف والتنظير له ولد في السجون، ولذلك فالسبيل للخروج من هذا الفكر الجامد والمغلق هو أن تتاح فرص وقنوات للعمل الشرعي والسلمي والقانوني أمام كل تيارات الفكر، وأنا لا أميل إلى تقييد أي لون من ألوان الفكر، حتى الفكر الذي أرفضه ولو كان كفراً، لأن صاحب الاجتهادات التي تؤدي إلى الكفر قمعه يجعله شهيداً ويصبح له أنصار، لكن إذا تركناه يقول ما يقول سيرفضه الناس وسيفلس أمام الجماهير.
ونحن على مدار تاريخنا الإسلامي كانت الأفكار الشاذة موجودة، وعندما كانت تقيد هذه الأفكار كان يصبح لها سلطان.
يجب أن يتاح التعبير للجميع حتى الفكر المتطرف، وأنا لا أخاف التطرف الفكري، لأن الأمة سترفضه لكن أرفض العنف الذي يفرض الأفكار، فلو أن إنساناً لديه فكر متطرف دعه يقوله، فلو سمحت له بجريدة مثلا سوف تجعله يراجع أفكاره قبل أن يكتبها، لكن إذا منعت ذلك عنه فسوف يكتب في الظلام كل الانحرافات التي وقعت في ذهنه، ولذلك فإن إتاحة العمل القانوني والشرعي والسلمي أم تيارات الفكر هي أهم السبل للقضاء على ظاهر العنف.
فالعمل السري والعنيف يعطي صاحبه نوعاً من الكبرياء الكاذب والأهمية الخادعة لأنه يتصور أنه موضوع لأنه مهم فتتضخم الذاتية عنده.
* البعض يتهم الحركات الإسلامية بأنها لم تقطع علاقاتها بالحكومات فقط، بل قطعتها أيضا بالتيارات الأخرى داخل مجتمعاتها، فهل العنف والتدابر صفة ذاتية في هذه الحركات؟ وهل يمكن أن يلتقي الإسلاميون مع بقية التيارات الأخرى؟.
** هذا السؤال قد يكون فيه تعميم، لأني أرى أن الحركة الإسلامية في الأردن مثلا تحالفت مع التيارات السياسية والفكرية الأخرى في كثير من القضايا مثل الموقف مع التسوية السلمية مع إسرائيل، وقضية الحريات والديمقراطية.. الخ. كما أن الحركة الإسلامية في اليمن شاركت في السلطة وتحالفت تحالف مع "حزب المؤتمر الشعبي" وخاضوا معا حربا ضد التيارات الانفصالية، وبالتالي فليسوا غرباء عن العمل المشترك والعمل الجبهوي، حتى في السودان كثير من فصائل التيارات السياسية والحزبية الأخرى تعاونوا مع الجبهة القومية الإسلامية، وفي مصر دخل "الإخوان المسلمون" الانتخابات مع الوفد عام 1984م، ودخلوا في التحالف الإسلامي مع حزبي العمل والأحرار عام 1987م، وأيضا شاركوا في عمل مشترك كثيراً مع الأقباط والوفد والشيوعيين والأحرار في كثير من القضايا، بل إنه كان هناك مشروع للاتفاق على الحد الأدنى للعمل المشترك بين التيارات الفكرية والسياسية بما فيهم الإخوان.
إن إتاحة فرصة العمل السياسي الشرعي والقانوني هي التي تشجع الحركات على العمل المشترك، لكن عندما نمنع الحركات الإسلامية ونحجر عليها فكيف يقومون بعمل مشترك إذا كان عملهم في حد ذاته مجرما وممنوعاً؟.
إنني أدرك أن العمل الجبهوي والتعاون بين تيارات الفكر يحتاج إلى أفق واسع وتجارب وتدريب، وأتصور أن كل تياراتنا الفكرية والحزبية عندها قصور في ذلك، الأحزاب في أحيان كثيرة تتصرف بروح القبيلة، ولذلك هناك نقص في التعاون بين الأحزاب السياسية بشكل عام، لكن بالذات أمام المخاطر الخارجية التي تهدد الأمة ووجودها وهويتها نجد تعاوناً وعملاً مشتركا بين تيارات الفكر والتنظيمات السياسية في بلادنا.
أنا معك نحن في حاجة إلى أن ننمي روح العمل الجماعي والمشترك، وهناك إيجابيات موجودة في أرض الواقع، وفي العقود الأخيرة كانت هناك أمور مشجعة.
* بصفتك مفكراً إسلامياً تهاجم العلمانية ورموزها، كيف ترى مستقبل العلمانية في مصر والعالم العربي؟ وهل أسهم الفكر الإسلامي الحديث في إضعاف العلمانية أم في استفزازها وتنشيطها وإشعالها؟.
** الاستفزاز والإشعال قائم في شريحة الغلو العلماني وليس في العلمانيين كافة، فنحن كما قلنا فهناك غلو ديني يحكم على المجتمعات بالجاهلية والكفر، ويتخذ العنف سببا للتغيير. وفي نفس الوقت هناك غلو علماني يجري في الثوابت والأصول والمعتقدات، أي يضرب في القرآن، والنبوة والرسالة، ويتحدث عن تاريخية النصوص ويرى نسخ الشريعة.
وما نحن بصدده الآن ليس العلمانية بشكلها الجزئي التي تتخوف من التطبيقات الإسلامية والدولة الإسلامية، وإنما نحن بصدد ظاهرة غلو علماني تستفز الحس الإسلامي، وتجرح المعتقدات والثوابت الإسلامية. والمد الإسلامي وانعطاف الأمة وبحثها عن الحلول الإسلامية والبديل الإسلامي في التقدم والنهضة قلص مساحات الفكر العلماني.
ونحن نشهد الآن كثيرا من المثقفين العلمانيين يشكون من الإفلاس، انصرف عنهم الجماهير، فأنت الآن لو عقدت "ندوة إسلامية" تجد جمهوراً لكن لو عقدت "ندوة علمانية" لا تجد جمهوراً رغم أن في يدهم السلطة والإمكانات والتمويل وأجهزة الإعلام، لكن الشارع ليس معهم وهذا من أسباب الاستفزاز عندهم فيشعرون بحالة من الإحباط تجعلهم في حالة من التوتر، وهذا هو الذي يصعد من لهجتهم في مواجهة الإسلام.
وهذا ينعكس حتى في الأحزاب، فالأحزاب العلمانية على حد تعبير أحد العلمانيين يقول: إنها "مصابة بجفاف جماهيري" ونحن نرى أحزابا تعطي مقرات ورخصاً ودعماً وليس داخلها أحد، بينما التيار الإسلامي الذي يصلب ويضرب يقبل عليه الناس. وهذا دليل على أن الظاهرة الإسلامية لها رصيد في عقيدة الأمة وتفكيرها، فالناس بالفطرة مؤمنة، وتطمئن للحل والنموذج الإسلامي، فالناس جربت الحل الإسلامي والنظام الإسلامي لأكثر من ثلاثة عشر قرناً، أما الحديث عن النمط الغربي فجديد على الأمة، وكل تجاربه بألوانه المختلفة لا تؤتي ثمرة طيبة. بينما الناس تدري أن الذي صنع لها الدولة والأمة والعقيدة والشريعة هو الإسلام، فضلا عن أنه هو السبيل إلى الدار الآخرة التي هي خير وأبقى. العلمانية حل غربي لمشكلة غربية، فقد كانت هناك كهانة وكنيسة تحكم بالحق الإلهي، وتجعل الدنيا ديناً خالصاً وتحجر على العلم.
وأمام هذا الغلو الديني جاء غلو علماني لا ديني رفض أن يكون للدين مدخل في عمران الحياة الإنسانية. وإذا كانت العلمانية حل غربي لمشكلة غربية فإن الإسلام لا يعرف هذه المشكلة فهو ليس فيه كهانة، ولا حكم بالحق الإلهي، ولا عصمة لبشر، ولا عصمة لاجتهاد بشري ومن ثم فليس عندنا المشكلة التي تستدعي العلمانية، والعلمانيون عندنا يبذرون بذرة في أرض غير قابلة لنمو هذه البذرة. وحتى عندما تفرد العلمانيون بالعمل في المجتمعات الإسلامية لم تكن لهم جذور في الواقع الإسلامي.
* الحركة الإسلامية متهمة بأنها سطحية وليس لديها عمق ثقافي وأنها تربي أبناءها على الشعارات. ما هو رأيكم في هذه المقولة؟.(7/289)
** تعبير الحركة الإسلامية تعبير واسع، فإذا أردنا بالسؤال الإشارة إلى الفصائل التي تنحاز إلى العنف والجمود، فأنا معك أن أغلب هذه الحركات بضاعتها شعارات وتخلوا أدبياتها إلى حد كبير من العمق والموضوعية والفقه بالمعنى الإسلامي، أما إذا كان الحديث عن الحركات الوسطية المعتدلة فإن هذه التعميم يصبح ظالما، لأن لدى الكثير من الحركات الإسلامية الوسطية أفكار ورؤى وتصورات وكتابات وأيضا إبداعات فكرية على مستوى طيب، صحيح أنها لا تلبي الطموحات التي نريدها لكن إذا قارنتها بغيرها من الحركات الفكرية في الإطار القومي اليساري لن تجدها فقيرة في الناحية الفكرية.
أما إذا كانت الإشارة إلى تيار المفكرين والمجددين والذين لهم استقلالية عن التنظيمات والحركات الإسلامية لكنهم يبدعون مشروعا حضاريا إسلاميا أو بديلا إسلاميا للنموذج الغربي في التحديث، فأنا أعتقد أن المكتبة الإسلامية في العقود الأخيرة بها العديد من الكتب والدراسات والاجتهادات التي تقدم رؤية الإسلام في كثير من القضايا وملامح وقسمات المشروع الحضاري.
ومن هنا فلا أوافق أن يكون المعني هو تيار التجديد والتفكير والاجتهاد الإسلامي، فهذا التيار منذ جمال الدين الأفغاني إلى محمد عبده إلى الكواكبي إلى المراغي إلى شلتوت إلى رشيد رضا إلى وضعنا الراهن، أقول إن لدينا تيار فكري مجدد ومجتهد ومبدع وله اجتهادات تمثل معالم لمشروع حضاري. وهكذا فإننا إذا نظرنا إلى الظاهرة الإسلامية، وليس الحركة الإسلامية، فلن نستطيع أن نحكم عليها بأنها فقيرة من الناحية الفكرية.
* العلمانية في أوروبا عادة ما ترتبط بالديمقراطية وحرية العبادة والأديان، ولكن عندنا في الدول العربية عادة ما تشتبك مع الدين، كيف نفك هذا التداخل؟.
** أريد أن أفك الارتباط المزعوم بين الديمقراطية وبين العلمانية، لأنه من الممكن أن تكون هناك مجتمعات ديمقراطية وليست علمانية، ويمكن أن تكون هناك مجتمعات علمانية وليست ديمقراطية، فالمجتمع الشيوعي هو مجتمع قمة في العلمانية الثورية الملحدة، ومع ذلك هو مجتمع غير ديمقراطي.
والمجتمعات الفاشية والنازية مجتمعات علمانية وغير ديمقراطية، والذين يربطون في مجتمعاتنا حقوق الأقليات الدينية بالعلمانية مخطئون لأن التعددية الدينية في المجتمعات الإسلامية حقيقة تاريخية، يعني حيث كان الغرب يرفض التعددية الدينية بل ويرفض التعددية المذهبية حتى داخل النصرانية، وقد كان هذا هو حال المجتمع الغربي طوال تاريخه يعني المجتمع البروتستانتي يقتل غير البروتستانتي، والمجتمع الكاثوليكي يقتل غير الكاثوليكي، وهكذا، بينما جعل الإسلام الحفاظ على الآخر الديني جزءً من العقيدة الدينية فلا يكتمل إيمان المسلم إلا إذا آمن بكل الرسل والرسالات السابقة وأيضا إلا إذا أمن غير المسلم على ذاته ونفسه، وأبنائه وأمواله، وكنائسهم وصلبانهم وعقائدهم. أي أن حماية الآخر الديني جزء من العقيدة الإسلامية، ولذلك عاشت الشرائع والملل الأخرى في بلادنا على مر التاريخ الإسلامي، ففي مصر ظهرت أقدم كنائس الدنيا في ظل الإسلام.
بل إنني ألفت النظر إلى حقيقة هامة، فنحن عادة نضرب المثل بمصر في التسامح الديني وفي التعايش والإخاء. وهذا التعايش والتسامح ثمرة إسلامية وليس ثمرة مصرية، فالشخصية المصرية قبل الإسلام لم تكن شخصية متسامحة، تأملي معي مصر الفرعونية عندما جاءت ديانة إخناتون اضطهدت وأبادت معابد آمون واضطهدت كهنته وأبادتهم، وعندما هزمت الأخناتونية اضطهد كهنة آمون الاخناتونيين وأبادوهم، وعندما دخلت النصرانية مصر قبل الإسلام كانت ديانة مضطهدة من الوثنيين، وكلما قويت كانت تبيد الوثنيين فتدمر المعابد، وتحرق المكتبات، وتسحل الفلاسفة الوثنيين. بل إن الدولة الرومانية عندما كانت على وثنيتها كان حكامها في مصر يضطهدون الأقباط المصريين، وأقباط مصر يؤرخون بـ "عصر الشهداء" أي الشهداء في العصر الروماني، حتى بعد أن تدينت الدولة البيزنطية بالنصرانية كان لها المذهب الملكاني وكان غير المذهب المصري، وكان هناك اضطهاد، وظل أقباط مصر مضطهدين حتى في ظل المسيحية الملكانية البيزنطية. فقط عندما جاء الإسلام فإن عمرو بن العاص هو الذي استدعى المضطهدين من المغارات والجبال والصحاري ورد إليهم كنائسهم التي كانت مغتصبة من النصارى الملكانيين البيزنطيين.
ومنذ الفتح العربي الإسلامي لمصر بدأت التعددية في مصر، والذين يأتون بالعلمانية الآن لكي تكون حلاً لمشكلة الأقليات، أقول لهم إن العلمانية حل غربي جاءنا في ركاب الغزوة الاستعمارية الحديثة التي جاءت تقهر القبطي والمسلم معا، فهل تكون حلا للأقليات في مصر؟!
الحل هو المشروع الحضاري الذي يمثل هوية الأمة بأغلبيتها وأقليتها، وأحيانا أتساءل: لو أنني قبطي مصري، أيهما أولى لي: أن أحكم بالفقه الإسلامي الذي هو فقه عربي إسلامي واجتهاد وطني؟ أم بقانون نابليون الذي جاءنا ليحتلنا ويقهرنا مسلمين وأقباطاً؟.
إن كرومر كان يحتقر الأقباط المصريين لأنهم شرقيون ولكنه لا يستطيع أن يميز بينهم وبين المسلمين. لذلك فالوحدة واضحة عندنا في الشعب والأمة والدولة والثقافة والفلسفة والقيم والنظرة للكون.
ولحسن الحظ فإن الشريعة الإسلامية كتدبيرات مدنية لشئون الدنيا ليس هناك بديل نصراني لها، وبالتالي فإن حكم الشريعة الإسلامية ليس بديلاً لشريعة النصرانية وإنما هو بديل لعلمانية غربية.
فإذا كان المسيحي المصري يتقبل القانون الروماني فهل يتقبل قانون الرومان الذين قتلوا أجداده وأصبح يؤرخ بقتلاهم وشهدائهم، ولا يقبل القانون الإسلامي الذي حرره من هذا الاضطهاد؟ بالمنطق الديني والدنيوي، ليس هناك أي مبرر لاستدعاء العلمانية كحل لمشكلة الأقليات. لقد كنت في حوار إسلامي مسيحي في عمان وجاء قسيس إيطالي كاثوليكي يقول: إن الحل هو العلمانية، فقلت له أنت قسيس وتقول هذا؟ هل عندما يكون لك ابن أيهما يطمئن قلبك: أترسله إلى مدرسة متدينة تعلمه أن لهذا العالم خالق؟ أم ترسله إلى مدرسة علمانية تعلمه أن هذا العالم بدون خالق؟ إن آخر شيء يمكن أن يفكر فيه أي مؤمن بأي دين من الأديان هو أن يحتكم إلى العلمانية لأنها عندما بدأت، بدأت عدواناً على النصرانية في الغرب، فكيف يتبناها المسيحي في الشرق وهي في بداياتها عدوان على القيم الإيمانية والحكم النصراني في الغرب. وعلى هذا فالأقليات تلتمس كامل المواطنة في مشروع الأمة الحضاري وليس في المشروع الذي يخترق أمن الأمة.
* نسمع كثيرا عن الحوار بين الأديان والحضارات، على أي أساس يمكن أن يقوم هذا الحوار؟ وما هي الضمانات التي تحول دون تحوله من حوار حقيقي إلى غزو فكري وفرض للآراء؟.
** الحوار ليس فقط فضيلة إسلامية، إنما هو فريضة إسلامية، لأن الإسلام هو الذي يجعل التعددية في الشعوب والقبائل.. في الألوان وفي الألسنة.. في المناهج والشرائع، أي في الملل والحضارات، يجعل هذه التعددية سنة من سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل.
وإذا كانت صورة التعددية في الرؤية الإسلامية [ ولا يزالون مختلفين] والمفسرون يقولون: للاختلاف خلقهم. وحتى ظهور الإسلام على الدين كله ليس معناه أن الإسلام ينفرد بالبشرية، إنما معناه ظهور الحلول الإسلامية حتى في البلاد التي لا تدين بالإسلام.(7/290)
فإيطاليا الكاثوليكية حينما تأخذ بالطلاق فهنا يكون ظهور الإسلام على الدين كله، فرغم أنها على كاثوليكيتها لكن لجأت إلى حل الإسلام، ولما تدرس بعض البلاد الغربية الآن النظام الإسلامي اللاربوي لأنها ترى أن في هذا حل لمشكلة التضخم فهذا ظهور على الدين كله. دون أن يكون الإسلام هو الذي سيزيح هذه الأديان، لأن التعددية في الملل سنة من سنن الله التي لا تتخلف [ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ].
فالتعددية هي السر الذي يجعل هناك حوافز للتسابق، لكن لا يمكن أن يكون هناك تعدد بلا حوار، ولأن الإسلام يؤمن بالتعددية فهو يؤمن بالحوار، لكن شرط الحوار أن يكون المتحاورون يعترف كل منهم بالآخر، فالذين يتحدثون عن الحوار بين الحضارات أو عن الحوار بين الأديان هؤلاء إما مخدوعون وإما عابثون، نحن نعترف بالنصرانية وباليهودية، لكن هؤلاء لا يعترفون بنا، فكيف نتحاور مع من لا يعترف بنا؟ إن الشرط الأول واللبنة الأولى للحوار أن يكون هناك اعتراف متبادل من الفريقين.
إن صورة عيسى وأمه في الإسلام ليس بعدها قداسة وإجلال، وصورة موسى، وهارون وأنبياء بني إسرائيل في التصور الإسلامي في غاية من القداسة، بينما صورة الإسلام والقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم عند الآخرين في غاية من السوء.
ولذلك فإنني أدعو الآخرين إذا كانوا جادين في الحوار مع الإسلام والمسلمين أن يعترفوا بالإسلام كدين.
نحن نعترف بأن التوراة والإنجيل أصابها بعض التحريف إنما هم رأيهم في القرآن أنه كله هرطقة، وكله تأليف من عند محمد صلى الله عليه وسلم. فمطلوب إذن الاعتراف بالإسلام كدين سماوي، وإذا قال أحد إن هذا صعب بالنسبة لهم لأن فيه تغيير لبعض معتقداتهم فأنا أقول إنهم غيروا في نظرتهم لليهود، وبعد أن كانوا يلعنونهم في الصلوات ويتحدثون عنهم باعتبارهم هم الذين قتلوا وصلبوا المسيح غيروا هذا وصدرت منهم مواثيق جديدة تبرئ اليهود. إذن فالتغيير قائم وممكن، أم هو حلال مع اليهود وحرام مع الإسلام؟!.
أما بالنسبة للحوار بين الحضارات فإن الغرب يعتبر نفسه الحضارة العالمية والإنسانية والوحيدة، ويدعو الآخرين إلى الاقتداء به والتبعية له، فهو لا يعترف بنا كحضارة متميزة. ونحن نقول: الغرب حضارة متميزة، الإسلام حضارة متميزة. هم يريدون العالم تابعاً للمركز الغربي، ونحن نريد العالم منتدى حضارات فيه عضوية لمختلف الحضارات، نتعاون فيما اتفقنا فيه ونتحاور فيما نحن متميزون فيه، نتفق في العلوم الطبيعية التي لا تختلف حقائقها، ونتمايز في الآداب والثقافات والفنون والمعتقدات التي تختلف من بلد إلى بلد، ومن حضارة إلى حضارة.
إذن فلا بد لكي يكون هناك حوار حقيقي بين أطراف متعددة أن يكون هناك اعتراف بالتعددية، واعتراف بنا كدين سماوي، واعتراف بالحضارة الإسلامية كحضارة متميزة، ثم نبحث في نقاط الالتقاء والتمايز.
ولكن كيف يكون بيننا حوار وهناك مؤتمرات تنصير تعلن أن هدفها تنصير العالم الإسلامي بكامله؟ قد يقول قائل إن هذا من سبيل الدعوة إلى الدين والمسلمون يدعون إلى دينهم فمن حق النصارى أن يدعوا إلى دينهم. أقول لو كان هذا في إطار حرية الدعوة إلى الدين لقبلناه، لكن الآخر لو كان داعية للنصرانية لتخلق بالأخلاق الدينية في الدعوة، لكنه يعترف بأنه يصنع الكوارث في العالم الإسلامي ليحدث الاهتزاز والخلل في التوازن كي يحول الناس عن دينهم. يحدث الكوارث في البوسنة والهرسك وفي الصومال وفي أفغانستان كي ينصر الناس في سبيل جرعة دواء أو لقمة عيش. فهل الوصول للدين يكون عبر وسائل وأساليب غير دينية وغير أخلاقية؟. ثم أنا أسأل: أوروبا الآن تنصرف عن النصرانية، فكيف يتركونها بلا تنصير ثم يذهبون لينصروا العالم الإسلامي؟. كان من الأولى أن ينصروا أوروبا أولا. إن الكنائس تغلق في أوروبا وينصرف عنها الناس إلى المادية، واللامبالاة، والشك، والإلحاد.. أي ينصرفون عن النصرانية. إذن القضية ليست مجرد دعوة إلى الدين وإلا لبدءوا بدينهم، ولكن القضية أن التنصير ومنذ تاريخه، والاستشراق، أصبحا جزءً من المد الاستعماري والامبريالي الغربي. وبالتالي فنحن لا نطمئن لدعوات الحوار طالما أن هذه المواقف اللا أخلاقية هي أساس التنصير.
=============
د.سيد دسوقي: التنمية التي يفرضها الغرب علينا تزيدنا تخلفاً
الخميس21 من محرم1428هـ 8-2-2007م الساعة 12:21 م مكة المكرمة 09:21 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > حوارات
... الاستاذ سيد دسوقي ...
الاستاذ سيد دسوقي
- نحن لا نخطط لمستقبلنا، وإن خططنا له فإننا نضع هياكل ناقصة.
- التنمية من المنظومات الناقصة في بلادنا.
- نحن نطحن الناس في نظم تعليمية لا تعرف هدفا تنمويا واضحا.
- لا ينبغي أن نتبنى خدمات وسلعاً يصنعها لنا غيرنا.
- الأصل في الأشياء هو التدريب، والتعليم يعد الفرد لنوع من التدريب.
- منظومة التعليم غير السليمة تنتج مشكلات معقدة وتصل بنا إلى البطالة.
- لا بد أن تعود الأمة إلى سياسة الوقف لمساندة التنمية الصناعية.
- يجب أن يظهر في بلادنا المال المغامر الذي يتحدى بمشروعاته المجهول.
حاورته/ د. ليلى بيومي
الدكتور سيد دسوقي حسن رئيس قسم هندسة لطيران بكلية الهندسة جامعة القاهرة، ورئيس هيئة تنمية الابتكارات باتحاد المنظمات الإسلامية، تلميذ للمفكر الإسلامي الكبير مالك بن ني، فقد قرأ بشغف، واستوعب كل ما قاله أستاذه ، وبعد ذلك انشغل تماماً بالموضوع الرئيسي الذي تتلمذ على يد أستاذه فيه وهو "الفقه الحضاري"، ولكنه لا يكتب في موضوعه من الناحية النظرية فقط، بل يقدم نماذج تنموية واقعية وخططا تنموية تناسب الواقع العربي والإسلامي.
ونحن في هذا اللقاء نقترب من فكر الرجل ونضعه أمام فقهاء التنمية في بلادنا لعله يفيدهم.
* موضوعكم الأساسي الذي يشغلكم هو "الفقه الحضاري" ماذا تقصدون بهذا المصطلح؟ وكيف يمكن أن يساعد في تنمية الأمة؟.
** الفقه الحضاري هو فقه الانبعاث من الواقع الراهن بظروفه المفروضة علينا، والانعتاق منه إلى واقع آخر مستخدمين في ذلك فكرا معينا وأدوات معينة.
إن المجتمع العربي الإسلامي في انبعاثه الأول لم يكن مجتمعا ذا حضارة، فكيف صنع حضارته؟ أول الانبعاث حدث في العصر العباسي، لذلك فعلينا أن نقارن بين ظروفنا الآن وظروف المجتمع في العصر العباسي. إن المسلمين في العصر العباسي كانوا يترجمون نتاج حضارة توقفت، أما نحن الآن فنترجم نتاج حضارة حية، وإذا قلنا إن مشكلة الأمس هي مشكلة اليوم وهي الترجمة فالطرفان مختلفتان، والحضارتان مختلفتان، ومن ثم يحتاج الأمر إلى شيء من الفقه، أي ماذا نترجم، ولمن نترجم؟.
كذلك فإن المسلم في العصر العباسي كان مشغولا بالنمو الحضاري، بينما نحن الآن قضيتنا هي الانعتاق من التخلف والتبعية في وقت نجد فيه كل الأسلحة في وجوهنا تمنعنا من التقدم خطوة واحدة.
إننا في عالمنا الإسلامي لا نخطط لمستقبلنا، وإن خططنا له فإننا نضع هياكل ناقصة ثم نسأل بعد ذلك أين الدواء؟ والدواء هو في المنظومة المفقودة، أو في المنظومة الناقصة، ولو انتبهنا إلى ذلك لوضعنا أيدينا على كثير من العلل.
* ولكن ما دور الفقه الحضاري في كشف هذه العلل التي نعاني منها؟ وكيف يمكن مثلا أن يوجد خطط التنمية في بلادنا؟(7/291)
** التنمية ليست بعيدة عن الفقه الحضاري، بل هي صلب اهتماماته، والتنمية من المنظومات الناقصة في بلادنا، فهي منظومة يعهد بتصميمها في بلادنا لرجال الاقتصاد، وهم إن كان لهم دور لا ينكر في مثل هذا التصميم ولكنه جزء من كل، ومن ثم يأتي التصميم دائما ناقصا، ونعاني من تدهورنا الاقتصادي والتنموي معاً بدلاً من أن يحدث الانطلاق والانعتاق .
إن آية واحدة في سورة النحل تعطينا الفلسفة الأساسية للتنمية وهي قوله تعالى: [وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون].
فالله تبارك وتعالى ألهم النحل أمورا ثلاثة: كيف يسكن، وكيف يأكل، وكيف يكون حراً، وهذه الأمور لو تحققت فسوف تعطي هذه الحشرة الصغيرة للإنسانية عسلا مختلفا ألوانه فيه شفاء للناس. فهل يمكن أن نقول: إن هذا هو المفهوم النحلي للتنمية، وما الذي يمنع الناس أن يكونوا كالنحل؟ وما دور الدولة وأنظمتها في هذا المنع؟ وما دور النظم القانونية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية في منع الناس من أن يكونوا كالنحل؟ ومتى تخلي الدولة بين الناس وترابهم الوطني ليتفاعلوا معه؟. إن الدولة إذا وضعت من القوانين والأنظمة المتعارضة والمتضاربة في مجالات الحياة المختلفة ما يعوق الإنسان عن التفاعل مع ترابه الوطني فلا تسأل بعد ذلك عن تنمية.
ونحن يمكن أن نضع تصورا للتنمية يوضح الهيكل الحضاري لها، وأول شيء في هذا الهيكل هو تصور فلسفة التنمية وتحديد أحد الخيارات الثلاثة: أي هل نحن نريد تنمية بقاء، أو تنمية نماء، أو تنمية سبق، أو اختيار نسبة معينة من كل منهم تناسب حال الأمة أو المرحلة التي تعيشها، ويتلو ذلك التعرف على الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة، مع الأخذ في الاعتبار مجموعة من الضوابط الحضارية حتى لا تستنفذ الإمكانيات وتلوث البيئة، وتورث الأجيال التالية ضياعاً.
ثم يأتي في المرحلة الثالثة تخطيط لعالم الأشياء، سواء كان ذلك في الملبس أو المسكن أو المأكل، وما حول ذلك من عالم الأشياء خادم. ويأتي في المرحلة الرابعة تدريب العنصر البشري على صناعة عالم الأشياء الخاص بنا مع التقليل قدر الإمكان من الاعتماد على الخارج، ثم يصاحب التدريب دائما نظام تعليمي يعين الناس على القدرة التدريبية. ونحن هنا نضع التدريب قبل التعليم حتى يتحدد هدف التعليم بوضوح وحتى لا تتكرر المأساة الدائمة في العالم الإسلامي، والتي تطحن الناس في نظم تعليمية لا تعرف هدفا تنمويا واضحا، فإذا مضت المنظومة كما أسلفنا نكون قد استعددنا استعداداً جيدا لتحقيق عالم الأشياء وتصنيعه.
* هل يمكن لنا في ظروف تخلفنا أن نبني خططا تنموية تناسب ظروفا وتضعنا على بداية الطريق، وما دور فلسفة التنمية وخياراتها الثلاثة التي أشرت إليها في هذا الأمر؟.
** أولا يجب أن نقارن بين نموذجين، النموذج الأول عشناه في الماضي حيث كنا نزرع طعامنا، ونغزل صوفنا، وننسج ملابسنا، ونعمل في الزراعة، وفي هذه الحرف، وكنا نعتمد على أنفسنا ولا نمد أيدينا خارج القرية.
والنموذج الثاني هو ما نراه اليوم في القرية التي هجرت العمل واستراحت في انتظار أن يأتيها كل شيء من المدينة، وفي المدينة أيضا نجد الملايين في الصباح على ظهور القطارات والسيارات ذاهبون للعمل ولا يعملون شيئا ومهمتهم هي السفر الدائم، وعلماء المدينة لا يكفون عن العمل ويحملون أوراقهم لينشروها في الصحف، أما تطوير المصانع وإنشاؤها فلا دخل لهم بذلك.
وبالتالي فخطتنا للتنمية يجب أن تركز على ثلاثة أنماط للتنمية:
النمط الأول هو تنمية البقاء: وتتلخص في الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، وعزائم الرجال من أجل تحقيق اكتفاء كريم من متطلبات الحياة الأساسية مع الاهتمام بنظافة البيئة، وعدم تلويثها. وهذا النمط يصنع كله بأيدي الناس، مقللين ما استطعنا من الميكنة. لكن ما هي طبيعة الأعمال في هذا النمط، وما طبيعة التعليم الذي يصاحبه؟ للإجابة على ذلك نضرب المثال التالي: في منطقة زراعية يتوفر فيها الماء والأرض الصالحة فإننا نرسم خريطة الأعمال المطلوبة لتحقيق تنمية البقاء سواء كانت أعمالا زراعية أو تصنيع منتجات زراعية أو خدمات زراعية أو تربية حيوانية، وحينئذ نصمم مناهج التعليم نعطيها بعدا بيئيا يعين الطالب أن يتفاعل مع بيئته، وما أن يبلغ الطالب السادسة عشرة حتى يكون قد امتهن مهنة هو قادر عليها فإن شاء أن يكمل دراسته في نفس ميدانه وكان قادرا على ذلك ماديا وعلميا نوفر له الفرصة، وبذلك يسهم الطالب في خريطة الأعمال الخاصة بتنمية البقاء.
النمط الثاني هو تنمية النماء: وفيه يبني عالم أشياء من النوع السائد في الحضارة المعاصرة وخاصة الضروري منه مما يتعلق بوسائل الدفاع، واستخراج كنوزنا المدفونة، وتصنيعها، وما يستتبع ذلك من نظام تعليمي وتدريبي وبحثي، ورغم أن هذا النمط من التنمية إذا أحسنا إعداده قادر على استيعاب كل أفراد الأمة في العمل، إلا أننا في عالمنا البائس نتوجه إلى استيراد عالم الأشياء دون أن نصنعه، فتضيع علينا فرصة العمر في عملية التعليم والتدريب. وفي هذا النمط لا ينبغي أن نتبنى خدمات يصنعها غيرنا لنا، فمثلا تستطيع البرامج المتقدمة في تنمية النماء تصنيع طواحين هوائية مناسبة لرفع المياه وتوليد الكهرباء بحيث يمكن تصنيعها في ورش صغيرة، كما يمكن استنباط أنواع جديدة من السلالات يتدرب عليها المزارعون، كما يمكن عمل بحوث لتصنيع الطوب من طفلة متوفرة، وتصميم منزل قروي، مناسب وتطوير الآلات اليدوية أو نصف الميكانيكية في خدمة الزراعة والصناعات الزراعية.
النمط الثالث هو تنمية السبق: فينبغي أن نجد لأنفسنا بعض الميادين التي نستطيع أن ننجز فيها شيئا، ونحن بالتأكيد نستطيع أن نسبق في ميادين ثقافية وسياحية وتكنولوجية، لكن القضية هي أن نحدد ما نستطيع أن ندخل فيه سباقا ثم نعدو فيه تعليما وتدريبا وإنتاجا، واضعين في الاعتبار أن ثمة أسواقا متحيزة لنا هي الأسواق العربية والإسلامية.
* تولون التدريب مكانة كبيرة في منظومتكم الحضارية.. فأين مكانة التعليم على خريطة اهتمامكم؟.
** التعليم هو أداة المجتمع لتحقيق أمرين، الأول: يتعلق ببث الأشواق الحضارية والنماذج الثقافية للمجتمع في أفئدة الناس، والثاني: يتعلق بإعداد الأفراد علميا لتقبل البرامج التدريبية على المهن والحرف والنشاطات المتعلقة بالعمران.
ونحن نفتقد في عمليتنا التعليمية أمرين: الأول الوجهة والقصد الثقافي والتنموي، والثاني المؤسسات التدريبية التي تأخذ بأيدي الناس على تعليم حرف ونشاطات حياتية، بحيث تتدرج هذه المؤسسات صعودا وهبوطا من مهن وحرف لا تحتاج إلى تعليم كثير إلى نشاطات علمية دقيقة.
ففي بلد مثل سويسرا، يدخل الأطفال التعليم في مرحلة أساسية يتلقون فيها الثقافة الأساسية التي ينبغي على كل سويسري أن يشربها، حتى إذا أتموا تسع سنوات في هذا التعليم ذهب أكثر من 90% منهم إلى مدارس التعليم الفني حيث يتدربون ويتقنون مهنا وحرفا مطلوبة في المجتمع، ويواصل 7% التعليم الثانوي، حتى إذا أنهوا هذا التعليم ذهب أقل من نصفهم إلى التعليم الجامعي والنصف الآخر إلى معاهد تدريبية. أي أن أكثر من 95% يذهبون إلى مجالات التدريب على مهن بعينها مطلوبة في المجتمع.(7/292)
والأصل في الأشياء هو التدريب، ويقوم التعليم بإعداد الفرد لنوع ما من التدريب، والتدريب المتقدم يحتاج إلى تعليم متقدم، والتدريب البسيط يحتاج إلى تعليم بسيط.
* في فقهكم الحضاري تهتمون بالتعليم والتدريب والتنمية.. لكن لدينا الآن مشكلة كبيرة وهي البطالة... فكيف تستطيع هذه المنظومة الحضارية التعامل مع مشكلة البطالة؟.
** المشكلة حينما تتعقد تتحول إلى مشكلات كثيرة في آن واحد، فمشكلة منظومة التعليم غير السليمة تنتج مشكلات كثيرة معقدة وتصل بنا إلى البطالة. إننا قبل خمسين عاما كان نظامنا الحياتي قد استقرت أموره في إطار تنمية البقاء وما تبعها، واستقر معها نظام تعليمي وتدريبي، فمنظومة التعليم والتدريب حينئذ لم تكن منظومة حكومية بأسرها، فآلاف الورش تخرج آلاف العمال الذين يصنعون لنا ما قنعنا به من احتياجات، وآلاف الكتاتيب تدفع بالملايين إلى الحقول ليصنعون طعامنا، وتدفع بعض مئات أو آلاف إلى التعليم الحكومي أو الأزهري حيث تتكون طبقات من الوعاظ والقضاة والإداريين.
والآن أصبحت هذه الملايين كلها في قبضة التعليم العام الذي دفع بها ومازال يدفع بها إلى الشارع حيث لا تستطيع أن تطعم نفسها ولا تصنع ثيابها، ولذلك فإنني أتحدث في هذا الصدد عن "المدرسة الشاملة وتقنية التعليم" ونعني بالمدرسة الشاملة تلك التي نسمح فيها بقدر من الحرية الدراسية فيما يتعلق بالمواد التقنية وكميتها مقارنة بالمواد الإنسانية الأخرى، والإضافات التقنية سوف تتلون بالبيئة المحيطة. ولتحقيق هذه الإضافات لا بد من مشروع لتوصيف الحرف والمهارات توصيفا يتناسب مع قدرات الطلاب وينمو معهم. فمثلا يكون توصيف مهارات السباكة لطالب الابتدائي بحيث تصبح عنده القدرة على إصلاح حنفيات المنزل، ثم نزيد الجرعة في الإعدادي حيث يصبح قادرا على تركيب سباكة المنزل كاملة، ثم نزيد الجرعة في الثانوي حيث يصبح هذا الطالب قادرا على تركيب شبكات معقدة. وعملية توصيف الحرف والمهارات البيئية يمكن أن تصاحبها صناديق الحرف والهوايات التي إن عجزت الدولة عن توفيرها فيمكن للطلبة شراؤها والتدريب عليها في المنزل والمدرسة.
وفي مدرسة ساحلية مثلا يمكن أن تكون الإضافات التقنية متعلقة بصيد الأسماك وحفظها وتعليبها، وفي بناء القوارب وصناعة أدوات الصيد وما تستلزمه الصناعات السمكية.
وتنظيميا يمكن للإدارات التعليمية أن تضطلع بوضع المناهج التقنية في منطقتها بما يتناسب مع بيئتها الخاصة، ويبقى بعد ذلك البعد الثقافي والحضاري في العملية التعليمية الذي ينبغي أن تقوم عليه وزارة التربية والتعليم حتى تضمن وحدة الأمة الثقافية والحضارية وذلك من خلال وضع خريطة لعالم أشياء مطلوب.
وتأتي مثلا جهة مثل وزارة الصناعة لتقوم بترجمة هذه الخريطة من المشاريع وتوزعها على أساتذة الجامعات والعاملين في مراكز البحوث الصناعية، والتي هي غير موجودة الآن، وترتبط بهذه المشروعات مجموعات مختلفة تعمل على تطويرها.
من أجل ذلك يجب العمل على تقنية التعليم بحيث يزداد الجزء التقني، ثم يليه الجزء التصميمي، ثم يليه الجزء التعليمي بنسب مناسبة لأوضاعنا الخاصة في هذه المرحلة. فمثلا إذا كان مطلوباً مصاعد كهربائية فإن دورنا الآن في هذه المصانع لا يتعدى صنع الكبائن وكل شيء سوى ذلك مستورد، ولنا أن نتصور أننا نصنع جهاز التحكم وجميع المجسات وأننا نصنع التروس والمحرك، إن كمية البحوث والمشاريع وما يتفرع عنها من أعمال للمهندسين والفنيين والعمال حينئذ ستكون كبيرة، والعدد حينئذ سيكون عشرة أضعاف الموجودين حالياً.
والأمر ليس صعبا، لقد قمت بتجربة في قسم هندسة الطيران بجامعة القاهرة وصنعنا جهازا للتحكم في المصاعد تكلف ثلاثمائة جنيه مصري، بينما يتكلف مثيله حوالي عشرة آلاف جنيه، ما الذي يمنع أن نفعل ذلك في كل شيء؟ إن الإجابة على ذلك تقول: إن هناك غيابا كاملا للمنظومة البشرية التي تسيطر على صنع القرار من أول اختيار عالم الأشياء، مرورا بترجمته إلى مجموعة من المشاريع العلمية والتطويرية، وانتهاء بعمليات التصنيع المختلفة.
* لكن هل تظل المنظومة الثقافية للأمة بعيدة عن مجالات التعليم والتدريب والتنمية؟ وأين مكان التنمية الثقافية للأمة على خريطة الفقه الحضاري؟.
** كنت في معارك الصبا أجادل إخواني العلمانيين حول الثقافة فأجنح بها إلى مزيد من الإرهاق في التراث كرد فعل لإغراقهم مضامينهم الثقافية في الأبعاد الترويحية أو تقديسهم للوثنية التاريخية، فلما اشتد العود الثقافي بفضل الله ونأينا عن معارك ردود الأفعال تبين أن دور الثقافة في الأمة هو طيف ذو سبعة عناصر:
العنصر الأول: هو أن الثقافة لا بد أن تعمل على تقوية النسيج الاجتماعي للأمة مرتكزة على البعد الإيماني، فينبغي أن تدرس بدقة كل الخيوط التي تكون نسيج الأمة، سواء كانت خيوطا عرقية أو طائفية أو اقتصادية أو ثقافية. ويدرس أيضا مدى الاختلاف والوحدة بين كل هذه الخيوط، وهل هناك تباين حقيقي يمثل مشكلة أم أن التباين شكلي خاص. إن كثيرا من الاختلاف يبنى على أوهام قد تكون سائدة بين الجهلة، ويمكن تجاوزها بالتثقيف. ثم لا بد من توهين الصراع التاريخي ما أمكن بإلقاء الضوء على أوهام قد تكون سائدة بين الجهلة ويمكن تجاوزها بالتثقيف، ثم لا بد من توهين الصراع التاريخي ما أمكن بإلقاء الضوء على الروايات التاريخية. ثم لا بد من تعميق الفهم لعناصر التحدي الحضاري في الحاضر والمستقبل حتى يستشعر الفرقاء أهمية التوحد.
والعنصر الثاني: هو أن الثقافة لا بد أن تعين وتساعد على تقبل المفاهيم التنموية، فهناك أنواع من التنمية تختلف في أهدافها ووسائلها عن التنمية في المفاهيم الغربية. وليس علينا حرج أن نحدد تنمية قاصدة تتناسب مع ظروفنا، مع ملاحظة أن التنمية التي يفرضها الغرب علينا تزيد من تخلفنا وتبعيتنا له، ولا بد أن تساعد الثقافة على نشر وتقبل هذه المفاهيم التنموية الجديدة والمختلفة.
والعنصر الثالث: هو أن تحتوي الثقافة على عنصر الترويج الذي يعين المؤمن المكدود، هذا الترويح لا بد أن يشجع على الاستغراق النفسي والروحي بالعبادة وأن يشجع الرياضة الجماعية، والسمر الجماعي في تنافس صحي، ويشجع على السير في الأرض، ورؤية آثار الأمم الغابرة، ويشجع الآداب من قصة وشعر ونوادر، ويبتعد تماما عن الابتذال والميوعة.
والعنصر الرابع: أن تقوم الثقافة بتبيان موقف الإسلام من قضايا الحياة بمختلف جوانبها تبيانا علميا شاملا.
والعنصر الخامس: أن تكون الثقافة لشحذ الفعالية الروحية عند الفرد حتى يصبح ذا همة حضارية، وتوجه إصلاحي. فالفرد هو البنية الأساسية التي يقوم عيها أي عمران.
والعنصر السادس: أن تكون الثقافة لتقوية المنهج العلمي الإسلامي عند المثقفين صانعي القرار، فتربية الأجيال المسلمة على المنهج الإسلامي تحتاج إلى برنامج ثقافي مصاحب يعين على التدريب على المنهج حتى يصبح ملكة عند المثقفين وصانعي القرار، ولقد أفلحت نظم التعليم في الغرب على تربية الناس على طرائق للتفكير أكثر قربا مما نبتغيه من تربية إسلامية من كثير من طرائقنا التربوية في بلاد المسلمين.
والعنصر السابع: هو أن تعمل ثقافتنا على بيان التحدي الحضاري الذي يواجه الأمة وإسقاط ذلك على دور الفرد، فأحيانا لا ينقص الناس الهمة والإخلاص، وإنما ينقصهم فهم عناصر التحدي الحضاري على مستوى الفرد والجماعة، ومن ثم فإنهم يتوجهون بهذه الهمة في غير مقصدها الأمثل.(7/293)
وهكذا فإن التخطيط الثقافي لهذا الطيف السباعي يمثل تحديا عظيما للتيارات الإصلاحية، فهي لم تعطه حقه من البحث، فضلا عن المنظومات الثقافية المتاحة لدينا حاليا التي يصب معظمها في الترفيه والسياحة التاريخية. إن تخطيطا ثقافيا محكما يسرع بخطى الأمة نحو أهدافها العظيمة، ويسهل مهمة القيادة الحكومية في الوصول إلى أي هدف تنموي.
* نحن نعاني من تخلف تقني وقصور في توطين التكنولوجيا في بلادنا، والحكومات معذورة في عدم وجود التمويل الكافي.. فما هو دور الفرد والمجتمع الأهلي والجمعيات الخيرية في ذلك؟.
** لقد أسهمت في هذا الخصوص بدعوة جديدة وهي ما أسميته "المنظومة الغائبة في فكرنا الصناعي" حيث دعوت إلى وقف هيئة لتنمية الابتكارات في عالمنا الإسلامي، وقلت: إن هذه الهيئة هي الجهد الشعبي في اتجاه التصنيع، ونحن هنا ينبغي أن نحدد دور الدولة ثم دور الأمة ثم دور الاقتصاديين.
فالأمة يجب أن تعود إلى "سياسة الوقف" التي توقفت مثلا عندنا في مصر.
إن هذه القناة كانت تتفق فيها أعمال النفوس الخيرة، وسد هذا الطريق مصيبة كبرى، فأنا كمتخصص في مجال الطيران عاطل بلا عمل، لأن الدولة لا تتبنى سياسات تصنيعية في هذا المجال، ولو أن الأمة بأوقافها أنشأت هيئة علمية أوقفتها على هذا المال التكنولوجي لتغير الحال تماما. ومفهوم الوقف هنا يجب أن يتحول ليسهم في التقدم التقني، فلم يعد مقبولا أن يوقف المال على العمارات والأراضي الزراعية، وإنما يجب أن يوقف على مشروعات علمية دقيقة تضع الأمة على أعتاب التقدم.
ودور الدولة في هذا الأمر هو أن يكون لديها فلسفة للتنمية، فالدولة تهمل تقنية التعليم، كما أن الإعلام التقني مفقود، فنحن لدينا الكثير من القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية ليس بها أية قناة أو إذاعة تقنية. كما يجب على الدولة أن يكون لها سياسات واضحة لحماية منتجاتها الوطنية وسياسة تشريعية تفرض الهندسة العكسية، بمعنى أنه من أراد أن ينشئ مصنعا جديدا فليستورد ما يحتاجه في البداية، ولكن عليه أن يصنع ما يحتاجه بعد ذلك بجهوده الهندسية والتطويرية. كما أننا ليس لدينا تشريعات تفرض البحوث التطويرية في مصانعنا.
وبالنسبة لدور الاقتصاديين فيجب أن يظهر المال المغامر الذي يتحدى المجهول. إن الآلية التي تتقدم بها الصناعة الأمريكية هي آلية المال المغامر، أما لدينا فالبنوك تستثمر أموالها في المضمون وتبتعد عن المشروعات القومية التي تنفع المسلمين، وما تقوم به هذه البنوك يمكن أن يقوم به أي تاجر. لماذا لم يقم هؤلاء ببحوث في الصناعات الحربية، والطائرات، والزراعات المتطورة؟.
وهكذا فإن هذه المنظومة الثلاثية الأبعاد (دور الفرد - دور الأمة - دور الدولة) يجب أن يعاد النظر فيها، فلا ينبغي أن نجد الدولة حيث ينبغي أن نفتقدها، ولا أن نفتقدها حيث ينبغي أن نجدها.
... =============
تاريخ السلوك التنظيمي
الأربعاء 20 من محرم1428هـ 7-2-2007م الساعة 12:27 م مكة المكرمة 09:27 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > فن الإاداره > سلوك إداري
كنا قد تكلمنا في مرة سابقة عن مفهوم السلوك التنظيمي وأنه يعني سلوك الفرد داخل المنظمات، كما تحدثنا عن الهدف من وراء دراسة السلوك التنظيمي وأن هناك ثلاثة أهداف رئيسية من دراسة السلوك التنظيمي ألا وهي:
1. التعرف على مسببات السلوك الإنساني.
2. التنبؤ بالسلوك وذلك من خلال معرفة مسببات السلوك.
3. التوجيه والسيطرة والتحكم في السلوك من خلال التأثير في المسببات.
وبذلك يتضح لنا مدى أهمية السلوك التنظيمي فهو يركز على فهم وتوجيه سلوكيات وتفاعلات العنصر البشري, والذي يعتبر أهم عناصر الإنتاج في المنظمة, ونجاح المنظمة مرهون بنجاح تفعيل العنصر البشري وتحسين أدائه.
واليوم سنتحدث بإذن الله عن تاريخ نشأة هذا العلم وكيف وصل إلى ما وصل إليه الآن.
جذور تاريخية بعيدة:
المستقرئ للتاريخ يجد أن محاولات فهم السلوك الإنساني داخل المنظمات له جذور تاريخية بعيدة, ففي الحضارة الفرعونية مثلاً، وجد أنه كان هناك اعتراف فيما بينهم بضرورة الاستماع إلى شكوى العاملين, ولا شك أن الاستماع وحده يكون في أحيان كثيرة علاجاً -ولو مؤقتاً - لبعض العاملين.
وإذا طالعت التاريخ الإسلامي ستجد أن الحضارة الإسلامية قد اهتمت بالسلوك البشري داخل المنظمات اهتماماً بالغاً، فأقرت مبدأ التشاور مع المرؤوسين عند اتخاذ القرار وهذا ما يسمى حالياً بالمشاركة في اتخاذ القرارات الإدارية، كما شجعت الاتصال المباشر بين الرئيس والمرؤوس، كما أن مفاهيم الاتصال الجيدة كانت لها مجالات واسعة في الدين الإسلامي بشكل كبير.
وقد ظهر في القرن السادس عشر نموذج لمحاولة تفسير السلوك الإنساني والتحكم فيه ألا وهو النموذج الميكافيللي, حيث وضع ميكافيللي نظريته القائمة على أن سلوك الناس محفوف بعدم الثقة والشك، وأن الأسلوب الملائم للسيطرة على سلوكهم هو القسوة والخداع، أو أي وسيلة أخرى يمكن من خلالها السيطرة على هذا السلوك, وقد أودع ميكافيللي نظريته هذه في كتابه الشهير "الأمير" والذي كان قد كتبه لإرضاء حاكم إحدى المدن الإيطالية، وشرح خلال هذا الكتاب كيف يجب أن يتصرف الأمير الكفء، وكان مبدؤه الأساسي هو "الغاية تبرر الوسيلة" بمعنى أن أي وسيلة يمكن استخدامها ولو كانت غير نبيلة أو مشروعة طالما أنها ستوصل في النهاية إلى هدف نبيل, وقد أوصى ميكافيللي في كتابه بضرورة استخدام أساليب المكر والدهاء والخداع والتدليس والمراوغة، بجانب استخدام أساليب القهر والقسوة والشدة والردع لإحكام السيطرة على سلوك المرؤوسين، ولايمنع ذلك من استخدام أسلوب الحوافز والمكافآت على أن يكون في ظلال نظام الردع الوارفة, والعجيب أن بعض هذه الأساليب لازالت موجودة في بعض المنظمات إلى يومنا هذا وبخاصة السياسي منها، كما من الممكن أن نقول أن العمل السياسي يتبع العديد من مبادئ ميكافيللي التي أودعها في كتابه منذ ما يقرب من خمسة قرون !!
الفكر الإداري المعاصر:
إذا انتقلنا للكلام حول الفكر الإداري المعاصر سنجد أن أول مدرسة إدارية تكلمت حول السلوك الإنساني وكيفية السيطرة عليه بطريقة علمية حديثة هي المدرسة الكلاسيكية، وقد افترضت المدرسة الكلاسيكية بشكل عام بأن الأفراد كسالى وأنهم غير قادرين على تنظيم وتخطيط العمل وأنهم غير عقلانيين وأنهم انفعاليين، ولهذه الأسباب هم غير قادرين على أداء أعمالهم بطريقة صحيحة وفعالة, وبالتالي صارت السيطرة على هذا السلوك الغير الرشيد حتماً مقضياً، ولذا ستجد أن جميع النماذج الخارجة من المدرسة الكلاسيكية تركز على فرض نموذج عقلاني ورشيد وقوي على العاملين وذلك كمحاولة للسيطرة على سلوكهم داخل المنظمة.
وسنعرض سريعاً ثلاثة نماذج من المدرسة الكلاسيكية ألا وهي: نموذج الإدارة العلمية، ونموذج العملية الإدارية، والنموذج البيروقراطي.
أولاً: نموذج الإدارة العلمية:(7/294)
افتراضات هذا النموذج قائمة على اعتبار أن الأفراد كسالى، أنهم مدفوعون فقط من الناحية المادية، وأنهم غير قادرين على تخطيط وتنظيم الأعمال المنوطة بهم, وبالتالي ظهرت محاولات رواد هذه المدرسة للسيطرة على السلوك الإنساني داخل المنظمات من خلال عمل تصميم مثالي للوظائف ومن خلال الحوافز المالية، وتعتبر محاولات فريدريك تيلور هي أول المحاولات المنظمة في هذا المجال، حيث كانت له مجموعة من التجارب الإدارية في الشركات التي كان يعمل بها، وقد تبلور الفكر الناتج عن هذه التجارب في كتابه "مبادئ الإدارة العلمية ".
وتلت جهود تيلور ما قام به الزوجان فرانك وليليان جيلبرث بما يسمى "دراسة الحركة والوقت"؛ حيث قاما ببحث أنواع الحركات التي يؤديها العامل في عمله ووقت كل حركة، ثم يحددون بعد ذلك ما هي أنسب حركات عليه أن يؤديها ليصل إلى أسرع وأفضل أداء ممكن.
لقد اعتبر رواد هذه المدرسة أن الإنسان مثله مثل أي مورد آخر من موارد المنظمة من آلات وغيرها, وبالتالي يجب التحكم في هذا المورد عن طريق تصميم وظيفته وتدريبه وتحديد معيار علمي لقياس معدل إنتاجه، هذا بجانب تحفيزه على العمل باستخدام الحوافز المالية.
ثانياً: نموذج العملية الإدارية:
وتتشابه افتراضاتها حول السلوك الإنساني مع الافتراضات التي تبنتها الإدارة العلمية إلا أنها اختلفت معها في الأسلوب الذي يمكن أن تتخذه المنظمة للتحكم في السلوك الإنساني، فلئن كانت الإدارة العلمية قد ركزت على وجود تصميم مثالي أوحد لأداء العمل بجانب الحوافز المادية، فقد جاءت نظرية العملية الإدارية لتقول أنه يمكن السيطرة على السلوك الإنساني من خلال العملية الإدراية والقواعد والأوامر، أي من خلال تصميم محكم للعمليات الإدارية كالتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة, وأيضاً من خلال وضع ضوابط محددة للأداء يسيطر على السلوك الإنساني.
ومن أشهر رواد هذا النموذج الفرنسي هنري فايول الذي قسم العملية الإدارية إلى خمسة أقسام: التخطيط والتنظيم والأمر والتنسيق والرقابة, وبناء على هذه الأنشطة قام بوضع أربعة عشر مبدأ إدارياً يمكن من خلالها القيام بأنشطة الإدارة على خير وجه.
ثالثاً: النظام البيروقراطي:
وقد افترض رواده أن الناس غير عقلانيين وأنهم انفعاليون في أدائهم للعمل، مما يؤدي إلى جعل الاعتبارات الشخصية سائدة في العمل وجعل الاعتبارات العقلية والموضوعية غير واردة في محيط العمل, وقد انعكس ذلك على وضعهم للنموذج البيروقراطي من أجل السيطرة على السلوك الإنساني داخل المنظمات، حيث تذكر النظرية أنه سيتم السيطرة على السلوك الإنساني من خلال وجود نظام صارم للقواعد والإجراءات داخل المنظمة.
ويعتبر ماكس فيبر أشهر علماء هذه المدرسة، قد اتخذ هذا الاتجاه من خلال ملاحظته لسوء استخدام المديرين لسلطاتهم، وعدم الاتساق في أسلوب الإدارة لعدم وجود قواعد حاكمة للسلوك.
ومن الجدير بالذكر أن مبادئ البيروقراطية في ذاتها ليس فيها ما يعيبها، إلا أنه عند تطبيقها تجد العاملين يهابون من أي تصرف نظراً للخوف من عدم وجود قاعدة أو إجراء تسمح بهذا التصرف مما قد يوقعهم في العقوبة, ولذلك فالبيروقراطية الزائدة تؤدي إلى قتل روح الإبداع والابتكار؛ إذ يصير الهم الأكبر هو الالتزام بالقواعد والإجراءات فقط, دون النظر إلى التجديد والابتكار ورفع الكفاءة وزيادة الفاعلية.
وقد أدى هذا النقد الموجه إلى النماذج المختلفة من المدرسة الكلاسيسكية إلى ظهور مدرسة جديدة تهتم بالعنصر البشري في المنظمات, وتعتبره إنساناً اجتماعياً وليس فقط إنساناً اقتصادياً, وقد ظهرت نظريات تبعاً لافتراضات هذه المدرسة ومن أبرزها:
نظرية العلاقات الإنسانية:
وهي على النقيض من المدرسة الكلاسيكية افترضت بأن الإنسان مخلوق اجتماعي، يسعى إلى إنشاء علاقات أفضل مع الآخرين، وأن أفضل صفة إنسانية جماعية هي التعاون وليس التنافس، وبالتالي اختلفت سياسات هذه النظرية عن سابقتها في التعامل مع العنصر البشري للسيطرة على سلوكه، فاتجهت هذه النظرية إلى القيادة الديموقراطية ومشاركة العاملين في اتخاذ القرارات ووضع أنظمة الشكاوى والاقتراحات والرحلات والحفلات الاجتماعية, ومن العيوب التي قد تتخذ على هذه النظرية أنها أفرطت في الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية، الأمر الذي قد يصل في النهاية إلى تدليل العاملين وإفسادهم.
نظرية العلوم السلوكية:
وقد جاءت نتيجة للعلوم التي ظهرت في نظرية العلاقات الإنسانية، حيث حاول بعض العلماء تطويرها ليتم استخدام كل الجوانب السلوكية لإعطاء تفسيرات أكثر دقة وشمولاً للسلوك الإنساني، ففي حين ركزت نظرية العلاقات الإنسانية على العلاقات والمشاعر، جاءت هذه النظرية تعترف بالجوانب الإيجابية والسلبية لكل من سلوك الأفراد والإدارة وتحاول أن تعطي تفسيرات أكثر واقعية للسلوك الإنساني لتتمكن من توظيف كل الطاقات السلوكية للناس في أعمالهم.
ويمكن تجميع آراء رواد هذه النظرية وتلخيصها في المبادئ التالية:
1. يختلف الناس في حاجاتهم، فبعضهم تسيطر عليه الحاجات المادية وبعضهم تسيطر عليه الحاجات الاجتماعية وبعضهم تسيطر عليه الحاجة لتحقيق الذات.
2. يسعى الأفراد لأن يكونوا ناضجين وناجحين في العمل، وهم حريصون على إبراز طاقاتهم ليشعروا بالنجاح.
3. يسعى الأفراد لكي يكونوا منضبطين في العمل، ولكن الرقابة المباشرة قد تؤذي هذا الشعور بالانضباط الذاتي، ولذلك فالرقابة الغير مباشرة من الإدارة مع إشعار العاملين بأنهم مسئولون عن أعمالهم يمكن أن يعمق الإحساس بالانضباط الذاتي وينشر حالة من الرقابة الذاتية في العمل.
4. يتميز العاملون بأن لديهم قدر من الدافعية الذاتية والطاقة الداخلية لإنجاز العمل واتقانه وعلى المنظمة أن تستغل هذه الطاقة الداخلية وتوظيفها.
5. تتدخل عناصر أخرى في التأثير على سلوك الفرد في عمله، ومن أبرزها طريقة الفهم، وأسلوب اكتساب السلوك، والاتجاهات النفسية والقدرات، وأسلوب الاتصال بالآخرين، والقدرة على القيادة، وعلى المديرين أخذ كل هذه الاعتبارات في الحسبان عند توجيه الآخرين.
6. يسعى الأفراد لتحقيق تماثل بين أهدافهم وأهداف المنظمة، ولذلك إن لم يحدث تعارض بين أهداف المنظمة وأهداف الأفراد انطلقت طاقات الفرد النفسية وقدراته الذاتية في العمل.
7. يختلف السلوك الفردي والإداري من دولة لأخرى (أو من حضارة لأخرى) وعلى كل من يمارس أعماله مع حضارات ودول مختلفة مراعاة هذه الفروق.
8. يختلف سلوك الأفراد على حسب الموقف الذي يتعرضون له, وكذلك تختلف طريقة الإدارة المثلى في التصرف مع الأفراد على حسب هذه الظروف, ولذلك يختلف النمط القيادي المفضل على حسب الموقف، فمثلاً يفضل النمط القيادي التسلطي مع الأفراد المتسيبين، بينما يفضل النمط القيادي الديموقراطي مع الأفراد المنضبطين.
ولعل النقطة الأخيرة تشير إلى المبدأ الموقفي في الإدارة، ونستطيع القول بأن هذا المبدأ - المبدأ الموقفي - هو التوجه الذي صار عليه السلوك التنظيمي اليوم. أي أن التصرفات الإدارية الصحيحة التي يجب أن تتخذ للتحكم في السلوك الإنساني تتوقف على حسب الموقف القائم والظروف المحيطة به والأشخاص المعنيين في هذا الموقف.
------------------------------------------------------------------
أهم المراجع:
1) السلوك التنظيمي مدخل لبناء المهارات د/ أحمد ماهر.
2) السلوك التنظيمي د/حامد أحمد بدر جامعة الكويت.(7/295)
3) السلوك التنظيمي والأداء أندرو دي سيزلاقي و مارك جي والاس
===============
مسلمي صقلية..كتاب عن حضارة المسلمين في الجزيرة
الاثنين18 من محرم1428هـ 5-2-2007م الساعة 11:28 ص مكة المكرمة 08:28 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > نافذة ثقافية > كتب
مفكرة الإسلام :صدرت حديثا الترجمة العربية لكتاب مسلمي صقلية الذي كتبه الايطالي ميكيلى أمارى في القرن الـ19وقام بترجمته فريق من المتخصصين على رأسهم الدكتور محب إبراهيم الأستاذ في كلية الألسن في جامعة عين شمس الذي أكد أهمية كتاب مسلمي صقلية في تأريخ حقبة مهمة من تاريخ الحضارة الإسلامية وأثرها على القارة الأوروبية.واعتبر إبراهيم أن كتاب مسلمي صقلية ليس كتاب تاريخ وحسب بل كتاب حضارة المسلمين في صقلية.
وأضاف أن هذا الكتاب لم يسبق أن ترجم كاملا وما وصل منه لا يزيد عن شذرات موضحا أن ما وصل إلى اللغة العربية من هذا الكتاب كان منقولا من كتب أخرى ولغات متعددة غير اللغة الأصلية للكتاب وهى اللغة الايطالية.
وأوضح المترجم أن الكتاب يتناول فترة مهمة من تاريخ المسلمين في جزيرة صقلية لاسيما الفترة الممتدة من القرن التاسع الميلادي وحتى القرن الحادي عشر موضحا أن الكتاب يعتبر سجلا شاملا لصقلية إذ يستعرض مختلف ظروف الحياة قبل الفتح الاسلامى وبعده ومدى تأثير حياة الإسلام على تلك الجزيرة.
وأشار إبراهيم إلى مؤلف الكتاب أمارى الذي توفى سنة 1889 بالقول إنه بدأ بنشر كتابه بين عامي 1845 و1874 إذ يتكون من ثلاثة أجزاء كما أنه اعتمد على ما يقارب 70 مخطوطا من المخطوطات العربية الإسلامية.
وأضاف أن أمارى ترجم وحقق في العديد من الكتب ونقلها من اللغة الايطالية إلى العربية والعكس كذلك كما أنه قام بتأليف عدد من الكتب باللغة العربية مشيرا في هذا السياق إلى اهتمام أمارى بالبحث التاريخي لاسيما في تاريخ جزيرة صقلية وعلاقتها بالمسلمين.
وفى شأن الكتاب ذاته قال إبراهيم إنه تميز بأمور عدة أهمها أن لغته رصينة قديمة في تراكيبها ومفرداتها كما تميز بالإيجاز حينا وبالإطناب حينا آخر إضافة إلى انتهاج السرد القصصي في بعض فصوله والأسلوب العلمي في فصول أخرى.
وأشار إلى بعض الصعوبات التي واجهت فريق الترجمة لاسيما في ترجمة بعض الأسماء عربية الأصل إلى اللغة العربية مرة أخرى موضحا أن هذه الأسماء هي في الأصل عربية فلا يمكن نقلها عن طريق الترجمة إلى العربية.
وقال إن هذه العملية تطلبت جهدا في التحقق من تلك الأسماء المنقولة من الايطالية إلى العربية إضافة إلى بعض أبيات الشعر التي ترجمت من العربية إلى الايطالية "فقد حاولنا كتابة الأشعار كما كتبت باللغة العربية وليس ترجمتها.
===============
ندوة علمية: واقعنا رغم قسوته به إيجابيات تبعث على الأمل
الخميس14 من محرم1428هـ 1-2-2007م الساعة 12:36 م مكة المكرمة 09:36 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > تحقيقات
... د. حامد طاهر ...
د. حامد طاهر
• هناك سبع دول عربية وإسلامية مرشحة لتكون دولاً متقدمة.
• عدم فهم الإسلام فهمًا متكاملاً يعوق تقدم المسلمين.
• المسلمون يكابرون ولا يعترفون بتخلفهم.
• من الطبيعي أن يقلق الغرب من المد الإسلامي المتنامي.
أحمد وهدان
مفكرة الإسلام: " الإسلام .. الواقع والتحديات" كان موضوع الندوة التي عقدتها الجمعية الخيرية الإسلامية وتحدث فيها د. حامد طاهر، نائب رئيس جامعة القاهرة، والعميد السابق لكلية دار العلوم، وأستاذ الفلسفة الإسلامية. وفي معرض حديثه عن واقع الإسلام في عالم اليوم تحدث عن إيجابيات الواقع فقال: إن المسلمين من حيث العدد كثرة غالبة تتجاوز المليار، وهذا المليار ليس عددًا محدودًا ولا محصورًا ولا ساكنًا بل هو في تزايد مستمر نتيجة للمواليد ونتيجة أيضًا للإقبال المتزايد على الإسلام من الوثنيين وأهل الديانات الأخرى. وهذا الإقبال المتزايد على الإسلام يحدث رغم ضعف المسلمين من ناحية ورغم عدم امتلاكهم لأجهزة دعوية قوية من ناحية أخرى. إنني عشت في الغرب فترة طويلة ووجدت أن كثيرًا من الأسر تدخل في الإسلام ولكنها تخفي ذلك لحرصها على مكانتها الاجتماعية والوظيفية، وهؤلاء لا نعرف عنهم شيئًا ولا يدخلون في الإحصاءات.
كما أن هناك في هذا الواقع صحوة إسلامية تعم العالم الإسلامي كله ومن مظاهرها التعمق في الدين والالتزام بشعائره.
فهناك إقبال على الصلاة في المساجد التي تكتظ بالمصلين، وكنا نرى في فترة الأربعينات والخمسينات تهاونًا في أداء الصلاة، كما نلاحظ الحرص على الصيام أكثر من ذي قبل، ولم نعد نرى من يجاهر بإفطاره إلا قليلاً. وأصبحنا نرى عوام المسلمين، رغم أنهم يدفعون الضرائب، إلا أنهم يتوجهون إلى لجان الزكاة المنتشرة في معظم المساجد. وهذه كلها مظاهر تدل على الصحوة والإقبال على الإسلام بصورة تدعو إلى التفاؤل والأمل.
والمسلمون في عالم اليوم ينتمون إلى مجموعة الدول النامية التي تتميز بأمرين هما انخفاض متوسط دخل الفرد وقلة استخدام التكنولوجيا في مجالات الحياة وسيادة نمط العمل اليدوي.
والدول الإسلامية فيها دول مؤهلة لتصبح متقدمة مثل باكستان وإيران وإندونيسيا وماليزيا، وذلك نتيجة للقدرة الاقتصادية والعسكرية التي بدأت تظهر فيها، وعلى مستوى العالم العربي فإن مصر والمغرب وسوريا مرشحة لذلك.
سلبيات الواقع الإسلامي
ويضيف د. حامد طاهر أنه رغم الأمل المنبعث من النقاط السابقة إلا أن هناك عددًا من السلبيات في واقع المسلمين مثل افتقاد التنسيق بين دول العالم الإسلامي، بل إن هناك خصومات ومنازعات بين غالبية الدول العربية المتجاورة، وهذا العداء نتيجة حدود رسمها الاستعمار، كما لا يوجد تواصل بين العناصر المتكاملة في العالم الإسلامي.
فالعالم الإسلامي غني بثرواته الطبيعية والإنتاجية والبشرية ولكن كلاً يعمل وحده منفردًا. ولو اجتمعت قوتان إسلاميتان أو ثلاثة لحدثت نقلة كبيرة، ولكن للأسف فإن أصحاب القوة البشرية بعيدون عن أصحاب القوة الإنتاجية والطبيعية وهكذا. كما أننا نجد في العالم الإسلامي ضعفًا في الإنتاجية، فمعدل إنتاج الفرد في مجتمعاتنا ضعيف جدًا.
وقد حدثت ثورات تكنولوجية كثيرة لم تستفد منها بلادنا الاستفادة الكاملة.
كما أن الإدارة في العالم الإسلامي غير جيدة مما ينعكس على الإنتاجية وعلى معدل التنمية وعلى انضباط الحياة والواقع بوجه عام. كما أننا نلاحظ افتقاد الإبداع وقلة الاختراعات والمبادرات الخاصة في الدول الإسلامية، وإذا حدث واجتهد فينا أحد فإن مجتمعاتنا تقف ضده ولذلك هاجرت العقول المبدعة، ولم نجد على المستوى العلمي إلا
النقل والتقليد والمحاكاة.
التحديات الداخلية في العالم الإسلامي
وعن هذه التحديات قال د. حامد طاهر إن أولها هو عدم الفهم المتكامل للإسلام، وإنما يأخذ المسلمون ببعض الأجزاء فقط ويفهمون الإسلام فهمًا جزئيًا، وهذا ما قاله رواد النهضة الإسلامية الحديثة مثل الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والكواكبي وعبد الله النديم وحسن البنا. إن المفهوم المتكامل للإسلام بسيط لو أخذناه من القرآن والسنة، إن الإسلام يقوم على أربع دعائم أساسية هي العقيدة والشعائر الأربع والأخلاق والتشريع.
وبالنسبة للعقيدة فقد اختلف المسلمون فيها اختلافات كبيرة أنهكتهم رغم أن هذه العقيدة تقوم على أمرين أساسيين هما: الإيمان بالله الواحد، والإيمان بالبعث بعد الموت.(7/296)
ولو نظرنا إلى الجزء المكي من القرآن، وهو أكبر من النصف، لوجدناه يدور حول هاتين الحقيقتين. وفي الحديث الشريف فإن الإيمان هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. والحديث يدور حول الأمرين المذكورين.
فالإيمان بالله يستتبعه الإيمان بالملائكة والكتب والرسل ومنهم خاتم الرسل محمد عليه الصلاة والسلام، وكذلك الإيمان بالقدر الذي هو من عند الله. ثم نجد الإيمان باليوم الآخر أصل وحده. أما الدخول في تفريعات العقيدة مثل الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية والربوبية فقد شغل الناس وصرفهم عن بساطة الإسلام.
وشعائر الإسلام الأربعة هي: الصلاة والصوم والزكاة والحج.
والصلاة تنهى عن الفحشاء ونحن مأمورين أن نستعين بالصبر والصلاة، والصلاة إن لم تؤثر في نفوس المسلمين وحياتهم فتضبطها فإنها تصبح مثل نقر الغراب. ونحن نجد في واقعنا أن الصلاة لا تؤدي كما يجب، ولذلك فلا تحقق الهدف المرجو منها وهو ضبط إيقاع حياة المسلمين. أما الصوم فهو تربية للإرادة الإنسانية، فالمسلم من خلاله يمسك نفسه عن الحلال حتى لا يقع في الحرام. والصوم يربي أيضًا الضمير الإنساني لأنه عبادة خاصة بين الإنسان وربه. والزكاة والحج ليسا مفروضين على كل الناس، فكثير من المسلمين ليس عليهم زكاة لأنهم لا يملكون النصاب، والحج لا يجب إلا على القادر ماديًا وبدنيًا.
وبالنسبة للأخلاق فإن المسلم إذا كانت عقيدته قوية وعبادته صادقة فإنها تنعكس على أخلاقه، فالأخلاق عبارة عن دافع داخلي وسلوك خارجي، والمسلمون بعيدون عن السنة النبوية التي هي تطبيق لأخلاق الرسول الكريم. ونحن في حاجة إلى كتاب شامل يجمع الأحاديث الصحيحة عن رسول الله، لأن السنة هي التي تحدد لنا منهج حياة رسول الله وتبعدنا عن الخلافات التي وقع فيها كثير من المسلمين.
أما بالنسبة للتشريع فإن الشريعة الإسلامية فيها مجموعة من الثوابت ثم تفتح المجال أمام العقل المسلم لكي يعمل وتدعوه إلى الاجتهاد.
إننا اختلفنا كثيرًا حول النظام السياسي في الإسلام وكذلك النظام الاقتصادي في الإسلام، وهذا يتعارض مع مبدأ أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان.
فالاقتصاد حركة يومية وشهرية وسنوية وهو يتغير من وقف لآخر ومتروك لعرف الناس، ونحن لدينا قاعدة وهي أن ما يحقق المصلحة للمسلمين فهو حلال، وهناك من تعب نفسه وحاول أن يفرض نظامًا سياسيًا معينًا باسم الإسلام، والإسلام ليس فيه نظام سياسي معين، لكن فيه مبادئ أساسية مثل الشورى والعدالة والمساواة، ومتى تحققت هذه الأمور في أي نظام سواء كان ملكيًا أو جمهوريًا أو فيدراليًا أو غير ذلك فإنه يكون متوافقًا مع الإسلام.
وفي نفس الوقت فإننا إذا أقمنا نظامًا للخلافة ولم تتحقق فيه هذه الأمور فإنه لن يكون نظامًا إسلاميًا. وبالمثل فإنه لا يوجد نظام اقتصادي إسلامي وإنما توجد مبادئ اقتصادية مثل النهي عن الربا والغش والاحتكار، ومتى تحققت هذه الأمور في أي نظام اقتصادي فإنه يكون إسلاميًا أو متوافقًا مع الإسلام.
وبالإضافة إلى الفهم غير المتكامل للإسلام المنتشر في العالم الإسلامي فهناك كذلك الفهم الخاطئ للإسلام، وفي هذا الإطار فإن هناك فرقًا كثيرة انحرفت عن الإسلام وفهمته فهمًا خاطئًا في الماضي وفي الحاضر.
وهناك الآن بناء الأضرحة وزيارتها والنذر والذبح لها والطواف حولها وتقديس الأولياء .. الخ. فكلها أمور خاطئة ومتعارضة مع الإسلام وعقيدته، ويدخل في هذا الأمر الموالد والشكليات الصوفية.
المسلمون يفتقدون القدرة على التعايش مع الحضارة الحديثة
ومن التحديات الداخلية أن المسلمين يفتقدون القدرة على التعايش مع الحضارة الحديثة، فأدباؤنا الكبار مثل توفيق الحكيم لم يروا من الغرب غير المسرح، ولم ينقل آخرون إلا الروايات والقصص، بينما الكتب التي صنعت الحضارة لم ننتبه إليها. والمسلمون في بداية هذا القرن، وحينما وجدوا أنفسهم أمام هذه الحضارة الحديثة، كان لهم ثلاثة مواقف رئيسية:
الأول: موقف الرفض الكامل الذي تمثله بعض الاتجاهات السلفية..
والثاني: موقف الذوبان الكامل فيها والانبهار بها وهو الموقف الذي اتخذه الجانب العلماني، وعلى رأسه سلامة موسى وطه حسين وقاسم أمين ولطفي السيد .. الخ.
والثالث: هو الموقف التوفيقي الذي يرى أن نأخذ الصالح من هذه الحضارة ونترك السيئ، لكن هذا الاتجاه لم يبلور موقفه جيدًا حتى الآن.
إننا هنا ينبغي أن نفرق بين الثقافة والحضارة، فالثقافة شيء خاص وكل شعب له ثقافته الخاصة بل كل إقليم وكل قرية لها ثقافتها الخاصة، والثقافة هي مجموعة التصورات التي يعمل الإنسان على أساسها والتي لو خرج عليها يجد المجتمع يقف في وجهه.
أما الحضارة فإنها تكون حضارة واحدة في العالم وهي متصلة بالأمور العملية أكثر، أي طريقة بناء المساكن والحياة وطريقة اللبس والأكل والتعامل مع الناس .. الخ.
ونحن الآن نعيش عصر الحضارة الغربية الحديثة التي ورثت الحضارة الإسلامية واستفادت منها.
ومن التحديات الداخلية أيضًا التي تواجه المسلمين صعوبة تجاوز الحاجز العلمي والتكنولوجي، فحركة النمو العلمي في بلادنا ضعيفة والإنتاجية العلمية ضعيفة.
على سبيل المثال فالإنتاجية العلمية العربية هي 1% فقط من الإنتاج العلمي العالمي. ولم يحصل من المسلمين على جائزة نوبل في العلوم إلا العالم الباكستاني البروفيسور عبد السلام والعالم المصري الدكتور أحمد زويل، ولم يأخذانها لأنهما يعيشان في باكستان ومصر بل أخذاها لأنهما يعملان ويعيشان في أمريكا. ومستوى التعليم في بلادنا الإسلامية وأساليبه متخلف ويركز على الكم دون الكيف.
ومن التحديات الداخلية أيضًا المكابرة في عدم الاعتراف بالتخلف، مع أن التخلف مرض والمريض لن يصل للشفاء إلا إذا اعترف وآمن بأنه مريض. وعدم الاعتراف بذلك يجعل المسلمين في مكانهم لا يتقدمون. وأحد أسرار نهضة دول شرق آسيا أنها دول تعترف بأخطائها ومطيعة وتريد التعلم، أما نحن فلا نقبل التعلم ولا الاعتراف بخطئنا.
التحديات الخارجية في مواجهة العالم الإسلامي
وعن هذه التحديات قال د. حامد طاهر إن من المؤكد أن العالم الغربي قلق جدًا من تصاعد المد الإسلامي ومن النهوض الإسلامي وهذا أمر طبيعي. فمعروف أننا أسواق تستهلك الرديء من منتجاتهم وتصدر لهم المواد الخام الرخيصة، وهكذا فإنه أمر طبيعي أن يقف الغرب ضد نهضتنا التي سوف تكون على حسابهم . والغرب متخوف أيضًا من الجماعات الإسلامية لدينا، وهو يضع الإسلام عدوه في القرن المقبل وهذا أمر طبيعي أيضًا.
فنحن في مساجدنا وعلى منابرنا وفي منتدياتنا نَسُبُّ الغرب ونلعنه ونعلن العداء له، والغرب يسجل ذلك جيدًا ويحلله بدقة وبالتالي يضعنا في خانة العدو الأول. فلا يفتح الأبواب أمام انتقال التكنولوجيا إلينا كي نظل تحت رحمته. وفي هذا الإطار فإن الإسلام سوف يظل يرعب الآخرين حتى لو كان أهله ضعفاء، وفي الحديث الشريف (نصرت بالرعب مسيرة شهر)، ولهذا كله يرفض الغرب أن يشترك المسلمون في حركة الحياة الحديثة وفي النظام العالمي الجديد. وأقرب مثال على ذلك تركيا فهي بشريًا واقتصاديًا وتكنولوجيًا أكثر تقدمًا من اليونان ومع ذلك يرفض الغرب انضمامها إلى السوق الأوروبية والاتحاد الأوروبي بينما يقبل اليونان، وإذا حدث أي نزاع بين تركيا واليونان يقف الغرب مع اليونان بالحق والباطل.(7/297)
إن تركيا تقول لهم إنها تحارب الإسلام ومع ذلك يرفضونها لأنهم يعرفون حقيقية الأمر وهو أن شعب تركيا مسلم قوي الإسلام.
وبعد تفجير قنبلة الهند النووية حدث رد فعل بسيط، لكن بعد تجربة باكستان كاد الغرب أن يضربها .. وهكذا. وهذه كلها تحديات تفرض على المسلمين التوحد وفهم الواقع والتعامل معه من خلال كيان موحد ونسيان الخلافات الداخلية.
===============
حلم إسلامي بـ"تحرير" إسبانيا؟
الجمعة 8 من محرم1428هـ 26-1-2007م الساعة 09:31 م مكة المكرمة 06:31 م جرينتش
الصفحة الرئيسة > تقارير
... إسبانيا ...
إسبانيا هل تكون إسلامية
إعداد: ياسر مجدي
مفكرة الإسلام: بعد مرور ما يقرب من 1300 عام منذ أن وطأت أقدام المسلمين الأوائل أرض الأندلس تحت قيادة القائد المسلم "طارق بن زياد" في شهر رجب 92 هـ «711م» عند المضيق المسمى باسمه لهذا اليوم (جبل طارق )، وتمكُّن المسلمون من تأسيس دولة وحضارة إسلامية في الأندلس تضاهي تلك التي توجد في بلاد الشرق آنذاك، وبدأت شمس الإسلام تبزغ فوق أرض الأندلس في وقت
كانت إسبانيا أو ـ الأندلس قديمًا، تلك الدولة التي كانت يومًا من الأيام دولة إسلامية ومنارة من منارات الحضارة الإسلامية، في فترة كانت أوروبا جمعاء تتخبط في ظلام دامس، غير أن هذا الضوء لم يدم سوى ثمانية قرون ليخفت إلى يومنا هذا.
غير أن هناك معطيات بدأت تظهر من جديد وتبلورت فكرة الجهاد وتحرير المدن الإسلامية بما فيها "الأندلس"ـ إسبانيا حاليًا ـ وقد كانت الدعوة التي وجهها زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن " ـ حسب المزاعم الإسبانية ـ بمثابة الشرارة والدافع لهذه الفكرة الدفينة في نفوس المسلمين، والتي لاقت قبولاً، وخاصة من قِبل الجماعات الإسلامية الموجودة في كل من المغرب والجزائر ـ حسب مزاعم المخابرات الإسبانية .
وتحت عنوان " الحلم الإسلامي لتحرير إسبانيا " نشرت صحيفة "لا باث ديختال" مقالاً مطولاً تقول في بدايته :"في مطلع هذا العام قامت جماعة إسلامية تتخفى تحت اسم "نديم المغربي"، والتي ذات صلة بـ"القاعدة" بنشر دعوة على الإنترنت للجهاد وتحرير الأراضي الإسلامية المحتلة بما فيها إسبانيا، وقد تم نشر هذه الدعوة على موقع الجماعة الإسلامية "الأنصار" ، والتي جاء فيها أنه في كثير من العواصم الأوروبية هناك معرفة كبيرة بالنسبة للقضية الفلسطينية، ودعوات تطالب بحلها، ولكن تلك المعرفة قائمة على افتراض أن "فلسطين" هي في جملتها أرض "إسرائيلية" وليست عربية، " أما الوضع بالنسبة لجزيرتيْ "سبته ومليلة" فهو مختلف، حيث إننا نتعامل مع إسبانيا وليست إسرائيل، ومن ثم هددت تلك الجماعة من خلال ما تضمنته الوثيقة بشن حرب مقدسة ـ الجهاد ـ ضد الدولة الإسبانية "الكافرة".
واستشهدت الصحيفة بما نشرته صحيفة "الباييس" الإسبانية مسبقًا، التي نشرت معلومات في عددها الصادر بتاريخ 5-11- 2006م نقلاًَ عن مصدر بالمخابرات الإسبانية، والتي حذّرت من أن كل من جزيرتيْ "سبته ومليلة" قد أصبحتا هدفين للجماعات الإسلامية كما أشرنا سالفًا .
وأشارت الصحيفة أن الطبيعة الجغرافية للجزيرتين ليست هي الخطر الوحيد الذي يهدد "إسبانيا" في المستقبل، ولكن الذي يهدد إسبانيا هم "الإسلاميون" الذين يقطنون الجزيرتين، وخاصة بعد عملية الاعتقال التي قامت بها الشرطة الإسبانية في مطلع الشهر الجاري، وقد اعتقلت 11 إسلاميًا بينهم 7 ينتمون إلى الجماعة "السلفية الجهادية"، التي تعتبر الجناح العسكري "للقاعدة" في شمال إفريقيا.
أما صحيفة "أ.بي.ثي" الإسبانية فقد حاولت أن تلتزم الحياد، غير أنها سقطت في المحظور، ونظرت إلى الموضوع من نفس المنظور السابق حيث نشرت تحت عنوان "الجهاد في سبته أم في إسبانيا ؟ والذي يبدو فيه أنها تبنت نفس الأفكار التي روّجت لها الصحيفة السابقة، ولكن بنظرة تحليلية أكثر منها نقدية مستندة على تحليل قام به باحثون لدراسة تلك الظاهرة "الجهاد" "حيث أشاروا أن الجزيرة شهدت في الآونة الأخيرة زيادة مطردة للنشطاء الذين يدعمون فكرة " السلفية الجهادية" ، وحذّرت الدراسة من تنامي انتشار هذه الأفكار في الجزيرة؛ الأمر الذي سيؤدي إلى ظهور حركات إسلامية تدعو للقيام بتنفيذ هجمات في "سبته" أو ربما تمتد هذه الهجمات إلى داخل إسبانيا نفسها، مؤكدة أن هذه الدراسة تتطابق مع المعلومات التي وصلت الأجهزة الأمنية .
لكن الصحيفة أشارت إلى شيء مهم لا يجب أن نغفله, حيث أكدت أن معظم سكان سبته من المسلمين ليسوا متشددين ، يرفضون كل الأعمال "المتشددة" وينظرون إلى المتشددين نظرة ازدراء، وهذه ليست نظرة المسلمين في "سبته" وحدها، بل هي نظرة عامة للمسلمين في كل العالم!.
لكن هذا يمثل رأي أشخاص ومحللين، أما بالنسبة لغالبية الإسبان فهل ينظرون إلى تلك القضية بنفس نظرة المحللين أم سيكون لهم رأي مختلف؟
من الواضح أن نظرة الغرب للإسلام هي نقطة متفق عليها من قِبل كل طوائف وشرائح المجتمع الغربي، لا فرق بين محلل ومواطن، فالإسلام بالنسبة لهم مرتبط بالإرهاب؛ نتيجة للصورة المشوهة التي ينقلها الإعلام الغربي عن الإسلام والمسلمين، وهو ما بدا جليًا من خلال الاستفتاء الأخير الذي أجراه معهد الكانو الملكي، ونشره موقع "تيليجرام دي مليلة" حيث يشير الاستفتاء أن أكثر من 70% من الإسبان يعتقدون أنه من الممكن أن يقوم إسلاميون بهجمات لاسترداد السيادة الإسلامية ـ المغربية ـ على الجزيرتين اللتين تخضعان للحكم "الإسباني" .
ولم يكن الخطر الإسلامي حسب المخابرات الإسبانية يتمثل في الحركات الإسلامية في "سبته ومليلة" فقط ولكن هناك خطرًا آخر بدأ يلقي بظلاله على الساحة الإسبانية، وهو ما أشارت إليه صحيفة الباييس الإسبانية حيث أفادت الصحيفة في السابع عشر من شهر ديسمبر: "أن إسبانيا بدأت تتأهب لعودة مجاهدين تدربوا على أسلحة ومتفجرات في العراق بعد مشاركتهم في أعمال الجهاد ضد قوات الاحتلال الأجنبية، مشيرة أن هؤلاء "المجاهدين" يشكلون خطرًا محتملاً على دول الاتحاد الأوروبي بما فيهم إسبانيا .
وأضافت الصحيفة " أن هؤلاء الرجال الذين قاتلوا في العراق من خلايا تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، التي كان يتزعمها "أبو مصعب الزرقاوي" ـ الذي قُتل يونيو الماضي ـ "أصبحوا يشكلون جسر عبور للقاعدة والموالين لها إلى إسبانيا، وأنهم في صدد الاستعداد للعودة إلى إسبانيا مرة أخرى.
وأطلقت المخابرات الإسبانية على هؤلاء المجاهدين وخاصة من المغاربة والجزائريين، بأنهم صاروا الآن بمثابة "فرسان طروادة الجدد للقاعدة"، لكنهم حتى الآن لا يتسببون في أي أذى، وأنهم في انتظار التحرك؛ الأمر الذي يصعّب توقيفهم
".وزعمت المخابرات أن سوريا كانت هي الممر لهؤلاء المجاهدين لدخول العراق، والذي كان من بينهم "داود أوهاني"، الذي يأتي على رأس قائمة المطلوبين للبحث عنهم؛ بزعم تورطه في تفجيرات مدريد، و"عامر عزيز" الذي من المفترض أنه قُتل في بغداد.
وكانت المخابرات الإسبانية قد أعربت عن قلقها من أن تتحول شبه جزيرة 'أيبيريا' إلى قاعدة لعمليات المقاتلين الإسلاميين بعد عودتهم من العراق وأفغانستان, مشيرةً أنها لم تعرف بالضبط أعداد 'المجاهدين' الذين سيعودون إلى إسبانيا في يوم ما.(7/298)
وأمام تلك الاتهامات التي تُكال وتوجّه للإسلام والمسلمين، كان لزامًا أن يكون هناك رد فعل، وبالأحرى على لسان الجالية الإسلامية بإسبانيا وهو ما نشرته صحيفة "أ.بي.ثي"، فقد نشرت دفاعًا لرئيس الجالية الإسلامية منصور "اسكوديرو" ـ مسيحي اعتنق الإسلام ـ ، والذي قلّل من تلك المزاعم، وطعن فيما نُشر، حيث أشار قائلاً: "ما الخطر المتمثل لما تسميه إسبانيا بـ"الجهاد الإسلامي" ، وإذا كانت هناك معلومات تشير إلى ذلك، فما هي المصداقية والمعايير التي ترتكز عليها تلك المعلومات؟ أو بمعنى آخر: ما هي التهديدات التي يمثلها الجهاد الإسلامي سواء لجزيرتي سبته ومليلة أو لإسبانيا بصفة عامة
=============
الفلسفة.... التاريخ والنشأة[1]
الخميس7 من محرم1428هـ 25-1-2007م الساعة 02:44 م مكة المكرمة 11:44 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > عيون غربية
إذا أردنا التحدث عن الفلسفة، فنحن نتحدث عن حقبة من أهم حقب التاريخ الغربي من حيث النتاج الفكري، تلك الحقبة هي حقبة الحضارة اليونانية.
لقد كانت لنشأة الفلسفة أبلغ الأثر في التاريخ الغربي والإسلامي على حد سواء؛ فقد ساهمت الفلسفة في تحريف العقيدة النصرانية أبان اعتناق الدولة الرومانية للمسيحية، كذلك كانت السبب الرئيس في ظهور الكثير من الفرق الإسلامية، والتي حاول أصحابها التوفيق بين فلسفة اليونان والعقيدة الإسلامية.
وهذه نبذة موجزة عن الفلسفة وعوامل نشأتها، وما هي أهم مدارسها؟ مع الإشارة إلى المراحل التي مرت بها الفلسفة، وأخيرًا حكم الفلسفة من المنظور الإسلامي، وسوف نخص هذه المقالة بالعناصر التالية:
1- معنى الفلسفة.
2- نشأة الفلسفة.
ما هي الفلسفة؟
وكلمة فلسفة (philosophia) هي كلمة يونانية قديمة مركبة من مقطعين، هما" فيلو "بمعنى حب أو محبة، و"سوفيا "بمعنى حكمة، وتفسيرها: محبة الحكمة، فلما عُرِّبت قيل: فيلسوف؛ فالفيلسوف هو محب للحكمة، والمقصود بالحكمة: المعرفة العقلية الراقية، والإدراك الكلي لحقائق الوجود.
وبعبارة أخرى، الفيلسوف هو الإنسان الذي يبحث في ماهية الأشياء وأصولها وعلاقة بعضها ببعض، ولما كان الإنسان من طبيعته أن يفكر ويبحث على هذا النحو، فإن كلمة فيلسوف لم تُطلَق على كل إنسان، بل أُطلقت على المرء الذي من أهم أهدافه في حياته دراسة طبائع الأشياء وتعقلها، وكانت لديه قدرة إدراك الأشياء بسرعة معتمدًا على فكره الخاص، ومارس هذا العمل حتى أصبح وكأنه مهنة أو صنعة له سيطرت عليه معظم حياته.
مر مصطلح الفلسفة بعدة أطوار؛ وعلى هذا فإن تعريف (الفلسفة) يختلف باختلاف الأطوار والأزمان، كما أنه يختلف باختلاف الفلاسفة الذين وضعوا لها حدودًا وتعريفات، ومن تلك التعريفات [اليونانية منها]:
-1 عصر ما قبل سقراط: كان موضوع الفلسفة في هذا العصر يتناول الكون الطبيعي؛ ولذا فمحاولاتهم هي: معرفة الأصل الذي نشأ عنه هذا العالم الطبيعي المحسوس، فتعريف الفلسفة إذاً في هذا العصر هو: البحث في الوجود الطبيعي، وغايته ومصيره وعلل ظواهر الأشياء.
-2 عصر السوفسطائيين وسقراط: كان موضوع الفلسفة في هذا العصر قاصر على الإنسان ومعرفة الحقيقة، والحق والعدل والخير، ودراسة هذه القيم مبنية على التصور العقلي وحده ولا علاقة للحواس بها؛ أي أن الفلسفة عند سقراط قد اشتملت على بيان وتوضيح معاني الحق الخير والعدل.
فتعريف الفلسفة إذاً عند سقراط هو: البحث عن الحقائق بحثًا نظريًا، وخاصة الحقائق والمبادئ الخُلُقية؛ من خير وعدل وفضيلة.
-3 عصر أفلاطون: كان موضوع الفلسفة في هذا العصر يتناول جواهر الأشياء وحقائقها الثابتة التي لا تتغير، والتي يطلق عليها أفلاطون "عالم المُثُل"؛ فتعريف الفلسفة عند أفلاطون هي: البحث عن الأمور الأزلية، أو معرفة حقائق الأشياء ومعرفة الخير للإنسان.
4- عصر أرسطو: يشمل كل المعرفة الإنسانية، أو بعبارة أخرى أصبحت الفلسفة مرادفة لمعنى العلم؛ فيندرج تحت الفلسفة جميع العلوم؛ من المنطق، والرياضة، والطبيعة، والأخلاق والسياسة.
وُتعرف الفلسفة عند أرسطو بأنها: العلم بالمبادئ الأولى التي تُفسَّر بها طبيعة الأشياء، أو هي البحث عن علل الأشياء وأصولها الأولى؛ أي العلة الأولى التي هي علة العلل .
نشأة الفلسفة
اختلف المؤرخون في أول من استخدم كلمة فلسفة؛ فحُكي أنه كريتس، كما يروي مؤرخو الفلسفة أن هذه الكلمة قد جرت على لسان بعض الفلاسفة، حيث نسب هؤلاء المؤرخون إلى فيثاغورث([1]) [حوالي 580-500 ق.م ] أنه قال: إن الإنسان مهما بالغ في طلب الحكمة لا يمكن أن يكون حكيمًا، لأن الحكمة لا تضاف لغير الآلهة، وما أنا إلا فيلسوف (PHILOSOPHOS) أي محب للحكمة؛ وحسب الإنسان شرفًا أن يحب الحكمة و يجدَّ في طلبها.
كما عزوا إلى سقراط أنه أطلق على منهجه كلمة فلسفة، وإلى بريكليس أنه قال: نحن نتفلسف بدون هوادة.
نشأت الفلسفة في بقاع عدة ولكنها اشتهرت في بلاد اليونان، أما بالنسبة لبداية نشأة التفكير الفلسفي، فقد الفلسفي نشأ أولًا في حضارات الشرق القديم؛ كالحضارة المصرية والفارسية، والبابلية، والهندية، والصينية، ولكنه كان مجموعة من الأساطير أو الملاحظات التجريبية التي دفعتهم إليها حاجتهم إلى الشراب والطعام والمسكن، واعتمدوا فيها على الأوهام.
ورغم اختلاف الباحثين في نشأة الفلسفة إلا أنهم أجمعوا على أن الفلسفة اليونانية كانت أعمق الفلسفات بحثًا، وأوسعها موضوعًا، وأحسنها تنظيمًا وترتيبًا، وقد استوى ساق الفلسفة على يد أفلاطون ومن بعده أرسطو.
والسبب في ذلك ـ أي في كون الفلسفة اليونانية أعمق الفلسفات ـ هو أن هناك بعض العوامل قد تضافرت على ازدهار الفكر الفلسفي باليونان دون غيرها من البقاع، وهذا ما سنبدأ بعرضه بإذن الله في المقالة القادمة.
([1]) فيثاغورث أو بيتاغوراس الساموسي هو فيلسوف ورياضاتي إغريقي (يوناني)، عاش في القرن السادس قبل الميلاد، وتنسب إليه مبرهنة فيثاغورث، وتحاك حول شخصية بيتاغوراس العديد من الروايات والأساطير ويصعب التحقق منها.
=============
حينما نكتفي بالاستهلاك والبذخ بينما الآخرون ينتجون ويبدعون!
الخميس7 من محرم1428هـ 25-1-2007م الساعة 12:44 م مكة المكرمة 09:44 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > تحقيقات
... الإسراف ...
- الاستهلاك مرض يهدر إمكاناتنا.
- ننفق على الهواتف المحمولة والفياجرا ونهمل إنشاء المصانع!
- متى نتجاوز ثقافة المظاهر والاستهلاك ونعتنق ثقافة الجدية والإنتاج؟.
منى محروس
مفكرة الإسلام: تعاني مجتمعاتنا العربية من أزمة خطيرة يمكن تسميتها "الابتعاد عن صناعة التاريخ والحضارة" والاكتفاء بالنظر إلى الآخرين وهم يصنعوا هذه الحضارة وعدم مشاركتهم في هذا الشرف الكبير ومزاحمتهم فيه، كما فعلت شعوب أخرى كانت مثلنا وربما أقل منا ولكنها دخلت المعترك ونفضت عنها غبار الكسل والتخلف.
وأول مداخل صناعة التاريخ والحضارة هو أن نتحول إلى شعوب إنتاجية، ننتج طعامنا ولباسنا وسلاحنا وخدماتنا وآلاتنا، بل ونعمل جاهدين أن نغزو أسواق العالم لنبيع هذه المنتجات. لكن الواقع أننا نكتفي بالوقوف متفرجين ونكتفي بأن نكون مستهلكين، بل ومستهلكين ببذخ وإسراف.
والمدقق لحال شبابنا العربي يجده متعطلاً بلا عمل، مقيماً في المقاهي وأمام أجهزة الفيديو والتليفزيون يشاهد الأفلام والبرامج ذات الشكل الغربي، بينما الشباب الصيني يطرق علينا بيوتنا ليبيع لنا منتجات صينية بسيطة.(7/299)
وإذا كان هذا هو حال الشباب، فإن نساءنا أيضاً أصبحن يتسابقن في شراء أدوات التجميل والأزياء الغربية والأجهزة الكهربائية المستوردة.
سفه وتبذير رغم سوء الأوضاع
يرى د. إبراهيم الشيخ أستاذ الاقتصاد أنه في الوقت الذي يبلغ فيه الاستهلاك العربي الترفي حد السفه، تقف العديد من الأرقام والإحصائيات المرعبة في الطرف المقابل للصورة، وهي أرقام بقدر ما تحمل من الجزع والهلع بقدر ما تحمل العديد من المفارقات الساخرة، التي تدل على مدى الهوة العميقة التي وقعنا فيها.
ففي الوقت الذي يبلغ فيه عدد سكان العالم العربي الآن 285 مليون نسمة، فإن إجمالي الناتج القومي في كل المنطقة العربية لا يتجاوز 730 بليون دولار، ولم يتجاوز معدل النمو الاقتصادي خلال 20 سنة 2%، بينما يبلغ معدل التضخم 3% سنويا، في الوقت الذي وصل فيه عدد العاطلين عن العمل بالعالم العربي إلى 18 مليون نسمة من مجموع القوى العاملة البالغة 98 مليون نسمة.
وفي الوقت الذي ينفق فيه العرب مليارات الدولارات على أجهزة الهاتف المحمول سنويا، فإن هناك حوالي 62 مليون عربي ( أي ما نسبته 22% من جملة السكان ) يعيشون على دولار واحد فقط في اليوم ، بينما يعيش 145 مليون عربي ( أي قرابة 52% من تعداد السكان العرب) على دخل يومي يتراوح ما بين 2 و5 دولارات، وفقا لإحصائيات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2001 .
وتتجلى مفارقات الكوميديا الساخرة إذا علمنا أن الدخل القومي في المنطقة العربية في عام 2000 ( بدون عائدات النفط ) بلغ حوالي 70 مليار دولار، وهو رقم يقل عن الناتج القومي لفنلندا التي يبلغ عدد سكانها 5،5 مليون نسمة.
أما الدخل القومي للعالم العربي بعد إضافة عائدات النفط إليه فقد وصل إلى 234 مليار دولار، في الوقت الذي بلغت فيه صادرات سنغافورة وهونج كونج وحدهما خلال نفس العام نحو 250 مليار دولار، أي ما يتجاوز الناتج القومي للمنطقة العربية بأكملها.
ويتعجب د. إبراهيم الشيخ من أنه وسط سفه إهدار المليارات العربية على الفياجرا وحفلات الزفاف وتدخين الشيشة وأطعمة الكلاب والقطط، يطل علينا في المقابل شبح الديون الخارجية للدول العربية بوجهه القبيح، إذ تضاعفت هذه الديون في العقدين الماضيين بمعدل سبع مرات، ليصل حجمها إلى 325 مليارا عام 2000، بعد أن كانت لا تتجاوز 49 مليار دولار عام 1980، ولم يصاحب هذا الارتفاع زيادة مماثلة في الناتج المحلي الإجمالي، وبينما كانت هذه الديون تشكل 12% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم العربي في بداية الفترة نفسها، أصبحت في نهايتها تشكل 46% من إجمالي هذا الناتج.
ووفقا للإحصاءات الرسمية فإن فائض الموازين التجارية للبلدان النفطية بدأ يتجه نحو الهبوط ، حيث انتقل من 123.3 مليار دولار في عام 1980 إلى 18.4 مليارا في عام 1998، كما ارتفع عجز الموازين التجارية للبلدان غير النفطية في الفترة نفسها من 14.8 مليار دولار إلى 24.7 مليار.
أما المديونية العامة الداخلية القائمة في ذمة الدول العربية فقد بلغت مع نهاية عام 2000 حوالي 304 مليارات دولار، وارتفع هذا الدين عن حجمه في عام 1999 بمقدار 28.1 مليار دولار، أي أن وضع المديونية الداخلية للدول العربية شهد ارتفاعا نسبيا في عام 2000، حيث ازداد حجم الدين الداخلي بنسبة 10.1% مقارنة بعام 1999.
مرض يهدر الإمكانات
ترى د. تهاني ناصر أستاذة إدارة الأعمال أن معظمنا في العالم العربي مصاب بمرض الاستهلاك الذي يصل عند قطاعات منا إلى مستوى الاستهلاك الترفي.
فنحن ننفق المال على سلع كمالية وفي مناسبات غير ضرورية، بقصد التباهي وحب الظهور وتعويض نقص اجتماعي معين.
وهناك أنواع من السلع لا نقدرها ولا نشتريها لصفاتها الذاتية، أو لاحتياجنا الفعلي لهذا ولكن وفقاً لما تمثله من مكانة اجتماعية.
والسلوكيات الاستهلاكية بدأت تتغير اليوم، إما بسبب ثورة المتغيرات والإنتاجية الكبيرة، أو لأننا ننتهج مسلكاً استهلاكياً لإخفاء شيء في نفوسنا، كمستوانا المالي أو الثقافي مثلاً، ولذلك كان خيارنا عشوائياً، حسب ما يمليه ذوق المصمم أو حسب النص الإعلاني في وسائل الإعلام.
والاستهلاك الترفي يعد مرضاً اقتصادياً اجتماعياً بسبب غياب الضابط الاجتماعي في عملية الاستهلاك الترفي، فالكثير من الإمكانات التي لا يستفاد منها بشكل صحيح، بإمكانها أن تشارك في عملية التكافل الاجتماعي.
وهذا الاستهلاك الترفي يمثل هدراً لإمكاناتنا الاقتصادية: فالثروات الاقتصادية ينبغي في الدرجة الأولى، أن تتوجه إلى تقوية البنية التحتية للمجتمع، والاستهلاك الترفي، هو ضرب من ضروب هدر الإمكانات والقدرات الاقتصادية في غير موضعها الطبيعي.
ثم إن الحضارات والمدنيات لدى المجتمعات الإنسانية قاطبة، لا تقوم على الاستهلاك وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية، بل على المزيد من توجيه الثروات إلى عمليات الإنتاج في إطار مؤسسات وجمعيات ترجع بالنفع على الجميع.
وتضيف د. تهاني ناصر أن نمط السلوك الاستهلاكي يتأصل لدى الطفل منذ الصغر، وعملية التنشئة الاستهلاكية هي عملية مستمرة يتعلم الطفل من خلالها المعارف والمهارات والاتجاهات التي تتناسب مع حصوله على المنتجات.
ومما لاشك فيه أن دور الأسرة مهم فالطفل يتعلم السلوك الاستهلاكي داخل أروقتها قبل أن يخرج إلى العالم الخارجي.
وتستطيع الأسرة الواعية أن تدرب الطفل على التعامل مع المواقف الاستهلاكية كعملية الشراء ومفهوم الميزانية مثلاً لكن ذلك يحدث نادراً لدى أسرنا فقد طالت حمى الاستهلاك الترفي أصحاب الدخل المحدود في مجاراة للنمط العام.
واقع مؤلم
وفي مصر التي تعاني من مشكلات اقتصادية عديدة تنتشر أيضاً ظاهرة الإنفاق الترفي الاستهلاكي والأرقام تقول إن المصريين يدفعون سنويا في مكالمات المحمول أكثر من مليارين ونصف مليار جنيه، كما يدفعون أيضا نفس المبلغ في شراء أجهزة محمول جديدة سنويا، أي أن الحصيلة الإجمالية للإنفاق على المحمول في مصر تتجاوز 5 مليارات جنيه سنويا، في الوقت الذي يكشف فيه تقرير لجنة التعليم والشباب بمجلس الشورى عن أن عدد المتعطلين عن العمل يقترب من مليون ونصف مليون شاب ، تقدر تكاليف إيجاد فرص عمل لهم بنحو20 مليار جنيه، وهو ما يعني أن ما ينفقه المصريون على التليفون المحمول في 4 سنوات كفيل بالقضاء على مشكلة البطالة.
كما تكشف الأرقام أيضاً أن المصريين مثلا ينفقون ما قيمته مليار جنيه سنويا على الفياجرا، بل وتصل إحصائيات أخرى بهذا الرقم إلى 7 مليارات جنيه، في الوقت الذي تبلغ فيه ميزانية المجلس الأعلى للشباب والرياضة ـ الذي يرعى 34 مليون شاب يمثلون أكثر من نصف المجتمع ـ نحو 220 مليون جنيه، أي أن متوسط نصيب الشاب الواحد لا يتجاوز 6 جنيهات تقريبا في السنة !! بينما ينفقون حوالي15 مليار جنيه علي المخدرات، و13 مليارا أخرى علي الدروس الخصوصية، و3 مليارات علي الكتب الخارجية، و20 مليون جنيه على "الآيس كريم" المستورد، بالإضافة إلى استيراد سلع استفزازية أخرى مثل طعام القطط والكلاب واللبان ومستلزمات الأفراح بنحو مليار جنيه .(7/300)
كما كشفت دراسة ميدانية مصرية أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن أن المصريين ينفقون على السجائر والتدخين 4 مليارات جنيه سنويا، وهو ما يعادل 3% من إنفاق الأسرة المصرية تقريبا، يضاف إليها مبلغ 2.6 مليار جنيه أخرى يجري إنفاقها على المقاهي والفنادق، في حين أن هناك 4.3 مليون أسرة يقل دخلها السنوي عن 3 آلاف جنيه ( أي ما يعادل 250 جنياً شهريا )، ومليونين و768 ألف أسرة يقل دخلها عن 6 آلاف جنيه سنوياً.
أنماط الحياة الجديدة
ويلفت د. رمضان الجوهري أستاذ علم الاجتماع الأنظار إلى قضية أخرى فيقول: هناك أنماط حياة جديدة أصبحنا نشاهدها في مجتمعاتنا بتأثير العولمة التي دخلت حياتنا في أدق التفاصيل، وأثرت حتى في تعريف هوية ونمط حياة وشخصية الفرد، أو ما يعرف بـ"life style". وتتنوع مظاهر "اللايف ستايل" في حياة الجيل الجديد بين الملابس، قصة الشعر ولونه، طريقة الكلام والتحدث باللغة الانجليزية وأحيانا طغيانها على لغتنا الأم "العربية"، أو طريقة التعبير عن الشخصية والآراء، وغيرها من طرق التعبير.
ونحن نعتبر هذه الظاهرة دليل على السطحية والتباهي والتأثر بشكليات الثقافة الغربية التي تؤثر على أسلوب حياتنا إيجابا وسلبا، في حين يعتبر البعض الآخر "اللايف ستايل" طريقة للتعبير عن شخصية الفرد وما يندرج تحتها من مظاهر.
ويضيف د. رمضان الجوهري: لقد تخلصت الشعوب العربية من الاستعمار الظاهر، لكنها اليوم نعاني استعماراً من نوع آخر، فالعولمة أدت إلى حدوث اختراق لكل شعوب العالم ومن أهم ما جنته المجتمعات العربية انها أصبحت مجتمعات استهلاكية.
والقضية ليست أن ندعو إلى ترشيد الاستهلاك، فنبدأ في الضغط على الأبناء في مصروفاتهم، وإنما الترشيد سياسة للتعامل مع المال الذي هو من عصب الحياة.
ترشيد الاستهلاك هو نمط يتوجه إلى إنماء النعم والثروات، عن طريق العمل على تحويل هذه النعم إلى مصادر دخل دائمة لصالح المواطن المستهلك، إنه نقل هذه الثروات من دائرة الاستهلاك إلى دائرة الإنتاج.
خطورة الإنفاق الاستهلاكي
ويتحدث د. عبد المجيد الضبع أستاذ إدارة الأعمال عن ظاهرة المجتمع الاستهلاكي التي تنتشر في بلادنا العربية فيقول إن المجتمع الاستهلاكي هو مجتمع يسوده المال من ناحيتين، من حيث يلهث فيه المرء وراء الكسب ليتمكن من استهلاك أوفر ورفاهية أفضل، ومن حيث أن حركة الاستهلاك موجهة بالفعل ومخطط لها بشكل مدروس ومبرمج. وفي هذا المجتمع تنتشر ظاهرة الشراء التلقائي، ويقصد بها شراء سلع لم تكن في ذهن المشتري قبل دخول المتجر، وهناك ظاهرة حمى الشراء أو النهم الاستهلاكي،لأن الإدمان على الشراء لا يقل خطراً ودماراً نفسياً عن خطر الإدمان على الكحول أو المخدرات، وهناك أيضاً ظاهرة الاستهلاك الترفي، وهو الإنفاق على سلع كمالية وفي مناسبات غير ضرورية.
ويرى د. الضبع أن الإنفاق الاستهلاكي يأتي كنتيجة طبيعية لضعف الالتزام بقواعد النظام الاقتصادي الإسلامي، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك وزيادة الاتكالية والاعتماد على الخدمات الحكومية والزيادة المفرطة في الاستيراد للسلع والخدمات للترفيه والإنفاق البذخي، وكان من نتيجة هذا المسار الإنفاقي المغلوط، إضافة إلى المسار التنموي المغلوط في البلاد الإسلامية، أن لجأت الدول الإسلامية إلى محاولة سد العجز بالاعتماد على الاحتياطي العام وعلى الاستثمار الخارجي.
مجال آخر للسطحية والشكلية
ويلفت د. أحمد اليمني النظر إلى أن هناك مئات المليارات التي ينفقها العرب من الرجال والنساء، بحثًا عن الجمال في الشكل والهيئة من خلال جراحات التجميل، والتي أضحت تشمل الطبقة العادية والمتوسطة من الأسر العربية بعدما كانت مقصورة من قبل على المشاهير والأغنياء وصفوة المجتمع فقط، وبالتالي أصبحت محاكاة الغرب في إنفاق المليارات سنويا على عمليات شد الوجه وتصغير الأنف وتكبير وتصغير الثديين وشد البطن وشفط الدهون وزراعة الشعر من الأمور المعتادة
=============
الشك العلمي عند المسلمين تفوق على الغرب
الخميس15 من ذو الحجة 1427هـ 4-1-2007م الساعة 02:43 م مكة المكرمة 11:43 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > تحقيقات
... أحمد فؤاد باشا ...
- العلم هو الفريضة الغائبة في مجتمعاتنا.
- عدم إدراكنا لتاريخ العلم وفلسفته يجعلنا نخسر ملايين الدولارات.
منى محروس
مفكرة الإسلام : "تاريخ العلم وفلسفته وأثرها في التنمية" .. كان موضوع الندوة التي نظمتها أكاديمية البحث العلمي وتحدث فيها د. أحمد فؤاد باشا، نائب رئيس جامعة القاهرة، والعميد السابق لكلية العلوم بجامعة القاهرة الذي بدأ حديثه قائلاً إننا يجب أن نتوقف عند ثلاث كلمات (علم - فلسفة العلم - تنمية) فالعلم عند العرب هو الإدراك الصحيح لحقائق الأشياء .. والعلم نقيض الجهل ويقصد منه في معناه العام أنه لفظ كلي لا يدل على موضوع معين .. والعلم غير المعرفة فالعلم نقيضه الجهل والمعرفة موضوعها الفكرة ولذا يقال علم الله .. والله عليم ولا يقال عرف الله والله عارف.
إلا أن الخلط يبدأ عندما تذكر كلمة العلم فينصرف الفهم إلى المصطلح الشائع وهو (Science) وهنا يحدث الخلل لأن مفهوم هذه الكلمة عند أصحابه عليه اختلاف كبير.
وقد صنف علماء المسلمين العلوم إلى قسمين علوم نقلية وعلوم عقلية ،وكان لهذا التصنيف أثره السيئ عندما سميت العلوم الشرعية بالنقلية وسميت العلوم الحديثة بالعقلية أو الدخيلة ،كما أنهم صنفوا العلم الطبيعي إلى فرض كفاية ففهم الناس من ذلك أنه من قبيل تحصيل الحاصل ،لكنه في الحقيقة أخطر من فرض العين .. فطالما أن العلم لا يؤدي دوره في المجتمع فتعتبر الفريضة غائبة.
فالفرض العين كالصلاة والصيام يخص الفرد فقط ،أما الفرض الكفائي كالعلم مثلاً فيخص الأمة كلها .. ومن هنا فينبغي وضع العلم فقه العلم والتقنية أي معرفة غايته ودوره في مقدمة الأولويات.
أما تاريخ العلم فيتميز عن تاريخ الأمم والأشخاص بأنه يتكون من مقولات وحقائق علمية قابلة للتحقيق والاختبار والاستنتاج إذا ما توفرت لها نفس الظروف أو اتبع في استنتاجها نفس الأسلوب ،أي أننا نستطيع أن نعيد تجربة أرشميدس مرة أخرى لكننا لا نستطيع إعادة حملة نابليون مثلاً.
أي أن مادة تاريخ العلم الأساسية هي مادة تاريخ العلم نفسه ولغته الموضوعية .. إلا أن هذه الموضوعية تهتز أحياناً بتحيز المؤلف إلى بلده ،ففي كتب المقررات العلمية لو كان الكتاب مؤلفاً في فرنسا فإنه يتحدث كما لو كان كل العلماء الذين صاغوا العلم فرنسيين وهكذا . وكذلك هناك تحيز بالنسبة لمرحلة تاريخية معينة أو لعالم معين. كذلك فإن مؤرخ العلم والتقنية لا يستطيع إلا أن يضع النشاط العلمي والتقني في إطاره الاجتماعي والثقافي .. فالمعرفة الإنسانية تفقد طابعها العلمي متى نسي الناس الظروف التي نشأت في أحضانها.(7/301)
أما فلسفة العلم .. فإنه من العلوم البينية التي يتجاذبها الفلاسفة والعلماء ،إلا أن نصيب العلماء فيه أكبر عندما يكون الحديث فيه عن لغة العلم والتجارب العلمية والإنجازات العلمية ،ويكون نصيب الفلاسفة منه أكبر عندما يكون الحديث مرتبطاً بالأصل الفلسفي عن نظرية المعرفة .. وكانت فلسفة العلم تقتصر حتى وقت قريب على مناهج البحث العلمي ،إلا أن الأمور تغيرت الآن وأصبح هذا العلم مهتماً بجوانب كثيرة تسهم في تشكيل العلم ودفع حركة تقدمه .. فالبيئة الاجتماعية ومدى تقبل المجتمع لنظرية علمية ما .. كل ذلك أدى إلى ظهور علم اجتماع العلم وأصبح مبحثاً مستقلاً ،وأيضاً الجوانب النفسية أسفرت عن مبحث يسمى سيكولوجية العلم.
وهكذا تعددت المباحث المتعلقة بالعلم .. لدرجة أن العلماء الآن لا يتحدثون عن العلم ولكنهم يتحدثون عن (علوم العلم) ويعتبر تاريخ العلم جزءاً من علوم العلم.
أما مصطلح التنمية فنقصد به كل ما يخطط له ويتم تنفيذه على نطاق الإنسان والمجتمع والبيئة مما يعتبر مجالاً للنماء والكثرة واستبدال الحال بما هو أفضل وتحسين ظروف الحياة والتقدم في سلم الرخاء.
الاهتمام العالمي بالتراث العلمي
فعلى مستوى العالم تم إنشاء مؤسسات علمية أكاديمية في الكثير من الجامعات لرعاية تاريخ العلم وفلسفته وتم إصدار أكثر من مائة مجلة متخصصة ودورية في تاريخ العلم. وهناك عدد كبير من العلماء والفلاسفة يهتمون بتأليف الكتب في موضوع تاريخ العلم وفلسفته ،ونسمع عن (بنية الثورات العلمية لتوماس كون) و(منطقة الكشف العلمي لكارل بوبر) وكتب كثيرة دار حولها نقاش طويل وخطير في الغرب بينما كان إحساسنا بها ضعيفاً جداً.
كما أن هناك اهتماماً بتنشيط الجهود الدولية لإعادة نشر الأعمال الكاملة للنابهين من العلماء على مر العصور ليس فقط بهدف تخليد ذكراهم وإزكاء الانتماء ،ولكن أيضاً بهدف إتاحة الفرصة للباحثين المعاصرين لكي يقرءوا هذه الأعمال قراءة جديدة.
وقد حدث أن لجأت الهيئات المسئولة عن نشر الأعمال الكاملة (لبرنولي) إلى تدعيم جهودها عن طريق الاكتتاب ويجري حالياً إعداد طبعة جديدة من هذه الأعمال من خلال التعاون بين أكثر من 7 دول سوف تصدر تباعاً في نحو 45 مجلداً.
وقد بدأت أمريكا في تبني هذا المبدأ لإصدار أعمال العديد من العلماء أمثال جاليليو في إيطاليا ونيوتن في إنجلترا وجاوش في ألمانيا وديكارت ولابلاس في فرنسا.وإذا أردنا الاهتمام بإحياء تراثنا العلمي العربي فلا مانع من إشراك هذه الدول المتقدمة معنا لأنها إذا كانت رغم هذا التقدم وهذه الإمكانيات تلجأ إلى الاكتتاب لمساعدتها في نشر هذه الأعمال وإلى التعاون بين أكثر من 7 دول .. وإذا كانت هذه الدول تقول إنها مهتمة بالتراث العلمي العالمي في العالم كله بما فيه العالم الثالث.. وبما أننا أسهمنا بنصيب وافر في هذا التراث حيث إن الحضارة العربية الإسلامية من أطول الحضارات التي عرفها التاريخ الإنساني... فنحن أحق الناس بإعادة نشر تراثنا.
نموذج لندوة أوروبية في تاريخ العلوم والثقافة
وقد عرض د. أحمد فؤاد باشا ملخصاً لتقرير عن ندوة عقدت في فلورنسا مؤخراً واشترك فيها عدد كبير من العلماء الأوروبيين المتخصصين في الموضوع. حيث أشار إلى أن العلم قد يوصف بأنه "معرفة بدون ذاكرة، وأنه يشق طريقه إلى الأمام دون التفاتة واحدة للخلف ،والباحثون أنفسهم متعلقون في حاضر شبه دائم .. فالمقالات التي ترد في دوريات علمية نادراً ما يشار فيها إلى مراجع يزيد عمرها عن 6 سنوات".
وطبقاً لما قاله أحد المشاركين في الندوة فإنه إذا كان فقدان الذاكرة هذا قد أسهم في وقت من الأوقات في زيادة فاعلية المشروع العلمي إلا أنه قد بدأ الآن يصبح مضاداً للإنتاجية ، والباحثون المحرومون من الثقافة التاريخية والمنعزلون عن الأسس التي تقوم عليها علومهم يميلون إلى أن يضلوا طريقهم ويضاعفوا أخطاءهم ،وهؤلاء الباحثون قد يظلون دائرين في حلقات مفرغة في مسارات سبق اكتشافها من قبل واتضح أنها تفضي إلى نهايات مسدودة.
وبعض الاكتشافات التي تقدم الآن على أنها ثورية مثل الموصلات الفائقة ونظريات الفوضى قد لا تكون في الحقيقة سوى إعادة تشكيل لبعض الأفكار القديمة التي أهملت ونسيت من سنين عديدة.
ويتندر البعض في أحد المؤتمرات العلمية العالمية على إحدى الدول العربية التي أرادت أن تنشئ مصنعاً لصمامات الراديو قبل أن يظهر الترانزيستور. وتكلف المصنع 30 مليون دولار .. وما أن انتهى بناء المصنع كانت تقنية الصمامات كلها قد انتهت.
فلو كان متخذ القرار السياسي عنده إلمام بهذا الموضوع لما حدث ذلك .. فمفهوم أجيال التكنولوجيا كان غائباً عند اتخاذ القرارات الهامة وهكذا فإن الموضوع مرتبط بترشيد التنمية وتوجيه الثقافة العلمية.
الدور الإسلامي وخصوصيته في تاريخ العلم والتقنية
إن جان دونبريه الذي يعمل حالياً أستاذاً للرياضيات في جامعة نانت وكان رئيساً للجمعية الفرنسية لتاريخ العلوم والتقنيات يقر بوجود فجوات واسعة في الأعمال التي يتضمنها النشاط الدولي في هذا المجال فيقول : "ليس للعلماء غير الغربيين أي وجود في هذه النشاطات حتى إنهم لم يحظوا حتى بالإعلام عنهم بأي أسلوب" .. ويضيف "نحن اليوم لا نزال نعرف شارحي إقليدس بدءاً من ثابت بن قرة إلى ادلارد ومن جيرال الكريموني إلى عمر الخيام الذي لا يمكن إنكار دوره أيضاً كشاعر مبدع وعالم في الرياضيات".
وهكذا ينصف هذا الرجل الدور العربي والإسلامي في تاريخ العلوم والحضارة ونحن نضيف من جانبنا أن هذا التحيز الواضح في الاهتمام العالمي بتراث العلماء الغربيين دون غيرهم يجب أن يقابله جهد مكثف من جانب أصحاب الحضارات المختلفة التي أسهمت في صنع التقدم العلمي والتقني عبر الأجيال .. وخاصة نحن أبناء الحضارة الإسلامية الزاهرة التي أنجبت الكندي والفارابي والرازي والبيروني والقزويني والخيام وابن سينا وابن الهيثم وغيرهم الكثير حين ظلوا لأكثر من ثمانية قرون يشعون على العالم علماً وفناً وأدباً وحضارة.
ولا نعلم اليوم شيئاً عن أغلب مؤلفاتهم ومخطوطاتهم المفقودة أو التي لا تزال بكراً في مظانها المختلفة تنتظر من يتولى البحث عنها لتحظى بالتحليل والدراسة .. إلا أن العلم يوظف في كثير من الدول بطريقة تخدم أيديولوجيات وفلسفات في هذه الدول .. فمثلاً في قضية مثل محاولة فهم تطور العلوم أو العلاقة بين تاريخ العلم وفلسفة العلم فقد تعرض لها الفيلسوف المعاصر (توماس كون (فإنه يقرر كيف يتقدم العلم فيقول : "العلم يسير في قفزات ،فالأبحاث العلمية تظل سائدة في إطار نموذج قياسي معين أي فكر سائد معين ،ثم تظهر نتائج جديدة يتبعها بعض الكشوف الثورية التي تناقض هذا الفكر السائد فتؤدي بذلك إلى مرحلة جديدة لها فكر جديد ،وهذا الفكر الجديد يستمر لفترة معينة ثم تأتي القفزة التالية .. وهكذا فمثلاً لفترة طويلة كان الناس يتصرفون على أن الأرض هي مركز الكون والأفكار والفلسفات والأبحاث تتم في إطار هذه الرؤية ، لكن نشأت بعض النتائج العلمية التي تتعارض مع هذا النموذج ولديها قدرة أكبر على تفسير الظواهر والأشياء ،أسفرت بعد ذلك عن مركزية الشمس فأصبحنا في إطار جديد وأصبح العلماء يبحثون في إطار هذا النموذج".(7/302)
ورغم أن توماس كون منطقي إلا أنه جانبه الصواب حينما رأى أن العلم بدأ فقط بعصر النهضة الأوروبية الحديثة وأطلق على ما قبل ذلك مرحلة اللاعلم .. ولكن بحكم منهجه ومقولاته هو نفسه فإن مفهوم الثورة العلمية ينطبق على عالم مثل الحسن بن الهيثم .. لأنه إذا كان الفكر السائد في عصر الحضارة الإغريقية قائماً على التأمل العقلي الفلسفي الخالص ،وكنا أمام مجموعة من النظريات في مجال الضوء لا نستطيع أن نفضل واحدة على أخرى طالما أننا لا نحتكم إلى التجربة .. وكان يمكن أن يستمر هذا الحال طويلاً لولا أن جاء الحسن بن الهيثم ولجأ إلى التجربة العلمية والملاحظة واستطاع أن يقرر أن عملية الإبصار تتم "بانعكاس الضوء أو انعطافه من الأجسام على العين".
فلو لم تظهر هذه المقولة على بساطتها لتأخرت مسيرة علم البصريات بالذات وهو السبب في تقدم كل العلوم الأخرى إلى حد كبير.
الشك العلمي بين علماء الغرب وعلماء المسلمين
يقول العلماء عن الشك المنهجي إنه أول مراحل التفكير العلمي وهو شك مؤقت الغرض منه الوصول إلى مزيد من الدقة وليس الشك المذهبي أو المرضي الذي يبدأ فيه الإنسان شاكاً وينتهي شاكا .. وسنأخذ مثالين أحدهما غربي والآخر إسلامي في هذه القضية ونقارن بينهما. فكارل بوبر الذي يباهي به الفكر الغربي كأحد عمالقته في الفكر العلمي وفلسفة العلم وهو كذلك يعرف العبارة العلمية بأنها (العبارة التي يمكن إخضاعها باستمرار لمعيار الدحض والتكذيب، وكان الوضعيون يعرفونها بأنها العبارة التي يمكن التثبت منها بالمشاهدة والتجربة).
وهكذا فإن بوبر يقول أنا لا أثق في هذا القانون بل أتهمه ،فهو قانون غير صحيح وسأظل أبحث عن التجارب التي تثبت تكذيب هذا القانون ودحضه ،وطالما أنه ثابت لعمليات الهجوم هذه فهو صحيح وسأتعامل معه ،ولكن في اعتقادي أنه قانون مؤكد وسيأتي يوم أنجح فيه في دحض هذا القانون والوصول إلى قانون أقوى منه قادر على تفسير الموضوعات والظواهر العلمية.
وعليه فإن بوبر لا يؤمن بحقيقة علمية مطلقة فيقول : إننا لا نعلم ولكننا نخمن فقط.
ولذلك نجد "راسل" يصف خلاصة الفكر المادي بقوله (والإنسان وليد عوامل ليست بذات أهداف .. إن بدايته ونشوءه وأمانيه ومخاوفه وعقائده كلها جاءت نتيجة ترتيب رياضي اتفاقي في نظام الذرة .. والقبر ينهي حياة الإنسان ولا تستطيع أية قوة إحياءه مرة أخرى .. إن الكفاح الإنساني كله سوف يدفن حتماً تحت أنقاض الكون ،ولو لم تكن هذه الأفكار قطعية فإنها أقرب ما تكون إلى الحقيقة ،حتى أن أي فلسفة تحاول إنكارها ستلقى فنائها تلقائياً) .. فهذا نموذج غربي علمي تفكيره مادي الحادي بحت.
وفي المقابل وفي نفس الموضوع الذي تحدث فيه بوبر يقول ابن الهيثم في معالجته لقضية الشك نفسها (إني لم أزل منذ الصبا مروياً في اعتقادات الناس المختلفة وتمسك كل منهم بمعتقده من الرأي ،فكنت متشككاً في جميعه موقناً بأن الحق واحد وأن الاختلاف فيه إنما هو من جهة السلوك إليه، فلما كملت لإدراك الأمور العقلية انقطعت إلى طلب معدن العلم ،ووجهت رغبتي وحرصي إلى إدراك ما به، تنكشف تمويهات الظنون وبعثت عزيمتي لتحصيل الرأي المقرب إلى الله .. فرأيت أنني لا أصل إلى الحق إلا من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية وصورتها الأمور العقلية.(
ويقول ابن الهيثم أيضاً في مقالته الشكوك على بطليموس (الحق مطلوب لذاته .. وكل مطلوب لذاته فليس يعني طالبه غير وجوده ،والحقائق منغمسة في الشبهات ، وحسن الظن بالعلماء في طباع جميع الناس ،فالناظر في كتب العلماء إذا استرسل مع طبعه وجعل غرضه فهم ما ذكروه حصلت الحقائق عنده .. وما عصم الله العلماء من الزلل ولا حمي علمهم من التقصير والخلل ،ولو كان ذلك كذلك لما اختلف العلماء في شيء من العلوم ولا تفرقت آراؤهم في شيء من حقائق الأمور والوجود بخلاف ذلك.
فطالب الحق ليس هو الناظر في كتب المتقدمين المسترسل مع طبعه في حسن الظن بهم بل طالب الحق هو المتهم لظنه فيهم المتوقف فيما يفهمه عنهم المتبع الحجة والبرهان لا قول القائل الذي هو إنسان المخصوص في جبلته بضروب الخلل والنقصان .. والواجب على الناظر في كتب العلوم إذا كان غرضه معرفة الحقائق بأن يجعل نفسه خصماً لكل ما ينظر فيه ،ويحيل فكره في جميع حواشيه، ويخصمه من جميع جهاته ونواصيه ويتهم أيضاً نفسه عند خصامه .. فإنه إذا سلك هذه الطريقة انكشفت له الحقائق).
هذا هو كلام ابن الهيثم وهو نفس كلام بوبر ولكن الإطار الفكري الإيماني يغلفه والفائدة منه أكبر وأعم .. فهو يقدم الشك العلمي في منهج نقدي تجريبي قادر على بلوغ الحقيقة العلمية الجزئية بأكبر قدر ممكن من اليقين.
==============
د. صوفي أبو طالب يواصل تفنيد حجج المعترضين على تطبيق الشريعة
الخميس15 من ذو الحجة 1427هـ 4-1-2007م الساعة 02:33 م مكة المكرمة 11:33 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > حوارات
... صوفي أبو طالب ...
صوفي أبو طالب
- الصحوة الإسلامية قادت الدعوة إلى تطبيق الشريعة.
- كل الاعتراضات على تطبيق الشريعة من السهل الرد عليها وتفنيدها.
- الشريعة فيها من المرونة ما يواجه تطور مجتمعاتنا.
- الأقليات غير الإسلامية في بلادنا ليست عائقاً أمام تطبيق الشريعة.
- الشريعة الإسلامية تضارع أرقى النظم القانونية الموجودة وتتفوق عليها.
- الدستور المصري ابتداءً من 1971 لا يجيز إصدار قوانين تخالف الشريعة.
حاوره/ أحمد وهدان
مازال الحديث متصلاً وهو عن موضوع "تطبيق الشريعة الإسلامية" والذي تحدث فيه د. صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب وأستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة القاهرة.
وقد تحدث د. صوفي في الجزء السابق عن السياق التاريخي لإزاحة الشريعة الإسلامية وإحلال القوانين الغربية محلها حتى وصلنا إلى مرحلة تم فيها صبغ المجتمع بصبغة غير إسلامية. وها هو الحديث يتصل.
* ما هي ردود الفعل التي حدثت داخل مجتمعاتنا العربية في أعقاب انحسار تطبيق الشريعة الإسلامية؟.
** انحسار تطبيق الشريعة وظهور أنماط الحياة الغريبة كان له ردود فعل ثلاثية، فكان هناك رد فعل إسلامي صرف ويتهم الحضارة الأوروبية بالكفر والإلحاد وأننا لا نريد منهم شيئًا، وهذا هو الفكر الذي ينظر في القرن الأولى فإذا وجد هذا الأمر قد فعله السابقون فبها ونعمت وإلا اعترض عليه.
وعكس هؤلاء يقف العلمانيون الذين يفصلون بين الدين والدولة ويقولون لا دخل لنا بما قاله الفقهاء المسلمون وإنما نأتي بكلام الأوروبيين جاهزًا ونطبقه ونتقدم كما تقدموا. وكان رد الفعل الثالث هو مذهب الوسط الذي حمل لواءه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وقالوا نحافظ على الأصالة الفكرية الإسلامية وننقل ما لا يتعارض مع الأصالة الإسلامية مثلما فعل الأولون، فحينما جاء الإسلام لم يكن عند العرب حضارة، وبدءوا يفهمون الحضارات السابقة عليهم ويفهمون فلسفة الكتاب والسنة ثم أبدعوا حضارة جديدة اعتمادًا على هذه الحضارات بما لا يهدم الأصل. ونحن الآن مطالبون بأن نفعل مثلما فعل هؤلاء الأوائل، فالإسلام يقول شورى والنظم الأوروبية تقول ديمقراطية والإسلام يقول بيعة والنظم الأوروبية تقول صناديق انتخابات.(7/303)
والذين يفتقدون المرونة يقولون إن إبداء الرأي بورقة في صندوق الانتخابات لا يمكن أن نوافق عليه لأنه لم يكن على أيام المسلمين الأوائل، وكذلك يقولون عن الديمقراطية، رغم أن روح الديمقراطية هي نفس روح الشورى، والنتيجة واحدة وإن اختلفت الأساليب. ولذلك فلا يحق لنا الاعتراض طالما أن الأمر لا يخالف أصلاً إسلاميًا. بينما يختلف الأمر بالنسبة للعلماني الذي يقول بالفصل بين الدين والدولة وألا تكون هناك وزارة أوقاف، وأن الحكومة ليس لها دخل بالدعوة للدين وحمايته، وظلت ردود الفعل هذه تفعل فعلها في المجتمع وحمته من التحول وتغيير الجلد تمامًا كما حدث في تركيا.
* هل كان ظهور الحركة الإسلامية الحديثة داعماً لقضية تطبيق الشريعة؟
** لقد قامت الصحوة الإسلامية وهي تهدف إلى أمرين: أحياء التراث الإسلامي بعد ما حصلت الدول الإسلامية على استقلالها، والعودة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ليس حنينًا للماضي ولكن إظهارًا للذات الإسلامية لهذه الأمة. إن الحضارة دائمًا أبدًا فيها جانبان جانب مادي والآخر معنوي، فالجانب المادي يمكن نقله من مكان لآخر كالعلوم التجريبية والتطبيقية، والجانب المعنوي هو الذي يميز شعبًا عن آخر. فهناك شعب يشرب الشاي بعد الظهر وشعب آخر لا يفعل ذلك .. الخ. وحينما يتخلى الشعب عن الجانب الثقافي المعنوي فإنه يفقد ذاتيته فيمن نقل عنه. والشعب الذي يتمسك بخصائصه الثقافية والفكرية وينقل الجانب المادي يظل محتفظًا بذاتيته، كما فعلت اليابان حيث نقلت الجانب المادي كله من أمريكا وأوروبا، ولكن لازالت اليابان هي اليابان، يأكلون على الطبلية وينامون على مرتبة على الأرض ويحيون على طريقتهم ويعطف الكبير على الصغير ويحترم الصغير الكبير. إن الجزائر بلد يتحدث الفرنسية وفقد اللغة العربية وفقد الخصائص العربية وبدأ يصبح جزءًا من المجتمع الفرنسي، وما يحدث الآن في الجزائر نتيجة للصراع بين فريقين فريق يطالب بالعودة إلى الإسلام والتقاليد الإسلامية وفريق يريد أن يعيش على النمط الفرنسي.
وهكذا فإن الشريعة الإسلامية هي المظهر الثقافي للمسلمين، والبلاد التي تنقل القوانين الأوروبية والنظام الاقتصادي والسياسي الأوروبي ليس لديها تراث حضاري في هذا الشأن وهم معذورون. لكن ما هو عذر المسلمين الذين لديهم تراث حضاري عظيم في هذا الشأن فلماذا نتركه؟.
والهدف الثاني الذي قامت من أجله الصحوة الإسلامية هو أن المسلم مخاطب في سورة المائدة من خلال ثلاث آيات تلزم المسلم وتطالبه بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية أي الحكم بما أنزل الله وتصف من لا يفعل ذلك مرة بالكفر ومرة بالظلم ومرة بالفسق، فالمسلم لا يكتمل إسلامه إلا بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. كما أن احترامي للقانون حينما يكون نابعًا من داخلي أفضل ألف مرة من الضوابط التي توضع لاحترام القانون الوضعي.
وهذا الاحترام الداخلي يتوفر للشريعة الإسلامية، فالمسلم يحترم الشريعة لأنها نابعة من داخله. فهناك كثير من التجار يغشون لكنهم يصرون على إخراج زكاتهم والذهاب للحج رغم أن الزكاة والحج جزاؤهما مؤجل ليوم القيامة بينما الغش عقوبته الآن وهي الحبس، لكن المسلم يخاف من الخالق دون أن يوجد رقيب عليه. وهكذا فإن تطبيق الشريعة يجعل الناس تخدم القانون وتعود إليه. وخاصة أن بضاعة الشريعة الإسلامية تضارع أرقى النظم القانونية الموجودة إن لم تتفوق عليها. هذه كلها أشياء دعت الصحوة الإسلامية إلى ضرورة العودة إلى الشريعة الإسلامية.
* ما هو واقع العالم الإسلامي اليوم بالنسبة لتطبيق الشريعة؟
** العالم الإسلامي اليوم به ثلاثة نماذج: الأول أكثر قوانينه من الغرب وقليل من الشريعة وضمن هذا النموذج كثير من الدول العربية وكثير من الدول الإسلامية.
والنموذج الثاني أكثر قوانينه من الشريعة وأقلها من الغرب ويدخل في هذا النموذج السعودية واليمن والإمارات والسودان. والنموذج الثالث هو الذي حاول التوفيق بين النموذجين مثلما تفعل مصر وباكستان. إلا أنه يجمع الدول الإسلامية عمومًا أنها كلها تطبق قوانين الأحوال شخصية من الشريعة الإسلامية.
* ما هي حكاية مصر مع تطبيق الشريعة وتقنين القوانين لكي تتفق معها؟
** ابتداءً من عام 1971 لا يجوز للبرلمان المصري أن يصدر قانونًا يخالف الشريعة الإسلامية لأن النص الدستوري يطالب بضرورة العودة للشريعة الإسلامية. وأي قانون يصدر مخالفًا للشريعة يصبح غير دستوري ويطعن فيه بعدم الدستورية، إلا أن هناك أمر هام يجب الانتباه إليه وهو أن تكون المخالفة للشريعة في الأمور القطعية التي لا خلاف عليها فهنا يحكم القضاء بعدم جوازها وعدم دستوريتها.
وهذا لا ينطبق على الجزئيات التي تكون مصدر اختلاف، فالأمور القطعية والتي هي قواعد قانونية مؤبدة ولا تتغير ولا تتعدل لوجود النص الصريح فيها مثل أنصبة المواريث وخلافه فهي أمور ثابتة وأصول، وهي قليلة في الفقه الإسلامي ولكن لا يسع أحد مخالفتها. أما الأمور الظنية غير القطعية والتي وردت في أحاديث الآحاد أو وردت في القرآن والأحاديث المتواترة ولكنها تحتمل أكثر من تفسير فلا تصبح قواعد مؤبدة ثابتة فهذه فيها آراء كثيرة ويمكن الانحياز إلى أحدها.
* ما هي العقبات التي تواجه تطبيق الشريعة الإسلامية؟
** هذه العقبات تنقسم إلى عقبات فنية وعقبات سياسية، وبالنسبة للعقبات الفنية فإن البعض يقول إن الشريعة الإسلامية مضى عليها أكثر من 14 قرنًا وكانت تصلح لعصر الجمال والدواب لكنها لا تصلح الآن في عصر الذرة والإلكترونيات، وهؤلاء القوم الذين يقولون ذلك إما جاهلون بأحكام الشريعة أو يتجاهلونها، فهذه الأحكام من المرونة بحيث تواجه كل تطور.
والله سبحانه صاغ آيات الأحكام - التي لا تتعدى 200 آية في القرآن - في صورة مبادئ عامة ولم يتعرض للتفاصيل لأنه سبحانه يعلم أن الزمن يتغير، فقال عز من قائل [وأحل الله البيع وحرم الربا] وترك التفاصيل.
وبالنسبة لنظام الحكم أمر سبحانه فقط بالشورى في آيتين [وشاورهم في الأمر] وفي الأخرى [وأمرهم شورى بينهم] ولم يلزمنا بنظام جمهوري أو ملكي أو اشتراكي أو ديمقراطي - الخ. فترك سبحانه كل ذلك لتطور الأزمنة والأمكنة. كما أن الطريقة التي اختير بها أبو بكر غير الطريقة التي اختير بها عمر غير عثمان غير علي. والشورى عند أهل السنة هي نظام اجتهادي يحتمل التغيير والتبديل بعكس الأمر عند الشيعة الذين يرون أن نظام الحكم ركن ثابت في الدين وحصروه في عليَّ وأولاده من فاطمة، ومن يخالف ذلك فقد خالف ركنًا في الدين فهو كافر وهم لذلك يكفرون أبا بكر وعمر وجمهور أهل السنة. بينما الزيدية في اليمن قالوا إنه تجوز ولاية المفضول مع وجود الفاضل.
إن الشريعة الإسلامية فيها من المرونة ما يمكننا من مواجهة كل تطور في المجتمع، فمبدأ " لا ضرر ولا ضرار" موجود وهو يمنع الضرر ابتداءً ويمنع أن يرد على الضرر بمثله، فالضرر ممنوع أيًا كان مصدره من طائرة أو صاروخ أو غواصة أو حتى حمار.
وهناك عقبة فنية أخرى يقول بها البعض وهي لماذا تتعبون أنفسكم في تطبيق الشريعة الإسلامية بينما هذه الشريعة نقلت عن القانون الفرنسي الذي هو مأخوذ من القانون الروماني فاتركونا نأخذ مباشرة من القانون الروماني.(7/304)
ومن الافتراءات التي يقولون بها أن الإمام الشافعي ولد في غزة ولابد أنه درس القانون الروماني في مدرسة بيروت. وهذا خطأ وجهل فالشافعي حمل بعد فطامه مباشرة إلى مكة ومن مكة إلى العراق ومن العراق إلى مصر. والشريعة الإسلامية مستقلة تمامًا عن القانون الروماني أو الفرنسي ونشأت في بيئة عربية خاصة ولم يوجد فقيه عربي واحد نقل عن القانون الروماني.
ثم إن هناك عقبة أخرى وهي أن كثيرًا من رجال القانون وأساتذة الجامعات والمفكرين قالوا إننا لدينا تراث قانوني عربي ابتداءً من عام 1875، فهل نهدر هذا التراث لنبدأ مع الشريعة الإسلامية.
فهل الأفضل أن يكون ما لدينا أصيل أم متجنس؟ إن الأصالة بلا شك هي المطلوبة. ثم إننا لا نهدر هذا التراث الذي يتحدثون عنه وتعب فيه القضاة ورجال القانون بل نستفيد منه في صياغة الأحكام.
* وماذا عن اعتراض العلمانيين بأن الأقليات غير الإسلامية عائق في سبيل تطبيق الشريعة، لأنه لا يجوز تطبيق الشريعة عليها؟.
** البعض يثير في هذا الخصوص قضية الأقليات غير الإسلامية، ونحن نقول إن الشريعة الإسلامية تميزت على سائر القوانين الوضعية وغير الوضعية بأمور لم يعرفها العالم إلا بعد الثورة الفرنسية.
فالشريعة اليهودية مثلاً لا تسوي بين اليهود وغير اليهود، فاليهودي لا يجوز أن يقرض يهوديًا بفائدة، ولكنه مطالب بأن يقرض غير اليهودي بفائدة. ولا تسمح اليهودية لغير اليهودي أن يطبق الأحكام الخاصة باليهود، فالعالم لا يحق له إلا أن يكون على دينهم. كذلك فعلت أوروبا المسيحية بالمسلمين، كما حدث لهم بعد هزيمتهم في الأندلس ففرضوا عليهم إما النصرانية أو الفناء.
أما الفكر الإسلامي فقد جاء لأول مرة بالمساواة في الحقوق والواجبات بين المسلمين وغير المسلمين، فهم لهم مالنا وعليهم ما علينا، كما جاء الإسلام بحرية العقيدة وأنه لا إكراه في الدين. وكان الإسلام هو أول نظام يسمح لغير المسلم أن يعيش معه في نفس المجتمع ولا يكرهه على دينه، بل ويمكن لهؤلاء أن يشتركوا في الحكم ولا توصد في وجوههم أبواب الرزق.
وهنا يثير خصوم تطبيق الشريعة الإسلامية عدة مسائل تتصل بالأقليات غير المسلمة مثل الشهادة وتولي القضاء والجزية .. فبخصوص الشهادة كان الفقه القديم لا يجيز لغير المسلم أن يشهد على المسلم للحديث الشريف (ولا ولاية لغير المسلم على المسلم).
أما الفقه الإسلامي الحديث فقال إن معنى الشهادة هو الإخبار عن واقعة والهدف من الشهادة توخي الصدق وهي فضيلة توجد في المسلم وغير المسلم. ويستثني من ذلك شهادة غير المسلم على المسلم في العبادات والأحوال الشخصية. وبالنسبة لولاية القضاء فإن الفكر الإسلامي الحديث يقبل ذلك في غير مسائل الأحوال الشخصية.
أما عن الجزية فإن الإسلام طلب من الناس في البلدان التي فتحها إحدى ثلاث: إما الإسلام أو الجزية أو القتال، أما النظم غير الإسلامية فلم تكن تعرف إلا أسلوبين فقط إما قبول مبادئها أو القتال. وهذا يفسر أن المسلمين ليس لهم أقليات في الدول غير الإسلامية في الوقت الذي توجد هناك أقليات غير إسلامية في الدول الإسلامية. إن الجزية مبلغ معين يدفعه غير المسلم نظير حمايته، لقد كنا ندفع البدلية حتى لا نشترك في الجيش، وكان المسلمون يفعلون ذلك.
إنهم يعيبون على دفع الجزية، فهل كان المطلوب أن يموت المسلم في الدفاع عن الوطن وغير المسلم يقيم المشروعات ويكسب المال ولا يدفع مقابل ذلك؟.
إن مقدار الجزية كان دينارين أي نصف جنيه ذهبي أو ما يعادل 340 جنية الآن يدفعها غير المسلم كل عام. أما اليوم فالتجنيد إجباري وعلى المسلم وغير المسلم ضريبة الدم. لقد ذكر الطبري مجموعة معاهدات في عهد عمر بن الخطاب حيث سمح لغير المسلمين على حدود الدولة الإسلامية بأن ينخرطوا في الجيش المسلم للدفاع عن الحدود وأسقط عمر عنهم الجزية أي أن الجزية كانت مقابل الاشتراك في الجيوش.
كما يقول خصوم تطبيق الشريعة إن في هذا التطبيق عدوان على حرية العقيدة للمسيحيين مصر. ونحن نقول إن المسيحية ليس فيها إلا الأحكام الأخلاقية والعقائدية والعبادية وليس فيها التنظيم السياسي والاقتصادي والقانوني. ولذلك فنحن نجد دولاً أوروبية تشترك في المذهب الديني وتختلف في المذهب القانوني.
إن المسيحيين من حقهم أن يغضبوا لو عندهم قانون يطبقونه، وبما أنهم ليس عندهم هذا القانون فلماذا الغضب؟.
إن الإسلام يسمح لغير المسلمين بتطبيق أحكام دينهم فيما بينهم حتى ولو خالفت الإسلام، فهل هناك تسامح أكثر من ذلك؟.
وهناك عقبة سياسية أخرى يرفعها البعض وهي قولهم إن العودة إلى تطبيق الشريعة معناها العودة إلى الحكم الثيوقراطي الديني وحكم رجال الدين، ونحن نقول إن الفكر الإسلامي السني الذي يدين به أكثر من 90% من المسلمين لا يعرف الحكم الثيوقراطي. هذا الفكر موجود في المذهب الشيعي، ففي هذا المذهب لا يختار أحد الحاكم، وإنما الحاكم الذي يحكم يختار من يخلفه، والحاكم الشيعي مسئول عما يفعل أمام الله وليس أمام الناس. أما أهل السنة فعندهم أن الحاكم مسئول أمام الناس وليس محصنًا ضد المساءلة والحكم ليس وراثيًا. وهؤلاء المعترضون يقولون ما معنى خليفة يرعى شئون الدين والدنيا؟ وهنا نقول إن ملكة بريطانيا هي رئيسة كنيسة كونتربري بحكم المنصب فهل يعني ذلك أن الحكم في بريطانيا ثيوقراطي؟.
* يرفع العلمانيون مقولة إن تطبيق الشريعة يفتح الباب أمام المتطرفين للاستيلاء على السلطة، فكيف الرد على هؤلاء؟.
** إننا لا نعترف أصلاً بهؤلاء الغلاة كي يستولوا على السلطة من الفكر الإسلامي المعتدل، الذي يرفضهم منذ أيام الإمام علي.
فالمجتمع المسلم الطبيعي الذي تسوده الثقافة الإسلامية الرشيدة يمنع المتطرفين من أن يتولوا أمره.
==============
الحرب العالمية الرابعة ..كتاب عن حروب المستقبل
الأحد 4 من ذو الحجة 1427هـ 24-12-2006م الساعة 10:53 ص مكة المكرمة 07:53 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > نافذة ثقافية > كتب
... ...
صدرت مؤخرا في القاهرة ترجمة كتاب الحرب العالمية الرابعة لمؤلفه باسكال بونيفاس وقام بالترجمة أحمد الشيخ. في هذا الكتاب يستكمل باسكال بونيفاس الكاتب والمفكر الاستراتيجي الفرنسي ما بدأه في كتابه السابق الذي ترجمه الشيخ أيضا من يجرؤ علي نقد إسرائيل؟ والذي حاول من خلاله أن يطرح رؤيته الخاصة المناقضة لأراء الكثير من الجماعات والتيارات السياسية القوية وأن يضع المقولات التي يفترض أنها من المسلمات الإستراتيجية والسياسية تحت الاختبار ويعيد النظر فيها من جديد وكل ذلك في محاولة لتقديم لغة سياسية جديدة: وهو المنطلق الذي دعي المترجم أحمد الشيخ لترجمة كتابي باسكال كمحاولة لمد جسور من التواصل مع الأخر، ومن هذا المنطلق لم تأت ترجمة الشيخ لكتاب الحرب العالمية مجرد عملية نقل من اللغة الفرنسية بل احتوي الكتاب أيضا علي حوار طويل بين المترجم والكاتب الفرنسي وهو ما اكسب الكتاب طابعا حيويا وجدليا أكثر.(7/305)
ومثلما حّاول باسكال تقديم رؤية نقدية في كتّابه الأول لإسرائيل ولطبيعة العلاقات الفرنسية الأوربية معها، وحالة إسرائيل كدوله فوق المحاسبة يواصل هذه المرة تفنيد خرافة مصطلح الحرب العالمية الرابعة أو الحرب علي الإرهاب وهو المصطلح الذي بدأ استخدامه في التسعينات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتزايد في الفترة الأخيرة بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث يري باسكال أن الإرهاب ليس هو الخطر الوحيد الذي يهدد عالمنا اليوم بل أنصار القوة واستخدام البطش في العالم الغربي أيضا يشكلون تهديدا علي القيم والأفكار الليبرالية والديمقراطية، وترك الساحة لهؤلاء الذين لا يرون في العالم سوي (هم ونحن، الخير،و الشر) لا يمكن أن يجعل عالمنا يعبر بسلام المأزق الذي يمر به بل قد يقودنا هؤلاء الأشخاص ذو التفكير الآحادي إلي كارثة حرب عالمية رّابعة. وبلغة تجمع بين الرصانة الأكاديمية ورشاقة الأسلوب الصحفي لا يتواني باسكال عن نقد أطروحات من يسميهم بصقور الإدارة السياسية الغربية الذين يرون أن القضاء علي الإرهاب لا يمكن إلا باستخدام القوة العسكرية حيث يبدأ فصول كتابه بتحليل رؤية صمويل هنتنجتون حول صدام الحضارات والتي تعتبر الأطروحة الأكثر حضورا في السنوات الأخيرة: فباسكال يلفت النظر أولا إلي الحضور الطاغي لتلك النظرية في معظم النقاشات السياسية مؤخرا ورغم ازدياد النقد الموجه لهذه النظرية إلا أن حضورها يزداد تأكيدا حيث يوضح هذه الحالة التعبير البليغ للفنان الأمريكي أندي وارهول لا يهم أن يقولوا أمورا سيئة عني طالما أنهم يكتبون اسمي بصورة صحيحة وهكذا لأنه لا يوجد من يخطأ في تهجئة اسم هنتنجتون فمازال الاسم وأطروحته حاضران باستمرار علي الساحة.
يري باسكال أن أطروحة صدام الحضارات تحتوي علي الكثير من الثغرات التي لم يفسرها هنتنجتون كوضع الحضارة اليهودية أو تفسيره لحروب الخليج التي دارت معظمها بين أبناء حضارة واحدة هي الحضارة الإسلامية، ويطرح باسكال النقد الأساس الذي يوجهه لأطروحة هنتنجتون والذي يتمثل في الطبيعة الحتمية التي يتحدث بها هنتنجتون عن صراع الحضارات حيث يفترض مقدما كأن الحضارات تسير بالضرورة نحو المواجهة فيما بينها، وأن هذه المواجهة ستكون بالضرورة بلا نهاية. كما لو كان البشر لا يمكنهم أن يغيروا مجري الأحداث بأعمّالهم وكما لو أن الشعوب وقادتها متفرجون سلبيون علي تاريخهم الخاص.
يفند باسكال بعد ذلك الإدعاء القائل بأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يعد أحد أشكال صدّام الحضارات ففلسطين تحتوي علي عدد متعدد من الطوائف الدينية والمسيحية وليس من السهل إدماجها كلها تحت قائمة الحضارة الإسلامية، لكن مع ذلك يشير باسكال لخطورة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فهذا الصراع الذي يمكن اعتباره صراع علي مستوي الشعوب العربية الرافضة لوجود إسرائيل وإسرائيل التي تمارس التجاوزات في حق هذه الشعوب يمكن أن يقود في حال استمراره إلي انتحار متبادل للشعبيين الفلسطيني والإسرائيلي وهو ما قد يعجل فعليا مسيرة العّالم نحو صدام شامل: فالحكومات العربية استخدمت القضية الفلسطينية لعقود طويلة لتأطير طاقة الجماهير العربية وتحويلها بعيدا عن مشاكل السياسية الداخلية ولذلك فعدم إنشاء دولة فلسطينية أو رفض الاعتراف بهذه الدولة وبحقوق الشعب الفلسطيني ،ينظر له من قبل الشعوب العربية والإسلامية كرمز تام للمصير التعس المكرس لهم وحالة الإحباط المتولدة من استمرار الصراع الفلسطيني دون حل تعتبر أقوي مولدات الغضب لدي الشعوب الإسلامية.
يّتوسع باسكال في القضايا التي يتناولها بعد ذلك في كتابه، فنجده يتناول في فصلين كاملين العلاقات الفرنسية الإسرائيلية والعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، مقدما رؤية تحليلية لطبيعة العلاقات في كلا الحالتين ومراحل تطورها التاريخية. فمنذ انقطاع التحالف الاستراتيجي الفرنسي الإسرائيلي بعد حرب 1967 وفرنسا تلتزم بالرؤية التي وضعها الجنرال ديجول والتي تعتبر أن الاحتلال العسكري للأراضي ليس شرعيا وليس مفيدا وإذا كانت فرنسا تعمل من أجل حل الصراع الإسرائيليالفلسطيني، فذلك لأنها تري أن استمراره لا يتفق مع القانون الدولي وهو مدان علي الصعيد الأخلاقي وخطر علي الصعيد الاستراتيجي.
وفي مقابل ذلك فهناك العلاقات الأمريكية الإسرائيلية والتي يرصد الكاتب مراحل تطورها التاريخي منذ نشأة إسرائيل وكيف عملت أمريكا طوال الوقت علي توفير الغطاء العسكري والسياسي والاقتصادي لإسرائيل ولجرائمها وتجاوزها للقوانين والأعراف الدولية لكن باسكال يرصد مفارقة هامة في طبيعة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فالحامي (الولايات المتحدة) لا يستطيع أن يفرض شروطه علي المحمي (إسرائيل) بل المحمي هو الذي يفرض شروطه علي من يحميه ويعقد في هذا الصدد مقارنة بين موقف أمريكا من ألمانيا الغربية قبل توحيد الألمانيتين وموقفها من إسرائيل، فألمانيا الغربية كانت محمية من أمريكا ولم تكن تستطيع أبدا أن تخالف أمريكا في توجهاتها السياسية لكننا نشاهد العكس مع إسرائيل التي تملي شروطها علي أمريكا بل وصل الأمر في بعض الأحيان إلي إغراق مدمرة أمريكية هي المدمرة ليبرتي من قبل إسرائيل لتحقيق أهداف عسكرية خاصة بها ومع ذلك لم تعترض أو تثور الإدارة الأمريكية بل قبلت الرواية الإسرائيلية الرسمية التي وصفت الحّادث بالخطأ المؤسف حيث اعتقدت القوات الإسرائيلية المدمرة الأمريكية مدمرة مصرية.
في نهاية الكتاب الذي يمتد ل201 صفحة يضع باسكال عددا من السيناريوهات التي يتوقعها للمستقبل علي ضوء معطيات الواقع السياسية: أول هذه السيناريوهات هو تزايد القوة الأمريكية ومعها سيزداد الغرور والعمي الأمريكي، ومعه يزاد العنف والتجاوزات الإسرائيلية وهو ما سيؤجج الغضب العربي الإسلامي تجاه أمريكا وإسرائيل وبالتالي ينتهي الأمر بكّارثة يدفع ثمنها الطرفان. السيناريو الثاني هو أن يتدخل المجتمع الدولي بمساعدة المؤمنين بالسلام من الطرفين (الإسرائيليالفلسطيني) لفرض السلام العادل الذي يكفل عودة اللاجئين الفلسطينيين وقيام دولة فلسطينية وإسرائيلية علي حدود 1967 مع تقديم إسرائيل للتعويضات المناسبة للاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم طوال هذه السنوات. أما السيناريو الثالث فهو استمرار المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية التي تفضي بعد سنوات إلي دولة فلسطينية متناهية الصغر، مع استمرار الاحتلال وبالتالي استمرار القمع علي قسم من الضفة، وعدم إعادة القدس الشرقية يتواكب كل هذا مع استمرار الحضور العسكري الأمريكي في العراق وعمليات عسكرية ضد إيران بدعوة مقاومة انتشار السلاح النووي وكل هذا يعطي أسامة بن لادن وأصدقائه مزيدا من القوة والشعبية وهكذا يسدل الستار في النهاية علي قادة أمريكيين يتشدقون بالسير في الاتجاه الصحيح وقادة إسرائيليين ينادون بالصبر ويؤكدون علي ضمان أمن إسرائيل قبل كل شيء، ومثقفين وخبراء ليسوا بالضرورة غير مبالين، يرفعون شعارات أخلاقية، لكنهم يقبلون القيام بدور الكورال. وفي حالة كهذه سيقترب أكثر صدام الحضارات، والحرب العّالمية الرابعة المستندة علي حمّاقة إستراتيجية ستصير واقعا والقرن العشرين الذي كان قرن حروب سيتم تجاوزه بفظائع القرن الحادي والعشرين.
==============
عصرنة الدين أم تديين العصر
الخميس1 من ذو الحجة 1427هـ 21-12-2006م الساعة 01:52 م مكة المكرمة 10:52 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > كشاف المجلات > مؤامرات(7/306)
... مصحف ...
مصحف
الحقيقة الكامنة وراء دعوى عصرنة الدين وتهميش لغة القرآن
مجلة منار الإسلام ـ العدد 379 ـ رجب 1427هـ ـ يوليو 2006م.
بقلم الأستاذ الدكتور: محيي الدين عبد الحليم
أعجب لأمر هؤلاء الذين انبهروا بالنمط الغربي وبدلاً من أن يعملوا على تحديث الحياة في مجالات تخصصهم وينهضوا بالمجتمعات التي أفرزتهم وعلمتهم ودفعت لهم من قوت الفقراء والمجاهدين من أهله وذويهم ويردوا الدين للأيادي التي ساعدتهم والقلوب التي آزرتهم، نراهم وقد تملكهم الغرور وارتدوا قبعات الغرب ولبسوا أقنعته وتعالوا على أهلهم وذويهم الذين حرموا أنفسهم ليطعموهم وشقوا ليعلموهم.
ولم يكتف هؤلاء بالتعالي والصلف والغرور، بل سولت لهم أنفسهم التطاول على ثوابت العقيدة وراحوا ينادون بتطويرها كي تتوافق مع متغيرات العصر، ويسخرون من هؤلاء الذين باعوا الدنيا بالآخرة وراحوا يعملون في صمت العابدين ويعبدون الله بجهد العاملين لا ذنب لهم إلا أنهم تحملوا هموم أوطانهم وتسلط مترفيهم وظلم جلاديهم فتوقفت مسيرة التقدم التقني والتطور العلمي بفعل أوضاع فرضت عليهم وعناصر نهبت ثرواتهم وقتلت الأمل في نفوسهم والحلم في قلوبهم.
فهذا يطالب بتطوير العلاقة بين الشاب والفتاة لتكون علاقة متحضرة كحضارة الأمم القوية قائلاً: إنه يكفي ما عانته المرأة من ظلم الرجل المسلم سنوات طويلة حتى حولها إلى دمية أو قطعة أثاث يضعها حيث يشاء.
وذاك يطالب بإباحة الخمور والفجور تماشيًا مع نمط الحرية التي يعيشها الإنسان في دول غزت الفضاء وسيطرت على الكواكب وقهرت الأرض والجبال وأطلقت للإنسان حرية الخلق والابتكار لكي يُبدع ويبتكر.
وآخر يدافع عن المعاملات الربوية باعتبارها نظامًا عالميًا لا يمكن للشعوب أن تنهض من دونه وإلا فإنها سوف تسقط في مستنقع الفقر والفاقة، ثم رأينا من يطالب بتعميم لغة العالم المتقدم لتكون اللغة الأم التي تحمل معارف وثقافات لا تستطيع لغة العرب التعبير عنها وصياغة معانيها ومفرداتها ويتهمونها بالعجز وعدم القدرة على الاستجابة للمستجدات العصرية في مختلف العلوم والفنون، وكأنهم يرددون مقولة الاستعمار القديم والحديث على حد سواء الذي يسعى بكامل طاقته إلى إضعاف هذه اللغة ليسهم في انصراف المسلمين عنها حتى تنقطع الصلة بينهم وبين جذورهم وتراثهم، مستهدفًا من وراء ذلك النيل من القرآن الكريم ذاته، فأخذوا يوجهون سهامهم إلى اللغة التي تنزل بها هذا الكتاب العظيم.
ويدعي هؤلاء أن التخلف الذي أصاب المجتمع الإسلامي إنما يرجع إلى قصور اللغة العربية وعدم قدرتها على نقل ما جادت به القرائح والعقول عند الأمم الغربية المتحضرة. ولذا وجب على أهل العربية أن يتركوا هذه اللغة ويبحثوا لهم عن لغة أخرى حتى يلحقوا بركب الحضارة ويتفهموا المتغيرات الجديدة التي فرضت نفسها على العصر لمعايشة التطور السريع الذي يسود العالم المتقدم.
فهل لغة العرب التي علمت العالم أصبحت عاجزة عن مسايرة التقدم الذي يسود العالم؟ هذه اللغة التي يشهد لها الخبراء والمختصون بأنها تمتاز عن سائر اللغات بالقدرة على إيصال المعاني بأقصر الطرق، كما تتميز بالسعة والمرونة والوضوح فهل يعي هؤلاء ما قاله الحق جل وعلا في سورة يوسف: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وما ذكره في سورة فصلت الآية: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.
إن العربية أكثر اللغات السامية احتفاظًا بالأصوات التي اشتملت عليها تلك اللغات وأوسع هذه اللغات وأدقها في قواعد النحو والصرف فهي تشتمل على جميع الأصول التي تشتمل عليها أخواتها السامية أو على معظمها وتزيد عنها بأصول كثيرة لا يوجد لها نظير بين هذه اللغات.
فهل من عصرنة الدين ضرورة فك التلازم القائم والعلاقة العضوية بين اللغة العربية والدين الإسلامي لاختراق الثقافة الإسلامية تلك الثقافة التي هي في صميمها ثقافة عربية بلسان رسولها الكريم صلى الله عليه وسلم وعربية بلسان من استقبلوا دعوتها، وحكموا بشريعتها وعربية بالوطن العربي الذي طلعت فيه شمسها وتجلت فيه آياتها وهي اللغة التي تؤدى بها معظم المناسك والعبادات الإسلامية.
وهل من عصرنة الدين تهميش علومه في المناهج العلمية في المدارس والمعاهد والجامعات حتى تتحول هذه العلوم إلى مواد مساعدة لا يهتم الطالب بها؟ وهل من عصرنة الدين فصل علوم الإسلام عن علوم الحياة فيكون هناك قانون إسلامي وقانون مدني واقتصاد إسلامي واقتصاد غير إسلامي وتربية إسلامية وأخرى غير إسلامية.
وأقول لهؤلاء الذين يرون في الدين وعلومه حجر عثرة في سبيل التقدم الذين ينشدونه: ماذا لو تم تديين العصر بدلاً من عصرنة الدين؟ وتديين العصر يعني الانطلاق إلى علوم العصر وفنون وتقنياته من منطلقات إسلامية تربط العلماء والباحثين بالأصول والثوابت وتنطلق إلى الإبداع والابتكار والتحديث من منطلقات أخلاقية.
ولست في حاجة على أن أؤكد أنه في هذا الإطار سوف ينطلق المبدعون على آفاق الحياة الرحبة في البر والبحر والجو لاستكشاف كنوزها ويوظفون كشوفهم لخير الإنسان بدلاً من توظيفها للتسلط والظلم والفساد، وهذا ما حققه المسلمون حين كانت لهم السيادة والريادة العلمية كما أكد ذلك العلامة "سديو" في كتابه تاريخ العرب حين قال: «كان المسلمون الأوائل متفردين في العلم والفلسفة والفنون، وقد نشروها أينما حلت أقدامهم وتسربت عنهم إلى أوروبا فكانوا هم سببًا لنهضتها وارتقائها».
وكما قال الأستاذ "ليبري": «لو لم يظهر العرب على مسرح التاريخ لتأخرت نهضة أوروبا الحديثة قرونًا عدة، وقد كانت ترجمات العرب العلمية المصدر الوحيد للتدريس في جامعات أوروبا نحو ستة قرون».
إن تديين العصر لا يعني التخلُّف والجمود كما أنه لا يعني توظيف القنوات الفضائية والأسلحة النووية وعلوم الطب والأحياء لتدمير الإنسان، وهو لا يعني الظلم والتسلط والفساد واستغلال النفوذ والسلطان والمال لقهر الفقراء وقمع الضعفاء وتسلط الأغنياء، إن الدين حين يحكمهم فهذا يعني حكم الفضيلة والأخلاق والمُثل العليا والارتقاء بالإنسانية وإثراء قيمها الروحية ودفعها دفاعًا إلى إعمار الكون واستكشاف كنوزه والإفادة بها.
وفي ذلك يقول الحق جل وعلا: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[العنكبوت:20].
=============
د. زينب عبد العزيز: التنصير عالم خطير لا نرى منه إلا القليل
الخميس24 من ذو القعدة1427هـ 14-12-2006م الساعة 02:11 م مكة المكرمة 11:11 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > حوارات
... ...
- ذبحوني لأنني قلت كلمة الحق في مؤتمر السكان وفي مؤتمر المرأة.
- الفاتيكان يتحالف مع المخابرات الغربية لضرب الإسلام.
- فرنسا تتحمل ثلثي ميزانية التنصير ثمن ريادتها للعلمانية.
- العولمة والكوكبية والقرية الواحدة أكاذيب لفرض النموذج الغربي علينا.
- المستشرقون عقبة أمام انتشار الإسلام في أوروبا وأمريكا.
- قضية المرأة لعبة يلعبها الغرب ونحن ننساق وراءها.
حاورتها/ د. ليلى بيومي(7/307)
رغم أن مجال تخصصها هو اللغة الفرنسية كأستاذة لها وللحضارة بجامعة المنوفية، إلا أنها وجهت اهتمامها بشكل كبير منذ ربع قرن لموضوع محدد وهو موقف الغرب من الإسلام، وذلك بعدما توفر لديها معلومات وترجمات تؤكد التواطؤ الغربي بين المستشرقين على تزييف الحقائق المتعلقة بالإسلام.
وفوق هذا قدمت د. زينب عبد العزيز ترجمة شديدة الأهمية لمعاني القرآن الكريم باللغة الفرنسية. وعن هذه الاهتمامات المتعددة التقينا بها وحاورناها.
* مؤتمرات وخطط التبشير، يتحدث عنها البعض على أنها مبالغة، وقد يضخم البعض الآخر من وجودها .. لكن ماذا عن الحجم الحقيقي لها؟ وكيف تعمل؟ ومن الذي يمولها؟
** الواقع المعاش يؤكد أننا حيال خطة خطيرة، نحن لا نتحدث عنها من خيالنا ولكن القوم نشروها وأعلنوها ويتحدثون عنها صراحة فكيف نقول إنها مبالغ فيها؟.
إننا بالتحديد أمام خط خمسية وهذا عنوان موجود في الخطاب الرسولي أو الإرشادي الذي يصدره الباب وهو ملزم لكل الحكام والرؤساء والملوك المسيحيين ولكل الكنائس على اختلافها.
ومنذ بداية التسعينات أصدر البابا خطابًا يقول فيه إنه يريد أن ينصر العالم في الفترة من 1995 حتى عام 2000 وحدد هذا التاريخ بدقة فقال إن الفترة من 1995 حتى 1997 عامان تمهيديان، ثم يتبعهما عام الاحتفال بالسيد المسيح ثم في الاحتفال الآخر عام 2000 يقام قربان كبير احتفالاً بتنصير العالم كله.
وفي هذا الخطاب أشار البابا إلى أنه يريد إحياء خط سير العائلة المقدسة وللأسف نرى أن هذا تم تنفيذه، حيث قامت وزارة السياحة في مصر مثلاً بإعداد مثل هذه الخرائط بغفلة لأننا لا نعلم ما يراد لنا. إن القوم يريدون أن ننفذ مخططهم بأيدينا، وهذا هو الذي قالوه في مؤتمر تنصير العالم الذي عقد في كلورادو عام 1987 والذي قالوا فيه إن الإسلام لابد أن يضرب بأيدي أبنائه وأن يضرب من الداخل. وإحياء مسيرة العائلة المقدسة يأتي ضمن خطط البابا لتنصير المسلمين، فهو يريد أن يصبح هذا الخط جزءًا من الواقع المسيحي.
ففي عام 1965 عقد المجمع الفاتيكاني الثاني وهو الذي برءوا فيه اليهود من قتل المسيح، وفي هذا المجمع خططوا لثلاثة أشياء رئيسية والتنفيذ يتم الآن، وهذه الأشياء الثلاثة هي: اقتلاع اليسار واقتلاع الإسلام وتنصير العالم.
وفي هذا المجمع قرر المجتمعون توصيل الإنجيل لكل البشر وهي عبارة المقصود بها تنصير العالم، وقد أعلنها البابا صراحة في سنتياجو عام 1982 وقد خطط القوم لاقتلاع اليسار لأنه البديل عن الرأسمالية من الناحية السياسية فكانت كل الأنظمة التي تكفر بالرأسمالية تتجه ناحية اليسار .. لكنهم لا يريدون بدائل.
إن الكنيسة خططت ليكون العقد الأخير من القرن العشرين لاقتلاع الإسلام وتنصير العالم، ونحن اليوم نقرأ عن المليارات الكثيرة التي أنفقت من أجل اقتلاع اليسار وتفكيك الاتحاد السوفيتي، والمأساة أن الفاتيكان تواطأ مع المخابرات الأمريكية لأن مصلحتهم واحدة، فكان هناك تنسيق، ولأول مرة تتحد السلطة الدينية (الكنيسة) مع السلطة المدنية في سبيل تحقيق مصلحة مشتركة وهي اقتلاع اليسار واقتلاع الإسلام. إن عالم التبشير عالم خطير لا نكاد نرى منه إلا أقل القليل، والمساهمات فيه معروفة بل إن على فرنسا أن تمول ثلثي هذه الميزانية وحدها، وإسهام الولايات المتحدة والمؤسسات الأمريكية والغربية متعدد والأرقام فلكية، وبالتالي فمؤسسات التبشير شبكة معقدة للغاية وحقيقية وليس فيها مبالغة، بل هي أكبر مما يعلنون عنه وهي تقصد العالم الإسلامي كله وتتحايل لتنصيره بمختلف الوسائل الممكنة.
* الخطاب الديني الرسمي لدينا يركز على ضرورة التعاون والتوحد مع الكنائس الغربية في سبيل المحبة، بينما نلاحظ أن هذه الكنائس ما زالت مستمرة في التنصير في العالم الإسلامي .. كيف ترين هذا التناقض؟
** من خلال أبحاث المتخصصين لديهم ثبت لهم أن القرآن حق، وقد ألف الطبيب الفرنسي بوريس بوكاي كتابًا عن "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم" أثبت فيه أن كافة المعطيات الواردة في العهدين القديم والحديث تتعارض كلها مع العلم، ولا يوجد فيها معطى واحد يصمد أمام التحليل العلمي، في حين أن القرآن يصمد كل حرف فيه أمام التحليل العلمي بل وردت فيه أشياء لم يكن العلم قد توصل إليها.
وثبت أن الكنيسة تحارب الإسلام ومستمرة في هذه الحرب، وهي حرب صليبية بشعة وقد سبوا الإسلام كثيرًا ولكنهم وجدوا أنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا بهذا السباب. ورغم الترجمات المحرفة للقرآن وجدوا أن الناس يسلمون عندهم حينما تصل إليهم الأجزاء غير المحرفة، وبالتالي لم يفلح التزييف والتحريف.
والعالم الغربي الذي كان قسيسًا وهو بونت مان، وهو ضليع في اللغة، أثبت بالتحليل اللغوي الظاهري لنصوص الكتاب المقدس وجود تعارض بين النصوص يثبت التحريف ويثبت أن هذه الأشياء التي ورد ذكرها في الأناجيل لم تكن موجودة عند كتابة الأناجيل.
أما في القرآن فالكلمة والمعنى والجوهر سليم ولم يمسسه أي عبث، وبالتالي فإن استمرار الكنائس في التنصير لكي يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا يوقف هذا التدهور، أما المسئولون لدينا فلديهم نقص في الوعي والإدراك.
* نلاحظ في هذه الفترة شيوع دعوات تحمل سمات البراءة والتعاون بين الشعوب مثل العولمة والكوكبية والقرية الواحدة .. الخ، لكنها في نهاية الأمر تخفي نوعًا من سيطرة الاتجاه الواحد والثقافة الواحدة والدين الواحد.. ما هي رؤيتكم لهذه القضية؟
** إنهم يلعبون بنقطة خطيرة وهي الحوار بين الأديان، فالحوار بالنسبة لهم يعني فرض الارتداد والدخول في سر المسيح، وليس المقصود من الحوار هو الوصول إلى الحق. إننا لو ناقشنا القوم فلن نجد عندهم شيئًا، وهم يعلمون ذلك ومن أجله يحاولون أن يوهمونا بأننا قرية واحدة، ونحن جيران، ولابد أن نعيش في حب وأمان، ولابد من التسامح والتآخي. والغريب أن المثقفين عندنا يرددون نفس الكلام الذي يردده الغرب إما عن جهل وغفلة وعدم مبالاة أو عن تعتيم فرض علينا جميعًا ويشارك مثقفونا في تدعيمه.
إن العولمة والكوكبية المقصود بهما إلحاقنا بالغرب، فحينما نصبح قرية واحدة ستكون اللغة لغتهم والدين دينهم والثقافة ثقافتهم والمصلحة مصلحتهم ونحن مجرد رعاع لا قيمة لنا وإنما نساق كالقطيع فقط.
* هناك محاولة لتبرئة المستشرقين وإظهارهم كأصحاب علم وفكر، بينما هاجمهم كثير من المصنفين وقالوا إن الاستشراق خادم للكنيسة وأهدافها وليس بريئًا... ما هو رأيك في هذه القضية ؟
** لم أجد مستشرقًا واحدًا خلا كلامه من الدس والتشويش، ولقد تتبعت المستشرق جاك بيرك الفرنسي وأظهرت عيوب وخطايا ترجمته للقرآن، وفي رأيي أن نفس الشيء فعله روجيه جارودي فقد اسلم ليهدم الإسلام من الداخل.
وصحيح أنهم قدما خدمات لتراثنا بلا شك، لكن ضررهم أكبر من نفعهم لأن كل ضررهم في تشويه الحقائق يبنى عليه ويؤخذ على أنه حقائق مع مرور الوقت.
إن المستشرقين كلهم يعملون ضمن برنامج واحد لضرب الإسلام، والإنسان الأوروبي الذي يدخل الإسلام وهو لا يعرف اللغة العربية تقام بينه وبين معرفة الحق حواجز كبيرة جدًا حينما يعتمد على كتب المستشرقين التي تشوه كل شيء في الإسلام. بل إن هذه الكتب تقف حاجزًا دون إسلام أعداد هائلة من الأوروبيين. ويبقى علينا أن نقتحم هذه الحواجز ونقدم الإسلام لكل دول العالم بلغاتها ومن خلالنا نحن.
* ما رأيك في الترجمات الفرنسية لمعاني القرآن الكريم؟ وما تقييمك للذين كتبوها؟(7/308)
** قلت قبل ذلك إن كل المستشرقين يعملون تحت هدف واحد وهو ضرب الإسلام بالإضافة إلى ما يواجهونه من مشكلات اللغة العربية.
فلغة القرآن صعبة حتى على أهلها فما بالنا بصعوبتها على المستشرقين. فالمستشرق لكي يقدم عملاً جيدًا وخاصة في ترجمة معاني القرآن لابد أن يكون قارئًا جيدًا للتفاسير وعنده النية لأن يفهم، وليست النية لأن يخطئ.
إن جذر الكلمة العربية يمكن أن يحتوي على 11 معنى ليس لهم علاقة ببعضهم، وقد يكون المستشرق لديه معرفة ببعضها لكنه لا يعرف الباقي، كما أن هناك تراكيب القرآن، فمثلاً [ضاقت عليهم الأرض مما رحبت] كل المستشرقين فسروها تفسيرًا حرفيًا وليس تفسيرًا للتركيب اللغوي ككل، ففعلوا مثل الذي ترجم القول الشهير "فلان واخذ قلم في نفسه" He Took a Pencil on himself ولم يترجمها بأنه مغرور مثلاً. والمستشرقون لا يفهمون تراكيب القرآن لعدم تمكنهم من اللغة العربية، وهناك ترجمات عديدة لمعاني القرآن بالفرنسية ولدى منها 17 ترجمة كلها ترجمات بالتحريف والتشويه والأخطاء، وأشهرها ترجمة جاك بيرك المستشرق الفرنسي وقد ذاع صيته في العالم العربي على أنه صديق العرب وهذا غير حقيقي. وخطورة ترجمة جاك بيرك في الستة ملايين مسلم فرنسي الذين لا يعرفون العربية ويقرءون هذه الترجمة المشوهة.
* هل فكرت في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية لتقدمي ترجمة دقيقة وغير مشوهة؟ وما هي المشكلات التي تواجهك في ذلك ؟
** فكرت بجدية في الموضوع وهو موضوع صعب ودرست الترجمات الموجودة ، وراودتني الخواطر لأبدأ في إعداد هذا العمل خالياً من الأخطاء، والمشكلات كانت كثيرة، منها الاختلافات بين المفسرين في تفسير كثير من الآيات، فكيف سيتم حسم هذه المشكلة؟ بالإضافة إلى عدم وجو المعنى الدقيق المرادف للمعنى العربي في كثير من الأحيان، فنقل المعنى هنا مثل الذي ينقل بحر في بحيرة، كما أن هناك منهجاً معيناً للتعامل مع الآيات التي فيها إشارات علمية، بالإضافة إلى المشكلات التي ذكرناها قبل ذلك مثل مشكلة تراكيب القرآن وحروف القرآن وتعدد المعنى للجذر الواحد .. الخ.
ولكن بعد أن انتهت أعمال اللجنة الخاصة بدراسة ترجمة "جاك بيرك " ولإحساسي بمدى خطورة الترجمات المقدمة لمعاني القرآن من غير المسلمين قررت التفرغ لإعداد ترجمة إلى الفرنسية، ووفقني الله سبحانه وتعالى، وانتهيت منها، واستغرقت مني ثماني سنوات بواقع خمس عشرة ساعة عمل يوميا، واستعنت فيها بأستاذ أصول فقه من جامعة الأزهر ليشرح لي كل أسبوع حوالي 5 صفحات، حتى تأتي ترجمتي لمعاني القرآن الكريم إلى الفرنسية على وجه الدقة والأمانة، ولتكون نقطة فارقة في تاريخ هذه التراجم, وتأتي سليمة لغويا ونزيهة علميا وموضوعية. تنقل المعنى الكريم في ثوبه الحقيقي، وحاولت في هذه الترجمة التعريف بالقرآن وبالإسلام لغير المسلمين، وأن تكون خطوة للتصدي لمحاولات تشويه الإسلام، وتصويب صورته لدى الغرب والدفاع عن نسيج الأمة الإسلامية.
* عرفنا فرنسا تاريخيًا على أنها تركز على الجانب الثقافي في علاقتها بالأمم، فلماذا هذا التركيز؟ وهل هذا الاهتمام الثقافي اهتمام بريء؟.
** هذا الاهتمام الثقافي ليس اهتمامًا لوجه الله وإنما هو اهتمام لتفرض من خلاله فرنسا حضارتها وسيطرتها.
إن فرنسا تعلن أنها دولة علمانية فصلت الدين عن الدولة ومقابل إعلانها هذا تتحمل ثلثي تكاليف وميزانية عملية التنصير، وهذا كلام ثابت وموجود ومنشور، وفرنسا حينما تهتم بالثقافة في علاقتها مع الشعوب إنما تدخل الدين في هذه العلاقة ولكن بطريقة غير مباشرة وغير محسوسة، وهذا نوع من أنواع الذكاء الاستعماري.
إن كل دول العالم تعرف أن الاستعمار المباشر انتهى لذلك يلجئون كلهم إلى الاستعمار الثقافي وفرض التغريب لدرجة أن كثيرًا من الأمناء في الغرب يرفضون التغريب ويقولون بالتكامل بدلاً من السيطرة.
* تحاول فرنسا أن تقوم بدور الدولة المستقلة عن الفلك الأمريكي وتحاول قيادة أوروبا وتتحدث عن القضايا العربية. هل هذا حقيقي أم مجرد مناورات لإيهامنا والضحك علينا؟
** فرنسا لا تدعم مصالحنا بل تدعم مصالحها هي، فتاريخيًا فرنسا احتلت حوالي نصف العالم العربي، وقبل ذلك كانت حملة نابليون، وساندت إسرائيل منذ إنشائها عام 1948 ، بل اشتركت بشكل مباشر في ضرب مصر عام 1956، وتدعم بشكل رئيسي إسرائيل. إننا سمعنا مؤخرًا عن بعثة فرنسية لانتشال آثارنا الغارقة في مياهنا الإقليمية أمام الإسكندرية، والملاحظ أن هذه الآثار لم تكن مبان وانهارت في المياه، بل هي آثار منقولة وغرقت على مسافة كبيرة عن الإسكندرية.
إن أحدًا لم يفتح فمه ويعلن الحقيقة، والحقيقة أن نابليون كان قد سرق هذه الآثار وأعد لنقلها إلى باريس لتنضم إلى ما نهبه من كنوز من كل أنحاء العالم التي هي الآن في متحف اللوفر، لكن الأسطول الإنجليزي دمر الأسطول الفرنسي وأغرقه وغرقت الآثار.
* الدعوة إلى ثقافة البحر الأبيض المتوسط ما تلبث أن تهدأ حتى يروج لها من جديد، فهي تأخذ شكل الحوار بين الشمال والجنوب حينًا، وحينًا آخر شكل الشراكة الأوروبية العربية، وحينًا ثالثًا تأخذ شكل الحوار العربي الأوروبي... فهل هذه الدعوات بديلة عن التجمع على أساس عربي أو إسلامي؟
** بالتأكيد هي دعوات غير بريئة، والمقصود بها الالتفاف حول أي دعوة لتلاقي البلاد العربية على أرضية عربية أو إسلامية.
إن أوروبا وأمريكا نفذوا في عقد التسعينات قرارات مجمع الفاتيكان عام 1965 في الشق الخاص باقتلاع الإسلام وتنصير العالم، وقد قال البابا في أحد اجتماعاته مع الكرادلة: لقد نجحت في أن أجعلهم يجلسون معنا والدور عليكم لتنصرونهم.
هم يدعون للحوار ويقولون فلنجلس معًا لنصلي كل حسب دينه ثم تكون الخطوة اللاحقة فلنصل بنص واحد.
إنهم يتفننون في موضوع الحوار ويريدون استدراجنا بكل الطرق وإجراء عمليات غسيل المخ لنا حتى نؤمن بكل المفاهيم الغربية، وهم يغلفون الدعوة للحوار ببعض الأغلفة الاقتصادية التي تعطي للقضية بعدًا اقتصاديًا، لذلك تفشل كل هذه الدعوات لأنهم لا يريدون مساعدتنا أو حتى الدخول في شراكة عادلة، وإنما يريدون أن يكونوا هم الطرف المسيطر الآمر الذي يحتفظ بكل الخيوط في يديه. إنهم رغم ما فعلته تركيا من بعد عن الإسلام ونبذ للغة العربية لا يوافقون على انضمامها للسوق الأوروبية فهم لا ينسون أنها مسلمة.
* جامعة سنجور التي أنشئت في مصر واتخذت من الإسكندرية مقرًا لها، أثارت العديد من علامات الاستفهام، فهل اختيار الإسكندرية هو لإحياء مقولة الشرق أوسطية؟ ولماذا مصر رغم أنها لا تتكلم الفرنسية؟ أم أن هذه الجامعة أنشئت لضرب الجامعة الأمريكية في مصر في إطار الصراع القائم والمشتعل بين الثقافة الأمريكية والثقافة الفرنسية؟
** لسنا في حاجة للتأكيد على أن مصر هي ملتقى حضارات وشعوب وقارات، وذات موقع استراتيجي، والفرنسيون يهمهم وضع أرجلهم في مصر.
والفرنسيون احتفلوا بذكرى مرور مائتي عام على خروج الحملة الفرنسية من مصر عام 1898. إننا لا ننسى أن نابليون كان آتيًا لضرب الإسلام ولاحتلال مصر، ومن يومها والمعركة موجودة . إنهم يريدون إيهامنا بأشياء شكلية غير حقيقية وهي أنهم أحضروا إلينا المطبعة ووضعوا أقدامنا على سلم الحضارة، إنما في الحقيقة كان قدومهم هو عملية كبرى للسلب والنهب والاحتلال.(7/309)
وهم يريدون رد الاعتبار لأنفسهم ويريدون أن يقولوا لنا لقد احتفلنا بأننا استطعنا رغم مرور 200 سنة أن نجعلكم متخلفين حضاريًا.
* هل تعتقدين أن المرأة المصرية والعربية لها قضية ومشكلات تستدعي أن يكون لها جمعيات تدافع عنها؟ وما رأيك في الذين يرفعون شعارات حرية المرأة وقضايا المرأة في بلادنا؟
** لعبة المرأة لعبة يلعبها الغرب وللأسف أكبر سلبية في بلادنا أننا ننساق وراء الغرب، ومأساتنا الحقيقية هي أننا لا نختار طريقًا واضحًا.
ولقد شاركت في مؤتمر الأمم المتحدة للسكان الذي عقد في القاهرة ثم في مؤتمر المرأة في بكين ضمن وفد مصر وقدمت أبحاثًا وكتبت عن المؤتمرين ولكن للأسف الشديد ذبحت من أجل الذي قلته وكتبته، إنهم يريدون أن نردد ما نسمع كالببغاوات.
إن المرأة المصرية لو عندها مشكلات فهي من نوعية المشكلات العادية ولكن ليست لها قضية، فليست قضية أن أجعل المرأة تحكم أو لا تحكم.
إنهم في الغرب يشوهون الأمور ويقولون الإسلام أباح التعدد وفي رأيي أن الإسلام قنن التعدد بل منعه. لأن القرآن حينما قال [وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة] والغالب الأعظم لن يستطيع أن يعدل، والإسلام أباح التعدد لأصحاب الأعذار مثل الذي مرضت زوجته أو الذي اختلف مع زوجته اختلافًا شديداً.. الخ. ويشوهون الحقائق ويقولون إن الإسلام يهين المرأة والحقيقة أن المرأة لم يكرمها دين مثلما كرمها الإسلام، ويطالبون بمساواتها في الميراث بالرجل.
وأنا أقول بل النصف كثير على المرأة لأنها ليست ملزمة بأي إنفاق، الرجل هو الملزم بالإنفاق على زوجته وابنته وأمه وأخته، والمرأة تأخذ نصف الرجل لزينتها جاهزًا.
إن عيب رموز تحرير المرأة في بلادنا أنهم وضعوا أنفسهم في مواجهة الإسلام، إنهم في مؤتمر السكان في القاهرة وفي مؤتمر المرأة في بكين يريدون أن ينشروا الفواحش وأن يقولوا من أراد أن يصبح رجلاً فله ذلك ومن أراد أن يصبح امرأة فله ذلك وضرورة إباحة العلاقات الجنسية .. الخ. كل هذا ونحن نصفق ونؤيد ونشيد بالمؤتمرات، ومن ينطق بكلمة الحق يذبح كما فعلوا معي.
=============
مالك بن نبي و ابن خلدون.. مواقف و أفكار مشتركة
السبت 19 من ذو القعدة1427هـ 9-12-2006م الساعة 01:07 م مكة المكرمة 10:07 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > نافذة ثقافية > كتب
... ابن خلدون ...
صدر بالجزائر كتاب بعنوان مالك بن نبي و ابن خلدون-مواقف و أفكار مشتركة- للكاتب بن إبراهيم الطيب أوضح المؤلف في مقدمته بأن الكتاب جاء ليطرح التساؤل مجددا عن الفكر الحضاري الذي أرق المفكرين منذ القدم في تقديم إجابة شافية عن ماهية الحضارة، و عن وجود أسرارها، و ضعفها وقوتها، و علاقتها بالدين والعام …فظلت أفها مهم- مع ما قدم -قاصرة، ومن المفكرين البارزين الذين استوقفوه في هذا المجال ببحوثهم المتميزة المفكرالاسلامي مالك بن نبي ـ يرحمه الله ـ
ومع المطالعة المستمرة لكتبه تولد لديه الإحساس بأن هناك رابط قوي وصلة وطيدة تجمع بين ابن نبي، والعلامة ابن خلدون وقد قاده هذا الإحساس إلى اكتشاف مجموع علاقات تربط بين المفكرين،فبغض،النظر عن الاحتفاء والإعجاب الذي نلمسه في كتب مالك بن نبي تجاه ابن خلدون،بل ربما التأثر الشديد،نجد هناك قواسم مشتركة تجمع بينهما :
- المكان الجغرافي الذي نشأ وترعرع فيه كل منهما)الشمال الإفريقي والذي يعد مصدر اعتزاز وفخر لهما ( - كثرة الاستفسار والترحال
- المجال المعرفي الذي بحث فيه كل منهما )الفكر الاجتماعي والحضاري الميدان الخصب الذي لمعا فيه( - ثم أخيرا الإحساس بأن ابن نبي هو الوريث الفكري و التاريخي لابن خلدون.
تلك هي الدواعي التي دفعته إلى إجراء نوعا من المقارنة بينهما خاصة على صعيد المباحث التي شغلت كلا منهما،وإيجاد نوع من المقاربة ـ من التقريب ـ في العناصر التي عالجها والتي امتدت عبر صفحات هذا الكتاب لتتسع لسبعة فصول نوجزها فيما يأتي :
الفصل الأول : التعريف بابن خلدون،مولده،نسبه،تعلمه،حياته السياسية والعلمية،مؤلفاته.
الفصل الثاني : التعريف بمالك بن نبي،مولده،نشأته،تعلمه،البحث عن العمل،الإقامة بفرنسا،مؤلفاته.
الفصل الثالث : تعريف الحضارة-نظريات الحضارة البيئية،الدينية،المادية،الجنس،التحدي والاستجابة،رأي آخر.
الفصل الرابع : الحضارة عند ابن خلدون،الحضارة بين الماضي والحاضر،نظرية ابن خلدون،أطوار الحضارة،أعمار الحضارة،أسباب التدهور و الانحطاط،مكانة ابن خلدون في الفكر الحضاري.
الفصل الخامس : الحضارة عند ابن نبي -تعريفه للحضارة-الحضارة لا تتجزأ- الأزمة الحضارية-البناء الحضاري-عناصر الحضارة -الدين وعناصر الحضارة -الدورة الحضارية.
الفصل السادس : - تأثر مالك بن نبي بابن خلدون - التأثير الفكري لابن خلدون - بداية مالك مع ابن خلدون - كتب مالك وابن خلدون .
الفصل السابع : مواقف مشتركة بين مالك وابن خلدون - وحدتهما الجغرافية - المكانة الفكرية - وحدة الحقل الفكري - إسلامية الفكر- الذيوع والشهرة في غير التخصص- تشابه الظروف التاريخية - الترجمة الذاتية
ثم يختم المؤلف دراسته بخاتمة أجمل فيها ما توصل إليه من نتائج حول المفكرين،وضرورة الأخذ بآرائهما في إصلاح وضع الأمة وترشيدها،ومع ما قد يسجل حول هذه الدراسة فإنها تشكل إضافة قيمة ومتميزة تفتح الباب على مصراعيه لإجراء العمل المقارن بين بن نبي والانتلجنسيا-النخب- العربية والإسلامية،وهي فوق ذلك لبنة تضاف لصرح المكتبة العربية الإسلامية
=============
الأطلس التاريخي للعالم الإسلامي.. كتاب جديد
السبت 19 من ذو القعدة1427هـ 9-12-2006م الساعة 08:52 ص مكة المكرمة 05:52 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > نافذة ثقافية > كتب
صدرت مؤخرا الترجمة العربية لكتاب الأطلس التاريخي للعالم الإسلامي لماليز روثتن. والكتاب يضمُّ التطورات التاريخية من جهة، وإرفاق ذلك بالخرائط الدقيقة والمضيئة للحدث وللتاريخ وللواقع. هذا فضلاً عن الموضوعات والملفات التي يُسارع المؤلف إلى عرضها استيفاءً للحالة الراهنة ، وإيضاحا لما يشغل بال المسلمين والعالم، أو المسلمين من خلال العيش في هذا العالم.
يبدأ الأطلس بمقدمة عامة مرفقة بخريطة للعالم صنعها الإدريسي في القرن الثاني عشر الميلادي. في المقدمة أراد المؤلّف نقض الأوهام التي تدور أو تزدهر فيما يتصلُ بالإسلام. إذ هناك أشكالٌ صراعيةٌ من الوعي بالإسلام في الغرب اليوم. وهي قد ظهرت في الأغلب بعد 11 سبتمبر 2001، والصبغة العنيفة التي أضفتها تلك الأحداث على الإسلام.
أما الفصل الأول فيعرضُ الجغرافية الطبيعية للعالم الإسلامي. وهو يقصدُ بالجغرافية الطبيعية المناطق التاريخية لانتشار الإسلام، ومآلاتها ومآلاته من الناحية الجيوسياسية اليوم. وبعد أن يقصُّ القصة الجغرافية التوسعية للإسلام ديناً وثقافةً وشعوباً، يعود وبسرعة لمناقشة ما عُرف بطبائع الإسلام:» وهل يفضّل الحياة الحضرية أو البدوية؟ وأي البلاد انتشر فيها وسيطر، الساحلية أم الجبلية أم الصحراوية، ولماذا في قارتي آسيا وأفريقيا، وبدرجة رئيسة؟
وبحسب الخرائط فقد قسّم المؤلّف عهود انتشار الإسلام وامتداده إلى أربعة: الفتوحات الأولى (بلاد الشام ومصر)، فالعصر الذهبي (من القرن التاسع الميلادي إلى آخر القرن الحادي عشر)، فالعصر العربي بدأ التآكل فيه، ثم العصر الحاضر. وقد طال «العصر الحاضر» من مطالع القرن التاسع عشر، إلى أواسط القرن العشرين باعتبار أنه كان وما يزال عصر الاستعمار والهيمنة.(7/310)
أما الفصل الثاني يتضمن الكلام المُصاحب للخرائط سيرةً موجزةً للرسول، ومعنى الهجرة وأهميتها، وبناء دولة المدينة، والمعارك الحربية التي يسميها كُتّاب «السيرة مغازي أو غزوات.
وجاء الفصل الثالث تحت عنوان: توسع الإسلام حتى العام 750م. وهو يقصد بذلك التاريخ اكتمال فتح الأندلس من جهة، والمعركة التي جرت مع الصينيين في أقصى المشرق، وتعلموا فيها من الصينيين صناعة الورق. وينقلنا المؤلِّف بعد ذلك نقلةً واسعةً حينما يدرس انتشار الإسلام بين 751 و 1700م. ففي ذلك العام (1700) كان المسلمون قد انحسروا عن بعض المناطق مثل الأندلس وبعض أنحاء أوروبا، وبعض البحار لصالح البرتغاليين والهولنديين. لكنهم كانوا بالإضافة الى آسيا وأفريقيا، كانوا قد أخذوا بواسطة العثمانيين البلقان وأجزاء من وسط أوروبا وشرقها. وفي العام 1683م حاولوا للمرة الأخيرة الاستيلاء على فيينا. لكن منذ العام 1700 والى أواسط القرن العشرين حدث ذلك الافتراق الكبير بين انحسار السيطرة السياسية الإسلامية لمصلحة الاستعمار الأوروبي في مناطق كثيرة، في حين ما انحسر المسلمون أو ما انحسر امتدادُ الإسلام بالقدر نفسه.
بينما جاءت الفصول التالية لقراءة التطورات داخل الإسلام: الانقسامات الإسلامية: الشيعة والسنّة والخوارج، محدّداً القسمات العقدية، ومناطق الانتشار حتى العام 1000م
وفصل آخر وتعرض للمذاهب الفقهية الإسلامية من جهة، وللغة العربية من جهةٍ ثانية. فالمذاهب تمثّل تطوراً اجتماعياً وثقافياً. أما اللغة فتمتد امتداد الحضارة فحتى انحسار السيطرة العربية داخل دار الإسلام، ما أدّى إلى تراجع العربية لغةً للثقافة وللإدارة. ومع ذلك، فإنه عندما كانت العربية تبلغ الذروة في الانتشار والتأثير، كانت الشعوب التركية بأمرائها وسلاطينها تمد سيطرتها على سائر ديار الإسلام تقريباً. وبقي الأمر على هذا النحو إلى مطلع القرن العشرين
=============
من يمسح دموع ميندناو؟..(2)
الثلاثاء15 من ذو القعدة1427هـ 5-12-2006م الساعة 11:06 ص مكة المكرمة 08:06 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > المسلمون في الغرب
نعلم أن المسلمون عاشوا في الأندلس حياة رغدة ومنعمة, الأمر الذي أضعف همتهم وأرخى نفوسهم وأوهن من عزمهم فمالوا إلى الراحة وأضاعوا الجهاد، والأصل في المسلمون أنهم في جهاد دائم حتى يزول الظلم عن العالم كله وينتشر السلام والإسلام, والأمة المجاهدة لا تعرف إلا حياة الجد, فلما مال مسلمو الأندلس إلى الرفاهية تخاذلوا, وكانت أوروبا تتحين الفرص للإجهاز عليهم حتى تمكنت منهم في النهاية.
وبعد أن نقلت ساحة المعركة أكثر من مرة من المشرق إلى المغرب, شعرت أوروبا بنشوة النصر وانطلقت وراء المسلمين, وكان رأس حربتها الأسبان والبرتغاليون, وقد توجه الأسبان غرباً بعد أن اعتقدوا بإمكانية الوصول إلى شرقي بلاد المسلمين في سبيل حصار المسلمين من كل جهة والتضييق عليهم.
وقد اقتنع بهذه الفكرة الملاح البرتغالي ماجلان - الذي كان في حقيقة أمره كبيراً للمنصرين- فعرض فكرته على ملك أسبانيا, فشجعه بدوره للقيام بهذه المؤامرة الخبيثة, بل وقدم له كل ما يلزم لتسهيلها.
غادر ماجلان وسار بمراكبه على سواحل أمريكا الجنوبية الشرقية, ثم أبحر إلى المحيط الهادي, حتى وصل إلى تلك الجزر التي عرفت فيما بعد باسم "الفلبين" وكان ذلك عام 927هـ, ولقد استمرت رحلته عاماً وسبعة أشهر, واستسلم في نهايتها لليأس وظن أنه قد وصل إلى جزر التوابل, وهي جزر الملوك في إندونيسيا ولكنه سرعان ما تبين أن الأرض التي رست سفنه عل شواطئها ليست التي قصد.
قبل قدوم الأسبان إلى جزر الفلبين كان أهلها منقسمين إلى كيانات صغيرة على رأس كل منها حاكم, وعندما أتى ماجلان إليها اتفق مع حاكم جزيرة "سيبو" على أن يدخل في النصرانية الكاثوليكية مقابل أن يكون ملكاً على جميع الجزر تحت التاج الأسباني, وأخذ ماجلان يعمل على تمكين صديقه من السيطرة على بقية الجزر.
ثم انتقل الأسبان إلى جزيرة أخرى بالقرب منها عليها سلطان مسلم يدعى "لابولابو" ولما علم الأسبان بإسلام حاكم الجزيرة طاردوا أهلها, وسطوا على طعام أهلها فقاومهم الأهالي, فأضرم الأسبان النار في أكواخ السكان وفروا هاربين.
إلا أن الحاكم المسلم "لابولابو" لم يستسلم وحرض سكان الجزر الأخرى على ماجلان, وأخيراً هجم بنفسه على ماجلان وقتله بيده وشتت شمل فرقته, ورفض تسليم جثته للأسبان, ولا يزال قبره شاهداً على ذلك هناك.
انسحب الأسبان من تلك الجزر بعد هزيمتهم ومقتل قائدهم, تابع "دل كانو" نائب ماجلان الطريق, فوصل إلى أسبانيا عام 928هـ.
بعد ذلك بعثت أسبانيا 4 حملات متتابعة, ومن سوء حظ هذه الحملات أنها رست على شواطئ "جزيرة ميندناو" حيث المسلمين كُثر فقتلوا أفراد الحملات جميعاً وقد كان ذلك بين عامي 949-950هـ.
بعد الإبادة المتكررة للحملات الأسبانية, بدأ الغزو الأسباني الحقيقي عام 973هـ, وقد أعلنوا صراحة بأن هدفهم توسعة رقعة الممتلكات الأسبانية, وتنصير سكان البلاد التي يحتلونها.
وصلت الحملة الأسبانية الكبيرة إلى تلك الجزر واستولوا عليها وأقيمت محاكم التفتيش, وكانت تابعة لمحكمة مكسيكو بالمكسيك, حيث أخذت تتبع المسلمين وتقضي عليهم.
وفي نفس العام حصل قائد الحملة على إذن من فيليب الثاني باسترقاق المسلمين لأنهم ينتمون لعقيدة محمد - صلى الله عليه وسلم-, كما أُذن للكابتن "استبان رودر" بهديم المساجد ومنع إعادة بنائها في "ميندناو" و "صولو".
حاول الأسبان السيطرة على الجزر كاملة, فتم لهم ذلك في الجزر الشمالية، ولكنهم عجزوا عن إخضاع الجزر الجنوبية التي استعصت عليهم حيث صمد المسلمون من سكان هذه الجزر صموداً قوياً جعل معه الأسبان ييأسون نهائياً من السيطرة على المناطق الإسلامية هناك, لذلك انصرفوا إلى المناطق الأخرى يوطدون بها سلطانهم و يدعون فيها إلى النصرانية الكاثوليكية.
وظلت الحرب سجالاً بين الأسبان ومسلمي المورو - كما أطلق عليهم الأسبان هذا الاسم- ثلاثة أو أربعة قرون, وكانت سفن المسلمين المسلحة تقوم بمهاجمة السفن الأسبانية وتأسر الآلاف من الأسبان وتبيعهم في سوق الرقيق كرد فعل لما ارتكبه الأسبان من استعباد المسلمين ومحاولة تنصيرهم، وقد استطاع المورو المسلمون - رغم كل ما تعرضوا له- من الحفاظ على عقيدتهم وملامح الحضارة الإسلامية خلال تلك الفترة الحرجة العصيبة الطويلة من الاستعمار.
ولكن ماذا بعد...؟، هذا ما سنعرفه في لقاءنا القادم إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
=============
الفردوس المستعار والفردوس المستعاد.. كتاب جديد
الاثنين14 من ذو القعدة1427هـ 4-12-2006م الساعة 10:12 ص مكة المكرمة 07:12 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > نافذة ثقافية > كتب
صدر مؤخرا في دمشق كتاب بعنوان الفردوس المستعار والفردوس المستعاد للكاتب والطبيب العراقي الدكتور أحمد خيري العمري .والكتاب ينقد أسس الحضارة الأميركية ودراسة سيرتها الذاتية ويقارنها بثوابت الإسلام، منطلقا من موقع المعايش لحضارة أميركا والمتابع لثقافتها.(7/311)
يرى الكاتب أن حضارة أميركا قامت على «دين أميركي» ابهر مبشروه المهاجرين بمعجزات وخوارق مثل ناطحات السحاب وتمثال الحرية والشاطئ الممتع في كاليفورينا والوصول إلى القمر ومجموعة من الإنجازات المعمارية مثل «اكبر متاجر في العالم» واكبر كاتدرائية في العام وأطول جسر في العالم وأمتع مدن لهو مثل «ديزني لاند»، ومدينة صناعة الأفلام هوليوود..
لتصنع بكل هذا الحلم الأميركي القائم على الاستثناء وهاجس (الأول) و(الفردوس المستعار). تأتي قوة الحلم الأميركي من كونه حقيقيا مشخصا، فالجنة (هنا الآن). قامت أميركا على (وصايا عشر) أميركية هي وصفة الفوز بالفردوس الأرضي حسب تعبير سابق للكاتب المصري المعروف عبد الوهاب المسيري:
عش دع غيرك يعيش ـ الوقت يطير عندما تمرح ـ تسوق حتى الموت ـ فقط اعملها ـ لا ربح بلا عناء ـ لا تطل الصبر على حقوقك ـ الوقت مال ـ وجدت القواعد لتخرق ـ الله يساعد من يساعدون أنفسهم. فلسفة الحلم الأميركي تشكلت بأفكار آدم سميث وايمرسون ووالت ويتمان . المادة هي حجر الحضارة الأميركي الأسود الذي يحجون إليه. المادية ـ ركن الفردوس الأميركي الأول- موجودة غريزيا لكنها تحولت في أميركا إلى عقيدة وايديولوجيا.
البراغماتية والتي تأسست على يد ويليام جيمس وتشارلز ساندرز بيرس الذين أوليا الأهمية لنفعية النظريات والفلسفات آنيا. شكلت البراغماتية مع (الداروينية الاجتماعية) التي أسسها البريطاني هربرت سبنسر والتي نقلت نظرية دارون من تطور الكائنات الحية إلى تطور الطبقات والمجتمعات دستورا غابيا للحياة الأميركية يجعل البقاء للأنفع لا الأصلح كما شاعت الترجمة.
الركن الثاني هو الفردية التي حددها الكس دي توكفيل بأنها الحد الفاصل بين العالم القديم والعالم الجديد. الفردية تأتي قبل المواطنة، وهي لا ترى معيارا للمبادئ والأخلاق إلا من خلال المصلحة الفردية الشخصية مما يجعلها (نرجسية) مغلقة وابدة للذات، وهي تختلف عن الفردية الإنسانية في الحضارة الإسلامية العابدة لله .
في ظل هذه الفردية ظهر مفهوم (معبود الجماهير) و(الوثن الأميركي التلفزيوني الهوليوودي ـ idol ـ وهي ذات الكلمة التي ترد في الوصايا العشر التوراتية في صوف الوثنية المنبوذة) والفوز بالثراء والنجومية. الركن الثالث هو اقتصاد حر عبر العرض والطلب والذي بشر به ادم سميث نبي الرأسمالية الاسكتلندي صاحب كتاب ثروة الأمم والذي كان أساسا عالم أخلاقيات!.
الاقتصاد الحر يقوم على ثلاثة ثوابت هي الربح وعدم التدخل والفردانية. لكن (فردوس عالم النمو) تحول إلى عالم (الواحد بالمئة)، فأميركا هي أكثر بلدان العالم فجوة بين الأغنياء والفقراء(1% طبقة الأغنى الذين يملكون 40 إلى 60% من الدخل القومي، ولو حذفت قيمة الممتلكات الشخصية لوصلت النسبة إلى 90 - 59% من الدخل القومي).
قائمة فوربس تقول إن 43% من الأغنياء ولدوا أغنياء بالوراثة. الثابت الرابع من ثوابت الفردوس الأميركي هو الاستهلاك بلا حدود وتكريس قيم ( الجديد هو الجيد وتأبيد الاحتفالات ..)إلى حد أن الرئيس الأميركي دعا الأميركيين بعد أحداث سبتمبر إلى العودة إلى «التسوق» والحياة الطبيعة، تحض على التسوق ماكينة إعلامية تروج للإعلانات إلى حد أن السيارة تحولت إلى «هوية».
ويستشهد الكاتب بمسلسل آل جونز الألداء (1913) الذي تابع صدوره ونجاحه عبر ثمانية وثلاثين عاما غارسا قيم التسوق ورياضة «الشوبينغ» عبر حيل «شرعية»مثل التقسيط «المريح» إلى أن جاء التلفزيون الذي حول الأميركي إلى (حيوان متسوق شعاره أنا أتسوق إذا أنا موجود) .
الأميركي يتعرض إلى حوالي 1000 إعلان يوميا عبر وسائل الأعلام المختلفة! الثابت الخامس وراء الفردوس الأميركي انها بلا تاريخ، انطلقت من النقطة صفر، التاريخية فلسفة إن «الآن» أفضل من الأمس. تجسدت التاريخية بأفكار فلاسفة مثل تورغوت وكونودركوت ولاحقا هيغل ثم أتى فرانسيس فوكوياما الذي بشر بنهاية التاريخ وقال بأن الليبرالية تضع نقطة النهاية لدياليكتيكية الايدولوجيات التي نظّر لها هيغل. وقد أثارت ظاهرة انعدام الحس التاريخي وعبادة اللحظة الحاضرة عند الأميركيين مثقفين أميركيين نقديين مثل تشومسكي وستيفن برتمان..
ويلفت الباحث إلى أن التحلل والإباحية والسعي إلى اللذة ظاهرة رافقت انهيار مختلف الحضارات لكنها في الحالة الأميركية غدت جزءا من أسسها وصعودها وعيشها إلى درجة أن أميركا غدت بلد اللذة) hedonism (ساهم في ذلك نظرية طبيب الأعصاب النمساوي فرويد(1856- 1939) في الليبيدو واختزالها في أميركا على يد ابن أخته ادوارد بيرنز (1891- 1995)إلى حقيقة علمية.
زادت نظريات الفرد كينزي (1894- 1956) من الإباحية، ورسخت قوة الأرقام في التشريع ( ما يسمى بالرأي العام والديمقراطية) وتحولت نتائج الإحصاء الذي قام به على مساجين عممت على الأميركيين إلى شعارات مقدسة:
( الشيء الوحيد غير الطبيعي هو ما لا تستطيع فعله- مجرد حصول الفعل يجعله طبيعيا) ومقولة (خطيئة الجميع ليست خطيئة) و(الإنسان مزدوج الميل الجنسي ) فلم يعد الجنس عيبا حسب الأعراف الجديدة، ساهم في شيوع الزنا حبة منع الحمل التي أجازتها منظمة الغذاء والدواء في عام 1960
كما اسقط الشذوذ الجنسي من قائمة أمراض جمعية الأطباء النفسانيين الأميركيين في عام 1968 وأجيز تصوير الأفلام الإباحية وفي عام 1973. رغم هذا «الفردوس» تظهر أعلى نسبة اغتصاب وولادات غير شرعية إلى درجة أن الطفل الأميركي لم يعد يعرف ماذا تعني كلمة (الأب).
من مقلب آخر يقوم الكاتب بمقارنة ثوابت «الجحيم» الأميركي مع أركان الدين الإسلامي فيحلل الركن الأول وهو كلمة الشهادة التي تجعل عبودية الإنسان لله وحده وتعني الأيمان بالغيب( الجزء غير المرئي من جبل الجليد) ضد ثابت المادية أو الجزء الظاهر من الجبل. والى الركن الثاني:
الصلاة التي تذوّب الفرد في الجماعة وتجعل المجتمع شركة في خدمة الأفراد، والى الركن الثالث: الصيام الذي يحارب الجشع والنهم مقابل الاستهلاك بلا حدود والركن الرابع: الزكاة الذي يعني تدخل الدولة في اخذ( الحق المعلوم) لإحداث توازن بين الفقراء والأغنياء مقابل رأسمالية تقدس الفردانية. والى الحج، الركن الخامس، الذي يركز الكاتب عليه في استعادة الفردوس المفقود الأول، والإيمان بحضارة الإيمان باليوم الآخر، مقابل حضارة (الآن هنا) اللّذية الصرفة.
==============
الغرب يعادينا لأننا نمتلك منظومة قيم تهدده
الخميس10 من ذو القعدة1427هـ 30-11-2006م الساعة 01:43 م مكة المكرمة 10:43 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > حوارات
... شعار منظمة المؤتمر الإسلامي ...
شعار منظمة المؤتمر الإسلامي
ـ علماء السياسة المسلمون يهربون إلى التاريخ ولا يواجهون الواقع.
ـ العالم يسير نحو التكتل والوحدة ونحن نسير نحو التفكك والتجزئة.
ـ على النخبة السياسية أن تعمل لصالح الأمة ككل لا لصالح قضايا قطرية ضيقة.
ـ الأحزاب تعمل على تفتيت الأمة ولا مجال لها في نظام إسلامي.
ـ اليهود يخططون ونحن ننفذ ما يخططون.
حاوره / أحمد وهدان(7/312)
مفكرة الإسلام : رغم الريادة العلمية والحضارية الثابتة تاريخيا للعرب والمسلمين ورغم أن هناك علوما إنسانية تكاد تكون إسلامية خالصة مثل علم النفس وعلم التربية وعلم الاجتماع، إلا أن علم السياسة الإسلامي مازال يحبو باحثاً عن علماء يؤصلونه ويخرجونه إلى الوجود. والدكتور غازي رماح أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الماليزية من المهتمين بعلم السياسة الإسلامي ومن المحللين لأوضاع العرب والمسلمين من خلال منظور إسلامي، وعن هموم المسلمين السياسية كان لنا معه هذا الحوار أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة لحضور أحد المؤتمرات الإسلامية المهمة.
* هل نستطيع أن نقول إن العلماء المسلمين تتلمذوا على علم السياسة الغربي وأصبحوا أسرى لمفاهيمه، وغفلوا عن تراثنا وهويتنا ولم يفكروا في تأصيل علم سياسة إسلامي؟
** إحدى الإشكاليات التي تواجهها الأمة أن النخبة السياسية فيها إما أنها درست في الغرب أو أنها تخرجت من المؤسسات العسكرية، وبالتالي فلم تستق علم السياسة من واقعها. والسياسة لا تدرس إلا في بيئة الوطن وينبغي أن تستمد الحياة من جذور تاريخها ومن تراثها. وهذا لا يمنع أن ننفتح على معطيات السياسة الدولية، ولكن يكون ذلك عن طريق رصد المعلومات للاستفادة منها في مواجهة ما يحدث حولنا، ولا تكون هي الزاد الذي نستقي منه لندرس الأمور التي تتعلق بدول أخرى ونبتعد عن بيئة الوطن. ومن أهم الأمور الخطيرة أن أغلبية العلماء يهربون إلى التاريخ ولا يواجهون الواقع.. والسياسة هي التاريخ المعاصر.. وإذا لم نتعامل مع هذه القضايا بما تستحقه من تحليل ودراسة عبر مراكز بحث علمي فسوف نبقى في ملجأ للتاريخ، أو نذهب للغرب لنتحدث فيما يتحدث، وننظر إلى الأمور بمنظوره الخاص. وبالتالي فنحن في حاجة إلى أن نصوغ علم سياسة ونعمل لإيجاد موسوعة سياسية إسلامية تكون مرجعا علميا للباحثين وعلماء السياسة في بلادنا.
وعلينا أن نطور الدراسات العليا للعلوم السياسية في الوطن العربي بحيث نخرج نخبة تكون قادرة على التعامل مع القضايا المحلية والإقليمية والدولية على أسس إسلامية. إن الطبيب قد يتسبب في موت مريض والمهندس قد يتسبب في هدم بناء أما السياسي فقد يتسبب في هدم أمة بكاملها. وهنا أقول إن الموروثات التي ورثناها في تربيتنا الاجتماعية تمنع الحديث في السياسة أو الاقتراب منها. ولعل حالة التعسف والاضطهاد الفكري في الوطن العربي وضرب الحركات الفكرية في الحقبة الماضية قد أدى إلى إيجاد حالة من الإحباط بحيث يبتعد الناس. وباتت السياسة كما لو كانت نوعاً من الترف الفكري، أو هي حكر على الذين يمارسون السلطة. إن السياسة ثلاثة دوائر: دائرة تمثل الرأي الواعي المستنير، ودائرة تمثل النخبة المتعلمة القادرة على أن تنير الطريق للعامة ولصانع القرار، ثم دائرة تمثل الأمة كلها. ودائرة النخبة ينبغي أن تتحدد في العلماء الأتقياء.. ومأساة الأمة أن شريحة عريضة من علمائها تتلمذوا في المدارس الغربية والشرقية ثم عادوا بفكر يخالف مصالح الأمة.
* العالم الإسلامي يعيش عصر انكسار وتراجع، والأوضاع العالمية الجديدة تؤثر عليه سلبيا. كيف ترى قضايا العالم العربي والإسلامي من منظور عالم السياسة المهموم بهموم أمته؟
** إن سلاح الغرب في المرحلة المقبلة هو العولمة الناعمة التي تكتسح الحدود وتدمر التاريخ والجغرافيا والتراث وصولاً إلى النهب الاقتصادي مستغلة في ذلك ثورة المعلومات التي من خلالها يحدث الاختراق الثقافي للأمة. وفي مواجهة ذلك ينبغي أولاً أن نعد بيلوغرافيا للنخبة السياسية في الوطن العربي ونجسر الاتصال بينها ونعمل جهدنا ألا تسير هذه النخبة لصالح السياسيين الذين يحركونها خدمة لأهدافهم، بل نريد نخبة سياسية تعمل لقضايا الأمة ككل لا أن تعيش قضايا قطرية، وكلما اهتمت الأمة بقضاياها العامة كلما كانت حية، وكلما انصرفت إلى القضايا الفردية والمحلية الضيقة فإن هذا يعني تفسخها وتفككها، ونحن في مرحلة تتطلب توحد الأمة وتكتلها في مواجهة التكتلات العالمية.
فهذه أوروبا قد توحدت، وهذه أمريكا الشمالية تتوحد فيما بينها وتحاول التوحد مع أمريكا الجنوبية، ودول آسيا تدخل في تكتلات مع بعضها، أما نحن فنعمل في الإطار المعاكس، والدليل على ذلك أننا أنزلنا القضية الفلسطينية من إطارها الإسلامي الكبير إلى الإطار العربي ثم أنزلناها مرة أخرى من الإطار العربي إلى الإطار الفلسطيني ثم أنزلناها من الإطار الفلسطيني العام بكل فصائلة إلى إطار منظمة التحرير فقط. هذا أمر والأمر الآخر أننا في الوقت الذي ننهمك فيه في مصالحة عربية إسرائيلية نسينا المصالحة العربية العربية، وأنهكنا أنفسنا في الحديث عن السوق الشرق أوسطية التي تم تصميمها لاستيعاب إسرائيل دون أن نبذل الجهد الكافي لإقامة السوق العربية المشتركة.
إن أحد الخبراء الفرنسيين يقول إن لم يدخل الوطن العربي عصر التوحد الاقتصادي بسرعة فإنه سيدخل القرن القادم بالمجاعة والفاقة. ومشكلتنا ليست مادية كما يتصور البعض، فالخليج العربي قبل النفط نقل المد الإسلامي إلى العالم. ومصر قبل الغنى الاقتصادي كانت تقدم المساعدات لكثير من الدول العربية. ولذلك فإن التجربة التي يجب أن نأخذها من انهيار الاتحاد السوفيتي والنظم الشمولية هي أن من يملك القيم هو الذي يبقى على قيد الحياة.
ولو كانت التكنولوجيا هي العنصر الوحيد لقوة الأمم لما انهار الاتحاد السوفيتي الذي كان يملك 30 ألف رأسا نووياً ومليون و 700 ألف جنديا ويمتلك أكبر مساحة من الأرض، لكنه تهاوى ليصبح جزءً من التاريخ. إن الحضارة تقف على رجلين رجل مادية وأخرى معنوية وهي القيم. ولذلك أدرك الغرب والشرق أن من يملك القيم يملك النصر، وهذا هو سر الهجمة على المسلمين، فالمسلمون لا يملكون المال فميزانية شركة جنرال موتورز الأمريكية تعادل ميزانية دول مجلس التعاون الخليجي، وميزانية دولة فقيرة مثل إيطاليا تعادل ميزانية الدول العربية كلها. والعرب في مجال التكنولوجيا يقفون في آخر الطابور، ومع هذا يصنفهم الغرب العدو رقم واحد لأنهم يدركون أن الإسلام والإيمان والقيم هي التي تحفظ للأمة وزنها.
* إذا كانت الأمور على هذا القدر من التعقيد والتراجع، أليس هناك أمل في أن يتخطى المسلمون هذه الحواجز؟
** إن الأمة المسلمة تمتاز بأنها تنهض بعد كل كبوة وتفيق بعد كل غفلة وتتعافى بعد كل وعكة، وهي أمة وإن تجبر على الانحناء فإنها لا تعرف الفناء، وقد محيت شعوب كثيرة وانهارت حضارات وأصبحنا نزور آثار حضارات الفراعنة والآشوريين والفينيقيين والرومان واليونان والأقباط والفرس، وانتهت الإمبراطورية البريطانية، أما هذه الأمة فقد كانت قادرة دائما على النهوض، ولذلك ففي مرحلة جلد الذات ينبغي أن نقول إن هناك عملاً، فقد جاء المد الصليبي من الغرب في عشر حملات خلال قرابة 200 عام، وجاء الغزو التتري من الشرق فعاث فساداً في بلاد المسلمين، لكن الأمة أخذت بأسباب النصر ولم تيأس وتحركت فيها روح الجهاد واستطاعت أن تقف من جديد شامخة وتهزم عدوها شر هزيمة. وفي هذا المقام أدعو إلى مصالحة عربية عربية، ثم مصالحة عربية إسلامية، ففي وقت ينظر لنا أعداء الأمة على أننا العدو رقم واحد فإنهم ينظرون إلينا مجتمعين لا فرادي، ولذلك يجب فعلاً أن نواجههم بالتوحد الذي يخيفهم ويردعهم.(7/313)
* من ثقافة العولمة إقامة النظم الديمقراطية بما فيها من أحزاب وتعددية وتداول للسلطة.. فماذا تعني هذه الأمور في المنظور الإسلامي؟
** الاختلاف في الرأي يولد الحقائق بشرط أن يكون هذا الخلاف ضمن مظلة الإسلام، ونحن لا نريد للأمة أن تعتنق نوعا من الأنسجة الفكرية التي تباعد بينها، فكلما كان النسيج الفكري موحداً كلما كانت الأمة أكثر التقاء. إن التعددية الحزبية تأتي نتيجة اختلاف الأقليات، فإسرائيل مثلاً بها 22 حزبا سياسيا وذلك لأن المجتمع الإسرائيلي يتكون من 90 جنسية ويتكلم مائة لغة، وكذلك الحال بالنسبة لأمريكا وأوروبا، لكننا والحمد لله لا نعاني من هذه الانقسامات، فلماذا نحاول جاهدين أن نقسم أنفسنا؟ ولا يجب أن نعتقد أن النموذج الغربي نموذج سليم، لكن إذا قلنا بأحزاب إسلامية تحت مظلة إسلامية في نظام يطبق الإسلام فهو أمر مشروع، لأنه يعني مدارس فكرية تجتهد داخل الإطار الإسلامي. أما بالنسبة للديمقراطية فلا توجد ديمقراطية إلا في الإسلام. فحينما كان يختلف الخليفة عمر مع المرأة كانت المرجعية هي القرآن. أما حين تختلف أي سلطة مع مواطن فإنها تكون هي الخصم والحكم في آن واحد. إن المرجعية في الإسلام مرجعية إلهية فإذا غابت فإن الحاكم يحكم بمرجعيته هو وهي التسلط.
* ما هو رأيك فيما يجري الآن بين العرب واليهود؟ وما هي رؤيتك لمستقبل عملية السلام؟
** لن يكون بيننا وبين اليهود إلا حوار واحد هو حوار السلاح، وما هو قائم من سلام الآن ليس إلا هدنة مؤقتة تستفيد منها إسرائيل، وإسرائيل تسعى في استراتيجيتها المستقبلة أن تضرب الإسلام . وشيمون بيريز يقول في كتابة "الشرق الأوسط الجديد": إن حربنا إنما هي مع الدشداشة البيضاء والقلسنوة السوداء.. يقصد أن الحرب إنما هي مع الإسلام بفصيليه السنة والشيعة.. وهذا ما قرره القرآن في قوله [لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا].. اليهود ليسوا أشد الناس عداوة لرواد الملاهي الليلية، ولكنهم أشد الناس عداوة لأولئك الذين يصلون في الحرم الإبراهيمي. ولذلك فإسرائيل مشتبكة الآن فقط مع الفصائل الإسلامية المجاهدة. وللأسف فإن أمريكا تساعد إسرائيل في ذلك، فهي تحاول التضييق على أي من يقترب من الإسلام في أي بلد كان، حتى إذا تم القضاء على المقاومة الإسلامية تأتي الجرافات الصهيونية فتتكفل بالباقي.
* يتحدث الكثيرون عن الجوانب الإيجابية للعولمة، لكن هل لها آثار سلبية على العالم الإسلامي؟
** من أسباب العولمة أن هناك 258 شخصا في العالم يملكون نصف ثروة العالم و 90% من رأس المال في الولايات المتحدة والذي يسيطر عليه اليهود غير مستغل. ومن أجل توظيفه خارج الولايات المتحدة لا بد من تحطيم الأديان والقوميات والتاريخ والقيم الحضارية والثقافية التي تقف سداً منيعاً في وجه تدفق هذا المال. ولذا جاءت الخصخصة واتفاقيات التجارة الحرة من أجل تحقيق هذه الغايات وتدمير الاقتصاديات الوطنية للشعوب المغلوبة فضلاً عن قهرها. إن الثورة الصناعية في الغرب قضت على الصناعات الحرفية في الوطن العربي، ومن المنتظر أن تقضي الخصخصة على الصناعة العربية. إن مدير البنك الدولي يقول في أحد المؤتمرات الاقتصادية في إحدى الدول العربية: إننا نقدم القروض للدول العربية بثلاثة شروط: الأول القفز فوق التاريخ (أي ألا تدرس الثقافة الإسلامية والقضية الفلسطينية لأن الذي يقاوم اليهود هم المتدينون.. والجامعات الخاصة التي أنشئت في عصر الخصخصة تدرس الكمبيوتر واللغات ولا تدرس الثقافة والتاريخ. والشرط الثاني خصخصة التعليم الجامعي (حتى تفقد الدولة سيطرتها على عملية التنشئة). والشرط الثالث أن تكون إسرائيل جزء من أي مشروع في المنطقة.
* ما هو تقييمك لأداء الحركة الإسلامية في العالم العربي على المستوى السياسي؟
** لقد واجهت الحركة الإسلامية ثلاثة تحديات رئيسية هي القمع السياسي والأمني من الحكومات، ثم الاختراق من الداخل من جهات أخرى بغرض إفساد الحركة الإسلامية من الداخل، ثم ضعف مستوى القيادة داخل الحركة الإسلامية لأن العلماء لا يملكون مصادر رزق مستقلة كما يملك علماء الشيعة مثلاً. إن العلماء السابقين كان أحدهم عالما وله حرفة فإذا ضاق عليه الأمر كان يقتات من حرفته، أما هذه الأيام فإن العلماء أصبحوا موظفين وأي قطع لأرزاقهم معناه الضياع. ثم إن تشجيع الحركات الصوفية قد يؤدي إلى الاختراق لأن غياب الوعي السياسي فيها يجعل الآخرين يوظفونها كما يريدون رغم جهودها في التربية الدينية. فما ينقصنا هو الوعي، فحينما يزج بالقيادات في السجون فإن الشعوب تكون ليس لها جسور. إن العلماء المخلصين قادرون على صنع الكثير وتغيير الأمم، والأمة تصلح بصلاح علمائها وأمرائها، والأمراء يصلحون بصلاح العلماء، فالعلماء ملح الأمة وإذا فسد الملح فمن يصلحه؟
ومأساة الأمة أن علماءها، بسبب الاضطهاد الفكري والتضييق عليهم والظروف الاقتصادية الصعبة، هربوا إلى الغرب، ففي الولايات المتحدة وحدها هناك 75 ألف عالم مسلم. ولذلك كان عمر بن الخطاب يحرص ألا يخرج الصحابة من المدينة لأنهم يمثلون الذخيرة الفكرية للأمة، وظل الأمر كذلك إلى ما بعد مجيء عثمان بن عفان. أما الآن فصارت الأمة تعلي من شأن الفنانين والرياضيين وترفعهم فوق العلماء، وأنا أقول إن أمة بغير علماء عربة لا يجرها حصان.
* ما هو في رأيك الفرق بين الإعلام العربي والإعلام الصهيوني؟
** أجريت مؤخرا بحثا عن تحليل المضمون لبرامج التليفزيون الإسرائيلي أثبت فيه أنه من خلال هذه البرامج يمكن أن نتوقع السياسات العربية المستقبلية، فقد وصل الأمر إلى أن اليهود يخططون لنا ونحن ننفذ تخطيطهم بالضبط، وهم ينحتون المصطلحات ويكررونها ثم نستخدمها نحن بمدلولاتها التي صممت ضد مصالحنا. ففي اتفاقيات أوسلو أصبح اليهود يستخدمون مصطلح إعادة الانتشار بدلاً من الانسحاب، وسرنا وراءهم نردد ما اخترعوه من مصطلحات. إن الأكاديميين اليهود الذي اجتمعوا عام 1968 قالوا إنه قبل عام 2000 سوف توقع جميع الدول العربية معاهدات السلام مع إسرائيل وهو ما حدث. إنني هنا أفهم لماذا كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يحرص على أن نخالف اليهود والنصارى في كل أمورهم وأن يكون لنا تميزنا في الزي وفي التقويم وفي الأعياد، وفي المصطلحات وفي المنهج وفي المرجعية، وحينما افتقدنا المنهج والمرجعية أصبحنا نسير كالعميان بدون قائد، بل أصبحنا كالأعمى الذي يتكئ على يد عدوه، وهو لا يدري أن عدوه يسير به نحو هوة سحيقة حتى لا يخرج منها أبداً
===============
ليس بيننا وبين الغرب أسس تؤدي لحوار ناجح
الخميس3 من ذو القعدة1427هـ 23-11-2006م الساعة 11:13 ص مكة المكرمة 08:13 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > حوارات
... د. محمد الجليند ...
د. محمد الجليند
ـ الغرب يدعو إلى الحوار شفويا ولكنه يمارس الهيمنة والعنف عملياً.
ـ الحوار بين الأديان كلمة حق يراد بها باطل.
ـ المسلمون مارسوا الحوار مع الآخر وفق قواعد تحترم غير المسلمين.
حاوره/ أحمد وهدان(7/314)
د. محمد الجليند، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم من العلماء المتميزين في مجال الفلسفة والثقافة والتراث الإسلامي ومن المهتمين بقضايا تطوير الفكر الفلسفي الإسلامي والحوار مع الآخر. ونحن في هذه السطور نثير معه عدد من القضايا الثقافية والفكرية لنسترشد بعلمه.. ونسلط الأضواء على القضايا التي يجب أن يركز عليها الفكر الإسلامي في المرحلة الراهنة.
* كثر الكلام في هذه الأيام على الحوار مع الآخر الديني والثقافي والعرقي.. والتواصل بدلاً من القطيعة… ما هي الرؤية الإسلامية للحوار مع الآخر؟
** مبدأ الحوار مع الآخر مبدأ قرآني أمر به القرآن وطبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته العملية وهذا المبدأ قد يصل إلى الواجب أحياناً من باب مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهذا يدفع عن المسلمين تهمة الانغلاق ورفض الحوار مع الآخر. فالقرآن الكريم يقول [يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون. ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنت لا تعلمون] وعلى مستوى التطبيق العملي لهذا المبدأ لم تكن أول هجرة للمسلمين إلى مسلم بل كانت إلى النجاشي النصراني وذلك لمبدأ عام يبحث عنه المسلمون وهو العدل وأن هذا الرجل لا يظلم عنده أحد. وحينما هاجر الرسول إلى المدينة اتخذ ابن أريقط دليلاً له.. ولم ينجب رسول الله ولداً إلا من مارية القبطية. ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي. والحوار لما كان بأيدي المسلمين وهم أصحاب القوة والحضارة كان له منهج ومقاصد وقواعد.. فكان يقوم على أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها. فالمسلم أحرص الناس على الحكمة حتى ولو كانت على لسان كافر بدينه لأن الحكمة في حد ذاتها حقيقة.
والمسلم في حواره مع الآخر مأمور بأن يقول الحق لقوله تعالى:[وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر] فلا يفرق المسلم بين الناس على أساس ديني. ويحكم المسلم كذلك في حواره مع الآخر أنه لا يعرف الحق بالرجال وإنما يعرف الحق أولا ثم يعرف أهله ثانياً. ثم إنه ليس من وظيفة المحاور أن يضمن ولاء الذي يحاوره أو إيمانه بقضيته وإنما وظيفته أن يبين الحق ويوضحه ويبين ما أحاط به من شكوك ثم بعد ذلك [فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر].
والحوار في الإسلام أساساً يتم بالكلمة والموعظة الحسنة وحينما يكون الحوار بغير الكلمة فإننا ننتقل إلى موضوع الجهاد وهو محكوم بضوابط ومقيد بقيود تحكمه فلا يتم قتال إلا من يحمل السلاح ضد المسلمين فلا يقتل شيخ كبير ولا امرأة ولا طفل ولا تحرق أو تهدم أماكن العبادة ولا تحرق أو تهدم أو تنهب البيوت ولا تقطع الأشجار.. فلم يعرف عن المسلمين عبر التاريخ أنهم ارتكبوا مجازر ضد المدنيين. أما غير المسلمين فقد فعلوا ذلك مراراً وتكراراً ومازالوا يفعلونه في البوسنة وفلسطين والشيشان وكوسوفا ولبنان وأفغانستان وغيرها.
* المستشرقون في الغرب، ومن هم على شاكلتهم من المسلمين المهزومين، يقولون إن الإسلام ليس فيه حوار وإنما هو غزو واستعمار وقتل وفرض للآراء بالقوة. كيف نرد على هؤلاء؟
** هذا تزييف وتزوير.. لكن الصحيح هو أن الحروب الصليبية الاستعمارية الحاقدة التي شنها الغرب المتعصب ضد العالم الإسلامي تمخضت عن حركة صليبية فكرية مخالفة للدين المسيحي الذي هو دين ود وإخاء.. بينما الحركة الصليبية استكبار وحقد وطغيان ورفض للآخر. وهذه الحركة الفكرية استطاعت أن تعمل عملها خلال القرون الثلاثة الماضية حيث وقعت مشروع نهاية العالم الإسلامي.. حيث تم وضع نحو مائة مشروع أوروبي لإسقاط الخلافة العثمانية وكان لإنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا نصيب الأسد في وضعها وانتهت بوضع هرتزل في رأس السهم الذي اتخذ من يهود الدونمة مؤسسة لإسقاط الخلافة. وهكذا نعرف الفرق الشاسع بين لغة الحوار لما كان الأمر بأيدي المسلمين حيث قام الحوار على أساس احترام دين الآخر وعقيدته وخصوصيته.. إلا أن الآخر لم يعرف تجاهنا إلا الاحتلال والحروب الصليبية والاستعمار الحديث وزرع إسرائيل في جسدنا. ولغة الحوار التي يجيدها هذا الآخر هي الاستكبار والعنف والفرض والإذعان وينطلق في علاقته بالآخر ليس من أرضية الندية والتكافؤ والمساواة ولكن من أرضية الاستعلاء وإملاء الآراء. وحينما احتل الغرب ديار المسلمين كانت تصرفاته المتعلقة بالأمور الثقافية والتعليمية تنم عن منهجه في الحوار مع هذا الآخر. لقد عمل بكل طاقته على تغيير المناهج الدراسية وتفريغها من أي محتوى يركز على خصوصيتنا الإسلامية وعقيدتنا.. وعمل على تفريخ أجيال تابعة له تتحدث باسمه ومنهزمة فكرياً ونفسياً ومبهورة به.
وهناك مثال حديث لهذا الحوار وهو ما سمي بالحوار بين الشمال والجنوب الذي فشل فشل ذريعا لسبب بسيط وهو أن الغرب لا يريد أن يسمع إلا نفسه ولا يريد أن يدفع ثمن امتصاصه لثروات العالم. وفي أثناء مؤتمر قمة الأرض في ريودي جانيرو بالبرازيل منذ سنوات طلبت دول العالم الثالث مبلغ 125 ميار دولار كمساعدات.. إلا أن الغرب لم يقدم إلا 7 مليار فقط، ثم تهرب بعد ذلك.
* يحاول الغرب أن يصور الإسلام بأنه دين الجهل والدجل والخرافة.. ولذلك يصدر لنا مفاهيم مثل التنوير والتقدمية. أما العلمانيون في بلادنا فيقولون إن المسلمين لم يهتموا قديماً بنقل الفلسفة الأوروبية التي كان يمكن أن تكون سبباً في العقلانية والحداثة.. كيف نرد على هذا الكلام؟
** حينما بدأ المسلمون في ترجمة حضارات العالم وعلومهم ومنها: العلوم اليونانية الغربية كان لهم موقف متميز من هذا النقل فتحفظوا في نقل العلوم التي تتصل بالحكمة والفلسفة لأن هذه العلوم تتصل بهوية الأمة وخصوصيتها وعقيدتها أي تصورها عن الله وعن الأنبياء وعن الإنسان وعن العلاقة بين الله والإنسان. أما العلوم الطبيعية كالطب والفلك والرياضيات فلم نجد عالماً مسلماً تحفظ في نقلها. إن المسلمين كانوا أذكياء فمقياس تقدم الأمم الآن لا يقاس بطول باعهم في الأدب أو الفلسفة وإنما يقاس بمدى تقدمهم في العلوم الطبيعية. وهكذا ميز المسلمون بين العلوم الطبيعية وهي علوم الحضارة وبين العلوم الخاصة بخصوصية الأمة. وعدم اهتمام المسلمين بالعلوم الفلسفية التي تضئ العقل كما يقولون ليس عملاً سلبياً يحسب عليهم ، وإنما هم ردوا هذه العلوم لا لأنها تضئ العقل ولكن لأنها تسلب الأمة ذاتيتها وعقيدتها وخصوصيتها. والغرب بخبثه يريد أن يصدر لنا الصراع الذي كان عندهم ولا يزال بين العلم والدين.. فهم يتصورون أن هذا الصراع الذي كان عندهم بين العلم وبين الكنيسة وانتهى إلى إزاحة الكنيسة تماماً عن الحياة يمكن أن يطبق على الإسلام أيضا ولهذا يصدرون لنا مفاهيم التنوير والتقدمية التي يجب كي تتحقق أن تزيح الإسلام عن كل أمور الحياة.
وهذا خطأ واضح لأن الإسلام لا يصادم العلوم على الإطلاق بل إنه هو الذي احتضنها ونمت هذه العلوم في كنفه. ثم إن المعركة في أوروبا كانت بين جهابذة العلماء من أمثال نيوتن وجاليليو وكوبر نيقس الذين جاءوا بعلم غير مجرى حياة العالم وكانوا على حق فيما ذهبوا إليه ولكنهم واجهوا الاضطهاد والإعدام من الكنيسة. أما عندنا فإن الذين يثيرون الصدام مع الإسلام هم مجموعة من أدعياء العلم والمسوخ المشوهة الذين لا صلة لهم بعلم ولا بأدب.
* هل تعتقد أننا نعاني من أزمة في الثقافة والفكر؟(7/315)
** هناك أزمة على مستويات عديدة فهناك أزمة في القراءة فلم يعد الناس يقرءون كالماضي وإنما استهوتهم وسائل الإعلام المختلفة. وهناك أزمة في الإبداع الفني في الكتابة والقصة والشعر.. الخ. فلم نعد نجد نفس الكم من الإنتاج الجيد كما كان الحال في الماضي.. والإنتاج الموجود حالياً نسبة كبيرة منه رديئة والمضمون هزيل. إن القضايا الكبرى التي تشغلنا الآن هي نفس القضايا التي كانت تشغلنا من مائة عام وعلى رأسها قضية التنوير أو بالأصح التغريب والعلمنة لدرجة أن العلمانيين لدينا أصبحوا سلفيين.. فهم يطرحون أفكارا قديمة ويعودون إلى الطهطاوي وقاسم أمين وطه حسين بل يرجعون إلى القرن الثامن عشر لاستيراد أفكار عصر التنوير.
* هناك صراع علماني إسلامي يسود مجتمعاتنا ويصيب الفكر لدينا بالانقسام والضعف.. كيف يمكن لنا أن نوقف هذا الصراع؟
** هذا صراع شبه حتمي ومن الصعب إيقافه.. فالمجتمع بعقله وقلبه وتاريخه وفكره إسلامي لا خلاف في ذلك.. وإنما بدأ الانحراف منذ الاستعمار الأجنبي الذي زرع بذور العلمانية والصراع مع الدين وتصدير مصطلحات الرجعية (قاصداً المفاهيم الإسلامية) والتنوير (ضد الظلامية الإسلامية أيضا).. وغير مناهج التعليم وأرسل البعثات من بلادنا الإسلامية إلى أوروبا فنتج عن ذلك مجموعات كبيرة من الكتاب والمثقفين الذين انحازوا لهذه الأفكار الاستعمارية الأصل ضد الهوية والثقافة الإسلامية.. وبمساعدة أطراف عديدة ووسائل أعلام كثيرة أصبح هؤلاء هم قادة الفكر والتوجيه من أمثال سلامة موسى وقاسم أمين وعلي عبد الرازق وطه حسين .. الخ. هؤلاء دخل معهم الفكر الإسلامي في صراع مازال مستمراً حتى اليوم. وهذا الصراع شطر الأمة إلى شطرين.. شطر إسلامي وشطر علماني.. وهو صراع خطير يستنزف طاقة الأمة ووحدتها.. والحل فيه هو تقوية المفاهيم الإسلامية الأصيلة وجعلها هي الأساس الفكري واعتبار الشريعة الإسلامية هي مصدر الفكر والثقافة والتشريع وهي الحكم بيننا.. فالذي ضل الطريق عليه أن يعود مرة أخرى إلى حظيرة الإسلام.. وليس المتمسك بالإسلام هو الذي يجب عليه أن يلحق بمن فرط في تاريخه وأصالته وثقافته.
* نسمع كثيرا عن مؤتمرات الحوار بين الأديان.. ما هو تقييمكم لها.. وما هي الضمانات التي يجب أن توضع لنجاحها؟
** نحن تحدثنا من قبل عن أمور كثيرة وتفاصيل حول الحوار عموماً مع الغرب وقلنا إنه كلمة حق يزاد بها باطل.. أما الحديث عن الحوار بين الأديان من خلال ما نسمع عنه من مؤتمرات فيجب أن نسأل عدة أسئلة مثل ما هو السياق الذي يجري فيه هذا الحوار؟ ومن هي الأطراف الداخلة فيه؟ ومن هم ممثلوها؟ وما هي القنوات والأشكال التي سوف يتخذها هذا الحوار؟ وما هي أهدافه وغاياته وثمرته؟
إننا لا يكاد يوجد بيننا وبين الغرب قيم مشتركة.. فهم لا يعترفون بديننا فكيف نتحاور مع من لا يعترفون بنا.. وحسب وثائقهم يعترفون بأن هذه المؤتمرات تحدث لتصدير المفاهيم النصرانية إلينا. إن المادة قيمة أساسية وحاكمة في الغرب والإسلام ليس فيه ذلك.. والحضارة الغربية بها قيم الهيمنة والسيطرة والتسلط.. والإسلام ليس فيه ذلك. ثم كيف يكون هناك عمل مشترك والكنائس تمارس التنصير على أشده في البلاد الإسلامية
==============
الضربات التي وجهت للانقضاض على الأمة الإسلامية
الاثنين29 من شوال 1427هـ 20-11-2006م الساعة 12:36 م مكة المكرمة 09:36 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة
محمد بركة : صدر عن دار الاعتصام في القاهرة كتاب: الضربات التي وجهت للانقضاض على الأمة الإسلامية .. خمس مؤامرات كبرى على الإسلام من فجر الإسلام وحتى الآن، " للكاتب والمفكر الإسلامي أنور الجندي، الذي وافته المنية في أوائل عام 2002 بعد رحلة طويلة من الجهاد والعمل الفكري.
يعد هذا الكتاب أخر ماكتبه الجندي حيث يحلل فيه المؤامرات الكبرى على الإسلام من فجره وحتى الآن ..فقد جاء الإسلام ليكون حدا فاصلا في التاريخ الإنساني بين عصر الأديان وعصر الدين العالمي الخاتم برسالة القرآن وقيادة محمد صلى الله عليه وسلم ، حاملا رسالة التوحيد الخالص ليخرج البشرية من الظلمات إلى النور .
وقد جاء كتاب "أنور الجندي" في تسعة أبواب كان عنوان الباب الأول : من جبهة بيزنطية إلى نهاية الحروب الصليبية . وأشاد فيه إلى أن أول أعمال الغرب المسيحي في مواجهة الفتح الإسلامي الزاحف هو العمل على صده ووقفه وتحطيم خطته التي كانت تتمثل في تحويل البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة إسلامية ، وكانت هناك جبهتان : الأولى هي بيزنطة ، والثانية : هي الأندلس .
وتحدث المؤلف عن الأحداث الكبرى فتحدث عن معركة ملاذكرد ( 463 هـ - 1071 م ) والحملة الصليبية الأولى ( 494 هـ - 1096 م ) ومعركة حطين ( 583 هـ - 1187 م ) ومعركة عين جالوت (658 هـ - 1259م)وآخر الحروب الصليبية (690 هـ - 1291م) .
أما الباب الثاني فتناول: الزحف المغولي التتري على أرض الإسلام من سقوط بغداد إلى نصر "عين جالوت" إلى إسلام "بركة خان" . وقام بتحليل الأحداث الكبرى مثل دخول قوات المغول إلى بغداد (656 هـ - 1257 م ) وانتصار جيش مصر على جحافل التتار ( 658 هـ - 1260 م ) وحملة التتار على حلب في نفس العام ثم الاستيلاء على أنطاكية (666 هـ - 1268 م ) .
كما تناول الباب الثالث : "جهاد المماليك في مواجهة خطر الصليبيين والتتار" وبين فيه أن هذه المرحلة العاصفة التي تفجرت فيها المؤامرات على الإسلام كشفت عن عناصر جديدة من المسلمين حملت لواء الدفاع عن الإسلام والجهاد في سبيله والاستشهاد من أجله تتمثل في: السلاجقة والأكراد والمماليك ، فمن السلاجقة ظهر "عماد الدين زنكي" و"نور الدين محمود" وكان دورهما في مواجهة الحروب الصليبية قويا وبارزا ، ومن الأكراد ظهر "صلاح الدين الأيوبي" الذي استرد بيت المقدس من أيدي الصليبيين ، ومن المماليك "قطز" و"الظاهر بيبرس" و"قلاوون" و"الأشرف بن قلاوون" وكان دور المماليك قويا وممتدا وحاسما فقد استطاعوا بعزيمة جبارة تصفية نفوذ التتار والصليبيين وتحقيق أكبر نصر في هذا المجال .
يعد كثير من المؤرخين عصر المماليك بأنه عصر الإنقاذ فهم الذين أنقذوا الحضارة الإسلامية من الدمار العام على أيدي المغول والتتار حين حطموا قواتهم في عين جالوت ، وأنهم أنهوا الحكم الصليبي في بلاد الشام وأحيوا الخلافة الإسلامية وجعلوا مركزها القاهرة .
وكذلك كان الظاهر بيبرس أبرز هؤلاء الأبطال فقد قاد معركة عين جالوت مع قطز ثم انتزع صفد ويافا والشقيف وأنطاكية من "الإفرنج" ثم أقام منهج الإصلاح الاجتماعي على شرعة القرآن .
كما تميز عصر المماليك بظهور الموسوعات الكبرى في الأدب والنحو وعلم الحديث والفقه والتاريخ ففي عهدهم ظهرت الموسوعات : " صبح الأعش للقلقشندي ، ولسان العرب لابن منظور ، والفتاوى لابن تيميه ، ووفيات الأعيان لابن خلكان ، والبداية والنهاية لابن كثير ، وسير أعلام النبلاء للذهبي ، والنجوم الزاهرة لابن تفرى بردى ".
في الباب الرابع : "من الأندلس إلى قلب أوروبا" ، تناول المؤلف الأحداث الكبرى ومنها عبور طارق بن زياد نهر الزقاق ( 92 هـ - 711 م ) وسير عبد الرحمن الغافقي في جيش إلى فرنسا ( 110 هـ - 732 م ) ، كما تناول الغزوة لروما من مسلمي الأندلس وشمال إفريقيا وكريت بقيادة "يوسف بن تاشفين" ( 479 هـ 1088 م ) وتأكيده على إسلامية الأندلس إلى عام ( 897 هـ - 1492 م ) .(7/316)
في الباب الخامس : "تطويق عالم الإسلام" يؤكد الجندي - رحمه الله - على مقاومة المسلمين عمليات التنصير والصمود في وجه الاجتياح، وغدر الحكام الجدد، واستمرار المقاومة من عام 1492 إلى عام 1608 م عندما قام الأسبانيون بطردهم نهائيا حين جمعوا مئات الألوف منهم في عملية تهجير بشعة وقذف بهم إلى الشاطئ الآخر (تطوان والجزائر وتونس) وحيل بين الأبناء والآباء والأمهات في ذلك العصر، كوسيلة من وسائل مطاردة المسلمين ومحاولة حصارهم للقضاء على الإسلام نفسه .
في الباب السادس : " من فتح القسطنطينية إلى سقوط الخلافة" تحدث المؤلف عن ولادة الدولة العثمانية ( 687 هـ - 1288 م ) والهجرة إلى سواحل المغرب ودخول الأتراك أوروبا ومحاصرة العثمانيون لفيينا ، كما تحدث عن عزل السلطان عبد الحميد عام 1908 م .
ولا شك أن الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي دولة مفترى عليها ، كما أطلق عليها الدكتور عبد العزيز الشناوي في مؤلف يحمل هذا العنوان . فقد شكلت الدولة العثمانية منذ ظهورها خطرا متزايدا على أوروبا وتصدت للوجود البرتغالي في الخليج وفي المياه الشرقية وساندت مسلمي الأندلس الذين تعرضوا للاضطهاد الأسباني وحررت طرابلس الغرب وتونس والجزائر من الاحتلال، وسيطرت بعض الوقت على الملاحة في البحر المتوسط ، كما ساندت "مارتن لوثر" بوصف مذهبه أقرب إلى التوحيد الإسلامي من المذهب الكاثوليكي .
وفي الباب السابع : "الآن انتهت الحروب الصليبية" ، انتهت الحروب الصليبية بهزيمة قوى الغرب عام 1291 م وانسحابهم إلى بلادهم مدحورين ، ولكن الاستعمار ظهر بشكل آخر منذ قيام الحملة الفرنسية إلى مصر وبداية مرحلة النفوذ الأجنبي والسيطرة على العالم الإسلامي .
أما الباب الثامن : تناول سقوط القدس في أيدي الصهيونية ، ثم تحدث في الباب التاسع : عن أبعاد المؤامرة على الإسلام فتحدث عن الحملة الفرنسية على مصر 1798 م، ودخول الإنجليز القدس 1917 م، وإحراق المسجد الأقصى 1969 م، ولا تزال المؤامرة على الإسلام وبيت المقدس مستمرة .
كتاب أنور الجندي كتاب قيم يستحق القراءة والتأمل خاصة وأن صاحبه كاتب كبير له دور رائد في إيقاظ الوعي لدى شباب الصحوة الإسلامية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الميلادي، ومؤلفاته دورها جلي في تصحيح العديد من المفاهيم المغلوطة والمنتشرة.
==============
العنصرية تجاه المسلمين في الغرب...هل من جديد؟!
الخميس25 من شوال 1427هـ 16-11-2006م الساعة 07:02 م مكة المكرمة 04:02 م جرينتش
الصفحة الرئيسة
... حريق مسجد فى فرنسا ...
مفكرة الإسلام: باشرت الشرطة البريطانية التحقيقات في ملابسات الحريق الذي تعرض له أحد المساجد وأدى إلى انهيار جزء كبير منه جنوب ويلز, وقال مدير مسجد المدينة: إن المجتمع المسلم في المنطقة صدم حيال الحادث. حريق متعمد في مسجد بمدينة سينود - فرنسا
الخبر:
مفكرة الإسلام: باشرت الشرطة البريطانية التحقيقات في ملابسات الحريق الذي تعرض له أحد المساجد وأدى إلى انهيار جزء كبير منه جنوب ويلز, وقال مدير مسجد المدينة: إن المجتمع المسلم في المنطقة صدم حيال الحادث.
التعليق:
تأتي هذه الحادثة لتؤكد ما جاء على لسان رئيس بلدية لندن "كين لفنجستون" بمناسبة نشر تقرير حول مسلمي لندن بأن مسلمي المدينة يعانون من مستوى خطير من التمييز والأحكام المسبقة.
حيث يعيش المسلمون في الغرب حالة من الاضطهاد والعنصرية, وتتزايد هذه الحالة كلما اشتد الصراع داخل البلدان الإسلامية المحتلة مثل العراق وأفغانستان وفلسطين, وينسى الغرب أو يتناسى أنه هو الذي أقدم على تفجير هذا الصراع عندما احتل الأراضي الإسلامية في القرون الماضية ناهبًا خيراتها مسميًا ذلك "استعمارًا" بل ورفض الاعتذار عن جرائمه التي يندى لها الجبين مثلما فعلت فرنسا تجاه ممارساتها في الجزائر التي ظلت تفترس أبناءها أكثر من قرن من الزمن, كما يتناسى الغرب أنه الذي سلّم فلسطين إلى اليهود ليتخلص منهم ومن مؤمراتهم وأعطاهم وعد بلفور, كما يتناسى أنه الذي لفق الاتهامات للنظام العراقي السابق, مرة بزعم إنتاجه أسلحة نووية ومرة بزعم أن له علاقة بالقاعدة؛ ليتذرع بذلك لاحتلاله والاستيلاء على نفطه وخيره, وفي كل هذه المرات وقفت أكثرية الشعوب الغربية موافقة أو صامتة ولم تتزايد معارضتها إلا بعد أن دفعت الثمن غاليًا من أرواح أبنائها, وإذا نظرنا إلى الاحتلال الغربي لأفغانستان بدعوى الرد على هجمات سبتمبر لوجدناها مغامرة همجية راح ضحيتها أضعاف أضعاف من راح في هجمات سبتمبر والتي كانت - بحسب من قاموا بها- ردًا على أفعال الغرب الغاشمة في العالم الإسلامي.
إن البعض يعتقد أن العنصرية تجاه المسلمين الذين يعيشون في الغرب وليدة اليوم أو وليدة أحداث سبتمبر, إلا أن هذا غير صحيح, قد تكون زادت في هذا الوقت عن ذي قبل إلا أن جذورها موجودة منذ زمن بعيد, فالنظرة المتعالية للغربيين تجاه أبناء الحضارات الأخرى خصوصًا الحضارة العربية والإسلامية قديمة, وتظهر في كتابات المثقفين وفي فنونهم المختلفة من رواية وسينما ومسرح ورسم, فدائمًا ما يصورون العرب على أنهم مجموعة من الهمج الرعاع الذين يعشقون سفك الدماء, وكانوا ينظرون ذات النظرة للمهاجرين الذين اختاروا البقاء في بلدانهم, ولا يغيرونها تدريجيًا إلا بعد أن يذوب هؤلاء المهاجرون تمامًا في الحياة الغربية ويتخلون عن تعاليم دينهم, ويظل التمسك بالإسلام سيفًا مسلطًا على رقاب المهاجرين.
والذي ينظر لحال المهاجرين المغاربة في فرنسا منذ عشرات السنين وكيف يعاملون وأين يعيشون والوظائف المتاحة لهم يتأكد أن العنصرية تجاه العرب والمسلمين ليست وليدة اللحظة.
كما أن وجود الأحزاب اليمينية المتطرفة - والتي تدعو إلى طرد العرب والمسلمين- منذ وقت طويل في أوروبا يؤكد أن العنصرية متجذرة في الغرب تجاه المسلمين وأن قبول الغرب بالآخر المختلف معه حضاريًا وثقافيًا مقولة للاستهلاك الإعلامي ولا تنطبق إلا إذا كان الآخر يدور في فلك الحضارة "المسيحية" أما إذا كان الآخر عنده مشروعه المستقل وحضارته المغايرة فعندئذ تنطلق الأحقاد من النفوس خصوصًا ممن يخافون من جاذبية الحضارة الإسلامية وقدرتها على التغلغل في النفوس.
إن الصراعات التي تدور بين القوى الغربية والمقاومة على الأراضي الإسلامية في العراق وأفغانستان وفلسطين أظهرت ما في نوايا الغرب تجاه المسلمين بشكل كان يبدو خافيًا على الكثيرين في وقت ما, ولعل تصريحات "بابا" الفاتيكان ضد الإسلام أثبتت لمن يسمون أنفسهم "بالمعتدلين" داخل العالم الإسلامي, أن الحروب التي يشنها الغرب ضد البلاد الإسلامية ليست فقط حروب مصالح ولكنها حروب عقائد أيضًا.
============
فلسفة التنوير بين المشروع الإسلامي والمشروع الغربي
الاثنين22 من شوال 1427هـ 13-11-2006م الساعة 04:32 م مكة المكرمة 01:32 م جرينتش
الصفحة الرئيسة
... التنوير ...
فلسفة التنوير
- التنوير في بلادنا بدأ مع ظهور الإسلام وليس بمجيء الحملة الفرنسية.
- التنوير كان مطلبا أوروبيا للتحرر من قهر الكنيسة ورجال الدين.
- مصطلح التنوير خاص بأوروبا ولا مكان له في بلادنا التي أنارها الإسلام.
- الادعاء بأن أوروبا تخلصت من الدين فتقدمت باطل والواقع يناهضه.
ممدوح عثمان(7/317)
مفكرة الإسلام: يتعرض جيل الشباب العربي الحالي لحرب من نوع خاص، وهي حرب المصطلحات التي يلتبس معناها عليه. ومن هذه المصطلحات مصطلح "التنوير" وما يصاحبه من مصطلحات أخرى مثل التقدمية والرجعية والظلامية. وللأسف فقد انبهر نفر كثير من المشتغلين بالإعلام والثقافة في بلادنا بهذه المصطلحات ووقعوا ضحية لما وراءها. ولقد عاشت أوروبا عصورا تسمى عصور الظلام وكان السبب وراء هذا الظلام الكنيسة ورجال الدين والآراء والمعتقدات التي أراد رجال الدين أن يطرحوها على العقلية الأوروبية ويجبروها على اعتقاد صحتها، ومن يتمرد عليها أو يرفضها كان جزاؤه الحرمان من رحمة الكنيسة والطرد والحرمان من صكوك الغفران. وفي مرحلة تاريخية معينة حدث نوع من التحالف غير المشروع بين السلطة السياسية والسلطة الدينية في أوروبا، فلا يرقى الإمبراطور إلى كرسي العرش إلا بقرار من الكنيسة.. ولكي يرد الإمبراطور الجميل للكنيسة فمن يتمرد على رأى الكنيسة فجزاؤه إما اقتل أو الحرمان من رحمة الله بقرار سياسي.
وسيطر هذا الفكر المظلم على أوروبا فترة طويلة من الزمن ثم حدث أن ظهر بريق من النور الإسلامي الإلهي من خلال منافذ الحضارة الإسلامية إلى أوروبا. وبدأ علماء أوروبا يتعرفون على الوافد الجديد الذي أطلقت عليه الكنيسة اسم "العلم الشيطاني". وهذا العلم الشيطاني كان هو العلم الإسلامي الذي أضاء ظلمات أوروبا من خلال أسبانيا وصقلية والاحتكاك المباشر في الحروب الصليبية.
خلفيات مصطلح التنوير في الثقافة الأوروبية
وبالتالي فمصطلح التنوير في الثقافة الأوروبية أفرزته طبيعة الصراع.. فلما وفد العالم الإسلامي إلى أوروبا احتضنه مجموعة من العلماء في العلوم الطبيعية فقارنوا بين ما تدعو إليه الكنيسة وبين الوافد الجديد فوجدوا أن حقائق العلم الجديد على النقيض تماما مما تدعوهم إليه الكنيسة من آراء تقول إنها نزلت من السماء وتدعي لها العصمة. فظهر كوبرنيق ورأيه في مركز الكون، وهل هو الأرض أم الشمس، فقد كان هذا أول لقاء مباشر بين الموقف العلمي والموقف الكنسي، والموقف هنا كنسي وليس دينيا لأن المسيحية الصحيحة مظلومة في هذا الموقف بين الكنيسة ورجال العلم. وتساءل علماء أوروبا كيف تكون الآراء التي تدعوهم إليها الكنيسة وحياً نزل على عيسى من السماء بينما العلم ينقضها. فقالوا إلى من نحتكم؟ إلى العلم الذي اختبرته عقولنا فوجدته صحيحا أم إلى ما يدعونا إليه رجال الكنيسة؟.. وهنا بدأ الرفض لآراء الكنيسة ورجال الدين واستمرت هذه الظاهرة قرابة نصف قرن من الزمان ثم انسحبت كلمة الكنيسة من الصراع وحل محلها كلمة الدين وأصبحت القضية هي الصراع بين العلم والدين وليست الصراع بين العلم والكنيسة. وأصبحت كلمتا العلم والعلماء رمزا للنور الجديد ورمزا لتنوير ضد الجهل وضد الخرافة وضد الرجعية. وقد لاقى كثير من العلماء القتل والحرق والطرد من الأوطان ومن رحمة الكنيسة نتيجة اعتقادهم بحقائق العلم ورفضهم لخرافات الكنيسة. ثم جاءت الثورة الفرنسية وكان لها دور كبير في إزكاء الصراع بين العلم والدين كما انضمت الطبقات الكادحة إلى الثورة ضد رجال الدين.
وفي بحث الثورة الفرنسية عن التنوير ضد ظلام الكنيسة ظهرت مفاهيم جديدة مثل الحرية - الديمقراطية - الدستور.. ونظرت الثورة الفرنسية إلى كتاب جان جاك روسو "العقد الاجتماعي" فجعلته إنجيلا لها لأنها لم تجد في تراث وفكر الكنيسة في ذلك الوقت ما يعيد للإنسان كرامته ويعطيه حقوقه الاجتماعية والدينية والسياسية.. وبدأت كلمة التنوير تشيع على الألسنة تدريجيا.
هل بدأ التنوير في بلادنا بمجيء الحملة الفرنسية؟
إنني أعيب على المثقفين العرب والمسلمين الذين يربطون بين الحملة الفرنسية على مصر وبدء التنوير في بلادنا العربية والإسلامية على اعتبار أن الحملة جاءت بكثير من العلماء الفرنسيين الذين تولوا نشر الثقافة والتنوير في مصر، ثم عملوا بالتدريس في الجامعة المصرية أول ما أنشئت حيث كانت هيئة التدريس كلها من المستشرقين.
ويقول هؤلاء المثقفون المهزومون إن الحملة الفرنسية أخرجتنا من بداوة الدولة العثمانية إلى نور المدنية الأوروبية المعاصرة. وهكذا بدأ هؤلاء المثقفون المهزومون ينقلون مصطلح التنوير الذي نشأ في بيئة غير بيئتنا ليزرعوه عندنا ولينقلوا المعركة التي وقعت في أوروبا بين الكنيسة ورجال الدين من جانب وبين العلم والعلماء من جانب آخر.. وشيئا فشيئا وجدنا من ينادي من مثقفينا ويقول إما العلم وإما الدين لأن أوروبا لم تنهض إلا بعد أن نفضت يدها تماما من الدين.
ثم صار الذي يتحدث عن الدين في بلادنا العربية ضد التنوير، وهكذا صارت المشكلات التي طرحت في أوروبا تطرح عندنا بالنص مثل حرية المرأة وعمل المرأة وميراث المرأة وتعدد الزوجات.. الخ. واستخدم هؤلاء كلمات مثل (الغيبيون - الظلاميون - الرجعيون) ليرموا بها الملتزمين بالإسلام كمشروع وعقيدة.
نشأة المشروع التغريبي في بلادنا العربية
ومع بداية هذا القرن تبنت بعض الأقلام في بلادنا المشروع التغريبي التنويري وظهرت كتب تحرير المرأة لقاسم أمين، وما هي النهضة لسلامة موسى، وابن رشد لشبلي شميل، ومستقبل الثقافة في مصر لطه حسين، والإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق .. الخ. وعند تصفح هذه الكتب نجد أن مشروع النهضة الأوروبية أو مشروع التنوير الغربي تم نقله بأكمله إلينا وحتى بدون تنقيح. فعلي عبد الرازق ينادي بفصل الدين عن الدولة، ويقول إن القرآن كتاب أخلاق وليس كتاب سياسة.
وطه حسين يطرح مشروع التعليم في بلادنا من وجهة نظر أوروبية مائة في المائة. وسلامة موسى يقول إننا لكي نتقدم لا بد أن نرفض الدين وأن الإيمان بالغيب هو سبب تأخر المسلمين.. الخ. وبعض هؤلاء رجعوا عن آرائهم في أخريات أيامهم ولكن حدث ذلك بعد أن انتشرت كتبهم وتتلمذ عليها الشباب وراجت في مؤسسات الثقافة والإعلام في بلادنا.
هل فعلا تخلصت أوروبا من الدين فتقدمت؟
إن هذه المقولة تحمل ألوانا من التضليل لا نظير لها لأن أوروبا التي أقنعتنا بأنها نفضت يدها من الدين هي في نفس الوقت شديدة الحرص على ديانتها. والذي يطلع على تاريخ التبشير في العالم العربي والإسلامي وعلى الميزانيات المرصودة لذلك من الدول الأوروبية يدرك مدى كذب هذه الفرية. إن كل دول أوروبا بلا استثناء ينص دستورها على أن الثقافة الإنجيلية هي الثقافة الرسمية للدولة.
إن التقدم والتأخر مرتبط بالأخذ بالسنن الكونية ومنها سنة العلم فللتقدم أسبابه وللتأخر أسبابه وهذه الأسباب لا علاقة لها بالدين ولكنها سنة من سنن الله في الكون من أخذ بها تقدم ولو كان كافرا ومن أهملها تأخر ولو كان من أتقى عباد الله.
وهكذا فقد تقدمت أوروبا لأنها لم تنفض يدها من الدين ولكن لأنها اعتصمت بمنطق العلم وجعلته سلما لرقيها المدني ولتقدمها التكنولوجي في حين أهمل المسلمون الأخذ بسنة العلم فتخلفوا.
المشروع الإسلامي في التنوير(7/318)
إن الإسلام يظلم حين يقارن بالأديان الأخرى ويكون مصدر المقارنة هو واقع المسلمين، لأن الإسلام مصدر لتنوير القلب والعقل والمجتمع، ففي المجال الثقافي نجد أن القرآن يضع مصدرين أساسيين لتثقيف الشعوب، وهما العلم والعقل، فهو يدعو إلى العلم والأخذ به واعتماد نتائجه وأن من يتركه فقد ترك حظه من الدين. كما جعل القرآن أحكام العقل في عالم الشهادة أحكاما قاطعة في الوقت الذي تكون فيه الأحكام في عالم الغيب مصدرها الوحي. لكن هناك فارق كبير بين العلم في الفلسفة الإسلامية والعلم في الفلسفة الأوروبية. فالفلسفة الأوروبية تعتمد العلم وتحصره في عالم المحسوسات وترى المادة هي الفاعلة أولا وثانيا. أما في المشروع الإسلامي فنحن نؤمن بأن الأسباب فاعلة ونؤمن في نفس الوقت أن الذي جعل الأسباب فاعلة هو الله الذي لو شاء لنزع الأسباب خاصية الفعل فتتعطل السنة الكونية لتقع المعجزة على أيدي الأنبياء أو الكرامة على أيدي الأولياء. وهكذا ظهرت في أوروبا نزعة الإلحاد بل ظهر عصر بكامله سمي بعصر الإلحاد، وذلك نتيجة كفر العلماء بالكنيسة وبالدين الذي مثلته هذه الكنيسة.
وللأسف فقد أراد المشروع التغريبي في التنوير أن ينقل القضية إلى العالم الإسلامي وأن يجعل الإسلام بديلا عن الكنيسة دون أن يفرق بين موقف الإسلام من العلم ومن العقل وبين موقف الكنيسة منهما. وعلى المستوى الاجتماعي فإن أوروبا تتهم الإسلام بأنه دين الرق والعبودية وهذا افتراء، فبينما كان الرق استثناء في الجزيرة العربية وجاء الإسلام ليلغيه فجعل عتق الرقبة عبادة لله، كان الرق أصلا في تاريخ أوروبا. إن الإسلام على المستوى الاجتماعي أكد مبدأين هامين هما الحرية والمساواة.. ومن أهمل في واحد منهما فقد فاته حظه من الدين. فالحرية في الإسلام حق مكتسب للشعوب وليست منحة من حاكم.. حتى أن الهجرة في الإسلام كانت مدخلا للهروب من الظلم، وكذلك كانت المساواة من المبادئ الهامة التي طبقها الإسلام فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
وعلى المستوى السياسي أكد الإسلام مبدأين هامين أيضا هما العدل والشورى.
وبعد ذلك نقول هل أخذت أمة من الأمم بهذه المبادئ الستة وهي العقل والعلم والحرية والمساواة والعدل والشورى وتأخرت؟
إن من الظلم أن نقارن الإسلام بواقع المسلمين.. فهذه المبادئ الستة تكاد تكون غائبة الآن عن واقعهم، والغرب ينظر إلى هذا الواقع ولا ينظر إلى الأصول الإسلامية وهي القرآن والسنة وما فيهما من مبادئ وقواعد وأحكام
=============
أهل السنة.. نبض الماضي وجمود الحاضر
الأحد 21 من شوال 1427هـ 12-11-2006م الساعة 03:26 م مكة المكرمة 12:26 م جرينتش
الصفحة الرئيسة
ربيع الحافظ - معهد المشرق العربي
alhafidh@hotmail.com
مفكرة الإسلام: على إثر الأزمة السياسية المبكرة(*) التي واجهتها دولة الحضارة العربية الإسلامية، التي أخبر عن ملامحها الرسول صلى الله عليه وسلم، وامتزج فيها الصدق بالشطط الفكري، برز مسمى أهل السنة والجماعة كعنوان لمفاهيم عقدية ورؤى سياسية شخّصت الأزمة وانطبقت على ملامحها.
العنوان الذي أطلقه الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه من وسط ميدان الأزمة وغمرتها لحل أزمة سياسية، جاءت ولادته سياسية من اللحظة الأولى. العنوان تنامى بشكل متسارع، من لافتة ميدانية إلى اسم لمدرسة واضحة المعالم، ثم إلى تعريف للطيف السياسي الأوسط والأكبر في الأمة، الذي أنقذ الدولة من أزمة سياسية حادة، وأقال عثرة كبرى عن طريق انطلاقتها.
رفعت الدولة الخارجة من الأزمة راية الطيف فوق مؤسساتها، لتتحول الراية إلى شعار للوسطية السياسية والفقهية والعقدية التي اختطتها الدولة لنفسها، ومكنتها من لعب دور "الكبير" الذي يتسع ويجتمع عليه الجميع. وسطية الدولة امتدت إلى علاقاتها الأممية، وكان أمرًا طبيعيًا أن تتحول دولة الحضارة العربية الإسلامية إلى ملاذ للأقليات المضطهدة لدى الأمم الأخرى، فكان تجسيدًا لحقوق الإنسان قبل أن تولد وتدور مفرداتها على ألسنة المعاصرين.
المدرسة وأصحابها الذين تصدوا للأزمة، تحولوا إلى خلية نحل، يشيّدون صرح دولتهم، يستحدثون الفنون، ويقيمون المؤسسات، ويقتبسون التجارب، ويؤطرون المفاهيم قطعًا للطريق أمام أزمات المستقبل.
كان هناك إبداع وابتكار وتطوير عند كل أزمة جديدة، وكان افتضاح مؤامرة تزوير مصدر التشريع ممثلة بالحديث الشريف، بداية عهد المؤسسات في الدولة، فأعلنت حالة الطوارئ، وأقيمت نقاط التفتيش الثقافية، ودققت الهويات الشخصية [ما كنا نسأل عن الإسناد، فلما ظهرت الفتنة قلنا: سموا لنا رجالكم.. التابعي الجليل ابن سيرين]، وجرى مسح المجتمع، وشهد العالم ولادة أول قاعدة معلومات للأحوال الشخصية، والتحقيق في أمر كل زاعم لنقل الحديث. عرفت القاعدة باسم "الجرح والتعديل".
ثم شهد العالم ولادة علم آخر هو "طبقات الرجال"، عُدّ من روائع العلوم، وهو يدون سير أعلام الرجال كاملة من المهد إلى اللحد، مرورًا بالحالة العلمية والاجتماعية والمعيشية، وهو فن انفرد به أهل السنة بين المذاهب، وانفردت به حضارتهم العربية الإسلامية بين الحضارات.
وبعد أن اتسعت رقعة الدولة وترامت أطرافها، وشقت إدارة شئونها بالطرق التقليدية، اقتبست نظام الدواوين من المدنيات المجاورة، الروم والفرس.
تسارعت التطورات، ومع تمدد الفارق الزمني بين الدولة وحقبة "عمل أهل المدينة" التي كانت مصدرًا للفقه الميداني على الشاكلة النبوية، أنشئت مؤسسة "أصول الفقه" التي وضعت قواعد الأحكام الفقهية، ونقلت الأجواء الفقهية "المدنية" إلى القرون اللاحقة بالصوت والصورة.
استمر الرواد في بناء مقومات دولتهم، فوضع علم البلاغة ليصون اللغة العربية التي هي مادة الإسلام، وكثرت رحلات طلب العلم والاستكشاف عبر القارات.
لعل أدق وصف لتلك الصروح، هو أنها المقاطع المتصلة التي كونت السياج الأمني الدائري الخارجي لأنظمة الدولة الواقي لها، وقشرتها الخارجية الصلبة لباطنها الرخو.
بكلمات قليلة: مناخ مفعم بالحياة، ورؤية ثاقبة.
انطلق ذلك الزخم في الحقبة الراشدة من دولة الحضارة العربية الإسلامية، وامتد طوال الحقبة الأموية، وحيزًا من الحقبة العباسية، ووصل ذروته في أواسط القرن الثالث الهجري.
يمكن القول: لقد شهدت تلك الحقبة تماهي مدرسة أهل السنة مع النظام السياسي للدولة، الذي أوجدته هي وأوجدها. أجواء التماهي هذه شكلت نقلة نفسية عريضة من بيئة الانطلاق المكية وظروف الأقلية والحرص والحذر والتأهب، إلى حقبة التمكن والاستقرار السياسي والاسترخاء، التي دانت لهم فيها شعوب الأرض، ونطقت بلسانهم، وتتلمذت في معاهدهم، وهو ما يمكن إدراجه تحت مقومات شخصية الأغلبية والتمكن، التي التصقت بالشخصية السنية وباتت حقيقة تاريخية ثابتة.
مناخ الحقبة الجديدة مثّل جوًا طبيعيًا لتآكل تدريجي لمقومات الشخصية المبكرة، ومع دخول دولة الحضارة العربية الإسلامية قرنها الرابع، كان الفتور قد نال من روح التنافس، والاسترخاء من التأهب.
لم تعد الأجواء خلية نحل، ودخل أهل السنة بشكل فعلي "أيديولوجية التواكل"، الفردي والجماعي، على الدولة ومؤسساتها، وهو طور لا يختلف فيه أهل السنة عن غيرهم من الأغلبيات، ما دام نسيجهم الفكري هو مادة الدولة بشكل عام، لتصبح هذه السمة ملازمة للشخصية السنية، ويظهر أثرها السلبي على الأداء السياسي فيما بعد، وتحديدًا بعد أن أبدلت الدولة نسيجها.(7/319)
السمة الأخرى، هي في التكوين الفكري للأغلبية، فنجد مفهوم أهل السنة لرسالة الإسلام منصبًا على أصل الرسالة، الذي هو العلاقة بين الإنسان وخالقه، التي من أجلها خلق، ثم على نظام الحياة الذي أتت به الرسالة، واللذان يقتضيان وجود نظام سياسي يصون منظومة الرسالة ويوسع رقعتها ويذود عنها.
أي أن النظام السياسي خادم للمنظومة، وسيلة لا غاية، وما فعله أهل السنة المؤسسون في صدر دولتهم كان ممارسة سياسية لتصويب مسار عقدي وفقهي منحرف، والعودة بالمجتمع إلى الطيف الأوسط.
على هذا الأساس حددت الأولويات الفكرية في هذه المدرسة، وكان انشغال المؤسسة العلمية هو في أصل الرسالة، وهي الحالة الطبيعية التي عليها الحضارات في حقب الاستقرار، التي تتفوق فيها المؤسسات العلمية حجمًا وإنفاقًا على ما سواها، وتستقطب الطاقات والعقول، وتضمر فيها المؤسسات الأمنية. لكن هذه النسب تبقى عرضة للتغيير، وقد تنقلب في أوقات الخطر.
هذا المفهوم يوجد مقلوبًا أساسًا عند الأقليات، وفي هذه الأمة نراه مجسدًا عند الأقليات الباطنية (الشيعة)، حيث تقويض النظام السياسي للدولة هو الأصل، والمذهب هو احتجاج سياسي، ألحق به على عجالة نظام عقدي وآخر فقهي يسبغان عليه الصبغة الدينية، وينقلانه إلى الحياة اليومية للإنسان البسيط، حيث تتداخل السياسة بطقوس الاستغاثة والأدعية التي يمارسها الإنسان الشيعي البسيط، وتبقى روح الثأر والاستنفار النفسي قائمة تجاه محيط الأغلبية، فهما (أي العقيدة والفقه) وسيلتان لغاية.
العجالة في تأسيس المذهب تظهر بجلاء في التناقضات الكثيرة التي يحملها النظامان الفقهي والعقدي، ويصبح من الطبيعي أن تتصدر الغاية (الاحتجاج السياسي) اهتمامات المذهب الأخرى.
هذا الفارق في الأداء والاستنفار الفكري والسياسي بين الأغلبية والأقليات، كانت قد سدت مسده دولة الحضارة العربية الإسلامية بالنسبة لأهل السنة. لكن تلك الدولة زالت، وبزوالها ارتدت المهام السياسية التي كانت تحملها - بتخصصاتها وتعقيداتها - دفعة واحدة على المؤسسة الدينية المثقلة أصلاً بالأزمات، مسببة اختلالاً في معادلة الحكم في الدولة، واختلالاً خطيرًا في الأداء السياسي.
التداعيات الكارثية لزوال الدولة - التي نشهدها اليوم - كانت قد حدّت منها أو أرجأتها الحقبة الانتقالية الهشة التي شكلتها الدولة المدنية المعاصرة، إلى اللحظة التي سقطت فيها هذه الدولة - كما في العراق - ودخول المجتمع حقبة دولة الطوائف التي تلقي بظلالها الكثيفة على المنطقة.
يمكن القول: إن الشخصية السنية والدولة مكونان لسبيكة فاعلة ثنائية المعدن، انفصامها لا يعني تفريق خصائصها بالتساوي على المعدنين، وإنما ردهما عناصر أولية خاملة.
هذه الشخصية لا يمكن أن تبدع أو تنافس في أجواء الشللية والطائفية والكانتونات أو الفيدراليات التي تزدهر فيها الأقليات.
المسار الذي سلكه المؤسسون الأوائل، والشخصية الوسطية التي أسبغوها على أنفسهم وعلى نظامهم السياسي كانت أسباب حياة لدولة ثم حضارة، ولم يكن مصادفة أن أَخرجت هذه المدرسة - رغمًا عن نظريات الاجتماع - من عقم الفسيفسائيات العرقية حضارة متعددة الأعراق، هي على الجملة من أعظم ما قام على وجه الأرض، ومن الهشاشة الاجتماعية لمجتمع الأقليات سبيكة متماسكة فاعلة.
الجمع بين التقدم العلمي والتماسك السياسي والحذر الأمني الذي سارت عليه دولة الحضارة العربية الإسلامية، هو خلاصة ما توصلت إليه أمم القرن الواحد والعشرين وتنكب عليه ولكن بصيغ مختلفة، بدءًا برصد الهوية الثقافية والسياسية للفرد بطرق غاية في الدهاء، وانتهاءً بتتبع هواياته العامة، وحفظها بتقنية رقمية تلاحق صاحبها أينما حل وارتحل.
مازالت مؤسسات المؤسسون الأوائل تُدرس خارج إطار الأسباب الأيديولوجية التي دفعت باتجاهها، وبعيدًا كل البعد عن الأجواء النابضة التي نفذتها، ومازالت - هذه المؤسسات - عند الشاب المسلم البسيط وسيلة قربى إلى الله - وهي إن شاء الله كذلك - يغوص في فنونها، وهو أمر يعني المتخصصين، عوضًا عن أن يوجه هذا الشاب نحو دراسات عليا تضع تلك الصروح في قوالب معاصرة لخدمة ذات الغايات التي تتكرر اليوم.
أهل السنة اليوم أمام حقبة جديدة، فلا الدولة التاريخية عادت موجودة وحامية لهم، ولا الشللية الطائفية آوية لهم، ولا أجواؤها مناخًا لإبداعاتهم، ولا تراخي الأغلبية الموروثة يخدم واقعهم.
واهم من يظن أن بمقدور أهل السنة العيش بأجندات الغير، فهم وبخلاف الغير أمام مسئولية مزدوجة، خاصة وعامة، فهم وعاء الفسيفساء الكبير، وفي تعافيهم السياسي تعافٍ للأقليات التي عاشت في كنفهم قرونًا طويلة ومنجاة لهم وللجميع، وفي سقمهم السياسي، التشظي، وسيناريوهات الشللية والطائفية وحماماتها الدموية، والواقع شاهد على ذلك.
أما على الصعيد العالمي، فأهل السنة أمام مسئولية أممية، وهذا العالم لن يعرف الاستقرار والفراغ السياسي يضرب سدس سكانه الذين يعيشون على رقعة جغرافية اسمها العالم الإسلامي.
أهل السنة اليوم جسد من دون رأس، يتعاملون مع تركتهم الحضارية الضخمة التي أدخلتهم نادي الأمم، كأدوات فقهية أو أكاديمية ليس إلا، خارج مناخها الأيديولوجي، فضلاً عن أن يضيفوا إليها، ولا عجب بعد ذلك ألا يستحثهم مناخهم الراهن، بكل محفزاته، إلى نفرة كنفرتهم الأولى، وجولة جديدة من الإعمار السياسي.
النخب الثقافية والعلمية والسياسية لأهل السنة مدعوة أمام التاريخ للنزول من أبراجها، وتبوء دور يليق بقدراتها الفكرية، يتناسب مع طبيعة الأزمة، يصوب المفاهيم، ويعدل البنية الفكرية بما يلائم الواقع جديد.
في البداية انتفضت الأمة لمواجهة خصم مشتط لكنه صدوق، واليوم تواجه خصمًا كذوبًا وإن صدق (الصفويون الجدد)، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
(*) أزمة الخوارج في تكفير فاعل الكبيرة، والانطلاق منها لتغيير النظام السياسي
==============
عبد الرحمن الثالث.. كتاب بالانجليزية عن خليفة قرطبة الأول
الأحد 21 من شوال 1427هـ 12-11-2006م الساعة 11:12 ص مكة المكرمة 08:12 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة
صدر حديثا بالانجليزية عن دار منشورات العالم الواحد في لندن للكاتبة ماربيل فييرو كتاب بعنوان عبد الرحمن الثالث: خليفة قرطبة الأول والكاتبة باحثة متخصصة بتاريخ الأندلس وحضارتها ومن مؤلفاتها تشكيل الأندلس: اللغة ، الدين ، الثقافة والعلوم واشتراكها مع كتّاب آخرين في كتاب بعنوان الإسلام..
تقدّم الكاتبة تأريخاً شاملاً لواحدة من أبرز الشخصيات التي صنعت الحضارة والحكم العربيين في الأندلس. أشارت فييرو إلى أن الحضارة الأندلسية وصلت إلى أوجها في عهد عبد الرحمن الثالث الذي أحال مدينة قرطبة - عاصمة الأندلس في عهده - منافساً رئيسياً للحواضر الإسلامية الكبرى كبغداد والقاهرة في الثقافة والعلوم وتجاوزت في مناح عديدة مدن الشرق الإسلامي.
ووضعت فييرو توطئة لازمة عن عبد الرحمن الأول وعبد الرحمن الثاني معتبرة أن عبد الرحمن الثالث قد استطاع أن يتفوق عليهما بانجازاته ومساهمته البارزة في الحضارة الأندلسية ، رغم أن الأول وصل للأندلس هارباً من الحكم العباسي وأصبح أميراً للبلاد مواصلاً حكم الدولة الأموية الذي انتهى في دمشق ، فيما الثاني جعل من قرطبة دمشق ثانية عمارةً ونمط حياة.(7/320)
وترجمت فييرو سيرة عبد الرحمن الذي ولد في قرطبة عام 890 وفيها توفي عام 961 ، ولقب بالناصر بسبب انتصاره على الأعداء وتحقيقه العديد من المشاريع التي خطط لها ، كما حقق الوحدة الداخلية للأندلس بعد حروب وفتن طاحنة ، فقضى على فتنة ابن حفصون وأنهى التوغل المسيحي لأراضي الأندلس ، وأن ملوك المغرب قد بايعوه أميراً للمؤمنين.
تطرقت فييرو إلى مسألة هامة تتعلق في الجرأة التي تمتع بها عبد الرحمن الثالث حيث قام عام 929 باتخاذ لقب الخليفة نداً ومنافساً للخليفة العباسي في بغداد ، وهو أول حاكم أندلسي يقوم بذلك في تحد صارخ للدولة العباسية. تناولت فييرو نموذج الأندلس المتسامح وهو ما أشارت إليه بالتفصيل في كتابها السابق "تشكيل الأندلس" ، موردة أمثلة كثيرة دالة على مشاركة الطوائف والأعراق المختلفة في الحكم والسياسة والحياة العامة ، حيث كان اليهودي أبو يوسف هاسدي ابن سبروت أكبر مستشار لدى عبد الرحمن الثالث كما كان القائم على التجارة الخارجية والتفاوض مع سفراء الدول الأجنبية ، إضافة إلى آخرين من المسيحيين العرب والقوط أو البربر وغيرهم.
وتابعت فييرو مشيرة على مشاركتهم في الحياة الثقافية والاجتماعية مقبولين تماماً داخل المجتمع العربي الأندلسي ، فقد كان الفيلسوف الأندلسي اليهودي ابن ميمون أحد مشاهير عصره ، والذي طوّر واستفاد من العالم والقاضي أستاذه ابن رشد.
أكدت الكاتبة في كتابها على تطور الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس وباعتبارها النموذج الأوحد في أوروبا في ذلك الوقت ، واستمر هذا الحال فترة طويلة امتدت حوالي خمسمائة سنة ، منوهة إلى النهضة التي قامت في أوربا منذ بدايات القرن الثالث عشر اتكأت على الترجمات العربية في قرطبة وطليطلة وغيرهما. واستعرضت فييرو حال المدن الأندلسية الأخرى إبان حكم الخليفة عبد الرحمن الثالث مثل: إشبيلية ، طليطلة ، غرناطة ، بالنسيا وملقا ، حيث قامت فيها حواضر هامة وكانت جزءاً أصيلاً من نسيج الحياة العلمية والثقافية الأندلسية مقيماً فيها الكثير من العلماء مثلها مثل قرطبة العاصمة.
وأوضحت فييرو أن عدد سكان قرطبة وصل إلى المليون نسمة ، فيما عدّت مدن أندلسية أخرى عشرات الآلاف من السكان ، فيما كان عدد سكان باريس وقتها لا يتجاوز الألفي نسمة ، وهو حال مدن أوروبية كثيرة.
وتوصلت فييرو إلى قضية خطيرة وهي في التشجيع الكبير من قبل عبد الرحمن الثالث إلى ترجمة علوم وفلسفة الإغريق ، في رؤية أصيلة لتوارث العلم على اعتبار قرطبة المدينة الإسلامية وريثة أثينا ، كما اهتم كثيراً بالتأليف حيث تشير المراجع إلى أن مكتبة الخليفة الأندلسي احتوت 300 ألف كتاب.
=============
علوم الأرض في الحضارة الإسلامية .. كتاب صدر مؤخرا
الخميس18 من شوال 1427هـ 9-11-2006م الساعة 10:16 ص مكة المكرمة 07:16 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة
صدر حديثاً عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة كتاب بعنوان علوم الأرض في الحضارة الإسلامية للدكتور زغلول النجار رئيس لجنة الأبحاث العلمية للقرآن الكريم بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية المصري .
ويذكر الكتاب أن المعرفة الإنسانية عند المسلمين تنبع من مصدرين رئيسيين الأول الوحي السماوي المنزل من الخالق سبحانه وتعالى، الثاني العلوم المكتسبة في مختلف مجالات المعرفة التي تجلت عبر الأجيال المتعاقبة من السلالة البشرية إلى اليوم وحتى قيام الساعة ويبين الكتاب أن للمسلمين في قضية المعرفة الإنسانية موقفاً خاصاً يختلف بجلاء عن مواقف غيرهم من أصحاب المعتقدات الأخرى ومن غير أصحاب المعتقدات لان المسلمين يؤمنون بأن الإنسان بدأ عالماً عابداً بينما يؤمن غير المسلمين بأن الإنسان بدأ جاهلاً كافراً وتدرج في عبادة الوثنية حتى وصل إلى القناعة بعبادة خالق تلك الأكوان فعبد الله وتدرج في التعرف على الظواهر والسنن الكونية وأخذ في توظيفها في عمارة الحياة على الأرض فتعلم العلم وتطبيقاته التقنية ومن هنا كان من أسس المعرفة الإنسانية عند المسلمين ذلك العلم الوهبي الذي وهبه الله تعالى لآدم أبو البشر وعلم آدم الأسماء كلها.. وعلى أساس من ذلك العلم الوهبي جاء تفسير الحضارات الموغلة في القدم مثل الحضارة المصرية القديمة والبابلية والآشورية والفارسية والإغريقية.. الخ.
ومما يؤسف له أن كتابة تاريخ العلوم قد تركت في معظمها لإقدام غير المسلمين فأهملوا دور المسلمين في نهضة البشرية وأنكروا أن حضارتهم في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية بصفة عامة وفي مجال العلوم البحتة بصفة خاصة والذي استمر بغير انقطاع منذ مطلع القرن السابع الميلادي إلى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي حين تنازل الباب العالي التركي عن شبه جزيرة القرم لروسيا في سنة 1207هـ الموافق 1792 ودخول نابليون مصر وتم ذلك بإسقاط دولة الخلافة الفرنسية عام 1924 .
وانطلاقاً من ذلك فإن الغالبية العظمى من كتب تاريخ العلوم عادة ما تبدأ بالحضارة اليونانية القديمة بالإضافة إلى تحريف أسماء مشاهير علماء المسلمين لتفقد جذورها العربية وصلتها بالعالمين العربي والإسلامي مثل ابن رشد حرف إلى أفيروس والرازي إلى رازبيس والفارابي إلى الفارابيوس وابن سينا إلى افيسينا.. الخ.
كما يذكر الكتاب أصوات قلة من المستشرقين الغربيين وسط تقصير المسلمين في حق تراثهم مثل المؤرخ الانجليزي بيكر وجوستاف والمستشرقة الألمانية سيجريد هونكة وجوستاف لوبون الذين قالوا إن العرب هم الذين مدنوا أوروبا في المادة العقل والقلب.. ويقع الكتاب في خمسة أبواب الأول بعنوان الكتابات السابقة عن علوم الأرض في الحضارة الإسلامية والثاني بعنوان علوم الأرض كما نعرفها اليوم والثالث الأرض في الحضارات القديمة والرابع علوم الأرض في الحضارة الإسلامية والخامس دور المسلمين الأوائل في تطور علوم الأرض.
================
هل من أمل في حوار إسلامي غربي؟
الثلاثاء16 من شوال 1427هـ 7-11-2006م الساعة 07:11 م بتوقيت مكة المكرمة 04:11 م بتوقيت جرينتش
الصفحة الرئيسة
... الإسلام والغرب ...
الحوار الإسلامي الغربي
د. علي عبد الباقي
مفكرة الإسلام: رغم أن الاختلافات بيننا وبين الغرب النصراني جذرية ويصعب حلها والتغلب عليها والالتقاء مع هذا الغرب على كلمة سواء، فإننا لا يمكن أن نرفض الحوار، بل نحبذه وندعو إليه. وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وآله أن يدعو أهل الكتاب إلى الحوار الإيجابي الذي يبرز نقاط الاتفاق، ويغضي عن نقاط الاختلاف، ليجعل من تلك النقاط المتفق عليها مرتكزاً للائتلاف، ومتكأً للوفاق، ومنطلقاً للتعاون البناء الجاد لخير البشرية كلها، فيقول الله تعالى: [ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بينا وبينكم، ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله]. ونهاه عن الحوار السلبي، الذي يبرز نقاط الاختلاف ويهمل نقاط الائتلاف، لأن ذلك الحوار لن يكون في مصلحة البشرية، ولن يتكشف إلا عن أسباب الصراع: [ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم].
وإذا كنا، نحن المسلمين، نؤمن بالحوار وندعو إليه عن قناعة وصدق، فإن القوم في الغرب يصدعون رءوسنا بالحديث عن الحوار، ولكنهم يفرغون دعوى الحوار من مضمونها، ويريدونه حواراً لفرض الشروط والإملاءات.
إنهم يرفضون الحوار(7/321)
في الغرب قطاع كبير جداً، ربما كان هو القطاع الرئيسي الذي يتشكل من غالبية المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الفاتيكان، ومؤسسات التنصير، والمخابرات، وغالبية مراكز الأبحاث والجامعات، ووسائل الإعلام، وهو يرى أن الغرب والإسلام لن يلتقيا، وأنه لا داعي للحوار، وأن الأسلوب الأمثل للتعامل بين الطرفين هو الأسلوب القائم حالياً، ولو بطريقة كالتي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية تحت رئاسة بوش الابن.
وهناك قطاع آخر قليل من بعض الساسة والمثقفين والأكاديميين يطالب بالحوار مع المسلمين، المعتدلين منهم والمتطرفين على حدٍّ سواء. وهذا القطاع يدعو إلى إجراء حوار شامل ومنفتح، ويحذِّر من حصول أيِّ حوار "انتقائي"، إذ يرى فيه تضليلاً للآخر وتضليلاً للذات معًا.
وما يدفع هذا القطاع إلى التشدد في مواقفه هو أن المسلمين أقلية تنمو في المجتمعات الغربية نفسها، وأن المسيحيين أكثرية تتضاءل؛ ثم إن المسلمين أكثر شبابًا والمسيحيين الغربيين أكثر شيخوخة. كما يكمن جوهر المشكلة في أن المسلمين أشد تدينًا والمسيحيين أشد عَلمانية: ففي فرنسا، مثلاً، حيث يُقدَّر عددُ المسلمين بحوالي خمسة ملايين، كان يوجد 992 مسجدًا ومصلًّى في العام 2003، فارتفع العدد هذا عام 2005 إلى 1230.
حينما نطق هنتنجتون بالصدق!
وقبل أن نتحدث عن الحوار والالتقاء سنركز على أسباب الخلاف ودواعيه وحجمه. وفي هذا الإطار فإنه رغم أن الكثيرين اعتبروا صموئيل هنتنجتون متجاوزاً وعنصرياً حينما قال بحتمية صدام الحضارات، إلا أن الأحداث التي وقعت خلال الأعوام القليلة الماضية أكدت أن الصدام آت لا ريب فيه ، وأن هنتنجتون لم يكن متجاوزاً ولا مغالياً. فمنذ أحداث 11 سبتمبر 2001, وحبل المشنقة يضيق تدريجياً حول العنق الإسلامي والعربي . ورغم ترجيحنا لكفة الحوار ودعاوي التداخل الحضاري إلا أن دوائر الشك تتسع يوما بعد يوم في العالمين العربي والإسلامي , بحيث بات راسخا في أذهان الغربيين أن هذه المنطقة في العالم هي ـ بالفعل ـ معمل لتفريخ الإرهابيين .
عشرات المؤلفات الغربية التي صدرت حديثا في قضايا السياسة والشرق الأوسط لا تري غير ذلك، خصوصا إذا كان مؤلفوها من أولئك الصحفيين الغربيين الذين أتيح لهم أن يعملوا كمراسلين لصحف أوروبية في البلدان الإسلامية فنقلوا عن الإسلام كل ما هو غريب ودخيل , ومشكوك فيه . فالإسلام الذي يتحدثون عنه ويقدمونه للجماهير الغربية هو أن الإسلام دين يحض علي العنف والكراهية , ويقف حجر عثرة في طريق الحرية الفردية والمجتمعية وتتعارض مبادئه مع أسباب التقدم .
لقد وقف العقل السياسي الغربي موقفا مناوئا للإسلام والمسلمين فأفسح المجال رحبا أمام أشخاص من نوع سليمان رشدي , وتسليما نسرين ودافع عنهما دفاعا مستميتا بعد أن صورهما على أنهما ضحايا للتعسف الإسلامي , ولم يدخر وسعا في إلصاق تهمة التخلف والرجعية بالإسلام والمسلمين !
وسائل الإعلام الغربية كرست هذه المفاهيم المغلوطة عن الإسلام بعد أن وضع الغرب الإسلام في مكان الشيوعية , وبات يردد في أدبياته أن خطرا أخضر سيدهمهم كما كان يدهمهم في السابق الخطر الأحمر، وتولدت عن هذا التصور المريض أوهام منها أن المسلمين يخططون لإدخال الغرب في الإسلام , وأن المسلمين ينشرون في مساجد هم أفكاراً تحرض علي كراهية الآخر.
كيف ينظر الطرفان لبعضهما؟
وبينما يرى الكثير من الغربيين أن المسلمين متعصبون ويتسمون بالعنف وقلة التسامح, ينظر المسلمون للغرب عامة على أنهم أناس يتصفون بالأنانية وانعدام الأخلاق والطمع, بالإضافة إلى العنف والتعصب، والشعوب الإسلامية ترى أنها مضطهدة من قبل الغرب, وتعتبر أن السياسات الغربية هي المسئولة عن تدهور أوضاعها الاقتصادية. ولكن الشعوب الغربية, من جهتها, ترى أن أكبر العقبات التي تقف حائلاً دون ازدهار الدول الإسلامية هي الفساد الحكومي وقلة التعليم والأصولية الإسلامية.
وبينما يلفي معظم المسلمين باللوم على ازدراء الشعوب الغربية للدين الإسلامي، يعتقد الغرب أن تعصب المسلمين وعدم تقبلهم للاختلاف في وجهات النظر هو الذي ينبغي أن يٌلقى عليه باللوم.
وتتضح الهوة بين المسلمين والغرب أيضًا من خلال الأحكام التي يصدرها كل من الجانبين حول كيفية معاملة الحضارة الأخرى للمرأة. فالشعوب الغربية ترى أن المسلمين لا يحترمون المرأة، في حين أن معظم الشعوب الإسلامية يقولون نفس الشيء عن الغرب.
ولدى الطرف الإسلامي عوائق تحول دون فهمه للآخر الغربي، وتعود هذه العوائق في جانب منها إلى طبيعة سياسة الغرب تجاه عالم الإسلام منذ بدأت أوروبا تبدي نزعة توسعية مع بداية القرن الخامس عشر. كما أنها تعود إلى طبيعة الصورة التي يحملها المسلمون عن أنفسهم والتي يحددون من خلالها طبيعة فهمهم للآخر.
لقد تأثر المسلمون بهذا الفصل الجديد من المواجهة العسكرية الذي قلب ميزان القوى لتنتهي أغلب المواجهات بهزيمة بلاد الإسلام. بدأ ذلك مع صعود القوى الأوروبية الاستعمارية بداية من البرتغاليين والإسبان والهولنديين، ثم بأكثر حدة مع الفرنسيين والإنجليز إلى حدود أواسط الخمسينيات في فترة الاستعمار المباشر.
تجربة الاستقلال التي أعقبت هذه المرحلة عمقت الإحساس بمرارة الهزيمة لدى المسلمين وقد مثلت القضية الفلسطينية أبرز تجسيد لهذه الهزيمة.
كما رسخت مأساة الشعب الفلسطيني الشعور بالإحباط ودفعت إلى استبطان معطى الهزيمة العسكرية لاستحضاره في كل مناسبة للتعامل مع الآخر. هذا ما أدى إلى اختزال صورة ذلك الغرب في مستوى العلاقة السياسية وإلى إفراز عقدة المؤامرة التي من خلالها نحاول أن يفهم المسلم مختلف التحديات.
أسباب النظرة الغربية غير المنصفة للإسلام
والغرب من ناحيته لا يقدر الإسلام حق قدره، بل يتهم حركة الإسلام بأنها حركة صماء لا تقيم للحوار مع الغرب أية أهمية، ويربط قادة الغرب وسياسيوه ومفكروه بين الإسلام والأصولية، على أساس أن الإسلام هو الأصولية، وأن الأصولية هي الإسلام، وأنهما الخطر الأول على الغرب والعالم الحر.
والغربيون يعنون بالحوار أن يجلس المسلم إلى الغربي كما يجلس التلميذ إلى أستاذه فيتلقى منه دون نقاش أو جدال ما يلقنه إياه من مفاهيم الحرية والثقافة، والديمقراطية، وأصول التعامل مع الغرب المتحضر، وطريقة دخول معبد العالم الحر، وبهذا يكون محاوراً بارعاً، وإلا فهو أصولي إرهابي متطرف.
و كذلك فإنهم يلبسون مصطلح الأصولية معاني ليست حسنة في ذاكرة شعوبهم، تلك الذاكرة التي تختزن في أعماقها حركات غربية راديكالية شوفينية، عرقية قومية، أو دينية طائفية، أو خيالية ميتافيزيقية، وتحاول أن تلفت أنظار شعوبها إلى الإسلام وحركة الإسلام بوصفها أصولية لا تختلف عن تلك الأصوليات الغربية المتحجرة والمتطرفة في معتقداتها وأفكارها وعنفها وإرهابها، لتشويه صورة الإسلام في منظار الشعوب الغربية، وتنفيرهم منه ومن حركته، بهذا الشكل الملتوي الظالم المجحف، وبالتالي استنفار شعوب الغرب للتكتل والوقوف في وجه هذا الإسلام المخيف الذي رسموا صورته بطريقة مشوهة عن عمد وقصد.
منطلق الاستكبار الغربي(7/322)
إن الحداثة الغربية تشكل الإطار الذي يدور داخله الإنسان الغربي، وهي تقدم رؤية مادية ترى العالم باعتباره مادة. وقد عرَّفت هذه الرؤية الهدف من وجود الإنسان في الكون بأنه تعظيم المنفعة واللذة، وعرَّفت التقدم بأنه تصاعد معدلات الإنتاج والاستهلاك، مما ولد شراهة استهلاكية عند الإنسان الغربي ليس لها نظير في التاريخ. وهذه الحداثة المادية لا تعني مجرد استخدام العقل والعلم والتكنولوجيا، بل هي استخدام العقل والعلم والتكنولوجيا المنفصلة عن القيمة.
وفي عالم متجرد من القيمة تصبح كل الأمور متساوية، ومن ثم نسبية، وعندئذ يصعب الحكم على أي شيء، ويصبح من المستحيل التمييز بين الخير والشر وبين العدل والظلم، بل بين الجوهري والعرضي، وأخيراً بين الإنسان والطبيعة أو بين الإنسان والمادة.
وفي غياب قيم مطلقة يمكن الاحتكام إليها، تظهر آلية مادية واحدة ووحيدة لحل النزاعات والخلافات -التي هي من صميم الوجود الإنساني- ألا وهي القوة والإرادة.
وفي هذا الإطار تمركز الغرب حول ذاته، وجعل من نفسه مرجعية نهائية ومعياراً يحكم به على كل الظواهر والحضارات، ونظر إلى العالم لا باعتباره كيانات مستقلة لكل منها طموحاته المشروعة وأهدافه المختلفة، وإنما باعتباره أشياء من حقه أن يوظفها لحسابه باعتباره الأقوى.
وفي هذا الإطار تحركت جيوش أوروبا وقسمت العالم فيما بينها، ونهبت ثرواته وحولته إلى مصادر للمواد الخام والعمالة الرخيصة وأسواق لسلعها. وبالفعل جاءت الجيوش الغربية إلى العالم العربي والإسلامي وأخضعت شعوبه لكل أنماط الاستعمار: استعمار عسكري في مصر وسوريا ولبنان والمغرب والسودان والعراق وليبيا، واستعمار استيطاني في الجزائر، واستعمار استيطاني إحلالي في فلسطين.
الحوار المنتظر
إن الحوار الحقيقي والبناء والهادف بين الغرب والإسلام لا بد له من أسس وهي الحق والعدل دون اختزالهما في قيم حضارية ضيقة لا تمثل إلا نفسها.
وسيكون الحوار بالفعل عندما يجلس قادة الغرب المعتدلين مع نظرائهم من العرب والمسلمين، فيكون أولا الاعتراف بالوجود ثم الحوار بالحسنى، وتجنب إستراتيجية تسجيل النقاط على طريقة حوار الملاكمة، والإصغاء بدلاً من التجاهل، والكلام بقدر الإنصات، والتفكير في نتيجة منطقية تعطي لكل طرف وتنزع من كل طرف بقدر ما أخذ، لأن العدالة لا تكون إلا كذلك، ولا يتم الرضا بها إلا إذا كانت كذلك.
إن الحوار لم يكن متعذراً في ساعة من الساعات، ولكنه ربما أضحى صعباً وشاقاً.
الشعوب الغربية ـ دون الحكومات والحركات ـ لا تزال تقبل الحوار معنا، وهذا ما يلمسه المختصون عبر الجاليات الإسلامية والعربية المقيمة في ديار الغرب.
ونحن نطالب أن يكون المحاور من الطرفين على أعلى المستويات علماً وثقافة وأخلاقاً ونبلاً وتحملاً وتمثلاً علمياً لمبادئ دينه وحضارته وثقافته الذي يحاور من أجلهم، وعلينا أن نفهم أن الحوار لا يعني إلا الاجتهاد في إصابة الحق في كل أمر والسعي إلى تقديم هذا الحق المجتهد في الوصول إليه بالحكمة والموعظة الحسنة والأساليب الإنسانية الواعية الواقية العالمة.
والتقنيات الحديثة الجديدة وسيلة من وسائل الحوار العلمية فلنحسن استعمالها واستخدامها، وهي التي مهدت الطريق إلى حوارات على جانب كبير من الأهمية.
كما أننا يجب أن نفرّق بين الغرب السياسي والغرب الثقافي والمعرفي، وفي حين نصف الغرب السياسي بالإجرام والعنصرية، فإننا يمكننا أن نصف الغرب الثقافي والمعرفي بالتطور الإنساني الفعال. ولا بد أن نفرق بين الغرب السياسي والغرب الاجتماعي، لأن للغرب السياسي ثقافته ومعرفته، وللغرب الاجتماعي الشعبي ثقافته ومعرفته، إننا معنيون الآن بمخاطبة الغرب الاجتماعي أو الشعوب الغربية لأنها ربما كانت في بعض الأحيان إحدى ضحايا الغرب السياسي المستعدي من خلال وسائله الإعلامية وثقافته التي تنطبق عليها سمة التبرير.
والمنظومة الفكرية الغربية هي منظومة أو مرجعية المصلحة، وليس بالضرورة على الإطلاق أن تكون مصلحة السياسي هي ذاتها مصلحة الشعب بل كثيراً ما نرى تظاهرات تعلنها الشعوب الغربية ضد حكوماتها بسبب اختلاف المصلحة
=============
خفايا حرب المصطلحات ضد العرب والمسلمين!!
الخميس 21 شعبان 1427هـ - 14 سبتمبر 2006م
الصفحة الرئيسة
- الغرب يستخدم المصطلحات لحسم صراعه الحضاري معنا.
- لكل حضارة خصوصية في استعمال مصطلحاتها.
- يجب أن ننحت مصطلحاتنا التي تعبر عن ذاتيتنا وثقافتنا وعقيدتنا.
د. ليلى بيومي
مفكرة الإسلام: 'المصطلحات' .. من القضايا الهامة والخطيرة في عصرنا الحديث الذي يتميز بالتشابك والتداخل .. ولأن المصطلح يعني تلخيص فكرة واضعيه حول قضية معينة فإن الأمر إذن على درجة كبيرة من الخطورة تحتم علينا الحيطة والحذر في التعامل مع المصطلحات.
فالغرب كطرف أقوى حضاريًا وثقافياً وإعلامياً يطلق المصطلحات التي تعبر عن رؤيته لقضية معينة ،ثم يسوّق هذه المصطلحات إلى العالم عبر أجهزة إعلامه المسيطرة، فتنتشر هذه المصطلحات وتسود حتى لو كانت خاطئة ومتحيزة وأنانية.
يقول المفكر الراحل د. أحمد صدقي الدجاني: إن قضية المصطلحات تبرز في كل صراع وتحتل أهمية خاصة في الإعلام عنه .. وأي غفلة عن أهميتها وأي خطأ في التعامل معها قد يكون له نتائج وخيمة. فقد تساهلنا في كثير من المصطلحات التي نحتها الغير من وجهة نظره وكان لها نتائج سلبية في مقدمتها التبعية الفكرية. وهذه المصطلحات - في إطار صراعنا الحضاري مع الغرب - نجدها قد صممت لخدمة الغرب وانحازت لفكرته ورؤيته وعقيدته.
فمثلاً مصطلح مثل 'العالمية' ورد في إطار الحديث عن الأدب العالمي والمكتبة العالمية .. وقد دأب الغرب على احتكار هذا اللفظ بحيث أصبح مصطلح العالمية ينصرف إليه وحده .. فكل ما هو غربي عالمي وكأن العالم مقتصر عليه .. وقد قبلنا هذا المصطلح الخاطئ وأصبحنا من ضحاياه .. فأصبحنا ضحايا تبعية فكرية خطيرة واتجهت أنظار أدبائنا إلى جائزة نوبل وهي جائزة غربية .. ويتحدث البعض عن لغات عالمية وأخرى ليست كذلك.
ومصطلح 'التقدم' يجب أن نحدد مفهومنا عنه .. فقد ظهر هذا المصطلح في الغرب مع تقدمه التقني في جو سادت فيه فكرة أن تقدم العلم التقني مرادف للتقدم الإنساني .. وعبرت فكرة التقدم هذه عن مفهوم اجتماعي تاريخي وكانت وثيقة الصلة بمفهوم التطور الذي جاء به داروين وبمفهوم التغير الذي ينصب على عالم الظاهر .. وكلا المفهومين عار عن أي مضمون أ خلاقي .. فبينما التقدم وهو مظهر من مظاهر التغير مرتبط أشد الارتباط بالمعيار الأخلاقي .. فهو مفهوم ذاتي يعني ما هو مرغوب فيه أو ما هو الأفضل والأصلح أو ما هو مثالي يرجى تحقيقه وهو من ثم مفهوم نسبي يمكن أن يكون اجتماعياً أو أخلاقياً أو دينياً أو اقتصادياً.
ورواج مفهوم التقدم الغربي بمفهومه التقني فقط وإهماله الجوانب الأخرى ساهم في الإغراق في التوسع في استغلال مصادر الطبيعة وتحقيق أكبر قدر من اللذات الدنيوية.(7/323)
أما مصطلح 'الإرهاب' فإنه حسب المفهوم الغربي يستخدم لوصف أي مقاومة مسلحة للعدوان المسلح الغاشم الذي يقوم به المستعمر الغربي .. فهو يستخدم لوصف أية مقاومة للظلم واغتصاب الحقوق. وبديهي أن أصحاب هذا الفكر الاستعماري لا يصفون ما يقوم به الغرب بأنه إرهاب ،بل يضفون عليه صفة تمدينية أو دفاعية وأمنية .. وهم يعبرون عن فرحهم بنجاح هذا العدوان بأشكال مختلفة .. فإذا مارس الشعب المعتدي عليه حق المقاومة واستخدام السلاح دفاعاً عن نفسه انطلق هذا الفكر الاستعماري يصف هذه المقاومة بأنها إرهاب. وما أكثر الأمثلة على ذلك بدءً من الغزو الفرنسي لمصر مروراً بحملات الغزو الأوروبي إلى الثورة الفلسطينية وهي تقاوم الغزوة الصهيونية.
ويستخدم الفكر الغربي مصطلح 'التفاوض' ليطرح بديلاً للمقاومة المسلحة التي يسميها إرهاباً .. ولذلك فهو يضع شرطًا له وهو الإقلاع عن المقاومة المسلحة أو أشكال العنف . كما يشترط أن يكون له في هذا التفاوض اليد العليا .. ويضع شرطاً آخر وهو ألا يطلب المفاوض الآخر المعتدي عليه شيئًا لأن ذلك يعني تفاوضًا بشروط وهو لا يقبله .. وهكذا يصبح مفهوم التفاوض في الفكر الغربي عملية إذعان كامل للطرف الآخر واستسلامه.
الخصوصية الحضارية للمصطلحات
أما د. محمد عمارة فيقول: إن من المصطلحات الشائعة عند جمهور المثقفين والمفكرين 'لا مشاحة في الاصطلاح' أي أنه لا حرج على أي باحث في استخدام المصطلح بصرف النظر عن البيئة الحضارية والإطار الفكري أو الملابسات المعرفية أو الفلسفية والعقائدية التي شاع فيها. ونحن إذا نظرنا إلى المصطلحات من زاوية المضامين التي توضع في أوعيتها .. ومن حيث الرسائل الفكرية التي حملتها الأدوات والمصطلحات فسوف تتغير الرؤية .. فهناك أوعية وأدوات مشتركة بين الحضارات والأنساق الفكرية والعقائدية والمذهبية .. وفي ذات الوقت هناك مضامين خاصة تختلف فيها وتتميز هذه الأوعية العامة والأدوات المشتركة لدى كل حضارة من الحضارات.
فمثلاً مصطلح 'السنة' قد شاع استخدامه لدى مذاهب إسلامية مختلفة وفي علوم إسلامية متعددة .. لكن السنة عند اللغوي لها معنى وعند عالم الحديث لها معنى آخر وعند عالم الملل والمذاهب لها معنى ثالث.
فإذا كانت هذه المشاحة واردة في مضامين المصطلح ومعانيه وفي إطار مذاهب الحضارة الواحدة، فالأحرى بها أن تتأكد في مضامين المصطلحات في الحضارات المختلفة ، وهذا التمايز الحضاري يجعل من القاموس المعرب أداة تزييف لوعي أبناء الحضارة المتلقية لهذا القاموس، وأداة تبعية في نفس الوقت.
فمصطلح 'الشارع' مثلاً من المصطلحات في ميدان التشريع القانوني يوصف به من يشّرع القانون .. وواضع القانون شارع .. والشارع هنا هو الإنسان .. فهل حقاً لا مشاحة في استخدام هذا المصطلح الشائع ومضمونه؟.
إن الإجابة على ذلك سوف تكون مختلفة .. فابن الحضارة الغربية الذي لا يؤمن بوجود شريعة إلهية تنظم الجانب المدني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة يؤمن بأن الإنسان هو المصدر الأول والأخير للتشريع .. أما في الحضارة الإسلامية فالشارع هو الوحي الإلهي.
ما أن مصطلح 'الإقطاع' يختلف مضمونه من حضارة لأخرى .. فالحضارة الغريبة تجعل فلسفتها هي الملكية المطلقة في الثروات والأموال للأفراد في النموذج الليبرالي أو لطبقة الإجراء في النموذج الشمولي.
أما في الحضارة الإسلامية فهذه الملكية المطلقة هي لله سبحانه وتعالى مع تقرير هذه الحقوق للإنسان الحائز للمال باعتباره مستخلفاً في حيازته واستثماره والانتفاع به عن الله سبحانه وتعالى.
ومضمون مصطلح الإقطاع في النموذج الإسلامي هو تملك للمنفعة لا للرقبة، ولقد كان في التطبيقات الإسلامية وسيلة لإحياء الأرض الموات والانتفاع بها.
ماذا يحدث عندما لا يدل الدال على المدلول؟
وللدكتور عبد الوهاب المسيري رؤية في هذا الموضوع: فهو يرى أن النص الذي يكتبه إنسان بيده هو مجموعة من الدوال التي تشير من خلال علاقتها الداخلية إلى مجموعة من المدلولات والعلاقات الخارجية .. ولابد أن ثمة أفكاراً كوّنها هذا الإنسان في عقله وقلبه عن مجموعة من الظواهر والعلاقات في الواقع .. وهو يتصور عن عمد.
إذًا فثمة ثغرة قد تضيق أو تتسع تفصل بين الدال والمدلول ، فإذا قلت هذه تفاحة حمراء وأشرت إليها بإصبعي وكان يقف بجواري شخص آخر فإن الثغرة بين الدال والمدلول تكون ضيقة لأنه لا توجد سوى تفاحة واحدة وإصبع واحد يشير إليها. ولكن الأمر يختلف تماماً والثغرة تتسع في حالة تلك التفاحة التي أخبرتني عنها أمي في طفولتي فهي تفاحة حمراء تتدلى من أغصان شجرة خضراء في الجنة ويدور في خاطري أنني أريدها فتتدلى في يدي ثم آكلها. ولكن أمي لم تخبرني هل سآكها أم أنها ستدخل في جوفي من خلال وجداني .. وأين هذه التفاحة من التفاحة الأخرى؟.
ويضيف د. المسيري: إننا قد أدمنا عملية نقل المصطلحات دون إعمال فكر أو اجتهاد ودون فحص أو تمحيص ،فأصبحت العلوم الإنسانية العربية عقلها في أذنيها .. ولهذا فقد الإنسان العربي الحديث القدرة على تسمية الأشياء .. ومن لا يسمي الأشياء يفقد السيطرة على الواقع والمقدرة على التعامل معه بكفاءة. ونقل المصطلحات في العلوم الإنسانية عملية محفوفة بالمخاطر لأن كل مصطلح متجذر في تشكيل حضاري فريد له لغته المعجمية والحضارية الخاصة. كما أن الدال لا يشير إلى مدلول خارجي فحسب وإنما يحتوي على وجهة نظر من صكوه .. ويزيد الأمر تعقيداً إذا كانت الدوال ذات طابع عقائدي.
وأول أشكال التحيز هو التحيز الناجم عن ارتباط الدال بسياقه الحضاري الذي نشأ فيه، ومن ثم محدودية حقله الدلالي وقصوره في الإخبار عن مدلوله إذا نقل إلى سياق حضاري جديد.
فكلمة 'أسرة' في سياق غربي علماني يختلف مدلولها عن نفس الكلمة في سياق عربي إسلامي .. فدرجة التماسك بين أعضاء الأسرة والتضامن والتراحم والتناصر ومسؤولية الأبوين تختلف في السياق الأول عن الثاني.
وكلمة 'ماسونية' وهي حركة ظهرت في بلاد أوربا البروتستانتية واكتسبت مضموناً محدداً فيها ثم انتقلت إلى البلاد الكاثوليكية واكتسبت فيها مضمونًا مختلفاً تماماً عن الأول ومع هذا سميت ماسونية أيضًا .. وحينما نقلت إلى العالم الثالث أخذت مضموناً آخر.
ومن مصادر التحيز أيضًا أن المصطلح المستورد يحمل وجهة نظر صاحبة .. فمصطلح 'عصر الاكتشافات' يعني أن شخصًا اكتشف أرضًا جديدة وأطلق عليها العالم الجديد .. ولكن هناك وجهة نظر مغايرة هي رؤية سكان هذه الأماكن .. فالأمر لم يكن اكتشافاً بالنسبة لهم فقد كانوا يصنعون تاريخهم ويبنون حضارتهم منذ آلاف السنين.(7/324)
ويتضح التحيز أيضًا في مصطلحي 'الحرب العالمية الأولى والثانية'.. فالإنسان الغربي ظن أن أوروبا هي العالم وما عدا ذلك فأسواق ومستعمرات .. كذلك استخدام مصطلح 'الرأي العام العالمي'.. والمقصود به بالطبع الرأي العالم الغربي. ويحدث التحيز حينما ننقل كلمة مختلطة الدلالة من لغتها فمثلاً ظهر مصطلح عندهم ترجمناه إلى 'حركة تحرير المرأة' ثم ظهر مصطلح آخر هو 'Feminist' ترجمناه أيضًا تحرير المرأة وحل محل الأول. وفي الحقيقة فإن المصطلح الأخير يشير إلى مدلولين مختلفين تماماً فقد يعني تحرير المرأة ولكن دلالته أقوى على التمركز حول الأنثى. وحينما يبلغ التردي منتهاه لا نترجم المصطلحات بل نعربها فنقول كلاسيكية ورومانتيكية وبرجمانية والباروك - الخ. وهي كلمات لا معنى لها بالعربية رغم أنها تعني الكثير في سياق معجمها الحضاري. بل هناك من يشتق أفعالاً وأسماء من المصطلحات المعربة فيأخذ ون مصطلح 'الإيدولوجية' ويشتقون منه أن فلاناً 'يؤدلج' ويشيرون إلى 'التأدلج' - الخ.
الخروج من المأزق
يطرح الحل د. عبد الوهاب المسيري بقوله: إن القاعدة الأساسية ألا نترجم على الإطلاق وإنما ننظر للظاهرة ذاتها سواء في بلادهم أم بلادنا ، فندرس المصطلح الغربي في سياقه الأصلي ونعرف مدلولاته ،ثم نحاول توليد مصطلحات من داخل المعجم العربي .. لا يكون ترجمة حرفية ونقلاً بدون اجتهاد ولكننا سنولد مصطلحاً يصف ما نراه نحن، وتفسير من وجهة نظرنا نحن، وهذا لا يعني انغلاقاً عن الذات وإنما يعني انفتاحاً حقيقيًا على الآخر بدلاً من الخضوع له تماماً أو رفضه تماماً.
وهذا ما فعله الفلاحون الفلسطينيون حينما رأوا المستوطنين الصهاينة فلم ينخدعوا بكلام هؤلاء الرواد عن أنفسهم وتطويرهم للزراعة وإنما سموهم 'المسكوب' نسبة إلى موسكو .. أي الذين أتوا من موسكو أي الأجانب الدخلاء وهي تسمية أكثر دقة مما نتداوله حالياً وهي 'المستوطنون'.
==============
قراءات جزائرية لإشكالية النهوض في الفكر الإسلامي المعاصر
الأربعاء 20 شعبان 1427هـ - 13 سبتمبر 2006م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام: صدر حديثا عن دار في الجزائر للدكتورة شافية صديق كتابان ضمن سلسلة مراجعات فكرية تعالج فيهما إشكالية النهوض في الفكر الإسلامي المعاصر• وذلك من خلال الاجتهادات الموضوعية لكبار الكتاب والمفكرين في عالمنا المعاصر الذين أسهموا في اقتراح تصورات للنهوض بالأمة الإسلامية وتجاوز الانتكاسات التي ما تزال قائمة عقبة في وجه أي مشروع للتقدم•
وتعود الباحثة في كتاب فكر الحركة وحركة الفكر إلى ثلاثة شخصيات نموذجية في الفكر الإسلامي المعاصر هي حسن البنا وأبو الأعلى المودودي وسيد قطب• وتشكل الشخصيات الثلاث، حسب الباحثة محاور رئيسة في الفكر الإسلامي المعاصر في وجهه الحركي وما يجمع بينهم خصوصا هو المصير الذي لقيته أفكارهم في مخابر الفكر للدول الاستعمارية• فتقول الدكتورة شافية صديق أن أفكار الثلاثة تحولت إلى دستور عملي لحركات تغييرية حاولت تجسيد الاجتهادات السياسية•
وفي الكتاب الثاني 'الجهاد الفكري الفردي تتناول شافية صديق جهود شخصيات اجتهدت لاقتراح طريق للنهضة بعد الاجتهاد في تشخيص المرض وأسبابه الحقيقية، والنماذج المدروسة في هذا الكتاب هي علي شريعتي، ومحمد إقبال، مالك بن نبي• أما المفكر الشاعر محمد إقبال فحمل كل إنتاجه هم إنهاض الأمة الإسلامية•كما تناولت الباحثة المفكر الجزائري مالك بن نبي الذي فهم منذ بداية كتاباته أن شروط النهضة هو الموضوع الذي يجب أن تتركز حوله وفيه الجهود، وتؤكد على أن الشخصيات الثلاث خبرت الحضارة الغربية وفكرها من الداخل• لذلك جاء تحديها لسطوتها تحديا فكريا وإصرار يا
==============
الخطايا الأمريكية في الرد على هجمات 11 سبتمبر
الأربعاء 20 شعبان 1427هـ - 13 سبتمبر 2006م
الصفحة الرئيسة
عامر حسين
مفكرة الإسلام: أصبح معروفاً بين قطاع واسع من المثقفين والعرب والغربيين، أن إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن استغلت هجمات 11 سبتمبر 2001 , لإطلاق الحرب العالمية الثالثة , التي أسمتها هي 'الحرب العالمية ضد الإرهاب' , ولم يأت ذلك بطريقة عابرة , بل جاء نتيجة قرار مسبق وتخطيط مدروس جري علي مدي سنوات سابقة , بما يشير إلي أن هجمات سبتمبر لم تكن إلا استغلالا جيدا لظرف معين لتنفيذ مخطط مسبق وجاهز. وبالتالي فإن واشنطن أشعلت الحرب وهي تدرك هدفها وتعد وسائلها , وتتطلع إلي نتائجها .
وكانت نقطة البدء في تنفيذ هذا المخطط الأمريكي، بعد إقناع العالم بشرعية الرد الأمريكي على من دمروا رمز الحضارة وقتلوا المدنيين وعرضوا أمن بلادهم للخطر، هو ترويج مقولة أن الشرق الأوسط هو معمل تفريخ الإرهاب في العالم، وأن العراق هو البلد الأكثر إثارة للقلق والمشاكل، وبالتالي فإنه للتخلص من ذلك كله لا بد من إعادة صياغة لدول المنطقة العربية كلها واستبدال الأنظمة القائمة بأنظمة ديمقراطية، والبدء بإقامة نظام ديمقراطي في العراق مؤيد للغرب، يمكنه أن يحدث موجة من عمليات التحول الديمقراطي من شأنها أن تغير أو تزعزع الأنظمة الاستبدادية القائمة، بدون الحاجة إلى جلب مزيد من القوات الأميركية إلى المنطقة، هذه المقولة هي مقدمة خاطئة وقادت بالتالي إلى نتائج خاطئة.
ونحن في هذه السطور نحاول رصد جملة من الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية، سواء منها ما يتعلق بالفلسفة والتصور والمنهج، أو ما يتعلق التصرف والسلوك والعلاقة مع الدول والبشر.
وأول هذه الأخطاء هو إرسال القوات الأمريكية لاحتلال بلداناً عربية وإسلامية، وإسقاط نظمها السياسية وإعادة بناء نظم سياسية أخرى موالية لأمريكا، وقد كان ذلك خطأ كبيراً، لأن ذلك لم يؤد إلى القضاء على تنظيم القاعدة والقضاء على قادته، فالقاعدة ليست منظمة محددة بأرض أو بلد ولا تعتمد على دعم دولة، بل هو تنظيم منتشر في أنحاء العالم.
والخطأ الثاني أن الحرب العشوائية التي بدأتها الولايات المتحدة، زادت من التوترات في الشرق الأوسط، وعززت مواقع الاتجاهات الدينية والقومية، ودفعت بإيران لكي تكون الدولة الرئيسية في المنطقة، بعد القضاء على أعدائها [صدام حسين وطالبان]، والإتيان بحلفائها الشيعة ليحكموا العراق، وليكونوا مع إيران الهلال الشيعي، المسلح نووياً، والذي ربما تعارضت مصالحه مع الأمريكان في يوم من الأيام، وبالتالي يكون الأمريكان قد صنعوا عدوهم وساعدوه بأيديهم.
والخطأ الثالث أن عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي فشلت فشلا ذريعاً، لأنها لا يبنيها نظام سياسي مصنوع من الخارج، وإنما يبنيها مجتمع يتطور ذاتياً حسب ثقافته وتقاليده. ولكي تنجح الديمقراطية في العالم العربي فإنها يجب ألا تكون عبر بناء نظم سياسية هشة تابعة لأمريكا، وإنما يجب أن تكون متجذرة في العنصرين اللذين يمكن أن يمنحا الشرعية السياسية للعملية كلها وهما: الإسلام والقومية. كما أن الإدارة الأمريكية استمعت إلى نصائح الحكام العرب من أن الديمقراطية معناها صعود الإسلاميين إلى الحكم في معظم أنحاء العالم العربي.
بل إن من عجائب السياسة الأمريكية في حربها على الإرهاب أنها تقف في وجه القوى السياسية الحقيقية في العالم العربي، بل وتشن حرباً شرسة ضد حكومة حماس المنتخبة ديمقراطياً، وفي نفس الوقت تدعم الاستبداد والمستبدين.
حينما غاص بوش في وحل العراق(7/325)
والخطأ الرابع أن العراق نفسه لم يتم تحويله إلى الديمقراطية، فالدستور تمت صياغته بأيدي الأمريكان، وتم فرضه على العراقيين، في استفتاء مشكوك فيه. كما أن العملية السياسية الدائرة فيه هي مجرد تمثيليات ومخططات لتقسيم العراق ونهب ثرواته، أدت إلى حرب أهلية أكلت وتأكل الأخضر واليابس في هذا البلد الغني. وفوق ذلك لم تحقق هذه السياسات للمواطن العراقي أي شيء على صعيد ضمان الأمن، والخدمات وأبسطها المياه والكهرباء، وإنما أصبح المواطن العراقي أتعس إنسان في العالم. والعجيب أن القوم يتبجحون ويقولون إن العراق أصبح مثالاً يحتذى.
ومن الأخطاء الفرعية في الملف العراقي، أن الإدارة الأمريكية لم تمتلك إستراتيجية واضحة للتعامل مع كل الأطياف العراقية بعد سقوط نظام صدام، وانحازت لأصدقائها السابقين من الشيعة والأكراد، مما دفع بقطاعات واسعة من السنة لحمل السلاح ضد الوجود الأمريكي، وللتعبير عما أصابهم من ظلم وتهميش.
ومن الأحلام التي كانت مسيطرة على عقول جنرالات الحرب الأمريكيين، الاعتقاد بأنه ما أن يسقط نظام صدام حتى يتحول العراق في فترة قصيرة إلى الديمقراطية، ويتم حل كل مشاكل بلاد الرافدين المعقدة. وقد علم الجميع بعد ذلك مدى سذاجة هذا التفكير الذي قاد إلى تدمير العراق وتفكيكه.
وقد ارتكب الأمريكان خطيئة حرمان العراق من قياداته عندما أبعدوا معظم المسئولين البعثتين، وركزوا على الانتخابات وكتابة الدستور، ولم يوفروا خبرات قوية للوزارات الأساسية مثل الدفاع والداخلية، كما اعتمدوا على خبرات ضعيفة تنظيماً على مستوى المحافظات.
استفزاز العنف الإسلامي
أما الخطأ الخامس فقد كان من النتائج المباشرة لهذه الحرب، وهو اتجاه طلاب وشبان مسلمين يعيشون في الغرب نفسه نحو التطرف . فقد أجريت دراسة علي طلاب وشبان مسلمين في الجامعات السويدية وبعض الجامعات الأوروبية , وأشرف عليها ماجنوس رانستورب الأستاذ في كلية الدفاع السويدية، وخلصت الدراسة إلى أن الطلاب المسلمين المقيمين في أوروبا يتجهون إلى التطرف كرد فعل على الاستهداف الأمريكي الغربي للبلاد العربية والإسلامية.
لكن عيب هذه الدراسة هو عزل العينة التي أجريت عليها الدراسة عن المؤثرات الأكثر أهمية عليها , مثل تعرض شعوب عربية وإسلامية لظلم شديد يثير غضبا قد يشتد ويصل إلي مستوي الاندفاع صوب الانتقام ممن يحملهم الغاضبون المسئولية عن هذا الظلم وتجلياته اليومية في فلسطين والعراق وأفغانستان...الخ .
إلا أن الدراسة تشير إلى نقطة هامة وهي أن السياسات الأمريكية التي تدعي تخليص العالم من التطرف الإسلامي، سوف تكون هي السبب الرئيسي الذي يدفع قطاعات متزايدة من الشباب المسلم لممارسة العنف ضد المصالح والأهداف الغربية، كرد فعل مباشر للتطرف الأمريكي ضد العرب والمسلمين.
وهناك الآن قطاع متزايد من المثقفين الأمريكيين يعتقدون أن التفكير والمنهج والفلسفة التي قاد بها المحافظون الجدد حربهم ضد ما يسمي بـ'الإرهاب' كان خطأ كبيراً جعل تلك المأساة بداية لمآسي أخري لا نهاية تلوح في الأفق لها بدلاً من أن تكون بداية لمرحلة جديدة من النظر في لب المشكلة والبحث عن حلول لها. فأصل المشكلة نتج عن التدخل الأمريكي المباشر في شؤون الدول الإسلامية، وهو أمر لا يعالج بمزيد من التدخل السافر في عدوانيته وتبجحه.
ولقد كان استمرار العدوان الأميركي على العرب والمسلمين وزيادة حدة العمليات العسكرية والجرائم الإنسانية والأخلاقية التي ارتكبت بحقهم في العراق وفلسطين ولبنان سببا في تصاعد موجة العداء لأميركا، سياسة وثقافة ومصالح.
وكان السبب أيضاً قي تنامي كراهية العرب والمسلمين عامة للسياسة الأميركية، ورفضهم لخططها وأطماعها في المنطقة العربية. وعلى الرغم من قيام إدارة الرئيس بوش بحملة إعلامية ودبلوماسية مكثفة ومكلفة لتحسين صورة أميركا في البلاد العربية والإسلامية، إلا أن الجهود الأميركية باءت بالفشل، بل وساهمت أيضا في تعميق الشكوك في مصداقية بوش وعقلانية سياساته.
ومن العوامل التي ساهمت في تعميق تلك الشكوك، اتجاه الرئيس بوش إلى استخدام عبارات عدائية تفتقر إلى الذكاء والحساسية مثل عباراتي الحرب الصليبية والإسلام الفاشي، وتناقض أقواله مع أفعاله، وعدم التزامه بما يصدر عن إدارته ورجاله من تصريحات، خاصة فيما يتعلق بقضية فلسطين وحقوق شعبها المحتل.
وسادساً، فإنه من أخطاء حرب المحافظين الجدد التي ليس لها سقف ولا زمان ولا مكان، تلك الخسائر الاقتصادية الكبيرة للاقتصاد الأمريكي، فقد تصاعد الإنفاق العسكري الأمريكي بمعدل خمسين مليار دولار سنوياً [من 265 مليار في عام 2002 إلي 535 مليار في العام الماضي]، وحسب المصادر الأمريكية نفسها فإن ما تم إنفاقه علي الحرب علي الإرهاب خلال الأعوام الخمس الماضية بلغ 437 مليار دولار. أما الخسائر البشرية فقد بلغت في العراق وحده أكثر من 2600 جندي قتلوا وأكثر من 62000 أصيبوا بعاهات جسدية أو نفسية من جراء الحرب.
وسابعاً، فإن إدارة بوش الابن أيضاً في حربها البائسة هذه، ارتكبت أسوأ أنواع احتلال وقهر الأمم والشعوب، وهذا من شأنه على المدى الطويل الإساءة للإنسان الأمريكي. فهذا النوع من التدخل أسوأ من الاستعمار القديم، لأن الاستعمار القديم كان يهتم بالاستيلاء علي الأرض والموارد بينما يدع الناس وشأنهم، خاصة فيما يتعلق بدينهم وثقافتهم. ولكن الاستعمار الأمريكي الجديد جاء بأجندة محددة لتغيير البنية السياسية والثقافية للبلاد المحتلة.
ترويج المفاهيم والمصطلحات المطاطة
والخطأ الثامن أن الولايات المتحدة، ومعها الغرب كله، لم تحاول تحديد مفهوم واضح للإرهاب يجعل بالإمكان التفرقة بين العمليات الإرهابية غير المشروعة ضد الأبرياء وعمليات المقاومة الوطنية المشروعة ضد قوى الاحتلال والطغيان الأجنبية. وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتظهر أن الدول الغربية عامة، وأميركا خاصة، لم تكن معنية كثيرا بحق الشعوب المضطهدة في الحرية والتحرير ومقاومة قوى الاحتلال الأجنبية. ولذلك اتجهت تلك الدول بقيادة أميركا إلى الخلط المتعمد بين مفهومي الإرهاب والمقاومة، وذلك من أجل تجريم وتحريم كل عمليات المقاومة المشروعة باعتبارها عمليات إرهابية.
ففي بداية الحملة العسكرية في الحرب على الإرهاب قامت أميركا بتوجيه التهم للعرب والمسلمين عامة بكراهية الغرب والعمل على تدمير حضارته وطريقة حياته، من أجل ضمان تأييد الرأي العام الغربي للحرب الأميركية.
وهذه كلها أخطاء في الثقافة والسياسة والمنهج ستدفع ثمنها الولايات المتحدة، ومعها الغرب كله، على المدى الطويل، وسوف يتسبب ذلك في تأكد الضمير العالمي من عدم حيدة وموضوعية الغرب.
والخطأ التاسع أن بوش الابن قام بتدمير جسور الثقة مع العرب والمسلمين، مما ساهم في زيادة تعاطف الجماهير الإسلامية عامة والعربية خاصة مع المنظمات التي تعمل على نشر ثقافة مقاومة الهيمنة الأميركية، وسياسة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلية، ومفاهيم العولمة الاقتصادية والثقافية.(7/326)
والخطأ العاشر الذي لن يستطيع الأمريكان، حتى بعد انتهاء ولاية بوش الابن، محوه، هو تورطه في صك مصطلح 'الفاشية الإسلامي'، بعد أن تورط قبل ذلك في أنه سيواجه العالم الإسلامي بحرب صليبية جديدة. فهذه المصطلحات بقدر ما تفصح عن حال من الانحطاط الفكري لدى النخبة السياسية الأميركية، في عهد المحافظين الجدد، ومن الأصولية المسيحية الرجعية التي ضخها نفوذ الجماعات الإنجيلية والصهيونية في المجتمع الأميركي، بقدر ما يُدخل إلى مجال السياسة عقيدة القوة العمياء بصفتها الطريقة الوحيدة لمخاطبة العالم وحماية التفوق الأميركي، ليُدخل معها منظومة قيم دينية ترفع فعل القتل والإبادة للعدو إلى مرتبة القداسة والواجب الديني تأكيداً لرفعة مقام شعب في الأرض على مقامات شعوب أخرى.
ولقد أنتجت هذه القناعات الأيديولوجية والفكرية الخرقاء في السنوات الأخيرة حروباً ظالمة مات فيها مئات الآلاف من البشر وتشوّه فيها أضعاف أضعافهم، ودُمّرت فيها أوطان وتمّ محوها أو تمزيقها، وعنصرية كريهة تجاه قسم من العالم لمجرّد اختلافه الديني والثقافي وعدم تسليمه بأحادية المعايير الثقافية والاجتماعية الغربية [الأمريكية على نحو خاص]، واحتقاناً لا سابق له في الحدة في العلاقات الدولية بما في ذلك علاقات أميركا بحلفائها، وجموحاً مجنوناً إلى إلقاء القبض على مصير العالم والانفراد بتقرير شؤونه.
وهكذا فإن الإدارة الأمريكية الحالية تعتبر أن هناك ظاهرة مسيطرة في العالمين العربي والإسلامي، وبين الجاليات الإسلامية والغرب عنوانها 'الفاشية الإسلامية'، وأنها خليفة النازية والفاشية والشيوعية، التي كافحها العالم الغربي كله خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها إلى حين انتهاء الاتحاد السوفيتي وسقوطه.
الفرق بين بوش الابن وهنتنجتون صاحب فكرة 'صِدام الحضارات أن هنتنجتون ذكر حضارات أخرى غير الإسلام مثل الكونفوشيوسية والبوذية، وإن رجّح انفراد الإسلام وحضارته بمواجهة الغرب، بينما ذكر بوش ست مرات خلال ثلاثة أسابيع الفاشية الإسلامية بمفردها في مواجهة كل العالم.
أخطاء في حق الأمريكيين أنفسهم
والخطأ الحادي عشر الذي لا يغتفر للإدارة الأمريكية المتعصبة، أنها قادت الإعلام الأمريكي والعالمي، ومعه جمهور السياسيين والكتاب الغربيين، إلى التأكيد على أن الإسلام كدين بجوانبه العقدية والتشريعية والتاريخية، وكذلك المجتمعات الإسلامية بكل مكوناتها المركبة المتداخلة والحركات الإسلامية على تعددها واختلافاتها البينة، الجميع متطرفون وإرهابيون. وهكذا تم استفزاز أسوأ ما أفرزه الغرب الأوروبي والأمريكي من تيارات محافظة سياسياً ومتطرفة دينياً لكي توغل في عدائها للإسلام والمسلمين والحركات الإسلامية، وتملأ العالم دعاية سوداء مضادة لهم أجمعين بينما أشعلت الحكومات المعبرة عنها نار الغزو والحرب في عديد من بلدان المسلمين.
والخطأ الثاني عشر هو خطأ في حق الشعب الأمريكي نفسه الذي تم انتهاك حقوقه المدنية والسياسية على يد إدارة بوش الابن , باسم مكافحة الإرهاب ومطاردة وإجهاض محاولاته . وقد قد أرهقت هذه الانتهاكات الأمريكيين , وأفقدتهم الثقة في إدارة الرئيس بوش الابن وسياساته ومغامراته العسكرية , دون أن يحقق هدفا واحداً من الأهداف الثلاثة , التي وعد الأمريكيين قبل سنوات بتحقيقها , وهي القضاء علي الإرهاب , ومحاصرة انتشار أسلحة الدمار الشامل , وفرض الديمقراطية علي العرب والمسلمين .
الخطأ الثالث عشر هو أن إدارة بوش الابن المتطرفة جعلت أمريكا الدولة الإرهابية الأولي في العالم , فشعوب العالم كله، بما فيها الشعوب الأوروبية، أصبحت تعتبر بوش الابن إنساناً خطراً على السلم والأمن العالمي
===============
أسس المنهج العلمي في القرآن والسنة في ندوة علمية
الخميس14 شعبان 1427هـ - 7 سبتمبر 2006م
الصفحة الرئيسة
- القرآن اهتم بإقامة البرهان العلمي ونهى عن الظن والتقليد.
- الرسول علم المسلمين منهج التجربة في قضية تأبير النخل.
- الإسلام حث على تعلم اللغات الأجنبية.
- الإحصاء والتخطيط من أصول المنهج العلمي الإسلامي.
منى محروس
مفكرة الإسلام: كثيرا ما تعرض الإسلام لهجوم حاد من خصومه وخاصة المستشرقين من أنه خال من أي منهج علمي، بل ادعوا أن الإسلام هو السبب في تخلف المسلمين وبالتالي فلا مجال أمام المسلمين للتقدم إلا بالتخلي عن الإسلام واتباع الأنماط العلمانية الغربية.
ومن هنا جاءت أهمية الندوة العلمية التي نظمتها جامعة عين شمس، وتحدث فيها د. عامر النجار أستاذ الفلسفة ووكيل كلية التربية جامعة قناة السويس عن المنهج العلمي في القرآن والسنة.
وأول شيء في أسس هذا المنهج العلمي هو أن الإسلام جعل للعلم والعلماء مكانة عظيمة وفضل العلماء بعلمهم وحث الناس على التعلم وتحصيل العلم فقال تعالى:[يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات]. والرسول الكريم يقول: [من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة].. ويقول أيضا: [إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع].
والقرآن الكريم يهتم بالحجة العلمية والبرهان، فهو يطالب الكفار بالبرهان على اتخاذهم آلهة من دون الله وهذه المطالبة كما يقول العلماء مطالبة تعجيز فيقول لهم: [أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين].
كما أن القرآن الكريم يعتمد على العلم اليقيني لا على الظن والوهم.. فيقول [بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم]. وينهى القرآن الكريم من التقليد بغير علم ولا عقل ولا هداية فيقول: [وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون]. ويقول أيضا: [ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون].
وهكذا يعيب الله على الذين لا يستخدمون عقولهم ولا يستخدمون العلم والعقل ويصفهم بأنهم كالدواب. كما أننا نجد أصول المنهج العلمي القائم على الملاحظة والتجربة واستخدام النظر مع العقل فيقول تعالى: [قل سيروا في الأرض فانظرا كيف بدأ الخلق]. ويبين الله تعالى أن ما يكسبه الإنسان من علم ومعارف بعد مولده إنما يحصله عن طريق السمع والبصر والعقل.
فيقول تعالى: [والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون].
المنهج العلمي في قضية تأبير النخل
ومنهج السنة النبوية في التجربة واضح جلي في قضية تأبير النخل المشهورة ففي الحديث الصحيح عن طلحة قال [مررت مع النبي في نخل من المدينة فرأى أقواما في رؤوس النخل فقال ما يصنع هؤلاء قلت يأخذون من الذكر فيضعون في الأنثى يلقحون به.. قال ما أظن ذلك يغني شيئا فتركوه ونزلوا عنها فلم تحمل تلك السنة شيئا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنما هو ظن ظننته إن كان يغني شيئا فاصنعوا فإنما أنا بشر مثلكم والظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله عز وجل فلن أكذب على الله].
فالرسول في هذه القضية أراد أن يعلم أصحابه التجربة، ففي العام الذي تركوا فيه تأبير النخل أي تلقيحه لم يثمر شيئا.. وبالتالي يثبت بالتجربة أن التلقيح سبب رئيسي في الإثمار.(7/327)
ومن هذه التوجيهات الراشدة عرف المسلمون الأوائل خصائص التفكير العلمي ووضح ذلك في أبحاثهم فرأينا تحريراتهم العلمية الرائعة ووجدنا تميز تفكيرهم بالنباهة والموضوعية، كما وجدنا عندهم دقة في صياغة المفاهيم العلمية وتفسيرهم الواضح للظواهر التي يلاحظونها وفروضهم العلمية الدقيقة.
وكانوا يحاولون الوصول إلى تعميمات أكثر دقة من خلال اختبارها عن طريق أساليب الضبط بالملاحظة والتجربة العلمية. وقد عرفوا تماماً خاصية من أهم خصائص التفكير العلمي وهي التراكمية فاستفادوا من الدراسات السابقة وبدءوا من حيث انتهى الآخرون.
فالبحث العلمي حلقاته متراكمة متصلة، والمنهج العلمي عمل نقدي شاق ودقيق يهدف إلى الكشف عن معلومات جديدة، أو معرفة علاقات جديدة، أو محاولة الكشف عن حلول المشكلات العلمية الكبرى التي تشغل بال الباحثين.
وقد كان علماء المسلمين على معرفة تامة بخطوات المنهج العلمي، من حيث تحديد المشكلة، واقتراح الفروض التي تكشف سبب حدوث المشكلة، واختبار الفرض المقترح واستنباط نتائجه، فقدموا للإنسانية منهجا علميا متكاملاً فحققوا بذلك مقاصد العلم ودعوة الإسلام إلى التعلم.
ويشهد لهم أحد علماء الغرب وهو 'جون كايوا' فيقول: 'لقد اكتشف العرب في القرن الثالث الهجري طرقا جديدة للبحث العلمي وأثروا الحضارة الإسلامية بمعارف علمية شتى'.
دعوة الإسلام إلى تعلم اللغات
ومن أصول المنهج العلمي الإسلامي معرفة لغات الآخرين لكي يتم الاطلاع على علومهم وحضاراتهم ولكي يتم إقامة حوار معهم، ولهذا دعا الرسول المسلمين إلى الاقتباس من الأجناس الأخرى وتعلم لغاتهم. وأخذ صلى الله عليه وسلم بفكرة حفر خندق حول المدينة في غزوة الأحزاب وهي من أساليب الفرس التي أشار بها سلمان الفارسي.. كما استفاد من أسرى المشركين في محو أمية عدد من الصحابة، فزيد بن ثابت أحد كتاب الوحي كان ممن علمه أسرى قريش.
ولأن دعوة الإسلام للناس عامة وليست للعرب خاصة، فكانت الدعوة على تعلم اللغات دعوة أساسية.. وكان هناك من المسلمين من يعرف الفارسية والرومية والحبشية، ولكن لم يكن منهم أحد يعرف السريانية التي يكتب بها اليهود، فأمر رسول الله كاتب وحيه زيد بن ثابت ليتعلمها وقد علل رسول الله ذلك بقوله [إني والله لا آمن يهود على كتابي] أي لا آمنهم على أن يقرءوا ويكتبوا لي باللغة السريانية. فيتعلمها زيد بن ثابت في أسبوعين ببركة دعاء رسول الله له. صحيح أن زيدا كما يقول البعض كان قد عاش فترة مع اليهود ويعرف القليل عن السريانية لكنه لم يكن يتقنها ولم يحسن تعلمها إلا حينما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والعلم الحديث والعصر الحديث يثبتان أن تعلم اللغات الأجنبية شرط أساسي من شروط النهضة العلمية، وهذا إعجاز إسلامي في حد ذاته.
وضمن أسس المنهج العلمي الذي استخدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اعتماده على الوسائل التربوية المعينة على الشرح مما يساعد على إيضاح الموضوع.
فعن عبد الله بن مسعود قال [خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده وقال هذا سبيل الله مستقيما وخط عن يمنيه وشماله وقال هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ.. [وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله]].
فرسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين للمسلمين بوسيلة بسيطة وذلك برسم خط مستقيم ثم خطوط متعرجة عن اليمين والشمال لتوضح لهم معنى الآية الكريمة، وكثيرا ما كان يستخدم أسلوب الإشارة الحسية لتعليم الغافل ففي الحديث [التقوى هاهنا وأشار إلى صدره ثلاث مرات].
وكان يعني بذلك القلب وهو محل التقوى.. وقوله لمعاذ بن جبل حين أوصاه بعدة وصايا ثم قال له: [ألا أدلك على ملاك ذلك كله قال بلى قال أمسك عليك هذا فأشار إلى لسانه الشريف].
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق والناس على جانبيه، فمر بجدي صغير الأذن ميت فقال من منكم يريد أن يشتري هذا بدرهم فقالوا ما نحب أن يكون لنا وهو حي لأنه صغير الأذن فكيف وهو ميت فقال فو الله للدنيا أهون على الله تعالى من هذا عليكم].
الأمانة العلمية في المنهج العلمي الإسلامي
إن رسول الله يشير إلى منهج هام وهو الأمانة العلمية.. هذه الأمانة التي يفقدها حتى العلماء في هذا العصر، فكثير منا يأخذ صفحات من كتاب ولا ينسبها إلى صاحبها الأصلي، وهناك الكثير الذين يأخذون الفكرة من غيرهم وينسبونها لأنفسهم.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: [تناصحوا في العلم فإن خيانة أحدكم في علمه أشد من خيانته في ماله، وإن الله سائلكم يوم القيامة].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن هناك من سيأتي وينقل عن الآخرين ولا ينسب إليهم عملهم.. وهذا الحديث أساس من الأسس الهامة للبحث العلمي، فهو يعتبر أن نقل الأفكار وعدم نسبها إلى صاحبها خيانة وتعتبر أشد من سرقة المال، فنتاج العقل له حرمة يجب أن تصان، ومن أمانة العلم أن يقول العالم لا أعلم. وكثير منا يصعب عليه أن يقول لا أعلم، فالنفس الإنسانية في طبعها الكبر، وكثير من أهل العلم إذا سئلوا يفتون فورا خوفا من أن يقال عن أحد منهم إنه جاهل.
ففي الحديث: [قال رجل لرسول الله أي البلدان أحب إلى الله وأيها أبغض إلى الله فقال لا أدري حتى أسأل جبريل، فأتاه جبريل فأخبره أن أحب البقاع إلى الله المساجد وأبغضها إلى الله الأسواق]. ومما ورثه الفقه الإسلامي: 'من سئل فقال لا أعلم فقد أفتى'.
الإحصاء والتخطيط من أسس المنهج العلمي في الإسلام
إن من الوسائل العلمية الحديثة منهج الإحصاء والتخطيط العلمي، وعن حذيفة قال: [ كنا مع رسول الله فقال أحصوا لي كم يلفظ الإسلام من الناس قال حذيفة فقلنا ألف وخمسمائة من الناس].
وهكذا كان رسول الله يحصي ويعد أمته وهذا منهج علمي عظيم.. وما عرف أن نبيا من الأنبياء استخدم منهج الإحصاء إلا رسول الله، وفي هذا إشارة إلى أهمية الإحصاء في حياة الأمة الإسلامية فيما بعد.
كما أن التخطيط أيضا منهج إسلامي، قال الإمام الطبري يرد على من زعم أن تعاطي الأسباب يؤثر في كمال التوكل على الله : 'الحق أن من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب اتباعا لسنة رسول الله، فقد كان عليه الصلاة والسلام يلبس على رأسه المغفر ليحمي رأسه، وأقعد الرماة على فم الشعب لحماية الأماكن، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة على الحبشة والمدينة، وهاجر، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عيه من السماء وكان أحق الخلق أن يحدث له ذلك'.
وهكذا استخدم رسول الله منهج التخطيط وإعداد الخطة وكان يعد العدة لكل شيء.. فلم يختر الحبشة مكانا لهجرة المسلمين الأوائل إلا بعد تمحيص وتخطيط عظيمين، ولم يختر بلاد فارس ولا الروم، وإنما اختار الحبشة لوجود ملك عادل لا يظلم أحداً.
كذلك خطط صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة إلى المدينة فاختار الرفيق والدليل وأخذ بالأسباب، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: [تداووا فإن الله لم يجعل داءً إلا جعل له دواء إلا داءً واحداً قالوا ما هو يا رسول الله قال الهرم ، أي العجز والكبر والكهولة].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحارب الجهل والخرافات ويؤكد أنه ليس هناك كهانة وخرافات في الإسلام فقال: [من أتى عرافاً أو ساحراً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد].(7/328)
وقال: [ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له].
وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حارب الأوهام التي كانت منتشرة من أيام الجاهلية. وقد روى البخاري: [كسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال رسول الله إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته] ..أي أنهما يجريان على السنن الكونية التي خلقها الله تعالى.
=============
اليابان عرضت نفسها على الإسلام ونحن خذلناها
الجمعة 8 شعبان 1427هـ - 1سبتمبر 2006م
الصفحة الرئيسة
د. ليلى بيومي
مفكرة الإسلام: الدكتور عبد الودود شلبي الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية سابقا، وأحد قيادات الأزهر يتمتع برؤية إسلامية ثاقبة، وعاطفة إسلامية جياشة، يلاحظها بسهولة كل من استمع إليه يتحدث عن الإسلام وهموم المسلمين، ويكتشفها بسهولة أيضا كل من قرأ له كتابا من كتبه العديدة.
والدكتور عبد الودود شلبي مهتم بصفة خاصة بالأقليات الإسلامية، وهو متخصص في هذا الأمر، وقد زار هذه الأقليات مرات عديدة في أفريقيا وآسيا وأوروبا.. لذا فهو موسوعي في علاقة الإسلام خارج حدوده، والتحاور معه في شأن وهموم المسلمين المتأثرين في هذا العالم له أهمية كبيرة.
* سافرتم إلى معظم البلاد الإسلامية، واطلعتم على أحوالها وأحوال الأقليات المسلمة.. ما هي أهم المشاكل التي تواجه هذه الأقليات؟ وهل ترى أن الأزهر يقوم بدوره في هذا المجال؟
** الأقليات الإسلامية تعاني من مشكلات كثيرة أهمها ضعف المستوى الثقافي، والتربية الدينية، وخاصة في مواجهة الحضارة الغربية، مما يجعل المسلم الذي يعيش في هذه البلاد سهل الاصطياد، ومما ساعد على ذلك غياب المؤسسات الدينية التي تتولى توعية ورعاية وتربية هذه الأقليات.
وللأسف لا توجد دولة إسلامية تتبنى هذه الأقليات بالصورة المثلى التي يمكن أن تحقق الهدف من الحفاظ على شخصية هؤلاء وهويتهم ودينهم. بل إن الطامة الكبرى تأتي من بعض الدول الإسلامية التي تحاول أن تعرض فكرا معينا تحت ضغط العوز والحاجة مما يؤدي إلى حدوث خلافات وانقسامات رهيبة تنعكس على العالم الإسلامي كله.
وقد أفسد هذا التدخل العمل الإسلامي وأظهر المسلمين في صورة سيئة.. ولكن أستطيع أن أقول للإنصاف إن بعض الجمعيات الخيرية تقدم عملا إسلامياً متميزاً، وتقدم مساعدات خالصة لوجه الله لكثير من الأقليات المسلمة.
أما عن دور الأزهر فمحدود للغاية وضعيف.. والأزهر في بلده مصر ضعيف ويعاني من كثير من الأمراض وفاقد الشيء لا يعطيه.
* ولكن لماذا تدهور مستوى الأزهر في أكثر من مجال إلى الحد الذي أشرتم إليه؟
** الأزهر لم يعد يعبأ بحفظ القرآن حفظا كاملا، وقد كان هذا في الماضي هو الطريق الأساسي لدخول الأزهر، كما أن اختزال المناهج اختزالا مخلاً ساعد في هذا التدهور حتى إن الطالب في الأزهر لا يكاد ينطق عبارة أو آية صحيحة. والأجيال القديمة التي تربت في الأزهر القديم انتهت، وأصبح معظم العاملين الآن من الأجيال التي قلت بضاعتها في أمور الدين واللغة مما أدى إلى فقدان الأزهر لمكانته في مصر وبالتالي في العالم الإسلامي.
والذين يقولون غير ذلك كالذين يضعون رؤوسهم في الرمال.. والدليل على ذلك ما يراه الناس ويسمعونه من أئمة المساجد الذين لا يقدمون فكراً، ولا فقها، ويخطئون في القرآن، وفي اللغة العربية. هذا الانهيار أدى إلى ظهور ما يسمونه بالتطرف، لأن الشباب فقد الثقة في الأزهر وعلمائه الذين يفتون اليوم بخلاف ما أفتوا بالأمس، فلجأ هؤلاء الشباب إلى الدين وحدهم وهم لا يملكون الأداة العلمية الصحيحة في البحث واستنباط الأحكام فضلوا وأضلوا، واختلط الحابل بالنابل في مجال العلم الديني، ولو كان للأزهر حضور حقيقي لما سمعنا عن هذه التيارات وهذا التطرف الذي يؤدي بالشباب إلى متاهات تقوده إلى الهلاك.
في الماضي كان في كل مركز من محافظات مصر واعظ يمتاز بعلمه وشخصيته ومظهره، فكانت كلمته مسموعة قبل مأمور المركز لأنه كان جديراً بالاحترام.. أما الآن فهناك أكثر من مائة واعظ في كل مركز.. ولكن لا يشعر بهم أحد، ولا يسمعهم أحد.. وللأمانة هناك بعض العناصر الممتازة التي علمت نفسها لأنها حريصة على أن تقوم برسالتها.
وأبو حامد الغزالي يقول: إن التبعة الكبرى في هذا الفساد الشامل والضعف وانحلال والأخلاق تقع على عاتق العلماء.. فهم السبب الأول في فساد هذه الأوضاع، لأنهم ملح الأمة، وإذا فسد الملح فما الذي يصلحه؟ ولهذا صار الداء عضالا، والمرض مزمناً، واندرس العلم، وأقبل العلماء على حب الدنيا، وعلى أعمال ظاهرها عبادات وباطنها مراءاة.. ولقد قيدت الأطماع العلماء فسكتوا.. إن تكلموا لم تساعد أقوالهم أعمالهم فلم ينجحوا ولو صدقوا ما فسدوا.. فإنما تفسد الرعية بفساد الملوك، ويفسد الملوك بفساد العلماء.
* البعض يقول: إن المستقبل في عالمنا العربي للجماعات الإسلامية والتيار الإسلامي بعد سقوط خصومهم العلمانيين والشيوعيين.. والبعض الآخر يقول: ولكن انقسام وتشرذم الجماعات الإسلامية لن يمكنها من ذلك .. هل توافق على هذا الطرح؟ وما هو المظلم والمضيء في واقع الحركة الإسلامية المعاصرة؟
** بعيدا عن هذا التصنيف أو هذه المسميات فإن الإسلام مستقبله في ذاته لأنه رسالة الله الأخيرة، وكلمته الوحيدة الباقية، وبعد سقوط كل النظريات والأيديولوجيات في العالم، وهم الذين يقولون ذلك بألسنتهم في الغرب، ومن ثم يحاربون الإسلام بلا هوادة.
إن حكام الغرب ومفكريه يقولون: إن المستقبل للإسلام، وبرغم المحن والمذابح التي يتعرض لها المسلمون في العالم فالله متم نوره. أما من هم الذين سيحملون راية الإسلام يوم النصر، فإن الله سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه.. أنا لا يهمني الأسماء والجماعات.. وإنما يهمني الإخلاص والتجرد من الشهوات.
* هل ترى أن النظام الدولي الجديد قد اتضحت معالمه بشأن تعامله مع العالم العربي والإسلامي؟
** النظام الدولي ليس جديدا مطلقا.. القضية قديمة وواضحة بين معسكر الحق ومعسكر الباطل.. وسيظل هذا الصراع .. أما أن تنفرد أمريكا فهذا لن يغير من الأمر شيئا، فكل الأطراف العالمية تختلف فيما بينها لكنها تتفق ضد المسلمين.. والمشكلة ليست في النظام الدولي.. بل في المسلمين أنفسهم الذين يجب أن يراجعوا أنفسهم حكاما وعلماء ومحكومين.. إن كانوا على حق سيأتيهم نصر الله .. وإن كانوا على غير ذلك فليصححوا أوضاعهم حتى يغير الله حالهم.
* الطائفية في مصر بين المسلمين والنصارى..هي قضية حقيقية أم مفتعلة؟
** هي أمر غريب علينا تماماً، ومزروع في مجتمعنا، ومفتعل من ألفه إلى يائه.. مفتعل لضرب الإسلام وإحداث شلل داخل المجتمع المصري، لأن مصر هي المؤهلة للريادة إسلامياً.. فلا بد من شغلها بقضايا مفتعلة.. وعلينا أن نكون أذكى ممن يريد لنا ذلك، فألاعيب الغرب أصبحت مكشوفة، لذلك - حتى لو كان هناك تجاوزات من النصارى -علينا احتواؤها وامتصاصها، ومن يرد عليها فهو أحمق غبي عميل.. إن الغرب يثير المشكلة ويتمنى أن تكبر حتى يصطاد في الماء العكر.. ولكن للأسف لدينا قلة حمقاء تساعده في مخططه.
* باعتباركم متخصصون في موضوع الأقليات المسلمة.. ما هي البؤر المرشحة للاشتعال بعد البوسنة وكسوفا والشيشان؟(7/329)
** إذا ظل تخاذل المسلمين على ما هو عليه.. وإذا ظل خوف المسلمين وخنوعهم كما نرى.. فإن النار سوف تشتغل في جسد العالم الإسلامي كله في كوسوفا.. ومقدونيا.. وقبرص.. والهند.. وأفريقيا.. وبورما.. وكشمير.. والصين.. إن ما حدث في البوسنة كان اختبارا للأمة هل ما زال فيها عرق ينبض؟ هل بقي فيها من الإخاء شيء .
* البعض يقول: إن الإسلام ليس فيه ديمقراطية.. وإن الشورى الإسلامية ليست ملزمة، وليست لها مؤسسات تحميها، لذلك كان حكام المسلمين جبابرة.. ما هو تعليقكم على هذا الاتهام؟
** نظام الشورى في الإسلام هو النظام الديمقراطي الموجود في بريطانيا، واختيار الحاكم ومحاسبته إنما هو من صميم الإسلام وهدف الفقه الإسلامي الدستوري.. والأغبياء الذين يقفون أمام الألفاظ بعيداً عن مضمونها وعن روحها يسيئون للإسلام.. فالإسلام هو الحرية والكرامة بمعناهما المطلق، فإن كان الإسلام يجرم من يسيء إلى حيوان أو طير أو نبات فهل يقف أمام حرية الإنسان وحقوقه؟ إن ديننا به الخطوط العريضة، والمبادئ العامة، واعتبرنا أناسا نفهم، وترك لنا كل التفصيلات، فبدلا من أن نقيم عليها أنظمة حكم تحمي الإنسان، وتحافظ على دينه وكرامته فعلنا العكس.
* ما هو رأيكم في الصورة المشوهة التي يتصور الإسلام بها في الغرب؟
** إنهم يصورون الإسلام تصويراً يتنافى مع أبسط قواعد الفهم والمنطق والعدل، ولقد كان هذا الجهل مقبولا في العصور الوسطى حيث التخلف وسيطرة الكنيسة على الضمير واللسان والأذن والعقل.
أما في عصر الليزر، والأقمار الصناعية فلا يوجد مبرر واحد لتشويه الإسلام وتقديمه إلى الناس بهذه الصورة التي تنم عن الكراهية والحقد، وعن التطرف والتعصب، فلا يكاد يخلو بلد أوروبي من الملايين أو الألوف من المسلمين الذين يمارسون شعائرهم علانية أمام وسائل الإعلام، لكن الإصرار على تشويه الإسلام أصبح جزءً من التكوين النفسي والعقلي لأي مسيحي أوروبي. فهل يتصور مسلم أنهم في ألمانيا يقولون: إن المسلمين يعبدون 99 إلهاً، أي يعبدون أسماء الله الحسنى؟
ويقولون أيضا إن المسلمين يعبدون الجمل، لقد سافرت إحدى المذيعات المصريات إلى فرنسا في مهمة رسمية وفوجئت بمن يسألها هل أنت مسلمة أم محمدية؟ فقالت وما الفرق بين الاثنين؟ قالوا لها: المسلم هو الذي يعبد الشمس، أما المحمدي فهو الذي يعبد محمداً.
لقد ظهر في الغرب مؤخرا كتاب اسمه 'الغرب والإسلام' لمؤلفه بيتر مانسفيلد أحد المعلقين في هيئة الإذاعة البريطانية يقول فيه: إن كثيرا من الأمريكيين يقولون عن النبي محمد إنه قس أمريكي زنجي.. ويقولون عن الإسلام إنه حركة ماسونية أمريكية.
واستمع مسلم إلى إحدى المدرسات الأمريكيات وهي تشرح لتلاميذها السبب الذي من أجله حرم الإسلام أكل الخنزير وشرب الخمر فتقول: 'إن محمداً حرمهما لأنه ذات ليلة سكر سكراً شديداً وبينما هو عائد إلى بيته نطحه خنزير فأوقعه أرضاً، ومنذ ذلك اليوم حرم محمد الخنزير والخمر'، فقال لها المسلم: هذه خرافة، فردت قائلة: إنهم يطلبون منا أن نقول ذلك وأنا موظفة أتعيش بمثل هذا الكلام.
* لكن لماذا هذه الحملة وهذا التشويه؟
** لقد أجاب على هذا السؤال كثير من مفكري وعلماء الغرب المنصفين.. إنهم يرون أن الإسلام هو المستقبل الحقيقي بعد سقوط كل الأيديولوجيات.. وكلما تقدم كلما تراجعت عقائد الكنيسة.. وقد انتشرت في الغرب أخيرا الديانات القادمة من أقصى الشرق كالهندوكية، والبوذية، ففوجئ الناس بأن المسيحية القائمة عندهم ما هي إلا نسخة مكررة من هذه العقائد الوثنية القديمة، وأخذوا يفكرون في أصل هذه الديانات كلها وكان هو الإسلام.. الدين الوحيد المؤهل للقيادة، لذلك خرجت كل المؤسسات القديمة من جحورها، واستخرجت أسوأ ما في مخازنها من أسلحة..إلا أن الناس أصبحت لا تتأثر بها.. وهذه المؤسسات لا تقتصر على الكنيسة..إنها مؤسسات ثقافية وسياسية واجتماعية.. ولكن الله متم نوره.
وبالرغم من واقع المسلمين المزري في بلادهم وتخلفهم وتفرقهم فالليل آخره نهار يشرق.. والظلام يعقبه فجر مضيء.
* لكن ألا ترى أن الواقع الإسلامي المحزن في بلاد المسلمين يصرف غير المسلمين عن الإسلام في بلاد الغرب؟
** بالتأكيد.. ولولا هذا التناقض بين الإسلام والواقع لاعتنقت معظم شعوب العالم الإسلام.. لقد عرضت اليابان نفسها على الإسلام في أوائل هذا القرن.. ولكن للأسف لم يكن هناك علماء ولا دعاة ولا حكام يدركون أهمية هذا العرض.. ولقد طلبت كوريا الجنوبية دعاة من الأزهر ومن غيره من المؤسسات الإسلامية.. ولكن للأسف [احتفظ برأيي في هذا الموضوع]. إن المسئولين في العالم الإسلامي يعيشون في غيبوبة، ولا اقصد بذلك العلماء فقط، ولا الحكام فقط، بل أقصد كل مسلم قادر على الإسهام في مجال الدعوة.
إننا أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. أي أننا أمة من أهم خصائصها الدعوة .. ولكن للأسف لا توجد خطة موحدة، ولا إستراتيجية بعيدة المدى، ولا دعاة أكفاء
=============
مسيرة حقوق المرأة عبر التاريخ
الخميس 7 شعبان 1427هـ - 31 أغسطس 2006م
الصفحة الرئيسة
عبد الهادي صالح التويجري
مفكرة الإسلام: إن الباحث في مسيرة حقوق وشئون المرأة عبر التاريخ يرى أن سبب الاندفاع الغربي المعاصر للمطالبة بحقوق المرأة إنما هو ردة فعل متشنجة لإرث تراكمي عبر القرون [وإلى زمن قريب] من العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية سلب فيها الرجل المرأة حقوقها ووضعها في مرتبة دونية في جميع المدنيات والمجتمعات البشرية التي حكمت بشرائع وضعية من صنع البشر سادت فيها مفاهيم اجتماعية خاطئة بنيت على مبادئ اجتماعية خاطئة مثل تمايز البشر و انقسام المجتمع إلى طبقات اجتماعية متباينة استعبدت فيها كل طبقة الطبقات الأخرى التي تحتها، أو على هرطقات وأساطير دينية كان العامل الديني [المنحرف] محركًا للحياة الاجتماعية فيها، ولم يكن مبنيًا على عامل الثواب والعقاب من الله تعالى ــ كما في الإسلام ــ بل على مصالح دنيوية ومنافع شخصية لطبقة رجال الدين ومن دان بدينهم، وفي هذا كله أقصى الرجل ـ كونه المخلوق الأقوى ـ المرأة ـ كونها المخلوق الأضعف ـ عن مكانها الطبيعي في المجتمع وأوقع الظلم عليها بسلبها حقوقها التي منحها الله تعالى في كل العصور.
أما في المجتمعات الغربية المعاصرة والتي 'ادعت وصلاً بليلى' وأنها المدافعة عن حقوق الإنسان [وخصوصًا المرأة] فإن واقع حال المرأة يحكي قصة مخالفة تثبت أن مفهوم الديموقراطية في الغرب ليس مفهومًا متأصلاً له شواهد، وليس له كبير رصيد على أرض واقع القوم. وإنما هو لبناء هالة مزيفة فوق جبين الحضارة الغربية.
وفي هذه الدراسة سنبين مكانة المرأة في المجتمعات القديمة والحديثة والصراع الذي خاضته المرأة للحصول على حقوقها.
1ـ المرأة في الهلال الخصيب و فارس:
كانت السيادة في الدولة السومرية الأولى [2400 ق.م.] للرجل، وكان للمرأة بعض الحقوق المالية مثل حق التملك والأجر من العمل، وكذلك حق الميراث إذا لم يوجد ذكور في الأسرة،وكان للمرأة في هذا المجتمع حق الزواج بأكثر من رجل في آن واحد [تعدد الأزواج] وأُبطل هذا القانون في الدولة السومرية الثانية.
أما في بابل ــ وحسب شريعة حمورابي ــ فكان للزوج حق إهمال وتطليق زوجته متى شاء وليس للمرأة ذلك، كما عرف تعدد الزوجات، كما ساد نظام عاهرات المعابد خدمة لزوار المعابد والكهنة وإرضاء للآلهة.(7/330)
وعانت المرأة في فارس من تدني منزلتها دون الرجل وكان لها بعض الحقوق مثل حق الميراث والتملك إذا كانت من طبقة عالية. وساد في المجتمع الفارسي الزواج بالأخوات والأمهات.
2ـ في الهند:
الديانة الهندوسية وضعت المرأة في مفهوم دوني أُلبس فلسفة دينية وهو أن الإله 'تواشتري'خلق المرأة من بقايا خلق الرجل فهي بذلك دونه في المنزلة.
والمرأة لدى الهندوس رمز الغواية والشر للرجل وهي ــ حسب عقيدة مانو ــ 'خلقت للزينة والفراش والتجرد من الشرف وهي مخلوق دنس كالباطل ذاته ومصدر الرذائل'. وحُرمت المرأة الهندوسية حق الملكية والإرث [أسوة بالعبيد] واستمر هذا الوضع حتى منتصف الخمسينات من القرن الماضي عندما عدل قانون الأحوال الشخصية في الهند عندما رأى بعض مثقفي الهند أن الإسلام قد أعطى المرأة حقوقًا كاملة قبل 1400 عام.
وسادت في الهندوكية القديمة عقيدة 'ساتي' وهي 'حرق الأرملة بعد وفاة زوجها وفاء منها له' حتى منعها الإمبراطور أكبر شاه إذا كانت ضد رغبة المرأة، وعند أولئك الذين لا يحرقون المرأة كان على الأرملة عمل كل ما يحبه زوجها أثناء حياته، وأن لا تنظر إلى الرجال بقية عمرها وتقتات على الفواكه والأزهار ليضمر جسمها.
وساد الزنى من خلال نظام 'خادمات المعابد' حيث كان من العرف والواجب على المرأة الهندوكية قضاء جزء من حياتها كمومس في المعابد لإسعاد الزوار والكهنة وجلب المال للمعابد إرضاء للآلهة، كما ساد نظام اتخاذ الخليلات، وفي بعض القبائل الجبلية في الهند كانت الزوجة مشاعًا بين الأخوة.
3ـ في اليونان القديمة:
مع أن المجتمع الإغريقي كان متقدمًا فكريًا؛ لأنه قام على أنقاض حضارات سابقة مثل حضارة بلاد ما بين النهرين وحضارة وادي النيل، إلا أن وضع المرأة لم يكن بأفضل مما هو عليه في الحضارات الأخرى، ففي أثينا بقيت المرأة تحت وصاية والدها حتى زواجها وهي وصاية سلطوية كان للأب فيها كامل الحق في تزويج ابنته من شاء ومتى شاء، وكذلك التصرف المطلق في أموالها، وبعد الزواج تنتقل السلطة إلى الزوج.
وكانت المرأة محرومة من التعليم إلا الموسيقى والرقص وما يتصل بعملها كزوجة وأم في المستقبل كالطبخ والحياكة.
وقسمت النساء إلى أربع مراتب:
ـ الطبقة الأولى: ربات البيوت [الزوجات] ولهن حظ من الاحترام لأنهن كن لا يخرجن ويتفرغن للاهتمام بالبيت والأسرة، وكان خروجهن للاحتفالات الدينية فقط.
ـ الطبقة الثانية: طبقة المحظيات [العشيقات] وهن مومسات لأشخاص معينين ولكن ليس لجميع الرجال. وكان لهن حظ من التعليم والثقافة وكذلك الرقص والغناء، ولكن لم يكن لهن احترام في المجتمع.
ـ الطبقة الثالثة: طبقة المومسات من الأرامل والإماء واللقيطات ولم يكن لهن حقوق البتة0
ـ الطبقة الرابعة: الإماء وهن النساء اللائي أسرن في الحرب، وعملن في خدمة الأسر في البيوت في مهن الطبخ والتمريض وحياكة الملابس وغيرها ولم يكن لهن أي حقوق.
أما في أسبرطة فكان الوضع مختلفًا قليلاً،فكانت المرأة الأسبرطية تحضر الألعاب الرياضية التي يظهر فيها الرجال عراة، والتي حرمت منها أختها في أثينا، وكان للمرأة الأسبرطية حق التملك. وكان من العرف أن المرأة تعيش مع أهلها عشر سنين قبل أن تنتقل إلى بيت الزوج.
4ـ المرأة لدى الرومان:
تأثر الرومان بالإغريق في حضارتهم، فأبقوا المرأة في مرتبة دون الرجل نظرًا 'لخفة عقلها وطيشها' حسب اعتقادهم فكانت تحت وصاية الأب أو الأخ، وبعد الزواج تنتقل الوصاية إلى الزوج حيث كانت المرأة تمنح صفة 'ابنة الزوج'، إمعانًا في إذلالها لأنها فاقدة الأهلية للاهتمام بنفسها، فتتسمى باسم الزوج [وهذا التقليد موجود إلى اليوم في الغرب وبعض الدول الإسلامية]، وتقطع بذلك صلتها بعائلتها، وكما تقول دائرة المعارف البريطانية: 'كان وضع المرأة في روما القديمة هو وضع المحكومية الكاملة للرجل' واستثنى من ذلك الراهبات.
وكان للزوج الروماني ــ بحكم القانون ــ حق قتل زوجته الزانية ولكن القانون لا يعاقب الذكور على الزنى.
أما من الناحية المالية فلم يكن للمرأة حق الميراث وتكون ممتلكاتها قبل الزواج تحت وصاية الأب أو الأقرب من عصبته، وبعد الزواج تكون تحت وصاية الزوج الذي له الحق في تطليقها أو طردها وأخذ ممتلكاتها.
وانتشر البغاء في الدولة الرومانية بمرور الزمن حتى أصبح حرفة لها قوانينها وانفرط عقد الحياة الأسرية. حتى أن فيلسوفهم 'جوفنان' قال على لسان زوجة فاجأها زوجها وهي تزني: ألم نتفق على أن يفعل كل منا ما يحلو له؟
ولعل هذا الموروث الأخلاقي هو السائد في الحضارة الغربية اليوم.
5ـ المرأة العربية في ا لجاهلية:
عرب الجاهلية ـ أي عرب ما قبل الإسلام ـ لم يحكمهم قانون ولا سلطان موحد وعاشوا كقبائل متناحرة [حتى جاء الإسلام فوحدهم] وانعكست أوضاعهم وتقاليدهم الاجتماعية سلبًا على مكانة المرأة عندهم، فكراهية المرأة في المجتمع العربي الجاهلي كانت الصفة السائدة،كما هو الحال عند بقية الشعوب التي عاصروها، وأدى ذلك إلى ظاهرة وأد البنات وهن أحياء خوف الفقر أو السبي والعار.
وعانت المرأة العربية من الظلم في مجتمعاتها نتيجة عدم وجود قانون أو نظام يحميها، فحرمت من الميراث بل وصل الأمر عند بعض القبائل إلى أن الابن الأكبر يرث نساء أبيه ـ عدا أمه ـ وكان تعدد الزوجات بلا حد معين يقف عنده.
ولم تكن الحياة الزوجية قائمة على أية حقوق أو مشاركة، ولعل في حديث السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ ما يبين مكانة المرأة في ذلك الوقت، قالت: 'إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى رجل وليته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر: كان الرجل يقول لزوجته إذا طهرت من طمثها، أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه [أي احملي منه] ويعتزلها زوجها ولا يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل ثم يصيبها، يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، وهذا نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر يجتمع الرهط من الرجال فيدخلون على امرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال أرسلت إليهم، ولا يستطيع رجل منهم أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها فتنسب المولود إلى من شاءت منهم. ونكاح رابع: يجتمع الرجال فيدخلون على المرأة فإذا حملت ووضعت اجتمع عندها الرجال من الحي وألحقوا ولدها بالذي يرون ولا يستطيع الامتناع وهذا زواج البغايا'
6ـ المرأة اليهودية:
الديانة اليهودية في أصلها ديانة سماوية نزلت تعاليمها على النبي موسى ـ عليه السلام ــ وقد حرفت بعده كثيرًا مما أدى إلى تشويه وتحريف حقوق المرأة التي جاءت بها.
فاليهودية الأصلية كرمت المرأة كأم تحمل الأولاد وتربيهم، ورأت أن الزوجة الصالحة سعادة للرجل، وفصلت بين الجنسين في المعابد والحياة العامة درءًا للفتن والمفاسد [ولا تزال بعض هذه التعاليم موجودة إلى اليوم حيث يفصل الرجال عن النساء في المعابد]، كما حرمت النظر إلى المرأة الأجنبية والزنى.
إلا أن التحريف في اليهودية وضع المرأة في مقام من الذل والهوان لا تحسد عليه، فالمرأة في اليهودية المحرفة سبب الإثم والخطيئة التي يقع فيها الرجل بإغوائها له. وكانت البنت غير ذات قيمة وعبء ثقيل على الأب.(7/331)
واعتبر الربانيون [علماؤهم] في تعاليمهم 'أن المرأة وعاء مليء بالأقذار، طماعة، كسولة حسودة'، وحرم التلمود دعاء المرأة لزوجها لأنها لعنة عليه، وحرم قراءة المشناة [الكتاب المقدس] والتوراة على المرأة والطفل والعبيد، ومنعت المرأة من الشهادة وأداء القسم. واعتبر المرأة البالغة دون الطفل الرضيع في المنزلة، وحرم عليها الكلام مع الرجال الأجانب إلا أقارب الزوج.
وحرمت اليهودية لمس أو مجامعة أو الأكل مع المرأة الحائض، ورأت أن المرأة الحائض إذا مرت بين رجلين فهي لعنة وشؤم عليهما. واعتبرت المرأة في اليهودية ملكًا لأبيها ثم لزوجها ولذلك منعت من حق التملك. [وهذا كان سائدًا في الغرب إلى وقت قريب كما سنرى].
سمحت اليهودية بتعدد الزوجات دون ضوابط أو تحديد للعدد وكان السن الأمثل للزواج هو 12سنة، وكان على الأخ الأكبر تزوج أرملة أخيه المتوفى. وشجع الربانيون الطلاق كحل سريع لمشاكل الزوجة سيئة الخلق لأنها ــ في نظرهم ــ طاعون أسود.
ومن الأٍسباب التي تبيح للزوج طلاق زوجته:
ــ مرور عشر سنوات دون حمل.
ــ الخروج حاسرة الرأس.
ــ ممارسة الجنس مع زوجها وهي حائض.
ــ إذا كان صوتها جهوريًا.
ــ إذا لم تفِ بنذر نذرته.
ــ إذا كان بها عيب خلقي.
ــ الأكل والشرب ورضاعة الطفل في الشارع.
وزنى الرجل المتزوج في الديانة اليهودية ليس جريمة ولا يعاقبه القانون لأن المرأة لا تملك الرجل بل هو يملكها، ولكن إذا كانت المرأة التي زنى بها عذراء فلا بد أن يتزوجها، وإذا زنى بامرأة متزوجة فالإثنان يرجمان، وكذلك ترجم المرأة التي لا يجدها زوجها عذراء إلاّ إذا أثبتت أن عذريتها فضت من زواج سابق.
7ـ المرأة في التعاليم النصرانية:
تقول 'جوليا هرنانديز' داعية حقوق المرأة في أمريكا في أواخر القرن التاسع عشر: 'إن النظرة الدونية للمرأة لدى اليهود ثم المسيحيين هي بسبب التعاليم التي أتت بها الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل، وأن الإنجيل وضع المرأة في مرتبة دون الرجل لقرون طويلة وكان عليها الحمل والولادة والإذعان لزوجها'.
يقول الرب: 'سأزيد آلامك بالحمل والولادة ورغباتك يجب أن تكون لزوجك وهو له اليد الطولى عليك' [16: 3]
وكذلك: 'على المرأة الصمت والإذعان للزوج وهو له اليد الطولى عليها لأن آدم خلق قبل حواء وهي أوقعته في الخطيئة ' [11: 2]
وكذلك: 'إن يسوع المسيح يقود الرجل، وإن الرجل يقود المرأة ' [11: 3]
ويقول القديس 'أكيناس': 'إن المرأة لديها خلل وجديرة بالازدراء لأنها نتاج بذرة معطوبة'.
أما المصلح 'مارتن لوثر كنج' فيقول: 'إن آدم خُلق سيدًا للكائنات ولكن حواء أفسدت هذه الميزة، ولذا عليها البقاء في البيت للحمل والقيام بأعباء البيت'.
أما القس 'جيري فالويل' فيقول: 'إننا ضد قانون الحقوق المتساوية للمرأة مع الرجل؛ لأن المسيح يقود الرجل، والرجل يقود المرأة، والمطالبات بهذه المساواة مريضات نفسيًا'.
وظلت الكنيسة النصرانية تعارض تعميد المرأة إلى رتبة 'كاهن' وكان البابا 'يوحنا بولس الثاني' يأمر المرأة بالإذعان للزوج.
وقد عانت المرأة في أوروبا النصرانية في القرون الوسطى الجور والظلم في أبشع صورهما، فكان للرجل حق بيع زوجته، وشاعت حوادث إحراق النساء وهن أحياء.
وحتى بعد الثورة الصناعية لم تتغير النظرة الدونية للمرأة في أوروبا، فالثورة الفرنسية ــ والتي كانت مبادئها مبنية على الإخاء والحرية والمساواة ــ مَنعت تصرف المرأة المتزوجة في أملاكها دون إشراك الزوج في ذلك، وبقي هذا التقليد معمولاً به في بريطانيا حتى الثلاثينات من القرن الماضي حيث لم يكن للمرأة الإنجليزية حق التصرف في ممتلكاتها، كما منعت المرأة في بريطانيا من قراءة الإنجيل في عهد الملك هنري الثامن.
وحُرمت المرأة في أوروبا من التعليم رسميًا حتى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
ففي فرنسا سمح للمرأة بالتعليم الثانوي في عام 1924، وفي عام 1890 كانت نسبة الطبيبات الإناث في الولايات المتحدة فقط 5% من مجموع الأطباء، ومُنعت من الانتخاب حتى القرن العشرين [سمح للمرأة بالانتخاب في سويسرا عام 1971] وتقول داعية حقوق المرأة في أمريكا في القرن التاسع عشر: 'حضارتنا اليوم أكثر جورًا واستبدادًا من الكنيسة، إن الكنيسة استخدمت الجور والاستبداد والكذب لإخضاع المرأة، إن المرأة إذا أرادت الحصول على حقوقها عليها أن تنظر إلى الإنجيل على أنه هرطقات قديمة مليء بالخرافات، وأن الرحمة والعقل الراشد هما سبب تقدم الإنسانية وليس الدين ولذا يجب الفصل بين الدين والحياة'.
8ـ حركة حقوق المرأة الحديثة:
بدأت في الولايات المتحدة في عام 1848 على يد 'إليزابيث ستانتون' ومجموعة من زميلاتها من منطلق أن وثيقة الاستقلال الأمريكية والتي كتبت قبل سبعين عامًا من هذا التاريخ نصت على 'أن الله خلق الرجل والمرأة مساويين في الحقوق والواجبات، وأن الله منحهما حق الحياة والحرية والسعادة'.
وبينت السيدة ستانتون وزميلاتها الغبن والمظالم اللذين أحاطا بالمرأة الأمريكية في ذلك الوقت في النقاط التالية:
1ـ القانون يعتبر المرأة المتزوجة 'ميتة شرعًا' وليس لها وزن اجتماعي.
2ـ ليس للمرأة المتزوجة حق الملكية أو حق مقاضاة زوجها في المحاكم.
3ـ للزوج حق الضرب المبرح وحبس الزوجة دون أن يطاله عقاب.
4ـ للزوج حق الطلاق وحضانة الأطفال دون الزوجة.
5ـ المرأة دائمًا تحت طائلة القانون لأنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها.
6ـ كان على المرأة دفع ضريبة الملكية التي كانت واجبة على الرجال فقط.
7ـ كثير من أبواب العمل كانت مغلقة أمام المرأة، وإن اشتغلت فأجرها يقل كثيًرا عن الرجل في نفس المهنة.
8ـ ليس للمرأة حق العمل في مهن رفيعة تنافس فيها الرجل كالطب والمحاماة والتمريض، ومعظم مهن النساء كانت إدارة نزل المسافرين والخياطة.
9ـ ليس للمرأة حق التعليم الجامعي.
10ـ ليس للمرأة المشاركة في إدارة شئون الكنيسة [عدا بعض استثناءات].
11ـ استلب الرجل كامل كيان المرأة واحترامها وأصبحت تابعة له.
وكان هذا بعد سبعين عامًا من الثورة الأمريكية التي وضعت حقوق الإنسان والديموقراطية في أولويات اعتباراتها.(7/332)
ووضعت هذه المطالب في وثيقة سميت 'وثيقة المطالب الوجدانية '. ولكن جوبهت الوثيقة بسخرية واستهجان المجتمع الرجالي والصحافة إلا أنها زادت الوعي الشعبي بمشاكل المرأة وما تريده في المجتمع الأمريكي وبالتالي إلى زيادة التعاطف والتأييد لهذه القضية، ففي نهاية القرن التاسع عشر زاد إقبال المرأة الأمريكية [والغربية بصورة عامة] على التعليم فوصلت النسبة في بداية القرن العشرين إلى 19% في الجامعات وفي عام 1985 وصلت النسبة إلى 53% وأعطت كثير من الولايات المرأة حق إقامة الدعوى القضائية ضد الزوج، وشرعت القوانين التي حددت ساعات العمل للمرأة بثماني ساعات، ولكن منعت المرأة من العمل ليلاً أو تولي مناصب إشرافية تستدعي وقتًا إضافيًا، كما بقيت نقطة حق المرأة في التصويت هي المحور الرئيس حتى عام 1920حيث أُعطيت المرأة حق التصويت ففتح بذلك الباب أمام المرأة الأمريكية لتغيير القوانين حسب مصلحتها، فقد ثبتت الحكومة الأمريكية قوانين تحمي المرأة العاملة، ففي عام 1963 شكل الرئيس جورج كيندي لجنة نسائية لبحث مشاكل المرأة الأمريكية في العمل، وفي عام 1964صدر مرسوم الحقوق المدنية ونصت المادة السابعة فيه على 'منع التمييز في العمل الجنس أو العرق أو الدين أو الأصل' وواجه هذا القانون معارضة في تطبيقه من قبل الرجال، ومع ذلك بقيت المرأة الأمريكية تعاني من التمييز ضدها فمثلا:
1ـ المرأة التي تقتل زوجها تعتبر جانية في نظر القانون.
2ـ لم يكن بإمكان المرأة المطلقة أو غير المتزوجة الحصول على قرض من البنوك لشراء بيت أو سيارة.
3ـ كانت الأمهات اللاتي يستلمن معونة اجتماعية من الدولة عرضة في أي وقت للمساءلة في أوجه صرف هذه المعونة.
4ـ البغاء النسائي جريمة في نظر القانون بينما زنى الرجل أمر طبيعي لا عقاب عليه.
5ـ رفض كثير من المتاجر وبعض البنوك فتح حسابات للنساء المتزوجات.
وفي عام1972 تبنت الحكومة المادة [9] من نظام التعليم والذي رسمياً أعطى المرأة الأمريكية حق التعليم الجامعي والمتخصص والذي حُرمت منه مدة طويلة حتى الثلاثينات من القرن الماضي، وكذلك سمح بدخول ميادين جديدة كانت مُحرمة عليها اجتماعيًا فأصبح بإمكانها قيادة السيارات والطائرات واقتحمت ميادين الرياضة.
قانون الحقوق المتساوية: E.R.A.
بدأ وضع هذا القانون في عام 1923وتزامن مع إعطاء المرأة حق التصويت ويقضي 'بمساواة الرجل والمرأة في جميع الحقوق الممنوحة دون النظر للجنس' ولكن هذا القانون بقي مهملاً لخمسين عامًا تلت حتى عام 1972حين صوت الكونجرس لصالحه، ولكن لكي يصبح قانونًا نافذًا كان لابد من موافقة 39 ولاية عليه في نهاية فترة تجريبية مدتها سبع سنين، ولكن في نهاية المدة وافقت عليه 35ولاية فقط وعارضته ثلاث ولايات وامتنعت اثنتا عشرة ولاية عن التصويت.
وتعود معارضة هذا القانون لأنه حين يصبح دستوريًا فإن تطبيقه سيؤدي إلى محاذير كثيرة ـ كونه لا يميز بين الجنسين ـ مثل:
1ـ إجبار المرأة على الخدمة العسكرية ودخول الحرب.
2ـ يعطي المرأة حق الإجهاض وعلى نفقة الدولة.
3ـ يبيح زواج المثليين [الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة]، وكذلك حق الالتحاق بالجيش والكشافة.
4ـ للبنت القاصر حق الإجهاض دون علم والديها وبحماية القانون.
5ـ تفقد المدارس أُحادية الجنس العون الحكومي لأنها ستصبح غير دستورية.
6ـ يمنح القانون ـ حال طبق ـ الحكومة سلطة واسعة للتدخل في حياة الأسرة الأمريكية تحت مظلة 'حماية المرأة من العنف'.
7ـ يفقد المحاربون القدامى ـ وكلهم من الرجال ـ حق رعاية الدولة لهم لأن هذا سيكون تمييزًا لهم عن النساء.
8ـ في حال عدم قدرة رحم الزوجة على الحمل الطبيعي، يصبح بالإمكان استئجار 'رحم امرأة' غير الزوجة لينمو الجنين فيه [وهو ما يعرف بالأم المستأجرة serrogate mother] وهذا غير قانوني.
10ـ سيعطي القانون الأطفال غير الشرعيين لأب أمريكي وأم أجنبية، والذين ولدوا خارج الولايات المتحدة حق الحصول على المواطنة الأمريكية.
ولكن ما حصلت عليه المرأة الأمريكية بفضل 'وثيقة الوجدان' كان يعد إنجازًا كبيرًا في مجال العمل الحكومي والتجاري، وكذلك في الحياة السياسية حيث دخلت المرأة الأمريكية المجالس البلدية للولايات وكذلك الكونجرس بمجلسيه [الشيوخ والنواب] ومع ذلك فالنساء يشكلن فقط 17% من مجموع الأعضاء.
وبيت القصيد أن وضع المرأة الغربية لم يتحسن كثيرًا، فمثلاً في مجال التعليم والعمل كانت نسبة المحاميات في أمريكا 2% في عام 1930 وارتفعت النسبة إلى 22% في عام 1989، وكانت نسبة المهندسات صفرًا % في عام 1930 وبلغت 8% في عام 1989وكانت نسبة الطبيبات في فرنسا 20% وفي ألمانيا 19% لنفس العام.
أما على صعيد الأجور ففي عام 1970 كانت المرأة الأمريكية تتقاضى أجرًا يقل 45% عن الرجل في نفس المهنة وفي عام 1989تقاضت أجرًا يقل 32% عن الرجل كما لم تتمتع بحق اتخاذ القرار أسوة بالرجال في نفس المهنة والمنصب.
ومع ذلك يصر الغرب أنه أعطى المرأة ما لم تحلم به في تاريخها، وعلى الجانب الآخر نجد أن مسيرة حقوق المرأة بدأت بمطالب طبيعية لا تتعارض مع فطرة المرأة، ولكن الانحراف بدأ فيما بعد حين تمردت المرأة الغربية على الفطرة البشرية تحت مسمى التحرر، وساهم في إذكاء هذا الاتجاه إنحسار دور الدين في المجتمع؛ لأنه أصلاً كان المحرك وراء النظرة الدونية للمرأة ولأنه [من ناحية أخرى] كان عاجزًا عن مواكبة التطور وتقديم الحلول لمشاكل المجتمع, وهذه سمة من سمات المجتمع الغربي السلبية، يريد أن ينقلها للمجتمعات الإسلامية باسم 'الديموقراطية والتطور'.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
[1] ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن الندوي
[2] حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه ـ د. إبراهيم النجار
[3] قصة الحضارة، وول ديورانت
[4] مواقع تهتم بالمرأة:
[a] The Liberation of Women In Religious Sources by Nelia Scovill
[b]The history behind equal rights amendment by Roberta Francis
[c] A short history of E.R.A., The Phillis Shalfly report
[d] Women in judaism by Leonard Swidler
[e] Women' s lives in ancient Persia by Massoume Price
[f] Women' s life in Greece and Rome by M. Lefkowits & M. Fant
============
الصحوة الإسلامية أهم أحداث القرن العشرين
الأربعاء 29 رجب 1427هـ - 23 أغسطس 2006م
الصفحة الرئيسة
... gamal-soltan.jpg ...
- الصحوة جعلت الإسلام القاسم المشترك في أمورنا كلها.
- يغيب عن الحركات الإسلامية مناهج فقه الحركة.
- نعم نحن نعيش أزمة فكرية سببها المشروع العلماني.
- عيب الحركات النسائية في بلادنا أنها وضعت نفسها في مواجهة مع الإسلام.
حاورته/ د. ليلى بيومي
مفكرة الإسلام: جمال سلطان.. كاتب ومثقف إسلامي لمع نجمه في أوساط الصحوة الإسلامية من خلال كتاباته العديدة ومؤلفاته، وقد وقف في المنطقة الثقافية للصحوة الإسلامية مدافعا عن الهوية الإسلامية منتقدا الفكر الدخيل ومقوماً له، وداعما للرؤى الفكرية الأصيلة.
وقد تتلمذ جمال سلطان على يد الجيل الأول من الرواد أمثال المستشار طارق البشري، والكاتب الكبير الراحل أنور الجندي.
وهذه دعوة للتجول داخل هذه العقلية ومعرفة أسلوب تفكيرها، من خلال طرح العديد من الأسئلة التي تلخص الواقع الفكري والثقافي في الواقع العربي المعاصر.(7/333)
* نلاحظ أن فصائل الصحوة الإسلامية تلتزم مناهج مختلفة وقد تكون متناقصة في الفتوى وفي الحكم على الأشياء والتعامل معها، ما هي خطورة هذه الظاهرة؟ وكيف يمكن القضاء عليها؟
** يحدث ذلك فعلا والسبب فيه هو غياب فقه الحركة أي السلوك السياسي والاجتماعي لحركة الإسلام في مواجهة خصومه، وهو حالة أكثر خصوصية من فقه المعاملات، فإذا كان فقه المعاملات يتعامل مع واقع معرض للتحول والحركة، فإن فقه الحركة يواجه واقعاً متحركاً بطبيعته.. والسكون فيه هو العارض.. وإذا كان فقه المعاملات يتأثر بتبدل الأعراف فإن فقه الحركة يواجه حالة يمكن تسميتها باللاعرف، حيث انعدام العرف هو نفسه عرف المواجهة. وإذا كان فقه المعاملات يتعرض واقعه أحيانا لبعض الحيل التي يبتدعها ضعاف النفوس، فإن فقه الحركة يتعامل مع واقع الحيل فيه هي الأصل، والمباشرة فيه تسمى سذاجة، والمناورة فيه هي طبيعته والوضوح فيه يسمى غفلة.
ونحن بحاجة شديدة إلى فقه الحركة لأن المعوقات الداخلية والتحديات الخارجية التي تواجهها هذه الحركة كبيرة ومتعددة. فالحركة الإسلامية لم يستطع خصومها إحراز نصر عليها إلا عن طريق النفاذ إلى داخلها واستثمار حالة القلق السياسي والمنهجي الذي يمثل الداء الأكبر في كافة فصائل هذه الحركة. وعن طريق هذا القلق تمكنت بعض القوى من اختراق الحركة واحتواء بعض فصائلها وقولبة بعض فصائلها واتجاهاتها وفق منهجية حركية معينة.
وبقدر ما يمثله هذا الشعور من آثار سلبية آنية على نفسية الحركة فإنه يمثل دلالة صحية على تبلور الوعي الحركي. إن القطب الأكبر الذي يدور حوله هذا المأزق النفسي والمنهجي الذي تقع فيه الحركة الإسلامية اليوم فما يتمثل في أزمة 'فقه الحركة' أي ضبط المواقف الشرعية العملية التي يتوجب على العاملين اتخاذها تجاه خصوم الإسلام في مختلف المواقف والحالات.. وأيضا في العلاقة مع الداخل الإسلامي. ومن الملاحظ أن هناك تردداً واسعاً أمام هذا الباب الفقهي الهام في حركتنا الإسلامية المعاصرة، ويرتبط هذا التردد العلمي بحالة نفسية سيئة تتمثل في ظاهرة التميع المنهجي والحركي لدى عديد من الفصائل وحالة التميع تفتت الإرادة الإسلامية نحو حسم بعض القضايا العملية.
ومن جانب آخر فإن هذا التردد العلمي هو الآخر يعمق من حالة التميع النفسي المنعكس على صعيد المنهج والحركة. وقد حكى لنا التاريخ موقفين واضحين في فقه الحركة.. كان ضبط هذا الفقه الحركي والحسم السريع فيه أحد العوامل الهامة التي حفظت البناء الإسلامي في بواكيره الأولى من أخطر حادث ارتداد في تاريخ الإسلام كله.. ففي حادث الردة كان موقف أبي بكر حاسما وقاطعا في قتال المرتدين رغم عدم موافقة عمر.. ولو كان موقف أبي بكر هو الآخر بعدم القتال لكانت مصيبة وكارثة. لكن بالحسم والسرعة والحزم تمت السيطرة على الموقف، وعلى جانب آخر فقد أدى التميع أو التردد في مثل هذه المواقف إلى انهيار صرح الخلافة الراشدة بالخروج على عثمان رضى الله عنه ثم قتله.
والمتأمل في الحالين يجد مرده إلى التمحك في النصوص أمام قضايا حركية تشكلها خصوصيات واقعية تجعلها خارجة عن ضبط النص المباشر.
* البعض يرى أن الصحوة الإسلامية كانت عبئا على مجتمعاتنا وضررا عليها بما جرته من آثار سلبية كثيرة، هل توافق على هذا الطرح ؟
** الصحوة الإسلامية هي أهم وأعظم حركة اجتماعية فكرية سياسية شهدتها المنطقة الإسلامية على مدار القرن الماضي كله بالنظر إلى الفكرة التي قامت عليها هذه الحركة ومحورها الإسلامي.. والذي يمتاز بالأصالة والتجديد والإحياء والنهوض وهي المعاني التي سرقتها طوائف علمانية أخرى وحاولت نسبتها إلى ذاتها ورفعها شعارا تتجمل به وتخدع به المسلمين. وأيضا بالنظر إلى البعد الجماهيري واسع النطاق لهذه الحركة رغم أنها بعيدة عن الإغراءات ومضطهدة من خصومها. والصحوة الإسلامية حدث فذ وفريد من جانب الهبة الإلهية في أن تمتد هذه الحركة وتياراتها لتخترق الحدود المصطنعة بين أقطار الإسلام لتصبح الحدث الاجتماعي الأكبر في بلاد المسلمين كافة، بل والحدث البارز والمثير للانتباه والبحث في العالم أجمع.
والصحوة الإسلامية حدث فذ من حيث إنها أول تيار فكري سياسي واجتماعي في العالم الإسلامي الحديث يقوم وينتشر متخلصا من عقدتي الغرب والتخلف. وهذا ما أفزع الغرب لأنها أول مرة تقوم حركة جماهيرية متجاهلة الإبهار الغربي وتصرح في جرأة وثقة أنها تقبل التقنيات والعلوم البحتة وترفض المناهج والنظريات والقيم الغربية لأن في ديننا منها ما يكفينا. ومن جانب آخر كانت الصحوة الإسلامية متجاوزة لعقدة التخلف والتي أثارت الخلل المنهجي والعقلي والسلوكي في أجيال عدة من المسلمين ولا سيما المثقفين، فمنهم من رأى التخلف قدرنا ومنهم من جعله نتائج تراثنا ومنهم من جعله بسبب ترددنا في الالتحاق بالغرب. ثم إن هذه الصحوة وصلت إلى تحديد سبل النهوض بالتأكيد على أن سبب تخلفنا هو بعدنا عن الإسلام وخور العزائم في الدفاع عنه، ومن ثم فإن سبيلنا هو إحياء الدين في النفس وفي الواقع والدفاع عن السنة.
والصحوة الإسلامية عندما تقدمت إلى الواقع لم تتقدم إليه بصفتها جمعية دينية بالمفهوم الضيق لمعنى الدين، وإنما بوصفها مشروعا للنهوض والتجديد ينطلق من الإسلام وحده. وبالتالي لم يمكن ذلك العلمانيين من خوض معاركهم مع الصحوة الإسلامية على أساس التقسيم الأوروبي التاريخي بين الحكم الثيوقراطي والحكم المدني، لأن الإسلاميين كانوا رجال نهضة وتجديد والصحوة الإسلامية كانت حركة نهضة وتجديد. كما نجحت الصحوة الإسلامية في أن تحيي في الناس معالم الدين الحق بعد أن كادت تتلاشى وتضيع. لقد كان الناس قد أوشكوا أن ينسوا أن الإسلام دين شامل بفعل حركة التغريب الواسعة التي نشطت في معظم ديار الإسلام على مدى ما يزيد عن قرن، ولأول مرة تصبح سنة النبي الكريم حاضرة بكل قوة في الفكر والسلوك في البيوت والشوارع والمنتديات.. ولأول مرة تشييع علوم السنة في المجتمع حتى تصل إلى البسطاء.
* هل كان للصحوة الإسلامية دور في حياتنا الثقافية والأدبية والفنية؟(7/334)
** الصحوة الإسلامية - بشهادة الواقع والخصوم – هي صانعة الموجة الثقافية الحالية في دار الإسلام كافة. ونستطيع أن نلمس ذلك من خلال الاطلاع على مختلف النشاطات الثقافية – فكرية وأدبية وفنية –نجد أن قضية الإسلام والصحوة الإسلامية هي القاسم المشترك الأعظم في النتاجات الثقافية المتصلة بهذه الجهود كافة سواء كان ذلك بالسلب أو الإيجاب. ففي كل هذه الأحداث تبرز الحقيقية وهي أن الحركة الثقافية الآن في ديار الإسلام تدور حول قطب واحد هو الإسلام. والذي يراجع حركة الثقافة العربية خلال العقود السبعة التي مضت من القرن العشرين – أي قبل انتشار الصحوة الإسلامية – يدرك على الفور حجم التغريب الذي أصاب الحياة الثقافية في معظم ديار الإسلام وذلك أن هذه الحركة الثقافية كانت تدور حول قطبين أساسيين.. الأول هو الترجمة المباشرة من الثقافة الغربية سواء كان ذلك في مسائل الفكر وقضايا التنظير العقائدي الأيدلوجي أو كان ذلك في مجال الأدب. وفي هذه العقود ظهرت سلاسل من المطبوعات عن الفكر العالمي والأدب العالمي والمسرح العالمي وروايات عالمية ونحو ذلك.. وغني عن البيان هنا أن مصطلح عالمي المضاف إلى هذه الأفكار والمسرحيات والروايات يعني الأوروبي. القطب الآخر من الحركة الثقافية العربية في ذلك الحين كان هو الحوار والمتابعة والتعليق على المذاهب والتيارات الفكرية والأدبية الغربية ومحاولة تقسيم صورة محلية من المذهب الاجتماعي الغربي أو الفكرة الغربية أو الأدب الغربي. وكان أبرز هذه الاجتهادات الثقافية تلك التي دارت حول الاشتراكية بدرجاتها المتعددة من الماركسية اللينينية إلى اليسار الإسلامي.. وأيضا الفكر القومي العربي بدرجاته المتنوعة من العلمانيين اللادينيين الخلص إلى القوميين الإسلاميين الذين حاولوا المزج بين الفكرة القومية وبين الإسلام فكانت الثقافة العربية تتمحور حول قطب إنساني واحد هو الغرب والفكر الغربي، لدرجة أن الكتاب الإسلاميين في ذلك الوقت كانوا إذا أرادوا المزاحمة في الساحة الثقافية فإنهم كانوا يحاولون الربط بين الإسلام وبين تيارات الفكر والأدب الأوروبي الجديدة والإسلام.
* ما هو رأيك في الحركة النسائية في مصر والعالم العربي؟ وما هو موقف الحركة الإسلامية منها ؟ وهل الصحوة الإسلامية أنصفت المرأة؟
** تعتبر حركات تحرير المرأة من أقوى الحركات الاجتماعية التي نشطت في الغرب طوال القرن الماضي وقد أراد بعض المنهزمين أمام الغرب في ديار الإسلام أن يصدروا هذه الظاهرة إلى العالم الإسلامي دونما مراعاة لخصوصية نشأتها والطبيعة الاجتماعية والاقتصادية والدينية التي ولدت فيها والتي لا يشبهها في شيء الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية والدينية في ديار الإسلام. وإنما كان المقصود هو التخريب في الواقع الاجتماعي وجعل المرأة المسلمة بمثابة بوابة هذا التخريب الاجتماعي وتنميط البناء الاجتماعي كله وفق القالب الغربي ومفاهيمه وقيمه. وعلى الرغم من وجود الأصوات المعارضة لتلك الحركات على مدار القرن الماضي ومنذ بدأت القصة على يد قاسم أمين بكتابه 'تحرير المرأة' عام 1900.. والحركة تتقدم في الواقع الاجتماعي مدعومة ببعض الجهات الرسمية والأجنبية. ولقد بدا على مدار السنوات أن حركة تحرير المرأة وضعت نفسها في مواجهة الإسلام وعقيدته وشريعته وصارت تكسب كل يوم أرضا جديدة، وضعفت الأصوات التي تصوت لها إما يأسا وإما خوفا من بطش الصحافة والإرهاب العلماني. وظل الحال هكذا حتى ظهرت الصحوة الإسلامية وانتشرت في الواقع وحملها الجيل الجديد من الشباب والشابات وإذا بالمرأة المسلمة والفتاة المسلمة يتصدين بأنفسهن لداعيات تحرير المرأة وينقدن مقولاتهن، وهكذا سحب البساط من تحت أقدام هذه الحركات. إذ أن المرأة المسلمة التي زعمت هذه الحركات أنها إنما قامت لنصرتها وتحريرها والدفاع عنها هي ذاتها التي تقول لها أنت ضالة مضلة وزعيمة فتنة وذيل للغرب وجسر يمر من فوقه طوفان التدمير الأخلاقي والتفسخ الأسري.
إن المعركة المزعومة التي افتعلوها بين المرأة والرجل أو بين النساء والرجال إنما هي محاولة لتضليل المجتمع كله عن معاركه الأساسية للنهوض والتحرر ومقاومة التخلف ومقاومة اتباع الاستعمار في الفكر والأدب والاقتصاد والسياسة. ولقد كان الأمر رائعا عندما اجتمعت العشرات من النساء الجزائريات المتفرنسات وتظاهرن ضد الصحوة الإسلامية بدعوى أنها تضطهد النساء وتعتدي على حقوقهن، فإذا بتظاهرة تخرج في شوارع الجزائر قوامها مليون امرأة مسلمة تعلن للعالم أجمع نعم للإسلام ولا للتغريب.
* يردد البعض أننا في العالم العربي أمام أزمة في الفكر.. هل توافق على هذه المقولة؟
** عندما نصف أمة من الأمم بأنها تعيش في حالة أزمة فكرية فإنما نعني بذلك أن المبادئ والمعايير التي ينطلق منها العمل الفكري الإبداعي قد اهتزت وأن المناهج التي تطرح من خلالها الأفكار وتعالج قد اضطربت، وأن الرؤى الفكرية والتصورية للأمة قد تشوشت فينتج عن هذا كله ضحالة أو انعدام في الإبداع الفكري الخلاق والأصيل في هذه الأمة. هذا في ماهية الأزمة، أما لماذا تنشأ الأزمة فلذلك أسباب عديدة، فقد يكون مرجعها هو مرور الأمة في حالة ركود أو تراجع حضاري بوجه عام مما ينعكس بدوره على الفكر، وقد يكون لوقوع الأمة تحت سيطرة أمة أخرى قوية وهيمنتها فيحدث التسلط الفكري والثقافي للغالب مع الاستعداد النفسي لدى المغلوب لمحاكاة الغالب اعتقادا منه أن الغالب والمسيطر هو الأقوى في نحلته وكافة عوائده فيؤدي هذا التقليد إلى اختلال بنية الأمة عامة والفكر فيها بالدرجة الأولى. وقد يكون مرد هذه الأزمة عائدا لعمليات اختراق فكري وثقافي وعلمي واسعة النطاق لأمة من الأمم مصحوبا بالتأثير النفسي والوجداني عن طريق إيجاد كوادر ثقافية مبرمجة وزرعها في مناطق الفاعلية والتوجيه.
ولقد شهد مجتمعنا العربي في تاريخه الحديث معظم هذه الأسباب وعاش الفكر العربي دهرا في حالة أزمة حقيقية حيث اهتزت المعايير واضطربت المناهج وتشوهت الرؤى فأفرزت لنا هذه الوضعية نتاجا أدبيا وفكريا عميق الدلالة على معالم هذه الأزمة. ومن اليسير على الباحث أن يضع يده على ملامح هذه الأزمة من خلال تتبعه لكتابات رموز الحركة الفكرية العربية في النصف الأول من القرن العشرين. وأيضا من خلال تتبع الاعترافات الجريئة التي أدلى بها نفر من قادة الفكر والثقافة في لحظات صدق مع النفس ومع الأمة، مثلما فعل د. محمد حسين هيكل الذي اعترف بأن الفكر العربي الحديث قد انزلق عن طريق خداعه في اتباع مسارات التاريخ الفكري الأوروبي الحديث إلى معارك وهمية لا وجود لها أصلا في الواقع العربي. ولسوف يقف الباحث العربي اليوم مندهشا أمام الدعوة إلى الفرعونية المصرية وقوميتها وكيف سيطرت هذه النزعة على عقل رجل مثل أحمد لطفي السيد، ويعجب أيضا للدعوة إلى الانتماء المصري لحضارة البحر الأبيض المتوسط وليس الحضارة العربية الإسلامية بحيث تكون مصر اقرب إلى فرنسا منها إلى مكة والمدينة وكيف تحكمت هذه النزعة في تفكير رجل مثل طه حسين. ويقف أكثر اندهاشا عند الدعوة إلى إغريقية الشخصية الحضارية المصرية ومن ثم أوربتها بحكم أن أوروبا هي وارثة تراث الإغريق، ومن ثم ازدراء كل ما يأتينا من الشرق الآسيوي، وكيف سيطرت هذه النزعة على عقل وضمير رجل مثل سلامة موسى، ومن بعده تلميذه النجيب لويس عوض.(7/335)
وقد يقف مندهشا أيضا أمام العديد من الدعوات الأخرى التي شاعت في تراث فكر الأزمة مثل الدعوة إلى إحلال العامية محل الفصحى، ومثل الدعوة إلى كتابة اللغة العربية بالحرف اللاتيني ومثل الدعوة إلى فصل الإسلام عن المجتمع الإسلامي.. الخ. ثم تمخض هذا التراث عن تيارات فكرية وأدبية عاملة في الحياة الفكرية العربية المعاصرة تبلورت في ثلاثة اتجاهات هي تيار العلمانية الليبرالية، وتيار العلمانية الاشتراكية، والتيار الوجودي اللامنتمي. وهذه التيارات الفكرية الثلاثة تمثل تراث فكر الأزمة الذي نتج عنه حالة الهزيمة السياسية والنفسية أمام الغزو الأوروبي الحديث للمجتمعات العربية وما أورثه ذلك فيها من مركب نقص وسوء ظن بالنفس وبكل ما يشكل خصوصية حضارية عربية إسلامية.
ولكن هناك نماذج عديدة استطاعت أن تتغلب على عناد النفس وهواجس الحال فانطلقت تنفض عن كواهلها أثقال فكر الأزمة وإفرازاته المرضية، وتحاول جهدها أن تعيد تأسيس البناء مثلما رأينا ذلك مع محمود شاكر ومحمد محمد حسين وعائشة عبد الرحمن ثم أنور الجندي ومنير شفيق وطارق البشري وغيرهم.
=============
الحرب بالوكالة ومشاريع ملء الفراغ في العالم العربي
الخميس 23رجب 1427هـ - 17 أغسطس 2006م
الصفحة الرئيسة
عامر حسين
مفكرة الإسلام: الحرب التي وضعت أوزارها بين الكيان الصهيوني والدولة اللبنانية لم تخضها أطرافها بشكل أصيل تعبيراً عن أنفسهم، وإنما خاضتها أطرافها بالوكالة عن أطراف أخرى خارجية. فالكيان الصهيوني خاض هذه الحرب بالوكالة عن الولايات المتحدة وبأهداف أمريكية وأسلحة أمريكية وغطاء سياسي أمريكي.
وحزب الله خاض هذه الحرب بأجندة إيرانية ووفق أهداف إيران ومصلحتها الإستراتيجية، وبأسلحة إيرانية، وبغطاء سياسي إيراني.
وهذه الحرب بالوكالة هي امتهان كامل للعالم العربي، وإعلان بأن العرب أصبحوا غير قادرين عن خوض حروبهم بأنفسهم، وأصبحوا غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم، مما جعل الأمر يتطلب استدعاء أطراف أخرى لتقوم بذات الدور الذي فشل العرب فرادى ومجتمعين في القيام به.
حالة الضعف هذه التي يعيشها العالم العربي لا تخفى على أحد، وكانت أبرز تجلياتها في الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق وإسقاط بغداد عاصمة الخلافة العباسية وحاضرة الحضارة الإسلامية، وهي ليست وليدة اللحظة الراهنة ولا هي من تجليات حرب الخليج الثانية وحصار العراق وكذلك حصار ليبيا والسودان وسوريا، إنما هذه الحالة موجودة منذ انهيار الخلافة العثمانية التي ظلت تملأ هذا الفراغ وتدافع عن العالم العربي والإسلامي لفترة زادت عن الخمسة قرون ضد الاستعمار الأوروبي، في بداية مرحلة الضعف هذه ومع الحرب العالمية الأولى ظهر وعد بلفور والنوايا الصهيونية الخبيثة في فلسطين ثم جاء عصر الانتداب وكان معه وقبله الاحتلال البريطاني الفرنسي للدول العربية.
وهكذا انكشف الوطن العربي استراتيجيًا أمام القوى الدولية ذات النفوذ بدءً من العهد الاستعماري وحتى الآن.
وحتى بعد أن حصلت الدول العربية على استقلالها فقد ظل هذا الفراغ موجودًا، وتمثل في الاستقطاب الأمريكي لبعض الدول العربية والاستقطاب السوفيتي لبعضها الآخر حتى جاءت قارعة أحد 11 سبتمبر 2001 لتتحول أمريكا من التدخل غير المباشر في المنطقة إلى التدخل المباشر والكامل وممارستها العدوان العسكري وإزالة نظام سياسي عربي مستقر.
إن عددًا من المحللين العرب يرجع هذه الحالة إلى الكساح الاقتصادي والسياسي والأمني الذي يعيشه العرب والذي جعلهم مطمعًا لقوى النفوذ الدولي.
فحالة التخلف السياسي العربي وعدم وجود نظام ديمقراطي أدى إلى تكوين حالة خاصة من الاغتراب السياسي نتيجة للتسلط والدكتاتورية التي مارستها الدولة في عالمنا العربي لعقود طويلة.
حلف بغداد وبواكير الأطماع الأمريكية
وقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل في المنطقة في خمسينات القرن الماضي بعد حرب السويس بإطلاق الرئيس الأمريكي أيزنهاور إستراتيجية 'ملء الفراغ' مرة تحت عنوان 'حلف الدفاع عن الشرق الأوسط' ومرة أخرى تحت عنوان 'حلف بغداد'، ولكن هذه المحاولات فشلت في ظل وجود الاتحاد السوفيتي وفي ظل الممانعات العربية القوية التي كانت موجودة في هذه الفترة.
ففي عام 1955 تم تأسيس حلف بغداد على يد بريطانيا، وضم إلى جانب بريطانيا [الدولة المستعمرة للعراق] العراق وتركيا وباكستان، ويهدف هذا الحلف الذي لعب الأمريكيون دوراً كبيراً في تأسيسه في الكواليس إلى تقوية الدفاع الإقليمي والحيلولة دون تغلغل الاتحاد السوفيتي إلى منطقة الشرق الأوسط. وقد رفضت كل من سوريا ولبنان والأردن ومصر الانضمام إلى هذا الحلف الذي اصطدم بمعارضة شعبية عربية قوية، وقد مثل هذا الرفض العربي فشلاً ذريعاً للولايات المتحدة الأمريكية حيث أعطى قوة أكبر للحركة القومية العربية لمجابهة القوى الاستعمارية ومخططاتها في المنطقة، وقد غادر هذا الحلف بغداد بعد أن تولى عبد الكريم قاسم مقاليد الحكم في العراق عام 1959م الذي قرر الانضمام إلى صف سوريا ومصر ولبنان فيما يتعلق بموقفهم من الصراع مع الكيان الصهيوني. وهكذا مات هذا الحلف المشبوه وفشل في تحقيق أهدافه، وفشلت السياسة الأمريكية في أولى خطواتها للسيطرة على العالم العربي.
أمريكا ومحاولة تعميم النموذج التركي
وعلى الصعيد الإقليمي نشطت تركيا وطرحت مشروعاتها ذات الطابع الاقتصادي وتحالفت استراتيجيًا مع إسرائيل.
واللافت هنا أن الولايات المتحدة حينما أطلقت 'مبادرة الشرق الأوسط الكبير' اعتبرت تركيا إحدى الدول القائدة في المنطقة، واعتبرت أن نظامها الإسلامي الحاكم الآن عبر حزب العدالة والتنمية هو نموذج مثالي يجب أن يسود العالم العربي والإسلامي. وخططت واشنطن لكي يخرج من تركيا عشرات ومئات الدعاة والوعاظ ليدعوا إلى النموذج الإسلامي التركي ومزاياه، وأن يساهموا في محو الأفكار المتطرفة السائدة في الذهنية العربية والإسلامية، ويستبدلوها بأفكار تركيةٍ متصالحةٍ مع العلمانية.
وغير خاف أن واشنطن كانت دائما داعمة ومؤيدة لوجود تركيا في حلف شمال الأطلنطي؛ كي تعمل كعازلٍ بين الاتحاد السوفييتي [سابقاً] وبين أوروبا والخليج العربي في عهد الحرب الباردة.
ونظرت واشنطن بعد ذلك لأنقرة على أنها يمكن أن تلعب دور الموصل داخل الاتحاد الأوروبي للمصالح الأمريكية. والولايات المتحدة تعلن في كثيرٍ من المناسبات أنها تؤيد انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي؛ لأنها تعتبر النموذج الإسلامي في تركيا الأفضل والأمثل في العالم الإسلامي، وترغب في تقوية ودفع هذا النموذج العلماني لكي يهيمن على المنطقة والعالم العربي والعالم الإسلامي.
الولايات المتحدة تريد أن يمارس المسلمون دينهم، وأن يذهبوا إلى مساجدهم ويعبدوا الله بشرطٍ واحدٍ: هو الفصل بين الدين والدولة، وهو النمط القائم في الولايات المتحدة نفسها، ولكنه غير قائم في العالم الإسلامي سوى في تركيا، وواشنطن ترى أنه لو نجحت التجربة الإسلامية التركية، وانتشرت في العالم الإسلامي؛ فإن مستقبل الأحزاب الإسلامية سوف يصبح كمستقبل الأحزاب المسيحية في ألمانيا ودول أوربية أخرى؛ فهذه الأحزاب بدأت كأحزابٍ دينيةٍ، وانتهى بها الأمر إلى أن أصبحت أحزابًا معتدلةً لا يكاد الدين يصيغ توجهاتِها.(7/336)
كما ترغب واشنطن أن تكون تركيا غطاءً لإسرائيل ليقوم الطرفان بقيادة التغيير في العالم العربي والإسلامي؛ حتى تختفي الحساسية ضد الصهاينة لو دخلوا هذا المعترك وحدَهم.
مشاريع أمريكية مشبوهة
كما شهدت المنطقة العربية دعوات لما يسمى 'مشروع نظام البحر المتوسط'، فظهرت توجهات فكرية وسياسية وثقافية لتوثيق العلاقات بين جانبي البحر المتوسط تجسدت في 'مؤتمر الأمن والتضامن في البحر المتوسط' واقترح الاتحاد الأوروبي عقد الاجتماع التمهيدي له عام 1995 ويشمل منطقة تجارة حرة لأربعين دولة ويعالج شؤون الأمن المتبادل والهجرة إلى أوروبا والإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وينظم شؤون التجارة ومشاريع النفط والغاز، ويدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويختص بشؤون الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وينتظم ذلك كله في ميثاق ومؤسسات.
ولكن يواجه هذا المشروع مشكلات كثيرة مثل: تحديد إطاره الجغرافي؛ فهناك دعوات لأن يضم دول المغرب العربي الخمسة فقط بالإضافة إلى البرتغال وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا ومالطا، وهناك دعوات لإطار أوسع ودعوات لنظام أكثر سعة مما أدى لإرباك الدعوة وعدم نجاحها.
وهناك مشروع الشرق الأوسط الذي تم تطويره إلى 'الشرق الأوسط الكبير'، ثم إلى 'الشرق الأوسط الجديد'، وهو المشروع الذي يعد له الفكر الصهيوني منذ إنشاء دولة إسرائيل في الأربعينيات، ويعد شيمون بيريز أبرز منظريه والمشرفين عليه في الوقت الراهن.
وترى أمريكا وإسرائيل أن جميع الظروف مهيأة الآن لانطلاق هذا المشروع والذي تكون فيه إسرائيل هي القائدة حيث سيعتمد على التكنولوجيا الصهيونية والأيدي العاملة والسوق العربية ورغم أن هناك إلحاحًا أمريكيًّا لتمرير هذا المشروع إلا أن الوجود الإسرائيلي سيفسده والأمة تواجهه بكل عنف وخاصة على مستوى الفصائل الإسلامية، ولن ينجح إلا مشروع ينبت من داخل العالم العربي تقوده مصر والسعودية وسوريا ويحظى بإجماع الدول العربية أو غالبيتها ليعالج ويصحح مكامن الضعف في النظام الحالي.
المخاوف من المشروع الإيراني مبررة
الضعف العربي أعطى نفوذًا للدولة الإيرانية في المنطقة بشكل كبير، فإيران بما تقدمه لحزب لله من دعم أوجدت لها دورًا في المنطقة العربية حيث أصبح الكلام الآن أن حزب الله هو امتداد طبيعي لإيران. وما حدث في الجنوب اللبناني من انتكاسة 'إسرائيلية' مؤخراً سيعطي إيران دفعة معنوية وإستراتيجية على المستوى العربي والإقليمي. وإذا شنت واشنطن حربًا ضد إيران فإن الخاسر الوحيد في هذه الحرب هي الدول العربية التي ستصطلي بتفوق أحد المشروعين، إما المشروع الأمريكي ـ الصهيوني أو مشروع النفوذ الإيراني في المنطقة.
إننا نستطيع أن نؤكد وجود مشروع إيراني فارسي إقليمي لا يمكن إغفاله، استطاع جرّ أمريكا ومساعدتها إلى ساحتي أفغانستان والعراق، ونجح في وضع الجيش الأمريكي بين فكي الكماشة في العراق، ثم استغل هذا الوضع وحرك أوراق ملفاته، ومنها ملفه النووي، ونجح أيضاً في استقطاب محاور أخرى للاصطفاف معه عربياً، مثلما أمكنه صياغة علاقات إستراتيجية مع سوريا، واللعب بحرية تامة في الميدان العراقي مستفيداً من حالة التشرذم العربية وحالة الفراغ، كما استطاع توظيف ورقة حزب الله ووضعه في خاصرة إسرائيل ليستطيع بها ملاعبة الأمريكان والضغط عليهم في الملفات الأخرى.
وهكذا فإن المشروع الإيراني لملء الفراغ العربي موجود، والذي ينكر ذلك إنسان غير موضوعي ولا يرى الواقع. وركائز هذا المشروع هي التحالف الاستراتيجي مع سوريا وحزب الله، وتطوير هذا التحالف ليشمل منظمات المقاومة الإسلامية في فلسطين، ناهيك عن ركيزة أساسية وهي اختراق العراق تماماً والسعي لفصل الجنوب عن الشمال والوسط، ثم بعد ذلك يتم اللعب بورقة الأقليات الشيعية في الخليج.
المحاولة العربية الوحيدة فشلت
بعد حرب الخليج الثانية ظهر 'إعلان دمشق' الذي تنادت فيه دول مجلس التعاون الخليجي الست بالإضافة إلى مصر وسوريا إلى الاجتماع في دمشق، وانتهى الاجتماع بإصدار 'إعلان دمشق' الذي أعلن بناء نظام عربي جديد، ولكن هذه الصيغة لم تستطع الصمود أمام تطورات الوضع في المنطقة.
إعلان دمشق كان آخر محاولة من جانب الأمة لملء هذا الفراغ العربي , أو علي الأقل المشاركة في ملء هذا الفراغ ، وجعل مهمة حفظ التوازن الاستراتيجي في المنطقة , خاصة في الخليج، مهمة ومسئولية عربية قومية , بعد أن أظهرت كل من مصر وسوريا الإرادة والقدرة علي أداء ذلك الدور بالمشاركة الكبيرة في حرب تحرير الكويت عسكريا وسياسيا .
ونحن نتذكر اليوم إعلان دمشق لأن فشل هذه المحاولة هو الذي أدي إلى ظهور البديل الحالي , الذي لا يستسيغه كثيرون , والذي يحمله الكثيرون أيضا في المنطقة وفي العالم مسئولية الاضطرابات في العراق ولبنان وفلسطين , والمقصود طبعا هو التحالف الاستراتيجي بين كل من إيران وسوريا وحزب الله.
لقد قال دبلوماسي مصري كبير في أعقاب فشل إعلان دمشق: إن من قتلوا الإعلان سيندمون أشد الندم ولكن بعد أن يكون الأوان قد فات , فسوريا لن تجد أمامها سوي التحالف مع إيران , أما مصر فلن تضيع وقتها في الاعتماد علي غيرها فيما يختص بأمنها القومي , ولن تكون قادرة علي مساعدة الآخرين ماداموا لا يريدون مساعدة أنفسهم أولا .
والذين أفشلوا إعلان دمشق ليسوا فقط الشركاء المباشرين , ولكن الولايات المتحدة لعبت دورا أساسيا في إجهاض هذه المحاولة العربية لملء الفراغ الاستراتيجي , حتى تحتكر لنفسها مسئولية الأمن في الخليج , وحتى لا يتطور ذلك التكتل الاستراتيجي العربي الذي كان يؤسس له إعلان دمشق ليكون مدخلا لتوازن استراتيجي يؤثر علي بقية القضايا والخطط في الإقليم ككل , وهنا التقت المصلحة الأمريكية مع المصلحة الإسرائيلية الدائمة والمتمثلة في مقاومة أية تحالفات إستراتيجية عربية ـ عربية حتى ولم تكن مواجهة إسرائيل من بين أولوياتها , بما أن أي تحسن في الأوضاع الإستراتيجية العربية سيؤثر علي مجريات الصراع العربي ـ الإسرائيلي وطرق إدارته وأساليب تسويته لصالح الأطراف العربية .
==========
أزمة الفكر العربي كتاب في تجليات الغزو الثقافي
السبت 18 رجب 1427هـ -12 أغسطس 2006م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام: صدر حديثا للباحث السوري فضل عبد الكريم المحمد كتاب بعنوان أزمة الفكر العربي .. وتجليات الغزو الثقافي
في هذا الكتاب يعتبر الباحث إن من أهم الأسباب التي تشكل أزمة في البنية الثقافية في المنطقة العربية بُعد المثقّف العربي عن السلطة ، حيث نجد تناقضاً في موقف المثقّف من نظام السلطة ، إذ يتأرجح الموقف بين التأييد والمعارضة ، وبين الاقتراب من السلطة والابتعاد عنها ، وبين التبرير لسياسة النخبة والدعم الفكري لسياسات أخرى مغايرة ، وكذلك بُعده عن القضية الاجتماعية التي يتأرجح فيها موقف المثقّف العربي تجاه قضايا المجتمع العربي مثل التبعية والاستغلال ، التجزئة والتخلّف والأمّية في المجتمع العربي ، إضافة إلى البُعد عن الثقافة ذات المضمون التقدمي المتطور المقاوم لكل ثقافات الهيمنة .(7/337)
يتألف الكتاب من مقدمة وعدة عناوين .عن مستقبل الثقافة العربية يتساءل الباحث عن هذا المستقبل في عصر النظام العالمي الجديد ، والعولمة في عصر الضغوطات السياسية والعسكرية والاقتصادية في عصر اشتدت فيه درجة التنافس والصراع بين الثقافات ، وهو تنافس يهدف إلى التفوّق والسيطرة ، هذا التفوّق إما أن يكون عن طريق التفوق العسكري أو الحربي أو العلم والثقافة وهما من أهم عناصر القوة .
لذلك فالثقافة العربية تتعرض لغزو ثقافي جديد يرتدي أثواباً متعددة ولا يتعلّق بهذا البلد العربي أو ذاك ، ولا بهذه المنطقة الإقليمية أو تلك ، وإنما يشمل العالم أجمع ، وهو من متفرعات النظام الأمريكي الجديد ، وهذا يعني أننا نشهد في وقتنا الحاضر محاولة أمريكية لتعميم ما يُسمى جزافاً بالثقافة أو الحضارة الأمريكية في بلادنا العربية من منطلق زعامتها للعالم الغربي ، وهنا لا يستبعد الباحث أن تكون الأصابع الصهيونية وراء الخطة الأمريكية للتحكّم بالعالم ، لأن مصلحتها تتجلّى في تفكيك الدول والمجتمعات .... وتحويلها إلى مجرد كانتونات ضمن الحكومة اليهودية العالمية ...
وعن مظاهر الغزو الثقافي في البلاد العربية يحدّد الباحث بعضاً منها : كلما طرأ أي تغيير في جيل الشباب تجد مظهره وانعكاساته لدينا مباشرة خلافاً للتقاليد العربية المعروفة . نموذج الفيديو كليب بالنسبة للأغاني المتلفزة والمصورة على الطريقة الأمريكية تحديداً . تسمية المحلات التجارية الكبيرة والصغيرة بالأسماء الغربية . الانقلاب الأخلاقي الذي نشهده من الجنسين قياساً على ما يجري في الغرب.
وعن الحلول المناسبة للحدّ من ظاهرة الغزو الثقافي يطالب الباحث بحلول ليست مستحيلة للحدّ من هذه الظاهرة ، على سبيل المثال : العمل على زيادة المؤسسات الثقافية القومية وتنشيط القائم منها على الصعيد الحكومي وغير الحكومي . العمل على نشر الثقافة القومية والوعي القومي على أساس وحدة الأرض ، وحدة اللغة ، وحدة المشيئة المشتركة ، وحدة التاريخ والعقيدة والآمال والآلام التي تشكل بمجموعها وحدة المصير والهدف للشعب العربي .
وعن الثقافة والبُعد الاستراتيجي يؤكد الباحث: بأنه لاستعادة الدور الريادي في المنطقة العربية لا بد من التحرك نحو مزيد من حرية التعبير ، وحماية حقوق المبدعين ، وتقديم كل الدعم المادي لتنمية مجتمعية معاصرة ، إذ أن السياسة الثقافية هي مكوّن أساس من مكونات السياسة الإنمائية ، أو ما يُطلق عليه / استراتيجية التنمية / ويجب تطوير السياسة الثقافية بصورة متزامنة مع المبادئ المرتبطة بكل الأصعدة ، سواء المحلية أو القومية أو الإقليمية أو العالمية ، من أجل توثيق عرى الصداقات بين شعوب العالم للتواصل وقطع الطريق أمام مناصري التعصّب بكل أشكاله وصولاً إلى مجتمع السلام والأمن العالميين .
وعن أهداف الحوار الثقافي بين الحضارات يضع الباحث هذا الحوار ضمن أهداف محددة : هدف عقائدي : تصحيح البطاقة الذاتية عند الغرب ، والصورة التي رُوجت عن الإسلام عقيدة ومذهباً وحضارة ، حيث أن حقوق الإنسان وقيم العدالة والمساواة والديمقراطية والنظُم والقوانين هي قواسم مشتركة بين الحضارتين الغربية والإسلامية ، لا كما ينسبها الغربيون لأنفسهم فقط .
هدف سياسي : لا يمكن للحوار أن يكون إلا بين حضارات متكافئة اقتصادياً وعسكرياً ، وهذا الحوار غير ممكن مادامت الحضارة الغربية هي الوحيدة على المسرح العالمي ، حيث يصبح للحضارة الإسلامية مشاركة في صنع القرار ، والحصول على مقعد دائم للدول الإسلامية في مجلس الأمن .
هدف اقتصادي : علينا ـ نحن العرب ـ أن نبني اقتصاداً متيناً متكاملاً ، يساعد على التطور الاقتصادي حتى نشارك في صنع القرار بالنسبة لأسعار المواد الأولية التي تنتجها البلاد العربية والإسلامية ، كما يجب الاعتماد على الاكتفاء الذاتي بالنسبة للمواد الغذائية ، وتحديد الأولىات في ميدان البحث العلمي والتقني في الزراعة والصناعة والطاقة الذرية .
هدف خلقي : إن القانون الحقيقي للحضارة الغربية هو النماء المادي ، الذي ولَّد ثقافة يأس وفلسفة وفكراً ديماغوجياً بعيداً عن المنطق والمعقولية . بينما الحضارة الإسلامية تتميز وتمتاز بخاصية التفتّح على الكون ومن فيه وما فيه ، ومرجعها الأول هو القرآن الكريم الذي يأمر المسلمين بالسير في الأرض والتعرّف على الآخر والاحتكاك به ، والاطلاع على ما أنجز ماضياً وحاضراً، والتقاط الحكمة أينما وجدت والتعاون مع هذا الآخر .
===============
المسلمون خلف الأسوار...في أسبانيا[4]
الاثنبن 12رجب 1427هـ - 7 أغسطس 2006م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام : اليوم نطرق أبواب أحد معاقل الإسلام في عصوره الزاهرة في الماضي؛ لندخل ونتفقد أحوال المسلمين المعتقلين خلف الأسوار هناك بالقرب من قصر الحمراء وقرطبة و غرناطة في الأندلس سابقًا, وأسبانيا حاليًا.
• مملكة أسبانيا.
• رئيس الدولة: الملك خوان كارلوس دي بوربون.
• رئيس الحكومة: خوسيه رودريجيز ثاباتيرو.
• العاصمة: مدريد
• عدد السكان: 39.9 مليون نسمة.
• اللغات الرسمية: الأسبانية القشتالية، الكتالانية، الباسكية والغالسية.
• الديانة: حوالي 94% من السكان هم مسيحيون كاثوليك ويشكل البروتستانت والمسلمين أقلية دينية في إسبانيا.
• عقوبة الإعدام: ملغاة بالنسبة لجميع الجرائم.
أسبانيا ماضٍ عريقٍ وحاضر ينتظر المزيد، فهي والبرتغال كانتا أرض الأندلس وشريان الإسلام في قلب القارة الأوربية على امتداد ثمانية قرون، حضارة نهلت من قطوفها البشرية، ولا تزال إسهاماتها واضحة في نهضة أوروبا، وآثارها الإسلامية لم تزل شاهدة على الحضارة الإسلامية، التي عمرت تلك البلاد لقرون عديدة.
والمفردات والأسماء العربية لا تخطئها الأذن في كافة المدن الأسبانية، فهي من أنكى الجراح في قلب تاريخ الأمة الإسلامية، ولهذا فرغم حسرات المسلمين على الفقدان والخسران وزفرات الضياع ولوعة الحرمان من تلك البقعة، التي طالما أضاءت بنور الإسلام، إلا أن هذا الفردوس ظلّ حيًّا باقيًا؛ لأنه شعَّ ولا يزال على العالم في كثير من الأصعدة من علم و فنًّ و فكر.
ولكن الوجه الآخر من الحقيقة الأندلسية أن الوجود البشري الإسلامي قد انعدم من أرض الأندلس بسبب سياسة الاستئصال الإسبانية المتعصبة، التي بلغت ذروتها بالطرد الجائر للمسلمين فيما بين سنتي 1609م إلى1614م.
هكذا وطبقًا للتاريخ الرسمي لم يبق بالأراضي الأسبانية مسلم واحد بعد سنة 1614م، باستثناء الرعايا المغاربة المسلمين سكان مدينتي سبتة و مليلة، اللتين دخلتا تحت الاحتلال الأسباني منذ حوالي أربعة قرون، الأولى في سنة1580م والثانية في1556م.(7/338)
كما كان لخروج المسلمين من الأندلس تاريخ، فإن للعودة أيضًا تاريخها، ففي منتصف السبعينيات من القرن العشرين كانت أزمة البترول العالمية، والتي كان من نتائجها بطء النمو الاقتصادي لدول شمال ووسط أوربا، مما أجبر حكومات هذه الدول مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا على غلق حدودها أمام تيار الهجرة الاقتصادية القادم من العالم الثالث والعالم الإسلامي، و مع ذلك لم تتوقف الهجرة، وأنّى لها أن تتوقف؟ فثمة أزمة اقتصادية طاحنة كانت تعصف بدول العالم الثالث منذ أوائل السبعينيات وطوال حقبة الثمانينيات، بالإضافة إلى زيادة سكانية كانت تضغط على الشباب العاطل أو المحبط للبحث عن الرزق في أراضي أخرى, وكذلك فهناك أيضًا هجرة سياسية من جراء الحروب و الاضطرابات والنزاعات السياسية؛ مثل الثورة الإسلامية في إبران عام1979، وأحداث لبنان في الثمانينيات، وحربي الخليج الأولى والثانية، وأحداث الجزائر في التسعينيات.
بيد أن الجديد أن تيار الهجرة في مجمله غيَّر وجهته إلى بلدان أوربية أخرى، كانت حتى منتصف السبعينيات مناطق طرد، بالتحديد إلى جنوب أوروبا، وعلى وجه الدقة إلى إيطاليا وأسبانيا؛ لأن هاتين الدولتين منذ منتصف السبعينيات وخلال الثمانينيات شهدتا نموًا اقتصاديًا مرتفعًا، مما حوَّلهما إلى دولتين جاذبتين للمهاجرين، وخاصة من الدول الإسلامية المجاورة، لاسيما من بلاد المغرب العربي، و يشكِّل المغاربة الغالبية العظمى من المسلمين المهاجرين في أسبانيا، وإلى جانبهم توجد أعداد أخرى من شمال إفريقيا والشرق الأوسط ومناطق أخرى, وهؤلاء المسلمون -خاصة المغاربة- موزَّعون في غالبية الولايات الأسبانية، ولكنهم يتركزون أكثر في مقاطعات مدريد و قطاَلونيا و أندلوثيَّا.
وقد وقعت حوادث عنصرية متفرقة هنا وهناك في بعض المدن الأسبانية أنَّى وجدت الجالية الإسلامية بكثافة، وتمثلت في الاعتداء على بعض المسلمين من النساء المحجبات، والمحلات التجارية الإسلامية [محلات اللحوم الشرعية، المخابز، المطاعم العربية، وبعض محلات بيع الأغذية]، والمساجد، والمراكز الإسلامية، وزادت شدتها بعد أحداث سبتمبر 2001م، وتنامي التيار النازي الشبابي الذي يمثله جماعات 'السكين هايد'، وكانت الحجة التي ترفعها هذه الأقلية المناوئة للوجود الإسلامي في أسبانيا أنهم لا يفضِّلون إقامة علاقة مع الأجانب وخاصة المسلمين منهم، حتى لا تمتزج الدماء العربية والإسلامية بدمائهم الأسبانية المسيحية الخالصة، وحتى لا يتكرر مسلسل أو سيناريو فتح الأندلس على أيدي أحفاد طارق بن زياد وموسى بن نصير، ويعتقدون أن على الأقليات الإسلامية أن تتكيف مع العادات والقيم النصرانية الأسبانية المتوارثة منذ قرون.
وقد عملت الحكومة الأسبانية على التقليل من هذه الحوادث 'المتفرقة'، وحاولت طمأنة الجالية الإسلامية ببعض المبادرات الميدانية التي تخدم الهدوء والسكينة، فعقدت وزارة الداخلية اجتماعات مع المؤسسات الإسلامية لتفادي آثار هذه الحوادث، والعمل سويًا للحفاظ على التماسك الاجتماعي بين جميع أبناء هذا الوطن، وقد أخذت هذه الحوادث حيزًا مهمًا في الإعلام الأسباني، الذي غالبًا ما يندد بهذه التجاوزات.
و هكذا يعيش الكثير من أفراد الجالية المسلمة في ظروف غير طبيعية بسبب افتقار الكثير منهم لوثائق الإقامة القانونية في البلاد، وخوف صليبي أسبانيا من وجودهم مما يشعرهم بعدم الأمان والاستقرار.
وقد سجلت التقارير الصحفية اعتمادًا على إحصاءات الشرطة والهيئات الاجتماعية البلدية أن نسبة الإجرام في الوسط الإسلامي المهاجر في تصاعد خطير، وأن السجون والإحداثيات الأسبانية بدأت تسجل مستويات عالية من المتورطين في قضايا الإجرام، وخاصة تجارة المخدرات واستهلاكها، والسرقات الموصوفة، وتكوين جمعيات الأشرار، إضافة إلى تزوير الوثائق والجوازات وتصاريح الدخول والتأشيرات، وتفكيك الخلايا المتورطة في قضايا ما يسمى بمكافحة الإرهاب، هذا بحسب زعمهم والله أعلم.
وحسب آخر التقارير الذي أصدرته لجنة الشئون الدينية بوزارة العدل الأسبانية عام 2004م، فإن عدد المسلمين في أسبانيا يتراوح بين 600 ألف إلى قرابة المليون شخص, يقبع منهم خلف القضبان الأسبانية نحو 8 آلاف سجين، يشكلون أكثر من 70% من المجموع العام للسجناء الأجانب في أسبانيا بحسب الإحصاءات الرسمية، وهم من نعنى بالحديث عن أحوالهم في موضوعنا اليوم.
وقد انتقدت 'المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان' إسبانيا لعدم إجراء تحقيقات وافية على وجه السرعة في شكاوى التعذيب وسوء المعاملة، حيث كان هناك عدد كبير من ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة في أقسام الشرطة وكذلك في المعتقلات، والتي يعود كثير منها لأسباب عنصرية، وترددت أنباء عن زيادة ملحوظة في سوء المعاملة ووقوع هجمات لأسباب عنصرية في حق الأقليات ومنها المسلمة، وتعرض الكثير من المسلمين للإيذاء بوصفهم 'إرهابيين'.
وشهد عدد المسلمين في السجون الأسبانية ارتفاعًا كبيرًا خلال العقد الماضي، وغالبيتهم من المهاجرين غير الشرعيين، الذين اعتقلوا بالإضافة إلى عشرات المسلمين الذين اعتقلوا عقب تفجيرات قطارات مدريد في مارس 2004م، والتي اتهمت السلطات خلية تابعة 'للقاعدة' بتدبيرها.
وقد أفادت التقارير الواردة في هذا الشأن أنه على مدار العام أُلقي القبض على أكثر من 100 مسلم، فيما يتصل بعديد من التحقيقات القضائية في التفجيرات، وما زُعم عن الإعداد لجرائم أخرى.
وقد وردت أنباء عن حدوث وفيات ناجمة عن العنف وأعمال تعذيب وإساءة معاملة في عديد من السجون، التي يعاني كثير منها من الاكتظاظ الشديد وخاصة بين المسلمين، فقد تصل نسبة الاكتظاظ في هذه السجون إلى نحو 200%، وأُجريت تحقيقات قضائية في عدة شكاوى بخصوص ضلوع موظفين بالسجون في ارتكاب أعمال وحشية ضد السجناء، وقد تعرض أكثر من 70 سجينًا بإقليم قطالونيا ذو الغالبية المسلمة لمعاملة سيئة على أيدي الحراس.
وورد أن اثنين من الضباط ضربا مواطنا مغربيًا إلى أن فقد الوعي، ثم ضربه الطبيب ثانية وقال ممثل الادعاء: إن هذا المواطن تعرض للتبول عليه ووُجهت إليه شتائم عنصرية ووُصف بأنه 'إرهابي'.
و أثبتت المحكمة الإقليمية في غيرونا أن مواطنًا مغربيًا أيضا يدعى 'إدريس الزريدي' قد تعرض 'بلا أدنى شك' للتعذيب ولإيذاء عنصري في مركز شرطة روسيس بقطالونيا, ولكن ما يدعو للعجب أن المحكمة برأت 14 من ضباط شرطة قطالونيا لأنها لم تستطع تحديد هوية الضباط الضالعين في الأمر، كما قررت أن التعذيب الذي وقع عليه كان على الأرجح تعذيبًا 'خفيف الشدة'، اتخذ شكل الدفع والهز بعنف بعد ساعات من إصابة إدريس بكسور في الضلوع، وأفادت الأنباء بأن وزير الداخلية في قطالونيا أبدى دهشته من الحكم، وطلب من المحكمة العليا إعادة النظر فيه.
وقدم 'مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب' تقريرًا عن زيارة قام بها لأسبانيا في عام 2003م لدراسة ضمانات حماية المعتقلين في سياق إجراءات 'مكافحة الإرهاب', ومن التفاصيل الواقعية الدقيقة التي حصل عليها بخصوص عدد من الادعاءات أوصى بأنه يجب على الحكومة وضع خطة شاملة لمنع التعذيب والتصدي له، ووضع حد لممارسة الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي, وظلت الحكومة السابقة التي أنكرت بقوة ما خلُص إليه التقرير ترفض وضع ضمانات للمحتجزين بمعزل عن العالم الخارجي حتى وقت قريب.(7/339)
وبما أننا بصدد الحديث عن السجناء المسلمين فقد بدأت السلطات الأسبانية منذ أوائل عام 2005م بتطبيق قانون جديد أعدته وزارتا الداخلية والعدل، يقضي بمنح الأقليات داخل السجون نفس الحقوق التي يتمتع بها الكاثوليك الذين يمثلون الغالبية العظمى من السكان وتصل نسبتهم إلى حوالي 94%, ومن هذه الحقوق المساواة في المعاملة, والسماح لهم بإنشاء زوايا ودور عبادة للمسلمين داخل السجون، كما يسمح للكاثوليك بأن تقيم لهم الكنيسة قداس صلاة كل يوم أحد، إضافة إلى أيام الأعياد.
إلا أن وسائل الإعلام الأسبانية نشرت في حينها أن القانون يشترط لإنشاء مراكز العبادة داخل السجون أن يطلب 10 سجناء على الأقل ذلك, كما أعلنت عزم السلطات فرض رقابة مشددة على هذه الزوايا والقائمين عليها من الأئمة والوعاظ، بدعوى منع انتشار أي أفكار متطرفة فيها.
وبالفعل فإن الهيئة القضائية الأسبانية التي أبدت تخوفها من سيطرة من وصفتهم بالمتطرفين على تلك الزوايا ومراكز العبادة، دعت في مذكرة أرسلتها لإدارة السجون إلى 'الحذر الشديد' في اختيار الأشخاص الذين سيصبحون مسؤولين عن إمامة الصلاة وتقديم الدروس والنصائح الدينية والأخلاقية للسجناء، متعللة بمنع انتشار أي أفكار متطرفة, كما قامت السلطات الأسبانية بتحديد مهام وأنشطة مراكز العبادة داخل السجون بالتفصيل، وقالت إنها: 'تتمثل في إقامة الشعائر الدينية والتثقيف والتوعية والتكوين والاستشارة الدينية والأخلاقية'، إضافة إلى مهام أخرى في حالة حدوث وفيات بين السجناء أو طوارئ أخرى، وشددت على أن الأئمة الذين سيقيمون الشعائر في هذه الزوايا سيخضعون 'لرقابة مشددة'.
ولكن رغم كل التشديدات السابقة فإنه يحسب لهذا القانون -الذي جاء ثمرة تعاون بين جمعيات وهيئات إسلامية والحكومة الأسبانية- أنه سمح للمسلمين في السجون الأسبانية بأداء شعائرهم الدينية في ظروف أفضل، إضافة إلى سجناء من أصحاب معتقدات أخرى، مثل البوذيين واليهود على الرغم من قلتهم في السجون الأسبانية,كما قامت إدارات عدد من السجون الأسبانية التي تضم عدد كبير من المعتقلين المسلمين بتعديل أوقات تقديم الأكل وتخصيص أماكن استثنائية للصلاة وقراءة القرآن خلال شهر رمضان، وكان هذا لأول مرة عام 1425هـ,حيث أن أوائل هذا العام شهدت مشاحنات و اشتباكات وقعت بين السجناء المسلمين وبين عدد من السجناء الآخرين، بسبب عدم وجود أماكن خاصة للصلاة، وخاصة خلال شهر رمضان بسبب عدم احترام بعض السجناء لفترة الصيام.
وقد أبدت الهيئة الإسلامية المتحدث الرسمي باسم المسلمين أمام الحكومة الأسبانية ترحيبًا مشوبًا ببعض التحفظات على الجزء المنوط بفرض رقابة مشددة على الأئمة الذين سيتولون مهمة الإرشاد داخل السجون, ورغم ذلك اعتبرت هذا القانون إيجابيًا وضروريًا، ويحفظ للأقلية المسلمة في أسبانيا حقوقها, كما اعتبرته إحدى خطوات الاتفاق الذي أبرمته الهيئة مع الحكومة الأسبانية عام 1992م، والذي يقضي بمنح حقوق للمسلمين داخل السجون.
وهكذا استطاع المسلمين في أسبانيا تسجيل أحد الأهداف الهامة في سجل الحقوق، التي يحاولون جاهدين استعادتها في تلك الديار الغالية، وفقهم الله وسائر المستضعفين من أمة الإسلام في شتى بقاع الأرض إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة، وإلى اللقاء في قضية أخرى إن شاء الله.
==============
تخلفنا حينما فصلنا بين علوم الدين وعلوم الدنيا
الأربعاء 23 جمادى الآخرة 1427هـ -19 يوليو 2006م
الصفحة الرئيسة
- فصل الدين عن العلم جعل شبابنا ينبهر بعلوم الغرب ويشك في الإسلام.
- المسلمون يعانون الآن من تخلف في العلوم وتخلف في فهم الدين.
- ما ورد في السنة عن فتنة الدجال ينطبق على فتنة الحضارة الغربية.
- المسلمون نسوا علم الأسماء الذي هو مناط الخلافة في الأرض.
حاوره/ أحمد وهدان
مفكرة الإسلام : محمد شهاب الدين الندوي أمين عام الأكاديمية الفرقانية ببنجلور بالهند.. أحد المثقفين المسلمين المهتمين بقضية النهضة العلمية والتكنولوجية المنتظرة في العالم الإسلامي. ولذلك جاءت كل إسهاماته الفكرية وكتبه لتدور في هذا الفلك. فله من الكتب: بين علم آدم والعلم الحديث - الأدلة العلمية الحديثة على المعاد الجسدي - التجليات الربانية في عالم الطبيعة - نهضة العالم الإسلامي في ظلال القرآن - الاستنساخ الجيني يصدق المعاد الجسدي - أهمية علم الكيمياء والفيزياء - التقدم في العلم والتكنولوجيا - القرآن الكريم والكيمياء الحيوية - القرآن الحكيم ودنيا النبات.
وأثناء زيارته للقاهرة التقينا به لنتجول معه في هذا العالم الذي نذر نفسه له.
* يعيش العالم الإسلامي منذ عدة قرون حالة من الانحطاط والتخلف. ..ما هو تفسيرك لهذه الحالة؟ وما نتائجها على المسلمين؟ وكيف نستطيع تجاوزها؟
** العامل الرئيسي في هذا الأمر هو هبوط الدول المسلمة في العصور الوسطى عسكرياً وسياسياً، فأدى ذلك إلى انقطاع الاتصال بينهم وبين العلوم الطبيعية، لأن التقدم فيها يحتاج إلى إشراف الحكومات إشرافاً كلياً، وقد خسر الإسلام من هذه الظاهرة المريرة خسرانا مبينا، وهذا التخلف والتقهقر لم يكن من الناحية العلمية والتقنية فقط بل كان تخلفاً من الوجهة الشرعية أيضا. فأي أمة تقهقرت في العلوم المادية تأخرت في حقول المدنية والاجتماع والاقتصاد والعسكرية والسياسة، لأن هذه العلوم أحاطت بعالم البشر بالكامل، والأمم المتسلحة بهذه العلوم ترهب الأمم الضعيفة كل يوم وتهددها في كل آن. وأما اعتبار التخلف العلمي تخلفا شرعيا أيضا فإن الانفصال بين العلم والدين ينتهي إلى تضعيف الدين نفسه من عدة جهات... من جهة الانحلال الفكري, ومن جهة فشل الدين في مجال الحجة والاستدلال... ومن جهة القنوط واليأس من التقدم حتى وإن كان مرتكزا على الدين.. الخ.
والإسلام كما أنه دين كامل من الوجهة الشرعية والروحية، فهو دين مكتمل أيضا من الوجهة المدنية والحضارية: يرشد في جميع القضايا التي يحتاجها البشر. لكن المسلمين رفضوا اليوم تعاليمه المدنية والحضارية معتنقين تعاليمه الفقهية، بدون الاجتهاد في مدلولاتها العلمية والحضارية فانكمش الإسلام وانحصر في عبادات وطقوس وعادات.
وخلاصة القول أن من أسباب تخلف المسلمين أنهم نسوا بالجملة العلم الذي عليه مناط الخلافة الأرضية، وهو علم الأشياء أو بالمصطلح القرآني 'علم الأسماء' وهو الذي يحافظ على الدين والشريعة من زوايا كثيرة ويحفظ التوازن للمجتمع. ...فلا يستحكم الدين إلا بعد الحذق فيه، وهذا هو السر الذي لأجله كرم الله آدم، فأعطاه هذا العلم بعد خلقه على الفور[وعلم آدم الأسماء كلها] أي أطلعه على جميع الأشياء الكونية والمخلوقات الإلهية وأخبره بمسمياتها وخواصها وتأثيراتها ومنافعها الدينية والدنيوية، وهذه الأشياء وخواصها هي موضوع العلم التجريبي الحديث.
وهكذا فلا بعد بين علم آدم والعلم الحديث لأن عليه مدار الخلافة في الأرض، ولذلك قدم الله تعالى تعليم آدم على الملائكة.
* هل نفهم من ذلك أن من أسباب تخلفنا العلمي أننا فصلنا بين علوم الدين وعلوم الدنيا؟(7/340)
** نعم هذا واقع وحقيقي، فالإسلام لعب دورا تاريخيا باتخاذ الأيدلوجية الصحيحة التي تجمع بين الدين والدنيا… كما قام المسلمون ببطولة كبيرة في قرونهم الذهبية بأن استخدموا الناحيتين الدينية والدنيوية معا، فأدى ذلك إلى المطابقة الكاملة بين الفطرة والشريعة. ولم يعرف تاريخ الإسلام الصراع بين الدين والعلم مثلما كان الحال في تاريخ المسيحية، حيث كان الصراع مستفحلا بينها وبين العلم مما أدى إلى نمو وازدهار الإلحاد واللادينية، وللأسف وصلت هذه الظاهرة إلى حياة المسلمين بسبب تقصير علماء الدين الذين انفصلوا عن العلوم الحديثة تماما ولم يعتبروا بتأثيراتها، بل جحدوا أن يكون لها أي اتصال مع الدين، فكان لهذا الموقف تأثير كبير على شباب المسلمين فآمنوا بعلوم الغرب وشكوا في الإسلام.
ولو أن علماء الدين تثبتوا من كمال الإسلام وتأثيره وبينوا الحدود بين الفطرة والشريعة، أو بين الدين والعلم لكان ذلك مرتكزا للدول الإسلامية للتقدم في العلم والتكنولوجيا من ناحية، وحافزا للشباب المسلم حتى لا يتيه في أودية الفكر الغربي ويرفض دينه من ناحية أخرى.
* نهضة الغرب العلمية وتخلف المسلمين فيها، هل تؤثر بالسلب في مجال الدعوة إلى الإسلام كدين خاتم، خاصة مع الذين يعيشون وسط هذه الحضارة الغربية ومباهجها؟
** إن حضارة الغرب عارية من الروح وهي ظاهرة حديثة لحضارات اليونان والروم المادية، وهي لامعة في الظاهر لكنها جوفاء من الباطن.
هذه الحضارة الغربية تؤمن بحب الذات والخداع والإرهاب والعدوان والإغارة والتدمير والقتل وإبادة الجنس البشري والفواحش وتخريب الأخلاق. ..هذه هي عناصرها الأساسية. والمجتمع الغربي اليوم غرق في بحر المادية تماما ونسى خالقه وغايته.. فهياكل هذه الحضارة الغربية هي المصانع الكبيرة ودور السينما والمختبرات الكيماوية، وباحات الرقص، وأماكن توليد الكهرباء. وأما كهنة هذه الديانة فهم الصيارفة والمهندسون ونجوم السينما.
والأمم الغربية تعيش اليوم في الترف والتنعم والطرب وليس عندها هدف أعلى وغرض سام إلا رغد العيش وإرواء البطن والفرج، وكأن هذه الدنيا بالنسبة لهم هي جنة المأوى التي ليس بعدها عيشة مرضية. هذه هي النار الإفرنجية التي يحترق فيها العالم كله ويتقدم مسرعا إلى وادي الموت. وما ورد في الأحاديث النبوية عن الدجال وفتنته ينطبق على هذه الحضارة الكاذبة الفتانة، وقد ظهرت علامات كثيرة لهذه الفتنة العمياء وإن صرحت الأحاديث بأن الدجال هو شخص، لكنني أظن أن الوصف النبوي ينطبق على هذه الحضارة.
إن من العلامات الواضحة أن الدجال مكتوب على جبهته الكفر وهو أعور بعينه اليمنى، وليس فيها نور، كأنه ينظر إلى الأشياء بعين واحدة ويغمض الأخرى، وهذه الظاهرة تنطبق على هذه الحضارة الدجالية كليا، فهي تنكر جميع القيم الروحية بكل مكر وخداع، ولا تعترف بأية قيمة إلا من الناحية المادية.
وهي أيضاً تدخل الرعب إلى قلوب الناس بوسائل من العلم والفلسفات، وهذه هي الفتنة العوراء الصماء البكماء التي حذر منها جميع الأنبياء، وبالتالي فيجب ألا تغرنا هذه الحضارة المادية ويجب أن ننقدها ونقول للآخرين إن حضارتكم ستفني وإن أردتم إطالة عمرها فعليكم بالإسلام.
* تحدثتم عن أسباب ونتائج تخلف العالم الإسلامي في مجال العلوم المختلفة والتكنولوجيا ، ولكنكم لم تتحدثوا عن طريقة عملية لكسر قيد التخلف.
** الطريقة الوحيدة لكسر قيود وأغلال التخلف والعجز هي الجهاد، وقد شاع فهم خاطئ بين المسلمين بأن الجهاد هو حرب الكفار فقط، لكن الصحيح أن للجهاد مفهوم واسع في الدين، والجهاد في الإسلام نوعان: نوع يتعلق بالعلم والاستدلال بالبراهين، ونوع يتعلق بالجهد في ميدان العمل، وكلا النوعين مطلوب لإعلاء كلمة الله.
فأما الجهاد بالعلم والاستدلال فهو إثبات أصول الدين وتعاليمه بالأدلة العقلية والعلمية الحديثة في ضوء القرآن الكريم وهذا هو الجهاد الكبير بتعبير القرآن [ولو شئنا لبعثنا من كل قرية نذيرا، فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادً كبيراً].
فالله سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن يجاهدوا الكفار ومنكري الحق، بالقرآن الكريم، الذي فيه من الحقائق والأدلة العلمية ما يصلح لأن يكون حجة ناصعة في كل عصر، وهي اليوم الحقائق الكونية التي تنكشف بالاكتشافات الحديثة، وهذا العلم هو الذي يجدر أن يسمى بعلم الكلام لما له من تأثير كبير في محاجة الكفار والجاحدين لله في عصرنا هذا.
والحاجة ماسة إلى تدوين هذا العلم ومبادئه في ضوء القرآن العظيم والعلوم الحديثة، وفرض على العلماء أن يتفكروا في الظواهر الكونية ثم يتدبروا في كتاب الله العظيم فيستنبطوا منه الأدلة العلمية التي تنكشف بمقابلة الاكتشافات الحديثة والحقائق القرآنية والتي تكون حجة قاطعة على البشر، فلا يكون لديهم مجال للإنكار.
وأما الجهاد العملي فهو الجهد المتواصل في مجال النشاطات المختلفة التي تساعد الإسلام والمجتمع الإسلامي في إقامة صرح التقدم وغلبة الأمم والأديان كلها لتكون كلمة الله هي العليا. ولا يتم هذا الجهاد في العصر الراهن إلا بالنبوغ والتفوق والسبق في مجال العلوم والتكنولوجيا. ثم إن لهذا الجهاد العملي مفهوم عام ومفهوم خاص، فالمفهوم العام هو النشاط العملي في جميع الأعمال المدنية والاجتماعية من منظور إسلامي، والتي تساعد المجتمع لمواجهة أعدائه في الساحة العسكرية، وهذا هو الجهاد الدائم المتواصل في حالة الأمن والخوف وفي حالة العسرة والراحة، وأما المفهوم الخاص للجهاد العملي فهو القتال ومواجهة أعداء الدين.
* المجتمعات الغربية كلما تقدمت في مجالات المادة والعلوم التطبيقية كلما انتشر فيها الإلحاد والاتجاهات الفلسفية المادية.. كيف يمكننا ونحن نبتغي تقدما في مجالات العلوم المادية أن نتجنب هذه السلبيات؟
** يجب أن نتذكر أن العلوم قد نمت وازدهرت قبل ذلك في ظلال الإسلام وقامت حضارة ملأت العالم، ولم يحدث الإلحاد والفلسفات المادية لأن القرآن هو الحصن الذي يمنع ذلك. والإسلام يدعو إلى امتلاك ناصية العلوم التطبيقية لينشأ التفكير العلمي في المجتمع وتتأصل الواقعية والجدية ويقضي على عبادة المظاهر، والتبعية الفكرية، والتفكير المظلم. وأيضا لكي تنكشف آيات الله وهي الأدلة العلمية الكونية الكامنة في الكون والتي تظهرها الاكتشافات العلمية، وبذلك يتبين صدق الدين، ونقضي على الأفكار المنحرفة والفلسفات المادية الزائفة، ويظهر التوافق بين الدين والعلم، وبين الشريعة والفطرة، ليستقيم التوازن في المجتمع، وتتكون الحضارة بالمصالحة بين الروح والمادة، لتكون حضارة مثالية خالية من الإفراط أو التفريط.
ومما يؤسف له أن الفلسفات المادية الملحدة قد استغلت النظريات العلمية ولوت عنقها وكستها أزياء المادية قهرا لتخدم أهواءها وأهدافها الشريرة، لكن والحمد الله كان القرن العشرون، بفضل الاكتشافات العلمية الحديثة، وخاصة في علم الفيزياء ، قرن انهزام وانكشاف وفضح هذه الفلسفات المادية والنظريات المنحرفة، سواء في الفلسفة أو علم الاجتماع أو علم النفس أو في السياسة، وباتت الأرض مهيأة الآن لانتشار الدين الذي لا يتناقض مع العلم، بل يتوافق معه أشد التوافق وهو الإسلام [والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون].
* ما هي أهم التحديات التي تواجه المسلمين في الهند؟(7/341)
** المسلمون في الهند أقلية رغم أن عددهم يبلغ 150 مليون نسمة، وهذه الأقلية تواجه عدة مشاكل وتحديات، فمن الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يواجهون الاضطهاد العنصري من الهندوس المتطرفين، وكذلك القمع السياسي، والتحديات الداخلية مثل التخلف العلمي والاقتصادي، والفقر المدقع.
وتفاصيل ذلك أن هناك عدة فصائل هندوسية متطرفة لا شغل لهم إلا إثارة المشاكل العدائية ضد المسلمين، واستفزازهم، ويطالبون بمغادرة المسلمين للهند، إلى دولتهم ويقصدون بها باكستان، كما يطالبون بمنع القرآن لأنه يحرض على قتال غير المسلمين كما يدعون.
هذه النفسية تدفعهم إلى إثارة الاضطرابات الطائفية، التي لا يوجد لها مثيل إلا عند الصهيونية والنازية، وهم يدعون أن ثلاثة آلاف مسجد كانت عبارة عن معابد هندوسية، وهم بذلك يطالبون بهدمها ويسعون نحو ذلك، ويساندهم للأسف الحزب الهندوسي الحاكم المتطرف 'بارديا جاناتا'.
أما بالنسبة للتحديات الداخلية فأهمها أن أكثر هذه الأقلية المسلمة لا يعرفون القراءة والكتابة؛ الأمر الذي جعلهم متخلفين في جميع المجالات، ونخص بالذكر مجال الاقتصاد، حيث أن 70% من المسلمين فقراء، كما لا تتوفر وظائف حكومية لكثير من المسلمين، وغير ذلك من المشكلات.
وفي الهند اتجاهان؛ اتجاه يمثله الهندوسية المتطرفة، والاتجاه الثاني يمثله العلمانيون، وأكثر الأحزاب السياسية هم من العلمانيين.
إلا أن الحزب الهندوسي المتطرف استطاع استقطاب بعض هذه الأحزاب العلمانية، حتى يتمكن من الوصول إلى السلطة والحصول على إغراءاتها، مع أن الأحزاب العلمانية الخالصة تتصدى لمواقف الحزب الهندوسي، وتدعو إلى مبادئ العدالة والمساواة والالتزام بمبادئ الدستور الهندي؛ حيث إن الدستور يتضمن مبادئ المساواة والإنصاف والعدل بين جميع الأديان.
والمسلمون الهنود يسعون إلى التنسيق مع العلمانية المنصفة لهم ضد الهندوسية المتطرفة، وهم بهذا يقبلون بمبدأ أخف الضررين.
=============
الأقليات المسلمة في الدول الأوروبية أمل وألم [1]
الخميس 10جمادى الآخرة 1427هـ –6 يوليو 2006م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام: منذ أن أشرق العالم بنور الإسلام, في ذلك العهد الزاهر المبارك؛ كان المسلمون في مجدهم وعزهم يتعايشون مع أبناء الأديان الأخرى, وكان تصريف أمور الأقلية غير المسلمة يتم عن طريق رؤوسائهم المدنيين؛ فيجدون حقوقهم لدى المسؤولين المسلمين مستقرة مشروعة.
ثم دارت الأيام، فصار جزء من المسلمين يمثلون أقليات تعيش في وسط غير إسلامي, إلا أننا هنا نرى صورة أخرى للتعامل مع الأقليات، نتج عنها إشكاليات لكل مهاجر، فضلًا عن الذين اعتنقوا الإسلام في البلدان الغير إسلامية, وعلى سبيل المثال الذي سنتناول الحديث عنه اليوم: المسلمون في أوروبا.
أوروبا:هي إحدى قارات العالم السبع، وتعد أوروبا جغرافيا شبه قارة أو شبه جزيرة كبيرة، وتعتبر قارة صغيرة نسبيًا مقارنة ببقية القارات، لكن قارة استراليا أصغر منها, ويعتقد البعض أن اسم القارة مشتق من اسم الأميرة الفينيقية يوروبا التي كانت قد خطفت من قبل زيوس -إله السماء عند اليونان- على ظهر ثور، وأخذت لجزيرة كريت حسب الأساطير اليونانية، ومن بعد حادثة الخطف سميت اليونان باسم يوروبا، وبحلول العام 500ق.م؛ امتد المقصود من الكلمة ليشمل الأراضي الواقعة شمال اليونان.
المساحة : حوالي 10.79 مليون كم2 [7.1 % من مساحة الأرض].
عدد السكان : ثالث قارة في العالم من حيث عدد السكان إذ يزيد عدد سكانها عن 700 مليون نسمة [11 % من سكان الأرض].
اللغة: تنتشر في قارة أوروبا عدة لغات منها: الجرمانية, الرومانسية, و السلافية ,الأورالية, الألطية, البلطية, والكلتية و لغات أخرى.
الأديان المنتشرة في القارة: المسيحية، وتمثل الديانة الأولى, ويليها الإسلام، وهناك دول ومناطق ذات نسبة كبيرة من المسلمين في القارة مثل: ألبانيا والبوسنة والهرسك وبلغاريا ومقدونيا وقبرص وكازاخستان وتركيا وأذربيجان وجورجيا, و على مستوى القارة بشكل عام فإن 5 % من مواطني دول الاتحاد الأوروبي يدينون بالإسلام، يتركز العديد من المسلمين في ألمانيا 3.878 %، وفرنسا 5 إلى 10 %، والمملكة المتحدة 2.7 %, وهناك ديانات أخرى كاليهودية والهندوسية و السيخية.
لأوروبا تاريخ طويل حافل بالأحداث والتغيرات الاجتماعية والثقافية و الصراعات طويلة الأمد، و قدر تاريخها لحوالي 800 ألف سنة خلت، هي أول فترة في تاريخ تلك القارة العريقة.
و تنسب الحضارة الأوروبية الحديثة والتقدم الثقافي لبعض أجزاء تلك القارة لقدامى اليونان بشكل رئيس، كما أن للمسيحية تأثيرًا كبيرًا أيضًا, وقد كان لدخول المسلمين الأندلس، وتأسيسهم فيها دولة اهتمت بالعلم والعلماء في الوقت الذي كانت تعيش أوروبا في العصور المظلمة؛ تأثيرًا بالغًا على الأوروبيين أنفسهم، وأدى تأثرهم هذا -على المدى البعيد- لنقلهم إلى عصور النهضة والتقدم والديمقراطية، التي تم الوصول إليها في القرن العشرين.
قامت الإمبراطورية الرومانية على أجزاء واسعة من القارة الأوروبية، وكان سقوطها في القرن الخامس الميلادي بوابة لكثير من التغيرات في القارة، وقد عانت أوروبا كثيرًا من الظروف المعيشية في العصور المظلمة، حتى انتقلت لعصر النهضة الأوروبية، ثم تبع ذلك الفتح الإسلامي العثماني لمدينة استامبول البيزنطية في القرن الخامس عشر الميلادي، وأسقطوا بذلك تلك الإمبراطورية، وقاموا بالتوغل في قلب القارة الأوروبية حتى وصلوا لحدود إيطاليا والنمسا، وشكلوا القوة الأبرز في القارة في تلك الفترة.
وبعد ذلك جاء عصر النهضة الأوروبية، وقد كان شغل أوروبا الشاغل بعد ذلك العصر هو بث أفكار الديمقراطية وكيفية تطبيقها, ثم بدأت الشعوب الأوروبية بالمناداة بالحرية والمساواة الفردية، وكان أبرز حدث توج تلك الأفكار والتوجهات هو الثورة الفرنسية التي أدت لشيوع وانتشار أفكار الثورة على الإقطاعيين أو الكنيسة في مختلف مناطق القارة، و قد أدى نشوء القوميات -بمعناها الحديث- إلى تعزيز الصراع الدائر بين القوى العظمى في أوروبا على دول العالم الحديث، وكان أشهر تلك الصراعات استيلاء نابليون بونابرت على السلطة في فرنسا، حيث أنشأ ما عرف باسم الإمبراطورية التي سرعان ما انهارت، وبعد سقوط نابليون هدأت القارة الأوروبية نسبيًا، وبدأ في تلك الفترة انهيار الممالك ونظم الحكم القديمة.
ونحن هنا بصدد محاولة تسليط الضوء على الإسلام والمسلمين في القارة الأوربية، حتى نستطيع التعرف على واقع قرابة 52 مليون مسلم يعيشون هناك.
وتؤكد المعلومات التاريخية بدء دخول الإسلام إلى القارة الأوربية من جنوبها إلى بلاد القوقاز، في وقت مبكر مع جيوش الفتح الإسلامي في عهد عمر بن الخطاب في عام 22هـ, ودخل حوض نهر الفولجا في بداية القرن الرابع الهجري عن طريق التجار المسلمين, وفي القرن السابع الهجري عندما دخلت القبائل التتارية في هذه المنطقة,ثم امتد إلى غرب أوروبا في العقد الأخير من القرن الأول الهجري في عام 91هـ تقريبًا، عندما فتحت الأندلس عل يد طارق بن زياد وموسى بن نصير, ثم واصل الإسلام انتشاره في القرن ال12 الهجري في عهد الدولة العثمانية.(7/342)
و لقد طرق الإسلام أبواب أوروبا من الشرق بمحاولته فتح القسطنطينية، ومن الجنوب بفتحه لصقلية وجنوب إيطاليا, ومن الغرب بفتح الأندلس والتوغل في بلاد الغال -فرنسا اليوم- حتى مدينة' بواتيه', ثم كر الإسلام ليدق أبواب أوروبا الشرقية ثم الوسطى في زمن السلطان محمد الفاتح وخلفائه الأقوياء، حيث سيطر العثمانيون على شرق أوروبا, وقد استفادت أوروبا كثيرًا من سماحة الحكم العثماني، وكذلك سماحة الأتراك والتنظيم الدقيق للعسكرية
و اليوم يشكل المسلمون في أوروبا وجودًا حقيقيًا ذا فاعلية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ورغم عدم وجود إحصاء رسمي يبين حجم الأقلية المسلمة في دول أوروبا، فإن بعض المصادر الإسلامية تقدر عدد المسلمين هناك بـ 52 مليونًا من أصل 705 مليون نسمة هم عدد سكان القارة الأوروبية، ويعيش في فرنسا وحدها 6 مليون مسلم.
وتختلف أوضاع الأقليات الإسلامية في أوروبا من دولة إلى أخرى، حسب الوضع القانوني السائد في تلك الدولة، وتبعًا للشعور العام السائد داخل المؤسسات الحكومية الأوروبية تجاه الإسلام؛ فبعض الدول تنظر إليه نظرة توجس وريبة مثل فرنسا وألمانيا، مما ينعكس على التسهيلات الممنوحة لتلك الأقلية، وخاصة فيما يتعلق باستخراج تصريحات بناء المساجد، في حين يتضاءل هذا الشعور في دول أخرى، كما هو الحال في بريطانيا على سبيل المثال.
والمسلمون في أوروبا موزعون في أقليات، يختلف حجمها بين الآلاف والملايين، ومن أمثلة الدول الأوربية التي يبلغ عدد المسلمين فيها الملايين بعض دول أوروبا الشرقية، وهناك دولة واحدة يشكل المسلمون فيها أغلبية وهي ألبانيا، أما المسلمون في أوروبا الغربية فأحوالهم مختلفة، ذلك أن عددهم في هذه البلاد يبدأ من المئات في البعض منها، ويرتفع العدد تدريجيًا حتى يقارب بضعة ملايين في بعضها الآخر مثل فرنسا.
وتتركز الجاليات الإسلامية الكبيرة في غرب أوروبا في كل من فرنسا من 5-6 مليون, وألمانيا من 2-3 مليون نسمة, وبريطانيا من 1.5-2 مليون نسمة, وفي إيطاليا 0.7مليون نسمة، وفي هولندا 0،4 مليون نسمة، وبلجيكا 0.75مليون نسمة، واليونان 0.25 مليون نسمة، وفي قبرص 0.16 مليون نسمة، أما في إسبانيا 0.12 مليون نسمة، ومالطة 0.1 مليون نسمة ومثلها سويسرا، وفي الدانمارك 0.05 مليون نسمة, أما في السويد والبرتغال و النرويج و فنلندا وجبل طارق و لكسمبورج وأيرلندا؛ فعدد المسلمين يقل في كل منها عن 50 ألف مسلم.
ومن المعلوم أن الغالبية العظمى من المسلمين في هذه البلاد وفدوا إليها بحكم الصلات السياسية التي كانت تربط بلدانهم بالبلدان الأوروبية التي يعيشون فيها، وقد وفدوا إلى تلك البلاد بحثًا وراء فرص أفضل في الحياة لم تتيسر لهم في بلادهم الأصلية, وهناك أعداد كبيرة منهم دخلوا في الإسلام نتيجة مخالطة المسلمين عن قرب.
وتواجه المسلمين في تلك البلاد مشكلات كثيرة، وتعتبر مشكلة التردد بين العزلة والاندماج أهم ما يؤرق الأقليات المسلمة في الغرب، حيث أنهم يعانون من صعوبة الحفاظ على الخصوصيات الثقافية الدينية؛ فالدساتير تضمن حرية التعبير إجمالًا، لكن التطبيق يتفاوت بين دولة وأخرى وبين ظرف وآخر، وقد جاءت قوانين الرقابة في ألمانيا مثلًا لتضع كل مسلم بين العشرين والأربعين من عمره في دائرة الاتهام، مما يعني ذلك خوف وقلق .
و تشكل الهوية الإسلامية والخوف عليها من الذوبان في ثقافة الآخر؛ التحدي الأول لها، خاصة لدى الأبناء من الجيلين الثاني والثالث، الذين حصلوا على جنسية البلدان المقيمين فيها، وأصبح لهم حقوق مواطنة كاملة.
وتحاول تلك الأقليات الحفاظ على هويتها الإسلامية، لكن ضعف الإمكانيات والموارد، وندرة الدعاة المتخصصين؛ يقف عائقًا دون تحقيق ما تصبو إليه، مما ينعكس سلبًا على أوضاعها الاجتماعية والثقافية؛ فالكثير من المسلمين يعيشون في ظروف صعبة، فهم إما في أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن الأوروبية الكبرى، أو في تجمعات سكانية مكتظة، وفي حالة تهميش وتقوقع ثقافيين، ويزيد من حدة هذه المشكلة عدم وجود تنظيم عربي وإسلامي قوي، يدافع أمام الحكومات الأوروبية عن حقوق تلك الأقليات، وسرعة تنفيذ مطالبها.
هكذا تناولنا في هذه الحلقة حقائق حول تاريخ المسلمون والأقليات في القارة الأوربية، وفي الحلقة القادمة نستكمل الحديث حول مستقبل المسلمين، والدعوة للإسلام في الغرب, كما نتحدث إن شاء الله عن التحديات التي تواجه المسلمين هناك، فإلى لقاء قادم إن أحيانا الله عز وجل.
==============
الأقليات المسلمة في الدول الأوروبية أمل وألم [2]
الأحد 20جمادى الآخرة 1427هـ -16 يوليو 2006م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام : تحدثنا في الجزء الأول من هذا الموضوع عن تاريخ الأقليات المسلمة في القارة الأوربية، وكيف انتشر الإسلام فيها، واليوم نبدأ من حيث انتهينا.
وقد أوضحنا كيف أن تلك الأقليات تحاول الحفاظ على هويتها الإسلامية، لكن ضعف الإمكانيات والموارد، وندرة الدعاة المتخصصين يقف عائقًا دون تحقيق ما تصبو إليه، مما ينعكس سلبًا على أوضاعها الاجتماعية والثقافية؛ فالكثير من المسلمين يعيشون في ظروف صعبة، فهم إما في أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن الأوروبية الكبرى، أو في تجمعات سكانية مكتظة، وفي حالة تهميش وتقوقع ثقافيين، ويزيد من حدة هذه المشكلة عدم وجود تنظيم عربي وإسلامي قوي، يدافع أمام الحكومات الأوروبية عن حقوق تلك الأقليات، وسرعة تنفيذ مطالبها.
ونحن اليوم نتناول بشيء من التفصيل مستقبل المسلمين والدعوة للإسلام في الغرب, وكذلك أهم التحديات التي تواجه المسلمين هناك.
منذ العقد السادس من القرن العشرين، وأوروبا تشهد موجات متعاقبة من الهجرة من الدول الإسلامية، كانت الموجة الأولى في الخمسينيات والستينيات، وكانت مع حركات التحرر الوطني واستقلال الدول الإسلامية، مثل تركيا وباكستان -التي كانت شرقية أو غربية في هذا الوقت- ومعظم الدول العربية وإندونيسيا، وكان معظم المهاجرين من الفقراء، الذين يبحثون عن فرصة عمل في الدول المستعمرة الغنية، وشكلت تلك الموجة ما عرف باسم الجيل الأول.
ثم شهدت السبعينيات والثمانينيات حركة الصحوة الإسلامية في الدول الإسلامية، وشهدت أيضًا في أوروبا ظهور الجيل الثاني، وكذلك ازدياد عدد المساجد كنتيجة لاهتمام الحكومات الأوروبية والإسلامية بالتعاون في هذا المجال، واحتواء هذا العدد المتزايد, ولكن مع بداية الاتحاد الأوروبي، وزيادة الضغوط الاقتصادية، وتقلص فرص العمل؛ ازداد التمييز العنصري، وصارت الأحياء ذات الأغلبية المسلمة مأوى للجريمة والفقر، وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن نسبة عدد المسجونين من المسلمين في الاتحاد الأوروبي قد تضاعفت مرتين في السنوات العشر الأخيرة.(7/343)
الجيل الثاني وجد نفسه منصهرًا بصورة أكبر في المجتمع الأوروبي الذي عمل وتعلم فيه، ولا يعرف له أرضًا أو وطنًا غيره، ولكنه وجد نفسه أيضًا معزولًا من خلال آليات الرفض الاقتصادي، وظهور ظاهرة الخوف من الأجانب، أو بمعنى أكثر صراحة 'الخوف من الإسلام والمسلمين'؛ وذلك بسبب ازدياد عدد النشطاء المسلمين في أوروبا كنتيجة لاضطهادهم في بلادهم الأصلية، مما شكَّل ما عُرف بالموجة الثانية للهجرة، والتي تميزت بأنها موجة سياسية لا اقتصادية، وأنها وجدت أرضية خصبة في الشباب المسلم الأوروبي من الجيل الثاني، حيث أصبح الإسلام جزءًا أساسيًّا من هويته، ومن خلال هؤلاء النشطاء؛ تعرف الجيل الثاني على شكل جديد من الإسلام: ثوري، وإيجابي، ورافض لطمس هويته، وازدادت المساجد والمراكز الإسلامية، وظهرت الجمعيات النشطة في مختلف التجمعات.
وفي التسعينيات حدث الكثير من التغيرات الإقليمية والجغرافية في أوروبا، وواكب هذه التغيرات تغيرات اقتصادية وسياسية، وقد كان لهذه المتغيرات تأثيرًا كبيرًا على أحوال المسلمين، مما دفع المسلمين في أوروبا من أقصى شرقها حتى أقصى غربها إلى التوحد حول إحساس واحد، وهو الإسلام كهوية.
ويتأجج هذا الإحساس الآن بالنسبة لبعض المسلمين في غرب أوروبا مع إحساسهم بالاضطهاد للمسلمين عامة، أو للحرب الصليبية التي يشنها الغرب على الإسلام، أو لأي سبب آخر يرتبط بالدين، الذي أصبح المظهر الوحيد للهوية، والسبيل الوحيد للخلاص من كافة المشكلات، وكذلك الحال عند مسلمي أوروبا الشرقية، الذين عانوا طويلًا من فرض طغيان الشيوعية عليهم، ثم إحساسهم بأنهم أقلية وسط المجتمع المسيحي، سواء الأرثوذكسي أو الكاثوليكي، وفقًا للبلد الذي ينتمون إليه.
لكن الحكومات الأوروبية تحاول إدماج المسلمين داخل المنظومة السياسية، إلا أننا نجدها تأخذ خطوة للأمام ثم عدة خطوات للخلف، وذلك بسبب تخوفها من الآراء التي ينشرها بعض المحللين السياسيين والمستشرقين والتي دائمًا ما تضع الإسلام والمسلمين مع الإرهاب في قفص واحد, إلا أن هذه الصورة التي يحاول بعض الغربيين الغير منصفين جعلها الصورة السائدة في الغرب ليست الصورة الكاملة للحاضر المسلم في تلك القارة, فهناك صورة أخرى أكثر إشراقًا تتمثل الدور المتنامي للجانب الاقتصادي، الذي يلعب دورًا كبيرًا في عملية دمج المسلمين في أوروبا، وأيضًا في إقناع أوروبا بدور المسلمين الحيوي, حيث نرى تزايدًا في عدد البنوك الإسلامية التي أصبح حجم تعاملاتها ما يقارب 300 بليون دولار.
إلا أننا ننظر بحذر إلى هذا الاندماج، وذلك لما لهذا المفهوم من أوجه متعددة, فهو من وجهة النظر الأوروبية يعني أن يصير المواطن المهاجر أو المسلم أوروبيًّا أولًا ثم مسلمًا ثانيًا، أو ما يسمَّى أحيانًا بالاعتدال، ويعتبر هذا الرأي خلطًا وتعدٍّ على حق المواطن والفرد في اختيار أولويات انتماءاته، بمعنى أن الفهم الأوروبي لمفهوم الاندماج يؤدي إلى تعنت وقسر، ومن ثَمَّ ضغط واضطهاد.
وعلى الجانب الآخر نجد أن الاندماج في الفهم المسلم -أحيانًا- هو حقوق دون واجبات، والتزامات من قِبَل الدولة دون التزامات بالمقابل من جهة الفرد، وأحيانًا -وهي الصورة السائدة الآن- يمثل فاعلية المواطن المسلم من خلال مؤسساته المتعددة, ومن ثَمَّ فالاندماج الإسلامي في أوروبا هو أمر واقع، ولكن ينقصه تجاوز إشكالية ضد الآخر، أو نحن ضد الآخرين؛ حتى لا يكون المواطن المسلم الأوروبي مطالبًا باتخاذ قرار ضد دينه ليكون أوروبيًّا أو العكس، وهذا سيحدث عندما يدرك المواطن أنه لا تعارض بين انتمائه الديني وانتمائه الأوروبي، ومن ثَمَّ يتخلص من فكرة الاضطهاد.
وللتخلص من هذه الفكرة على الحكومات الأوروبية أن تدرك أن الإسلام لا يشكل خطرًا عليها، والأهم أن الإسلام ما زال أحد مكونات الحضارة الأوروبية منذ فجر الدعوة الإسلامية وحتى الآن، وأن أوروبا ليست بالنادي المسيحي المغلق على غيره من البشر، بمعنى أن على أوروبا أن تتوحد بمعنى الكلمة، وتتجاوز الرؤية المنغلقة للدولة القومية، ومن ثَمَّ يصبح الاندماج الأوروبي أمرًا واقعًا, وحدثًا فعليًّا.
ولكن هذا أمل -وليس واقعًا في حقيقة الأمر- قد أدى إلى تعرض الأقلية المسلمة في أوروبا لمواجهة الكثير من المشاكل و التحديات, وهي ليست واحدة عند عموم المسلمين، فهي تختلف بين بلد وآخر، وذلك باختلاف قوانينه، وباختلاف نظرة سكانه إلى الإسلام والمسلمين, ونستطيع تقسيم هذه المشاكل والتحديات إلى أربعة أقسام:
• تحديات مصدرها أوروبا نفسها.
• وتحديات مصدرها الأقلية المسلمة ذاتها.
• وتحديات مصدرها العالم الإسلامي.
• وأخرى فكرية وثقافية.
أما التحديات ذات المصدر الأوروبي فالدول الأوربية تعتبر الأقلية المسلمة هي المسؤول الأول عن كل ما يحدث من تخريب و إرهاب, وترى أنها تشكل تهديدًا خطيرًا على المجتمع الغربي، وذلك بمحاولتها تسليط الأضواء على بعض التصرفات الشاذة والغير مسؤولة من أفراد مسلمين، وقد تكون تصرفاتهم الغير مسؤولة نتجت عن عدم وجود مرجعية واحدة تستطيع أن توجه هؤلاء الأفراد- الذين يمثلون غالب الجالية المسلمة- فكل فئة جاءت من بلادها جاءت بثقافتها، وجاءت كذلك بمشاكلها.
فهناك مجموعة من القيم التي يستهجنها المجتمع الغربي هي ليست من الإسلام، إنما هي عبارة عن عادات موروثة ليست من التعاليم الإسلامية، وللأسف الشديد أن الغرب يظن أن هذه تعاليم إسلامية، وهي ليست إلا موروثات وتقاليد قبلية ليس لها علاقة بالإسلام, وللأسف فإن الغربيين يروا الإسلام من خلال هذه الفئة, لذلك يجب على تلك الجالية أن يوحدوا جهودهم، ويتخلصوا من العادات التي ليست من الإسلام، ويركزوا على النقاط الإيجابية في المجتمع الذي يعيشون فيه، ومن ثمة دمج ثقافتهم الإسلامية بهذا المجتمع؛ ليقدموا صيغة طيبة ونموذجًا حضاريًا عن الإسلام، فهم رسل للإسلام في هذه البلاد.
وهناك أسباب أخرى متعلقة بالتحديات ذات المصدر الأوروبي، منها النقص الفادح في معلوماتهم عن الإسلام الصحيح, حيث أن ما يكتبه المسلمون باللغة العربية لا يصل إليهم، كما أن التاريخ العربي والإسلامي الموجود بين أيدي الأوروبيين تاريخ مشوه إلى حد كبير، مما يستدعي تصحيح هذا المنظور من خلال وقائع تاريخية سليمة.
هذا إلى جانب التأثير السلبي لوسائل الإعلام الغربي، التي تقف مؤسساتها ذات الأغراض المشبوهة -التي لا تخفى على أحد- وراء تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والتركيز على الجوانب السلبية التي تسخر من الإسلام، وتقلل من شأنه، مما يسهم في إيجاد بيئة عدائية ضد الأقليات المسلمة في الغرب.
ولا شك أن الربط بين الإسلام والإرهاب، وصعوبة ذوبان الأقلية المسلمة في المجتمعات الأوربية؛ أدى إلى عدم اعتراف العديد من الدول الغربية بحقوق الأقليات الإسلامية، وفرض القيود عليها من كافة الاتجاهات سياسية واقتصادية واجتماعية، مما أدى إلى الحد من تأثيرها، وعدم السماح لها في بعض الدول بأي مظهر إسلامي بزعم مخالفته لعادات وتقاليد الدولة, وهناك أيضًا التحفظ على الدراسات الإسلامية في مراحل التعليم الأولى.(7/344)
أضف إلى ذلك فرض تعليم قواعد الدين النصراني على أبناء المسلمين, وملاحقتهم في مصادر أرزاقهم، وقلة أماكن العبادة، وما تفرضه بعض الدول من معوقات أمام إنشائها, ووضع العراقيل أمام تعليم اللغة العربية لأبناء المهاجرين, وهناك الزواج المختلط وما يترتب عليه من مشكلات اجتماعية, وما يواجهه المسلمون من عمليات التنصير التي تتولى كبرها الهيئات الصليبية وبعثات التنصير، وقد كنا تحدثنا عنها بالتفصيل من قبل في موضوع سابق.
نكتفي بهذا القدر في حديثنا اليوم، على وعد بمواصلة الإبحار في هذه القضية الهامة في الحلقة القادمة إن شاء الله.
=============
المسلمون والغرب.. كيف ينظر كل منها للآخر؟
السبت 19 جمادى الآخرة 1427هـ -15 يوليو 2006م
الصفحة الرئيسة
استطلاع أجراه مركز أبحاث 'بيو'
ترجمة: زينب كمال
مفكرة الإسلام : بعد عام مليء بالأحداث الصاخبة والاضطرابات بسبب أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد [صلى الله عليه وسلم] والهجوم الذي تعرضت له العاصمة البريطانية لندن بالإضافة إلى الحروب المتواصلة في كل من العراق وأفغانستان, صارت لدى معظم الغربيين والمسلمين قناعة أن العلاقات بينهم في الوقت الحالي قد ساءت بشكل عام. وبينما يرى الكثير من الغربيين أن المسلمين متعصبون ويتسمون بالعنف وقلة التسامح, ينظر المسلمون في الشرق الأوسط وآسيا للغرب عامة على أنهم يتصفون بالأنانية وانعدام الأخلاق والطمع, بالإضافة إلى العنف والتعصب.
ومع ذلك, فإن أحد نقاط الاتفاق النادرة بين الغربيين والمسلمين هي أن كليهما يعتقد أن الشعوب الإسلامية يجب أن تكون أكثر ازدهارًا من الناحية الاقتصادية مما هي عليه الآن. ولكن كل منهما يقيس الأمر بطريقة مختلفة تمامًا. فالشعوب الإسلامية ترى أنها مضطهدة من قبل الغرب, وتعتبر أن السياسات الغربية هي المسئولة عن تدهور أوضاعها الاقتصادية. ولكن الشعوب الغربية, من جهتها, ترى أن أكبر العقبات التي تقف حائلاً دون ازدهار الدول الإسلامية هي الفساد الحكومي وقلة التعليم والأصولية الإسلامية.
لا شيء يمكن أن يبرز الفجوة بين المسلمين والغرب بصورة أكثر وضوحًا من ردودهم بخصوص الثورة التي اجتاحت العالم الشتاء الماضي بسبب أزمة الرسوم الكرتونية المسيئة للنبي محمد [صلى الله عليه وسلم]. فقد ألقى معظم المسلمين في كل من الأردن ومصر وإندونيسيا وتركيا باللوم على ازدراء الشعوب الغربية للدين الإسلامي. في حين أن غالبية الأمريكيين وشعوب غرب أوروبا ممن سمعوا عن هذا الخلاف يرون ـ على النقيض من ذلك ـ أن تعصب المسلمين وعدم تقبلهم للاختلاف في وجهات النظر هو الذي ينبغي أن يٌلقى عليه باللوم.
وتتضح الهوة بين المسلمين والغرب أيضًا من خلال الأحكام التي يصدرها كل من الجانبين حول كيفية معاملة الحضارة الأخرى للمرأة. فالشعوب الغربية ترى أن المسلمين لا يحترمون المرأة. في حين أن النصف أو أكثر ممن تم إجراء الاستطلاع عليهم في أربع من إجمالي خمس شعوب إسلامية يقولون نفس الشيء عن الغرب.
ولكن على الرغم من عمق الانقسامات في العلاقات بين الشعوب الغربية والإسلامية, كشف الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة Pew Global Attitudes أن نظرة كل طرف للآخر ليست جميعها سلبية. على سبيل المثال, في أعقاب الأحداث الصاخبة التي حدثت العام الماضي, لازالت الأغلبية العظمى في فرنسا وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة تحتفظ عامة بآراء إيجابية عن المسلمين, على الرغم من أن دولة إسبانيا شهدت العام الماضي هبوطًا حادًا في نظرة شعبها الإيجابية تجاه المسلمين حيث انخفضت إلى 29% بعد أن كانت 46%, وكان معدل الهبوط أكثر اعتدالاً في بريطانيا العظمى, حيث انخفض من 73% إلى 63%.
إن الشعور بالمرارة الذي تكنه الشعوب الإسلامية عامة تجاه الغرب أشد مما يكنه الغرب تجاه المسلمين. فقد ساءت آراء المسلمين عن الغرب وعن الشعوب الغربية بصورة كبيرة على مدار العام الماضي. ويحمل المسلمون الغرب مسئولية توتر العلاقات بين الجانبين. ومع ذلك فإن هناك أيضًا بعض المؤشرات الإيجابية, من بينها حقيقة انخفاض معدلات دعم 'الإرهاب' في معظم البلدان الإسلامية التي تم إجراء الاستطلاع عليها.
لقد قامت مؤسسة Pew Global Attitudes بإجراء هذا الاستطلاع في 31 دولة, من بينها الولايات المتحدة, في الفترة من 31 مارس- 14 مايو 2006. وقد تضََّمن استطلاع آراء عينات إضافية من الأقليات المسلمة في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا. وتمثل آراء مسلمي أوروبا, بصورة أو بأخرى, وضعًا وسطًا بين الغرب ومسلمي الشرق الأوسط من حيث نظرة كل منهما للآخر.
وعلى الرغم من أن الأقليات المسلمة في أوروبا تعتبر أن العلاقات بين الغربيين والمسلمين سيئة بشكل عام, مثلهم في ذلك مثل المسلمين في أي مكان آخر, إلا أنهم يرون أن الغرب يتصف بصفات إيجابية مثل التسامح والكرم واحترام المرأة. ويُعتبر مسلمو أوروبا أقل ميلاً لرؤية ِصدام بين الحضارات من بعض العناصر التي تم إجراء الاستبيان عليها في أوروبا. ومن الجدير بالذكر أنهم ـ في الغالب ـ لا يعتقدون, بخلاف غير المسلمين في أوروبا, أن هناك تعارضًا بين أن يكون المسلم ملتزمًا بدينه وبين معيشته في مجتمع معاصر.
ويرى شعبا ألمانيا وإسبانيا أن هناك تعارضًا طبيعيًا بين أن يكون المسلم ملتزمًا بدينه وبين أن يعيش في مجتمع معاصر. ولكن غالبية المسلمين في كل من الدولتين لا يوافقون على هذا. في حين أنه في فرنسا التي شهدت مؤخرًا أحداث شغب في المناطق التي يتمركز بها المسلمون, تشعر نسب كبيرة سواء من عامة الشعب الفرنسي أو من الأقليات المسلمة التي تعيش هناك أنه ليس هناك أي تعارض بين التزام المسلم بدينه وبين معيشته في مجتمع معاصر.
ويوضح الاستطلاع أن هناك مؤشرات باعثة على التفاؤل ومؤشرات باعثة على القلق في ذات الوقت فيما يتعلق بالدعم الإسلامي لـ'الإرهاب' وإمكانية تحقيق الديمقراطية في الدول الإسلامية. ففي كل من الأردن وباكستان وإندونيسيا, كان هناك انخفاض ملموس في نسبة من يرون أن التفجيرات 'الانتحارية' وغيرها من أشكال العنف ضد الأهداف المدنية يمكن تبريرها بالدفاع عن الإسلام ضد أعدائه. وقد بلغ هذا الانخفاض درجة هائلة في الأردن, ربما بسبب الهجوم 'الإرهابي' المدمر الذي حدث في عمان العام الماضي, فقد انخفضت نسبة الأردنيين الذين يرون أن الهجمات 'الانتحارية' مبررة في بعض الأحيان أو في كثير من الأحيان من 57% في مايو 2005 إلى 29%. كما انخفضت الثقة في أسامة بن لادن في معظم الدول الإسلامية في الأعوام الأخيرة. فقد أعرب 24 % عن أنهم يحتفظون بقدر على الأقل من الثقة في ابن لادن في الوقت الحالي, في مقابل نسبة 60% العام الماضي.
ومع ذلك فإنه لا يزال هناك عدد كبير من الباكستانيين [38%] الذين يقولون إنهم لديهم قدر على الأقل من الثقة بأن زعيم القاعدة يتصرف بشكل صائب فيما يتعلق بالشئون العالمية, ولكن هذه النسبة انخفضت كثيرًا عنها في مايو 2005[51%]. ومع ذلك, فإن مسلمي نيجيريا يمثلون استثناء واضحًا لهذا الاتجاه, حيث يقول 61% من مسلمي نيجيريا إنهم لديهم قدر على الأقل من الثقة في ابن لادن, فيما يعد ارتفاعًا في الثقة بزعيم القاعدة عن نسبة عام 2003 التي بلغت 44%.(7/345)
ولا يزال هناك الكثير من الناس الذين يرون أن 'الإرهاب' له ما يبرره وهو الدفاع عن الإسلام, على الرغم من أن نسبتهم انخفضت عنها في الاستطلاعات السابقة. فما يقارب نصف السكان المسلمين بنيجيريا [46%] يشعرون أن التفجيرات 'الانتحارية' قد يكون لها ما يبررها في بعض أو في أغلب الأحيان للدفاع عن الإسلام. حتى بين الأقليات المسلمة في أوروبا في كل من فرنسا وإسبانيا وبريطانيا, يشعر واحد من بين كل سبعة أن التفجيرات 'الانتحارية' ضد الأهداف المدنية يمكن أن تكون على الأقل مبررة في بعض الأحيان بالدفاع عن الإسلام.
هذا بالإضافة إلى أن الشعور بمعاداة اليهود يظل هو الشعور السائد في البلاد ذات الأغلبية المسلمة. وهناك أيضًا تأييد كبير لحزب حماس الذي فاز مؤخرًا في الانتخابات الفلسطينية. وترى أغلبية الشعوب في الدول الإسلامية أن فوز حماس في الانتخابات سوف يفيد في تحقيق تسوية عادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وهي الفكرة التي ترفضها تمامًا الشعوب الغربية.
وفي أكثر الاكتشافات التي توصل إليها الاستطلاع إثارة, يقول غالبية الإندونيسيين والأتراك والمصريين والأردنيين إنهم لا يعتقدون أن جماعات عربية هي التي قامت بهجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. فقد ارتفعت نسبة الأتراك الذين يقولون بعدم تصديقهم لمزاعم مسئولية العرب عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر من 43% في استطلاع جالوب لعام 2002 إلى 59% في العام الحالي. وهذا الاتجاه ليس مقصورًا على المسلمين في البلدان الإسلامية, حيث أعرب 56% من المسلمين البريطانيين عن عدم تصديقهم أن العرب هم من قاموا بشن تلك الهجمات 'الإرهابية' على الولايات المتحدة, وهذا في مقابل 17 فقط ممن يعتقدون في تورط العرب في هذه الهجمات.
ولكن رأي المسلمين في معظم القضايا ليس رأيًا موحدًا, فهناك بعض الاستثناءات في نظرة المسلمين للغرب. فبينما ترى نسب كبيرة من المسلمين في جميع الدول الإسلامية تقريبًا أن الغرب يتصفون بالعديد من الصفات السلبية مثل العنف وعدم الالتزام بالقيم الأخلاقية والأنانية, ينظر أغلبية الشعب في إندونيسيا والأردن ونيجيريا نظرة إيجابية إلى النصارى.
وعلاوة على ذلك, فإن الشعوب الإسلامية لديها اعتقاد راسخ في إمكانية تحقيق الديمقراطية, وهي العقيدة التي تتعارض بشكل صارخ مع مشاعر الغرب التي تشكك في إمكانية ترسيخ الديمقراطية في العالم الإسلامي. إن الأغلبية في كل الدول الإسلامية ممن تم استطلاع آراؤهم يقولون: إن الديمقراطية ليست حكرًا على الغرب وأنه يمكن أن تطبق في العالم الإسلامي. ولكن الشعوب الغربية منقسمة على نفسها, فالأغلبية في ألمانيا وإسبانيا يقولون: إن الديمقراطية نظامًا غربًيا لعمل الأشياء وأنها لن تكون صالحة للتطبيق في معظم الدول والبلدان الإسلامية. في حين أن معظم الفرنسيين والبريطانيين ونصف الأمريكيين تقريبًا يرون أنه يمكن تطبيق الديمقراطية في الدول الإسلامية.
وبشكل عام, تعد آراء الألمان والإسبان تجاه المسلمين والعرب أكثر سلبية من نظرة الفرنسيين والبريطانيين والأمريكيين للمسلمين. فهناك 36% فقط من الألمان, و29% من الإسبان ممن لهم آراء إيجابية عن المسلمين, في مقابل [ 39%, و33%, على التوالي ] ممن لديهم انطباعات إيجابية عن العرب. في حين أن الأغلبية في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لديهم انطباعات إيجابية عن المسلمين, ونفس النسب تقريبًا لديها انطباعات جيدة عن العرب.
وهناك أيضًا اختلافات في الآراء حول الصفات السلبية التي يربطها الغرب بالمسلمين. فهناك ثمانية من بين كل عشرة إسبان [83%]، و78 % من الألمان يرون أن المسلمين متعصبون. ولكن هذه النظرة ليست سائدة بهذه الدرجة في فرنسا [50%], وبريطانيا العظمى [48%] والولايات المتحدة [43%].
وتختلف نظرة المسلمين الأوروبيين, بصورة أو بأخرى, عن نظرة الشعوب الغربية وعن نظرة المسلمين في الشرق الأوسط وآسيا. فمعظم المسلمين الأوروبيين لديهم انطباعات إيجابية عن النصارى, وعلى الرغم من أن نظرتهم لليهود أقل إيجابية من الشعوب الغربية, إلا أن نظرتهم لليهود تعد أكثر إيجابية بكثير من شعوب الدول الإسلامية. وفي فرنسا, تقول الأغلبية العظمى من المسلمين [71%] أن لديها انطباعات إيجابية عن اليهود.
هذا بالإضافة إلى أنه على الرغم من أن شعوب الدول الإسلامية ينظرون عامة إلى الغرب على أنهم يتسمون بالعنف وانعدام الأخلاق, إلا أن هذه النظرة ليست سائدة تقريبًا بهذه الدرجة في كل من فرنسا وأسبانيا وألمانيا. ومع ذلك يعتبر المسلمون البريطانيون أشد الأقليات المسلمة انتقادًا للغرب من بين الأربع الأقليات التي تم استطلاع آراؤها, حيث إن هناك تقاربًا بين نظرتهم وبين نظرة المسلمين في أنحاء العالم لشعوب الغرب.
اكتشافات جوهرية أخرى
• تشترك الشعوب الغربية والإسلامية على حد سواء في مخاوفها من 'التطرف' الإسلامي. ولكن الصين تعد حالة استثنائية, حيث يقول 59% من الصينيين إن 'التطرف' الإسلامي لا يسبب لهم قلقًا كبيرًا أو لا يسبب لهم قلقًا على الإطلاق.
• يختلف المسلمون حول ما إذا كان هناك صراع في بلادهم بين الأصوليين الإسلاميين والجماعات التي تسعى لعصرنة وتحديث المجتمع. ولكن الأغلبية منهم ممن يلمسون هذا الصراع يأخذون جانب المجددين.
• يقول 41% من الشعب في إسبانيا: إن معظم المسلمين أو الكثير منهم يدعمون 'المتطرفين' الإسلاميين في بلادهم. في حين أن 12% فقط من مسلمي إسبانيا يرون أن معظم أو الكثير من مسلمي إسبانيا يؤيدون الجماعات 'المتطرفة' مثل القاعدة.
• يقول أربعة من بين كل عشرة تقريبًا من الألمان [37%], و29% من الأمريكيين أن هناك تعارضًا بديهيًا بين كون المرء نصراني مخلص وبين معيشته في مجتمع معاصر.
===============
الغرب يعيش فراغاً فكريا لن يملأه إلا الإسلام
الأربعاء 2 جمادى الآخرة 1427هـ - 28يونيو 2006م
الصفحة الرئيسة
- الغرب لا يستطيع الحياة بمعزل عن الحضارات الأخرى.
- نستطيع أن نتفوق في مجالات تنقية وتكنولوجية كثيرة.
- الترجمة مطلوبة وتدريس العلوم باللغات الأجنبية يكرس التبعية والتخلف.
- الحضارة الغربية الآن في فراغ فكري لن يملأه إلا الإسلام.
حاوره/ أحمد وهدان
مفكرة الإسلام: د. أحمد فؤاد باشا العميد السبق لكلية العلوم بجامعة القاهرة وأستاذ الفيزياء، قلما نجد موضوعا يتحدث عن الجوانب الإسلامية في العلوم إلا وكان له فيه باع، فهو مشغول بقضايا إسهام المسلمين في التراث العلمي، وضرورة تطوير مناهج البحث عند المسلمين لتمكينهم من اللحاق بالتطورات المتسارعة في مجال العلوم المختلفة. له عدة مؤلفات في هذا المجال يدرس اثنان منها في جامعة صنعاء هما [التراث العلمي للحضارة الإسلامية - فلسفة العلوم بنظرة إسلامية]. وله أيضا [العلوم الكونية في التراث الإسلامي، وإسلامية المعرفة]، إلى جانب العشرات من البحوث المنشورة، وإسهامه في مركز الترجمة العلمية بمؤسسة الأهرام في ترجمة الكتب العالمية العلمية الهامة وتبسيطها، وهي تترجم من الإنجليزية والروسية إلى العربية. التقينا به وكان لنا معه هذا الحوار.
* لاحظنا أن البعض يتحدث الآن عن التوجيه الإسلامي للمعرفة .. وكان الموضوع يطرح قبل ذلك على أنه أسلمة العلوم.. ما الفرق بين الأمرين؟(7/346)
** أود أن أحذر من قضية الاختلاف حول المصطلحات لأن هذه القضية دخيلة على الفكر الإسلامي من الجهات التي تحاول أن تشغل المفكرين بالشكليات على حساب الجوهر والمضمون.. وهذه نزعة معروفة في الفكر الغربي باسم النزعة اللفظية أي الغرق في التيه اللفظي فلا يجب أن نستسلم لها.. فالهدف هو إيجاد حالة من التناسق والتناغم بين حياة الفرد والمجتمع وبين الثوابت الإيمانية الإسلامية.. والأسلمة في هذا الصدد مقصود بها وضع إطار فكري قابل للتنفيذ العملي ومستمد من التعاليم الإسلامية.. ونحن نريد أن نحذو حذو أسلافنا عندما اطلعوا على الحضارات الأخرى فأخذوا منها ما يناسبهم واحتفظوا بخصوصيتهم الإسلامية فحققوا التواصل الحضاري، والتفاعل بين الثقافات.
* هل يمكن أن نقول إن هناك علوم مسلمة وعلوم غير مسلمة؟
** للإجابة على هذا السؤال لا بد من إيضاح أمرين: الأول أن ما يكتشف من علوم هي قوانين موجودة في الكون منذ خلقه الله تعالى.. واكتشاف هذه القوانين يجعله الله على أيدي من يشاء من عباده [كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا] فإن كان الاكتشاف على يد كافر فهو حجة عليه وإن كان على يد مؤمن زاده الله إيماناً.. الأمر الثاني أن التعريف العلمي للعلم لا يقتصر على اكتشاف القوانين العلمية.. فالقوانين موجودة قبل وجود الإنسان ولكن العلم لا تكتمل رسالته إلى بعد الاستفادة من تطبيقات هذه القوانين العلمية وتوظيفها لفهم العلاقة بين الله والكون والإنسان.. وهنا يأتي دور التوجيه الإسلامي للعلوم أو أسلمة العلوم.. فقد أراد الله للعلم أن يكون نافعا لخير البشرية ولإعمار الأرض ، فإذا حاد العلم عن هذا الطريق فإنه يحيد عن رسالته ومن ثم يجب أن نعود به إلى طريقه السوي.
* علومنا كلها تأتينا من الغرب ونحن مستهلكون لها فقط.. فهل تستقيم دعوى توجيه العلوم إسلاميا مع هذا الواقع المتخلف الذي نعيشه؟
** حقائق التاريخ تؤكد أن العلم ميراث مشترك للإنسانية كلها.. ساهمت في صنعه جميع الأمم على مر الأجيال والعصور وشاءت إرادة الله أن تنتقل مقاليد الحضارة من أمة إلى أخرى.. والتواصل والتفاعل الحضاري شرط أساسي لاستمرار الحضارة.. حتى الحضارة المادية المعاصرة لا يمكن أن تضمن لنفسها الاستمرار بمعزل عن حضارات الأمم المجاورة.. والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها والتفاعل والتكامل مع الحضارات الأخرى لا يقلل من رسالة إسلامية المعرفة بل هو من أهدافها.
* هل نستطيع أن نتبنى خططا تكنولوجية فعالة ومؤثرة في ظل إمكاناتنا الهزيلة وأحوالنا العلمية المتردية؟
** نحن بإمكاناتنا يمكن أن نتفوق في تقنيات كثيرة مثل تقنية الزراعة واستصلاح الأراضي ومقاومة التصحر، والأدوية، وإعادة دراسة الأعشاب الطبية، والسياحة، مع استفادتنا من التفوق الغربي في هذه المجالات.. وهذا أمل ممكن تحقيقه.. المهم في مراكز التدريب والتعليم الفني عالي المستوى.
* ونحن نتحدث عن تخلفنا العلمي.. ما هي - من وجهة نظرك- مقومات التقدم العلمي والتكنولوجي؟ وكيف نستطيع أن نمتلك ما نفتقده من تلك المقومات؟
** لحسن الحظ أن أمتنا الإسلامية مرت بتجربة حضارية رائدة قامت فيها النهضة العلمية على عوامل معروفة يأتي في مقدمتها تعاليم الإسلام الحنيف، واستخدام اللغة العربية، ونهضة حركة الترجمة، وتهيئة بيئة علمية صالحة للابتكار العلمي، سواء من حيث تكوين العقلية الإسلامية الرشيدة التي استطاعت أن تصطنع لأول مرة في تاريخ العلم منهجا علميا سليما تطورت بفضله كل العلوم الكونية التي نجني ثمارها اليوم، أو من حيث رعاية الحكام والمسئولين لقضية النهضة العلمية والتعويل عليها في تحقيق التقدم الحضاري. وفي إطار ما سبق يمكن صياغة نظرية علمية جديدة قادرة على تطوير الواقع الإسلامي في إطار الضوابط الإسلامية.
* تعريب العلوم.. هل يؤدي إلى خدمة البحث العلمي وازدهار العلوم، أم العكس؟
** ذكرنا أن الترجمة مقدمة ضرورية لأية نهضة حضارية.. هكذا فعل أسلافنا في عصر الحضارة الإسلامية، وهكذا فعل الأوروبيون في عصر النهضة الحديثة، وهكذا تفعل أية أمة تحاول النهوض من كبوتها، على نحو ما نجد في روسيا التي تدرس بالروسية، واليابان التي تدرس باللغة اليابانية، و'إسرائيل' التي تدرس بالعبرية.. هذه القضية مفروغ منها. كما أن اللغة العربية ترقى برقي أصحابها وتنحط بانحطاطهم.. لكن لغة القرآن صالحة لأن تكون لغة العالمية مثلما أن الإسلام دين العالمية. وأية دعوة لإسقاط اللغة العربية كمقوم حضاري من شأنها أن تساعد على إبقاء الأمة زمناً أطول في مستنقع التبعية والتخلف.. ثم ما هي اللغة التي ندرس بها اليوم.. الدارس العائد من فرنسا يتحدث بعض الفرنسية والعائد من أمريكا يتحدث بعض الإنجليزية.. وتتوه اللغة في هذا الخضم.
* هل ترى أن أوضاع المسلمين السياسية لها تأثير على وضعهم العلمي؟
** هنا أعود مرة أخرى إلى عصر الحضارة الإسلامية عندما كان العلماء ينتقلون من بلد إلى آخر بحرية تامة دون أي تدخل من جانب السلطات السياسية، التي لم يكن الخلاف بين كياناتها في ذلك الوقت بأقل مما هو الآن، ثم لا بد أن نعترف أن العلم والتقدم العلمي لا يحظى بالاهتمام الأول في عالمنا الإسلامي.. وكلما تحدث كارثة نحاول استحضار العلم لبعض الوقت ثم ننساه بعد ذلك.. إن خطة قومية جريئة ومدعومة بالسلطة ومدروسة سيكون لها أثر كبير، حبذا لو كان هناك صحوة علمية في العالم العربي والإسلامي ككل وتنافس في هذا المجال الشريف. فالتخطيط العلمي لن تنفذه إلا سلطة سياسية، ولن تموله إلا سلطة سياسية، ولن تحميه وتدافع عن مكتسباته إلا سلطة سياسية.
* نحن كمجتمعات إسلامية لدينا مؤسسات شعبية وخيرية ولدينا أدوات خاصة مثل الزكاة والصدقة والوقف والهبة.. كيف يمكن توظيف هذه الأمور لإحداث نهضة علمية وتكنولوجية؟
** الأمة التي تنتظر لقمة العيش والملابس وكل شيء من الآخر، أمة غير جديرة بالحياة على هذه الأرض.. فما بالنا إذا كانت هذه الأمة هي الأمة الإسلامية.. وإذا سلمنا أن العلم والتقنية هما لحمة التقدم وسداه، فإن كل ما يصرف لدعم هذا العلم وتقدمه يأتي من قبيل إعزاز الدولة الإسلامية كما أرادها الله .. وهكذا يمكن أن ننفق على هذه المجالات من الزكاة والصدقات والوقف .. فبدلاً من أن يوقف الناس أراضيهم وعقاراتهم للسكن.. يمكن إقامة مشروعات لتنمية الابتكارات لرعاية الموهوبين وتدريب الشباب على أنماط تقنية عالية.
* في هذا الإطار هل توافق على أن علماءنا فضلوا المال والراحة والهجرة وتركوا بلادهم؟ وكيف يمكن توظيف هذه العقول لخدمة ما نتطلع إليه من تقدم علمي؟(7/347)
** تفهم الجذور التاريخية لأية مشكلة يساعد على تشخيصها السليم ويمكننا من حلها على نحو أمثل.. فقضية العقول الإسلامية وقدرتها على الإبداع والابتكار كانت ولا تزال محل إنكار من جانب المستشرقين الذين اتهموها بأنها عقلية صحراوية لا تستطيع أن تكتشف أو تؤلف قوانين علمية، واجتهدوا في أسانيد مختلفة حسبوها علمية لاستنادها على ما يسمى بعلم الإنسان حتى يصدقها الناس.. لكن حقائق التاريخ تثبت عكس ذلك تماماً.. بدليل تهافت الدول المتقدمة على إغراء العقول الإسلامية والإفادة منها في مواقع حساسة جداً قد تكون مغلقة على أهل البلاد أنفسهم.. وإذا كان الرباط بين هذه العقول وعقيدتها وبلادها ضعيف فإنها تستسلم لإغراءات الطرف الآخر المادية وتعيش في كنفه.. لكن مسئولية الإفادة من هذه العقول المهاجرة تقع أساسا على عاتق الهيئات المسئولة عن رعايتهم في بلادهم.
* مستوى الخريجين لدينا.. وأحوال جامعاتنا ومدارسنا.. ومستوى المدرس ومشاكله هل له صلة بقضية التخلف التي نعاني منها؟
** التخلف لا يتجزأ.. والإصلاح لا بد أن يبدأ من التعليم.. ولا يمكن أن يأتي التعليم ثماره إلا إذا حدث انسجام كامل بين عقيدة الفرد وما يقدم له من معارف.. ولا يمكن في ظل الازدواج التعليمي الذي يغلب على معظم الدول الإسلامية أن يتحقق هذا الانسجام الذي تأخذ به كل الدول المتقدمة، ولا يمكن ترك النظام التعليمي الحالي ليجد مخرجاً بنفسه دون رعاية وتوجيه من أولي الأمر.
* أين الأمل والمخرج لما نعانيه من مشكلات وتخلف؟
* * من حسن الحظ أن الواقع العلمي المعاصر يشهد تطوراً هائلاً لصالح الفكرة الإسلامية فالنظريات العلمية من جهة تشهد تحولاً خطيرا.
فبميلاد نظريات تبحث في عالم المتناهيات في الصغر، كالذرة ونواتها، والخلية ودقائقها، وعالم المتناهيات في الكبر، كالمجرات وما وراءها.. أصبح العلم التجريبي يبحث في أمور كانت تعتبر من الميتافيزيقا، وهنا أصبحت العقلية المادية الغربية التي عاشت طوال القرنين الماضيين فريسة فلسفات وضعية وتأخذها على أنها دين اجتماعي يلهث وراء النظريات العلمية، أصبحت الآن في فراغ فكري لدخول الفكر الإسلامي بجناحيه المادي والإيماني للإجابة على كل تساؤلات العقليات المعاصرة. وإذا وصل الفكر الإسلامي إلى عقلاء الغرب ومفكريه سيكونون أول من يتبنى الدعوة إلى أسلمة العلوم لإنقاذ الحضارة المادية المعاصرة من القبر الذي تحفره لنفسها، وهذا من شأنه أن يلقي مزيدا من العبء والمسئولية على حملة التنوير في عصرنا.
=========
التأديب بالضرب بين الإسلام والفكر الغربي
الأربعاء 25جمادى الأولى 1427هـ - 21يونيو 2006م
الصفحة الرئيسة
- في أمريكا: زوج يضرب زوجته كل 15 ثانية.
- اللجوء إلى الضرب جزء بسيط من فلسفة الإسلام في التأديب.
- الحفاظ على هيبة الأب والزوج ضرورة.
- العلمانيون في بلادنا يخوضون المعركة على أسس غربية.
منى محروس
مفكرة الإسلام: سافر الشاب المسلم الحريص على دينه إلى الولايات المتحدة واستقر به المقام هناك وتزوج أمريكية وأنجب منها .. وكبر الأبناء وأصبح أحدهم في المرحلة الإعدادية. ذات يوم تغيب عن المنزل فقلق عليه أبوه قلقاً شديداً .. وجاء الابن في اليوم التالي وأخبر أباه أنه كان في رحلة مع أصدقائه .. الأب رغم أنه أصبح أمريكي الجنسية إلا أن الإسلام مازال يسيطر على فكره وشخصيته .. فلم يعجبه هذا العوج من ابنه فوبخه وضربه ليقومه.
وفي اليوم التالي ذهب الابن للمدرسة وعليه آثار الإرهاق وحينما سألته المعلمة عن سبب ذلك عرفت منه أن أباه ضربه فارتعدت فرائسها وقالت له لقد انتهى عهد العبودية وأبلغت الشرطة التي استدعت بدورها الأب لتنذره أنه إذا تكرر منه ذلك فسوف تدفع بالابن إلى مدرسة داخلية وتنهي العلاقة بينه وبين أبيه.
فالمجتمع الأمريكي والغربي عموماً -كما يزعمون- يرفض الضرب الذي يذكرهم بالعبودية، لكن هل قضت القوانين والحريات المتاحة حقاً على ظاهرة الضرب هذه؟.
تقول الإحصاءات إن في أمريكا كل 15 ثانية يضرب أحد الأزواج زوجته ضرباً مبرحاً، وفي فرنسا توجد وزارة لشئون المرأة تطالب بتشريعات جديدة وبتكوين شرطة خاصة لإبلاغها بضرب الزوجات والأولاد ويطالبون أيضاً بمحاكم أسرية خاصة.
أما في إنجلترا فأصبحت ظاهرة الضرب [ضرب الأزواج للزوجات] محلاً للشكوى ، وفي وروسيا انتشرت الظاهرة على نطاق واسع .. لكثرة عدد الأزواج العاطلين ونتيجة للحياة الاقتصادية الصعبة وأصبح الأزواج ينفثون عن أنفسهم بضرب زوجاتهم. وهكذا فرغم النفور الشديد من الضرب سواء ضرب الزوج لزوجته أو ضرب الأب لأبنائه في الغرب ورغم القوانين التي تمنع ذلك لم تتوقف الظاهرة بل تزداد انتشاراً.
وطبعاً استوردت الجمعيات النسائية في مجتمعاتنا الأفكار الغربية .. باعتبار الزوج الذي يؤدب زوجته بالضرب غير آدمي .. ويطالبون المرأة أن ترفع عليه قضية طلاق .. وكذلك يطالبون بألا يضرب الأب ابنه .. بل لابد في عرفهم أن يعتذر ويتأسف الأب لابنه إذا أخطأ في حقه.
الغيظ يملأ قلوب الغرب ضدنا
تقول د. زينب منصور أستاذ مناهج التربية: إن الشريعة الإسلامية فيها التوسعة حسب الأحوال فالبشر بطبعهم مختلفون ما يصلح لأحدهم لا يصلح للآخر .. فلو قلنا بعدم الضرب نهائياً يمكن أن يظل قطاع عريض من النساء على نشوزهن وتمردهن.
إن القرآن يتدرج حسب كل حالة فهناك من تتأثر بمجرد نظرة العين وربما يؤثر فيها الكلام الزائد تأثيراً عكسياً، وهناك من تتأذى بالهجر وبالتالي يكون فيه تأديب لها وتخويف وإصلاح لاعوجاج حالها، ومن النساء وكما هو مجرب في دنيا الناس من لا تتأثر إلا بالضرب .. ولا يناسب جرمها واعوجاجها الكبير إلا الضرب لأنها استهانت بالعظة والهجر .. وبالتالي فإن الآية حجة للإسلام وليست حجة عليه، فبها توسعة وفيها تفصيل وفيها تدرج.
وترى د. أسماء زايد الخبيرة الاجتماعية: إن الحفاظ على شخصية الأب ضروري جداً .. فالابن لابد أن يشعر بل ويتأكد بأن هناك سلطة أبوية لا يمكنه تجاوزها.
وأن علاقته مع والديه لها حدود وضوابط لا يتعداها .. ودعوى صداقة الابن لأبيه أفسدت كثيراً من الأسر بسبب إضاعتها لهيبة وشخصية الأب.
فهناك أخطاء للأطفال لا يمكن علاجها إلا بالتخويف والضرب الخفيف .. بشرط ألا يتكرر الضرب باستمرار حتى لا يتعود عليه الطفل وبالتالي يفقد قيمته كعامل مؤثر في التقويم.
وتضيف د.أسماء زايد: إننا ينبغي أن نؤمن بكل ما جاء في القرآن .. ولا ننهزم أمام الغرب وأمام دعاوى الاستنارة وحقوق الإنسان والحرية فنلغي ديننا تدريجياً.
الضرب ورد في القرآن كمرحلة أخيرة في التأديب ينبغي أن تسبقها مراحل أخرى .. فلا يجوز أن نبدأ التأديب بالضرب.
والعجيب أن المجتمعات الغربية التي تعيب علينا وتقول إن ديننا يحض على الضرب نجد أن أسرهم مفككة محطمة .. والغيظ يملأ قلوبهم من ترابط أسرنا وهم يعلمون أن سبب ذلك هو ديننا .. فيصدرون إلينا أفكارهم لتفكك هذه الروابط.
والغريب أن العلمانيين والمتغربين الذين آمنوا بهذا الفكر الغربي هم أكثر القطاعات في مجتمعنا تعاني التفكك الأسري .. فلو لم يكن الزوج عندهم يضرب زوجته باستمرار .. نجد أن الزوجة هي التي تضرب زوجها. نحن المسلمين يجب ألا ندافع أبداً وننكمش وننهزم فنحن نؤمن بقرآننا وبمصطلحاتنا من عند السميع العليم الأعلم بكيفية إصلاح أحوال عبيده.
المفرطون في دينهم هم الذين يضربون زوجاتهم(7/348)
يرى د. محمد همام الفلسفة الإسلامية أن موضوع التأديب عموماً يستخدم من أجهزة الدعاية المعادية للإسلام في غير موضعه. فالغرب من حيث المبدأ لا يرتب حقوقاً للزوج على الزوجة فنظام الزواج عندهم سواء كان دينياً يتم في الكنيسة أو مدنياً يتم في الشهر العقاري لا يرتب للزوج حقوقاً من قبل زوجته كما في الإسلام. والتأديب في الإسلام يتم في إطار حقوق الزوج من ناحية وفي إطار مسئولياته من ناحية أخرى. والإسلام لا ينظر للتأديب على أنه حق للزوج على الزوجة ولكن على أساس مسئوليته، فالزوج مسئول عن نظام الأسرة ومراعاة شئونها وتأديب أفرادها وضبط سلوكهم. في الغرب تنحصر مسئولية الزوج في الرعاية .. وهذه الرعاية عندهم مفهومها مبهم وغير محدد. ونتيجة لهذا الاختلاف الأساسي في المفاهيم يعتبر الغرب التأديب في حد ذاته امتهان للحقوق الإنسانية.
وإذا قال الغرب إن ضرب المرأة يسبب لها ضرراً فهل يتساوى هذا الضرر مع إباحة الشذوذ الجنسي للمرأة والذي يسبب لها ضرراً فعلياً حيث إنها لن تتزوج ولن تنجب أطفالاً ولن تروي أمومتها.
ويضيف د. محمد همام إن الفتاة لو تربت على خلق قويم وبأسلوب تربوي جيد فهذا سيجعلها تشعر بالمسئولية وسيبني شخصيتها على رجاحة العقل وبالتالي فحينما تتزوج فسوف يكون بينها وبين زوجها أرضية مشتركة ولن يحتاج الزوج في تقويمها إلى التوبيخ أو الضرب. أما إذا لم تحظ الفتاة بهذا القدر من التربية الإسلامية والخلق الإسلامي وكانت على قدر من المشاكسة والشراسة والنفور فإن التشاور والنصح الهادئ سوف يكون غير مجد، وبالتالي يضطر الزوج إلى الاختيار من البدائل الأخرى. والزوج العاقل لا يستخدم البدائل العنيفة أولاً بل يبدأ كما نصحه القرآن بالتدرج التصاعدي وينظر لطبيعة الزوجة وسلوكها وإلى أنجع الطرق للتعامل معها.
وينبه د. محمد همام إلى نقطة هامة وهي أن هناك فئة من الآباء والأزواج لا تلتزم بالفرائض والقيم الإسلامية فهم لا يصلون ولا يصومون ويشربون الخمر والمخدرات ويأتون السلوك الفاحش، وهؤلاء يضربون زوجاتهم وأولادهم ويحتجون بحقهم الشرعي. وبالتالي فنحن يجب أن نفرق بين رجل مسلم واع يلجأ إلى الرخصة الإسلامية بقدرها وفي وقتها وبشروطها وبين شخص آخر غير ملتزم بالإسلام ولكنه يستخدم الإسلام في تبرير سلوكه العدواني ضد زوجته وأولاده. فالضرب حالة استثنائية أي أنه يستخدم في حالات معينة ويمارس بقدره وبغرض الإصلاح. أما هؤلاء الفاشلون فيمارسون الضرب في كل وقت وبأسلوب عنيف وشرس ويهدفون إلى الإيذاء والإذلال والحط من كرامة الزوجة وليس بهدف الإصلاح.
انتقادات الغرب لنا يجب أن تزيدنا اعتزازاً بديننا
أما د. أحمد المحجوب أستاذ علم الاجتماع فيقول: إن للغرب أن يعتقد ما يشاء من العقائد وأن يتصرف بأي نوع من أنواع السلوك وأن يقيم مجتمعاته ونظمه كما يريد. فإذا شاء أن يجعل الأسرة عبارة عن امرأة تتزوج امرأة أو رجل يتزوج رجلاً أو رجل يتزوج امرأة ويعيش معه رجل آخر في المنزل فله ذلك. وإذا أراد أن يعطي الفتاة مطلق الحرية الجنسية بعد الزواج وقبله وكذلك الفتى وأن يجعل كما يحدث الآن للزوجة يوماً تترك فيه بيت زوجها لتذهب لصديقها وأن يجعل للزوج يوماً مثله فله ما يريد.
لكن المشكلة أن الغرب يريد أن يصدر إلينا هذه الأنماط المشوهة من العلاقات الاجتماعية ويجعلنا نؤمن بها وننفذها في بلادنا. إن الغرب في غيظ شديد من تماسك الأسرة المسلمة .. ويعلمون أنها أقوى الأسر تماسكاً في العالم، وهذا التماسك ناتج عن فلسفة إسلامية معينة في بنائها، ومنها حق الزوج في تأديب زوجته وأولاده.
وهذا الحق استثنائي ومشروط بشروط، فمن الأخطاء ما لا ينفع معها إلا الضرب.
إن الغرب وأتباعه في بلادنا كثيراً ما يتهجمون على الإسلام ونحن ينبغي ألا نهتز من ذلك بل يزيد اقتناعنا بالإسلام الذي حفظ أسرنا ومجتمعاتنا هذه المئات من السنين، ولا ننتظر من غرب الحملات الصليبية والاستعمار الحديث وراعي الصهيونية أن يفعل غير هذا.
ويضيف د. أحمد المجدوب: إن أسلوب بناء الأسرة في الغرب سيكون هو نهاية الحضارة الغربية كلها، فحالات الطلاق وعدم الزواج وعدم الإنجاب والانصراف عن تكوين الأسرة والشذوذ. الخ. كل ذلك هو السوس الذي ينخر في عظم الحضارة الغربية وسوف يقوضها بأسرع مما نظن.
إن المرأة عندما تجد الضرب مشوبا ومصحوبا بحنان الضارب فهي حينئذ ستطيعه من نفسها، لأنها ستدرك بذلك أن المسألة ليست استذلالا إنما إصلاح.
هذا هو الفهم الإسلامي الصحيح لقضية الضرب بأنه التأديب المصحوب بعاطفة المؤدب المربي وهو الزجر وليس بمعنى الإيلام والإهانة، لذا فلتنكس سهام كل أولئك الذين هاجموا الإسلام واتهموه بأن علاجه للمشاكل الزوجية علاج صحراوي جاف لا يتفق مع طبيعة التحضر الذي يعمل على تكريم الزوجة وإعزازها. وقد جاراهم في ذلك بعض من أبناء الإسلام الذين طاروا وراء أفكار الغرب، وما علموا أن الإسلام لم يأت لجيل معين ولا لجماعة خاصة أو إقليم خاص أو بيئة محددة إنما هو إرشاد وتشريع عام لكل جيل وبيئة وعصر.
الموقف الشرعي
ويوضح د. عثمان مشهور الأستاذ في جامعة الأزهر هذه القضية بقوله: لقد استغل أعداء الإسلام مصطلح [الضرب] كما ورد في حق الزوج بتأديب زوجته، ليشيعوا بأن الزوجة في الإسلام مخلوق يتوجب على الزوج ضربه باستمرار وبسبب وبدون سبب، وأن الزوجة وسيلة تنفيث عن غضب الزوج، وتمتلئ كتب المستشرقين بالكتابات الحاقدة التي تصور الرجل المسلم لا يتوانى عن سلخ جلد زوجته بدون أي سبب في حين يعطف على ناقته، أي أن المرأة في الإسلام أقل قيمة من الناقة !!
وبالطبع لسنا هنا في صدد الرد على كتابات الحاقدين على الإسلام والمسلمين، بقدر ما نحن أمام توضيح حقيقة مفهوم الضرب التأديبي ضمن العلاقة الزوجية، فقد أباح الشرع للزوج أن يضرب زوجته لتأديبها، ولكن هذه الإباحة لا تصبح حقاً للزوج إلا بعد أن يستنفذ أسلوبي التأديب، وهما: الوعظ أولاً، ثم الهجر في المضجع ثانياً، وبعد أن يستنفذ الزوج هاتين الوسيلتين ويتأكد من عدم نجاحهما في تأديب زوجته، وبالتالي فللقاضي الذي تعرض عليه حالة ضرب زوج لزوجته أن يتأكد إن كان الزوج قد لجأ أولاً إلى الوعظ ثم إلى الهجر، فإن ثبت لديه أنه لم يلجأ إليهما وبدأ بوسيلة الضرب أولاً فله أن يحكم لصالح الزوجة ويعاقب الزوج. وقد وضع الشرع قيوداً كثيرة على حق الزوج في استعمال الضرب لزوجته كأسلوب تأديب.
وأولها: القيد النفسي؛ وهو: أن الزوج إذا قدّر بأن تأديب زوجته لا يكون إلا بالضرب الشديد المؤلم فلا يجوز له الضرب، كما لا يجوز له الضرب إذا كان غاضباً أو في حالة عصبية أو نفسية شديدة، بل يجب أن يستعمل حق الضرب وهو بحالة نفسية واعية وهادئة وبتقدير مسبق أنه لا يضرب زوجته بهدف إهانتها أو إيذائها، بل بهدف تقويمها وتأديبها وإعادتها إلى جادة الصواب وبما يقوي الحياة الزوجية والأسرية.
القيد الثاني هو: ألا يكون الضربُ مبرّحاً، وهو ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: 'فاضربوهن إذا عصينكم في المعروف ضرباً غير مبرح'، وهو تأكيدٌ على أنه لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ضرباً عند نشوزها ضرباً مبرحاً، حتى لو كانت لا يمكن أن تترك نشوزها إلا بالضرب المبرح، وبالتالي يجب أن يكون ضربه لها ضرباً بسيطاً لا يُغير لوناً أو يسبب كسراً أو جُرحاً ولا يسيل دماً.(7/349)
ثم يأتي قيد وسيلة الضرب، وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن الضرب يجب أن يكون باليد أو بمنديل لا غير، وذهب آخرون إلى جواز استعمال السوط أو العصا شرط أن يكون الضرب خفيفاً، أي على مبدأ التلويح بالعصا أكثر من الضرب بها.
وهناك قيدٌ يتعلق بمكان الضرب، إذْ يجب ألا يكون على الوجه لقوله صلى الله عليه وسلم: 'ولا تضرب الوجه ولا تُقَبِّح..'، ونهى عليه الصلاة والسلام عن ضرب المواقع الحساسة كالرأس والصدر والثديين والقلب والبطن والفرج، لما في الضرب على هذه الأماكن من خطر الإيذاء، وذهب عدد من الفقهاء إلى أن الضرب يجب ألا يزيد على عشر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: 'لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله'؛ وهناك من يرى ألا يتجاوز الضرب ثلاثاً.
وهكذا نجد أن الشرع قد وضع قيوداً كثيرة على الضرب، كوسيلة تأديب للزوجة، فجعله بعد الوعظ والهجر، وجعله في إطار أن يكون الرجل حسن النية في تأديب زوجته وإصلاحها، بما يُرضي الله ويحافظ على العلاقة الأسرية والزوجية في إطارها الصحيح والمتين، وهو ما يعني أن الزوج لو استهدف من وعظه أو هجره لزوجته الانتقام أو الإهانة، أو حملها على معصية معينة، أو إنفاق مالها في وجه لا ترضاه، فإن فعله في هذه الحالة لا يُعدّ تأديباً وللقاضي أن يعتبر فعله جنائياً يستوجب العقوبة الجنائية، كما أن الضرب لو أدى إلى أذية جسدية أو عاهة مؤقتة أو مستديمة فإن الزوج يعتبر قد تجاوز حقه المقرر له في الشرع ويستوجب العقاب.
==============
لماذا الخوف من الإسلام في الغرب؟
الأربعاء 11جمادى الأولى1427هـ - 7 يونيو 2006م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام: بين أيدينا اليوم موضوع أحسب أن له أهمية كبيرة وظاهرة إن جاز لنا أن نسميها هكذا, تلك الظاهرة تدعو إلى التعجب.. ألا وهي ظاهرة تخوف المجتمع الغربي من الإسلام, ترى لماذا يخشى الغرب من الإسلام؟! ثم هل لذلك الخوف أسس في الواقع؟! أو بمعنى آخر هل المجتمع الغربي محق في خوفه؟! ثم هل لذلك الخوف أثر على المسلمين عامة وعلى من يعيشون في الغرب خاصة؟! أسئلة كثيرة نطرحها ونحاول وضع إجابات من واقع هؤلاء القوم.
إن التخوف من الإسلام حقيقة ما هو إلا توجهات ومواقف لمعارضة معتقدات المسلمين وممارستهم لشعائرهم والتزامهم بشريعتهم والتحامل عليهم, إلا أننا - وحتى نكون منصفين - لابد لنا من أن نستمع لوجهة نظر الطرف الآخر لتفسيره لذلك الخوف.
إن المتخوفين من الإسلام في الغرب يرفضون رفضًا قاطعًا انتقادات المسلمين للثقافات والمجتمعات الغربية ويعتبرون تخوفهم من الإسلام شيئًا طبيعيًا غير قابل للنقاش أو الجدل.
ويبدو أنه انطلاقًا من الاقتران المتكرر الذي يمكن ملاحظته في مسيرة التاريخ، الذي يوحي وكأن هناك نوعًا من العلاقة الحتمية بين صعود نجم الحضارة الإسلامية وانحدار نظيرتها الغربية السبب الرئيس في حالة الخوف التي تنتاب الغرب من الإسلام.
وعلى سبيل المثال فإن دحر جحافل الروم والفرس وامتداد التوسع والمد الإسلامي لقرون طويلة متلاحقة قد تسبب في العداء من ناحية الغرب؛ حيث إنه الوريث الأصلي للإمبراطورية الرومانية.
وكذلك مواقف المجابهة العنيفة بين الإسلام والغرب - والتي سجلها التاريخ متمثلة في فتح الأندلس والقسطنطينية وموقعة بلاط الشهداء, والتي لو انتصر المسلمون فيها لدخل الإسلام إلى باريس - كانت من الأسباب التي رسخت الخوف من الإسلام في نفوس أهل المجتمع الغربي.
ويرى الكثيرون من الغربيين أن القرآن ذلك الكتاب العظيم غذاء بلا فكر, كما أن المسلمين أي من يتخذون ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه منهجًا ما هم إلا قوم متخلفون وأشرار ومتحجرون وغير قابلين للتغيير والتطور بخلاف الديانات والثقافات الأخرى, وأنهم يستخدمون الإسلام بشكل أساسي لتحقيق أغراض سياسية وعسكرية, وقد ساهم في ترسيخ هذه الأفكار المكذوبة اليهود الذين لعبوا دورًا خبيثًا في تقديم صورة مزيفة ومشوهة وسيئة عن الإسلام والمسلمين.
وقد كان لهذا الدور الخبيث أثر كبير في تخوف الغربيين من خطر إسلامي متصاعد، وخشيتهم من الحرب الإسلامية ـ الغربية القادمة, واعتبروا أن المسلمين يشكلون تهديدًا أكيدًا للغرب المسيحي, كما يعتبرون أن التطور الشديد السرعة للأصولية الإسلامية هو التهديد الأعظم للسلام والأمن العالميين بزعمهم.
ويعد الجهل بالإسلام وتعاليمه وأخلاقياته السبب الرئيس للخوف منه, فمن الطبيعي أن الإنسان دائمًا يخاف مما يجهله.
كما أن رفضهم التضحية بالمكاسب الرخيصة التي جنوها من استغلالهم الناس وإشاعتهم الفاحشة وانتشار الرذيلة وكذلك تعظيم الربح واللذة والمنفعة الخاصة, وعلى سبيل المثال حرية المقامرة، وتناول الكحول، والاشتغال بالربا وممارسة البغاء والعلاقات الجنسية المثلية، والسماح بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزوجية, من الأسباب الرئيسة التي جعلتهم يخافون الإسلام؛ وذلك لأنهم يعتبرون الإسلام وتعاليمه تهديدًا لهذه السلوكيات التي يعتبرونها من أساسيات الحرية التي يدعون أنهم من أرسو قواعدها.
وهناك أيضًا الخلط بين الإسلام والواقع الذي يعيشه غالب المسلمين, فهناك دول إسلامية عديدة قد اجتاحها شبح المجاعات وافترس وحش الجوع مئات الآلاف من أبنائها, بل إن هناك أكثر من نصف مليار مسلم يعيشون تحت خط الفقر؛ وذلك بسبب انتشار الفساد وسوء الإدارة واختلال العدالة في توزيع الموارد والثروات, وعلى الرغم من أن تلك الأخلاقيات مرتبطة بالممارسات التي ينتهجها من يحسبون على الإسلام وهو من سلوكياتهم براء, إلا أنها أصبحت تهمة في حق الإسلام نفسه كدين من جهة الغرب.
مما سبق يتضح أن الخوف من الإسلام أمر واقع في المجتمع الغربي من وجهة نظرهم التي دائمًا وأبدًا على مدى التاريخ تأبى إلا أن تضع الإسلام والمسلمين في قفص الاتهام بهتانًا وزورًا.
وللأسف فإن لهذه الفرية التي هي خوف الغرب من الإسلام آثار سلبية كثيرة على المسلمين عامة وعلى من يستوطنون تلك المجتمعات من المسلمين خاصة, ومن هذه الآثار على سبيل الحصر لا التفصيل:
الحيلولة دون تحقيق التعاون الحقيقي بين المسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى, هذا التعاون الذي يمكن أن يساعد على توفير حل مشترك لقضايا المجتمع الإسلامي المستعصية, كما أن من شأن التخوف من الإسلام أن يحطم العلاقات الدولية والدبلوماسية والتجارية وغيرها بين دول العالم الإسلامي وغيرها من دول الغرب.
كما أنه يمثل بالنسبة للمسلمين في الغرب تهديدًا خطيرًا وارتفاعًا في نسبة البطالة, وإنكارًا للحقوق المتساوية في مدارسهم, والتفرقة على أسس دينية وعنصرية, والمضايقات والعنف والقيود على الحرية الشخصية والإحساس بالانتماء الذي يتعرض له المسلمون في الغرب لا لجريرة ارتكبوها, بل فقط لأنهم مسلمون ينتمون للدين الإسلامي, كما يحرمهم من القيام بدورهم البارز في السياسة الوطنية لتلك البلاد.
ووصل الأمر بسبب فرية التخوف من الإسلام إلى التحريض وإثارة الأحقاد الدينية, والذي يمكن أن يشمل إهانة وتدنيس المقدسات الإسلامية وانتهاك الحرمات الدينية, والتي تمثلت أخيرًا في انتهاك حرمة نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام حسدًا من عند أنفسهم.(7/350)
وهكذا أصبحت ما تسمى بمشكلة الخوف من الإسلام الذريعة التي يتخذها الغرب الصليبي أساسًا في سياساته الحقودة ضد المسلمين في كل مكان, رد الله كيد الكافرين إلى نحورهم, وأبطل مزاعمهم ونصرنا عليهم بقوته وحوله, إنه على ما يشاء قدير.. وإلى اللقاء إن أحيانا الله على طاعته وفي سبيل إعلاء كلمته.
==============
حوار الحضارات.. نظرة عبر التاريخ
الثلاثاء 3 جمادى الأولى1427هـ - 30 مايو 2006م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام: وبعد أن تعرفنا معًا في المرة السابقة على مصطلح حوار الأديان، وفرّقنا بينه وبين حوار الحضارات، وقبل ذلك تكلمنا عن شرعية الحوار ومقاصده.
نتكلم في هذا المقال عن حوار الحضارات من منظور آخر، ومن زاوية مختلفة, فنتناول الموضوع ليس من زاوية الثوابت والمرتكزات, ولكن من جانب النظرة العامة والتاريخية لمفهوم الحضارة, وكيف كان تفاعل الحضارات فيما بينها في الماضي.. ونبدأ كلامنا بسؤال منطقي بحت...
هل حوار الحضارات ممكن؟!
هل يمكن أن يجتمع ممثلو حضارة معينة، ويتحاوروا مع ذويهم من ممثلي الحضارات الأخرى، ويتحاوروا في النتاجات الثقافية، والفكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدينية... وغيرها من الإفرازات الحضارية؟!
هل يمكن أن يتجنب العالم ويلات الاكتواء بنيران الحروب والصراعات بين القوى العالمية من خلال الحوار الحضاري والتعايش السلمي بين الحضارات.
الظاهر أن هذا غير ممكن لعدة أسباب رئيسة:
* الأول: أن الحضارات لا تتحاور, بل يستفيد بعضها من بعض، فالعالم كان في حقبة من أحقابه عبارة عن حضارة مركزية مزدهرة تسود العالم، وتتعايش مع حضارات أخرى أقدم, أو مستسلمة لضعفها، أو تحاول النهوض بالاستفادة والاقتباس من الحضارة الأقوى.
فأوروبا - على سبيل المثال - كانت في العصور المظلمة يأتي طلابها إلى المدارس الإسلامية ببغداد والأندلس, فيتعلمون منها, ثم أصبحت الحضارة الغربية هي الرائدة، وتخلفت الحضارة الإسلامية.
لذا فهذا يعد صراعًا حضاريًا - أو بعبارة أخرى - تنافسًا حضاريًا، بين قوي، وضعيف يحاول النهوض.
* الثاني: فإذا كان الحال غير ذلك، وكانت هناك حضارتان قويتان؛ فكل منهما يسعى إلى الهيمنة والريادة، فالكل ينظر إلى نفسه أنه هو المستحق لقيادة العالم؛ بما وصل إليه من تقدم وقوة، لذا فغالبًا ما يحدث الصدام وتتبادل الحضارتان الحروب كما كان الحال بين الفرس والروم, أو بين إنجلترا وفرنسا, أو بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
* الثالث: إن الأحداث التاريخية تجري على نسق ما نقول، فالعالم في أحلك الظروف، وفي أشد أوقات الصراع؛ لم يسبق أن حدث فيه يومًا حوار بين الحضارات المتلاحمة، حتى يتعايش الجميع على سطح الكوكب، وكل منهم يعترف بالآخر، ولا يسعى للهيمنة.
نعم.. قد تحدث هدنة، أو اتفاقيات سلام؛ ولكن ليس حوارًا لتقبل الآخر، والتعايش معه بلا هيمنة طرف على الآخر, لكنه فرصة لالتقاط الأنفاس وتجميع القوى.
فالحوار بين الحلفاء ودول المحور لم يحدث إلا بعد أن تم غزو برلين وسقطت النازية في أيدي الحلفاء, ولم يتم الدخول في مفاوضات إلا بعد أن تم إسقاط شعار النازية وانتحار هتلر.
واليوم نرى الولايات المتحدة، كيف تسعى للهيمنة العالمية؛ بالعولمة تارة، وبالقوة العسكرية تارة، وبالسيطرة الاقتصادية تارة أخرى, فهل يمكن أن يكون الحوار بين الحضارة الأمريكية وبين الحضارات الأخرى كبديل عن التنافس الحضاري؟! بالطبع كلا.
* الرابع: مفهوم الراديكالية عند أصحاب الحضارات, فالحضارة لها جسم وروح، وجسمها يتمثل في منجزاتها المادية: كالمخترعات والمصانع والطائرات والأسلحة والأبنية وغيرها، وروحها تتمثل في مجموعة العقائد والمفاهيم والقيم والآداب والتقاليد التي تتجسد في سلوك الأفراد والجماعات[[1]].
ومن أهم ما يميز أصحاب الحضارة 'العصبية', والتي ذكرها ابن خلدون في مقدمته وقال: إنها العامل الرئيس لقيام الدولة, والتي تتلخص في القوة الجماعية التي تمنح القدرة على المواجهة, سواء كانت المواجهة مطالبة أو دفاعًا.
كما أن قيام الحضارة لا يكون - كما يقول أرنولد توينبي - أنه يكون قائمًا على التحدي للظروف المعيشية والبيئية والمناخية.
لذا فأصحاب الحضارة لهم تمسك شديد بالمبادئ التي أقاموا عليها حضارتهم, بل على اعتقاد جازم أن تلك المبادئ يجب أن تعمم على الصعيد العالمي.
فإذا ما تتبعنا الحضارات على الصعيد التاريخي سنجد أن التفاني في الدفاع عن الثوابت والرغبة الجامحة في تعميم النموذج الحضاري هي الشغل الشاغل لكل أصحاب حضارة.
فإنجلترا وفرنسا والبرتغال والإسبان من قبلهم لما قويت شوكتهم ونمت حضارتهم لم يرتضوا إلا أن تسيطر حضارة كل منهم على الموارد وقوى العالمية.
فرأينا إنجلترا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس من كثرة مستعمراتها على سطح الكوكب.
ورأينا فرنسا ومستعمراتها التي امتدت وتوغلت في إفريقيا ومازالت لها البقية حتى اليوم.
ورأينا الإسبان والبرتغال يعبرون المحيط الأطلسي ويستعمروا أمريكا الجنوبية وأجزاءً من أمريكا الوسطى حتى أصبحت اللغتان - الإسبانية والبرتغالية - هما اللغتين الرسميتين في القارة الجنوبية.
هكذا يفكر أصحاب كل حضارة, ولا مجال للانكماش والتعايش السلمي مع الآخر حال القوة
==============
كيف عالج الإسلام المشكلات النفسية المعاصرة؟
الثلاثاء 3 جمادى الأولى1427هـ - 30 مايو 2006م
الصفحة الرئيسة
- الغرب أهمل الدين والأخلاق فهاجمته المشكلات النفسية.
- التمسك بالقيم الدينية هو الوسيلة الوحيدة للإشباع النفسي والروحي.
- الانحراف الفكري والذنوب من أهم أسباب الأمراض النفسية.
منى محروس
مفكرة الإسلام: تؤكد الإحصاءات العالمية أن نسبة الانتحار تزايدت في الآونة الأخيرة على مستوى العالم وخاصة العالم المتقدم .. وتزداد هذه النسبة في الدول الاسكندنافية التي يتمتع فيها الفرد بأعلى مستوى معيشة في العالم. لكن على الجانب الآخر زادت حالة التوتر والقلق والاكتئاب مع تزايد ضغوط وأعباء الحياة.. فهل للإسلام علاج لهذه المشكلات النفسية الكبيرة؟
يقول د. سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية إن أكبر مشكلة يمكن أن تواجه علماء النفس وعلماء الصحة النفسية هي إقدام الإنسان على الانتحار والتخلص من حياته بصفة كلية .. وهناك عدة أسباب يمكن أن تدفع الإنسان لذلك منها أن يصل المرض النفسي لديه إلى درجة متقدمة ويصبح الشفاء ميئوساً منه، والعلاج غير مجد، ويضغط المرض في تصاعد على أعصاب ونفسية وقدرة هذا المريض وينهار إدراكه وتقييمه لدوره في الحياة فتحدث الأزمة العنيفة فيقدم على الانتحار.
وقد يقدم على الانتحار إنسان وقع في مشكلة كبيرة كأن يكون قد فشل في دراسته أو فشل في زواجه أو شاهد زوجته أو أمه في موقف لا تحتمله قدراته النفسية ولم يستطع التأقلم والاحتمال فتخلص من حياته، وربما أقدم على ذلك تاجر أفلس بعد أن كان ملء السمع والبصر. ولكن الانتحار في أحيان كثيرة يحدث عندما يحقق الإنسان كل أحلامه وطموحاته ولم يعد لديه الأمل والحلم فيحدث لديه إشباع لكل رغباته وهنا يحدث الملل والفراغ فتقع جريمة الانتحار.(7/351)
وللإسلام علاج هام لهذه المشكلة فقد حرم قتل الإنسان لنفسه وجعل ذلك كبيرة ربما تكون مساوية للكفر، وأن من يقدم عليها فإنه يختم حياته بالكفر، وبالتالي استحق العذاب الأليم. والمسلم الذي يتوضأ في اليوم خمس مرات ويصلي خمس مرات على الأقل ويسمع الوعظ الديني يحسن إدراكه لفلسفة الوجود ودوره في هذا الكون وأنه مخلوق لرسالة معينة وهي عبادة الله وأنه يجب أن يسلم بقضاء الله ويتأقلم معه، ويستغفر الله ويطلب عفوه، ويندم على ذنوبه، وهنا يكون لديه الأمل المتواصل في عفو الله .. وبالتالي لن يقدم على الانتحار لأنه أكبر الكبائر والمسلم لا يرضى لنفسه أن يموت عل الكفر وأن يعير أبناؤه بعد ذلك بأبيهم الذي مات منتحراً، ومن فضل الله أن نسبة الانتحار في الدول الإسلامية أقل ما يمكن وذلك بفعل العقيدة الإسلامية التي يؤمن بها المسلم.
الغرب أهمل التربية الدينية فكثرت فيه الأمراض النفسية
أما د. سعيدة أبو سوسو رئيس قسم علم النفس بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر فتقول إن القلق والاكتئاب والتوتر من سمات العصر الحديث .. والنساء أكثر تأثراً بهذه الأمراض حسب ما تؤكده الإحصاءات .. لأن المرأة عاطفتها عالية وقدرتها الانفعالية عالية إلى جانب أنها ضعيفة بتكوينها الفطري، ومن ثم فهي أكثر تأثراً بالظروف المحيطة بها .. ولكننا يجب أن ندرك أن التمسك بالقيم الدينية على مستوى الأفراد والجماعات هو الوسيلة الوحيدة والحل للإشباع الروحي والنفسي .. ويجب أن ندعم ذلك حتى لا تقع مجتمعاتنا فيما وقعت فيه الحضارة الغربية، حيث انساقت في تيار التقدم والرفاهية لإشباع الرغبات الحسية وأغفلت التربية الخلقية والدينية، وبالتالي فهي تعاني من انتشار الفساد الأخلاقي وانفراط عقد الأسرة، وانهيار الروابط الأسرية، وكان من نتائج ذلك زيادة نسبة الانتحار والأمراض النفسية وعقوق الوالدين ووضعهم في دور المسنين وإبعادهم عن الجو الأسري والعلاقات الأسرية، كما ظهرت لديهم العديد من الأمراض الخلقية والاجتماعية.
ولوقاية الأسرة من الانهيار يجب أن يكون هناك أرضية صلبة من الأخلاق والدين لأن هذا هو السبيل الوحيد حتى يشعر الناس بالسعادة والرضا والقناعة والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، وهذا بدوره يؤدي إلى التخفيف من التوتر والقلق والخوف، فالاعتماد على الله يشعر الإنسان بالأمان وعدم الاضطراب والخوف.
وللقيم الدينية دور في تنمية ضمائر البشر والارتقاء بمستواهم الأخلاقي والسلوكي. واتباع المنهج القرآني والسنة النبوية يقضي على أي قلق أو مرض نفسي، لأن الإسلام دين الفطرة والالتزام به يشفي النفس من كل الأمراض، إن الإسلام علاج ناجح وفعال لأمراض الترف والرفاهية من خلال زكاة المال والتكافل لأن ذلك يريح النفس ويدخل البركة في الحياة.
الذنوب والمعاصي من أهم أسباب الاضطراب النفسي
أما د. حامد زهران أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس فيقول: إن أهم أسباب الاضطراب النفسي من المنظور الإسلامي ارتكاب الذنوب والآثام .. فالذي يرتكب ذنباً يكون مضطرباً قلقاً متوتراً يؤنب نفسه ويحاكم نفسه .. ومعظم حالات الاكتئاب تأتي حينما يفيق الإنسان بعد ارتكاب الذنب فهو يحاكم نفسه وقد يسجن نفسه بالانطواء داخلها وقد يصدر على نفسه حكماً بالإعدام وينفذه .. ومن أهم أسباب الاضطراب النفسي أيضًا الضلال .. فالصراع بين الخير والشر أمر مستمر داخل الإنسان، وهناك النفس اللوامة وهي منتهى الضمير واليقظة، وهناك النفس الأمارة بالسوء وهي موجودة في الإنسان الذي تتحكم فيه غرائزه فيكون مثل الحيوان أو الشيطان .. وانغماس الإنسان في الضلال يزيد من أعبائه النفسية .. وكذلك من أسباب الاضطراب النفسي ضعف الضمير وما نراه في مجتمعنا من حولنا يؤكد ذلك .. ولذلك فحينما يأتينا مريض إلى العيادة النفسية فلابد أن نتأكد من أن التدين بكل متطلباته قد أسس الشخصية التي أمامي من حيث عبادة الله والإخلاص لله والبعد عن الحرام والاستقامة وإصلاح النفس ومعارضة هواها والصدق والتواضع ومعاشرة الأخيار والكلام الحسن وحسن الظن بالله -الخ.
ولنطمئن أولاً إلى أن هذه الأمور مترجمة سلوكياً وليست محفوظة فقط .. وأول شيء في معالجة المريض النفسي هو دعوته إلى التوبة والإقرار بالذنب والندم عليه .. فهناك من يقول إنني ارتكبت ذنوباً لا يمكن أن يغفرها الله لي .. ولهؤلاء نقول إن من الأنبياء من أذنب وتاب مثل موسى وآدم، ونقول لهؤلاء القانطين إن الله يقول [إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين] .. كما يقول [هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات] والرسول الكريم يقول [كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون] .. وعلى المعالج النفسي أن يعلّم المريض كيف يدرك نفسه على حقيقتها فلا يضللها ولا يضحك عليها.
فحينما يفعل الصواب يعلم أنه على صواب وحينما يفعل الخطأ يعلم أنه على الخطأ فيرى طريقه واضحاً .. وبعد ذلك على المريض الدعاء فهو سلاحه لأن الله يقول [وقال ربكم ادعوني استجب لكم] .. وبعد الاستغفار عليه بذكر الله فبذكر الله تطمئن القلوب الحيرى حيث يقول الله تعالى [إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون] ومع ذلك كله لابد من الصبر .. وصدق الله القائل [وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون].
علم النفس علم إسلامي خالص
أما د. محمد عثمان نجاتي أستاذ علم النفس فيقول: إنه من المعلوم الواضح أن المسلمين هم الذين أسسوا علم النفس ووضعوا أصوله وقواعده ومناهجه لأن هذه الأصول والقواعد والمناهج موجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية .. والأعلام المسلمون العظام مثل الغزالي وابن القيم والماوردي وغيرهم لهم إسهامات في مجال السلوك والتربية .. لأن الالتزام على المنهج الإلهي في أمور الاعتقاد والعبادة والسلوك والمعاملات كفيل بأن يغسل الإنسان من أدرانه ومشاكله ويبعده تماماً عن الهواجس والظنون والاكتئاب والقلق -الخ.
فوضوح الرؤية الاعتقادية، وهي تعني تصور الإنسان عن نفسه وعن خالقه وعن الكون الذي يعيش فيه وعلاقته بالله وبالكون وبالبشر الآخرين، كل هذه الأمور إذا صيغت صياغة غير إسلامية صحيحة فإنها تورث الأرق الفكري والاضطراب وعدم الاطمئنان والضلال، وهذا يؤدي بدوره إلى المرض النفسي.
لذلك وجدنا أن الفلاسفة الذين تحدثوا في هذه الأمور بضلال وبعيداً عن المنهج الرباني كانوا يعانون من مشاكل نفسية، أما المسلم فإنه إذا فهم عقيدته فهماً سليماً ترتاح نفسه ويستقر فؤاده .. كذلك إذا قام بالعبادات التي يأمر بها الشرع يطمئن قلبه بالصلاة والصيام والزكاة والحج والصدقات، فيشعر أنه مصدر خير للآخرين وسعادة لهم فيسعد بذلك ويتمنى أن يطول عمره ليحسن عمله لا أن ينتحر مثلما يفعل غير المسلمين.
والإسلام يأمر المسلم بأن يصفح ويتسامح ويعفو فتصفو نفسه ولا يحمل الغل والضغينة للناس ، والإسلام يأمر المسلم بالتوكل على الله وتفويض الأمر إليه والتوكل عليه وأنه هو الرازق فيطمئن على رزقه وعلى مصيره وأن الله لا ينام بل يرعاه وينصره .. فتستقر نفسه وتهدأ .. وبهذا يعتبر الإيمان غسلاً للنفس من كل أمراضها.
العلاج النفسي عند المسلمين(7/352)
د. محمد عبد العليم سالم أستاذ الطب النفسي يقول: إن التاريخ يشهد أن الأطباء والمفكرين المسلمين كانوا أول من استحدث مفهوم الأمراض العقلية وأبعدوها عن معتقدات الأرواح الشريرة وتناولوها بالعلاج الإنساني بينما كان العالم الأوربي المسيحي لا يزال يحرق المسحورين وينبذ المجانين. لكن المؤسف أنه في القرون الأخيرة أهمل المسلمون هذا المجال واتجهوا للتقليد الأعمى لمفاهيم الغرب بنظرياته المنبثقة أساسا من الثقافة المسيحية اليهودية والقائمة حديثا على بيئة لا دينية.
إن العلماء المسلمين ناقشوا في ضوء القرآن والحديث النبوي أسباب نشوء وتكوين الأمراض العقلية والصحة النفسية وجذور المشاكل العاطفية، في محاولة لإثبات أن تعاليم الله سبحانه وتعالي وقيم الإسلام لو انتهجت بروح صادقة، فإنها المصدر الصحيح للراحة من كافة الأمراض والعلل النفسية والعقلية كبيرة كانت أو صغيرة، فمجتمع قائم على تعاليم الإسلام مجتمع آمن خال من الشعور بالذنب وعدم الاستقرار العاطفي.
وباستعراض تاريخ الأمراض العقلية نجد أن الحضارات القديمة وهي المصرية واليونانية والرومانية والفارسية والهندية والصينية كانت تسيطر عليها النظريات التي تقوم على معتقدات الجن والشياطين، أما الفترة الواقعة بين هذه الحضارات القديمة و حتى عصر النهضة الأوربية فإنها تمثل هوة وفراغا عرف بالعصور المظلمة.
ولكن العلماء والأطباء المسلمين في ذلك الوقت كانوا متحررين من أي معتقدات ونظريات عن الأرواح الشريرة كتلك التي كانت تسود العالم المسيحي. ولهذا فلقد نجح هؤلاء المسلمون في الوصول بطريقة مباشرة وبملاحظات إكلينيكية إلى الإمراض النفسية والعقلية. لقد كان في مقدورهم كتابة التقرير وتقرير الملاحظات الموضوعية على الأعراض، وبهذا كانوا أول من توصل إلى التشخيص الموضوعي بلا تحيز. وبهذا فقد قدم الأطباء المسلمون الرعاية والعلاج للمرضى النفسيين بطريقة إنسانية مخالفة تماماً لم كان يجري في الغرب.
إن المستشفيات والعيادات المعالجة للأمراض العقلية في العالم الغربي الآن مملوءة بمرضي مشاكلهم نتاج لمجتمع مريض ينتشر فيه التحلل الاجتماعي والمعنوي والديني، وتتفكك فيه أواصر الحياة الأسرية، مما ترك الفرد غربيا مهموماً، بينما نجد الإسلام يشعر الفرد بهويته الإسلامية واضحة وصريحة، وبإحساسه بذاته كإنسان وليس عددا أم كماً زائداً، فالمجتمع الإسلامي يوفر الوقاية والعلاج للأمراض الاجتماعية، فالإسلام مصدر للصحة النفسية والعقلية وليس مصدراً للأمراض العقلية والنفسية.
تصحيح الأفكار والعقائد
يقول الداعية الإسلامي الشيخ عطية صقر: إن غالب الأمراض النفسيّة يأتي من أفكار تتأثر بها أعصاب الإنسان وتتغيّر بها نظرته إلى الحياة، ويضطرب سلوكه بالتالي بوجه عام، وعلاج أي مرض يكون بعلاج أسبابه، وذلك بتصحيح الأفكار والعقائد، وقد صحّ في الحديث المتّفق عليه:[ألا وإنّ في الجَسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسَدتْ فسد الجَسد كلُّه، ألا وهى القلب].
فالقلب مستقر العقائد ومبعث الوجدان، والدين بعقائده وعباداته وأخلاقِه علاج لكل الأمراض العقليّة والنفسيّة بل والأمراض الجسدية، فهو يُزيل الشكَّ ويثبِّت اليقين، والتفقه فيه وممارسة مبادئه بصدق يمنع العُقَد النفسيّة، ويشفيها ويعالجها كما قال تعالى: [ونُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنَ مَا هُوَ شِفاءٌ ورَحْمةٌ لِلْمُؤمِنينَ] [سورة الإسراء : 82] وقال: [ يا أيُّهَا النّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وشِفاءٌ لِمَا فِي الصُّدورِ][سورة يونس : 57].
والعِبادات وقراءة القرآن وذكر الله والدعاء من أنفع أنواع العلاج للأمراض النفسيّة إن لم تكن أنفعها على الإطلاق، فهي دواء الله العليم بأحوال النفوس، والرسول صلّى الله عليه وسلم كان إذا حزّبه ـ أو حزنه ـ أمر فزع إلى الصلاة. وهو القائل [وجُعلت قرّة عَيني في الصلاة].
وقد ورد في السنة النبويّة أدعية لتفريج الهَمِّ والكرب وإزالة الخوف والقلق وغيره من أمراض النفوس، مذكور كثير منها في كتاب' زاد المعاد 'لابن القيم، وكتاب' الأذكار للنووي'.
وكل ذلك مع الإيمان بأن الله حكيم في قوله وفعله، وأن قضاءه نافذ لا رادّ له والواجب هو الرّضا والصبر، وفي ذلك راحة نفسيّة وانتظار للفرج وتكفير للسيئات أو رفع للدرجات: [يا أيُّها الذِينَ آمَنوا استَعِينُوا بالصَّبْرِ والصّلاةِ إنّ اللهَ مَعَ الصّابِرينَ][سورة البقرة : 153] [وبَشِّرِ الصّابِرِينَ الذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصيبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وإنّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ ورَحْمةٌ وأُولئِكَ هُمُ المُهْتدونَ][سورة البقرة: 155 ـ 157].
الإيمان بالله ودوره في تقوية النفس
وتقول د. ليلى أحمد إن العلماء يعرفون الصحة النفسية بأنها: 'القدرة على مواجهة الأزمات النفسية العادية التي تطرأ على الإنسان، ويرافقها الإحساس الإيجابي بالسعادة والكفاية، ويكون ذلك عادة بإشباع أكبر قدر من حاجاته الأساسية للأمن والحب وإثبات الذات والإنجاز والنجاح'. وأهم عرضين طارئين على الصحة النفسية هما القلق والاكتئاب؛ فالقلق هو الشعور بالخوف من شر متوقع وعدم القدرة على دفعه، أما الاكتئاب فهو الشعور بعدم الاهتمام أو بالقيمة الشخصية وقيمة الأشياء وافتقاد السرور، وفي حالات شديدة منه يترافق باليأس، وقد يؤدي إلى الانتحار.
وتحقيق التوازن بين الجانبين الروحي والمادي في التصور الإسلامي يُكسب الإنسان الشخصية السوية التي هي أساس الصحة النفسية.
ويعتمد الأسلوب التربوي في الإسلام على ثلاثة أمور هي: هو تقوية الجانب الروحي في الإنسان عن طريق الإيمان بالله وتقواه، ثم أداء العبادات المختلفة لتعزيز الجانب الروحي والصفاء النفسي، وأخيراً السيطرة على الدوافع الغريزية في الإنسان والتحكم في أهواء النفس التي تؤدي إلى المعاصي.
فالإيمان بالله فإنه يقي من حدوث الاضطرابات النفسية؛ فالإنسان يتعرض لضغوط مختلفة تسبب له الإجهاد والقلق، وإذا زاد القلق عن حده الطبيعي فإنه يؤدي إلى حالات نفسية مرضية. إن المؤمن ضعيف بنفسه قوي بربه سبحانه، وعندما يلجأ إليه ليستمد منه القوة فإنه يحول نقاط الضغط هذه لصالحه. كذلك فإن ما يفرضه هذا الإيمان على العبد من شعور بالعبودية للرب الخالق الرازق المعطي المانع الضار النافع الرحمن الرحيم العزيز الحكيم يجعل الإنسان في منأى من الخوف أو القلق، والمؤمن لا يخاف فوات رزقه، ولا يخاف غير الله. وبالإيمان بالقضاء والقدر يرتفع الإنسان فوق مخاوفه وهمومه أكثر فأكثر، وبالإيمان بالقضاء يتحقق التوكل على الله والتفويض إليه بعد الأخذ بالأسباب والاعتراف بأن ناصية الإنسان في يد الله يصرّفه كيف يشاء، وأنه ماض فيه حكمه، عدل فيه قضاؤه.
ثم إن الرضا بقضاء الله سبحانه وتعالى يسكب في النفس يقينا وسكينة وطمأنينة؛ فلا يبالغ المؤمن في حزنه ولا في فرحه.(7/353)
كما أن القيام بالعبادات المختلفة من صلاة وصيام وزكاة وحج يربي شخصية الإنسان ويزكي نفسه، ويجعله يتحلى بكثير من الصفات التي تعينه على تحمل أعباء الحياة، ونجد في بعض الآيات القرآنية ارتباط الصبر مع الصلاة؛ فالصبر على تقلبات الحياة يساعد في تكوين الشخصية السوية التي تتمتع بالصحة النفسية. وكذلك الصوم والحج يعلمان الإنسان الصبر وتحمل المشاق، ومجاهدة النفس والتحكم في أهوائها، ويزيدان من قوة الإرادة وصلابة العزيمة، والزكاة تنمي حب الناس والإحسان إليهم والتعاون معهم.
ولابد أن يرافق ما سبق الابتعاد عن المعصية، والإسلام ينهى عن الكبائر والذنوب لأن المعصية نفسها تحطم النفس البشرية، فبسببها يضيق صدر المؤمن، وإذا ضاق الصدر ساءت الأخلاق، وإذا لم يلجأ الإنسان إلى ربه ليساعده أن يجبر كسره في معصيته، فإن قلقه يكون مضاعفا.
===================
الفهرس العام
الباب السابع ... 1
الحضارة الإسلامية وأسباب سقوطها وعوامل النهوض بها (3) ... 1
القراءة منهج حياة ... 1
أسلمة المعرفة ... 24
الأمة الإسلامية من جديد وليس الشرق الأوسط الجديد ... 91
الدعوة إلى الله بالمجادلة ... 151
مقدمة : ... 151
الفصل الأول : مفهوم الجدل وتاريخه : ... 154
الفصل الثاني : مشروعية المجادلة في مجال الدعوة وأهميتها: ... 167
المبحث الثالث : أهمية المجادلة في مجال الدعوة : ... 175
الفصل الثالث : ضوابط الدعوة بالمجادلة : ... 180
أطفالنا وحب الإسلام ... 201
دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية ... 246
تعَرَّف على الإسلام ... 340
التصور السياسي للحركة الإسلامية ... 434
شخصية الرسول وأثره ... 533
التربية الإسلامية و تحديات العصر ... 562
حقوق الإنسان محور مقاصد الشريعة ... 643
الإسلام بين كينز وماركس وحقوق الإنسان في الإسلام ... 743
الشيعة هم العدو فاحذرهم ... 867
ونطقت الرويبضة!!(منصور النقيدان أنموذجا) ... 933
نهاية التاريخ أم نهاية الإنسان أم سقوط حضارة ... 970
الحضارة الإسلامية سمات وخصائص ... 982
الأسر العلمية ظاهرة فريدة في الحضارة الإسلامية ... 989
حضارة على وشك الانتحار… ألمانيا تسعى لتقنين البغاء بوصفه مهنة لـ 400 ألف امرأة!!!! ... 992
العالم الإسلامي في مهب التحولات الحضارية كتاب جديد ... 994
رؤية لآليات الصراع وموقع الأمة منه في فكر تنظيم القاعدة ... 997
قرطبة.. "مكة أوروبا" بين عبق الماضي واضطهاد الحاضر ... 1003
ماذا ينتظرنا من العلمانيين ؟ ... 1007
د. محمد عمارة: الليبراليون العرب أكثر استبداداً من غيرهم ... 1015
د.سيد دسوقي: التنمية التي يفرضها الغرب علينا تزيدنا تخلفاً ... 1031
تاريخ السلوك التنظيمي ... 1041
مسلمي صقلية..كتاب عن حضارة المسلمين في الجزيرة ... 1047
ندوة علمية: واقعنا رغم قسوته به إيجابيات تبعث على الأمل ... 1049
حلم إسلامي بـ"تحرير" إسبانيا؟ ... 1055
الفلسفة.... التاريخ والنشأة[1] ... 1059
حينما نكتفي بالاستهلاك والبذخ بينما الآخرون ينتجون ويبدعون! ... 1061
الشك العلمي عند المسلمين تفوق على الغرب ... 1068
د. صوفي أبو طالب يواصل تفنيد حجج المعترضين على تطبيق الشريعة ... 1075
الحرب العالمية الرابعة ..كتاب عن حروب المستقبل ... 1083
عصرنة الدين أم تديين العصر ... 1087
د. زينب عبد العزيز: التنصير عالم خطير لا نرى منه إلا القليل ... 1090
مالك بن نبي و ابن خلدون.. مواقف و أفكار مشتركة ... 1099
الأطلس التاريخي للعالم الإسلامي.. كتاب جديد ... 1101
من يمسح دموع ميندناو؟..(2) ... 1103
الفردوس المستعار والفردوس المستعاد.. كتاب جديد ... 1105
الغرب يعادينا لأننا نمتلك منظومة قيم تهدده ... 1109
ليس بيننا وبين الغرب أسس تؤدي لحوار ناجح ... 1116
الضربات التي وجهت للانقضاض على الأمة الإسلامية ... 1121
العنصرية تجاه المسلمين في الغرب...هل من جديد؟! ... 1124
فلسفة التنوير بين المشروع الإسلامي والمشروع الغربي ... 1127
أهل السنة.. نبض الماضي وجمود الحاضر ... 1132
عبد الرحمن الثالث.. كتاب بالانجليزية عن خليفة قرطبة الأول ... 1137
علوم الأرض في الحضارة الإسلامية .. كتاب صدر مؤخرا ... 1139
هل من أمل في حوار إسلامي غربي؟ ... 1141
خفايا حرب المصطلحات ضد العرب والمسلمين!! ... 1147
قراءات جزائرية لإشكالية النهوض في الفكر الإسلامي المعاصر ... 1153
الخطايا الأمريكية في الرد على هجمات 11 سبتمبر ... 1154
أسس المنهج العلمي في القرآن والسنة في ندوة علمية ... 1161
اليابان عرضت نفسها على الإسلام ونحن خذلناها ... 1167
مسيرة حقوق المرأة عبر التاريخ ... 1173
الصحوة الإسلامية أهم أحداث القرن العشرين ... 1185
الحرب بالوكالة ومشاريع ملء الفراغ في العالم العربي ... 1192
أزمة الفكر العربي كتاب في تجليات الغزو الثقافي ... 1199
المسلمون خلف الأسوار...في أسبانيا[4] ... 1201
تخلفنا حينما فصلنا بين علوم الدين وعلوم الدنيا ... 1208
الأقليات المسلمة في الدول الأوروبية أمل وألم [2] ... 1219
المسلمون والغرب.. كيف ينظر كل منها للآخر؟ ... 1223
الغرب يعيش فراغاً فكريا لن يملأه إلا الإسلام ... 1230
التأديب بالضرب بين الإسلام والفكر الغربي ... 1235
لماذا الخوف من الإسلام في الغرب؟ ... 1242
حوار الحضارات.. نظرة عبر التاريخ ... 1245
كيف عالج الإسلام المشكلات النفسية المعاصرة؟ ... 1248(7/354)
الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل
(8)
الباب السابع
الحضارة الإسلامية وأسباب سقوطها وعوامل النهوض بها
(4)
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب السابع
الحضارة الإسلامية وأسباب سقوطها وعوامل النهوض بها (4)
هويتنا والعولمة كتاب يدعو إلى تحديث الأصالة وتأصيل الحداثة
الأحد23 ربيع الثاني 1427هـ - 21 مايو 2006م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام: صدر حديثا في المغرب كتاب للدكتور عباس الجراري بعنوان هويتنا والعولمة وفيه يؤكد أن هويتنا العربية الإسلامية ليست عامل تضييق وانغلاق وانزواء، ولكنها عامل توسيع وانفتاح وتحاور والتقاء، موضحا أن التمسك بها يعني نبذ الشعور بالاغتراب، ويعطي الحق في التميز، ويمكن اتخاذها مجالا للحوار والتواصل.
و يلاحظ الدكتور عباس الجراري أن العرب والمسلمين يتحركون فرادى وبانفعالات ذاتية، في حين أن العالم يريد أن يتعامل مع دول مجتمعة وموحدة، أي مع تجمعات وليس مع دول متفرقة.
يقول المؤلف: إن هذا البعد الجماعي هو ما نفتقده، أو بالأحرى تفتقده النخبة الباحثة عن سبيل الخروج من مأزق التخلف، أو هي في الحقيقة تستبعده، غافلة عن قوة رصيده ومدى ما له من فاعلية وتأثير ويدعو كذلك إلى أن نحدّث الأصالة ونؤصل الحداثة، في غير تزمت يؤدي إلى الانطواء، وفي غير انبهار يفضي إلى الاستلاب.
يشير الجراري في مقدمة كتابه إلى أن إثارة قضية هويتنا والعولمة تنطلق من السعي إلى إيجاد مكان لهذه الهوية، حتى تستمر قادرة على الحياة، وحتى نكون مؤهلين لمواصلة المسير وإمكان العيش.
ويذكر بالحقيقة المؤلمة التالية : إن الواقع الذي يعانيه العالم ـ والعربي والإسلامي منه على الخصوص ـ يبرز مدى التمزق الذي تعمقه وتوسع خروقه القوى الكبرى، العاملة بكل الوسائل ـ مهما تكن غير مشروعة ـ على أن تبقى هي وحدها المتحكمة في المنظومة الدولية، بغرور وطغيان، ومن خلال قطبية لا تنافس ولا تنازع، ولو على حساب حاجات الشعوب المستضعفة ورغبتها في التعايش والتواصل والتعاون بأمن وسلام.
ويتابع قوله إن مواجهة تلك الهيمنة بالنسبة لهذه الشعوب، سوف لا تستند إلى القوة العسكرية أو حتى الاقتصادية ـ على أهميتها ـ، ولكنها ستعتمد بالدرجة الأولى على العنصر الحضاري والثقافي، متمثلا في هوية تلك الشعوب، بكل المكونات التي تشكل هذه الهوية، بدءا من العقيدة واللغة والتراث.
ويشدد على أن الإلحاح على مقوم العقيدة ينطلق من الحالة الراهنة التي يعيشها الإسلام، باعتباره قوة تزعج خصومه، وباعتباره هدفا لهم، على حد ما تكشف الحرب الصليبية الجديدة التي لم يخفف من حدتها زعم الحوار ودعوى التعايش.
وبعدما يعرض منظور الإسلام للهوية من خلال توجيهات القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وما يعززهما من حكم التراث وما يملأه من أدبيات إرشادية، ينتقل للحديث عن العولمة من حيث كونها نظاما يسعى إلى فرض خططه المالية والاقتصادية والتسويقية، ومن خلال ذلك فرض أفكاره ومناهجه، ثم قيمه وأنماط سلوكه، ليصل في النهاية إلى فرض هيمنته وسيادته.
ويبرز القطبية الأحادية التي تمثلها الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصدد، بما تمثله من تقدم تكنولوجي، تتجسد قوته في الثورة التي تشهدها المعلومات، والتي أحدثت تغييرا في المفاهيم والمسارات التابعة لها، بدءا من الاقتصاد العالمي وإمكانات توجيهه والسيطرة عليه وهو وضع ـ يضيف المؤلف ـ تواكبه المجموعة الأوربية أو تسير في ركابه، علما بأن الدول الآسيوية تزاحم فيه وتنافس بمهارة واقتدار.
ويستدرك بالقول إن تأثير هذه الثورة يضعف حين يتعلق الأمر بالثقافة التي يبدو أنها لن تنقاد ـ كما انقاد الاقتصاد ـ سواء بالنسبة لأوربا أو آسيا فتمسك الأوربيين بهويتهم أو هوياتهم الثقافية واضح، ومثله تمسك الآسيويين، إن لم يكن هؤلاء أكثر تشبثا وإيمانا بثقافتهم.
والسبب كامن في ما لهؤلاء وأولئك [الآسيويين والأوروبيين] من إرث ثقافي غني يشكل هوياتهم بثوابت راسخة، تتمثل ـ على الخصوص ـ في اللغة وما يرتبط بها من فكر وأدب وقيم تجعلهم بها يصمدون، غير قابلين للاندماج في السياق الثقافي الذي تحاول فرضه تلك الثورة.
وهم، بهذا الرفض موقنون أن حرصهم على ثقافتهم لا يحول، بل لم يحل دون التنافس في عالم الاقتصاد والتبريز في هذا الميدان.
ويتوقع الكاتب أن يحمل تيار العولمة للشعوب أنماطا من التحرر والانفتاح، إلا أنها ـ كما يقول ـ لن تستفيد منها إلا فئة معينة من هذه الشعوب، طالما أن معظمها ما زال يرزح تحت وطأة الفقر والأمية والحياة التقليدية، بعيدا عن وسائل الحضارة الحديثة.
وهذا لا شك عائق يمنع اندماجها في التيار، بل ربما ستزيدها العولمة تهميشا وتخلفا سيفرضان عليها المزيد من القهر والاضطهاد، ليس من قبل العولمة مباشرة، ولكن من قبل الفئة المحلية المستفيدة منها، أي من قبل النخبة المؤهلة التي قد تواجه ـ على المدى القريب أو المتوسط ـ صراعا داخليا، أو صداما مع الفئات غير المستفيدة ثم يدعو الجراري إلى الانخراط الواعي والفعال في العولمة، إذ يقول: 'حتى لا نكون متطفلين أو عالة أو مجرد مستهلكين أو أدوات استهلاك، فإن علينا أن ندخل في سياق العولمة بهويتنا الإسلامية، وقبل ذلك علينا أن نتخلص من عقد الماضي وما رسخه واقع التخلف في النفوس، مما يحتم أن نراجع ذاتنا من خلال مفهوم صحيح لهذه الهوية، من شأنه أن يرد الاعتبار للشعوب الإسلامية، ويمنحها مكانتها الحق، ويجعلها ليس فقط قادرة على التكيف مع العولمة والإسهام فيها أو الاندماج، ولكن يجعلها أيضا مؤهلة لإيجاد التوازن اللازم بين القوى الحالية أو المتوقعة'.
ويدعو إلى النظر إلى الخصوصيات التي يتميز بها كل قطر من الأقطار العربية والإسلامية، ليس باعتبارها عناصر تفريق وتفقير لكيان الأمة، ولكن باعتبارها عناصر تقوية لتجميعها وإخصابها، واستثمارها لإغناء تراكمي وإبداعي كذلك لحضارة العرب والمسلمين وثقافتهم، وبالتالي لهويتهم المشتركة، وجعلهم قادرين بها على مواكبة العولمة والمساهمة فيها بفعالية وإيجاب.
ويختم المؤلف كتابه بالقول : إن من شأن هذا الانخراط في العولمة أن يجعلنا قادرين على تعديلها لتكون معتدلة ومتوازنة، ولتكون في النهاية بشرية وإنسانية، بما يقتضي مراعاة الجوانب البشرية والإنسانية للمجتمعات، ولاسيما ما تبرزه الثقافات المختلفة لهذه المجتمعات، والنامية منها على وجه الخصوص، وفي طليعتها العربية والإسلامية، في تمسك بقيمها ونسقها الفكري وسياقها الخلقي، بعيدا عن أي تنميط مفروض ومرفوض في الوقت نفسه.
=============
لا ندع الغد يصنع بدوننا؟
الأحد23 ربيع الثاني 1427هـ - 21 مايو 2006م
الصفحة الرئيسة
محمد سيد بركة
مفكرة الإسلام: وسنوات القرن الحادي والعشرين تتوالى مسرعة لايزال العالم العربي والإسلامي، من خلال مثقفيه، يطرح على نفسه التساؤلات عينها التي كانت مطروحة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي.
العالم العربي الذي كان مع محيطه الإسلامي الأوسع مركز الحضارة والأكثر تقدما في القرون الأربعة التي تلت الفتح الإسلامي، بدأ يتأخر في بطء حتى القرن السابع عشر ثم في سرعة حتى أصبح هامشيا بالنسبة إلى تطور الحضارة العالمية ماديا وفكريا .
أسلافنا و العصر الذهبي(8/1)
لقد شهدت الحضارة الإسلامية عصرا ذهبيا كان فيه للمسلمين قوة لا تقف في وجهها قوة، كان فيه العالم العربي الإسلامي وريثا للحضارات السابقة ومطوراً لها. فقد كانت الرياضيات فيه، في الغالب الأعم، عربية والطب عربيا، وكذلك علم الفلك، وعلم الفيزياء، وعلم الكيمياء، ومعظم الفلسفة ... حتى أن البيروني - أحد عباقرة المسلمين في القرن العاشر الميلادي والذي وصفه المستشرق الألماني سخاو بعد إطلاعه على مؤلفاته بأنه أعظم عقلية عرفها التاريخ - كان هذا العبقري يقول : إن الهجو بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية.
ذلك العصر الذهبي أوجد لدى المسلمين شعورا مشروعا بالانتماء إلى تراث غاب كليا منذ أكثر من ثلاثة قرون وصار إنتاج المسلمين في مجالات العلم والتقنية، وحتى في مجال الفكر، محدودا إن لم نقل معدوما.
ومع بداية الاحتكاك بالغرب في بداية القرن التاسع عشر بدا واضحا أن العالم العربي والإسلامي صار هامشيا في مجالات شتى اللهم إلا بعض الأسماء النادرة، والتي برزت في الغرب ومن خلال مؤسساته وهيئاته العلمية. والعلم وتطبيقاته الفنية [التقنية] واحدا من هذه المجالات التي أصبح العالم العربي الإسلامي فيها هامشيا ..
لقد كان أسلافنا سابقين في ميادين العلوم المختلفة فقد نقلوا المعارف والعلوم المختلفة عن غيرهم من الأمم وأخضعوها لمقاييس عقيدتهم بعقل متفتح وقلب بصير وهم بذلك لم يكونوا مجرد ناقلين منقادين بل استخدموا عقولهم وحكموا منطقهم وخاضوا غمار التجربة فآثروا المعرفة الإنسانية ومهدوا السبيل لتقدم العلوم وازدهار الحضارة.
يقول الدكتور علي عبد الله الدفاع في كتابه 'إسهام علماء المسلمين في الرياضيات' :
وجه المسلمون عنايتهم للأنشطة الذهنية منذ الأيام الأولى للإسلام بادئين بالعلوم العلمية كالرياضيات والفلك.
ولقد كان هناك أساس ديني لحاجة المسلمين للرياضيات والفلك، فبالوسائل الهندسية يمكن تحديد اتجاه القبلة التي يولون وجوههم شطرها في صلواتهم اليومية، كما أن المسلمين كانوا في حاجة إلى علمي الحساب والجبر لحساب المواريث والفرائض، وليعلموا عدد الأيام والسنين، وبالفلك يمكن للمسلمين تحديد غرة شهر رمضان المعظم شهر الصيام، وكذلك تحديد الأيام الهامة الأخرى ذات الصبغة الدينية.
من هذا المنطلق برز أسلافنا في علوم الفلك والرياضيات والطب والكيمياء والفيزياء وما حققوه من انجازات في هذه المجالات كانت هي الأساس الذي قام عليه التقدم العظيم الذي عرفته هذه العلوم في أوربا ثم في أمريكا.
لقد وجه أسلافنا عنايتهم إلى إعادة دراسة الكتب العلمية القديمة لدى الشعوب المختلفة وعملوا على تصحيح الكثير منها وتنقيحه وإضافة مكتشفاتهم الخاصة.
محنة العلم في بلادنا
من المتعارف عليه بين مؤرخي الفترة الحديثة أن النهضة العلمية في العالم العربي والإسلامي تعود إلى أوائل القرن التاسع عشر، وأن أجلى مظاهر هذه النهضة تلتمس في حركات الإصلاح في الأزهر وفي التعديلات الأساسية التي أدخلت على النظام التعليمي في أواسط القرن قبل الماضي تحت تأثير موجة التغريب وتأسيس المدارس التبشيرية الأجنبية.
وقد أنشئت مجالس ومراكز للبحث العلمي تحول بعضها إلى مؤسسات وهيئات مما يشير إلى أن النهضة العلمية الحديثة في العالم العربي الإسلامي عريقة، على الأقل من حيث تاريخ بدايتها.
ومؤخرا أصدرت منظمة العمل العربية تقريرا متميزا وفريدا بعنوان البحث العلمي بين العرب والكيان الصهيوني وهجرة الكفاءات العربية.
كشف التقرير حقائق مذهلة ومرعبة عن الفجوة التكنولوجية والعلمية بين العرب والكيان الصهيوني والتي تجسد تفوقا علميا وتكنولوجيا صهيونياً ساحقا إلى درجة أن التقرير العربي أوصى بضرورة زيادة المخصصات المالية العربية لأغراض البحث والتطوير العلمي إلى 11 ضعفا عن موازناتها الراهنة حتى يمكن للعرب الاقتراب من سد الفجوة العلمية مع الكيان الصهيوني.
ومن أبرز الحقائق التي كشف عنها تقرير منظمة العمل العربية عن الفجوة العلمية والتكنولوجية بين العرب والكيان الصهيوني ما يلي:
ـ معدل الإنفاق العربي على البحث العلمي لا يزيد عن اثنين في الألف سنويا من الدخل القومي، في حين أنه يبلغ في الكيان الصهيوني 1.8في المائة.
ـ نصيب المواطن العربي من الإنفاق على التعليم لا يتجاوز 340 دولارا سنويا، في حين يصل في الكيان الصهيوني إلى 2500 دولار سنويا.
ـ في حين يأتي الكيان الصهيوني في المرتبة رقم 23 في دليل التنمية البشرية على مستوى العالم والذي يقيس مستويات الدخل والتعليم والصحة، فإن مصر تحتل المرتبة رقم 199 [طبقا لتقرير عام 2002]، وسوريا تحتل المرتبة 111 والأردن المرتبة 92 ولبنان المرتبة 82 وهي الدول العربية المحيطة بالكيان الصهيوني [أو دول الطوق].
ـ أما في استخدام الحاسب الآلي ففي حين يوجد في الكيان الصهيوني 217 جهاز حاسب آلي لكل ألف شخص، يوجد في مصر 9 أجهزة فقط لكل ألف شخص، وفي الأردن 52 جهازا و39 جهازا في لبنان.
وكشف التقرير أن مصر وحدها فقدت 450 ألف عالم وباحث ومتخصص من أفضل الكفاءات العلمية بهجرتهم إلى الغرب، وأن نسبة العقول العربية تزيد بين العلماء والتكنولوجيين في أميركا وكندا على 2 %.
وفي تقديرنا، فإن هذه الفجوة العلمية والتكنولوجية بين العرب والكيان الصهيوني هي التي أدت إلى هذا الخلل الاستراتيجي الخطير في موازين القوى في المنطقة لمصلحة الصهاينة، وجعلها قادرة على تحدي العرب كافة وجعلهم في موقع الهزيمة وهو ما يفسر في أحد جوانبه عجز العرب عن دحر عدوهم على مدى أكثر من نصف قرن بسبب استمرار حالة التخلف العلمي العربي، التي جعلت الكثرة العددية العربية غير قادرة على تحقيق التفوق للعرب في صراعهم مع الكيان الصهيوني ، وجعل الكيان الصهيوني يتفوق رغم القلة العددية السكانية في مواجهة العرب، لامتلاكه تفوقا نوعيا في القدرات البشرية والإمكانات العلمية انعكست تفوقا استراتيجيا في القدرات العسكرية والصناعية والتكنولوجية.
وفي تقديرنا، فإن هذا التفوق العلمي والتكنولوجي الصهيوني النوعي المدعوم أميركيا يوفر للكيان الصهيوني فرصا متعاظمة لفرض هيمنته الإقليمية على منطقة الشرق الأوسط، كما يساعدها على التشدد في مفاوضات التسوية مع العرب، ويدفعه إلى التطلع دائما لفرض تسويات سياسية بالشروط والإملاءات التي يريدها.
إن فشل العرب في معارك التنمية والنهضة العلمية والتكنولوجية على مدى أكثر من نصف قرن كان عاملا مركزيا وراء سلسلة الانكسارات والاحباطات العربية في الصراع مع الكيان الصهيوني. وفي المستقبل المنظور، لا توجد إمكانية لتعديل هذا الخلل الاستراتيجي في غياب جهود عربية حقيقية ومتسارعة لسد هذه الفجوة العلمية والتكنولوجية أمام الكيان الصهيوني. فإحدى أكبر المشكلات التي تواجه المستقبل العربي وتهدده باستمرار هي أوضاع التخلف والعجز والتدهور التنموي والاقتصادي والإخفاق العلمي والتكنولوجي، واستمرار ظاهرة نزيف الأدمغة، أو هجرة العلماء العرب إلى الخارج وخاصة إلى الغرب الأوروبي والأميركي.
أسباب تخلفنا العلمي والتقني
ولكن ثمة سؤال يفرض نفسه هو: لماذا لم تثمر حتى اليوم هذه النهضة العلمية في مؤسساتنا وهيئاتنا ثمرتها المرجوة برغم ما يزيد على القرنين على هذه النهضة؟
هل السبب موقف ديننا الإسلامي من العلم؟ أم هو نظامنا التربوي والتعليمي؟ أم هو الضياع والقلق الذي يشل الإبداع والتفكير العلمي؟(8/2)
لنحاول مناقشة هذه التساؤلات لنتبين ماهو السبب الحقيقي في تخلفنا العلمي والتقني؟
ولنبدأ بموقف الإسلام من العلم والعلماء.
لقد بات من المسلم به لدى مفكري الشرق والغرب على السواء أن الحضارة العربية الإسلامية والتي قامت دعائمها على أسس من الدين الإسلامي قد أولت العلم اهتماما وشأنا لا ينازعه أي نشاط آخر في المجتمع الإسلامي، وليس من نافلة الحديث القول إن العلم احتل مكانة في الحضارة الإسلامية تعادل مكانة العبادات.
فالعلم صفة من صفات الله تعالى، وطلب العلم عبادة، والعلماء ورثة الأنبياء، والعلم جهاد، والانصراف للعلم فضيلة لا أعظم ولا أشرف منها، وأهل العلم أعلى شأنا من أصحاب السلطان، وأثرهم أبعد منهم في توجيه الجماعة.
إن القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وما أثر عن السلف، وما يروى من الوقائع، كلها تشير إلى ما للعلم وأهله من مكانة مرموقة في المجتمع الإسلامي، منذ نشأة هذا المجتمع نفسه، والشواهد التاريخية على ذلك تكاد لا تحصى وقد شهد بذلك أساطين الفكر الغربي والفكر الشرقي على السواء... فهل نحن اليوم أوفياء لموقف ديننا الإسلامي من العلم والعلماء؟
والواقع إن نظرة المجتمع العربي الإسلامي الحديث للعلم والعلماء نظرة تقدير وإجلال ولكنها نظرة ما تزال فردية لا جماعية، فالأفراد يبذلون في سخاء من أجل تعليم أولادهم، غير أنهم لا ينفقون بمثل هذا السخاء على المؤسسات والهيئات العلمية والمشاريع البحثية مما يدل على أن الوعي العلمي في مجتمعنا الإسلامي ما يزال سطحيا لا يتعدى حدود المصالحة الفردية، بل إن الاتجاه السائد في مجتمعنا هو أن إنشاء الجامعات والهيئات العلمية من شئون الدولة فهي التي ترعاها وتوجه سياستها مما يجعلها لا تتمتع بالاستقلال التام والحرية وما يعرقل مسارها من نظم بيروقراطية تسيطر على مجتمعنا العربي الإسلامي.
فكان يجب علينا أن نحصر دور الدولة في تقديم الأوقاف والهبات لهذه المؤسسات دون التدخل في توجيهها. وما تاريخ الأزهر عنا ببعيد يوم أن كانت له أوقافه وممتلكاته مما يجعل لبعض شيوخه الحق في عزل الحاكم أو توليته.
أما عن مؤسساتنا العلمية والتربوية فالدارس لتاريخنا الحديث والمعاصر يرى أن النظريات العلمية والفلسفات التربوية مأخوذة بلا تبديل أو تحوير يذكر من الفكر الغربي.
فمن المحزن أن نقول إنه لا يوجد لدينا حتى الآن نظريات علمية أوتربوية نابعة من تراثنا وفكرنا. إن البحث العلمي في المنطقة العربية الإسلامية يعاني من مشاكل عديدة تعود إلى عدد من العوامل أدت بالنهاية إلى نتاج فكري منخفض إن لم يكن منعدما وهذه العوامل منها ما هو عام كالعوامل السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ومنها ما هو خاص كضعف التكوين العلمي والثقافي للباحث، أو سيطرة الاعتبارات الشخصية على علا قات البحث العلمي، أو عدم وجود جزاءات رادعة عن السرقات العلمية.
خاتمة : الكيان الصهيوني مصدراً للإنجازات العلمية
من المخجل والمحزن أن يصبح الكيان الصهيوني قوة إنتاج علمي ومصدرا للإنجازات العلمية التقنية. فعلى سبيل المثال زادت صادرات الكيان الصهيوني من المنتجات الإلكترونية من حوالي مليار دولار أمريكي في عام 1986 إلى قرابة الستة مليارات دولار أمريكي في عام 1999 وبلغ حجم الإنفاق على التعليم من الناتج القومي الإجمالي عند الصهاينة 6,6% عام 1999 في حين بلغ في العام نفسه 5.3 % بالولايات المتحدة الأمريكية و 3.8% باليابان و 3.7 بجمهورية كوريا و 2.8% بالصين وقد بلغ الناتج المحلى الإجمالي في العام نفسه 91965 مليون دولار في الكيان الصهيوني و 6952020 بليون دولار بالولايات المتحدة الأمريكية و 5108540 مليون دولار باليابان و 455476 مليون دولار بجمهورية كوريا و 143669 مليون دولار في الصين . ويدل ذلك على أن إنتاجية البشر في الكيان الصهيوني شديدة الارتفاع بالمقارنة بمحيطها العربي .
ويلاحظ أن نصيب الإنفاق على التعليم من الناتج القومي الإجمالي في معظم البلدان العربية ارتفع بدرجة ملحوظة بين عامي 1980 و1985 على حين كان أدنى في عام 1995 منه في عام 1980 فقد بلغ الإنفاق العام على التعليم من الناتج القومي في مصر على سبيل المثال 5.7% عام 1980 وانخفض إلى 5.6% عام 1995 وفى المغرب 6.1% عام 1980 وانخفض إلى 5.6 % عام 1995 .
إن التنمية الشاملة لأية دولة تتوقف على عناصر ثلاثة : أولها الوعي بمشكلة التخلف وأبعادها، وثانيها الوعي بضرورة القضاء على مشكلة التخلف والتخلص منها، وثالثها الوعي بضرورة القضاء على ظاهرة التخلف. وقد أدرك الصهاينة حتى قبل قيام الدولة أهمية هذه العناصر الثلاثة مما جعلهم ينشطون في تأسيس المنشآت العلمية البحثية وينتجون كما متجددا من العلم والمعلومات والمعرفة. وبلغت نسبة العلماء- والتقنيين عندهم 76 لكل 10000 شخص عام 2000 لذا فإنهم يتمتعون بعدد يفوق غيرهم كثيرا في نشر البحوث في مجالات العلوم الطبيعية والهندسة الوراثية والمجالات البيولوجية عموماً، مما أسهم في إيجاد بيئة علمية اعترفوا فيها بالباحث المتفرغ كعضو في المجتمع له دوره المهم.
===============
المسلمون في ألمانيا بين رغبة التعايش والتحديات الداخلية
السبت 22 ربيع الثاني 1427هـ - 20 مايو 2006م
الصفحة الرئيسة
رسالة ألمانيا: يكتبها طه عبد الرحمن
مفكرة الإسلام [خاص]: منذ أن اتحدت ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، بدأت المناداة بعودة برلين لتكون عاصمة ألمانيا الموحدة، إلا انه ومنذ ذلك التاريخ تأثرت أوضاع المسلمين الحياتية في ألمانيا بشكل كبير، إلى أن تزايدت بعد أحداث 11 سبتمبر.
وحرصا من 'مفكرة الإسلام' على رصد أوضاع المسلمين في ألمانيا فقد انتقلت إلى هناك للتعرف على أبرز المشاكل التي تواجههم في هذه البقعة الأوروبية التي تذكر الدراسات التاريخية أن غالبية مسلميها ينتمون إلى المذهب السني 'حوالي 65%'، إلا أنه وطبقا للدراسات وقياسات الرأي فإن غالبية المسلمين لا يمارسون العبادات بشكل منتظم وحتى صلاة الجمعة لا يحرص على تأديتها سوى ما يقل عن 10 % فقط.
وبحسب الدراسات التاريخية فإن العديد من التوقعات في ألمانيا، تشير إلى أن أعداد المسلمين المتجنسين سوف تتزايد، نظرا لوجود استعداد لدى الجالية الإسلامية للتجنس بغض النظر عن التسهيلات التي يمكن أن تقدم أو لا تقدم في محاولة منهم للقيام بدور سياسي في ألمانيا، رغم ما كل يواجهونه من مشاكل وتحديات.
ويطالب أعضاء الجالية الإسلامية بضرورة تحرك المؤسسات الإسلامية المختلفة لبحث قضاياهم في الوقت الذي يطالبون فيه إخوانهم بعدم نقل مشاكل بلاد المواطنة إلى بلاد الهجرة، إضافة إلى مطالبتهم بعدم كيل النظم الغربية بمكيالين. ففي الوقت الذي تناصر فيه كثير من الدوائر الغربية 'إسرائيل'، تقف موقف العداء من قضايا العرب والمسلمين.
تاريخ المسلمين في ألمانيا
حسبما تؤكد الدراسات ، فإن تاريخ المسلمين الموثق في ألمانيا يرجع إلى القرن الثامن عشر، أما الاتصالات بين المسلمين والألمان أنفسهم فتسبق ذلك، حيث شهدت هذه الفترة اتصالات عدة بين ملوك ألمانيا والمسلمين كما هو ثابت تاريخيا، بل إن بعض الفترات القديمة شهدت وجود جالية إسلامية مستقرة منذ ذلك الوقت.(8/3)
كل هذا يدل على أن التعامل مع الحضارة الإسلامية كان تعاملا أكثر إنسانية وحضارة وانفتاحا مما نراه اليوم من كل ما هو غريب خشية تغيير النمط الأوروبي، لكن هذا التاريخ القديم شهد تجديدا في ستينيات القرن الماضي عندما أتت مجموعات كبيرة من المسلمين للعمل في ألمانيا.
وبشكل أكثر توضيحا فان الإسلام دخل ألمانيا الاتحادية والنمسا والجزء الألماني السويسري منذ مئات السنين، وكان ذلك عند وصول الفاتحين المسلمين الأتراك إلى مشارف في، ويرجع سبب وجود الجاليات الإسلامية في ألمانيا بهذا العدد الكبير إلى حركة الاعمار التي قام بها الألمان بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمتها.
وبقدوم العمال وزيادة أعداد الطلبة الدارسين وللعوامل الأخرى بدأ الوجود الملحوظ والمكثف للمسلمين في ألمانيا، وكان هذا الوضع كفيلا بأن يدفع المسلمين لإقامة اتحاد إسلامي يضم الجميع، حيث تم تكوين أول اتحاد إسلامي في أوائل الخمسينيات، كما أقاموا بعض المساجد الصغيرة لتأدية الصلاة فيها، وبمرور الوقت زاد عدد الجاليات بشكل كبير.
وهنا تنبه أعضاء الاتحاد الإسلامي لضرورة الاهتمام بالأجيال القادمة حتى لا يذوبون في المجتمعات الأوربية، فتم إنشاء بعض المراكز الثقافية والمدارس، وبدأ التنسيق بين الهيئات والمؤسسات المختلفة، التي يطلق عليها حاليا المجلس الإسلامي، وكذلك بعض المؤسسات التنسيقية بهدف تنسيق جهود الهيئات الإسلامية للحصول على حقوقهم المشروعة كالسماح بتعليم مبادئ الإسلام لأبناء المسلمين في المدارس الألمانية، وتكوين المراكز الإسلامية، وان ترعى هذه المراكز شئون الجاليات، خاصة من ناحية الأحوال الشخصية بشكل رسمي، والحصول على اعتراف رسمي بالإسلام في ألمانيا أسوة بالمسيحية واليهودية.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات شاملة عن الانتماءات الدينية بوجه عام في ألمانيا إلا أنه استنادا على التقديرات المختلفة يتراوح عدد المسلمين ما بين 3 إلى 3.2 مليون مسلم منهم حوالي نصف مليون مواطن من المواطنين الألمان الذين اعتنقوا الإسلام, أما بقية المسلمين فغالبيتهم العظمى من أصول تركية ويشكلون السواد الأعظم للجالية المسلمة في ألمانيا , أما البقية الأخرى فينحدرون من أصول عربية , بالإضافة إلى مسلمي البلقان وشبه القارة الهندية.
وبوجه عام يصعب القول إن المسلمين في ألمانيا يتعرضون لتفرقة أو اضطهاد منهجي , فالقانون الأساسي الألماني' الدستور' يكفل حرية العبادة ويحمى هذا الحق ولكن هذا لا يمنع من وجود ' مضايقات' كثيرة تواجه المجتمع المسلم في ألمانيا, كثير منها نابع من عدم قدرة المسلمين على الاندماج الثقافي والاجتماعي في المجتمع الذي يعيشون فيه.
وهذه أحد القضايا الأساسية المطروحة على بساط النقاش في ألمانيا منذ عدة سنوات مضت وحتى قبل وقوع أحداث 11 سبتمبر التي تعتبر متغيرا رئيسيا في النظرة إلى المسلمين.
والإسلام في ألمانيا معظمه يميل إلى الطابع التركي نتيجة لاستقدام الشركات والمؤسسات في حقبة الازدهار الاقتصادي أو كما يسمى 'المعجزة الألمانية' في نهاية ستينات وسبعينات القرن الماضي للآلاف من الأتراك ليقوموا بالأعمال الدنيا التي لم تلق إقبالا من المواطنين الأملان أو لم تكن تليق بالوضع الاقتصادي المزدهر الذي نعموا به في تلك الفترة ثم سمحت السلطات الألمانية بعد ذلك بتوحيد أسر هؤلاء العاملين الأمر الذي أدى إلى زيادة أعدادهم.
وفى بداية قدوم المسلمين إلى ألمانيا لم يمثل القادمون الجدد من المسلمين للمجتمع الألماني الذي لم يلتفت أو لم يعنه وجودهم في الأساس ونظر إليهم على أساس أنهم ' ضيوف' مؤقتين سرعان ما سوف يغادرون البلاد لكون ألمانيا في تلك الفترة لم تكن مجتمع هجرة .
كما أن تكيف الأجانب من المسلمين على العيش في ألمانيا لم يكن بالأمر اليسير ولذلك يمكن القول إن ألمانيا في تلك الفترة كانت مجتمعا مغلقا إلى حد ما ولم تكن فكرة الوحدة الأوروبية تبلورت بصورتها الحالية مما سهل انتقال الأفراد بين المجتمعات لالأوروربية فضلا عن أن أفكار العولمة بكل تداعياتها المختلفة لم تكن قائمة.
المهاجرون المسلمون الأوائل عاشوا على هامش المجتمع الألماني , وحسب الشواهد , لم يكونوا يوما جزءا منه ولذلك لم تعبأ بهم الدولة أو المواطنون ونظرا لثقافتهم المختلفة والمتعارضة في كثير من الأحيان مع الثقافة الألمانية فضلا عن عدم إلمام الكثيرين منهم باللغة الألمانية وهوة ما جعلهم يعيشون في مجتمعات خاصة بهم ' جيتو' أو كما بات يقال يطلق عليهم فيما بعد ' المجتمعات الموازية'.
وبعد سنوات من الهجرة والاستقرار ووجود جيل ثان من هؤلاء المهاجرين بدأ الصدام مع المجتمع الألماني الذي بدأ يفيق هو الأخر على حقيقة أن هناك مجتمعات أخرى تنمو على هامش المجتمع الأساسي, وتختلف عنه في كثير من السلوكيات مختلفة مشاكل كثيرة يتعين مواجهتها منها الزواج القسرى وجرائم الشرف وبناء دور العبادة بمخالفة للقوانين القائمة والذبح على الطريقة الإسلامية وخاصة ذبح الخراف في عيد الأضحى .
هذه المشاكل امتدت لتطال المدارس العامة من عدم اختلاط الطالبات المسلمات مع نظرائهن الألمان وعدم المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والرياضية وزاد من عزلة المسلمين انتشار الفضائيات منذ بداية حقبة السبعينات في القرن الماضي , فزادت من ثقافة ' الجيتو' لأنها نقلت المجتمعات الأصلية إلى المهاجرين المسلمين في ألمانيا باللغة الأم والثقافة القومية فزادت من الهوة الموجودة بالفعل بين المهاجرين ومجتمعهم الحالي.
ويجمع المسلمون في ألمانيا على أن أحداث 11 سبتمبر كمتغير هام في النظرة إلى المسلمين انعكس على المناخ الاجتماعي الذي يعيش فيه المسلمون في ألمانيا وزاد ه تدهورا.
وكنتيجة لتصاعد الحرب على ما يسمى بالإرهاب والتركيز على التهديد القادم من التطرف الديني كما يصفه الغرب فقد زادت النزعة العنصرية والتفرقة ضد المسلمين الذين شعروا بالعداء وأنهم ليسوا أهلا للثقة وتلاحقهم وصمة عار بسبب عقيدتهم فان بعض وسائل الإعلام الألمانية ساهمت في إذكاء هذه النزعة .
وعلى الرغم من بعض المحاولات الايجابية في أعقاب 11 سبتمبر استهدفت مد جسور حكومية إلا أن هذا لم يستطع وقف تنامي مناخ العداء للمسلمين ونظرة الارتياب تجاههم خاصة وأن قضية الخلط بين الإسلام والإرهاب جرى التعامل معها وكأنها أحد المسلمات وانعكس ذلك في تعمق شعور المسلمين بالعزلة بأنهم محاصرون أو في أفضل الأحوال مراقبون .
ولذلك سجلت كثير من منظمات حقوق الإنسان وقوع عدة حالات مثلت مضايقات للمسلمين شملت إهانات لفظية والتهديد بالقتل في بعض الأحيان وهجمات ضد المؤسسات الإسلامية إلا أنه مع ذلك فان الأمر لم يتحول إلى ظاهرة حيث اقتصرت المضايقات على حالات حصرية وفى ظروف بعينها ومع ذلك لا يزال المناخ غير مريح .
تحديات بالجملة(8/4)
ومن هنا فان المسلمين في ألمانيا تواجههم العديد من التحديات نتيجة الأسلوب الذي تعاملهم به الحكومة الألمانية بدعوى الحملة على الإرهاب منذ أحداث 11 سبتمبر والتي ساهمت بدورها في دعم وتأكيد الاتجاهات السلبية ضد المسلمين حيث تستخدم السلطات الاعتبارات الأمنية كذريعة لتبرير الإجراءات التي تستهدف المسلمين بوجه عام حتى ولو لم يتورطوا في أعمال مخالفة للقانون أو حتى بمجرد أن تحوم حولهم الشبهات إلا أنها تستهدفهم لكونهم مسلمين بحجة حماية الأمن القومى حيث تتخذ ضدهم إجراءات كحملات التوقيف والاستجوابات وتفتيش المنازل ومراقبة دور العبادة.
ولا يتوقف شكوى المسلمين عند حد السلطات فقط وإنما تمتد أيضا إلى الإعلام الألماني الذي يلعب أثرا سلبيا في تشكيل اتجاهات الرأي العام عن المسلمين في ألمانيا من خلال تغطيته غير المتوازنة ويغلب عليها الأحكام المسبقة .
هذا ما تؤكده دراسة بجامعة ايرلانجن حول 'صورة الإسلام في الإعلام الألماني' إذ تشير إلى أنه سواء في الصحف أو الإذاعة أو التلفزيون أو حتى في المعاجم فان هناك صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين, هذه الصورة تبلورت منذ سنين وخاصة بعد الثورة الإيرانية في العام 1979 حتى أنه في حال عدم استخدام مثل هذه الصورة يظل الانطباع الأول هو السائد وهو الجانب السلبي عن المسلمين لدى الألمان.
ولذلك تعمد كثير من وسائل الإعلام الألمانية إلى تناول مواضيع بعينها عن الإسلام وغالبا ما لا يتم طرح هذه المواضيع بالموضوعية المطلوبة أو عدم معرفة تامة بالإسلام والمسلمين خاصة وأنه في الآونة الأخيرة ظهرت العديد من التقارير التي تركز على ما تراه من جوانب سلبية للمسلمين مثل مشكلة القتل على خلفية الشرف والزواج بالإكراه أو العنف في العائلة المسلمة .
وفى هذا السياق فقد سبق أن نشرت مجلة ' فوكس ' الأسبوعية على صفحة الغلاف عنوانا يحمل اسم' الضيوف المخيفين' وذلك في إشارة إلى المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا فيما تطرقت مجلة ' دير شبيجل' في أحد تحقيقاتها إلى تقييد حقوق المرأة المسلمة عنوانه ' بنات الله عديمات الحقوق ' في إشارة إلى ما أسمته معاناة المرأة المسلمة في ألمانيا من وطأة الظروف الاجتماعية التي تفرض عليهن أمورا باسم الدين تنال الكثير من حقوقهم فيما يعتبرها كثير من المستشرقين الأمان أن هذه الأمور لا تمت إلى الشريعة الإسلامية بصلة وإنما هي تابعة من فهم خاطئ للدين والعادات والتقاليد الإسلامية.
ويؤكد مصطفى أبو الحمد مقيم في مدينة بون- إن الحفاظ على هوية المسلم أمام هذه التحديات تبدأ بالتعليم، وان كثيرا من المسلمين يفتقدون التعليم الذي يدعم هويتهم، ولذلك فان التعليم سيبقى بجوار دور المساجد الدور الأساسي الذي لا غنى عنه، خاصة وان النظام الألماني يسمح بان تقام مدارس خاصة تشرف عليها الطوائف الدينية، ويعترف بشهاداتها شريطة أن تلتزم بالحد الأدنى من القانون والنظام التعليمي المعمول به.
ولذلك فإنه توجد عدة مدارس أنشئت لاستغلال هذه الرخصة منها واحدة في ميونخ ومدرسة في برلين وغيرهما، إضافة إلى مدارس تخدم مصالح البعثات الدبلوماسية مثل أكاديمية الملك فهد في بون، كما أن النظام نفسه يعطى الحق للطوائف الدينية أن تضع مناهج مواد التدريس، وان تشرف على تأهيل المعلمين، وعلى ما يتعلق بهذه المواد المنهجية، بعد أن كان هذا الحق محجوبا عن المسلمين فيما قبل.
تحديات المرأة المسلمة
ومن أبرز التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في ما تواجهه هناك، خاصة بعد القرار الصادر منذ فترة بمنع ارتداء المسلمات للحجاب في المدارس الحكومية، واستثناء المصالح وجهات العمل من هذا القرار، وهو التحدي الذي يضاف إلى جملة من التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في الغرب بعد قرار منع الحجاب في المدارس الفرنسية.
إلا انه رغم ذلك، فهناك رغبة من المسلمات في ألمانيا في ارتداء الحجاب والحفاظ على ارتدائه، رغم وجود إشكال عدة من التطهير العرقي والديني تعانى منه المرأة المسلمة، ففي كثير من الحالات ترفض المؤسسات قبول المرأة المسلمة المثقفة المتعلمة ذات الكفاءة لمجرد مظهرها الإسلامي، أو يرفض أصحاب العقارات إسكان الأسرة المسلمة لمظهرها الأجنبي في السكن.
يضاف إلى ذلك جملة أخرى من التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في ألمانيا، وهى أن القانون الألماني لا يوثق الزواج الثاني، وان كان لا يعاقب عليه مثل القانون الأمريكي ، ورغم ذلك فان البعض من النازيين الجدد وغيرهم كثيرا ما يهاجمون الزواج الإسلامي.
وحسبما يؤكد محمد الأحمدي - مقيم في ألمانيا منذ 19 عاما- ورغم تمتعه بالجنسية الألمانية، فان أغلب مسلمي ألمانيا يعيشون هناك منذ 40 عاما، ولم يحصلوا على الجنسية في ظل تعديل قانون التجنس، رغم أن هذا القانون يسمح لمن يولد في ألمانيا بغض النظر عن جنسية أبويه يعطى الجنسية الألمانية، بالإضافة إلى جنسية احد أبويه، وعليه أن يقرر مع بلوغه 23 سنة اى الجنسيتين يأخذ، فهي إذا جنسية مزدوجة إلى اجل مسمى .
المشاركة السياسية
الدكتور محمود أبو الدهب- مقيم في ألمانيا - يؤكد أن وضع المسلمين اضعف من أن يشاركوا في الأمور السياسية، وان كان لبعض المسلمين في برلين بعض الآراء السياسية التي يبرزونها، إلا انه للآسف الشديد- كما يقول- توجد خلافات حادة بين الجوانب الفكرية بين المسلمين، وبالتالي فمن الصعب أن يتحدوا نحو فكر إسلامي محدد، ينطلقون من خلاله لتشكيل حزب ديني.
ويضيف عادة ما يكون هناك عقد مؤتمر سنوي، الغرض منه طرح إحدى القضايا المرتبطة بالأوضاع الإسلامية في ألمانيا أو أوروبا، ونتعمد أن يكون المؤتمر في أيام عيد الميلاد، حتى يمكن أن نجذب المسلمين إلى المؤتمر لعدم خروجهم إلى الاحتفال بمثل هذه الأعياد، حتى لا يقعوا في الزلل والمعاصي من خلال ارتكاب الموبقات ورؤية المشاهد الخليعة، وبالتالي فنحن نجمع المسلمين في هذه الأوقات من خلال المؤتمر السنوي بالمراكز الإسلامية لمتابعة الدروس والندوات الدينية ومعايشتهم في جو إسلامي، يعود بالرفاهية على أولاد المسلمين، حتى يدركوا أن الإسلام لديه أوقات لقضاء الفراغ بشكل مباح.
ويشير د. أبو الدهب إلى الدور الذي تلعبه الصهيونية في ألمانيا أو ما يقوم به النازيون الجدد للحيلولة دون دخول الأجانب في الإسلام، ولذلك فهم دائما يستعدون الحكومة الألمانية على المسلمين من خلال وسائل الإعلام المختلفة، فهي تقوم بدور بشكل مباشر في كل ما ينشر عن الإسلام، وإبراز سلبيته في مختلف المجالات، وبالطبع لا يسمح لنا بالرد على ادعاءاتهم الكاذبة، أو المحاولة لتوضيح صورة الإسلام الصحيحة.
ويقول: نلجأ إلى وسائل لإبراز صورة الإسلام وحماية المسلمين من محاولات الاختراق والتشويه عن طريق زيارات المسلمين للتجمعات وإرشادهم لكيفية التعامل مع العناصر المخالفة داخل المجتمع الألماني، ونقوم بتوفير الصحف والمجلات الإسلامية باللغات الانجليزية والألمانية، كمحاولة لإبراز الصورة الصحيحة للإسلام عن طريق تناول سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومواقف القرآن الكريم.
الحوار بين الشرق والغرب(8/5)
ولعل ابرز ما يطرح نفسه على الساحة الألمانية، ما يدور في هذه الأيام،قضية الحوار بين الشرق والغرب، ولذلك فان تعبير الحوار مع الإسلام في ألمانيا أصبح تعبيرا شائعا، وسيطر على الخطاب الألماني في مؤسساته الرسمية والفكرية بهدف التعرف أكثر على الحضارة والثقافة الإسلامية، وتأثير هذه الثقافة على النواحي الاجتماعية والسياسية على المجتمعات العربية والإسلامية بوجه عام، وكذلك معرفة الفوارق بين هذه المجتمعات التي تشترك في نفس الدين الواحد لكنها تختلف اختلافا كبيرا فيما بينها حتى يمكن رسم إطار سياسي يتلاءم مع كل مجتمع على حدة.
غير انه بعد إحداث 11 سبتمبر وما تلاها من إعلان الولايات المتحدة الحرب على ما يسمى بالإرهاب أصبحت العلاقات الثقافية الخارجية لألمانيا احد المكونات الرئيسية في السياسة الخارجية الألمانية بسبب اللغط الكثير الذي أثير حول الإسلام والخلط بينه وبين الإرهاب، مما كان له تداعيات خطيرة على العلاقات بين الدول، وقفزت العلاقات الثقافية الخارجية من حالة السكون أو عدم الاهتمام لتصبح في مقدمة أولويات السياسة الخارجية الألمانية، حيث سارعت وزارة الخارجية الألمانية إلى القيام ببعض المبادرات والمشروعات لتعزيز الحوار الإسلامي الأوروبي حتى لا تسقط السياسة الخارجية الأوربية بوجه عام في فخ صدام الحضارات.
ويرى الكثير من الباحثين أن مسارعة ألمانيا وغيرها من الدول الأوربية إلى الاهتمام بهذا العامل الثقافي إنما يرجع إلى محاولة مواجهة أو موازنة السياسة الأمريكية التي اعتمدت على التدخل العسكري في أعقاب أحداث سبتمبر، وما أسمته أمريكا بالحرب الوقائية، وهو المبدأ الذي تعارضه غالبية الدول الأوروبية التي ترى أن السياسة الثقافية الخارجية هي سياسة أمنية، ولكن بوسائل مختلفة تهدف إلى منع نشوب الصراعات من خلال الحوار.
وأخيرا تبقى الإشارة إلى أن كل هذه التحديات والمشاكل التي تواجه المسلمين في ألمانيا، يرجعها الكثيرون من الجاليات المسلمة إلى التأثير الصهيوني، ومحاولاته ضدهم، والتأييد الرسمي لإسرائيل، الأمر الذي أدى إلى حالة من عدم الارتياح بين الرأي العام، وفى المناقشات السياسية والصحفية حول سياسة إسرائيل وسلوكها مع الفلسطينيين، ويرون أن هذه الممارسات يمكن أن تشكل عائقا أمام عملية التسوية، وتقويض الجهود الدولية والأوربية الرامية إلى حل الصراع وإقامة دولة فلسطينية.
وهنا يؤكد المراقبون في ألمانيا أن برلين تسعى إلى إقامة توازن بين التزامها الراسخ إزاء أمن إسرائيل وقبولها مبدأ حق تقرير المصير للفلسطينيين، وهو المبدأ الذي أقرته السوق الأوروبية المشتركة في إعلان في عام 1980، ثم تطور هذا المبدأ بعد ذلك لقبول قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
============
نحو صورة وسطية حضارية نقدم بها الإسلام للعالم
الأربعاء 19 ربيع الثاني 1427هـ - 17مايو 2006م
الصفحة الرئيسة
- يجب تقديم الإسلام على أنه نظام شامل وليس أجزاء متفرقة.
- ينبغي إبراز عطاء علماء الإسلام في المجال الاجتماعي وخاصة رعاية المرأة.
- ينبغي الاهتمام بالدعاة الذين يقدمون الإسلام للناس.
- الإسلام حرر الإنسان ذاتًا وعقلاً وضميرًا وعقيدة.
د. ليلى بيومي
مفكرة الإسلام: رغم ما قدمته الصحوة الإسلامية من جهد طيب في مجال الدعوة وتيسير التدين للشباب والناس جميعًا .. إلا أن الملاحظ أن هناك سلبيات كثيرة رافقت خطاب الصحوة الدعوى ما بين الإفراط في الزجر والتخويف يصل إلى حد سد باب التوبة في وجه النادمين ،وبين التساهل إلى حد التفريط في الثوابت والأصول. والناس حيارى .. إلى من يستمعون ؟ .. ثم إن الخطاب الدعوي موجه أيضًا في شكل من أشكاله إلى غير المسلمين .. ومن ثم ينبغي أن يكون فيه من النضج والعمق والاعتدال ملامح تجعله مؤثرًا ومرشدًا. فما هي الصورة الوسطية الحضارية التي ينبغي على الدعاة تقديم الإسلام بها سواء إلى المسلمين في الداخل أو غير المسلمين في الخارج ؟.
ينبغي تقديم الإسلام كمهج ونظام
يقول د. علي مدكور عميد معهد البحوث التربوية بجامعة القاهرة: إننا لابد أن نقدم الإسلام للناس على أنه منهج ونظام .. فالإسلام باعتباره المنهج الأخير هو نظام التوجيه حياة البشر ومعنى أنه نظام أي أنه كل مكون من أجزاء وكل جزء يؤثر في جزء ويتأثر به. والإسلام بهذا المعنى هو منهج الحضارة بل هو الحضارة. وهذا يعني أننا حينما نقدم الإسلام لا يجب أن نقدمه في أجزاء متفرقة بل لا بد أن يقدم في صورة كلية شاملة أولاً ثم تأتي التفاصيل في مرحلة تالية. والإسلام كنظام مبني على شقين :الشق الأول هو : الشق الاعتقادي ،والشق الثاني هو : الشق الاجتماعي.
والشق الاعتقادي في الإسلام هو : التصور الإنساني للألوهية والكون والحياة والإنسان. وهذا الشق هو جوهر مناهج الفلسفة التي نقدمها لأبنائنا وللآخرين كي يتعرفوا على الوجه الحضاري للإسلام.
ولهذا فإذا أردنا تقديم الإسلام للآخرين فلا يجب أن نقدمه في صورة رؤى فكرية لهذا المفكر أو ذاك أو رؤى اعتقاديه لبعض الفرق مثل أهل السُنَّة أو الشيعة .. الخ وإنما نقدم التصور الاعتقادي من القرآن والسنة مباشرة.
أما فيما يتعلق بالشق الثاني وهو شق التصور الاجتماعي فهو : يتعامل مع أمور من قبيل كيف نقيم النظام السياسي والنظام الاجتماعي وكيف نقيم الأسرة وما هي العلاقة بين أفرادها والعلاقة بينهم وبين غيرهم .. وما هي الثقافة ؟ وكيف نتعامل معها ؟ وكيف نقيم مناهج التربية والفنون والآداب والإعلام ؟.. الخ.
وهذا الشق الاجتماعي منبثق عن الشق الاعتقادي.. فمثلاً كيف نتعامل مع الغيبيات في الكون مثل الروح والملائكة والجن والشياطين ؟ وكيف نتعامل مع المشهودات في الكون مثل : الماء والجبال والأنهار والحيوانات والإنسان ؟ كل هذه الأمور والأسئلة تأتيها موجهات من الشق الاعتقادي لأن الله أقام الكون وبناه على نظام ولو أخللنا بهذا التوازن الدقيق في الكون فسوف يعود الخلل علينا.
فلو لوثنا الماء والهواء وفتحنا ثقبًا في الطبقة الحامية للأرض فهذا كله سوف يعود علينا بالضرر. وعلى هذا نستطيع أن نقول إن هناك نظامًا للسياسة في الإسلام وعلينا أن نقدمه على أنه نظام وليس جزئيات .. وإذا لم نقدمه هكذا فإننا بذلك نسيء للإسلام. كما أن الاقتصاد في الإسلام نظام فيه جزئيات كثيرة منها الزكاة والمواريث والصدقات .. الخ. ونقطة الضعف أننا ندرسه كأجزاء متفرقة كل جزئية في سُنَّة من سنوات الدراسة وفي كتاب منفصل. إن النظام الاقتصادي الإسلامي شامل ولا يجوز لنا أن نقدمه كأجزاء وإلا فقد معناه ، كذلك فإن النظام التربوي في الإسلام هو نظام شامل ومتكامل ووحدة واحدة تأتيه التوجيهات من الشق الاعتقادي .. والأمر ينطبق أيضًا على الفنون والآداب والإعلام .. الخ.
إننا يجب ألا ننسب أخطاءنا إلى الإسلام ولا يجب أن نعرض الإسلام كما يفعل صاحب المعرض الذي يجلس أمام معرضه بثياب رثه وشعر أشعث فيمر الناس فلا يدخلون معرضه. وإنما علينا أن نبدأ بأنفسنا فنعلمها قبل أن ندعو الناس.
التركيز على الجوانب الاجتماعية في الخطاب الدعوى(8/6)
يقول د. حسن الشافعي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بباكستان سابقا:ً إننا ونحن ندعو المسلمين وغير المسلمين للإسلام علينا أن نهتم بالجانب الاجتماعي حيث وضع المرأة والأسرة الذي هو معيار صحيح لحضارة أي مجتمع .. لأن الأسرة أعظم مؤسسة إنسانية. وفي هذا المجال فإن المرأة المسلمة تتساوى مع الرجل من حيث القيمة الإنسانية والمسؤولية القانونية والحقوق والواجبات .. ولا يتعارض ذلك مع التخصص في العمل فلكل منهما مواهبه وملكاته .. وللأسف فإن وضع المرأة في مجتمعاتنا دائمًا ما يثار من وجهة نظر تغريبية .. لكننا نريد أن نثيره دائمًا في إطاره الإسلامي. وإذا كنا نرى الآن المرأة المسلمة أصبحت رئيسة وزراء فإننا مازلنا نسمع عن الفصل بين الرجل والمرأة في جامعاتنا وعن منع المرأة من أمور معينة على سبيل القهر. والأخطر من ذلك ما سمعناه أخيرًا في أفغانستان عن حبس المرأة تمامًا وعدم السمح لها بالخروج لا للتعليم ولا للعمل .. إن هذه تشوهات خطيرة في الوجه الحضاري الإسلامي.
ورغم السلبيات التي لدينا فما تزال الأسرة المسلمة متميزة وهو ما جعل الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا يقول للبريطانيين : تعلموا من الباكستانيين عندنا والمسلمين كيف يحافظون على أسرهم وكيف يوقرون كبيرهم ويرعونه ويعطفون على صغيرهم. إن الترابط والتكامل لا يزال يجعل الأسرة المسلمة هي الأكثر تماسكًا في المجتمعات المعاصرة لكن هناك اتجاه عالمي يحاول الانقضاض على هذه الأسرة المسلمة المتماسكة … ووضح ذلك تمامًا في مؤتمر السكان في القاهرة ثم في مؤتمر المرأة في بكين. حيث يريدون الترويح لأسرة بلا رجال ، وبلا بنات ،ولا علاقات وإنما أسرة من رجلين أو امرأتين .. الخ.
ورغم تميز الأسرة المسلمة فهي مهددة من الداخل أيضًا فهناك انحرافات وميل إما إلى اليمين أو اليسار والأمر في حاجة إلى إعادة بناء وتدعيم.
وأضاف د. حسن الشافعي قائلاً : إن هناك نقطة مهمة ينبغي مناقشتها في هذا البعد الاجتماعي وهي : الإرشاد الديني الرسمي والشعبي .. فعلى صعيد الإرشاد الديني الرسمي نجد أنه كان متميزًا حتى الأربعينات. أما الآن فهو مليء بالغوغائية والعاطفية والضحالة وهناك نقص خطير في إعداد الدعاة. إننا إذا كنا نريد تغييرًا في مجتمعنا فإن التغيير يأتي من المسجد ولذلك فلابد من إعطائه الاهتمام الذي يناسبه حتى يستطيع أن يحدث الأثر المطلوب.
وفي المجال الاجتماعي لا يفوتني التنبيه إلى نقطة هامة وعقبة تحول دون تقديم الوجه الحضاري للإسلام وهي: أن الفجوة الاجتماعية تزداد اتساعًا وسوف تتسع أكثر مع اتساق الخصخصة وقوانين السوق وسلطة المال التي ليس لها قلب ولا دين. ونحن هنا ننادي بالزكاة التي لو طبقت على ثرواتنا ومنها البترول وغيره لغيرت وجه المجتمع. إن قوانين السوق لا تبحث إلا عن الربح والكسب وليس لها أخلاقيات ولذلك فلابد أن نقيم من الإسلام رقيبًا عليها بنظمه وقوانينه.
ملامح أساسية يجب أن تسود الخطاب الدعوى الإسلامي
يقول د. أحمد هيكل وزير الثقافة المصري الأسبق: إن الدعاة إلى الإسلام حينما يخاطبون المسلمين أو غير المسلمين يجب أن يركزوا على عدة ملامح أساسية تفرد بها الإسلام عن كل النظم القديمة والحديثة وأول هذه السمات والمبادئ هي : الحرية … فالإسلام ركز على حرية الإنسان ذاتًا وعقلاً وضميرًا وعقيدة ما لم يركز عليها أي دين آخر.
و بالنسبة لتحرير الإنسان ذاتًا فإن الفقهاء والمفكرين المسلمين يجمعون على أن الأصل في الإنسان أنه حُرْ وأن العبودية طارئة لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وعرقية .. والإسلام حاول أن يحرر الإنسان بوسائل كثيرة ولم يكن من الممكن حينما جاء الإسلام أن يحرر الرق دفعة واحدة لأنه كان سيسبب تخريبًا اقتصاديًا وكان سيرسي مبدأ عدم المعاملة بالمثل بالنسبة للآخرين الذين يسترقون في الحرب أسرى من المسلمين. لكن الإسلام شرع تحرير الموجود من الرقيق بأساليب كثيرة .. فكل الكفارات وكل القرب وكل السُنَنْ تقوم على أشياء كثيرة في مقدمتها فك رقبة. وأما بالنسبة لتحرير عقل الإنسان فكان ذلك بدعوة الإسلام الناس إلى التأمل والنظر وإعمال العقل وترك التقليد وترك اتباع الأهواء وذم اتباع الأقدمين .. ولقد سخر القرآن من ذلك سخرية كبيرة ووجه الناس التوجيه الذي يحرر عقولهم.
وبالنسبة لتحرير الضمير فقد شرع الله سبحانه الحلال والحرام وربى الضمير على أن هناك إلهًا يحاسب وعلى أن هناك جنة ونارًا وأنه لا يستوي الذين يصلحون والذي يفسدون.
و بالنسبة لتحرير عقيدة الإنسان فهي نقطة يقف الإنسان عندها مبهورًا دائمًا .. لأن الإسلام أكد على حرية العقيدة كما لم يؤكد دين ولا نظام. فالعقيدة في الإسلام حرة مائة في المائة .. وشعار الإسلام في هذا هو [ لا إكراه في الدين ] .. والذين يتوهمون أنهم يستطيعون تغيير عقيدة الناس بجد السيف مخطئون .. وكل ما ورد في ذلك من نصوص وممارسات تبتعد عن شعار الإسلام.
ويضيف د. أحمد هيكل أن هناك ملامح أخرى ينبغي أن يضمنها الدعاة في رسائلهم الدعوية ومنها المساواة. فالإسلام أول تشريع سوى بين البشر كافة تسوية مطلقة فلا ألوان ولا طبقات ولا أجناس ولا أعراق ولا أي شيء إلا التقوى.
إن الحضارات السابقة مثل الرومانية واليونانية وغيرها جعلت من الناس طبقات .. طبقة النبلاء .. وطبقة أصحاب الدماء الزرقاء .. وطبقة العمال .. وطبقة الفلاحين .. وكل طبقة لها قوانين خاصة. أما الإسلام فكان أول تشريع ألغى العنصرية والتي لم يستطع العالم أن يلغيها إلا في وثيقة حقوق الإنسان عام 1948. كما لابد من التركيز على ملمح العدالة المطلقة التي تصل إلى حد المبالغة حينما يقول الرسول الكريم : [والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها] .. ولم نسمع نبيًا ولا حاكمًا ولا مسئولا قال مثل هذا الكلام. ولا نعرف مثل قول عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري حينما ذهب إلى اليمن : [آسي بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك]. والمساواة في الإسلام تصل إلى حد نظرة القاضي إلى المتقاضين وجلسة القاضي من المتخاصمين. فلا يجلس مقبلاً على واحد ومعرضًا عن الآخر ولا يجلس مبتسمًا لواحد ومكفهر الوجه للآخر. ومن هذه الملامح أيضًا : الشورى حيث يرفض الإسلام الحكم الشمولي المطلق ويرفضه الاستبداد بالرأي. وحسبنا أن نعلم أن رسولنا طولب بالشورى وهو نبي [ وشاورهم في الأمر
=============
الوقف الخيري يحل المشكلات الاقتصادية في بلاد المسلمين
الأربعاء 28 ربيع الأول 1427هـ - 26 أبريل 2006م
الصفحة الرئيسة
- أستاذ يهودي يشيد بالوقف الإسلامي ويتعجب من إلغاء المسلمين له.
- الوقف حل عبقري وغير مستورد لكثير من مشكلاتنا.
- مطلوب إعادة الوقف وتطويره ليتصدى لمشكلاتنا العلمية والإنتاجية.
د. ليلى بيومي(8/7)
مفكرة الإسلام: ظل نظام الوقف الإسلامي متفردًا في خصائصه ومقوماته عبر العصور .. وكان هذا النظام انعكاسًا حقيقيًا لما غرسه الإسلام في نفوس أبنائه من حب الخير ومحاربة شح النفوس. فرأينا مئات وآلاف الخيّرين الذين يوقفون أموالهم كلها أو جزء منها على الدعوة الإسلامية، أو على طلاب العلم ،أو على مجموعة من المساكين والفقراء، وكانت هذه الأوقاف تتمثل في الأراضي الزراعية والعقارات والمحلات وغيرها. إلا أنه مع تغير ظروف مجتمعاتنا وصل الأمر إلى حد اختفاء وإلغاء الأوقاف الخيرية في ظل الظروف الاقتصادية غير المواتية واتساع الفجوة بين الطبقات وازدياد أعداد الفقراء والمحتاجين.
فلسفة الوقف
يقول د. سيد دسوقي حسن أستاذ هندسة الطيران بجامعة القاهرة والمفكر الإسلامي إن منظومة الأعمال والأنشطة في أية دولة تتجه مع مرور الوقت إلى الجمود والجنوح إلى منطقة الأمان الاقتصادي بعيدًا عن الأعمال الريادية التي من شأنها أن تجدد شباب الأمة، والتي تحتاج بطبيعتها إلى روح المجازفة الحالمة. وفي مثل هذه الظروف تلعب فكرة الوقف دورًا أساسيًا في اجتياز حواجز الخوف الاقتصادي حيث تتيح المشروعات رصيدًا ماليًا يأخذ بيدها في أول الطريق ،ولا يخفى علينا الدور الكبير الذي قامت به فكرة الوقف في تاريخنا الإسلامي والخدمات الجليلة التي أدتها الأوقاف لمختلف مجالات الحياة.
والوقف نوعان : نوع سلبي متآكل كمن يوقف دارًا للفقراء فتبلى الدار مع الزمن وتنتكس قيمة النقود ويؤول الوقف في النهاية إلى لا شيء.
وهناك نوع من الوقف ينمو مع الزمن ويشب مع الأيام كمن يوقف المال على عمل إنتاجي من شأنه أن يساعد الناس على امتلاك قدرات إنتاجية يزيدون بها وقفهم ويجددون بها حياتهم. أو من ينفق المال ويوقفه حتى يمتلك الناس أدوات الإنتاج أو يمتلكون عملاً منتجًا أو خبرة أصيلة ،أو يحمل لهم أهل الخبرة من بلاد أخرى لينقلوا لهم خبرات بلادهم ، وكل ذلك يهدي في ميدان الحضارة إلى صراط مستقيم... وما نبتغيه هو وقف من النوع الثاني.
نوع منتج وليس نوعًا سلبيًا .. ونحن ندرك أن كثيرًا من أهل الخير في بلاد المسلمين يوقفون أموالهم على النوع السلبي وقليل منهم يوقف على النوع الثاني.
ويضيف د. سيد دسوقي إنه إذا كانت الحكومات والمؤسسات الرسمية تعاني مشكلات اقتصادية كبيرة لا تستطيع معها تحقيق ما يصبو إليه الناس فالمفترض أن يتدخل أهل الخير ليحلوا هذه المعضلة ويقدموا لمجتمعاتهم وينفقوا من أموالهم .. ولكن أين هم أهل الخير في بلاد المسلمين ؟ لقد انقطع زادهم فلم يعودوا ينفقون في أعمال الخير إلا قليلاً. وربما نعجب أنه في بلاد الفرنجة حيث يظن الناس أن الرأسمالية تنشب أظفارها .. لكننا نجد أن آلاف من المحسنين هناك يوقفون أموالهم على هذه الأعمال الخيرية .. وكل يوم تنشأ في بلادهم جمعيات خيرية لتنمية صناعات بعينها أو تعمل على ازدهار جامعات ومراكز بحوث علمية وتطبيقية. وعلى مستوى العالم توجد تسعون ألف جمعية خيرية منها اثنان وعشرون ألفاً في الولايات المتحدة وحدها تنفق ما يزيد على ثلاثين مليار دولارًا كمنح بحثية لتطوير العلوم والتكنولوجيا. ونحن - المسلمين - لا ملجأ لنا من القهر العالمي إلا أن نسعى بكل ما نملك لإيجاد الوقف الذي يساعد على الابتكارات وتنميتها.
الأوقاف من إضافات التشريع الإسلامي المثمرة
ويقول د. علي أبو المكارم عميد كلية دار العلوم السابق إن الأوقاف الخيرية تمثل في التاريخ الإسلامي رافدًا مهمًا من روافد بناء المجتمع والفرد معًا لأنها كانت تتيح للمجتمع الحصول على المال بوسائل اختيارية لتحقيق المصالح العامة كتعليم الطلبة والإنفاق عليهم خلال مرحلة دراستهم أو إنشاء المستشفيات أو الملاجيء فيما كان يسمى 'بالتكايا'. وكرصد الأموال لخدمة بيوت الله وتعميرها أو لمساعدة المحتاجين في كافة المجالات. ومعنى هذا أن الأوقاف الإسلامية بصورتها الصحيحة تتيح المساهمة الفعالة لأفراد المجتمع وتمكن المجتمع بالتالي من تحقيق التوازن الضروري في مجالات الإنفاق. ولقد كان ذلك كله سبيلاً للأفراد كي يشعروا بالرضا عن أنفسهم إذ ينفقون في سبيل الله ويخففون عن إخوانهم من الضعفاء والمحتاجين.
ومن الثابت تاريخيًا أن المساجد في العالم الإسلامي كانت تتلقى ريع ما يوقف عليها من عقارات وأراضٍ شأنها في ذلك شأن المستشفيات والتكايا وكان ذلك هو الذي يسر للمسلمين تقديم هذه الخدمات العامة منذ صدر الإسلام إلى مطلع أو أواسط القرن العشرين. وأظن أن إلغاء هذه الأوقاف والاستيلاء عليها قد ترتب عليه إحجام المسلمين القادرين على القيام بدورهم الذي قاموا به على مدى التاريخ .. وأحسب أن ذلك خطأ لا مفر من الاعتراف به ، لأنه حال دون مشاركة هؤلاء المسلمين مشاركة منظمة في رعاية مجتمعاتهم.
وليس صحيحًا ما يقال من أن الجهود الذاتية تستطيع أن تقوم بهذا الدور لأن هذه الجهود تفتقد الأساس الديني الذي يعطيها التجرد والفاعلية. وأرى أنه من الواجب الآن إعادة النظر في مسألة الأوقاف خصوصًا وأن الظروف الاجتماعية والاقتصادية تستدعي مزيدًا من المشاركة الجماهيرية وتقتضي من القادرين المساهمة الإيجابية في حل مشكلات المجتمع .. ولن يكون ذلك ممكنًا بصورة فعالة ونشطة إلا عن طريق الأوقاف الخيرية لأنها هي التي تمكن المسلم القادر من أن يضع أمواله في خدمة بيئته المحيطة به ومن أن يضمن استمرار الإنفاق منها بالشروط التي يراها دون أن تتدخل في ذلك إرادة الأجهزة الرسمية وما يعنيه ذلك من البيروقراطية.
فالاهتمام بالأوقاف الخيرية يمكن أن يترتب عليه في المستقبل كما ترتب عليه في الماضي اهتمام بأنماط معينة من التعليم أو بأشكال محددة من الرعاية الاجتماعية .. وهذا كله يتيح الفرصة بصورة إيجابية للحركة الاجتماعية لكي تحقق غايتها في إقرار السلام والطمأنينة بين أفراد المجتمع .. وهذا بالطبع غير ما يطالب به المسلم من الزكاة وما يجب عليه من الصدقات. وهكذا فإن الأوقاف الخيرية إضافة من إضافات التشريع الإسلامي لحل المشكلات الاجتماعية وتحقيق التوازن النفسي بين أفراد المجتمع من ناحية وبين الفرد والمجتمع كله من ناحية أخرى.
الأوقاف علاج للأنانية
أما د. أحمد عبد الرحمن أستاذ الفلسفة الإسلامية فيقول : إن المسلمين كانوا أذكياء حينما كانوا يوقفون أموالهم في شكل أراضٍ أو عقارات .. فالأرض لا تتبدد ولا يستطيع أحد أن يسرقها .. بينما لو كان الوقف في مشروعات تجارية لامتد إليها النهب والاختلاس. ونحن في هذه الأيام يجب أن تتكامل دعواتنا التربوية مع الإعلام والقيم السائدة في المجتمع. فالإعلام والفنون الموجودة الآن تخاطب الغرائز وتشجع على الأنانية وحب الذات .. أما العمل التطوعي فهو إنكار للذات وفيه حب الخير للناس .. والأوقاف الخيرية الإسلامية هي قمة العمل الخيري التطوعي الخالي من الأنانية.
ففي مجال التدابير الوقائية في الإسلام أو فيما يخص النواحي الأمنية فإننا نقسم الناس إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول هو الإنسان الذي يعمل لنفسه على حساب الآخرين ويؤذيهم فهو يقتلهم ويسرقهم، والقسم الثاني هو الإنسان الذي يعمل لنفسه ولا يؤذي غيره ولكنه ليس على استعداد لمساعدتهم ، والقسم الثالث هو الإنسان الذي يعمل لنفسه ويساعد الآخرين.(8/8)
وإذا تكاملت الأجهزة في المجتمع لتحبيذ النوع الثالث والعمل على انتشاره فسوف يؤدي ذلك إلى تقليل الجريمة واختفاء القضايا أمام المحاكم واختفاء الغش والتزوير والرشوة والتقاعس عن العمل وكلها مظاهر أنانية.
وهكذا فالوقف عمل متعدد الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والأمنية والتربوية .. فما أجمل أن يشعر الإنسان أنه يخدم الآخرين ويساعدهم ويخفف عنهم وما أعظم أن يشعر الإنسان أنه ذو قيمة في مجتمعه.
عالم يهودي يشيد بالوقف الإسلامي
أما د. محمد راغب أستاذ التاريخ الإسلامي فيقول إن البروفيسور اليهودي إسحاق رايتر ألَّف كتابًا عن نظام الوقف الإسلامي يقول فيه : إنه نظام مهم جدًا ولا يوجد مثله في العالم .. فهو يسمح بتداول الثروة .. هذه المعضلة التي استعصت على كل النظريات والفلسفات والثورات ويتعجب هذا الأستاذ اليهودي من تصفية هذا النظام الإسلامي المتميز بأيدي المسلمين أنفسهم.
ويضيف د. محمد راغب أن نظام الوقف الإسلامي يمكنه المساعدة الفعالة في مجال التعليم حيث يمكن وقف مدارس بكامل تجهيزاتها وكذلك عمارات كاملة لإسكان الطلاب .. كما يمكن أن يساعد نظام الوقف في منع تضخم الثروة وظهور الاحتكارات التي تعصف بالفقراء والمساكين. وقد ثبت بالتجربة أن التدخل الرسمي للدولة لا يجدي بل يدمر نظام الوقف.
ليتنا نفكر في إعادة نظام الوقف مرة أخرى فهو حل عبقري لكثير من مشكلاتنا وهو في نفس الوقت حل ذاتي وغير مستورد وغير مكلف.
تخيف العبء عن الدولة
ويؤكد د . رفعت العوضي رئيس قسم الاقتصاد بتجارة الأزهر أن إحياء شعيرة الوقف سيؤدي إلى تخفيف العبء عن الموازنة خاصة في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والشبابية , وأن مجالات الوقف غير محددة ويمكن أن تشمل إقامة الصناعات الحرفية ومراكز التدريب علي الحرف والكمبيوتر والبحث العلمي وإقامة الطرق والمرافق , خاصة أنه لا يقتصر علي العقارات والأراضي ولكنه يمتد إلى الأموال المنقولة بل والخدمات .
فالوقف صدقة خيرية ذات تميز واضح كاستثمار مستمر , وهو يبعد الصدقة عن الاستهلاك خاصة أن مشكلة الأعمال الخيرية أنها تزيد الاستهلاك بينما الوقف لبناء مدرسة أو مستشفي أو طريق هو عمل خيري استثماري , وأن الوقف هو صانع الحضارة الإسلامية وانه كان السبب لعدم قيام وزارات للصحة والتعليم والبيئة والشئون الاجتماعية في عدد من الدول الإسلامية إلى عهد قريب لقيامه بوظائف تلك الوزارات .
ويشير د. العوضي إلى وجود فوضي حاليا بسوق الاستثمار في التعليم الخاص حيث يسترد رأس المال خلال ثلاث سنوات وهذه الربحية العالية مؤشر غاية في السلبية حتى إن إحدى الجامعات الخاصة حققت أرباحا غير موزعة مقدارها 200 مليون جنيه في عام واحد , بينما نجد أن جامعات غربية كثيرة مثل أكسفورد وكمبردج وهارفارد تقوم علي نظام الوقف .
ويقول د. رفعت العوضي إن توني بلير رئيس الوزراء البريطاني قد نجح في قيادة حزب العمال البريطاني من خلال برنامج الطريق الثالث وكان كلينتون من أنصار هذا البرنامج وهو برنامج يعتمد علي ساقين هما الكفاءة الاقتصادية والجدارة الاجتماعية وإذا كانت العولمة يمكن أن تحقق الكفاءة الاقتصادية فإن الوقف يمكن أن يكون أداة لتحقيق الجدارة الاجتماعية وهناك 12 دولة أوروبية اتجهت للطريق الثالث .
ودعا إلى استرداد الأزهر لأوقافه وهو ما يخفف العبء عن ميزانية الدولة التي تتحمل ميزانية جامعة الأزهر والتي بها 60 كلية جامعية , وقال إن الوقف كان سببا في استقلال الدعاة المفكرين خلال العقود الماضية , وحتى يتم تطوير الوقف فلا مجال لذلك إن لم نبدأ بتطوير قانون الوقف , وإذا كنا نتبع حاليا سياسة الخصخصة فلتمتد الخصخصة إلى وزارة الأوقاف ولتكن مشرفة وليس مالكة والتي تتسبب أيلولة الأوقاف إليها في إحجام القادرين علي الوقف .
الوقف تغلغل حياة المسلمين
ويشير د . محمد شوقي الفنجري أستاذ الاقتصاد الإسلامي إلى بعض المجالات التي امتد إليها نشاط الوقف خلال القرون الماضية ومنها المكتبات العامة ورعاية المخطوطات وإقامة البيمارستانات للعلاج ورصف الطرق وصيانتها وتجهيز العرائس الفقيرات بالحلي ورعاية النساء المختلفات مع أزواجهن وتطبيب الحيوانات والطيور والحدائق المخصصة ثمارها لعابري السبيل ومؤسسة نقطة الحليب لإمداد المرضعات بالحليب والسكر وإقامة أسواق التجارة ووكالاتها بالمدن وعلي طرق التجارة .
وإقامة مؤسسات الصناعة مثل السجاد والعطور والقناديل والورق والمنتجات الخشبية والزجاجية والأغذية والملابس , وإقامة الأفران للخبز والحمامات العامة للنظافة والعبارات لنقل الناس عبر الأنهار والترع وإقراض المحتاجين بدون عوض وإقامة المطاحن العامة لطحن الحبوب بالمجان وإنشاء القناطر والجسور علي الأنهار والترع وإقامة الخانات التي ينزل فيها المسافرون . وهو ما يشير لاتساع مجالات الوقف والتي يمكن أن تخفف العبء عن ميزانية الدولة. كما يمكن أن يمتد نشاط الوقف إلى كل المجالات التي يحتاجها المجتمع مثل البحث العلمي والتدريب والترجمة والإذاعات والصحف المتخصصة والأقمار الصناعية ومحو الأمية واستصلاح الأراضي والبطالة .
=============
الأمريكان وجريمة التخريب الثقافي للعراق
السبت 10ربيع الأول1427هـ - 8 أبريل 2006م
الصفحة الرئيسة
محمد سيد بركة
مفكرة الإسلام: الأمة التي تنسى تاريخها محكوم عليها أن تبدأه من جديد. ونقصد بالنسيان الاغتراب الفكري والتغافل عن ربط الماضي بالحاضر وثقافة الأمم هي تاريخها.
ويقاس تقدم الأمم بمقدار اهتمامها بالثقافة ومن هنا أولت الحضارة الإسلامية الثقافة اهتمامًا كبيرًا، وكانت بغداد عاصمة الرشيد تباهي بلدان الدنيا بمكتباتها وعلمائها وظلت بغداد تؤدي دورها الثقافي في الحضارة الإسلامية بعد إزالة آثار التدمير المغولي، تكبو حيًنا وتنهض أحيانًا، ولكن كانت الكارثة الكبرى بعد سقوطها في التاسع من أبريل 2003 على أيدي شرذمة من شذاذ الآفاق. وبدأت عمليات سلب ونهب واسعة النطاق في بغداد وبعض المدن الأخرى.. وقد نقلت هذه العمليات للعالم كله عبر شاشات التلفزيون حيث قام الجيش الأمريكي فقط بحماية مباني وزارتي النفط والداخلية ومن ضمنها المخابرات العراقية وبقيت المؤسسات الأخرى بدون أية حماية.
وحقيقة الأمر أن الوضع الثقافي في العراق يشهد اليوم تراجعًا ثقافيًا واضحًا، ينعكس على مجالات واسعة في الحياة السياسية والاجتماعية، والفكرية، ويُفرز إشكاليات ثقافية معقدة ذات خصوصية عراقية، تجعل الواقع الثقافي العراقي يتحرك في فضاءات أدنى من فضاءات الثقافة في العالم العربي والإسلامي، رغم وجود طاقات ثقافية مبدعة تستند إلى عمق ثقافي أصيل يمتد إلى عصور تاريخية عريقة في الفكر والآداب والفنون. وهذا نتيجة لما خلفته الهجمة البربرية الأمريكية من دمار في كل شيء وهنا سنحاول أن نذكر بما فعلوه من تخريب وتدمير ثقافي لعل الذكرى تحفز وتشحذ الهمم وتدعو المتقاعسين إلى العمل الجاد من أجل إزالة غمة الاحتلال وعودة العراق إلى دوره الريادي في أمته الإسلامية
تراثنا القومي فقدناه
عاثت جموع من الناهبين نهبًا وتخريبًا في المكتبة العراقية في بغداد وأضرموا النار فيها، مخلفين وراءهم أكوامًا من الكتب والمخطوطات أحالتها النيران رمادًا وتراثًا ثقافيًا للبلاد قد ذهب طعمًا للنيران.(8/9)
كما نهبت الجموع مكتبة الأوقاف، وهي المكتبة الإسلامية الرئيسة في العراق القريبة من المكتبة الوطنية وأضرمت النار فيها. وهذه المكتبة تحتوي على نسخ من المصاحف والمخطوطات الدينية التي لا تقدر بثمن.
ومَنْ يتتبَّع أخبار المكتبات القديمة في العراق يجد أنها متنوعة، فمنها ما هو خاص بالأشخاص، وما هو عام للجمهور، وبعضها ديني خُصّص للمعابد والأديرة والمساجد والمدارس، والآخر دنيوي تناول العلوم والمعارف بشكل عام، وبعضها حكومي له علاقة بالسجلات الرسمية والدواوين، والآخر شعبي تكون في الأسواق، وهذا واضح لكل من يتتبع أنباء المكتبات والكتب.
ويلعب تقادُمُ الزمن دورًا مُهمًّا في تقديم المعلومات الخاصة بالمكتبات، فكلما تَقَادَمَ الزمن تقلّ المعلومات، وكلما كان الزمن متأخرًا تتوفر لنا معلومات أوفر تُساهم بإلقاء الأضواء على المكتبات من حيث أنواعها ومحتوياتها. إن الحديث المفصل عن مكتبات العراق يتطلب مجلدات.
إنّ عيون اليهود شاخصة نحو محتويات الخزائن العراقية، وغيرها من خزائن بلاد العرب والمسلمين، وتضاف إلى الخزائن القديمة خزائن الكتب الإسلامية المخطوطة التي تطورت في العراق الذي ضم مكتبات الخلفاء العباسيين، وأشهرها: مكتبة المنصور، ودار الحكمة التي رعاها الخلفية هارون الرشيد وابنه الأمين ثم المأمون، وخزانة المعتضد، وخزائن: المكتفي، والراضي بالله، والقائم بأمر الله، والمقتدي بالله، والناصر لدين الله، والمستنصر بالله المعروفة بالمستنصرية، والمستعصم بالله، ودار المسناة البغدادية، وتضاف إلى خزائن الخلفاء مكتبات الملوك والسلاطين والوزراء والعلماء، وخزائن المكتبات العامة والخاصة، وأوقاف المساجد والتكايا والزوايا والرباطات، والمدارس وخاصة المدارس النظامية الشافعية التي انتشرت في رحاب العالم الإسلامي.
وقد تعرضت الكتب لآفات عديدة نذكر منها الإحراق بالنار، والإغراق بالماء، والوأد بالتراب، والغسيل والمسح، وقد شهدت على إغراق الكتب مأساة سقوط بغداد سنة 656هـ/ 1258م ، وما فعله جيش هولاكو، وتجلت مأساة حرق كتب مكتبات الأندلس في ساحة غرناطة سنة 1492م على أيدي أنصار فرديناندو وإيزابيلا.
والجديد في مآسي مكتبات التراث ما تعرضت له مكتبات العراق في ظل الاحتلال الأنجلوـ أمريكي من نّهْبٍ وسلب وإتلاف، وقد لفتَ انتباهَ الْمُهتمين بالتراث تحويلُ حركَةُ سير القوات الأمريكية نحو مدينة الكفل العراقية بشكل خاص، وكان بإمكانها الوصول إلى بغداد بطريق أقرب من طريق الكفل، وتلك الحركة تدلُّ على أن سببَ ذلك التوجه هو سرقة مخطوطة التلمود القديمة التي كانت في مكتبة الكفل، ولا يستبعد وجود لصوص آثار صهاينة مع القوات الغازية، وهم أصحاب خبرة في محتويات مكتبات العراق القديمة والحديثة.
لقد أسفر الغزو الأنجلوـ أمريكي عن مأساةً عراقية وعربية وعالمية شملت الأرواح والأبدان، واستهدفت التراث بشكل عام، وتراث المسلمين بشكل خاص، وساهم في نجاح هذه المؤامرة غباء مثقفي النظام العراقي الذين جمعوا الكثير من التراث في العاصمة بغداد مما سهّل إبادته لاحقًا على أيدي المعتدين، والدليل على ذلك دار صدام للمخطوطات التي جمعت فيها آلاف المخطوطات من كافة نواحي العراق خلال السنوات الماضية ثم سُرقَ منها ما سُرق، وحُرق ما حُرق، ولذلك فإننا ننبه بقية الدول العربية إلى الخطر الذي يتهدد تراثها المجموع، والذي لم يُصَوَّرْ، ولا توجد منه نسخ متعدِّدة، ونأملُ أن تُعاد المخطوطات إلى المكتبات الأصلية الموزعة في المحافظات والمناطق لعلها تسلم إذا ما حصل غزو خارجي أو وقعت فتنة داخلية، راجين أن يبقى تُراثنا برعاية العلماء، لا تحت تصرف اللصوص والعملاء.
المتحف الوطني العراقي في ذمة التاريخ
من الأماكن التي تعرضت إلى نهب وسلب وتركت جروحًا عميقة في ذاكرة العراقيين وجميع العالم هو سرقة المتحف الوطني العراقي حيث سرق من المتحف 170 ألف قطعة أثرية وكانت بعض هذه القطع من الضخامة في الحجم ما يستحيل سرقته من قبل أفراد عاديين وبرزت شكوك على أن تكون هذه السرقة بالذات منظمة. والحقيقة أن المأساة طالت أكثر من نصف مليون قطعة أثرية منقوشة أو منحوتة أو مخطوطة، ويوجد في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا أكثر من مليون قطعة أثرية قبل هذه الحرب الفظيعة.
'أنقذوا المتحف العراقي أنقذوه من أجل الإنسانية أنقذوا خمسة آلاف سنة من الحضارة والتاريخ'، هذا ما رددته صارخة والدموع تسيل من عينيها نضال أمين مديرة المتحف الوطني العراقي السابقة. وقالت نضال: 'يمكن للمرء أن يسرق الطعام من أحد ليأكله ويمكن له أن يسرق أي شيء ومن أي كان ليبيعه من أجل الحصول على مبلغ من المال ليؤمن حاجاته لكنه من غير الممكن أن يسرق الإنسانية كلها ويدمرها'. وتعمل نضال منذ أكثر من 30 عامًا في هيئة الآثار والتراث العراقية.
وقالت السيدة: إن المتحف العراقي يضم في قاعاته كنوزًا أثرية لا تقدر بثمن ابتداء من أقدم الحضارات، السومرية مرورًا بالبابلية فالأشورية فالإسلامية. واتهمت نضال الجنود الأمريكيين بالتقاعس عن حماية المتحف العراقي، قائلة: 'هذا أكبر دليل على فقدانهم للوعي الحضاري وجهلهم وتجاهلهم للتاريخ'. وكان المتحف الوطني العراقي قد تعرض لأعمال نهب وسلب وتخريب كبيرة لأيام متتالية عقب سقوط بغداد. وأصبحت خزانات العرض في المتحف الضخم الذي يقع على ساحة تسمى ساحة المتحف العراقي ينتصب في مواجهتها نصب يمثل بوابة عشتار البابلية والثور المجنح الأشوري، فارغة من محتوياتها من الآثار ومحطمة الزجاج على أيدي اللصوص والمخربين. ولم يكترث المخربون لوجود الصحفيين في المتحف حيث واصلوا عمليات النهب وهم يبتسمون ولم تنفع توسلات حارس المتحف أبو حسن لهم أن يتركوا المتحف حيث لم يبق فيه شيء يذكر مما يمكن حمله. وقال أبو حسن 'لقد ذهبت بنفسي إلى بعض الجنود الأمريكان الذين كانوا يوجدون قرب دبابتهم وتوسلت إليهم أن يمنعوا هؤلاء السراق ولو بإيقاف دبابتهم أمام بوابة المتحف أو بإرسال مجموعة من الجنود لحمايته ولكن دون جدوى'.
وبحسب شهود عيان فإن عملية نهب المتحف الوطني العراقي تمت على أيدي القوات الأمريكية، وإن العديد من الدبابات خرجت محملة بالعديد من الكنوز التراثية الثمينة، ثم أطلقت يد الغوغاء لاحقًا، لتأتي على ما تبقى من كنوز العراق وآثاره، التي ترجع لآلاف السنين.
القوات الأمريكية كانت تعمد إلى فتح أبواب المؤسسات والمراكز والجامعات والوزارات العراقية، أمام الغوغاء وجماعات النهب والسلب، ثم تبقى تراقب ما يحدث، لضمان أكبر تخريب ممكن لتلك المؤسسات.
وبما أن منظمة اليونسكو مسئولة عن حماية التراث الإنساني فقد تحركت بعد فوات الأوان ببرود لا يشبه حماسها الذي هزّ العالم عندما فجّرت طالبان تمثال بوذا في باميان.
تصفية العلماء(8/10)
منذ بدء الاحتلال الأمريكي للعراق، وعلماء العراق وأساتذة جامعاته وعقوله المفكرة يعيشون مأساة مروعة تتوالى فصولها يومًا بعد يوم. حيث يتعرض هؤلاء العلماء والأساتذة إلى حملة تصفية شاملة منظمة، وتتعرض المؤسسات الأكاديمية والعلمية والجامعات إلى حملة تخريب وتدمير منظمة. الكل يعلم الأعداد المهولة من العلماء والأساتذة الذين تم اغتيالهم في ظل الاحتلال. وقد نشرت معلومات كثيرة في مختلف العالم عن فرق الاغتيالات الصهيونية التي تولت، بدعم مباشر من الاحتلال الأمريكي، تصفية هؤلاء العلماء والأساتذة، أو إجبارهم على الرحيل عن العراق. إن الأرقام المعلنة عن العلماء والأساتذة الذين تم اغتيالهم أو إجبارهم على الرحيل مفزعة. يكفي أن نشير هنا إلى المعلومات التي ذكرت في ندوة متخصصة عقدت بالقاهرة تشير هذه المعلومات إلى أن فرق الاغتيالات الصهيونية اغتالت 310 من علماء وأساتذة العراق. ولاحقًا تم الكشف عن أن أكثر من 500 من علماء العراق وأساتذته موضوعون على قوائم الاغتيال الصهيوني. وتشير أيضا إلى أن 17 ألفًا من العلماء والأساتذة أجبروا على الرحيل عن العراق منذ بدء الاحتلال. هذه التصفية الجماعية لعلماء العراق وأساتذته، ليست سوى وجه واحد من وجوه محنة قاسية مؤلمة يعيشها أساتذة العراق اليوم، وتعيشها جامعاته ومؤسساته الأكاديمية.
مؤخرًا أصدرت 'رابطة الجامعيين العراقيين' تقريرًا عن أشكال الاعتداءات على أساتذة الجامعات والمؤسسات التعليمية في العراق. التقرير كشف عن حقائق مأساوية، سواء عن صور وأشكال الاعتداءات على الأساتذة والجامعات، أو عن الجهات التي تنفذ هذه الاعتداءات.
ومن صور الاعتداءات التي رصدها التقرير: القتل، حيث تعرضت أعداد كبيرة من الأساتذة للقتل، وقيدت كل الجرائم ضد مجهول ولم يتم تقديم أي أحد للمحاكمة. ثم الاعتقال، حيث اعتقل الكثير من الأساتذة على أيدي قوات الاحتلال مع سرقة الأموال وتخريب الممتلكات الخاصة، ثم الخطف، حيث تعرض الكثير من أساتذتهم أو أبنائهم للخطف من قبل عصابات إجرامية منظمة. ثم الإقصاء القسري من المناصب الإدارية. وأيضًا تدخل جهات أجنبية مشبوهة في إدارة الاحتفالات وإقامة معارض الكتب. ثم انتهاك حرمة الجامعات والمؤسسات التعليمية من قبل القوات الأمريكية والحرس الوطني والميليشيات الخاصة. ويكشف التقرير أن هذه الاعتداءات وغيرها، لا تشنها فقط قوات الاحتلال، وإنما أيضًا قوى وجهات طائفية، وعصابات إجرام منظمة. أي أن علماء وأساتذة العراق محاصرون اليوم ومستهدفون من الاحتلال والعدو الصهيوني والميليشيات الطائفية والعصابات المنظمة في نفس الوقت. هي إذن حملة تصفية وإبادة منظمة لكل علماء وأساتذة العراق وعقوله. وهي حملة تخريب شاملة لكل مؤسساته العلمية وجامعاته. مفهوم بالطبع أن هذه الحملة هي جزء من حملة الإبادة الشاملة للعراق وتدميره في ظل الاحتلال. لقد ابتدأ مسلسل الاغتيال الأهوج بعد أيام من غزو العراق باغتيال الدكتور محمد الراوي نقيب أطباء العراق ورئيس جامعة بغداد، وهناك سلسلة طويلة من الاغتيالات والتصفيات قيل إنها تعدت الـ 1500 شخصية عراقية ما بين أستاذ جامعي وعالم ومهندس وطبيب وعالم دين وسياسي وصحفي وفنان، مازالت قضاياها مسجلة في مراكز الشرطة ضد 'مجهول'! ولا يشمل هذا الرقم الإحصائية التي نشرتها صحيفة طبية بريطانية عن مقتل 100 ألف مدني عراقي منذ الغزو على أيدي قوات الاحتلال. وإذا ما أضفنا إلى هذه القائمة، أعداد الآلاف من العراقيين من أصحاب الكفاءات ممن اضطرتهم الظروف لمغادرة العراق والهجرة إلى حيث الأمان، وكذلك الآلاف ممن شملتهم قرارات هيئة 'اجتثاث البعث' سيئة السمعة لنعرف أن هناك مخططًا لاستنزاف العقل العراقي بالاغتيال مرة وبالتهجير مرة وبالتجويع تارة أخرى..
الأمين العام لرابطة أكاديمي ومثقفي العراق اتهم 'الموساد' الصهيوني بالوقوف وراء اغتيالات علماء العراق، وأن قرارات فصل العلماء العراقيين من وظائفهم وضعت في تل أبيب بهدف الاقتصاص من منفذي برامج العراق العلمية.. وقال: إن معظم الضحايا هم ممن لم يكونوا محسوبين على النظام السابق مما يجعل تصفيتهم ترتبط بمخطط يهدف إلى تحطيم مؤسسات العراق الوليدة مشيرًا إلى أن الهدف هو قتل الخلايا النوعية في جسد المجتمع العراقي لمنعه من مواصلة مسيرة التطور والنمو. وأكدت أوساط عراقية مطلعة في بغداد أن الموساد الإسرائيلي طلب من المخابرات الأمريكية ترك ملف العلماء العراقيين برمته إلى عملاء الموساد في العراق، مشيرين إلى أن الموساد يريد تهجير هؤلاء العلماء أو اغتيالهم إذا رفضوا التعامل معه.
وبحسب مصادر إعلامية فإن العشرات من العلماء والكفاءات العلمية العراقية بدءوا بالفعل بمغادرة بلادهم للنفاد بجلدهم من التصفيات الجسدية التي تنفذ أحيانًا لأسباب تتعلق بوجهات النظر والآراء السياسية، فضلاً عن أسباب أخرى تتعلق بتدني أجورهم التي يقولون: إنها لا تتناسب مع شهاداتهم العلمية ولا مع الظروف المعيشية.
الجنرال مارك كيميت الناطق الرسمي باسم قوات الاحتلال الأمريكي صرح في مؤتمر صحفي يوم 2/5/2004 أن عدد الذين تمت تصفيتهم ممن وصفهم بذوي الياقات البيض من الطبقة المتعلمة جاوز الألف شخص منذ الاحتلال. وكان الصحفي البريطاني روبرت فيسك، قد كتب مقالة في الإندبندنت يوم 15/7/2004 عن ظاهرة اختطاف واغتيال الأكاديميين العراقيين. وقال فيسك: إن المغول، حولوا ماء نهري دجلة والفرات للسواد عندما دمروا كل ثقافة العراق في ذلك الوقت. ومنذ الاجتياح الأنجلو ـ أمريكي، يقول الكاتب: تم اغتيال عدد كبير من أكاديميي الجامعات.. ويقول الكاتب: إن معتدين مجهولين قاموا بذبح عميدة كلية القانون بالموصل وزوجها في فراشهما، وهي القصة التي لم تجد من يتحدث عنها في الإعلام الغربي، كما يقول فيسك. ويتساءل هنا عن الجهة التي تقف وراء عمليات القتل هذه، مستبعدًا أن يكونوا من الطلاب الغاضبين علي أساتذتهم. ولا يستبعد أن يكون الفاعلون من الذين يتصيدون البعثيين، مع أنه غير متأكد، حيث يقول: إن معظم الأساتذة في الجامعات الذين أجبروا على الانضمام للبعث لم يكونوا سوى حملة بطاقة انتساب لا أكثر ولا أقل، بل إن رئيس جامعة بغداد محمد الراوي الذي اغتيل العام الماضي، يعتبر رجلاً إنسانيًا وليبراليًا. ومع ذلك فالأساتذة في الجامعات يراقبون أبواب غرف المحاضرات ومكاتبهم بحذر، تمامًا كما يفعل طلابهم. خاصة إن الذين يقومون بالعمليات لا يهتمون بوجود طلاب في الحادث، فالدكتور صبري البياتي، أستاذ الجغرافيا قتل أمام طلابه، على باب الجامعة. وأشار أحد زملائه للمكان الذي اغتيل فيه، مشيرًا إلى أن طلابًا شاهدوا القاتلين، ولم يكن بمقدورهم فعل أي شيء على حد قول فيسك.
أحد أساتذة الجامعة علق على اغتيال الدكتور عبد الرزاق النعاس الأستاذ في كلية الإعلام أمام مبنى كليته: إن الكادر التدريسي بات ممزقًا بين واجباته العلمية والوطنية وبين خوفه من رصاصة غادرة تترصده لافتًا إلى أن استهداف الكفاءات العلمية بات ظاهرة تؤكد وجود جهات منظمة، تسعى إلى إفراغ العراق من عقوله العلمية وخبراته.(8/11)
إن العمليات التصفوية تجري وفق مخطط متقن، وتستهدف العقول العلمية بغض النظر عن الانتماء الطائفي، وإن كانت الغالبية العظمى ممن تم اغتيالهم من أهل السنة، وتشير أصابع الاتهام إلى جهات مدعومة من إيران تقوم بتنفيذ مسلسل الاغتيالات، بمسدسات مزودة بأجهزة كاتم صوت متطورة، وبخاصة حملات التصفية التي استهدفت كبار الضباط الطيارين العراقيين ممن شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية، حيث بلغ عدد من تمت تصفيتهم 28 ضابطًا من رتبة عقيد وعميد ولواء. ويقال: إن الاختيار وقع على الذين نفذوا ضربات جوية على موانئ إيران الخليجية في الثمانينات، وبخاصة في جزيرة خرج التي كان لها أثر فاعل في اضطرار إيران لوقف القتال آنذاك.
رابطة الأساتذة الجامعيين أعلنت أن أكثر من 182 أستاذًا جامعيًا ومحاضرًا اغتيلوا خلال السنوات الثلاث الماضية، لائحة الأسماء التي طاولها رصاص مجهولين تظهر الدرجات العلمية المختلفة والتخصصات المتنوعة، ما يؤكد أن الجهات التي تقف خلف هذه الاغتيالات لا تسعى إلى تصفية أسماء أو تخصصات بعينها، فالقائمة تضم علماء في الطب واللغة والفنون والعلوم وغيرها. ومن المؤلم وقوف الحكومة وأجهزتها الأمنية عاجزة إزاء ما يواجهه الأساتذة من مخاطر واكتفاؤها بلعب دور المتفرج على ما يجري دفع الكثير من الكفاءات العلمية إلى الهجرة أو الانتقال من مدينة إلى مدينة داخل العراق، والانزواء بعيدًا عن الأضواء.
إن تخريب العراق وتصفية العقول العراقية هو الهدف الأساس لهذه الحملات، وأن سلطات الاحتلال والمخابرات المركزية والموساد الإسرائيلي والمخابرات الإيرانية كلها متورطة في التصفيات إضافة لميليشيات الأحزاب التي جاءت مع الدبابات الأمريكية. ويشير العديد من المحللين السياسيين بأصابع الاتهام إلى 'الموساد' الإسرائيلي الذي يتولى ملف هؤلاء العلماء، ويقود حملة لاجتثاثهم أو تهجيرهم أو اغتيالهم خشية أن يهاجروا إلى دول عربية أو إسلامية، مؤكدين أن ذلك المخطط الإجرامي أصبح أمرًا معروفًا ومكشوفًا، وقد أشارت له الكثير من وسائل الإعلام الغربية.
وفي النهاية
نرى أن سقوط بغداد يشبه السقوط الذي تم قديمًا على يد التتار، وكذلك السقوط الذي تم لغرناطة آخر ممالك الأندلس، ولعله كان قبل سقوط بغداد الحديث، كان هناك سقوط ثقافي، ربما كان سقوط المدينة أثر من آثار هذا السقوط والاضمحلال الحضاري في الأمة كلها، ولن يظهر أثر سقوط بغداد بصفة سريعة إلا في بعض القصائد والمقالات والتحليلات الفكرية والسياسية، لكن هذا التأثير سيظهر تباعًا بعد ذلك في بعض الإشكال الإبداعية من رواية ومسرحية ورسائل جامعية. وهذا السقوط متوقع لأنه مخطط له ومقصود، لأن هؤلاء يعرفون جيدًا مكامن التقدم والثقافة والحضارة لدينا، كما حدث قبل غزو نابليون لمصر، فقد كانوا يعرفون كل شخصية علمية وكل أثر مرموق، كما يعرفون أن هذه الأمة لن يصلح أمرها بهذا العبث الحضاري، لأن ما تملكه هو كنوز للإنسانية، وليس ملكًا لها وحدها، وإنما للإنسانية كلها.. هناك أشياء كثيرة ضاعت منا ولا تعوض، لكننا تعودنا على هذا، فنحن منذ فترات طويلة نتعرض لأزمات متوالية. وإنني مدرك أن هذه الأمة رغم ما يحيطها من مصاعب وإحباطات ستعاود نهضتها مرة أخرى وربما لن يراها جيلنا لكنها بالفعل قائمة.
=============
فقه التغيير .. دراسة جديدة لفكر مالك بن نبي
الاثنين 5 ربيع الأول1427هـ - 3 أبريل 2006م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام : مازال فكر مالك بن نبي يشكل محور اهتمام لكثير من الكتاب و الباحثين نظرا لما يكتسبه من أهمية و عمق و متجددة ، بحيث صدر مؤخرا عن عالم الأفكار كتاب جديد يتناول فقه التغيير عند مالك بن نبي لعبد اللطيف عبادة ، تعرض من خلاله إلى محاولة الرائدة للمفكر في فلسفة التغير و الثورة ، هذه الفلسفة التي ارتبطت حسب الكاتب بأصول سلفية سليمة و تمكنت من إبراز الكثير من عيوب المجتمع الإسلامي المعاصر و تناقضاته التي تكف نشاطه و تشل فاعليته.
فبعد فصل كامل خصصه الكاتب للتعريف بحياة مالك بن نبي و آثاره و فكره استعرض في ثمانية فصول أخرى دور العلم و العلماء في تحقيق ما أسماه بالإقلاع الحضاري في نظر المفكر و تقديم نقد و تقويم مناهج الحركات الإسلامية المعاصرة في التغيير على ضوء فكره ليركز بعدها على منهج التغير عند بن نبي الذي كان يرى بأنه لا يمكن تغير العالم دون تغيير نفسية الإنسان لأن نفسية الإنسان ليست مجرد انعكاس لما يحدث في العالم من تغييرات مادية، بل هي المحرك للتغيير سلبا و إيجابا. و كذا التصورات التي قدمها بن نبي للتجديد الفكري و السياسي في العالم الإسلامي و منهجه في تحليل و غرس بعض القيم السياسية من الحرية إلى التغيير. كما طرح المؤلف قضية الإسلام و التنمية بين بن نبي و بعض رواد الفكر الجزائري المعاصر من بينهم أحمد طالب الإبراهيمي، عبد الله شريط، مولود قاسم ، عبد المجيد مزيان ، وألقى الضوء على المذهب الاجتماعي لبن نبي في تفسير الثورة تفسيرا إسلاميا، مشيرا أن المفكر تمكن من فهم الثورة الجزائرية أحسن من غيره ذلك لأن منهجيته يضيف الكاتب كانت متحررة من المذاهب و الأفكار المسبقة ليستعرض في خاتمة بحثه الذي قدمه مجموعة من النقاط لأساسية في فكر بن نبي من بينها: أن الحضارة ليست تمدنا عند صاحب كتاب آفاق جزائرية ، بل هي شرط مادي و معنوي ، كما أن الحضارة بالنسبة له هي التي تصنع منتجاتها و ليس العكس و بمعنى أدق الاستيراد لا يولد حضارة و لا يمكن حل مشكلة الحضارة بالتقليد ، أما التغير الاقتصادي فلا يمكن أن يحصل حسبه إلا باستثمار ما في البلاد من طاقات ، كما يعتبر الثقافة مجموعة الصفات الخلقية و القيم الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي و حركة التغير إنما تنبثق حسب المفكر من الثقافة بهذا المفهوم ، إلى جانب اقتراحه المتعددة لمواجهة السيطرة الغربية و الدعوة إلى مواجهة الآثار الوخيمة للصراع الفكري و على إنشاء علة اجتماع خاص بالعالم الإسلامي و الرجوع للدعوة الإسلامية التي أحدثها ظهور الإسلام في الجزيرة العربية ... داعيا في الأخير إلى ضرورة التمحيص أكثر في فكر مالك بن نبي وإعادة قراءته على ضوء المعطيات الجديدة الداخلية و الخارجية في عصر العولمة و الكوارث التي حلت بالعالم الإسلامي.
===========
خمس مؤامرات كبرى على الإسلام .. أخر ما كتبه أنور الجندي
الثلاثاء 7 صفر 1427هـ - 7 مارس 2006م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام : صدر عن دار الاعتصام في القاهرة كتاب: الضربات التي وجهت للانقضاض على الأمة الإسلامية .. خمس مؤامرات كبرى على الإسلام من فجر الإسلام وحتى الآن، للكاتب والمفكر الإسلامي أنور الجندي.
يعد هذا الكتاب أخر ماكتبه الجندي حيث يحلل فيه المؤامرات الكبرى على الإسلام من فجره وحتى الآن ..فقد جاء الإسلام ليكون حدا فاصلا في التاريخ الإنساني بين عصر الأديان وعصر الدين العالمي الخاتم برسالة القرآن وقيادة محمد صلى الله عليه وسلم ، حاملا رسالة التوحيد الخالص ليخرج البشرية من الظلمات إلى النور .(8/12)
وقد جاء كتاب 'أنور الجندي' في تسعة أبواب كان عنوان الباب الأول : من جبهة بيزنطية إلى نهاية الحروب الصليبية . وأشاد فيه إلى أن أول أعمال الغرب المسيحي في مواجهة الفتح الإسلامي الزاحف هو العمل على صده ووقفه وتحطيم خطته التي كانت تتمثل في تحويل البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة إسلامية ، وكانت هناك جبهتان : الأولى هي بيزنطة ، والثانية : هي الأندلس .
وتحدث المؤلف عن الأحداث الكبرى فتحدث عن معركة ملاذكرد [ 463 هـ - 1071 م ] والحملة الصليبية الأولى [ 494 هـ - 1096 م ] ومعركة حطين [ 583 هـ - 1187 م ] ومعركة عين جالوت [658 هـ - 1259م]وآخر الحروب الصليبية [690 هـ - 1291م] .
أما الباب الثاني فتناول: الزحف المغولي التتري على أرض الإسلام من سقوط بغداد إلى نصر 'عين جالوت' إلى إسلام 'بركة خان' . وقام بتحليل الأحداث الكبرى مثل دخول قوات المغول إلى بغداد [656 هـ - 1257 م ] وانتصار جيش مصر على جحافل التتار [ 658 هـ - 1260 م ] وحملة التتار على حلب في نفس العام ثم الاستيلاء على أنطاكية [666 هـ - 1268 م ] .
كما تناول الباب الثالث : 'جهاد المماليك في مواجهة خطر الصليبيين والتتار' وبين فيه أن هذه المرحلة العاصفة التي تفجرت فيها المؤامرات على الإسلام كشفت عن عناصر جديدة من المسلمين حملت لواء الدفاع عن الإسلام والجهاد في سبيله والاستشهاد من أجله تتمثل في: السلاجقة والأكراد والمماليك ، فمن السلاجقة ظهر 'عماد الدين زنكي' و'نور الدين محمود' وكان دورهما في مواجهة الحروب الصليبية قويا وبارزا ، ومن الأكراد ظهر 'صلاح الدين الأيوبي' الذي استرد بيت المقدس من أيدي الصليبيين ، ومن المماليك 'قطز' و'الظاهر بيبرس' و'قلاوون' و'الأشرف بن قلاوون' وكان دور المماليك قويا وممتدا وحاسما فقد استطاعوا بعزيمة جبارة تصفية نفوذ التتار والصليبيين وتحقيق أكبر نصر في هذا المجال .
'عصر الإنقاذ '
يعد كثير من المؤرخين عصر المماليك بأنه عصر الإنقاذ فهم الذين أنقذوا الحضارة الإسلامية من الدمار العام على أيدي المغول والتتار حين حطموا قواتهم في عين جالوت ، وأنهم أنهوا الحكم الصليبي في بلاد الشام وأحيوا الخلافة الإسلامية وجعلوا مركزها القاهرة .
وكذلك كان الظاهر بيبرس أبرز هؤلاء الأبطال فقد قاد معركة عين جالوت مع قطز ثم انتزع صفد ويافا والشقيف وأنطاكية من 'الإفرنج' ثم أقام منهج الإصلاح الاجتماعي على شرعة القرآن .
كما تميز عصر المماليك بظهور الموسوعات الكبرى في الأدب والنحو وعلم الحديث والفقه والتاريخ ففي عهدهم ظهرت الموسوعات : ' صبح الأعشى للقلقشندي ، ولسان العرب لابن منظور ، والفتاوى لابن تيميه ، ووفيات الأعيان لابن خلكان ، والبداية والنهاية لابن كثير ، وسير أعلام النبلاء للذهبي ، والنجوم الزاهرة لابن تفرى بردى '.
في الباب الرابع : 'من الأندلس إلى قلب أوروبا' ، تناول المؤلف الأحداث الكبرى ومنها عبور طارق بن زياد نهر الزقاق [ 92 هـ - 711 م ] وسير عبد الرحمن الغافقي في جيش إلى فرنسا [ 110 هـ - 732 م ] ، كما تناول الغزوة لروما من مسلمي الأندلس وشمال إفريقيا وكريت بقيادة 'يوسف بن تاشفين' [ 479 هـ 1088 م ] وتأكيده على إسلامية الأندلس إلى عام [ 897 هـ - 1492 م ] .
في الباب الخامس : 'تطويق عالم الإسلام' يؤكد الجندي - رحمه الله - على مقاومة المسلمين عمليات التنصير والصمود في وجه الاجتياح، وغدر الحكام الجدد، واستمرار المقاومة من عام 1492 إلى عام 1608 م عندما قام الأسبانيون بطردهم نهائيا حين جمعوا مئات الألوف منهم في عملية تهجير بشعة وقذف بهم إلى الشاطئ الآخر [تطوان والجزائر وتونس] وحيل بين الأبناء والآباء والأمهات في ذلك العصر، كوسيلة من وسائل مطاردة المسلمين ومحاولة حصارهم للقضاء على الإسلام نفسه .
في الباب السادس : ' من فتح القسطنطينية إلى سقوط الخلافة' تحدث المؤلف عن ولادة الدولة العثمانية [ 687 هـ - 1288 م ] والهجرة إلى سواحل المغرب ودخول الأتراك أوروبا ومحاصرة العثمانيون لفيينا ، كما تحدث عن عزل السلطان عبد الحميد عام 1908 م .
ولا شك أن الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي دولة مفترى عليها ، كما أطلق عليها الدكتور عبد العزيز الشناوي في مؤلف يحمل هذا العنوان . فقد شكلت الدولة العثمانية منذ ظهورها خطرا متزايدا على أوروبا وتصدت للوجود البرتغالي في الخليج وفي المياه الشرقية وساندت مسلمي الأندلس الذين تعرضوا للاضطهاد الأسباني وحررت طرابلس الغرب وتونس والجزائر من الاحتلال، وسيطرت بعض الوقت على الملاحة في البحر المتوسط ، كما ساندت 'مارتن لوثر' بوصف مذهبه أقرب إلى التوحيد الإسلامي من المذهب الكاثوليكي .
وفي الباب السابع : 'الآن انتهت الحروب الصليبية' ، انتهت الحروب الصليبية بهزيمة قوى الغرب عام 1291 م وانسحابهم إلى بلادهم مدحورين ، ولكن الاستعمار ظهر بشكل آخر منذ قيام الحملة الفرنسية إلى مصر وبداية مرحلة النفوذ الأجنبي والسيطرة على العالم الإسلامي .
أما الباب الثامن : تناول سقوط القدس في أيدي الصهيونية ، ثم تحدث في الباب التاسع : عن أبعاد المؤامرة على الإسلام فتحدث عن الحملة الفرنسية على مصر 1798 م، ودخول الإنجليز القدس 1917 م، وإحراق المسجد الأقصى 1969 م، ولا تزال المؤامرة على الإسلام وبيت المقدس مستمرة .
كتاب أنور الجندي كتاب قيم يستحق القراءة والتأمل خاصة وأن صاحبه كاتب كبير له دور رائد في إيقاظ الوعي لدى شباب الصحوة الإسلامية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الميلادي، ومؤلفاته دورها جلي في تصحيح العديد من المفاهيم المغلوطة والمنتشرة.
=============
مفكرة الإسلام تحاور المفكر د. جعفر شيخ إدريس
السبت 4صفر 1427هـ - 4 مارس 2006م
الصفحة الرئيسة
- الحركات الإسلامية نجحت في إحداث ثورة اجتماعية.
- حينما تكون المعركة بيننا وبين الغرب فكرية فنحن الغالبون.
حاوره في القاهرة/ محمد سيد بركة
مفكرة الإسلام: د. جعفر شيخ إدريس أحد أعلام الدعوة والفكر في العالم العربي والإسلامي، وله أثره في مسيرة العمل الإسلامي.
تخرج في كلية الآداب [قسم الفلسفة] بجامعة الخرطوم عام 1961 وعين بها معيدا. ترك الدراسة واستقال من الجامعة ليشارك في العمل السياسي الإسلامي. وكان مرشح جبهة الميثاق بمدينة بور تسودان. ثم عاد للجامعة مرة أخرى عام 1967 فحول المشرف رسالة الماجستير إلى دكتوراه فأكملها في عام 1969 وحصل على الشهادة عام 1970 بعد أن ابتعثته الجامعة إلى بريطانيا مرة أخرى.
عمل في قسم الفلسفة جامعة الخرطوم 1967 - 1973 وقسم الثقافة الإسلامية جامعة الرياض [الملك سعود حالياً ]، ومركز البحوث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وكلية الدعوة والإعلام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكان يدرس طلاب الدراسات العليا بالجامعة مواد العقيدة والمذاهب المعاصرة. كما أشرف على الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه.
وهو الآن مدير لقسم البحث بمعهد العلوم الإسلامية والعربية في أمريكا ومدير الهيئة التأسيسية للجامعة الأمريكية المفتوحة.
ألقى أحاديث ودروس ومحاضرات في كثير من الجامعات والمراكز الإسلامية والمساجد في كثير من بلدان العالم في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأستراليا وأمريكا الشمالية ودول الكاريبي وأمريكا اللاتينية.(8/13)
شارك في كثير من البرامج التلفازية والإذاعية في عدد من الدول، كما أشرف على رسائل علمية لدرجة الدكتوراة والماجستير، وشارك ببحوث قيمة في عدد كبير من المؤتمرات الإسلامية والعالمية.
وما إن علمنا بوجوده في مصر حتى هرعنا للقائه والاستئناس برؤاه الثاقبة حول مايجري في عالمنا من أحداث من وجهة نظر إسلامية.
** بعد الهجمة الشرسة والتطاول على الرسول الكريم في رسوم وأفلام.. هل الصورة النمطية للإسلام في الغرب ما زالت أسيرة فتح القسطنطينية والأندلس والحروب الصليبية والاستعمار الأوروبي لبلداننا في العصر الحديث؟
* هنالك تصور صحيح للإسلام في الغرب يعرفونه ولا يرضونه وهو أنه في الوقت الذي سيطرت فيه العلمانية على الغرب وصارت تقريبا هي الأيديولوجية وأن الدين صار في زاوية من الزوايا .. لكن العالم الإسلامي يعتبر الدين مسألة جوهرية هذه يعرفونها .. عامتهم قد يستغربون لأنه بسبب سيطرة العلمانية صار من المألوف عندهم أن يسخر الناس من الخالق والأنبياء ..تجد السخرية في قصصهم وشعرهم وأدبهم ونكاتهم .. ولذلك يستغربون من هبة العالم الإسلامي واستنكاره الشديد لتلك الرسوم المقيتة .. هم -أقصد الغرب- يعتقدون أن ما حدث عندهم نوع من التطور وأننا ما زلنا متخلفين ولا نفهم مسألة حرية التعبير .. ما زلنا متدينين جامدين.
الأوربيون عندهم نوع من العصبية المقيتة حيث يرون أنهم هم المقياس لكل شيء .. تاريخهم أحسن تاريخ .. أدبهم أحسن أدب .. فكرهم هو الفكر فهم الموجودون ولا يوجد في الكون غيرهم .. إنهم ينظرون إلى الآخر بكل صلف وعنجهية واحتقار وهذا نوع من العصبية البغيضة.
إن مفكريهم يقولون إن التخلف في حقيقة الأمر ليس تخلفا في كل أمر ..
وأقول وغيري يقول ولا ينكر أنه حدث عندنا تخلف في أهم مزايا العصر وهي العلوم التجريبية وما نتج عنها من تقدم تقني هائل أدى إلى تطور اقتصادي وعسكري غير مسبوق...لكن هذا لا يعني أن ينظر إلينا الأوربيون على أننا متخلفون.. فعندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم كان العرب متخلفين لدرجة لا تقاس حيث قيل كان نصيب أحد المسلمين من الغنائم في إحدى الغزوات شيئا ثمينا فطلب ألف درهم فيه فقيل له إنه يساوي أكثر من ذلك فقال لا أعلم بعد الألف شيئا ..
وما كان من ناحية العمران عندهم لا يساوي شيئا بجانب حضارتي الفرس والروم .
أما عن حرية التعبير في الغرب فليست مطلقة، وتعليل الغرب ما يفعله بدعوى حرية التعبير تعليل سخيف.
أود أن أقول إن تعليل الغرب لما يفعله من إساءة بأن الغرب لايعرف سقفا لحرية التعبير ..هذا تعليل مردود عليه ولون من البهتان والتزييف.
إن إساءات الغرب وافتراءاته ضد الإسلام ورموزه سابقة على النهضة الأوربية حيث بدأت منذ العصور الوسطى وقبل أن يعرف الغرب مايسميه الآن حرية التعبير ..وهناك أمر آخر هو أن الغرب بدعوى العلمانية يتحدث عن أن حرية التعبير مطلقة وهذا كما قلت آنفا تعليل سخيف.
خذ مثلا التشكيك في المحرقة، فبالأمس القريب تمت محاكمة مؤرخ بريطاني وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات لأنه شكك في المحرقة رغم إعلانه التراجع عن كلامه، ومن قبله نذكر ما حدث مع جارودي. ثم يا أخي إن الأمير تشارلز قدم شكوى ضد جريدة لأنها نشرت بعض كلام كتبه في مذكراته الخاصة فأين حرية التعبير المطلقة ..وهكذا عندهم أمثلة كثيرة.
في حرية التعبير لا يوجد مجتمع يمنع التعبير منعا كاملا ولا يبيحه إباحة كاملة وإنما الخلاف أين توضع الحدود.. وهذا يعتمد على قيم وتصورات الناس.
ففي الغرب لا يضعون قيودا على الكلام الفاحش ولا يضعون حدودا للطعن في الأديان حتى دينهم، حتى أن جماعة منهم قالوا أن المسيح شاذ.
** بدأت الحركة الإسلامية تجني بعض ثمار جهادها الطويل متمثلا ذلك في تمكن بعض الحركات الإسلامية كحماس في تشكيل حكومات، واشتراك في مجالس نيابية ...ألا ترون ذلك مقدمة لنجاح أكبر؟ أو ما تفسيركم لذلك؟
* أولا أظن أنه من عدم الإنصاف للحركات الإسلامية أن يقاس نجاحها بمجرد وصولها إلى السلطة.
الحركة الإسلامية بكل أنواعها نجحت نجاحا كبيرا في أنها أحدثت ما يسميه الغربيون ثورة اجتماعية إسلامية يعني في سلوك الناس وهذا هو الذي ترتب عليه النجاح الآخر وهو الوصول إلى الحكم.
هل يكون هذا بداية لنجاح أكبر ؟ لست متأكدا فمازال الغرب مسيطرا على العالم. قد يرجع الغرب مرة أخرى ويعود إلى تأييد النظم القهرية ما دام النظام الديمقراطي سيأتي بنظم إسلامية وأود أن أقول إن الغرب الآن، ولا سيما أمريكا، يعتقدون أن الإسلام خطر على مصالحه القومية فلن يسمحوا إلا بنجاح محدود ومشاركة محدودة .. وموضوع حماس كان مفاجأة لحماس نفسها.
** الإعلام الأمريكي معروف بكذبه وترويجه للأباطيل خاصة إذا كان الأمر يتعلق بقضايا عربية وإسلامية .. وكمعايش للمجتمع الأمريكي ما هي نسبة الأمريكان الذين يؤيدون حقوقنا العربية والإسلامية؟ وهل كل المجتمع الأمريكي مغرر به من إدارة بوش المتطرفة ومن الإعلام الصهيوني ؟
* أولا هناك حقيقة وهي أن الأمريكان أجهل خلق الله بكل شيء، بل بأمريكا نفسها، أغلبهم لا يعرفون شيئا حتى عن بلادهم . سأقول لك شيئا مضحكا يدل على جهلهم، فقد نشرت جريدة لوس أنجلوس تايمز في كاليفورنيا سؤالا : ما الإسلام؟ فجاءت الإجابات تنم عن جهل فظيع فمن قائل إنه دين إسرائيل إلى قائل إنه الإرهاب إلى غير ذلك من إجابات مضحكة. والذين يعرفون متأثرون بالإعلام.
ولكن هنالك قلة يمثلها اليمين المتطرف وهؤلاء يعرفون وعندهم عداء شديد للإسلام ويعدون الإسلام في وثيقة تحدث عنها صحفي محترم في جريدة نيو إس أيه يصرح فيها لأول مرة بأن الإسلام باعتباره دينا هو خطر على المصلحة القومية الأمريكية، ولذلك فهم قرروا محاربته بالطرق التي يرونها مناسبة ويبدءون بما يسمونها الوهابية. ثم يقولون لا بأس أن نتعاون مع بعض الجماعات المعتدلة فالشعب الأمريكي كما قلت آنفا شعب جاهل والحكومة في سياستها الخارجية لا تراعي الشعب ولا تتأثر به فالسياسة الخارجية ليست ممثلة للشعب ولكن لفئات معينة عندها عداء للإسلام.
** كنا نعتقد أن الأقليات الإسلامية الموجودة في الغرب وبتفاعلها مع هذه المجتمعات سوف تقوم بدور إيجابي في تحسين صورة الإسلام لكننا وجدنا بعد أزمة الرسوم المسيئة أن هذا لم يحدث.. هل قصرت هذه الأقليات الإسلامية؟
* مما لاشك فيه أن وجود هذه الأقليات مهم جدا فلا يمر يوم إلا ويدخل في الإسلام أعداد كبيرة، وربما تتحسن صورة الإسلام، أما التأثير في المجتمع فأمر يحتاج إلى قوة إعلامية كبيرة، وهذا أمر لا تستطيعه الجماعات في أمريكا.. ولكن بعد ثورة الاتصالات ووجود الانترنت صارت هناك مواقع كثيرة تبين حقيقة الإسلام..ولكن هناك مشكلة كبيرة أن الجماعات الإسلامية في الغرب مختلفة مع بعضها اختلافا كبيراً.
أيضا أظهرت قضية الرسوم أن الدنمرك تلك البلد الصغير دولة متعصبة لدرجة أن ملكتهم نفسها تخرج وتسب المسلمين وتتهمهم بالتخلف والجهل وأنهم لم يصلوا إلى الدرجة التي يفهمون فيها حرية التعبير.
** هل ترون في تركيز الحركة الإسلامية على العمل السياسي أمرا سلبياً وهل البديل هو العمل الاجتماعي الدعوي ..كيف ترون هذه الإشكالية؟
* أنا في رأيي أن على الحركات الإسلامية أن تكون أعقل وتسلك الطرق السلمية.
ولقد ثبت بالتجربة أن في المواجهة تكون الحركات الإسلامية هي الخاسرة.(8/14)
وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ..فربنا أمر المسلمين أن يكفوا أيديهم ويقيموا الصلاة، لكن لا يمدون أيديهم، ولم يأمرهم إلا بعد أن هاجروا وصارت لهم دولة.
على الحركة الإسلامية أن تركز على الدعوة، التي هي بصراحة بيان للحق بحسب الحال، وهي لا تحرّف الدين بغرض إقناع الناس.
[ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لايهدي القوم الكافرين ] المائدة 67.
فإذا ركزت الجماعات الإسلامية على العلم وركزت على فهم الفكر الغربي والأحوال العالمية وصاروا يشاركون مشاركة قوية سيكون النصر حليفنا بإذن الله.
إن الأمريكان يقولون إن المعركة معركة فكرية، وأنا أؤكد أنه عندما تكون المعركة فكرية أقول بكل ثقة وتأكيد نحن إن شاء الله غالبون.
فعلى الجماعات الإسلامية الدعوة إلى الإسلام وبيان العقيدة والعبادات متعاونة كل فيما ينجح فيه .. أعني أن تكمل كل جماعة الجماعة الأخرى ولامانع من التخصص مادام لا يوجد إنكار وخصومات .
** من واقع استقرائك لمجريات الأحداث … كيف ستكون طبيعة العلاقة المستقبلية بين الإسلام والغرب، هل ستكون علاقة صدام أم حوار؟
* شكل هذه العلاقة يحدده الناس، ونظرتهم إلى مصالحهم، والوسائل التي تتحقق بها هذه المصالح. فالكاتب الأمريكي هنتنجتون في تحليله ينطلق من كونه عالم اجتماع يرصد الواقع ويفسره، فانتهى من تحليله إلى أن الصدام القادم سيكون بين الحضارة الغربية من جهة والحضارتين الإسلامية والكنفوشيوسية من جهة أخرى ، ويعتمد في تحليله على أن الدول الإسلامية بدأت تتعاون مع الصين واليابان وأنهما ستمدان هذه الدول بالأسلحة.
وإذا افترضنا صحة هذا التحليل، فإن السبب في ذلك يكون الغرب، لأنه لا يريد للدول الإسلامية أن تتطور أو أن تمتلك ما تدافع به عن نفسها.
وإذا كان هنتنجتون يرى الدين مكوناً من أهم مكونات الحضارة، فإن ذلك يعني أن المسافة أقرب بين الغرب والإسلام، من تلك المسافة التي بين الإسلام والكنفوشيوسية، لأن النصارى واليهود نسميهم نحن المسلمين أهل الكتاب، ولهم منزلة خاصة في الدين الإسلامي.
إذن فالسبب الحقيقي للتعاون القائم بين المسلمين وأصحاب الحضارة الكنفوشيوسية ليس نابعاً من طبيعة الحضارتين، بل من معاملة الحضارة الغربية لهما.
وأنا استبعد الصدام وبخاصة الصدام المسلح، لأن من المعروف أن الأسلحة التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية وحدها تكفى لتدمير العالم كله عدة مرات، فكيف إذا أضيف إليها ما لدى الدول الغربية الأخرى، والصين وروسيا، وغيرها، فليس هناك من أحد سيستفيد في حالة حدوث صدام شامل، وأعتقد أن الغربيين حريصون كغيرهم على الحياة، ولن يكون أي صدام في صالحهم، ولكن هذا لا ينفي أنه سيكون هناك صدامات وحروب محلية، كما هو الحال اليوم .
** ألا ترى أن اهتمامنا يتزايد بالغرب، في حين لا نهتم بأصحاب الحضارات الأخرى؟
* نحن مهتمون به، وهناك ظاهرة عجيبة في الغرب، فما أن تقرأ ما يكتبه مفكروه الكبار، إلا وتظن أن الغرب في خطر داهم وقريب. ولذلك فهم يتكلمون كثيراً عن العالم الإسلامي، ويعرفونه معرفة جيدة أكثر من معرفتنا نحن بالغرب، بل أحسن مما يعرف كثير منا مجتمعاتنا . أما اهتمامنا بالغرب فأمر طبيعي، لأن حضارته هي المسيطرة عسكرياً وإعلامياً ومادياً، ومصالح كل هذا العالم مرتبطة به، حتى أصحاب الحضارات الأخرى الذين تعنيهم يهتمون بالغرب أكثر من اهتمامهم بنا .
ومع ذلك فإن للعالم الإسلامي علاقات واسعة مع الصين واليابان والهند، ولا توجد مشكلة بيننا وبينهم، أما الغرب فينبغي أن نتعرف على حضارته، لأنها هي التي تسيطر على هذا العالم كله.
** انهيار الحضارة الغربية محل مراهنة من بعض المسلمين فمن المستفيد إذا حدث ذلك؟
* انهيار الحضارة الغربية إذا حدث سيكون بسبب الانحلال الأخلاقي، فانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، ربما يقال إنه لعامل اقتصادي، أما انهيار الغرب - إذا حدث- فسيكون لأسباب أخلاقية. فأنا أرى أن قضية المخدرات من أخطر القضايا التي تهدد الغرب، وأذكر أنَّ واحداً ممن هداهم الله إلى الإسلام قال لي : إنه عندما تخرج قبل ثلاث سنوات أو أربع كانت نسبة الذين يتعاطون المخدرات بصفة دائمة تصل إلى 40%، إضافة إلى أن جميع الطلاب يمكن أن يكونوا قد تعاطوها مرة واحدة على الأقل، أما الآن ، فإن الذين لا يتعاطون المخدرات أصبحوا يمثلون الأقلية. وهناك مشكلة التفكك الأسري أيضاً من مهددات الحضارة الغربية، فإذا فسد الفرد بالمخدرات وانحلت الأسرة، ماذا بقى في المجتمع؟.
ولكن لماذا تقول انهيار، ولا نقول : إن الله يمكن أن يهديهم إن شاء الله إلى الإسلام أو على الأقل أن يتأثروا بالقيم الإسلامية التي بدءوا يعرفونها، وعلينا أن نرجو لهم الهداية، لأنهم إذا اهتدوا حافظوا على كل هذه الإنجازات المادية التي حققها الإنسان في هذا العصر.
ومن الخطأ الظن أن انهيار الحضارة الغربية يعني آلياً سيطرة المسلمين، لأن من الممكن أن تؤول السيطرة إلى حضارة أخرى مثل الحضارة اليابانية أو الصينية، وقد تكون الحضارة البديلة أسوأ من الحضارة الغربية، إذ ليس من الإنصاف أن ننكر أن هناك قيماً إنسانية تلتزمها الحضارة الغربية على الرغم من كل علاتها. وسواء بقيت الحضارة الغربية أو انهارت، فإن مشكلاتنا ستظل قائمة، لأنها نابعة من داخلنا، وليس الغربيون هم الذين يمنعونا من أن نجعل أمتنا أمة شامخة. فالمسلمون منقسمون بين من يريدون بناء الحياة على أساس الإسلام ومن يريدون تبني العلمانية الغربية، وأحملّ أصحاب الفكر العلماني مسؤولية ما نحن عليه من ضعف لما أحدثوه من انشقاق في داخل العالم الإسلامي.
** في مقابل تناولكم لبعض الأخلاقيات المهددة للحضارة الغربية، هناك من يرى أن العالم الإسلامي ليس بمنأى عن بعض الاضطراب في الجانب القيمي؟.
* نعم يوجد اضطراب في منظومة القيم في العالم الإسلامي، ولكنه ليس في حدة التدهور الأخلاقي في الغرب. فهناك حوادث في الغرب تقشعر لها الأبدان كالاعتداءات الجنسية على المحارم والأطفال، وجرائم القتل التي أصبحت وجبة يومية، ولم يُعد مستغرباً أن يُقتل الإنسان من غير جناية ارتكبها إلا أن هناك إنساناً مخدراً يحمل معه سلاحاً يريد استخدامه. أما في عالمنا الإسلامي فلا تزال الأسرة على تكاتفها وتماسكها مهما بدا لنا أن الأمور ليست على ما يرام.
** نأتي إلى إشكالية دائما ما يثيرها العلمانيون وهي الإسلام والديمقراطية.. ألا ترون أن الربط بين الدين والدولة يتم عادة على حساب الديمقراطية وهل ينفي الإسلام الديمقراطية؟.(8/15)
* أهم ما في الديمقراطية وأفضل، هو ما يسمى بحكم القانون، وحرية التعبير في نطاق ذلك القانون، واختيار الناس لمن يحكمهم. وكل هذه مبادئ إسلامية لا يحتاج المسلم لأن يأخذها من غيره، وإن كان من الحكمة أن يستفيد من تجارب غيره، ولا يلزم أن نسميها ديمقراطية، لأن الديمقراطية في معناها الأصلي، بل المعنى الذي يفاخر به كثير من الغربيين هي حكم الشعب أو الأمة، والإسلام هو حكم الله تعالى. لكن هذا لا يمنع من أن تكون هنالك أمور مشتركة، فالدين يتضمن ويقر كثيراً مما استحسنه الناس بعقولهم وتجاربهم. فالشورى التي نقول إنها إسلامية كانت موجودة وممارسة حتى في العصر الجاهلي العربي، لكنها صارت ذات صبغة إسلامية حين وضعت في إطار مجموعة القيم الإسلامية. وكذلك يمكن أن نفعل بالديمقراطية. إن أكبر خطأ نرتكبه هو أن نحاول أن نكون نسخة من التجربة الغربية. إن الممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تنفك عن قيم الناس الحضارية. لقد وقعنا في مثل هذا الخطأ في بعض نواحي حياتنا الاجتماعية لأن بعضنا ظن أن ما يمارسه الغرب من عادات وتقاليد في المأكل والملبس والاحتفال هو وحده المناسب للعصر الذي نعيش فيه. فإذا أردنا أن نكون معاصرين فيلزمنا أن نكون كالغربيين.. هذا وهم كبير جر علينا وما يزال يجر ويلات عظيمة
=============
كيف غير الإسلام الطب؟ مقال منشور في مجلة بريطانية
السبت 4صفر 1427هـ - 4 مارس 2006م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام: نشرت المجلة الطبية البريطانية [British Medica Journal] وهي إحدى أهم المجلات الطبية في العالم، وأكثرها انتشارا مقالا في عدد شهر ديسمبر 2005 بعنوان كيف غير الإسلام الطب: الأطباء والعلماء العرب يضعون أسس الممارسة الطبية في أوروبا للبروفيسور عظيم مجيد من لندن. وكان المعهد الملكي لبريطانيا العظمى قد ناقش في نفس الشهر أن العالم الغربي قد يبدو مختلفا اليوم لولا عظمة العلماء المسلمين في بغداد والقاهرة وقرطبة وأماكن أخرى.
ويتعرض الكاتب إلى الحضارة الإسلامية التي انتشرت من الهند شرقا وحتى الأندلس غربا وكيف أن العالم لا يتذكر دور العلماء المسلمين الذين برزوا بين عام 800 - 1450 ميلادي وتأثيرهم على الحضارة الغربية في مجال العلوم والتكنولوجيا والطب.
وحيث إن كثيرا منا نحن المسلمين بدأ يفقد الثقة بنفسه وبقدرتنا كأفراد وكأمة على إضافة الجديد للعالم وبسبب الحملات التي يتعرض لها المسلمون في كل مكان فإني أردت أن أستعرض هذا المقال لعله يعيد لنا بعضا من العزة والثقة بأنفسنا وقدراتنا ويستلهم هممنا لبذل المزيد من الجهد في طلب العلم. وقد كان للمقال صدى طيب حيث وردت للمجلة عدة رسائل تشيد بدور العلماء المسلمين في ازدهار الحضارة.
ويستعرض الكاتب كيف أن العرب المسلمين وخروجهم من جزيرة العرب احتكوا مع ثقافات عريقة كالثقافة اليونانية وغيرها وتفاعل معها المسلمون بحركة ترجمة نشطة بلغت أوجها في عهد المأمون فيما يعرف ببيت الحكمة في بغداد عام 830م مما جعل اللغة العربية في ذلك الوقت أهم لغة علمية في العالم وهذا يوجب علينا في هذا الوقت الاهتمام بلغتنا العربية وبالترجمة ودراسة العلوم بلغتنا إن أردنا أن نعود لما كنا عليه.
وبجمع العلوم من مختلف الثقافات استطاع العلماء المسلمون أن يضيفوا كثيراً من التقدم العلمي في مجالات كثيرة كالرياضيات والفلك والكيمياء والزراعة والطب وغيرها. فهم أول من استخدم تقطير المياه وأول من استخدم الكحول في التعقيم وهذه الممارسة لا زالت تستخدم حتى الآن. ووضع العلماء المسلمون أسس الممارسة الطبية الحديثة فقبل الحضارة الإسلامية كانت أوروبا تعتمد على رجال الدين في العلاج ولم تكن توجد أي مستشفيات أو مراكز طبية في حين أوجد العرب المستشفيات والمراكز الطبية التي بدأت التعليم الطبي المنظم وادخل الأطباء العرب كثيراً من التنظيمات التي لاتزال تستخدم في المستشفيات الحديثة كالأجنحة الخاصة بالرجال وأجنحة النساء والاهتمام بنظافة العاملين في المستشفيات ونظافة المنشآت الصحية للحد من انتقال العدوى أو ما يعرف حالياً بالتحكم في العدوى [infection Control] وكانوا أول من أدخل نظام الملفات الطبية والصيدليات.
واستعرض المقال بعد ذلك بعض الأطباء المسلمين المبرزين كا بن النفيس الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي وهو أول من وصف الدورة الشريانية الرئوية وقد سبق في ذلك وليام هارفي بثلاثمائة سنة ولكن الغرب للأسف لا يشير إلى هذه الحقيقة المثبتة. كما يشير الكاتب إلى الجراح أبو القاسم الزهراوي الذي ألف كتاب التصريف والذي ترجم إلى اللاتينية وعد الكتاب الطبي الأساس في الجامعات الأوروبية في القرون الوسطي. والزهراوي أول من وصف كثيراً من الأمراض الوراثية ومرض استسقاء الرأس وطور كثيراً من التقنيات الجراحية وهو أول من استخدم خيوط الكاتقت في خياطة الجروح. وأشار الكاتب كذلك إلى الرازي الذي يعده بعضهم أعظم طبيب مسلم وهو صاحب كتاب المنصوري الذي يقع في 10 مجلدات والذي استمرت إعادة طباعته حتى القرن التاسع عشر الميلادي. كما ضمت مناهج الجامعات الأوروبية كتب ابن رشد وكتب ابن سينا القانون في الطب. وقد عد كتاب القانون في الطب أعلى مرجع طبي في أوروبا لعدة قرون. ويعد ابن سينا أول من ادخل النظام العلاجي الذي يعتمد على العوامل العضوية والنفسية والدوائية مجتمعة. وبدأ بعد ذلك اختفاء وهج الحضارة العلمية الإسلامية باحتلال بغداد من قبل المغول وسقوط الأندلس وظهور الدولة العثمانية وانعكست الآية وتغير تدفق العلوم وتغيرت موازين القوى العلمية على مدى ال 600 سنة الماضية وفقدنا كثيراً مما كنا نتميز به وتركنا الريادة لغيرنا. راجيا أن يكون هذا المقال عامل تحفيز لنا لشحذ الهمم للحاق بركب العلوم والتقدم.
==============
الأمة الإسلامية والخروج من المأزق
الثلاثاء 29 المحرم 1427هـ -28 فبراير 2006م
الصفحة الرئيسة
د. علي عبد الباقي
مفكرة الإسلام : لا يختلف أحد من المسلمين على أن الأمة الإسلامية الآن في مأزق، وأنها تواجه تحديات كثيرة وخطيرة ومتعددة ولا تتعامل معها بما تستحقه من برامج المواجهة المناسبة.
وقبل أن نستعرض أهم التحديات التي تواجه الأمة فإننا نؤكد على أن إعادة نهضة الأمة وبعث حضارتها من جديد سهل للغاية من حيث الطريق ولكنه صعب للغاية من حيث النوايا. وإن صحة هذا الطريق تأكدت لنا عبر 14 قرناً من الزمان، حيث إن النظم السياسية تذهب وتجيء وتصعد وتهبط، والإسلام باق بكل مبادئه وأحكامه سواء في نظام التشريع أو في نظام الأخلاق.
وأولى التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية هي أزمة الديمقراطية والحكم الرشيد حيث تتعطش شعوبنا إلى الحكم الرشيد المبني على المساءلة والشفافية والتعددية السياسية والعدالة وسيادة القانون. ويتفق الجميع اليوم على أن الديمقراطية والتنمية وجهان لعملة واحدة وأمران متلازمان، وأنه لن تتحقق التنمية في بلادنا إلا من خلال الأنظمة السياسية المنتخبة بطريقة ديمقراطية، يتم فيها تفعيل دور مؤسساتنا الأهلية وجمعيات المجتمع المدني الأصيلة التي تحمل هم الأمة، لا التي يمولها الغرب وتتحدث باسمه.(8/16)
إن معظم مشاكل الأمة تكونت بفعل الأنظمة الاستبدادية غير الشرعية، التي تغيب عنها مساءلة الأمة. هذه الأنظمة هي التي نما وترعرع الفساد في كنفها، فانهارت مشروعات التنمية. تلك التنمية التي تتبدى للعيان في التخلف المزمن في مجال التنمية الاقتصادية والبشرية. فمن غير المقبول أن يبقى مجموع الناتج العام للعالم الإسلامي كله، بمئات ملايينه التي تزيد على خُمس أبناء البشرية وبرقعته الجغرافية التي تغطي حيزا كبيرا من المعمورة وتزخر بثروات عديدة، مقصورا على نسبة لا يُعتدّ بها في أرقام الاقتصاد العالمي وحساباته.
ومن التحديات كذلك أزمة التعليم والثقافة التي تتجلى في الجهل والأمية الحَرفيّة والرقمية، وضعف مناهج التعليم في أرجاء العالم الإسلامي، وندرة مراكز الأبحاث والعلوم، وغياب تكنولوجيا المعلومات التي هي القوة الأولى المحرّكة للاقتصاد العالمي، وندرة الكتب والمؤلفات وقلة القارئين في العالم الإسلامي.
ويعاني العالم الإسلامي كذلك من أزمة القيم التي تتجلى في عدم التقيّد بالحقوق العامة، وفي مقدمها حقوق الإنسان وكرامته وغيرها من الممارسات اللاإنسانية التي تخدش مفهوم القيم في مجتمعاتنا، وتجعلنا موضع النقد والتندر.
كما أن العالم الإسلامي يعاني في الفترة الأخيرة من ظاهرة تفشي تيارات التطرف الديني، وما نجم عن ذلك من أعمال عنف وإرهاب وظهور اتجاهات تكفيرية ومدارس للتعصّب الديني. وقد شجعت أعمال العنف والإرهاب خارج العالم الإسلامي وداخله أخيرا استشراء ظاهرة عداء الإسلام وكراهيته في العالم، وهو ما أوجد بدوره تحديا جديدا خطيرا يقتضي من العالم الإسلامي التعامل معه ومع غيره من التحديات بمنهجية عصرية وخطط ناجعة... والكثير من الجدية والمسؤولية.
سنن الله الحاكمة
واقع العالم الإسلامي حسب التشخيص الأمين يؤكد أن المسلمين ناس من الناس، وأمة من الأمم، لا يتقدمون إلا بما يحوزون من العلم والعمل والكفاح، وتجري عليهم سنن الله الحاكمة في هذا الكون، فإن أخذوا بهذه السنن نالوا السبق وحققوا أهدافهم، وإن خاصموها وتخلوا عنها- كما هو حالهم الآن- تداعت عليهم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.
فكل أمة من الأمم لها ساعات إقبال وساعات إدبار، وللحضارات في أيام تراجعها خصائص تلازمها، وكذلك سلوك أبنائها المنتمين إليها، كما أن لها خصائص تلازمها أيام نهضتها وكذلك سلوك أبنائها المنتمين إليها.
والفرق بين حالة النهضة وحالة التراجع أنه في حالة النهضة يرتفع سلطان العلم والمعرفة بحثاً عن الإبداع، أما في حالة التراجع فينكمش العقل ويتضاءل دوره ويحل محله شطحات الخيال، فلا يتبدى الواقع على حقيقة ولكن يتبدى كما يريده الخيال.
وفي حالة النهضة تفتح الأمة ذراعيها للآخرين تواصلاً معهم وتنافساً، أما في حالة التراجع فتشيع روح العزلة ويسود الانقطاع والابتعاد والإحساس بالخطر وسوء الظن بالآخرين.
وفي حالة النهضة أيضا تتطلع الهمم إلى المستقبل وتنشغل به وترجو منه خيراً وتطمح إلى مزيد من الريادة. أما في حالة التراجع فيكون الماضي وحده هو الملاذ انطلاقا من اليأس فلا يبقى إلا التغني بأمجاد الأولين والتشكيك في أمجاد الآخرين.
ظواهر سلبية
إننا هنا نرصد بعض الظواهر السلبية والغالبة في العالم الإسلامي اليوم وتتمثل أولاها في الحيرة الحضارية الكبرى واستمرار القضايا المعلقة، وهذه الظاهرة سائدة في العالم الإسلامي من مشرقه لمغربه. فهناك مجموعة قضايا تعيش بيننا منذ مئات السنين لا نتركها فنستريح ولا نحلها فنستريح وإنما نعلقها، مثل مكانة الدين في المجتمع، وهذا أمر خطير، فهل يعقل أن هناك أمة لم تتفق على شيء خطير كهذا؟ هناك من ينظر للإسلام على أنه نظام شامل للحياة وهناك من ينظر له على أنه يتعلق بالمساجد فقط وأن الارتباط بالإسلام هو تخلف، وهذه قضية كفيلة بأن تهدم أمة.
وهكذا فإن هناك حزبان في مجتمعاتنا وهناك حرب أهلية تبرد أحيانا وتسخن أحيانا أخرى. فهل يبقى للأمة بعد ذلك جهد لمواجهة تحدياتها. وعندنا مثل هذه القضايا الكثير في الأمور المالية والاقتصادية وفي قضايا المرأة وقضايا التربية.. الخ.
وثاني هذه الظواهر السلبية أننا أمة نعيش في فرقة وتشرذم ولا تكاد دولتان إسلاميتان لا توجد بينهما خصومة ونزاع .
فنحن نسير بعكس العالم الذي يتجمع فيه المختلفون. فأوروبا التي خاضت حربين عالميتين غير الحروب العديدة السابقة بينها تتناسى ذلك وتنشئ الاتحاد الأوربي والسوق الأوروبية، أما نحن فإذا لم نجد في حاضرنا خلافا اخترعنا خلافا.
وثالث هذه الظواهر الاشتباك الأليم بين الحكومات والرعية في غالبية الدول الإسلامية، وبسبب هذا الاشتباك سال الدم الحرام واختفى الأمن وضاعت مواردنا الاقتصادية.
والضحية الوحيدة من هذا كله هي الأمة التي لن يبقى من طاقتها شيء لتواجه به مشاكل التخلف والجهل.
وإذا كان هناك عناصر ضعف في الأمة فإن هناك عناصر قوة. وأهم عناصر القوة هذه أن تيار التدين الصحيح ينتشر في الأمة من أقصاها إلى أقصاها، كما أن تيار التوجه نحو القيم الحافظة للأديان يقوى في العالم كله لأن الناس اكتشفوا أن الجانب الروحي أهم من الجانب المادي.
وثاني عناصر القوة هو أنه رغم كل التيارات الشاردة والشاذة التي تنتشر باسم الإسلام فإن التيار العريض للأمة الإسلامية لا يزال تيارا سليما يحمل نفحات النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة الصالحين في حق وحب وخير وجمال، ولا يزال المنحرفون هامشا صغيرا عن يمين هذا التيار أو شماله.
قضيتان رئيسيتان
إننا هنا نركز على قضيتين رئيسيتين لا بد من حسمهما في واقع المسلمين كي يمكن تمهيد الأرضية للمستقبل.
أولا قضية الحرية: فالذي يبنى الحضارة ليس العبد ولكنه الحر، وهو من كان مرفوع الرأس حر الحركة، والأمة غير الحرة لن تبني حضارة. وقضية الحرية في عالمنا الإسلامي ينبغي أن تكون قضية محورية. وفي العالم عشرات من الجمعيات الدولية لحماية حقوق الإنسان لا نكاد نجد فيها مسلماً بل كل روادها يهود.
إن الحرية غريزة فطرية ومفهوم رائع تلتقي عنده المشاعر وتتجاوب معه العواطف وتتطلع إليه النفوس، وهي ليست شيئاً ثانوياً في حياة الإنسان بل حاجة ملحّة وضرورة ماسّة من ضروراته، باعتبارها تعبيراً حقيقياً عن إرادته وترجمة صادقة لأفكاره. فبدون الحرية لا تتحقق الإرادة وعدم تحقيق الإرادة يعني تكبيل الإنسان ووأد كافة طموحاته وتطلعاته، وإلقائه في هوة الضياع والموت البطيء، وهو ما لا ينسجم أبداً والغاية من وجود هذا الكائن الإلهي والدور المناط به والمسؤولية التي تقع على عاتقه، وبدون الحرية لا تتحقق ذاتية الإنسان وكرامته وقدرته على تقرير مصيره، وبدونها أيضاً لا تتحقق سعادته.
فالحرية إذن منحة إلهية للإنسان الذي حباه الله تعالى بكل المقومات الأخرى اللازمة خلال مسيرته الحياتية والتي تضمن له أداء دوره الريادي على الأرض في أحسن صورة.
وثاني هذه القضايا هو فض الاشتباك، أي أن ندخل في سلسلة من المصالحات. فنجمع الدول العربي والإسلامية ونزيل الخلافات بينها مقتدين بما يحدث في العالم من حولنا واضعين مصلحة الأمة ككل فوق كل اعتبار.(8/17)
ثم فض الاشتباك بين الحكومات وشعوبها، فالحكومات عليها ألا تأخذ الناس بالتهم وعليها أن تتصور أن كل متدين ليس متطرفا، وعليها أن تصون الشاب من أول الطريق فتقدم له علما سويا وعملا وتحسن إليه وتشعره بآدميته. وعلى الحركات الإسلامية في ذلك أن تؤمن أن الإصلاح ليس بالوثوب على السلطة وأن المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما، وأن الإساءة لصورة الإسلام جزء منها وارد من الخارج والجزء الآخر صنعناه بأنفسنا. وعليهم أن يعرفوا أن الناس يريدون اللين في الدعوة والمعاملة والله يقول [فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك].
ثم يجب فض الاشتباك بين الحركات الإسلامية وبعضها لتكون قوة مضافة للإسلام وللدعوة الإسلامية ولا تفتن المسلمين في دينهم وتكون عامل توحد بين المسلمين.
معايير لمصداقية الحكم الإسلامي
إن قضية حاكمية الشريعة قد كثر اللغط حولها، وتم التخويف بها على نطاق واسع. ونحن نؤكد أن هناك معايير أو مقاييس لمصداقية الحكم الإسلامي إذا وجدت كان الحكم إسلاميا، وإذا لم توجد لم يكن الحكم إسلامياً. وإذا وجد بعضها وفقد الآخر فإنه يكون إسلامياً بقدر ما وجد وغير إسلامي بقدر ما فقد.
والمعيار الأول: هو أن يكون الهدف هو إعمار الأرض، أي إقامة المصانع وزراعة الأرض والنهضة بالصناعة والتجارة، وتيسير الخدمات والرعاية ونشر التعليم الخ.. أو كما نقول تحقيق رخاء الفرد ورفاهيته.
والمعيار الثاني: أن يكون المناخ هو الحرية الواسعة بكافة أنواعها.
والمعيار الثالث: أن يكون المحور هو العدل الذي هو 'بصمة الإسلام' لو كان للأديان بصمات. ولأن الغرض الأسمى من الحكم هو تطبيق العدل. ليس فحسب لما هو مفهوم بداهة- ولكن أيضاً لأن العدل هو الحق مطبقاً. والحق هو الذي أقام الله تعالى عليه السموات والأرض وأنزل كتبه، وأرسل رسله له.
والمعيار الرابع: هو أن تكون الشورى وسيلة اتخاذ القرار، وفي الإسلام ما هو أقوى من الشورى وهو حق مساءلة الحاكم إلى درجة عزله.
وأخيراً نأتي إلى المعيار الخامس والأخير وهو: أن يكون الحكم رسالة وليس مغنما أو وسيلة لاكتساب الجاه والسيطرة واستبعاد الجماهير والشعوب كما كان منذ أن ظهر الملوك والأباطرة والقادة العسكريون من الحكم الفرعوني حتى الإمبراطورية الرومانية.
=============
السقوط الحر
الثلاثاء 29 المحرم 1427هـ -28 فبراير 2006م
الصفحة الرئيسة
محمد عادل
moh.adel@islammemo.cc
مفكرة الإسلام : كشفت السنوات الأخيرة بوضوح أن الإسلام يمثل عقبة أساسية أمام مشروع الهيمنة الأمريكي وأن العالم الإسلامي بات بما يمتلكه من رصيد فكري وثقافي وحضاري على رأس التحديات التي تواجه مشروع السيطرة الأمريكية على العالم .
ويبدو أن التصورات والحلول المقترحة للتغلب على هذا العائق وزحزحته لإفساح الطريق أمام المشروع الأمريكي متنوعة لدى مخططي الإدارة الأمريكية ويجمعها مساحة مشتركة تصب في أهمية تغيير شكل الواقع في دول العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
والمتأمل في السياسة الأمريكية في المنطقة يلمح شواهد إثبات على الرغبة الأمريكية الملحة في تغيير الأنظمة في المنطقة العربية التي تمثل مركز العالم الإسلامي بعد أن أصبح الكثير من تلك الأنظمة بصورتها القديمة - التي سئمتها الشعوب - غير مهيأ للعب الدور المطلوب والمشاركة في رسم ملامح الصورة الأمريكية للشرق الأوسط، وباتت تتعارض مع طبيعة المشروع الجديد الذي يحمل 'الديمقراطية' الأمريكية المفصلة للمنطقة, ومن ثم فقد انتهت المرحلة التي يمكن أن تلعب فيها دورًا يتوافق والمصالح الأمريكية.
ولأن المنطقة باتت على حافة الانفجار الكبير بسبب حالة الاختناق السياسي والتأزم الشعبي؛ ما ينذر بتغيرات سياسية كبيرة قد تسير في اتجاه عكسي يتصادم والمصالح الأمريكية، فكان من الملح أن تستبق أمريكا وتأخذ هي بمبادرة التغيير وتُسارع إلى الإمساك بخيوطه وتروج لذلك إعلاميًا للاحتفاظ بأوراق اللعبة بيدها بالكامل، لتتصرف كيف تشاء حسب الرؤية والمصلحة الأمريكية، محاولة في الوقت ذاته إيهام شعوب المنطقة - والتي تسعى للتغيير - بأن التغيير المرتقب قد تحقق بفضل المبادرة الأمريكية.
لذا فقد دأبت دوائر الفكر ومراكز التخطيط الاستراتيجي على وضع الحلول البديلة للواقع السياسي الحالي في الشرق الأوسط، وبناءً على ذلك رفعت الإدارة الأمريكية شعار التغيير والإصلاح, وكان ذلك متزامنًا مع تبنيها لمبادرة 'الشرق الأوسط الكبير' ، والذي يبدو أنه سيحمل وفقًا للمفهوم الأمريكي ملامح مختلفة لأنظمة جديدة.
ولأن تغيير المنطقة وعلى رأسها الأنظمة لا يتم بما يتوافق مع المصالح الأمريكية إلا بتغيير الشعوب, فكان لزاما أن يُخطط وعلى محور مواز ٍ لتغيير الواقع العربي الذي برغم فقده الكثير من مقومات صموده الحضاري إلا أنه ما زال يدافع المشروع الأمريكي بالمنطقة ويعوقه.
- وسواء كانت الرؤية حول طبيعة التغيير المنتظر تقوم على البندقية والدبابة والصواريخ الذكية، أم سيكون الدور الأساس في هذا المخطط لأسلحة الغزو الحضاري والثقافي المغلفة بغلاف أمريكي من أمثلة - 'العولمة' و'حوار الأديان' و'الحرية' و'الديمقراطية' وغيرها الكثير في الجعبة الأمريكية - فإننا يمكن أن نتلمس ومن خلال تصريحات مسئولي الإدارة الأمريكية والسياسات التي بدأت أمريكا تطبقها بالمنطقة أهم ملامح هذا المخطط الهادف لتغيير الأنظمة والشعوب, والذي يقوم في أساسه على سياسية 'الاستبدال' التي تتمثل أهم محاورها في:
- استبدال الحالة السياسية المتأزمة في الدول العربية 'بالديمقراطية الأمريكية المفصلة' التي تحوي صناديق اقتراع خاوية إلا من أصوات مؤيديها، وحرية تتسع لتشمل جميع الأطياف سوى منتقدي سياساتها ، ودستور يكفل التبادل السلمي للسلطة لكن بدون تجاوز للخطوط الحمراء والتي لا تعطي أمريكا الحق لغيرها في رسمها ، والواقع السياسي العراقي القريب خير شاهد على ذلك .
-استبدال الأنظمة القمعية والتي سقطت في أعين شعوبها ، -وسواء كان الاستبدال قائمًا على تغيير فعلي للنظام ورموزه أم الإبقاء على الأنظمة القابلة لتغيير أفكارها وسياساتها بما يتواءم والدور الجديد والمحدد أمريكيًا - ففي كلٍ فإن البديل المنتظر لابد أن يكون أنظمة هزيلة تفتقد لأدنى درجات الاستقلالية ، ولا تحمل أي طموح وطني أو قومي - فضلا عن أن يكون إسلاميًا - ينهض لمقاومة المشروع الأمريكي.
-استبدال الواقع الثقافي للبلدان العربية القائم في كثير من أدبياته على الثقافة الإسلامية بما تحويه من معاني التميز والعالمية والهيمنة والصمود ، والرافض للكثير من مفردات الغرب الثقافية والتي تصطدم بالثوابت والهوية العربية، بآخر يغلب عليه لغة 'السلام' و'التعايش'و'الحداثة' والعولمة'، وبالطبع بالمفهوم الأمريكي لتلك المصطلحات.(8/18)
-استبدال اجتماعي قائم على التدخل في القواعد الأسرية والأعراف الاجتماعية التي تحكم العلاقة بين أفراد المجتمع العربي المسلم بهدف تغيير النمط' المحافظ' التي اعتادت عليه المجتمعات العربية بآخر مختلف يسود فيه دعاوى' تحرير المرأة' و'المساواة' و'الحرية الجنسية'، ويتدخل في أدق تفاصيل الحياة اليومية بدءًا 'بمنضدة الطعام' وانتهاءً 'بغرفة النوم'. وما مؤتمرات بكين والقاهرة وغيرها من المنتديات الأممية المتعلقة بشئون الأسرة والمجتمع - والتي تؤسس لمفهومات جديدة 'شاذة' لطبيعة ودور الرجل والمرأة - إلا غيض من فيض مما يُخَطَط للمجتمعات العربية.
-استبدال جغرافي يهدف لإضعاف مراكز الثقل العربي بتفتيت الدول المحورية الكبرى لدويلات صغيرة هامشية تتمحور حول مشاكلها المحلية ويغيب دورها إقليما ودوليا، أو استبدالها بدول أخرى صغيرة الحجم ضعيفة التأثير سهلة الانقياد يسلط عليها الضوء تقدم كمثال للدولة النموذج التي تستأهل الدعم والرضا الأمريكي.
إن منظومة 'الاستبدال' الأمريكية التي تهدف لصناعة دول 'تافهة' بما تحويه من أنظمة 'هشة' وشعوب 'هلامية' تملك من عوامل الضعف ما يفتح الطريق لأمريكا لتثبيت هيمنتها وتحقيق مشاريعها بالمنطقة، تمهيدًا لما يصح تسميته بـ'السقوط الحر' للأنظمة والذي لابد أن يوازيه 'سقوط حر' للشعوب يهدف لسلخ الهوية واستلاب الحضارة ، وكل ذلك يأتي في إطار استراتيجية أمريكية أوسع تهدف لتضليل الأمة وإقناعها أن ثمة نجاح قد تحقق وأن التغيير المنشود قد حدث على يد أمريكا وبفضل مشاريعها 'الاستبدالية'
=============
أسس الحضارة الاسلاميه
الفصل الاول: بسم الله ارحمن الرحيم
الحضاره الاسلاميه
1/ القران الكريم
2/ السنه النبويه
3/ اللغه العربيه
4/ شعوب البلاد المفتوحه والخط العربي
5/ الاطار الجغرافي
6/ التأ ثيرات الاجنبيه
اولآ : القران الكريم
يعد القران الكريم احد الاسس الريئسيه الذي نبعث منه الحضاره الاسلاميه باعتباره المصدر الاساسي للاسلام وحجر الزاويه الذي تقوم عليه الشريعه الاسلاميه.
ومن المعروف ان الفران الكريم نزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم منجما على مدى الثلاث وعشرين سنه التي ضل خلالها يدعو الى الله سبحانه وتعالى ليكون اقرب الى الحفض واسهل على الضبط وابعد عن النسيان وقد حرص الرسول واصحابه على حفض الايات واستضهارها كما حرص ايضا على تدوينه فأ تخذ له كتبه يدونون ما ينزل عليه من ايات ويلازمونه حيثما ذهب عرفو بكتاب الوحي قاموا بتسجيل الايات على مواد متباينه اختلف في احجامها واشكالها وتنوعت في موادها بين قطع من العضم والخشب والفخار والجلد وجريد النخل والحجر
ومن ثم قد استخدم في حفض القران الكريم الذي بلغت صوره مائه واربعه عشر سوره وسيلتان هما
1 - الحفض والتدوين فقد تولى الرسول صلى الله عليه وسلم ترتيب الايات بنفسه فعين موضعها من بعضها البعض وتحديد مكانها في السورالمختلفه طبقا لما اخبر به الوحي ثم انتقل بعد ذلك الى الرفيق الاعلى وقامت حركه الرده واستشهد في موقعه اليمامه ما يقارب من سبعين صحابيا من حفضه القران الكريم وخشى عليه عمر من الضياع
بموت الحفاض فاقترح على الخليفه ابو بكر الصديق ان يجمع القران الكريم في صحف توضع بين دفتين وتردد ابو بكر في اول الامر وخاصه وان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يامر بذلك ثم استجاب بعد ذلك لم اشار به عمر ابن الخطاب
رضي الله عنهما اجمعين واستدعى زيد بن ثابت احد كتاب الوحي وامره بنسخ القران الكريم في مصحف فجمعه من وافع المدونات التي كانت لدى كتاب الوحي وبمساعده حفضته المشهود لهم بالتقوى وقوه الذاكراه اذ يروى ان ابو بكر كلف عمر ابن الخطاب وزيد بن ثابت بأن يقفا عند باب المسجد ويطلبا من كل من يحفض شيئا ان يذكر لهما مايحفض وهكذا تم حفض القران الكريم في عهد ابو بكر الصديق وحفض المصحف لديه مده حياته ثم انتقل بعد وفاته الى عمر بن الخطاب الذي تولىبعده الخلافه وبقى عنده حتى مقتله فحفض عند السيده حفصه احدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت تعرف باتقانها للقراءه والكتابه
ولما كان القران الكريم هودستور الاسلام والمسلمين فقد كان من الطبيعي ان يكون بثابه المصدر الاول والريئسي الذي نبعث منه الحضاره الاسلاميه اذ يكمن فبه سرد الاصاله الاسلاميه وعضمتها لاانه كتاب يهدي للتي هي اقوم لاياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فيه خير البشر سواء من الناحيه الروحيه او العقليه او الاجتماعيه فهو يدعو الى عقيده حقه تقوم على الوحدانيه عقيده واضحه خاليه من التعقيد والغموض والابهام
ثانيا : السنه النبويه
عما قريب ان شاء الله
المصدر:الحضاره الاسلاميه في العصور الوسطى
تاليف الدكتور احمد عبد الرزاق احمد
ليسنانس اداب اداب من قسم الاثار الاسلاميه-جامعه القاهره 1963ميلادي
ماجستير في الاثار الاسلاميه -جامعه القاهره1968
دكتوراه المرحله الثالثه في الاثار الاسلاميه-جامعه باريس( السربون ) 1970
يعمل استاذ وريئسقسم الارشاد السياحي ووكيل كليه الاداب للدراسات العلياء والبحوث بكليه الاداب - جامعه عين شمس
==============
خصائص الحضارة الإسلامية
لكل حضارة وعلى مر العصور العديد من الخصائص التي تتصل بشعب تلك الحضارة ونظرته إلى الحياة وتفكيره وعاداته وتقاليده ومدى تفاعله مع بيئته و تميزها هذه الحضارة على الحضارات الأخرى ولعل من أبرز خصائص الحضارة الإسلامية مكايلي :
1- العالمية والحيوية : تعني العالمية في الحضارة الإسلامية أنها ليست حضارة محصورة على فئة أو جماعة أو منطقة أو جزئية معينه ولكن هي صالحه للناس كافه ودليل ذلك قوله تعالى ( وما أرسلناك للناس كافة بشيرا ونذيرا ) حيث سمحت هذه الحضارة بسرعة دخول الناس للإسلام وانتشار الأفكار بينهم بكل سهولة وحيوية , ولعل أبرز م أيميزها ويجعل من السهل على من يعتنقونها التواصل مع بعضهم البعض وتبادل الأفكار بكل يسر هي فريضة الحج التي فرضها الله عز وجل على كل مسلم بالغ حر عاقل وقادر ليلتقي فيها المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها ويتبادلون فيها الأفكار والأحاديث التي تتعلق بأمور دينهم ,وقد ساهمت بذلك في توسعت الأمم والأجناس واستطاعت تلك الشعوب والبيئات التي دخلت في هذه الحضارة إن تطور حياتها معنويا وماديا تطويرا واضحا في ظلها وترتقي بجميع مكونات الحياة بعد إن كانت متخلفة , بل مما يبين حيوية هذه الحضارة أنها أثرت في المدنية العالمية وفي نقل تراث الأمم القديمة وكان لها أثر فعال في الشرق والغرب وبالإضافة إلى ذلك فإنها كانت من عوامل النهضة الأوروبية الحديثة .
والحضارة الإسلامية قوية بذاتها لأنها تعتمد على أسس متينة من الدعائم الروحية والخلفية والفكرية , ولذلك لم يؤثر تمزق الوحدة السياسية الإسلامية على استمرار الوحدة الحضارية القائمة على الإسلام والعروبة .(8/19)
(ولقد بدأ المفكرون في القرن العشرين يدعون إلى حكومة عالمية , فأين هم من الإسلام ورسوله الكريم الذي دعا إلى أخوة المسلمين في الدين , وأخوة الناس جميعاً في الإنسانية , ولم يجعل لعربي على أعجمي فضلا إلى بالتقوى والعمل الصالح , وألغى الفروق بين الأفراد والطبقات والعناصر والأجناس والألوان والشعوب , وجعل أساس الحكم المحافظة على الكرام والإنسانية ونشر كلمة الله والهدى والنور والحق والخير والمعرفة , الدين واحد والناس جميعا أخوة يحكمهم حاكم واحد بما أنزل الله , ويقول توماس كارل يل في كتابه الأبطال (( إن الرسالة التي أداها ذلك الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) مازالت السراج المنير مدة ثلاثة عشر قرناً لأكثر من مائتي مليون من البشر , وإن رجلاً كاذباً لاستطيع أن يوجد دين وينشره , وعجيب واليم الله أمية محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يقتبس من نور أي إنسان آخر , ولم يغترف من مناهل غيره , ولم يكن إلا كجميع الأنبياء , أولئك الذين أشبههم بالمصابيح الهادية في ظلمات الدهور )) ) (1)
2- المرونة والشمول والتطور : مما يبين شمولية الحضارة العربية الإسلامية أنها لم تقتصر الحضارة الإسلامية على مدينة الإسلام وحدها بل ضمت إليها مدينة العرب قبل الإسلام وما اقتبسته من مدنيات أخرى في الشرق والغرب من خلال عملية التأثير المتبادل , ثم افرغ هذا المزيج في قالب خاص طبع بالنزعة العلمية وحب الاستقصاء والابتكار ولم يقتصر الإبداع والابتكار على العلوم الشرعية فقط ولكن كان واضحاً في معارف العلوم والآداب والفنون الأخرى ومن معالم شموليتها أنها اهتمت بتربية الفرد والمجتمع من النواحي المختلفة في الحياة الدنيا والآخرة وسعت إلى التوفيق بينهما وقد اهتمت بعالم الملك والملكوت دون تقصير بجانب للجانب الأخر لأنهما مترابطين ترابط وثيق , ولما كان الإسلام خاتمة الرسالات فمن الضروري إن تكون حضارته حضارة متطورة تستطيع إن تسع كل تطورات الحياة الإنسانية ولا تقف جامدة إمام متغيرات الحياة البشرية في واقعها الفردي والجماعي , فاعتمدت في تشريعاتها على الكتاب والسنة والاجتهاد والذي يتضح لنا من خلال المؤلفات المختلفة في العلوم الإسلامية والإنسانية والطبيعية المختلفة .
3- الإيمان والولاء للإسلام وعقيدته : تؤمن هذه الحضارة بالله ورسالاته وأنبيائه عليهم السلام وتهتدي بهدى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم فمتى سماكان الشخص متشرب لهذه الفكرة ومؤمن بتا ويعمل على أساسها فإنه يعتبر من المسلمين حيث انه من السهل الإنظماl للمسلمين لأن الدين الإسلام مرتبط كل الارتباط بهذه الفكرة والتي لتتعارض مع العقل لأن الإسلام يقوم أساساً على مبدأ تعقل الإيمان والاقتناع بت ولالتفت لما دونها من انتماء لشعب أو منطقة أو قبيلة او عنصرية , بل حث الإسلام على إستغلال ما أتانا الله من نعم كثيرة كخلقة الله عز وجل للإنسان من مادة وروح والتي متى ماروعية فإن حياته تسير نحو الصلاح قال تعالى ( وابتغ فيما اتاك الله الدار الآخرة , ولاتنس نصيبك من الدنيا ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( ومامن مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه انسان او طير او بهيمة الا كانت له به صدقة ) . ولعل الدين الإسلامي قد أكد على ضرورة الولاء للإسلام والمسلمين دون غيرهم في ظل الدولة الإسلامية وحضارتها قال تعالى ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون الله ) وقوله تعالى ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يهادن الكافرين ولو كانوا من أقرب أقربائه كعمه أبي لهب , وقد حث الإسلام على العمل ولم يهمل جانب المادة بل ربط العمل بالإيمان بل تعتبر الحضارة الإسلامية حضارة إيمان وعمل وانتاج قال تعالى ( وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )
( جعل الإسلام رابطة العقيدة الأصل الذي يجتمع ويتفرق عليه الناس ورفض كل العصبيات : الطبقية والقومية والعنصرية والقبلية , وماشابه ذلك , يقول المولى عز وجل < يا أيها الناس أتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء > ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم < أيها الناس : إن ربكم واحد , وأباكم واحد , كلكم لآدم وآدم من تراب , إن أكرمكم عند الله أتقاكم , ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى > ) (2)
4- نزعة التسامح والإنسانية : تتجلى صورة النزعة الإنسانية في الحضارة الإسلامية من خلال طريقتين الأولى رسالة الإسلام التي جاء بها القرأن الكريم وحدث الرسول صلى الله عليه وسلم بها والثانية هي ماورثة العرب من الأخلاق الحميدة التي رواها لنا التراث العربي , ولقد ذكرت العديد من الألفاظ في القرأن الكريم والسنة النبوية والتي تحث على الإنسانية وتدعوا إليها في كل زمان ومكان , فعن معاذ بن جبل أنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أوصيك بتقوى الله , وصدق الحديث , ووفاء العهد , وأداء الأمانة , وترك الخيانة , وحفظ الحياد , ورحمة اليتيم , ولين الكلام , وبذل السلام , وحفظ الجناح ) , وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التواصل والمبادرة الإنسانية حيث قال : أفضل الفضائل ان تصل من قطعك , وتعطي من حرمك , وتصفح عمن ظلمك ) , فالحضارة الإسلامية حضارة إنسانية ملائمة لفطرة الإنسان وخصائصه المتعددة ومسايرة لتطلعاته وقادرة على تلبية حاجاته , فهو في نظر الإسلام كائن حي خلقه الله تعالى واختاره من بين المخلوقات جميعا ليكون خليفة الله في ارضه لأنه مؤهل للتكليف الالهي والمسئولية , وقد ارسل إليه الرسل كي يهدونه إلى سواء السبيل , بل وقد نظر الإسلام إلى غير المسلمين من أهل الذمة نظرة تسامح وأعطاهم حقوقهم وقد أثنى العديد من المؤلفين المسلمين على العلماء والكتاب من أهل السنة وهو مالم تعرفه أوروبا .
( ولا يزال الغرب يدعي أن أول من أعلن حق الإنسان في الحرية والأخاء والمساواة وأنه واضع حقوق الإنسان , وما أشد جرأة هؤلاء وهؤلاء على الحقائق , فلقد سبقهم الإسلام بأجيال وقرون إلى إعلان حقوق الإنسان وتأييدها وحمايتها , ومابالكم بدين حرر المرأة من جور الرجال , وحرر العامل من ظلم صاحب العمل , وحرر الرقيق والخدم من العبودية والهوان , وحافظ على حق الإنسان في الحياة والأمن , وحقة في الملكية , وفي الكرامة الإنسانية , وفي تكوين الأسرة , وفي الإشتراك في إدارة شئون الدولة , ودعا إلى العدالة بأجلى معانيها , وإلى الأخاء بأصدق مدلولاته , وإلى الحرية الكاملة , والمساواة الشاملة , والاشتراكية العادلة , وحمى أتباع الأديان الأخرى , وجعل لهم ماللمسلمين وعليهم ماعليهم من واجبات وحقوق , شعاره في ذلك الآية الكريمة < يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى , وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا , إن أكرمكم عند الله أتقاكم > , فلقد كان أفلاطون وأرسطو من فلاسفة اليونان يقرران حرمان العمال والصناع والموالى من الحقوق المدنية , لانحطاط مايمارسونه من مهن , وكان غيرهما يضع الرقيق والحيوانات في منزلة سواء , فأين هذا من سماحة الإسلام وسمو مبادئه , التي سوت بين الناس جميعاً ) (3)(8/20)
5- النزعة السلمية : تفيض الحضارة الإسلامية بروح السلام وألفاظه من خلال فريضة الصلاة والتحية بين المسلمين قال تعالى ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) , وجاء في الحديث الشريف ( إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلها فأن الشيطان اذا سلم أحدكم لم يدخل بيته ) , فتحية الإسلام يتعامل بها المسلم مع غيره من أهل بيته والأخرين وغير المسلمين وقد أوصى الإسلام بحقوق الجار مهما كان معتقدة , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الجيران ثلاثة : جار له حق واحد , وجار له حقان , وجار له ثلاثة حقوق . فالجار الذي له ثلاثة حقوق : الجار المسلم ذو الرحيم , له حق الجوار وحق الاسلام , وحق الرحم . وأما الذي له حقان فالجار المسلم , له حق الجوار وحق الاسلام . وأما الذي له حق واحد فالجار المشرك ) , وحقوق الجار تلزم جاره مشاركته فيما يحزنه ويسره ويرشده إلى مايجهله من أمور دينه ودنياه , فالإسلام دين سلام وأمان يأمن فيه الفرد على نفسه وعرضه وماله وأهله حتى ينصرف إلى العمل والإنتاج ويتنقل بين الدول العربية والإسلامية بكل أمان , فقليل من الآيات التي تحث على القتال بالمقارنة مع تلك التي تدعوا إلى السلم دائماً , لكن التمسك بالاسلام لايتعارض مع الحفاظ على مصالح المسلمين .
( بل قد أمر الإسلام المسلمين أن يعدلوا مع أعدائهم وان لايجورو عليهم قال تعالى < ولايجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا , أعدلوا هو أقرب للتقوى , واتقوا الله , أن الله خبير بماتعملون > ) (4)
6- النزعة العلمية : حث الإسلام منذ نزول أول آية فيه على طلب العلم والتأكيد عليه , قال تعالى ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) , وقد كرم الدين الإسلامي العلماء في قوله تعالى ( شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط ) , وقد ذُكر العلم ومشتقاته في عدد كبير من الآيات في القرأن الكريم , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانة أهل العلم عند الله سبحانه وتعالى ( أول من يشفع يوم القيامة الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء ) , وقوله صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقاً يطلب فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ) , وكان الحصول على الأجر والثواب هو أبرز الدوافع التي دفعت العلماء لطلب العلم أو تدريسه , وكانت الأمانة العلمية من أشد الأمور التي يحرص عليها العلماء المسلمين فقد نهجوا منهج الرقة والأمانة العلمية بالتجربة والمشاهدة والبحث والتحري والاعتماد على الحقائق العلمية الثابتة واجتناب الظنون والشبهات بالجهود المضنية في المعارف المختلفة , وهو ماشهد عليه الكثير من المستشرقين كسيديو .
7- النزعة العقلية : دعا الدين الإسلامي إلى إستغلال العقل خير إستغلال حيث وردة العديد من الأيات التي تدعوا إلى إستخدام العقل وتؤكد على النزعة العقلية منها ( أفلا يعقلون ) , ( أفلا يتفكرون ) , ( أفلا ينظرون ) لذلك رفع الإسلام القلم عن ( الجاهل - النائم - المخمور ) لأن عقولهم لم تنضج والدين الإسلامي يدعوا لأستخدام العقل ويكلف فقط من له عقل صحيح وناظج , وغالباً مايتفوق المسلمين على غير المسلمين عند مناظرتهم بأستخدام النظرة العقلية وليس النظرة العاطفية وقد اعتمد المسلمون على العقل في انتاجاتهم العلمية المختلفة بما فيها العلوم الشرعية .
( وأكبر أثر للإسلام في هذا المجال الكبير , هو أنه حارب الأديان الفاسدة , والعقائد الزائفة , ووجه الناس كافة إلى الله وحده لا شريك له , فرفع من شأن العقل , وذم التقليد والمقلدين , ونهى عن إتباع الآباء في غير الحق , وحارب الأوهام الفاسدة التي تضعف من شأن العقل وتدعوه إلى الكسل والجمود , وسلب الاسلام الناس ماكانوا يزعمون من القدرة على تسخير مافي الوجود من غيب , وجعل كل ذلك مرده إلى الله وحده , يعلم الغيب وماهو أخفى , فزالت عن العقل ظلمات كثيفة كانت تحول بينه وبين الفهم والادراك والرؤية الصحيحة , ودعا الإسلام إلى العلم الصحيح والتفكير السليم وبعث في الناس حب المعرفة والثقافة , وفرض على العالم إرشاد الجاهل وتهذيبه , إلى غير ذلك من مقومات الحياة الصحيحة , إلى غير ذلك من مظاهر الرقي العقلي والفكري وفي مقدمتها ان الإسلام دعا الناس إلى أن لا يؤمنوا إلا بمايؤدي إليه العقل والدليل والبرهان الصحيح , وإلى أن يمحصوا الأمور , ويتثبتوا في الحكم على الأشياء , فلا يصدرون عن هوى , ولا يحكمون إلا بعد تنقيب وتدقيق واستنباط صحيح , وهذا هو منهج البحث في الإسلام والذي قامت عليه الحضارة الإسلامية الباهرة ) (5)
8- الشورى : جاء الدين الإسلامي ليؤكد ماكان عليه العرب في الجاهلية من خلال تشاورهم في أمورهم العامة قبل , حيث كانت المناظرة والمفاوضة والتحكيم طريقهم في حل مشاكلهم وخصوماتهم في حالتي السلم والحرب , وقال تعالى ( وشاورهم في الأمر ) وقال سبحانه ( وأمرهم شورى بينهم ) ومن أبرز المواقف التي تبين لنا صورة الشورى في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء والتابعين من بعده هي ( إشارة الحباب بن المنذر بتغيير منزل المسلمين في بدر استعدادا للحرب ) وقد استجاب الرسول صلى الله عليه وسلم له , وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر (( يا أيها الناس من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد مني , ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه , ومن أخذت له مالاً فهذا مالي فيأخذ منه , ولا يخش الشحناء فهي ليست من شأني )) (6) ( بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ) , و ( بيعة عثمان بن عفان رضي الله عنه ) , وقول عمر رضي الله عنه لعمرو بن العاص (( متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟ )) (7) , وقال علي كرم الله وجهه (( من استبد برأيه هلك )) (8) , ( وقد أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (( أسمعوا وأطيعوا , وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة )) فالرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بأطاعة إمام المسلمين , ولو كان عبداً حبشياً , أسود اللون والرأس , وهذه روح الديمقراطية الإسلامية التني تنادي بالمساواة بين جميع الطبقات , ولا تفرق بين الأغنياء والفقراء او غيرهم من طبقات المجتمع ) (9)
9- اللغة العربية : تتجلى الصورة الحقيقية للحضارة العربي الاسلامية باللغة العربية باعتبارها الوسيلة الأساسية للتعبير عن نفسها من خلال تراثها العلمي والأدبي والفني , وأصبحت المقوم الثاني للشعوب الإسلامية بعد الإسلام في وحدتهم , بل كان الصفوة من المجتمعات الغربية في عصر النهضة يقدمون على تعلم اللغة العربية ويترجمون الكتب إلى لغاتهم ثم ينسبون الكتاب إلى أنفسهم مما يؤدي إلى وضعه كعالم وهو لايتعدى كونه مترجماً ولعل أبرز مادفعهم لفعل مثل هذا الشيئ هو كره بعض الغربيين لقبول شيء من العلماء العرب , وقد تشرفت هذه اللغة بنزول القرآن الكريم فيها , قال تعالى ( إنا أنزلناه قرأنا عربيا لعلكم تعقلون ) فكان الفضل الأكبر للقرأن الكريم في حفظ تراث اللغة ووحدة المتكلمين بها والتخفيف من فوارق اللهجات العربية قبل الإسلام حتى سادتها لغة قريش وهي لغة القرأن الكريم
=============
الوظيفة العامة في الإسلام... فكر إداري
الصفحة الرئيسة
ترتكز فكرة الوظيفة العامة في الإسلام على أن الوظيفة العامة واجب ديني، وأنها تكليف وليست حقًا، ومن ثم فإن دوام الوظيفة للفرد العامل مرهون بدوام صلاحية شاغلها، فمن يثبت عدم صلاحيته لها ينحى عنها.(8/21)
ـ والمنهج الإسلامي قائم على أن وجود الرجل المناسب في المكان المناسب هو واجب شرعي وضامنًا لسلامة العمل وحسن الأداء، والإسلام يربي الفرد على الإحسان والإتقان، ولا يسود الأمر إلا لأهله، كما فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أبي ذر عندما طلب منه أن يوليه فقال له: [[إنك ضعيف وإنها أمانة، وأنها يوم القيامة حسرة ندامة]].
ـ ولقد ألزم الإسلام ولاة الأمور باختيار الأصلح لشغل الوظيفة العامة، فالقواعد الأساسية في النظام الإسلامي ترتكز على أن الصلاحية أساس الاختيار، وعملية الاختيار في النظام الإسلامي لها ضوابط محكمة، إذ إنها تعتمد على تحديد مهام الوظيفة بكل دقة وتفصيل، ثم اختيار المتنافسين، ومن ثم يمكن القول بأن الإسلام كان له فضل السبق على الإدارة المعاصرة في وضع الضوابط لاختيار العاملين لشغل الوظائف العامة، فقد حرص الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والخلفاء الراشدون من بعده على ألا يكلف شخص غير كفء بعمل عام وهناك من هو أكفأ منه.
ـ وهكذا عرفت الوظيفة العامة في الإسلام بأنها خدمة عامة تستهدف إشباع حاجات المواطنين، ولم تكن الوظيفة في الإسلام لمن يسألها، بل كانت لمن يستحقها وتتوافر في الكفاية.
ـ وكان الاختبار قبل الاختيار مبدأ أساسيًا في الإسلام، فلا يشغل فرد وظيفة عامة قبل أن تثبت باختبار صلاحيته، وكان لابد من توافر شروط معينة فيمن يتولى الوظائف العامة، ومن أهمها القوة والأمانة والكفاية، والمقصود بالكفاية أن يكون من تم اختياره لشغل الوظيفة العامة هو الأصلح والأكفأ.
ـ وكان تقدير الأجر على أساس عادل وهو 'الأجر على قدر العمل' وهو الأساس الذي تنادي به الإدارة الحديثة وتقف عاجزة عن تطبيقه. وقد اهتم الإسلام بالحوافز والروادع، بل إن الإسلام كان يقرن دائمًا الروادع بالحوافز.
ـ وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقوم بتدريب من يستعملهم على مصالح المسلمين، ويزودهم بالنصائح والإرشادات، ولم يفت الخلفاء الراشدين ـ رضوان الله عليهم ـ ما للتدريب من أهمية بالغة في تنمية المعارف والقدرة على تفهم الأعمال فأولوه الكثير من اهتمامهم فكانت المدينة، المنورة على عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أشبه بالجامعة التي تخرج فيها القادة والولاة والأفراد.
فلم يكن عمر رضي الله عنه يبعث أحدًا إلى الأمصار إلا بعد أن يكون قد اختبره بالتدريب والمناقشة، حتى أنه كان قلما يخطئ اختيار عماله كل في المكان الذي يصلح له.
والخلاصة:
أن التربية الإسلامية القائمة على إصلاح النفس والضمير والارتباط بمراقبة الله في السر والعلن، والنظر إلى الإنسان على أنه مستخلف في الأرض لعمارتها وأن الله كرمه وأسجد له الملائكة، ومبدأ المساواة في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية القائمة على مبدأ العدل الرباني تنشئ نظامًا إسلاميًا رائعًا فاق في ميادين الحضارة الغربية الزائفة ومبدأ الإدارة في الإسلام أقوى بكثير من مبادئ الحضارة الغربية التي لا زالت تتلمس الطريق لعلها تجد من يرشدها إليه.
============
انظروا عمَّن تأخذون دينكم ؟!
الأحد غرة ذي الحجة 1426هـ - 1 يناير 2006م
الصفحة الرئيسة
خباب بن مروان الحمد
مفكرة الإسلام: الحمد لله الذي جعل في كلِّ زمان فترة من الرسل, بقايا من أهل العلم يدعون من ضلَّ إلى الهدى, ويصبرون منهم على الأذى, يحيون بكتاب الله الموتى, ويبصِّرون بنور الله أهل العمى, فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه! وكم من ضالٍ تائه قد هدوه! فما أحسن أثرهم على الناس, وأقبح أثر الناس عليهم. ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين...
أمَّا بعد:
فإنَّ لأهل العلم منزلة عالية في دين الإسلام, ودرجة رفيعة سامقة, كيف لا... وهم الذين اجتباهم الله لحفظ دينه, ونشر كلمته, وقرنهم بشهادته فقال: [ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ ]، ونفى المساواة بين من يعلم ومن لا يعلم، فقال: [ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون]، وأوضح أنَّ ألصق الصفات بأهل العلم, خشيتهم لله تعالى, فقال: [ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ]، ومن خشية العلماء لربهم أنَّهم لا يتكلمون إلا بالعلم والهدى, ويخشون ربهم من فوقهم أن يتقوَّلوا عليه بلا علم, ويوقِّعوا عنه بجهل؛ لأنَّهم وقَّافون عند حدود الله ونواهيه, إذ قال تعالى: [ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً] [الإسراء:36].
إلاَّ أنَّه ـ وللأسف ـ قد تقحَّم بوابة العلم, وولج فيها مولجًا لا يستحقه, أناسٌ ليس لهم في العلم الشرعي كبير إنعام، حيث امتطوا صهوة العلم والتعليم, فتراموا على شاشات الفضائيات, وأوقعوا بأرجلهم على مهاد المنابر, وتكالبوا في الكتابة بالصحف والجرائد والمجلات, إمعانًا منهم لتعليم الناس ما يهمُّهم, في شئون الدين والدنيا, وقسم آخر وهم كثيرون إذا اجتمعوا في المجالس والنوادي, وطُرحت مسألة فقهية أو شرعية, وجدت المختص وغير المختص يخوض فيها, ويتمنطق متحدثًا عنها, مدَّعياً أنَّ لديه علمها وحكمها, على حدِّ ما ذكره الشيخ: 'محمد الغزالي' ـ رحمه الله ـ: [ قرأت كتابًا لأحد المهندسين يفسِّر حقيقة الصلاة تفسيرًا لم يعرفه المسلمون طوال أربعة عشر قرنًا؛ فعجبت لهذا الحُمق في خرق الإجماع, وقلت: أما يجد هذا المخترع مجالاً لذكائه في ميدان الهندسة ليتقدَّم فيه، بدلاً من أن يشغل نفسه ويشغلنا معه بهذه التوافه ] [ ليس من الإسلام ـ للشيخ: محمد الغزالي /56 ]. فترى كثيرًا ممَّن على شاكلة هذا الشخص زاعمين أنَّهم مثقفون ومطَّلعون يطلقون لأنفسهم باب الاجتهاد في التحدّث عنها بآرائهم, والغريب أنَّ ذلك يحصل في كثير من المجالس، وخصوصًا مجالس كثير من العوام أو غير المتخصصين في العلم الشرعي، ممَّن تخصصوا في العلوم التجريبيَّة أو الطبيعيَّة أو غيرها, وكانوا بعيدين بُعد المشرقين عن البحث والاطِّلاع في أصول الشريعة ومحكماتها، فتجد كثيرًا منهم 'يلتُّ ويعجن' في المسألة التي قد تكون مشكلة, ولو عُرضت على عمر ـ رضي الله عنه ـ لجمع لها أهل بدر ليتباحثوا فيها, ويعطوا الحكم الشرعي المناسب لها، المبني على الكتاب والسنّة ! وإن طُرحت على أهل العلم أعطوها حقَّها من البحث والتفكير, ورحم الله زمنًا جاء فيه أنَّ الإمام مالك قال: [ إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنّة, فما اتَّفق لي فيها رأي إلى الآن ]، وقال: [ ربما وردت علي المسألة فأفكر فيها ليالٍ ] [ ترتيب المدارك 1/178].
وإنَّ العجب ليأخذني كلَّ مأخذ, حين أرى هؤلاء المتقحِّمين باب العلم حين تُعرض أية مسألة من متعلقات الشريعة فيتحدثون عنها, ولم يكلِّفوا أنفسهم البحث عن حكمها ودلائل حلِّها أو حرمتها، بل تجد المبادرة والمسارعة للإفتاء وإبداء الرأي بحجَّة أنَّها وجهة نظرهم, ولا يعني أن تكون وجهة النظر صحيحة, وكأنَّ علم الشريعة علم يُتناول على مائدة الحوار والكل يبدي رأيه متوقعًا ومخمِّنًا أنَّ ذلك هو الحكم الشرعي !(8/22)
مع أنَّ هؤلاء العوام أو من يتسمَّون بالمثقفين ـ أمثال [ صاحبنا ] ـ لو أنَّ رجلاً غير متخصص في الفن الذي هو من اختصاصهم وتكلم فيه زاعمًا أنَّ رأيه صواب, وأنَّ ما يقوله لا يلزم أن يكون صحيحًا, لنظروا إليه نظر شزر, وقرَّعوه بشديد الخطاب؛ لأنَّه تكلّم فيما لا يحسنه, ومن يتكلم بما لا يحسن يأتي بالعجائب !
وَصَدَقُوا... ولكن لِمَ لا تمرَّر هذه القاعدة والمنهجية عليهم كذلك ؟ أمَّ أنَّ علم الشريعة متاح لكل أحد أن يكون مجتهدًا فيه, وغيره من العلوم لا يتحدَّث فيه إلاَّ من تخصص به وثنى ركبته في نيله عند أهله ؟!
وقد لاحظ تلك المشكلة الإمام 'ابن رجب' ـ رحمه الله ـ واشتكى منها قائلاً: [ يا لله العجب ! لو ادَّعى معرفة صناعة من صنائع الدنيا, ولم يعرفه الناس بها, ولا شاهدوا عنده آلاتها لكذَّبوه في دعواه, ولم يأمنوه على أموالهم, ولم يمكِّنوه أن يعمل فيها ما يدَّعيه من تلك الصناعة, فكيف بمن يدَّعي معرفة أمر الرسول وما شوهد قط يكتب علم الرسول, ولا يجالس أهله ولا يدارسه ! ] [ الحكم الجديرة بالإذاعة ].
* أقوال علماء الإسلام في النهي عن التكلم بلا علم:
وقد تواترت كتابات العلماء في التحذير من التكلّم بلا علم والإفتاء بالجهل, ومنهم الإمام الشافعي فقد قال ـ رحمه الله ـ: [ فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلاَّ من حيث علموا, وقد تكلَّم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلَّم فيه منه لكان الإمساك أوْلى به وأقرب من السلامة له، إن شاء الله ] [ الرسالة /41 ].
وقال الإمام 'ابن حزم': [ لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها, فإنَّهم يجهلون ويظنُّون أنَّهم يعلمون, ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون ] [ مداواة النفوس /67 ]
وقال شيخ الإسلام 'ابن تيميَّة' ـ رحمه الله ـ: [ ولا يحل لأحد أن يتكلَّم في الدين بلا علم، ولا يعين من تكلَّم في الدين بلا علم, أو أدخل في الدين ما ليس منه ] [ مجموع الفتاوى 22/240 ]، وقال كذلك: [ فمن تكلَّم بجهل وبما يخالف الأئمة؛ فإنَّه يُنهى عن ذلك ويؤدَّب على الإصرار, كما يُفعل بأمثاله من الجهال, ولا يُقتدى في خلاف الشريعة بأحد من أئمَّة الضلالة، وإن كان مشهوراً عنه العلم, كما قال بعض السلف: لا تنظر إلى عمل الفقيه، ولكن سله يصدقك ] [ مجموع الفتاوى 22/227 ]، وقال كذلك: [ ومن تكلم في الدين بلا علم كان كاذبًا، وإن كان لا يتعمد الكذب، كما ثبت في الصحيحين عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما قالت له سبيعة الأسلمية، وقد توفي عنها زوجها سعد بن خولة في حجة الوداع فكانت حاملاً فوضعت بعد موت زوجها بليالٍ قلائل، فقال لها أبو السنابل بن بعكك: ما أنت بناكحة حتى يمضي عليك آخر الأجلين, فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: [ كذب أبو السنابل, بل حللت فانكحي ] [ مجموع الفتاوى 10/449 ].
* من يملك حقّ التكلُّم بالعلم:
ممَّا يهمُّ المسلم المعاصر لهذا الزمن, أن تكون له بيِّنة لصفات من يُؤخذُ عنهم العلم, ومعرفة جليَّة لسمات أهله وأصحابه؛ لئلاَّ يختلط عليه الحق بالباطل, والصواب بالخطأ, وليعبد الله على بصيرة وبيِّنة، خصوصًا أنّ أحاديث صريحة أتت عن رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في التحذير ممن يتقمصون مسوح العلم وينطقون به, ومن أئمة الضلال الذين يحكمون بالجور والجهل, ومن ذلك أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: [ سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات يُصَدَّقُ فيها الكاذب, ويُكَذَّبُ فيها الصادق, ويؤتمن فيها الخائن, ويخوَّن فيها المؤتمن, وينطق الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه, يتكلم في أمر العامَّة ] أخرجه ابن ماجه [4042 ]، وأحمد في المسند [ 2/291 ] بسند حسن, وانظر السلسلة الصحيحة للألباني [ 1887 ]، وثبت عند أحمد من حديث أبي الدرداء أنَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ قال: [ إنَّ أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلون ] [ المسند 6/441 ]، وحدَّث عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قال: [ إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتَّى إذا لم يُبقِ عالمًا؛ اتخذ الناس رؤوسًا جهَّالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلُّوا وأضلُّوا ] [ أخرجه البخاري 1/174،175 في كتاب العلم, ومسلم واللفظ له 4/258 ].
لأجل هذا يتحتَّم على مبتغي طريق الحق, ومريد طوق النجاة وسبيل الفلاح أن يعرف صفات من يأخذ عنهم العلم؛ لئلا يضيع الطريق الشرعي, ويضل السبيل, وسأذكرها في عدَّة نقاط:
*صفات من يؤخذ عنهم العلم:
1ـ خشية الله تعالى:
وهي صفة لصيقة بأهل العلم الراسخين الربَّانيين, الذين يخشون ربهم, ويراقبونه في ما دقَّ وكبر, جليلاً كان أو حقيرًَا, فخشية ربَّهم ملازمة لهم, لا يحيدون عنها ولا يتحايلون عليها, بل هم لله وبالله وعلى الله يفضون له جميع أمورهم, ويتعلقون بحبال الرجاء والخشية منه، ولهذا كان يقول جمع من أهل العلم كابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وغيره: [ كفى بخشية الله علمًا, وكفى بالاغترار به جهلاً ]، وحين نادى أحدهم الإمام الشعبي قائلاً له: يا عالم. فقال الشعبي: [ إنَّما العالم من يخشى الله ]، وكان طلاب العلم لا يتلقون العلم إلاَّ عمَّن عُرف بالخشية والخشوع, فقد قال النخعي ـ رحمه الله ـ: [ كان الرجل إذا أراد أن يأخذ عن الرجل نظر في صلاته وفي حاله وفي سمته, ثمَّ يأخذ عنه ].
2ـ تلقي العلم عن الراسخين في العلم:
وذلك لئلاَّ تكون له منهجية مبعثرة في قواعد الترجيح, ودلائل الاستنباط, وأن يكون تلقيه من أفواه العلماء وشفاههم؛ فيكون متقنًا للأحكام, ولهذا كان السلف الصالح كالإمام الشافعي يقول: [ من تفقه من بطون الكتب ضيَّع الأحكام ] [ تذكرة السامع والمتكلم /83 ].
فلا يعقل آيات الله, ولا يفقه أحكامها ويستنبط دلائلها إلا البارعون في العلم, كما قال تعالى: [ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ ] [العنكبوت: 43]، وكقوله تعالى: [ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم] [النساء: 83]؛ فأهل العلم هم أوْلى الناس باستنباط أحكام الدين وشرائعه. قال محمد بن سراقة البصري: حقيقة الفقه عندي: الاستنباط. قال تعالى: [ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم ] [ المنثور في القواعد 1/67 ـ بواسطة: أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي 1/68 لمحمد أحمد الراشد ]؛ لهذا حثَّنا الله تعالى على سؤالهم إن أشكل علينا أمر شرعي, فقال تعالى: [ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ] [الأنبياء: 7].
أخرج الدارمي في سننه في مقدمته: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ [ خُذُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ ] قَالُوا: وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ ـ لَا يُغْضِبُهُ إلاَّ اللَّهُ ـ ثُمَّ قَالَ: [ ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ أَوَلَمْ تَكُنِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمْ شَيْئًا ؟! إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ, إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ ].(8/23)
قال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ: [ إنَّ إنصاف الرجل لا يتمُّ حتَّى يأخذ كلَّ فنٍّ عن أهله كائنًا ما كان؛ فإنَّه لو ذهب العالم الذي تأهَّل للاجتهاد يأخذ مثلاً الحديث عن أهله، ثمَّ يريد أن يأخذ ما يتعلَّق بتفسيره في اللغة عنهم؛ كان مخطئًا في أخذ المدلول اللغوي عنهم, وهكذا المعنى الإعرابي عنهم فإنَّه خطأ ]، ثمَّ يؤكِّد الإمام الشوكاني هذه المنهجيَّة المتَّزنة بقوله: [ فالعالم إذا ظفر بالحق من أبوابه, ودخل إلى الإنصاف بأقوى أسبابه, وأمَّا إذا أخذ العلم عن غير أهله، ورجَّح ما يجده من الكلام لأهل العلم في فنون ليسوا من أهلها؛ فإنَّه يخبط ويخلط, ويأتي من الأقوال والترجيحات بما هو في أبعد درجات الإتقان وهو حقيق بذاك] ا.هـ [ أدب الطلب ومنتهى الأرب /76 ]
وكم من مدَّعٍ للعلم, متعالم مع جهل, ينظر لنفسه نظر الكبر والغرور؛ فيظنُّ أنَّ جمع العلم يكون من قراءته للكتب فحسب, فلا حاجة لأن يقرأ العلم على أهله, ولا ليثني ركبه عند أهل العلم, تلقيًا منهم ومذاكرة معهم, ومراجعة عليهم؛ ليعلو كعبه في العلم, ويعلم أنَّه [من البليَّة تشيُّخ الصحيفة]، وقد كان أهل العلم ينهون عن نيل العلم من الكتب فحسب, بل لابد من مقارنة ذلك بالحضور عند أهل العلم, والتلقي من الأشياخ؛ ليقوى باع الطالب في العلم, ويشتد عوده في الفهم, ويصلب مراسه لمعالجة مشكلات الكتب وما يكتنفها من مسائل غامضة. قال كمال الدين الشمني:
من يأخذ العلم عن شيخ مشافهةً يكن من الزيف والتصحيف في حرمِ
ومن يكن آخذاً للعلم من صحف فعلمه عند أهل العلم كالعدم
قال الأوزاعي : كان هذا العلم شيئاً شريفاً , إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه, فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله.
وحين يتأمل المرء في بعض الكتب الصادرة, وما يجد فيها من فهم خطأ لبعض نصوص الكتاب والسنَّة, وأقوال أهل العلم؛ يتيقن بأنَّ الخطأ ليس في صياغة الشيخ في كتابه بدلالاته اللغوية, ومعانيه الكلاميَّة, وإنَّما من الفهم القاصر لقارئ الكتاب؛ ممَّا يجعله ينزلق في الفهم القاصر, كما قال ابن القيم: [ما أكثر ما ينقل الناس المذاهب الباطلة عن العلماء بالأفهام القاصرة] [مدارج السالكين2/431]. وصدق من قال:
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
ولا عجبَ أن ترى كثيراً من المسائل التي وقعت بها أخطاء علميَّة, أدَّت فيما بعد لأن تكون أقوالاً تنسب لبعض المنتسبين للعلم؛ لتكون خلافاً يحكى أمد الدهر, وذلك لقلَّة الفهم, وضعف العلم, ولو سكت هؤلاء القوم ولم ينطقوا لكان ذلك بهم أحرى وأوْلى من أن يتكالبوا على التدريس والتعليم, وبضاعتهم في العلم مزجاة, وممَّا يحسن إيراده في هذا المقام ما قاله كلثوم العتابي حيث قال: [لو سكت من لا يعلم لسقط الاختلاف ] معجم الأدباء[5/19] وقال أبو حامد الغزالي: [لو سكت من لا يعرف قلَّ الاختلاف, ومن قصر باعه وضاق نظره عن كلام علماء الأمَّة والاطِّلاع عليه فماله وللتكلُّم فيما لا يدريه, والدخول فيما لا يعنيه, وحق مثل هذا أن يلزم السكوت] [الحاوي للفتاوى2/116].
ولهذا كان أهل العلم ـ رحمهم الله جميعاً ـ إذا سئلوا عن مسألة ولم يعرفوا لها جواباً قالوا : الله أعلم, ولم يفذلكوا أو يكذلكوا, بل كانوا متَّسمين بالوضوح تجاه مستفتيهم, إن علموا حكم المسألة قالوا بها, وإن جهلوها قالوا لا نعرفها, بل كانوا لا يجزمون في فتاويهم ـ في بعض الأحيان ـ إن شعروا أنَّ المسألة قد تحتمل أوجهاً متعدِّدة, كما نقل عن الإمام مالك أنَّه في بعض الأحيان إن أفتى قال: [إن نظنُّ إلاَّ ظنَّاً وما نحن بمستيقنين] [جامع بيان العلم وفضله2/146] وممَّا نقل عن بعض أهل العلم حين كانوا لا يعرفون حكم المسألة أو يجهلونها, ما نُقِلَ عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنَّه قال: [وأبردها على الكبد إذا سئل أحدكم عمَّا لا يعلم, أن يقول : الله أعلم] [تعظيم الفتيا لابن الجوزي/81].
3ـ ألاَّ يكون من أصحاب تتبع الرخص, ومن المتساهلين في فتاويهم وتعليمهم:
والحقيقة أنَّ أصحاب تتبُّع الرخص صاروا يستمرؤون هذه الخصلة وخاصَّة في هذا الزمان, بل صاروا يأتوننا بأسماء جديدة للفقه, فطوراً يقولون: نحن من دعاة [تطوير الفقه الإسلامي] وتارة يقولون : نحن أصحاب مدرسة [فقه التيسير والوسطيَّة] وليتهم كانوا كذلك, فهناك فرق بين التيسير الذي هو سمة الفقهاء الراسخين, والتفريط الذي هو سمة المتساهلين!
بيد أنَّ التيسير والترخيص لا يؤخذ إلاَّ من رجل عالم ثبت ثقة، وأمَّا أن يؤخذ ذلك من كل أحد يدَّعي الاجتهاد والتعليم؛ فإنَّ ذلك هو المرفوض قطعاً, وبما أنَّ الربَّاني يرفض الغلو والتشديد, فهو كذلك يرفض الترخيص والتساهل من غير الثقات, لذا قال الإمام سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ[إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التَّشدد فيحسنه كلُّ أحد] [جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 1/784]. فليفرَّق بين أصحاب مدرسة التيسير المتَّبعين لضوابط الشرع, وبين أولي التساهل والتفريط والتمييع وعلى هذا فقس، من أنصار تطويع الفتوى للواقع, وليِّ أعناقها لتواكب هذا العصر وتوازن ميوله واتجاهاته خشية أن يُنْبَزُوا بأنَّهم متشدِّدون متنطِّعون!
وصرنا نرى فتاوى يضحك الجهلاء منها, كشيخ يرى جواز كشف شعر المرأة لأنَّ هناك عالماً كان يرى كشف شعر المرأة , ولذا فلا بأس بأن تكشف المرأة شعرها, وشيخ يفتي النساء المسلمات ويدعوهنَّ إلى التَّخلِّي عن الحجاب تلافياً لموجة الاعتداءات على المسلمين التي شهدتها بريطانيا عقب الهجمات على لندن, وآخر يرى جوازَ بيعِ المسلمينَ للكفَّارِ الخمرَ, بدعوى الضرورة والحاجة:
أمور تضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها الحليم
وثالث يفتي بجواز التطبيع مع اليهود مع أنَّ إباحة ذلك قضيَّة خطيرة للغاية، وشيخ ٌيرى جواز إمامة النساء للرجال, أو يرى جواز التدخين لمن يقدر على شرائه, أو بمن يقول بجواز لبس البنطال للنساء في الشوارع بحجَّة أنَّه يستر جسدها, أو بجواز مصافحة المرأة الأجنبيَّة للرجل وتقبيله لها أو تقبيلها له, أو من شيخ يرى جواز أن يتغنَّى الفسقة المغنُّون بالقرآن ويعزفوا الوتر على آياته, وآخر ما اطَّلعت عليه ما نشر عن أحدهم بأنَّه يشكِّكُ في نزول عيسى بن مريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى الأرض في آخر الزمان , ضارباً على الأحاديث الواردة عن النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في إثبات هذه المسلَّمة العقديَّة ! وقد سمعت من ذلك عجباً لا أحبُّ أن أزيد به القارئ ضحكاً مزجياً بتعجُّبٍ واستغراب.
ومن الوسائل التي يحاول أدعياء تطوير الفكر الإسلامي أن يطرحوها , اتِّخاذ التلفيق الفقهي وسيلة لمعايشة ضغوط الواقع, والمقصود بالتلفيق: أن لا يلتزم المفتي أو مستنبط الحكم مذهباً معيَّناً في فتاواه وفي حكمه, بل يحاول أن يأخذ برخص الفقهاء, ونوادر العلماء, وتيسيرات المتقدِّمين؛ لتكون مناسبة لفقه القرن الواحد والعشرين, وهو قرن اندماج الثقافات مع الآخر الغربي/ الكافر؛ ليكون ذلك وسيلة على إظهار الإسلام بروح المعاصرة والمسايرة!(8/24)
وقد اطَّلعت مؤخراً على كتاب جديد كتبه: [مراد هوفمان] بعنوان: [في تطوُّر الشريعة الإسلامية] يقرِّر فيه إسلاماً يسميه [الإسلام المعتدل] إذ يرى أنَّ الشريعة الإسلامية قابلة للتطور والمرونة؛ ولذا يرى أنَّ شهادة المرأة كافية وخاصَّة في الأمور الاختصاصيَّة بل وملزمة /صـ47، ويرى أنَّ تعدد الزوجات هو استثناء لحالات خاصَّة حيث يسمح به في حالة الأمَّهات الأرامل ممَّن لديهنَّ أطفال يتامى، أو مع يتيمات, أو لهدف العناية بالأيتام /صـ41، كما يرى أنَّه لا ينبغي إقامة حدِّ الردَّة على المرتد عن الإسلام /صـ53, ويرى أنَّ الإسلام ـ كنتيجة نهائية لبحث كتبه في عشرين سطراً ـ لم يقرَّ أبداً رجم الزناة /صـ55، بل يرى أنَّ الحديث عن مفاهيم دار الحرب ودار الإسلام للتعبير عن العلاقة بين الشرق والغرب بأنَّها مفاهيم تجاوزها الزمن /صـ65, إلى غير ذلك من الضَّلالات التي وقعَ فيها هذا الرجل؛ ليجعل أحكام الإسلام تُؤخذُ بهذه الطريقة المنهزمة, والمُمَيَّعة! [ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ] [يونس: 59]
ولولا أن يُظنَّ بنا غلوٌّ لزدنا في المقال من استزادا
فهذا الرجل وأمثاله الذين صار لهم توسع وانتشار, من الأشكال التَّي تعرض الدين الإسلامي بطريقة تجعل النصوص الإسلاميَّة ملويَّة أعناقها لتتواءم ـ كما زعموا ـ مع معطيات الحضارة, ومتغيرات الزمن؛ وليؤسٍِّسوا فقهاً اجتهاديَّاً جديداً يرعى مصالح الزمان, وضغوطه الدولية، والَّتي من أهمِّها أن ينظر الغرب إلى هذه العقول بأنَّها عقول مرنة ومنفتحة, وصدق من قال من علمائنا المعاصرين: إنَّ الاجتهاد لم يُفتح في هذا الزمان وإنَّما كسر كسراً! فرحم الله من قال:
إن رُمْتَ حقَّاً لهذا الدِّين مصلحة لا تظلم القوس أعط القوس باريها
ولقد كان علماؤنا الأجلاَّء يحرِّمون استفتاء المفتي المتساهل, كما ذكر الإمام ابن مفلح قائلاً: [ يحرم تساهل المفتي, وتقليد معروف به] [التقرير3/351 بواسطة : زجر الفقهاء عن تتبع رخص الفقهاء/66]، وكان الإمام أيوب السختياني ـ رحمه الله ـ يقول: [يخادعون الله كأنَّما يخادعون الصبيان] [أعلام الموقِّعين 4/176ـ177]؛ ولهذا شكا بعضهم إلى الفقيه ابن حجر الهيتمي أحدَ قضاة المسلمين , لأنَّه يشدِّد على الناس فلا يحكم إلاَّ بالقول الصحيح, ولا يسلك بهم مسلك التخفيف والترخيص فأجاب ـ رحمه الله ـ بقوله: [ما ذُكر عن هذا القاضي إنَّما يُعَدُّ من محاسنه لا من مساوئه؛ فجزاه الله تعالى عن دينه وأمانته خيراً, فإنَّه عديم النظر إلى الآن ـ ثمَّ قال: ـ فقيام هذا القاضي حينئذٍ بقوانين مذهبه, وعدم التفاته إلى الترخيص للناس بما لا تقتضيه قواعد إمامه يدلُّ على صلاحه ونجاحه وفلاحه] [الفتاوى الكبرى الفقهية 4/324 بواسطة زجر الفقهاء عن تتبع رخص الفقهاء لجاسم الدوسري/22, وكتاب تحذير الفضلاء للمقطري/35ـ36]
ولهذا فإن المنتسبين لأصحاب مدرسة [فقه التيسير ـ أي التساهل والتمييع لقضايا الشريعة ـ] المدَّعين أنَّهم أولو الوسطيَّة والاعتدال؛ فإنَّك واجد في كتاباتهم ودروسهم وفتاويهم عجائب من الأقاويل, التي يرون أنَّهم بها قد وافقوا بين الأصالة الفقهية, والمعاصرة الزمانيَّة، ومن ذلك ما قاله الشيخ مصطفى المراغي لأعضاء لجنة وضع لائحة الأصول للأحوال الشخصيَّة ـ وكان رئيسها ـ : [ضعوا من المواد ما يبدو لكم أنَّه موافق الزمان والمكان, وأنا لا يعوزني بعد ذلك أن آتيكم بنص من المذاهب الإسلاميَّة يطابق ما وضعتم] [تراجم الأعلام المعاصرين لأنور الجندي/ص428].
آه من دهر خؤون أهله لا يرون العلم للدين شعارا
طلبوا علماً بماضي غيرهم حالهم أحسن إذ كانوا صغارا
فإذا ما الشيب في أذقانهم ملؤوا الآفاق ظلماً وبوارا
وقد كان أهل العلم يحذِّرون أشدَّ التحذير من الأخذ برخص العلماء وزلاَّتهم, وأن تُجعل ديناً يدين العبد بها ربَّه, فإنَّ ذلك علامة على ضعف الإيمان, وقلَّة الديانة, قال الأوزاعي: [من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام] [السير/125].
4ـ أن يكون له باع طويل في تلقِّي العلم والاجتهاد في تحصيله:
إنَّ ضرورة التأصيل العلمي, وقوَّة التمكن الشرعي, له أثره البالغ ـ ولا شكَّ ـ في أهليَّة العالم أو المعلِّم وقت تعليمه وكتابته وإفتائه, ذلك أنَّه يعطي المتعلِّم أو المستفتي اطمئناناً لمن يسأله، والقارئ ارتياحاً لما يكتبه الداعية المعلِّم، وقد كان أهل العلم الربَّانيين السابقين منهم واللاحقين يطلبون العلم, ويجتهدون في نيل مرامه, من المهد إلى اللحد، كما قال الإمام أحمد, فكانوا لا يفارقون كواغد العلم, ولا أوراق الشريعة, فهي معهم في حلِّهم وترحالهم, بل لا يتركون معلِّميهم وأساتذتهم في طلب العلم عليهم بثني الركب عندهم، ولك أن تعلم أنَّ إماماً كابن الجوزي طلب علم القراءات وقد كان باقعة في العلم, علاَّمة في الإدراك والفهم, مشهوراً بين الأنام, ومع ذلك يطلب هذا العلم مع ابنه الصغير وهو في سنِّ السبعين, ولم يكن كبر عمره, وشرف رسوخه في العلم, حائلاً بينه وبين طلب العلم, وملازمة أخذه وإدراكه, والعيش معه ليل نهار, حفظاً واطِّلاعاً وبحثاً ومذاكرة وفهماً وتعليماً وإفتاءً, وقد قال علماؤنا بأنَّه: من لم يتقن الأصول حرم الوصول.
إلاَّ أنَّ القضيَّة ـ وللأسف ـ اختلفت وخاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه المستعجلون للتدريس, والمتزبِّبون قبل أن يتحصرموا, والمدَّعون للعلم والعلم بريء منهم [فعلى هذا لا يكتفي بمجرَّد انتسابه إلى العلم, ولو بمنصب تدريس أو غيره, لا سيما في هذا الزمان الذي غلب فيه الجهل, وقلَّ فيه طلب العلم, وتصدَّى فيه جهلة الطَّلبة للقضاء والفتيا, فتجد بعضهم يقضي ويفتي وهو لا يحسن عبارة الكتاب, ولا يعلم صورة المسألة, بل لو طولب بإحضار تلك المسألة وهي في الكتاب لم يهتدِ إلى موضعها, فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون:
لقد هزلت حتَّى بدا من هزالها كلاها وحتَّى سامها كل مفلس]
[ما بين القوسين من رسالة في الاجتهاد والتقليد ـ للشيخ: حمد بن ناصر بن معمَّر/48ـ49]
حتَّى قال الأستاذ: مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ : [والحقيقة أنَّنا قبل خمسين عاماً كنَّا نعرف مرضاً واحداً يمكن علاجه, هو الجهل والأميَّة, ولكننا اليوم أصبحنا نرى مرضاً جديداً مستعصياً هو[التعالم]. وإن شئت فقل: الحرفيَّة في التعلُّم , والصعوبة كلَّ الصعوبة في مداواته . وهكذا فقد أتيح لجيلنا أن يرى خلال النصف الأخير من هذا القرن ظهور نموذجين من أفراد في مجتمعنا: حامل المرقعات ذي الثياب البالية, وحامل اللافتات العلميَّة] [شروط النهضة/91 ]. ولهذا فإنَّ أحد متعالمي زماننا، وهو مهندس ميكانيكي، أخرجَ كتاباً عنوانه: [ إصلاح أكبر خطأ في تاريخ الأمَّة الإسلاميَّة] حيث يدَّعي أنَّ مسند الإمام أحمد ليس للإمام أحمد وإنَّما لابنه عبد الله, بدعوى أنَّ المسند قبل كلِّ حديث أو أثر مرويٌّ بسنده, يبدأ به بقوله حدَّثنا عبد الله, قال حدَّثنا الإمام أحمد، فخرج هذا المسكين بالنتيجة العلميَّة التي لم يدركها جميع علماء الحديث على مرِّ الزمن, واستخرجها هو بفطنته وعلمه وكياسته, ولم يعلم هذا المتعالم أنَّ مسند الإمام أحمد قد رواه عنه كاملاً ابنه عبد الله؛ ولهذا كُتب فيه: حدَّثنا عبد الله ابن الإمام أحمد, وصدق من قال: العلم فضَّاح لغير أهله.
كلُّ من يدَّعي بما ليس فيه فضحته شواهد الامتحان(8/25)
بل وصل بعضنا إلى درجة [الانحطاط الفكري] في تلقِّي العلم الشرعي ممن لم يعرف عنه نبوغه به, فقد حدَّثني أحد العلماء المعاصرين عن أحد الكتَّاب الغربيين الذين انتسبوا لدين الإسلام, أنَّه استُضيف في أحد الفنادق، وكان حضور الناس إليه بالمئات, وكان ممَّن حضر ذلك المؤتمر النساء المسلمات, وبدؤوا يسألونه عن كلِّ صغيرة وكبيرة وصاحبنا الغربي لا يفتأ يجيب عن كلِّ ما يسأل عنه, حتَّى إنَّ إحدى النساء الحاضرات سألته عن مسألة من مسائل الحيض المشكلة عليها ليجيب عنها بما يراه مناسبًا, والعجيب أنَّ المقدِّم له يسأله عن ذلك وهو يعلم أنَّ ذلك الرجل المنتسب لدين الإسلام حديث عهد بإسلامه ! فكيف بالله يلج هذا الرجل تلك المداخل وهو قريب عهد بالإسلام؟! ورحم الله ابن رشد إذ قال: [كان العلم في الصدور واليوم صار في الثياب][ خلاصة الأثر للمجبي 1/275ـ بواسطة التعالم للشيخ الدكتور بكر أبو زيد /صـ35].
ولن أستطرد بذكر شيء من هذا القبيل؛ فلا أحبُّ أن أنكأ الجراح, ولا أذرَّ الملح على الجراح! ولله درُّ الإمام ابن تيميَّة حين نَقَلَ عن بعضهم: [وقد قال بعض الناس: أكثر ما يفسد الدنيا نصف متكلم, ونصف متفقه, ونصف متطبب, ونصف نحوي, هذا يفسد الأديان وهذا يفسد البلدان, وهذا يفسد الأبدان, وهذا يفسد اللسان] [مجموع الفتاوى5/118].
5ـ أن يتلقَّى العلم ممَّن يقدِّر العلماء ويحترمهم.
المسلم الذي يهوى الحق ويطلبه؛ لابدَّ أن تكون لديه علامة لحبِّ أهل العلم وإنزالهم منزلتهم, واحترام علمهم, وقد أخبرنا رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ كما في حديث عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه أنَّه قال ـ: [ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا, ويرحم صغيرنا, ويعرف لعالمنا حقَّه] [أخرجه أحمد بسند جيد].
بيد أنَّ المطَّلع على حال الكثير من الصحفيين ـ وهم الذين يأخذون العلم من الكتب دون المشايخ ـ كما قال الزمخشري في التعاريف[1/449] أو من يتسمَّون بالصحافيين وهم جمَّاعو الأخبار, فسيجد المراقب لكتاباتهم شيئاً عجيباً من قلَّة احترام العلماء, والاستهانة بعلمهم, بل الاجتهاد في تحقيق كثير من القضايا في مجلاَّت لم تُعرف بروح العلم, بل عرفت بالعلمنة والفسق, ثمَّ يأتي أحدهم ويناقش قضيَّة حكم استماع الموسيقى والأغاني في نصف صفحة, ويعرض قول من شذَّ رأيهم في إجازة الاستماع لتلك المعازف, ويعرض بل يشنِّع ويشغِّب على العلماء الذين أفتوا بحرمتها, وخاصَّة في هذا العصر؛ لأنَّ تلك الفتوى لا تتواءم مع القرن الحادي والعشرين!
بينما تجد عند السابقين من طلاَّب العلم قمَّة احترامهم لعلمائهم, فهذا لا يطرق الباب على شيخه إلاَّ بأطراف أصابعه, وهذا يهاب من النظر إليه إجلالاً له واحتراماً, وآخر يخشى أن يزعج شيخه بتصفُّح الأوراق أمامه والانشغال عن درسه بها, وهذا ينتظر شيخه من المساء إلى الصباح وقد سفَّته الرياح حتَّى يفتح الشيخ له بابه, وآخر لا يأتي عند شيخه إلاَّ ويقبِّلُ يده ويدعو له بالخير, وآخر لا يصلي صلاة إلاَّ ويدعو لشيخه بالخير والجنَّة, ورحم الله ربيعة بن أبي عبد الرحمن إذ قال: [الناس في حجور علمائهم كالصبيان في حجور أمَّهاتهم] [شرح ابن أبي العز للطحاوية1/105].
أمَّا الآن فتجد أنّ القوم المتعالمين إذا تعلم أحدهم مسألة أو عشر مسائل, بدأ يكتب في الصحف والمجلاَّت والجرائد، وينشر علمه الغزير! فيخطِّئ الأئمة المجتهدين, ويستدرك عليهم ما يظنُّه من زلاَّتهم, بدعوى الحجَّة الزائفة: [هم رجال ونحن رجال]، ولا شكَّ أنَّ الاحتجاج بهذه المقولة حجَّة ساقطة لوجوه:
الوجه الأوَّل: أنَّ الاحتجاج بهذه الكلمة غير صحيح؛ لأنَّ الذي قالها الإمام أبو حنيفة, كما نقل مقولته عنه ابن حزم ـ رحمه الله ـ: [ ما جاء عن الله تعالى فعلى الرأس والعينين, وما جاء عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فسمعاً وطاعة, وما جاء عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ تخيَّرنا من أقوالهم, ولم نخرج عنهم, وما جاء من التابعين فهم رجال ونحن رجال ] [الإحكام لابن حزم4/573]، فأبو حنيفة حين قال هذه الكلمة, فقد قالها لأنَّه يصنَّف من التابعين, حيث رأى أنس بن مالك, واجتمع مع جمهرة من التابعين الأكابر، فيصدق عليه أنّه رجل وهم رجال لأنَّه هو وهم من التابعين, ومن لنا بعلم أبي حنيفة في هذا العصر, لنقول فيه: هو رجل وهم رجال!
الوجه الثاني: أنَّ هناك فرقاً عظيماً بين هؤلاء الرجال العصريين, ومن قبلهم من الرجال السابقين؛ لأنَّ التابعين هم من القرون المفضَّلة, التي امتدحها رسول الله؛ وهو ما أدَّى بابن رجب إلى أن يؤلِّف كتاباً بعنوان: [فضل علم السلف على علم الخلف]، ولذا فإنَّ كلام السلف قليل كثير البركة, وكلام الخلف كثير قليل البركة.
الوجه الثالث: أنَّ من يدَّعي أنَّه رجل ينبغي عليه أن يعرف قدره وقدر الرجال الذين سبقوه, وإذا كان أبو عمرو بن العلاء يقول: [ما نحن فيمن مضى إلاَّ كبقل في أصول نخل طوال] [سير أعلام النبلاء 6/407] مع أنَّ أبي عمرو يعدُّ في عُرف أهل السير شيخَ القرَّاء والعربية.
فهؤلاء المدَّعون للعلم والشيخوخة في طلبه, لم يعرفوا قدر علمائهم, وإذا كانوا يعدُّون أنفسهم أنَّهم رجال, فإنَّ الرجال يحترم بعضهم بعضاً, وأوْلى بهؤلاء المدَّعين للرجولة أن يقال في حقِّهم ما قاله الشيخ عبد الرزاق عفيفي لأحدهم حين ادَّعى أمامه تلك الدَّعوى قائلاً له : نعم ... هم رجال ... وأنت دجَّال!!
ورحم الله مجاهداً حين قال: [ذهب العلماء فلم يبقَ إلاَّ المتكلِّمون, والمجتهد فيكم كاللاعب فيمن كان قبلكم] [أخرجه أبو خيثمة في كتاب العلم/66]؛ فالله المستعان.
وفي الختام:
فإنَّ مريد الحق, ومبتغي سبل الهدى, ينبغي أن يحتاط في الأخذ لدينه, وأن يعرف من يؤخذ عنهم العلم, وما صفاتهم, وقد كان علماؤنا الأجلاَّء يُعْنَوْنَ بهذه القضيَّة أشدَّ الاعتناء, فقد قال الإمام محمد بن سيرين ـ رحمه الله ـ: [إنَّ هذا العلم دين؛ فانظروا عمَّن تأخذون دينكم] [شرح مسلم للنووي1/84]. فليس كلُّ من لبس لباس العلم يؤخذ عنه, وليس كلُّ من صدَّره الإعلام والفضائيَّات والصحف يُظَنُّ أنَّه ذلك الرجل الخِرِّيت الذي فقه دين الله, ورضي بمقتضاه, وألمَّ بفحواه, وليس كلُّ من كتب مقالاً أو بحث مسألة شرعيَّة أو كتب كتاباً يعدُّ عالماً أو طالباً للعلم, أو مؤهَّلاً لأن يؤخذ عنه العلم, ويكفي أنَّ أئمتنا قالوا: ليس العلم بكثرة الرواية والدراية, ولكنَّه نور يقذفه الله في قلب المؤمن الموفَّق, مصداقاً لقوله تعالى: [ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُم ] [البقرة: 282]. قال الإمام ابن القيِّم:
والعلم يدخل قلب كلِّ موفَّق من غير بوَّاب ولا استئذان
ويردُّه المحروم من خذلانه لا تشقنا اللهم بالخذلان
فاعرف يا ابن الإسلام دينك, واختر لنفسك عالماً متفقِّهاً في دين الله تنهل منه العلم, وتأخذ عنه الفتوى, وإيَّاك ومشايخ السوء، فعنهم ابتعد, ولهم خالف, وعلى آرائهم فاضرب, متأسِّياً بقول العربي الأصيل: [ليس ذا عشَّك فادرجي].
كتبت هذا المقال مذكِّراً بأهمِّيَّة هذه القضيَّة, ومنبِّهاً لها في زمن قلَّ فيه من يعطي لأهل العلم الربَّانيين قدرهم, ويعرف علمهم, وما أنا ـ والله ـ إلاَّ رجل مستفيد من بضاعتهم, متطفِّل على موائدهم, فرحمني الله برحمته، وجعلني ممَّن يهتدي بهدي نبيِّه وصحابته.
أسير خلف ركاب النُّجب ذا عرج مؤمِّلاً كشف ما لاقيت من عوج(8/26)
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا فكم لربِّ الورى في ذاك من فرج
وإن بقيت بظهر الأرض منقطعاً فما على عَرَجٍ من ذاك في حرج
سائلاً المولى أن يعصمنا من الفتن, وأن يحفظنا من زلل القول والعمل, والحمد لله ربِّ العالمين.
==============
المرأة الأمريكية والتاريخ!!
الأحد غرة ذي الحجة 1426هـ - 1 يناير 2006م
الصفحة الرئيسة
د.باسم خفاجي
مفكرة الإسلام: لعبت المرأة دوراً هاماً في تاريخ البشرية، وكان لها دور حاسم في تغيير مجرى الكثير من أحداث العالم. وعرفت البشرية عبر حضاراتها المختلفة نساء عظيمات، ولكن بعض الحضارات فشلت في أن تنجب للبشرية نساء يذكرهن التاريخ، بينما نجحت حضارات أخرى في إنجاب نساء كان لهن أثراً ملموساً في حضارات أممهم.
ومن اللافت للنظر أن أمريكا - رغم حضارتها المدنية - قد فشلت في أن تقدم للبشرية امرأة واحدة من سلسلة النساء اللائي ساهمن في صياغة تاريخ البشرية. ليست أمريكا هى الحضارة الوحيدة التي لم تقدم للعالم نساء يعرفهن التاريخ، فكلا من الحضارة الرومانية واليونانية لم تنجحا أيضاً في ذلك، وكذلك الحضارة الصينية.
عندما غادر سيموند فرويد - عالم النفس المعروف - أمريكا عائداً إلى النمسا ذكر أن أحد التجارب الأمريكية الهامة هى تجربة تحرير المرأة، وأعرب عن اعتقاده أن التجربة لن تنجح في إسعاد المرأة الأمريكية، ولعله كان محقاً في ذلك. لقد حصلت المرأة الأمريكية على العديد من الحقوق المدنية، ولكنها فقدت في المقابل العديد من الحقوق الإنسانية، ويفسر ذلك انتشار الإكتئاب والانتحار والطلاق والأمراض النفسية لدى المرأة الأمريكية بدرجة أكبر من معظم الدول الصناعية المتقدمة، وأعلى بدرجة كبيرة من باقي دول العالم.
إن الحفاظ على الحقوق الإنسانية للمرأة أهم من الحفاظ على الحقوق المدنية لكي يحافظ المجتمع على توازنه رغم استحقاق المرأة لكل من الحقوق المدنية والإنسانية ليس مناً من الرجل، ولكنه حق سنه الخالق لها. ولكن التاريخ يشهد أن المرأة نجحت بشكل أكبر في التأثير على المجتمع عندما تمتعت بكامل حقوقها الإنسانية من محبة وتعاطف المجتمع معها، وتقدير الرجل لدورها في بناء الأمة حتى وإن لم تتمتع بكل الحقوق المدنية التي تمتع بها الرجل.
لقد ساهمت المرأة في القرون الماضية في صناعة تاريخ أوربا الحديث رغم عدم حصولها على الحقوق المدنية المتعارف عليها اليوم. وشهدت أوربا إنجازات الملكة فيكتوريا في بريطانيا. والإمبراطورية كاثرين في روسيا القيصرية، وجين دو آرك التي وحدت فرنسا. كان للحضارات الأخرى التي احترمت المرأة واحاطتها بالحب والتقدير نصيبها الوافر أيضاً من نساء التاريخ.
فقد أنجبت الحضارة المصرية كليوباترا، وكذلك الحال مع الأمة الإسلامية التي أخرجت للعالم العديد من النساء اللائي صنعن التاريخ وغيرن من مساره أيضاً وعلى رأسهن أمهات المؤمنين عائشة وخديجة رضي الله عنهن.
إن الحضارات تنجب عظيمات عندما تحظى المرأة باحترام وتقدير المجتمع، وعندما يحيطها المجتمع بالمحبة والتعاطف، وليس بالتنافس والإستغلال. ومن يظن أن المرأة كانت مهملة في تاريخ البشرية قبل القرن العشرين، فليعيد قراءة التاريخ فقد فاته الكثير.
لم يذكر التاريخ عائشة رضي الله عنها أو كليوباترا أو الملكة فيكتوريا فقط لأن مجتمعاتهم شملتهن بالمحبة والتقدير .. ولكن لأن المرأة في تلك الحقب التاريخية كانت محل المحبة والإحترام من كل المجتمع لكل النساء. لم تحتج المرأة في تلك الأيام أن تتعرى لكي تعرف وتشتهر، ولم تستخدم المرأة كسلعة إعلانية أو سائقة شاحنة لكي تنعم بالحرية. لقد تحررت المرأة في أمريكا، وأصبحت قادرة على منافسة الرجال في معظم ميادين الحياة، ونجحت في الحصول على حق الإنتخاب وحق استخدام قدراتها وأحياناً حتى جسدها للنجاح المادي، ولكنها فقدت الكثير من محبة المجتمع واحترام الأجيال الناشئة، ولذلك فقدت السعادة، وتوارت عن صفحات التاريخ.
=============
صنعة الخط والمخطوط والوراقة والفهرسة في الحضارة الإسلامية
الاثنين 24 ذي القعدة 1426هـ - 26 ديسمبر 2005م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام : صدر مؤخرا في دمشق كتاب بعنوان صنعة الخط والمخطوط والوراقة والفهرسة في الحضارة العربية الإسلامية من تأليف عبد القادر أحمد عبد القادر .
يتناول الكتاب مواضيع تتعلق بتاريخ المكتبات الإنسانية منذ ما قبل الميلاد، ويستفيض المؤلف في تعريف المخطوط العربي ومكوناته المادية ومضامينه من الغلاف وعنوانه، وحتى التقيدات والحواشي والهوامش المسجلة على جوانب صفحات المخطوط، والجذاذات المثبتة جانب المواقع والمواضيع الشارحة لبعض بنود المخطوط، أو المفسرة لبعض الكلمات والرموز أو المصححة لخطأ تاريخي أو علمي أولغوي وقع فيه المؤلف أو سها عنه الناسخ أو فوائد يضيفها مالك المخطوط أو قارئه.
وأشار المؤلف إلى صيغ تملك أو شراء أو مطالعة أو قراءة أو سماع أو ما كتب على الأوراق الملحقة بالمخطوط في وسطه أو آخره بعد بداياته.
حفل الكتاب بتعاريف منهجية اصطلاحية للمخطوط العربي الإسلامي من ناحية مضامينه الفقهية والتاريخية والعلمية والفكرية في علوم الفلك والإسطرلاب والأرض، وكذلك بمتابعة مكوناته المادية من الورق والمداد وأنواعه وألوانه وثباته، وأنواع الخط ومدارسه وأشكال الزخرفة لمقدمته وإطار صفحاته، وركز علي الكيفية التي يتم بها إنهاء المخطوط سواء عليه أكتبها المؤلف أو الناسخ.
وتطرق المؤلف إلى المكتبات المحلية والدولية التي تحتفظ بنسخة أو نسخ من بعض المخطوطات.
وعرّف بكلمة الفهرسة التي تعني السجل الذي تكتب فيه أسماء الكتب ومنحى تطورها ومعناها اصطلاحيا ويأخذ بيد الباحث والدارس ليجد ما يساعده على معرفة الكتاب ومؤلفه وموضوعه وتاريخ تأليفه ودار نشره.
وفرّق بين فهرسة المخطوطات القلمية وفهرسة المطبوعات الحجرية وبين الكتب المواكبة لتطور التنفيذ الآلي والحاسوبي وفق معايير عالية الدقة والإخراج الطباعي.
ولاحظ المؤلف ضرورة التنبه للمهام التي ينبغي أن يراعيها المفهرس لمكان النسخ أو الطبع وأنواع الخط الذي كتب به المخطوط، وعدد أجزائه إن جاوز المجلد الواحد وعدد الأوراق ومقاسها طولا وعرضاً وعدد الأسطر في كل صفحة وهل تم تدقيق المخطوط ومراجعته من خبير إضافة للمصنف أو الناسخ، وعرّف بمضمون بطاقة فهرسة المخطوطات المصورة ـ الميكروفيلم ـ وبالرموز المستخدمة في المخطوطات والمطبوعات لعلة الاختصار.
وينتقل لبيان أهمية التصنيف في علم فهرسة المخطوطات لتنظيمها، بهدف تسهيل استخدامها والتعريف بها. وعرّج على تعريف التنصيف لغة ومصطلحاً على تعدادها بين المؤلفين الإسلاميين وصولاً بها حتى تعاريف الاختصاصين المعاصرين لعلم المكتبات الدولية والمحلية، بناءً على تراكم معلوماتهم وخبراتهم ومهاراتهم في تقسيم العلوم من كلياتها إلى أجزائها والتدرج فيها من الأعم إلى الأخص في كل اختصاص.(8/27)
ويعني تصنيف المخطوطات ضم الموضوع المتعلق بجانب معين في حزمة واحدة، فتنضم كتب الفقه وفروعها في حزمة واحدة، وكتب الطب واختصاصاتها قديماً وحديثاً في رزمة وكذلك فروع الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك والجيولوجيا والميكانيكا» وتطرق الباحث عبد القادر أحمد عبد القادر إلى أنظمة الفهارس المعاصرة وتطور تقنياتها وهي: نظام التصنيف العشري العالمي، نظام مكتبة الكونغرس الذي يقسم الموضوعات إلى واحد وعشرين قسماً رئيساً منها دوائر المعارف، والفلسفة، والدين، والتاريخ،السياسة، القانون، التربية والتعليم، الموسيقى، الفنون الجميلة، اللغات، والآداب، العلوم، الطب، الزراعة، التقنيات، العلوم العسكرية والبحرية، والببلوغرافيا وعلم المكتبات.
وبيّن الباحث الفوارق بين نظام تصنيف المخطوطات ونظام تصنيف المطبوعات. ويستتبع التصنيف للمخطوطات الأصيلة أو المصورات الرقمية أو الفيلمية أو الأقراص المدمجة CD كل تفصيل لصناعة فهرسة المخطوطات التي تبدأ بالرقم، والعنوان، الناسخ، تاريخ التأليف، النسخ، عدد الأوراق، قياسها، وشكل الحظ، والمراجع، والملاحظات، الإجازات، السماعات ، التملكات والتحبيسات وهذه جميعها تعطي الباحث والدارس لمحة تقريبية عن حالة المخطوط أو الكتاب وفيما إذا كان مصوباً ومصححاً، ومن ذلك أن الباحث عبد القادر أحمد عبد القادر وجد في مخطوط الأمالي الشجرية، الجزء الثالث، لابن الشجري، هبة الله بن علي [542 هـ]، نسخة الخزانة العامة بالرباط، رقم 4255/342 مكناس: المصورة على الفيلم 3190، وفيه قرأ جميع هذا الكتاب وهو الامالي على مصنفه سيدنا الأجل.. أدام الله أيامه الشيخ الأمام العالم النحوي أبو الغنائم حسن بن محمد بن شعيب الو اسطي.
وثبّت هذا السماع أبو محمد حسن بن علي بن عبيد المقري، وذلك في مجالس آخرها يوم الاثنين خامس رجب سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، هذا صحيح.
ومما كتب من قراءة أبي الغنائم حسن بن محمد، ومن قراءة محمد بن محمد علي المؤلف، وما كتبه المؤلف من صحة لهذه القراءة، نستدل على أن هذه النسخة مصححة تصحيحاً كاملاً، وأن هذه النسخة كانت منسوخة سنة 539ه، فيقدر بذلك تاريخ نسخها في القرن السادس الهجري، إذ لم يسجل الناسخ تاريخ نسخها.
وأحاط الباحث بالمشكلات التي تواجه المفهرس، إذ تعد كل نسخة مخطوطة عالماً قائماً بذاته، وما يمكن ان ينطبق على نسخة مخطوطة قد لا ينطبق على سواها من المخطوطات.
والإشكاليات التي قد تعترض المحقق في مخطوط ما، نادراً ما تعترضه في مخطوط غيره بعينها تماماً لذا تعددت المعلومات وتراكمت الخبرات وتطورت المهارات المتعلقة بمشكلات فهرسة المخطوطات وتصنيفها من ناحية الحلول والقواعد المشفوعة من قبل المؤلف عبد القادر احمد عبد القادر بأمثلة معينة حية.
==============
محمد كرد علي ..علامة الشام ومؤسس أول المجامع العربية
الأربعاء 12 ذي القعدة 1426هـ - 14 ديسمبر 2005م
الصفحة الرئيسة
محمد سيد بركة
مفكرة الإسلام : هو محمد بن عبد الرزاق بن محمد كرد علي، ولد في دمشق عام 1876 وعاش فيها. أصله من أكراد السليمانية [من أعمال الموصل]، تعلم في الكتاب القراءة والكتابة والقرآن الكريم، ودرس المرحلة الإعدادية في المدرسة الرشدية، ثم أتم تعليمه الثانوي في المدرسة العازارية.
عشق محمد كرد علي الكتابة والصحافة، وأولع بمطالعة الكتب وجمعها منذ صغره، وقد شجعه والده رغم أميته على اقتناء الكتب، وقدم له المساعدة الكافية لامتلاكها. ولما اشتد ساعده بالعلم واللغة أخذ يقرأ الصحف والمجلات بالفرنسية والتركية والعربية، فزادته المطالعة تعلقاً بالصحافة وعشقاً للمعرفة والعلم. وعندما كان في السادسة عشرة، كان يكتب الأخبار والمقالات ويدفع بها إلى الصحف، ولم تقف هواياته عند هذا الحد، بل أحب الشعر العربي، والسجع المنمق، وعكف على شيوخه ينهل من علمهم وأدبهم، وهم من مشهوري عصره في بلده أمثال: سليم البخاري، الشيخ محمد المبارك، والشيخ طاهر الجزائري.
في العام 1897 عُهد إليه بتحرير جريدة [الشام] الأسبوعية الحكومية، واستمر مدة ثلاث سنوات وكان يلتزم في مقالاته بالسجع. ثم أخذ كرد علي يراسل مجلة [المقتطف] المصرية لمدة خمس سنوات، فانتقلت شهرته إلى مصر.
رحل كرد علي إلى القاهرة، ولبث فيها شهوراً عشرة تولى خلالها تحرير جريدة الرائد المصري، وتعرف إلى علمائها وأدبائها، ورجال الفكر فيها، فاتسع أفقه وذاع صيته، وباتت شهرته في مصر لا تقل عن شهرة أدباء تلك الفترة وعلمائها الأعلام.
عاد كرد علي إلى دمشق، ورُفعت إلى واليها التركي وشاية به ففتش بيته، وظهرت براءته فهاجر إلى مصر عام 1906، وأنشأ مجلة المقتبس الشهرية نشر فيها البحوث العلمية والأدبية والتاريخية، كما قام بتحرير جريدة الظاهر ثم التحرير في جريدة المؤيد وهما يوميتان. وكان ينقل عن مجلات الغرب أحدث أنباء العلم والحضارة والاختراع والتقدم، كما ترجم عدداً من الكتب المخطوطة النادرة فجمع بين القديم والحديث.
عاد محمد كرد علي إلى دمشق عام 1908 بعد إعلان الدستور العثماني، وأصدر مجلة المقتبس وجريدة يومية أسماها المقتبس بالتعاون مع أخيه أحمد، كما أسس لها مطبعة خاصة، غير أن السلطة العثمانية ضايقته وحاربته ولاحقته وأغلقت الجريدة بعدما اتهمه أحد ولاة الترك بالتعرض للعائلة السلطانية في إحدى مقالاته، ففر إلى مصر ثم إلى دول أوروبا وعاد مبرأ، وتكرر ذلك في تهمة أخرى، فترك الجريدة اليومية لأخيه أحمد وانقطع للمجلة، واشتد جزعه بعد إعلان الحرب العالمية الأولى وابتداء حملة الانتقام من أحرار العرب، فأقفل المجلة والجريدة، وكاد يساق كما سيق غيره من نقدة نظام الاستبداد ودعاة التحرر إلى المشانق، إلا أنه أنقذته [خلاصة حديث] وجدت في القنصلية الفرنسية بدمشق كتبها أحد موظفي الخارجية الفرنسية قبل الحرب، وكان هذا قد زار كرد علي في بيته وأراد استغلال نقمته على [الاتحاديين] ليصرفه إلى موالاة السياسة الفرنسية في الشرق، فخيب كرد علي ظنه، ونصحه بتبديل سياستهم في الجزائر وتونس، وأيضاً مثلها [نشرة رسمية سرية] كان قد بعث بها سفير فرنسا في الأستانة إلى قناصل دولته في الديار الشامية يحذرهم بها من كرد علي ويقول: إنه لا يسير إلا مع الأتراك. وأوراق أخرى من هذا النوع أظهرها تفتيش القنصليات في أوائل الحرب، فدعاه جمال باشا إليه مستبشراً، وأعلمه بها وأنذره إن عاد إلى المعارضة ليقتلنه هو بمسدسه، ثم أمر بإعادة فتح الجريدة ومنحه مساعدة مالية. ثم ولاه تحرير جريدة [الشرق] التي أصدرها الجيش، فأمضى كرد علي مدة الحرب مصانعا بلسانه وقلمه، وظل يخشى شبح جمال باشا حتى بعد الحرب، وفي مذكراته ما يدل على بقاء أثر من هذا في نفسه إلى آخر أيامه.
تأسيس المجمع العلمي
وبعد دخول العهد الفيصلي واستقلال سورية عن الدولة العثمانية،
وجد كرد علي الفرصة سانحة لتحقيق الحلم الذي طالما راوده، ألا وهو إنشاء مجمع علمي عربي على غرار ما تفعله الأمم المتحضرة لحفظ تراثها وصون لغتها، ونشر آدابها وعلومها. وعرض الفكرة على الحاكم العسكري رضا باشا الركابي الذي وافق على قلب ديوان المعارف برئيسه وأعضائه مجمعاً علمياً عربياً. وكان ذلك في الثامن من حزيران عام 1919، وعُين محمد كرد علي رئيساً للمجمع.(8/28)
تحول ذلك الديوان بجهد من رئيسه محمد كرد علي إلى 'المجمع العلمي العربي'، أو ما اشتهر بعد ذلك باسم 'مجمع اللغة العربية' للنهوض باللغة العربية وآدابها، وهو أول المجامع اللغوية ظهورا، وقد بذل محمد كرد علي جهدا كبيرا في تكوين هذا الصرح العلمي، ونجح في إبعاده عن التيارات السياسية والحزبية، وأنشأ له مجلة رصينة، صدر العدد الأول منها في [21 من ربيع الآخر سنة 1339هـ= 2 من يناير 1921م]، ونشر له على صفحاتها 41 مقالة أدبية وتاريخية، وفتح قاعة المجمع للجمهور لسماع المحاضرات العامة التي كان يلقيها رجال الأدب والفكر، وكان من نصيب محمد كرد علي منها 62 محاضرة.
وقد ظل محمد كرد علي رئيسا للمجمع العلمي طوال حياته، لم يشغله عنه منصب تولاه، وصار شغله الشاغل، لا يبخل عليه بوقت أو جهد، يمضي فيه معظم وقته ويعده بيته وملاذه.
كان المجمع عند كرد علي أغلى من فلذة كبده، وهبه كل حياته وكل نشاطه، كما وهب مجلته كل جهده وعبقريته ولم يكن ليتخلف عن التردد على المجمع إلا لأمر طارئ.
في الوزارة
وإلى جانب رئاسة المجمع العلمي العربي، اختير كرد علي لتولي وزارة المعارف سنة [1338هـ= 1920م] بعد استيلاء القوات الفرنسية على البلاد، وأثناء وزارته بعث عشرة من الطلاب لاستكمال دراستهم العالية في الجامعات الفرنسية، وطاف بأوروبا في زيارة علمية اتصل خلالها بالمستشرقين والعلماء، وسجل هذه السياحة العلمية في مقالات طريفة، جمعها مع غيرها في كتابه الذي ذكرناه آنفا 'غرائب الغرب'، ثم ترك الوزارة بعد خلاف مع الحكومة، واكتفى برئاسته للمجمع، وأُسند إليه تدريس الآداب العربية في معهد الحقوق بدمشق سنة [1343هـ=1924م]، وكان له الفضل الأكبر في تعليم الخطابة والإنشاء بهذا المعهد.
عاد كرد علي إلى الوزارة مرة أخرى سنة [1347هـ= 1928م] في حكومة الشيخ تاج الدين الحسيني، واغتنم فرصة وجوده في هذه الوزارة؛ فأنشأ مدرسة الآداب العليا، وجعلها تابعة للجامعة السورية، كما هيأ جميع أسباب افتتاح كلية الإلهيات، وأضيفت إلى الجامعة.
ولما أُنشئ مجمع اللغة العربية في القاهرة سنة [1352هـ= 1933م] كان محمد كرد علي واحدا من مؤسسيه الأُوَل.
وبعد خروجه من الوزارة ظل منصرفا إلى القراءة والكتابة، لا ينقطع عنهما، ولا يحول بينه وبينهما إلا المرض، وشغل وقته بإدارة المجمع العلمي العربي، وفي أواخر حياته أصدر مذكراته في 4 أجزاء، وقد أثارت دويا هائلا، وأوجدت له خصومات وعداوات.
آثاره الفكرية
وكان محمد كرد علي إماماً في الصحافة، وحجة في التحقيق، وعلماً في الكتابة والتأليف، وزعيماً من زعماء القلم والفكر في الوطن العربي، إذ كان أول من أنشأ جريدة ومجلة راقية في دمشق، وكان أول من أسس مجمعاً علمياً عربياً، ثم تلاه مجمع اللغة العربية في مصر ثم بعض المجامع الأخرى في عدد من بلدان الوطن العربي.
أما أسلوبه فقد وصف بالسهل الممتنع، فهو رقيق التعبير، بليغ باللفظ، الكلمات فيه على قدر المعاني، والجمل تطول حيناً وتقصر حيناً آخر، وهو في جميع الأحوال لا يتكلف ولا يتصنع، ويهدف إلى التركيز على المعنى دون أن يعطي كبير اهتمام للمبنى، وكان ينحو في كثير مما يكتبه منحى ابن خلدون في مقدمته.
جمع محمد كرد علي بين الصحافة والجامعة، والوزارة والمجمع العلمي العربي بدمشق، والمجمع اللغوي في مصر. وقد تولى وزارة المعارف مرتين في عهد الاحتلال الفرنسي.
كان محمد كرد علي من أصفى الناس سريرة، وأطيبهم لمن أحب عشرة، وأحفظهم وداً... وقد كتب في وصف نفسه: [خُلقت عصبي المزاج دمويه، محباً للطرب والأنس والدعابة، أعشق النظام وأحب الحرية والصراحة وأكره الفوضى، وأتألم للظلم، وأحارب التعصب، وأمقت الرياء].
يقف محمد كرد علي في المكانة الأدبية والعلمية الأولى بين أنداده الأعلام العرب. وقد بلغت مؤلفاته التي تركها اثنين وعشرين مؤلفاً، هي: - خطط الشام، وطُبع سنة [1344هـ= 1925م] في 3 أجزاء، وهو من أهم كتبه. - الإسلام والحضارة العربية، وطُبع في القاهرة في مجلدين سنة [1353هـ= 1934م].- أمراء البيان، وطبع بالقاهرة سنة 1937م.- أقوالنا وأفعالنا، ويضم عددا من مقالاته الإصلاحية، وطبع بالقاهرة سنة 1946م.-[تاريخ الحضارة] جزآن، ترجمه عن الفرنسية. ـ [غرائب الغرب] مجلدان. ـ [دمشق مدينة السحر والشعر]. ـ [غابر الأندلس وحاضرها]. ـ [القديم والحديث] وهو منتقيات من نقالاته. ـ [كنوز الأجداد] في سير بعض الأعلام. ـ [الإدارة الإسلامية في عز العرب]. ـ [غوطة دمشق]. ـ [المذكرات] أربعة أجزاء.
كما حقق كتبا من عيون من عيون التراث العربي، منها:- سيرة أحمد بن طولون للبلوي، وطُبع في دمشق سنة [1358هـ=1939م]
- المستجاد من فعلات الأجواد للتنوخي، وطبع بدمشق سنة [1366هـ= 1946م]- تاريخ حكماء الإسلام للبيهقي، وطبع بدمشق سنة [1366هـ= 1946م1947م].].- كتاب الأشربة لابن قتيبة وطبع بدمشق سنة [1367هـ= 1947].
وفاته
توفي محمد كرد علي يوم الخميس الثاني من نيسان [أبريل] 1952 في دمشق، ودفن بجوار قبر معاوية بن أبي سفيان في دمشق.
المراجع:
ـ عبد الغني العطري [عبقريات شامية، مطبعة الهندي، دمشق، الطبعة الأولى [1986].
ـ خير الدين الزركلي [موسوعة الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة 1980، الجزء السادس.
جمال الدين الألوسي - محمد كرد علي - دار الشئون الثقافية العامة -بغداد -1986م.
سامي الدهان -قدماء ومعاصرون -دار المعارف -القاهرة -1961م.
فضل عفاش -رحالات في أمة -دار المعرفة - دمشق -[1408هـ= 1988م].
محمد رجب البيومي -النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين -دار القلم - دمشق [1415هـ= 1995م].
==============
جهود العلماء المسلمين في تقدم الحضارة الإنسانية
الأربعاء 12 ذي القعدة 1426هـ - 14 ديسمبر 2005م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام : صدر حديثا في الرياض كتاب بعنوان جهود العلماء المسلمين في تقدم الحضارة الإنسانية من تأليف خالد بن سليمان الخويطر
يرصد هذا الكتاب بشكل مستفيض الإسهام الذي قدمه المسلمون في الحضارة الإنسانية من خلال رصد دقيق لمختلف المجالات العلمية مؤكدا بذلك عمق إسهام المسلمين في التطور الإنساني. وقد حاز البحث الذي تضمه صفحات الكتاب على جائزة يوسف بن أحمد كانو للتفوق والإبداع في دورتها الأولى عام 2000. يبدأ المؤلف كتابه بالإشارة إلى خصائص الحضارة الإسلامية مشيرا إلى ان منها الأخلاق والنزعة العلمية والتلازم بين العلم والعمل، وتقدير قيمة الوقت، فضلا عن الحرية المطلقة. وانطلاقا من الدعوة الصريحة التي يوجهها القرآن الكريم إلى العلم وابتكار وسائله عن طريق تفعيل الحواس المرتبطة بالعقل عند الإنسان، كان التلازم في مسار الحضارة الإسلامية بين الإيمان والعلم والعمل.(8/29)
ويشير المؤلف في هذا الصدد إلى أن علماء المسلمين هم أول من ابتكر الأسلوب التجريبي في تناولهم للمعطيات العلمية والكونية من حولهم هو ما أدى إلى تأسيس قواعد المنهج العلمي التجريبي الذي ما زال العلم المعاصر يسير على هديه. ومن العلماء المسلمين الذين كان لهم باع طويل في هذا المجال الحسن بن الهيثم وابن النفيس، والخوارزمي، وجابر بن حيان وغيرهم كثير. بعد هذا الاستهلال يتطرق المؤلف في فصل تال إلى العلوم الإسلامية ومنها علم الطب والصيدلة مشيرا إلى أنه ليس هناك مجال حيوي حضاري ساهم فيه المسلمون أعظم من الطب فهم بهذا الإسهام لم يخدموا العالم الإسلامي بل خدموا البشرية خدمة جليلة امتدت إلى يومنا هذا. ويعرض في هذا السياق للطرق المبتكرة والعلوم الجديدة في المجال الطبي التي طرقها المسلمون وأدت بهم إلى الوصول بهذا العلم إلى درجة متقدمة جدا أكثر مما يظن الكثير من المعاصرين.
ويوضح المؤلف هنا تقدم المسلمين في علم التشريح باعتبار ما كان يمثله من دعوة للمسلمين إلى التجربة والمشاهدة والنظر الدقيق كمنهج علمي للوصول إلى الحقائق الطبية والتخلص من التخرصات التي لا تقوم على دليل أو برهان، وهنا يتركز فضل المسلمين في التوسع فيه وقيامه على الدقة والمشاهدة والتحليل العميق.
فضلا عن ذلك فقد حقق المسلمون تقدما كبيرا في مجال الجراحة ومارسوا جراحة العظام والسرطان وما تبع ذلك من استحداث مواد وطرق جديدة لخياطة الجروح وتعقيمها في التخدير أثناء العمليات الجراحية. وأعظم جراح مسلم أنجبته القرون الوسطى هو الطبيب الزهراوي الذي حقق الكثير من الإنجازات الطبية في هذا المجال ويعتبر مؤسس المنهجية التي قام عليها هذا الفرع المهم من الطب.
ومن الطب إلى الفلك يشير المؤلف إلى أن الفلك في حياة المسلمين ارتبط بكثير من شعائر دينهم حيث وعت الأمة الإسلامية على اهتمام قرآني غير مسبوق في الكتب السماوية الأخرى فيما يتعلق بالفلك والكون المحيط بالإنسان بكل معطياته. ومن الإنجازات الإسلامية التي يشير لها هنا بناء المنهج الفلكي على أسس أولية راسخة من حيث الدافع والهدف والرغبة مستشهدا في ذلك بما يقوله وول ديورانت بأن الفلكيين المسلمين لم يكونوا يقبلون شيئا إلا بعد أن تثبته الخبرة والتجارب العلمية،
وكانوا يسيرون في بحوثهم على قواعد علمية خالصة. ويستعرض في هذا الخصوص أهم إنجازات علماء الفلك المسلمين. ويشير إلى أن من مظاهر النهضة العلمية الإسلامية في مجال الفلك، بناء المراصد التي كانت مبثوثة في العالم الإسلامي من أقصاه شرقا إلى أقصاه غربا. ويلاحظ أن المسلمين حرصوا على إقامة مراصدهم في أماكن رفيعة لأنها أنسب وأكثر دقة في رصد الكواكب ولأنهم بذلك يرتفعون على أي بناء يحجب السماء عنهم، كما يلاحظ ضخامة أجهزتها لأنها في رأيهم تعطيهم نتائج دقيقة.
أما في مجال الجغرافيا فيشير إلى توصل المسلمين إلى تحديد دقيق لدرجات الطول ودوائر العرض وتمكنهم من ضبط تحديد عرض الأماكن عن طريق قياس ارتفاع النجم القطبي أو الشمس. وقد ظهر في المسيرة العلمية للجغرافيا الإسلامية أفذاذ من العلماء الموسوعيين الذين لم يقتصر جهدهم على علم دون آخر فكان للجغرافيا من علمهم نصيب، ومن هنا نرى إسهام المسعودي كمؤرخ في الجغرافيا وكذلك نرى العالم البيروني كعالم طبيعيات يسهم في مجال الجغرافيا وكذلك الكندي من ضمن إسهاماته الجغرافية الفلكية قوله بأن سطح البحر كروي كاليابسة. أما الأصطخري فهو أول عالم جغرافي ذا منهجية واضحة المعالم وخلف لنا كتابه «المسالك والممالك» ذكر فيه أقاليم بلاد الإسلام وغيرها وكان فيه دقيقا لم يعتمد فيه على النقل من غيره، وقد أحصى في كثيرا من المدن والأنهار والجبال.. الخ.
وعن إسهام المسلمين في علم الكيمياء يشير المؤلف إلى جابر بن حيان باعتباره مؤسس الكيمياء المنهجية في الحضارة الإسلامية. وقد اعتمد المسلمون على التجربة وحدها للوصول إلى الحقيقة العلمية ولذا اهتموا كثيرا بإنشاء المختبرات لإجراء تجاربهم وكان من هذه المختبرات مختبرا لجابر بن حيان وآخر للرازي. أما بالنسبة للأجهزة الكيميائية التي توصلوا لها فمنها جهاز التقطير، كما عرف المسلمون ميزان الماء وقد تحدث عنه العالم الخازن ووصفه وصفا دقيقا وعن استخداماته لقياس كثافة المادة.
واستمرارا لمنهجه يرصد المؤلف إسهامات المسلمين في مجال الفيزياء مشيرا إلى أنهم خاضوا غمار هذا العلم ببراعة وذكاء منقطعي النظير حتى لكأنهم أنشئوا علما جديدا فمن انجازاتهم واكتشافاتهم أنهم بحثوا في الوزن النوعي للمعادن والسوائل أما المعادن فكان أول من تطرق إلى وزنها هو سند بن علي الذي عاش في خلافة المأمون. كما أن المسلمين استطاعوا قياس الوزن النوعي للسوائل والذي يعد حتى في العصر الحديث بوسائله المتطورة أمرا عسيرا.
وراصدا لإسهامات المسلمين في علمي الرياضيات والأحياء والحيل على نفس المنوال يعرض لإسهاماتهم في الأحياء والأحياء الدقيقة. ويوضح أن علم الأحياء دخل في الحياة العلمية الإسلامية من بوابة اللغة، أي أن كثيرا من اللغويين من المعجميين أو فقهاء اللغة من قبلهم قد تحدثوا عن مصطلحات نباتية أو حيوانية كمسميات وألفاظ مع ما يستتبع ذلك من التأكد عن طريق التجربة والمشاهدة وسؤال الأعراب في الصحارى وأهل الخبرة في الزرع أو تربية ومعالجة الحيوان.
يبدأ المؤلف بعد ذلك في رصد أثر العلوم الإسلامية في أوروبا علما علما. فعن أثر علم الطب والصيدلة في أوروبا يذكر أنه لعل من أبرز مظاهر التأثير الطبي الإسلامي تصاعد حركة الترجمة المحمومة للكتب الطبية الإسلامية والتي بدأت في عهد مبكر جدا نظرا لحيوية هذا المجال في حياة الشعوب عامة وكانت الترجمة في الغالب تتم تحت إشراف مراكز ترجمة تابعة للكنائس أو للكليات الطبية وكانت تلك الكتب تصل إلى أوروبا عن طريق الأندلس بالدرجة الأولى وكان مهد حركة الترجمة تلك في جنوب إيطاليا.
أما علم الفلك فيعد من الميادين الحيوية التي تأثر بها الغرب من المسلمين ومن الطريف حسبما يذكر المؤلف أن التراث الشعبي لكل أمة في مجال الفلك لا بد أن يعتريه مسحة من الخرافة والأساطير أو ما يسمى بالتنجيم وذلك قبل حدوث أي نهضة فلكية علمية كبري وتبعا لذلك ظل لصنعة التنجيم التي ظهرت في بواكير النهضة الفلكية لدى المسلمين أثرها الواضح حتى على الفلكي الألماني يوهنس كيبلر الذي ألف تقاويم تنبؤية.
وبالنسبة للجغرافيا فقد ترجم كتاب القز ويني «آثار البلاد وأخبار العباد» إلى اللاتينية ولقبه الأوروبيون «بلين العرب» نسبة إلى بلين اللاتيني الذي له كتاب تاريخ الطبيعيات. أما كتب المعاجم الجغرافية التي كان المسلمون سباقون إليها فقد انتقل تأثيرها إلى أوروبا حين خرج أول معجم جغرافي أوروبي بعنوان «معجم أوتيليوس» في القرن السادس عشر الميلادي في حين كان أول معجم إسلامي هو معجم البكري الأندلسي الموسوم بـ «معجم ما استعجم».
ومن استعراض تفصيلي لكل علم وأثره في أوروبا ينتقل المؤلف في باب جديد إلى تناول الصناعات الإسلامية وأثرها في أوروبا. ومن الصناعات التي يتناولها هنا صناعة الورق التي كان للمسلمين الفضل في نشرها على مستوى العالم آنذاك فلولا الورق الإسلامي حسب توصيفه لما تقدمت العلوم ولا نشطت حركة التدوين ولولاها لما دارت مطابع أوروبا ابتداء من القرن الخامس عشر.(8/30)
وأدى ذلك بشكل عام إلى توسع العلم بصورة عامة لسهولة الحصول على الكتاب بسبب توفر الورق الصالح للكتابة، كما استتبع ذلك تطوير للخط العربي القديم الذي كان يكتب على الرقاق بهيئة غير متكلفة خالية من الجمال والإتقان. ويشير المؤلف إلى صناعة الأسلحة النارية والباردوية معتبرا تطويرها على يد المسلمين أعظم أنجاز علمي عسكري وصلت إليه الأمة. ويقرر أنه لولا الأسلحة النارية التي طور المسلمون ذخائرها ومدافعها في العصور الوسطى لما ظهرت القنبلة الذرية في العصر الحديث.
وفي هذا يورد مقولة لفرنسيين هما رينو وفافيه يقولان فيها أن العرب هم الذين استخرجوا قوة البارود الدافعة أي أن العرب هم الذين استخرجوا الأسلحة النارية.ولأن هذه الصناعة ظهرت على يد مسلمي الأندلس في أواخر الحكم الإسلامي لجنوبها في مملكة غرناطة فإنها سرعان ما تسربت إلى الشمال الأسباني ثم إلى جنوب فرنسا وألمانيا. وفي الإطار نفسه يشير إلى ان المسلمين برعوا في تركيب الأدوية من عناصر كيميائية مثل الزئبق وغيره كما أدخلوا ولأول مرة السكر في تركيب الدواء المر لتحليته خاصة عندما يوصف ذلك الدواء للأطفال كما اكتشف الطبيب ابن جزلة في كتابه «المنهاج» فائدة زهر حجر أسيوس أو ملح البارود البحري في تركيب الكحل علاجا يقوي البصر ويجلو العين ويذهب بسحابة القرنية. كما يتطرق إلى دور المسلمين في صناعة الزجاج حيث توصلوا إلى استخراجه من الحجارة «الرمل» وتنسب أسبقية هذه الصناعة إلى عباس بن فرناس من علماء الأندلس وكان الزجاج يستخرج بصهر الرمل بعد إضافة «البورق» و«النطرون» وهو الصودا الكاوية وذلك عن طريق التشميع وهو تذويب للمادة لتسهيل بعض العمليات الكيميائية عليها.
وفي نهاية هذه الرحلة يقول المؤلف انه يحق لنا أن نتيه فخرا على البشرية بهذا الدين العظيم الذي جعلنا خير امة أخرجت للناس وأن نفخر بذلك الإسهام الرائع لرجال التاريخ الإسلامي الذين حملوا هذا الدين سلوكا وعبادة علما وعملا فخرج منهم علماء أفذاذ أناروا للبشرية ظلامها الدامس بعلومهم واكتشافاتهم وانجازاتهم وصناعاتهم التي رأينا أثرها على مسيرة الحضارة البشرية.
ويذكر المؤلف أنه انطلاقا من هذا التناول فقد لا يكون من المغالاة الإشارة إلى أننا في عصرنا هذا لا نزال نعيش بترف الحضارة الإسلامية الذي صنعته لنا في مجالات مهمة كالعلوم والصناعات والأجهزة والأهم من ذلك فيما أخرجته إلى البشرية من منهج تجريبي علمي رصين فتعلمت تلك البشرية خلاله كيف تصل إلى الحقيقة العلمية ثقة واقتدار بعيدا عن الظنون والأوهام والأهواء.
وهنا فإنه يلقي بجانب من اللوم على أبناء الأمة مشيرا إلى أنه إذا كنا نعاني، حسبما يذكر، الأمرين من تجاهل الغرب لدورنا الحضاري التليد ، لما نمر به من ضعف مادي وهزيمة نفسية ، فالذي أشد منه مرارة عقوق أبناء المسلمين لتاريخهم وضعف الغيرة في قلوبهم على دينهم وحضاراتهم والجهل المطبق بعظم الدور الذي لعبه العقل المسلم في بناء الحضارة الإنسانية في نفس الوقت الذي يسعى فيه أولئك الأبناء لاهثين خلف ثقافة الغرب ولغته وعاداته وتقاليده بينما لا يشعر هؤلاء، وفق المؤلف، أن ما يحيا به الغرب اليوم من تقدم وازدهار سببه حضارة الإسلام وعلماؤها.
===============
كيف يستطيع المسلمون الإفلات من طوق التخلف؟
الاثنين 3 ذي القعدة 1426هـ - 5 ديسمبر 2005م
الصفحة الرئيسة
تحقيق : أسامة الهيتمي
مفكرة الإسلام : يحاول البعض من أعداء الإسلام إلصاق تهمة التخلف الذي تعاني منه أمتنا العربية والإسلامية بدين الإسلام مشيرين إلى أن المجتمعات الإسلامية وحدها هي التي تعاني من ذلك برغم ما تمتلكه من ثروات كثيرة ونعم عديدة في حين ينعم الغرب وأبناء الحضارات الأخرى بحياة سعيدة ومستقرة ويعتبرون أن ذلك تأكيدا على أن القيم الإسلامية في حد ذاتها تدعو إلى التخلف ولا تدفع إلى الأخذ بعوامل النهضة .
ويعتقد هؤلاء أن الحل للخروج مما تعاني منه الأمة هو الأخذ بما وصلت إليه الحضارات الأخرى والتمثل بقيمها ومبادئها التي تتلاءم مع طبيعة التطور الزمني الحادث في المجتمعات .
وما يراه هؤلاء ليس جديدا في حد ذاته فهو نفس ما يروجه المستشرقون منذ أن بدءوا في تنظيم أنفسهم لتوجيه انتقاداتهم للإسلام عبر كتاباتهم ومؤلفاتهم في محاولة لتشويه صورته وإبعاد المسلمين عن مبادئه .
غير أن هؤلاء نسوا أو تناسوا ما قدمه الإسلام من حضارة عريقة أسهمت فيما وصل إليه العالم من رقي وتقدم على المستويين المادي والمعنوي وأنه كان سباقا في الكثير مما يعتبره البعض إنجازا بشريا حتى الآن .
ومع ذلك فإن الموضوعية تقتضي أن نعترف بأن حالة الأمة العربية والإسلامية لم تعد تثير سوى الرثاء والبكاء على ما آلت إليه .. كما تدفع أبناء هذه الأمة المخلصين إلى الاجتهاد في التفكير للخروج من حالة التخلف التي ألمت بها .
المسلمون يعانون من الأمية الدينية
في البداية يرى الشيخ منصور رفاعي عبيد أحد علماء الأزهر الشريف أن الذي نراه الآن في الأمة ليس تخلفا بالمعنى الدقيق وإنما هو أمية دينية سيطرت على الجميع فجهل المسلمون أمور دينهم وابتعدوا عن حقائقه ونسوا ما يدعو إليه الدين من وحدة وأخوة ودعوة إلى العلم وحث عليه مع التسامح والحب والألفة فجهل المسلمون هذه الأمور وتناسوها فأصابتهم الفرقة. كما تناسوا دعوته إلى إعداد العدة لمناهضة العدو ودفعه عن ديارهم. كذلك تناسوا زراعة الأرض وعاشوا يمدون أيديهم إلى الغرب يأكلون من إنتاج غيرهم ويلبسون من مصانع غيرهم بينما عندهم القوة المادية والأرض المهيأة التي تمكنهم أن يكونوا قادة لا عالة وأن يكونوا سادة وليسوا في آخر القافلة.
ويضيف الشيخ منصور إن أبناء الأمة نسوا ذكر الله فأنساهم الله أنفسهم فأصبحوا يستوردون لمدارسهم المناهج التعليمية من بلاد غيرهم.. فتاريخهم أصبح مهملا وحضارتهم أضحت مطموسة كما يحفظون أولادهم حضارة غيرهم ويلقنوهم تاريخ أعدائهم على أنه تاريخ البطولات والنضال.
ولا ننسى الإعلام ووسائله المختلفة فلم يعد له منهج إسلامي وإنما يعيش عالة على ترجمة ما فعله غيرهم لبيئة تختلف عن بيئتهم ومناخ اجتماعي ليس من طبعهم وعادات وتقاليد لا يعرفون عنها أي شيء وهو ما دفع شباب الأمة إلى أن يقلد الممثلين الأجانب في كل شيء حتى في الحركة والمشي والأكل والجلوس وتعليق السيجارة بين الأصبعين إلى غير ذلك حتى تسريحة الشعر والملابس فلم يعد لهم زى وطني موحد إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة ..وأؤكد أن السبب في ذلك هو الأمية الدينية
ويشير الشيخ عبيد إلى أن العلاج والخروج من هذا الوضع سهل ميسر وبسيط وهو أن يعود المسلمون وأبناء الأمة إلى دينهم ومنهج هذا الدين 'القرآن الكريم' حيث لابد أن يطبقوا ما فيه على أنفسهم وأن يقتدوا بسنة نبيهم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - المليئة بالتوجيهات والقيم الأخلاقية النبيلة والأدب العالي حيث حث المصدران 'القرآن والسنة' المسلمين على طلب العلم حتى يتبوءوا مكان الصدارة والقيادة .
ويتساءل الشيخ عبيد لماذا نذهب بعيدا وعندنا عقول مفكرة وشخصيات بارزة في جميع المجالات العلمية والطبية والثقافية والتخطيطية والتنظيمية يحتلون مراكز مرموقة في بلاد الغرب والشرق حيث تحرم بلادهم من هذه العقول المهاجرة .. العلم عند الله وفي أذهان القيادات السياسية المسئولة عن الدولة .(8/31)
ويؤكد الشيخ عبيد أنه ليس هناك صراع أيدلوجي بين أطراف الأمة وإنما الصورة هكذا تظهر للعالم لكن الحقيقة أن المجتمع الإسلامي له أسس وتقاليد وعادات تتفق مع البيئة والمناخ الاجتماعي هي التي تتناسب معه فقط .. لكنني لو اعتمدت على حضارة غيري فهي تختلف عن تقاليد الآباء والأجداد ومن هنا عندما أتمسك بحضارة غيري فأنا أفقد هويتي وأطمس معالم شخصيتي وأذوب في ذكر غيري وهذا ما لا يقره أي عاقل .
وهنا لابد أن أؤكد أننا كمسلمين لا نتعصب ولا نعرف ذلك أبدا فالإسلام يعلن ' ليس من المسلمين من دعا إلى عصبية ' فتعالوا إلى كلمة سواء بينا وبينكم كل منا يبني بفكر بيئته ونحترم بعضنا البعض ولا ندمر ما صنعه الآباء لنا ولا نحطم نفوسنا ونعزل نفوسنا عن المجتمعات الأخرى بل نتعايش في جو من الحب والتعاون والإخاء .
ليس هناك خلاف بين الأصالة والمعاصرة
ويقول الأستاذ الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة إن الأمة العربية والإسلامية تمر بالفعل بمرحلة خطيرة من حياتها تعاني فيها من تخلف حضاري كبير غير أنه يشير إلى أن هناك ملاحظتين هامتين يجب اعتبارهما:
الأولى: هي أنني لست مؤرخا وإن كنت قارئا في التاريخ وبالتالي لست ملما جيدا بأسوأ فترات تاريخ الأمة .
والثانية: هي أن الفترة التي يمكن أن نقارن أوضاعنا الحالية بها ربما كانت فترة أمراء الأندلس وهي الفترة التي ضاعت فيها منا الأندلس، وعليه فنرجو ألا تكون نفس النتيجة .. فقد تعاون الأمراء مع ملوك الفرنجة في الأندلس حتى ضاعت فلا نريد أن نصل إلى نهاية هذا الطريق وهي ضياع الأندلس خاصة وأن هناك صور لأندلسات كثيرة وربما أذهب بذهني إلى فلسطين والعراق والدور القادم على سوريا ونرجو ألا نصل إلى هذا الطريق .
ويضيف البنا إنني لا أمتلك بالطبع وصفة سحرية للخروج من هذا الحال السئ لكن هناك بدايات أمل في صحوة بدأت في كثير من بلاد العرب والمسلمين ونرجو أن تستمر وتقوى وأن ينضم إليها الحكام وينحازون ولولمرة لصالح شعوبهم ضد هذه الهيمنة والغطرسة الأمريكية والأوروبية التي يمارسونها على دولهم .
أيضا يجب الأخذ بما وصل إليه الغرب من تقدم علمي وتكنولوجي فلابد من الاستفادة منه مع التمسك بقيمنا وأصولنا الحضارية حيث ليس هناك خلاف جوهري وجذري بين الأصالة والمعاصرة إلا في فكر البعض يمينا أو يسارا فمن يرفضون حضارة الغرب يستخدمون السيارة والراديو والكمبيوتر والتلفاز وغيرها من أدوات التكنولوجيا العصرية ..فلا مبرر إذن لرفض الغرب كلية وكذلك هؤلاء الذين يرتمون في أحضان الغرب لن يصبحوا غربيين تماما وحتى لو تحولوا للغرب كلية فقد فقدوا حضارتهم وهويتهم وشخصياتهم المتميزة .. ويصبحون بعد ذلك مجرد تابعين للغرب .
المطلوب هو الاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي مع الاحتفاظ بهويتنا الثقافية والحضارية والجمع بين التقدم العلمي والفني والشخصية الوطنية بأصولها الحضارية.
ويؤكد الدكتور البنا أنه توجد مقومات للنهضة والمطلوب تقويتها والبناء عليها والأخذ بسبل التقدم وأن هذا أمر ممكن ولكنه يحتاج إلى إرادة وعزيمة قوية وعمل متواصل .
البعد عن الإسلام اقتراب من الجريمة
ويرى الدكتور أحمد المجدوب أستاذ علم الاجتماع أن إعادة نهضة الأمة وابتعاث حضارتها سهل للغاية من حيث الطريق ولكنه صعب للغاية من حيث النوايا، فالطريق حدده الرسول - صلى الله عليه وسلم - ' تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا .. كتاب الله وسنتي ' فالطريق واضح وضوح الشمس .
ويقول الدكتور المجدوب إن صحة هذا الطريق تأكدت لنا عبر 14 قرنا من الزمان حيث إن النظم تذهب وتجيء وتصعد وتهبط والإسلام باق بكل مبادئه وأحكامه سواء في نظام التشريع أو في نظام الأخلاق وكلنا عاصر وعرف الاتحاد السوفيتي والوعود التي قطعها قادته على أنفسهم بأن يجعلوا من العالم الفردوس الأرضي ثم اكتشفنا أنه الجحيم بعينه .. إن أمامنا الطريق إذا كنتم تريدون الخير والفلاح والقوة والعزة اسلكوا هذا الطريق .
ويضيف المجدوب لكن للأسف الشديد فإن النوايا الخبيثة تضمر للدين العداء حيث يصل الأمر ببعضهم إلى تحريض غير المسلمين على الإسلام وها أنت ترى ما حدث في الانتخابات البرلمانية بمصر فبعد أن تمكن الإخوان من تحقيق بعض الانتصارات في الجولتين السابقتين بدأت الأسئلة ..ماذا ستفعلون في الأقباط ؟ وما موقفكم من نانسي عجرم ؟ وما هي رؤيتكم للمرأة ؟ إلى آخر هذا الكلام الذي لا يقوله إلا أناس فقدوا عقولهم فهم يضمرون العداء للإسلام .. لماذا ؟ لأنه حال دون تسلطهم على الأمة بمبادئهم المنحرفة وسياساتهم الإجرامية فيزرعون العراقيل في طريق المسلمين .
ففي الغرب يقرنون الإسلام بالإرهاب وسيأتي يوم بعد أن تتطور الحملة الغربية على الإسلام وسنقول على استحياء أنا مسلم ..فالعمليات الاستشهادية في فلسطين والعراق والشيشان وغيرها نقول عليها انتحارية لأننا عندما نقول عليها استشهادية نكون من أنصار الإرهاب وحكوماتنا تفعل ذلك ..القضية إذا لم ننظم أنفسنا من أجل التوجه الحقيقي نحو قيم الإسلام أو أحكامه قل على المسلمين - وليس على الإسلام لأنه قوي - السلام .
وعليه فإن الطريق واضح وليس له بديل وقد قلتها قبل ذلك كثيرا .. إن البعد عن الإسلام يعني أن كل خطوة نبعدها نقترب خطوتين من الشر والجريمة والانحراف دعك من أن الناس الجهلة والحمقى يناصبون الإسلام العداء وينسون شيء هام هو أن أرخص وسيلة لمواجهة الجريمة والانحراف وليست في حاجة إلى كثير إنفاق أو تكلفة هي الدين وبالتالي فإن البعد عن الدين ينتج أبشع الجرائم .. وها أنت ترى وتقرأ ما تنشره الصحف فالأب يعاشر ابنته والأم تعاشر ابنها والأخ يعاشر أخته وهكذا .. إن الحل في الإسلام ولا حل غير الإسلام .
وحول الأخذ من النظريات الأخرى يشير الدكتور المجدوب إلى أنه يمكن أن نستعين بالنظريات الأخرى للتفسير والتحليل والتوقع لكن في النهاية يوجد أحداث تقع ولا يتنبأ بها فالانتخابات الأخيرة وهذه الصحوة التي انتابتهم وجعلتهم يسقطون رموز الفساد ويختارون أعضاء الإخوان المسلمين كانت مخالفة لتحليلات المحللين فليس كل من انتخب الإخوان إخواني وكثيرون أعطوا أصواتهم للإخوان نكاية في النظام ورموزه .
يوجد سر كبير في الناس فهم ينحرفون اليوم لكنهم يعودون إلى صوابهم بعد ذلك وذلك مصداقا لقوله - صلى الله عليه وسلم - ' الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين ' فهناك خير لن يختفي .. الناس سيأتي عليهم الوقت لينهضوا وليعيدوا للأمة كرامتها وشرفها وعافيتها .
وأنا وبعد 70 سنة خبرة في الحياة يمكنني أن أؤكد أنه طالما هناك قرآن يتلى في مكان ما في زمان ما في هذا البلد فثق أنه لا يأس وأن الأمل موجود .. لذلك هم يريدون محاصرة الإسلام ويعملون على تزييف القرآن ويدمرون المسلمين ويبعدونهم عن حقائق دينهم .. ولكن هيهات أن يحدث ذلك .. وأنا أتصور ولي علاقة وثيقة بعدد من مشايخ الأزهر الشريف الذين يمرون بحالة صمت أن الأزهر كمؤسسة دينية ذات تاريخ سيعود إلى دوره وسيقود حركة الصحوة في الوقت المناسب وذلك عندما ترفع السلطة يدها عنه .
العمل الجماعي للخروج من مأزق التخلف
أما الدكتور السيد رزق الحجر أستاذ الفلسفة والعقيدة الإسلامية بكلية دار العلوم فيقول إنه من المفترض أولا أن ننظر في الأسباب الداعية إلى التخلف وهي في اعتقادي تتمثل في :(8/32)