الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
الحرية الدينية
في الشريعة الإسلامية
أبعادها ضوابطها
إعداد
أ.د. سليمان بن عبد الله أبا الخيل
مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
... الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
فإن من دواعي البهجة والسرور، والاغتباط والحبور أن يكون لي شرف المساهمة في هذا المجمع الدولي الذي يضم نخبة من علماء العالم الإسلامي وفقهائه ومفكريه، تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي، في دورته التاسعة عشرة، وفي ضيافة بلد شقيق، ووطن كريم، وحكومة مباركة، لا تألوا جهدًا في دعم القضايا الإسلامية عامة، وقضايا الفقه والعلم بخاصة، مشاركة منها كدولة عربية إسلامية في تحقيق ما يصبو إليه المجمع الدولي، ومن سعى في إنشائه ودعم مسيرته حتى يواصلها بخطى ثابتة فاعلة مؤثرة بإذن الله سبحانه وتعالى.
وقد اخترت أن تكون مشاركتي في هذه الدورة من دورات مجمع الفقه الإسلامي الدولي عن موضوع من الموضوعات الهامة ، بل شديدة الأهمية سيما في الوقت الحاضر، يرتبط بجوانب عقدية وفقهية وأصولية، ويعالج قضية بل قضايا ساخنة على الإطار المحلي والإقليمي والدولي، وله ارتباط وثيق بصورة العلاقات الدولية والأسس التي تبنى عليها، إنه موضوع ترمى بالتقصير فيه بعض الدول الإسلامية، وتنتقد في مجالاتها التشريعية والقضائية والتنفيذية وعلى رأس هذه الدول المملكة العربية السعودية، إنه موضوع:
الحريات الدينية أبعادها وموقف الشرع منها(1/1)
وضوابط هذه الحريات، وما أحراه بالتحري والبحث، وما أجدره بالطرح، حتى نستبين المنهج الوسط، ونظهر الموقف الشرعي في هذه القضية الهامة، ومن هنا فإنه يجب أن يكون النظر في زوايا المسألة وجوانبها من رؤية شمولية عميقة، تجعل من فهم مقاصد الإسلام ومبادئه وقواعده وأحكامه أساسًا لهذا الطرح العلمي حتى ينهج المنهج الوسط، وينأى عن الغلو والشطط، ويحقق الهدف بأقصر عبارة وأوفاها، وهذا ما أسعى إليه جاهدًا بإذن الله تعالى.
مشكلة البحث:
مشكلة البحث تكمن في التعارض الذي يعن في أذهان البعض حول ما منحه الإسلام من حرية المعتقد لغير المسلمين، وعدم إجبار الناس في الدخول في هذا الدين وبين ما شرعه من حدود وأحكام حفاظًا على كليات الدين، ومنها حد الردة، ومعرفة مدى الاشتراك في قيمة الحرية كأساس تبنى عليه العلاقات الدولية باعتبار أن هذا المبدأ ورد ضمن القوانين الدولية وضوابط هذه الحرية، كما أن مشكلة البحث تمتد لتشمل معالجة التعددية الدينية والمذهبية وموقف الشرع منها.
أسباب اختيار الموضوع:
1- أهمية هذا الموضوع، وخطورته وحساسيته، وكثرة طرقه في مجالات مختلفة، وعبر الوسائل المتعددة، وتباين وجهات النظر فيه، وتأثيره في الأوساط المختلفة، وقد سبقت الإشارة إلى شيء من أهميته في استهلال البحث.
2- بيان وجهة النظر الشرعية التي تعتمد التأصيل، وتنطلق من خلال المقاصد العامة بنظرة متوازنة تعتمد فهم طبيعة العلاقات الدولية التي أصبحت أكثر تداخلاً وتعقيدًا من ذي قبل، واعتبار التحديات الآنية والمستقبلية التي تكتنف هذه المرحلة التي تعيشها مجموعة الدول.
3- الاحتساب في الدفاع عن الموقف الشرعي بعامة، وموقف المملكة العربية السعودية التي تعتمد الشريعة منهجًا وحكمًا وتحاكمًا، في ظل التقارير التي تصدرها بعض الدول المؤثرة حول الحرية الدينية وواقعها فيها.(1/2)
4- الإفادة من مضامين البحث، ومن خبرة أعضاء المجمع الدولي في هذا المجال، وذلك بعد تجاوز مرحلة اعتماده ليكون طريقًا للتشرف بالمشاركة والمحاورة والمداولة وصولاً إلى فهم وسطي في هذه القضية الهامة الحساسة.
خطة البحث:
تتكون الخطة من مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث:
وقد جاءت الخطة على النحو الآتي:
? مقدمة البحث، وفيها أهمية البحث، ومشكلته وسبب اختياره.
? التمهيد، في التعريف بمصطلحات البحث، وفيه ثلاث مسائل:
o المسألة الأولى: في التعريف بالحق لغة واصطلاحًا، وبيان مصدر الحق.
o المسألة الثانية: في المراد بحقوق الإنسان.
o المسألة الثالثة: في بيان مفهوم الحرية.
? المبحث الأول: في الأسس التي تبنى عليها حدود الحرية، وفيه مسائل:
o المسألة الأولى: عالمية الفطرة.
o المسألة الثانية: عالمية الإسلام، وعموم الرسالة المحمدية.
o المسألة الثالثة: استيعاب هذا الدين للشرائع كلها، وتضمنه لما فيها.
o المسألة الرابعة: الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم السلام والدعوة.
o المسألة الخامسة: منزلة الحوار كأسلوب للإقناع، ووعاء للحرية.
? المبحث الثاني: في تأصيل الحرية الدينية من وجهة نظر شرعية، وفيه مسائل:
o المسألة الأولى: ثبوت هذه الحرية من خلال نصوص الكتاب والسنة القولية والعملية، وفيه فرعان:
? الفرع الأول: الحرية من خلال نصوص القرآن الكريم.
? الفرع الثاني: الحرية من خلال نصوص السنة القولية والعملية.
o المسألة الثانية: تحديد الحرية التي منحها الشرع وهل هي : (حرية التفكير أم الاعتقاد ) ؟.
o المسألة الثالثة: فهم هذه الحرية في ضوء ما يظن أنه معارض، وفيه فرعان:
? الفرع الأول: الحرية في ضوء فهم الجهاد.
? الفرع الثاني: الحرية في ضوء حكم المرتد.
? المبحث الثالث: في ضوابط الحرية الدينية وآثارها، وفيه مسألتان:
o المسألة الأولى: ضوابط الحرية الدينية.(1/3)
o المسألة الثانية: آثار فهم الحرية الدينية بالفهم الوسطي الذي ينبع من استقصاء وتتبع.
التمهيد
في التعريف بمصطلحات البحث
... وفيه مسائل:
المسألة الأولى
في التعريف بالحق لغة واصطلاحًا، وبيان مصدر الحق
الحديث عن الحرية الدينية باعتبارها حقًا لابد له من مقدمات وممهدات تظهر مدلولات هذه المصطلحات، لحصر جوانب الموضوع، وبالنظر إلى أن الحديث عن الحرية الدينية بهذا التحديد كمصطلح إنما برز من خلال منظمات حقوق الإنسان، فقد اعتمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم 217 أ (د–3) في 10/12/1948م، ونصت المادة الثامنة عشرة منه على هذا، فقد ورد فيها: " لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنها بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها، سواءً كان ذلك سرًا أم مع الجماعة" (1) .
وقد تحفظت المملكة العربية السعودية في تصويتها لصالح الإعلان على هذه المادة، وكذلك المادة السادسة عشرة، وذلك بسبب اصطدامهما بأحكام الشريعة (2) .
ولذا لابد من بيان مفهوم الحق، ومصدره.
فالحق لغة: له معانٍ متعددة، ترجع في مجملها إلى الثبوت والوجوب، فيطلق الحق على الموجود الثابت، وعلى الواجب، وعلى خلاف الباطل، ومن إطلاقاته: الحظ والنصيب، والصواب وغيرها (3) ، وفي القاموس المحيط (4) : ((الحق من أسماء الله تعالى، أو من صفاته، والقرآن، وضد الباطل، والأمر المقضي، والعدل والإسلام، والمال والملك، والموجود الثابت، والصدق، والموت، والحزم، وواحد الحقوق)).
__________
(1) ... ينظر: حقوق الإنسان في الإسلام ا.د. محمد الزحيلي/ 396.
(2) ... ينظر: دراسة صادرة عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة بعنوان: "مدى انسجام الأنظمة السعودية مع اتفاقيات حقوق الإنسان الرئيسة/ 38،22.
(3) ... لسان العرب مادة: حقق 10/49.
(4) ... للفيروز آبادي مادة: الحق 3/221.(1/4)
وقال الجرجاني (1) : الحق في اللغة هو: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره.
وأما مدلول الحق اصطلاحًا فالذي يظهر أن العلماء السابقين لم يخرجوا عن المدلول اللغوي، وتابعهم على ذلك بعض المعاصرين إلا أنهم قيدوه بقيود، ولهم في ذلك توجهات لست بصدد حصرها، فمنهم من اتجه إلى تعريف الحق بأنه مصلحة ثابتة للشخص، باعتبار أن من مصادر الحق الحماية، والحماية لا تكون إلا لمصلحة، لكنه اتجاه منتقد، باعتبار أن المصلحة هي الغاية من الحق.
ومنهم من اتجه إلى تعريفه بالاختصاص أي الانفراد والاستئثار وهو اتجاه قريب. وأقرب منه من عرف الحق معتمدًا على المدلول اللغوي العائد إلى الثبوت والاستقرار (2) كما مر، وبما أن هذه الاتجاهات –في نظري– غير مؤثرة في موضوع البحث فإنني أميل إلى المفاهيم المختصرة التي تبين المدلول، وتُقّرِبه، لاسيما عند العلماء السابقين، ولكن قد لا يظهر ذلك إلا ببعض التقسيمات التي ذكرها العلماء، فمن أبرز التقسيمات تقسيم الحقوق إلى حق لله، وحق للعبد، ومنهم من يجعل قسمًا ثالثًا واسطة بينهما، فيجعل من الحقوق ما يجتمع فيه الحقان، وهذا القسم قد يكون المغلب فيه حق الله، وقد يكون المغلب فيه حق العبد، وفي بيان هذا التقسيم أذكر بعض ما قاله العلماء.
قال القرافي (3) : ((فحق الله أمره ونهيه، وحق العبد مصالحه)).
__________
(1) ... التعريفات/122.
(2) ... انظر: إرث الحقوق في الفقه الإسلامي – رسالة ماجستير للباحث: عياد العنزي من جامعة الإمام 1/54–58.
(3) ... الفروق1/140، الفرق22.(1/5)
وذكر ابن القيم رحمه الله حدًا للتفريق بينهما فقال (1) : ((والحقوق نوعان: حق الله، وحق الآدمي؛ فحق الله لا مدخل للصلح فيه، كالحدود والزكوات والكفارات ونحوها، وإنما الصلح بين العبد وبين ربه في إقامتها، لا في إهمالها، ولهذا لا يقبل بالحدود، وإذا بلغت السلطان فلعن الله الشافع والمشفع، وأما حقوق الآدميين فهي التي تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة عليها)).
وفي تيسير التحرير (2) : ((وهو–أي: حق الله الخالص– ما يتعلق به النفع العام من غير اختصاص بأحد، نسب إلى الله تعالى لعظم خطره، وشمول نفعه، كحرمة البيت وحرمة الزنا)) ثم قال في بيان حق العبد الخالص (3) : ((وهو ما يتعلق به مصلحة خاصة، كحرمة مال الغير، ولذا يباح بإباحة مالكه، ولا يباح الزنا بإباحة المرأة ولا بإباحة أهلها، قيل: ويرد عليه الصلاة والصوم والحج، والحق أن يقال يعني بحق الله: ما يكون المستحق هو الله، وبحق العبد ما يكون المستحق هو العبد)).
ورجح في تهذيب الفروق (4) أن حق الله هو متعلق الأمر لا نفس الأمر، وقسم حق العباد إلى ثلاثة أقسام فقال: ((الأول: حقه على الله، وهو ملزوم عبادته إياه، وهو أن يدخله الجنة ويخلصه من النار–قلت: ومعلوم أن هذه التسمية مصدرها ما جاء في الحديث، وتسمية ذلك حقًا اتباعًا للحديث ولكنه لا يعني أن هذا أمر يجب عليه من حيث العقل، لأن الله لا مكره له، ولكنه أوجب ذلك على نفسه تكرمًا– والثاني: حقه في الجملة، وهو الأمر الذي يستقيم به في أولاه وأخراه من مصالحه، والثالث: حقه على غيره من العباد، وهو ماله عليهم من الذمم والمظالم)) ا.هـ
__________
(1) ... إعلام الموقعين1/108.
(2) ... لمحمد أمين المعروف بأمير باد شاه 2/250.
(3) ... المرجع السابق.
(4) ... تهذيب الفروق لمحمد علي بن حسين المكي المالكي مع الفروق 1/157.(1/6)
أما ابن رجب فقد قسم في القاعدة الخامسة والثمانين حقوق العباد إلى خمسة أقسام، هي: حق الملك، وحق التملك، وحق الانتفاع، وحق الاختصاص، وحق التعلق لاستيفاء الحق مثل تعلق حق المرتهن بالرهن (1) .
وقد جمعت هذه التقسيمات مفاهيم يمكن الاستناد إليها في تحديد مفهوم الحق بالنسبة للعبد، فإذا تبين المراد بحقوق الله كما ذكر العلماء، وأن أعظم حق لله متعلق أمره ونهيه بعبادته، وأعظم ذلك توحيده، ولا يعني ذلك أنه ينتفع بذلك أو تتعلق به حاجة تعالى الله عن ذلك، وإنما الإضافة لما يتعلق بهذا الحق من عموم نفع العباد، ولتشريف ما عظم خطره وقوي نفعه (2) .
ومعيار إثبات هذه الحقوق ما ذكره ابن القيم رحمه الله من أنها لا مدخل للصلح فيها ولا تقبل الإسقاط (3) .
وأما حق العبد فهو ما يستحقه وتتعلق به مصالحه الخاصة، ومعيار ثبوتها له ما ذكره ابن القيم رحمه الله أيضًا من أنها تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة عليها (4) وبهذا يمكن تحرير مفهوم الحق بأنه ما ثبت للعبد شرعًا، سواء كان الحق ماديًا أم معنويًا.
وإنما أطلت في تقرير الحق لأنه يبنى على هذا التحرير تحديد الحكم في موضوع الحرية الدينية على اعتبار أنه حق من الحقوق، والحكم على الشيء فرع عن تصوره (5) ، وظاهر من هذا التصور أن الحق يقوم على أركان:
1– ... المُسْتَحَق، وهو الشيء الثابت مالاً كان أو غير مال (محل الحق).
2– ... صاحب الحق أو المستَحِق، وهو من له الحق.
3– ... من عليه الحق، وهو إما أن يكون واحدًا أو متعددًا (6) .
__________
(1) ... انظر: تقرير القواعد، وتحرير الفواند (القواعد) 2/259–282.
(2) ... انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية 18/9.
(3) ... انظر: إعلام الموقعين1/108.
(4) ... المرجع السابق.
(5) ... شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير لابن النجار الفتوحي 1/50.
(6) ... انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية 18/12.(1/7)
أما مصدر الحق فمن المتقرر أنه بالنسبة للمسلمين لا يحيد عن الشرع، باعتبار أن المسلم محكوم بحكم الشرع في جميع تصرفاته، ومصادر الحقوق كلها هو شريعة الله، فما أثبته الشرع حقًا فهو حق، وما عداه فليس بحق، والحق بهذا الاعتبار أثر من آثار الحكم الشرعي المستمد من خطاب الشرع (1) .
وبالنظر في مبدأ حقوق الإنسان في الواقع الدولي نجد أنه يستمد من مصادر مختلفة أبرزها مصدران غير المصدر الشرعي الذي يحكم دول المسلمين، فهناك المصدر الدولي، ويشمل المواثيق الدولية العالمية المنشأ والتطبيق، وتنقسم بدورها إلى مواثيق عامة ومواثيق خاصة، وهناك المصدر الإقليمي الوطني ويشمل الدساتير والتشريعات الوطنية التي تتضمن نصوصًا تكفل حقوق الإنسان (2) ، ولكن المصدر الدولي والوطني حينما يتأملها الباحث يجد أنها في جملتها بغض النظر عن تفاصيلها تستند إلى دساتير ولوائح ونظم تتفق مع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من نصوص تكرم الإنسان وتصون حقوقه، ومن هنا فإنه يمكن النظر إليها على أنها قيم مشتركة يتم التعامل معها في صورة العلاقات الدولية بما لا يتعارض مع نصوص الشرع، وسيأتي بيان ذلك مفصلاً.
المسألة الثانية
في المراد بحقوق الإنسان
__________
(1) ... انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية 18/11، وإرث الحقوق في الفقه الإسلامي 1/59.
(2) ... انظر: قانون حقوق الإنسان، مصادره وتطبيقاته الوطنية والدولية، د.الشافعي محمد بشير/43–44.(1/8)
قد مر بيان مفهوم الحق، ومصدر الحق، وأرى لزامًا أن أعرج على مفهوم حقوق الإنسان باعتبار أن الحرية الدينية جزء من هذه الحقوق، وكما هو معلوم فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو أقدم وأشهر آلية من آليات القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو وثيقة مرجعية هامة تأريخيًا في مجال الحقوق، وقد سبقته محاولات كثيرة في هذا المجال، ويمكن القول بأن فكرة حقوق الإنسان الشائعة اليوم محليًا وعالميًا موجودة منذ القدم، وتضمنتها الشرائع والرسالات السماوية بما جاء فيها وتعد أصلاً لها، ولكنها لم تظهر بشكل رسمي معلن إلا في القرن الثالث عشر الميلادي (السابع هجري)، والإعلان مكون من ثلاثين مادة تتطرق إلى مختلف أنواع حقوق الإنسان، وقد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948م (1) ، ولكن لا يعني هذا سبقًا في هذا المجال، فالشريعة الإسلامية بمبادئها وقواعدها وأحكامها سبقت كل القوانين البشرية والمواثيق العالمية في وضع أسس هذه الحقوق، بل وصورها بشكل أوفى وأشمل، وأدق وأصلح في الحال والمآل، ومن ذلك هذا الحق كما سيظهر في هذا البحث، والذي يهمني هنا ذكر مفهوم حقوق الإنسان، وقد مر مفهوم الحق، وإذا أضيف إلى الإنسان فهذه الإضافة تقيد هذه الحقوق بما ثبت للإنسان من حقوق على اختلاف مصادر هذه الحقوق عند من يثبتها (2) ، ولكن غلب هذا الإطلاق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المشار إليه فيما سبق، والذي يتضمن المبادئ الرئيسة للحقوق المهنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والحريات الفردية (3) ،
__________
(1) ... انظر: الموسوعة العربية العالمية9/472–473، وقانون حقوق الإنسان د. الشافعي محمد بشير/13، ومدى انسجام الأنظمة السعودية مع اتفاقيات حقوق الإنسان الرئيسية، دراسة عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان/21.
(2) ... انظر: قانون حقوق الإنسان ، مرجع سابق–/35.
(3) ... الموسوعة العربية العالمية9/472..(1/9)
كالحق في الحرية، وفي المساواة، وفي الكرامة، وفي الحياة، وفي الأمن، وفي العمل، وفي التعليم، وفي حرية الرأي، وفي العدالة وغيرها، وكافة آليات القانون الدولي لحقوق الإنسان اللاحقة لهذا الإعلان ما هي إلا تفصيلات لحق معين أو حقوق وردت في هذا الإعلان (1) ، وفي النظرة الشرعية لا نجد هذا الإطلاق "حقوق الإنسان" في نصوص الشارع، بل الأمر الذي ورد وهو يفيد ما يفيده هذا اللفظ وبشمولية ودلالة أدق هو التكريم الذي ذكره الله في كتابه في مثل قوله تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } (2) ، وربما يكون في لفظة حقوق الإنسان من التعميم والإطلاق ما يشير إلى سبب عدم وروده في نصوص الكتاب والسنة، ولذا يمكن بناءً على هذا التصور أن يقال : بأن حقوق الإنسان في الإسلام ما يتضمنه التكريم من صور تعد ضمانات لحقوقه الأساسية، التي تزداد وتعظم بحسب قيامه بحق من كرمه وسواه وخلقه وهداه.
__________
(1) ... مدى انسجام الأنظمة السعودية مع اتفاقيات حقوق الإنسان – مرجع سابق–/21.
(2) ... الإسراء:70 .(1/10)
وهذه الصور تشمل تكريمه قبل خلقه، وذلك بتكريم أبي البشر آدم عليه السلام، وأمر الملائكة بالسجود له، وتشمل التكريم بالخلق والاصطفاء والاختيار، والتكريم بالعقل، والتكريم بالرسالات والكتب وغيرها من صور التكريم (1) ، وفي هذه الحقوق من التوازن والعدل، وعصمة الصدر، وشمولية الحقوق، وثبات المبادئ، وعدم خضوعها للنسبية أو التغيير أو التبديل ما يجعلها مثالية للتطبيق، تربو على كل المبادئ والمثل البشرية، ولست بصدد المقارنة بين هذه الحقوق وما ورد في المواثيق الدولية، وإنما أردت أن تكون هذه الديباجة مدخلاً لما سيأتي من بيان.
المسألة الثالثة
في بيان مفهوم الحرية
قال ابن فارس (2) : ((الحاء والراء في المضاعف له أصلان، فالأول: ما خالف العبودية وبرئ من العيب والنقص، يقال هو حرٌّ بين الحرورية والحرية، ويقال: طين حر لا رمل فيه.. والثاني: خلاف البرد )).
والتحرير: إثبات الحرية، والحرية مصدر الحر (3) ، والحر نقيض العبد، والجمع أحرار وحِرار، والحر من الناس أخيارهم وأفاضلهم، وحرية العرب أشرافهم (4) .
__________
(1) ... انظر: تيسير الكريم الرحمن للسعدي/463 (تفسير سورة الإسراء)، وتكريم الإنسان في الإسلام د. فاروق مساهل/15 وما بعدها.
(2) ... معجم مقاييس اللغة مادة "حرَّ" /240.
(3) ... انظر: طلبة الطلبة للنسفي/114.
(4) ... انظر: لسان العرب لابن منظور "حرر"،4/181–182.(1/11)
فظهر بهذا أن للكلمة اشتقاقين، والذي يعنينا هو اشتقاق الكلمة من نقيض العبودية، وأن هذا الوصف رفعة وشرف ومدح، ويعود إلى إطلاق الإنسان من القيود التي تمنع التصرف، ولذا يمكن وصف الحرية بأنها: الحالة التي يستطيع الأفراد فيها أن يختاروا ويقروا بوحي من إرادتهم، ودونما أية ضغوط من أي نوع عليهم (1) ، وبالنظر إلى المفهوم الدقيق للحرية لا يمكن فرض حرية مطلقة دونما قيود إلا في الذهن، أما في الواقع فإن الإنسان مدني بطبعه، لا يعيش وحده، وإنما يعيش في مجتمع متماسك يؤذيه ما يؤذي بعضه، يقول ابن خلدون في المقدمة الأولى (2) في أن الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: ((الإنسان مدني بالطبع)) أي: لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنيه في اصطلاحهم)).
__________
(1) ... انظر: الموسوعة العربية العالمية "الحرية" 9/305.
(2) ... مقدمة ابن خلدون 1/45.(1/12)
وإذا كانت حاجات الإنسان الأساسية مرتبطة بالآخرين فلا يتصور في الدنيا حرية مطلقة غير مقيدة بنظام، ولا تكون حرية الفرد إلا إذا سلمت حريات الآخرين، ولذا قد تكون الحرية بالمنع أحيانًا، أما ما يتصوره البعض من أنه يمكن فرض حرية مطلقة وينظر إليها على أنها من حقوقه فهذه علاوة على أنه لا يمكن تصورها لأنها الفوضى المطلقة، فهي عبودية ذميمة من وجه آخر إما لشخص أو لقيمة من قيم الحياة المادية، لأن الانطلاق وراء كل شهوة والانفلات من كل قيد يكون استعبادًا للشهوة والهوى، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1) : ((فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن، فإن من استعبد بدنه واسترق لا يبالي إذا كان قلبه مستريحا من ذلك مطمئنا بل يمكنه الاحتيال في الخلاص، وأما إذا كان القلب الذي هو الملك رقيقا مستعبدا متيما لغير الله فهذا هو الذل والأسر المحض والعبودية لما استعبد القلب... فالحرية حرية القلب والعبودية عبودية القلب كما أن الغنى غنى النفس)).
وقد بدأ استعمال هذا المصطلح في البلدان التي عاشت تحت الحكم الاستعماري، وارتبط مفهوم الحرية بالاستقلال وحق تقرير المصير، وفي العالم الغربي ارتبط هذا المفهوم بالديمقراطية، ولذا فإن الإشارة إلى أنواع الحريات التي يدخل في تصنيفها الحرية الدينية هو تصنيف غربي يجري تطبيقه في الدول الرأسمالية الغربية، وتعني الحرية الدينية في مفاهيمهم: حرية الاعتقاد، وممارسة الشعائر الدينية التي يختارها الفرد لنفسه (2) .
وسوف يكون هذا المصطلح محور هذا البحث من حيث دقة المصطلح، ونظرة الإسلام إليه فيما يأتي.
المبحث الأول
في الأسس التي تبنى عليها هذه الحدود
... وفيه مسائل:
المسألة الأولى
عالمية الفطرة
__________
(1) ... مجموع الفتاوى 10/86.
(2) ... انظر: الموسوعة العربية العالمية 9/305.(1/13)
إيراد هذا الأصل لبيان أن التدين ضرورة للبشر، ولا يوجد أحد لا يشعر بها، وإذا كان التدين ضرورة فطرية غريزية جبلية فإن هذا الجانب يمكن أن يعتبر من الأطر العامة للحرية، ففرض حريات تقوم على التحرر من الدين والخلق فوضى وليست حرية، وقد ذكر الله في كتابه أن الفطرة التي فطر البشر عليها هي الحنيفية السمحة، القائمة على إخلاص العبودية لله، قال الله تعالى: {? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?} (1) ، فبين أن التوجه بالقلب والقصد والبدن إلى شرائع الدين هو الأمر الذي فطر الله الناس عليها، ووضع في عقولهم حسنها واستقباح غيرها، ((فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع اللّه في قلوب الخلق كلهم الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق وهذا حقيقة الفطرة، ومن خرج عن هذا الأصل فلعارض عرض لفطرته أفسدها)) (2) ، وهذا معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «كل مولود يولد على الفطرة» (3) .
__________
(1) ... الروم:30.
(2) ... تيسير الكريم الرحمن/641.
(3) ... أخرجه البخاري في صحيحه، باب ما قيل في أولاد المشركين، برقم:(1319)، ومسلم في صحيحه، باب: معنى قوله: كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، برقم: (2658).(1/14)
يقول شيخ الإسلام رحمه الله (1) : ((ومثل الفطرة مع الحق: مثل ضوء العين مع الشمس وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس)) إلى أن قال: ((ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل، فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق – الذي هو الإسلام– بحيث لو ترك من غير مغير لما كان إلا مسلما، وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع: هي فطرة الله التي فطر الناس عليها)) (2) .
وهذا الأصل يفيد في معرفة ميزة الدين الإسلامي، لأنه الموافق للفطرة، الواجب على الناس كافة، ويفيد في فهم علاقتنا بغير المسلمين في هذا الجانب "الحرية الدينية" ففي الوقت الذي لا يعارض فيه على البقاء على دين، لأنه لا يمكن أن ينفك عنه، والموقف الشرعي ينهى عن الإكراه كما سيأتي، إلا أنه لا يمنع هذا من استعمال الأساليب والوسائل التي تحقق الاستجابة إلى الدين الصحيح، ومعالجة الانحراف الذي طرأ على الفطرة دون أن يكون هناك عنف أو تعسف في الوصول إلى هذا الهدف، ولا تنافي بين الأمرين، فالموقف الأول نابع من الحاجة التي تدعو إليها الفطرة بالتدين بدين حقًا كان أو باطلاً، والثاني لا يشكل خروجًا عن الحرية، لأنه مبني على الإقناع والحوار والطرق التي هي الحرية ذاتها.
المسألة الثانية
عالمية الإسلام، وعموم الرسالة المحمدية
__________
(1) ... مجموع الفتاوى4/247.
(2) ... وانظر: أحكام أهل الذمة لابن القيم 2/947، فقد حكى أقولاً في معنى الفطرة في الحديث، وخلص إلى قريب من هذا الذي قاله شيخ الإسلام.(1/15)
من الثوابت التي دلت عليها النصوص القواطع ما يتعلق بعموم الرسالة، وهذا ما جاء في كتاب الله، حيث ذكر الله سبحانه أن كل رسول الله أرسل إلى قومه وحدهم، ما عدا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فنوح عليه السلام أرسل إلى قومه فقط، قال تعالى: {? ? ? ? ?} (1) ، وإبراهيم عليه السلام أرسل إلى قومه فقط، كما قال الله تعالى: {پ پ ? ? ? ? ?} (2) ، ولوط عليه السلام أرسل إلى قومه فقط، كما قال الله تعالى: { ? ? ? ?} (3) ، وهود عليه السلام أرسل إلى قومه فقط، كما قال الله تعالى: {ھ ھ ے ے ?} (4) إلى قوله تعالى: { ? ? ? ? ?} (5) ، وصالح عليه السلام أرسل إلى قومه ثمود، كما قال الله تعالى: { ? ? ? ? ?) (6) ، وشعيب عليه السلام أرسل إلى أهل مدين، قال الله تعالى: {? ? ? ? ?} (7) ، وعيسى عليه السلام أرسل إلى بني إسرائيل، كما قال الله تعالى: {پ پ ? ?} (8) ، أما محمد - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إلى جميع الناس، كما يقول الله تعالى: {? ? ? ? ہ ہ ہ ہ} (9) ، قال ابن كثير رحمه الله : ((وهذا من شرفه وعظمته أنه خاتم النبيين، وأنه مبعوث إلى الناس كافة)) (10) ، ثم قال: ((والآيات في هذا كثيرة، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر، وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه، صلوات الله وسلامه عليه، رسول الله إلى الناس كلهم)) (11) .
__________
(1) ... نوح : 1 .
(2) ... العنكبوت : 16 .
(3) ... الشعراء : 160 .
(4) ... هود : 50 .
(5) ... هود : 60 .
(6) ... الأعراف : 73.
(7) ... الأعراف : 85 .
(8) ... الصف : 6 .
(9) ... الأعراف : 158.
(10) ... انظر : تفسير ابن كثير 2/254 .
(11) ... انظر : تفسير ابن كثير 2/255 .(1/16)
والله يشهد لرسوله بأنه مرسل إلى جميع الناس عربا وغير عرب، يقول تعالى في وصف القرآن: { پ پ پ ? ? } (1) ، ويقول جل شأنه: { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } (2) . فسر ابن منظور كلمة: { ذِكْرٌ } في الآية بأنها تعني أن القرآن كتاب فيه تفصيل الدين ، وكأنه يقول تبارك اسمه : ما القرآن إلا شريعة للعالمين، وكلمة : { لِلْعَالَمِينَ } جمع عالَم بفتح اللام، أي: أن القرآن شريعة للعالم كله بجميع أجناسه وشعوبه، وجَمَعَ لفظَ (عالم)؛ للدلالة على الاستغراق (3) . ويخاطب الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - قائلا : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (4) ، فهو رحمة مهداة إلى الخلق ، وبقوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } (5) . فالله لم يرسل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لقريش وحدها ولا للعرب وحدهم، بل أرسله للناس كافة في مشارق الأرض ومغاربها، ليبلغهم رسالته للعالمين.
وأما الأحاديث النبوية الشريفة، فكما قال ابن كثير رحمه الله أكثر من أن تحصر، وإن ذلك معلوم من الدين بالضرورة، فقد روى عن أبي هريرة رضي الله عه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «فضلت على الأنبياء بست»، منها قوله: «وأرسلت إلى الخلق كافة» (6) .
__________
(1) ... ... يوسف : 104.
(2) ... ... القلم : 52 .
(3) ... ابن منظور: لسان العرب، مادة (ذكر).
(4) ... الأنبياء : 107 .
(5) ... سبأ : 28 .
(6) ... أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم: (523).(1/17)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود» (1) . والعرب تسمي الأبيض أحمر، أي: أنه بعث إلى البشر جميعاً. وهذا أصل عظيم، وأس ثابت لا يجوز القول بخلافه.
المسألة الثالثة
استيعاب هذا الدين للشرائع كلها، وتضمنه لما فيها
إن الرسالات التي سبقت الإسلام كانت غير شاملة بالنسبة للدعوة نفسها، فلم تكن الدعوة كاملة التفاصيل، وإنما حوت ما يستطيع العقل آنذاك هضمه وفهمه، وكانت كذلك غير شاملة للبشرية، فقد كانت الرسالة محددة لقوم معينين، وجاءت رسالة الإسلام، وهي خاتمة الرسالات، فيها من العناصر ما يجعلها تناسب كل زمان ومكان، ومن أهم هذه العناصر: شمولها لأحكام واسعة في المجالات المختلفة، كنظام الميراث والزواج والطلاق والسياسة والاقتصاد وغيرها، فما من كمال وحسن وصلاح إلا وتضمنته الشريعة الإسلامية بصورة أوفى وأدعى ليتم بذلك سر الاصطفاء والاختيار، وما من قبح ونقصص إلا والشريعة الإسلامية منزهة عنه، ولذا أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - قوله: { چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ?} (2) ، وقال في شأن القرآن: {? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ} (3) ، ثم كان من عناصر هذه الرسالة أيضا أن تعترف بالرسالات السماوية السابقة، وأوجبت الإيمان بها على وجه الإجمال، وبما جاء به هؤلاء الرسل من كتب، ونجد ذلك جليًا في أمر الله تعالى للمسلمين في قوله تعالى: {? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ?} (4) ، لكن هذا الاعتراف لا يعني أنها باقية لم تنسخ، لأن الله بين في آيات أخرى أن الإسلام مهيمن على الديانات السابقة، قال الله تعالى: {? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ} (5) .
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/250.
(2) ... المائدة:3.
(3) ... المائدة:48.
(4) البقرة : 136 .
(5) المائدة : 48 .(1/18)
وقد قيل في حكمة عموم رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصوص الرسالات السابقة أن الاتصال بين الأمم السابقة غير موجود أو متاح، وكانت كل أمة تعيش في عزلة عن الأمم الأخرى، لعدم وجود المواصلات والروابط غالبا، ولاختلاف العادات وطرق الحياة، ثم لتعدد اللغات وقلة الذين عنوا بتعليم غير لغتهم، ومن ثم أرسل الله لكل أمة رسولاً، وما كان رسول واحد يستطيع أن يوفي بالغرض من الرسالات.
وهذه العزلة سببت اختلافًا في درجة الثقافة، فأصبح ما يلائم جماعة لا يلائم غيرها، ولهذين السببين – والله أعلم – أرسل الله لكل أمة رسولا يعلمهم المبدأ الديني العام، وهو التوحيد، ثم يعالج أمراضهم المتفشية فيهم .
أما رسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كان من الطبيعي أن تكون عامة؛ فقد انتفى السببان السابقان، فلم يعد العالم مجزأ إلى أقاليم بل امتدت المواصلات وكثر تعلم اللغات.
فالمجتمع الإسلامي إذن مجتمع عالمي، بمعنى أنه مجتمع غير عنصري ولا قومي، ولا هو قائم على الحدود الجغرافية، فهو مجتمع مفتوح لجميع بني الإنسان، دون النظر إلى جنس أو لون أو لغة، لكن ذلك لا يعارض هيمنة هذا الدين، التي نتجت عن اصطفاء واختيار، فقوله سبحانه في الآية الآنفة الذكر: { ژ ژ}تعني: اختيارًا واصطفاءً مبنيًا على علم وحكمة.(1/19)
يقول شيخ الإسلام رحمه الله (1) : ((والسلف كانوا مقرين بأن القرآن أحسن الحديث وأحسن القصص كما أنه المهيمن على ما بين يديه من كتب السماء))، ثم قال: ((ولما كان القرآن أحسن الكلام، نهوا عن اتباع ما سواه، قال تعالى: {? ? ? ? ? ? ? ? ?} (2) ، وروى النسائي وغيره (3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه [شيئا من التوراة] فقال: «لو كان موسى حيا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم»، وفي رواية: «ما وسعه إلا اتباعي»، وقال: ((فالسلف كلهم متفقون على أن القرآن هو المهيمن المؤتمن الشاهد على ما بين يديه من الكتب ومعلوم أن المهيمن على الشيء أعلى منه مرتبة))، ((وهكذا القرآن فإنه قرر ما في الكتب المتقدمة من الخبر عن الله وعن اليوم الآخر وزاد ذلك بيانا وتفصيلاً، وبين الأدلة والبراهين على ذلك وقرر نبوة الأنبياء كلهم ورسالة المرسلين وقرر الشرائع الكلية التي بعثت بها الرسل كلهم، وجادل المكذبين بالكتب والرسل بأنواع الحجج والبراهين، وبين عقوبات الله لهم، ونصره لأهل الكتب المتبعين لها، وبين ما حرف منها وبدل، وما فعله أهل الكتاب في الكتب المتقدمة، وبين أيضا ما كتموه مما أمر الله ببيانه، وكل ما جاءت به النبوات بأحسن الشرائع والمناهج التي نزل بها القرآن فصارت له الهيمنة على ما بين يديه من الكتب من وجوه متعددة، فهو شاهد بصدقها، وشاهد بكذب ما حُرِّف منها، وهو حاكم بإقرار ما أقره الله ونسخ ما نسخه، فهو شاهد في الخبريات حاكم في الأمريات)).
__________
(1) ... مجموع الفتاوى 17/39.
(2) ... العنكبوت:51.
(3) ... لم أجده في النسائي –بعد البحث والتحري–، ولكن أخرجه البيهقي في شعب الإيمان برقم: (178)، وابن أبي شيبة في مصنفه، برقم: (172) 6/228، وقال عنه الألباني في إرواء الغليل : حديث حسن، حديث رقم: (1589) 1/314.(1/20)
هذا في شأن القرآن الذي هو أصل دين الإسلام، وأساسه ومعجزته، وهذا الشأن وهو تضمن هذا الدين لما جاء في الأديان السابقة قد أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: «إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد» (1) مع كونه ناسخًا لها ومهيمنًا عليها، يقول ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية (2) : ((وقوله تعالى: {? ? ? ? ? ? ? ?} (3) عام في كل زمان، ولكن الشرائع تتنوع، كما قال الله تعالى: { ? ? ? ? ں } (4) فدين الإسلام هو ما شرعه الله سبحانه لعباده على ألسنة رسله، وأصل هذا الدين وفروعه روايته عن الرسل، وهو ظاهر غاية الظهور، ... فقد دل الكتاب والسنة على ظهور دين الإسلام، وسهولة تعلمه)).
والحرية تظهر في هذا الأصل من خلال المعرفة اليقينية أنها متى تعارضت مع هذا الثابت فليست معتبرة، كما أن ظهور دين الإسلام، وهيمنته الثابتة بالنصوص الصريحة لا تعني قسر الناس على الدخول فيه، ولكن يجب أن تزال العوائق التي تصد عنه، وهذا معنى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يبين غاية الجهاد: «من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل » (5) ، لأن قيام العوائق دون نشر هذا الدين وإعلاء كلمة الله تعد منعًا من الحريات التي يجب أن تمنح حتى يصل البشر إلى هداية هذا الدين ورحمته.
المسألة الرابعة
الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم السلام والدعوة
__________
(1) ... أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها، برقم: (3187)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى عليه السلام، برقم: (4362).
(2) ... ص 518.
(3) ... آل عمران:85.
(4) ... المائدة:48.
(5) ... أخرجه البخاري في صحيحه، باب من سأل وهو قائم عالما جالسا، برقم : (123).(1/21)
هذه المسألة –في نظري– من أبرز المسائل التي لا بد من إبداء الرأي فيها، لأن الاتهام الذي أشرت إليه في صدر البحث نابع من رؤية مبنية على اجتهاد، كانت نتيجته تغليب النظرة العدائية، وجعل العلاقة المبنية على الحرب والسيف هي الأصل، وكما هي العادة في ردود الأفعال، قابل هذا الاجتهاد اجتهاد آخر ربما لا تسعف فيه الأدلة، أدى إلى إلغاء كثير من النصوص، والقول بنسخها أو تأويلها، والتوسط هو الذي أشرت إليه في عنونة المسألة، ويظهر أثر هذه المسألة على موضوع الحرية الدينية عندما ندرك أن من اعتبر الحرب هي الأساس، فإن هذا التحديد يكون سببًا للنفرة من هذا الدين، ووصفه بالقسوة وإغراء الآخرين بعداوة الإسلام، ومن ثم لا يتصور كثير منهم حرية في ظل هذه الأجواء، إلا أنه من النصف والعدل أن يقال إن القائلين بذلك لا يمنعون بقاء الكافر على دينه إذا رضي بالصغار وبذل الجزية، ولا يمنعون من المعاهدات إذا أصبحت صورة ضرورة، أما القائلون بالطرف الآخر بأن إقامة الحرب طارئة على خلاف الأصل، ومن ثم قالوا بأنه ليس هناك جهاد طلب قادهم هذا إلى تخبط في بعض المواقف، وتمييع لبعض الثوابت، ولعلي هنا أورد الخلاف بصورة موجزة لأصل إلى النتيجة التي ذكرتها.
القول الأول: من يرى أن الأصل في العلاقة السلم، والحرب والجهاد أمر عارض، وطارئ على هذا الأصل، يصار إليه حينما يحصل موجبه من الاعتداء والصد عن سبيل الله، واستهداف أوطان المسلمين، وهذا القول قول كثير من المعاصرين، بل يتفق أكثر من كتب في العلاقات الدولية على هذا القول (1) .
__________
(1) ... انظر مثلاً: الزحيلي في العلاقات الدولية /94، ود. عبد الخالق النواوي في العلاقات الدولية والنظم القضائية /84، والعلاقات الدولية في الإسلام –مقدمة المشروع – 1/145 لمجموعة من الباحثين، ومحمد رشيد رضا في تفسير المنار 5/265 .(1/22)
وممن يرى هذا القول سفيان الثوري وابن شبرمة فيقولان (1) : «القتال مع المشركين ليس بفرض إلا أن تكون البداية منهم فحينئذٍ يجب قتالهم دفعًا، لظاهر قوله تعالى : { ? ? ? ? ? ? ?} (2) » (3) .
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة كثير نورد منها:
1– ... الآيات التي تذكر اعتداء الكفار وظلمهم، وأنه الدافع لقتالهم، ومنها قوله تعالى: {? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ٹ} (4) ، وقال: {ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ?} (5) ، وقوله: {? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?} (6) ، وقال: {چ ? ? ? ? ? ? ?} (7) وقوله: {? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?} (8) ، لأنه عز وجل أباح الكف عمَّن كف، فلم يُقاتل من مشركي أهل الأوثان والكافِّين عن قتال المسلمين من كفار أهل الكتاب على إعطاء الجزية صَغارا.
... ... فمعنى قوله: {? ? ?}: لا تقتلوا وليدًا ولا امرأةً، ولا من أعطاكم الجزية من أهل الكتابَين والمجوس، وختم الآية بـ: { ? ? ? ? ?} الذين يجاوزون حدوده، فدل على أن الأصل في العلاقة مع الكفار السلم إلا إن ابتدؤونا بالقتال،، والبداءة إما بصورة الإعداد والتجهيز، أو بصورة التهديد، أو بغير ذلك من الصور.
2– ... قوله تعالى: {ھ ے ے ? ? ? ?} (9) ، فدعا الله ? إلى الدخول في السلم كافة بجميع أنواعه، ومن ذلك ما يتعلق بالمعاهدات مع غير المسلمين، ومن حصرها بالإسلام فليس في الآية ما يدل على ذلك.
__________
(1) ... انظر: شرح السير الكبير 1/187 .
(2) ... التوبة: 36 .
(3) ... انظر: العلاقات الدولية في الفقه الإسلامي /267 .
(4) ... الحج: 39.
(5) ... الممتحنة: 9 .
(6) ... التوبة: 13.
(7) ... التوبة: 29.
(8) ... البقرة: 190 .
(9) ... البقرة: 208 .(1/23)
3– ... قوله تعالى: { ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?} (1) ، فأمر الله المسلمين بالامتناع عن قتال من لم يقاتلهم، ومن يلقي السلام إليهم من غيرهم (2) .
4– ... وقوله تعالى: { ھ ے ے ? ? ? ? ?} (3) ، فدلت الآية على عدم جواز مقاتلة من يلقي السلام بدعوى أنه غير مؤمن (4) .
5– ... وقوله تعالى: { ? ? ? ? ? ? ? ?} (5) ، أي: وإن مالوا إلى مسالمتك وترك الحربَ، إما بالدخول في الإسلام، وإما بإعطاء الجزية، وإما بموادعة، ونحو ذلك من أسباب السلم والصلح فمل إليها، وابذل لهم ما مالوا إليه من ذلك وسألوك (6) .
وفيه توجيه عام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى المسلمين بأنه إن مال الأعداء عن جانب الحرب إلى جانب السلم خلافًا للمعهود منهم في حال قوتهم، فما على الرسول والمسلمين إلا الجنوح كذلك للسلم لأن المسلمين أولى به من غيرهم (7) .
6– ... وعلى هذا النحو كانت أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وسيرته في الحروب والمسالمات تشهد على ذلك، فظل الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى دين الله في مكة ثلاث عشرة سنة حتى يتقرر هذا الأصل في السلام، واستأنف الدعوة السلمية في المدينة (8) ، وكانت غزواته حينما يقابله الكفار ويبتدئونه العداء، أو بناء على الأذية السابقة منهم، وأما مع الكف وعدم المقاتلة فلم يثبت قتاله، وسيرته - صلى الله عليه وسلم - مع يهود المدينة شاهد على ذلك.
__________
(1) ... النساء: 90 .
(2) ... انظر: العلاقات الدولية في الإسلام – مقدمة المشروع – /145 .
(3) ... النساء: 94 .
(4) ... انظر: العلاقات الدولية في الإسلام – مقدمة المشروع – /145 .
(5) ... الأنفال: 61 .
(6) ... انظر: تفسير الطبري 14/40 .
(7) ... انظر: تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا، 5/268 .
(8) ... المرجع السابق 2/256 .(1/24)
القول الثاني: أن الأصل في العلاقة بين المسلمين والكفار الحرب، وأن الجهاد فرض قائم على الأمة الإسلامية، لا يحل لها تركه والتهاون به والتكاسل عنه، حتى وإن لم يبدؤونا الكفار بالقتال، وقد ذهب إلى هذا القول جماعة من العلماء المتقدمين (1) ، ويمكن أن يقال إنه فهم يستنبط مما ذكروه في كتب المغازي والسير والجهاد، وفي التسليم بهذا الفهم مناقشة.
واستدل أصحاب هذا القول بعدة نصوص منها:
1- قوله تعالى: { ? ? ? ? ? ? ?} (2) ، ففي هذه الآية أمر بقتال الذين يقاتلون، فَعُلِم من ذلك أن شرط القتال كون المقَاتَل مقاتِلاً، أي: ممن سمح بقتالهم، فهو شرط للقتال وليس علة له.
2- قوله تعالى: {ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے} (3) ، هذه الآية عامة في كل مشرك، وخص منها المرأة والراهب وصاحب العهد والذمة وغيرهم، فصفة الكفر والشرك هي العلة في القتال ودائمة الوجود حتى قيام الساعة (4) ، فيكون دليلاً على أن الأصل في العلاقة الحرب والقتال.
3- قوله تعالى : {? ? ? ں ں ? ?} (5) ، فالله سبحانه نهى المؤمنين عن الوهن وطلب المسالمة، وهذا يبين أن السلم ليس بأصل لتلك العلاقة.
4- قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» (6) ، فيدل الحديث على مبادرة الكفار بالقتال، وذلك يقتضي القتال إلى هذه الغاية، وأن الأصل في العلاقة الحرب.
__________
(1) ... انظر: الكافي لابن عبد البر 1/466، والمهذب للشيرازي 2/259، وكشاف القناع للبهوتي 3/111، وغيرهم ، بل إن بعضهم أوجب على الإمام أن لا يخلي سنة من تجهيز غزوة أو أكثر.
(2) ... التوبة: 36 .
(3) ... التوبة: 5 .
(4) ... الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 8/72–73 .
(5) ... محمد: 35 .
(6) ... أخرجه البخاري في صحيحه برقم: (24)، ومسلم برقم: (31) .(1/25)
5- قوله - صلى الله عليه وسلم - : «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي» (1) ، فدل الحديث على أنه لا سلم ولا سلام حتى يعم هذا الدين أرجاء الأرض، وحتى ترتفع راية لا إله إلا الله.
6- ما ذكره الفقهاء في كتبهم حينما يتحدثون عن حكم الجهاد، ويقولون: إن الجهاد فرض على الأمة الإسلامية، والأصل فيه أنه فرض كفاية؛ إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، ويكون فرض عين في حالات معينة، وهذا يعني أن مسالمة الأعداء وترك الجهاد يؤدي إلى أن تأثم الأمة كلها، ولو أن الأصل في العلاقة السلم لما فرض الجهاد، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أن الجهاد قائم ماضٍ إلى قيام الساعة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل» (2) ، فكيف يتفق أن الجهاد ماضٍ مع أن الأصل في العلاقة السلم (3) .
مناقشة الأدلة:
1– ... ... فأما قوله تعالى: { ? ? ? ? ? ?} (4) ، فمعناها ليس على ما يظهر من الجزء الأول، وإنما يتبين بالجزء الثاني كما قال بعض المفسرين وأنه بما أن المشركين يقاتلونكم أيها المؤمنون وهم مجتمعون وكلمتهم واحدة فكذلك كونوا (5) ، فهذا التفسير يبين لنا أنه لا دلالة على أن الحرب هو الأصل لأنها بينت كيفية الحرب مع الكفار، وكيف يكون المسلمون في حربهم لعدوهم.
__________
(1) ... أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم: (4869) .
(2) ... أخرجه أبو داود في الجهاد، باب الغزو مع أئمة الجور برقم: (2532)، والبيهقي في السنن الكبرى، 9/156، باب: الخيلاء في الحرب، وحققه الإمام الألباني، وقال: ضعيف، انظر: ضعيف سنن أبي داود، برقم: (2532)، 6/32
(3) ... انظر: العلاقات الدولية في الفقه الإسلامي /265 .
(4) ... التوبة: 36 .
(5) ... انظر: تفسير الطبري 10/90، والجامع لأحكام القرآن 8/136 .(1/26)
وذهب بعض المفسرين إلى أن المعنى: بما أنهم يستحلون قتالكم فقاتلوهم كلهم بلا استثناء (1) ، فالمراد المبادرة في قتالهم في حال قيام الجهاد بدوافعه، ولكنه قد خصَّ بنصوص أخرى، منها حديث بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم» (2) وغيره.
2– ... ... وأما قوله تعالى: {ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے} (3) فإن هذه الآيات من آخر ما نزل في الجهاد، وقد سبقها قوله تعالى: {ک ک گ گ گ گ ? ? ?} (4) ، فأمر بإتمام العهود إلى مدتها، وقدمها على آية الأمر بالقتال إشارة إلى أن ذلك هو الأصل، وبعدها قوله تعالى: { پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ} (5) فهذا دليل على اعتبار العهود وأنها الأصل في العلاقات، وفهم النصوص يتم على ضوء ربطها وجمعها وفهم دلالتها، وقد خص من الآية بالإجماع من لا يجوز استهدافهم في الحرب بنصوص أخرى، وظاهر الآية لا يفهم منه ذلك.
... ويناقش الاستدلال بهذه الآية أيضًا بأن المقصود بالمشركين هم الذين نقضوا العهد وظاهروا على المسلمين (6) على ضوء ما سبق.
__________
(1) ... انظر: فتح القدير للشوكاني 2/359.
(2) ... أخرجه مسلم في صحيحه برقم: (3261) .
(3) ... التوبة: 5 .
(4) ... التوبة: 4 .
(5) ... التوبة: 7 .
(6) ... انظر: الكشاف للزمخشري 2/175.(1/27)
ونوقش الاستدلال بها أيضًا: أنه مخصوص بنصوص أخرى كمثل قوله تعالى: { ? ? ? ? ? ? ? ?}، فإنه لا تعارض بين هذه الآية وآية التوبة وما جاء في معناها، لأن آية التوبة فيها الأمر بقتال الكفار إذا أمكن ذلك، فأما إن كان العدو كثيفًَا فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت عليه آية الأنفال، وكما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص والله أعلم.
3– وأما قوله تعالى: {? ? ? ں ں ? ?} (1) ، فالمعنى لا تبدؤوا الكفار بالقتال، وقد فسرها الإمام الطبري رحمه الله بقوله: ((لا تكونوا أولى الطائفتين صرعت لصاحبتها، ودعتها إلى الموادعة (السلم)، وأنتم أولى بالله منهم والله معكم)) (2) ، وذكر ابن كثير رحمه الله في تفسير جواز وضع المهادنات إذا رأى الإمام ذلك لمصلحة معتبرة فقال: ((ولهذا قال: {? ? ? ں ں ? ?} أي: في حال علوكم على عدوكم، فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين، ورأى الإمام في المعاهدة والمهادنة مصلحة، فله أن يفعل ذلك، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صده كفار قريش عن مكة، ودعوه إلى الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين، فأجابهم إلى ذلك)) (3) .
... ... ... فالآية لا تعني عدم المسالمة مطلقًا إنما الابتداء بها.
__________
(1) ... محمد: 35 .
(2) ... انظر: تفسير الطبري 22/188 .
(3) ... انظر: تفسير ابن كثير 7/323 .(1/28)
4– ... وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله»، أن الحديث ليس على عمومه، ولوجود أدلة أخرى، ونوقش كذلك بأن المراد بالناس في هذا الحديث هم: مشركوا العرب فقط، لأن أهل الكتاب لهم أن يعطوا الجزية إذا لم يدخلوا في الإسلام، فكلمة «الناس» أفادت العموم، وخصصت بآية الجزية، فهذا من العام الذي أريد به الخاص.
5– ... ... وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي»، مخصوص بآية الجزية، وحديث بريدة الذي يفيد التخيير للكافر، إما الإسلام، أو الجزية، أو القتال.
6– ... ... وأما الاستدلال بما قرره الفقهاء من أن حكم الجهاد على سبيل فرض الكفاية ويتعين في حالات، فالجواب عنه أن هذا بيان لحكمه حال وجود بواعثه وأسبابه وتوفر شروطه وانتفاء موانعه، لأن من انضباط الحكم الشرعي أن يكون مربوطًا بما ذكر، فلا يعني الإطلاق، ومن ضوابط الجهاد أن يستهدف به من يقاتل المسلمين ويقف في طريق الدعوة، فلا يدل إيراد الحكم على أن الأصل الجهاد والحرب.
الترجيح :
بتأمل القولين وبما ورد من أدلة ومناقشات، أجد أنه بالنسبة للقائلين بأن الحرب هو الأصل: أدلتهم نوقشت بمناقشات تضعف الاستدلال بها، وفي القول بذلك من المفاسد التي أشرت إليها ما يكفي في إضعافه، وبالنسبة للقائلين بأن السلم هو الأصل فأدلتهم قوية، وأقوى أدلتهم قوله تعالى: { ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?} (1) ، وقوله تعالى: { ? ? ? ? ? ? ? ? } (2) .
والذي يبدو أن المسألة تحتاج إلى تفصيل:
__________
(1) ... النساء: 90 .
(2) ... الأنفال: 61 .(1/29)
فالقول بإطلاق أصل السلم، وتحميل هذا القول إلغاء كثير من النصوص، وما دلت عليه من جهاد الطلب، فيه ما فيه، ولكن يقال نعم، الأصل السلم الذي لا يعني ضعفًا و لا تكاسلاً في نشر هذا الدين، وإنما صبغة سلمية تنشر رحمة هذا الدين، وتوصل رسالته إلى الآفاق، ومن هنا يظهر أثر هذا الفهم المستند إلى النصوص الآنفة الذكر على صورة الحرية الظاهرة التي هي ميزة لهذا الدين في التعامل مع غير المسلمين.
المسألة الخامسة
منزلة الحوار كأسلوب للإقناع، ووعاء للحرية
إذا ظهر أن الأصل في العلاقة الصبغة السلمية، والدعوة، فإن النصوص من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بينت أن أمثل أسلوب للدعوة إلى الله، وإظهار محاسن الدين الإسلامي ومزاياه، ونشر هدايته ورحمته أن يكون ذلك بالأسلوب الحسن والحكمة، وهذا نابع من عالمية الإسلام، وشعور المسلمين بهذا الواجب الذي هو رسالة الأنبياء والمرسلين، وسوف أحصر الحديث في هذه الجزئية على دعوة غير المسلمين، لارتباط هذا الجانب بموضوع البحث وهو الحرية، فأقول:
إن المتأمل في نصوص القرآن الواردة في شأن هذه المهمة العظيمة الدعوة إلى الله يلحظ أن قدر المسلمين ورسالتهم أن يهدي الله بهم غير المسلمين، وأن يتحقق هذا المطلب والمقصد وهو إنقاذهم من النار، ولذا ورد في وصف هذه الأمة بالخيرية تقديم الأمر على النهي قال الله تعالى: {? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? } (1) ، وفي وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - قدمت البشارة على النذارة، قال الله تعالى: {? ? ? ? ? ? ? } (2) ، ومن صفته - صلى الله عليه وسلم - أيضًا تقديم الأمر على النهي، قال الله تعالى: {? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ} (3) .
__________
(1) ... آل عمران:110.
(2) ... الأحزاب:45.
(3) ... الأعراف:157.(1/30)
وفي هذا من استعمال أساليب الحكمة والإقناع وتحصيل هذه الغاية بأقصر وأيسر الطرق، ولهذا ذكر شيخ الإسلام في تقرير مختصر يرد به على من ادعى أن آية السيف ناسخة للمجادلة، مبينًا أن أمر دعوة أهل الكتاب ومحاورتهم باقية حتى بعد آية السيف، وآية السيف هي قوله تعالى: {چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? } (1) ، يقول شيخ الإسلام (2) : ((وهذه آية السيف مع أهل الكتاب، وقد ذكر فيها قتالهم إذا لم يؤمنوا حتى يعطوا الجزية، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأخذ من أحد الجزية إلا بعد هذه الآية، بل وقالوا: إن أهل نجران أول من أخذت منهم الجزية، كما ذكر ذلك أهل العلم كالزهري وغيره، فإنه باتفاق أهل العلم لم يضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - على أحد قبل نزول هذه الآية جزية، لا من الأميين ولا من أهل الكتاب، ... فإذا كان أول ما أخذها من وفد نجران عُلِمَ أن قدومهم عليه ومناظرته لهم ومحاجته إياهم وطلبه المباهلة معهم كانت بعد آية السيف التي فيها قتالهم، وعُلِم بذلك أن ما ذكره الله تعالى من مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا محكم لم ينسخه شيء، وكذلك ما ذكره الله تعالى من مجادلة الخلق مطلقًا بقوله : {ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ?} (3) ، فإن من الناس من يقول آيات المجادلة والمحاجة للكفار منسوخات بآية السيف، لاعتقاده أن الأمر بالقتال المشروع ينافي المجادلة الشرعية، وهذا غلط، فإن النسخ إنما يكون إذا كان الحكم الناسخ مناقضًا للحكم المنسوخ)).
__________
(1) ... التوبة:29.
(2) ... الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/109.
(3) ... النحل:125.(1/31)
والمجادلة المأمور بها هي الحوار (1) ، فالحكمة في قوله تعالى: {ہ ہ ہ ہ ھ} هي: العلم النافع والعمل الصالح، ومراعاة حال المخاطب حسب حاله وفهمه وقبوله وانقياده، وهذه المرتبة الأولى، (( فإن انقاد المدعو بالحكمة، وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق أو كان داعية إلى الباطل فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلاً ونقلاً)) (2) ، وهذا هو مدلول الحوار، وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى : { ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? } (3) ، وهذا الأسلوب هو الذي أمرنا الله به كأبرز طريق للدعوة سيما مع أهل الكتاب الذين لهم حجج وعندهم علم، هو أسلوب القرآن، ((فالقرآن مملوء بالاحتجاج، وفيه جميع أنواع الأدلة والأقيسة الصحيحة، وأمر الله تعالى فيه بإقامة الحجة والمجادلة، فقال: { ے ے ? ? ?} (4) ، وقال : { ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ?} (5) ، وهذه مناظرات القرآن مع الكفار موجودة فيه، ومناظرات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لخصومهم، وإقامة الحجج عليهم لا ينكر ذلك إلا جاهل مفرط في الجهل)) (6) ،
__________
(1) ... انظر: أصول الحوار وآدابه في الإسلام، لمعالي الشيخ د.صالح بن حميد/212، (ضمن مجموعة معالم في منهج الدعوة.
(2) ... تيسير الكريم الرحمن/452.
(3) ... المجادلة:1.
(4) ... النحل:125.
(5) ... العنكبوت:46.
(6) ... مفتاح دار السعادة لابن القيم1/146..(1/32)
ومفهوم الحوار وأصوله وآدابه وما يتعلق به ليس هذا مجال بسطه والخوض فيه، وإنما الهدف التدليل على أن استعمال هذا الطريق وتغليبه على القتال، والأمر به في نصوص كثيرة دليل قاطع، وصورة أكيدة على ضمان الحرية، ودورها في العلاقة مع غير المسلمين في التعامل والدعوة، لأن الغاية من الحوار إقامة الحجة على المحاوَر، وكشف الشبه، وتبيين الهدى له، حتى يصير إلى خيار اعتناق الدين بقناعة تامة، ورضا ويقين، وهذا ظاهر ولله الحمد.
المبحث الثاني
في تأصيل الحرية الدينية من وجهة نظر شرعية
... وفيه مسائل :
المسألة الأولى
ثبوت هذه الحرية من خلال نصوص الكتاب والسنة القولية والعملية
وفيه ... فرعان:
الفرع الأول
الحرية من خلال نصوص القرآن(1/33)
من خلال مفاهيم الحرية السابقة تبين أن فرض حرية مطلقة غير صحيح، وأن هذا لم يوجد حتى في الديانات الأخرى، فدرجة الحرية الدينية التي يتمتع بها الناس تختلف من بلد لآخر، والدين يمس أعمق المشاعر لدى كثير من الناس، وبالاستقراء والتتبع بين مجموعة الدول والدول الإسلامية التي تتبع الإسلام وتحكم به نجد أن الدول المسلمة تتيح قدرًا من الحرية الدينية لا مثيل له في الديانات الأخرى (1) ، وهذا نابع من الموقف الشرعي الذي يسمح بهذا القدر من الحرية، ولكي يكون هذا التصور دقيقًا ومتوازنًا، فإننا نستعرض بعض النصوص التي يستنتج منها هذا المبدأ في التعامل مع غير المسلمين، وقد وردت في كتاب الله آيات كثيرة تدل على أن الحرية متاحة، وأن الأصل في اعتناق الدين الإسلامي هو: القناعة المبنية على الدراسة والنظر والشعور بالطمأنينة واليقين التام، ويمكن تقسيم هذه النصوص إلى مجموعتين، الأولى: ما ورد في الجهاد، على اعتبار أن الاتهام من غير المنصفين يتجه إليه، وقد مر فيما سبق الآيات التي جعلت مشروعيته قائمة على رد عدوان المعتدين، وصدهم عن سبيل الله، ومنعهم الناس من معرفة هذا الدين، والدخول في رحمته، وفي هذا من العدل، وكشف هذه الشبهة ما يكفي، ويضاف إلى ذلك أن مجموعة النصوص جعلت غاية الجهاد وهدفه أمرًا ساميًا بعيدًا عن القسر والإكراه، فلم يرد في نص واحد أن غاية الجهاد إسلام المقاتَلين أو إجبارهم على ذلك، فمثلاً في شأن أهل الكتاب، ولهم خصائص وأحكام ليست كغيرهم، يقول الله تعالى: {چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ?} (2) ، ولم يقل "حتى يسلموا".
__________
(1) ... انظر: الموسوعة العربية العالمية9/308–309.
(2) ... التوبة:29.(1/34)
أما المجموعة الثانية فهي النصوص التي وردت صراحة بنفي الإكراه والقسر في الدين، مثل قوله تعالى : { ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?} (1) ، وقال سبحانه : { ? ? ? ? ? ? } (2) ، وقوله سبحانه: {? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ} (3) ، وقوله سبحانه: {? ? ? ? ?? ? ? } (4) ، قال ابن القيم رحمه الله على الآية الأولى: {? ? ? ? ?} (5) ((وهذا نفي في معنى النهي، أي لا تكرهوا أحدا على الدين، نزلت هذه الآية في رجال من الصحابة كان لهم أولاد قد تهودوا وتنصروا قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام أسلم الآباء وأرادوا إكراه الأولاد على الدين، فنهاهم الله سبحانه عن ذلك، حتى يكونوا هم الذين يختارون الدخول في الإسلام، والصحيح أن الآية على عمومها في حق كل كافر)).
__________
(1) ... البقرة:265.
(2) ... يونس:99.
(3) ... الكهف:29.
(4) ... الغاشية:21–22.
(5) ... كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى/12.(1/35)
وقد ذكر المفسرون عند الآية أقوالاً في معناها ونسخها (1) ، أورد فيها القرطبي في تفسيره ستة أقوال (2) ، وهي أقوال ذكرها العلماء، ولكن القول بها قد لا يسلم، على اعتبار أن ادعاء النسخ أو التخصيص خلاف الأصل، ويحتج إلى العلم بالتأريخ، ووجود المعارضة حتى يحكم بذلك، وقد ذكر سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله المراحل التي مر بها الجهاد، وذكر أن هذه الآية في الطور الثاني، وهو الأمر بقتال من قاتل المسلمين، والكف عمن كف عنهم (3) ، ثم قال (4) : ((وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الطور الثاني وهو القتال لمن قاتل المسلمين، والكف عمن كف عنهم قد نسخ،... وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن الطور الثاني لم ينسخ، بل هو باقٍ يعمل به عند الحاجة إليه، وهذا القول أصح وأولى من القول بالنسخ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (5) )).
وقال سماحة شيخنا الشيخ محمد العثيمين رحمه الله في فوائد آية البقرة (6) ((من فوائد الآية: أنه لا يكره أحد على الدين، لوضوح الرشد من الغي، لقوله: { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } هذا على القول بأنها خبرية، أما على القول بأنها إنشائية فإنه يستفاد منها أنه لا يجوز أن يكره أحد على الدين، وبينت السنة كيف تعامل الكفار))،
__________
(1) ... انظر مثلاً: تفسير ابن كثير 1/683، والدر المنثور للسيوطي 2/20.
(2) ... انظر: تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن 3/280، وما بعدها.
(3) ... انظر: مجموع فتاوى ومقالات العلامة ابن باز رحمه الله 2/438.
(4) ... المرجع السابق 2/440.
(5) ... انظر: مجموع الفتاوى 35/225.
(6) ... تفسير القرآن، سورة البقرة للشيخ محمد العثيمين 3/267.(1/36)
وبعد فهذه نصوص ظاهرة في أن الحرية مضمونة لغير المسلم، لا يكرهه أحد ، وإيجاب الجزية ليس تقييدًا لها، وإنما للشرع هدف من ذلك بإزالة العوائق التي تمنع انتشار الإسلام، ومنها شوكة الأعداء، وفي بذلها كسر لهذه الشوكة، ومنها أن يتمتع غير المسلم بالحرية في ظل حكم المسلمين ليرى هذا الدين واقعًا متجسدًا من خلال تعامل المسلمين، فيكون في ذلك دعوة إلى الدين من خلال الممارسة، ولغير ذلك من الحكم الظاهرة.
الفرع الثاني
الحرية من خلال نصوص السنة القولية والعملية
دلالة السنة على هذا الشأن المهم كدلالة القرآن، وفيها من النصوص التي تظهر سماحة الإسلام، وتسامحه مع المخالفين، بل حتى عندما تحصل الفتوحات الإسلامية في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي غزوات قاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا منها، كان يظهر منه من الرحمة والتعامل بالتي هي أحسن ما هو جزء من المعاني والأخلاق التي جبله الله عليها، وكما ذكرت في مسألة دلالة القرآن يمكن تقسيم دلالة السنة على إثبات الحرية بضوابطها إلى أقسام:(1/37)
القسم الأول: ما ورد في الجهاد وأهدافه وأخلاقياته، وتعامل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع غير المسلمين وهديه في ذلك، ففي شأن الهدف يربي الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه على أن يكون هدفهم مجردًا عن الأغراض الشخصية، والمواقف العدائية ليكون في سبيل الله، وطلبًا لمرضاته، ورفعًا لدينه، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: جاء رجل يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبا ويقاتل حمية فرفع إليه رأسه فقال: «من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل » (1) ، فجعل الغاية إعلاء كلمة الله التي تحصل بإسلام الكفار، وببذل الجزية، وبالمعاهدات التي سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لأن بذلك تتحقق المعاملة التي تجسد روح الإسلام ودعوته العملية، وهذا يحقق إعلاء هذا الدين، ولم يجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغاية إسلام الكفار، أو قسرهم على ذلك، وكذلك ما ورد في حديث بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم» (2) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري في صحيحه، باب من سأل وهو قائم عالما جالسا، برقم : (123).
(2) ... أخرجه مسلم في صحيحه برقم: (3261) .(1/38)
وأما أخلاقيات الجهاد عند المسلمين فكما صرح الأعداء بذلك، وأنهم ما وجدوا فاتحًا أرحم من المسلمين، فالمسلمون ينطلقون من هدفٍ سامٍ، وغاية عليا، واستعمالهم للجهاد كآخر الخيارات التي تتعذر معها الخيارات السلمية كما أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك في قوله: «لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ثم قال اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم» (1) .
القسم الثاني: الأدلة التي دلت على أن مهمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البلاغ وليس مسؤولاً عن هداية الخلق واعتناقهم الدين، في مثل قوله تعالى: { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } (2) ، وقوله: { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً } (3) ، بل إن الله سبحانه سلَّى رسول - صلى الله عليه وسلم - لما لم يستطع هداية أقرب الناس إليه، عمه أبو طالب، فقد أنزل الله في موقفه منه عند وفاته قوله سبحانه: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } (4) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري في صحيحه، باب لا تمنوا لقاء العدو برقم: (2861)، ومسلم في صحيحه، باب كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء، برقم: (1741).
(2) ... الغاشية: 21–22.
(3) ... الكهف:6.
(4) ... القصص:56.(1/39)
وهكذا ((وظيفة الرسل والدعاة من بعدهم مقصورة على البلاغ والإرشاد والمناصحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما الاهتداء والإيمان فليس إلى الرسل ولا إلى الدعاة، وهذا يؤكد جانبًا من جوانب الحرية، ألا وهو تحرر الإنسان من كل رقابة بينه وبين خالقه، فالعلاقة مباشرة بين الإنسان وربه من غير واسطة أو تدخل من أحد)) (1) .
__________
(1) ... انظر: تلبيس مردود في قضايا حية، لمعالي الشيخ: د. صالح بن عبد الله بن حميد/29–30.(1/40)
القسم الثالث: الأدلة العملية من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين وسلف الأمة، سواء في صورة الجهاد أم في الأحوال العادية التي يعيش فيها غير المسلمين في ظل معاهدات أو مواثيق، يقول ابن القيم رحمه الله (1) : ((ومن تأمل سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - تبين له أنه لم يكره أحدا على دينه قط، وأنه إنما قاتل من قاتله، وأما من هادنه فلم يقاتله ما دام مقيما على هدنته لم ينقض عهده، بل أمره الله تعالى أن يفي لهم بعهدهم ما استقاموا له كما قال تعالى: { ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ?} (2) ، ولما قدم المدينة صالح اليهود وأقرهم على دينهم، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم، فمَنَّ على بعضهم، وأجلى بعضهم، وقتل بعضهم، وكذلك لما هادن قريشًا عشر سنين لم يبدأهم بقتال حتى بدؤوا هم بقتاله ونقضوا عهده، فعند ذلك غزاهم في ديارهم، وكانوا هم يغزونه قبل ذلك كما قصدوه يوم أحد ويوم الخندق، ويوم بدر أيضًا هم جاؤوا لقتاله، ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم، والمقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكره أحدا على الدخول في دينه البتة، وإنما دخل الناس في دينه اختيارا وطوعا، فأكثر أهل الأرض دخلوا في دعوته لما تبين لهم الهدى وأنه رسول الله حقا، فهؤلاء أهل اليمن كانوا على دين اليهودية أو أكثرهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا ا لله» وذكر الحديث (3) ،
__________
(1) ... هداية الحيارى/12–13.
(2) ... التوبة:7.
(3) ... أخرجه البخاري في صحيحه، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا، برقم : (1425)..(1/41)
ثم دخلوا في الاسلام من غير رغبة ولا رهبة، وكذلك من أسلم من يهود المدينة وهم جماعة كثيرون غير عبد الله بن سلام مذكورون في كتب السير والمغازي لم يسلموا رغبة في الدنيا ولا رهبة من السيف بل اسلموا في حال حاجة المسلمين وكثرة أعدائهم ومحاربة أهل الأرض لهم من غير سوط ولا نوط،...)).
وهذا تقرير رائع عن هدي مثالي عملي، طبقه رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع من عاش معه من الذميين، بل إنه قد جاء في الكتاب الذي كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول قدومه المدينة ليرسم به منهجًا ودستورًا في التعامل «هذا كتاب من محمد النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم.. وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم... وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته» (1) .
وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده ساروا على هذا المنهج الذي سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتعاملوا مع غير المسلمين من هذا المنطلق، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوصي بعض قواده بما يفيد الحرية التي منحها المسلمون لغيرهم منذ الصدر الأول جاء فيها: ((وستجدون أقوامًا حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له)) (2) ، ومن وصايا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أوصي بأهل الذمة خيرًا أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم)) (3) .
__________
(1) ... سيرة ابن هشام2/503، والبداية والنهاية لابن كثير4/556–557، والسيرة النبوية لابن كثير 2/322.
(2) ... أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9/85.
(3) ... أخرجه البخاري في صحيحه، في باب ما جاء في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، برقم: (1328).(1/42)
وقد ذكر أهل السير وغيرهم عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام، وشرط عليهم فيه أن لا يحدثوا في مدينتهم ولا حولها ديرًا ولا كنيسة، ولا قلاية ولاصومعة راهب، ولايمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوه.
فهذه شواهد ناصعة، وأدلة دامغة، وحجج قوية، وبراهين أكيدة، وردود علمية عملية من السيرة النبوية، وتأريخ الصدر الأول على توافر الحرية الدينية بصورتها المنضبطة، وكفى بذلك شاهدًا وردًا.
المسألة الثانية
تحديد الحرية التي منحها الشرع (حرية التفكير أم الاعتقاد)
هذه المسألة من المسائل المهمة، وهي من باب الضوابط، لكن إيرادها بشكل مستقل لبنائها على أصل ذكره علماء الأصول في مواضع، وهل الحق واحد أم متعدد، وقد خاض في هذه المسألة علماء الأصول، وجمهور الأصول على أن الحق عند الله واحد لا يتعدد، وأن موافقته تكون من أحد المجتهدين، ولكن فيما يتعلق بالاجتهاد الكل مصيب في اجتهاده، لأن لكل منهم أن يجتهد (1) ، يقول ابن السمعاني (2) : ((ولقد تدبرت أكثر من يقول بإصابة المجتهدين هم المتكلمون الذين ليس لهم في الفقه ومعرفة الشريعة كثير حظ، ولم يقفوا على شرف هذا العلم وعلى منصبه في الدين ومرتبته في مسالك الكتاب والسنة)).
__________
(1) انظر في هذه المسألة: قواطع الأدلة للسمعاني3/402، وأصول البزدوي/278، والمستصفى للغزالي1/359، ومجموع فتاوى ابن باز رحمه الله 1/344.
(2) قواطع الأدلة 3/402.(1/43)
وقال الشوكاني رحمه الله (1) : ((وما أشنع ما قاله هؤلاء الجاعلون لحكم الله متعددًا بتعدد المجتهدين، تابعًا لما يصدر عنهم من الاجتهادات فإن هذه المقالة مع كونها مخالفة للأدب مع الله عز وجل ومع شريعته المطهرة هي أيضًا صادرة عن محض الرأي الذي لم يشهد له دليل، ولاعضدته شبهة تقبلها الأمة، وهي أيضًا مخالفة لإجماع الأمة سلفها وخلفها، فإن الصحابة ومن بعدهم في كل عصر من العصور ما زالوا يُخَطِّئُونَ من خالف في اجتهاده ما هو أنهض مما تمسك به)).
ولكن نبه بعض العلماء على أن الخلاف في المسائل الاجتهادية في شريعة الإسلام، وأن ما يتعلق بخلاف الملل والديانات غير داخل، واشتد قولهم في هذه المسألة حتى كفر بعضهم من قال بذلك، يقول الشوكاني رحمه الله (2) : ((وأما ما اختلف فيه المسلمون وغيرهم من أهل الملل كاليهود والنصارى والمجوس فهذا مما يقطع فيه بقول أهل الإسلام)).
وإذا ظهر أن الحق واحد فهنا يلزم أن يقبله الإنسان ويدين لله به، ليحقق الغاية التي خلقه الله من أجلها، وإلا كان مخلاً بهذا الأصل الأصيل، وهذا يفيد في أن الحرية التي نتحدث عنها لا تعني صحة الخيارات التي يختارها العبد، فالحرية هي في الوسيلة الموصلة إلى الحق وفي النتيجة في حكم الدنيا، أما حكم الآخرة فإن النصوص دلت على أن الحق واحد وهو الإسلام، وأن الثواب عند الله والجزاء وفي مقابلة العقاب يكون بناء على الاستقامة أو الانحراف عن الحق وسلوك سبيل الباطل.
__________
(1) إرشاد الفحول/262.
(2) المرجع السابق/259.(1/44)
فصار بناء على هذا التصور هناك فرق بين الأحكام الدنيوية في التعامل مع غير المسلمين، وأحكام الآخرة، ففي الدنيا لا يجبر أحد على اعتناق الإسلام، ولا يؤاخذ، بل يمكن التعامل والتعايش مع بقاء كل على دينه، لكن في أحكام الآخرة التي وردت النصوص بها، ووجب اعتقاد موجبها أن الحق في دين الإسلام، ويمكن أن يقال أن الحرية هنا في التفكير، وهي التي كفلها الإسلام، ومنح الإنسان الحواس والعقل ليصل إلى الحق، وهو مسؤول ويتحمل مسؤوليته أمام الله، ((أما حرية الاعتقاد فلم يمنحها الله مطلقة، بحيث يعتقد كل إنسان كما يشاء، بل الله سبحانه يلزم العقلاء البالغين من البشر باعتقاد ربوبيته وألوهيته وطاعته والخضوع له وحده، ولا يقبل منهم غير ذلك)) (1) ، ولذلك فالواجب عنا هو الذي يوافق الحق الذي بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - والطريق إلى ذلك هو محل الخيار والاختيار، وكذا في التعامل مع غير المسلم لا يقسر ولا يكره.
ومع ذلك فإن الله حكيم عليم رحيم، لا يعذب إلا بعد بلوغ الحجة، وبيان الحق، وقيام الدليل على ذلك، ومن هنا فالعذر بالجهل الذي قرره العلماء يشمل حتى ما يتعلق بأصول الدين ، قال الله تعالى : { ? ? ? ? ? ? ? ? ? } (2) ، وقال : { ? ? ? ? ? ? } (3) ، وقال: {(ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ?} (4) ، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أنه متى ما هدى الإنسان عقله إلى خيار ولم يظهر له الحق في غيره فإنه يكون معذورًا، وهذا يظهر بجلاء أن الحرية مجالها أوسع مما نتصوره.
المسألة الثالثة
فهم هذه الحرية في ضوء ما يظن أنه معارض
وفيه فرعان:
الفرع الأول
الحرية في ضوء فهم الجهاد
__________
(1) تلبيس مردود في قضايا حية–مرجع سابق/22.
(2) النساء:165.
(3) الإسراء:15.
(4) التوبة:115.(1/45)
الجهاد في سبيل الله عبادة من العبادات العظيمة، بل هو ذروة سنام الدين، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد» (1) ومن الخطأ البين والمفارقة العجيبة أن بعض الناس نظرًا لاستغلال هذا المصطلح من قوم انحرفوا عن الصراط، واشتط بهم الطريق، وتوغلوا في متاهات المبادئ المنحرفة، والآراء المضللة، فزعموا أن التكفير والخروج على الأئمة والحكام، واستهداف الأمن، وقتل المعصومين من المسلمين، وغير ذلك من الجرائم زعمها أولئك جهادًا، فصار بعض الناس كردة فعل لهذه المواقف الشنيعة صاروا ينكرون الجهاد، فمنهم من ينكره جملة وتفصيلاً، ويرى أن لا جهاد موجود، بناء على مداراة غير المسلمين، وأنكروا فرضيته أصلاً، ومنهم من قال إن الدين بلغ الآفاق، وتحققت غاية الجهاد، ومنهم وهم الأقل خطورة فرضوا ضعف المسلمين كصورة باقية، ومع وجودها واستمرارها فلاجهاد، لأنه لن تقوم للمسلمين قائمة، وهذا القول الأخير مع التسليم بمقدمته وهي أن المسلمين اليوم يعيشون حالة من الذل والهوان، وتسلط الأعداء إلا أن فرض هذه حالة دائمة فيه سوء ظن بالله، واعتقاد إدالة الباطل على الحق وهذا مالا يجوز.
__________
(1) أخرجه أبو داود، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم: (2616) وقال: حديث حسن صحيح.(1/46)
ويقال في توضيح هذه الجزئية المهمة: إنه لا يجوز التجاسر على نصوص وقواعد وأحكام بناء على سوء استغلال من طرف معين، كما أنه لم يؤسس أحد من المنصفين نظرية في الإرهاب النصراني أو اليهودي، فالإرهاب والتطرف لا دين لهما، ولا يجوز إلصاقهما بالأديان، كما لا يجوز تنحية حكم أو إلغائه بناء على وقوع انحراف، بل الواجب توضيح الأحكام المنضبطة، والقواعد المبنية للشعيرة، ودفع ما يلصق من شبه أو تهم، ويتحرر دفع الشبه حينما ندرك غاية الجهاد التي سبقت الإشارة إليها من خلال النصوص التي وردت، وأنه سبب رئيس لتحرير الإنسان من العبوديات والرق لغير الله، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمشروعية الجهاد لإزالة العوائق التي هي تقييدات وعبوديات، وفي ذلك يقول الله سبحانه: { ? ? ? ? چ چ چ چ ? } (1) .
يقول شيخ الإسلام رحمه الله (2) : ((والجهاد مقصوده أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، فمقصوده إقامة الدين لا استيفاء الرجل حظه)).
كما أن في الجهاد مقصدًا هامًا لا يختص بالمسلمين، وهو بقاء دولة الإسلام قوية مهابة الجانب، والدولة القوية تحفظ مهابتها ما دامت على هذه الصفة ملازمة لها، وهذه سنة إلهية من السنن التي تبنى عليها الحياة، فلا خير في حق لا نفاذ له، و لايقوم حق ما لم تسانده قوة تحفظه وتحيط به، وما فتئت أمم الدنيا ودولها تعد لنفسها القوة بمختلف الأساليب والأنواع حسب ظروف الزمان والمكان، وعصرنا الحاضر تفتقت أذهان أبنائه عن أنواع من القوى والأساليب من الاستعداد فاقت كل تصور)) (3) .
__________
(1) البقرة:193.
(2) مجموع الفتاوى 15/170.
(3) ... تلبيس مردود –مرجع سابق/104–105.(1/47)
وأمر ثالث يبين مفهوم الحرية في الجهاد، وذلك حينما ندرك أن المسلمين ليسوا فئة منغلقة، أو جماعة، أو حزبًا، أو ملة مقصورة على مجموعة العقائد، إنما الإسلام في صورته وحقيقته ومضامينه ودلالاته الكبيرة خروج من هذه المفاهيم الضيقة إلى مفهوم حق تتحقق به سعادة البشر وفلاحهم في الدنيا والآخرة، فالجهاد الإسلامي يتوجه من أجل ذلك كله، لا لتستبد أمة بالخيرات، أو ينفرد شعب بالثروات، بل لينتفع كل مسلم من أي جنس أو لون أو قوم بالسعادة البشرية تحت راية الإسلام، ومن هنا فالحقيقة الناصعة أن الجهاد بمفاهيمه ودلالاته وأحكامه وقواعده وضوابطه صورة متكاملة للحرية الحقة، فليس فيه ما يخرج عن هذا الحق الذي ينادي به أولئك، سيما إذا قارنا هذه الصور المثالية بالتصرفات والممارسات والمبادئ والمنطلقات التي ينطلق بها غير المسلمين في قتالهم وحروبهم ضد المسلمين (1) .
الفرع الثاني
الحرية في ضوء حكم المرتد
هذه مسألة يظنها البعض أنها شائكة، وتثار كثيرًا ضد المسلمين عمومًا، والمملكة خصوصًا، ويشغب دعاة حقوق الإنسان بمنافاة هذا الحكم لحقوق الإنسان، ويزعمون أن تطبيقه كسر لهذه الحرية، وربما تجاوب معهم البعض، وسبق أن ذكرت في صدر هذا البحث أن المملكة تحفظت على المادة الثامنة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص على الحق في تغيير الدين وحرية إقامة الشعائر الدينية مع جماعة أمام الملأ، وذلك لاصطدام هذه المادة مع أحكام الشريعة الإسلامية ومع النظام الأساسي للحكم في مادته الأولى (2) وعليه فهذه وقفة مع هذا الشأن المهم ليظهر فهم هذه الجزئية بما لايتعارض مع الحرية، ولايكون انتهاكًا لها، فأقول وبالله التوفيق:
__________
(1) ... انظر: المرجع السابق 105–108.
(2) انظر: مدى انسجام الأنظمة السعودية مع اتفاقيات حقوق الإنسان– مرجع سابق/22–38.(1/48)
وقع إجماع الأمة على أن المرتد لا خيار له فيما ارتد إليه، سواء ارتد إلى دين يقر عليه ابتداءً أم إلى غير ذلك، وأنه إذا حصل ذلك قتل حدًا لردته، وهذا الإجماع في شأن الرجل إذا توفرت شروط تطبيق الحد التي ذكرها العلماء؛ يقول ابن قدامة رحمه الله (1) : ((وأجمع أهل العلم على وجوب قتال المرتدين، وروي ذلك عن أبي بكر وعثمان وعلي ومعاذ وأبي موسى وابن عباس وخالد رضي اللهن عنهم وغيرهم فلم ينكر فكان إجماعًا)).
وقال في بداية المجتهد (2) : ((والمرتد إذا ظفر به قبل أن يحارب فاتفقوا على أنه يقتل الرجل، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «من بدل دينه فاقتلوه» (3) ، واختلفوا في قتل المرأة، وهل تستتاب قبل أن تقتل، فقال الجمهور: تقتل المرأة، وقال أبو حنيفة: لاتقتل وشبهها بالكافرة الأصلية)).
يقول شيخ الإسلام رحمه الله مبينًا الفرق بين المرتد والكافر الأصلي في شرط من شروط إقامة الحد، وهو الاستتابة (4) : ((والفرق بين هذا وبين الكافر الأصلي من وجوه، أحدها: أن توبة هذا أقرب، لأن المطلوب منه إعادة الإسلام، والمطلوب من ذلك ابتداؤه، والإعادة أسهل من الابتداء،... الثاني: أن هذا يجب قتله عينًا وإن لم يكن من أهل القتال، وذاك لا يجوز أن يقتل إلا أن يكون من أهل القتال)).
وهذا الحكم المجمع عليه دل عليه القرآن فيما يتعلق بحكم الآخرة، قال الله تعالى: {? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ} (5) ، وقوله تعالى: {? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ?} (6) .
__________
(1) المغني 12/264، وانظر: الحاوي للماوردي 16/408، وزاد المعاد لابن القيم 5/41.
(2) لابن رشد 2/376.
(3) سيأتي يخرجه قريبًا.
(4) الصارم المسلول على شاتم الرسول1/333.
(5) البقرة:217.
(6) المائدة:54.(1/49)
وأما السنة فهي صريحة في هذا الحكم، لا يمكن أن يدخل عليها المشبه بتأويل، فقد ورد في الحديث الصحيح قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عكرمة رضي الله عنه: «من بدل دينه فاقتلوه» (1) ، وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة» (2) .
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، برقم : (6524).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه، باب قول الله تعالى: { أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ }، برقم: (6484)، ومسلم باب ما يباح به دم المسلم، برقم: (1674).(1/50)
فإذا ظهر هذا الحكم بالدليل السالم من المعارض الصريح في الدلالة فإن الواجب التسليم بموجبه، وعدم معارضة ذلك، لأن الاعتراض على حكم الله أمر عظيم، ولكي تتضح معالم الحرية في ضوء هذا الحكم الثابت فإن المتأمل فيه يجد أنه غير معارض للحرية الحقة الموافقة للنصوص، لأن الدخول في الإسلام السابق لهذه الصورة لم يجر فيه قسر ولاإكراه، بل إن هذا الخيار لو وقع إكراهًا لم يعتد به، فالحرية المبنية على التعقل والتبصر ووضوح الهدف وسلامة الطريق الموصل إلى الدين كلها شواهد على الحرية السابقة، والتأمل في الخيار اللاحق الذي يريد به الارتداد والخروج عن دين الإسلام هو الآخر لا يحصل عن قناعة واختيار وحرية تامة، لأن دين الإسلام هو الموافق للفطرة، المحقق للسعادة العاجلة والآجلة، الذي تضمن بأحكامه وتشريعاته الكمالات، فلا يتركه أحد سخطة له، كما استدل بذلك هرقل عظيم الروم على أنه الدين الحق، حينما سأل أبا سفيان: هل يترك هذا الدين أحد سخطة له بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا (1) )).
فاختيار الردة بناء على فقد صورة الحرية إما بضغوطات شخصية، أو لمكيدة دفع إليها قصد سيء أو لغير ذلك من العوامل.
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، في باب كيف بدئ الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، برقم: (7)، ومسلم في باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، برقم: (4707).(1/51)
وإذا عرفنا مكانة هذا الدين وأنه دين شامل كامل ينتظم علاقة الإنسان بربه وعلاقة الإنسان بغيره ممن حوله، فهو نظام عام، فالخروج عليه خروج على النظام العام، فلا بد من الزجر والردع حتى لا يقع الخلل في هذا النظم العام، ولذا جاء حد الردة ضمن كلية من الكليات الخمس التي وردت المحافظة عليها في كل الملل –وهي كلية الدين–، وهي قدر مشترك بين الديانات، فالحكم الثابت فيها يتفق مع هذه الكلية العظيمة، ويعزز هذا أنه لو تصور حرية بلا قيد في هذا الجانب لكانت الأمور فوضى، سواء في حال الشخص الذي ينتقل أم في احترام الأديان والمشاعر، وإذا كان الخروج على المجتمع، ونبذ قواعده ومشاقة أبنائه وخيانة الأوطان وغير ذلك من السلوكيات والتصرفات التي تحرمها القوانين السائدة في كل بلد، وتعتبرها مفاسد متراكمة، وفوضى خلاقة، فكذلك هذا الشأن، لأن لكل حرية خطوطًا حمراء لا يجوز تجاوزها في الشأن البشري، فكيف بالتشريع الإلهي {? ? ? ? ? ? ?} (1) ، وعقوبة الإعدام موجودة في كثير من القوانين المعاصرة سواء لمهربي المخدرات أو للجرائم العظيمة العامة لما لهذه العقوبة من أثرفي الحد من الجريمة والتخفيف منها، وحماية المجتمع من آثارها، ولم يعترض أحد بأن مثل هذه العقوبة مصادمة للحرية فكذلك في شأن عقوبة المرتد (2) .
فبان بهذا أن الحرية لا تزال في الإطار الذي ينظم المصالح العامة والخاصة، ويقيد الحرية الخاصة لئلا تتعارض مع الصالح العام، وأنها بهذا التصور محققة لهذا التوازن المطلوب، والشأن الموجود في كل الملل، وهذا ظاهر ولله الحمد.
المبحث الثالث
في ضوابط الحرية الدينية وآثارها
... وفيه مسألتان:
المسألة الأولى
ضوابط الحرية الدينية
__________
(1) المُلك:14.
(2) انظر: تلبيس مردود –مرجع سابق/33–39.(1/52)
لن أطيل كثيرًا في هذه الجزئية، لأن البحث من بدايته هو في تقرير هذه الضوابط، ولكني هنا أجملها، لإظهارها بصورة مرتبة، ولتكون خلاصة لهذا البحث، فقد تبين أن أهم ما يضبط هذه الحرية:
1– ... تأطيرها بالأطر الشرعية، والالتزام بالقيود التي فرضها الشرع، لأننا مسلمون متعبدون بحكم الله، ولذلك فالحرية المعتبرة شرعًا هي ما دل الدليل عليه، وسبق في تعريف الحق بيان أركانه، ومصدره، وعلمنا أن مصدر الحق هو المشرع وهو الله عز وجل، ولا يفهم من هذا تضييق المفهوم، بل إذا صدر فهو صادر عن حكيم عليم بما يصلح العباد في العاجل والآجل، { ? ? ? ? ? ? ?}، وهذا كما هو حكم الله فالواقع يدل كما سبق على أنه لا يمكن فرض حرية مطلقة، وإذا كان كذلك فما ثبت من مصدر سماوي رباني لاشك أنه أكمل وأصلح للبشر في الحل والمآل.
2– ... ومن آثار الالتزام بالشرع في فهم الحرية وتطبيق دلالات النصوص أن لايقوم الفهم على استهداف الثوابت، أو التنازل عن مبادئ شرعية، أو معارضة النصوص أو التعسف في تأويلها، فالحرية التي يظن البعض أنه لابد فيها من الاعتراف بصحة الديانات واعتبارها قائمة غير منسوخة، أو إلغاء بعض النصوص التي فيها حكم الله على غير المسلمين، أو إلغاء حكم الردة، أو غير ذلك من الصور التي يربطها البعض بمفهوم الحرية لايجوز التسليم بذلك ولا التنازل عنه، ومن المعلوم أن دين الإسلام دين الفطرة، ودين يوافق في أحكامه العقول السليمة السالمة من الشبه، لكنه يحتاج إلى رجال يتحملون المسؤولية في الالتزام به، ونشر رحمته وهدايته.(1/53)
3– ... أن يكون فهم الحرية قائمًا على أسس الدعوة إلى الله، واستعمال أساليب الحكمة والموعظة الحسنة، ففي الوقت الذي نرفض فيه التنازلات السابقة إلا أن هذا لا يعني التصلب في المواقف، والتشنج في الفهم، والتعسف في الوصول إلى الهدف، بل المسلم مأمور بأن يعرض الحق بالأسلوب الذي يحقق الاستجابة والاقتناع، مع مراعاة القواعد الشرعية، سيما قواعد الموازنة بين المصالح والمفاسد، وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح، المستندة إلى مثل قول الله سبحانه: {ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ?} (1) ، فهنا نهى الله عن مسبة آلهة المشركين وهي مستحقة لذلك، لئلا نقع في مفسدة أعظم، وهذا ما طبقه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بناء الكعبة، فقد ورد في حديث عائشة رضي الله عنها: «يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة» (2) ،
__________
(1) ... الأنعام:108.
(2) ... أخرجه البخاري في صحيحه، باب فضل مكة وبنيانها، برقم: (1509)، ومسلم في باب نقض الكعبة وبنائها، برقم: (1333)..(1/54)
ومن هنا فقد يكون من المصلحة استعمال بعض المصطلحات التي تؤدي إلى تقريب وجهات النظر، وكسر الحاجز النفسي الذي قد يقوم حائلاً دون القناعة، ولعل من الأمثلة القريبة على هذا مصطلح "الآخر"، ولست بصدد تقرير الحكم فيه، لكني أرى أن استعماله من باب اللطف والتشويق إلى الإسلام وإظهار محاسنه لا يمنع منه مانع، وهاهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما هاجروا إلى الحبشة في الهجرة المعروفة، وأرسلت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدايا للنجاشي ليطرد من هاجر، فكان المتكلم في المهاجرين جعفر بن أبي طالب، وخاطب النجاشي بما يقربه من الإسلام مما يتعلق بدين النصرانية حينما قال: ((إن الله بعث فينا رسولاً، وهو الرسول الذي بشر به عيسى بن مريم عليه السلام))، وقرأ عليه من سورة مريم ما يتعلق بعيسى وأمه عليه السلام (1) .
4– ... الانطلاق في فهم الحرية من تصورات شرعية، وفهم ثابت، ورؤية متزنة، تعتمد الدليل، وتنظر بوسطية واعتدال، مع اعتبار الواقع القائم، وفهم تعقيداته، وتحليل أحداثه، والإفادة مما قدمه غير المسلمين في هذا الجانب، للنظر فيه، ومقارنته بما يجده المسلم في أحكام الدين، لتكون مواطن الاتفاق منطلقًا لفهم غيرها، وهذه صورة يقابلها طرفان مذمومان، كما هو الشأن في كل قضية منظورة يكثر الطرح فيها والجدل.
هذه أهم الضوابط التي تحدد مفهوم الحرية، وقد حاولت جاهدًا من خلال هذا الطرح أن أفصل القول في الجزئيات التي تخدم البحث، منطلقًا من هذه الضوابط، فأثمر ذلك ما سطرته في ثنايا هذا البحث، مع العلم أن ثمت قضايا اجتهادية، ورأيي فيها ما تبين لي بالدليل، وهو قابل للنظر والتأمل، ومن خلال هذه المشاركة تتكامل الرؤية، ويسدد الرأي بتلاقح الأفكار، وتبادل وجهات النظر، مما هو مؤمل بإذن الله.
المسألة الثانية
آثار فهم الحرية الدينية بالفهم الوسطي الذي ينبع من استقصاء وتتبع
__________
(1) ... انظر: البداية والنهاية لابن كثير 4/175.(1/55)
الالتزام بالتصور الإسلامي للحرية الدينية، سواءً في الفهم أو التطبيق في التعامل مع غير المسلمين يثمر ثمرات جليلة، عاشها المسلمون في صدر الإسلام، ورأوها متجسدة في أرض الواقع وكانت وسيلة للتعايش مع غير المسلمين، ودعوتهم بلسان الحال أو المقال، أهمها:
1– ... احترام الأديان الأخرى، وشعائر الأديان، مما يحقق احترامًا متبادلاً، وحفاظًا على المقدسات، ونشرًا للسلام في أرجاء العالم مؤسسًا على القيم المشتركة، مبنيًا على قواعد متينة، وتجنب الامتهان الذي يثير مشاعر العداوة.
2– ... التحرر من أنواع القيود والعبوديات التي تلازم المرء حينما ينطلق من منطلقات معينة، أو يبني تصوره على خلفيات يكون أسيرًا لها، وهذا يؤدي إلى بناء المجتمعات على هذه الحرية المنشودة التي تؤدي حتمًا إلى اعتناق الدين الصحيح.
3– ... إظهار سماحة الإسلام، وميزاته وخصائصه الأخرى، ومثاليته في كل أمر ومنها هذا المطلب الذي ينادى به على أنه من حقوق الإنسان.
4– ... رعاية الإسلام لحقوق الإنسان بصورة أكيدة شاملة لكل ما هو تكريم له، محققة التوازن والعدل في تميز رائع لا يستعصي على التطبيق.
5– ... دفع الشبه التي تكال للدين الإسلامي، سواءً ما كان منها صادرًا عن جهل أو تقليد أو حسن نية، أو ما كان بهدف التشويه وتنفير الناس من هذا الدين.
6– ... اعتزاز المسلم بهذا الدين، وشعوره بالمنة والنعمة الكاملة التي هداه الله إليها، لأنه حين يهديه اختياره إلى اعتناق هذا الدين، وحين يقرأ عن الحرية التي منحها هذا الدين لاتباعه يحمد الله جل وعلا على نعمه، ويسأله الثبات على دينه.(1/56)
7– ... إمكانية بناء علاقات واسعة مع منظومة الدول، ومجموعة الهيئات والمنظمات، وذلك من خلال القدر المشترك الذي هو قيم عالمية، وأسس مشتركة، مع بقاء الخصوصيات، واحترام الأديان، وهذه الصورة تنتج عن فهم الحرية بضوابطها، وتنتج كذلك عن إدراك النصوص الواردة، والسنة العملية الحافلة بصور العلاقات الموجودة في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه.
وبعد: فهذا جهد المقل، واجتهاد المتأمل، وحصيلة ملازمة وقراءة متأنية لبعض ما كتب في هذا الشأن، وحرصت غاية الحرص على الاختصار، وتدوين زبدة ما رأيته، والموضوع في غاية الأهمية والحساسية، وقد اجتهدت أن أصل فيه إلى نتائج تثري هذا المؤتمر، وتعين على تكامل الرؤية، والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ونسأله سبحانه الفقه في دينه والبصيرة في شرعه، كما نسأله سبحانه أن يحفظ عليننا ديننا وأمننا، وأن يعز دينه، ويعلي كلمته، ويحفظ أوطان المسلمين من كيد الكائدين .
والحمد لله رب العالمين ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ..
وكتبه أ.د. سليمان بن عبد الله أبا الخيل
وكان الانتهاء منه والفراغ من تبيعته في 16/8/1429هـ
فهرس الآيات
السورة ... الآية ... رقمها ... الصفحة
البقرة ... (? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ) ... 136 ... 20
البقرة ... (? ? ? ? ? ? ? ? ?) ... 190 ... 25
البقرة ... (? ? ? ? چ چ چ چ ?) ... 193 ... 46
البقرة ... (ھ ے ے ? ? ? ?) ... 208 ... 25
البقرة ... (? ? ? ? ? ? ? ں ں ) ... 217 ... 49
البقرة ... (? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?) ... 265 ... 37
آل عمران ... (? ? چ چ چ) ... 19 ... 19
آل عمران ... (? ? ? ? ? ? ? ?) ... 85 ... 22
آل عمران ... (? ? ? ? ? ? ? ? ) ... 110 ... 32
النساء ... (? ? ? ? ? ? ? ?) ... 90 ... 25–31
النساء ... (ھ ے ے ? ? ? ? ?) ... 94 ... 25
النساء ... (? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ) ... 165 ... 45
المائدة ... (چ چ چ ? ? ? ? ?) ... 3 ... 20
المائدة ... (? ? ? ? ? ? ? ? ? ) ... 48 ... 20–22
المائدة ... (? ? ں ں ? ? ? ? ) ... 54 ... 49
الأعراف ... (? ? ? ? ?) ... 73 ... 18
الأعراف ... (? ? ? ? ?) ... 85 ... 18
الأعراف ... (? ? ? ? ?) ... 157 ... 33(1/57)
الأعراف ... (? ? ? ? ہ ہ ہ ہ) ... 158 ... 18
الأنفال ... (? ? ? ? ? ? ? ?) ... 61 ... 26–31
التوبة ... (ک ک گ گ گ گ ? ? ?) ... 4 ... 29
التوبة ... (ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے) ... 5 ... 27– 29
التوبة ... (پ ? ? ? ? ? ? ? ? ?) ... 7 ... 29– 41
التوبة ... (? ? ? ? ? ? ? ?) ... 13 ... 24
التوبة ... (چ ? ? ? ? ? ? ?) ... 29 ... 25– 33– 37
التوبة ... (? ? ? ? ? ? ? ?) ... 36 ... 24– 27– 28
التوبة ... (ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ?) ... 115 ... 45
يونس ... (? ? ? ? ? ? ? ) ... 99 ... 37
هود ... (ھ ھ ے ے ?) ... 50 ... 18
هود ... (? ? ? ? ? ?) ... 60 ... 18
يوسف ... (پ پ پ پ ? ? ) ... 104 ... 18
النحل ... (ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ?) ... 125 ... 33– 34
الإسراء ... (? ? ? ? ? ? ?) ... 15 ... 45
الإسراء ... ( ک ک ک گ گ گ گ ? ) ... 70 ... 13
الكهف ... (? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ?) ... 6 ... 40
الكهف ... (? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ) ... 29 ... 37
الأنبياء ... (ک ک گ گ گ) ... 107 ... 19
الحج ... (? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ٹ) ... 39 ... 24
الشعراء ... (? ? ? ?) ... 160 ... 18
القصص ... (ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ) ... 56 ... 40
العنكبوت ... (پ پ ? ? ? ? ?\) ... 16 ... 17
العنكبوت ... (? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ?) ... 46 ... 34
العنكبوت ... (? ? ? ? ? ? ? ? ?) ... 51 ... 21
الروم ... (? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?) ... 30 ... 16
الأحزاب ... (? ? ? ? ? ? ? ) ... 45 ... 32
سبأ ... (? ہ ہ ہ ہ ھ ھ) ... 28 ... 19
محمد ... (? ? ? ں ں ? ?) ... 35 ... 27– 31
المجادلة ... (? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ?) ... 1 ... 34
الممتحنة ... (ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ?) ... 9 ... 24
الصف ... (پ پ ? ?) ... 6 ... 18
المُلك ... (? ? ? ? ? ? ?) ... 14 ... 50
القلم ... (ہ ھ ھ ھ ھ) ... 52 ... 18
نوح ... (? ? ? ? ?) ... 1 ... 17
الغاشية ... (? ? ? ? ? ? ? ?) ... 21–22 ... 37– 40
فهرس الأحاديث والآثار
رأس الحديث ... الصفحة
كل مولود يولد على الفطرة ... 16
فضلت على الأنبياء بست ... 19
كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة ... 19
لو كان موسى حيًّا ثم اتبعتموه ... 21
إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد ... 21
من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا ... 33–39
أمرت أن أقاتل الناس حتى ... 27–31
بعثت بين يدي الساعة بالسيف ... 27–31
الجهاد ماضٍ منذ أن بعثني الله ... 27–31
إذا لقيت عدوك من المشركين ... 29– 39 –40
لا تتمنوا لقاء العدو ... 40
إنك ستأتي قومًا أهل كتاب ... 41(1/58)
أوصي بأهل الذمة خيرًا ... 42
رأس الإسلام الصلاة ... 46
من بدل دينه فاقتلوه ... 48–49
هل يترك أحد الدين سخطة له؟ ... 50
لو أن قومك حديثو عهد بكفر ... 53
فهرس المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم.
2- أحكام أهل الذمة: ابن القيم الجوزية، تحقيق: يوسف أحمد البكري وشاكر العروري، دار ابن حزم–بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ.
3- إرث الحقوق في الفقه الإسلامي: د. عياد بن عساف العنزي، رسالة ماجستير في مجلدين مقدمة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية– قسم الفقه، عام 1418هـ.
4- إرشاد الفحول: محمد بن علي الشوكاني، دار المعرفة–بيروت.
5- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي – بيروت، الطبعة الثانية – 1405هـ.
6- إعلام الموقعين عن رب العالمين: لابن قيم الجوزية، دار الجيل، بيروت .
7- بداية المجتهد ونهاية المقتصد: لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، طبعة دار الكتب العلمية– بيروت– الطبعة العاشرة 1408 هـ.
8- البداية والنهاية: للحافظ ابن كثير الدمشقي، تحقيق : د. عبد الله التركي، طبعة دار هجر – 1419هـ.
9- التعريفات: علي بن محمد الجرجاني، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي–بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ.
10- تفسير القرآن الكريم سورة البقرة: للشيخ محمد الصالح العثيمين، طبعة دار ابن الجوزي بإشراف مؤسسة الشيخ محمد العثيمين، الطبعة الأولى صفر 1423هـ.
11- تفسير المنار: محمد رشيد رشا، دار المعرفة–بيروت، الطبعة الثانية 1973م.
12- تفسير ابن كثير : الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير، طبعة دار الفكر بيروت، 1986م .
13- تفسير الطبري : محمد بن جرير الطبري، طبعة دار الفكر، 1405 هـ .
14- تقرير القواعد، وتحرير الفواند (القواعد): للحافظ ابن رجب الحنبلي، تحقيق: مشهور حسن آل سلمان، طبعة دار ابن عفان– الخبر– الطبعة الأولى 1419هـ.(1/59)
15- تكريم الإنسان في الإسلام: د. فاروق مساهل، الطبعة الأولى 1406هـ، مؤسسة الرسالة–بيروت.
16- تلبيس مردود في قضايا حية: الشيخ د. صالح بن عبد الله بن حميد، طبع ونشر وزارة الشؤون الإسلامية، 1418هـ.
17- تيسير التحرير: لمحمد أمين المعروف بأمير بادشاه ت972هـ طبعة دار الفكر.
18- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان : للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، تحقيق : عبد الرحمن بن معلا اللويحق ، طبعة مؤسسة الرسالة .
19- الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد القرطبي ، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت – 1408هـ.
20- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: ابن القيم الجوزية، تحقيق: علي بن حسن الألمعي وغيره، طبعة دار الفضيلة الرياض، الطبعة الأولى 1408هـ.
21- الحاوي الكبير: للإمام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع–بيروت لبنان، 1414هـ.
22- حقوق الإنسان في الإسلام: دراسة مقارنة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، د.محمد الزحيلي، طبعة دار الكلم الطيب–دمشق بيروت، الطبعة الثالثة 1424هـ.
23- الدر المنثور: للسيوطي عبد الرحمن بن الكمال جلال، طبعة دار الفكر– بيروت 1993م.
24- دراسة صادرة عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة بعنوان: "مدى انسجام الأنظمة السعودية مع اتفاقيات حقوق الإنسان الرئيسة".
25- زاد المعاد في هدي خير العباد: ابن القيم الجوزية، تحقيق:شعيب الأرناءوط، وعبد القادر الأرناءوط، طبعة مؤسسة الرسالة، ومكتبة المنار الإسلامية، الطبعة الثالثة عشر.
26- سنن أبي داود : سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر .
27- سنن البيهقي الكبرى: للحافظ أبي بكر البيهقي ، وبذيله الجوهر النقي ، طبعة دار المعرفة ، بيروت – 1413هـ.
28- السيرة النبوية: ابن كثير، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار إحياء التراث العربي–بيروت.(1/60)
29- السيرة النبوية: ابن هشام، تحقيق: مصطفى السقا وغيره، دار إحياء التراث العربي– بيروت.
30- شرح السير الكبير : السرخسي، تحقيق د. صلاح الدين المنجد وعبد العزيز الأحمد، مطبعة شركة الإعلانات الشرقية، طبعة 1972م .
31- شرح العقيدة الطحاوية: ابن أبي العز الحنفي–طبعة المكتب الإسلامي.
32- شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير، أو المختبر المبتكر شرح المختصر في أصول الفقه: محمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار، تحقيق د.محمد الزحيلي، ود.نزيه حماد، نشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية –فرع جامعة الملك عبد العزيز بمكة –جامعة أم القرى حاليًا– طبعة 1400هـ، طبعة دار الفكر بدمشق.
33- شعب الإيمان: أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: محمد السعيد زغلول، دار الكتب العلمية –بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ.
34- الصارم المسلول على شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - : لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق : الحلواني وشودري ، طبعة رمادي للنشر ، ودار المؤتمن ، الطبعة الأولى – 1417هـ.
35- صحيح البخاري : محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري، تحقيق : مصطفى البغا، دار ابن كثير، بيروت، الطبعة الثالثة، 1407 هـ .
36- صحيح مسلم: تحقيق وترقيم : محمد فؤاد عبد الباقي ، طبعة دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
37- طلبة الطلبة: نجم الدين عمر النسفي، دار الكتب العلمية–بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ.
38- العلاقات الدولية في الإسلام –مقدمة المشروع –: بإشراف د. نادية محمود مصطفى، طبعة المعهد العالمي للفكر الإسلامي–القاهرة، الطبعة الأولى 1417هـ.
39- العلاقات الدولية والنظم القضائية: عبد الخالق النواوي، طبعة دار الكتاب العربي–بيروت، الطبعة الأولى 1394هـ.
40- العلاقات الدولية في الفقه الإسلامي: د. عارف خليل أبو عيد، طبعة دار النفائس–الأردن، الطبعة الأولى 1427هـ.(1/61)
41- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير : الشوكاني، علق عليه : سعيد محمد اللحام، طبعة دار الفكر .
42- الفروق: للإمام العلامة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المشهور بالقرافي، عالم الكتب –بيروت
43- فقه السنة: السيد سابق، دار الجيل–بيروت.
44- القاموس المحيط: للفيروز آبادي، طبعة مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية 1371 هـ .
45- قانون حقوق الإنسان، مصادره وتطبيقاته الوطنية والدولية: د. الشافعي محمد بشير، طبعة منشأة المعارف بالاسكندرية–طبعة2008م.
46- قواطع الأدلة: لأبي المظفر منصور بن محمد السمعاني، طبعة دار الكتب العلمية–بيروت.
47- الكافي: يوسف بن عبد البر القرطبي، تحقيق: محمد الموريتاني، نشر مكتبة الرياض الحديثة–الرياض، الطبعة الثالثة، 1406هـ.
48- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، صححه: محمد بن عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية–بيروت، الطبعة الأولى، 1416هـ.
49- كشاف القناع عن علة متن الإقناع : للشيخ : منصور البهوتي ، مطبعة الحكومة بمكة 1394 هـ .الكشاف للزمخشري
50- كنز الوصول إلى علم الأصول (أصول البزدوي): علي البزدوي، مطبعة جاويد بريس–كراتشي باكستان.
51- لسان العرب: لابن منظور الإفريقي، طبعة دار الفكر –بيروت، ودار صادر، الطبعة الرابعة 1414 هـ .
52- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: جمع، عبد الرحمن بن قاسم وابنه ، طبعة دار عالم الكتب – الرياض ، 1412هـ.
53- مجموع فتاوى ومقالات العلامة ابن باز: أشرف على جمعه وطبعه الشيخ: محمد بن سعد الشويعر، طبعة دار الإفتاء.
54- المستصفى من علم الأصول: للغزالي، ضبط: محمد بن عبد السلام الشافي، دار الكتب العلمية–بيروت، الطبعة الأولى، 1413هـ.
55- مسند الإمام أحمد: وبهامشه منتخب كنز العمال – طبعة دار الفكر العربي – بيروت.(1/62)
56- معالم في منهج الدعوة: د. صالح بن عبد الله بن حميد، طبعة دار الأندلس الخضراء–جدة– الطبعة الأولى 1420هـ.
57- معجم مقاييس اللغة: لأحمد بن فارس بن زكريا ، تحقيق شهاب الدين أبو عمرو ، طبعة دار الفكر ، الطبعة الأولى 1415 هـ .
58- المغني: لابن قدامة المقدسي ، تحقيق : د. عبد الله التركي ود. عبد الفتاح الحلو، طبعة دار هجر–القاهرة، الطبعة الثانية – 1413هـ.
59- مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة: لابن القيم الجوزية، النشر : دار نجد للنشر، الرياض– 1402 هـ، طبع في دار الفكر للنشر.
60- مقدمة ابن خلدون: تصحيح وفهرسة: أبو عبد الله السعيد المندوه، طبعة المكتبة التجارية مصطفى الباز.
61- المهذب: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ، طبعة دار الفكر بيروت .
62- الموسوعة العربية العالمية : مستمدة من دائرة المعارف العالمية ، وإضافات الباحثين العرب ، صادرة عن مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية ، الناشر : مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية 1419 هـ .
63- الموسوعة الفقهية الكويتية: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، طباعة ذات السلاسل – الكويت ط/ الثانية 1404هـ.
64- هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى: ابن القيم الجوزية، طبعة مؤسسة مكة للطباعة والإعلام، من مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 1396هـ.
جدول المحتويات
المحتوى ... الصفحة
مقدمة البحث، وفيها أهمية البحث، ومشكلته وسبب اختياره. ... 3–6
?مشكلة البحث ... 4
? أسباب اختيار الموضوع ... 4
?خطة البحث ... 5
التمهيد، في التعريف بمصطلحات البحث، وفيه ثلاث مسائل: ... 7–15
?المسألة الأولى: في التعريف بالحق لغة واصطلاحًا، وبيان مصدر الحق. ... 7
? المسألة الثانية: في المراد بحقوق الإنسان. ... 11
?المسألة الثالثة: في بيان مفهوم الحرية. ... 13
المبحث الأول: في الأسس التي تبنى عليها حدود الحرية، وفيه مسائل: ... 16–25(1/63)
?المسألة الأولى: عالمية الفطرة. ... 16
? المسألة الثانية: عالمية الإسلام، وعموم الرسالة المحمدية. ... 17
?المسألة الثالثة: استيعاب هذا الدين للشرائع كلها، وتضمنه لما فيها. ... 19
? المسألة الرابعة: الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم السلام والدعوة. ... 23
?المسألة الخامسة: منزلة الحوار كأسلوب للإقناع، ووعاء للحرية. ... 32
المبحث الثاني: في تأصيل الحرية الدينية من وجهة نظر شرعية، وفيه مسائل: ... 26–51
?المسألة الأولى: ثبوت هذه الحرية من خلال نصوص الكتاب والسنة القولية والعملية، وفيه فرعان: ... 26
o الفرع الأول: الحرية من خلال نصوص القرآن. ... 26
O الفرع الثاني: الحرية من خلال نصوص السنة القولية والعملية. ... 39
? المسألة الثانية:تحديد الحرية التي منحها الشرع (حرية التفكير أم الاعتقاد). ... 43
?المسألة الثالثة: فهم هذه الحرية في ضوء ما يظن أنه معارض، وفيه فرعان: ... 45
o الفرع الأول: الحرية في ضوء فهم الجهاد. ... 45
O الفرع الثاني: الحرية في ضوء حكم المرتد. ... 47
المبحث الثالث: في ضوابط الحرية الدينية وآثارها، وفيه مسألتان: ... 52–56
?المسألة الأولى: ضوابط الحرية الدينية. ... 52
? المسألة الثانية: آثار فهم الحرية الدينية بالفهم الوسطي الذي ينبع من استقصاء وتتبع. ... 54
فهرس الآيات ... 57–59
فهرس الأحاديث والآثار ... 60–60
فهرس المصادر والمراجع ... 61–66
فهرس المحتويات ... 67–68(1/64)