الحبل المتين
في
بيان منهج أهل السنة و الجماعة
في أصول الدين
تأليف
الدكتور : أحمد بن عبد الكريم نجيب
أستاذ الحديث النبوي و علومه في كلّية الدراسات الإسلاميّة بسراييفو ، و الأكاديميّة الإسلاميّة بزينتسا
و مدرّس العلوم الشرعيّة في معهد قطر الديني سابقاً
منشورات منظمة التوحيد الخيرية
الطبعة الأولى
سراييفو 1422هـ/2001م
( حقوق الطبع للتوزيع الخيري ليست حكراً على أحد )
تقديم
... أهل السنة و الجماعة هم صفوة هذه الأمة ، الملتزمون بكتاب ربهم وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، و هم أصحاب حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روايةً و دراية و سلوكاً واعتقاداً ، و حيث إننا في معرض التعريف بمنهجهم العقدي فمن المناسب أن نستهل البحث بالتعريف بهم من خلال المطالب التالية :
المطلب الأوَّل : العلاقة بين مصطلحَي ( السنة ) و ( عقيدة أهل الحديث ) :
... ذهب كثيرٌ من أهل العلم عند تعريف السنّة إلى أنَّها تُطلق في مُقابل البدعة فيُقال : فلان على سنَّة ، و فلان على بدعة إذا عمل على خلافه(1). و هذا يعني أن لفظ السنة يستعمل للدلالة على عقيدة أهل السنة و الجماعة ، و قد شاع هذا الاستعمال على ألسنة الأئمة الأعلام من السلف و الخلف - رضي الله عنهم - أجمعين .
... قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله : (( إذا قيل عن رجلٍ إنه صاحب سنة ، فالمقصود به أنه على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - و صحابته الكرام رضوان الله عليهم من أمور الدين قولاً ، و عملاً ، و اعتقاداً ))(2).
... و من الأمثلة لإطلاق لفظ السنة على ما يُقابل البدعة ، ما يلي :
... سُئِل الإمام مالك بن أنس رحمه الله : من أهلُ السنة ؟ فقال :
__________
(1) ... انظر : الموافقات للشاطبي 4 / 40 .
(2) ... مجموع الفتاوى ، لابن تيمية : 19/ 306 - 307 .(1/1)
... (( أهل السنة الذين ليس لهم لقبٌ يُعرفون به ؛ لا جهميٌ(1)و لا قَدَريٌ(2)
و لا رافضيٌ(3)
__________
(1) ... الجهمية : فرقة منحرفة ، تنسب إلى الجهم بن صفوان ( ت 128 هـ / 746 م ) الذي قال بالإجبار ، و الاضطرار إلى الأعمال ، و أنكر الاستطاعات كلها ، و زعم أن الإيمان هو مجرَّد المعرفة بالله تعالى ، و أن الكفر هو الجهل به ، و قال بفناء الجنة و النار جميعاً ، و بخلق القرآن ، و نفى الأسماء و الصفات جميعها عن الله تعالى .
انظر : الفرق بين الفرق ، للبغدادي ، ص 199 ، و الملل و النحل ، للشهرستاني 1 / 86 .
(2) ... القدرية : فرقة ضالة ، قسمها ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " 8 / 256-260 إلى أصناف خمسة ، و هي : القدرية الغالية ، ثم المجوسية ، ثم المجبرة ، ثم المشركية ، ثم الإبليسية .
بيد أن هذه الأصناف تعود إلى رأيين في القدر :
الرأي الأول يعود إلى أصلين باطلين : الأول : إنكار علم الله السابق بأفعال العباد . وهو قول جهم بن صفوان. و الثاني : إنكار عموم المشيئة . مذهب القدرية الغالية ، وقد انقرض القائلون به .
و الرأي الثاني يقوم على أصلين ثانيهما باطل : الأول : الإقرار بعلم الله السابق ، و هو حق لا مراء فيه .
و الثاني : إنكار عموم المشيئة و الخلق . حيث جعلوا أفعال العباد الاختيارية بمشيئتهم و قدرهم و حدهم . و هو قول المعتزلة و متأخرو الشيعة ، وهم المسمون بالقدرية المجوسية .
انظر : شرح العقيدة الطحاوية ، ص : 305-306 ، فتح الباري 1 / 118 - 119 ، شفاء العليل لابن القيم ، ص : 109 ، الفرق بين الفرق ، ص : 19 - 20 .
(3) ... الرافضة : هم الذين رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وذلك أنهم أرادوه أن يتبرأ من أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، فلم يفعل ، و يرون السيف على الأمة .
انظر : مقالات الإسلاميين ، ص : 16 ، الفرق بين الفرق ، ص : 17 ، الحجة في بيان المحجة 2 / 478 .(1/2)
)(1).
... و سُئل الإمام أبو بكر بن عيَّاش(2)رحمه الله مَن السُنِّيُّ ؟ فقال : (( الذي إذا ذُكِرت الأهواء لم يتعصَّب لشيءٍ منها ))(3).
__________
(1) ... أخرجه ابن عبد البر في " الانتقاء في فضائل الأئمة الفقهاء " ، ص : 35 من طريق إبراهيم بن حماد ، قال : نا الحسن بن عبد العزيز الجروي ، قال : نا شيخ لنا ، قال : جاء رجل إلى مالك ..فذكره .
قلت : وهذا إسناد صحيح لولا إبهام شيخ الحسن بن عبد العزيز .
فالحسن بن عبد العزيز الجروي ثقة ثبت عابد فاضل ، كما في " التقريب " ( 1253 ) .
و إبراهيم بن حماد ، هو : أبو إسحاق الأزدي القاضي ، قال الدارقطني : ثقة جبل . كما في " تاريخ بغداد " 6 / 61 .
(2) ... أبو بكر بن عياش ، هو : ابن سالم ، الأسدي مولاهم ، الكوفي ، قيل : اسمه شعبة ، و قيل : محمد ، و قيل غير ذلك ، المحدث الفقيه ، شيخ الإسلام ، و بقية الأعلام ، ولد سنة 95 هـ / 714 م ، قرأ القرآن على عاصم بن أبي النجود ، و تلا عليه جماعة ، حدث عن كبار التابعين ، و حدث عنه : جماعة منهم ابن المبارك ، و أبو داود ، و أحمد ، و في ضبطه مقال ؛ ذكره أحمد بن حنبل ، فقال : ( ثقة ، ربما غلط ، صاحب قرآن و خير ). .توفي سنة 191 هـ / 807 م ، عن ست و تسعين سنة .
انظُر ترجمته في : تهذيب الكمال 33 / 129 ، سير أعلام النبلاء 8 / 495 ، الحلية 7 / 303 ، تذكرة الحفاظ 1/ 265 ، ميزان الاعتدال 4 / 494 ، شذرات الذهب 1/ 334 .
(3) ... إسناده حسن :
أخرجه الآجري في " الشريعة " 3 / 581 ( 2112 ) ، و اللالكائي في " شرح أُصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة " 1 / 63 ( 53 ) من طريقين ، عن أبي عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي ، قال : حدثنا أبو السكين زكريا بن يحيى ، قال : سمعت أبا بكر بن عياش – فذكره .
و أبو عبيد ، هو : ابن حربويه الإمام الفقيه قاضي مصر .
و أبو السكين زكريا بن يحيى : وثقه ابن حبان و الخطيب البغدادي ، و قال ابن حجر : ( صدوق له أوهام لينه بسببها الدارقطني ) . انظر : التهذيب 3 / 337 ، و التقريب ترجمة ( 2034 ) .(1/3)
... و سئل عبد الرحمن بن مهدي(1)عن الأوزاعي(2)، و سفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، رحمهم الله جميعاً ، فأجاب : (( سفيان عالمٌ بالحديث ، والأوزاعيُّ عالمٌ
بالسنة ، و مالك عالمٌ بالحديث و السنَّة ))(3).
__________
(1) ... ابن مهدي ، هو : عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبدا لرحمن ، أبو سعيد العنبري ، و قيل : الأزدي ، مولاهم البصري ، ولد سنة 135 هـ / 753 م ، أدرك صغار التابعين ، و سمع سفيان ، و شعبة ، و مالك بن أنس ، و أمماً سواهم ، و حدث عنه : ابن المبارك ، و ابن وهب ، و هما من تلاميذه ، و يحي ، و أحمد ، و إسحاق ، و ابن أبي شيبة ، و كثيرون ، و ارتحل في آخر عمره عن البصرة إلى أصبهان ، و حدث فيها ، ثم عاد إلى البصرة و بها كانت و فاته سنة 198 هـ / 814 م .
انظُر ترجمته في : سير أعلام النبلاء ، 9 / 192 ، الطبقات الكبرى 7 / 297 ، الحلية 9 / 3 ، تاريخ بغداد 10 / 240 ، شذرات الذهب 1 / 355 .
(2) ... الأوزاعي ، هو : عبدا لرحمن , و يقال : عبد العزيز بن عمرو بن يَحْمُد الأوزاعي ، أبو عمر ، الدمشقي ، التابعي ، أحد الأعلام ، و الفقهاء المجتهدين أصحاب المذاهب ، كان يسكن بمحلة الأوزاع بظاهر باب الفراديس بدمشق ، ثم تحول إلى بيروت إلى أن مات مرابطاً بها سنة 157 هـ / 774 م .
انظُر ترجمته في : سير أعلام النبلاء ، 7 / 107 ، شذرات الذهب 1 / 241 ، تذكرة الحفاظ 1 / 178 ، حلية الأولياء 6 / 135 ، ديوان الإسلام 1 / 159 .
(3) ... إسناده صحيح :
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 6 / 332 من طريق أبي أحمد القاضي ، يقول : سمعت أبا حاتم الرازي يقول : سمعت أحمد بن سنان الواسطي يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول – فذكره .
و هذا إسناد صحيح رجاله ثقات .(1/4)
... قال ابن الصلاح(1)في قول عبد الرحمن بن مهدي السابق : (( السنة هاهنا ضدَّ البدعة ، و قد يكون الإنسان من أهل الحديث و هو مبتدعٌ ، و مالك - رضي الله عنه - جمع بين السنتين فكان عالماً بالسنة أي الحديث ، و مُعتقداً للسنة ، أي كان مذهبه مذهب أهل الحقِّ من غير بدعة ))(2)..
... و قد كان أئمة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ، يُطلقون اسم السنة على الاعتقاد الصحيح ، الذي يقابل البدعة ، و يُضادُّها ، كما في قول سفيان بن عيينة(3): ((
__________
(1) ... ابن الصلاح ، هو : تقي الدين ، أبو عمرو عثمان بن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الشهرزوري الشافعي ، ولد بسنة 597 هـ / 1201 م ، و تفقه على والده بشهرزور ، ثم ارتحل إلى البصرة ، فدمشق ، فبيت المقدس ، دَرَّس بالمدرسة الصلاحية ، في بيت المقدس ثم بالرواحية بدمشق ، ثم صار شيخ الدار الأشرفية ، أشهر مؤلفاته كتاب علوم الحديث ، عاش ستاً و ستين سنة ، و توفي بدمشق سنة 643 هـ / 1246 م ، و دفن بمدافن الصوفية .
انظُر ترجمته في : سير أعلام النبلاء ، 23 / 140 , تذكرة الحفاظ 4 / 1430 ، شذرات الذهب 5/ 221 .
(2) ... فتاوى و مسائل ابن الصلاح ، ص : 213 .
(3) ... سفيان بن عيينة ، هو : أبو محمد الهلالي ، الكوفي ، ثم المكي ، الحافظ الكبير، أتقن ، و جوّد ، و جمع و صنف ، و عمر دهراً ، و ازدحم عليه الخلق ، و انتهى إليه علو الإسناد ، و رحل إليه من البلاد . قال عنه الشافعيُّ : ( ما رأيت أحسن تفسيراً للحديث منه ) . و قال أيضا : ( لولا مالك و سفيان بن عيينة لذهب علم الحجاز ) . توفي سنة 198 هـ / 814 م .
انظُر ترجمته في : طبقات ابن سعد 5 / 497 ، الجرح و التعديل 1 / 32 – 54 و 4 / 225 ، حلية الأولياء 7 / 270 ، تاريخ بغداد 9 / 174 ، وفيات الأعيان 2 / 391 ، سير أعلام النبلاء 8 / 454 .(1/5)
السنة عشرة ، فمن كُنَّ فيه فقد استكمل السنة ، و من ترك منها شيئاً فقد ترك السنَّة ... ))(1)ثمَّ ذكر مسائل من مُعتقد أهل السنة و الجماعة .
... و قال الإمام الشافعي رحمه الله : (( القول في السنة التي أنا عليها ، ورأيتُ أصحابنا عليها ، أهل الحديث الذين رأيتهم ، و أخذتُ عنهم ، مثل سفيان ، ومالك ، و غيرهما : الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله ، و أن محمداً رسول الله ، وأنَّ الله تعالى على عرشه ، في سمائه ، يقرب من خلقه كيف شاء ، و أن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء ))(2).
... و قال الإمام أحمد(3)
__________
(1) ... أخرجه اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة " 1/ 155 ( 316 ) .
(2) ... أورده الذهبي في " العلو " ص 120 ، وسبقه بقوله : ( روى شيخ الإسلام أبو الحسن الهكاري ، و الحافظ أبو محمد المقدسي بإسنادهم إلى أبي ثور ، و أبي شعيب كلاهما عن الإمام الشافعي ) .
و أورده ابن القيم أيضا في " اجتماع الجيوش الإسلامية " ص 82 .
(3) ... أحمد بن حنبل ، هو : أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني ، أبو عبد الله المروزي ، ثم البغدادي إمام المذهب ، و صاحب المسند و غيره ، وُلد ببغداد سنة 164 هـ / 681 م ، و اعتنى بالحديث ، و ارتحل في طلبه ، روى عن ابراهيم بن سعد ، و إسماعيل بن علية ، و خلائق غيرهم ، و روى عنه الشيخان و غيرهم ت 241هـ / 856 م .
انظر ترجمته في : طبقات الحنابلة 1 / 4 و ما بعدها ، طبقات الحفاظ ص 186 ، تهذيب التهذيب 1 / 72 الأعلام للزركلي 1/192 ، الفهرست لابن النديم ، ص 32 .(1/6)
رحمه الله : (( أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... )) ، ثمَّ ذَكر جملة مسائل من معتقد أهل السنة و الجماعة(1).
... وقال محمد بن يحيى الذهلي(2): (( السنة عندنا : أن الإيمان قول
و عمل ...))(3)فذكر جملة من معتقد أهل السنة و الجماعة .
... و قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله : (( ... ثم صار في عُرف كثير من العلماء المتأخرين من أهل الحديث و غيرهم ، السنة عبارة عمَّا سلم من الشبهات في الاعتقادات . . . و صنفوا في هذا العلم تصانيف سموها كتب السنة ، و إنما خصوا هذا العلم باسم السنة لأن خطره عظيم ، و المخالف فيه على شفا هلكة ، و أما السنة الكاملة فهي الطريقة السالمة من الشبهات و الشهوات ))(4).
__________
(1) ... كتاب : أصول السنة هذه للإمام أحمد رسالة طبعت مفردة ، برواية عبدوس بن مالك العطار عنه ، بتحقيق الوليد بن محمد بن سيف النصر ، بمكتبة العلم بجدة سنة 1416 هـ / 1996 م ، و رواها اللاكائي في " شرح أصول الاعتقاد " 1 / 156 ( 317 ) ، و أبو يعلى القاضي في " طبقات الحنابلة " 1 / 241 و إسنادها صحيح ، و قال أبو يعلى : ( لو رحل رجل إلى الصين في طلبها لكان قليلا ) .
(2) 2 ... محمد بن يحيى الذهلي ، هو : أبو عبد الله النيسابوري ، الإمام العلامة ، الحافظ البارع ، شيخ الإسلام ، و عالم المشرق ، و إمام أهل الحديث بخراسان ، ولد سنة بضع و سبعين و مئة للهجرة ، و مات سنة 258 هـ / 872 م ، قال الذهبي : ( كان له جلالة عجيبة بنيسابور ، من نوع جلالة الإمام أحمد ببغداد ، و مالك بالمدينة ) .
انظر ترجمته في : الجرح و التعديل 8 / 125 ، تاريخ بغداد 3 / 415 ، طبقات الحنابلة 1 / 327 ، تذكرة الحفاظ 2 / 530 ، سير أعلام النبلاء 12 / 273 .
(3) 3 ... أخرجه البيهقي في " القضاء و القدر " ( 549 ) ، بإسناد صحيح ، رجاله كلهم ثقات .
(4) ... كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة ، لابن رجب الحنبلي ، ص : 11 .(1/7)
... و كما قال ابن رجب رحمه الله فإن من إطلاق مصطلح السنة ، على العقيدة السويَّة ، السليمة من الشبهات و الشهوات ، في مقابل الأهواء الرديَّة ، تسمية عدد من الأئمة ، مُصنَّفاتهم في أصول الدين باسم ( السنة ) ، و من تلك المصنَّفات :
? السنة ، للإمام أحمد بن حنبل ( المتوفى 241 هـ / 856 م ) ، و هو مطبوع.
? السنة لأبي بكر أحمد بن محمد بن الأثرم(1)( المتوفى سنة 272 هـ / 886 م ).
? السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل(2)( المتوفى سنة 290 هـ / 903 م ) و هو مطبوع .
? السنة لمحمد بن نصر المروزي(3)(
__________
(1) 1 ... أبو بكر بن الأثرم ، هو : أحمد بن محمد بن هانئ الإسكافي الطائي ، خراساني الأصل ، إمام حافظ ثبت ثقة ، تلميذ الإمام أحمد ، كان من أذكياء الأمة ، مصنف السنن و علل الحديث ، مات بمدينة إسكاف .
انظر ترجمته في : تاريخ بغداد 5 / 110 ، طبقات الحنابلة 1 / 66 ، تهذيب الكمال 1 / 476 ، تذكرة الحفاظ 2 / 570 ، سير أعلام النبلاء 12 / 623 .
(2) 2 عبد الله بن أحمد بن حنبل ، هو : الشيباني ، أبو عبد الرحمن المروزي ، الإمام الحافظ الناقد ، محدث بغداد ، كان ثقةً فهْماً ، أروى الناس عن أبيه ، وهو الذي رتب مسند أبيه ، و له عليه زيادات كثيرة ، طلب الحديث في العراق و غيرها ، و كان خبيرا بالحديث و علله .
انظر ترجمته في : الجرح و التعديل 5 / 7 ، تاريخ بغداد 9 / 375 ، طبقات الحنابلة 1 / 180 ، المنتظم 6 / 39 ، سير أعلام النبلاء 13 / 516 .
(3) 3 محمد بن نصر المروزي ، هو : أبو عبد الله ، الإمام الجليل ، الثقة العدل ، شيخ الإسلام ، أحد أعلام الأمة و عقلائها و عبادها ، ولد ببغداد و نشأ بنيسابور و سكن سمرقند ، و كان أبوه مروزيا ، و تفقه بمصر على أصحاب الشافعي ، و رحل إلى الأمصار ، و كان أعلم أهل زمانه في اختلاف الصحابة و التابعين ، مات بسمرقند ، وله 92 سنة .
انظر ترجمته في : تاريخ بغداد 3 / 315 ، تذكرة الحفاظ 2 / 650 ، سير أعلام النبلاء 14 / 33 ، الطبقات الكبرى للسبكي 2 / 246-255 ، تهذيب التهذيب 9 / 489 .(1/8)
المتوفى سنة 294 هـ / 907 م ) و هو مطبوع .
? السنة لأحمد بن محمد بن هارون الخلاَّل(1)( المتوفى سنة 311 هـ/ 923 م ) وهو مطبوع .
? شرح السنة لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين(2)( المتوفى سنة 399 هـ / 1009 م ) وهو مطبوع .
? السنة لأبي بكر بن أبي عاصم(3)( المتوفى سنة 287 هـ / 900 م ) ، و هو مطبوع .
? السنة لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني(4)(
__________
(1) 4 أحمد بن محمد بن هارون الخلال ، هو : أبو بكر البغدادي ، الإمام الحافظ الفقيه ، شيخ الحنابلة و عالمهم ، رحل إلى فارس و الشام و الجزيرة ؛ يطلب فقه أحمد و فتاويه ، لم يسبقه أحد في جمع علم الإمام أحمد ، و لم يكن قبله للإمام مذهب مستقل .
انظر ترجمته في : تاريخ بغداد 5 / 112 ، طبقات الحنابلة 2 / 12 ، المنتظم 6 / 174 ، تذكرة الحفاظ
3 / 785 ، سير أعلام النبلاء 14 / 297 ، البداية و النهاية 11 / 148 .
(2) ... ابن أبي زمنين ، هو : محمد بن عبد الله بن عيسى , المري الأندلسي القرطبي ، استبحر في العلم ، و ألف في الفقه و الزهد و الرقائق ، كان صاحب علم و سنة .
انظُر ترجمته في : جذوة المقتبس 56 – 57 ، ترتيب المدارك 4 / 672 ، سير أعلام النبلاء ، 17/ 188 - 189.
(3) 2 ... أبو بكر بن أبي عاصم ، هو : أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني ، البصري ، إمام بارع ، حافظ كبير ، ثقة نبيل معمر ، متبع للآثار ، ولي القضاء بأصبهان ثلاث عشرة سنة ، ظاهري المذهب ، له الرحلة الواسعة ، و التصانيف المفيدة .
انظر ترجمته في : الجرح و التعديل 2 / 67 ، ذكر أخبار أصبهان 1 / 135 ، تذكرة الحفاظ 2 / 640 ، سير أعلام النبلاء 13 / 430 .
(4) 3 ... أبو داود السجستاني ، هو : سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو الأزدي ، السجستاني ، الإمام شيخ السنة مقدم الحفاظ ، محدث البصرة ، قال ابن حبان : ( أبو داود أحد ائمة الدنيا فقها و علما و حفظا و نسكا و ورعا و إتقانا ، جمع و صنف و ذب عن السنة ).
انظر ترجمته في : الجرح و التعديل 4 / 101 ، تاريخ بغداد 9 / 55 ، طبقات الحنابلة 1 / 159 ، وفيات الأعيان 2 / 404 ، سير أعلام النبلاء 13 / 203 ، تذكرة الحفاظ 2 / 591 .(1/9)
المتوفى سنة 275 هـ / 889 م ) ، و هو مطبوع .
? السنة لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني(1)( المتوفى سنة 360 هـ / 971 م ) .
? السنة لأبي عمرو أحمد بن محمد الطلمنكي(2)( المتوفى سنة 427 هـ / 1036 م ) .
? شرح السنة للحسن بن علي البربهاري(3)( المتوفى سنة 329 هـ / 941 م ) و هو مطبوع .
__________
(1) 4 ... أبو القاسم الطبراني ، هو : سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي ، أبو القاسم , الإمام الحافظ العلم الثبت ، مسند العصر ، ولد بعكا و اعتنى به أبوه ، و رحل به في حداثة سنه ، طوف البلاد ، ثم سكن أصبهان و استقر فيها ، و بقى فيها محدثا ستين سنة إلى أن توفي .
انظر ترجمته في : أخبار أصبهان 1 / 335 ، وفيات الأعيان 1 / 215 ، تذكرة الحفاظ 3 / 118 ، المنتظم 7 / 54 ، البداية و النهاية 11 / 270 .
(2) 1 ... أبو عمرو الطلمنكي ، هو : أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى ، أبو عمر المعافري الأندلسي ، عالم أهل قرطبة ، الإمام المقرئ المحقق الحافظ الأثري ، رحل إلى مصر و مكة و المدينة ، كان خبيرا في علوم القرآن و تفسيره و قراءاته و إعرابه و أحكامه و معانيه ، و كان سيفا مجردا على أهل الأهواء و البدع .
انظر ترجمته في : بغية الملتمس ص 162 ، جذوة المقتبس ص 114 ، معجم البلدان 4 / 39 ، تذكرة الحفاظ 3 / 1098 ، سير أعلام النبلاء 17 / 566 . شذرات الذهب 5 / 147 .
(3) 2 ... الحسن بن علي البربهاري ، هو : ابن خلف ، أبو محمد ، شيخ الحنابلة ، القدوة الإمام الفقيه ، كان قوالاً بالحق ، داعيا إلى الأثر ، لا يخاف في الله لومة لائم ، عاش 77 سنة .
انظر ترجمته في : طبقات الحنابلة 2 / 18- 45 ، المنتظم 6 / 323 ، الكامل لابن الأثير 8 / 378 ، سير أعلام النبلاء 15 / 90 ، البداية و النهاية 11 / 201 .(1/10)
... و يكثُر - عند الكلام عن أصول الدين - أن يُقال : هذه عقيدة أهل السنة ، أو عقيدة أصحاب الحديث(1)، و القولان بمعنىً .
... فما هي عقيدة أهل الحديث ؟
... هذا ما سأتناوله في السطور التالية إن شاء الله تعالى (
المطلب الثاني : العلاقة بين مُصطلَحَي ( أهل السنة ) و ( أصحاب الحديث ) :
... هناك علاقة وثيقة بين مُصطلح ( أهل السنَّة ) و مُصطلح ( أهل الحديث ) فهما مُتَعاوران في كلام العلماء ، و لبيان العلاقة بين أهل السنة و أهل الحديث يحسن بنا أن نُعرِّف بكُلٍ منهما أوَّلاً .
... فأهل السنة و الجماعة مصطلح مؤلف من لفظ السنة التي تقدَّم التعريف بها في الباب الأول ، و لفظ الجماعة المشتق من الجَمْعِ و هو : تأليف المفترق(2).
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( الجماعة هي الاجتماع ، وضدها الفرقة ، و إن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين ))(3).
... و اصطلاح أهل السنة و الجماعة ، مُقتبس من مجموع ما ورد في كتاب الله و سنة رسوله ، من الآيات ، و الأخبار الواردة في الحثّ على الاعتصام بالسنة ، و ملازمة الجماعة ، و النهي عن الابتداع و الفُرقة و الاختلاف في الدين .
... فمن ذلك قوله سبحانه و تعالى : { و لا تتبعوا السبل فتفرَّق بكم عن سبيله } [ الأنعام : 153 ] .
... و قوله : { أن أقيموا الدين و لا تتفرَّقوا فيه } ] الشورى : 13 [.
__________
(1) ... ألَّف الإمام عبد الرحمن بن إسماعيل الصابوني رحمه الله ، سفراً نفيساً في معناه ، يسيراً في مبناه ، أسماه عقيدة السلف أصحاب الحديث ، و الكتاب نشرته دار الفتح بالشارقة عام 1414 هـ / 1994 م تحقيق بدر البد.
(2) ... انظر : القاموس المحيط للفيروز آبادي ، ص : 917 ، و لسان العرب 8 / 53 .
(3) ... مجموع الفتاوى ، لابن تيمية 3 / 157.(1/11)
... و روي عن ابن عبَّاس - رضي الله عنه - في هاتين الآيتين قوله: (( أمر الله المؤمنين بالجماعة و نهاهم عن الاختلاف و الفرقة ، و أخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء
والخصومات في دين الله ))(1).
... أما الأخبار الواردة في هذا الباب فكثيرة جداً و منها :
... قوله - صلى الله عليه وسلم - في وصيته لحذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - (2):
__________
(1) ... إسناده لا بأس به :
... أخرجه الطبري في " تفسيره " 5 / 397 ( 14171 ) ، و ابن أبي حاتم في " تفسيره " ( 1134 ) ، و الآجري في " الشريعة " 1 / 116 ( 4 ) ، و ابن بطة في " الإبانة " 1 / 275 ( 105 ) من طرق عن عبد الله بن صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن طلحة ، عن ابن عباس - رضي الله عنه - به .
علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس منقطع ، لكن قال المزي في " تهذيبه " 20 / 490 : بينهما مجاهد .
قلت : و مجاهد إمام ثقة جليل .
و معاوية بن صالح ، هو الحمصي ، قاضي الأندلس ، و ثّقه جُلّ المحدثين ، قال فيه الترمذي : ( ثقة عند أهل الحديث ، و لا نعلم أحداً تكلم فيه غير يحيى بن سعيد القطان ) .
انظر ترجمته في : تهذيب التهذيب 10 / 209 – 212 .
و عبد الله بن صالح ، هو كاتب الليث بن سعد ، قال الذهبي في " المغني في الضعفاء " ( 4383 ) : ( صالح الحديث له مناكير ) .
(2) ... حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - ، هو : ابن جابر العبسي اليماني ، أبو عبدالله ، صحابي جليل ، من المهاجرين ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، شهد مع أبيه أحداً ، فاستشهد أبوه فيها ، قتله بعض الصحابة غلطاً ، ولي إمرة المدائن لعمر ، و بقي عليها إلى خلافة عثمان ، و بها كانت وفاته بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه - بأربعين ليلة .
انظُر ترجمته في : أسد الغابة 1 / 468 ، الإصابة 2 / 223 ، سير أعلام النبلاء 2 / 361 ، الحلية 1 / 270 ، شذرات الذهب 1 / 32 .(1/12)
... (( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم )) ، قال حذيفة : قُلتُ : فإن لم يكن لهم جماعةٌ و لا إمام ؟ فقال :
... (( فاعتزل تلك الفرق كلَّها ، و لو أن تعضَّ بأصل شجرةٍ حتى يُدركك الموت ، وأنت على ذلك ))(1).
... و عن حديث ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
... (( ليس أحدٌ يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتةً جاهليَّةً ))(2).
... و في حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعظهم موعظةً قال فيها :
... (( عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، و إياكم و مُحدثات الأمور فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعة ، و كلَّ بدعة ضلالة ))(3).
__________
(1) ... الحديث : أخرجه البخاري في كتابي المناقب ( 3606 ) باب علامات النبوة في الإسلام ، و الفتن ( 7084 ) باب : كيف الأمر إذا لم يكن جماعة ، و مسلمٌ ( 1847 ) في الإمارة ، باب : وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ، و أبو داود ( 4244 ) في الفتن و الملاحم ، باب : ذكر الفتن و دلائلها ، و ابن ماجة ( 3979 ) في الفتن ، باب : العزلة .
(2) ... الحديث : أخرجه البخاري في كتاب الفتن ( 7054 ) ، باب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - سترون بعدي أمورا تنكرونها ، و الأحكام ( 7143 ) باب : السمع و الطاعة للإمام ما لم تكن معصية ، و هذا لفظه في الأخير منهما ، و مسلم ( 1849) في الإمارة باب : وجوب ملازمة الجماعة عند ظهور الفتن .
و أخرج نحوه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : مسلم ( 1848 ) في الإمارة ، باب : وجوب ملازمة الجماعة عند ظهور الفتن ، و النسائي في تحريم الدم ( 1414 ) ، باب : التغليظ في من قاتل تحت راية عمية ، و ابن ماجة ( 3948 ) في الفتن ، باب : العصبية ، و أحمد في " المسند " 2 / 306 و 488 0
(3) ... صحيح مشهور :
وهو قطعة من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - الذي أخرجه أبو داود ( 4618 ) في السنة ، باب : مجانبة أهل الأهواء و بغضهم ، و الترمذي ( 2676 ) في العلم ، باب : ماجاء في الأخذ بالسنة و اجتناب البدع ، و ابن ماجة ( 42 و 43 و 44 ) في المقدمة ، باب : اتباع سنة الخلفاء الراشدين .
و الحديث صححه الترمذي ، والبزار كما في "جامع بيان العلم " 2 / 924 وابن حبان 1 / 178 (5) ، و الحاكم 1/95 ، و أبو العباس الدغولي نقله عنه الهروي في " ذم الكلام " (4/ 37 ) ، و ابن عبد البر ، و ابن تيمية في
" منهاج السنة " (4 / 164 ) .
وقال أبو نعيم بعد أن رواه في " المستخرج على مسلم " 1 /36 : " هو حديث جيد من صحيح حديث الشاميين... وقد روي هذا الحديث عن العرباض بن سارية ثلاثة من تابعي الشام معروفين مشهورين : عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، وحجر بن حجر ، و يحيى بن أبي المطاع " .
وقال الجوزقاني في "الأباطيل" (288) : " هذا حديث صحيح ثابت مشهور " .
وقال أبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام" ( 4 / 31 ) : "هذا من أجود حديث أهل الشام و أحسنه " .
و قال ابن حجر في " تخريج أحاديث المختصر " 1 / 137 : " هذا حديث صحيح رجاله ثقات ، قد جود الوليد بن مسلم إسناده ، فصرح بالتحديث في جميعه ، و لم ينفرد به مع ذلك " .(1/13)
... و لأهميَّة لزوم الجماعة ، و عظيم شأنها ، بوَّب الشيخان كلٌّ في صحيحه ، و النسائيُّ(1)و الترمذي ، كلٌّ في سننه ، على لزومها .
... فقال البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب و السنة من صحيحه : باب قوله تعالى : { و كذلك جعلناكم أمَّةً وسَطاً } و ما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلزوم الجماعة و هم أهل العلم(2).
... و قال الإمام مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه : باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ، و في كل حال ، و تحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة(3).
... و عَنوَن النسائي في سننه : قتلُ من فارق الجماعة ، و ذِكرُ الاختلاف على زياد بن عِلاقة عن عَرْفَجَةَ فيه(4).
... وعقد الترمذي في سننه باباً سمَّاه : باب ما جاء في لزوم الجماعة(5).
... و الجماعة التي يجب على المسلم لزومها ، و يحرم الخروج عليها ، ويستحق الوعيد من فارقها ، هم أهل الحقِّ في كل عصرٍ و مِصرٍ ، و إن قَلُّوا .
__________
(1) ... النسائي ، هو : أحمد بن شعيب بن علي بن سنان الخراساني النسائي ، صاحب السنن ، ولد بِنَسَا في سنة 215 هـ / 830 م ، طلب العلم في خراسان ، و ارتحل إلى الحجاز ، و مصر ، و العراق ، و الشام ، ثم
استوطن مصر ، و كان ورعاً متحرياً ، شافعي المذهب ، واسع الحفظ ، قال عنه الدار قطني : ( كان أفقه مشايخ مصر في عصره ، و أعلمهم بالحديث و الرجال ) . توفي سنة 303 هـ / 916 م ، قيل بمكة ، و قيل بالرملة ، و قيل بفلسطين .
انظُر ترجمته في : سير أعلام النبلاء ، 14 / 125 ، تذكرة الحفاظ 2 / 698 ، شذرات الذهب 2 / 239 تهذيب الكمال 1 / 23 .
(2) 1 ... صحيح البخاري 6 / 2675 .
(3) 2 ... صحيح مسلم 3 / 1172 .
(4) 3 ... سنن النسائي الصغرى ، الموسوم بالمجتبى 7 / 92 .
(5) 4 ... سنن الترمذي 4 / 465 .(1/14)
... قال أبو شامة المقدسي رحمه الله(1):
... (( حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة ، فالمراد به لزوم الحق و اتِّباعه ، و إن كان المستمسك به قليلاً ، و المخالف كثيراً )) .
... ثم استدل بقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : (( إن الجماعة ما وافق الحق ، و إن كنت وَحدَك ))(2).
... قال نعيم بن حمَّاد(3): ((
__________
(1) ... أبو شامة المقدسي ، هو : عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان ، أبو محمد ، الشيخ الإمام العلامة ، المعروف بأبي شامة لشامةٍ كبيرة فوق حاجبه الأيسر ، كان عالماً راسخاً في العلم ، مقرئاً محدثاً نحوياً ، مؤرخاً من كتبه : المقاصد السنية في شرح الشاطبية ، و زهر الروضتين ، و كثيرٌ غيرهما ، ت 665هـ / 1267 م مقتولاً .
انظر : ترجمته في : معجم المؤلفين 5 / 125 ، البداية و النهاية 13/ 250 ، تذكرة الحفاظ 4 / 243 ، شذرات الذهب 5 / 318 .
(2) 1 ... صحيح :
أخرجه اللاكائي في " شرح أصول الاعتقاد " 1 / 108 ( 169 ) ، و ابن عساكر في " تاريخ دمشق " 13 / 642 – 643 من طريقين عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن عمرو بن ميمون عنه به .
و رجاله كلهم ثقات أعلام .
و رواه ابن عساكر أيضا بإسناد آخر حسن ، بلفظ نحوه فيه : ( ويحك إن جمهور الناس فارقوا الجماعة ، إن الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل ) .
(3) ... نعيم بن حماد ، هو : ابن معاوية بن الحارث ، أبو عبد الله الخزاعي المروزي ، الإمام العلامة الحافظ ، سمع بخراسان و الحرمين و العراق و الشام و اليمن و مصر ، سكن مصر حتى امتحن في القرآن ، فأشخص إلى سر من رأى ، فسئل عن القرآان ، فأبى أن يجيبهم إلى القول بخلقه ، فسجن ، فلم يزل في السجن حتى مات ، و أوصى أن يدفن في قيوده ، و قال : ( إني مخاصم ) .قال الذهبي : ( في قوة روايته نزاع ؛ منهم من وثقه ، و الأكثر منهم ضعفه ) . توفي سنة 229 هـ / 844 م .
انظر ترجمته في : التاريخ الكبير للبخاري 8 / 100 ، طبقات ابن سعد 7 / 519 ، المعرفة و التاريخ للفسوي 1 / 448 ، الجرح و التعديل 8 / 462 ، تاريخ بغداد 13 / 306 ، تذكرة الحفاظ 2 / 418 ، سير أعلام النبلاء 10 / 595 .(1/15)
أي إذا فسدت الجماعة ، فعليك بما كانت عليه قبل أن تفسد ، و إن كنت وحدك ، فإنَّك الجماعة حينئذٍ )) .(1)
... و قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في سننه : (( و تفسير الجماعة عند أهل العلم هم أهل الفقه و العلم و الحديث ))(2).
... و روى رحمه الله عن عليِّ بن الحسن(3)، قوله : ((سألتُ عبد الله بن المبارك مَن الجماعة ؟ فقال : أبو بكر وعُمر . قيل له : قد مات أبو بكرٍ و عُمر ، قال : فلانٌ و فلانٌ ، قيل له : قد مات فلانٌ و فلان . فقال : عبد الله بن المبارك و أبو حمزة السكري(4)و جماعة ))(5).
__________
(1) ... أخرجه البيهقي في " المدخل " ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " 13 / 643 .
(2) 4 ... سنن الترمذي 4 / 467 .
(3) 1 ... علي بن الحسن ، هو : ابن شقيق ، أبو عبد الرحمن المروزي العبدي ، ثقة حافظ ، شيخ خراسان ، محدث مرو لزم ابن المبارك دهرا و حمل عنه جميع التصانيف ، كتب الكثير حتى كتب التوراة و الإنجيل ، و جادل اليهود و النصارى ، توفي سنة 215 هـ / 830 م .
انظر ترجمته في : طبقات ابن سعد 7 / 376 ، الجرح و التعديل 6 / 180 ، تاريخ بغداد 11 / 370 ، تذكرة الحفاظ 1 / 370 ، سير أعلام النبلاء 10 / 349 .
(4) ... أبو حمزة السكري ، هو : محمد بن ميمون المروزي ، الإمام الحافظ الحجة ، عالم مرو ، سمي السكري لحلاوة كلامه ، دخل بغداد في حداثته و الكوفة و مكة ، وكان من الثقات العباد ، مستجاب الدعوة ، كريما يقري الضيف و يبالغ في إكرامه ، توفي سنة 167 هـ / 784 م .
انظر ترجمته في : طبقات ابن سعد 7 / 373 ، الجرح و التعديل 8 / 81 ، تاريخ بغداد 3 / 226 ، تذكرة الحفاظ 1 / 230 ، سير أعلام النبلاء 7 / 385 .
(5) ... إسناده صحيح :
أخرجه الترمذي في " سننه "( 2167 ) في الفتن ، باب : ما جاء في لزوم الجماعة ، و الخطيب البغدادي في " تاريخه " 3 / 269 ، من طريقين عن علي بن الحسن بن شقيق به .(1/16)
... و قول الترمذي هذا موافقٌ لما تقدّم معنا قبل قليلٍ قول الإمام البخاريِّ رحمه الله في معنى الجماعة : هم أهل العلم .
... و قال الشاطبي : اختلف الناس في معنى الجماعة المرادة في الأحاديث على خمسة أقوالٍ :
? أحدها : إنها السواد الأعظم من أهل الإسلام .
? و الثاني : جماعة أئمة العلماء المجتهدين(1).
? و الثالث : الصحابة على الخصوص .
? و الرابع : جماعة أهل الإسلام إذا أجمعوا على أمر .
? و الخامس : جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير(2).
... و ذهب بعض المتأخرين كابن تيمية , و من وافقه إلى استعمال اصطلاح
( السلف الصالح ) كمرادف لاصطلاح ( أهل السنة ) ، و كثر في كلامهم ذكر عقيدة السلف ، و منهجهم ، و مذاهبهم ، و ما إلى ذلك مما يُراد به ما كان عليه أهل السنة و الجماعة رضوان الله عليهم أجمعين .
... وإذا أطلق لفظ السلف الصالح أريد به غالباً من عاش إلى نهاية القرن الثالث الهجري ، و قد كان ابن تيمية رحمه الله يحدُّهم فيجعل آخرهم الإمام ابن جرير الطبري ، وابن المنذر(3).
__________
(1) ... و هو اختيار الإمام البخاري و الترمذي كما تقدم قبل قليل .
(2) ... باختصار عن الاعتصام للشاطبي : 2/260-265
(3) 3 ... ابن المنذر ، هو : محمد بن إبراهيم بن المنذر ، أبو بكر النيسابوري ، الإمام الحافظ العلامة الفقيه المحدث المفسر شيخ الإسلام ، نزيل مكة ، صاحب التصانيف المفيدة ، قال النووي : ( له من التحقيق في كتبه ما لا يقاربه فيه أحد ، وهو في نهاية من التمكن من معرفة الحديث ، و له اختيار فلا يتقيد في الاختيار بمذهب بعينه ، بل يدور مع ظهور الدليل ) . توفي سنة 318 هـ / 930 م .
انظر ترجمته في : تهذيب الأسماء و اللغات للنووي 2 / 196-197 ، وفيات الأعيان 4 / 207 ، تذكرة الحفاظ 3 / 782 ، الوافي بالوفيات 1 / 336 .(1/17)
(1)
... و قال البربهاريُّ رحمه الله في تعريف الجماعة المذكورة في الأحاديث : (( هم جماعة الحق و أهله ))(2).
... و مال إلى هذا الرأي الحافظ ابن كثير في ( النهاية )(3)، و هو أولى الأقوال بالقبول فيما يظهر ، لكونه يشملها جميعاً ، و الله أعلم .
... و بعدُ ، فيسعنا الآن - و قد بيَّنا المراد من اصطلاحي السنَّة ، و الجماعة كلٍّ على حدة - القول :
... إنَّ اصطلاح أهل السنة و الجماعة يُطلق على أهل الحق ، في مُقابل أهل الضلال و البدع و الشقاق ، انطلاقاً من القول بأنَّ السنة تعني : (( ما كان عليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - و أصحابه اعتقاداً ، و اقتصاداً ، و قولاً ، و عملاً ))(4).
... و أوَّل ظهور لهذه التسمية كان في عهد الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - ، أواخر عهد الخلافة الراشدة .
... قال محمد بن سيرين رحمه الله : (( لم يكونوا - أي الصحابة - يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة ، قالوا : سمُّوا لنا رجالكم ، فيُنظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، و يُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ))(5).
__________
(1) ... انظر : منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة و القدرية ، لابن تيمية : 6 / 52 ، 53 ، 7 / 13، 179 . و انظر نحو هذا في كتاب " فضل علم السلف " لابن رجب بتحقيق علي حسن ، ص : 41 و ما بعدها .
(2) ... السنة ، للبربهاري : 2 / 36 .
(3) ... انظر : النهاية لابن كثير : 2 / 36 .
(4) ... انظر : مجموع الفتاوى ، لابن تيمية 19/306-307 .
(5) ... الأثر : أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح 1 / 15 .
و مما يستدل به على ظهور اصطلاح أهل السنة في مقابل أهل البدع في زمن الصحابة ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى : { يوم تبيضُّ وجوه و تسود وجوه } ] آل عمران : 106 [ :
{ أما الذين ابيضت وجوهم } فأهل السنة و الجماعة و أهل العلم { و أما الذين اسودت وجوهم } فأهل البدع و الضلال .اهـ .
و هذا الأثر : في إسناده مجاشع بن عمرو ، قال عنه البخاري : ( منكرٌ مجهول ) ، و قال عن شيخه مُيسَّر بن عبد ربه : ( رُميَ بالكذب .) .
انظر : ميزان الاعتدال ، للذهبي : 4/423 ، و الفوائد المجموعة , للشوكاني ، ص : 317 ، و مجموع فتاوى لشيخ الإسلام ابن تيميّة : 12/341 و 20/292 و 22/251 و 24/171 .(1/18)
... و قد اشتهر إطلاق هذه التسمية على ما يُقابل الشيعة(1)خاصةً ، حيث يكثر
أن يُقال : انقسمت الأمة إلى سُنة و شيعة ، إضافة إلى المعروف عند أهل العلم من إطلاقه على أهل السنة المحضة .
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
... (( فلفظ السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة ، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلاَّ الرافضة . . . و قد يراد به أهل الحديث و السنة المحضة ، فلا يدخل فيه إلاَّ من أثبت الصفات لله تعالى ، و يقول إنَّ القرآن غير مخلوق )) . وساق جملة من عقائد أهل السنة و الجماعة التي باينوا فيها أهل البدع(2)..
... و الذي يعنينا في هذا المقام هو الإطلاق الثاني ، و عليه يمكن تعريف أهل السنة و الجماعة بأنهم : (( الثابتون على اعتقاد ما نقله إليهم السلف الصالح رحمهم الله ، عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو عن أصحابه - رضي الله عنهم - ، فيما لم يثبت فيه نصٌّ في الكتاب ، و لا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ))(3).
__________
(1) ... الشيعة : فرقة نشأت أيام الفتنة في آخر عهد الخلفاء الراشدين ، و قد سمُّوا شيعةً لمشايعتهم الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، ومن عقائدهم : القول بإمامة عليٍ نصَّاً ، و وصيَّةً ، و أن الإمامة - و هي عندهم من أصول الدين - لا تخرج من ولده إلا بظلمٍ لهم ، أو تقيَّةٍ منهم ، و أن الأئمة معصومون من الكبائر و الصغائر .
انظر : الملل و النحل 1/146 و ما بعدها ، و الفرق بين الفرق ، ص : 53 و ما بعدها .
(2) ... منهاج السنة النبويَّة : 2 / 221 .
(3) ... الرد على من أنكر الحرف ، لأبي نصر السجزي ، ص : 99 .(1/19)
... و لأهل السنة و الجماعة ألقابٌ أخرى يُعرفون بها فهُم الفرقة الناجية ، و الطائفة المنصورة الثابتة على الحق في زمن الغربة ، لا يضرُّها من خذلها ، حتى تلقى الله و هي كذلك ، و قد ثبت وصفهم بذلك عن نبينا الأمين - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين و غيرهما ، حيث بوَّب الشيخان ، كلٌ في صحيحه على الطائفة المنصورة .
... فقال البخاريُّ في كتاب الاعتصام بالكتاب و السنة : باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ، و هم أهل العلم(1).
... و في كتاب الإمارة من صحيح مسلم : باب قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرُّهم من خالفهم(2).
... و في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - (3)، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
__________
(1) 3 ... صحيح البخاري 6 / 2667 .
(2) 1 ... صحيح مسلم 3 / 1209 .
(3) 2 ... معاوية بن أبي سفيان ، - رضي الله عنه - هو : أبو عبد الرحمن ، القرشي الأموي المكي ، أمير المؤمنين ، ملك الإسلام ، قيل إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء ، وبقي يخاف من اللحاق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من أبيه ، و لم يظهر إسلامه إلا يوم الفتح ، حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، و كتب له مرات يسيرة ، وحدث أيضا عن أخته أم المؤمنين أم حبيبة ، و عن أبي بكر و عمر رضي الله عنهما , مات معاوية في رجب سنة 60 هـ / 680 , عن 77 سنة .
انظر ترجمته في : طبقات ابن سعد 3 / 32 و 7 / 406 ، تاريخ بغداد 1 / 207 ، أسد الغابة 4 / 385 ، سير أعلام النبلاء 3 / 119- 162 .(1/20)
... (( لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ، لا يضرُّهم من خذلهم ، و لا من خالفهم ، حتى يأتي أمر الله و هم كذلك ))(1).
... و عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
... (( تفترق أمتي على ثلاثٍ و سبعين ملَّة ، كلُّهم في النار إلاَّ ملَّة واحدةٌ )) ، قالوا : و من هي يا رسول الله ؟ قال : (( ما أنا عليه و أصحابي ))(2).
__________
(1) ... الحديث : أخرجه البخاري ( 3116 ) في فرض الخمس ، باب : قول الله تعالى { فإن لله خمسه } ، و ( 6341 ) في المناقب ، باب رقم ( 28 ) ، و ( 7312 ) في الاعتصام ، باب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ) ، و ( 7460 ) في التوحيد ، باب : قوله تعالى { إنما قولنا لشيء إذا أردناه } ، و مسلم في الإمارة ( 1037 ) ، باب : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ، و ابن ماجة في المقدمة ( 9 ) ، و أحمد في المسند 4 / 97 و 99 .
و جاء نحوه من حديث ثوبان - رضي الله عنه - :
أخرجه مسلم ( 1920 ) في الإمارة باب : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم .. ، و الترمذي ( 2229 ) في الفتن ، باب : ما جاء في الأئمة المضلين ، و أبو داود ( 4252 ) في الفتن و الملاحم ، باب : ذكر الفتن و دلائلها ، و ابن ماجة ( 10 ) في المقدمة ، و أحمد في " المسند " 5 / 278 و 279 .
و من حديث قرة بن إياس المزني - رضي الله عنه - :
أخرجه الترمذي ( 2192 ) في الفتن ، باب : ما جاء في الشام ، و ابن ماجة ( 6 ) في المقدمة ، و أحمد في " المسند " 3 / 436 و 5 / 34 و 35 ، و ابن حبان في " صحيحه " ( 61 ) .
(2) ... حسن بشواهده ، احتج به جماعة من الأئمة :
أخرجه الترمذي ( 2641 ) في الإيمان ، باب : ما جاء في افتراق هذه الأمة ، و محمد بن نصر في "السنة"
(
59 ) ، و الآجري في " الشريعة " ( 23، 24 ) ، و " الأربعين " ص ـ 54 ، و الطبراني في "الكبير" 13 / 30 ( 62 ) ، و اللاكائي في " السنة " 1 / 99 ( 147 ) من طرق عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ، عن عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - مرفوعا ، بزيادة في أوله .
و عبد الرحمن الأفريقي : ضعيف يعتبر به .
? ... و له شاهد بنحوه من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - :
أخرجه العقيلي 2 / 262 ، و الطبراني في " الأوسط " ( 4886 و 7840 ) و فيه : عبدالله بن سفيان المدني ، قال عنه العقيلي : لا يتابع على حديثه .
و للحديث شواهد بمعناه أحصاها سليم الهلالي في رسالته " درء الارتياب عن حديث ما أنا عليه اليوم
و الأصحاب " ، فلتراجع .
و قد احتج بهذا الحديث اللاكائي 1 / 100 وقال : " حديث ثابت " . و شيخ الإسلام ابن تيمية ، و ابن القيم ، و الشاطبي ، و غيرهم ، راجع الرسالة المذكورة .
... قلت : أما ذكر الافتراق دون قوله : ( ما أنا عليه اليوم و أصحابي ) فصحيح ثابت مشهور عن عدد من الصحابة كأبي هريرة ، و سعد بن مالك ، و معاوية ، و عمرو بن عوف ، و غيرهم - رضي الله عنهم - .(1/21)
... قال ابن كثير رحمه الله : (( هم أهل السنة و الجماعة المتمسكون بكتاب الله و سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، و بما كان عليه الصدر الأول من الصحابة و التابعين ، وأئمة المسلمين ))(1).
... و لمَّا كان أهل الحديث خاصةً أثبت الناس على السنة ، و أكثرهم تمسكاً و اعتصاماً بما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - و صحابته الكرام ، ذهب غير واحدٍ من أهل العلم و التحقيق إلى الجزم بأن أهل السنة و الجماعة ، و الطائفة المنصورة ، هم أهل الحديث و الأثر .
... قال ابن المبارك رحمه الله : (( هم عندي أصحاب الحديث ))(2).
... و قال الإمام أحمد رحمه الله : (( إن لم يكونوا أصحاب الحديث ، فلا أدري من هم ))(3).
... و قال الإمام الترمذي رحمه الله : سمعت محمد بن إسماعيل – يريد البخاري -
يقول : سمعت علي بن المديني(4)
__________
(1) ... تفسير ابن كثير 4/433 .
(2) ... أثر ابن المبارك :
أخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث " ص : 26 من طريق أبي بكر بن أبي داود ، قال حدثنا أبي ، عن سعيد بن يعقوب الطالقاني أو غيره ، قال : ذكر ابن المبارك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من ناوأهم حتى تقوم الساعة ) فقال ابن المبارك :– فذكره . وهو إسناد صحيح لولا شك أبي داود .
(3) ... صحيح :
أخرجه الخطيب في " شرف أصحاب الحديث " ص25 و ص 27 ، بإسنادين رجالهما ثقات .
(4) 1 ... علي بن المديني ، هو : أبو الحسن علي بن عبد الله جعفر بن نجيح السعدي مولاهم ، البصري ، المعروف بابن المديني ، الشيخ الإمام الحجة ، أمير المؤمنين في الحديث ، إليه المنتهى في معرفة علل الحديث ، مع كمال المعرفة بنقد الرجال ، و سعة الحفظ ، كان أحمد بن حنبل لا يسميه ، و إنما يكنيه تبجيلا له . مات بسامراء سنة 204 هـ / 820 م .
انظر ترجمته في : تاريخ بغداد 11 / 458 –473 ، طبقات الحنابلة 1 / 225 ، تهذيب الأسماء و اللغات
1 / 350 ، تذكرة الحفاظ 2 / 428 ، سير أعلام النبلاء 11 / 41 -60 .(1/22)
يقول ، وذكر هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق )) : هم أهل الحديث .اهـ .(1)
... و ذكر الشيخ عبد القادر الجيلاني(2)رحمه الله ، أن ليس لأهل السنة إلا اسم واحدٌ يُعرفون به ، و هو أصحاب الحديث(3).
... و قد رُوي مثل هذا عن غير واحدٍ من السلف رحمهم الله ، ورضي عنهم .
... و إنَّما حاز أهل الحديث هذا الشرف العظيم ، لكونهم جمعوا بين الرواية والدراية ، إلى جانب العمل بما جاء في الأثر ، عن خير البشر - صلى الله عليه وسلم - ، و اعتقاد ما أرشد إليه ، و قد تقدم معنا قول أبي عمرو بن الصلاح رحمه الله : (( قد يكون الإنسان من أهل الحديث و هو مبتدع ))(4).
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
__________
(1) ... صحيح :
أخرجه الترمذي في " سننه " ( 2229 ) في الفتن ، باب : ما جاء في الأئمة المضلين ، و من طريقه الخطيب في " شرف أصحاب الحديث " ص 27 .
(2) عبد القادر الجيلاني ، هو : الشيخ الإمام العارف القدوة ، شيخ الإسلام ، علم الأولياء ، أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي ، الجيلي الحنبلي ، شيخ بغداد ، ولد بجيلان سنة 471 هـ /1079 م ، وقدم بغداد شابا ، كان فقيها صالحا دينا ، كثير الذكر ، دائم الفكر ، سريع الدمعة ، له سمت و صمت ، و كان يعظ إلى أن توفي سنة 561 هـ / 1166 م , عن تسعين سنة .
انظر ترجمته في : الأنساب للسمعاني 3 / 415 ، المنتظم 10 / 219 ، مرآة الزمان 8 / 164 ، سير أعلام النبلاء : 20 / 439 - 451 ، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 290 .
(3) ... انظر : الغنية لطالبي طريق الحق لعبد القادر الجيلاني : 1 / 71 .
(4) ... انظر : فتاوى و مسائل ابن الصلاح ، ص : 213 .(1/23)
... (( و نحن لا نعني بأهل الحديث ، المقتصرين على سماعه ، أو كتابته ، أو روايته ، بل نعني بهم كلَّ من كان أحقَّ بحفظه ، و معرفته ، و فهمه ، ظاهراً ، وباطناً واتباعه باطناً ، و ظاهراً ، و كذلك أهل القرآن ، و أدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن و الحديث ، و البحث عنهما ، و عن معانيهما ، و العمل بما علموه من موجَبهما ))(1).
... و قد سمي أهل السنة ِ أهلَ الحديث ، لأنهم حفظته ، و نقلته ، و حَمَلته . قال اللالكائي(2):
... (( لم نجد في كتاب الله و سنة رسوله ، و آثار صحابته ، إلا الحثَّ على الاتباع ، و ذم التكلف و الاختراع ، فمن اقتصر على هذه الآثار كان من المتبعين و كان أولاهم بهذا الوسم ، و أخصهم بهذا الرسم أصحاب الحديث ، لاختصاصهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - و اتباعهم لقوله ، و طول ملازمتهم له ، و تحملهم علمه ))(3).
__________
(1) ... مجموع الفتاوى ، لابن تيمية 4 / 95 .
(2) 2 ... اللالكائي ، هو : أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور ، الطبري الرازي الشافعي الإمام الحافظ المجود , عالم بغداد و شيخ أهل السنة فيها في وقته ، من مؤلفاته الجليلة : شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة ، و هو مطبوع .
انظُر ترجمته في : تاريخ بغداد 14 / 70 ، المنتظم 8 / 34 , الكامل في التاريخ 9 / 364 , تذكرة الحفاظ
3 / 1083 , سير أعلام النبلاء 17 / 419 , البداية و النهاية 12 / 24 .
(3) ... شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة ، للالكائي : 1 / 22 .(1/24)
... و الفرق التي تزعم الانتساب إلى أهل السنة و الجماعة ، و تدعي الاعتصام بخير الهديِ ، هديِ محمد - صلى الله عليه وسلم - في أصول الدين و فروعه ، كثيرة جداً ، (( غير أن الله أبى أن يكون الحق و العقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث و الآثار ، لأنهم أخذوا دينهم و عقائدهم ، خلفاً عن سلف ، و قرناً عن قرن ، إلى أن انتهوا إلى التابعين ، و أخذه التابعون عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، و لا طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله الناس من الدين القويم ، و الصراط المستقيم ، إلاَّ هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث ، أمَّا سائر الفرق ، فطلبوا الحديث لا بطريقه فحادوا عن الحق ، و زاغوا عنه ))(1).
المطلب الثالث : المعالم العامة لعقيدة أهل السنَّة أصحاب الحديث و منهجهم في تقريرها (
... حينما أصبح كل صاحب هوى يزعم أن هواه موافق لما جاء به الكتاب والسنة ، و يجتهد في ليِّ أعناق النصوص لتوافق بدعته ، و ترد على مخالفيه ، وضع أهل السنة و الجماعة ضوابط لم يكن بدٌ من مراعاتها عند تقرير العقائد المستمدة من الوحيين الكتاب و السنة ، و أقاموا على أساسها المعالم العامة لعقيدتهم السوية حتى غدت منهجاًُ ينتهجه كلُّ ملتمس للصواب ، و ساعٍ إلى إدراك الحقيقة .
... و فيما يلي أحدد معالم هذا المنهج بعد بيان حدِّه عند أهل اللسان :
... ( المنهج و المنهاج ) في أصل الوضع اللغوي يعني : الطريق الواضح(2)، ومنه قوله تعالى : { لكلٍ جعلنا منكم شرعةً و منهاجاً } ]المائدة : 48 [ ، أي : سبيلاً و سنَّة .
__________
(1) ... الحجة في بيان المحجة و شرح عقيدة أهل السنة ، لإسماعيل الأصفهاني : 2 / 22 و ما بعدها .
(2) ... انظر : معجم مقاييس اللغة ، لابن فارس : 5 / 361 ، و القاموس المحيط ، للفيروز آبادي ، ص : 266 .(1/25)
... قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره : (( أمَّا المنهاج فهو الطريق الواضح السهل ))(1).
... و عليه فإن المقصود بالمنهج العَقَديّ لأهل السنة و الجماعة ، هو طريقهم في تقرير مسائل الاعتقاد ، و إقامة الأدلة عليها مع ما يتفرَّع عن ذلك من مسائل ذات صلة ، كحكم العقل و نحوه ، و هو ما سأتناوله بتوفيق الله تعالى من خلال المقاصد التالية :
المقصد الأول ( مصادر أهل السنة أصحاب الحديث في تلقي وتقرير مسائل العقيدة (
ثمة مصادر عدة تستمد منها العقائد ، كالفطرة ، و العقل ، و الوحي ، والكشف ، و غيرها مما تعتمده بعض الفرق ، و ترده أخرى .
و من هذه المصادر ما هو حجة ، و منها ما لا حجة فيه أصلاً ، لذلك لم يأخذ أهل السنة و الجماعة إلاَّ بما تأكَّدت حجيته ، و استبانت دلالته ، كالكتاب والسنة الصحيحة ، و الإجماع المنضبط الوارد بشروطه ، مع الاستئناس أحياناً بدلالة العقل ، لا في تقرير عقيدة لم يثبتها النقل ، و لكن في التأكيد على ما ثبت بالنقل الصحيح .
و في هذا المجال نجد أهل السنة و الجماعة يلتزمون أموراً توضح منهجهم ، و تبين سبيلهم في تلقي العقائد و تقريرها ، و أبرز هذه الأمور :
أولاً : الرد إلى المصادر الثلاثة المتفق عليها ، و هي الكتاب و السنة والإجماع المنضبط ، و تقديمها على ما سواها .
و ما ذلك إلاَّ لأن الوحيين - الكتاب و السنة - قد جمعا الخير كله ، واستوفيا كل ما يحتاجه من حقق الإيمان بهما من سبل الهدى والصلاح ، كما قال تعالى : { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيءٍ و هدى ورحمة وبشرى للمسلمين } [ النحل : 89 ] .
و في الحديث : (( تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء ))(2).
__________
(1) ... تفسير ابن كثير : 2 / 66 ، و قد ذكر الشوكاني نحواً من هذا المعنى ، و عزاه إلى ابن المبرِّد .
انظر : فتح القدير : 2 / 48 .
(2) ... صحيح :
أخرجه أبو داود ( 4607 ) في السنة ، باب مجانبة أهل الأهواء و بغضهم ، و الترمذي ( 2676 ) في العلم ، باب : ما جاء في الأخذ بالسنة و اجتناب البدع ، و ابن ماجة ( 43 – 44 ) في مقدمة سننه ، باب اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، و أحمد 4 / 126 – 127 ، و الدارمي في " سننه " 1 / 44 – 45 ، و ابن حبان في " صحيحه " 1 / 178 ( 5 ) ، و الحاكم في " المستدرك " 1 / 95 – 96 ، و ابن أبي عاصم في " السنة " ( 27 ، 31 – 34 ، 48 ، 54 ، 56 ، 57 ) عن عبد الرحمن بن عمرو الأنصاري السلمي ، أنه سمع عرباض بن سارية - رضي الله عنه - يقول – فذكره مرفوعا .
و بعضهم يقرن بينه و بين حجر الكلاعي ، عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - .
و قال الترمذي : ( حسن صحيح ) .
و قال الحاكم : ( صحيح ، ليس له علة ) . و هو كما قال .(1/26)
و قد صدّق سلمان الفارسي - رضي الله عنه - يهودياً قال له : (( قد علمكم نبيكم كل شيءٍ حتى الخراءة )) ، أي : آداب قضاء الحاجة ، فقال سلمان : (( أجل ، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول ))(1).
فهل يعقل أن يبين لنا - صلى الله عليه وسلم - هذا ، ويدع عقولنا تطيش فيما لا يدرك إلا بالوحي فيكل علمه إلى عقولنا القاصرة ولا يبينه ؟
كلاَّ و الله ، بل على العكس من ذلك ، فقد قال لنا - صلى الله عليه وسلم - : (( إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد ، و شر الأمور محدثاتها ، و كل بدعة
ضلالة ))(2).
فمن ترك خيري الحديث والهدى إلى غيرهما ، فقد ضل وزلّ .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
(( إن ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ربه ، فإنه يجب الإيمان به ، سواء عرفنا معناه أو لم نعرف ؛ لأنه الصادق المصدوق . فما جاء في الكتاب و السنة وجب على كل مؤمن الإيمان به ، و إن لم يفهم معناه ))(3).
__________
(1) ... الحديث : رواه مسلم ( 262 ) ( 57 ) في كتاب الطهارة ، باب : الاستطابة ، و أبو داود ( 7 ) في الطهارة باب : كراهة استقبال القبلة عند قضاء الحاجة ، و النسائي 1 / 38 – 39 في الطهارة ، باب : النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاث أحجار ، و الترمذي ( 16 ) في الطهارة ، باب الاستنجاء بالحجارة ، و قال : ( حسن صحيح ) .
(2) 3 ... قطعة من حديث خطبة الحاجة : أخرجه مسلم ( 867 ) في الجمعة ، باب : تخفيف الصلاة و الخطبة ، و النسائي 3 / 188 في العيدين ، باب : كيف الخطبة للعيد ، و الدارمي ( 212 ) في المقدمة ، باب في كراهية أخذ الرأي ، و غيرهم من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - .
(3) ... الرسالة التدمرية ، ضمن مجموع الفتاوى : 3 / 41.(1/27)
فالواجب على كل مسلم الالتزام بالكتاب و السنة و الاحتكام إليهما في كل شأن من شؤون الدين ، و الوقوف عند حكمهما ، وعدم مجاوزتهما إلى ما سواهما و لذلك ذاعت وشاعت وصايا السلف في هذا المجال ، وعُرف عنهم الإكثار من الوصية بلزوم السنة ، بعد أن عرفت الأمة من أعرض عنها واستبدلها بالأقيسة العقلية و الأهواء .
و قد خصَّ السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين لزوم السنة ، والاعتصام بها بالوصيَّة ، لأنه عُرف في الأمة من أعرض عنها و أنكر حجيتها ، بخلاف كتاب الله الذي لم يخالف أحدٌ يُعتد بخلافه في الاحتكام إليه ، و الاحتجاج بما جاء به .
و عليه فإذا صح شيء عن رسول الله ، فلا عذر لمخالفه في مخالفته ، ولذلك اشتد نكير السلف على من قدَّم بين يدي المأثور رأياً ، أو التمس حكماً غير ما حكم به .
فهذا الشافعي رحمه الله يُسأل عن مسألة فيقول : قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا و كذا ، فيقول له رجلٌ : ما تقول أنت ؟ فيقول الشافعي رحمه الله : (( سبحان الله ! تَراني في كنيسة ؟ تراني في بيعة ؟ ترى على وسطي زُنّاراً ؟ أقول : قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا و كذا ، وأنت تقول لي : ما تقول أنت ؟ ))(1).
__________
(1) ... صحيح عن الشافعي :
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 9 / 106 بإسناد صحيح . و أورده ابن القيم في " مختصر الصواعق المرسلة " 2 / 25 .(1/28)
وقد ذكر ابن حزم الظاهري رحمه الله أن إسحاق بن راهويه قال : (( من بلغه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر يقر بصحته ، ثم ردّه بغير تقيَّة(1)، فهو كافر ))(2).
و قال أبو القاسم الأصفهاني(3): (( ليس لنا مع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا الاتباع والتسليم ، و لا عُذر لأحد يتعمد ترك السنة ويذهب إلى غيرها ، لأنه لا صحة لقول أحد مع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صحّ ))(4).
و إلى جانب الكتاب و السنة يأخذ أهل السنة و الجماعة بالإجماع ، باعتباره ثالث مصادر الشريعة الإسلامية المتفق على حجتها ، و هو في اصطلاح الأصوليين : اتفاق المجتهدين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته في عصر من العصور على حكم شرعي .
ولابد في الإجماع من وجود مستند شرعي من نص أو قياس حتى يكون حجةً ترتقي بالحكم إلى مرتبة القطع واليقين(5).
__________
(1) ... إذا ورد في كلام أئمتنا ما يوهم القول بالتقية حمل على مقتضى قوله تعالى : { إلا أن تتقوا منهم تقاة } ] آل عمران : 28 [ أي : الخوف على النفس الملجئ إلى النطق بالكفر ونحوه ؛ كما في قوله تعالى : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ] النحل : 106 [ ، وليس في هذا ما يوافق قول الروافض الذين جعلوا التقية أصلاً من أصول مذهبهم .
(2) ... صحيح عن ابن راهويه رواه عنه تلميذه الإمام الحافظ الثقة الثبت محمد بن نصر المروزي ، كما في " الإحكام " لابن حزم 1 / 97 .
(3) ... أبو القاسم الأصبهاني ، هو : إسماعيل بن محمد بن الفضل ، قوام السنة ، الإمام ، الحافظ ، المفسر ، الأديب . انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء 20/80-88 ، و شذرات الذهب 4/105-106.
(4) ... الحجة في بيان المحجة لأبي القاسم الأصبهاني : 2 / 398 .
(5) انظر : د . وهبة الزحيلي : الوجيز في أصول الفقه .(1/29)
وقد دل على حجية الإجماع الكتاب و السنة ، قال تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } ] النساء : 115 [ .
و في الحديث المشهور يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تجتمع أمتي على ضلالة ))(1).
__________
(1) ... حديث صحيح :
رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدد من الصحابة منهم : عبد الله بن عمر ، و أبو مالك الأشعري ، و أبي ذر الغفاري ، و أبو بصرة الغفاري ، وأنس بن مالك ، وعائشة - رضي الله عنهم - ، و الحسن البصري مرسل ؛ بألفاظ متقاربة ، و أسانيد لا تخلو من مقال ، يقوي بعضها بعضاً ، و عن أبي مسعود الأنصاري البدري موقوف صحيح ، نذكر منها :
1– حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - : و لفظه : (( إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة )) ، و في لفظ (( لا يجمع الله أمتي – أو هذه الأمة – على ضلالة أبداً ، و يد الله على الجماعة ، و من شذ شذ في النار )) .
أخرجه الترمذي ( 2255 ) في الفتن ، باب : ما جاء في لزوم الجماعة ، و ابن أبي عاصم في " السنة "
(80) ، و الطبراني في " الأوسط " ( 7249 ) ، و الحاكم في " المستدرك " 1 / 115 – 116 و 507 ، و أبو نعيم في " الحلية " 3 / 37 ، و اللالكائي " في شرح أصول الاعتقاد " ( 154 ) ، و الخطيب في " الفقيه و المتفقه " 1 / 161 ، و البيهقي في " الأسماء و الصفات " ( 701 ) ، و أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " ( 368 ) ، من طريق المعتمر بن سليمان ، عن سليمان المدني عن عمرو بن دينار ، عن ابن عمر - رضي الله عنه - به مرفوعاً .
و قد اختلف في إسناده على المعتمر بن سليمان على أوجه أوصلها الحاكم إلى سبعة أوجه ، و أرجعها الألباني في " ظلال الجنة " 1 / 40 إلى أربعة .
و وجه آخر لم يذكره الحاكم : أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 13623 ) عن المعتمر بن سليمان ، عن مرزوق مولى طلحة ، عن عمرو بن دينار به .
قال الترمذي : ( هذا حديث غريب من هذا الوجه ، و سليمان المدني هو عندي سليمان بن سفيان ) .
و قال الترمذي في " العلل الكبير " 2 / 817 : ( سألت محمداً – يعني البخاري – عن هذا الحديث ، فقال : سليمان المدني هذا منكر الحديث ، و هو عندي سليمان بن سفيان ) .
و قال البيهقي : ( أبو سفيان المديني ، يقال : إنه سليمان بن سفيان ، و اختلف في كنيته ، و ليس بمعروف ، و روي من وجه آخر ) .
و قال ابن كثير في " تحفة الطالب " 1 / 146 : ( في إسناده سليمان بن سفيان ، و قد ضعفه الأكثرون ) .
و قال ابن حجر في " تلخيص الحبير " 3 / 162 : ( فيه سليمان بن سفيان المدني و هو ضعيف ، و أخرج الحاكم له شواهد ) .
... قال الهيثمي في " المجمع " : ( رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولى طلحة و هو ثقة ) .
2– حديث أبي مالك كعب بن عاصم الأشعري - رضي الله عنه - : و لفظه : (( إن الله أجاركم من خلال ثلاث : ...و ألا تجتمعوا على ضلالة )) .
و له عنه طريقان :
الطريق الأول : أخرجها أبو داود ( 4253 ) ،في الفتن , باب : ذكر الفتن و دلائلها ، و ابن أبي عاصم في " السنة " ( 92 ) ، عن محمد بن عوف الطائي ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش ، عن أبيه ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عنه به .
و رجاله ثقات سوى محمد بن إسماعيل ، قال ابن حجر في " التقريب " ( 5735 ) : ( عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع ) .
قلت : لكن ذكر محمد بن عوف الطائي أنه قرأه في أصل إسماعيل كما في رواية أبي داود .
و قال ابن كثير في " تحفة الطالب " 1 / 146 : ( في إسناد هذا الحديث نظر ) .
و قال ابن حجر في " تلخيص الحبير " 3 / 162 : ( في إسناده انقطاع ) .
قلت : يشير إلى الانقطاع بين شريح ، و أبي مالك ، قال أبو حاتم الرازي : ( شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري مرسل ) . انظر : المراسيل لابنه ص 78 .
الطريق الثاني : أخرجها ابن أبي عاصم في " السنة " ( 91 ) من طريق يزيد بن هارون ، أخبرنا سعيد بن زربي عن الحسن ، عنه .
و فيه سعيد بن زربي : منكر الحديث ، كما في " التقريب " ( 2304 ) .
3– حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - : و لفظه : (( اثنان خير من واحد ، و ثلاثة خير من اثنين ، و أربعة خير من ثلاثة ، فعليكم بالجماعة ، فإن الله عز و جل لم يجمع أمتي إلا على هدى )) .
أخرجه أحمد 5 / 145 من طريق البختري بن عبيد بن سلمان ، عن أبيه ، عن أبي ذر به .
قال الهيثمي في " المجمع " 1 / 177 و 5 / 218 : ( رواه أحمد ، و فيه البختري بن عبيد ، وهو ضعيف ) .
قال المناوي في " فيض القدير " 1 / 150 : ( رمز السيوطي لصحته ، و ليس كما زعم ، فقد أعله الحافظ الهيثمي بأن أبا البختري ضعيف ) .
4– حديث أبي بصرة الغفاري - رضي الله عنه - : و لفظه : (( سألت ربي أربعاً ، فأعطاني ثلاثاً و منعني واحدة ؛ سألته ألا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها ... )) .
أخرجه أحمد 6 / 396 ، و الطبراني في " الكبير " 2 / 280 ( 2171 ) ، و ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " ( 1390 ) ، من طريق الليث بن سعد ، عن أبي هانئ الخولاني ، عن رجل قد سماه ، عنه .
قال الهيثمي في " المجمع " 1 / 177 و 7 / 222 : ( فيه راوٍ لم يُسم ) .
تنبيه : و قع في مسند أحمد ( أبو وهب ) بدل ( أبو هانئ ) فلعله تصحيف !
5– حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - :و لفظه (( إن أمتي لن تجتمع على ضلالة )) .
له عنه طريقان :
... الطريق الأول : أخرجه ابن ماجه (3950 ) ،في الفتن , باب : السواد الأعظم , و عبد بن حميد في " مسنده " ( 1220 ) ، و إسحاق بن راهويه كما في " إتحاف المهرة " 1 / 399 ، و ابن أبي عاصم في " السنة " ( 84 ) ، و الالكائي في " شرح أصول الاعتقاد " ( 153 ) ، و الخطيب في " الفقيه و المتفقه " 1 / 161 ، من طريق معان بن رفاعة السلامي ، عن أبي خلف الأعمى ، عن أنس - رضي الله عنه - به .
قال ابن كثير في " تحفة الطالب " 1 / 149 : ( هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف ؛ لأن معان بن رفاعة ضعفه يحيى بن معين ، و قال السعدي و أبو حاتم الرازي : ليس بحجة .. و أبو خلف الأعمى : قال يحيى بن معين كذاب ، كذا حكاه ابن الجوزي ، و قال أبو حاتم منكر الحديث ليس بالقوي .. ) .
قال ابن حجر – كما في " فيض القدير " 2 / 245 – : ( غريب ضعيف ، لكن له شاهد عند الحاكم من حديث ابن عباس ). قلت : و هو الآتي .
قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " 4 / 169 : ( هذا إسناد ضعيف ؛ لضعف أبي خلف الأعمى ، و اسمه حازم بن عطاء ) .
الطريق الثاني : أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " ( 83 ) ، و الضياء في " الأحاديث المختارة " 7 / 129
( 2559 ) ، من طريق مصعب بن إبراهيم القيسي ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس - رضي الله عنه - به .
فيه مصعب بن إبراهيم القيسي ، قال فيه العقيلي : ( في حديثه نظر ) . و قال ابن عدي : ( منكر الحديث ) .
انظر ميزان الاعتدال 4 / 118 .
و قال الضياء المقدسي : ( إسناده صحيح ) ! .
6 – حديث ابن عباس - رضي الله عنه - : و لفظه (( لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبداً ، و يد الله مع الجماعة )) .
من طريق إبراهيم بن ميمون العدني ، أخبرني عبد الله بن طاوس ، أنه سمع أباه يحدث ، أنه سمع ابن عباس - رضي الله عنه - – فذكره .
أخرجه الترمذي ( 2166 ) مختصراً ، و حسنه ، و الحاكم في " المستدرك " 1 / 116 ، و صححه ، و البيهقي في " الأسماء و الصفات " ( 702 ) ، و اللفظ لهما ، و القضاعي في " مسندالشهاب " ( 239 ) .
قلت : هذا إسناد صحيح ، رجاله كلهم ثقات .
قال الحاكم : ( إبراهيم بن ميمون قد عدله عبد الرزاق ، و أثنى عليه ، و عبد الرزاق إمام أهل اليمن فتعديله حجة ) .
و قال ابن حجر – كما في " فيض القدير " 2 / 245 - : ( رجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن ميمون ) .
7 – حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - :
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " ( بغية الباحث رقم 54 ) ، و الخطيب في " الفقيه و المتفقه " 1 / 162 ، و أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " ( 367 ) ، من طريق يحيى بن عبيد الله ، عن أبيه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - به .
و يحيى بن عبيد الله ، هو : ابن موهب المدني ، متروك ، كما في " التقريب " ( 7599 ) .
8- حديث أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - :موقوف ، و لفظه : (( اصبروا حتى يستريح بر ، أو يستراح من فاجر و عليكم بالجماعة فإن الله ـ تبارك و تعالى ـ لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة )) .
... و له عنه ثلاث طرق :
الطريق الأول : أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " 7 / 517 ( 37615 ) ، و إسحاق بن راهويه في
" مسنده " – كما في " المطالب العالية " ( 3039 ) – و يعقوب الفسوي في " المعرفة " 3 / 244 و 245 و الطبراني في " الكبير " 17 / 239 ( 665 و 666 و 667 ) , و ابن أبي عاصم في " السنة " ( 85 ) ، و اللالكائي في " شرح أصول السنة " ( 162 ) ، و الخطيب في " الموضح " 1 / 391 – 392 ، و البيهقي في " الشعب " 6 / 67 ( 7517 ) من طرقٍ ، عن يسير بن عمرو ، عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - موقوفاً من قوله.
قال الهيثمي في " المجمع " 5 / 219 : ( رجاله ثقات ) .
قلت : يسير بن عمرو ، أدرك زمان النبي ، و له رؤية ، روى له البخاري و مسلم .
انظر : تهذيب الكمال 32 / 302 – 305 .
و قال ابن حجر في " التلخيص " 3 / 162 : ( إسناده صحيح ، و مثله لا يقال من قبل الرأي ) .
الطريق الثاني : أخرجه الحاكم في " المستدرك " 4 / 506 من طريق واصل بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا أبو مالك الأشجعي ، عن أبي الشعثاء ، عن أبي مسعود - رضي الله عنه - به .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه .
الطريق الثالث : أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " 7 / 517 ( 37615 ) عن يزيد بن هارون ، عن التيمي عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - به .
قلت : هذا إسناد صحيح أيضاً موقوف ، رجاله ثقات على شرط مسلم .و التيمي ، هو : سليمان بن طرخان.
· ... و الحديث : قال فيه ابن حجر في " تلخيص الحبير " 3 / 162 : ( حديث مشهور ، له طرق كثيرة ، لا يخلو واحد منها من مقال ) فذكر بعض طرقه ، ثم قال : ( و يمكن الاستدلال له بحديث :معاوية مرفوعاً : " لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ، لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم ، حتى يأتي أمر الله " أخرجه الشيخان .. و وجه الاستدلال منه : أن بوجود هذه الطائفة القائمة بالحق إلى يوم القيامة لا يحصل الاجتماع على الضلالة ) .
قلت : و حديث معاوية - رضي الله عنه - الذي ذكره ، و شواهده ، سبق تخريجه في هذه الرسالة .
و قال ابن حزم في " الإحكام " 4 / 527 : ( هذا و إن لم يصح لفظه ، و لا سنده ، فمعناه صحيح ، بالخبرين المذكورين آنفاً ) . قلت : يريد حديث معاوية , و ثوبان .
و قال السخاوي في " المقاصد الحسنة "رقم 1288 – بعد أن ذكر طرفاً من شواهده و طرقه - : ( و بالجملة فهو حديث مشهور المتن ، ذو أسانيد كثيرة ، و شواهد متعددة في المرفوع و غيره ) .
و حسنه السيوطي في " الجامع الصغير " 2 / 271 .(1/30)
وكما أن الإجماع حجة في فروع الشريعة ، فهو حجة في أصول الدين
( العقائد ) ، حيث لا مسوِّغ للاجتهاد أو البحث فيما أجمع عليه السلف الصالح لهذه الأمة في قرونها الثلاثة الأولى المفضلة سواء كان ذلك في باب إثبات الصفات أو غيره.
و بهذا نأتي على نهاية ما نحن بصدده و هو تقرير اعتماد أهل السنة , والجماعة على المصادر الثلاثة المتفق عليها في باب أصول الدين تقريراً و اعتقاداً .
ثانياً : تقديم النقل على العقل عند تعذُّر الجمع بينهما ، مع التأكيد على أن (( المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط ، و ما تنازع فيه الناس فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها ، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع ... و ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه السمع ، والذي يقال إنه يخالفه ؛ إما حديثٌ موضوع ، أو دلالة ضعيفة ، فلا يصلح أن يكون دليلاً لو تجرد عن معارضة العقل الصريح فكيف إذا خالفه صريح المعقول ))(1).
... و حينما يعرض أهل السنة و الجماعة عن الاعتداد بالعقل في إقامة العقائد ، فهم بذلك يكرمونه و لا يلغونه ، لأنهم ينزلونه المنزلة التي أنزله الله إياها ، ويكفون عن الزج به فيما لا قبل له بعلمه و إدراك حقيقته .
يقول ابن خلدون(2)
__________
(1) ... درء تعارض العقل و النقل ، لابن تيمية 1 / 147 .
(2) 2 ... ابن خلدون ، هو : عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الحضرمي ، الإشبيلي الأصل ، التونسي ثم القاهري ، المالكي ، عالم ، أديب ، مؤرخ ، اجتماعي ، حكيم ، ولد بتونس ، و نشأ بها ، و ولي كتابة السر بمدينة فاس ، و رحل إلى غرناطة و بجاية ، و اعتقل ، و تنقلت به الأحوال إلى أن رجع إلى تونس ، فأكرمه سلطانها ، فسعوا به إلى السلطان ، ففر إلى الشرق ، و ولي قضاء المالكية بالقاهرة مرارا ، و اجتمع بتمر لنك و أعجبه كلامه و بلاغته ، و توفي بالقاهرة فجأة سنة 808 هـ / 1406 م .
انظر ترجمته في : الإحاطة في أخبار غرناطة 3 / 497 – 516 ، الضوء اللامع 4 / 145 ، حسن المحاضرة
1 / 462 ، شذرات الذهب 9 / 114 , الأعلام 3 / 330 ، معجم المؤلفين 5 / 188 – 191 .(1/31)
في مسألة تحكيم العقل في أمور الاعتقاد :
(( إنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد ، و الآخرة ، و حقيقة النبوة ، وحقائق الصفات الإلهية ، و كل ما وراءه طوره ، فإن ذلك طمع في محال ، و مثال ذلك : مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب ، فطمع أن يزن به الجبال ، وهذا لا يدل على أن الميزان في أحكامه غير صادق ؛ لكن العقل قد يقف عنده ، ولا يتعدى طوره ، حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته ، فإن ذرَّة من ذرات الوجود الحاصل منه ))(1).
... و مما يدل على أن السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ، لم يعطلوا العقل و لم يلغوا دوره ما عُرف عنهم من الاعتداد بالقياس ، ولا يقوم قياس سديد بلا عقل رشيد .
... و قد قرر الأئمة الأعلام أن الذي يُعتد به في باب العقائد هو قياس الأولى ، وهو الذي يكون الفرع فيه أولى بالحكم من الأصل ؛ لقوة العلة فيه(2)، ويستدل بهذا النوع من القياس للإثبات والنفي في حق الله تعالى .
و في القرآن الكريم استدلالٌ بهذا النوع من القياس على إثبات صفات الكمال للرب سبحانه ، قال تعالى : { و هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده و هو أهون عليه و له المثل الأعلى في السماوات والأرض و هو العزيز الحكيم } [ الروم : 27 ] .
و قال الله تعالى : { و لله المثل الأعلى } [ النحل :60 ] ، أي : الأكمل والأحسن والأطيب(3).
__________
(1) ... مقدمة ابن خلدون ، ص : 364 ، 365 .
(2) ... انظر : الوجيز في أصول الفقه ، للدكتور وهبة الزحيلي ، ص : 83 .
(3) ... انظر : تفسير الطبري 8 / 14 ، 125 .(1/32)
و مما نُقل عن السلف من الاستدلال بهذا النوع من القياس(1)، قول الإمام أحمد رحمه الله : (( ومن الاعتبار - أي القياس - لو أن رجلاً كان في يديه قدح من قوارير صافٍ ، و فيه شرابٌ صافٍ ، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح . فالله ، وله المثل الأعلى ، قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه ))(2).
ولا يصح قياسٌ غير هذا في تقرير العقائد ، سواء كان قياس شمول أو تمثيل(3)لقوله تعالى : { فلا تضربوا لله الأمثال } [ النحل : 74 ] .
و قد اشتد نكير السلف الصالح على من اعتد بعلم الكلام في تقرير العقائد و عدوه من أخبث ما توصلت إليه العقول التائهة بعيداً عن هدي الكتاب و السنة .
فكانوا رضوان الله عليهم أجمعين يحجمون عن الخوض في علم الكلام ، مكتفين بما جاء في النقل الصحيح ، الذي لا يُخالفه عقلٌ صريح قط .
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
(( من عرف قدر السلف عرف أن سكوتهم عمّا سكتوا عنه من ضروب الكلام ، و كثرة الجدال والخصام ، و الزيادة في البيان على مقدار الحاجة ، لم يكن عيّا ، ولا جهلاً ، ولا قصوراً ، و إنما كان ورعاً ، و خشيةً لله ، و اشتغالاً عما لا ينفع بما ينفع ، وسواء ذلك كلامهم في أصول الدين وفروعه ... فمن سلك سبيلهم فقد اهتدى ))(4).
و قال في موضع آخر :
((
__________
(1) ... انظر : درء تعارض العقل والنقل ، لابن تيمية ، بتحقيق محمد رشاد سالم : 1/30 .
(2) ... الرد على الزنادقة و الجهمية ، للإمام أحمد بن حنبل ، ص 39.
(3) ... يراد بقياس الشمول : ما كان مركباً من مقدمتين فأكثر مستعملاً فيه لفظة ( كل ) الدالة على الشمول .
و قياس التمثيل ، هو : إلحاق فرع بأصل في الحكم بجامع الوصف المشترك بينهما .
انظُر : التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية ، للشيخ فالح بن مهدي آل مهدي ، ص 119 ، 120 .
(4) ... فضل علم السلف ، لابن رجب الحنبلي ، ص161 .(1/33)
و أما ما كان مخالفاً لكلامهم فأكثره باطل ، أو لا منفعة فيه ، وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة ، فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا و هو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأقصر عبارة ، ولا يوجد في كلام من بعدهم باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله ))(1).
المقصد الثاني : منهج أهل السنة و الجماعة في فهم نصوص الوحيين والأخذ بها :
... ... كما أسلفت في مطلع هذا المبحث ، ما من أحد ممن انتسب إلى الإسلام ، إلا و هو - بحسب زعمه - ملتزمٌ ما جاء به الكتاب و السنة ، لا يجاوزهما إلى ما عداهما حتى و إن خاض في لجج الشبهات ، و وقع في البدع و الضلالات ، وكان من أهل الزيغ و الأهواء .
... ... و لذلك تعين على أتباع السلف ، السائرين على منهج أهل السنة ، أن يأخذوا مما أخذ منه سلفهم ، و أن يصدروا عمَّا صدروا عنه ، فيكون مرجعهم في التلقي هو الكتاب و السنة ، على منهج سلف الأمة ، و بحسب فهم السلف الصالح للنصوص و تعاملهم معها .
... ... و من تأمَّل كلام السلف في هذا الباب ، وقف على منهج سديد ، و هدي رشيد ، في الاستدلال بالنصوص ، و مما يميز هذا المنهج أمورٌ أهمها :
... ... أوَّلاً : الإيمان المطلق بما جاء عن الله تعالى ، أو عن رسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم - .
... ومفهوم الإيمان المطلق هو : الإمرار بلا كيف ، فنؤمن بما جاء عن الله و عن رسول الله ما عرفنا معناه و ما لم نعرفه ، و سيأتي معنا مزيد بيان لهذا الأمر ، في المطلب التالي إن شاء الله .
ثانياً : إثبات معاني النصوص على وجه الحقيقة لا المجاز ، و إمرارها مفهومة المعاني ، لا مُبهمة ، مع إثبات ما أثبتته ، و نفي ما نفته ، إذ إن العقل لا يحيل نفي التكييف مع إثبات المعنى وفهم المراد .
__________
(1) ... فضل علم السلف ، ص 147 .(1/34)
وقد قال الحسن البصري رحمه الله : (( ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم ما أراد بها ))(1).
ثالثاً : ترك التأويل الذي يصرف النصوص عن ظاهرها :
ما ذلك إلا لأن الله تعالى خاطبنا بما نفهم ، فلا يجوز أن يُعدل عن الظاهر ، ما دام فهمه ممكناً وموجَبه مما لا تحيله الشرائع و لا العقول ، بل يقتصر من ذلك على ما جاء مبيناً لمراد الله في كتاب الله ، أو على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو صحابته الذين عايشوا التنزيل ، وفهموا مراد ربهم الجليل ، بدون ردٍّ أو تأويل .
رابعاً : الكف عن الخوض في المتشابه ، و تفويض معناه إلى الله ، وهو الذي يدل عليه قول الإمام الشافعي رحمه الله : (( آمنت بما جاء عن الله ، على مراد الله و بما جاء عن رسول الله ، على مراد رسول الله ))(2).
خامساً : الاحتجاج بأخبار الآحاد الصحيحة ، و عدم التفريق بين الأدلة الشرعية الثابتة عن الشارع من حيث الأخذ بها في الاعتقاد ، فأهل السنة يستدلون بأدلة الشرع الأصلية كلها ، القرآن الكريم والحديث الشريف بقسميه المتواتر والآحاد التي تلقتها الأمة بالقبول ، وصحت أسانيدها .
قال الإمام أحمد إمام أهل السنة في أحاديث ( النزول ) ، و هي من قبيل أخبار الآحاد : (( نؤمن بها ، ونصدق بها ، ولا نرد شيئاً منها ، إذا كانت بأسانيد صحاح ))(3).
__________
(1) ... أورده ابن تيمية في " درء تعارض العقل و النقل " 1 / 208 ، و ابن القيم في " الصواعق المرسلة "
3 / 925 . و انظر : مقدمة شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ، بقلم عبد القادر الأرناؤوط ، و عبد الله التركي ، ص : 32 .
(2) ... انظر : ذم التأويل ، ص : 11 و 44 ، ونقض المنطق ، ص : 2 ، و لمعة الاعتقاد ص : 10 ، و شرح كتاب التوحيد ص : 515 ، معارج القبول 1 / 204 .
(3) ... صحيح عن الإمام أحمد :
أخرجه الخلال – كما في " ذم التأويل " لابن قدامة المقدسي ص 22 - و اللالكائي ، برقم (777) ، ص : 453 ، من رواية حنبل بن إسحاق عنه .(1/35)
و قال رحمه الله في أحاديث ( الرؤية ) و هي من الآحاد أيضاً : (( أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر ))(1).
وأهل السنة إذ يأخذون بأخبار الآحاد ، ولا يردُّون ما صح منها في تقرير عقائدهم ، يقابلون بذلك مذهب المعتزلة الذين قدموا العقل على ما نقل من طريق الآحاد ، حتى وإن كان صحيحاً ثابتاً ، فإن ألجئوا إلى قبول شيء منها تعسفوا في تأويله ، و جردوه من مضمونه .
يقول القاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي(2): (( وأما ما لا يُعلم كونه صدقاً و لا كذباً ، فهو كأخبار الآحاد ، وما هو سبيله يجوز العمل به إذا ورد بشرائطه ، فأما قبوله فيما طريقه الاعتقادات فلا ... إلا إذا كان موافقاً لحجج العقول ، واعتقد موجَبه لا لمكانه ، بل للحجة العقلية ، فإن لم يكن موافقاً لها فإن الواجب أن يُردّ ، وأن يُحكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقله ، و إن قاله فإنما قاله عن طريق الحكاية عن غيره ))(3).
__________
(1) ... صحيح عن الإمام أحمد :
رواه اللالكائي ، برقم (889) ، ص : 507 ، من رواية حنبل بن إسحاق عنه.
(2) 3 ... القاضي عبد الجبار الهمذاني ، هو : ابن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل ، أبو الحسن ، الهمذاني الأسدآباذي ، المتكلم ، شيخ المعتزلة ، من كبار فقهاء الشافعية ، ولي قضاء القضاة بالري ، وتصانيفه كثيرة ، قال الذهبي : ( تخرج به خلق في الرأي الممقوت ) . توفي سنة 415 هـ / 1025 م ، من أبناء التسعين .
... انظر ترجمته في : تاريخ بغداد 11 / 113-115 ، ميزان الاعتدال 2 / 533 ، سير أعلام النبلاء 17 / 244 ، الطبقات الكبرى للسبكي 5 / 97 ، لسان الميزان 3 / 386 .
(3) ... شرح الأصول الخمسة ، لعبد الجبار الهمذاني ، ص : 768، 769 .(1/36)
وقد حكى الإجماع على الأخذ بأخبار الآحاد والقول بإفادته العلم اليقيني ، بذاته ، أو بما يحفه من القرائن ، جمعٌ من أهل العلم كأبي إسحاق الأسفرائيني(1)، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وغيرهم(2).
و كثيراً ما زلَّت الأقدام ، و طاشت الأقلام ، بسبب تعسف كثير من المتأخرين ؛ في رد أخبار جيادٍ صحاح في باب الصفات و غيره ، بدعوى أنها من قبيل الآحاد التي لا تفيد عندهم علماً ، و لا تؤخذ منها عقيدة ، و فتح بهذا باب فرقة و انقسام يطول بيانه .
المقصد الثالث : منهج أهل السنة و الجماعة في توحيد الأسماء والصفات :
إذا تأمَّلنا المسائل التي اختلفت الأمة فيها ، و أدت إلى تفرُّقها و ظهور البدع و الفرق فيها ، و جدنا أشهرها ثلاث مسائل طال حولها الجدل ، و هي :
? مسألة الخلافة و الإمامة ، و ما تبعها من التفضيل بين الصحابة ، و قد نتج عنها ظهور أهل الرفض و النصب .
? مسألة القدر ، و ما يتصل بها من أمور التكليف و الجزاء ، و نتج عنها ظهور فرق كثيرةٍ منها القدرية و المرجئة و المعتزلة و غيرهم .
__________
(1) 2 ... أبو إسحاق الإسفرائيني ، هو : إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران ، الفقيه ، الأستاذ ، الإمام ، قال عبد الغفار الفارسي : ( أحد من بلغ حد الاجتهاد ؛ لتبحره في العلوم ، و استجماعه شرائط الإمامة من العربية و الفقه و الكلام و الأصول و معرفة الكتاب و السنة ، و كان ثقة ثبتا في الحديث ) . توفي بنيسابور سنة 418 هـ / 1027 م .
انظر ترجمته في : المنتخب من السياق رقم 269 ، تهذيب الأسماء و اللغات 2 / 169 ، تبيين كذب المفتري ص 243 ، سير أعلام النبلاء 17 / 353 ، طبقات ابن قاضي شهبة 1 / 160 .
(2) ... وقد تتبعث أقوال العلماء في هذه المسألة في رسالتي للماجستير ( أخبار الآحاد : دلالتها وصحتها في الشرائع والأحكام ) المسجلة بجامعة الدراسات الإسلامية بكراتشي سنة 1416هـ / 1996 م ، بين صفحتي 69 ، 109 فليراجع .(1/37)
? مسألة الأسماء و الصفات ، و ما يجوز في حق الله تعالى و ما يمتنع ، و قد نتج عنها ظهور المعطلة ، و المجسمة ، و المشبهة ، و غيرهم .
و قد ظهرت مدارس عقديَّة اشتهر الخلاف بينها في المسألة الثالثة من هذه المسائل ، كمدرسة أهل الحديث من جهة ، و مدرسة الأشاعرة و الماتريدية من جهة أخرى .(1)
و الذي يعنينا في هذا المقام هو منهج أهل السنة أصحاب الحديث في فهم النصوص المتعلقة بأسماء الله الحسنى و صفاته العلى ، و اعتقاد ما جاءت به .
إنَّ أهل السنة هم أوسط الناس في كلِّ ما شجر فيه الخلاف ، فهم وسطٌ في باب أفعال الله تعالى بين القدرية و الجبرية ، و هم في باب وعيد الله وسطٌ بين المرجئة و الوعيدية(2)، و هم وسط في باب الإيمان و الدين بين الحرورية و المعتزلة ، و بين المرجئة و الجهميَّة ، و هم في باب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و رضي عنهم أجمعين وسطٌ بين الروافض و الخوارج(3).
أمَّا في باب الصفات فهم أيضاً وسطٌ بين المجسمة و المشبهة من جهة ، والمعطلة و المؤولة من جهة أخرى ، حيث قام مذهبهم على الجمع بين قاعدتي الإثبات و التنزيه فكانوا أوسط الناس .
و بهذا تتقرر قاعدة : (( الإثبات بدون كيف و النفي بدون حيف )) .
__________
(1) 1 ... ليس اختلافهم في هذا الأصل فقط ، و هو التأويل كما هو مشهور ، بل هناك فروق في أصول أخرى ، كالإيمان و القدر و النبوات و غيرها .
و للاستزادة حول هذا الموضوع ، انظر : رسالة " منهج الأشاعرة في العقيدة " للشيخ سفر عبد الرحمن الحوالي.
(2) ... يراد بالوعيدية المعتزلة و من وافقهم كالخوارج الذين قالوا بإنفاذ الوعيد في حق صاحب الكبيرة حيث حكموا بخلوده في النار إذا لم يتب منها قبل موته .
(3) ... للتوسع حول وسطية أهل السنة و الجماعة انظُر : كتابنا : فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب ، ص : 56 -56 ، و تعليق الشيخ الدكتور صالح العبود عليه في الموضع المشار إليه .(1/38)
غير أن لكلٍ من الإثبات ( الإقرار ) و النفي ( التنزيه ) أصولاً لا بد من مراعاتها ، ولأهمية الإحاطة بها ، أوجز الحديث عنها فيما يلي(1):
أولاً : الأصول التي تقوم عليها قاعدة الإثبات في الإيمان بالأسماء والصفات :
? القول في الصفات كالقول في الذات ، فهي صفات كمالٍ وجلال يليقان بالله تعالى لا يشركه و لا يشبهه فيها شيءٌ ، كما أنه متفرِّدٌ بذاته تعالى(2).
? القول في بعض الصفا ت كالقول في بعضها الآخر ، فإن أثبت بعض الصفات على وجه الحقيقة لم يجز له أن يجعل ما لم يثبته من قبيل المجاز .
? إثبات صفات الكمال بلا تمثيل ولا تكييف ، فلا يسأل عنها ، بكيف هي؟ ولا يقال : هي مثل صفات كذا أو فلان .
? إطلاق ما ورد به الشرع ، والاستفصال في العبارات المحدثة .
ثانياً : الأصول التي تقوم عليها قاعدة التنزيه في نفي ما ينفى من الصفات:
? لايستلزم التنزيه تعطيل الصفات الثبوتية لله تعالى .
? الإجمال في النفي غالباً ، بخلاف الإثبات الذي يسوغ فيه التفصيل .
? إثبات كمال ضد ما ينفى عن الله تعالى من صفات .
? اتباع الكتاب والسنة في النفي ، و عدم مجاوزة ما ورد فيهما بنفيٍ أو غيره ، أو التردد في نفي ما قرر نفيه .
__________
(1) ... انظر هذه الأصول والكلام عليها في كتاب : منهج أهل السنة والجماعة و منهم الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبد اللطيف محمد نور ، ص : 402 .
و كتاب : منهج الإمام الشوكاني في العقيدة ، للدكتور عبد الله نومسوك ، ص: 359 و ما يليها .
(2) ... قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " العقيدة الحموية " : (( من المعلوم أن صفات كل موصوفٍ تناسب ذاته ، و تلائم حقيقته ، فمن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيءٌ ، إلا ما يُناسب المخلوق فقد ضلَّ في عقله و دينه )) .
انظُر : مجموعة الرسائل الكبرى ، لابن تيمية : 1/ 474.(1/39)
و بمجموع هذه الأصول التي قام عليها مذهب أهل السنة و الجماعة في مسألة الأسماء و الصفات يكون الجمع بين الإثبات و التنزيه المتعلقين بصفات الرب عز وجل .
و قد جمع الله بينهما في قوله سبحانه : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ] الشورى : 11 [ حيث بدأ بنفي المثيل تنزيهاً ، ثم نسب إليه صفتي السمع و البصر إثباتاً .
و اعتصم بهذه الأصول ا السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين فيما روي عنهم ، وهو كثيرٌ مشهورٌ منه قول الإمام الأوزاعي رحمه الله : (( كنا و التابعون متوافرون نقول : إن الله تعالى فوق عرشه ، و نؤمن بما وردت به السنة من
الصفات ))(1).
و روى أبو القاسم اللالكائي عنه - أيضاً - أنه قال : (( كان الزهري(2)،
__________
(1) ... حسن :
رواه البيهقي في " الأسماء و الصفات " 2 / 304 ( 865 ) عن أبي عبد الله الحاكم ، قال : أخبرني محمد بن علي الجوهري ببغداد ، ثنا إبراهيم بن الهيثم ، ثنا محمد بن كثير المصيصي ، قال : سمعت الأوزاعي ، يقول – فذكره .
و رجاله ثقات سوى محمد بن كثير المصيصي ، قال فيه الحافظ ابن حجر في " التقريب " ( 6251 ) : ( صدوق كثير الخطأ ) .
وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في " الحموية الكبرى " ( 5 / 39 – ضمن مجموع الفتاوى ) ، و قال : ( إسناده صحيح ) .
وتبعه ابن القيم ، فصحح إسناده في " الجيوش الإسلامية " ص 43 ، و قال في " مختصر الصواعق المرسلة " ( 2 / 211 ) بعد أن ذكره بسنده هذا : ( رواته كلهم أئمة ثقات ) .
و صحح إسناده أيضاً الذهبي في " تذكرة الحفاظ " 1 / 181 – 182 بعد أن رواه من طريق البيهقي .
و ذكره الحافظ ابن حجر في " الفتح " 13 / 406 و عزاه للبيهقي و جوّد إسناده .
(2) ... الزهري ، هو : محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب , أبو بكر القرشي الزهري , المدني ، الإمام العلم , حافظ زمانه ، تابعي ، فقيه ، محدث ، أول من جمع الحديث في زمن عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، توفي سنة 124 هـ / 742 م .
انظر ترجمته في : وفيات الأعيان 3 / 317 ، المعرفة و التاريخ 1 / 620 , الجرح و التعديل 8 / 71 , حلية الأولياء 3 / 360 , سير أعلام النبلاء 5 / 326 .(1/40)
و مكحول(1)يقولان : أمرُّوا الأحاديث كما جاءت ))(2)، يريدان أحاديث الصفات .
و مثل هذا قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس - رضي الله عنه - ، و قد سُئل عن قوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } [ طه : 5 ] كيف استوى ؟ فقال : ((الكيف غير معقول ، و الاستواء منه غير مجهول ، و الإيمان به واجب ، و السؤال عنه
بدعة ))(3).
__________
(1) ... مكحول ، هو : ابن أبي مسلم شهراب بن شاذل , أبو عبد الله , الدمشقي ، تابعي ثقة ، عالم الشام و فقيهها توفي سنة 113 هـ / 732 م ، و قيل في غيرها .
انظر ترجمته في : طبقات ابن سعد 7 / 453 , الجرح و التعديل 8 / 407 , حلية الأولياء 5 / 177 , وفيات الأعيان 5 / 280 ، تهذيب الكمال 28 / 464 , سير أعلام النبلاء 5 / 125 .
(2) ... صحيح :
أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم و فضله " 2 / 943 ( 1801 ) ، و أبو القاسم اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة 3 / 431 ، ومن طريقه ابن قدامة في " ذم التأويل " ، ص:20 من طريقين عن أحمد بن زهير ، قال : ثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ، قال : ثنا بقية ، قال : ثنا الأوزاعي فذكره .
قلت : و رجاله كلهم ثقات ، و بقية ، هو : ابن الوليد مدلس و قد صرح بالتحديث .
و أحمد بن زهير هو : أبو بكر بن أبي خيثمة الحافظ الكبير ابن الحافظ .
و الأثر : عزاه صاحب " التحفة المدنية في العقيدة السلفية " 1 / 76 إلى الخلال في كتاب السنة .
(3) ... صحيح ثابت عن مالك :
أخرجه الدارمي " في الرد على الجهمية " ( 104 ) ، و أبو نعيم في " الحلية " 6 / 325 - 326، و اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة " 2/398 ، و البيهقي في " الأسماء و الصفات " 2 / 304 – 305 ( 866 و 867 ) و في " الاعتقاد " ، و البغوي في " شرح السنة " 1 / 171 ، و الصابوني في " عقيدة أصحاب الحديث " ( 24 و 25 ) ، و ابن عبد البر في " التمهيد " 7 / 151 ؛ من طرق عن مالك به .
قال الذهبي في " مختصر العلو " ص : 104 : ( و روى يحيى بن يحيى التميمي و جعفر بن عبد الله و طائفة ، قالوا : جاء رجل إلى مالك - فذكره ). ثم قال : ( هذا ثابت عن مالك ، و تقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك وهو قول أهل السنة قاطبة ) .
و قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " 13 / 406 ، 407 : ( و أخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب ، قال : كنا عند مالك ..) فذكره .(1/41)
و مثل هذا الجواب ثابتٌ عن ربيعة الرأي(1)، شيخ مالك(2).
و قال سفيان بن عيينة(3): (( كلُّ شيءٍ وصف الله به نفسه في القرآن الكريم فقراءته تفسيره ، لا كيف ، و لا مِثل ))(4)
__________
(1) 2 ... ربيعة الرأي ، هو : ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ ، الإمام ، مفتي المدينة ، و عالم الوقت ، أبو عثمان ، و يقال : أبو عبد الرحمن ، القرشي التيمي مولاهم ، من صغار التابعين ، كان من أئمة الاجتهاد ، حافظا للفقه و الحديث ، توفي 136 هـ / 754 م .
انظر ترجمته في : تاريخ بغداد 8 / 420 ، وفيات الأعيان 2 / 288 – 290 ، تذكرة الحفاظ 1 / 157 ، سير أعلام النبلاء 6 / 89 – 96 .
(2) ... صحيح عن ربيعة :
أخرجه البيهقي في " الأسماء و الصفات " 2 / 306 ( 868 ) ، و اللالكائي في " شرح أصول الاعتقاد " رقم 665 ، و ابن قدامة في " إثبات صفة العلو " ( 90 ) من طريق : يحيى بن آدم ، عن ابن عيينة ، عن ربيع ... وأخرجه العجلي في " تاريخ الثقات " ص 158 رقم 431 قال : حدثني أبي عبد الله ، قال : قيل لربيعة :- فذكره .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الحموية " ( 5 / 40 – ضمن مجموع الفتاوى ) : ( وروى الخلال بإسناد رجاله كلهم أئمة ثقات عن سفيان بن عيينة قال : سئل ربيعة .. ) فذكره .
و قال الذهبي في " مختصر العلو " ص 65 : ( هذا القول محفوظ عن جماعة كربيعة الرأي و مالك ) .
(3) ... سفيان بن عيينة ، هو : ابن أبي عمران ، أبو محمد ، الهلالي الكوفي ، الحافظ ، المتقن ، المحدث ، شيخ الإسلام طلب الحديث و هو غلام , و لقي الكبار و حمل عنهم علما جما , و أتقن , و جود , و جمع , و صنف , و عمر دهرا , سكن مكة و مات بها , سنة 198 هـ / 814 م .
انظر ترجمته في : الطبقات لابن سعد 5 / 497 , تاريخ بغداد 9 / 174 الجرح و التعديل 1 / 32 ، تهذيب الكمال 11 / 177 , سير أعلام النبلاء 8 / 454 .
(4) ... صحيح :
أخرجه الدارقطني في كتاب " الصفات " ص 70 ، و اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة " 3 / 431 ، و البغوي في " شرح السنة " 1 / 171 من طريقين : عن عيسى بن إسحاق بن موسى الأنصاري ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : – فذكره .
و إسناده صحيح ، رجاله ثقات .
وأخرجه البيهقي في " الأسماء و الصفات " 2 / 307 ( 869 ) ، و في " الاعتقاد " ص : 118 ، و الصابوني في " عقيدة أصحاب الحديث " ( 89 ) من طريق أحمد بن أبي الحواري عنه ، بلفظ : ( كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته و السكوت عنه ) .
وقال الحافظ في " الفتح " 13 / 407 : ( و أسند البيهقي بسند صحيح عن أحمد بن أبي الحواري ..) فذكره.(1/42)
و قد روي نحو هذا عن عددٍ من السلف رضوان الله عليهم أجمعين(1).
و ممَّن لخص منهج أهل السنة و الجماعة في باب الصفات فأجاد ، الإمام ابن خزيمة النيسابوري رحمه الله(2)، حيث قال بعد الكلام عن صفة الوجه : (( نحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز ، و تهامة اليمن ، و العراق ، و الشام ، و مصر ، مذهبنا : إنَّا نثبت لله ما أثبته لنفسه ، نقر بذلك بألسنتنا ، و نصدق ذلك بقلوبنا ، من غير أن نُشبِّه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين ، عزَّ ربنا عن أن يُشبه المخلوقين ، و جلَّ ربنا عن مقالة المعطلين ، و عزَّ أن يكون عدماً ، كما قاله المبطلون ، لأنَّ ما لا صفة له عَدَمٌ ، تعالى الله عمَّا يقول الجهميُّون الذين ينكرون صفات خالقنا الذي وصف بها نفسه في محكم تنزيله ، و على لسان نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم - ))(3).
و قال العلامة أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني رحمه الله(4)
__________
(1) ... انظر : جامع بيان العلم و فضله ، لابن عبد البر 2 / 944 .
(2) ... ابن خزيمة ، هو : محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة , أبو بكر , السلمي النيسابوري ، الشافعي الإمام الحافظ ، الحجة ، الفقيه ، إمام الأئمة , صاحب التصانيف : كصحيح ابن خزيمة ، و كتاب التوحيد و إثبات صفات الرب عز و جل ، توفي سنة 311 هـ / 924 م .
انظُر ترجمته في : الجرح و التعديل 7 / 196 ، تاريخ جرجان ص 413 ، المنتظم 6 / 184 ـ 186 , سير أعلام النبلاء 14 / 365 ، طبقات الشافعية للسبكي 3 / 109 و ما يليها .
(3) ... التوحيد و إثبات صفات الرب عزَّ و جل ، لابن خزيمة 1 / 26 .
(4) 2 ... أبو محمد الجويني ، هو : الشيخ الإمام عبد الله بن يوسف ، والد أبي إسحاق الجويني رحمهما الله ، كان ذا دراية تامة بالفقه و الأصول و النحو و التفسير و الأدب ، و بعد عن التقيد بالمذاهب الفقهية و التعصب لها ، فهو صاحب وجه في المذهب الشافعي ، لقب بركن الإسلام ، و توفي سنة 438 هـ / 1047 م .
انظر ترجمته في : المنتظم 8 / 130 ، سير أعلام النبلاء 17 / 617 ، البداية و النهاية 12 / 55 ، طبقات الشافعية للسبكي 5 / 73 – 93 .(1/43)
في رسالته التي وجهها إلى شيوخه بعد أن امتن الله عليه بالرجوع إلى مذهب السلف الحق الذي عليه أهل السنة و الجماعة في باب الأسماء و الصفات(1):
(( فصفاته معلومة من حيث الجملة و الثبوت ، غير معلومة من حيث التكييف و التحديد ، فيكون المؤمن بها مبصرا من وجه أعمى من وجه ؛ مبصرا من حيث الإثبات و الوجود ، أعمى من حيث التكييف و التحديد ، و بهذا يحصل الجمع بين ما و صف الله تعالى نفسه به و بين نفي التحريف و التشبيه و الوقوف ، و ذلك هو مراد الرب تعالى منا في إ براز صفاته لنا ؛ لنعرفه بها و نؤمن بحقائقها وننفي عنها التشبيه ، و لا نعطلها بالتحريف و التأويل ، و لا فرق بين الاستواء والسمع ، ولا بين النزول و البصر ، الكل ورد فيه النص ... و من أنصف عرف ما قلناه ، و اعتقده و قبل نصيحتنا و دان لله بإثبات جميع صفاته هذه و تلك و نفى عن جميعها التشبيه و التعطيل و التأويل و الوقوف ... لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد ، و هو الكتاب و السنة فإذا أثبتنا تلك ، و حرفنا هذه وأولنا كنا كمن آمن ببعض الكتاب و كفر ببعض ، و في ذلك بلاغ و كفاية إن شاء الله تعالى ))(2)
فهذا مجمل مذهب أهل السنة و الجماعة في باب صفات الرب عز و جل ، أما تفصيله فيرجع إليه في مظانه من كتب العقائد ، و أصول الدين البسيطة .
المقصد الرابع : موقف أهل السنة و الجماعة من أهل الأهواء و البدع :
عُرف عن أهل السنة أصحاب الحديث رضوان الله عليهم أجمعين التصدي لأهل البدع ، بكشف زيغهم ، و نقض غزلهم ، و التحذير مما أحدثوا ، ومجاهدتهم باللسان و السنان .
__________
(1) ... هذه الرسالة مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية ، بين صفحتي 174 و 187 من المجلد الأول بعنوان : رسالة في إثبات الاستواء و الفوقية و تنزيه الباري عن الحصر و التمثيل و الكيفية .
(2) 1 ... مجموعة الرسائل المنيرية : 1/ 182، 163 .(1/44)
و قد اشتد نكير السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ، على أهل الكلام و حذروا من مجالستهم ، وأمروا بمجالدتهم و مجاهدتهم .
فقد روي عن الحسن البصري ، و محمد بن سيرين ( توفيا في عام و احد سنة 110هـ/ 729 م ) ، أنهما رحمهما الله قالا : (( لا تجالسوا أصحاب الأهواء ، و لا تسمعوا منهم ، و لا تجادلوهم ))(1).
و قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله ( ت 198هـ / 814 م ) : (( دخلت على مالك ، و عنده رجل يسأله عن القرآن ، فقال له مالك : لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد(2)؟
__________
(1) ... صحيح :
أخرجه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " 7 / 172 ، و الدارمي ( 401 ) في مقدمة سننه ، باب اجتناب أهل الأهواء و البدع و الخصومة ، و ابن بطة في " الإبانة الكبرى " ( 395 – 458 ) ، و البيهقي في " الشعب ( 9467 ) ، و الهروي في " ذم الكلام " 4 / 296 ، من طرق : عن زائدة بن قدامة ، عن هشام بن حسان عنهما به .
و رجاله كلهم ثقات .
و قد جاء عن الحسن وحده ، دون ابن سيرين ، بنفس الإسناد , عند اللالكائي ( 240 ) ، و ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " ( 1803 ) .
وروي عن الحسن بمعناه عند ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " 2 / 33 ، و ابن بطة أيضا ( 373 ) ، و ابن وضاح في " البدع و الني عنها " ص 54 و 57 .
(2) 1 ... عمرو بن عبيد ، هو : أبو عثمان البصري ، كان جده من سبي الفرس ، كان رأساً في الاعتزال ، ينتقص من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، على زهده و عبادته ، قال عنه ابن سعد : ( معتزلي ، صاحب رأي ، ليس بشيء في الحديث ) . و قال ابن عدي : ( قد كفانا السلف مؤونته حيث بينوا ضعفه في رواياته وبينوا بدعته و دعائه إليها ، و كان يغر الناس بنسكه و تقشفه ، وهو مذموم ، ضعيف الحديث جدا ، معلن بالبدع ، و قد كفانا ما قال فيه الناس ) . مات سنة 143 هـ / 761 م ، و قيل قبلها .
انظر ترجمته في : الضعفاء للعقيلي 3 / 277 – 286 ، المجروحين لابن حبان 2 / 69 – 71 ، الكامل في الضعفاء لابن عدي 5 / 96 – 111 ، ميزان الاعتدال 3 / 273 – 280 .(1/45)
لعن الله عَمْراً ، فإنه ابتدع هذه البدع من الكلام ، ولو كان الكلام علماً لتكلم فيه الصحابة و التابعون ، كما تكلموا في الأحكام والشرائع ولكنه باطلٌ يدل على باطل ))(1).
و قال الإمام الشافعي رحمه الله : (( لأن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه ، ما عدا الشرك به ، خير من النظر في الكلام ))(2).
أما حكمه فيهم فهو : (( أن يضربوا بالجريد ، وأن يجلسوا على الإبل ، ويطاف بهم في العشائر والقبائل ، و ينادى عليهم : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة ، و أقبل على الكلام ))(3).
__________
(1) ... رواه أبو عبد الرحمن السلمي ، ومن طريقه الهروي في " ذم الكلام " 5 / 72 ( 860 ) عن محمد بن جعفر بن مطر ، سمعت شكّر يقول : سمعت أبا سعيد البصري يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : – فذكره .
قلت : أبو سعيد البصري لم أعرفه ، و باقي رجاله ثقات .
و شَكّر ، هو لقبُ : محمد بن المنذر بن سعيد السلمي الهروي الحافظ الإمام العالم . انظر : سير أعلام النبلاء 14 / 221 .
و الأثر : أورده البغوي في " شرح السنة " 1 / 217 ، و ابن تيمية في " بيان تلبيس الجهمية " 1 / 467 ، و السفاريني في " لوامع الأنوار " 1 / 109 .
(2) ... صحيح ثابت عن الشافعي :
رواه ابن أبي حاتم في " آداب الشافعي و مناقبه " 187 ، وعنه أبو نعيم في " الحلية " 9/111 ، و ابن بطة في " الإبانة " ( 661 ) ، و اللالكائي في " أصول الاعتقاد " 1/ 146 ( 300 ) ، و الهروي في "ذم الكلام " ص 355 ، و ابن عساكر في " تبيين كذب المفتري " ص 337 ، عن يونس بن عبد الأعلى عنه .
ويونس بن عبد الأعلى ، هو : الصدفي المصري ثقة ، كما في " التقريب " ( 7907 ) .
(3) ... صحيح ثابت عن الشافعي :
رواه عنه الحسن بن محمد الزعفراني ، و الربيع بن سليمان ، فيما أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 9 / 116 ، و ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " ( 1794 ) ، و الهروي في " ذم الكلام " ص 355 .
وأورده عن الشافعي : البغوي في " شرح السنة " 1 / 218 ، و ابن الجوزي في " تلبيس إبليس " 1 / 102 و ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " 16/472 ، و الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 10 / 20 ، و السيوطي في الأمر بالاتباع ، ص : 20 .(1/46)
وقال الإمام أحمد : (( لا تجالسوا أهل الكلام ، و إن ذبُّوا عن السنة ))(1).
وقال : (( لا يفلح صاحب كلام أبداً ، و لا تكاد ترى أحداً نظر في الكلام إلا و فيه دغل ))(2).
و قال الإمام البربهاري رحمه الله : (( اعلم أنها لم تكن زندقة ، و لا كفر و لا شكوك ، و لا بدعة ، و لا ضلالة ، و لا حيرة في الدين إلا من الكلام و أهل
الكلام ))(3).
إلى غير ذلك من كلام أئمة الهدى الذين رأوا في علم الكلام شراً داهماً يجب التحذير منه ، و التصدي له .
و أفعالهم تشهد على صدق ما تقدم من كلامهم ، فهذا محمد بن عبد الله القحطاني(4)رحمه الله يأمر بما في خزائن المستنصر بالله(5)
__________
(1) ... رواه ابن الجوزي في " مناقب الإمام أحمد " ، ص : 205.
(2) ... ذكره ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " 2 / 942 .
(3) ... شرح السنة ، للبربهاري ، ص : 38 .
(4) ... محمد بن عبد الله القحطاني ، هو : أبو عامر محمد بن عبد الله بن أبي عامر ، المعافري ، القرطبي الأندلسي ، القائم بأعباء دولة الخليفة المؤيد هشام بن المستنصر بالله أمير الأندلس ، كان حازماً سائساً ، بطلا شجاعاً ، غزّاءً عالماً ، جوّاداً عادلاً ، جمّ المحاسن ، كثير الفتوحات ، كان الخليفة المؤيد معه صورة بلا معنى ، توفي سنة 393هـ / 1003 م .
انظر ترجمته في : يتيمة الدهر 2 / 62 ، جذوة المقتبس ص 78 ، بغية الملتمس ص 105 ، سير أعلام النبلاء 17 / 15 ، الوافي بالوفيات 3 / 312 ، شذرات الذهب 4 / 499 .
(5) ... المستنصر بالله ، هو : الحكم بن عبد الرحمن الناصر لدين الله ، الأموي ، الملقب : أمير المؤمنين في الأندلس ، كان ذا علم وسيرة حسنة ، جامعاً للكتب ، مكرماً للعلماء ، توفي سنة 366هـ / 977 م .
انظر ترجمته في : جذوة المقتبس ص 13 ، الكامل لابن الأثير 8 / 224 ، نفح الطيب 1 / 382 – 396 ، سير أعلام النبلاء 8 / 269 - 271 .(1/47)
الجامعة لكتب من مؤلفات علم المنطق و الفلسفة والنجوم ، فتخرج ثم يأمُر بإحراقها و إفسادها ، فيحرق البعض ويطرح البعض الآخر في آبار القصر ، ثم يُهال عليها التراب ، بمشهد من العلماء ، و كانت كثيرة جدا(1).
وهذا عبد السلام بن عبد الوهاب(2)الذي شغل نفسه ، و أفنى عمره في دراسة المنطق و الفلسفة و علم النجوم ، يحاكَم ثم يُقضي بفسقه ، و يحكم بإحراق كتبه ، فقد ذكر ابن رجب الحنبلي رحمه الله ، و غيره أن العلماء قرأوا كتبه كتاباً كتاباً ، و كانوا كلما قُرئ كتاب منها ، قيل : العنوا من كتبها و من يعتقدها ، فيضج العامة باللعن ، و يرمون بها في النار(3).
هذا هو موقف السلف الصالح من أهل الأهواء و البدع ، إنكار باللسان ، و مجالدة بالسنان ، و تغيير للمنكر بالقلب و اللسان و اليد ، رزقنا الله اتباعهم ، وحفظنا من شبهات من عارضهم و ناوأهم .
و بهذا أنهي ما تسنى لي جمعه و تحريره من معالم منهج أهل السنة و الجماعة في أصول الدين ، و هو منهج أهل السنة و الحديث رضوان الله عليهم أجمعين ، و أدفع به إلى من أرجو أن ينتفع بما فيه و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب .
و صلى الله تعالى على نبينا محمد و آله و صحبه و سلم .
__________
(1) ... انظر : طبقات الأمم ، للقاضي صاعد ، ص 66 ، و سير أعلام النبلاء 8 / 269 .
(2) ... هو عبد السلام بن عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر الجبيلي ، أبو منصور ، قال ابن النجار : ( كان ظريفا ، لطيف الأخلاق ، إلا أنه كان فاسد العقيدة ) . و قال الذهبي : ( الفاسد العقيدة الذي أحرقت كتبه ، و كان خِلّاً لعليّ ابن الجوزي يجمعهما عدم الورع ) . توفي سنة 611هـ / 1215 م .
انظر ترجمته في : مرآة الزمان 8 / 571 ، التكملة لوفيات النقلة للمنذري رقم 1348 ، سير أعلام النبلاء 22 / 55 ، البداية و النهاية 13 / 68 .
(3) ... انظر : ذيل طبقات الحنابلة ، لابن رجب 2 / 71 ، 72 .(1/48)