بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده حمد الفقراء إليه وهو ربنا الغني الحميد ونشكر له شكر السائلين من فضله المزيد شاهدين
أنه الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وسماه بشيرا ونذيرا وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى آله البررة الاطهار وصحابته النجباء الاخيار وعلى كل من بهدي النبي اهتدى وعلى دربهم سار إلى يوم الوقوف بين يدي العزيز الغفار:
أما بعد،
فهذا كتاب جمعت فيه أربعين حديثا من رواية الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه ،وسميته " الجواهر الهريرية من كلام خير البرية صلى الله عليه وسلم ، وجعلته شطرين:
1-خصصت الشطر الاول لدراسة حول شخصية أبي هريرة رضي الله عنه، حيث جمعت فيه كل ما تيسر لي
وبينت على أثر كل نقل مصدره
2- أما الشطر الثاني فخصصته للجواهر الاربعين ،كل جوهرة منها حديث من رواية لأبي هريرة مما اتفق عليه
الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله ،وأردفت كل حديث بشرحين:أولهما من "فتح الباري.." لابن حجر العسقلاني
والثاني من"المنهاج" للنووي رحمهما الله مع شيء من "فيض القدير "للمناوي رحمه الله.
أهدي الكتاب لزوار الموقع المتميز هذا وأسأل الله العلى الحكيم أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به إنه هو السميع العليم ،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... أبو يوسف محمد زايد
... ... ... ... ... ... ... ... ... يوم 4 رمضان المبارك عام 1426
... ... ... ... ... ... ... ... ... الموافق ليوم 08-09-2005(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الجوهرة 1
حدثتا موسى قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ،عن أبي هريرة، عن النبي صلىالله عليه وسلم قال : (ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
-رواه البخاري -كتاب العلم -، باب 38 :إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم
-ورواه مسلم في مقدمة صحيحه -باب تغليظ الكذب على رسول الله صلىالله عليه وسلم وروى الشيخان هذا الحديث من طرق أخرى عن صحابة آخرين:
+ عن علي قال : فال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تكذبوا علي،فإنه من كذب علي فليلج النار.)
+ عن أنس قال:'نه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من تعمد علي كذباً فليتبوأمقعده من النار.)
+ عن المغيرة قال :سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إن كذباً علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.)
-------------------------- نذكر جملة منها-إن شاء الله-بعد الشرح.
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
قوله باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليس في الأحاديث التي في الباب تصريح بالإثم وإنما هو مستفاد من الوعيد بالنار على ذلك لأنه لازمه .(1/1)
علي هو بن أبي طالب رضي الله عنه قوله لا تكذبوا على هو عام في كل كاذب مطلق في كل نوع من الكذب ومعناه لا تنسبوا الكذب إلى ولا مفهوم لقوله علي لأنه لايتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا نحن لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته وما دروا أن تقويله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى لأنه اثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب وكذا مقابلهما وهو الحرام و المكروه ولا يعتد بمن يخالف ذلك من الكرامية حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة واحتج بان كذب له لا عليه وهو جهل باللغة العربية وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت وهي ما أخرجه البزار من حديث بن مسعود بلفظ من كذب على ليضل به الناس الحديث وقد اختلف في وصله وارساله ورجح الدارقطني والحاكم إرساله أخرجه الدارمي من حديث يعلى بن مرة بسند ضعيف وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس والمعنى أن ما آل أمره إلى الاضلال أو هو من تخصيص بعض افراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى { ولا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة}و{ ولا تقتلوا أولادكم من املاق} فإن قتل الأولاد ومضاعفة الربا والاضلال في هذه الآيات إنما هو لتاكيد الأمر فيها لا لاختصاص الحكم قوله فليلج النار جعل الأمر بالولوج مسببا عن الكذب لأن لازم الأمر الالزام والالزام بولوج النار سببه الكذب عليه أو هو بلفظ الأمر ومعناه الخبر ويؤيده رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ من يكذب على يلج النار ولابن ماجة من طريق شريك عن منصور قال الكذب على يولج أي يدخل النار(1/2)
قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي و جامع بن شداد كوفي تابعي صغير وفي الإسناد لطيفتان: إحداهما أنه من رواية تابعي يرويه صحابي عن صحابي ثانيهما أنه من رواية الأبناء عن الآباء بخصوص رواية الأب عن الجد وقد أفردت بالتصنيف قوله قلت للزبير أي بن العوام قوله تحدث حذف مفعولها ليشمل قوله كما يحدث فلان وفلان سمي منهما في رواية بن ماجة عبد الله بن مسعود قوله اما بالميم المخففة وهي من حروف التنبيه و اني بكسر الهمزة لم أفارقه أي لم أفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الإسماعيلي منذ أسلمت والمراد في الأغلب وإلا فقد هاجر الزبير إلى الحبشة وكذا لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حال هجرته إلى المدينة وإنما أورد هذا الكلام على سبيل التوجيه للسؤال لأنه لازم الملازمه السماع ولازمه إعادة التحديث لكن منعه من ذلك ما خشيه من معنى الحديث الذي ذكره ولهذا أتى بقوله لكن وقد أخرجه الزبير بن بكار في كتاب النسب من وجه آخر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال عناني ذلك يعني قلة رواية الزبير فسألته أي عن ذلك فقال يا بني كان بيني وبينه من القرابة والرحم ما علمت وعمته أمي وزوجته خديجة عمتي وأمه آمنة بنت وهب وجدتي هالة بنت وهيب ابني وهيب عبد مناف بن زهرة وعندي أمك وأختها عائشة عنده ولكني سمعته يقول قوله من كذب علي كذا رواه البخاري ليس فيه متعمدا وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة وكذا في رواية الزبير بن بكار المذكورة أخرجه بن ماجة من طريقه وزاد فيه متعمدا وكذا للإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة والاختلاف فيه على شعبة وقد أخرجه الدارمي من طريق أخرى عن عبد الله بن الزبير بلفظ من حدث عني كذبا ولم يذكر العمد وفي تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليل للاصح في أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطا والمخطيء وإن كان غير مأثوم بالإجماع(1/3)
لكن الزبير خشي من الإكثار أن يقع في الخطا وهو لا يشعر لأنه وإن لم ياثم بالخطا لكن قد ياثم بالإكثار إذ الإكثار مظنه الخطا والثقه إذا حدث بالخطا فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطا يعمل به على الدوام للوثوق بنقله فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشارع فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطا لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث وأما من أكثر منهم فمحمول على إنهم واثقين من أنفسهم بالتثبيت أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان رضي الله عنهم قوله فليتبوأ أي فليتخذ لنفسه منزلا يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنا وهو أمر بمعنى الخبر أيضا أو بمعنى التهديد أو بمعنى التهكم أو دعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك وقال الكرماني يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته والمعنى من كذب فليامر نفسه بالتبوء ويلزم عليه كذا قال واولها اولاها فقد رواه أحمد بإسناد صحيح عن بن عمر بلفظ بني له بيت في النار قال الطيبي فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه أي كما أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد بجزائه التبوء(1/4)
قوله حدثنا أبو معمر هو البصري المقعد وعبد الوارث هو بن سعيد وعبد العزيز هو بن صهيب والإسناد كله بصريون قوله حدثنا المراد به جنس الحديث ولهذا وصفه بالكثرة قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم هو وما بعده في محل الرفع لأنه فاعل يمنعني وإنما خشي أنس مما خشي منه الزبير ولهذا صرح بلفظ الإكثار لأنه مظنة ومن حام حول الحمى لا يا من وقوعه فيه فكان التقليل منهم للاحتراز ومع ذلك فأنس من المكثرين لأنه تأخرت وفاته فاحتيج إليه كما قدمناه ولم يمكنه الكتمان ويجمع بأنه لو حدث بجميع ما عنده لكان أضعاف ما حدث به ووقع في رواية عتاب بمهملة ومثناة وفوقانية مولى هرمز سمعت أنسا يقول لولا إني أخشى أن اخطيء لحدثتك بأشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث أخرجه أحمد بإسناده فأشار إلى أنه لا يحدث الا ما تحققه ويترك ما يشك فيه وحمله بعضهم على أنه كان يحافظ على الرواية باللفظ فأشار إلى ذلك بقوله لولا أن اخطيء وفيه نظر والمعروف عن أنس جواز الرواية بالمعنى كما أخرجه الخطيب عنه صريحا وقد وجد في رواياته ذلك كالحديث في البسملة وفي قصة تكثير الماء عند الوضوء وفي قصة تكثير الطعام قوله كذبا هو نكرة في سياق الشرط فيعم جميع أنواع الكذب(1/5)
قوله حدثنا المكي هو اسم وليس بنسب كما تقدم وهو من كبار شيوخ البخاري سمع من سبعة عشر نفسا من التابعين منهم يزيد بن أبي عبيد المذكور هنا وهو مولى سلمة بن الأكوع صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث أول ثلاثي وقع في البخاري وليس فيه أعلى من الثلاثيات وقد أفردت فبلغت أكثر من عشرين حديثا قوله من يقل أصله يقول وإنما جزم بالشرط قوله ما لم أقل أي شيئا لم أقله فحذف العائد وهو جائز وذكر القول لأنه الأكثر وحكم الفعل كذلك لاشتراكهما في علة الامتناع وقد دخل الفعل في عموم حديث الزبير وأنس السابقين لتعبيرهما بلفظ الكذب عليه ومثلهما حديث أبي هريرة الذي ذكره بعد حديث سلمة فلا فرق في ذلك بين أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وفعل كذا إذا لم يكن قاله أو فعله وقد تمسك بظاهر هذا اللفظ من منع الرواية بالمعنى وأجاب المجيزون عنه بان المراد النهي عن الإتيان بلفظ يوجب تغير الحكم مع أن الإتيان باللفظ لا شك في أولويته والله أعلم(1/6)
قوله حدثنا موسى هو بن إسماعيل التبوذكي قال عن أبي حصين وهو بمهملتين مفتوح الأول وأبو صالح هو ذكوان السمان وقد ذكر المؤلف هذا الحديث بتمامه في كتاب الأدب من هذا الوجه ويأتي الكلام عليه فيه إن شاء الله تعالى وقد اقتصر مسلم في روايته له على الجملة الأخيرة وهي مقصود الباب وإنما ساقه المؤلف بتمامه ولم يختصره كعادته لينبه على أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم يستوي فيه اليقظة والمنام والله سبحانه وتعالى اعلم فإن قيل الكذب معصية الا ما استثنى في الإصلاح وغيره والمعاصي قد توعد عليها بالنار فما الذي امتاز به الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره فالجواب عنه من وجهين : أحدهما أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم وهو الشيخ أبو محمد الجويني لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن بعده ومال بن المنير إلى اختياره ووجهه بان الكاذب عليه في تحليل حرام مثلا لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله واستحلال الحرام كفر والحمل على الكفر كفر وفيما قاله نظر لا يختفي والجمهور على أنه لا يكفر الا إذا اعتقد حل ذلك الجواب الثاني أن الكذب عليه كبيرة والكذب على غيره صغيرة فافترقا ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه أو كذب على غيره أن يكون مقرهما واحدا أو طول اقامتهما سواء فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم فليتبوأ على طول الإقامة فيها بل ظاهره أنه لا يخرج منها لأنه لم يجعل له منزلا غيره الا أن الأدلة القطعية قامت على أن خلود التابيد مختص بالكافرين وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره كما سيأتي في الجنائز في حديث المغيرة حيث يقول إن كذبا على ليس ككذب على أحد وسنذكر مباحثه هناك إن شاء الله تعالى ونذكر فيه الاختلاف في توبة من تعمد الكذب عليه هل تقبل أو لا تنبيه رتب المصنف أحاديث الباب ترتيبا حسنا لأنه بدا بحديث علي وفيه مقصود(1/7)
الباب وثني بحديث الزبير الدال على توقي الصحابة وتحرزهم من الكذب عليه وثلث بحديث أنس الدال على أن امتناعهم إنما كان من الإكثار المفضي إلى الخطا لا عن أصل التحديث لأنهم مأمورون بالتبليغ وختم بحديث أبي هريرة الذي فيه الإشارة إلى استواء تحريم الكذب عليه سواء كانت دعوى السماع منه في اليقظة أو في المنام وقد أخرج البخاري حديث من كذب على أيضا من حديث المغيرة وهو في الجنائز ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في أخبار بني إسرائيل ومن حديث وائلة بن الأسقع وهو في مناقب قريش لكن ليس هو بلفظ الوعيد بالنار صريحا واتفق مسلم معه على تخريج حديث علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد أيضا وصح أيضا في غير الصحيحين من حديث عثمان بن عفان وابن مسعود وابن عمرو أبي قتادة وجابر وزيد بن أرقم وورد بأسانيد حسان من حديث طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن جبل وعقبة بن عامر وعمران بن حصين وابن عباس وسلمان الفارسي ومعاوية بن أبي سفيان ورافع بن خديج وطارق الأشجعي والسائب بن يزيد وخالد بن عرفطة وأبي أمامة وأبي قرصافة وأبي موسى الغافقي وعائشه فهؤلاء ثلاثة وثلاثون نفسا من الصحابة وورد أيضا عن نحو من خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة وعن نحو من عشرين آخرين بأسانيد ساقطه وقد اعتنى جماعة من الحفاظ بجمع طرقه فأول من وقفت على كلامه في ذلك على بن المديني وتبعه يعقوب بن شيبة فقال روى هذا الحديث من عشرين وجها عن الصحابة من الحجازيين وغيرهم ثم إبراهيم الحربي وأبو بكر البزار فقال كل منهما أنه ورد من حديث أربعين من الصحابة وجمع طرقه في ذلك العصر وأبو محمد يحيى بن محمد صاعد فزاد قليلا وقال أبو بكر الصيرفي شارح رسالة الشافعي رواه ستون نفسا من الصحابة وجمع طرقه الطبراني فزاد قليلا وقال أبو القاسم بن منده رواه أكثر من ثمانين نفسا وقد خرجها بعض النيسابوريين فزادت قليلا(1/8)
وقد جمع طرقه بن الجوزي في مقدمة كتاب الموضوعات فجاوز التسعين وبذلك جزم بن دحية وقال أبو موسى المديني يرويه نحو مائة من الصحابة وقد جمعها بعده الحافظان يوسف بن خليل وأبو علي البكري وهما متعاصران فوقع لكل منهما ما ليس عند الآخر وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة على ما فصلته من صحيح وحسن وضعيف وساقط مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه من غير تقييد بهذا الوعيد الخاص ونقل النووي أنه جاء عن مائتين من الصحابة ولاجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعة أنه متواتر ونازع بعض مشايخنا في ذلك قال لأن شرط التواتر استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة وليست موجوده في كل طريق منها بمفردها وأجيب بان المراد بإطلاق كونه متواترا رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر وهذا كاف في إفادة العلم وأيضا فطريق أنس وحدها قد رواها عنه العدد الكثير وتواترت عنهم نعم وحديث علي رواه عنه ستة من مشاهير التابعين وثقاتهم وكذا حديث بن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو فلو قيل في كل منها أنه متواتر عن صحابيه لكان صحيحا فإن العدد المعين لا يشترط في المتواتر بل ما أفاد العلم كفى والصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه كما قررته في نكت علوم الحديث وفي شرح نخبة الفكر وبينت هناك الرد على من ادعى أن مثال المتواتر لا يوجد الا في هذا الحديث وبينت أن امثلته كثيرة منها حديث من بني الله مسجدا والمسح على الخفين ورفع اليدين والشفاعة والحوض ورؤية الله في الاخره والائمة من قريش وغير ذلك والله المستعان وأما ما نقله البيهقي عن الحاكم ووافقه أنه جاء من رواية العشرة المشهورة قال وليس في الدنيا حديث أجمع العشرة على روايته غيره فقد تعقبه غير واحد لكن الطرق عنهم موجوده فيما جمعه بن الجوزي ومن بعده والثابت منها ما قدمت ذكره فمن الصحاح على والزبير ومن الحسان طلحة وسعد وسعيد وأبو عبيدة ومن الضعيف(1/9)
المتماسك طريق عثمان وبقيتها ضعيف وساقط
من أبواب التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن موسوعة الحديث –الاصدار2- إنتاج = روح الاسلام=www.islamspirit.com ...
(((شكر الله لمن قاموا بهذ العمل العظيم ذي النفع العميم سعيهم وتقبل عنهم صالح جهدهم وسددهم وكان لهم وليا ونصيرا ومعينا وظهبرا وأبقى هذا الموقع المتميز الرائد موطنا يلجأ إليه كل راغب في الاطلاع على كنوز
الثرات الاسلامي ،كتاباً وسُنة ، واللهَ -الذي ما التوفيق إلا به -أسأل أن يكلل كل أعمالكم بالنجاح والقبول
وأن يجزيكم خير الجزاء وأكمله عما تنشرونه من العلم النافع ، إنه هو الثواب الشكور .))))
...
= قال ابن الصلاح رحمه الله : حديث "من كذب علي" متواتر. فان ناقله من الصحابة جم غفير. قيل اثنان وستون، منهم العشرة المبشرة. وقيل: لا يعرف حديث اجتمع عليه العشرة إلا هذا.
----- وهذه جملة منها ------
01- حدثنا عمرو بن مالك حدثنا جارية بن هرم الفقيمي يقول حدثني عبد الله بن دارم حدثنا عبد الله بن بسر الحبراني قال سمعت أبا كبشة الأنماري وكان له صحبة يحدث عن أبي بكر الصديق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من كذب علي متعمدا أو رد شيئا أمرت به فليتبوأ بيتا في جهنم ))
02- حدثنا نصر بن علي بن نصر حدثنا مسلم عن الدجين عن أسلم مولى عمر عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ))
03- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا إسحق بن عيسى حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ح وشريح وحسين قالا: حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عامر بن سعد قال حسين بن أبي وقاص قال : سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: -ما يمنعني أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون أوعى أصحابه عنه ولكني أشهد لسمعته يقول: ((من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار وقال حسين أوعى صحابته عنه))(1/10)
04-حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، وإسماعيل بن موسى قالا: حدثنا شريك، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن علي بن أبي طالب قال: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكذبوا علي فان الكذب علي يولج النار)).
05- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسويد بن سعيد وعبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن موسى قالوا: حدثنا شريك، عن سماك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه؛ قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ))
... ...
06-حدثنا محمد بن رمح المصري، حدثنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال: ...
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي "حسبته قال متعمدا"، فليتبوأ مقعده من النار)).
07- أخبرنا أسد بن موسى ثنا شعبة عن عتاب قال : سمعت أنس بن مالك يقول :لولا أني أخشى ان أخطئ لحدثتكم بأشياء سمعتها من رسول صلى الله عليه وسلم أو قالها رسول الله وذاك اني سمعته صلى الله عليه وسلم يقول (( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ... ... ... ... ... ...
08- حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا هشيم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) ... ...
09- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)). ...(1/11)
**-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثني إسحق بن عيسى حدثنا عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: كنا قعودا نكتب ما نسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فخرج علينا فقال ما هذا تكتبون فقلنا ما نسمع منك فقال أكتاب مع كتاب الله فقلنا ما نسمع فقال اكتبوا كتاب الله امحضوا كتاب الله أكتاب غير كتاب الله امحضوا كتاب الله أو خلصوه قال فجمعنا ما كتبنا في صعيد واحد ثم أحرقناه بالنار قلنا أي رسول الله أنتحدث عنك قال نعم ثحدثوا عني ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار قال فقلنا يا رسول الله أنتحدث عن بني اسرائيل قال نعم تحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج فإنكم لا تحدثون عنهم بشيء إلا وقد كان فيهم أعجب منه.
**- أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الفقيه بالطابران رحمه الله ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف ثنا بشر بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقري حدثني سعيد حدثني بكر بن عمرو عن أبي عثمان مسلم بن يسار ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبأ بن وهب أخبرني سعيد بن أيوب عن بكر بن عمرو عن عمرو بن أبي نعيم عن أبي عثمان مسلم بن مسلم بن يسار عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(( من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ومن استشاره أخوه فأشار عليه بغير رشده فقد خانه ومن أفتى بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه ))
10-حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يحي بن يعلى التيمي، عن محمد بن إسحاق، عن معبد بن كعب، عن أبي قتادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، على هذا المنبر ((إياكم وكثرة الحديث عني. فمن قال علي فليقل حقا أو صدقا. ومن تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)(1/12)
**-أخبرنا أحمد بن خالد ثنا محمد هو ابن إسحاق عن معبد بن كعب عن أبي قتادة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :(( يا أيها الناس إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال علي فلا يقل الا حقا أو الا صدقا ومن قال علي ما لم أقل متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ... ))
11-حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار قالا: حدثنا غندر محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن جامع بن شداد أبي صخرة، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال:
- قلت للزبير بن العوام: ما لي لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسمع ابن مسعود وفلانا وفلانا؟ قال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت. ولكني سمعت منه كلمة. يقول ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)).
12-أخبرنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني يزيد بن عبد الله عن عمرو بن عبد الله بن عروة عن عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير عن الزبير انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ((من حدث عني كذبا فليتبوأ مقعده من النار ))
13- حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، عن مطرف، عن عطية، عن أبي سعيد قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)).
14-أخبرنا محمد بن حميد حدثني الصباح بن محارب عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
15 - حدثنا علي بن عياش: حدثنا حريز قال: حدثني عبد الواحد بن عبد الله النصري قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تره، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل).(1/13)
16-حدثنا هداب بن خالد الأزدي. حدثنا همام عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( لا تكتبوا عني . ومن كتب عني غير القرآن فليمحه . وحدثوا عني، ولا حرج. ومن كذب علي - قال همام أحسبه قال - متعمدا فليتبوأ مقعده من النار))
17 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا عشانة حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول لا أقول اليوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(( من كذب علي متعمدا فليتبوأ بيتا من جهنم ))
** أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم قال حدثنا حرملة بن يحيى قال حدثنا بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن هشام بن أبي رقية حدثه قال سمعت مسلمة بن مخلد وهو على المنبر يخطب الناس يقول أيها الناس أما لكم في العصب الكتان ما يغنيكم عن الحرير وهذا رجل يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عقبة فقام عقبة بن عامر وأنا أسمع فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(( من كذب علي متعمدا فليتبوأمقعده من النار)) وأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من لبس الحرير حرمه أن يلبسه في الآخرة
** أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنبأ عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان حدثني سعيد بن أبي مريم ثنا يحيى بن أيوب حدثني الحسن بن ثوبان وعمرو بن الحارث عن هشام بن أبي قال فوالله لمناديل سعد في الجنة أحسن مما ترون رقية قال سمعت مسلمة بن مخلد يقول لعقبة بن عامر قم فأخبر الناس بما سمعت من رسول الله صلىالله عليه وسلم فقام عقبة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((من كذب علي فليتبوأ مقعده من جهنم ))(1/14)
18 - حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا أبو داود أنبأنا شعبة عن سماك بن حرب قال سمعت عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يحدث عن أبيه قال:
- (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(( إنكم منصورون ومصيبون ومفتوحٌ لكم فمن أدرك ذاك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر ومن يكذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) .
19-أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل الماسرجسي أنبأ أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ثنا محمد بن عبد الوهاب أنبأ جعفر بن عون أنبأ عبد الرحمن المسعودي عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن عبد الله قال جمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت آخر من أتاه ونحن أربعون رجلا فقال ((إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم فمن أدرك ذلك فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر وليصل الرحم ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ))ورواه أيضا الثوري ومسعر بن كدام عن سماك وفي رواية مسعر جمعنا نحوا من أربعين
20- حدثناه أبو جعفر أحمد بن عبيد بن إبراهيم الحافظ بهمدان ثنا محمد بن زكريا الغلابي ثنا عبد الرحمن أنا عمر بن جبلة ثنا عمر بن الفضل السلمي ثنا غزوان بن عتبة بن غزوان عن أبيه رضى الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار))(1/15)
21- أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش حدثنا عتيق بن يعقوب حدثني أبي حدثني الزبير بن خبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال عبد الله بن الزبير لأبيه يا أبت حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحدث عنك فإن كل أبناء الصحابة يحدث عن أبيه قال يا بني ما من أحد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحبة إلا وقد صحبته مثلها أو أفضل ولقد علمت يا بني أن أمك أسماء بنت أبي بكر كانت تحتي ولقد عملت أن عائشة بنت أبي بكر خالتك ولقد علمت أن أمي صفية بنت عبد المطلب وأن أخوالي حمزة بن عبد المطلب وأبو طالب والعباس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بن خالي ولقد علمت أن عمتي خديجة بنت خويلد وكانت تحته وأن ابنتها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد علمت أن أمه صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة وأن أم صفية وحمزة هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ولقد صحبته بأحسن صحبة والحمد لله ولقد سمعته صلى الله عليه وسلم يقول ((من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار))
22 - حدثنا الفضل بن سكين بن سخيت حدثنا سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله حدثني أبي عن جدي قال حدثني موسى بن طلحة عن طلحة بن عبيد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ))
23 - حدثنا هارون بن معروف حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا بن لهيعة حدثني بن هبيرة قال سمعت شيخا يحدث أبا تميم أنه سمع قيس بن سعد بن عبادة وهو على مصر يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(( من كذب علي كذبة متعمدا فليتبوأ بيتا من جهنم أو مضجعا من جهنم ))(1/16)
24-حدثنا المعلى حدثنا أبو عوانة عن عبد الأعلى الثعلبي عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اتقوا الحديث علي إلا ما علمتم فإنه من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار ومن كذب على القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار))
25 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو نعيم ثنا سعيد بن عبيد الطائي عن علي بن ربيعة أنه خرج يوما إلى المسجد الأعظم والمغيرة بن شعبة أمير على الكوفة فخرج المغيرة إلى المسجد فرقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما هذا النوح في الإسلام قالوا توفي رجل من الأنصار يقال له قرظة بن كعب فنيح عليه قال المغيرة إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إن كذبا علي ليس ككذب على أحد فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار ))وإني سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول(( من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه))
** أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أحمد بن إسحاق الصيدلاني ثنا أحمد بن محمد بن نصر ثنا أبو نعيم ثنا محمد بن قيس الأسدي عن علي بن ربيعة قال كان أول من نيح عليه بالكوفة على قرظة بن كعب وزعم أن المغيرة بن شعبة قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ))وسمعته يقول من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه أخرجه مسلم من وجه آخر عن محمد بن قيس(1/17)
26- حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا صدقة بن المثنى النخعي حدثني جدي رياح بن الحارث قال كنا عند المغيرة بن شعبة وهو في المسجد وعنده أهل الكوفة فجاء سعيد بن زيد فأوسع له المغيرة فقال هاهنا فاجلس فأجلسه معه على السرير فقال سعيد بن زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار))
27- حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا محمد بن بشر حدثنا زكريا بن أبي زائدة حدثنا خالد بن سلمة أن مسلما مولى خالد بن عرفطة حدثه أن خالد بن عرفطة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم يقول: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار))
28- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن إسحق أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار))
** حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو المغيرة حدثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية قال أقبل أبو كبشة السلولي ونحن في المسجد فقام اليه مكحول وابن أبي زكريا وأبو بحرية فقال سمعت عبد الله بن عمرو يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.))
29-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا الضحاك بن مخلد قال حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: -قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
2 باب من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا وهو يرى أنه كذب(1/18)
1 -حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال- ((من حدث عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)).
2-حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال- ((من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)).
3 - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع. ح وحدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد ابن جعفر قالا: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
- ((من حدث عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)).
4- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن المغيرة بن شعبة قال: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)).
الجوهرة 2
حدثنا مسدد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا أبو حيان التيمي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث). قال: ما الإسلام؟ قال: (الإسلام: أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان). قال: ما الإحسان؟ قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). قال: متى الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله). ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله عنده علم الساعة} الآية، ثم أدبر، فقال: (ردوه): فلم يروا شيئا، فقال: (هذا جبريل، جاء يعلم الناس دينهم).(1/19)
قال أبو عبد الله: جعل ذلك كله من الإيمان.
البخاري :كتاب الايمان 37 باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم
مسلم : كتاب الايمان باب1 باب لاسمان ما هو وبيان حصاله
شرح 1 فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
قوله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم هو البصري المعروف بابن علية قال أخبرنا أبو حيان التميمي وأورده المصنف في تفسير سورة لقمان من حديث جرير بن عبد الحميد عن أبي حيان المذكور ورواه مسلم من وجه آخر عن جرير أيضا عن عمارة بن القعقاع ورواه أبو داود والنسائي من حديث جرير أيضا عن أبي فروة ثلاثتهم عن أبي زرعة عن أبي هريرة زاد أبو فروة وعن أبي ذر أيضا وساق حديثه عنهما جميعا وفيه فوائد زوائد سنشير إليها إن شاء الله تعالى ولم أر هذا الحديث من رواية أبي هريرة الا عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير هذا عنه ولم يخرجه البخاري الا من طريق أبي حيان عنه وقد أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب وفي سياقه فوائد زوائد أيضا وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف فيه على بعض رواته فمشهوره رواية كهمس بسين مهملة قبلها ميم مفتوحة بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر بفتح الميم أوله ياء تحتانية مفتوحة عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رواه عن كهمس جماعة من الحفاظ وتابعه مطر الوراق عن عبد الله بن بريدة وتابعه سليمان التيمي عن يحيى بن يعمر وكذا رواه عثمان بن غياث عن عبد الله بن بريدة لكنه قال عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن معا عن بن عمر عن عمر زاد فيه حميدا وحميد له في الرواية المشهورة ذكر لا رواية وأخرج مسلم هذه الطرق ولم يسق منها الا متن الطريق الأولى وأحال الباقي عليها وبينها اختلاف كثير سنشير إلى بعضه فأما رواية مطر فأخرجها أبو عوانة في صحيحه وغيره وأما رواية سليمان التيمي فأخرجها بن خزيمة في صحيحه وغيره وأما رواية عثمان بن غياث فأخرجها أحمد في مسنده وقد خالفهم سليمان بن بريدة أخو(1/20)
عبد الله فرواه عن يحيى بن يعمر عن عبد الله بن عمر قال بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعله من مسند بن عمر لا من روايته عن أبيه أخرجه أحمد أيضا وكذا رواه أبو نعيم في الحلية من طريق عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر وكذا روى من طريق عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر أخرجه الطبراني وفي الباب عن أنس أخرجه البزار والبخاري في خلق أفعال العباد وإسناده حسن وعن جرير البجلي أخرجه أبو عوانة في صحيحه وفي إسناده خالد بن يزيد وهو العمري ولا يصلح للصحيح وعن بن عباس وأبي عامر الأشعري أخرجهما أحمد واسنادهما حسن وفي كل من هذه الطرق فوائده سنذكرها إن شاء الله تعالى في اثناء الكلام على حديث الباب وإنما جمعت طرقها هنا وعزوتها إلى مخرجيها لتسهيل الحوالة عليها فرارا من التكرار المباين لطريق الاختصار والله الموفق قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس أي ظاهرا لهم غير محتجب عنهم ولا ملتبس بغيره والبروز الظهور وقد وقع في رواية أبي فروة التي أشرنا إليها بيان ذلك فإن أوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو فطلبنا إليه أن يجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه قال فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه انتهى واستنبط منه القرطبي استحباب جلوس العالم بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا أحتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه قوله فأتاه رجل أي ملك في صورة رجل وفي التفسير للمصنف إذ أتاه رجل يمشي ولأبي فروة فإنا الجلوس عنده إذ أقبل رجل أحسن الناس وجها وأطيب الناس ريحا كأن ثيابه لم يمسها دنس ولمسلم من طريق كهمس في حديث عمر بينما نحن ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر وفي رواية بن حبان سواد اللحية لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على(1/21)
فخديه وفي رواية لسليمان التيمي ليس عليه سحناء السفر وليس من البلد فتخطى حتى برك بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في حديث بن عباس وأبي عامر الأشعري ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم فأفادت هذه الرواية أن الضمير في قوله على فخذيه يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وبه جزم البغوي وإسماعيل التيمي لهذه الرواية ورجحه الطيبي بحثا لأنه نسق الكلام خلافا لما جزم به النووي ووافقه التوربشتى لأنه حمله على أنه جلس كهيئة المتعلم بين يدي من يتعلم منه وهذا وان كان ظاهرا من السياق لكن وضعه يديه على فخذ النبي صلى الله عليه وسلم منبه للاصغاء إليه وفيه إشارة لما ينبغي للمسئول من التواضع والصفح عما يبدو من جفاء السائل والظاهر أنه أراد بذلك المبالغة في تعمية أمره ليقوى الظن بأنه من جفاة الأعراب ولهذا تخطى الناس حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ولهذا استغرب الصحابة صنيعه ولأنه ليس من أهل البلد وجاء ماشيا ليس عليه أثر سفر فإن قيل كيف عرف عمر أنه لم يعرفه أحد منهم ؟ أجيب بأنه يحتمل أن يكون استند في ذلك إلى ظنه أو إلى صريح قول الحاضرين قلت وهذا الثاني أولى فقد جاء كذلك في رواية عثمان بن غياث فإن فيها فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا ما نعرف هذا وأفاد مسلم في رواية عمارة بن القعقاع سبب ورود هذا الحديث فعنده في أوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوني فهابوا أن يسألوه قال فجاء رجل ووقع في رواية بن منده من طريق يزيد بن زريع عن كهمس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاءه رجل فكأن أمره لهم بسؤاله وقع في خطبته وظاهره أن مجيء الرجل كان في حال الخطبة فإما أن يكون وافق انقضاءها أو كان ذكر ذلك القدر جالسا وعبر عنه الراوي بالخطبة وقوله فقال زاد المصنف في التفسير يا رسول الله ما الإيمان فان قيل فكيف(1/22)
بدأ بالسؤال قبل السلام أجيب بأنه يحتمل أن يكون ذلك مبالغة في التعمية لأمره أو ليبين أن ذلك غير واجب أو سلم فلم ينقله الراوي قلت وهذا الثالث هو المعتمد فقد ثبت في رواية أبي فروة ففيها بعد قوله كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف البساط فقال السلام عليك يا محمد فرد عليه السلام قال أدنو يا محمد؟ قال ادن فما زال يقول أدنو مرارا ويقول له ادن ونحوه في رواية عطاء عن بن عمر لكن قال السلام عليك يا رسول الله وفي رواية مطر الوراق فقال يا رسول الله أدنو منك؟ قال ادن ولم يذكر السلام فاختلفت الروايات هل قال له يا محمد أو يا رسول الله هل سلم أولا فأما السلام فمن ذكره مقدم على من سكت عنه وقال القرطبي بناء على أنه لم يسلم وقال يا محمد إنه أراد بذلك التعمية فصنع صنيع الأعراب قلت ويجمع بين الروايتين بأنه بدأ أولا بندائه باسمه لهذا المعنى ثم خاطبه بقوله يا رسول الله ووقع عند القرطبي أنه قال السلام عليكم يا محمد فاستنبط منه أنه يستحب للداخل أن يعمم بالسلام ثم يخصص من يريد تخصيصه انتهى والذي وقفت عليه من الروايات إنما فيه الأفراد وهو قوله السلام عليك يا محمد قوله ما الإيمان قيل قدم السؤال عن الإيمان لأنه الأصل وثنى بالإسلام لأنه يظهر مصداق الدعوى وثلث بالإحسان لأنه متعلق بهما وفي رواية عمارة بن القعقاع بدأ بالإسلام لأنه بالأمر الظاهر وثنى بالإيمان لأنه بالأمر الباطن ورجح هذا الطيبي لما فيه من الترقى ولا شك أن القصة واحدة اختلف الرواة في تأديتها وليس في السياق ترتيب ويدل عليه رواية مطر الوراق فإنه بدأ بالإسلام وثنى بالإحسان وثلث بالإيمان فالحق أن الواقع أمر واحد والتقديم والتأخير وقع من الرواة والله أعلم قوله قال الإيمان أن تؤمن بالله الخ دل الجواب أنه علم أنه سأله عن متعلقاته لا عن معنى لفظه وإلا لكان الجواب الإيمان التصديق وقال الطيبي هذا يوهم التكرار وليس كذلك فإن قوله أن تؤمن بالله مضمن(1/23)
معنى أن تعترف به ولهذا عداه بالباء أي أن تصدق معترفا بكذا قلت والتصديق أيضا يعدى بالباء فلا يحتاج إلى دعوى التضمين وقال الكرماني ليس هو تعريفا للشيء بنفسه بل المراد من المحدود الإيمان الشرعي ومن الحد الإيمان اللغوي قلت والذي يظهر أنه إنما أعاد لفظ الإيمان للاعتناء بشأنه تفخيما لأمره ومنه قوله تعالى قل يحييها الذي أنشأها أول مرة في جواب من يحيى العظام وهي رميم يعني أن قوله أن تؤمن ينحل منه الإيمان فكأنه قال الإيمان الشرعي تصديق مخصوص و إلا لكان الجواب الإيمان التصديق والإيمان بالله هو التصديق بوجوده وأنه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص قوله وملائكته الإيمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم وأنهم كما وصفهم الله تعالى عباد مكرمون وقدم الملائكة على الكتب والرسل نظرا للترتيب الواقع لأنه سبحانه وتعالى أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول وليس فيه متمسك لمن فضل الملك على الرسول قوله وكتبه هذه عند الأصيلي هنا واتفق الرواة على ذكرها في التفسير والإيمان بكتب الله التصديق بأنها كلام الله وأن ما تضمنته حق قوله وبلقائه كذا وقعت هنا بين الكتب والرسل وكذا لمسلم من الطريقين ولم تقع في بقية الروايات وقد قيل إنها مكررة لأنها داخلة في الإيمان بالبعث والحق أنها غير مكررة فقيل المراد بالبعث القيام من القبور والمراد باللقاء ما بعد ذلك وقيل اللقاء يحصل بالانتقال من دار الدنيا والبعث بعد ذلك ويدل على هذا رواية مطر الوراق فإن فيها وبالموت وبالبعث بعد الموت كذا في حديث أنس وابن عباس وقيل المراد باللقاء رؤية الله ذكره الخطابي وتعقبه النووي بأن أحدا لا يقطع لنفسه برؤية الله فأنه مختصة بمن مات مؤمنا والمرء لا يدري بم يختم له فكيف يكون ذلك من شروط الإيمان وأجيب بأن المراد الإيمان بأن ذلك حق في نفس الأمر وهذا من الأدلة القوية لأهل السنة في اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة إذ جعلت من قواعد الإيمان قوله ورسله(1/24)
وللأصيلي وبرسله ووقع في حديث أنس وابن عباس والملائكة والكتاب والنبيين وكل من السياقين في القرآن في البقرة والتعبير بالنبيين يشمل الرسل من غير عكس والإيمان بالرسل التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله ودل الإجمال في الملائكة والكتب والرسل على الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم من غير تفصيل الا من ثبت تسميته فيجب الإيمان به على التعيين وهذا التريب مطابق للآية آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ومناسبة الترتيب المذكور وإن كانت الواو لا ترتب بل المراد من التقديم أن الخير والرحمة من الله ومن أعظم رحمته أن أنزل كتبه الى عباده والمتلقى لذلك منهم الأنبياء والواسطة بين الله وبينهم الملائكة قوله وتؤمن بالبعث زاد في التفسير الآخر ولمسلم في حديث عمرو اليوم الآخر فأما البعث الآخر فقيل ذكر الآخر تأكيدا كقولهم أمس الذاهب وقيل لأن البعث وقع مرتين الأولى الإخراج من العدم إلى الوجود أو من بطون الأمهات بعد النطفة والعلقة إلى الحياة الدنيا والثانية البعث من بطون القبور إلى محل الاستقرار وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا أو آخر الأزمنة المحدودة والمراد بالإيمان به والتصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار وقد وقع التصريح بذكر الأربعة بعد ذكر البعث في رواية سليمان التيمي وفي حديث بن عباس أيضا فائدة زاد الإسماعيلي في مستخرجه هنا وتؤمن بالقدر وهي في رواية أبي فروة أيضا وكذا لمسلم من رواية عمارة بن القعقاع وأكده بقوله كله وفي رواية كهمس وسليمان التيمي وتؤمن بالقدر خيره وشره وكذا في حديث بن عباس وهو في رواية عطاء عن بن عمر بزيادة وحلوه ومر من الله وكأن الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر البعث الإشارة إلى أنه نوع آخر مما يؤمن به لأن البعث سيوجد بعد وما ذكر قبله موجود الآن وللتنويه بذكره لكثرة من كان ينكره من الكفار ولهذا كثر تكراره في القرآن وهكذا الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن(1/25)
عند ذكر القدر كأنها أشارة الى ما يقع فيه من الاختلاف فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة تؤمن ثم قرره بالابدال بقوله خيره وشره وحلوه ومره ثم زاده تأكيدا بقوله في الرواية الأخيرة من الله والقدر مصدر تقول قدرت الشيء بتخفيف الدال وفتحها أقدره بالكسر والفتح قدرا وقدرا إذا احطت بمقداره والمراد أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وازمانها قبل ايجادها ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وارادته هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة وقد روى مسلم القصة في ذلك من طريق كهمس عن بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني قال فانطلقت أنا وحميد الحميري فذكر اجتماعهما بعبد الله بن عمر وأنه سأله عن ذلك فأخبره بأنه برئ ممن يقول ذلك وأن الله لا يقبل ممن لم يؤمن بالقدر عملا وقد حكى المصنفون في المقالات عن طوائف من القدرية إنكار كون البارىء عالما بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم وإنما يعلمها بعد كونها قال القرطبي وغيره قد انقرض هذا المذهب ولا نعرف أحدا ينسب إليه من المتأخرين قال والقدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن افعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال وهو مع كونه مذهبا باطلا أخف من المذهب الأول وأما المتأخرون منهم فأنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد فرارا من تعلق القديم بالمحدث وهم مخصومون بما قال الشافعي إن سلم القدري العلم خصم يعني يقال له ايجوز أن يقع في الوجود خلاف ما تضمنه العلم فإن منع وافق قول أهل السنة وإن أجاز لزمه نسبة الجهل تعالى الله عن ذلك تنبيه ظاهر السياق يقتضى أن الإيمان لايطلق إلا على من صدق بجميع ما ذكر وقد اكتفى الفقهاء بإطلاق الإيمان على من آمن بالله ورسوله ولا(1/26)
اختلاف أن الإيمان برسول الله المراد به الإيمان بوجوده وبما جاء به عن ربه فيدخل جميع ما ذكر تحت ذلك والله أعلم قوله أن تعبد الله قال النووي يحتمل أن يكون المراد بالعبادة معرفة الله فيكون عطف الصلاة وغيرها عليها لادخالها في الإسلام ويحتمل أن يكون المراد بالعبادة الطاعة مطلقا فيدخل فيه جميع الوظائف فعلى هذا يكون عطف الصلاة وغيرها من عطف الخاص على العام قلت أما الاحتمال الأول فبعيد لأن المعرفة من متعلقات الإيمان وأما الإسلام فهو أعمال قولية وبدنية وقد عبر في حديث عمر هنا بقوله أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فدل على أن المراد بالعبادة في حديث الباب النطق بالشهادتين وبهذا تبين دفع الاحتمال الثاني ولما عبر الراوي بالعبادة أحتاج أن يوضحها بقوله ولا تشرك به شيئا ولم يحتج إليها في رواية عمر لاستلزامها ذلك فإن قيل السؤال عام لأنه سأل عن ماهية الإسلام والجواب خاص لقوله أن تعبد أو تشهد وكذا قال في الإيمان أن تؤمن وفي الإحسان أن تعبد والجواب أن ذلك لنكتة الفرق بين المصدر وبين أن والفعل لأن أن تفعل تدل على الاستقبال والمصدر لا يدل على زمان على أن بعض الرواة أورده هنا بصيغة المصدر ففي رواية عثمان بن غياث قال شهادة أن لا إله إلا الله وكذا في حديث أنس وليس المراد بمخاطبته بالافراد اختصاصه بذلك بل المراد تعليم السامعين الحكم في حقهم وحق من أشبههم من المكلفين وقد تبين ذلك بقوله في آخره يعلم الناس دينهم فإن قيل لم لم يذكر الحج أجاب بعضهم باحتمال أنه لم يكن فرض وهو مردود بما رواه بن منده في كتاب الإيمان بإسناده الذي على شرط مسلم من طريق سليمان التيمي في حديث عمر أوله أن رجلا في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله وآخر عمره يحتمل أن يكون بعد حجة الوداع فأنها آخر سفراته ثم بعد قدومه بقليل دون ثلاثة أشهر مات وكأنه إنما جاء بعد(1/27)
إنزال جميع الأحكام لتقرير أمور الدين التي بلغها متفرقة في مجلس واحد لتنضبط ويستنبط منه جواز سؤال العالم ما لا يجهله السائل ليعلمه السامع وأما الحج فقد ذكر لكن بعض الرواة إما ذهل عنه وإما نسيه والدليل على ذلك اختلافهم في ذكر بعض الأعمال دون بعض ففي رواية كهمس وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا وكذا في حديث أنس وفي رواية عطاء الخراساني لم يذكر الصوم وفي حديث أبي عامر ذكر الصلاة والزكاة حسب ولم يذكر في حديث بن عباس مزيدا على الشهادتين وذكر سليمان التيمي في روايته الجميع وزاد بعد قوله وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتمم الوضوء وقال مطر الوراق في روايته وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة قال فذكر عرى الإسلام فتبين ما قلناه إن بعض الرواة ضبط ما لم يضبطه غيره قوله وتقيم الصلاة زاد مسلم المكتوبة أي المفروضة وإنما عبر بالمكتوبة للتفنن في العبارة فإنه عبر في الزكاة بالمفروضة ولاتباع قوله تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا قوله وتصوم رمضان استدل به على قول رمضان من غير إضافة شهر إليه وستأتي المسألة في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى قوله الإحسان هو مصدر تقول أحسن يحسن إحسانا ويتعدى بنفسه وبغيره تقول أحسنت كذا إذا اتقنته واحسنت إلى فلان إذا اوصلت إليه النفع والأول هو المراد لأن المقصود إتقان العبادة وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلا محسن باخلاصه إلى نفسه وإحسان العبادة الإخلاص فيها والخشوغ وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود وأشار في الجواب إلى حالتين أرفعهما أن يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حتى أنه يراه بعينه وهو قوله كأنك تراه أي وهو يراك والثانية أن يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل وهو قوله فإنه يراك وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله وخشيته وقد عبر في رواية عمارة بن القعقاع بقوله أن تخشى الله كأنك تراه وكذا في حديث أنس وقال النووي معناه إنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا(1/28)
كنت تراه ويراك لكونه يراك لا لكونك تراه فهو دائما يراك فأحسن عبادته وإن لم تره فتقدير الحديث فإن لم تكن تراه فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك قال وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين وهو عمدة الصديقين وبغية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين وهو من جوامع الكلم التي اوتيها صلى الله عليه وسلم وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من التلبس بشيء من النقائص احتراما واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه في سره وعلانيته انتهى وقد سبق إلى أصل هذا القاضي عياض وغيره وسيأتي مزيد لهذا في تفسير لقمان إن شاء الله تعالى تنبيه دل سياق الحديث على أن رؤية الله في الدنيا بالأبصار غير واقعة وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فذاك لدليل آخر وقد صرح مسلم في روايته من حديث أبي إمامة بقوله صلى الله عليه وسلم واعلموا إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا وأقدم بعض غلاة الصوفية على تأويل الحديث بغير علم فقال فيه إشارة الى مقام المحو والفناء وتقديره فإن لم تكن أي فإن لم تصر شيئا وفنيت عن نفسك حتى كأنك ليس بموجود فأنك حينئذ تراه وغفل قائل هذا للجهل بالعربية عن أنه لو كان المراد ما زعم لكان قوله تراه محذوف الألف لأنه يصير مجزوما لكونه على زعمه جواب الشرط ولم يرد في شيء من طرق هذا الحديث بحذف الألف ومن ادعى أن إثباتها في الفعل المجزوم على خلاف القياس فلا يصار إليه إذ لاضرورة هنا وأيضا فلو كان ما ادعاه صحيحا لكان قوله فإنه يراك ضائعا لأنه لا ارتباط له بما قبله ومما يفسد تأويله رواية كهمس فإن لفظها فإنك إن لا تراه فأنه يراك وكذلك في رواية سليمان التيمي فسلط النفي على الرؤية لا على الكون الذي حمل على ارتكاب التأويل المذكور وفي رواية أبي فروة فان لم تره فإنه يراك ونحوه في حديث أنس وابن عباس وكل هذا يبطل التأويل المتقدم والله أعلم فائدة زاد مسلم في(1/29)
رواية عمارة بن القعقاع قول السائل صدقت عقب كل جواب من الأجوبة الثلاثة وزاد أبو فروة في روايته فلما سمعنا قول الرجل صدقت أنكرناه وفي رواية كهمس فعجبنا له يسأله ويصدقه وفي رواية مطر انظروا إليه كيف يسأله وانظروا إليه كيف يصدقه وفي حديث أنس انظروا وهو يسأله وهو يصدقه كأنه أعلم منه وفي رواية سليمان بن بريدة قال القوم ما رأينا رجل مثل هذا كأنه يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له صدقت صدقت قال القرطبي إنما عجبوا من ذلك لأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف الا من جهته وليس هذا السائل ممن عرف بلقاء النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالسماع منه ثم هو يسأل سؤال عارف بما يسأل عنه لأنه يخبره بأنه صادق فيه فتعجبوا من ذلك تعجب المستبعد لذلك والله أعلم قوله متى الساعة أي متى تقوم الساعة وصرح به في رواية عمارة بن القعقاع واللام للعهد والمراد يوم القيامة قوله ما المسئول عنها ما نافية وزاد في رواية أبي فروة فنكس فلم يجبه ثم أعاد فلم يجبه ثلاثا ثم رفع رأسه فقال ما المسئول قوله بأعلم الباء زائدة لتأكيد النفي وهذا وإن كان مشعرا بالتساوى في العلم لكن المراد التساوى في العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها لقوله بعد خمس لا يعلمها إلا الله وسيأتي نظير هذا التركيب في أواخر الكلام على هذا الحديث في قوله ما كنت بأعلم به من رجل منكم فإن المراد أيضا التساوى في عدم العلم به وفي حديث بن عباس هنا فقال سبحان الله خمس من الغيب لا يعلمهن الا الله ثم تلا الآية قال النووي يستنبط منه أن العالم إذا سئل عما لا يعلم يصرح بأنه لا يعلمه ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته بل يكون ذلك دليلا على مزيد ورعه وقال القرطبي مقصود هذا السؤال كف السامعين عن السؤال عن وقت الساعة لأنهم قد أكثروا السؤال عنها كما ورد في كثير من الآيات والأحاديث فلما حصل الجواب بما ذكر هنا حصل اليأس من معرفتها بخلاف الأسئلة الماضية فإن المراد(1/30)
بها استخراج الأجوبة ليتعلمها السامعون ويعملوا بها ونبه بهذه الأسئلة على تفصيل ما يمكن معرفته مما لا يمكن قوله من السائل عدل عن قوله لست بأعلم بها منك إلى لفظ يشعر بالتعميم تعريضا للسامعين أي أن كل مسئول وكل سائل فهو كذلك فائدة هذا السؤال والجواب وقع بين عيسى بن مريم وجبريل قال العلامة بن باز حفظه الله لا ينبغي الجزم بوقوع هذا من عيسى لأن كلام الشعبي لا تقوم به حجة وإن كان نقله عن بني إسرائيل فكذلك وإنما يذكر مثل هذا بصيغة التمريض كما هو المقرر في علم مصطلح والله أعلم لكن كان عيسى سائلا وجبريل مسؤلا قال الحميدي في نوادره حدثنا سفيان حدثنا مالك بن مغول عن إسماعيل بن رجاء الشعبي قال سأل عيسى بن مريم جبريل عن الساعة قال فانتفض بأجنحته وقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قوله وسأخبرك عن اشراطها وفي التفسير ولكن سأحدثك وفي رواية أبي فروة ولكن لها علامات تعرف بها وفي رواية كهمس قال فأخبرني عن إمارتها فأخبره بها فترددنا فحصل التردد هل ابتداء بذكر الامارات أو السائل سأله عن الامارات ويجمع بينهما بأنه ابتدأ بقوله وسأخبرك فقال له اسائل فأخبرني ويدل على ذلك رواية سليمان التيمي ولفظها ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها قال أجل ونحوه في حديث بن عباس وزاد فحدثني وقد حصل تفصيل الاشراط من الرواية الأخرى وأنها العلامات وهي بفتح الهمزة جمع شرط بفتحتين كقلم وأقلام ويستفاد من اختلاف الروايات أن التحديث والاخبار والانباء بمعنى واحد وإنما غاير بينها أهل الحديث اصطلاحا قال القرطبي علامات الساعة على قسمين ما يكون من نوع المعتاد أو غيره والمذكور هنا الأول وأما الغير مثل طلوع الشمس من مغريها فتلك مقارنة لها أو مضايقة والمراد هنا العلامات السابقة على ذلك والله أعلم قوله إذا ولدت التعبير بإذا للاشعار بتحقق الوقوع ووقعت هذه الجملة بيانا للاشراط نظر إلى المعنى والتقدير ولادة الأمة وتطاول الرعاة فإن قيل(1/31)
الاشراط جمع وأقله ثلاثة على الأصح والمذكور هنا اثنان أجاب الكرماني بأنه قد تستفرض القلة للكثرة وبالعكس أو لأن الفرق بالقلة والكثرة إنما هو في النكرات لا في المعارف أو لفقد جمع الكثرة للفظ الشرط وفي جميع هذه الأجوبة نظر ولو أجيب بأن هذا دليل القول الصائر إلى أن أقل الجمع اثنان لما بعد عن الصواب والجواب المرضى أن المذكور من الاشراط ثلاثة وإنما بعض الرواة اقتصر على اثنين منها لأنه هنا ذكر الولادة والتطاول وفي التفسير ذكر الولادة وترؤس الحفاة وفي رواية محمد بن بشر التي أخرج مسلم إسنادها وساق بن خزيمة لفظها عن أبي حيان ذكر الثلاثة وكذا في مستخرج الإسماعيلي من طريق بن علية وكذا ذكرها عمارة بن القعقاع ووقع مثل ذلك في حديث عمر ففي رواية كهمس ذكر الولادة والتطاول فقط ووافقه عثمان بن غياث وفي رواية سليمان التيمي ذكر الثلاثة ووافقه عطاء الخراساني وكذا ذكرت في حديث بن عباس وأبي عامر قوله إذا ولدت الأمة ربها وفي التفسير ربتها بتاء التأنيث وكذا في حديث عمر ولمحمد بن بشر مثله وزاد يعني السرارى وفي رواية عمارة بن القعقاع إذا رأيت المرأة تلد ربها ونحوه لأبي فروة وفي رواية عثمان بن غياث الإماء أربابهن بلفظ الجمع والمراد بالرب المالك أو السيد وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في معنى ذلك قال بن التين اختلف فيه على سبعة أوجه فذكرها لكنها متداخلة وقد لخصتها بلا تداخل فإذا هي أربعة أقوال الأول قال الخطابي معناه اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك وسبى ذراريهم فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها لأنه ولد سيدها قال النووي وغيره إنه قول الأكثرين قلت لكن في كونه المراد نظر لأن استيلاد الاماء كان موجودا حين المقالة والاستيلاء على بلاد الشرك وسبى ذراريهم واتخاذهم سرارى وقع أكثره في صدر الإسلام وسياق الكلام يقتضى الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة وقد فسره(1/32)
وكيع في رواية بن ماجة باخص من الأول قال أن تلد العجم العرب ووجهه بعضهم بأن الاماء يلدن الملوك فتصير الأم من جملة الرعية والملك سيد رعيته وهذا لإبراهيم الحربي وقربه بان الرؤساء في الصدر الأول كانوا يستنكفون غالبا من وطء الاماء ويتنافسون في الحرائر ثم انعكس الأمر ولا سيما في اثناء دولة بني العباس ولكن رواية ربتها بتاء التأنيث قد لا تساعد على ذلك ووجهه بعضهم بان إطلاق ربتها على ولدها مجاز لأنه لما كان سببا في عتقها بموت أبيه أطلق عليه ذلك وخصه بعضهم بأن السبي إذا كثر فقد يسبى الولد أولا وهو صغير ثم يعتق ويكبر ويصير رئيسا بل ملكا ثم تسبى أمه فيما بعد فيشتريها عارفا بها أو وهو لا يشعر أنها أمه فيستخدمها أو يتخذها موطوءة أو يعتقها ويتزوجها وقد جاء في بعض الروايات أن تلد الأمة بعلها وهي عند مسلم فحمل على هذه الصورة وقيل المراد بالبعل المالك وهو أولى لتتفق الروايات الثاني أن تبيع السادة أمهات أولادهم ويكثر ذلك فيتداول الملاك المستولدة حتى يشتريها ولدها ولا يشعر بذلك وعلى هذا فالذي يكون من الاشراط غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد أو الاستهانة بالأحكام الشرعية فإن قيل هذه المسألة مختلف فيها فلا يصلح الحمل عليها لأنه لا جهل ولا استهانة عند القائل بالجواز قلنا يصلح أن يحمل على صورة اتفاقية كبيعها في حال حملها فإنه حرام بالإجماع الثالث وهو من نمط الذي قبله قال النووي لا يختص شراء الولد أمه بامهات الأولاد بل يتصور في غيرهن بأن تلد الأمة حرا من غير سيدها بوطء شبهة أو رقيقا بنكاح أو زنا ثم تباع الأمة في الصورة بيعا صحيحا وتدور في الأيدي حتى يشتريها ابنها أو ابنتها ولا يعكر على هذا تفسير محمد بن بشر بأن المراد السرارى لأنه تخصيص بغير دليل الرابع أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الاهانة بالسب والضرب والاستخدام فأطلق عليه ربها مجازا لذلك أو المراد بالرب(1/33)
المربي فيكون حقيقة وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة ومحصلة الآشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور بحيث يصير المرَبىمربيا والسافل عاليا وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى أن تصير الحفاة ملوك الأرض تنبيهان أحدهما قال النووي ليس فيه دليل على تحريم بيع أمهات الأولاد ولا على جوازه وقد غلط من استدل به لكل من الامرين لأن الشيء إذا جعل علامة على شيء آخر لا يدل على حظر ولا إباحة الثاني يجمع بين ما في هذا الحديث من إطلاق الرب على السيد المالك في قوله ربها وبين ما في الحديث الآخر وهو في الصحيح لا يقل أحدكم أطعم ربك وضئ ربك أسق ربك وليقل سيدي ومولاي بأن اللفظ هنا خرج على سبيل المبالغة أو المراد بالرب هنا المربي وفي المنهي عنه السيد أو أن النهي عنه متأخر أو مختص بغير الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تطاول أي تفاخروا في تطويل البنيان وتكاثروا به قوله رعاة الإبل هو بضم الراء جمع راع كقضاة وقاض والبهم بضم الموحدة ووقع في رواية الأصيلي بفتحها ولا يتجه مع ذكر الإبل وإنما يتجه مع ذكر الشياه أو مع عدم الإضافة كما في رواية مسلم رعاء البهم وميم البهم في رواية البخاري يجوز ضمها على أنه صفة الرعاة ويجوز الكسر على أنها صفة الإبل يعني الإبل السود وقيل أنها شر الالوان عندهم وخيرها الحمر التي ضرب بها المثل فقيل خير من حمر النعم ووصف الرعاة بالبهم إما لأنهم مجهولو الأنساب ومنه أبهم الأمر فهو مبهم إذا لم تعرف حقيقته وقال القرطبي الآولى أن يحمل على أنهم سود الالوان لأن الادمة غالب ألوانهم وقيل معناه أنهم لا شيء لهم كقوله صلى الله عليه وسلم يحشر الناس حفاة عراة بهما قال وفيه نظر لأنه قد نسب له الإبل فكيف يقال لا شيء لهم قلت يحمل على أنها إضافة اختصاص لا ملك وهذا هو الغالب أن الراعي يرعى لغيره بالأجرة وأما المالك فقل أن(1/34)
يباشر الرعي بنفسه قوله في التفسير وإذا كان الحفاة العراة زاد الإسماعيلي في روايته الصم البكم وقيل لهم ذلك مبالغة في وصفهم بالجهل أي لم يستعملوا أسماعهم ولا أبصارهم في الشيء من أمر دينهم وأن كانت حواسهم سليمة قوله رؤوس الناس أي ملوك الأرض وصرح به الإسماعيلي وفي رواية أبي فروة مثله والمراد بهم أهل البادية كما صرح به في رواية سليمان التيمي وغيره قال ما الحفاة العراة قال العرب وهو بالعين المهملة على التصغير وفي الطبراني من طريق أبي حمزة عن بن عباس مرفوعا من انقلاب الدين تفصح النبط واتخاذهم القصور في الأمصار قال القرطبي المقصود الإخبار عن تبدل الحال بأن يستولى أهل البادية على الأمر ويتملكوا البلاد بالقهر فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم إلى تشييد البنيان والتفاخر به وقد شاهدنا ذلك في هذا الزمان ومنه الحديث الآخر لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع ومنه إذا وسد الأمر أي أسند إلى غير أهله فانتظروا الساعة وكلاهما في الصحيح قوله في خمس أي علم وقت الساعة داخل في جملة خمس وحذف متعلق الجار سائغ كما في قوله تعالى في تسع آيات أي أذهب إلى فرعون بهذه الآية في جملة تسع آيات وفي رواية عطاء الخراساني قال فمتى الساعة قال هي في خمس من الغيب لا يعلمها الا الله قال القرطبي لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمسة لهذا الحديث وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو بهذه الخمس وهو في الصحيح قال فمن ادعى علم شيء منها غير مسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كاذبا في دعواه قال وأما ظن الغيب فقد يجوز من المنجم وغيره إذا كان عن أمر عادي وليس ذلك بعلم وقد نقل بن عبد البر الإجماع على تحريم أخذ الأجرة والجعل واعطائها في ذلك وجاء عن بن مسعود قال أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم علم كل شيء سوى هذه الخمس وعن بن عمر مرفوعا نحوه أخرجهما أحمد وأخرج(1/35)
حميد بن زنجويه عن بعض الصحابة أنه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل طهوره فأنكر عليه فقال إنما الغيب خمس وتلا هذه الآية وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم ويجهله قوم تنبيه تضمن الجواب زيادة على السؤال للاهتمام بذلك ارشادا للأمة لما يترتب على معرفة ذلك من المصلحة فإن قيل ليس في الآية أداة حصر كما في الحديث أجاب الطيبي بأن الفعل إذا كان عظيم الخطر وما ينبنى عليه الفعل رفيع الشأن فهم منه الحصر على سبيل الكناية ولا سيما إذا لوحظ ما ذكر في أسباب النزول من أن العرب كانوا يدعون علم نزول الغيث فيشعر بأن المراد من الآية نفى علمهم بذلك واختصاصه بالله سبحانه وتعالى فائدة النكتة في العدول عن الاثبات إلى النفي في قوله تعالى وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وكذا التعبير بالدراية دون العلم للمبالغة والتعميم إذ الدراية اكتساب علم الشيء بحيله فإذا انتفى ذلك عن كل نفس مع كونه من مختصاتها ولم تقع منه على علم كان عدم اطلاعها على علم غير ذلك من باب أولى اه ملخصا من كلام الطيبي قوله الآية أي تلا الآية إلى آخر السورة وصرح بذلك الإسماعيلي وكذا في رواية عمارة ولمسلم إلى قوله خبير وكذا في رواية أبي فروة وأما ما وقع عند المؤلف في التفسير من قوله إلى الأرحام فهو تقصير من بعض الرواة والسياق يرشد إلى أنه تلا الآية كلها قوله ثم أدبر فقال ردوه زاد في التفسير فأخذوا ليردوه فلم يروه شيئا فيه أن الملك يجوز أن يتمثل لغير النبي صلى الله عليه وسلم فيراه ويتكلم بحضرته وهو يسمع وقد ثبت عن عمران بن حصين أنه كان يسمع كلام الملائكة والله أعلم قوله جاء يعلم الناس في التفسير ليعلم وللإسماعيلي أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا ومثله لعمارة وفي رواية أبي فروة والذي بعث محمدا بالحق ما كنت بأعلم به من رجل منكم وأنه لجبريل وفي حديث أبي عامر ثم ولي فلما لم نر طريقه قال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم والذي نفس محمد(1/36)
بيده ما جاءني قط الا وأنا أعرفه إلا أن تكون هذه المرة وفي رواية التيمي ثم نهض فولى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بالرجل فطلبناه كل مطلب فلم نقدر عليه فقال هل تدرون من هذا هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم خذوا عنه فوالذي نفسي بيده ما شبه على منذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى ولي قال بن حبان تفرد سليمان التيمي بقوله خذوا عنه قلت وهو من الثقات الاثبات وفي قوله جاء ليعلم الناس دينهم إشارة إلى هذه الزيادة فما تفرد الا بالتصريح وإسناد التعليم إلى جبريل مجازى لأنه كان السبب في الجواب فلذلك أمر بالأخذ عنه واتفقت هذه الروايات على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة بشأنه بعد أن التمسوه فلم يجدوه وأما ما وقع عند مسلم وغيره من حديث عمر في رواية كهميس ثم انطلق قال عمر فلبثت ثم قال يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فأنه جبريل فقد جمع بين الروايتين بعض الشراح بأن قوله فلبثت مليا أي زمانا بعد انصرافه فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمهم بذلك بعد مضى وقت ولكنه في ذلك المجلس لكن يعكر على هذا الجمع قوله في رواية النسائي والترمذي فلبثت ثلاثا لكن ادعى بعضهم فيها التصحيف وأن مليا صغرت ميمها فاشبهت ثلاثا لأنها تكتب بلا ألف وهذه الدعوى مردودة فإن في رواية أبي عوانة فلبثنا ليالي فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث ولابن حبان بعد ثالثة ولابن منده بعد ثلاثة أيام وجمع النووي بين الحديثين بأن عمر لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس بل كان ممن قام إما مع الذين توجهوا في طلب الرجل أو لشغل آخر ولم يرجع مع من رجع لعارض عرض له فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال ولم يتفق الإخبار لعمر الا بعد ثلاثة أيام ويدل عليه قوله فلقيني وقوله فقال لي يا عمر فوجه الخطاب له وحده بخلاف إخباره الأول وهو جمع حسن تنبيهات الأول دلت الروايات التي ذكرناها على أن النبي(1/37)
صلى الله عليه وسلم ما عرف أنه جبريل الا في آخر الحال وأنه جبريل
الحديث عند مسلم
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب. جميعا عن ابن علية، قال زهير: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي حيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة؛ قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بارزا للناس فأتاه رجل فقال: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال "أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر" قال يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال" الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا. وتقيم الصلاة المكتوبة. وتؤدي الزكاة المفروضة. وتصوم رمضان". قال: يا رسول الله! ما الإحسان؟ قال "أن تعبد الله كأنك تراه. فإنك إن لا تراه فإنه يراك". قال: يا رسول الله ! متى الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. ولكن سأحدثك عن أشرا طها إذا ولدت الأمة ربها فذاك من أشراطها. وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس فذاك من أشراطها. وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها. في خمس لا يعلمهن إلا الله" ثم تلا صلى الله عليه وسلم: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}. [31- سورة لقمان، آية 34]
قال ثم أدبر الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ردوا على الرجل" فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا جبريل. جاء ليعلم الناس دينهم"
حدثني زهير بن حرب. حدثنا جرير.، عن عمارة (وهو ابن القعقاع)، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة؛ قال:(1/38)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سلوني فهابوه أن يسألوه. فجاء رجل فجلس عند ركبتيه. فقال: يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال "لا تشرك بالله شيئا. وتقيم الصلاة. وتؤتى الزكاة. وتصوم رمضان" قال: صدقت. قال: يا رسول الله ! ما الإيمان؟ قال "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كله" قال: صدقت. قال: يا رسول الله! ما لإحسان؟ قال "أن تخشى الله كأنك تراه. فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك" قال صدقت. قال : يا رسول الله! متى تقوم الساعة؟ قال" ما المسئول عنها بأعلم من السائل. وسأحدثك عن أشراطها. إذا رأيت المرأة تلد ربها فذاك من أشراطها. وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها. وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها. في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله. ثم قرأ: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}. [31/ سورة لقمان، آية 34]
قال ثم قام الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ردوه على" فالتمس فلم يجدوه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا جبريل أراد أن تعلموا. إذا لم تسألوا .
• ... شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى(1/39)
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بارزا) أي ظاهرا، ومنه قول الله تعالى: {وترى الأرض بارزة} {وبرزوا لله جميعا} {وبرزت الجحيم} {ولما برزوا الجالوت}. قوله صلى الله عليه وسلم: (أن تؤمن بالله ولقائه وتؤمن بالبعث الاَخر) هو بكسر الخاء، واختلف في المراد بالجمع بين الإيمان بلقاء الله تعالى والبعث، فقيل: اللقاء يحصل بالانتقال إلى دار الجزاء والبعث بعده عند قيام الساعة، وقيل: اللقاء ما يكون بعد البعث عند الحساب، ثم ليس المراد باللقاء رؤية الله تعالى، فإن أحدا لا يقطع لنفسه برؤية الله تعالى، لأن الرؤية مختصة بالمؤمنين، ولا يدري الإنسان بماذا يختم له. وأما وصف البعث بالاَخر فقيل: هو مبالغة في البيان والإيضاح وذلك لشدة الاهتمام به، وقيل: سببه أن خروج الإنسان إلى الدنيا بعث من الأرحام، وخروجه من القبر للحشر بعث من الأرض، فقيد البعث بالاَخر ليتميز والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة إلى آخره) أما العبادة فهي الطاعة مع خضوع، فيحتمل أن يكون المراد بالعبادة هنا معرفة الله تعالى والإقرار بوحدانيته، فعلى هذا يكون عطف الصلاة والصوم والزكاة عليها لإدخالها في الإسلام فإنها لم تكن دخلت في العبادة، وعلى هذا إنما اقتصر على هذه الثلاث لكونها من أركان الإسلام وأظهر شعائره والباقي ملحق بها، ويحتمل أن يكون المراد بالعبادة الطاعة مطلقا فيدخل جميع وظائف الإسلام فيها، فعلى هذا يكون عطف الصلاة وغيرها من باب ذكر الخاص بعد العام تنبيها على شرفه ومزيته، كقوله تعالى: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} ونظائره. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشرك به" فإنما ذكره بعد العبادة، لأن الكفار كانوا يعبدونه سبحانه وتعالى في الصورة، ويعبدون معه أوثانا يزعمون أنها شركاء فنفى هذا، والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي(1/40)
الزكاة المفروضة وتصوم رمضان) أما تقييد الصلاة بالمكتوبة فلقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} وقد جاء في أحاديث وصفها بالمكتوبة كقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" وأفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل وخمس صلوات كتبهن الله. وأما تقييد الزكاة بالمفروضة وهي المقدرة فقيل احتراز من الزكاة المعجلة قبل الحول فإنها زكاة وليست مفروضة، وقيل: إنما فرق بين الصلاة والزكاة في التقييد لكراهة تكرير اللفظ الواحد، ويحتمل أن يكون تقييد الزكاة بالمفروضة للاحتراز عن صدقة التطوع فإنها زكاة لغوية. وأما معنى إقامة الصلاة فقيل فيه قولان: أحدهما أنه إدامتها والمحافظة عليها. والثاني إتمامها على وجهها. قال أبو علي الفارسي: والأول أشبه. قلت: وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اعتدلوا في الصفوف فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة" معناه والله أعلم من إقامتها المأمور بها في قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} وهذا يرجح القول الثاني والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وتصوم رمضان" ففيه حجة لمذهب الجماهير وهو المختار، الصواب أنه لا كراهة في قول رمضان من غير تقييد بالشهر خلافا لمن كرهه، وستأتي المسألة في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى موضحة بدلائلها وشواهدها والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (سأحدثك عن أشراطها) هي بفتح الهمزة واحدها شرط بفتح الشين والراء، والأشراط العلامات، وقيل مقدماتها، وقيل صغار أمورها قبل تمامها، وكله متقارب. قوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا تطاول رعاء البهم) هو بفتح الباء وإسكان الهاء وهي الصغار من أولاد الغنم الضأن والمعز جميعا، وقيل: أولاد الضأن خاصة، واقتصر عليه الجوهري في صحاحه، والواحدة بهمة. قال الجوهري: وهي تقع على المذكر والمؤنث، والسخال أولاد المعزى، قال: فإذا جمعت بينهما قلت بهام وبهم أيضا، وقيل: إن البهم(1/41)
يختص بأولاد المعز، وإليه أشار القاضي عياض بقوله: وقد يختص بالمعز، وأصله كل ما استبهم عن الكلام ومنه البهيمة، ووقع في رواية البخاري رعاء الإبل البهم بضم الباء. وقال القاضي عياض رحمه الله ورواه بعضهم بفتحها، ولا وجه له مع ذكر الإبل، قال: ورويناه برفع الميم وجرها، فمن رفع جعله صفة للرعاء أي أنهم سود، وقيل: لا شيء لهم، وقال الخطابي: هو جمع بهيم وهو المجهول الذي لا يعرف ومنه أبهم الأمر، ومن جر الميم جعله صفة للإبل أي السود لرداءتها والله أعلم.
قوله: (يعني السراري) هو بتشديد الياء ويجوز تخفيفها، لغتان معروفتان الواحدة سرية بالتشديد لا غير، قال ابن السكيت في إصلاح المنطق: كل ما كان واحده مشددا من هذا النوع جاز في جمعه التشديد والتخفيف، والسرية الجارية المتخذة للوطء مأخوذة من السر وهو النكاح، قال الأزهري: السرية فعلية من السر وهو النكاح، قال: وكان أبو الهيثم يقول: السر السرور فقيل لها سرية لأنها سرور مالكها، قال الأزهري: وهذا القول أحسن والأول أكثر.(1/42)
قوله: (عن عمارة وهو ابن القعقاع) فعمارة بالضم، والقعقاع بفتح القاف الأولى. وقوله: وهو ابن قد قدمنا بيان فائدته في الفصول وفي المقدمة، وأنه لم يقع في الرواية نسبه، فأراد بيانه بحيث لا يزيد في الرواية على ما سمع والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (سلوني) هذا ليس بمخالف للنهي عن سؤاله، فإن هذا المأمور به هو فيما يحتاج إليه وهو موافق لقول الله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر} قوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها) المراد بهم الجهلة السفلة الرعاع، كما قال سبحانه وتعالى: {صم بكم عمي} أي لما لم ينتفعوا بجوارحهم هذه فكأنهم عدموها، هذا هو الصحيح في معنى الحديث والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (هذا جبريل أراد أن تعلموا إذا لم تسألوا) ضبطناه على وجهين: أحدهما تعلموا بفتح التاء والعين وتشديد اللام أي تتعلموا، والثاني تعلموا بإسكان العين وهما صحيحان والله أعلم.
*الجوهرة 3
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد المدني، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات). قالوا: يا رسول الله: وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).
البخاري :كتاب الوصايا 23 باب قول الله تعالى {إن الذين يأكلون أمال اليتامى ظلماً }
مسلم :كتاب الايمان باب38 بيان الكبائر وأكبؤها
شرح 1 فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/43)
اجتنبوا السبع الموبقات بموحدة وقاف أي المهلكات قال المهلب سميت بذلك لأنها سبب لإهلاك مرتكبها قلت والمراد بالموبقة هنا الكبيرة كما ثبت في حديث أبي هريرة من وجه آخر أخرجه البزار وابن المنذر من طريق عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رفعه الكبائر الشرك بالله وقتل النفس الحديث مثل رواية أبي الغيث إلا أنه ذكر بدل السحر الانتقال إلى الأعرابية بعد الهجرة وأخرج النسائي والطبراني وصححه بن حبان والحاكم من طريق صهيب مولى العتواريين عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مامن عبد يصلي الخمس ويجتنب الكبائر السبع الا فتحت له أبواب الجنة الحديث ولكن لم يفسرها والمعتمد في تفسيرها ما وقع في رواية سالم وقد وافقه كتاب عمرو بن حزم الذي أخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه والطبراني من طريق سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الفرائض والديات والسنن وبعث به مع عمرو بن حزم إلى اليمن الحديث بطوله وفيه وكان في الكتاب وان أكبر الكبائر الشرك فذكر مثل حديث سالم سواء وللطبراني من حديث سهل بن أبي خيثمة عن على رفعه اجتنب الكبائر السبع فذكرها لكن ذكر التعرب بعد الهجرة بدل السحر وله في الأوسط من حديث أبي سعيد مثله وقال الرجوع الى الأعراب بعد الهجرة ولإسماعيل القاضي من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عبد الله بن عمرو قال صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر ثم قال أبشروا من صلى الخمس واجتنب الكبائر السبع نودي من أبواب الجنة فقيل له أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهن قال نعم فذكر مثل حديث علي سواء وقال عبد الرزاق أنبانا معمر عن الحسن قال الكبائر الإشراك بالله فذكر مثل الأصول سواء إلا أنه قال اليمين الفاجرة بدل السحر ولابن عمر فيما أخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبري في التفسير وعبد الرزاق(1/44)
والخرائطي في مساويء الأخلاق وإسماعيل القاضي في أحكام القرآن مرفوعا وموقوفا قال الكبائر تسع فذكر السبعة المذكورة وزاد الإلحاد في الحرم وعقوق الولدين ولأبي داود والطبراني من رواية عبيد بن عمير بن قتادة الليثي عن أبيه رفعه ان أولياء الله المصلون ومن يجتنب الكبائر قالوا ما الكبائر قال هن تسعة أعظمهن الإشراك بالله فذكر مثل حديث بن عمر سواء إلا أنه عبر عن الإلحاد في الحرم باستحلال البيت الحرام إسماعيل القاضي بسند صحيح الى سعيد بن المسيب قال هن عشرة فذكر السبعة التي في الأصل وزاد وعقوق الوالدين واليمين الغموس وشرب الخمر ولابن أبي حاتم من طريق مالك بن حريث عن علي قال الكبائر فذكر التسعة إلا مال اليتيم وزاد العقوق والتعرب بعد الهجرة وفراق الجماعة ونكث الصفقة وللطبراني عن أبي أمامة أنهم تذكروا الكبائر فقالوا الشرك ومال اليتيم والفرار من الزحف والسحر والعقوق وقول الزور والغلول والزنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين تجعلون الذين يشترون بعهد الله ثمنا قليلا قلت وقد تقدم في كتاب الأدب عند اليمين الغموس وكذا شهادة الزور وعقوق الوالدين وعند عبد الرزاق والطبراني عن بن مسعود أكبر الكبائر الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله وهو موقوف وروى إسماعيل بسند صحيح من طريق بن سيرين عن عبد الله بن عمرو مثل حديث الأصل لكن قال البهتان بدل السحر والقذف فسأل عن ذلك فقال البهتان يجمع وفي الموطأ عن النعمان بن مرة مرسلا الزنا والسرقة وشرب الخمر فواحش وله شاهد من حديث عمران بن حصين عند البخاري في الأدب المفرد والطبراني والبيهقي وسنده حسن وتقدم حديث بن عباس في النميمة ومن رواه بلفظ الغيبة وترك التنزه من البول كل ذلك في الطهارة ولاسماعيل القاضي من مرسل الحسن ذكر الزنا والسرقة وله عن أبي إسحاق السبيعي شتم أبي بكر وعمر وهو لابن أبي حاتم من قول مغيرة بن مقسم وأخرج الطبري(1/45)
عنه بسند صحيح الاضرار في الوصية من الكبائر وعنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر رفعه وله شاهد أخرجه بن أبي حاتم عن عمر قوله وعند إسماعيل من قول بن عمر ذكر النهبة ومن حديث بريدة عند البزار منع فضل الماء ومنع طروق الفحل ومن حديث أبي هريرة عند الحاكم الصلوات كفارات إلا من ثلاث الإشراك بالله ونكث الصفقة وترك السنة ثم فسر نكث الصفقة بالخروج على الامام وترك السنة بالخروج عن الجماعة أخرجه الحاكم ومن حديث بن عمر عند بن مردويه أكبر الكبائر سوء الظن بالله ومن الضعيف في ذلك نسيان القرآن أخرجه أبو داود والترمذي عن أنس رفعه نظرت في الذنوب فلم أر أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل فنسيها وحديث من أتى حائضا أو كاهنا فقد كفر أخرجه الترمذي فهذا جميع ما وفقت عليه مما ورد التصريح بأنه من الكبائر أو من أكبر الكبائر صحيحا وضعيفا مرفوعا وموقوفا وقد تتبعه غاية التتبع وفي بعضه ما ورد خاصا ويدخل في عموم غيره كالتسبب في لعن الوالدين وهو داخل في العقوق وقتل الولد وهو داخل في قتل النفس والزنا بحليلة الجار وهو داخل في الزنا والنهبة والغلول واسم الخيانة يشمله ويدخل الجميع في السرقة وتعلم السحر وهو داخل في السحر وشهادة الزور وهي داخلة في قول الزور ويمين الغموس وهي داخلة في اليمين الفاجرة والقنوط من رحمة الله كاليأس من روح الله والمعتمد من كل ذلك ما ورد مرفوعا بغير تداخل من وجه صحيح وهي السبعة المذكورة في حديث الباب والانتقال عن الهجرة والزنا والسرقة والعقوق واليمين الغموس والالحاد في الحرم وشرب الخمر وشهادة الزور والنميمة وترك التنزه من البول والغلول ونكث الصفقة وفراق الجماعة فتلك عشرون خصلة وتتفاوت مراتبها والمجمع على عدة من ذلك أقوى من المختلف فيه إلا ما عضده القرآن أو الإجماع فيلتحق بما فوقه ويجتمع من المرفوع ومن الموقوف ما يقاربها ويحتاج عند هذا الى الجواب عن الحكمة في الاقتصار على سبع ويجاب بأن مفهوم(1/46)
العدد ليس بحجة وهو جواب ضعيف وبأنه أعلم أولا بالمذكورات ثم أعلم بما زاد فيجب الأخذ بالزائد أو أن الاقتصار وقع بحسب المقام بالنسبة الى السائل أو من وقعت له واقعة ونحو ذلك وقد أخرج الطبري وإسماعيل القاضي عن بن عباس أنه قيل له الكبائر سبع فقال هن أكثر من سبع وسبع وفي رواية عنه هي إلى السبعين أقرب وفي رواية الى السبعمائة ويحمل كلامه على المبالغة بالنسبة الى من اقتصر على سبع وكأن المقتصر عليها اعتمد على حديث الباب المذكور وإذا تقرر ذلك عرف فساد من عرف الكبيرة بأنها ما وجب فيها الحد لأن أكثر المذكورات لا يجب فيها الحد قال الرافعي في الشرح الكبير الكبيرة هي الموجبة للحد وقيل ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة وهذا أكثر ما يوجد للأصحاب وهم الى ترجيح الأول أميل لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر وقد أقره في الروضة وهو يشعر بأنه لا يوجد عن أحد من الشافعية الجمع بين التعريفين وليس كذلك فقد قال الماوردي في الحاوي هي ما يوجب الحد أو توجه إليها الوعيد و أو في كلامه للتنويع لا للشك وكيف يقول عالم إن الكبيرة ما ورد فيه الحد مع التصريح في الصحيحين بالعقوق واليمين الغموس وشهادة الزور وغير ذلك والأصل فيما ذكره الرافعي قال البغوي في التهذيب من أرتكب كبيرة من زنا أو لواط أو شرب الخمر أو غصب أو سرقة أو قتل بغير حق ترد شهادته وإن فعله مرة واحدة ثم قال فكل ما يوجب الحد من المعاصي فهو كبيرة وقيل ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة انتهى والكلام الأول لا يقتضي الحصر والثاني هو المعتمد وقال بن عبد السلام لم أقف على ضابط الكبيرة يعني يسلم من الاعتراض قال والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها قال وضبطها بعضهم بكل ذنب قرن به وعيد أو لعن قلت وهذا أشمل من غيره ولا يرد عليه إخلاله بما فيه حد لأن كل ما ثبت فيه الحد لا يخلو من ورود الوعيد على فعله ويدخل فيه ترك(1/47)
الواجبات الفورية منها مطلقا والمتراخية إذا تضيقت وقال بن الصلاح لها امارات منها إيجاب الحد ومنها الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب أو السنة ومنها وصف صاحبها بالفسق ومنها اللعن قلت وهذا أوسع مما قبله وقد أخرج إسماعيل القاضي بسند فيه بن لهيعة عن أبي سعيد مرفوعا الكبائر كل ذنب أدخل صاحبه النار وبسند صحيح عن الحسن البصري قال كل ذنب نسبه الله تعالى الى النار فهو كبيرة ومن أحسن التعاريف قول القرطبي في المفهم كل ذنب أطلق عليه بنص كتاب أو سنة أو إجماع أنه كبيرة أو عظيم أو أخبر فيه بشدة العقاب أو علق عليه الحد أو شدد النكير عليه فهو كبيرة وعلى هذا فينبغي تتبع ما ورد فيه الوعيد أو اللعن أو الفسق من القرآن أو الأحاديث الصحيحة والحسنة ويضم الى ما ورد فيه التنصيص في القرآن والأحاديث الصحاح والحسان على أنه كبيرة فمهما بلغ مجموع ذلك عرف منه تحرير عددها وقد شرعت في جمع ذلك وأسأل الله الإعانة على تحريره بمنه وكرمه وقال الحليمي في المنهاج ما من ذنب إلا وفيه صغيرة وكبيرة وقد تنقلب الصغيرة كبيرة بقرينة تضم إليها وتنقلب الكبيرة فاحشة كذلك إلا الكفر بالله فإنه أفحش الكبائر وليس من نوعه صغيرة قلت ومع ذلك فهو ينقسم الى فاحش وأفحش ثم ذكر الحليمي أمثلة لما قال فالثاني كقتل النفس بغير حق فإنه كبيرة فان قتل أصلا أو فرعا أو ذا رحم أو بالحرم أو بالشهر الحرام فهو فاحشة والزنا كبيرة فان كان بحليلة الجار أو بذات رحم أو في شهر رمضان أو في الحرم فهو والأول كالمفاخذة مع الأجنبية صغيرة فان كان مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو ذات رحم فكبيرة وسرقة ما دون النصاب صغيرة فان كان المسروق منه لا يملك غيره وأفضى به عدمه الى الضعف فهو كبيرة وأطال في أمثلة ذلك وفي الكثير منه ما يتعقب لكن هذا عنوانه وهو منهج حسن لا بأس باعتباره ومداره على شدة المفسدة وخفتها والله أعلم تنبيه يأتي القول في تعظيم قتل النفس في(1/48)
الكتاب الذي بعد هذا وتقدم الكلام على السحر في آخر كتاب الطب وعلى أكل مال اليتيم في كتاب الوصايا وعلى أكل الربا في كتاب البيوع وعلى التولي يوم الزحف في كتاب الجهاد وذكر هنا قذف المحصنات وقد شرط القاضي أبو سعيد الهروي في أدب القضاء أن شرط كون غصب المال كبيرة أن يبلغ نصابا ويطرد في السرقة وغيرها وأطلق في ذلك جماعة ويطرد في أكل مال اليتيم وجميع أنواع الجناية والله أعلم
شرح 2 قال اللامام زين الدين عبد تارؤوف محمد بن غلي المناوي رحمه الله
(إجتنبوا) أبعدوا وهو أبلغ من لاتفعلوا لان نهي القربان أبلغ من نهي المباشرة –ذكره الطيبي-(السبع) أي الكبائر السبع ولا ينافيه عدها في أحاديث كثر لانه أخبر في كل مجلس بما أوحي اليه أو ألهم أو سنح له باعتبار أحوال السائل أو تفاوت اللاوقات أو لزيادة فحشها وفظاعة قبحها أو لان مفخوم العدد غير حجة أو لغير ذلك،(الموبقات) بضم الميم وكسر الموحدة التحتية
المهلكات جمع موبقة وهي الخصلة المهلكة أو المراد الكبائر أجملها وسماها مهلكات ثم فصلها ليكون أوقع في النفس ولبؤذن بأنها نفس المهلكات ،وقول التاج السبكي : الموبقة أخص من الكبيرة وليس في جديث أبي هريرة أنها الكبائر تعقبه الحافظ ابن حجر بالرد نقال ابن عباس:وهي على السبعين أقرب ،وابن جبير إلى السيعمائة أقرب نأي باعتبار أصناف أنواعها زوللحافظ الذهبي جزء جمع فيه نحو الاربعمائة –ذكره الاذرعي
(الشرك) بنصبه على البدل ورفعه وكذا ما بعده على أنه خبر مبتدأ محدوف أي ومنها الشرك (بالله) أي جعل أحدٍ شريكاً لله والمراد الكفر به وخصه لغلبته حينئذ في الوجود قذكره تنبيهاً على غيره من صنوف الكفر ،
والتانية (السحر) قال الحراني: وهو فلب الحواس في مذاركها عن الوجه المعتاد لها عي ضمنها من سبب باطل
لا يثبت مع ذكر الله تعالى عليه ،وفي حاشية الكشاف للسعد هو مزاولة النفس الخبيثة لاقوال وأفعال يترتب(1/49)
عليها أمور حارقة للعادة ،قال التاج السبكي:والسحر والكهانة والتنجيم والسيمياء من واد واحد ،والثالثة
(قتل النفس التي حرم الله) قتلها عمدا كان أو شبه عمد لا خظاًكما صرح به شريح الروياني والهروي ،وجمع
شافعيون ،أي فإته لا كبيرة ولا صغيرة لآنه غير معصية (إلا بالحق) أي بفعل موجب للقتل .وأعظم الكبائر
الشرك ثم القتل ظلماً وما عدا ذلك يحتمل كونه في مرتبة واحدة لكونه سردها على الترتيب لان الواو لاتوجبه
،والاظهر أن هذا النهي وشبهه إنما ورد على أمر مخصوص فأجاب السائل على مقتضى حاله وصدور هذه
الخصال منه أو همه بها أو كان في المجلس من حاله ذلك فعرّض به إما أنه مما أوحي إليه أو عرفه بما له معجزة .
والرابعة (أكل مال اليتيم) يعني التعدي فيه وعبر بالاكل لانه أعم وجوه الانتفاع والخامسة (أكل الربا)
أي تناوله بأي وجه كان ،قال ابن دقيق العيد :وهو مجرب لسوء الخاتمة ولهذا ذكره عقب ما هو علامة سوء
خاتمتها وتردد ابن عبد السلام في تقييده بنصاب السرقة . والسادسة (التولي) أي الادبار من وجوه الكفار
(يوم الزحف) أي وقت ازدحام الطائفتين إلا إن علم أنه إن ثبت قتل بغير نكاية في العدو فليس بكبيرة بل
ولا صغيرة بل يباح بل يجب .قال ابن عبد السلام:وأشد منه ما لو دلّ الكفار على عورة المسلمين عالماً بأنهم
يستأصلونهم ويسْبون حريمهم ،والزحف الجيش الدهم سمي به لكثرته وثقل حركته يرى كأن هيزحف زحفاً
أي يدب دبيباً.والسابعة (قذف المحصنات) بفتح الصاد المحفوظات من الزنا وبكسرها الحافظات فروجهن
منه والمرادرميهن بزنا أو لواط (المؤمنات) بالله تعالى احترازا عت قذف الكافرات غإنه من الصغائر .قال
الراغب:والقذف الرميالبعيد استعسر ببشتم والعيب والبهتان (الغافلات) عن الفواحشومت قذفن به فهو
كناية عن البريئات لات الغافل بريء عما بهت به من الزنا والقذف كبيرة إلا لصغيرة لا تحتمل الوقاع(1/50)
ومملوكة وحرة متهتكة فصغيرة لان الايداء في قذفهن دونه في كبيرة مستترة قاله الحليمي وتوقف الاذرعي
ونظر الزركشي في المملوكات لخبر من قذف عبده أقيم عليه الحد يوم القيامة وإلا في قذف المحصنة بخلوة بحيث
لا يسمعه أحد إلا الله والحفظة فليس بكبيرة موجبة للحدلانتفتء المفسدة ،قاله ابن عبد السلاملكن خالفه
البلقيني تمسكاً بظاهر قوله تعالى:[ الذين يرمون المحصنات] والخبر المشروح .قال الزركشي :ويظهر قول ابن
عبد السلام في الصادق لا الكاذب لجرأته عليه تعالى وإلا فقذفه زوجته إذا علم زناها أو ظنه مؤكداَ فليس
بكبيرة بل ولا صغيرة وكذا جرح راو وشاهد بالزنا إن علم به بل يجب ،قال ابن عبد السلام: وأشد منه
ما لو أمسك محصنتد لمن يزني بها أو مسلماً لمن يقتله فيض القدير ...
... ... ... ... ... ... م1 ج1 صص196و199 دار الفكر 1996
الجوهرة 4
حدثنا عبد الله بن يوسف قال: خبرنا مالك عن سمي، مولى أبي بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلىالله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح، لأتوهما ولو حبوا).
... البخاري –كتاب الأذان 9 باب الاستهام في الاذان
مسلم –كتاب الصلاة باب28باب تسوية الصفوف وإقامتها
شرح 1 فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/51)
قوله عن سمي بضم أوله بلفظ التصغير قوله مولى أبي بكر أي بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قوله لو يعلم الناس قال الطيبي وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم قوله ما في النداء أي الأذان وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند السراج قوله والصف الأول زاد أبو الشيخ في رواية له من طريق الأعرج عن أبي هريرة من الخير والبركة وقال الطيبي أطلق مفعول يعلم وهو ما ولم يبين الفضيلة ما هي ليفيد ضربا من المبالغة وأنه مما لا يدخل تحت الوصف والإطلاق إنما هو في قدر الفضيلة وإلا فقد بينت في الرواية الأخرى بالخير والبركة قوله ثم لم يجدوا في رواية المستملى والحموي ثم لا يجدون وحكى الكرماني أن في بعض الروايات ثم لا يجدوا ووجهه بجواز حذف النون تخفيفا ولم أقف على هذه الرواية قوله الا أن يستهموا أي لم يجدوا شيئا من وجوه الاولوية أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الوقت وحسن الصوت ونحو ذلك من شرائط المؤذن وتكملاته وأما في الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة ويستووا في الفضل فيقرع بينهم إذا لم يتراضوا فيما بينهم في الحالين واستدل به بعضهم لمن قال بالاقتصار على مؤذن واحد وليس بظاهر لصحة استهام أكثر من واحد في مقابلة أكثر من واحد ولان الاستهام على الأذان يتوجه من جهة التولية من الإمام لما فيه من المزية وزعم بعضهم أن المراد بالاستهام هنا الترامى بالسهام وأنه أخرج مخرج المبالغة واستأنس بحديث لفظه لتجالدوا عليه بالسيوف لكن الذي فهمه البخاري منه أولى ولذلك استشهد له بقصة سعد ويدل عليه رواية لمسلم لكانت قرعة قوله عليه أي على ما ذكر ليشمل الامرين الأذان والصف الأول وبذلك يصح تبويب المصنف وقال بن عبد البر الهاء عائدة على الصف الأول لا على النداء وهو حق الكلام لأن الضمير يعود لأقرب مذكور ونازعه القرطبي وقال أنه يلزم منه أن يبقى النداء ضائعا لا فائدة له قال والضمير يعود على معنى الكلام المتقدم ومثله قوله تعالى ومن(1/52)
يفعل ذلك يلق أثاما أي جميع ذلك قلت وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ لاستهموا عليهما فهذا مفصح بالمراد من غير تكلف قوله التهجير أي التبكير إلى الصلاة قال الهروي وحمله الخليل وغيره على ظاهره فقالوا المراد الإتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت لأن التهجير مشتق من الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار وهو أول وقت الظهر وإلى ذلك مال المصنف كما سيأتي ولا يرد على ذلك مشروعية الأبراد لأنه أريد به الرفق وأما من ترك قائلته وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة فلا يخفى ماله من الفضل قوله لاستبقوا إليه قال بن أبي جمرة المراد بالاستباق معنى لا حسا لأن المسابقة على الأقدام حسا تقتضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه
قوله ولو يعلمون ما فيهما أي من مزيد الفضل لأتوهما أي الصلاتين والمراد لأتوا إلى المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد قوله ولو حبوا أي يزحفون إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير
شرح 2 الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى ... ... ... باب تسوية الصفوف وإِقامتها وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها، وتقديم أولى الفضل وتقريبهم من الإمام ... ...
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَ وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ التيْمِيّ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصّلاَةِ وَيَقُولُ: "اسْتَوُوا وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنّهَىَ، ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمّ الّذِين يَلُونَهُمْ" قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدّ اخْتِلافاً.(1/53)
م 1 (...) وحدّثناه إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح قَالَ: وَحَدّثَنَا ابْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا عِيسَى (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) ح قَالَ: وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ وَ صَالِحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ قَالاَ: حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: حَدّثَنِي خَالِدٌ الْحَذّاءُ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "ليَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنّهَىَ. ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ (ثَلاَثاً) وَإِيّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأَسْوَاقِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ قَالاَ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَوّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنّ تَسْوِيَةَ الصّفِ مِنْ تَمامِ الصّلاَةِ".
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدَ الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ صُهَيبٍ) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتِمّوا الصّفُوفَ فَإِنّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي".
حدّثنا مُحمّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ: حَدّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ: "أَقِيمُوا الصفّوفِ في الصّلاَةِ فَإِنّ إِقَامَةَ الصّفّ مِنْ حُسْنِ الصّلاَةِ".(1/54)
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ قَالاَ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ الْغَطْفَانِيّ قَالَ: سَمِعْتُ النّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَتُسَوّنّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنّ الله بَيْنَ وُجُوهِكُمْ".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَوّي صُفُوفَنَا، حَتّى كَأَنّمَا يُسَوّي بِهَا الْقِدَاحَ، حَتّى رَأَى أَنّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ. ثُمّ خَرَجَ يَوْماً فَقَامَ حَتّى كَادَ يُكَبّرُ، فَرَأَى رَجُلاً بَادِياً صَدْرُهُ مِنَ الصّفّ، فَقَالَ: "عِبَادَ اللّهِ! لَتُسَوّنّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنّ الله بَيْنَ وُجُوهِكُمْ".
حدّثنا حَسَنُ بْنُ الرّبِيعِ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ بِهَذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ.
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ سُمَيّ، مَوْلَىَ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السّمّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ مَا فِي النّدَاءِ وَالصّفّ الأَوّل، ثُمّ لَمْ يَجِدُوا إِلاّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا. وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصّبْحِ، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً".(1/55)
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى في أَصْحَابِهِ تَأَخّراً، فَقَالَ لَهُمْ: "تَقَدّمُوا فَائْتَمّوا بِي، وَلْيَأْتَمّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخّرُونَ حَتّى يُؤَخّرَهُمُ الله".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الرّقَاشِيّ: حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الْجُرَيْرِيّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْماً فِي مُؤَخّرِ الْمَسْجِدِ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
حدّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِيْنَارٍ وَمُحمّدُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاسِطِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلاَسٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ تَعْلَمُونَ (أَوْ يَعْلَمُونَ) مَا فِي الصّفّ الْمُقَدّمِ، لَكَانَتْ قُرْعَةً".
وَقَالَ ابْنُ حَرْبٍ "الصّفّ الأَوّلِ مَا كَانَتْ إِلاّ قُرْعَةً".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ صُفُوفِ الرّجَالِ أَوّلُهَا، وَشَرّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرّهَا أَوّلُهَا".
حدّثنا قُتَيْبَةَ بْنُ سَعِيدٍ. قَالَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ) عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الاْسْنَادِ.(1/56)
قوله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أو لو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) ليلني هو بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون، ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد. وأولو الأحلام هم العقلاء وقيل البالغون، والنهى بضم النون العقول، فعلى قول من يقول أولو الأحلام العقلاء يكون اللفظان بمعنى، فلما اختلف اللفظ عطف أحدهما على الاَخر تأكيداً، وعلى الثاني معناه البالغون العقلاء، قال أهل اللغة: واحدة النهى نهية بضم النون وهي العقل، ورجل نه ونهى من قوم نهين وسمي العقل نهية لأنه ينتهي إلى ما أمر به ولا يتجاوز، وقيل: لأنه ينهى عن القبائح. قال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون النهى مصدراً كالهدى، وأن يكون جمعاً كالظلم، قال: والنهى في اللغة معناه الثبات والحبس، ومنه النهى والنهى بكسر النون وفتحها، والنهية للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع. قال الواحدي: فرجع القولان في اشتقاق النهى إلى قول واحد وهو الحبس، فالنهية هي التي تنهى وتحبس عن القبائح والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم الذين يلونهم) معناه الذين يقربون منهم في هذا الوصف. قوله: (يمسح مناكبنا) أي يسوي مناكبنا في الصفوف ويعدلنا فيها، في هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما يتفطن له غيره، وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها وينقلوها ويعلموها الناس، وليقتدي بأفعالهم من وراءهم، ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس، كمجالس العلم والقضاء والذكر والمشاورة ومواقف القتال وإمامة الصلاة والتدريس والإفتاء وإسماع الحديث ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسن والكفاءة، في ذلك الباب والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك،(1/57)
وفيه تسوية الصفوف واعتناء الإمام بها والحث عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: (وإياكم وهيشات الأسواق) هي بفتح الهاء وإسكان الياء وبالشين المعجمة أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها. قوله: (حدثني خالد الحذاء عن أبي معشر) اسم أبي معشر زياد بن كليب التميمي الحنظلي الكوفي.
قوله: (حدثنا محمد بن مثنى وابن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس رضي الله عنه قال: وحدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه) هذان الإسنادان بصريون.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فإني أراكم خلف ظهري) تقدم شرحه في الباب قبله.
قوله صلى الله عليه وسلم: (أقيموا الصف في الصلاة) أي سووه وعملوه وتراصوا فيه.
قوله صلى الله عليه وسلم: (لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) قيل معناه يمسخها ويحولها عن صورها لقوله صلى الله عليه وسلم: "يجعل الله تعالى صورته صورة حمار" وقيل يغير صفاتها، والأظهر والله أعلم أن معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، كما يقال تغير وجه فلان على أي ظهر لي من وجهه كراهة لي، وتغير قلبه علي لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن. قوله: (يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح) القداح بكسر القاف هي خشب السهام حين تنحت وتبرى واحدها قدح بكسر القاف معناه يبالغ في تسويتها حتى تصير كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها. قوله: (فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال لتسون عباد الله صفوفكم) فيه الحث على تسويتها، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة، وهذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء ومنعه بعض العلماء، والصواب الجواز، وسواء كان الكلام لمصلحة الصلاة أو لغيرها أولاً لمصلحة.(1/58)
قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) النداء هو الأذان، والاستهام والاقتراع، ومعناه أنهم لو عدلوا فضيلة الأذان وقدها وعظيم جزائه ثم لم يجدوا طريقاً يحصلونه به لضيق الوقت عن أذان بعد أذان، أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد لاقترعوا في تحصيله، ولو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة نحو ما سبق وجاؤوا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم ثم لم يسمح بعضهم لبعض به لاقترعوا عليه، وفيه إثبات القرعة في الحقوق التي يزدحم عليها ويتنازع فيها. قوله: (ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه) التهجير التبكير إلى الصلاة أي صلاة كانت، قال الهروي وغيره: وخصه الخليل بالجمعة والصواب المشهور الأول. قوله صلى الله عليه وسلم: (ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً) فيه الحث العظيم على حضور جماعة هاتين الصلاتين، والفضل الكثير في ذلك، لما فيهما من المشقة على النفس من تنغيص أول نومها وآخره، ولهذا كانتا أثقل الصلاة على المنافقين. وفي هذا الحديث تسمية العشاء عتمة وقد ثبت النهي عنه. وجوابه من وجهين: أحدهما أن هذه التسمية بيان للجواز، وأن ذلك النهي ليس للتحريم. والثاني وهو الأظهر أن استعمال العتمة هنا لمصلحة ونفي مفسدة، لأن العرب كانت تستعمل لفظة العشاء في المغرب، فلو قال: لو يعلمون ما في العشاء والصبح لحملوها على المغرب ففسد المعنى وفات المطلوب، فاستعمل العتمة التي يعرفونها ولا يشكون فيها، وقواعد الشرع متظاهرة على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما. قوله صلى الله عليه وسلم: (ولو حبواً) هو بإسكان الباء وإنما ضبطته لأني رأيت من الكبار من صحفه.(1/59)
قوله: (تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) معنى وليأتم بكم من بعدكم أي يقتدوا بي مستدلين على أفعالي بأفعالكم، ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه أو صف قدامه يراه متابعاً للإمام. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال قوم يتأخرون" أي عن الصفوف الأول حتى يؤخرهم الله تعالى عن رحمته أو عظيم فضله ورفع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك.
قوله: (قتادة عن خلاس) هو بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وبالسين المهملة.(1/60)
قوله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) أما صفوف الرجال فهي على عمومها فخيرها أولها أبداً وشرها آخرها أبداً أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال، وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها. والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثواباً وفضلاً وأبعدها من مطلوب الشرع وخيرها بعكسه، وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم. واعلم أن الصف الأول الممدوح الذي قد وردت الأحاديث بفضله والحث عليه هو الصف الذي يلي الإمام، سواء جاء صاحبه متقدماً أو متأخراً، وسواء تخلله مقصورة ونحوها أم لا، هذا هو الصحيح الذي يقتضيه ظواهر الأحاديث وصرح به المحققون. وقال طائفة من العلماء: الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه لا يتخلله مقصورة ونحوها، فإن تخلل الذي يلي الإمام شيء فليس بأول، بل الأول ما لا يتخلله شيء وإن تأخر، وقيل: الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان إلى المسجد أولاً وإن صلى في صف متأخر، وهذان القولان غلط صريح، وإنما أذكره ومثيله لأنبه على بطلانه لئلا يغتر به والله أعلم.
الجوهرة 5
حدثنا محمد بن أبي بكر قال: حدثنا معتمر، عن عبيد الله، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(1/61)
جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجارت العلا والنعيم المقيم: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال، يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون. قال: (ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم به، أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه ، إلا من عمل مثله ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون، خلف كل صلاة، ثلاثا وثلاثين) . فاختلفنا بيننا ، فقال بعضنا : نسبح ثلاثا وثلاثين ، ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبر أربعا وثلاثين، فرجعت إليه، فقال: (تقول سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين).
... ... البخاري: كتاب الآذان باب 155 باب الذكر بعد الصلاة
مسلم : كتاب المساجد باب26 باب استحباب الذكر بعد الصلاة
شرح 1 فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/62)
قوله عن عبيد الله هو بن عمر العمري وسمي هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن وهما مدنيان وعبيد الله تابعي صغير ولم أقف لسمى على رواية عن أحد من الصحابة فهو من رواية الكبير عن الصغير وهما مدنيان وكذا أبو صالح قوله جاء الفقراء سمي منهم في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة أبو ذر الغفاري أخرجه أبو داود وأخرجه جعفر الفريابي في كتاب الذكر له من حديث أبي ذر نفسه وسمي منهم أبو الدرداء عند النسائي وغيره من طرق عنه ولمسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنهم قالوا يا رسول الله فذكر الحديث والظاهر أن أبا هريرة منهم وفي رواية النسائي عن زيد بن ثابت قال أمرنا أن نسبح الحديث كما سيأتي لفظه وهذا يمكن أن يقال فيه إن زيد بن ثابت كان منهم ولا يعارضه قوله في رواية بن عجلان عن سمي عند مسلم جاء فقراء المهاجرين لكون زيد بن ثابت من الأنصار لاحتمال التغليب قوله الدثور بضم المهملة والمثلثة جمع دثر بفتح ثم سكون هو المال الكثير ومن في قوله من الأموال للبيان ووقع عند الخطابي ذهب أهل الدور من الأموال وقال كذا وقع الدور جمع دار والصواب الدثور انتهى وذكر صاحب المطالع عن رواية أبي زيد المروزي أيضا الدور قوله بالدرجات العلى بضم العين جمع العلياء وهي تأنيث الأعلى ويحتمل أن تكون حسية والمراد درجات الجنات أو معنوية والمراد علو القدر عند الله قوله والنعيم المقيم وصفه بالإقامة إشارة إلى ضده وهو التعيم العاجل فإنه قل ما يصفو وإن صفا فهو بصدد الزوال وفي رواية محمد بن أبي عائشة المذكورة ذهب أصحاب الدثور بالاجور وكذا لمسلم من حديث أبي ذر زاد المصنف في الدعوات من رواية ورقاء عن سمي قال كيف ذلك ونحوه لمسلم من رواية بن عجلان عن سمي قوله ويصومون كما نصوم زاد في حديث أبي الدرداء المذكور ويذكرون كما نذكر وللبزار من حديث بن عمر صدقوا تصديقنا وآمنوا إيماننا قوله ولهم فضل أموال كذا للأكثر بالإضافة وفي رواية(1/63)
الأصيلي فضل الأموال وللكشميهني فضل من أموال قوله يحجون بها أي ولا نحج يشكل عليه ما وقع في رواية جعفر الفريابي من حديث أبي الدرداء ويحجون كما نحج ونظيره ما وقع هنا ويجاهدون ووقع في الدعوات من رواية ورقاء عن سمي وجاهدوا كما جاهدنا لكن الجواب عن هذا الثاني ظاهر وهو التفرقة بين الجهاد الماضي فهو الذي اشتركوا فيه وبين الجهاد المتوقع فهو الذي تقدر عليه أصحاب الأموال غالبا ويمكن أن يقال مثله في الحج ويحتمل أن يقرأ يحجون بها بضم أوله من الرباعي أي يعينون غيرهم على الحج بالمال قوله ويتصدقون عند مسلم من رواية بن عجلان عن سمي ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق قوله فقال ألا أحدثكم بما إن أخذتم به في رواية الأصيلي بأمر إن أخذتم وكذا للاسماعيلى وسقط قوله بما من أكثر الروايات وكذا قوله به وقد فسر الساقط في الرواية الأخرى وفي رواية مسلم أفلا أعلمكم شيئا وفي رواية أبي داود فقال يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات تقولهن قوله أدركتم من سبقكم أي من أهل الأموال الذين امتازوا عليكم بالصدقة والسبقية هنا يحتمل أن تكون معنوية وأن تكون حسية قال الشيخ تقى الدين والأول أقرب وسقط قوله من سبقكم من رواية الأصيلي قوله وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم بفتح النون وسكون التحتانية وفي رواية كريمة وأبي الوقت ظهرانيه بالافراد وكذا للاسماعيلى وعند مسلم من رواية بن عجلان ولا يكون أحد أفضل منكم قيل ظاهره يخالف ما سبق لأن الإدراك ظاهره المساواة وهذا ظاهره الأفضلية وأجاب بعضهم بأن الإدراك لا يلزم منه المساواة فقد يدرك ثم يفوق وعلى هذا فالتقرب بهذا الذكر راجح على التقرب بالمال ويحتمل أن يقال الضمير في كنتم للمجموع من السابق والمدرك وكذا قوله إلا من عمل مثل عملكم أي من الفقراء فقال الذكر أو من الأغنياء فتصدق أو أن الخطاب للفقراء خاصة لكن يشاركهم الأغنياء في الخيرية المذكورة فيكون كل من الصنفين خيرا ممن لا يتقرب بذكر ولا صدقة(1/64)
ويشهد له قوله في حديث بن عمر عند البزار أدركتم مثل فضلهم ولمسلم في حديث أبي ذر أوليس قد جعل لكم ما تتصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة الحديث واستشكل تساوى فضل هذا الذكر بفضل التقرب بالمال مع شدة المشقة فيه وأجاب الكرماني بأنه لا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حالة واستدل لذلك بفضل كلمة الشهادة مع سهولتها على كثير من العبادات الشاقة قوله تسبحون وتحمدون وتكبرون كذا وقع في أكثر الأحاديث تقديم التسبيح على التحميد وتأخير التكبير وفي رواية بن عجلان تقديم التكبير على التحميد خاصة وفيه أيضا قول أبي صالح يقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ومثله لأبي داود من حديث أم الحكم وله من حديث أبي هريرة تكبر وتحمد وتسبح وكذا في حديث بن عمر وهذا الاختلاف دال على أن لا ترتيب فيها ويستأنس لذلك بقوله في حديث الباقيات الصالحات لا يضرك بأيهن بدأت لكن يمكن أن يقال الأولى البداءة بالتسبيح لأنه يتضمن نفى النقائص عن الباري سبحانه وتعالى ثم التحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال له إذ لا يلزم من نفى النقائص إثبات الكمال ثم التكبير إذ لا يلزم من نفى النقائص وإثبات الكمال أن يكون هناك كبير آخر ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده سبحانه وتعالى بجميع ذلك قوله خلف كل صلاة هذه الرواية مفسرة للرواية التي عند المصنف في الدعوات وهي(1/65)
قوله دبر كل صلاة ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر أثر كل صلاة وأما رواية دبر فهي بضمتين قال الأزهري دبر الأمر يعني بضمتين ودبره يعني بفتح ثم سكون آخره وادعى أبو عمرو الزاهد أنه لا يقال بالضم الا للجارحة ورد بمثل قولهم أعتق غلامه عن دبر ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة فلو تأخر ذلك عن الفراغ فإن كان يسيرا بحيث لا يعد معرضا أو كان ناسيا أو متشاغلا بما ورد أيضا بعد الصلاة كآية الكرسي فلا يضر وظاهر قوله كل صلاة يشمل الفرض والنفل لكن حمله أكثر العلماء على الفرض وقد وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة وكأنهم حملوا المطلقات عليها وعلى هذا هل يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فاصلا بين المكتوبة والذكر أو لا محل النظر والله أعلم قوله ثلاثا وثلاثين يحتمل أن يكون المجموع للجميع فإذا وزع كان لكل واحد إحدى عشرة وهو الذي فهمه سهيل بن أبي صالح كما رواه مسلم من طريق روح بن القاسم عنه لكن لم يتابع سهيل على ذلك بل لم أر في شيء من طرق الحديث كلها التصريح بإحدى عشرة إلا في حديث بن عمر عند البزار وإسناده ضعيف والأظهر أن المراد أن المجموع لكل فرد فرد فعلى هذا ففيه تنازع ثلاثة أفعال في ظرف ومصدر والتقدير تسبحون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدون كذلك وتكبرون كذلك(1/66)
قوله فاختلفنا بيننا ظاهره أن أبا هريرة هو القائل وكذا قوله فرجعت إليه وأن الذي رجع أبو هريرة إليه هو النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فالخلاف في ذلك وقع بين الصحابة لكن بين مسلم في رواية بن عجلان عن سمي أن القائل فاختلفنا هو سمي وأنه هو الذي رجع إلى أبي صالح وأن الذي خالفه بعض أهله ولفظه قال سمي فحدثت بعض أهل هذا الحديث قال وهمت فذكر كلامه قال فرجعت إلى أبي صالح وعلى رواية مسلم اقتصر صاحب العمدة لكن لم يوصل مسلم هذه الزيادة فإنه أخرج الحديث عن قتيبة عن الليث عن بن عجلان ثم قال زاد غير قتيبة في هذا الحديث عن الليث فذكرها والغير المذكور يحتمل أن يكون شعيب بن الليث أو سعيد بن أبي مريم فقد أخرجه أبو عوانة في مستخرجه عن الربيع بن سليمان عن شعيب وأخرجه الجوزقي والبيهقي من طريق سعيد وتبين بهذا أن في رواية عبيد الله بن عمر عن سمي في حديث الباب إدراجا وقد روى بن حبان هذا الحديث من طريق المعتمر بن سليمان بالإسناد المذكور فلم يذكر قوله فاختلفنا الخ قوله وتكبر أربعا وثلاثين هو قول بعض أهل سمي كما تقدم التنبيه عليه من رواية مسلم وقد تقدم احتمال كونه من كلام بعض الصحابة وقد جاء مثله في حديث أبي الدرداء عند النسائي وكذا عنده من حديث بن عمر بسند قوي ومثله لمسلم من حديث كعب بن عجرة ونحوه لابن ماجة من حيث أبي ذر لكن شك بعض رواته في أنهن أربع وثلاثون ويخالف ذلك ما في رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة عند أبي داود ففيه ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ وكذا لمسلم في رواية عطاء بن يزيد عن أبي هريرة ومثله لأبي داود في حديث أم الحكم ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر قال النووي ينبغي أن يجمع بين الروايتين بان يكبر أربعا وثلاثين ويقول معها لا إله إلا الله وحده الخ وقال غيره بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة بلا إله إلا الله على وفق ما وردت به الأحاديث قوله حتى يكون منهن كلهن(1/67)
بكسر اللام تأكيدا للضمير المجرور قوله ثلاث وثلاثون بالرفع وهو اسم كان وفي رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت ثلاثا وثلاثين وتوجه بان اسم كان محذوف والتقدير حتى يكون العدد منهن كلهن ثلاثة وثلاثين وفي قوله منهن كلهن الاحتمال المتقدم هل العدد للجميع أو المجموع وفي رواية بن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع لكن يقول ذلك مجموعا وهذا اختبار أبي صالح لكن الرواية الثابتة عن غيره الأفراد قال عياض وهو أولى ورجح بعضهم الجمع للاتيان بواو العطف والذي يظهر أن كلا من الأمرين حسن إلا أن الإفراد يتميز بأمر آخر وهو أن الذاكر يحتاج إلى العدد وله على كل حركة لذلك سواء كان بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه الا الثلث تنبيهان الأول وقع في رواية ورقاء عن سمي عند المصنف في الدعوات في هذا الحديث تسبحون عشرا وتحمدون عشرا وتكبرون عشرا ولم أقف في شيء من طرق حديث أبي هريرة على من تابع ورقاء على ذلك لا عن سمي ولا عن غيره ويحتمل أن يكون تأول ما تأول سهيل من التوزيع ثم ألغى الكسر ويعكر عليه أن السياق صريح في كونه كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجدت لرواية العشر شواهد منها عن على عند أحمد وعن سعد بن أبي وقاص عند النسائي وعن عبد الله بن عمرو عنده وعند أبي داود والترمذي وعن أم سلمة عند البزار وعن أم مالك الأنصارية عند الطبراني وجمع البغوي في شرح السنة بين هذا الاختلاف باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات متعددة أو لها عشرا عشرا ثم إحدى عشرة إحدى عشرة ثم ثلاثا وثلاثين ثلاثا وثلاثين ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل التخيير أو يفترق بافتراق الأحوال وقد جاء من حديث زيد بن ثابت وابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقولوا كل ذكر منها خمسا وعشرين ويزيدوا فيها لا إله إلا الله خمسا وعشرين ولفظ زيد بن ثابت أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين فأتى رجل في منامه فقيل له(1/68)
أمركم محمد أن تسبحوا فذكره قال نعم قال اجعلوها خمسا وعشرين واجعلوا فيها التهليل فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال فافعلوه أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان ولفظ بن عمر رأى رجل من الأنصار فيما يرى النائم فذكر نحوه وفيه فقيل له سبح خمسا وعشرين وأحمد خمسا وعشرين وكبر خمسا وعشرين وهلل خمسا وعشرين فتلك مائة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعلوا كما قال أخرجه النسائي وجعفر الفريابي واستنبط من هذا أن مراعاة العدد المخصوص في الأذكار معتبرة وإلا يمكن أن يقال لهم أضيفوا لها التهليل ثلاثا وثلاثين وقد كان بعض العلماء يقول إن الاعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص لاحتمال أن يكون لتلك الاعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي وفيه نظر لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على الإيتان به فحصل له الثواب بذلك فإذا زاد عليه من جنسه كيف تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله أه ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم أتى بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا لا محالة وان زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلا فرتبه هو على مائة فيتجه القول الماضي وقد بالغ القرافي في القواعد فقال من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعا لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئا أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه مسيئا للادب أه وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلا فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في(1/69)
ذلك من قطع الموالاة لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة خاصة تفوت بفواتها والله أعلم التنبيه الثاني زاد مسلم في رواية بن عجلان عن سمي قال أبو صالح فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلناه ففعلوا مثله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ثم ساقه مسلم من رواية روح بن القاسم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة فذكر طرفا منه ثم قال بمثل حديث قتيبة قال إلا أنه أدرج في حديث أبي هريرة قول أبي صالح فرجع فقراء المهاجرين قلت وكذا رواه أبو معاوية عن سهيل مدرجا أخرجه جعفر الفريابي وتبين بهذا أن الزيادة المذكورة مرسلة وقد روى الحديث البزار من حديث بن عمر وفيه فرجع الفقراء فذكره موصولا لكن قد قدمت أن إسناده ضعيف ورواه جعفر الفريابي من رواية حرام بن حكيم وهو بحاء وراء مهملتين عن أبي ذر وقال فيه فقال أبو ذر يا رسول الله إنهم قد قالوا مثل ما نقول فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ونقل الخطيب أن حرام بن حكيم يرسل الرواية عن أبي ذر فعلى هذا لم يصح بهذه الزيادة إسناد إلا أن هذين الطريقين يقوي بهما مرسل أبي صالح قال بن بطال عن المهلب في هذا الحديث فضل الغني نصا لا تأويلا إذا استوت أعمال الغني والفقير فيما افترض الله عليهما فللغنى حينئذ فضل عمل البر من الصدقة ونحوها مما لا سبيل للفقير إليه قال ورأيت بعض المتكلمين ذهب إلى أن هذا الفضل يخص الفقراء دون غيرهم أي الفضل المترتب على الذكر المذكور وعلل عن قوله في نفس الحديث إلا من صنع مثل ما صنعتم فجعل الفضل لقائله كائنا من كان وقال القرطبي تأول بعضهم قوله ذلك فضل الله يؤتيه بان قال الإشارة راجعة إلى الثواب المترتب على العمل الذي يحصل به التفضيل عند الله فكأنه قال ذاك الثواب الذي أخبرتكم به لا يستحقه أحد بحسب الذكر ولا بحسب الصدقة وإنما هو بفضل الله قال وهذا التأويل فيه بعد ولكن(1/70)
اضطره إليه ما يعارضه وتعقب بأن الجمع بينه وبين ما يعارضه ممكن من غير احتياج إلى التعسف وقال بن دقيق العيد ظاهر الحديث القريب من النص أنه فضل الغني وبعض الناس تأوله بتأويل مستكره كأنه يشير إلى ما تقدم قال والذي يقتضيه النظر أنهما إن تساويا وفضلت العبادة المالية أنه يكون الغني أفضل وهذا لا شك فيه وإنما النظر إذا تساويا وانفرد كل منهما بمصلحة ما هو فيه أيهما أفضل إن فسر الفضل بزيادة الثواب فالقياس يقتضى أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة فيترجح الغني وإن فسر بالاشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل لها من التطهير بسبب الفقر أشرف فيترجح الفقر ومن ثم ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر وقال القرطبي للعلماء في هذه المسألة خمسة أقوال ثالثها الأفضل الكفاف رابعها يختلف باختلاف الأشخاص خامسها التوقف وقال الكرماني قضية الحديث أن شكوى الفقر تبقى بحالها وأجاب بان مقصودهم كان تحصيل الدرجات العلا والنعيم المقيم لهم أيضا لا نفى الزيادة عن أهل الدثور مطلقا أه والذي يظهر أن مقصودهم إنما كان طلب المساواة ويظهر أن الجواب وقع قبل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن متمنى الشيء يكون شريكا لفاعله في الأجر كما سبق في كتاب العلم في الكلام على حديث بن مسعود الذي أوله لا حسد إلا في اثنتين فإن في رواية الترمذي من وجه آخر التصريح بأن المنفق والمتمنى إذا كان صادق النية في الأجر سواء وكذا قوله صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء فإن الفقراء في هذه القصة كانوا السبب في تعلم الأغنياء الذكر المذكور فإذا استووا معهم في قوله امتاز الفقراء بأجر السبب مضافا إلى التمنى فلعل ذلك يقاوم التقرب بالمال وتبقى المقايسة بين صبر الفقير على شظف العيش وشكر الغني على التنعم بالمال ومن ثم وقع التردد في تفضيل أحدهما على الآخر وسيكون لنا عودة إلى ذلك في الكلام على(1/71)
حديث الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن العالم إذا سئل عن مسألة يقع فيها الخلاف أن يجيب بما يلحق به المفضول درجة الفاضل ولا يجيب بنفس الفاضل لئلا يقع الخلاف كذا قال بن بطال وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله ألا أدلكم على أمر تساوونهم فيه وعدل عن قوله نعم هم أفضل منكم بذلك وفيه التوسعة في الغبطة وقد تقدم تفسيرها في كتاب العلم والفرق بينها وبين الحسد المذموم وفيه المسابقة إلى الأعمال المحصلة للدرجات العالية لمبادرة الأغنياء إلى العمل بما بلغهم ولم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم فيؤخذ منه أن قوله إلا من عمل عام للفقراء والاغنياء خلافا لمن أوله بغير ذلك وفيه أن العمل السهل قد يدرك به صاحبه فضل العمل الشاق وفيه فضل الذكر عقب الصلوات واستدل به البخاري على فضل الدعاء عقيب الصلاة كما سيأتي في الدعوات لأنه في معناها ولأنها أوقات فاضلة يرتجى فيها إجابة الدعاء وفيه أن العمل القاصر قد يساوي المتعدى خلافا لمن قال إن المتعدى أفضل مطلقا نبه على ذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام(1/72)
+عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَهَذَا حَدِيثُ قُتَيْبَةَ) أَنّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدّثُورِ بِالدّرَجَاتِ الْعُلَىَ وَالنّعِيمِ الْمُقِيمِ. فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟" قَالُوا: يُصَلّونَ كَمَا نُصَلّي. وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ. وَيَتَصَدّقُونَ وَلاَ نَتَصَدّقُ. وَيُعْتِقُونَ وَلاَ نُعْتِقُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفَلاَ أُعَلّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ" قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "تُسَبّحُونَ وَتُكَبّرُونَ وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلّ صَلاَةٍ، ثَلاَثاً وَثَلاَثينَ مَرّةً".
قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا. فَفَعَلُوا مِثْلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ".
وزادَ غَيْرُ قُتَيْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ اللّيْثِ عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ: قَالَ سُمَيّ: فَحَدّثْتُ بَعْضَ أَهْلِي هذَا الْحَدِيثَ. فَقَالَ: وَهِمْتَ. إِنّمَا قَالَ "تُسَبّحُ اللّهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ وَتَحْمَدُ اللّهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ وَتُكَبّرُ اللّهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ" فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي صَالِحٍ فَقْلْتُ لَهُ ذَلِكَ. فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ: اللّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللّهِ وَالْحَمْدُ للّهِ. اللّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللّهِ وَالْحَمْدُ لِلّهِ. حَتّى تَبْلُغَ مِنْ جَمِيعِهِنّ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ.(1/73)
قَالَ ابْنُ عَجْلاَنَ: فَحَدّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ رَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ. فَحَدّثَنِي بِمِثْلِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
وحدّثني أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدّثُورِ بِالدّرَجَاتِ الْعُلَىَ وَالنّعِيمِ الْمُقِيمِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ عَنِ اللّيْثِ. أَلاّ أَنّهُ أَدْرَجَ، فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَوْلَ أَبِي صَالِحٍ: ثُمّ رَجَعَ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ. إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: يَقُولُ سُهَيْلٌ: إِحْدَى عَشَرَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ. فَجَمِيعُ ذَلِكَ كُلّهُ ثَلاَثَةٌ وَثَلاَثُونَ.
وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ. قَالَ: سَمِعْتُ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ يُحَدّثُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مُعَقّبَاتٌ لاَ يَخِيبُ قَائِلُهُنّ (أَوْ فَاعِلُهُنّ) دُبُرَ كُلّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ. ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ تَسْبِيحَةً. وَثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ تَحْمِيدَةً. وَأَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ تَكْبِيرَةً".(1/74)
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ. حَدّثَنَا حَمْزَةُ الزّيّاتُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَىَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مُعَقّبَاتٌ لاَ يَخِيبُ قَائِلُهُنّ (أَوْ فَاعِلُهُنّ) ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ تَسْبِيحَةً. وَثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ تَحْمِيدَةً. وَأَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ تَكْبِيرَةً. فِي دُبُرِ كُلّ صَلاَةٍ
+عَنْ أَبِي ذَرَ أَنّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدّثُورِ بِالأُجُورِ. يُصَلّونَ كَمَا نُصَلّي. وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ. وَيَتَصَدّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ: "أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللّهِ لَكُمْ مَا تَصّدّقُونَ؟ إِنّ بِكُلّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً. وَكُلّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ. وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ. وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ. وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ".
الجوهرة 6
حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون
البخاري :مواقيت الصلاة باب 16 فضل صلاة العصر(1/75)
مسلم : كتاب المساجد باب37 فضل صلاتي الصبح والعصر
شرح 1 فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
قوله يتعاقبون أي تأتي طائفة عقب طائفة ثم تعود الأولى عقب الثانية قال بن عبد البر وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو رجلين بأن يأتي هذا مرة ويعقبه هذا ومنه تعقيب الجيوش أن يجهز الأمير بعثا إلى مدة ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز غيرهم إلى مدة ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز الأولين قال القرطبي الواو في قوله يتعاقبون علامة الفاعل المذكر المجموع على لغه بني الحارث وهم القائلون أكلونى البراغيث ومنه قول الشاعر بحوران يعصرن السليط أقاربه وهي لغة فاشية وعليها حمل الأخفش قوله تعالى واسروا النجوى الذين ظلموا قال وقد تعسف بعض النحاة فى تأويلها وردها للبدل وهو تكلف مستغنى عنه فإن تلك اللغة مشهورة ولها وجه من القياس واضح وقال غيره في تأويل الآية قوله وأسروا عائد على الناس المذكورين أولا والذين ظلموا بدل من الضمير وقيل التقدير أنه لما قيل وأسروا النجوى قيل من هم قال الذين ظلموا حكاه الشيخ محي الدين والأول أقرب إذ الأصل عدم التقدير وتوارد جماعة من الشراح على أن حديث الباب من هذا القبيل ووافقهم بن مالك وناقشه أبو حيان زاعما أن هذه الطريق اختصرها الراوي واحتج لذلك بما رواه البزار من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ أن لله ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار الحديث وقد سومح في العزو إلى مسند البزار مع أن هذا الحديث بهذا اللفظ في الصحيحين فالعزو إليهما أولى وذلك أن هذا الحديث رواه عن أبي الزناد عن مالك في الموطأ ولم يختلف عليه باللفظ المذكور وهو قوله يتعاقبون فيكم وتابعه على ذلك عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبية أخرجه سعيد بن منصور عنه وقد أخرجه البخاري في بدء الخلق من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد بلفظ الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وأخرجه النسائي(1/76)
أيضا من طريق موسى بن عقبة عن أبي الزناد بلفظ أن الملائكة يتعاقبون فيكم فاختلف فيه على أبي الزناد فالظاهر أنه كان تارة يذكره هكذا وتارة هكذا فيقوى بحث أبي حيان ويؤيد ذلك أن غير الأعرج من أصحاب أبي هريرة قد رووه تاما فأخرجه أحمد ومسلم من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة مثل رواية موسى بن عقبة لكن بحذف أن من أوله وأخرجه بن خزيمة والسراج من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ أن لله ملائكة يتعاقبون وهذه هي الطريقة التي أخرجها البزار وأخرجه أبو نيعم في الحلية بإسناد صحيح من طريق أبي موسى عن أبي هريرة بلفظ إن الملائكة فيكم يعتقبون وإذا عرف ذلك فالعزو إلى الطريق التي تتحد مع الطريق التي وقع القول فيها أولى من طريق مغايرة لها فليعز ذلك إلى تخريج البخاري والنسائي من طريق أبي الزناد لما أوضحته والله الموفق قوله فيكم أي المصلين أو مطلق المؤمنين قوله ملائكة قيل هم الحفظة نقله عياض وغيره عن الجمهور وتردد بن بزيزة وقال القرطبي الأظهر عندي إنهم غيرهم ويقويه أنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد ولا أن حفظه الليل غير حفظة النهار وبأنهم لو كانوا هم الحفظة لم يقع الاكتفاء في السؤال منهم عن حالة الترك دون غيرها في قوله كيف تركتم عبادي قوله ويجتمعون قال الزين بن المنير التعاقب مغاير للاجتماع لكن ذلك منزل على حالين قلت وهو ظاهر وقال بن عبد البر الأظهر أنهم يشهدون معهم الصلاة في الجماعة واللفظ محتمل للجماعة وغيرها كما يحتمل أن التعاقب يقع بين طائفتين دون غيرهم وأن يقع التعاقب بينهم في النوع لا في الشخص قال عياض والحكمة في اجتماعهم في هاتين الصلاتين من لطف الله تعالى بعباده وإكرامه لهم بأن جعل اجتماع ملائكته في حال طاعة عباده لتكون شهادتهم لهم بأحسن الشهادة قلت وفيه شيء لأنه رجح أنهم الحفظة ولا شك أن الذين يصعدون كانوا مقيمين عندهم مشاهدين لأعمالهم في جميع الأوقات فالأولى أن يقال الحكمة في كونه تعالى لا(1/77)
يسألهم إلا عن الحالة التي تركوهم عليها ما ذكر ويحتمل أن يقال إن الله تعالى يستر عنهم ما يعملونه فيما بين الوقتين لكنه بناء على أنهم غير الحفظة وفيه إشارة إلى الحديث الآخر أن الصلاة كفارة لما بينهما فمن ثم وقع السؤال من كل طائفة عن آخر شيء فارقوهم عليه قوله ثم يعرج الذين باتوا فيكم استدل به بعض الحنفية على استحباب تأخير صلاة العصر ليقع عروج الملائكة إذا فرغ منها آخر النهار وتعقب بأن ذلك غير لازم إذ ليس في الحديث ما يقتضى أنهم لا يصعدون إلا ساعة الفراغ من الصلاة بل جائز أن تفرغ الصلاة ويتأخروا بعد ذلك إلى آخر النهار ولا مانع أيضا من أن تصعد ملائكة النهار وبعض النهار باق وتقيم ملائكة الليل ولا يرد على ذلك وصفهم بالمبيت بقوله باتوا فيكم لأن اسم المبيت صادق عليهم ولو تقدمت إقامتهم بالليل إقامتهم قطعة من النهار قوله الذين باتوا فيكم اختلف في سبب الاقتصار على سؤال الذين باتوا دون الذين ظلوا فقيل هو من باب الاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر كقوله تعالى{ فذكر إن نفعت الذكرى} أي وإن لم تنفع وقوله تعالى{ سرابيل تقيكم الحر} أي والبرد وإلى هذا أشار بن التين وغيره ثم قيل الحكمة في الاقتصار على ذلك أن حكم طرفي النهار يعلم من حكم طرفي الليل فلو ذكره لكان تكرارا ثم قيل الحكمة في الاقتصار على هذا الشق دون الآخر أن الليل مظنة المعصية فلما لم يقع منهم عصيان مع إمكان دواعى الفعل من إمكان الإخفاء ونحوه واشتغلوا بالطاعة كان النهار أولى بذلك فكان السؤال عن الليل أبلغ من السؤال عن النهار لكون النهار محل الاشتهار وقيل الحكمة في ذلك أن ملائكة الليل إذا صلوا الفجر عرجوا في الحال وملائكة النهار إذا صلوا العصر لبثوا إلى آخر النهار لضبط بقية عمل النهار وهذا ضعيف لأنه يقتضى أن ملائكة النهار لا يسئلون عن وقت العصر وهو خلاف ظاهر الحديث كما سيأتي ثم هو مبنى على أنهم الحفظة وفيه نطر لما سنبينه وقيل بناه أيضا(1/78)
على أنهم الحفظة أنهم ملائكة النهار فقط وهم لا يبرحون عن ملازمة بني آدم وملائكة الليل هم الذين يعرجون ويتعاقبون ويؤيده ما رواه أبو نعيم في كتاب الصلاة له من طريق الأسود بن يزيد النخعي قال يلتقى الحارسان أي ملائكة الليل وملائكة النهار عند صلاة الصبح فيسلم بعضهم على بعض فتصعد ملائكة الليل وتلبث ملائكة النهار وقيل يحتمل أن يكون العروج إنما يقع عند صلاة الفجر خاصة وأما النزول فيقع في الصلاتين معا وفيه التعاقب وصورته أن تنزل طائفة عند العصر وتبيت ثم تنزل طائفة ثانية عند الفجر فيجتمع الطائفتان في صلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فقط ويستمر الذين نزلوا وقت الفجر إلى العصر فتنزل الطائفة الأخرى فيحصل اجتماعهم عند العصر أيضا ولا يصعد منهم أحد بل تبيت الطائفتان أيضا ثم تعرج إحدى الطائفتين ويستمر ذلك فتصبح صورة التعاقب مع اختصاص النزول بالعصر والعروج بالفجر فلهذا خص السؤال بالذين باتوا والله أعلم وقيل إن قوله في هذا الحديث ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر وهم لأنه ثبت في طرق كثيرة أن الاجتماع في صلاة الفجر من غير ذكر صلاة العصر كما في الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في أثناء حديث قال فيه وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر قال أبو هريرة وأقرؤا إن شئتم وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا وفي الترمذي والنسائي من وجه آخر بإسناد صحيح عن أبي هريرة في قوله تعالى إن قرأن الفجر كان مشهودا قال تشهده ملائكة الليل والنهار وروى بن مردويه من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه قال بن عبد البر ليس في هذا دفع للرواية التي فيها ذكر العصر إذ لا يلزم من عدم ذكر العصر في الآية والحديث الآخر عدم اجتماعهم في العصر لأن المسكوت عنه قد يكون في حكم المذكور بدليل آخر قال ويحتمل أن يكون الاقتصار وقع في الفجر لكونها جهرية وبحثه الأول متجه لأنه لا سبيل إلى ادعاء توهيم الراوي الثقة مع إمكان(1/79)
التوفيق بين الروايات ولا سيما أن الزيادة من العدل الضابط مقبولة ولم لا يقال إن رواية من لم يذكر سؤال الذين أقاموا في النهار واقع من تقصير بعض الرواة أو يحمل قوله ثم يعرج الذين باتوا على ما هو أعم من المبيت بالليل والإقامة بالنهار فلا يختص ذلك بليل دون نهار ولا عكسه بل كل طائفة منهم إذا صعدت سألت وغاية ما فيه أنه استعمل لفظ بات في أقام مجازا ويكون قوله فيسألهم أي كلا من الطائفتين في الوقت الذي يصعد فيه ويدل على هذا الحمل رواية موسى بن عقبة عن أبي الزناد عند النسائي ولفظة ثم يعرج الذين كانوا فيكم فعلى هذا لم يقع في المتن اختصار ولا اقتصار وهذا أقرب الأجوبة وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق أخرى واضحا وفيه التصريح بسؤال كل من الطائفتين وذلك فيما رواه بن خزيمة في صحيحه وأبو العباس السراج جميعا عن يوسف بن موسى عن جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله علية وسلم تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد ملائكة الليل وتبيت ملائكة النهار ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتبيت ملائكة الليل فيسألهم ربهم كيف تركتم عبادي الحديث وهذه الرواية تزيل الإشكال وتغنى عن كثير من الاحتمالات المتقدمة فهي المعتمدة ويحمل ما نقص منها على تقصير بعض الرواة قوله فيسألهم قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير واستنطاقهم بما يقتضى التعطف عليهم وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون أي وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم وقال عياض هذا السؤال على سبيل التعبد للملائكة كما أمروا أن يكتبوا أعمال بني آدم وهو سبحانه وتعالى أعلم من الجميع بالجميع قوله كيف تركتم عبادي قال بن أبي جمرة وقع السؤال عن آخر(1/80)
الأعمال لأن الأعمال بخواتيمها قال والعباد المسئول عنهم هم المذكورون في قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان قوله تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون لم يراعوا الترتيب الوجودى لأنهم بدؤا بالترك قبل الإيتان والحكمة فيه أنهم طابقوا السؤال لأنه قال كيف تركتم ولأن المخبر به صلاة العباد والأعمال بخواتيمها فناسب ذلك إخبارهم عن آخر عملهم قبل أولة وقوله تركناهم وهم ظاهره أنهم فارقوهم عند شروعهم في العصر سواء تمت أم منع مانع من إتمامها وسواء شرع الجميع فيها أم لا لأن المنتظر في حكم المصلي ويحتمل أن يكون المراد بقولهم وهم يصلون أي ينتظرون صلاة المغرب وقال بن التين الواو في قوله وهم يصلون واو الحال أبي تركناهم على هذه الحال ولا يقال يلزم منه أنهم فارقوهم قبل انقضاء الصلاة فلم يشهدوها معهم والخبر ناطق بأنهم يشهدونها لأنا نقول هو محمول على أنهم شهدوا الصلاة مع من صلاها في أول وقتها وشهدوا من دخل فيها بعد ذلك وممن شرع في أسباب ذلك تنبيه استنبط منه بعض الصوفية أنه يستحب أن لا يفارق الشخص شيئا من أموره إلا وهو على طهارة كشعره إذا حلقه وظفره إذا قلمه وثوبه إذا أبدله ونحو ذلك وقال بن أبي جمرة أجابت الملائكة بأكثر مما سئلوا عنه لأنهم علموا أنه سؤال يستدعى التعطف على بني آدم فزادوا في موجب ذلك قلت ووقع في صحيح بن خزيمة من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث فاغفر لهم يوم الدين قال ويستفاد منه أن الصلاة أعلى العبادات لأنه عنها وقع السؤال والجواب وفيه الإشارة إلى عظم هاتين الصلاتين لكونهما تجتمع فيهما الطائفتان وفي غيرهما طائفة واحدة والإشارة إلى شرف الوقتين المذكورتين وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح وأن الأعمال ترفع آخر النهار فمن كان حيئنذ في طاعة بورك في رزقه وفي عمله والله أعلم ويترتب عليه حكمة الأمر بالمحافظة عليهما والاهتمام بهما وفيه تشريف هذه الأمة على غيرها(1/81)
ويستلزم تشريف نبيها على غيره وفيه الإخبار بالغيوب ويترتب عليه زيادة الإيمان وفيه الإخبار بما نحن فيه من ضبط أحوالنا حتى نتيقظ ونتحفظ في الأوامر والنواهي ونفرح في هذه الأوقات بقدوم رسل ربنا وسؤال ربنا عنا وفيه اعلامنا بحب ملائكة الله لنا لنزداد فيهم حبا ونتقرب إلى الله بذلك وفيه كلام الله تعالى مع ملائكته وغير ذلك من الفوائد والله أعلم
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
قوله صلى الله عليه وسلم: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر" فيه دليل لمن قال من النحويين يجوز إظهار ضمير الجمع والتثنية في الفعل إذا تقدم وهو لغة بني الحارث، وحكوا في قولهم: أكلوني البراغيث، وعليه حمل الأخفش ومن وافقه قول الله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا}. وقال سيبويه وأكثر النحويين: لا يجوز إظهار الضمير مع تقدم الفعل ويتأولون كل هذا، ويجعلون الاسم بعده بدلاً من الضمير ولا يرفعونه بالفعل، كأنه لما قيل: {وأسروا النجوى} قيل: من هم؟ قيل: الذين ظلموا، وكذا يتعاقبون ونظائره، ومعنى يتعاقبون تأتي طائفة بعد طائفة، ومنه تعقب الجيوش وهو أن يذهب إلى ثغر قوم ويجيء آخرون، وأما اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين وتكرمة لهم أن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم فيكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي" فهذا السؤال على ظاهره وهو تعبد منه لملائكته كما أمرهم بكتب الأعمال وهو أعلم بالجميع. قال القاضي عياض رحمه الله: الأظهر وقول الأكثرين أن هؤلاء الملائكة هم الحفظة الكتاب، قال: وقيل يحتمل أن يكونوا من جملة الملائكة بجملة الناس غير الحفظة.
الجوهرة 7(1/82)
حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه، خمسا وعشرين درجة، فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن، وأتى المسجد، لا يريد إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه خطيئة، حتى يدخل المسجد، وإذا دخل المسجد، كان في صلاة ما كانت تحبسه، وتصلي - يعني - عليه الملائكة، ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه).
... ... ... البخاري—كتاب الصلاة باب 87 الصلاة في مسجد السوق
مسلم ــكتاب المساجد باب 49 فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. جميعا عن أبي معاوية. قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسبلم : "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه، بضعا وعشرين درجة. وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد. لا ينهزه إلا الصلاة. لا يريد إلا الصلاة. فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة. وحط عنه بها خطيئة. حتى يدخل المسجد. فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه. والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه. يقولون: اللهم! ارحمه. اللهم! اغفر له. اللهم! تب عليه. ما لم يؤذ فيه. ما لم يحدث فيه".،
وحدثنا ابن أبي عمر. حدثنا سفيان عن أيوب السختاني، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة؛ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه. تقول: اللهم! اغفر له. اللهم! ارحمه. ما لم يحدث. وأحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه(1/83)
وحدثني محمد بن حاتم. حدثنا بهز. حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه. ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم! اغفر له. اللهم! ارحمه حتى ينصرف أو يحدث" قلت: ما يحدث؟ قال: يفسو أو يضرط
حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يزال أحدكم في صلاة مادامت الصلاة تحبسه. لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة
حدثني حرملة بن يحيى. أخبرنا ابن وهب. أخبرني يونس. ح وحدثني محمد بن سلمة المرادي. حدثنا عبدالله بن وهب عن يونس، عن ابن شهاب، عن ابن هرمز، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أحدكم ما قعد ينتظر الصلاة، في صلاة، ما لم يحدث. تدعو له الملائكة: اللهم! اغفر له. اللهم! ارحمه
---قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه بضعاً وعشرين درجة" المراد صلاته في بيته وسوقه منفرداً هذا هو الصواب، وقيل فيه غير هذا وهو قول باطل نبهت عليه لئلا يغتر به، والبضع بكسر الباء وفتحها وهو من الثلاثة إلى العشرة هذا هو الصحيح وفيه كلام طويل سبق بيانه في كتاب الإيمان، والمراد به هنا خمس وعشرون وسبع وعشرون درجة كما جاء مبيناً في الروايات السابقات. قوله: (لاتنهزه إلا الصلاة) هو بفتح أوله وفتح الهاء وبالزاي أي لا تنهضه وتقيمه وهو بمعنى قوله بعله: لا يريد إلا الصلاة. قوله: (حدثنا عبثر) هو بالباء الموحدة ثم المثلثة المفتوحة. قوله: "محمد بن بكر بن الريان" هو بالراء والمثناة تحت المشددة. قوله: "يضرط" هو بكسر الراء
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/84)
قوله في حديث أبي هريرة صلاة الرجل في الجماعة في رواية الحموي والكشميهني في جماعة بالتنكير قوله خمسة وعشرين ضعفا كذا في الروايات التي وقفنا عليها وحكى الكرماني وغيره أن فيه خمسا وعشرين درجة بتأويل الضعف بالدرجة أو الصلاة قوله في بيته وفي سوقه مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعة وفرادى قاله بن دقيق العيد قال والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا قال وبهذا يرتفع الاشكال عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق انتهى ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية المذكورة إذ لا يلزم من استوائهما في المفضولية عن المسجد أن لا يكون أحدهما أفضل من الآخر وكذا لا يلزم منه أن كون الصلاة جماعة في البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا بل الظاهر أن التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد والصلاة في البيت مطلقا أولى منها في السوق لما ورد من كون الأسواق موضع الشياطين والصلاة جماعة في البيت وفي السوق أولى من الانفراد وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع وفي المسجد العام مع تقرير الفضل في غيره وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته قال حسن جميل قال فإن صلى في مسجد عشيرته قال خمس عشرة صلاة قال فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه قال خمس وعشرون انتهى وأخرج حميد بن زنجويه في كتاب الترغيب نحوه من حديث واثلة وخص الخمس والعشرون بمسجد القبائل قال وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه أي الجمعة بخمسمائه وسنده ضعيف قوله وذلك أنه إذا توضأ ظاهر في أن الأمور المذكورة علة للتضعيف المذكور إذ التقدير وذلك لأنه فكأنه يقول التضعيف المذكور سببه كيت وكيت وإذا كان كذلك فما رتب على(1/85)
موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على الغاء ما ليس معتبرا أو ليس مقصودا لذاته وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى فالأخذ بها متوجه والروايات المطلقة لا تنافيها بل يحمل مطلقها على هذه المقيدة والذين قالوا بوجوب الجماعة على الكفاية ذهب كثير منهم إلى أن الحرج لا يسقط بأقامة الجماعة في البيوت وكذا روى عن أحمد في فرض العين ووجهوه بان أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد وهو وصف معتبر لا ينبغي إلغاؤه فيختص به المسجد ويلحق به ما في معناه مما يحصل به إظهار الشعار قوله لا يخرجه إلا الصلاة أي قصد الصلاة في جماعة واللام فيها للعهد لما بيناه قوله لم يخط بفتح أوله وضم الطاء وقوله خطوة ضبطناه بضم أوله ويجوز الفتح قال الجوهري الخطوة بالضم ما بين القدمين وبالفتح المرة الواحدة وجزم اليعمري أنها هنا بالفتح وقال القرطبي إنها في روايات مسلم بالضم والله أعلم قوله فإذا صلى قال بن أبي جمرة أي صلى صلاة تامة لأنه صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته ارجع فصل فإنك لم تصل قوله في مصلاه أي في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد وكأنه خرج مخرج الغالب وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرا على نية انتظار الصلاة كان كذلك قوله اللهم ارحمه أي قائلين ذلك زاد بن ماجة اللهم تب عليه وفي الطريق الماضية في باب مسجد السوق اللهم اغفر له واستدل به على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال لما ذكر من صلاة الملائكة عليه ودعائهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة وعلى تفضيل صالحي الناس على الملائكة لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة مشغولون بالاستغفار والدعاء لهم واستدل بأحاديث الباب على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة لأن قوله على صلاته وحده يقتضى صحة صلاته منفردا لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل فإن ذلك يقتضى وجود فضيلة في صلاة المنفرد وما لا يصح لا فضيلة فيه(1/86)
قال القرطبي وغيره ولا يقال إن لفظة أفعل قد ترد لاثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين كقوله تعالى وأحسن مقيلا لأنا نقول إنما يقع ذلك على قلة حيث ترد صيغة أفعل مطلقة غر مقيدة بعدد معين فإذا قلنا هذا العدد أزيد من هذا بكذا فلا بد من وجود أصل العدد ولا يقال يحمل المنفرد على المعذور لأن قوله صلاة الفذ صيغة عموم فيشمل من صلى منفردا بعذر وبغير عذر فحمله على المعذور يحتاج إلى دليل وأيضا ففضل الجماعة حاصل للمعذور لما سيأتي في هذا الكتاب من حديث أبي موسى مرفوعا إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما وأشار بن عبد البر إلى أن بعضهم حمله على صلاة النافلة ثم رده بحديث أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة واستدل بها على تساوى الجماعات في الفضل سواء كثرت الجماعة أم قلت لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة فيدخل فيه كل جماعة كذا قال بعض المالكية وقواه بما روى بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي قال إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهم التضعيف خمسا وعشرين انتهى وهو مسلم في أصل الحصول لكنه لا ينفى مزيد الفضل لما كان أكثر لا سيما مع وجود النص المصرح به وهو ما رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه بن خزيمة وغيره من حديث أبي بن كعب مرفوعا صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله وله شاهد قوي في الطبراني من حديث قباث بن أشيم وهو بفتح القاف والموحدة وبعد الألف مثلثة وأبوه بالمعجمة بعدها تحتانية بوزن أحمر ويترتب على الخلاف المذكور أن من قال بالتفاوت استحب إعادة الجماعة مطلقا لتحصيل الأكثرية ولم يستحب ذلك الآخرون ومنهم من فصل فقال تعاد مع الأعلم أو الأورع أو في البقعة الفاضلة ووافق مالك على الأخير لكن قصره على المساجد الثلاثة والمشهور عنه بالمسجدين المكي والمدنى وكما أن الجماعة تتفاوت في الفضل بالقلة والكثرة(1/87)
وغير ذلك مما ذكر كذلك يفوق بعضها بعضا
الجوهرة 8
حدثنا شيبان بن فروخ. حدثنا عبدالوارث. حدثنا أبو التياح. حدثني أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة؛ قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر. وركعتي الضحى. وأن أوتر قبل أن أرقد .
مسلم –كتاب صلاة المسافرين\باب 13 استحباب صلاة الضحى
حدثنا مسلم بن إبراهيم: أخبرنا شعبة: حدثنا عباس الجريري، وهو ابن فروخ، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
أوصاني خليلي بثلاث، لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر. ... ... ...
... البخاري -كتاب التهجد\باب 33 صلاة الضحى في الحضر
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/88)
قوله حدثنا عباس بالموحده والمهملة والجريري بضم الجيم قوله أوصاني خليلي الخليل الصديق الخالص الذي تخللت محبته القلب فصارت في خلاله أي في باطنه واختلف هل الخلة أرفع من المحبه أو بالعكس وقول أبي هريرة هذا لا يعارضه ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لو كنت مختذا خليلا لاتخذت أبا بكر لأن الممتنع أن يتخذ هو صلى الله عليه وسلم غيره خليلا لا العكس ولا يقال أن المخالة لا تتم حتى تكون من الجانبين لأنا نقول إنما نظر الصحابي إلى أحد الجانبين فأطلق ذلك أو لعله أراد مجرد الصحبة أو المحبه قوله بثلاث لا ادعهن حتى أموت يحتمل أن يكون قوله لا ادعهن الخ من جملة الوصية أي أوصاني أن لا ادعهن ويحتمل أن يكون من أخبار الصحابي بذلك عن نفسه قوله صوم ثلاثة أيام بالخفض بدل من قوله بثلاث ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف قوله من كل شهر الذي يظهر أن المراد بها البيض ... قوله وصلاة الضحى زاد أحمد في روايته كل يوم ... قال بن دقيق العيد لعله ذكر الأقل الذي يوجد بالتاكيد بفعله وفي هذا دلالة على استحباب صلاة الضحى وأن اقلها ركعتان وعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها لا ينافي استحبابها لأنه حاصل بدلالة القول وليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلة القول والفعل لكن ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله مرجح على ما لم يواظب عليه قوله ونوم على وتر في رواية أبي التياح وأن أوتر قبل أن أنام وفيه استحباب تقديم الوتر على النوم وذلك في حق من لم يثق بالاستيقاظ ويتناول من يصلي بين النومين وهذه الوصية لأبي هريرة ورد مثلها لأبي الدرداء فيما رواه مسلم ولأبي ذر فيما رواه النسائي والحكمه في الوصية على المحافظه على ذلك تمرين النفس على جنس الصلاة والصيام ليدخل في الواجب منهما بانشراح ولينجبر ما لعله يقع فيه من نقص ومن فوائد ركعتي الضحى أنها تجزئ عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم وهي ثلاثمائة وستون(1/89)
مفصلا كما أخرجه مسلم من حديث أبي ذر وقال فيه ويجزئ عن ذلك ركعتا الضحى وحكى شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين في شرح الترمذي أنه اشتهر بين العوام أن من صلى الضحى ثم قطعها يعمى فصار كثير من الناس يتركونها أصلا لذلك وليس لما قالوه أصل بل الظاهر أنه مما ألقاه الشيطان على السنة العوام ليحرمهم الخير الكثير لا سيما ما وقع في حديث أبي ذر تنبيهان الأول اقتصر في الوصية للثلاثة المذكورين على الثلاثة المذكورة لأن الصلاة والصيام أشرف العبادات البدنيه ولم يكن المذكورون من أصحاب الأموال وخصت الصلاة بشيئين لأنها تقع ليلا ونهارا بخلاف الصيام الثاني ليس في حديث أبي هريرة تقييد بسفر ولا حضر والترجمه مختصه بالحضر لكن الحديث يتضمن الحضر لأن إرادة الحضر فيه ظاهرة وحمله على الحضر والسفر ممكن وأما حمله على السفر دون الحضر فبعيد لأن السفر مظنة التخفيف.
الجوهرة 9
حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وأبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له).
... البخاري - كتاب التهجد – باب 14 الدعاءوالصلاة آخر الليل
... مسلم - كتاب صلاة المسافرين - باب24 الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والاجابة فيه
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/90)
قوله ينزل ربنا إلى السماء الدنيا استدل به من أثبت الجهة وقال هي جهة العلو وأنكر ذلك الجمهور قال العلامة بن باز حفظه الله مراده بالجمهور أهل الكلام وأما أهل السنة وهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان فإنهم يثبتون لله الجهة وهي جهة العلو ويؤمنون بأنه سبحانه فوق العرش بلا تمثيل ولاتكييف والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر فتنبه واحذر والله أعلم لأن القول بذلك يفضى إلى التحيز تعالى الله عن ذلك وقد اختلف في معنى النزول على أقوال فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة وهم الخوارج والمعتزله وهو مكابرة والعجب إنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك وانكروا ما في الحديث أما جهلا وأما عنادا ومنهم من اجراه على ما ورد مؤمنا به على طريق الإجمال منزها الله تعالى عن الكيفيه والتشبيه وهم جمهور السلف ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم ومنهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريبا مستعملا في كلام العرب وبين ما يكون بعيدا مهجورا فأول في بعض وفوض في بعض وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين بن دقيق العيد قال البيهقي واسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد الا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض أسلم وسيأتي مزيد بسط في ذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى وقال بن العربي : حكى عن المبتدعة رد هذه الأحاديث وعن السلف امرارها وعن قوم تأويلها وبه أقول قال العلامة بن باز حفظه الله هذا خطأ ظاهر مصادم لصريح النصوص الواردة بإثبات النزول وهكذا ما قاله البيضاوي بعده باطل والصواب ما قاله السلف الصالح من(1/91)
الإيمان بالنزول وإمرار النصوص كما وردت من إثبات النزول لله سبحانه على الوجه الذي يليق به من غير تكييف ولا تمثيل كسائر صفاته وهذا هو الطريق الأسلم والأقوم والأعلم والأحكم فتمسك به وعض عليه بالنواجذ واحذر ما خالفه تفز بالسلامة والله أعلم فأما قوله ينزل فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عباره عن ملكه الذي ينزل بأمره ونهيه والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة الملك المبعوث بذلك وأن حملته على المعنوى بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة انتهى والحاصل أنه تأوله بوجهين أما بان المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره وأما بأنه استعاره بمعني التلطف بالداعين والاجابة لهم ونحوه وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي ينزل ملكا ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ أن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له الحديث وفي حديث عثمان بن أبي العاص ينادي مناد هل من داع يستجاب له الحديث قال القرطبي وبهذا يرتفع الاشكال ولا يعكر عليه ما في رواية رفاعة الجهني ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول لا يسأل عن عبادي غيري لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور وقال البيضاوي ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز أمتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه فالمراد نور رحمته أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرافة والرحمة قوله حين يبقي ثلث الليل الآخر يرفع الآخر لأنه صفة الثلث ولم تختلف الروايات عن الزهري في تعيين الوقت واختلفت الروايات عن أبي هريرة وغيره قال الترمذي رواية أبي هريرة أصح الروايات في ذلك ويقوى ذلك أن الروايات المخالفة اختلف فيها على(1/92)
رواتها وسلك بعضهم طريق الجمع وذلك أن الروايات انحصرت في ستة أشياء أولها هذه ثانيها إذا مضى الثلث الأول ثالثها الثلث الأول أو النصف رابعها النصف خامسها النصف أو الثلث الأخير سادسها الإطلاق فأما الروايات المطلقة فهي محمولة على المقيدة وأما التي بأو فإن كانت أو للشك فالمجزوم به مقدم على المشكوك فيه وأن كانت للتردد بين حالين فيجمع بذلك بين الروايات بان ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الآفاق باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم وتأخره عن قوم وقال بعضهم يحتمل أن يكون النزول يقع في الثلث الأول والقول يقع في النصف وفي الثلث الثاني وقيل يحمل على أن ذلك يقع في جميع الأوقات التي وردت بها الأخبار ويحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به ثم أعلم به في وقت آخر فأخبر به فنقل الصحابة ذلك عنه والله أعلم قوله من يدعوني الخ لم تختلف الروايات على الزهري في الاقتصار على الثلاثه المذكورة وهي الدعاء والسؤال والاستغفار والفرق بين الثلاثه أن المطلوب أما لدفع المضار أو جلب المسار وذلك أما ديني وأما دنيوى ففي الاستغفار اشاره إلى الأول وفي السؤال إشارة إلى الثاني وفي الدعاء اشاره إلى الثالث وقال الكرماني يحتمل أن يقال الدعاء ما لا طلب فيه نحو يا الله والسؤال الطلب وأن يقال المقصود واحد وإن اختلف اللفظ انتهى وزاد سعيد عن أبي هريرة هل من تائب فأتوب عليه وزاد أبو جعفر عنه من ذا الذي يسترزقني فارزقه من ذا الذي يستكشف الضر فاكشف عنه وزاد عطاء مولى أم صبية عنه الا سقيم يستشفى فيشفى ومعانيها داخله فيما تقدم وزاد سعيد بن مرجانه عنه من يقرض غير عديم ولا ظلوم وفيه تحريض على عمل الطاعه واشارة إلى جزيل الثواب عليها وزاد حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري عند الدارقطني في آخر الحديث حتى الفجر وفي رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عند مسلم حتى ينفجر الفجر(1/93)
وفي رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة حتى يطلع الفجر وكذا اتفق معظم الرواة على ذلك الا أن في رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند النسائي حتى ترجل الشمس وهي شاذه وزاد يونس في روايته عن الزهري في آخره أيضا ولذلك كانوا يفضلون صلاة آخر الليل على أوله أخرجها الدارقطني أيضا وله من رواية بن سمعان عن الزهري ما يشير إلى أن قائل ذلك هو الزهري وبهذه الزياده تظهر مناسبة ذكر الصلاة في الترجمة ومناسبة الترجمة التي بعد هذه لهذه قوله فاستجيب بالنصب على جواب الاستفهام وبالرفع على الاستئناف وكذا قوله فأعطيه و اغفر له وقد قرئ بهما في قوله تعالى{ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له }الآية وليست السين في قوله تعالى فاستجيب للطلب بل استجيب بمعنى أجيب وفي حديث الباب من الفوائد تفضيل صلاة آخر الليل على أوله وتفضيل تأخير الوتر لكن ذلك في حق من طمع أن ينتبه وأن آخر الليل أفضل للدعاء والاستغفار ويشهد له قوله تعالى {والمستغفرين بالأسحار }وأن الدعاء في ذلك الوقت مجاب ولا يعترض على ذلك بتخلفه عن بعض الداعين لأن سبب التخلف وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس أو لاستعجال الداعي أو بان يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم أو تحصل الاجابه ويتاخر وجود المطلوب لمصلحة العبد أو لأمر يريده الله .
الحديث في صحيح مسلم :
... ... ... ... باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه
1حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب، عن أبي عبدالله الأغر. وعن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا. حين يبقى ثلث الليل الآخر. فيقول: من يدعوني فأستجيب له! ومن يسألني فأعطيه! ومن يستغفرني فأغفر له!".(1/94)
2 وحدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا يعقوب (وهو ابن عبدالرحمن القاري) عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة. حين يمضي ثلث الليل الأول. فيقول: أنا الملك. أنا الملك. من ذا الذي يدعوني فأستجيب له! من ذا الذي يسألني فأعطيه! من ذا الذي يستغفرني فأغفر له! فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر".
3 حدثنا إسحاق بن منصور. أخبرنا أبو المغيرة. حدثنا الأوزاعي. حدثنا يحيى. حدثنا أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة. قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا مضى شطر الليل، أو ثلثاه، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا. فيقول: هل من سائل يعطي! هل من داع يستجاب له! هل من مستغفر يغفر له! حتى ينفجر الصبح".
4 حدثني حجاج بن الشاعر. حدثنا محاضر أبو المورع. حدثنا سعد بن سعيد. قال:
أخبرني ابن مرجانة. قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ينزل الله في السماء الدنيا لشطر الليل، أو لثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له! أو يسألني فأعطيه! ثم يقول: من يقرض غير عديم ولا ظلوم!".
(قال مسلم) ابن مرجانة هو سعيد بن عبدالله. ومرجانة أمه.
5 حدثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي (واللفظ لابني أبي شيبة) (قال إسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا جرير) عن منصور، عن أبي إسحاق، عن الأغر أبي مسلم. يرويه عن أبي سعيد وأبي هريرة. قالا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يمهل. حتى إذا ذهب ثلث الليل نزل إلى السماء الدنيا. فيقول: هل من مستغفر! هل من تائب! هل من سائل! هل من داع! حتى ينفجر الفجر".
• ... شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى(1/95)
قوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء فيقول من يدعوني فأستجيب له" هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان، ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى، وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق. والثاني: مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين: أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما قال: فعل السلطان: كذا إذا فعله أتباعه بأمره. والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاَخر" وفي الرواية الثانية: "حين يمضي ثلث الليل الأول". وفي رواية: "إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه" قال القاضي عياض: الصحيح رواية حين يبقى ثلث الليل الاَخر، كذا قاله شيوخ الحديث، وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ومعناه، قال: ويحتمل أن يكون النزول بالمعنى المراد بعد الثلث الأول، وقوله من يدعوني بعد الثلث الأخير هذا كلام القاضي، قلت: ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به ثم أعلم بالاَخر في وقت آخر فأعلم به، وسمع أبو هريرة الخبرين فنقلهما جميعاً، وسمع أبو سعيد الخدري خبر الثلث الأول فقط فأخبر به مع أبي هريرة كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة وهذا ظاهر، وفيه رد لما أشار إليه القاضي من تضعيف رواية الثلث الأول وكيف يضعفها، وقد رواها مسلم في صحيحه بإسناد لا مطعن فيه عن الصحابيين أبي سعيد وأبي هريرة والله أعلم.(1/96)
قوله سبحانه وتعالى: {أنا الملك أنا الملك} هكذا هو في الأصول والروايات مكرر للتوكيد والتعظيم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر" فيه دليل على امتداد وقت الرحمة واللطف التام إلى إضاءة الفجر، وفيه الحث على الدعاء والاستغفار في جميع الوقت المذكور إلى إضاءة الفجر، وفيه تنبيه على أن آخر الليل للصلاة والدعاء والاستغفار وغيرها من الطاعات أفضل من أوله والله أعلم. قوله: (حدثنا محاضر أبو المَوزع) هو محاضر بحاء مهملة وكسر الضاد المعجمة، والمورع بكسر الراء هكذا وقع في جميع النسخ أبو المورع، وأكثر ما يستعمل في كتب الحديث ابن المورع وكلاهما صحيح وهو ابن المورع وكنيته أبو المورع. قوله في حديث حجاج بن الشاعر عن محاضر: (ينزل الله في السماء) هكذا هو في جميع الأصول في السماء وهو صحيح. قوله سبحانه وتعالى: {من يقرض غير عديم ولا ظلوم}. وفي الرواية الأخرى: (غير عدوم) هكذا هو في الأصول، في الرواية الأولى عديم والثانية عدوم. وقال أهل اللغة: يقال أعدم الرجل إذا افتقر فهو معدم وعديم وعدوم، والمراد بالقرض والله أعلم عمل الطاعة سواء فيه الصدقة والصلاة والصوم والذكر وغيرها من الطاعات، وسماه سبحانه وتعالى قرضاً ملاطفة للعباد وتحريضاً لهم على المبادرة إلى الطاعة، فإن القرض إنما يكون ممن يعرفه المقترض وبينه وبينه مؤانسة ومحبة، فحين يتعرض للقرض يبادر المطلوب منه بإجابته لفرحه بتأهيله للاقتراض منه وإدلاله عليه وذكره له وبالله التوفيق. قوله: (ثم يبسط يديه سبحانه وتعالى) هو إشارة إل ى نشر رحمته وكثرة عطائه وإجابته وإسباغ نعمته. قوله: (عن الأغر أبي مسلم) الأغر لقب واسمه سلمان .
الجوهرة 10
حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن سمي، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله قال:(1/97)
(من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر).
... ... ... ... ... البخاري-كتاب الجمعة –باب4: قضب الجمعة
... ... ... ... ... مسلم-كتاب الجمعة –باب الطيب والسواك يوم الجمعة
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
قوله باب فضل الجمعة أورد فيه حديث مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة من اغتسل يوم الجمعة ثم راح الحديث وإسناده مدنيون ومناسبته للترجمة من جهة ما اقتضاه الحديث من مساواة المبادر إلى الجمعة للمتقرب بالمال فكأنه جمع بين عبادتين بدنية ومالية وهذه خصوصية للجمعة لم تثبت لغيرها من الصلوات(1/98)
قوله من اغتسل يدخل فيه كل من يصح التقرب منه من ذكر أو أنثى حر أو عبد قوله غسل الجناية بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي غسلا كغسل الجناية وهو كقوله تعالى{ وهي تمر مر السحاب }وفي رواية بن جريج عن سمي عند عبد الرزاق فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة وظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم وهو قول الأكثر وقيل فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجناية والحكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاة ولا تمتد عينه إلى شيء يراه وفيه حمل المرأة أيضا على الاغتسال ذلك اليوم وعليه حمل قائل ذلك حديث من غسل واغتسل المخرج في السنن على رواية من روى غسل بالتشديد قال النووي ذهب بعض أصحابنا إلى هذا وهو ضعيف أو باطل والصواب الأول انتهى وقد حكاه بن قدامة عن الإمام أحمد وثبت أيضا عن جماعة من التابعين وقال القرطبي إنه أنسب الأقوال فلا وجه لادعاء بطلانه وإن كان الأول أرجح ولعله عنى أنه باطل في المذهب قوله ثم راح زاد أصحاب الموطأ عن مالك في الساعة الأولى قوله فكأنما قرب بدنة أي تصدق بها متقربا إلى الله وقيل المراد أن للمبادر في أول ساعة نظير ما لصاحب البدنة من الثواب ممن شرع له القربان لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للامم السالفة وفي رواية بن جريج المذكورة فله من الأجر مثل الجزور وظاهره أن المراد أن الثواب لو تجسد لكان قدر الجزور وقيل ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى البدانة في القيمة مثلا ويدل عليه أن في مرسل طاوس عند عبد الرزاق كفضل صاحب الجزور على صاحب البقرة ووقع في رواية الزهري الآتية في باب الاستماع إلى الخطبة بلفظ كمثل الذي يهدى بدنة فكأن المراد بالقربان في رواية الباب الإهداء إلى الكعبة قال الطيبي في لفظ الإهداء إدماج بمعنى التعظيم للجمعة وأن المبادر إليها كمن ساق الهدى والمراد بالبدنة البعير ذكر(1/99)
أكان أو أنثى والهاء فيها للوحدة لا للتأنيث وكذا في باقي ما ذكر وحكى بن التين عن مالك أنه كان يتعجب ممن يخص البدنة بالأنثى وقال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر البدنة لا تكون إلا من الإبل وصح ذلك عن عطاء وأما الهدى فمن الإبل والبقر والغنم هذا لفظه وحكى النووي عنه أنه قال البدنة تكون من الإبل والبقر والغنم وكأنه خطأ نشأ عن سقط وفي الصحاح البدنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها انتهى والمراد بالبدنة هنا الناقة بلا خلاف واستدل به على أن البدنة تختص بالإبل لأنها قوبلت بالبقرة عند الإطلاق وقسم الشيء لا يكون قسيمه أشار إلى ذلك بن دقيق العيد وقال إمام الحرمين البدنة من الإبل ثم الشرع قد يقيم مقامها البقرة وسبعا من الغنم وتظهر ثمرة هذا فيما إذا قال لله على بدنة وفيه خلاف الأصح تعين الإبل إن وجدت وإلا فالبقرة أو سبع من الغنم وقيل تتعين الإبل مطلقا وقيل يتخير مطلقا قوله دجاجة بالفتح ويجوز الكسر وحكى الليث الضم أيضا وعن محمد بن حبيب أنها بالفتح من الحيوان وبالكسر من الناس واستشكل التعبير في الدجاجة والبيضة بقوله في رواية الزهري كالذي يهدى لأن الهدى لا يكون منهما وأجاب القاضي عياض تبعا لابن بطال بأنه لما عطفه على ما قبله أعطاه حكمه في اللفظ فيكون من الأتباع كقوله متقلدا سيفا ورمحا وتعقبه بن المنير في الحاشية بأن شرط الأتباع أن لا يصرح باللفظ في الثاني فلا يسوغ أن يقال متقلدا سيفا ومتقلدا رمحا والذي يظهر أنه من باب المشاكلة وإلى ذلك أشار بن العربي بقوله هو من تسمية الشيء باسم قرينه وقال بن دقيق العيد قوله قرب بيضة وفي الرواية الأخرى كالذي يهدى يدل على أن المراد بالتقريب الهدى وينشأ منه أن الهدى يطلق على مثل هذا حتى لو التزم هديا هل يكفيه ذلك أولا انتهى والصحيح عند الشافعية الثاني وكذا عند الحنفية والحنابلة وهذا ينبنى على أن النذر هل يسلك به مسلك جائز الشرع أو واجبه(1/100)
فعلى الأول يكفي أقل ما يتقرب به وعلى الثاني يحمل على أقل ما يتقرب به من ذلك الجنس ويقوى الصحيح أيضا أن المراد بالهدي هنا التصدق كما دل عليه لفظ التقرب والله أعلم قوله فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر استنبط منه الماوردي أن التبكير لا يستحب للأمام قال ويدخل للمسجد من أقرب أبوابه إلى المنبر وما قاله غير ظاهر لإمكان أن يجمع الأمرين بأن يبكر ولا يخرج من المكان المعد له في الجامع إلا إذا حضر الوقت أو يحمل على من ليس له مكان معد وزاد في رواية الزهري الآتية طووا صحفهم ولمسلم من طريقه فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر وكأن ابتداء طي الصحف عند ابتداء خروج الإمام وانتهاءه بجلوسه على المنبر وهو أول سماعهم الذكر والمراد به ما في الخطبة من المواعظ وغيرها وأول حديث الزهري إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ونحوه في رواية بن عجلان عن سمي عند النسائي وفي رواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عند بن خزيمة على كل باب من أبواب المسجد ملكان يكتبان الأول فالأول فكأن المراد بقوله في رواية الزهري على باب المسجد جنس الباب ويكون من مقابلة المجموع بالمجموع فلا حجة فيه لمن أجاز التعبير عن الإثنين بلفظ الجمع ووقع في حديث بن عمر صفة الصحف المذكورة أخرجه أبو نعيم في الحلية مرفوعا بلفظ إذا كان يوم الجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور وأقلام من نور الحديث وهو دال على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة والمراد بطى الصحف طي الصحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وادراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك فإنه يكتبه الحافظان قطعا ووقع في رواية بن عيينة عن الزهري في آخر حديثه المشار إليه عند بن ماجة فمن جاء بعد ذلك فإنما يجيء لحق الصلاة وفي رواية بن جريج عن سمي من الزيادة في آخره ثم إذا استمع وأنصت غفر له ما بين الجمعتين زيادة(1/101)
ثلاثة أيام وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند بن خزيمة فيقول بعض الملائكة لبعض ما حبس فلانا فتقول اللهم أن كان ضالا فاهده وأن كان فقيرا فأغنه وأن كان مريضا فعافه وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم الحض على الاغتسال يوم الجمعة وفضله وفضل التبكير إليها وأن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعهما وعليه يحمل ما أطلق في باقي الروايات من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغسل وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع وأن التقرب بالإبل أفضل من التقرب بالبقر وهو بالاتفاق فىالهدى واختلف في الضحايا والجمهور على أنها كذلك وقال الزين بن المنير فرق مالك بين التقربين باختلاف المقصودين لأن أصل مشروعية الأضحية التذكير بقصة الذبيح وهو قد فدى بالغنم والمقصود بالهدي التوسعة على المساكين فناسب البدن واستدل به على أن الجمعة تصح قبل الزوال كما سيأتي نقل الخلاف فيه بعد أبواب ووجه الدلالة منه تقسيم الساعة إلى خمس ثم عقب بخروج الإمام وخروجه عند أول وقت الجمعة فيقتضى أنه يخرج في أول الساعة السادسة وهي قبل الزوال والجواب أنه ليس في شيء من طرق هذا الحديث ذكر الإتيان من أول النهار فلعل الساعة الأولى منه جعلت للتأهب بالاغتسال وغيره ويكون مبدأ المجيء من أول الثانية فهي أولى بالنسبة للمجئ ثانية بالنسبة للنهار وعلى هذا فآخر الخامسة أول الزوال فيرتفع الاشكال وإلى هذا أشار الصيدلاني شارح المختصر حيث قال إن أول التبكير يكون من ارتفاع النهار وهو أول الضحى وهو أول الهاجرة ويؤيده الحث على التهجير إلى الجمعة ولغيره من الشافعية في ذلك وجهان اختلف فيهما الترجيح فقيل أول التبكير طلوع الشمس وقيل طلوع الفجر ورجحه جمع وفيه نظر إذ يلزم منه أن يكون التأهب قبل طلوع الفجر وقد قال الشافعي يجزئ الغسل إذا كان بعد الفجر فأشعر بأن الأولى أن يقع بعد ذلك ويحتمل أن يكون ذكر الساعة(1/102)
السادسة لم يذكره الراوي وقد وقع في رواية بن عجلان عن سمي عند النسائي من طريق الليث عنه زيادة مرتبة بين الدجاجة والبيضة وهي العصفور وتابعه صفوان بن عيسى عن بن عجلان أخرجه محمد بن عبد السلام الخشني وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه حميد بن زنجويه في الترغيب له بلفظ فكمهدى البدنة إلى البقرة إلى الشاة إلى علية الطير إلى العصفور الحديث ونحوه في مرسل طاوس عند سعيد بن منصور ووقع عند النسائي أيضا في حديث الزهري من رواية عبد الأعلى عن معمر زيادة البطة بين الكبش والدجاجة لكن خالفه عبد الرزاق وهو أثبت منه في معمر فلم يذكرها وعلى هذا فخروج الإمام يكون عند انتهاء السادسة وهذا كله مبنى على أن المراد بالساعات ما يتبادر إلى الذهب الذهن إليه من العرف فيها وفيه نظر إذ لو كان ذلك المراد لاختلف الأمر في اليوم الشاتي والصائف لأن النهار ينتهى في القصر إلى عشر ساعات وفي الطول إلى أربع عشرة وهذا الاشكال للقفال وأجاب عنه القاضي حسين بأن المراد بالساعات ما لا يختلف عدده بالطول والقصر فالنهار اثنتا عشرة ساعة لكن يزيد كل منها وينقص والليل كذلك وهذه تسمى الساعات الآفاقية عند أهل الميقات وتلك التعديلية وقد روى أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث جابر مرفوعا يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة وهذا وإن لم يرد في حديث التبكير فيستأنس به في المراد بالساعات وقيل المراد بالساعات بيان مراتب المبكرين من أول النهار إلى الزوال وأنها تنقسم إلى خمس وتجاسر الغزالي فقسمها برايه فقال الأولى من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والثانية إلى ارتفاعها والثالثة إلى انبساطها والرابعة إلى أن ترمض الأقدام والخامسة إلى الزوال واعترضه بن دقيق العيد بأن الرد إلى الساعات المعروفة أولى وإلا لم يكن لتخصيص هذا العدد بالذكر معنى لأن المراتب متفاوتة جدا وأولى الأجوبة الأول إن لم تكن زيادة بن عجلان محفوظة وإلا فهي المعتمدة وانفصل المالكية إلا قليلا(1/103)
منهم وبعض الشافعية عن الإشكال بأن المراد بالساعات الخمس لحظات لطيفة أولها زوال الشمس وآخرها قعود الخطيب على المنبر واستدلوا على ذلك بأن الساعة تطلق على جزء من الزمان غير محدود تقول جئت ساعة كذا وبأن قوله فىالحديث ثم راح يدل على أن أول الذهاب إلى الجمعة من الزوال لأن حقيقة الرواح من الزوال إلى آخر النهار والغدو من أوله إلى الزوال قال المازري تمسك مالك بحقيقة الرواح وتجوز في الساعة وعكس غيره انتهى وقد أنكر الأزهري على من زعم أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال ونقل أن العرب تقول راح في جميع الأوقات بمعنى ذهب قال وهي لغة أهل الحجاز ونقل أبو عبيد في الغريبين نحوه قلت وفيه رد على الزين بن المنير حيث أطلق أن الرواح لا يستعمل في المضى في أول النهار بوجه وحيث قال إن استعمال الرواح بمعنى الغدو لم يسمع ولا ثبت ما يدل عليه ثم إني لم أر التعبير بالرواح في شيء من طرق هذا الحديث إلا في رواية مالك هذه عن سمي وقد رواه بن جريج عن سمي بلفظ غدا ورواه أبو سلمة عن أبي هريرة بلفظ المتعجل إلى الجمعة كالمهدي بدنة الحديث وصححه بن خزيمة وفي حديث سمرة ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الجمعة في التبكير كناحر البدنة الحديث أخرجه بن ماجة ولأبي داود من حديث على مرفوعا إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق وتغدو الملائكة فتجلس على باب المسجد فتكتب الرجل من ساعة والرجل من ساعتين الحديث فدل مجموع هذه الأحاديث على أن المراد بالرواح الذهاب وقيل النكتة في التعبير بالرواح الإشارة إلى أن الفعل المقصود إنما يكون بعد الزوال فيسمى الذاهب إلى الجمعة رائحا وان لم يجيء وقت الرواح كما سمي القاصد إلى مكة حاجا وقد أشتد إنكار أحمد وابن حبيب من المالكية ما نقل عن مالك من كراهية التبكير إلى الجمعة وقال أحمد هذا خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتج بعض المالكية أيضا بقوله في رواية الزهري مثل المهجر(1/104)
لأنه مشتق من التهجر وهو السير في وقت الهاجرة وأجيب بأن المراد بالتهجير هنا التبكير كما تقدم نقله عن الخيل في المواقيت وقال بن المنير في الحاشية يحتمل أن يكون مشتقا من الهجير بالكسر وتشديد الجيم وهو ملازمة ذكر الشيء وقيل هو من هجر المنزل وهو ضعيف لأن مصدره الهجر لا التهجير وقال القرطبي الحق أن التهجير هنا من الهاجرة وهو السير وقت الحر وهو صالح لما قبل الزوال وبعده فلا حجة فيه لمالك وقال التوربشتي جعل الوقت الذي يرتفع فيه النهار ويأخذ الحر في الازدياد من الهاجرة تغليبا بخلاف ما بعد زوال الشمس فإن الحر يأخذ في الانحطاط ومما يدل على استعمالهم التهجير في أول النهار ما أنشد بن الأعرابي فى نوادره لبعض العرب تهجرون تهجير الفجر واحتجوا أيضا بان الساعة لو لم تطل للزم تساوى الآتين فيها والادلة تقتضي رجحان السابق بخلاف ما إذا قلنا انها لحظة لطيفة والجواب ما قاله النووي فى شرح المهذب تبعا لغيره أن التساوى وقع في مسمى البدنة والتفاوت في صفاتها ويؤيده أن في رواية بن عجلان تكرير كل من المتقرب به مرتين حيث قال كرجل قدم بدنة وكرجل قدم بدنة الحديث ولا يرد على هذا أن في رواية بن جريج وأول الساعة وآخرها سواء لأن هذه التسوية بالنسبة إلى البدنة كما تقرر واحتج من كره التبكير أيضا بأنه يستلزم تخطى الرقاب في الرجوع لمن عرضت له حاجة فخرج لها ثم رجع وتعقب بأنه لا حرج عليه في هذه الحالة لأنه قاصد للوصول لحقه وإنما الحرج على من تأخر عن المجيء ثم جاء فتخطى والله سبحانه وتعالى أعلم .
• ... شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى(1/105)
قوله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة" معناه غسلاً كغسل الجنابة في الصفات هذا هو المشهور في تفسيره، وقال بعض أصحابنا في كتب الفقه: المراد غسل الجنابة حقيقة، قالوا: ويستحب له مواقعة زوجته ليكون أغض للبصر وأسكن لنفسه وهذا ضعيف أو باطل والصواب ما قدمناه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة" المراد بالرواح الذهاب أول النهار. وفي المسألة خلاف مشهور. مذهب مالك وكثير من أصحابه والقاضي حسين وإمام الحرمين من أصحابنا أن المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس، والرواح عندهم بعد الزوال وادعوا أن هذا معناه في اللغة، ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه وابن حبيب المالكي وجماهير العلماء استحباب التبكير إليها أول النهار، والساعات عندهم من أول النهار، والرواح يكون أول النهار وآخره، قال الأزهري: لغة العرب الرواح الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو في الليل، وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث، والمعنى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى وهو كالمهدي بدنة، ومن جاء في الساعة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة، وفي رواية النسائي السادسة، فإذا خرج الإمام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك أحداً، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلاً بالزوال وهو بعد انفصال السادسة، فدل على أنه لا شيء من الهدي والفضيلة لمن جاء بعد الزوال، ولأن ذكر الساعات إنما كان للحث في التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها وإِلاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه، وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال، ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لأن النداء يكون حينئذٍ ويحرم التخلف بعد النداء والله أعلم. واختلف أصحابنا هل تعيين الساعات من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس، والأصح عندهم من طلوع(1/106)
الفجر، ثم ان من جاء في أول ساعة من هذه الساعات ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل أصل البدنة والبقرة والك، ولكن بدنة الأول أكمل من بدنة من جاء في آخر الساعة، وبدنة المتوسط متوسطة، وهذا كما أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، ومعلوم أن الجماعة تطلق على اثنين وعلى ألوف، فمن صلى في جماعة هم عشرة آلاف له سبع وعشرون درجة، ومن صلى مع اثنين له سبع وعشرون لكن درجات الأول أكمل، وأشباه هذا كثيرة معروفة، وفيما ذكرته جواب عن اعتراض ذكره القاضي عياض رحمه الله. قوله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" أما لغات هذا الفصل فمعنى قرب تصدق، وأما البدنة فقال جمهور أهل اللغة وجماعة من الفقهاء: يقع على الواحدة من الإبل والبقر والغنم، سميت بذلك لعظم بدنها وخصها جماعة بالإبل والمراد هنا الإبل بالاتفاق لتصريح الأحاديث بذلك، والبدنة والبقرة يقعان على الذكر والأنثى باتفاقهم، والهاء فيها للواحدة كقمحة وشعيرة ونحوهما من أفراد الجنس، وسميت بقرة لأنها تبقر الأرض أي تشقها بالحراثة والبقر الشق ومنه قولهم: بقر بطنه، ومنه سمي محمد الباقر رضي الله عنه لأنه بقر العلم ودخل فيه مدخلاً بليغاً ووصل منه غاية مرضية. وقوله صلى الله عليه وسلم: "كبشاً أقرن" وصفه بالأقرن لأنه أكمل وأحسن صورة ولأن قرنه ينتفع به. والدجاجة بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان ويقع على الذكر والأنثى، ويقال حضرت الملائكة وغيرهم بفتح الضاد وكسرها لغتان مشهورتان الفتح أفصح وأشهر وبه جاء القرآن قال الله تعالى: {وإذا حضر القسمة}.(1/107)
وأما فقه الفصل ففيه الحث على التبكير إلى الجمعة وأن مراتب الناس في الفضيلة فيها وفي غيرها بحسب أعمالهم وهو من باب قول الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وفيه أن القربان والصدقة يقع على القليل والكثير، وقد جاء في رواية النسائي بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة، وفي رواية بعد الك دجاجة ثم عصفور ثم بيضة وإسنادا الروايتين صحيحان، وفيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الإبل وجعل البقرة في الدرجة الثانية، وقد أجمع العلماء على أن الإبل أفضل من البقر في الهدايا، واختلفوا في الأضحية فمذهب الشافعي وأبي حنيفة والجمهور أن الإبل أفضل ثم البقر ثم الغنم كما في الهدايا، ومذهب مالك أن أفضل الأضحية الغنم ثم البقر ثم الإبل، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وحجة الجمهور ظاهر هذا الحديث والقياس على الهدايا، وأما تضحيته صلى الله عليه وسلم فلا يلزم منها ترجيح الغنم لأنه محمول على أنه صلى الله عليه وسلم لم يتمكن ذلك الوقت إلا من الغنم أو فعله لبيان لجواز، وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر. قوله صلى الله عليه وسلم: "حضرت الملائكة يستمعون" قالوا هؤلاء الملائكة غير الحفظة وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة.
الجوهرة 11
حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب: أن أبا هريرة أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت).
... ... ... البخاري –كتاب الجمعة – باب 34 الانصات يوم الجمعة والامام يخطب
... ... ... مسلم – كتاب الجمعة –باب 3 الانصات يوم الجمعة في الخطبة
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/108)
قوله في الحديث والإمام يخطب جملة حالية يخرج ما قبل خطبته من حين خروجه وما بعده إلى أن يشرع في الخطبة نعم الأولى أن ينصت كما تقدم الترغيب فيه في باب فضل الغسل للجمعة وأما حال الجلوس بين الخطبتين فحكى صاحب المغني عن العلماء فيه قولين بناء على أنه غير خاطب أو أن زمن سكوته قليل فأشبه السكوت للتنفس قوله وإذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا هو كلفظ حديث الباب في بعض طرقه وهي رواية النسائي عن قتيبة عن الليث بالإسناد المذكور ولفظه من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغا والمراد بالصاحب من يخاطبه بذلك مطلقا وإنما ذكر الصاحب لكونه الغالب قوله وقال سلمان هو طرف من حديثه المتقدم في باب الدهن للجمعة وقوله ينصت بضم الأولى على الأفصح ويجوز الفتح قال الأزهري يقال أنصت ونصت وانتصت قال بن خزيمة المراد بالإنصات السكوت عن مكالمة الناس دون ذكر الله وتعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة فالظاهر أن المراد السكوت مطلقا ومن فرق احتاج إلى دليل ولا يلزم من تجويز التحية لدليلها الخاص جواز الذكر مطلقا قوله أخبرني بن شهاب هكذا رواه يحيى بن بكير عن الليث ورواه شعيب بن الليث عن أبيه فقال عن عقيل عن بن شهاب عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ عن أبي هريرة أخرجه مسلم والنسائي والطريقان معا صحيحان وقد رواه أبو صالح عن الليث بالإسنادين معا أخرجه الطحاوي وكذا رواه بن جريج وغيره عن الزهري بهما أخرجه عبد الرزاق وغيره ورواه مالك عند أبي داود وابن أبي ذئب عند بن ماجة كلاهما عن الزهري بالإسناد الأول قوله يوم الجمعة مفهومه أن غير يوم الجمعة بخلاف ذلك وفيه بحث قوله فقد لغوت قال الأخفش اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه وقال بن عرفة اللغو السقط من القول وقيل الميل عن الصواب وقيل اللغو الإثم كقوله تعالى {وإذا مروا باللغو مروا كراماْْ} وقال الزين بن المنير :اتفقت أقوال المفسرين(1/109)
على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام وأغرب أبو عبيد الهروي في الغريب فقال معنى لغا تكلم كذا أطلق والصواب التقييد وقال النضر بن شميل معنى لغوت خبت من الأجر وقيل بطلت فضيلة جمعتك وقيل صارت جمعتك ظهرا قلت أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى ويشهد للقول الأخير ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا قال بن وهب أحد رواته : معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة ولأحمد من حديث علي مرفوعا من قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له ولأبي داود نحوه ولأحمد والبزار من حديث بن عباس مرفوعا من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت ليست له جمعة وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن بن عمر موقوفا قال العلماء معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه وحكى بن التين عن بعض من جوز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله فقد لغوت أي أمرت بالإنصات من لا يجب عليه وهو جمود شديد لأن الانصات لم يختلف في مطلوبيته فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيا بل النهى عن الكلام مأخوذ من حديث الباب بدلالة الموافقة لأنه إذا جعل قوله أنصت مع كونه أمرا بمعروف لغوا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوا وقد وقع عند أحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث بعد قوله فقد لغوت عليك بنفسك واستدل به على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة وبه قال الجمهور في حق من سمعها وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر قالوا وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة وأغرب بن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين ولفظه لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها في الجمعة وأنه غير جائز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب أنصت ونحوها أخذا بهذا الحديث وروى عن الشعبي وناس(1/110)
قليل أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإمام في الخطبة خاصة قال وفعلهم في ذلك مردود عند أهل العلم وأحسن أحوالهم أن يقال إنه لم يبلغهم الحديث قلت للشافعي في المسألة قولان مشهوران وبناهما بعض الأصحاب على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا فعلى الأول يحرم لا على الثاني والثاني هو الأصح عندهم فمن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام حتى شنع عليهم من شنع من المخالفين وعن أحمد أيضا روايتان وعنهما أيضا التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها ولبعض الشافعية التفرقة بين من تنعقد بهم الجمعة فيجب عليهم الإنصات دون من زاد فجعله شبيها بفروض الكفاية واختلف السلف إذا خطب بما لا ينبغي من القول وعلى ذلك يحمل ما نقل عن السلف من الكلام حال الخطبة والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة بخلاف غيره ويدل على الوجوب في حق السامع أن في حديث علي المشار إليه آنفا ومن دنا فلم ينصت كان عليه كفلان من الوزر لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحا ولو كان مكروها كراهة تنزيه وأما ما استدل به من أجاز مطلقا من قصة السائل في الاستسقاء ونحوه ففيه نظر لأنه استدلال بالاخص على الأعم فيمكن أن يخص عموم الأمر بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة كما خص بعضهم منه رد السلام لوجوبه ونقل صاحب المغني الاتفاق على أن الكلام الذي يجوز في الصلاة يجوز في الخطبة كتحذير الضرير من البئر وعبارة الشافعي وإذا خاف على أحد لم أر بأسا إذا لم يفهم عنه بالإيماء أن يتكلم وقد استثنى من الانصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع مثل الدعاء للسلطان مثلا بل جزم صاحب التهذيب بان الدعاء للسلطان مكروه وقال النووي محله ما إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمور مطلوب أه ومحل الترك إذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه والله أعلم .(1/111)
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت". وفي الرواية الأخرى: (فقد لغيت) قال أبو الزناد: هي لغة أبي هريرة وإنما هو فقد لغوت، قال أهل اللغة: يقال لغا يلغو كغزا يغزو، ويقال لغى يلغى كعمى يعمى لغتان الأولى أفصح، وظاهر القرآن يقتضي هذه الثانية التي هي لغة أبي هريرة . قال الله تعالى: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} وهذا من لغى يلغى ولو كان من الأول لقال والغوا بضم الغين ، قال ابن السكيت وغيره : مصدر الأول اللغو ومصدر الثاني اللغى، ومعنى فقد لغوت أي قلت اللغو وهوالكلام الملغى الساقط الباطل المردود وقيل معناه قلت غير الصواب، وقيل تكلمت بما لا ينبغي ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، ونبه بهذا على ما سواه لأنه إذا قال أنصت وهو في الأصل أمر بمعروف وسماه لغواً فيسيره من الكلام أولى وإنما طريقه إذا أراد نهي غيره عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت إن فهمه،فإن تعذر فهمه فلينهه بكلام مختصر.ولا يزيد على أقل ممكن، واختلف العلماء في الكلام هل هو حرام أو مكروه كراهة تنزيه وهما قولان للشافعي . قال القاضي : قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء : يجب الإنصات للخطبة . وحكي عن النخعي والشعبي وبعض السلف أنه لا يجب إلا إذا تلى فيها القرآن ، قال : واختلفوا إذا لم يسمع الإمام هل يلزمه الإنصات كما لو سمعه، فقال الجمهور: يلزمه، وقال النخعي وأحمد وأحد قولي الشافعي: لا يلزمه . قوله صلى الله عليه وسلم: "والإمام يخطب" دليل على أن وجوب الإنصات والنهي عن الكلام إنما هو في حال الخطبة وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور، وقال أبو حنيفة: يجب الإنصات بخروج الإمام.(1/112)
+ + حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا عيسى، ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني عطاء الخراساني، عن مولى امراته أمّ عثمان قال:
سَمعت علياً رضي اللّه عنه على منبر الكوفة يقول:إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق فيرمون الناس بالترابيث ، أو الربائث ، ويثبطونهم عن الجمعة ، وتغدو الملائكة فيجلسون على أبواب المسجد فيكتبون الرجل من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإِمام، فإِذا جلس الرجل مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغ كان له كفلان من أجر، فإِن نأى وجلس حيث لا يسمع فانصت ولم يلغ كان له كفلٌ من أجره، وإن جلس مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفلٌ من وزرٍ، ومن قال يوم الجمعة لصاحبه "صه" فقد لغا، ومن لغا فليس له في جمعته تلك شىء، ثم يقول في آخر ذلك: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
2حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المصريان، قالا: ثنا ابن وهب قال ابن أبي عقيل: أخبرني أسامة يعني ابن زيد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من اغتسل يوم الجمعة، ومسَّ من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخطَّ رقاب الناس، ولم يلغُ عند الموعظة، كانت كفارة لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً".(1/113)
3 في الرجل يسمع الرجل يتكلم يوم الجمعة (1 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن هلال بن قيس عن زيد بن صوحان قال إذا سمعت الرجل والامام يخطب يوم الجمع يتكلم فإن كان قريبا منك فاغمزه وإن كان بعيدا فاشر إليه ولا ترمه بالحصى ( 2 ) حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي فروة قال رأيت ابن أبي ليلى واشار إلى محمد بن سعد وتكلم أن اسكت ( 3 ) حدثنا ابن نمير قال حدثنا عبيد الله عن ناقع عن عمر أنه رأى رجلا يتكلم والامام يخطب يوم الجمعة فرماه بحصى فلما نظر إليه وضع يده على فيه . ( 4 ) حدثنا وكيع عن بكر بن عامر عن إبراهيم عن علقمة في الرجل يتكلم والامام يخطب يوم الجمعة فقال يضع يده على فيه ولا يرميه بالحصى . ( 5 ) حدثنا وكيع عن ابن عون عن إبراهيم قال يضع يده على فيه . ( 6 ) حدثنا الثقفي عن أيوب عن محمد أنه كان يشير إلى الرجل الذي يتكلم أن اسكت . ( 7) حدثنا هشيم قال أخبرنا بعض شياخنا عن الحسن أنه رأى أنسا يتملم يوم الجمعة والامام يخطب فرماه بالحصى . ( 8 ) حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن محمد بن مسلم عن ابن أبي نجيح عن طاوس قال لا تشر إلى أحد يوم الجمعة ولا تنهه عن شئ ولا تدع إلا أن يدعو الامام . ( 9 ) حدثنا عبيد الله بن كوسى عن إسرائل عن مجزاة بن زاهر عن أبيه أنه رأى رجلا يتكلم يوم الجمعة فأشار إليه أن اسكت . ( 10) حدثنا شبابة بن سوار عن خالد بن أبي عثمان عن سعيد بن عبد الله بن يسار . قال كنت مع سعيد بن جبير يوم الجمعة والامام يخطب فمسست الحصى فضرب يدي . * ( هامش ) * ( 27 / 1 ) لان الرمي بالحصى يصدر صوتا فهو لغو
3 مسند ابن أبي شيبة
الجوهرة 12
حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد قال: حدثني أبي: حدثنا يونس: قال ابن شهاب: وحدثني عبد الرحمن الأعرج: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:(1/114)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان). قيل: وما القيراطان؟ قال: (مثل الجبلين العظيمين).
**حدثنا أبو النعمان: حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت نافعا يقول: حدث ابن عمر: أن أبا هريرة رضي الله عنهم يقول:
من تبع جنازة فله قيراط. فقال: أكثر أبو هريرة علينا. فصدقت، يعني عائشة، أبا هريرة، وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله. فقال ابن عمر رضي الله عنهما: لقد فرطنا في قراريط كثيرة
ألبخاري-كتاب الجنائز-باب57و58-من انتظرحتى تدفن\فضل اتباع الجنائز
مسلم –كتاب الجنائز –ب اب17-فضل الصلاة على الجنازة واتباعها
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/115)
قوله باب فضل اتباع الجنائز قال بن رشيد ما محصله مقصود الباب بيان القدر الذي يحصل به مسمى الأتباع الذي يجوز به القيراط إذ في الحديث الذي أورده اجمال ولذلك صدره بقول زيد بن ثابت وآثر الحديث المذكور على الذي بعده وأن كان أوضح منه في مقصوده كعادته المألوفة في الترجمة على اللفظ المشكل ليبين مجمله وقد تقدم طرف من بيان ما يحصل به مسمى الأتباع في باب السرعة بالجنازة وله تعلق بهذا الباب وكأنه قصد هناك كيفية المشي وامكنته وقصد هنا ما الذي يحصل به الإتباع وهو أعم من ذلك قال ويمكن أن يكون قصد هنا ما الذي يحصل به المقصد إذ الأتباع إنما هو وسلية إلى تحصيل الصلاة منفردة أو الدفن منفردا أو المجموع قال وهذا كله يدل على براعة المصنف ودقة فهمه وسعة علمه وقال الزين بن المنير ما محصله مراد الترجمة اثبات الأجر والترغيب فيه لا تعيين الحكم لأن الأتباع من الواجبات على الكفاية فالمراد بالفضل ما ذكرناه لاقسم الواجب وأجمل لفظ الأتباع تبعا للفظ الحديث الذي أورده لأن القيراط لا يحصل الا لمن أتبع وصلى أو أتبع وشيع وحضر الدفن لا لمن اتبع مثلا وشيع ثم انصرف بغير صلاة كما سيأتي بيان الحجة لذلك في الباب الذي يليه وذلك لأن الأتباع إنما هو وسلية لأحد مقصودين أما الصلاة وأما الدفن فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصل المرتب على المقصود وأن كان يرجى أن يحصل لفاعل ذلك فضل ما بحسب نيته وروى سعيد بن منصور من طريق مجاهد قال أتباع الجنازة أفضل النوافل وفي رواية عبد الرزاق عنه أتباع الجنازة أفضل من صلاة التطوع قوله وقال زيد بن ثابت إذا صليت فقد قضيت الذي عليك وصله سعيد بن منصور من طريق عروة عنه بلفظ إذا صليتم على الجنازة فقد قضيتم ما عليكم فخلوا بينها وبين أهلها وكذا أخرجه عبد الرزاق لكن بلفظ إذا صليت على جنازة فقد قضيت ما عليك ووصله بن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ الأفراد ومعناه فقد قضيت حق الميت فإن أردت الأتباع فلك(1/116)
زيادة أجر قوله وقال حميد بن هلال ما علمنا على الجنازة أذنا ولكن من صلى ثم رجع فله قيراط لم أره موصولا عنه قال الزين بن المنير مناسبته للترجمة استعارة بان الأتباع إنما هو لمحض ابتغاء الفضل وأنه لا يجري مجرى قضاء حق أولياء الميت فلا يكون لهم فيه حق ليتوقف الانصراف قبله على الإذن منهم قلت وكان البخاري أراد الرد على ما أخرجه عبد الرزاق من طريق عمرو بن شعيب عن أبي هريرة قال اميران وليسا باميرين الرجل يكون مع الجنازة يصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأذن وليها الحديث وهذا منقطع موقوف وروى عبد الرزاق مثله من قول إبراهيم وأخرجه بن أبي شيبة عن المسور من فعله أيضا وقد ورد مثله مرفوعا من حديث جابر أخرجه البزار بإسناد فيه مقال وأخرجه العقيلي في الضعفاء من حديث أبي هريرة مرفوعا بإسناد ضعيف وروى أحمد من طريق عبد الله بن هرمز عن أبي هريرة مرفوعا من تبع جنازة فحمل من علوها وحثا في قبرها وقعد حتى يؤذن له رجع بقيراطين وإسناده ضعيف والذي عليه معظم أئمة الفتوى قول حميد بن هلال وحكى عن مالك أنه لا ينصرف حتى يستأذن(1/117)
[ 1260 ] قوله حدث بن عمر كذا في جميع الطرق حدث بضم المهملة على النباء للمجهول ولم اقف في شيء من الطرق عن نافع على تسمية من حدث بن عمر عن أبي هريرة بذلك وقد أورده أصحاب الأطراف والحميدي في جمعه في ترجمة نافع عن أبي هريرة وليس في شيء من طرقه ما يدل على أنه سمع منه وأن كان ذلك محتملا ووقفت على تسمية من حدث بن عمر بذلك صريحا في موضعين أحدهما في صحيح مسلم وهو خباب بمعجمة وموحدتين الأولى مشددة وهو أبو السائب المدني صاحب المقصورة قيل إن له صحبة ولفظه من طريق داود بن عامر بن سعد عن أبيه أنه كان قاعدا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال يا عبد الله بن عمر الا تسمع ما يقول أبو هريرة فذكر الحديث والثاني في جامع الترمذي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر الحديث قال أبو سلمة فذكرت ذلك لابن عمر فأرسل إلى عائشة قوله ان أبا هريرة يقول من تبع كذا في جميع الطرق لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن راشد عن أبي النعمان شيخ البخاري فيه لكن أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن مهدي بن الحارث عن موسى بن إسماعيل وعن أبي أمية عن أبي النعمان وعن التستري عن شيبان ثلاثتهم عن جرير بن حازم عن نافع قال قيل لابن عمر أن أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تبع جنازة فله قيراط من الأجر فذكره ولم يبين لمن السياق وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ كذلك فالظاهر أن السياق له قوله من تبع جنازة فله قيراط زاد مسلم في روايته من الأجر والقيراط بكسر القاف قال الجوهري أصله قراط بالتشديد لأن جمعه قراريط فأبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء قال والقيراط نصف دانق وقال قبل ذلك الدانق سدس الدرهم فعلى هذا يكون القيراط جزءا من أثنى عشر جزءا من الدرهم وأما صاحب النهاية فقال القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد وفي الشام جزء من أربعة(1/118)
وعشرين جزءا ونقل بن الجوزي عن بن عقيل أنه كان يقول القيراط نصف سدس درهم أو نصف عشر دينار والإشارة بهذا المقدار إلى الأجر المتعلق بالميت في تجهيزه وغسله وجميع ما يتعلق به فللمصلي عليه قيراط من ذلك ولمن شهد الدفن قيراط وذكر القيراط تقريبا للفهم لما كان الإنسان يعرف القيراط ويعمل العمل في مقابلته وعد من جنس ما يعرف وضرب له المثل بما يعلم انتهى وليس الذي قال ببعيد وقد روى البزار من طريق عجلان عن أبي هريرة مرفوعا من أتى جنازة في أهلها فله قيراط فإن تبعها فله قيراط فإن صلى عليها فله قيراط فإن انتظرها حتى تدفن فله قيراط فهذا يدل على أن لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطا وأن اختلفت مقادير القراريط ولا سيما بالنسبة إلى مشقة ذلك العمل وسهولته وعلى هذا فيقال إنما خص قيراطي الصلاة والدفن بالذكر لكونهما المقصودين بخلاف باقي أحوال الميت فإنها وسائل ولكن هذا يخالف ظاهر سياق الحديث الذي في الصحيح المتقدم في كتاب الإيمان فإن فيه أن لمن تبعها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها قيراطين فقط ويجاب عن هذا بان القيراطين المذكورين لمن شهد والذي ذكره بن عقيل لمن باشر الأعمال التي يحتاج إليها الميت فافترقا وقد ورد لفظ القيراط في عدة أحاديث فمنها ما يحمل على القيراط المتعارف ومنها ما يحمل على الجزء في الجملة وأن لم تعرف النسبة فمن الأول حديث كعب بن مالك مرفوعا إنكم ستفتحون بلدا يذكر فيها القيراط وحديث أبي هريرة مرفوعا كنت أرعى غنما لأهل مكة بالقراريط قال بن ماجة عن بعض شيوخه يعني كل شاة بقيراط وقال غيره قراريط جبل بمكة ومن المحتمل حديث بن عمر في الذين أوتوا التوراة أعطوا قيراطا قيراطا وحديث الباب وحديث أبي هريرة من اقتنى كلبا نقص من عمله كل يوم قيراط وقد جاء تعيين مقدار القيراط في حديث الباب بأنه مثل أحد كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه وفي رواية عند أحمد والطبراني في الأوسط من حديث بن عمر قالوا يا(1/119)
رسول الله مثل قراريطنا هذه قال لا بل مثل أحد قال النووي وغيره لا يلزم من ذكر القيراط في الحديثين تساويهما لأن عادة الشارع تعظيم الحسنات وتخفيف مقابلها والله أعلم وقال بن العربي القاضي الذرة جزء من ألف وأربعة وعشرين جزءا من حبة والحبة ثلث القيراط فإذا كانت الذرة تخرج من النار فكيف بالقيراط قال وهذا قدر قيراط الحسنات فأما قيراط السيآت فلا وقال غيره القيراط في اقتناء الكلب جزء من أجزاء عمل المقتنى له في ذلك اليوم وذهب الأكثر إلى أن المراد بالقيراط في حديث الباب جزء من أجزاء معلومة عند الله وقد قربها النبي صلى الله عليه وسلم للفهم بتمثيله القيراط بأحد قال الطيبي قوله مثل أحد تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ القيراط والمراد منه أنه يرجع بنصيب كبير من الأجر وذلك لأن لفظ القيراط مبهم من وجهين فبين الموزون بقوله من الأجر وبين المقدار المراد منه بقوله مثل أحد وقال الزين بن المنير أراد تعظيم الثواب فمثله للعيان بأعظم الجبال خلقا وأكثرها إلى النفوس المؤمنه حبا لأنه الذي قال في حقه أنه جبل يحبنا ونحبه انتهى ولأنه أيضا قريب من المخاطبين يشترك أكثرهم في معرفته وخص القيراط بالذكر لأنه كان أقل ما تقع به الاجارة في ذلك الوقت أو جرى ذلك مجرى العادة من تقليل الأجر بتقليل العمل واستدل بقوله من تبع على أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي امامها لأن ذلك هو حقيقة الأتباع حسا قال بن دقيق العيد الذين رجحوا المشي امامها حملوا الأتباع هنا على الأتباع المعنوي أي المصاحبة وهو أعم من أن يكون امامها أو خلفها أو غير ذلك وهذا مجاز يحتاج إلى أن يكون الدليل الدال على استحباب التقدم راجحا انتهى وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب السرعة بالجنازة وذكرنا اختلاف العلماء في ذلك بما يغنى عن اعادته قوله أكثر علينا أبو هريرة قال بن التين لم يتهمه بن عمر بل خشي عليه السهو أو قال ذلك لكونه لم ينقل له عن أبي هريرة أنه رفعه(1/120)
فظن أنه قال برأيه فاستنكره والثاني جمود على سياق رواية البخاري وقد بينا أن في رواية مسلم أنه رفعه وكذا في رواية خباب عن أبي هريرة عند مسلم أيضا وقال الكرماني قوله أكثر علينا أي في ذكر الأجر أو في كثرة الحديث كأنه خشي لكثرة رواياته أن يشتبه عليه بعض الأمر انتهى ووقع في رواية أبي سلمة عند سعيد بن منصور فبلغ ذلك بن عمر فتعاظمه وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد أيضا ومسدد وأحمد بإسناد صحيح فقال بن عمر يا أبا هريرة انظر ما تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فصدقت يعني عائشة أبا هريرة لفظ يعني للبخاري كأنه شك فاستعملها وقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي النعمان شيخه فلم يقلها وفي رواية مسلم فبعث بن عمر إلى عائشة يسألها فصدقت أبا هريرة وفي رواية أبي سلمة عند الترمذي فذكر ذلك لابن عمر فأرسل إلى عائشة فسألها عن ذلك فقالت صدق وفي رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم فأرسل بن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت حتى رجع إليه الرسول فقال قالت عائشة صدق أبو هريرة ووقع في رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد بن منصور فقام أبو هريرة فأخذ بيده فانطلقا حتى أتيا عائشة فقال لها يا أم المؤمنين أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره فقالت اللهم نعم ويجمع بينهما بأن الرسول لما رجع إلى بن عمر يخبر عائشة بلغ ذلك أبا هريرة فمشى إلى بن عمر فاسمعه ذلك من عائشة مشافهه وزاد في رواية الوليد فقال أبو هريرة لم يشغلنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودي ولا صفق بالأسواق وإنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلة يطعمنيها أو كلمة يعلمنيها قال له بن عمر كنت الزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم واعلمنا بحديثه قوله لقد فرطنا في قراريط كثيرة أي من عدم المواظبه على حضور الدفن بين ذلك مسلم في روايته من طريق بن شهاب عن سالم بن عبد الله بن(1/121)
عمر قال كان بن عمر يصلي على الجنازة ثم ينصرف فلما بلغه حديث أبي هريرة قال فذكره وفي هذه القصة دلالة على تميز أبي هريرة في الحفظ وأن إنكار العلماء بعضهم على بعض قديم وفيه استغراب العالم ما لم يصل إلى علمه وعدم مبالاة الحافظ بانكار من لم يحفظ وفيه ما كان الصحابة عليه من التثبت في الحديث النبوي والتحرز فيه والتنقيب عليه وفيه دلالة على فضيلة بن عمر من حرصه على العلم وتاسفه على ما فاته من العمل الصالح قوله فرطت ضيعت من أمر الله كذا في جميع الطرق وفي بعض النسخ فرطت من أمر الله أي ضيعت وهو أشبه وهذه عادة المصنف إذا أراد تفسير كلمة غريبة من الحديث ووافقت كلمة من القرآن فسر الكلمة التي من القرآن وقد ورد في رواية سالم المذكورة بلفظ لقد ضيعنا قراريط كثيرة تكملة وقع لي حديث الباب من رواية عشرة من الصحابة غير أبي هريرة وعائشة من حديث ثوبان عند مسلم والبراء وعبد الله بن مغفل عند النسائي وأبي سعيد عند أحمد وابن مسعود عند أبي عوانة واسانيد هؤلاء الخمسة صحاح ومن حديث أبي بن كعب عند بن ماجة وابن عباس عند البيهقي في الشعب وأنس عند الطبراني في الأوسط وواثلة بن الأسقع عند بن عدي وحفصة عند حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال وفي كل من أسانيد هؤلاء الخمسة ضعف وسأشير إلى ما فيها من فائدة زائدة في الكلام على الحديث في الباب الذي يلي هذا(1/122)
قوله باب من أنتظر حتى تدفن قال الزين بن المنير لم يذكر المصنف جواب من أما استغناء بما ذكر في الخبر أو توقفا على اثبات الاستحقاق بمجرد الانتظار أن خلا عن أتباع قال وعدل عن لفظ الشهود كما هو في الخبر إلى لفظ الانتظار لينبه على أن المقصود من الشهود إنما هو معاضدة أهل الميت والتصدي لمعونتهم وذلك من المقاصد المعتبرة انتهى والذي يظهر لي أنه أختار لفظ الانتظار لكونه أعم من المشاهدة فهو أكثر فائدة وأشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الانتظار ليفسر اللفظ الوارد بالمشاهدة به ولفظ الانتظار وقع في رواية معمر عند مسلم وقد ساق البخاري سندها ولم يذكر لفظها ووقعت هذه الطريق في بعض الروايات التي لم تتصل لنا عن البخاري في هذا الباب أيضا(1/123)
قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي قوله عن أبيه يعني أبا سعيد كيسان المقبري وهو ثابت في جميع الطرق وحكى الكرماني أنه سقط من بعض الطرق قلت والصواب إثباته وكذا أخرجه إسحاق بن راهويه والإسماعيلي وغيرهما من طريق بن أبي ذئب نعم سقط قوله عن أبيه من رواية بن عجلان عند أبي عوانة وعبد الرحمن بن إسحاق عند بن أبي شيبة وأبي معشر عند حميد بن زنجويه ثلاثتهم عن سعيد المقبري تنبيه لم يسق البخاري لفظ رواية أبي سعيد ولفظه عند الإسماعيلي أنه سأل أبا هريرة ما ينبغي في الجنازة فقال سأخبرك بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تبعها من أهلها حتى يصلى عليها فله قيراط مثل أحد ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيرطان قوله وحدثني عبد الرحمن هو معطوف على مقدر أي قال بن شهاب حدثني فلان بكذا وحدثني عبد الرحمن الأعرج بكذا قوله حتى يصلى زاد الكشميهني عليه واللام للأكثر مفتوحه وفي بعض الروايات بكسرها ورواية الفتح محمولة عليها فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة من الذي يحصل له كما تقدم تقريره وللبيهقي من طريق محمد بن علي الصائغ عن أحمد بن شبيب شيخ البخاري فليه بلفظ حتى يصلي عليها وكذا هو عند مسلم من طريق بن وهب عن يونس ولم يبين في هذه الرواية ابتداء الحضور وقد تقدم بيانه في رواية أبي سعيد المقبري حيث قال من أهلها وفي رواية خباب عند مسلم من خرج مع جنازة من بيتها ولأحمد في حديث أبي سعيد الخدري فمشى معها من أهلها ومقتضاه أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة وبذلك صرح المحب الطبري وغيره والذي يظهر في أن القيراط يحصل أيضا لمن صلى فقط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع مثلا وصلى ورواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ اصغرهما مثل أحد يدل على أن القراريط تتفاوت ووقع أيضا في رواية أبي صالح المذكورة عند مسلم من صلى على جنازة ولم يتبعها فله(1/124)
قيراط وفي رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند أحمد ومن صلى ولم يتبع فله قيراط فدل على أن الصلاة تحصل القيراط وأن لم يقع أتباع ويمكن أن يحمل الأتباع هنا على ما بعد الصلاة وهل يأتي نظير هذا في قيراط الدفن فيه بحث قال النووي في شرح البخاري عند الكلام على طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب الإيمان بلفظ من أتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين الحديث ومقتضى هذا أن القيراطين إنما يحصلان لمن كان معها في جميع الطريق حتى تدفن فإن صلى مثلا وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له الا قيراط واحد انتهى وليس في الحديث ما يقتضي ذلك الا من طريق المفهوم فإن ورد منطوق بحصول القيراط لشهود الدفن وحده كان مقدما ويجمع حينئذ بتفاوت القيراط والذين أبوا ذلك جعلوه من باب المطلق والمقيد نعم مقتضى جميع الأحاديث أن من اقتصر على التشييع فلم يصل ولم يشهد الدفن فلا قيراط له الا على الطريقة التي قدمناها عن بن عقيل لكن الحديث الذي اوردناه عن البراء في ذلك ضعيف وأما التقييد بالإيمان والاحتساب فلا بد منه لأن ترتب الثواب على العمل يستدعى سبق النية فيه فيخرج من فعل ذلك على سبيل المكافأة المجردة أو على سبيل المحاباة والله أعلم قوله ومن شهد كذا في جميع الطرق بحذف المفعول وفي رواية البيهقي التي أشرت إليها ومن شهدها قوله فله قيراطان ظاهره إنهما غير قيراط الصلاة وهو ظاهر سياق أكثر الروايات وبذلك جزم بعض المتقدمين وحكاه بن التين عن القاضي أبي الوليد لكن سياق رواية بن سيرين يأبى ذلك وهي صريحة في أن الحاصل من الصلاة ومن الدفن قيراطان فقط وكذلك رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم بلفظ من خرج مع جنازة من بيتها ثم تبعها حتى كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع كان له قيراط وكذلك رواية الشعبي عن أبي هريرة عند النسائي بمعناه ونحوه(1/125)
رواية نافع بن جبير قال النووي رواية بن سيرين صريحة في أن المجموع قيراطان ومعنى رواية الأعرج على هذا كان له قيراطان أي بالأول وهذا مثل حديث من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قال الليل كله أي بانضمام صلاة العشاء قوله حتى يدفن ظاهره أن حصول القيراط متوقف على فراغ الدفن وهو أصح الأوجه عند الشافعية وغيرهم وقيل يحصل بمجرد الوضع في اللحد وقيل عند انتهاء الدفن قبل إهالة التراب وقد وردت الأخبار بكل ذلك ويترجح الأول للزيادة فعند مسلم من طريق معمر في إحدى الروايتين عنه حتى يفرغ منها وفي الأخرى حتى توضع في اللحد وكذا عنده في رواية أبي حازم بلفظ حتى توضع في القبر وفي رواية بن سيرين والشعبي حتى يفرغ منها وفي رواية أبي مزاحم عند أحمد حتى يقضي قضاؤها وفي رواية أبي سلمة عند الترمذي حتى يقضي دفنها وفي رواية بن عياض عند أبي عوانة حتى يسوى عليها أي التراب وهي أصرح الروايات في ذلك ويحتمل حصول القيراط بكل من ذلك لكن يتفاوت القيراط كما تقدم قوله قيل وما القيراطان لم يعين في هذه الرواية القائل ولا المقول له وقد بين الثاني مسلم في رواية الأعرج هذه فقال قيل وما القيراطان يا رسول الله وعنده في حديث ثوبان سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيراط وبين القائل أبو عوانة من طريق أبي مزاحم عن أبي هريرة ولفظه قلت وما القيراط يا رسول الله ووقع عند مسلم أن أبا حازم أيضا سأل أبا هريرة عن ذلك قوله مثل الجبلين العظيمين سبق أن في رواية بن سيرين وغيره مثل أحد وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند بن أبي شيبة القيراط مثل جبل أحد وكذا في حديث ثوبان عند مسلم والبراء عند النسائي وأبي سعيد عند أحمد ووقع عند النسائي من طريق الشعبي فله قيراطان من الأجر كل واحد منهما أعظم من أحد وتقدم أن في رواية أبي صالح عند مسلم اصغرهما مثل أحد وفي رواية أبي بن كعب عند بن ماجة القيراط أعظم من أحد(1/126)
هذا كأنه أشار إلى الجبل عند ذكر الحديث وفي حديث واثلة عند بن عدي كتب له قيراطان من أجر اخفهما في ميزانه يوم القيامة اثقل من جبل أحد فافادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد وأن المراد به زنة الثواب المرتب على ذلك العمل وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم الترغيب في شهود الميت والقيام بأمره والحض على الاجتماع له والتنبيه على عظيم فضل الله وتكريمه للمسلم في تكثير الثواب لم يتولى أمره بعد موته وفيه تقدير الأعمال بنسبة الأوزان إما تقريبا للإفهام وأما على حقيقته والله أعلم
باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها فصحيح مسلم
.
1 وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى وهارون بن سعيد الأيلي (واللفظ لهارون وحرملة) (قال هارون: حدثنا. وقال الآخران: أخبرنا ابن وهب). أخبرني يونس عن ابن شهاب. قال: حدثني عبدالرحمن بن هرمز الأعرج ؛ أنا أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط. ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان " قيل : وما القيراطان ؟ قال "مثل الجبلين العظيمين".
انتهى حديث أبي الطاهر. وزاد الآخران: قال ابن شهاب: قال سالم بن عبدالله بن عمر: وكان ابن عمر يصلي عليها ثم ينصرف. فلما بلغه حديث أبي هريرة قال: لقد ضيعنا قراريط كثيرة.
2 حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبدالأعلى. ح وحدثنا ابن رافع وعبد بن حميد عن عبدالرزاق. كلاهما عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله: الجبلين العظيمين. ولم يذكرا ما بعده. وفي حديث عبدالأعلى: حتى يفرغ منها. وفي حديث عبدالرزاق: حتى توضع في اللحد.
3 وحدثني عبدالملك بن شعيب بن الليث. حدثني أبي عن جدي. قال: حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب ؛ أنه قال: حدثني رجال عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. بمثل حديث معمر. وقال:
"ومن اتبعها حتى تدفن".(1/127)
4 وحدثني محمد بن حاتم. حدثنا بهز. حدثنا وهيب. حدثني سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط. فإن تبعها فله قيراطان ". قيل: وما القيراطان ؟ قال: " أصغرهما مثل أحد ".
5 حدثني شيبان بن فروخ. حدثنا جرير (يعني ابن حازم). حدثنا نافع قال: قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: يا أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من تبع جنازة فله قيراط من الأجر " فقال ابن عمر: أكثر علينا أبو هريرة. فبعث إلى عائشة فسألها فصدقت أبا هريرة. فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
6 وحدثني محمد بن عبدالله بن نمير. حدثنا عبدالله بن يزيد. حدثني حيوة. حدثني أبو صخر عن يزيد بن عبدالله بن قسيط ؛ أنه حدثه ؛ أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص حدثه عن أبيه ؛
أنه كان قاعدا عند عبدالله بن عمر. إذ طلع خباب صاحب المقصورة. فقال: يا عبدالله بن عمر ! ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها. ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر. كل قيراط مثل أحد. ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد" ؟ فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة. ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت. وأخذ ابن عمر قبضة من حصباء المسجد يقلبها في يده. حتى رجع إليه الرسول. فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة. فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض. ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... * باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها(1/128)
*وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ وَ هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ (وَاللّفْظُ لِهَرُونَ وَحَرْمَلَةَ) (قَالَ هَرُونِ: حَدّثَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابِ. قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ، أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتّى يُصَلّىَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ. وَمَنْ شَهِدَهَا حَتّى تُدَفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ" وَمَا الْقِيرَطَانِ؟ قَالَ: "مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ".
انْتَهَىَ حَدِيثُ أَبِي الطّاهِرِ. وَزَادَ الاَخَرَانِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلّي عَلَيْهَا ثُمّ يَنْصَرِفُ فَلَمّا بَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقَدْ ضَيّعْنَا قَرَارِيطَ كَثِيرَةً.
حَدّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدِ الأَعْلَىَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. كِلاَهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيْدِ بْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلَىَ قوله: الْجَبَلَيْنِ الْعَظِمَيْنِ. وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الأَعْلَىَ: حَتّى يَفْرَغَ مِنْهَا. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرّزّاقِ: حَتّىَ تُوضَعَ فِي اللّحْدِ.(1/129)
وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. قَالَ: حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّهُ قَالَ: حَدّثَنِي رِجَالٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَعْمَرٍ. وَقَالَ: "وَمَنِ اتّبَعَهَا حَتّى تُدْفَنَ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزّ. حَدّثَنَا وَهِيْبٌ. حَدّثَنِي سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَلّىَ عَلَى جَنَازَةٍ وَلَمْ يَتْبَعْهَا فَلَهُ قِيْرَاطٌ. فَإنْ تَبِعَهَا فَلَهُ قِيْرَاطَانِ" قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ "أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ اُحُدٍ.
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيْدٍ عَنْ يَزِيْدَ بْنِ كَيْسَانَ. حَدّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "مَنْ صَلّىَ عَلَىَ جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيْرَاطٌ. وَمَنِ اتّبَعَهَا حَتّىَ تُوضَعَ فِي الْقَبْرِ فَقِيرَاطَانِ" قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! وَمَا الْقِيرَاطُ؟ قَالَ "مِثْلُ اُحُدٍ".
حَدّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ). حَدّثَنَا نَافِعٌ قَالَ: قِيلَ ل إبْنِ عُمَرَ: إنّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنَ الاَْجْرِ" فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَكْثَرَ عَلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ. فَبَعَثَ إلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَها فَصَدّقَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ. لَقَدْ فَرّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ.(1/130)
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ. حَدّثَنِي حَيْوَةُ. حَدّثَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ يَزِيْدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، أَنّهُ حَدّثَهُ، أَنّ دَاوُدَ بْنَ عَامِرٍ بْنِ سَعْدِ بْنِ وَقّاصٍ حَدّثَهُ عَنْ أَبِيْهِ ، أَنّهُ كَانَ قَاعِداً عِنْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ. إذْ طَلَعَ خَبّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ! أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ ؟ إنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلّىَ عَلَيْهَا. ثُمّ تَبِعَهَا حَتّىَ تُدْفَنَ وَكَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ. كُلّ قِيرَاطٍ مِثْلُ اُحُدٍ. وَمَنْ صَلّىَ عَلَيْهَا رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الاَْجْرِ مِثْلُ اُحُدٍ"؟ فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ خَبّابّا إلَىَ عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ. ثُمّ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا قَالَتْ: وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءٍ الْمَسْجِدِ يُقَلّبُهَا فِي يَدِهِ. حَتّىَ رَجِعَ إلَيْهِ الرّسُولُ. فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ. فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى الّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الاَْرْضَ. ثُمّ قَالَ: لَقَدْ فَرّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) حَدّثَنَا شُعْبَةُ. حَدّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ معْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيّ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَلّىَ عَلَىَ جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ. فَإنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ الْقِيرَاطُ مِثْلُ اُحُدٍ".(1/131)
وحدّثني ابْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنِي أَبِي. قَالَ: وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيّ عَنْ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا عَفّانُ حَدّثَنَا أَبَانٌ. كُلّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَفِي حَدِيثِ سَعِيْدٍ وَهِشَامٍ: سُئِلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْقِيرَاطِ فَقَالَ: "مِثْلُ اُحُدٍ".
قوله صلى الله عليه وسلم: " من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن" فيه الحث على الصلاة على الجنازة واتباعها ومصاحبتها حتى تدفن. وقوله صلى الله عليه وسلم: "من شهدها حتى تدفن فله قيراطان" معناه بالأول فيحصل بالصلاة قيراط وبالاتباع مع حضور الدفن قيراط آخر فيكون الجميع قيراطين، تبينه رواية البخاري في أول صحيحه في كتاب الإيمان: {من شهد جنازة وكان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها رجع من الأجر بقيراطين}فهذا صريح في أن المجموع بالصلاة والاتباع وحضور الدفن قيراطان ، وقد سبق بيان هذه المسألة ونظائرها والدلائل عليها في مواقيت الصلاة في حديث: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله) وفي رواية البخاري هذه مع رواية مسلم التي ذكرها بعد هذا من حديث عبد الأعلى حتى يفرغ منها دليل ، على أن القيراط الثاني لا يحصل إلا لمن دام معها من حين صلى إلى أن فرغ وقتها ، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وقال بعض أصحابنا: يحصل القيراط الثاني إذا ستر الميت في القبر باللبن وإن لم يلق عليه التراب والصواب الأول، وقد يستدل بلفظ الاتباع في هذا الحديث وغيره من يقول المشي وراء الجنازة أفضل من أمامها، وهو قول علي بن أبي طالب ومذهب الأوزاعي وأبي حنيفة. وقال جمهور الصحابة والتابعين ومالك والشافعي وجماهير العلماء المشي قدامها أفضل . وقال الثوري وطائفة هما سواء. قال(1/132)
القاضي: وفي إطلاق هذا الحديث وغيره إشارة إلى أنه لا يحتاج المنصرف عن اتباع الجنازة بعد دفنها إلىاستئذان ، وهومذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو المشهور عن مالك. وحكى ابن عبد الحكم عنه أنه لا ينصرف إلا بإذن وهو قول جماعة من الصحابة . قوله : (قيل وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين) القيراط مقدارمن الثواب معلوم عند الله تعالى،وهذا الحديث يدل علىعظم مقداره في هذا الموضع،ولا يلزم من هذا أن يكون هذا هو القيراط المذكورفيمن اقتنى كلباً إلاّ كلب صيد أو زرع أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراط ، وفي روايات قيراطان بل ذلك قدر معلوم، ويجوزأن يكون مثل هذا وأقل وأكثر. قوله:(عن ابن عمر لقد ضيعنا قراريط كثيرة) هكذا ضبطناه، وفي كثير من الأصول أو أكثرها ضيعنا في قراريط بزيادة في، والأول هو الظاهروالثاني صحيح، علىأن ضيعنا بمعنى فرطنا كما في الرواية الأخرى ، وفيه ما كان الصحابة عليه من الرغبة في الطاعات حين يبلغهم والتأسف على ما يفوتهم منها وإن كانوا لا يعلمون عظم موقعه . قوله: (وفي حديث عبد الأعلى حتى يفرغ منها) ضبطناه بضم الياى وفتح الراء عكسه والأول أحسن وأعم، وفيه دليل لمن يقول القيراط الثاني لا يحصل إلا بفراغ الدفن كما سبق بيانه .وقوله في حديث عبد الرزاق:(حتى توضع في اللحد) وفي رواية بعده: (حتى توضع في القبر) . فيه دليل لمن يقول يحصل القيراط الثاني بمجرد الوضع في اللحد وإن لم يلق عليه التراب، وقد سبق أن الصحيح أنه لا يحصل إلا بالفراغ من إهالة التراب لظاهر الروايات الأخرى حتى يفرغ منها تتأول هذه الرواية على أن المراد يوضع في اللحد ويفرغ منه ويكون المراد الإشارة إلى أنه لا يرجع قبل وصولها القبر. قوله: (فقال ابن عمر أكثر علينا أبو هريرة) معناه أنه خاف لكثرة رواياته أنه اشتبه عليه الأمر في ذلك واختلط عليه حديث بحديث، لا أنه نسبه إلى رواية ما لم يسمع لأن مرتبة ابن عمر(1/133)
وأبي هريرة أجل من هذا. قوله: (عبد الله بن قسيط)هو بضم القاف وفتح السين المهملة وإسكان الياء.قوله:(وأخذ ابن عمر قيضة من حصباء المسجد يقلبها في يده) .وقال في آخره: (فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض) هكذا ضبطناه الأول حصباء بالباء والثاني بالحصى مقصور جمع حصاة،وهكذا هو في معظم الأصول وفي بضعها عكسه وكلاهما صحيح ، والحصباء هو الحصى، وفيه أنه لا بأس بمثل هذا الفعل، وإنما بعث ابن عمرإلىعائشة يسألها بعد إخبار أبي هريرة لأنه خاف على أبي هريرة النسيان والاشتباه كما قدمنا بيانه، فلما وافقته عائشة علم أنه حفظ وأتقن .
الجوهرة 13
حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن عبيد الله قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه).
البخاري –كتاب الزكاة، باب 15: الصدقة باليمين
... مسلم - كياب الزكاة ، باب30 : فضل إخفاء الصدقة
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/134)
قوله حدثنا يحيى هو القطان وعبيد الله هو بن عمر العمري وخبيب بضم المعجمة وهو خال عبيد الله الراوي عنه وحفص بن عاصم هو بن عمر بن الخطاب وهو جد عبيد الله المذكور لأبيه قوله عن أبى هريرة لم تختلف الرواة عن عبيد الله في ذلك ورواه مالك في الموطأ عن خبيب فقال عن أبي سعيد أو أبي هريرة على الشك ورواه أبو قرة عن مالك بواو العطف فجعله عنهما وتابعه مصعب الزبيري وشذا في ذلك عن أصحاب مالك والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده والله أعلم قوله سبعة ظاهره اختصاص المذكورين بالثواب المذكور ووجهه الكرماني بما محصله أن الطاعة إما أن تكون بين العبد وبين الرب أو بينه وبين الخلق فالأولى باللسان وهو الذكر أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد أو بالبدن وهو الناشئ في العبادة والثاني عام وهو العادل أو خاص بالقلب وهو التحاب أو بالمال وهو الصدقة أو بالبدن وهو العفة وقد نظم السبعة العلامة أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل فيما أنشدناه أبو إسحاق التنوخي إذنا عن أبي الهدى أحمد بن أبي شامة عن أبيه سماعا من لفظه قال
وقال النبي المصطفى إن سبعة يظلهم الله الكريم بظله محب عفيف ناشئ متصدق وباك مصل والإمام بعدله
ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعا من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية فدل على أن العدد المذكور لا مفهوم له وقد ألقيت هذه المسألة على العالم شمس الدين بن عطاء الرازي المعروف بالهروى لما قدم القاهرة وادعى أنه يحفظ صحيح مسلم فسألته بحضرة الملك المؤيد عن هذا وعن غيره فما استحضر في ذلك شيئا ثم تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك فزادت على عشر خصال وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد ونظمتها في بيتين تذييلا على بيتي أبي شامة وهما
وزد سبعة إظلال غاز وعونه وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله(1/135)
وإرفاد ذي غرم وعون مكاتب وتاجر صدق في المقال وفعله
فأما إظلال الغازي فرواه بن حبان وغيره من حديث عمر وأما عون المجاهد فرواه أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف وأما انظار المعسر والوضيعة عنه ففي صحيح مسلم كما ذكرنا وأما إرفاد الغارم وعون المكاتب فرواهما أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف المذكور وأما التاجر الصدوق فرواه البغوي في شرح السنة من حديث سلمان وأبو القاسم التيمي من حديث أنس والله أعلم ونظمته مرة أخرى فقلت في السبعة الثانية ... ... ... وتحسين خلق مع إعانة غارم خفيف يد حتى مكاتب أهله ... وحديث تحسين الخلق أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى ونظمتها في بيتين آخرين وهما ... ... ... ... ... ... وزد سبعة حزن ومشى لمسجد وكره وضوء ثم مطعم فضله ... وآخذ حق باذل ثم كافل وتاجر صدق في المقال وفعله ... ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى ولكن أحاديثها ضعيفة وقلت في آخر البيت ... ... تربع به السبعات من فيض فضله وقد أوردت الجميع في الامالى وقد أفردته في جزء سميته معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال قوله في ظله قال عياض إضافة الظل إلى الله إضافة ملك وكل ظل فهو ملكه كذا قال وكان حقه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا على غيره كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه وقيل المراد بظله كرامته وحمايته كما يقال فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض وقيل المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن سبعة يظلهم الله في ظل عرشه فذكر الحديث وإذا كان المراد ظل العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح وبه جزم القرطبي ويؤيده أيضا تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به بن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر وهو عند المصنف في كتاب الحدود وبهذا يندفع قول من قال المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل(1/136)
لهم بعد الاستقرار في الجنة ثم أن ذلك مشترك لجميع من يدخلها والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة فيرجح أن المراد ظل العرش وروى الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعا أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا إمام عادل قوله الإمام العادل اسم فاعل من العدل وذكر بن عبد البر أن بعض الرواة عن مالك رواه بلفظ العدل قال وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلا والمراد به صاحب الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه أن المقسطين عند الله منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط وقدمه في الذكر لعموم النفع به قوله وشاب خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى قوله في عبادة ربه في رواية الإمام أحمد عن يحيى القطان بعبادة الله وهي رواية مسلم وهما بمعنى زاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر حتى توفي على ذلك أخرجه الجوزقي وفي حديث سلمان أفنى شبابة ونشاطه في عبادة الله قوله معلق في المساجد هكذا في الصحيحين وظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل مثلا إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وأن كان جسده خارجا عنه ويدل عليه رواية الجوزقي كأنما قلبه معلق في المسجد ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد معلق بالمساجد وكذا رواية سلمان من حبها وزاد الحموي والمستملى متعلق بزيادة مثناة بعد الميم وكسر اللام زاد سلمان من حبها وزاد مالك إذا خرج منه حتى يعود إليه وهذه الخصلة هي المقصودة من هذا الحديث للترجمة ومناسبتها للركن الثاني من الترجمة وهو فضل المساجد ظاهرة وللأول من جهة ما دل عليه من(1/137)
الملازمة للمسجد واستمرار الكون فيه بالقلب وأن عرض للجسد عارض قوله تحابا بتشديد الباء وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارا فقط ووقع في رواية حماد بن زيد ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا على ذلك ونحوه في حديث سلمان قوله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه في رواية الكشميهني اجتمعا عليه وهي رواية مسلم أي على الحب المذكور والمراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوى سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق بينهما الموت ووقع في الجمع للحميدى اجتمعا على خير ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات وهي عندي تحريف تنبيه عدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد كان عد أحدهما مغنيا عن عد الآخر لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها قوله ورجل طلبته ذات منصب بين المحذوف أحمد في روايته عن يحيى القطان فقال دعته امرأة وكذا في رواية كريمة ولمسلم وهو للمصنف في الحدود عن بن المبارك والمراد بالمنصب الأصل أو الشرف وفي رواية مالك دعته ذات حسب وهو يطلق على الأصل وعلى المال أيضا وقد وصفها باكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن تحصل فيه وهو المنصب الذي يستلزمه الجاه والمال مع الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء زاد بن المبارك إلى نفسها وللبيهقى في الشعب من طريق أبي صالح عن أبى هريرة فعرضت نفسها عليه والظاهر أنها دعته إلى الفاحشة وبه جزم القرطبي ولم يحك غيره وقال بعضهم يحتمل أن تكون دعته إلى التزوج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها والأول أظهر ويؤيده وجود الكناية في قوله إلى نفسها ولو كان المراد التزويج لصرح به والصبر عن الموصوفة بما ذكر من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر(1/138)
تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها قوله فقال إني أخاف الله زاد في رواية كريمة رب العالمين والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه قال عياض قال القرطبي إنما يصدر عن شدة خوف من الله تعالى ومتين تقوى وحياء قوله تصدق أخفى بلفظ الماضي قال الكرماني هو جملة حالية بتقدير قد ووقع في رواية أحمد تصدق فأخفى وكذا للمصنف في الزكاة عن مسدد عن يحيى تصدق بصدقة فأخفاها ومثله لمالك في الموطأ فالظاهر أن راوي الأولى حذف العاطف ووقع في رواية الأصيلي تصدق إخفاء بكسر الهمزة ممدودا على أنه مصدر أو نعت لمصدر محذوف ويحتمل أن يكون حالا من الفاعل أي مخفيا وقوله بصدقة نكرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير وظاهره أيضا يشمل المندوبة والمفروضة لكن نقل النووي عن العلماء أن إظهار المفروضة أولى من إخفائها قوله حتى لا تعلم بضم الميم وفتحها قوله شماله ما تنفق يمينه هكذا وقع في معظم الروايات في هذا الحديث في البخاري وغيره ووقع في صحيح مسلم مقلوبا حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله بن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب لكنه قصره على ما يقع في الإسناد ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح ومثل له بحديث أن بن أم مكتوم يؤذن بليل وقد قدمنا الكلام عليه في كتاب الأذان وقال شيخنا ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس انتهى والأولى تسميته مقلوبا فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء وقد سماه بعض من تقدم مقلوبا قال عياض هكذا في جميع النسخ التي وصلت إلينا من صحيح مسلم وهو مقلوب أو الصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة باب الصدقة باليمين قال ويشبه أن يكون الوهم فيه ممن دون مسلم بدليل قوله في رواية مالك لما أوردها عقب رواية عبد(1/139)
الله بن عمر فقال بمثل حديث عبيد الله فلو كانت بينهما مخالفة لبينها كما نبه على الزيادة في قوله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه انتهى وليس الوهم فيه ممن دون مسلم ولا منه بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه يحيى القطان فإن مسلما أخرجه عن زهير بن حرب وابن نمير كلاهما عن يحيى وأشعر سياقه بان اللفظ لزهير وكذا أخرجه أبو يعلى في مسنده عن زهير وأخرجه الجوزقى في مستخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عن يحيى القطان كذلك وعقبه بأن قال سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول يحيى القطان عندنا واهم في هذا إنما هو حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه قلت والجزم بكون يحيى هو الواهم فيه نظر لأن الإمام أحمد قد رواه عنه على الصواب وكذلك أخرجه البخاري هنا عن محمد بن بشار وفي الزكاة عن مسدد وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق يعقوب الدورقي وحفص بن عمر وكلهم عن يحيى وكأن أبا حامد لما رأى عبد الرحمن قد تابع زهيرا ترجح عنده أن الوهم من يحيى وهو محتمل بأن يكون منه لما حدث به هذين خاصة مع احتمال أن يكون الوهم منهما تواردا عليه وقد تكلف بعض المتأخرين توجيه هذه الرواية المقلوبة وليس بجيد لأن المخرج متحد ولم يختلف فيه على عبيد الله بن عمر شيخ يحيى فيه ولا على شيخه خبيب ولا على مالك رفيق عبيد الله بن عمر فيه وأما استدلال عياض على أن الوهم فيه ممن دون مسلم بقوله في رواية مالك مثل عبيد الله فقد عكسه غيره فواخذ مسلما بقوله مثل عبيد الله لكونهما ليستا متساويتين والذي يظهر أن مسلما لا يقصر لفظ المثل على المساوى في جميع اللفظ والترتيب بل هو في المعظم إذا تساويا في المعنى والمعنى المقصود من هذا الموضع إنما هو اخفاء الصدقة والله أعلم ولم نجد هذا الحديث من وجه من الوجوه إلا عن أبي هريرة إلا ما وقع عند مالك من التردد هل هو عنه أو عن أبي سعيد كما قدمناه قبل ولم نجده عن أبي هريرة إلا من رواية حفص ولا عن(1/140)
حفص إلا من رواية خبيب نعم أخرجه البيهقي في الشعب من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة والراوي له عن سهيل عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف لكنه ليس بمتروك وحديثه حسن في المتابعات ووافق في قوله تصدق بيمينه وكذا أخرجه سعيد بن منصور من حديث سلمان الفارسي بإسناد حسن موقوفا عليه لكن حكمه الرفع وفي مسند أحمد من حديث أنس بإسناد حسن مرفوعا أن الملائكة قالت يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال نعم الحديد قالت فهل أشد من الحديد قال نعم النار قالت فهل أشد من النار قال نعم الماء قالت فهل أشد من الماء قال نعم الريح قالت فهل أشد من الريح قال نعم بن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله ثم إن المقصود منه المبالغة في إخفاء الصدقة بحيث أن شماله مع قربها من يمينه وتلازمهما لو تصور أنها تعلم لما علمت ما فعلت اليمين لشدة إخفائها فهو على هذا من مجاز التشبيه ويؤيده رواية حماد بن زيد عند الجوزقي تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله ويحتمل أن يكون من مجاز الحذف والتقدير حتى لا يعلم ملك شماله وأبعد من زعم أن المراد بشماله نفسه وأنه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل إلى أن نفسه لا تعلم ما تنفق نفسه وقيل هو من مجاز الحذف والمراد بشماله من على شماله من الناس كأنه قال مجاور شماله وقيل المراد أنه لا يرائى بصدقته فلا يكتبها كاتب الشمال وحكى القرطبي عن بعض مشايخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه وفيه نظر إن كان أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة وإن أراد أن هذا من صور الصدقة المخفية فمسلم والله أعلم قوله ذكر الله أي بقلبه من التذكر أو بلسانه من الذكر وخاليا أي من الخلو لأنه يكون حينئذ أبعد من الرياء والمراد خاليا من الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملأ ويؤيده رواية البيهقي ذكر الله بين يديه ويؤيد الأول رواية بن المبارك وحماد بن زيد ذكر الله(1/141)
في خلاء أي في موضع خال وهي أصح قوله ففاضت عيناه أي فاضت الدموع من عينيه وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت قال القرطبي وفيض العين بحسب حال الذاكر وبحسب ما يكشف له ففي حال أوصاف الجلال يكون البكاء من خشية الله وفي حال أوصاف الجمال يكون البكاء من الشوق إليه قلت قد خص في بعض الروايات بالأول ففي رواية حماد بن زيد عند الجوزقي ففاضت عيناه من خشية الله ونحوه في رواية البيهقي ويشهد له ما رواه الحاكم من حديث أنس مرفوعا من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة تنبيهان الأول ذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له بل يشترك النساء معهم فيما ذكر إلا إن كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون ذات عيال فتعدل فهيم وتخرج خصلة ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن حتى الرجل الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلا فامتنعت خوفا من الله تعالى مع حاجتها أو شاب جميل دعاه ملك إلى أن يزوجه ابنته مثلا فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه الثاني استوعبت شرح هذا الحديث هنا وإن كان مخالفا لما شرطت لأن أليق المواضع به كتاب الرقاق وقد اختصرها المصنف حيث أورده فيه وساقه تاما في الزكاة والحدود فاستوفيته هنا لأن للأولية وجها من الأولوية
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى(1/142)
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. جَمِيعاً عَنْ يَحْيَىَ الْقَطّانِ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلّهُمُ اللّهُ فِي ظِلّهِ يَوْمَ لاَ ظِلّ إِلاّ ظِلّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ. وَشَابّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللّهِ. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ. وَرَجُلاَنِ تَحَابّا فِي اللّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرّقَا عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنّي أَخَافُ اللّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتّىَ لاَ تَعْلَمُ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ. وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللّهَ خَالِياً، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ".
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدَرِيّ (أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَنّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللّهِ. وَقَالَ "وَرَجُلٌ مُعَلّقٌ بِالْمَسْجِدِ، إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتّىَ يَعُودَ إِلَيْهِ".(1/143)
قوله: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) قال القاضي: إضافة الظل إلى الله تعالى إضافة ملك، وكل ظل فهو لله وملكه وخلقه وسلطانه، والمراد هنا ظل العرش كما جاء في حديث آخر مبيناً، والمراد يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين ودنت منهم الشمس واشتد عليهم حرها وأخذهم العرق، ولا ظل هناك لشيء إلا للعرش، وقد يراد به هنا ظل الجنة وهو نعيمها والكون فيها كما قال تعالى: {وندخلهم ظلاً ظليلاً} قال القاضي: وقال ابن دينار المراد بالظل هنا الكرامة والكنف والكف من المكاره في ذلك الموقف، قال: وليس المراد ظل الشمس. قال القاضي: وما قاله معلوم في اللسان يقال فلان في ظل فلان أي في كنفه وحمايته، قال: وهذا أولى الأقوال وتكون إضافته إلى العرش لأنه مكان التقريب والكرامة وإلا فالشمس وسائر العالم تحت العرش وفي ظله. قوله صلى الله عليه وسلم: "الإمام العادل" قال القاضي: هو كل من إليه نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاة والحكام وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه، ووقع في أكثر النسخ الإمام العادل، وفي بعضها الإمام العدل وهما صحيحان. قوله صلى الله عليه وسلم: "وشاب نشأ بعبادة الله" هكذا هو في جميع النسخ نشأ بعبادة الله، والمشهور في روايات هذا الحديث نشأ في عبادة الله وكلاهما صحيح، ومعنى رواية الباء نشأ متلبساً للعبادة أو مصاحباً لها أو ملتصقاً بها. قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل قلبه معلق في المساجد" هكذا هو في النسخ كلها في المساجد، وفي غير هذه الرواية بالمساجد، ووقع في هذه الرواية في أكثر النسخ معلق في المساجد، وفي بعضها متعلق بالتاء وكلاهما صحيح ومعناه شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد. قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه" معناه اجتمعا على حب الله وافترقا على حب الله، أي كان سبب اجتماعهما حب الله واستمرار على ذلك حتى تفرقا من(1/144)
مجلسهما وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما، وفي هذا الحديث الحث على التحاب في الله وبيان عظم فضله وهو من المهمات، فإن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان، وهو بحمد الله كثير يوفق له أكثر الناس أو من وفق له. قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله" قال القاضي: يحتمل قوله أخاف الله باللسان، ويحتمل قوله في قلبه ليزجر نفسه، وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها وعسر حصولها وهي جامعة للمنصب والجمال، لا سيما وهي داعية إلى نفسها طالبة لذلك قد أغنت عن مشاق التوصل إلى مراودة ونحوها، فالصبر عنها لخوف الله تعالى، وقد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب والجمال من أكمل المراتب وأعظم الطاعات، فرتب الله تعالى عليه أن يظله في ظله، وذات المنصب هي ذات الحسب والنسب الشريف، ومعنى دعته أي دعته إلى الزنا بها هذا هو الصواب في معناه. وذكر القاضي فيه احتمالين أصحهما هذا. والثاني أنه يحتمل أنها دعته لنكاحها فخاف العجز عن القيام بحقها أو أن الخوف من الله تعالى شغله عن لذات الدنيا وشهواتها. قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله" هكذا وقع في جميع نسخ مسلم في بلادنا وغيرها، وكذا نقله القاضي عن جميع روايات نسخ مسلم لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، والصحيح المعروف حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، هكذا رواه مالك في الموطأ والبخاري في صحيحه وغيرهما من الأئمة وهو وجه الكلام، لأن المعروف في النفقة فعلها باليمين. قال القاضي: ويشبه أن يكون الوهم فيها من الناقلين عن مسلم لا من مسلم بدليل إدخاله بعده حديث مالك رحمه الله، وقال بمثل حديث عبيد وبين الخلاف في قوله وقال رجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود، فلو كان ما رواه مخالفاً لرواية مالك لنبه عليه كما نبه على هذا، وفي هذا الحديث فضل صدقة السر، قال(1/145)
العلماء: وهذا في صدقة التطوع، فالسر فيها أفضل لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء، وأما الزكاة الواجبة فإعلانها أفضل، وهكذا حكم الصلاة فإعلان فرائضها أفضل، وإسرار نوافلها أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" قال العلماء: وذكر اليمين والشمال مبالغة في الإخفاء والاستتار بالصدقة، وضرب المثل بهما لقرب اليمين من الشمال وملازمتها لها، ومعناه لو قدرت الشمال رجلاً متيقظاً لما علم صدقة اليمين لمبالغته في الإخفاء. ونقل القاضي عن بعضهم أن المراد من عن يمينه وشماله من الناس والصواب الأول. قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل ذكر الله تعالى خالياً ففاضت عيناه" فيه فضيلة البكاء من خشية الله تعالى وفضل طاعة السر لكمال الإخلاص فيها .
الجوهرة 14
حدثنا إبراهيم بن موسى: أخبرنا هشام بن يوسف، عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء، عن أبي صالح الزيات: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه).
ــتـ البخاري –كتاب الصوم- باب9-هل يقول إنيصائم إذا شتم
ـــــــ مسلم - كتاب الصيام- باب 30- فضل الصيام
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/146)
قوله الصيام جنة حديث ومن ثم إلى آخره حديث وجمعهما عنه هكذا القعنبي وعنه رواه البخاري هنا ووقع عن غير القعنبي من رواة الموطأ زيادة على آخر الثاني وهي بعد قوله وأنا أجزى به والحسنة بعشر أمثالها زادوا إلى سبعمائة ضعف الا الصيام فهو لي وأنا أجزى به وقد أخرج البخاري هذا الحديث بعد أبواب من طريق أبي صالح عن أبي هريرة وبين في أوله أنه من قول الله عز وجل كما سأبينه قوله الصيام جنة زاد سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد جنة من النار وللنسائي من حديث عائشة مثله وله من حديث عثمان بن أبي العاص الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال ولأحمد من طريق أبي يونس عن أبي هريرة جنة وحصن حصين من النار وله من حديث أبي عبيدة بن الجراح الصيام جنة ما لم يخرقها زاد الدارمي بالغيبة وبذلك ترجم له هو وأبوداود والجنة بضم الجيم الوقاية والستر وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار وبهذا جزم بن عبد البر وأما صاحب النهار النهاية فقال معنى كونه جنة أي يقى صاحبه ما يؤذيه من الشهوات وقال القرطبي جنة أي سترة يعني بحسب مشروعيته فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه واليه الإشارة بقوله فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث الخ ويصح أن يراد أنه سترة بحسب فائدته وهو إضعاف شهوات النفس واليه الإشارة بقوله يدع شهوته الخ ويصح أن يراد أنه سترة بحسب ما يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات وقال عياض في الإكمال معناه ستره من الاثام أو من النار أو من جميع ذلك وبالاخير جزم النووي وقال بن العربي : إنما كان الصوم جنة من النار لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النارفي الآخرة وفي زيادة أبي عبيدة بن الجراح إشارة إلى أن الغيبة تضر بالصيام وقد حكى عن عائشة وبه قال الأوزاعي :إن الغيبة تفطر الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم وافرط بن جزم فقال(1/147)
يبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه سواء كانت فعلا أو قولا لعموم قوله فلا يرفث ولا يجهل ولقوله في الحديث الاتى بعد أبواب( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) ... والجمهور وإن حملوا النهى عن التحريم الا إنهم خصوا الفطر بالأكل والشرب والجماع وأشار بن عبد البر إلى ترجيح الصيام على غيره من العبادات فقال حسبك بكون الصيام جنة من النار فضلا وروى النسائي بسند صحيح عن أبي إمامة قال قلت : يا رسول الله مرني بأمر آخذه عنك قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له وفي رواية لا عدل له والمشهور عند الجمهور ترجيح الصلاة قوله فلا يرفث أي الصائم كذا وقع مختصرا وفي الموطأ الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث الخ ويرفث بالضم والكسر ويجوز في ماضيه التثليث والمراد بالرفث هنا وهو بفتح الراء والفاء ثم المثلثة الكلام الفاحش وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء أو مطلقا ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها قوله ولا يجهل أي لا يفعل شيئا من افعال أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك ولسعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه فلا يرفث ولا يجادل قال القرطبي لا يفهم من هذا أن غير الصوم يباح فيه ما ذكر وإنما المراد أن المنع من ذلك يتاكد بالصوم قوله وأن امرؤ بتخفيف النون قاتله أو شاتمه وفي رواية صالح فإن سابه أحد أو قاتله ولأبي قرة من طريق سهيل عن أبيه وأن شتمه إنسان فلا يكلمه ونحوه في رواية هشام عن أبي هريرة عند أحمد ولسعيد بن منصور من طريق سهيل فإن سابه أحد اوماراه أي جادله ولابن خزيمة من طريق عجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة فإن سابك أحد فقل أني صائم وأن كنت قائما فاجلس ولأحمد والترمذي من طريق بن المسيب عن أبي هريرة فإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم وللنسائي من حديث عائشةوأن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه واتفق الروايات كلها على أنه يقول إني صائم فمنهم(1/148)
من ذكرها مرتين ومنهم من اقتصر على واحدة وقد استشكل ظاهره بان المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من الجانبين والصائم لا تصدر منه الأفعال التي رتب عليها الجواب خصوصا المقاتلة والجواب عن ذلك أن المراد بالمفاعلة التهيؤ لها أي أن تهيا أحد لمقاتلته أو مشاتمته فليقل أني صائم فإنه إذا قال ذلك أمكن أن يكف عنه فإن اصر دفعه بالأخف فالاخف كالصائل هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة فإن كان المراد بقوله قاتله شاتمه لأن القتل يطلق على اللعن واللعن من جملة السب ويؤيده ما ذكرت من الألفاظ المختلفة فإن حاصلها يرجع إلى الشتم فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على قوله أني صائم واختلف في المراد بقوله فليقل أني صائم هل يخاطب بها الذي يكلمه بذلك أويقولها في نفسه وبالثانى جزم المتولى ونقله الرافعي عن الأئمة ورجع النووي الأول في الأذكار وقال في شرح المهذب كل منهما حسن والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان حسنا ولهذا التردد أتى البخاري في ترجمته كما سيأتي بعد أبواب بالاستفهام فقال باب : هل يقول أني صائم إذا شتم وقال الروياني أن كان رمضان فليقل بلسانه وأن كان غيره فليقله في نفسه وادعى بن العربي أن موضع الخلاف في التطوع وأما في الفرض فيقوله بلسانه قطعا وأما تكرير قوله أني صائم فليتأكد الانزجار منه أو ممن يخاطبه بذلك ونقل الزركشي أن المراد بقوله فليقل أني صائم مرتين يقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه فيستفيد بقوله بقلبه كف لسانه عن خصمه وبقوله بلسانه كف خصمه عنه وتعقب بان القول حقيقة باللسان وأجيب بأنه لا يمنع المجاز وقوله قاتله يمكن حمله على ظاهره ويمكن أن يراد بالقتل لعن يرجع إلى معنى الشتم ولا يمكن حمل قاتله وشاتمه على المفاعلة لأن الصائم مأمور بان يكف نفسه عن ذلك فكيف يقع ذلك منه وإنما المعنى إذا جاءه متعرضا لمقاتلته أو مشاتمته كان يبدأه بقتل أو شتم اقتضت العادة أن يكافئه عليه فالمراد بالمفاعلة إرادة غير(1/149)
الصائم ذلك من الصائم وقد تطلق المفاعلة على التهيؤ لها ولو وقع الفعل من واحد وقد تقع المفاعلة بفعل الواحد كما يقال لواحد عالج الأمر وعافاه الله وأبعد من حمله على ظاهره فقال المراد إذا بدرت من الصائم مقابلة الشتم بالشتم على مقتضى الطبع فلينزجر عن ذلك ويقول أني صائم ومما يبعده قوله في الرواية الماضية فإن شتمه شتمه والله أعلم وفائدة قوله أني صائم أنه يمكن أن يكف عنه بذلك فإن اصر دفعه بالأخف فالاخف كالصائل هذا فيمن يروم مقاتلته حقيقة فإن كان المراد بقوله قاتله شاتمه فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على قوله أني صائم قوله والذي نفسي بيده أقسم على ذلك تاكيدا قوله لخلوف بضم المعجمة واللام وسكون الواو بعدها فاء قال عياض هذه الرواية الصحيحة وبعض الشيوخ يقوله بفتح الخاء قال الخطابي وهو خطا وحكى القابسي الوجهين وبالغ النووي في شرح المهذب فقال لا يجوز فتح الخاء واحتج غيره لذلك بان المصادر التي جاءت على فعول بفتح أوله قليلة ذكرها سيبويه وغيره وليس هذا منها واتفقوا على أن المراد به تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام قوله فم الصائم فيه رد على من قال لاتثبت الميم في الفم عند الإضافة الا في ضرورة الشعر لثبوته في هذا الحديث الصحيح وغيره قوله أطيب عند الله من ريح المسك اختلف في كون الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك مع أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروائح إذ ذاك من صفات الحيوان ومع أنه يعلم الشيء على ما هو عليه على أوجه قال المازري هو مجاز لأنه جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي يقرب إليه أكثر من تقرير المسك إليكم وإلى ذلك أشار بن عبد البر وقيل المراد أن ذلك في حق الملائكة وإنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما تستطيبون ريح المسك وقيل المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضد ما هو عندكم وهو(1/150)
قريب من الأول وقيل المراد أن الله تعالى يجزيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح جرحه تفوح مسكا وقيل المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك لا سيما بالإضافة إلى الخلوف حكاهما عياض وقال الداودي وجماعة المعنى أن الخلوف أكثر ثوابا من المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر ورجح النووي هذا الأخير وحاصله حمل معنى الطيب على القبول والرضا فحصلنا على ستة أوجه وقد نقل القاضي حسين في تعليقه أن للطاعات يوم القيامة ريحا تفوح قال فرائحة الصيام فيها بين العبادات كالمسك ويؤيد الثلاثة الأخيرة قوله في رواية مسلم وأحمد والنسائي من طريق عطاء عن أبي صالح أطيب عند الله يوم القيامة وأخرج أحمد هذه الزيادة من حديث بشير بن الخصاصية وقد ترجم بن حبان بذلك في صحيحه ثم قال ذكر البيان بان ذلك قد يكون في الدنيا ثم أخرج الرواية التي فيها فم الصائم حين يخلف من الطعام وهي عنده وعند أحمد من طريق الأعمش عن أبي صالح ويمكن أن يحمل قوله حين يخلف على أنه ظرف لوجود الخلوف المشهود له بالطيب فيكون سببا للطيب في الحال الثاني فيوافق الرواية الأولى وهي قوله يوم القيامة لكن يؤيد ظاهره وأن المراد به في الدنيا ما روى الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي في الشعب من حديث جابر في اثناء حديث مرفوع في فضل هذه الأمة في رمضان وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك قال المنذري إسناده مقارب وهذه المسألة إحدى المسائل التي تنازع فيها بن عبد السلام وابن الصلاح فذهب بن عبد السلام إلى أن ذلك في الآخرة كما في دم الشهيد واستدل بالرواية التي فيها يوم القيامة وذهب بن الصلاح إلى أن ذلك في الدنيا واستدل بما تقدم وأن جمهور العلماء ذهبوا إلى ذلك فقال الخطابي طيبه عند الله رضاه به وثناؤه عليه وقال بن عبد البر أزكى عند الله وأقرب إليه وقال البغوي معناه الثناء على الصائم والرضا(1/151)
بفعله وبنحو ذلك قال القدوري من الحنفية والداودى وابن العربي من المالكية وأبو عثمان الصابوني وأبو بكر بن السمعاني وغيرهم من الشافعية جزموا كلهم بأنه عبارة عن الرضا والقبول وأما ذكر يوم القيامة في تلك الرواية فلأنه يوم الجزاء وفيه يظهر رجحان الخلوف في الميزان على المسك المستعمل لدفع الرائحة الكريهة طلبا لرضا الله تعالى حيث يؤمر باجتنابها فقيده بيوم القيامة في رواية وأطلق في باقي الروايات نظرا إلى أن أصل افضليته ثابت في الدارين وهو كقوله أن ربهم بهم يومئذ لخبير وهو خبير بهم في كل يوم انتهى ويترتب على هذا الخلاف المشهور في كراهة إزالة هذا الخلوف بالسواك وسيأتي البحث فيه بعد بضعة وعشرين بابا حيث ترجم له المصنف إن شاء الله تعالى ويؤخذ من قوله أطيب من ريح المسك أن الخلوف أعظم من دم الشهادة لأن دم الشهيد شبه ريحه بريح المسك والخلوف وصف بأنه أطيب ولا يلزم من ذلك أن يكون الصيام أفضل من الشهادة لما لا يخفى ولعل سبب ذلك النظر إلى أصل كل منهما فإن أصل الخلوف طاهر واصل الدم بخلافه فكان ما أصله طاهر أطيب ريحا قوله يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي هكذا وقع هنا ووقع في الموطأ وإنما يذر شهوته الخ ولم يصرح بنسبته إلى الله للعلم به وعدم الاشكال فيه وقد روى أحمد هذا الحديث عن إسحاق بن الطباع عن مالك فقال بعد قوله من ريح المسك يقول الله عز وجل إنما يذر شهوته الخ وكذلك رواه سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد فقال في أول الحديث يقول الله عز وجل كل عمل بن آدم هو له الا الصيام فهو لي وأنا أجزى به وإنما يذر بن آدم شهوته وطعامه من أجلي الحديث ويأتي قريبا من طريق عطاء عن أبي صالح بلفظ قال الله عز وجل كل عمل بن آدم له الحديث ويأتي في التوحيد من طريق الأعمش عن أبي صالح بلفظ يقول الله عز وجل الصوم لي وأنا أجزى به الحديث وقد يفهم من الإتيان بصيغة الحصر في قوله إنما يذر الخ التنبيه على(1/152)
الجهة التي بها يستحق الصائم ذلك وهو الإخلاص الخاص به حتى لو كان ترك المذكورات لغرض آخر كالتخمة لا يحصل للصائم الفضل المذكور لكن المدار في هذه الأشياء على الداعي القوي الذي يدور معه الفعل وجودا وعدما ولا شك أن من لم يعرض في خاطره شهوة شيء من الأشياء طول نهاره إلى أن أفطر ليس هو في الفضل كمن عرض له ذلك فجاهد نفسه في تركه والمراد بالشهوة في الحديث شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص ووقع في رواية الموطأ بتقديم الشهوة عليها فيكون من الخاص بعد العام ومثله حديث أبي صالح في التوحيد وكذا جمهور الرواة عن أبي هريرة وفي رواية بن خزيمة من طريق سهيل عن أبي صالح عن أبيه يدع الطعام والشراب من أجلي ويدع لذته من أجلي وفي رواية أبي قرة من هذا الوجه يدع امرأته وشهوته وطعامه وشرابه من أجلي وأصرح من ذلك ما وقع عند الحافظ سمويه في فوائده من طريق المسيب بن رافع عن أبي صالح يترك شهوته من الطعام والشراب والجماع من أجلي قوله الصيام لي وأنا أجزى به كذا وقع بغير أداة عطف ولا غيرها وفي الموطأ فالصيام بزيادة الفاء وهي للسببية أي سبب كونه لي أنه يترك شهوته لأجلى ووقع في رواية مغيرة عن أبي الزناد عند سعيد بن منصور كل عمل بن آدم له الا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به ومثله في رواية عطاء عن أبي صالح الآتية وقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى الصيام لي وأنا أجزى به مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها على أقوال أحدهما أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره حكاه المازري ونقله عياض عن أبي عبيد ولفظ أبي عبيد في غريبه قد علمنا أن أعمال البر كلها لله وهو الذي يجزي بها فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من بن آدم بفعله وإنما هو شيء في القلب ويؤيدها هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم ليس في الصيام رياء حدثنيه شبابة عن عقيل عن الزهري فذكره يعني مرسلا قال(1/153)
وذلك لأن الأعمال لا تكون الا بالحركات الا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس هذا وجه الحديث عندي انتهى وقد روى الحديث المذكور البيهقي في الشعب من طريق عقيل وأورده من وجه آخر عن الزهري موصولا عن أبي سلمة عن أبي هريرة وإسناده ضعيف ولفظه الصيام لا رياء فيه قال الله عز وجل هو لي وأنا أجزى به وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع وقال القرطبي لما كانت الأعمال يدخلها بالرياء والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله الا الله فاضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في الحديث يدع شهوته من أجلي وقال بن الجوزي جميع العبادات تظهر بفعلها وقل أن يسلم ما يظهر من شوب بخلاف الصوم وارتضى هذا الجواب المازري وقرره القرطبي بان أعمال بني آدم لما كانت يمكن دخول الرياء فيها اضيفت إليهم بخلاف الصوم فإن حال الممسك شبعا مثل حال الممسك تقربا يعني في الصورة الظاهرة قلت معنى النفي في قوله لا رياء في الصوم أنه لا يدخله الرياء بفعله وأن كان قد يدخله الرياء بالقول كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية فدخول الرياء في الصوم إنما يقع من جهة الأخبار بخلاف بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها وقد حاول بعض الأئمة الحاق شيء من العبادات البدنية بالصوم فقال أن الذكر بلا إله الا الله يمكن أن لا يدخله الرياء لأنه بحركة اللسان خاصة دون غيره من أعضاء الفم فيمكن الذاكر أن يقولها بحضرة الناس ولا يشعرون منه بذلك ثانيها أن المراد بقوله وأنا أجزى به أني انفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس قال القرطبي معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وإنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله الا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير ويشهد لهذا السياق الرواية الأخرى يعني رواية الموطأ وكذلك رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال كل عمل بن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى(1/154)
سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله قال الله الا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به أي اجازى عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره وهذا كقوله تعالى{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} انتهى والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال قلت وسبق إلى هذا أبو عبيد في غريبه فقال بلغني عن بن عيينة أنه قال ذلك واستدل له بان الصوم هو الصبر لأن الصائم يصبر نفسه على الشهوات وقد قال الله تعالى :{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} انتهى ويشهد رواية المسيب بن رافع عن أبي صالح عند سمويه إلى سبعمائة ضعف الا الصوم فإنه لا يدري أحد ما فيه ويشهد له أيضا ما رواه بن وهب في جامعه عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده زيد مرسلا ووصله الطبراني والبيهقي في الشعب من طريق أخرى عن عمر بن محمد عن عبد الله بن مينار عن بن عمر مرفوعا الأعمال عند الله سبع الحديث وفيه وعمل لا يعلم ثواب عامله الا الله ثم قال وأما العمل الذي لا يعلم ثواب عامله الا الله فالصيام ثم قال القرطبي هذا القول ظاهر الحسن قال غير أنه تقدم ويأتي في غير ما حديث أن صوم اليوم بعشرة أيام وهي نص في إظهار التضعيف فبعد هذا الجواب بل بطل قلت لا يلزم من الذي ذكر بطلانه بل المراد بما أورده أن صيام اليوم الواحد يكتب بعشرة أيام وأما مقدار ثواب ذلك فلا يعلمه الا الله تعالى ويؤيده أيضا العرف المستفاد من قوله أنا أجزى به لأن الكريم إذا قال أنا أتولى الإعطاء بنفسي كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه ثالثها معنى قوله الصوم لي أي أنه أحب العبادات إلى والمقدم عندي وقد تقدم قول بن عبد البر كفى بقوله الصوم لي فضلا للصيام على سائر العبادات وروى النسائي وغيره من حديث أبي إمامة مرفوعا عليك بالصوم فإنه لا مثل له لكن يعكر على هذا الحديث الصحيح واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة رابعها الإضافة إضافة تشريف وتعظيم كما يقال بيت الله وأن كانت البيوت كلها لله قال الزين بن(1/155)
المنير التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه الا التعظيم والتشريف خامسها أن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب جل جلاله فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته إضافه إليه وقال القرطبي معناه أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم الا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق كأنه يقول أن الصائم يتقرب إلى بأمر هو متعلق بصفة من صفاتى سادسها أن المعنى كذلك لكن بالنسبة إلى الملائكة لأن ذلك من صفاتهم سابعها أنه خالص لله وليس للعبد فيه حظ قاله الخطابي هكذا نقله عياض وغيره فإن أراد بالحظ ما يحصل من الثناء عليه لأجل العبادة رجع إلى المعنى الأول وقد أفصح بذلك بن الجوزي فقال المعنى ليس لنفس الصائم فيه حظ بخلاف غيره فإن له فيه حظا لثناء الناس عليه لعبادته ثامنها سبب الإضافة إلى الله أن الصيام لم يعبد به غير الله بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك واعترض على هذا بما يقع من عباد النجوم وأصحاب الهياكل والاستخدامات فإنهم يتعبدون لها بالصيام وأجيب بأنهم لا يعتقدون الهية الكواكب وإنما يعتقدون أنها فعالة بانفسها وهذا الجواب عندي ليس بطائل لأنهم طائفتان إحداهما كانت تعتقد الهية الكواكب وهم من كان قبل ظهور الإسلام واستمر منهم من استمر على كفره والأخرى من دخل منهم في الإسلام واستمر على تعظيم الكواكب وهو الذين اشير إليهم تاسعها أن جميع العبادات توفي منها مظالم العباد الا الصيام روى ذلك البيهقي من طريق إسحاق بن أيوب بن حسان الواسطي عن أبيه عن بن عيينة قال إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدى ما عليه من المظالم من عمله حتى لا يبقى له الا الصوم فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة قال القرطبي قد كنت استحسنت هذا الجواب إلى أن فكرت في حديث المقاصة فوجدت فيه ذكر الصوم في جملة الأعمال حيث قال المفلس الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وضرب(1/156)
هذا وأكل مال هذا الحديث وفيه فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار فظاهره أن الصيام مشترك مع بقية الأعمال في ذلك قلت أن ثبت قول بن عيينة أمكن تخصيص الصيام من ذلك فقد يستدل له بما رواه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رفعه كل العمل كفارة الا الصوم الصوم لي وأنا أجزى به وكذا رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن محمد بن زياد ولفظه : قال ربكم تبارك وتعالى كل العمل كفارة الا الصوم ورواه قاسم بن أصبغ من طريق أخرى عن شعبة بلفظ كل ما يعمله بن آدم كفارة له الا الصوم وقد أخرجه المصنف في التوحيد عن آدم عن شعبة بلفظ يرويه عن ربكم قال لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزى به فحذف الاستثناء وكذا رواه أحمد عن غندر عن شعبة لكن قال كل العمل كفارة وهذا يخالف رواية آدم لأن معناها أن لكل عمل من المعاصي كفارة من الطاعات ومعنى رواية غندر كل عمل من الطاعات كفارة للمعاصى وقد بين الإسماعيلي الاختلاف فيه في ذلك على شعبة وأخرجه من طريق غندر بذكر الاستثناء فاختلف فيه أيضا على غندر والاستثناء المذكور ويشهد لما ذهب إليه بن عيينة لكنه وأن كان صحيح السند فإنه يعارضه حديث حذيفة فتنة الرجل في أهله وماله وولده يكفرها الصلاة والصيام والصدقة لعل هذا هو السر في تعقيب البخاري لحديث الباب بباب الصوم كفارة وأورد فيه حديث حذيفة وسأذكر وجه الجمع بينهما في الكلام على الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى عاشرها أن الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظه كما تكتب سائر الأعمال واستند قائله إلى حديث واه جدا أورده بن العربي في المسلسلات ولفظه قال الله الإخلاص سر من سري استودعته قلب من أحب لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ويكفى في رد هذا القول الحديث الصحيح في كتابة الحسنة لمن هم بها وأن لم يعملها فهذا ما وقفت عليه من الأجوبة(1/157)
وقد بلغني أن بعض العلماء بلغها إلى أكثر من هذا وهو الطالقاني في حظائر القدس له ولم اقف عليه واتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا ونقل بن العربي عن بعض الزهاد أنه مخصوص بصيام خواص الخواص فقال أن الصوم على أربعة أنواع صيام العوام وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع وصيام خواص العوام وهو هذا مع اجتناب المحرمات من قول أو فعل وصيام الخواص وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته وصيام خواص الخواص وهو الصوم عن غير الله فلا فطر لهم إلى يوم القيامة وهذا مقام عال لكن في حصر المراد من الحديث في هذا النوع نظر لا يخفى وأقرب الأجوبة التي ذكرتها إلى الصواب الأول والثاني ويقرب منهما الثامن والتاسع وقال البيضاوي في الكلام على رواية الأعمش عن أبي صالح التي بينتها قبل لما أراد بالعمل الحسنات وضع الحسنة في الخبر موضع الضمير الراجع إلى المبتدأ وقوله الا الصيام مستثنى من كلام غير محكى دل عليه ما قبله والمعنى أن الحسنات يضاعف جزاؤها من عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف الا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدرثوابه لا يقدر قدره ولا يحصيه الا الله تعالى ولذلك يتولى الله جزاءه بنفسه ولا يكله إلى غيره قال والسبب في اختصاص الصوم بهذه المزية أمران أحدهما أن سائر العبادات مما يطلع العباد عليه والصوم سر بين العبد وبين الله تعالى يفعله خالصا ويعامله به طالبا لرضاه وإلى ذلك الإشارة بقوله فإنه لي والآخر أن سائر الحسنات راجعة إلى صرف المال أو استعمال للبدن والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقصان وفيه الصبر على مضض الجوع والعطش وترك الشهوات وإلى ذلك أشار بقوله يدع شهوته من أجلي قال الطيبي وبيان هذا أن قوله يدع شهوته الخ جملة مستانفة وقعت موقع البيان لموجب الحكم المذكور وأما قول البيضاوي أن الاستثناء من كلام غير محكى ففيه نظر فقد يقال هو مستثنى من كل عمل وهو مروي عن الله لقوله في اثناء(1/158)
الحديث قال الله تعالى ولما لم يذكره في صدر الكلام أورده في اثنائه بيانا وفائدته تفخيم شان الكلام وأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وقوله والحسنة بعشرة أمثالها كذا وقع مختصرا عند البخاري وقد تقدمت البيان بأنه وقع في الموطأ تاما وقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق القعنبي شيخ البخاري فيه فقال بعد قوله وأنا أجزى به كل حسنة يعملها بن آدم بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف الا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به فأعاد قوله وأنا أجزى به في آخر الكلام تاكيدا وفيه إشارة إلى الوجه الثاني ووقع في رواية أبي صالح عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث للصائم فرحتان يفرحهما .
قوله فيه ولا يصخب كذا للأكثر بالمهملة الساكنة بعدها خاء معجمة ولبعضهم بالسين بدل الصاد وهو بمعناه والصخب الخصام والصياح وقد تقدم أن المراد بالنهى عن ذلك تاكيده حالة الصوم وإلا فغير الصائم منهى عن ذلك أيضا قوله لخلوف كذا للأكثر وللكشميهني لخلف بحذف الواو كأنها صيغة جمع ويروي في غير البخاري بلفظ لخفة على الوحدة كتمر وتمرة قوله للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح زاد مسلم بفطره وقوله يفرحهما أصله يفرح بهما فحذف الجار ووصل الضمير كقوله صام رمضان أي فيه قال القرطبي معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث ابيح له الفطر وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم وقيل أن فرحه بفطره وإنما هو من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه قلت ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك فمنهم من يكون فرحه مباحا وهو الطبيعى ومنهم من يكون مستحبا وهو من يكون سببه شيء مما ذكره قوله وإذا لقي ربه فرح بصومه أي بجزائه وثوابه وقيل الفرح الذي عند لقاء ربه أما لسروره بربه أو بثواب ربه على الاحتمالين قلت والثاني أظهر إذ لا ينحصر الأول في الصوم بل يفرح حينئذ بقبول صومه وترتب الجزاء الوافر عليه.(1/159)
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
باب فضل الصيام
*وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التّجِيبِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: كُلّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاّ الصَوْمُ. هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلْفَةُ فَمِ الصّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللّهُ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ".
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ (وَهُوَ الْحِزَامِيّ) عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الصّيَامُ جُنّةٌ".
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزّيّاتِ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهُ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: كُلّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاّ الصّيَامَ فَإِنّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. وَالصّيَامُ جُنّةٌ. فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَسْخَبْ. فَإِنْ سَابّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللّهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. وَلِلصّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُما. إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ. وَإِذَا لَقِيَ رَبّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ.(1/160)
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَ وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ(وَاللّفْظُ لَهُ) حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ. الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَىَ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: إِلاّ الصّوْمَ. فَإِنّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. لِلصّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَقُولُ: إِنّ الصّوْمَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. إِنّ لِلصّائِمِ فَرْحَتَيْنِ: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ. وَإِذَا لَقِيَ اللّهَ فَرِحَ. وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدُ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ".
وحدّثنيهِ إِسْحَقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ الْهُذَلِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) حَدّثَنَا ضِرَارُ ابْنُ مَرّةَ (وَهُوَ أَبُو سِنَانٍ) بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: وَقَالَ "إِذَا لَقِيَ اللّهَ فَجَزَاهُ، فَرِحَ".(1/161)
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ (وَهُوَ الْقَطَوَانِيّ) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ. حَدّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ فِي الْجَنّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الرّيّانُ. يَدْخُلُ مِنْهُ الصّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لاَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ. يُقَالُ: أَيْنَ الصّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ. فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ، أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ".(1/162)
قوله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به) اختلف العلماء في معناه مع كون جميع الطاعات لله تعالى، فقيل سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد أحد غير الله تعالى به، فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبوداً لهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك، وقيل لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه بخلاف الصلاة والحج والغزو والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة، وقيل لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ قاله الخطابي، قال: وقيل إن الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى، فتقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء، وقيل معناه أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه أو تضعيف حسناته وغيره من العبادات أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها، وقيل هي إضافة تشريف كقوله تعالى: {ناقة الله} مع أن العالم كله لله تعالى. وفي هذا الحديث بيان عظم فضل الصوم والحث إليه. وقوله تعالى: {وأنا أجزي به} بيان لعظم فضله وكثرة ثوابه لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء. قوله صلى الله عليه وسلم: "لخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة" وفي رواية: "لخلوف" هو بضم الخاء فيهما وهو تغير رائحة الفم، هذا هو الصواب فيه بضم الخاء كما ذكرناه، وهو الذي ذكره الخطابي وغيره من أهل الغريب وهو المعروف في كتب اللغة. وقال القاضي: الرواية الصحيحة بضم الخاء، قال: وكثير من الشيوخ يرويه بفتحها، قال الخطابي: وهو خطأ. قال القاضي: وحكي عن الفارسي فيه الفتح والضم. وقال أهل المشرق: يقولونه بالوجهين والصواب الضم، ويقال خلف فوه بفتح الخاء واللام يخلف بضم اللام وأخلف يخلف إذا تغير، وأما معنى الحديث فقال القاضي: قال المازري هذا مجاز واستعارة لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل(1/163)
إلى شيء فتستطيبه وتنفر من شيء فتستقذره والله تعالى متقدس عن ذلك، لكن جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعبر ذلك في الصوم لتقريبه من الله تعالى. قال القاضي: وقيل يجازيه الله تعالى به في الاَخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك، كما أن دم الشهيد يكون ريحه ريح المسك، وقيل يحصل لصاحبه من الثواب أكثر مما يحصل لصاحب المسك، وقيل رائحته عند ملائكة الله تعالى أطيب من رائحة المسك عندنا وإن كانت رائحة الخلوف عندنا خلافه، والأصح ما قاله الداوري من المغاربة، وقاله من قال من أصحابنا أن الخلوف أكثر ثواباً من المسك حيث ندب إليه في الجمع والأعياد ومجال الحديث والذكر وسائر مجامع الخير، واحتج أصحابنا بهذا الحديث على كراهة السواك للصائم بعد الزوال لأنه يزيل الخلوف الذي هذه صفته وفضيلته، وإن كان السواك فيه فضل أيضاً لأن فضيلة الخلوف أعظم، وقالوا كما أن دم الشهداء مشهود له بالطيب ويترك له غسل الشهيد مع أن غسل الميت واجب، فإذا ترك الواجب للمحافظة على بقاء الدم المشهود له بالطيب فترك السواك الذي ليس هو واجباً للمحافظة على بقاء الخلوف المشهود له بذلك أولى والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "الصيام جنة" هو بضم الجيم ومعناه سترة ومانع من الرفث والاَثام ومانع أيضاً من النار، ومنه المجن وهو الترس، ومنه الجن لاستتارهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا يرفث يومئذ ولا يسخب" هكذا هو هنا بالسين ويقال بالسين والصاد وهو الصياح وهو بمعنى الرواية الأخرى ولا يجهل ولا يرفث. قال القاضي: ورواه الطبري ولا يسخر بالراء قال: ومعناه صحيح لأن السخرية تكون بالقول والفعل وكله من الجهل، قلت: وهذه الرواية تصحيف وإن كان لها معنى. قوله صلى الله عليه وسلم: "وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" قال العلماء: أما فرحته عند لقاء ربه فبما يراه من جزائه وتذكر نعمة الله تعالى عليه بتوفيقه لذلك، وأما(1/164)
عند فطره فسببها تمام عبادته وسلامتها من المفسدات وما يرجوه من ثوابها. قوله: (حدثنا خالد بن مخلد القطواني) هو بفتح القاف والطاء، قال البخاري والكلاباذي: معناه البقال كأنهم نسبوه إلى بيع القطنية. قال القاضي: وقال الباجي هي قرية على باب الكوفة، قال: وقاله أبو ذر أيضاً، وفي تاريخ البخاري أن قطوان موضع.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد" هكذا وقع في بعض الأصول فإذا دخل آخرهم، وفي بعضها فإذا دخل أولهم، قال القاضي وغيره: وهو وهم والصواب آخرهم. وفي هذا الحديث فضيلة الصيام وكرامة الصائمين
ففيه نهي الصائم عن الرفث وهو السخف وفاحش الكلام، يقال رفث بفتح الفاء يرفث بضمها وكسرها ورفث بكسرها يرفث بفتحها رفثاً بسكون الفاء في المصدر ورفثاً بفتحها في الاسم ويقال أرفث رباعي حكاه القاضي، والجهل قريب من الرفث وهو خلاف الحكمة وخلاف الصواب من القول والفعل. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن امرؤ شاتمه أو قاتله" معناه شتمه معترضاً لمشاتمته، ومعنى قاتله نازعه ودافعه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "فليقل إني صائم إني صائم" هكذا هو مرتين، واختلفوا في معناه فقيل يقوله بلسانه جهراً يسمعه الشاتم والمقاتل فينزجر غالباً، وقيل لا يقوله بلسانه بل يحدث به نفسه ليمنعها من مشاتمته ومقاتلته ومقابلته ويحرص صومه عن المكدرات ولو جمع بين الأمرين كان حسناً. واعلم أن نهي الصائم عن الرفث والجهل والمخاصمة والمشاتمة ليس مختصاً به بل كل أحد مثله في أصل النهي عن ذلك لكن الصائم آكد والله أعلم
ــــــــــ جملة من مرويات أبي هريرة في الصيام ــــــــــــــــ
1حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:(1/165)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل إني صائم - مرتين - والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها).
ــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري
1/2حدثني يحيى بن بكير قال: حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني ابن أبي أنس، مولى التيميين، أن أباه حدثه: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين).
ــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري
1/3مسلم بن إبراهيم: حدثنا هشام: حدثنا يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
ــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري
1/4حدثنا آدم بن أبي إياس: حدثنا ابن أبي ذئب: حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
ــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري
1/5 حدثنا إبراهيم بن موسى: أخبرنا هشام بن يوسف، عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء، عن أبي صالح الزيات: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول:(1/166)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه).
ــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري
1/6 آدم: حدثنا شعبة: حدثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول:
قال النبي صلى الله عليه وسلم، أو قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين).
ــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري
1/7مسلم بن إبراهيم: حدثنا هشام: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم ... ). ــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري
1/8حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني حميد بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:(1/167)
بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: (مالك). قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تجد رقبة تعتقها). قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين). قال: لا. فقال: (فهل تجد إطعام ستين مسكينا). قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم. فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، والعرق المكتل، قال: (أين السائل). فقال: أنا. قال: (خذ هذا فتصدق به). فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟. فوالله ما بين لابتيها، يريد الحرتين، أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: (أطعمه أهلك).
ــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري
***حدثنا الحسن بن عليّ، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري بهذا الحديث بمعناه، زاد الجوهري:
وإنما كان هذا رخصة له خاصة، فلو أنَّ رجلاً فعل ذلك اليوم لم يكن له بُدٌّ من التكفير.
قال أبو داود: رواه الليث بن سعد والأوزاعي ومنصور بن المعتمر وعراك بن مالك، على معنى ابن عيينة، زاد فيه الأوزاعي: "واستغفر اللّه".
... ... ... ... ... ... ... ... ... سنن ابي داود
1/10أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني أبو سلمة ابن عبد الرحمن: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله، قال: (وأيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقين). فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يوما، ثم يوما، ثم رأوا الهلال، فقال: (لو تأخر لزدتكم). كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري
1/11 - حدثنا يحيى: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه،(1/168)
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والوصال). مرتين، قيل: إنك تواصل، قال: (إني أبيت يطعمني ربي ويسقين، فاكلفوا من العمل ما تطيقون).
ــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري
1/12حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرمضان: (من قامه إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه).
ــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري
1/13حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان قال: حفظناه، وإنما حفظ من الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
ــــــــــــــــــــــــــــــ صحيح البخاري
1/14 حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر. قالوا: حدثنا إسماعيل (وهو ابن جعفر) عن أبي سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين".
ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح مسلم
2/1وحدثني حرملة بن يحيى. أخبرنا ابن وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن ابن أبي أنس ؛ أن أباه حدثه ؛ أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين".
ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح مسلم
2/2 وحدثني زهير بن حرب وإسحاق. قال زهير: حدثنا جرير عن عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إياكم والوصال". قالوا: فإنك تواصل، يا رسول الله ! قال : "إنكم لستم في ذلك مثلى. إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون".(1/169)
2/3 وحدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا المغيرة عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. بمثله. غير أنه قال "فاكلفوا مالكم به طاقة".
ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح مسلم
2/4 وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش. ح وحدثنا زهير بن حرب. حدثنا جرير عن الأعمش. ح وحدثنا أبو سعيد الأشج (واللفظ له) حدثنا وكيع. حدثنا الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلا سبعمائة ضعف. قال الله عز وجل: إلا الصوم. فإنه لي وأنا أجزي به. يدع شهوته وطعامه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك".
ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح مسلم
2/5 حدثني قتيبة بن سعيد. حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر، عن حميد بن عبدالرحمن الحميري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم. وأفضل الصلاة، بعد الفريضة، صلاة الليل".
ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح مسلم
حدثنا أبو الطاهر وحرملة بن يحيى. قالا: أخبرنا ابن وهب . أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبى هريرة رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أريت ليلة القدر. ثم أيقظني بعض أهلي. فنسيتها. فالتمسوها في العشر الغوابر". وقال حرملة "فنسيتها
ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح مسلم
حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء بن كريب أخبرنا أبو بكر ابن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:(1/170)
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر. ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة".
ــــــــــــــــــــــــــــ صحيح مسلم
1/1حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:
- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة ويقول: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر كذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر بن الخطاب على ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ سنن الترمذي
أخبرنا علي بن سعيد بن جرير نسائي قال حدثنا أبو الربيع قال حدثنا منصور بن أبي الأسود عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسحروا فإن في السحور بركة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ سنن الترمذي
أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال أخبرني أنس عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
-من صام يوما في سبيل الله عز وجل زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ سنن النسائي
أخبرنا إبراهيم بن يعقوب قال حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا سعيد بن عبد الرحمن قال أخبرني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوما في سبيل الله باعد الله عز وجل وجهه عن النار سبعين خريفا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ سنن النسائي
1/1حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن أيوب وحبيب وهشام، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال:(1/171)
جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يارسول اللّه، إني أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم فقال: "اللّه أطعمك وسقاك
... ... ... ... ... ... ... ... ... سنن ابي داود
27-حدثنا الحسن بن عليّ، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن همام بن منبِّهٍ أنه سمع أبا هريرة يقول:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لاتصوم امرأةٌ وبعلها شاهدٌ إلاَّ بإِذنه غير رمضان، ولا تأذن في بيته وهو شاهدٌ إلاَّ بإِذنه".
... ... ... ... ... ... ... ... ... سنن ابي داود
حدثنا هنَّاد، عن أبي بكر، عن أبي حَصِين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال:
كان النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم يعتكف كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العامُ الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً.
... ... ... ... ... ... ... ... ... سنن ابي داود
1/1حدثنا عمرو بن رافع. حدثنا عبد الله بن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة؛ قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع. ورب قائم ليس له من قيامه إلا السه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ابن ماجه
1/2-حدثنا علي بن محمد. حدثنا وكيع، عن سعدان الجهني، عن سعد أبي مجاهد الطائي ((وكان ثقة))، عن أبي مدلة ((وكان ثقة))، عن أبي هريرة؛ قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل. والصائم حتى يفطر. ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين))
ـــــــــــــــــــــــــــــــ سنن ابن ماجه
حدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنبأ موسى بن إسحاق الحنظلي ثنا أبي ثنا أنس بن عياض عن الحارث بن عبد الرحمن عن عمه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحدا وجهل عليك فقل إني صائم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه(1/172)
... ... ... ... ... ... ... المستدرك-الحاكم
أخبرنا محمد بن الحسن بن خليل حدثنا هشام بن عمار حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن عمه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصيام ليس من الأكل والشرب فقط إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم
... ... ... ... ... ... ... ... ابي حبان
أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا الوليد عن الأوزاعي حدثني قرة بن عبد الرحمن عن الزهرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى أحب عبادي الي أعجلهم فطرا
... ... ... ... ... ... ... ... ابي حبان
الجوهرة 15
حدثنا إسماعيل: حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
... ... البخاري - كتاب الاعتصام – باب 2 :الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
... ... مسلم - كتاب الحج – باب 73 :فرض الحج مرة في العمر
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/173)
قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس كما جزم به الحافظ أبو إسماعيل الهروي وذكر في كتابه ذم الكلام انه تفرد به عن مالك وتابعه على روايته عن مالك عبد الله بن وهب كذا قال وقد ذكر الدارقطني معهما إسحاق بن محمد الفروي وعبد العزيز الأويسي وهما من شيوخ البخاري وأخرجه عن غرائب مالك التي ليست في موطأ من طرق هؤلاء الأربعة ومن طريق أبي قرة موسى بن طارق ومن طريق الوليد بن مسلم ومن طريق محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة ثلاثتهم عن مالك أيضا فكملوا سبعة ولم يخرج البخاري الا في هذا الموضع من رواية مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وأخرجه مسلم من رواية المغيرة بن عبد الرحمن وسفيان وأبو عوانة من رواية ورقاء ثلاثتهم عن أبي الزناد ومسلم من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومن رواية همام بن منبه ومن رواية أبي صالح ومن رواية محمد بن زياد وأخرجه الترمذي من رواية أبي صالح كلهم عن أبي هريرة وسأذكر ما في روايتهم من فائدة زائدة قوله دعوني في رواية مسلم ذروني وهي بمعنى دعوني وذكر مسلم سبب هذا الحديث من رواية محمد بن زياد فقال عن أبي هريرة خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني ما تركتكم الحديث وأخرجه الدارقطني مختصرا وزاد فيه فنزلت يا {أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم} وله شاهد عن بن عباس عند الطبري في التفسير وفيه لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم فاتركوني ما تركتكم الحديث وفيه فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم }الآية وسيأتي بسط القول فيما يتعلق بالسؤال في الباب الذي يليه ان شاء الله تعالى قوله ما تركتكم أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء وانما غاير بين(1/174)
اللفظين لأنهم أماتوا الفعل الماضي واسم الفاعل منهما واسم مفعولهما وأثبتوا الفعل المضارع وهو يذر وفعل الأمر وهو ذر ومثله دع ويدع ولكن سمع ودع كما قرئ به في الشاذ في قوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى قرأ بذلك إبراهيم بن أبي عبلة وطائفة وقال الشاعر
ونحن ودعنا آل عمرو بن عامر
فرائس أطراف المثقفة السمر ويحتمل ان يكون ذكر ذلك على سبيل التفنن في العبارة الا لقال اتركوني والمراد بهذا الأمر ترك السؤال عن شيء لم يقع خشية أن ينزل به وجوبه أو تحريمه وعن كثرة السؤال لما فيه غالبا من التعنت وخشية أن تقع الإجابة بأمر يستثقل فقد يؤدي لترك الامتثال فتقع المخالفة قال بن فرج معنى قوله ذروني ما تركتكم لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظهر ولو كانت صالحة لغيره كما أن قوله حجوا وان كان صالحا للتكرار فينبغي ان يكتفى بما يصدق عليه اللفظ وهو المرة فان الأصل عدم الزيادة ولا تكثروا التنقيب عن ذلك لأنه قد يفضي الى مثل ما وقع لبني إسرائيل إذا أمروا ان يذبحوا البقرة فلو ذبحوا أي بقرة كانت لامتثلوا ولكنهم شددوا فشدد عليهم وبهذا تظهر مناسبة قوله فانما هلك من كان قبلكم الى آخره بقوله ذروني ما تركتكم وقد أخرج البزار وابن أبي حاتم في تفسيره من طريق أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعا لو اعترض بنو إسرائيل أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم وفي السند عباد بن منصور وحديثه من قبيل الحسن وأورده الطبري عن بن عباس موقوفا عن أبي العالية مقطوعا واستدل به على ان لا حكم قبل ورود الشرع وان الأصل في الأشياء عدم الوجوب قوله فانما أهلك بفتحات وقال بعد ذلك سؤالهم بالرفع على انه فاعل أهلك وفي رواية غير الكشميهني أهلك بضم أوله وكسر اللام وقال بعد ذلك بسؤالهم أي بسبب سؤالهم وقوله واختلافهم بالرفع وبالجر على الوجهين ووقع في رواية همام عند أحمد بلفظ فانما هلك وفيه بسؤالهم ويتعين الجر في واختلافهم(1/175)
وفي رواية الزهري فانما هلك وفيه سؤالهم ويتعين الرفع في واختلافهم وأما قول النووي في أربعينه واختلافهم برفع الفاء لا بكسرها فإنه باعتبار الرواية التي ذكرها وهي التي من طريق الزهري قوله فاذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه في رواية محمد بن زياد فانتهوا عنه هكذا رأيت هذا الأمر على تلك المقدمة والمناسبة فيه ظاهرة ووقع في أول رواية الزهري المشار إليها ما نهيتكم عنه فاجتنبوه فاقتصر عليها النووي في الأربعين وعزا الحديث للبخاري ومسلم فتشاغل بعض شراح الأربعين بمناسبة تقديم النهي على ما عداه ولم يعلم ان ذلك من تصرف الرواة وان اللفظ الذي أورده البخاري هنا أرجح من حيث الصناعة الحديثية لأنهما اتفقا على إخراج طريق أبي الزناد دون طريق الزهري وان كان سند الزهري مما عد في أصح الأسانيد فان سند أبي الزناد أيضا مما عد فيها فاستويا وزادت رواية أبي الزناد اتفاق الشيخين وظن القاضي تاج الدين في شرح المختصر ان الشيخين اتفقا على هذا اللفظ فقال بعد قول بن الحاجب الندب أي احتج من قال ان الأمر للندب بقوله إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم فقال الشارح رواه البخاري ومسلم ولفظهما وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم وهذا انما هو لفظ مسلم وحده ولكنه اغتر بما ساقه النووي في الأربعين ثم ان هذا النهي عام في جميع المناهي ويستثنى ما يكره المكلف على فعله كشرب الخمر وهذا على رأي الجمهور وخالف قوم فتمسكوا بالعموم فقالوا الإكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها والصحيح عدم المؤاخذة إذا وجدت صورة الإكراه المعتبرة واستثنى بعض الشافعية من ذلك الزنا فقال لا يتصور الإكراه عليه وكأنه أراد التمادي فيه والا فلا مانع ان ينعظ الرجل بغير سبب فيكره على الايلاج حينئذ فيولج في الأجنبيه فان مثل ذلك ليس بمحال ولو فعله مختارا لكان زانيا فتصور الإكراه على الزنا واستدل به من قال لا يجوز التداوي بشيء محرم كالخمر ولا دفع العطش به ولا اساغة لقمة(1/176)
من غص به والصحيح عند الشافعية جواز الثالث حفظا للنفس فصار كأكل الميتة لمن اضطر بخلاف التداوي فإنه ثبت النهي عنه نصا ففي مسلم عن وائل رفعه انه ليس بدواء ولكنه داء ولأبي داود عن أبي الدرداء رفعه ولا تداووا بحرام وله عن أم سلمة مرفوعا ان الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها وأما العطش فإنه لا ينقطع بشربها ولأنه في معنى التداوي والله اعلم والتحقيق أن الأمر باجتناب المنهي على عمومه ما لم يعارضه اذن في ارتكاب منهي كأكل الميتة للمضطر وقال الفاكهاني لا يتصور امتثال اجتناب المنهي حتى يترك جميعه فلو اجتنب بعضه لم يعد ممتثلا بخلاف الأمر يعني المطلق فان من أتى بأقل ما يصدق عليه الاسم كان ممتثلا انتهى ملخصا وقد أجاب هنا بن فرج بأن النهي يقتضي الأمر فلا يكن ممتثلا لمقتضى النهي حتى لا يفعل واحدا من آحاد ما يتناوله النهي بخلاف الأمر فإنه على عكسه ومن ثم نشأ الخلاف هل الأمر بالشيء نهي عن ضده وبان النهي عن الشيء أمر بضده قوله وإذا أمرتكم بشيء في رواية مسلم بأمر فأتوا منه ما استطعتم أي افعلوا قدر استطاعتكم ووقع في رواية الزهري وما أمرتكم به وفي رواية همام المشار إليها وإذا امرتكم بالأمر فأتمروا ما استطعتم وفي رواية محمد بن زياد فافعلوا قال النووي هذا من جوامع الكلم وقواعد الإسلام ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة واخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والامساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في اثناء النهار الى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها وقال غيره فيه ان من عجز عن بعض الأمور لا يسقط عنه المقدور وعبر عنه بعض الفقهاء بأن الميسور لا يسقط بالمعسور كما لا يسقط ما قدر عليه من أركان الصلاة بالعجز عن غيره وتصح توبة الأعمى عن النظر المحرم والمجبوب عن الزنا لأن الأعمى والمجبوب قادران على الندم فلا يسقط(1/177)
عنهما بعجزهما عن العزم على عدم العود إذ لا يتصور منهما العود عادة فلا معنى للعزم على عدمه واستدل به على أن من أمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور انه يسقط عنه ما عجز عنه وبذلك استدل المزني على ان ما وجب اداؤه لا يجب قضاؤه ومن ثم كان الصحيح ان القضاء بأمر جديد واستدل بهذا الحديث على ان اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه اطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بقدر الطاقة وهذا منقول عن الامام أحمد فان قيل ان الاستطاعة معتبرة في النهي أيضا إذ لا يكلف الله نفسا الا وسعها فجوابه ان الاستطاعة تطلق باعتبارين كذا قيل والذي يظهر ان التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدل على المدعي من الاعتناء به بل هو من جهة الكف إذ كل أحد قادر على الكف لو لا داعية الشهوة مثلا فلا يتصور عدم الاستطاعة عن الكف بل كل مكلف قادر على الترك بخلاف الفعل فان العجز عن تعاطيه محسوس فمن ثم قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي وعبر الطوفي في هذا الموضع بان ترك المنهي عنه عبارة عن استصحاب حال عدمه أو الاستمرار على عدمه وفعل المأمور به عبارة عن إخراجه من العدم الى الوجود وقد نوزع بأن القدرة على استصحاب عدم المنهي عنه قد تتخلف واستدل له بجواز أكل المضطر الميتة وأجيب بان النهي في هذا عارضه الإذن بالتناول في تلك الحالة وقال بن فرج في شرح الأربعين قوله فاجتنبوه هو على إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة وشرب الخمر عند الإكراه والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان كما نطق به القرآن انتهى والتحقيق ان المكلف في ذلك كله ليس منهيا في تلك الحال وأجاب الماوردي بان الكف عن المعاصي ترك وهو سهل وعمل الطاعة فعل وهو يشق فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنه ترك والترك لا يعجز المعذور عنه وأباح ترك العمل بالعذر لأن العمل قد يعجز المعذور عنه(1/178)
وادعى بعضهم ان قوله تعالى{ فاتقوا الله ما استطعتم }يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهي وقد قيد بالاستطاعة واستويا فحينئذ يكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الأمر دون النهي ان العجز يكثر تصوره في الأمر بخلاف النهي فان تصور العجز فيه محصور في الاضطرار وزعم بعضهم ان قوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } نسخ بقوله تعالى { فاتقوا الله حق تقاته }والصحيح ان لا نسخ بل المراد بحق تقاته امتثال أمره واجتناب نهيه مع القدرة لا مع العجز واستدل به على أن المكروه يجب اجتنابه لعموم الأمر باجتناب المنهي عنه فشمل الواجب والمندوب وأجيب بأن قوله فاجتنبوه يعمل به في الإيجاب والندب بالاعتبارين ويجيء مثل هذا السؤال وجوابه في الجانب الآخر وهو الأمر وقال الفاكهاني النهي يكون تارة مع المانع من النقيض وهو المحرم وتارة لا معه وهو المكروه وظاهر الحديث يتناولهما واستدل به على ان المباح ليس مأمورا به لأن التأكيد في الفعل انما يناسب الواجب والمندوب وكذا عكسه وأجيب بان من قال المباح مأمور به لم يرد الأمر بمعنى الطلب وانما أراد بالمعنى الأعم وهو الإذن واستدل به على ان الأمر لا يقتضي التكرار ولا عدمه وقيل يقتضيه وقيل يتوقف فيما زاد على مرة وحديث الباب قد يتمسك به لذلك لما في سببه ان السائل قال في الحج أكل عام فلو كان مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه لم يحسن السؤال ولا العناية بالجواب وقد يقال انما سأل استظهارا و احتياطا وقال المازري يحتمل ان يقال ان التكرار انما احتمل من جهة ان الحج في اللغة قصد فيه تكرار فاحتمل عند السائل التكرار من جهة اللغة لا من صيغة الأمر وقد تمسك به من قال بايجاب العمرة لأن الأمر بالحج إذا كان معناه تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق وقد ثبت في الإجماع ان الحج لا يجب الا مرة فيكون العود اليه مرة أخرى دالا على وجوب العمرة واستدل به على ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في(1/179)
الأحكام لقوله ولو قلت نعم لوجبت وأجاب من منع باحتمال ان يكون أوحي اليه ذلك في الحال واستدل به على ان جميع الأشياء على الإباحة حتى يثبت المنع من قبل الشارع واستدل به على النهي عن كثرة المسائل والتعمق في ذلك قال البغوي في شرح السنة المسائل على وجهين أحدهما ما كان على وجه التعليم لما يحتاج اليه من أمر الدين فهو جائز بل مأمور به لقوله تعالى{ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا اعلمون} وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما ثانيهما ما كان على وجه التعنت والتكلف وهو المراد في هذا الحديث والله اعلم ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك وذم السلف فعند أحمد من حديث معاوية ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات قال الأوزاعي هي شداد المسائل وقال الأوزاعي أيضا ان الله إذا أراد ان يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط فلقد رأيتهم أقل الناس علما وقال بن وهب سمعت مالكا يقول المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل وقال بن العربي كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية ان ينزل ما يشق عليهم فاما بعد فقد أمن ذلك لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع قال وانه لمكروه إن لم يكن حراما الا للعلماء فانهم فرعوا ومهدوا فنفع الله من بعدهم بذلك ولا سيما مع ذهاب العلماء ودروس العلم انتهى ملخصا وينبغي ان يكون محل الكراهة للعالم إذا شغله ذلك عما هو أعم منه وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجردا عما يندر ولا سيما في المختصرات ليسهل تناوله والله المستعان وفي الحديث إشارة الى الاشتغال بالأهم المحتاج اليه عاجلا عما لا يحتاج اليه في الحال فكأنه قال عليكم بفعل الأوامر واجتناب النواهي فاجعلوا اشتغالكم بها عوضا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع فينبغي للمسلم ان يبحث عما جاء عن الله ورسوله ثم يجتهد في تفهم ذلك والوقوف على المراد به ثم يتشاغل بالعمل به فان كان من(1/180)
العلميات يتشاغل بتصديقه واعتقاد حقيته وان كان من العمليات بذل وسعه في القيام به فعلا وتركا فان وجد وقتا زائدا على ذلك فلا بأس بأن يصرفه في الاشتغال بتعرف حكم ما سيقع على قصد العمل به ان لو وقع فاما ان كانت الهمة مصروفة عند سماع الأمر والنهي الى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع مع الاعراض عن القيام بمقتضى ما سمع فان هذا مما يدخل في النهي فالتفقه في الدين انما يحمد إذا كان للعمل لا للمراء والجدال وسيأتي بسط ذلك قريبا ان شاء الله تعالى(1/181)
قوله باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى{لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم }كأنه يريد ان يستدل بالآية على المدعي من الكراهة وهو مصير منه الى ترجيح بعض ما جاء في تفسيرها وقد ذكرت الاختلاف في سبب نزولها في تفسير سورة المائدة وترجيح بن المنير انه في كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن وصنيع البخاري يقتضيه والأحاديث التي ساقها في الباب تؤيده وقد اشتد إنكار جماعة من الفقهاء ذلك منهم القاضي أبو بكر بن العربي فقال اعتقد قوم من الغافلين منع السؤال عن النوازل الى ان تقع تعلقا بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المسئلة في جوابه ومسائل النوازل ليست كذلك انتهى وهو كما قال لأن ظاهرها اختصاص ذلك بزمان نزول الوحي ويؤيده حديث سعد الذي صدر به المصنف الباب من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته فان مثل ذلك قد أمن وقوعه ويدخل في معنى حديث سعد ما أخرجه البزار وقال سنده صالح وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء رفعه ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فان الله لم يكن ينسى شيئا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا وأخرج الدارقطني من حديث أبي ثعلبة رفعه ان الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها وله شاهد من حديث سلمان أخرجه الترمذي وآخر من حديث بن عباس أخرجه أبو داود وقد أخرج مسلم وأصله في البخاري كما تقدم في كتاب العلم من طريق ثابت عن أنس قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء وكان يعجبنا ان يجيء الرجل الغافل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع فذكر الحديث ومضى في قصة اللعان من حديث بن عمر فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ولمسلم عن النواس بن سمعان قال أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة بالمدينة ما يمنعني من الهجرة(1/182)
الا المسألة كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ومراده انه قدم وافدا فاستمر بتلك الصورة ليحصل المسائل خشية أن يخرج من صفة الوفد الى استمرار الإقامة فيصير مهاجرا فيمتنع عليه السؤال وفيه إشارة الى ان المخاطب بالنهي عن السؤال غير الأعراب وفودا كانوا أو غيرهم وأخرج أحمد عن أبي امامة قال لما نزلت يا أيها الذي آمنوا لا تسألوا عن أشياء الآية كنا قد اتقينا أن نسأله صلى الله عليه وسلم فأتينا أعرابيا فرشوناه بردا وقلنا سل النبي صلى الله عليه وسلم ولأبي يعلى عن البراء ان كان ليأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشيء فأتهيب وان كنا لنتمنى الأعراب أي قدومهم ليسألوا فيسمعوهم أجوبة سؤالات الأعراب فيستفيدوها وأما ما ثبت في الأحاديث من أسئلة الصحابة فيحتمل ان يكون قبل نزول الآية ويحتمل ان النهي في الآية لا يتناول ما يحتاج اليه مما تقرر حكمه أو ما لهم بمعرفته حاجة راهنة كالسؤال عن الذبح بالقصب والسؤال عن وجوب طاعة الأمراء إذا امروا بغير طاعة والسؤال عن أحوال يوم القيامة وما قبلها من الملاحم والفتن والأسئلة التي في القرآن كسؤالهم عن الكلالة والخمر والميسر والقتال في الشهر الحرام واليتامى والمحيض والنساء والصيد وغير ذلك لكن الذين تعلقوا في بالآية في كراهية كثرة المسائل عما لم يقع أخذوه بطريق الإلحاق من جهة ان كثرة السؤال لما كانت سببا للتكليف بما يشق فحقها ان تجتنب وقد عقد الامام الدارمي في أوائل مسنده لذلك بابا وأورد فيه عن جماعة من الصحابة والتابعين آثارا كثيرة في ذلك منها عن بن عمر لا تسألوا عما لم يكن فاني سمعت عمر يلعن السائل عما لم يكن وعن عمر أحرج عليكم ان تسألوا عما لم يكن فان لنا فيما كان شغلا وعن زيد بن ثابت انه كان إذا سئل عن الشيء يقول كان هذا فان قيل لا قال دعوه حتى يكون وعن أبي بن كعب وعن عمار نحو ذلك وأخرج أبو داود في المراسيل من رواية(1/183)
يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة مرفوعا ومن طريق طاوس عن معاذ رفعه لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها فانكم ان تفعلوا لم يزل في المسلمين من إذا قال سدد أو وفق وان عجلتم تشتت بكم السبل وهما مرسلان يقوي بعض بعضا ومن وجه ثالث عن أشياخ الزبير بن سعيد مرفوعا لا يزال في أمتي من إذا سئل سدد و أرشد حتى عما يتساءلوا عما لم ينزل الحديث نحوه قال بعض الأئمة والتحقيق في ذلك ان البحث عما لا يوجد فيه نص على قسمين أحدهما ان يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على من تعين عليه من المجتهدين ثانيهما ان يدقق النظر في وجوه الفروق فيفرق بين متماثلين بفرق ليس له أثر في الشرع مع وجود وصف الجمع أو بالعكس بان يجمع بين متفرقين بوصف طردي مثلا فهذا الذي ذمه السلف وعليه ينطبق حديث بن مسعود رفعه هلك المتنطعون أخرجه مسلم فرأوا ان فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع وهي نادرة الوقوع جدا فيصرف فيها زمانا كان صرفه في غيرها أولى ولا سيما ان لزم من ذلك اغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح وعن مدة هذه الأمة الى أمثال ذلك مما لا يعرف الا بالنقل الصرف والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث وأشد من ذلك مما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة وسيأتي مثال ذلك في حديث أبي هريرة رفعه لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله وهو ثامن أحاديث هذا الباب وقال بعض الشراح ومثال التنطع في السؤال حتى يفضي بالمسئول الى الجواب بالمنع بعد أن يفتى بالاذن ان يسأل عن السلع التي توجد في الأسواق هل يكره شراؤها ممن هي في يده من قبل(1/184)
البحث عن مصيرها اليه أو لا فيجيبه بالجواز فان عاد فقال أخشى أن يكون من نهب أو غصب ويكون ذلك الوقت قد وقع شيء من ذلك في الجملة فيحتاج ان يجيبه بالمنع ويقيد ذلك ان ثبت شيء من ذلك حرم وان تردد كره أو كان خلاف الأولى ولو سكت السائل عن هذا التنطع لم يزد المفتي على جوابه بالجواز وإذا تقرر ذلك فمن يسد باب المسائل حتى فاته معرفة كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها فإنه يقل فهمه وعلمه ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها ولا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر ولا سيما ان كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة فإنه يذم فعله وهو عين الذي كرهه السلف ومن أمعن في البحث عن معاني كتاب الله محافظا على ما جاء في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه الذين شاهدوا التنزيل وحصل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه ومفهومه وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك مقتصرا على ما يصلح للحجة منها فإنه الذي يحمد وينتفع به وعلى ذلك يحمل عمل فقهاء الأمصار من التابعين فمن بعدهم حتى حدثت الطائفة الثانية فعارضتها الطائفة الأولى فكثر بينهم المراء والجدال وتولدت البغضاء وتسموا خصوما وهم من أهل دين واحد والواسط هو المعتدل من كل شيء والى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي فانما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فان الاختلاف يجر الى عدم الانقياد وهذا كله من حيث تقسيم المشتغلين بالعلم واما العمل بما ورد في الكتاب والسنة التشاغل به فقد وقع الكلام في أيهما أولى والانصاف ان يقال كلما زاد على ما هو في حق المكلف فرض عين فالناس فيه على قسمين من وجد في نفسه قوة على الفهم والتحرير فتشاغله بذلك أولى من اعراضه عنه وتشاغله بالعبادة لما فيه من النفع المتعدي ومن وجد في نفسه قصورا فاقباله على العبادة أولى لعسر اجتماع الأمرين فان الأول لو ترك العلم لأوشك أن يضيع بعض الأحكام باعراضه والثاني لو أقبل على(1/185)
العلم وترك العبادة فاته الأمران لعدم حصول الأول له واعراضه به عن الثاني والله الموفق ثم المذكور في الباب تسعة أحاديث بعضها يتعلق بكثرة المسائل وبعضها يتعلق بتكليف ما لا يعني السائل وبعضها بسبب نزول الآية الحديث الأول وهو يتعلق بالقسم الثاني وكذا الحديث الثاني والخامس.
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
*وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا الرّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرْشِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَيّهَا النّاسُ قَدْ فَرَضَ اللّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجّ فَحُجّوا" فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلّ عَامٍ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ فَسَكَتَ. حَتّىَ قَالَهَا ثَلاَثاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ. لَوَجَبَتْ. وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ". ثُمّ قَالَ: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ. فَإِنّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَىَ أَنْبِيَائِهِمْ. فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ".(1/186)
قوله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاث؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه هذا الرجل السائل هو الأقرع بن حابس كذا جاء مبيناً في غير هذه الرواية، واختلف الأصوليون في أن الأمر هل يقتضي التكرار والصحيح عند أصحابنا لا يقتضيه، والثاني يقتضيه، والثالث يتوقف فيما زاد على مرة على البيان فيريحكم باقتضائه ولا يمنعه، وهذا الحديث قد يستدل به من يقول بالتوقف لأنه سأل فقال أكل عام، ولو كان مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه لم يسأله ولقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا حاجة إلى السؤال بل مطلقه محمول على كذا، وقد يجيب الاَخرون عنه بأنه سأل استظهاراً واحتياطاً. وقوله: "ذروني ما تركتكم) ظاهر في أنه لا يقتضي التكرار، قال الماوردي: ويحتمل أنه إنما اشتمل التكرار عنده من وجه آخر لأن الحج في اللغة قصد فيه تكرر فاحتمل عنده التكرار من جهة إِلاشتقاق لا من مطلق الأمر، قال: وقد تعلق بما ذكرناه عن أهل اللغة ههنا من قال بإيجاب العمرة، وقال: لما كان قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} يقتضي تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق، وقد أجمعوا على أن الحج لا يجب إلا مرة كانت العودة الأخرى إلى البيت تقتضي كونها عمرة لأنه لا يجب قصده لغير حج وعمرة بأصل الشرع. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم لوجبت) ففيه دليل للمذهب الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يجتهد في الأحكام ولا يشترط في حكمه أن يكون بوحي وقيل يشترط، وهذا القائل يجيب عن هذا الحديث بأنه لعله أوحى إليه ذلك والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ذروني ما تركتكم) دليل على أن الأصل عدم الوجوب وأنه(1/187)
لا حكم قبل وزود الشرع، وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نعبث رسولاً}. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) هذا من قواعد الإسلام المهمة ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها، فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات أو فطرة جماعة من تلزمه نفقتهم أو نحو ذلك وأمكنه البعض فعل الممكن، وإذا وجد ما يستر بعض عورته أو حفظ بعض الفاتحة أتى بالممكن، وأشباه هذا غير منحصرة وهي مشهورة في كتب الفقه والمقصود التنبيه على أصل ذلك، وهذا الحديث موافق لقول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} وأما قوله تعالى: {اتقوا الله حق تقاته} ففيها مذهبان: أحدهما أنها منسوخة بقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} والثاني وهو الصحيح أو الصواب وبه جزم المحققون أنها ليست منسوخة بل قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} مفسرة لها ومبينة للمراد بها، قالوا: وحق تقاته هو امتثال أمره واجتناب نهيه ولم يأمر سبحانه وتعالى إلا بالمستطاع، قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}. وقال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) فهو على إطلاقه فإن وجد عذر يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة أو شرب الخمر عند الإكراه أو التلفظ بكلمة الكفر إذا أكره ونحو ذلك فهذا ليس منهياً عنه في هذا الحال والله أعلم. وأجمعت الأمة على أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة بأصل الشرع وقد تجب زيادة بالنذر، وكذا إذا أراد دخول الحرم لحاجة لا تكرر كزيارة وتجارة على مذهب من أوجب الإحرام لذلك بحج أو عمرة، وقد سبقت(1/188)
المسألة في أول كتاب الحج والله أعلم .
الجوهرة 16
حدثنا علي: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى).
... ... البخاري-كتاب 20 باب:1: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
... ... مسلم-كتاب الحج-باب95: لا تشد الرحال إلا إاى ثلاثة مساجد
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/189)
قوله أخبرني عبد الملك هو بن عمير كما وقع في رواية أبي ذر والأصيلي قوله عن قزعه بفتح القاف وكذا الزاي وحكى بن الأثير سكونها بعدها مهمله هو بن يحيى ويقال بن الأسود وسيأتي بعد خمسة أبواب في هذا الإسناد سمعت قزعه مولى زياد وهو هذا وزياد مولاه هو بن أبي سفيان الأمير المشهور ورواية عبد الملك بن عمير عنه من رواية الأقران لأنهما من طبقة واحدة قوله سمعت أبا سعيد أربعا أي يذكر أربعا أو سمعت منه أربعا أي أربع كلمات قوله وكان غزا القائل ذلك هو قزعة والمقول عنه أبو سعيد الخدري قوله ثنتي عشرة غزوة كذا اقتصر المؤلف على هذا القدر ولم يذكر من المتن شيئا وذكر بعده حديث أبي هريرة في شد الرحال فظن الداودي الشارح أن البخاري ساق الإسنادين لهذا المتن وفيه نظر لأن حديث أبي سعيد مشتمل على أربعة أشياء كما ذكر المصنف وحديث أبي هريرة مقتصر على شد الرحال فقط لكن لا يمنع الجمع بينهما في سياق واحد بناء على قاعدة البخاري في إجازة اختصار الحديث وقال بن رشيد لما كان أحد الأربع هو قوله لا تشد الرحال ذكر صدر الحديث إلى الموضع الذي يتلاقى فيه افتتاح أبي هريرة لحديث أبي سعيد فاقتطف الحديث وكأنه قصد بذلك الاغماض لينبه غير الحافظ على فائدة الحفظ على أنه ما اخلاه عن الإيضاح عن قرب فإنه ساقه بتمامه خامس ترجمه قوله وحدثنا على هو بن المديني وسفيان هو بن عيينة وسعيد هو بن المسيب ووقع عند البيهقي من وجه آخر عن علي بن المديني قال حدثنا بن سفيان مرة بهذا اللفظ وكان أكثر ما يحدث به بلفظ تشد الرحال قوله لا تشد الرحال بضم أوله بلفظ النفي والمراد النهي عن السفر إلى غيرها قال الطيبي هو أبلغ من صريح النهي كأنه قال لا يستقيم أن يقصد بالزياره الا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به والرحال بالمهمله جمع رحل وهو للبعير كالسرج للفرس وكنى بشد الرحال عن السفر لأنه لازمه وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر وإلا فلا فرق بين ركوب(1/190)
الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعنى المذكور ويدل عليه قوله في بعض طرقه إنما يسافر أخرجه مسلم من طريق عمران بن أبي أنس عن سليمان الأغر عن أبي هريرة قوله إلا الاستثناء مفرغ والتقدير لا تشد الرحال إلى موضع ولارمه منع السفر إلى كل موضع غيرها لأن المستثنى منه في المفرغ مقدر باعم العام لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص وهو المسجد كما سيأتي قوله المسجد الحرام أي المحرم وهو كقولهم الكتاب بمعنى المكتوب والمسجد بالخفض على البدليه ويجوز الرفع على الاستئناف والمراد به جميع الحرم وقيل يختص بالموضع الذي يصلي فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم قال الطبري ويتايد بقوله مسجدي هذا لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة فينبغي أن يكون المستثنى كذلك وقيل المراد به الكعبة حكاه المحب الطبري وذكر أنه يتأيد بما رواه النسائي بلفظ الا الكعبة وفيه نظر لأن الذي عند النسائي الا مسجد الكعبة حتى ولو سقطت لفظة مسجد لكانت مرادة ويؤيد الأول ما رواه الطيالسي من طريق عطاء أنه قيل له هذا الفضل في المسجد وحده أو في الحرم قال بل في الحرم لأنه كله مسجد قوله ومسجد الرسول أي محمد صلى الله عليه وسلم وفي العدول عن مسجدي إشارة إلى التعظيم ويحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة ويؤيده قوله في حديث أبي سعيد الاتي قريبا ومسجدي قوله ومسجد الأقصى أي بيت المقدس وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة وقد جوزه الكوفيون واستشهدوا له بقوله تعالى وما كنت بجانب الغربي والبصريون يؤولونه بإضمار المكان أي الذي بجانب المكان الغربي ومسجد المكان الأقصى ونحو ذلك وسمي الأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافه وقيل في الزمان وفيه نظر لأنه ثبت في الصحيح أن بينهما أربعين سنة وسيأتي في ترجمة إبراهيم الخليل من أحاديث الأنبياء وبيان ما فيه من الاشكال والجواب عنه وقال الزمخشري سمي الأقصى لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد وقيل لبعده عن(1/191)
الاقذار والخبث وقيل هو أقصى بالنسبة إلى مسجد المدينة لأنه بعيد من مكة وبيت المقدس أبعد منه ولبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين منها إيلياء بالمد والقصر وبحذف الياء الأولى وعن بن عباس إدخال الألف واللام على هذا الثالث وبيت المقدس بسكون القاف وبفتحها مع التشديد والقدس بغير ميم مع ضم القاف وسكون الدال وبضمها أيضا وشلم بالمعجمه وتشديد اللام وبالمهمله وشلام بمعجمة وسلم بفتح المهمله وكسر اللام الخفيفه وأورى سلم بسكون الواو وبكسر الراء بعدها تحتانية ساكنه قال الأعشى وقد طفت للمال افاقه دمشق فحمص فاورى سلم ومن أسمائه كورة وبيت ايل وصهيون ومصروث آخره مثلثه وكورشيلا وبابوس بموحدتين ومعجمه وقد تتبع أكثر هذه الأسماء الحسين بن خالويه اللغوي في كتاب ليس وسيأتي ما يتعلق بمكة والمدينة في كتاب الحج وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء ولان الأول قبلة الناس واليه حجهم والثاني كان قبلة الأمم السالفه والثالث أسس علىالتقوى واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها فقال الشيخ أبو محمد الجويني يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر هذا الحديث وأشار القاضي حسين إلى اختياره وبه قال عياض وطائفة ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقال له لو ادركتك قبل أن تخرج ما خرجت واستدل بهذا الحديث فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ووافقه أبو هريرة والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم وأجابوا عن الحديث باجوبه منها أن المراد أن الفضيلة التامه إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها فإنه جائز وقد وقع في رواية لأحمد سيأتي ذكرها بلفظ لا ينبغي للمطي أن تعمل وهو لفظ ظاهر في غير التحريم ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة(1/192)
في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثه فإنه لا يجب الوفاء به قاله بن بطال وقال الخطابي اللفظ لفظ الخبر ومعناه الإيجاب فيما ينذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي يتبرك بها أي لا يلزم الوفاء بشيء من ذلك غير هذه المساجد الثلاثه ومنها أن المراد حكم المساجد فقظ وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثه وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب أو طلب علم أو تجارة أو نزهة فلا يدخل في النهي ويؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب قال سمعت أبا سعيد وذكرت عنده الصلاة في الطور فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي وشهر حسن الحديث وأن كان فيه بعض الضعف ومنها أن المراد قصدها بالاعتكاف فيما حكاه الخطابي عن بعض السلف أنه قال لا يعتكف في غيرها وهو أخص من الذي قبله ولم أر عليه دليلا واستدل به على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد لزمه ذلك وبه قال مالك وأحمد والشافعي والبويطي واختاره أبو إسحاق المروزي وقال أبو حنيفة لا يجب مطلقا وقال الشافعي في الأم يجب في المسجد الحرام لتعلق النسك به بخلاف المسجدين الاخيرين وهذا هو المنصور لأصحاب الشافعي وقال بن المنذر يجب إلى الحرمين وأما الأقصى فلا واستأنس بحديث جابر أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني نذرت أن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس قال صل ههنا وقال بن التين الحجة على الشافعي أن أعمال المطي إلى مسجد المدينة والمسجد الأقصى والصلاة فيهما قربة فوجب أن يلزم بالنذر كالمسجد الحرام انتهى وفيما يلزم من نذر إتيان هذه المساجد تفصيل وخلاف يطول ذكره محله كتب الفروع واستدل به على أن من نذر إتيان غير هذه المساجد الثلاثة لصلاة أو غيرها لم يلزمه غيرها لأنها لا فضل لبعضها على بعض فتكفي صلاته في أي مسجد كان قال النووي لا اختلاف في(1/193)
ذلك الا ما روى عن الليث أنه قال يجب الوفاء به وعن الحنابله رواية يلزمه كفارة يمين ولا ينعقد نذره وعن المالكية رواية أن تعقلت به عبادة تختص به كرباط لزم وإلا فلا وذكر عن محمد بن مسلمة المالكي أنه يلزم في مسجد قباء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه كل سبت كما سيأتي قال الكرماني وقع في هذه المساله في عصرنا في البلاد الشاميه مناظرات كثيرة وصنف فيها رسائل من الطرفين قلت يشير إلى ما رد به الشيخ تقي الدين السبكي وغيره على الشيخ تقي الدين بن تيميه وما انتصر به الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي وغيره لابن تيميه وهي مشهوره في بلادنا والحاصل إنهم الزموا بن تيميه بتحريم شد الرحل قال العلامة بن باز حفظه الله هذا اللازم لا بأس به وقد التزمه الشيخ وليس في ذلك بشاعة بحمد الله عند من عرف السنة ومواردها ومصادرها والأحاديث المروية في فضل زيادة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلها ضعيفة بل موضوعة كما حقق ذلك أبو العباس في منسكه وغيره ولو صحت لم يكن فيها حجة على جواز شد الرحال إلى زيادة قبره عليه الصلاة والسلام من دونه قصد المسجد بل تكون عامة مطلقة وأحاديث النهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة يخصها وبقيدها والشيخ لم ينكر زيادة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من دون شد الرحال وإنما أنكر شد الرحل من أجلها مجردا عن قصد المسجد فتنبه وافهم والله أعلم إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وانكرنا صورة ذلك وفي شرح ذلك من الطرفين طول وهي من ابشع المسائل المنقوله عن بن تيميه ومن جملة ما استدل به على دفع ما ادعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ما نقل عن مالك أنه كره أن يقول زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ ادبا لا أصل الزيارة فإنها من أفضل الأعمال واجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال وأن مشروعيتها محل إجماع بلا(1/194)
نزاع والله الهادي إلى الصواب قال بعض المحققين قوله الا إلى ثلاثة مساجد المستثنى منه محذوف فأما أن يقدر عاما فيصير لا تشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان الا إلى الثلاثه أو أخص من ذلك لا سبيل إلى الأول لافضائه إلى سد باب السفر للتجاره وصلة الرحم وطلب العلم وغيرها فتعين الثاني والأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة وهو لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه الا إلى الثلاثه فيبطل بذلك قول من منع شد الرحال إلى زيارة القبر الشريف وغيره من قبور الصالحين والله أعلم وقال السبكي الكبير ليس في الأرض بقعه لها فضل لذاتها حتى تشد الرحال إليها غير البلاد الثلاثه ومرادى بالفضل ما شهد الشرع باعتباره ورتب عليه حكما شرعيا وأما غيرها من البلاد فلا تشد إليها لذاتها بل لزيارة أو جهاد أو علم أو نحو ذلك من المندوبات أو المباحات قال وقد التبس ذلك على بعضهم فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة لمن في غير الثلاثه داخل في المنع وهو خطا لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه فمعنى الحديث لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد أو إلى مكان من الامكنه لأجل ذلك المكان الا إلى الثلاثه المذكورة وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المكان بل إلى من في ذلك المكان والله أعلم
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى(1/195)
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى) فيه بيان عظيم فضيلة هذه المساجد الثلاثة ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ولفضل الصلاة فيها، ولو نذر الذهاب إلى المسجد الحرام لزمه قصده لحج أو عمرة، ولو نذره إلى المسجدين الاَخرين فقولان للشافعي أصحهما عند أصحابه يستحب قصدهما ولا يجب والثاني يجب وبه قال كثيرون من العلماء، وأما باقي المساجد سوى الثلاثة فلا يجب قصدها بالنذر ولا ينعقد نذر قصدها، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا محمد بن مسلمة المالكي فقال: إذا نذر قصد مسجد قباء لزمه قصده لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه كل سبت راكباً وماشياً، وقال الليث بن سعد: يلزمه قصد ذلك المسجد أي مسجد كان، وعلى مذهب الجماهير لا ينعقد نذره ولا يلزمه شيء، وقال أحمد: يلزمه كفارة يمين. واختلف العلماء في شد الرحال واعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا هو حرام وهو الذي أشار القاضي عياض إلى اختياره، والصحيح عند أصحابنا وهو الذي اختاره إمام الحرمين والمحققون أنه لا يحرم ولا يكره، قالوا: والمراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه الثلاثة خاصة والله أعلم
الجوهرة 17
حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
ــــــــ البخاري –كتاب ألادب-باب 31:من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
------- مسلم –كتاب الايمان-باب19:الحث على إكرام الجار والضيف وقول الخير(1/196)
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
قوله أبو الأحوص هو سلام بالتشديد بن سليم وأبو حصين بفتح أوله هو عثمان بن عاصم وأبو صالح هو ذكوان قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر المراد بقوله يؤمن الإيمان الكامل وخصه بالله واليوم الآخر إشارة إلى المبدأ والمعاد أي من آمن بالله الذي خلقه وآمن بأنه سيجازيه بعمله فليفعل الخصال المذكورات قوله فلا يؤذ جاره في حديث أبي شريح فليكرم جاره وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة من طريق الأعمش عن أبي صالح بلفظ فليحسن إلى جاره وقد ورد تفسير الأكرام والإحسان للجار وترك أذاه في عدة أحاديث أخرجها الطبراني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ من حديث معاذ بن جبل قالوا يا رسول الله ما حق الجار على الجار قال إن استقرضك أقرضته وإن استعانك أعنته وإن مرض عدته وإن احتاج أعطيته وإن افتقر عدت عليه وإن أصابه خير هنيته وإن أصابته مصيبة عزيته وإذا مات اتبعت جنازته ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذيه بريح قدرك إلا أن تغرف له وإن اشتريت فاكهة فأهد له وإن لم تفعل فأدخلها سرا ولا تخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده وألفاظهم متقاوية والسياق أكثره لعمرو بن شعيب وفي حديث بهز بن حكيم وإن أعوز سترته وأسانيدهم واهية لكن اختلاف مخارجها يشعر بأن للحديث أصلا ثم الأمر بالإكرام يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فقد يكون فرض عين وقد يكون فرض كفاية وقد يكون مستحبا ويجمع الجميع أنه من مكارم الأخلاق قوله ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه زاد في حديث أبي شريح جائزته قال وما جائزته يا رسول الله قال يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام الحديث وسيأتي شرحه بعد نيف وخمسين بابا في باب إكرام الضيف إن شاء الله تعالى قوله ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو(1/197)
ليصمت بضم الميم ويجوز كسرها وهذا من جوامع الكلم لأن القول كله إما خير وإما شر وإما آيل إلى أحدهما فدخل في الخير كل مطلوب من الأقوال فرضها وندبها فأذن فيه على اختلاف أنواعه ودخل ما يؤول إليه وما عدا ذلك مما هو شر أو يئول إلى الشر فأمر عند إرادة الخوض فيه بالصمت وقد أخرج الطبراني والبيهقي في الزهد من حديث أبي أمامة نحو حديث الباب بلفظ فليقل خيرا ليغنم أو ليسكت عن شر ليسلم واشتمل حديث الباب من الطريقين على أمور ثلاثة تجمع مكارم الأخلاق الفعلية والقولية أما الأولان فمن الفعلية وأولهما يرجع إلى الأمر بالتخلي عن الرذيلة والثاني يرجع إلى الأمر بالتحلي بالفضيلة وحاصله من كان حامل الإيمان فهو متصف بالشفقة على خلق الله قولا بالخير وسكوتا عن الشر وفعلا لما ينفع أو تركا لما يضر وفي معنى الأمر بالصمت عدة أحاديث منها حديث أبي موسى وعبد الله بن عمرو بن العاص المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه وقد تقدما في كتاب الإيمان وللطبراني عن بن مسعود قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل فذكر فيها أن يسلم المسلمون من لسانك ولأحمد وصححه بن حبان من حديث البراء رفعه في ذكر أنواع من البر قال فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير وللترمذي من حديث بن عمر من صمت نجا وله من حديثه كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب وله من حديث سفيان الثقفي قلت يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي قال هذا وأشار إلى لسانه وللطبراني مثله من حديث الحارث بن هشام وفي حديث معاذ عند أحمد والترمذي والنسائي أخبرني بعمل يدخلني الجنة فذكر الوصية بطولها وفي آخرها ألا أخبرك بملاك ذلك كله كف عليك هذا وأشار إلى لسانه الحديث وللترمذي من حديث عقبة بن عامر قلت يا رسول الله ما النجاة قال أمسك عليك لسانك
... ... ... الحديث في صحسح الامام مسلم ... ... ... ... ...(1/198)
حدثني حرملة بن يحيى. أنبأنا ابن وهب. قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه".
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو الأحوص عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت".
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا عيسى بن يونس عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي حصين. غير أنه قال: "فليحسن إلى جاره
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ. عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ".(1/199)
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرا أَوْ لِيَسْكُتْ".
وحدّثنا إِسْحَقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا عِيسَىَ بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثِلِ حَدِيثِ أَبِي حَصِينٍ، غيْرَ أَنّهُ قَالَ "فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، جَمِيعا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو أَنّهُ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يُخْبِرُ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيّ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرا أَوْ لِيَسْكُتْ".(1/200)
قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فليقل خيرا أو ليصمت. ومن كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فليكرم جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فليكرم ضيفه) وفي الرواية الأخرى: "فلا يؤذي جاره" قال أهل اللغة: يقال صمت يصمت بضم الميم صمتا وصموتا وصماتا أي سكت، قال الجوهري: ويقال أصمت بمعنى صمت، والتصميت السكوت، والتصميت أيضا التسكيت. قال القاضي عياض رحمه الله: معنى الحديث أن من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره وضيفه وبرهما، وكل ذلك تعريف بحق الجار وحث على حفظه، وقد أوصى الله تعالى بالإحسان إليه في كتابه العزيز. وقال صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" والضيافة من آداب الإسلام وخلق النبيين والصالحين، وقد أوجبها الليث ليلة واحدة، واحتج بالحديث: "ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم" وبحديث عقبة: "إن نزلت بقوم فأمروا لكم بحق الضيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم" وعامة الفقهاء على أنها من مكارم الأخلاق، وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم: "جائزته يوم وليلة"والجائزة العطية والمنحة والصلة، وذلك لا يكون إلا مع الاختيار وقوله صلى الله عليه وسلم: "فليكرم وليحسن" يدل على هذا أيضا، إذ ليس يستعمل مثله في الواجب، مع أنه مضموم إلى الإكرام للجار والإحسان إليه وذلك غير واجب. وتأولوا الأحاديث أنها كانت في أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة، واختلفوا هل الضيافة على الحاضر والبادي أم على البادي خاصة؟ فذهب الشافعي رضي الله عنه ومحمد بن الحكم إلى أنها عليهما. وقال مالك وسحنون: إنما ذلك على أهل البوادي، لأن المسافر يجد في الحضر المنازل في الفنادق ومواضع النزول وما يشتري من المأكل في الأسواق. وقد جاء في حديث الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر، لكن هذا الحديث عند أهل المعرفة موضوع، وقد تتعين الضيافة لمن اجتاز(1/201)
محتاجا وخيف عليه، وعلى أهل الذمة إذا اشترطت عليهم، هذا كلام القاضي. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فليقل خيرا أو ليصمت" فمعناه أنه إذا أراد أن يتكلم فإن كان ما يتكلم به خيرا محققا يثاب عليه واجبا أو مندوبا فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام، سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوى الطرفين، فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورا بتركه مندوبا إلى الإمساك عنه مخافة من انجراره إلى المحرم أو المكروه، وهذا يقع في العادة كثيرا أو غالبا. وقد قال الله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} واختلف السلف والعلماء في أنه هل يكتب جميع ما يلفظ به العبد وإن كان مباحا لا ثواب فيه ولا عقاب لعموم الاَية؟ أم لا يكتب إلا ما فيه جزاء من ثواب أو عقاب؟ وإلى الثاني ذهب ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من العلماء، وعلى هذا تكون الاَية مخصوصة، أي ما يلفظ من قول يترتب عليه جزاء، وقد ندب الشرع إلى الإمساك عن كثير من المباحات لئلا ينجر صاحبها إلى المحرمات أو المكروهات. وقد أخذ الإمام الشافعي رضي الله عنه معنى الحديث فقال: إذا أراد أن يتكلم فليفكر، فإن ظهر له أنه لا ضرر عليه تكلم، وإن ظهر له فيه ضرر أو شك فيه أمسك. وقد قال الإمام الجليل أبو محمد عبد الله بن أبي زيد إمام المالكية بالمغرب في زمنه: جماع آداب الخير يتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فليقل خيرا أو ليصمت" وقوله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له الوصية: "لا تغضب" وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" والله أعلم. وروينا عن الأستاذ أبي القاسم القشيري رحمه الله قال: الصمت بسلامة وهو الأصل، والسكوت في وقته صفة الرجال، كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال. قال: وسمعت أبا علي(1/202)
الدقاق يقول: من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس. قال: فأما إيثار أصحاب المجاهدة السكوت، فلما علموا ما في الكلام من الاَفات، ثم ما فيه من حظ النفس وإظهار صفات المدح والميل إلى أن يتميز من بين أشكاله بحسن النطق، وغير هذا من الاَفات، وذلك نعت أرباب الرياضة، وهو أحد أركانهم في حكم المنازلة وتهذيب الخلق. وروينا عن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: من عد كلامه من عمله قل كلامه فيما لا يعنيه. وعن ذي النون رحمه الله: أصون الناس لنفسه أمسكهم للسانه، والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (فلا يؤذي جاره) فكذا وقع في الأصول يؤذي بالياء في آخره. وروينا في غير مسلم فلا يؤذ بحذفها وهما صحيحان، فحذفها للنهي وإثباتها على أنه خبر يراد به النهي فيكون أبلغ. ومنه قوله تعالى: {لا تضار والدة بولدها} على قراءة من رفع. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبيع أحدكم على بيع أخيه" ونظائره كثيره، والله أعلم. وأما أسانيد الباب فقال مسلم رحمه الله: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو الأحوص عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة، وهذا الإسناد كله كوفيون مكيون إلا أبا هريرة فإنه مدني. وقد تقدم بيان أسمائهم كلهم في مواضع. وحصين بفتح الحاء.
+
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ و قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ، جَمِيعا عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ أَيّوبَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلَ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَلاَءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ".(1/203)
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) البوائق جمع بائقة وهي الغائلة والداهية والفتك، وفي معنى: لا يدخل الجنة، جوابان يجريان في كل ما أشبه هذا أحدهما: أنه محمول على من يستحل الإيذاء مع علمه بتحريمه فهذا كافر لا يدخلها أصلاً. والثاني: معناه جزاؤه أن لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم بل يؤخر، ثم قد يجازى وقد يعفى عنه فيدخلها أو لا، وإنما تأولنا هذين التأويلين لأنا قدمنا أن مذهب أهل الحق أن من مات على التوحيد مصرا على الكبائر فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه فأدخله الجنة أولاً، وإن شاء عاقبه ثم أدخله الجنة. والله أعلم.
الجوهرة 18
حدثنا سليمان أبو الربيع قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: حدثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).
... ... ... البخاري-كتاب الايمان-باب 24: علامة المنافق
... ... ... مسلم-كتاب الايمان- باب 25: خصال المنافق
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/204)
قوله حدثنا سليمان أبو الربيع هو الزهراني بصري نزل بغداد ومن شيخه فصاعدا مدنيون نافع بن مالك هو عم مالك بن أنس الإمام قوله آية المنافق ثلاث الآية العلامه وأفراد الآية أما على إرادة الجنس أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الثلاث والأول أليق بصنيع المؤلف ولهذا ترجم بالجمع وعقب بالمتن الشاهد لذلك وقد رواه أبو عوانة في صحيحه بلفظ علامات المنافق فإن قيل ظاهره الحصر في الثلاث فكيف جاء في الحديث الآخر بلفظ أربع من كن فيه الحديث أجاب القرطبي باحتمال أنه استجد له صلى الله عليه وسلم من العلم بحالهم ما لم يكن عنده وأقول ليس بين الحديثين تعارض لأنه لا يلزم من عد الخصلة المذمومه الدالة على كمال النفاق كونها علامه على النفاق لاحتمال أن تكون العلامات دالات على أصل النفاق والخصله الزائده إذا اضيفت إلى ذلك كمل بها خلوص النفاق على أن في رواية مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ما يدل على إرادة عد الحصر فإن لفظه من علامة المنافق ثلاث وكذا أخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد الخدري وإذا حمل اللفظ الأول على هذا لم يرد السؤال فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت وببعضها في وقت آخر وقال القرطبي أيضا والنووي حصل من مجموع الروايتين خمس خصال لأنهما تواردتا على الكذب في الحديث والخيانه في الامانه وزاد الأول الخلف في الوعد والثاني الغدر في المعاهده والفجور في الخصومه قلت وفي رواية مسلم الثاني بدل الغدر في المعاهده الخلف في الوعد كما في الأول فكأن بعض الرواة تصرف في لفظه لأن معناهما قد يتحد وعلى هذا فالمزيد خصلة واحدة وهي الفجور في الخصومة والفجور الميل عن الحق والاحتيال في رده وهذا قد يندرج في الخصلة الأولى وهي الكذب في الحديث ووجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاث أنها منبه على ما عداها إذ أصل الديانه منحصر في ثلاث القول والفعل والنيه فنبه على فساد القول بالكذب وعلى فساد الفعل(1/205)
بالخيانه وعلى فساد النية بالخلف لأن خلف الوعد لا يقدح الا إذا كان العزم عليه مقارنا للوعد أما لو كان عازما ثم عرض له مانع أو بدا له رأي فهذا لم توجد منه صورة النفاق قاله الغزالي في الأحياء وفي الطبراني في حديث طويل ما يشهد له ففيه من حديث سلمان إذا وعد وهو يحدث نفسه أنه يخلف وكذا قال في باقي الخصال وإسناده لا بأس به ليس فيهم من أجمع على تركه وهو عند أبي داود والترمذي من حديث زيد بن أرقم مختصر بلفظ إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف فلا إثم عليه قوله إذا وعد قال صاحب المحكم يقال وعدته خيرا ووعدته شرا فإذا أسقطوا الفعل قالوا في الخير وعدته وفي الشر اوعدته وحكى بن الأعرابي في نوادره أوعدته خيرا بالهمزة فالمراد بالوعد في الحديث الوعد بالخير وأما الشر فيستحب اخلافه وقد يجب ما لم يترتب على ترك انفاذه مفسدة وأما الكذب في الحديث فحكى بن التين عن مالك أنه سئل عمن جرب عليه كذب فقال أي نوع من الكذب لعله حدث عن عيش له سلف فبالغ في وصفه فهذا لا يضر وإنما يضر من حدث عن الأشياء بخلاف ما هي عليه قاصدا الكذب انتهى وقال النووي هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث أن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره قال وليس فيه اشكال بل معناه صحيح والذي قاله المحققون أن معناه أن هذه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق باخلاقهم قلت ومحصل هذا الجواب الحمل في التسميه على المجاز أي صاحب هذه الخصال كالمنافق وهو بناء على المراد بالنفاق نفاق الكفر وقد قيل في الجواب عنه أن المراد بالنفاق نفاق العمل كما قدمناه وهذا ارتضاه القرطبي واستدل له بقول عمر لحذيفة هل تعلم في شيئا من النفاق فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر وإنما أراد نفاق العمل ويؤيده وصفه بالخالص في الحديث الثاني بقوله كان منافقا خالصا وقيل المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال وأن(1/206)
الظاهر غير مراد وهذا ارتضاه الخطابي وذكر أيضا أنه يحتمل أن المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك وصار له دينا قال ويدل عليه التعبير بإذا فإنها تدل على تكرر الفعل كذا قال والأولى ما قال الكرماني أن حذف المفعول من حدث يدل على العموم أي إذا حدث في كل شيء كذب فيه أو يصير قاصرا أي إذا وجد ماهية التحدث كذب وقيل هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال وتهاون بها واستخف بأمرها فإن من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد غالبا وهذه الاجوبه كلها مبنيه على أن اللام في المنافق للجنس ومنهم من ادعى أنها للعهد فقال أنه ورد في حق شخص معين أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفه جاءت في ذلك لو ثبت شيء منها لتعين المصير إليه وأحسن الاجوبه ما ارتضاه القرطبي والله أعلم
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد، واللفظ ليحيى. قالا: حدثنا إسماعيل بن جعفر. قال: أخبرني أبو سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا ائتمن خان".
حدثنا أبو بكر بن إسحاق. أخبرنا ابن أبي مريم. أخبرنا محمد بن جعفر. قال: أخبرني العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب، مولى الحرقة، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من علامات المنافق ثلاثة: إذا حدث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا ائتمن خان".
حدثنا عقبة بن مكرم العمى. حدثنا يحيى بن محمد بن قيس أبو زكير. قال: سمعت العلاء بن عبدالرحمن يحدث بهذا الإسناد. وقال
"آية المنافق ثلاث. وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم".
وحدثني أبو نصر التمار وعبدالأعلى بن حماد، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة؛ قال:(1/207)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يحيى بن محمد عن العلاء. ذكر فيه "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم".
هذا الحديث مما عده جماعة من العلماء مشكلاً من حيث أن هذه الخصال توجد في المسلم المصدق الذي ليس فيه شك، وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر ولا هو منافق يخلد في النار، فإن إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم جمعوا هذه الخصال، وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله، وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال، ولكن اختلف العلماء في معناه، فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار أن معناه: أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم، فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يرد النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار. وقوله صلى الله عليه وسلم: "كان منافقا خالصا" معناه شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال، قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه، فأما من يندر ذلك منه فليس داخلاً فيه، فهذا هو المختار في معنى الحديث. وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي رضي الله عنه معناه عن العلماء مطلقا فقال: إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل. وقال جماعة من العلماء: المراد به المنافقون الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثوا بإيمانهم وكذبوا واؤتمنوا على دينهم، فخانوا ووعدوا في أمر الدين ونصره فأخلفوا وفجروا في خصوماتهم، وهذا قول سعيد بن حبير وعطاء بن أبي رباح، ورجع إليه الحسن البصري رحمه الله بعد أن كان على خلافه. وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وروياه أيضا عن النبيّ صلى الله(1/208)
عليه وسلم. قال القاضي عياض رحمه الله: وإليه مال كثير من أئمتنا. وحكى الخطابي رحمه الله قولاً آخر أن معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال التي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق. وحكى الخطابي رحمه الله أيضا عن بعضهم أن الحديث ورد في رجل بعينه منافق، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يواجههم بصريح القول فيقول: فلان منافق، وإنما كان يشير إشارة كقوله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يفعلون كذا؟" والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى: "أربع من كن فيه كان منافقا". وفي الرواية الأخرى: "آية المنافق ثلاث" فلا منافاة بينهما، فإن الشيء الواحد قد تكون له علامات كل واحد منهن تحصل بها صفته، ثم قد تكون تلك العلامة شيئا واحدا وقد تكون أشياء، والله أعلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا عاهد غدر" هو داخل في قوله: "وإذا اؤتمن خان". وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإن خاصم فجر" أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب. قال أهل اللغة: وأصل الفجور الميل عن القصد. وقوله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق" أي علامته ودلالته. وقوله صلى الله عليه وسلم: "خلة وخصلة" هو بفتح الخاء فيهما وإحداهما بمعنى الأخرى. وأما أسانيده ففيها العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة بضم الحاء المهملة وفتح الراء وبالقاف. وهو بطن من جهينة، وفيه عقبة بن مكرم العمي. أما مكرم فبضم الميم وإسكان الكاف وفتح الراء، وأما العمي فبفتح العين وتشديد الميم المكسورة منسوب إلى بني العم بطن من تميم، وفيه يحيى بن محمد بن قيس أبو زكير بضم الزاي وفتح الكاف وإسكان الياء وبعدها راء قال أبو الفضل الفلكي الحافظ: أبو زكير لقب كنيته أبو محمد، وفيه أبو نصر التمار هو بالصاد المهملة واسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن الحرث وهو ابن أخي بشر بن الحرث الحافي الزاهد رضي الله عنهما، قال محمد بن سعد: هو من أبناء خراسان من أهل نسا نزل بغداد وتجربها(1/209)
في التمر وغيره وكان فاضلاً خيرا ورعا، والله أعلم بالصواب
+ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقا خَالِصا. وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلّةٌ مِنْهُنّ كَانَتْ فِيهِ خَلّةٌ مِنْ نِفَاقٍ. حَتّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدّثَ كَذَبَ. وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ. وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ. وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ "وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النّفَاقِ".
الجوهرة 19
حدثنا محمد: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن الأوزاعي قال: أخبرني شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب:
أنا أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس).
... البخاري-كتاب الجنائز –باب 2 الامر باتباع الجنلئز
... مسلم-كتاب السلام-باب2: من حق المسلم للمسلم رد السلام
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
المسلم على المسلم خمس في رواية مسلم من طريق عبد الرزاق خمس تجب للمسلم على المسلم وله من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة حق المسلم على المسلم ست وزاد وإذا استنصحك فانصح له وقد تبين أن معنى الحق هنا الوجوب خلافا لقول بن بطال المراد حق الحرمة والصحبة والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية قوله رد السلام يأتي الكلام على أحكامه في الاستئذان وعيادة المريض يأتي الكلام عليها في المرضى وإجابة الداعي يأتي الكلام عليها في الوليمة وتشميت العاطس يأتي الكلام عليه في الأدب وأما اتباع الجنائز فسيأتي الكلام عليه في باب فضل اتباع الجنائز في وسط كتاب الجنائز والمقصود هنا إثبات مشروعيته فلا تكرار
1- السلام.
1 عن أبي هريرة، رضي الله عنه:(1/210)
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك، نفر من الملائكة، جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن).
2 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس بالطرقات). فقالوا: يا رسول الله، مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، فقال: (فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه). قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر).
-السلام اسم من أسماء الله تعالى.
{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} /النساء: 86/.
3 عن عبد الله رضي الله عنه:
كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان وفلان، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، أقبل علينا بوجهه، فقال: (إن الله هو السلام، فإذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يتخير بعد من الكلام ما شاء).
-تسليم القليل على الكثير.
عن أبي هريرة، رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير).
- يسلم الراكب على الماشي.
عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير).
- يسلم الصغير على الكبير.
عن أبي هريرة قال:(1/211)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير).
- إفشاء السلام.
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال:
أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع: (بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المقسم. ونهى عن الشرب في الفضة، ونهى عن تختم الذهب، وعن ركوب المياثر، وعن لبس الحرير، والديباج، والقسي، والإستبرق
.
- السلام للمعرفة وغير المعرفة.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟
قال: (تطعم الطعام، وتقرأ السلام، على من عرفت، وعلى من لم تعرف).
عن أبي أيوب رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان: فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
2 عيادة المريض.
-عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكُّوا العاني).
-عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال:
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: نهانا عن خاتم الذهب، ولبس الحرير، والديباج، والإستبرق، وعن القسِّيِّ، والمِيَثرة. وأمرنا أن نتبع الجنائز، ونعود المريض، ونفشي السلام).
- عيادة المُغمى عليه.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول:
مرضت مرضاً، فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، وأبو بكر، وهما ماشيان، فوجداني أغمي علي، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي، فأفقت، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، كيف أصنع في مالي، كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء، حتى نزلت آية الميراث.
.
- عيادة النساء والرجال.
وعادت أم الدرداء رجلاً من أهل المسجد، من الأنصار.
-عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:(1/212)
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، قلت: يا أبت كيف تجدك، ويا بلال كيف تجدك، قالت: وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:
كل امرئ مصبَّح في أهله والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أقلعت عنه يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنَّة وهل يبدون لي شامة وطفيل
قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم وصحِّحها، وبارك لنا في مُدِّها وصاعها، وانقل حمَّاها فاجعلها بالجُحْفة).
- عيادة الصبيان.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما:
أن ابنة للنبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إليه، وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم وسعد وأبَيٌّ، نحسب: أن ابنتي قد حُضِرَتْ فاشهدنا، فأرسل إليها السلام، ويقول: (إنَّ لله ما أخذ وما أعطى، وكل شيء عنده مسمًّى، فلتحتسب ولتصبر). فأرسلت تقسم عليه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا، فرُفع الصبي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ونفسه تَقَعْقَعْ، ففاضت عينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: (هذه رحمة وضعها الله في قلوب من شاء من عباده، ولا يرحم اللهُ من عباده إلا الرحماءَ).
- عيادة الأعراب.
عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال له: (لا بأس، طَهور إن شاء الله). قال: قلت: طَهور؟ كلا، بل هي حمى تفور، أو تثور، على شيخ كبير، تزيره القبور. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فنعم إذاً).
- عيادة المشرك.
عن أنس رضي الله عنه:
أن غلاماً ليهود، كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال: (أسْلِمْ). فأسْلَمَ.(1/213)
وقال سعيد بن المسيَّب، عن أبيه: لما حُضِرَ أبو طالب جاءه النبي صلى الله عليه وسلم.
-إذا عاد مريضاً، فحضرت الصلاة فصلى بهم جماعة.
عن عائشة رضي الله عنها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه ناس يعودونه في مرضه، فصلى بهم جالساً، فجعلوا يصلون قياماً، فأشار إليهم: (اجلسوا) فلما فرغ قال: (إن الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإن صلى جالساً فصلوا جلوساً).
قال أبو عبد الله: قال الحُمَيدي: هذا الحديث منسوخ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم آخر ما صلى صلى قاعداً والناس خلفه قيام.
- وضع اليد على المريض.
عن عائشة بنت سعد: أن أباها قال:
تشكَّيت بمكة شكوى شديدة، فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، فقلت: يا نبي الله، إني أترك مالاً، وإني لم أترك إلا ابنة واحدة، فأوصي بثلثي مالي وأترك الثلث؟ فقال: (لا). قلت: فأوصي بالنصف وأترك النصف؟ قال: (لا). قلت: فأوصي بالثلث وأترك لها الثلثين؟ قال: (الثلث، والثلث كثير). ثم وضع يده على جبهتي، ثم مسح يده على وجهي وبطني، ثم قال: (اللهم اشف سعداً، وأتمم له هجرته). فما زلت أجد برده على كبدي - فيما يُخال إلي - حتى الساعة.
عن عبد الله بن مسعودرضي الله عنه قال
دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً، فمسسته بيدي فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكاً شديداً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم). فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أجل). ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يصيبه أذى، مرض فما سواه، إلا حط الله له سيئآته، كما تحط الشجرة ورقها).
-: ما يقال للمريض، وما يجيب.
عن عبد الله رضي الله عنه قال:(1/214)
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فمسسته، وهو يوعك وعكاً شديداً، فقلت: إنك لتوعك وعكاً شديداً، وذلك أن لك أجرين؟ قال: (أجل، وما من مسلم يصيبه أذى، إلا حاتَّت عنه خطاياه، كما تحاتُّ ورق الشجر).
حدثنا إسحق: حدثنا خالد بن عبد الله، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل يعوده، فقال: (لا بأس، طَهور إن شاء الله).
- عيادة المريض، راكباً وماشياً، ورِدْفاً على الحمار.
عن عروة: أن أسامة بن زيد أخبره:
أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار، على إكاف على قطيفة فَدَكِيَّة، وأردف أسامة وراءه، يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر، فسار حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد الله، وفي المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمَّر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، قال: لا تغبِّروا علينا، فسلم النبي صلى الله عليه وسلم ووقف، ونزل فدعاهم إلى الله فقرأ عليهم القرآن، فقال له عبد الله بن أبي: يا أيها المرء، إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً، فلا تؤذنا به في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه. قال ابن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك. فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفِّضهم حتى سكتوا، فركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له: (أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حُبَاب). يريد عبد الله بن أبي، قال سعد: يا رسول الله، اعف عنه واصفح، فلقد أعطاك الله ما أعطاك، ولقد اجتمع أهل هذه البحرة أن يتوِّجوه فَيُعَصِّبُوهُ، فلما رُدَّ ذلك بالحق الذي أعطاك شَرِقَ بذلك، فذلك الذي فعل به ما رأيت.
- عن جابر رضي الله عنه قال:(1/215)
جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، ليس براكب بغل ولا بِرْذَوْنٍ.
-ما رُخِّص للمريض أن يقول: إني وجع، أو وارأساه، أو اشتد بي الوجع.
وقول أيوب عليه السلام: {إني مسَّني الضُّرُّ وأنت أرحم الراحمين} /الأنبياء: 83/.
عن كعب بن عُجْرَة رضي الله عنه:
مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أوقد تحت القدر، فقال: (أيؤذيك هوامُّ رأسك). قلت: نعم، فدعا الحلاق فحلقه، ثم أمرني بالفداء.
3 الوليمة
--عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، قال: (ما هذا). قال: إني تزوج امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: (بارك لك الله، أولم ولو بشاة).
--عن أنس قال:
أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا ، يبنى عليه بصفية بنت حيي ، فدعوت المسلمين إلى وليمته، فما كان فيها من خبز ولا لحم ، أمر بالأنطاع فألقي فيها من التمر والأقط والسمن ، فكانت وليمته، فقال المسلمون:إحدى أمهات المؤمنين، أو مما ملكت يمينه، فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطى لها خلفه، ومد الحجاب بينها و بين الناس.
--عن أنس بن مالك قال:(1/216)
مر بنا في مسجد بني رفاعة، فسمعته يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بجنبات أم سليم دخل عليها فسلم عليها، ثم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب، فقالت لي أم سليم: لو أهدينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فقلت لها: افعلي، فعمدت إلى تمر وسمن وأقط، فاتخذت حيسة في برمة، فأرسلت بها معي إليه، فانطلقت بها إليه، فقال لي: (ضعها). ثم أمرني فقال : (ادع لي رجالا - سماهم - ادع لي من لقيت). قال: ففعلت الذي أمرني، فرجعت فإذا البيت غاص بأهله، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على تلك الحيسة وتكلم بها ما شاء الله ، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه ، ويقول لهم : (اذكروا اسم الله، وليأكل كل رجل مما يليه). قال: حتى تصدعوا كلهم عنها، فخرج منهم من خرج، وبقي نفر يتحدثون ، قال: وجعلت أغتم ، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم نحو الحجرات وخرجت في إثره ، فقلت : إنهم قد ذهبوا، فرجع فدخل البيت، وأرخى الستر وإني لفي الحجرة، وهو يقول: (يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعتيم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق).
قال أبوعثمان: قال أنس: إنه خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين.
باب: الوليمة ولو بشاة.
- حدثني حميد: أنه سمع أنسا رضي الله عنه قال:
سأل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف، وتزوج امرأة من الأنصار: (كم أصدقتها). قال: وزن نواة من ذهب.
-وعن حميد: سمعت أنسا قال: لما قدموا المدينة، نزل المهاجرون على الأنصار، فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع، فقال: أقاسمك مالي، وأنزل لك عن إحدى امرأتي، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، فخرج إلى السوق فباع واشترى فأصاب شيئا من أقط وسمن، فتزوج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أولم ولو بشاة).(1/217)
-عن بيان قال: سمعت أنسا يقول:
بنى النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة، فأرسلني فدعوت رجالا إلى الطعام.
- من أولم بأقل من شاة.
- عن منصور بن صفية، عن أمه صفية بنت شيبة قالت:
أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير.
*حق أجابة الوليمة والدعوة، ومن أولم سبعة أيام ونحوه.
ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يوما ولا يومين.
-عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها).
- عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(فكوا العاني، وأجيبوا الداعي، وعودوا المريض).
- قال البراء بن عازب رضي الله عنهما:
أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم ونصر المظلوم، وإفشاء السلام، وإجابة الداعي، ونهانا عن خواتم الذهب، وعن أنية الفضة، وعن المياثر، والقسية، والإستبرق، والديباج.
- عن سهل بن سعد قال:
دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه ، وكانت امرأته يومئذ خادمهم ، وهي العروس ، قال سهل : تدرون ماسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل، فلما أكل سقته إياه.
*من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
-عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول:
شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
* من أجاب إلى كراع.
- عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي كراع لقبلت)
* أجابة الداعي في العرس وغيره.
- عن نافع قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها).
قال وكان عبد الله يأتي الدعوة في العرس وغير العرس وهو صائم.
* ذهاب النساء والصبيان إلى العرس.(1/218)
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
أبصر النبي صلى الله عليه وسلم نساء وصبيانا مقبلين من عرس، فقام ممتنا فقال: (اللهم أنتم من أحب الناس إلي).
*هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة
ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع. ودعا ابن عمر أبا أيوب، فرأى في البيت سترا على الجدار، فقال ابن عمر: غلبنا عليه النساء، فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لكم طعاما، فرجع.
* قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس.
- عن سهل قال:
لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته، تتحفه بذلك.
* النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس.
عن أبي حازم قال: سمعت سهل بن سعد:
أن أبا أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعرسه، فكانت امرأته خادمهم يومئذ، وهي العروس - فقالت، أو - قال: أتدرون ما أنقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور.
*إجابة الداعي
وأجيبوا الداعي قال بن بطال عن مالك لا ينبغي للقاضي ان يجيب الدعوة الا في الوليمة خاصة ثم ان شاء أكل وان شاء ترك والترك أحب إلينا لأنه أنزه الا ان يكون لأخ في الله أو خالص قرابة أو مودة وكره مالك لأهل الفضل أن يجيبوا كل من دعاهم
4 تشميت العاطس
* الحمد للعاطس.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فقيل له، فقال: (هذا حمد الله، وهذا لم يحمد الله).
* تشميت العاطس إذا حمد الله.
عن البراء رضي الله عنه قال:(1/219)
أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي، ورد السلام، ونصر المظلوم، وإبرار المقسم، ونهانا عن سبع: عن خاتم الذهب، أو قال: حلقة الذهب، وعن لبس الحرير، والديباج، والسندس، والمياثر.
* ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب.
-- عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب: فإنما هو من الشيطان، فليرده ما استطاع، فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان).
*: إذا عطس كيف يشمت.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم).
* لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله.
- حدثنا سليمان التيمي قال: سمعت أنساً رضي الله عنه يقول:
عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فقال الرجل: يا رسول الله، شمت هذا ولم تشمتني، قال: (إن هذا حمد الله، و هذا لم يحمد الله).
*إذا تثاوب فليضع يده على فيه.
- عن أبي هريرة، رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله، كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله، وأما التثاؤب: فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان).(1/220)
ــــــــ شرح : قوله باب تشميت العاطس إذا حمد الله أي مشروعية التشميت بالشرط المذكور ولم يعين الحكم وقد ثبت الأمر بذلك كما في حديث الباب قال بن دقيق العيد ظاهر الأمر الوجوب ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة الذي في الباب الذي يليه فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته وفي حديث أبي هريرة عند مسلم حق المسلم على المسلم ست فذكر فيها وإذا عطس فحمد الله فشمته وللبخاري من وجه آخر عن أبي هريرة خمس تجب للمسلم على المسلم فذكر منها التشميت وهو عند مسلم أيضا وفي حديث عائشة عند أحمد وأبي يعلى إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل من عنده يرحمك الله ونحوه عند الطبراني من حديث أبي مالك وقد أخذ بظاهرها بن مزين من المالكية وقال به جمهور أهل الظاهر وقال بن أبي جمرة قال جماعة من علمائنا إنه فرض عين وقواه بن القيم في حواشي السنن فقال جاء بلفظ الوجوب الصريح وبلفظ الحق الدال عليه وبلفظ على الظاهرة فيه وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه وبقول الصحابي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء وذهب آخرون إلى أنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ورجحه أبو الوليد بن رشد وأبو بكر بن العربي وقال به الحنفية وجمهور الحنابلة وذهب عبد الوهاب وجماعة من المالكية إلى أنه مستحب ومجزىء الواحد عن الجماعة وهو قول الشافعية والراجح من حيث الدليل القول الثاني والأحاديث الصحيحة الدالة على الوجوب لا تنافي كونه على الكفاية فإن الأمر بتشميت العاطس وإن ورد في عموم المكلفين ففرض الكفاية يخاطب به الجميع على الأصح ويسقط بفعل البعض وأما من قال إنه فرض على مبهم فإنه ينافي كونه فرض عين قوله فيه أبو هريرة يحتمل أن يريد به حديث أبي هريرة المذكور في الباب الذي بعده ويحتمل أن يريد به حديث أبي هريرة الذي أوله حق المسلم على المسلم ست وقد أشرت إليه قبل وأن مسلما أخرجه ثم ذكر(1/221)
المصنف حديث البراء أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس الحديث وقد تقدم شرح معظمه في كتاب اللباس قال بن بطال ليس في حديث البراء التفصيل الذي في الترجمة وإنما ظاهره أن كل عاطس يشمت على التعميم قال وإنما التفصيل في حديث أبي هريرة الآني قال وكان ينبغي له أن يذكره بلفظه في هذا الباب ويذكر بعده حديث البراء ليدل على أن حديث البراء وان كان ظاهره العموم لكن المراد به الخصوص ببعض العاطسين وهم الحامدون قال وهذا من الأبواب التي أعجلته المنية عن تهذيبها كذا قال والواقع أن هذا الصنيع لا يختص بهذه الترجمة بل قد أكمل منه البخاري في الصحيح فطالما ترجم بالتقييد والتخصيص كما في حديث الباب من إطلاق أو تعميم ويكتفي من دليل التقييد والتخصيص بالإشارة إما لما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده أو في حديث آخر كما صنع في هذا الباب فإنه أشار بقوله فيه أبو هريرة إلى ما ورد في حديثه من تقييد الأمر بتشميت العاطس بما إذا حمد وهذا أدق التصرفين ودل إكثاره من ذلك على أنه عن عمد منه لا أنه مات قبل تهذيبه بل عد العلماء ذلك من دقيق فهمه وحسن تصرفه في إيثار الأخفى على الأجلى شحذا للذهن وبعثا للطالب على تتبع طرق الحديث إلى غير ذلك من الفوائد وقد خص من عموم الأمر بتشميت العاطس جماعة الأول من لم يحمد كما تقدم وسيأتي في باب مفرد الثاني الكافر فقد أخرج أبو داود وصححه الحاكم من حديث أبي موسى الأشعري قال كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم الله فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم قال بن دقيق العيد إذا نظرنا إلى قول من قال من أهل اللغة أن التشميت الدعاء بالخير دخل الكفار في عموم الأمر بالتشميت وإذا نظرنا إلى من خص التشميت بالرحمة لم يدخلوا قال ولعل من خص التشميت بالدعاء بالرحمة بناء على الغالب لأنه تقييد لوضع اللفظ في(1/222)
اللغة قلت وهذا البحث أنشأه من حيث اللغة وأما من حيث الشرع فحديث أبي موسى دال على أنهم يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت لكن لهم تشميت مخصوص وهو الدعاء لهم بالهداية وإصلاح البال وهو الشأن ولا مانع من ذلك بخلاف تشميت المسلمين فإنهم أهل الدعاء بالرحمة بخلاف الكفار الثالث المزكوم إذا تكرر منه العطاس فزاد على الثلاث فإن ظاهر الأمر بالتشميت يشمل من عطس واحدة أو أكثر لكن أخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال يشمته واحدة وثنتين وثلاثا وما كان بعد ذلك فهو زكام هكذا أخرجه موقوفا من رواية سفيان بن عيينة عنه وأخرجه أبو داود من طريق يحيى القطان عن بن عجلان كذلك لفظه شمت أخاك وأخرجه من رواية الليث عن بن عجلان وقال فيه لا أعلمه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو داود ورفعه موسى بن قيس عن بن عجلان أيضا وفي الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه رفعه ان عطس فشمته ثم إن عطس فشمته ثم ان عطس فقل إنك مضنوك قال بن أبي بكر لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة وهذا مرسل جيد وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال فشمته ثلاثا فما كان بعد ذلك فهو زكام وأخرج بن أبي شيبة من طريق عمرو بن العاص شمتوه ثلاثا فإن زاد فهو داء يخرج من رأسه موقوف أيضا ومن طريق عبد الله بن الزبير أن رجلا عطس عنده فشمته ثم عطس فقال له في الرابعة أنت مضنوك موقوف أيضا ومن طريق عبد الله بن عمر مثله لكن قال في الثالثة ومن طريق علي بن أبي طالب شمته ما بينك وبينه ثلاث فإن زاد فهو ريح وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يشمت العاطس إذا تنابع عليه العطاس ثلاثا قال النووي في الأذكار إذا تكرر العطاس متتابعا فالسنة أن يشمته لكل مرة إلى أن يبلغ ثلاث مرات روينا في صحيح مسلم وأبي داود والترمذي عن سلمة بن الأكوع أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وعطس عنده رجل فقال له يرحمك الله(1/223)
ثم عطس أخرى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل مزكوم هذا لفظ رواية مسلم وأما أبو داود والترمذي فقالا قال سلمة عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم وأنا شاهد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحمك الله ثم عطس الثانية أو الثالثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحمك الله هذا رجل مزكوم اه كلامه ونقلته من نسخة عليها خطه بالسماع عليه والذي نسبه إلى أبي داود والترمذي من إعادة قوله صلى الله عليه وسلم للعاطس يرحمك الله ليس في شيء من نسخهما كما سأبينه فقد أخرجه أيضا أبو عوانة وأبو نعيم في مستخرجيهما والنسائي وابن ماجة والدارمي وأحمد وابن أبي شيبة وابن السني وأبو نعيم أيضا في عمل اليوم والليلة وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الشعب كلهم من رواية عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه وهو الوجه الذي أخرجه منه مسلم وألفاظهم متفاوتة وليس عند أحد منهم إعادة يرحمك الله في الحديث وكذلك ما نسبه إلى أبي داود والترمذي أن عندهما ثم عطس الثانية أو الثالثة فيه نظر فإن لفظ أبي داود أن رجلا عطس والباقي مثل سياق مسلم سواء إلا أنه لم يقل أخرى ولفظ الترمذي مثل ما ذكره النووي إلى قوله ثم عطس فإنه ذكره بعده مثل أبي داود سواء وهذه رواية بن المبارك عنده وأخرجه من رواية يحيى القطان فأحال به على رواية بن المبارك فقال نحوه إلا أنه قال له في الثانية أنت مزكوم وفي رواية شعبة قال يحيى القطان وفي رواية عبد الرحمن بن مهدي قال له في الثالثة أنت مزكوم وهؤلاء الأربعة رووه عن عكرمة بن عمار وأكثر الروايات المذكورة ليس فيها تعرض للثالثة ورجح الترمذي رواية من قال في الثالثة على رواية من قال في الثانية وقد وجدت الحديث من رواية يحيى القطان يوافق ما ذكره النووي وهو ما أخرجه قاسم بن أصبغ في مصنفه وابن عبد البر من طريقه قال حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى القطان حدثنا عكرمة فذكره بلفظ عطس(1/224)
رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمته ثم عطس فشمته ثم عطس فقال له في الثالثة أنت مكزوم هكذا رأيت فيه ثم عطس فشمته وقد أخرجه الإمام أحمد عن يحيى القطان ولفظه ثم عطس الثانية والثالثة فقال النبي صلى الله عليه وسلم الرجل مكزوم وهذا اختلاف شديد في لفظ هذا الحديث لكن الأكثر على ترك ذكر التشميت بعد الأولى وأخرجه بن ماجة من طريق وكيع عن عكرمة بلفظ آخر قال يشمت العاطس ثلاثا فما زاد فهو مزكوم وجعل الحديث كله من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وأفاد تكرير التشميت وهي رواية شاذة لمخالفة جميع أصحاب عكرمة بن عمار في سياقه ولعل ذلك من عكرمة المذكور لما حدث به وكيعا فإن في حفظه مقالا فإن كانت محفوظة فهو شاهد قوي لحديث أبي هريرة ويستفاد منه مشروعية تشميت العاطس ما لم يزد على ثلاث إذا حمد الله سواء تتابع عطاسه أم لا فلو تتابع ولم يحمد لغلبة العطاس عليه ثم كرر الحمد بعدد العطاس فهل يشمت بعدد الحمد فيه نظر وظاهر الخبر نعم وقد أخرج أبو يعلى وابن السني من وجه آخر عن أبي هريرة النهي عن التشميت بعد ثلاث ولفظه إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يشمته بعد ثلاث قال النووي فيه رجل لم أتحقق حاله وباقي إسناده صحيح قلت الرجل المذكور هو سليمان بن أبي داود الحراني والحديث عندهما من رواية محمد بن سليمان عن أبيه ومحمد موثق وأبوه يقال له الحراني ضعيف قال فيه النسائي ليس بثقة ولا مأمون قال النووي وأما الذي رويناه في سنن أبي داود والترمذي عن عبيد بن رفاعة الصحابي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يشمت العاطس ثلاثا فإن زاد فإن شئت فشمته وإن شئت فلا فهو حديث ضعيف قال فيه الترمذي هذا حديث غريب وإسناده مجهول قلت إطلاقه عليه الضعف ليس بجيد إذ لا يلزم من الغرابة الضعف وأما وصف الترمذي إسناده بكونه مجهولا فلم يرد جميع رجال الإسناد فإن معظمهم موثقون وإنما وقع في روايته تغيير اسم بعض رواته(1/225)
وإبهام اثنين منهم وذلك أن أبا داود والترمذي أخرجاه معا من طريق عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن ثم اختلفا فأما رواية أبي داود ففيها عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة عن أمه حميدة أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة عن أبيها وهذا إسناد حسن والحديث مع ذلك مرسل كما سأبينه وعبد السلام بن حرب من رجال الصحيح ويزيد هو أبو خالد الدالاني وهو صدوق في حفظه شيء ويحيى بن إسحاق وثقه يحيى بن معين وأمه حميدة روى عنها أيضا زوجها إسحاق بن أبي طلحة وذكرها بن حبان في ثقات التابعين وأبوها عبيد بن رفاعة ذكروه في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وله رؤية قاله بن السكن قال ولم يصح سماعه وقال البغوي روايته مرسلة وحديثه عن أبيه عند الترمذي والنسائي وغيرهما وأما رواية الترمذي ففيها عن عمر بن إسحاق بن أبي طلحة عن أمه عن أبيها كذا سماه عمر ولم يسم أمه ولا أباها وكأنه لم يمعن النظر فمن ثم قال إنه إسناد مجهول وقد تبين أنه ليس بمجهول وأن الصواب يحيى بن إسحاق لا عمر فقد أخرجه الحسن بن سفيان وابن السني وأبو نعيم وغيرهم من طريق عبد السلام بن حرب فقالوا يحيى بن إسحاق وقالوا حميدة بغير شك وهو المعتمد وقال بن العربي هذا الحديث وإن كان فيه مجهول لكن يستحب العمل به لأنه دعاء بخير وصلة وتودد للجليس فالأولى العمل به والله أعلم وقال بن عبد البر دل حديث عبيد بن رفاعة على أنه يشمت ثلاثا ويقال أنت مزكوم بعد ذلك وهي زيادة يجب قبولها فالعمل بها أولى ثم حكى النووي عن بن العربي أن العلماء اختلفوا هل يقول لمن تتابع عطسه أنت مزكوم في الثانية أو الثالثة أو الرابعة على أقوال والصحيح في الثالثة قال ومعناه أنك لست ممن يشمت بعدها لأن الذي بك مرض وليس من العطاس المحمود الناشيء عن خفة البدن كما سيأتي تقريره في الباب الذي يليه قال فإن قيل فإذا كان مرضا فينبغي أني شمت بطريق الأولى لأنه أحوج إلى الدعاء من غيره قلنا نعم لكن(1/226)
يدعى له بدعاء يلائمه لا بالدعاء المشروع للعاطس بل من جنس دعاء المسلم للمسلم بالعافية وذكر بن دقيق العيد عن بعض الشافعية أنه قال يكرر التشميت إذا تكرر العطاس إلا أن يعرف أنه مزكوم فيدعو له بالشفاء قال وتقريره أن العموم يقتضي التكرار أو إلا في موضع العلة وهو الزكام قال وعند هذا يسقط الأمر بالتشميت عند العلم بالزكام لأن التعليل به يقتضى أن لا يشمت من علم أن به زكاما أصلا وتعقبه بأن المذكور هو العلة دون التعليل وليس المعلل هو مطلق الترك ليعم الحكم عليه بعموم علته بل المعلل هو الترك بعد التكرير فكأنه قيل لا يلزم تكرر التشميت لأنه مزكوم قال ويتأيد بمناسبة المشقة الناشئة عن التكرار الرابع ممن يخص من عموم العاطسين من يكره التشميت قال بن دقيق العيد ذهب بعض أهل العلم إلى أن من عرف من حاله أنه يكره التشميت أنه لا يشمت إجلالا للتشميت أن يؤهل له من يكرهه فإن قيل كيف يترك السنة لذلك قلنا هي سنة لمن أحبها فأما من كرهها ورغب عنها فلا قال ويطرد ذلك في السلام والعيادة قال بن دقيق العيد والذي عندي أنه لا يمتنع من ذلك إلا من خاف منه ضررا فأما غيره فيشمت امتثالا للأمر ومناقضة للمتكبر في مراده وكسرا لسورته في ذلك وهو أولى من إجلال التشميت قلت ويؤيده أن لفظ التشميت دعاء بالرحمة فهو يناسب المسلم كائنا من كان والله أعلم الخامس قال بن دقيق العيد يستثنى أيضا من عطس والإمام يخطب فإنه يتعارض الأمر بتشميت من سمع العاطس والأمر بالإنصات لمن سمع الخطيب والراجح الانصات لا مكان تدارك التشميت بعد فراغ الخطيب ولا سيما إن قيل بتحريم الكلام والإمام يخطب وعلى هذا فهل يتعين تأخير التشميت حتى يفرغ الخطيب أو يشرع له التشميت بالإشارة فلو كان العاطس الخطيب فحمد واستمر في خطبته فالحكم كذلك وأن حمد فوقف قليلا ليشمت فلا يمتنع أن يشرع تشميته السادس ممن يمكن أن يستثنى من كان عند عطاسه في حالة يمتنع عليه فيها ذكر الله كما(1/227)
إذا كان على الخلاء أو في الجماعة فيؤخر ثم يحمد الله فيشمت فلو خالف فحمد في تلك الحالة هل يستحق التشميت فيه نظر
قوله باب ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب قال الخطابي معنى المحبة والكراهة فيهما منصرف إلى سببهما وذلك أن العطاس يكون من خفة البدن وانفتاح المسام وعدم الغاية في الشبع وهو بخلاف التثاؤب فإنه يكون من علة امتلاء البدن وثقله مما يكون ناشئا عن كثرة الأكل والتخليط فيه والأول يستدعى النشاط للعبادة والثاني على عكسه(1/228)
قوله سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة هكذا قال آدم بن أبي إياس عن بن أبي ذئب وتابعه عاصم بن علي كما سيأتي بعد باب والحجاج بن محمد عند النسائي وأبو داود الطيالسي ويزيد بن هارون عند الترمذي وابن أبي فديك عند الإسماعيلي وأبو عامر العقدي عند الحاكم كلهم عن بن أبي ذئب وخالفهم القاسم بن يزيد عند النسائي فلم يقل فيه عن أبيه وكذا ذكره أبو نعيم من طريق الطيالسي وكذلك أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من رواية محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ولم يقل عن أبيه ورجح الترمذي رواية من قال عن أبيه وهو المعتمد قوله ان الله يحب العطاس يعني الذي لا ينشأ عن زكام لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت ويحتمل التعميم في نوعي العطاس والتفصيل في التشميت خاصة وقد ورد ما يخص بعض أحوال العاطسين فأخرج الترمذي من طريق أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده رفعه قال العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة من الشيطان وسنده ضعيف وله شاهد عن بن مسعود في الطبراني لكن لم يذكر النعاس وهو موقوف وسنده ضعيف أيضا قال شيخنا في شرح الترمذي لا يعارض هذا حديث أبي هريرة يعني حديث الباب في محبة العطاس وكراهة التثاؤب لكونه مقيدا بحال الصلاة فقد يتسبب الشيطان في حصول العطاس للمصلي ليشغله عن صلاته وقد يقال أن العطاس إنما لم يوصف بكونه مكروها في الصلاة لأنه لا يمكن رده بخلاف التثاؤب ولذلك جاء في التثاؤب كما سيأتي بعد فليرده ما استطاع ولم يأت ذلك في العطاس وأخرج بن أبي شيبة عن أبي هريرة أن الله يكره التثاؤب ويحب العطاس في الصلاة وهذا يعارض حديث جد عدي وفي سنده ضعف أيضا وهو موقوف والله أعلم ومما يستحب للعاطس أن لا يبالغ في إخراج العطسة فقد ذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال سبع من الشيطان فذكر منها شدة العطاس قوله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته استدل به على استحباب مبادرة العاطس بالتحميد ونقل بن دقيق العمد عن(1/229)
بعض العلماء أنه ينبغي أن يتأنى في حقه حتى يسكن ولا يعاجله بالتشميت قال وهذا فيه غفلة عن شرط التشميت وهو توقفه على حمد العاطس وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن مكحول الأزدي كنت إلى حنب بن عمر فعطس رجل من ناحية المسجد فقال بن عمر يرحمك الله إن كنت حمدت الله واستدل به على أن التشميت إنما يشرع لمن سمع العاطس وسمع حمده فلو سمع من يشمت غيره ولم يسمع هو عطاسه ولا حمده هل يشرع له تشميته سيأتي قريبا قوله وأما التثاؤب سيأتي شرحه بعد بابين
-- إذا عطس كيف يشمت بضم أوله وتشديد الميم المفتوحة(1/230)
-قوله عن أبي صالح هو السمان والإسناد كله مدنيون إلا شيخ البخاري وهو من رواية تابعي عن تابعي قوله إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله كذا في جميع نسخ البخاري وكذا أخرجه النسائي من طريق يحيى بن حسان والإسماعيلي من طريق بشر بن المفضل وأبي النضر وأبو نعيم في المستخرج من طريق عاصم بن علي وفي عمل يوم وليلة من طريق عبد الله بن صالح كلهم عن عبد العزيز بن أبي سلمة وأخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن عبد العزيز المذكور به بلفظ فليقل الحمد لله على كل حال قلت ولم أر هذه الزيادة من هذا الوجه في غير هذه الرواية وقد تقدم ما يتعلق بحكمها واستدل بأمر العاطس بحمد الله أنه يشرع حتى للمصلي وقد تقدمت الإشارة إلى حديث رفاعة بن رافع في باب الحمد للعاطس وبذلك قال الجمهور من الصحابة والأئمة بعدهم وبه قال مالك والشافعي وأحمد ونقل الترمذي عن بعض التابعين أن ذلك يشرع في النافلة لا في الفريضة ويحمد مع ذلك في نفسه وجوز شيخنا في شرح الترمذي أن يكون مراده أنه يسر به ولا يجهر به وهو متعقب مع ذلك بحديث رفاعة بن رافع فإنه جهر بذلك ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه نعم يفرق بين أن يكون في قراءة الفاتحة أو غيرها من أجل اشتراط الموالاة في قراءتها وجزم بن العربي من المالكية بان العاطس في الصلاة يحمد في نفسه ونقل عن سحنون أنه لا يحمد حتى يفرغ وتعقبه بأنه غلو قوله وليقل له أخوه أو صاحبه هو شك من الراوي وكذا وقع للأكثر من رواية عاصم بن علي فليقل له أخوه ولم يشك والمراد بالأخوة إخوة الإسلام قوله يرحمك الله قال بن دقيق العيد يحتمل أن يكون دعاء بالرحمة ويحتمل أن يكون إخبارا على طريق البشارة كما قال في الحديث الآخر طهور إن شاء الله أي هي طهر لك فكأن المشمت بشر العاطس بحصول الرحمة له في المستقبل بسبب حصولها له في الحال لكونها دفعت ما يضره قال وهذا ينبني على قاعدة وهي أن اللفظ إذا أريد به معناه لم ينصرف لغيره وان أريد(1/231)
به معنى يحتمله انصرف إليه وإن أطلق انصرف إلى الغالب وان لم يستحضر القائل المعنى الغالب وقال بن بطال ذهب إلى هذا قوم فقالوا يقول له يرحمك الله يخصه بالدعاء وحده وقد أخرج البيهقي في الشعب وصححه بن حبان من طريق حفص بن عاصم عن أبي هريرة رفعه لما خلق الله آدم عطس فألهمه ربه أن قال الحمد لله فقال له ربه يرحمك الله وأخرج الطبري عن بن مسعود قال يقول يرحمنا الله وإياكم وأخرجه بن أبي شيبة عن بن عمر نحوه وأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن أبي جمرة بالجيم سمعت بن عباس إذا شمت يقول عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله وفي الموطأ عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا عطس فقيل له يرحمك الله قال يرحمنا الله وإياكم ويغفر الله لنا ولكم قال بن دقيق العيد ظاهر الحديث أن السنة لا تتأدى الا بالمخاطبة وأما ما اعتاده كثير من الناس من قولهم للرئيس يرحم الله سيدنا فخلاف السنة وبلغني عن بعض الفضلاء أنه شمت رئيسا فقال له يرحمك الله يا سيدنا فجمع الأمرين وهو حسن قوله فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم مقتضاه أنه لا يشرع ذلك إلا لمن شمت وهو واضح وأن هذا اللفظ هو جواب التشميت وهذا مختلف فيه قال بن بطال ذهب الجمهور إلى هذا وذهب الكوفيون إلى أنه يقول يغفر الله لنا ولكم وأخرجه الطبري عن بن مسعود وابن عمر وغيرهما قلت وأخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبراني من حديث بن مسعود وهو في حديث سالم بن عبيد المشار إليه قبل ففيه وليقل يغفر الله لنا ولكم قلت وقد وافق حديث أبي هريرة في ذلك حديث عائشة عند أحمد وأبي يعلى وحديث أبي مالك الأشعري عند الطبراني وحديث علي عند الطبراني أيضا وحديث بن عمر عند البزار وحديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عند البيهقي في الشعب وقال بن بطال ذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين وقال أبو الوليد بن رشد الثاني أولى لأن المكلف يحتاج إلى طلب المغفرة والجمع بينهما(1/232)
أحسن الا للذي وذكر الطبري أن الذين منعوا من جواب التشميت بقول يهديكم الله ويصلح بالكم احتجوا بأنه تشميت اليهود كما تقدمت الإشارة إليه من تخريج أبي داود من حديث أبي موسى قال ولا حجة فيه إذ لا تضاد بين خبر أبي موسى وخبر أبي هريرة يعني حديث الباب لأن حديث أبي هريرة في جواب التشميت وحديث أبي موسى في التشميت نفسه وأما ما أخرجه البيهقي في الشعب عن بن عمر قال اجتمع اليهود والمسلمون فعطس النبي صلى الله عليه وسلم فشمته الفريقان جميعا فقال للمسلمين يغفر الله لكم ويرحمنا وإياكم وقال لليهود يهديكم الله ويصلح بالكم فقال تفرد به عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن نافع وعبد الله ضعيف واحتج بعضهم بأن الجواب المذكور مذهب الخوارج لأنهم لا يرون الاستغفار للمسلمين وهذا منقول عن إبراهيم النخعي وكل هذا لا حجة فيه بعد ثبوت الخبر بالأمر به قال البخاري بعد تخريجه في الأدب المفرد وهذا أثبت ما يروى في هذا الباب وقال الطبري هو من أثبت الأخبار وقال البيهقي هو أصح شيء ورد في هذا الباب وقد أخذ به الطحاوي من الحنفية واحتج له بقول الله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها قال والذي يجيب بقوله غفر الله لنا ولكم لا يزيد المشمت على معنى قوله يرحمك الله لأن المغفرة ستر الذنب والرحمة ترك المعاقبة عليه بخلاف دعائه له بالهداية والإصلاح فإن معناه أن يكون سالما من مواقعة الذنب صالح الحال فهو فوق الأول فيكون أولى واختار بن أبي جمرة أن يجمع المجيب بين اللفظين فيكون أجمع للخير ويخرج من الخلاف ورجحه بن دقيق العيد وقد أخرج مالك في الموطأ عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا عطس فقيل له يرحمك الله قال يرحمنا الله وإياكم يغفر الله لنا ولكم قال بن أبي جمرة وفي الحديث دليل على عظيم نعمة الله على العاطس يؤخذ ذلك مما رتب عليه من الخير وفيه إشارة إلى عظيم فضل الله على عبده فإنه أذهب عنه الضرر بنعمة العطاس ثم شرع له(1/233)
الحمد الذي يثاب عليه ثم الدعاء بالخير بعد الدعاء بالخير وشرع هذه النعم المتواليات في زمن يسير فضلا منه وإحسانا وفي هذا لمن رآه بقلب له بصيرة زيادة قوة في إيمانه حتى يحصل له من ذلك ما لا يحصل بعبادة أيام عديدة ويداخله من حب الله الذي أنعم عليه بذلك ما لم يكن في باله ومن حب الرسول الذي جاءت معرفة هذا الخير على يده والعلم الذي جاءت به سنته ما لا يقدر قدره قال وفي زيادة ذرة من هذا ما يفوق الكثير مما عداه من الأعمال ولله الحمد كثيرا وقال الحليمي أنواع البلاء والآفات كلها مؤاخذات وإنما المؤاخذة عن ذنب فإذا حصل الذنب مغفورا وأدركت العبد الرحمة لم تقع المؤاخذة فإذا قيل للعاطس يرحمك الله فمعناه جعل الله لك ذلك لتدوم لك السلامة وفيه إشارة إلى تنبيه العاطس على طلب الرحمة والتوبة من الذنب ومن ثم شرع له الجواب بقوله غفر الله لنا ولكم قوله بالكم شأنكم قال أبو عبيدة في معنى قوله تعالى سيهديهم ويصلح بالهم أي شأنهم
لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله(1/234)
أورد فيه حديث أنس الماضي في باب الحمد للعاطس وكأنه أشار إلى أن الحكم عام وليس مخصوصا بالرجل الذي وقع له ذلك وان كانت واقعة حال لا عموم فيها لكن ورد الأمر بذلك فيما أخرجه مسلم من حديث أبي موسى بلفظ إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه وان لم يحمد الله فلا تشمتوه قال النووي مقتضى هذا الحديث أن من لم يحمد الله لم يشمت قلت هو منطوقه لكن هل النهي فيه للتحريم أو للتنزيه الجمهور على الثاني قال وأقل الحمد والتشميت أن يسمع صاحبه ويؤخذ منه أنه إذا أتى بلفظ آخر غير الحمد لا يشمت وقد أخرج أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث سالم بن عبيد الأشجعي قال عطس رجل فقال السلام عليكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليك وعلى أمك وقال إذا عطس أحدكم فليحمد الله واستدل به على أنه يشرع التشميت لمن حمد إذا عرف السامع أنه حمد الله وان لم يسمعه كما لو سمع العطسة ولم يسمع الحمد بل سمع من شمت ذلك العاطس فإنه يشرع له التشميت لعموم الأمر به لمن عطس فحمد وقال النووي المختار أنه يشمته من سمعه دون غيره وحكى بن العربي اختلافا فيه ورجح أنه يشمته قلت وكذا نقله بن بطال وغيره عن مالك واستثنى بن دقيق العيد من علم أن الذين عند العاطس جهلة لا يفرقون بين تشميت من حمد وبين من لم يحمد والتشميت متوقف على من علم أنه حمد فيمتنع تشميت هذا ولو شمته من عنده لأنه لا يعلم هل حمد أو لا فإن عطس وحمد ولم يشمته أحد فسمعه من بعد عنه استحب له أن يشمته حين يسمعه وقد أخرج بن عبد البر بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن أنه كان في سفينة فسمع عاطسا على الشط حمد فاكترى قاربا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمته ثم رجع فسئل عن ذلك فقال لعله يكون مجاب الدعوة فلما رقدوا سمعوا قائلا يقول يا أهل السفينة أن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم قال النووي ويستحب لمن حضر من عطس فلم يحمد أن يذكره بالحمد ليحمد فيشمته وقد ثبت ذلك عن إبراهيم النخعي وهو من باب النصيحة(1/235)
والأمر بالمعروف وزعم بن العربي أنه جهل من فاعله قال وأخطأ فيما زعم بل الصواب استحبابه قلت احتج بن العربي لقوله بأنه إذا نبهه ألزم نفسه ما لم يلزمها قال فلو جمع بينهما فقال الحمد لله يرحمك الله جمع جهالتين ما ذكرناه أولا وإيقاعه التشميت قبل وجود الحمد من العاطس وحكى بن بطال عن بعض أهل العلم وحكى غيره أنه الأوزاعي أن رجلا عطس عنده فلم يحمد فقال له كيف يقول من عطس قال الحمد لله قال يرحمك الله قلت وكأن بن العربي أخذ بظاهر حديث الباب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الذي عطس فلم يحمد لكن تقدم في باب الحمد للعاطس احتمال أنه لم يكن مسلما فلعل ترك ذلك لذلك لكن يحتمل أن يكون كما أشار إليه بن بطال أراد تأديبه على ترك الحمد بترك تشميته ثم عرفه الحكم وأن الذي يترك الحمد لا يستحق التشميت وهذا الذي فهمه أبو موسى الأشعري ففعل بعد النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم شمت من حمد ولم يشمت من لم يحمد كما ساق حديثه مسلم
5 فضل اتباع الجنائز
1- حدثنا أبو النعمان: حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت نافعا يقول: حدث ابن عمر: أن أبا هريرة رضي الله عنهم يقول:
من تبع جنازة فله قيراط. فقال: أكثر أبو هريرة علينا. فصدقت، يعني عائشة، أبا هريرة، وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله. فقال ابن عمر رضي الله عنهما: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
{فرطت} /الزمر: 56/: ضيعت من أمر الله.
2-حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قرأت على ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه: أنه سأل أبا هريرة رضي الله عنه فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد قال: حدثني أبي: حدثنا يونس: قال ابن شهاب: وحدثني عبد الرحمن الأعرج: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:(1/236)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان). قيل: وما القيراطان؟ قال: (مثل الجبلين العظيمين).
قوله حدث بن عمر كذا في جميع الطرق حدث بضم المهملة على النباء للمجهول ولم اقف في شيء من الطرق عن نافع على تسمية من حدث بن عمر عن أبي هريرة بذلك وقد أورده أصحاب الأطراف والحميدي في جمعه في ترجمة نافع عن أبي هريرة وليس في شيء من طرقه ما يدل على أنه سمع منه وأن كان ذلك محتملا ووقفت على تسمية من حدث بن عمر بذلك صريحا في موضعين أحدهما في صحيح مسلم وهو خباب بمعجمة وموحدتين الأولى مشددة وهو أبو السائب المدني صاحب المقصورة قيل إن له صحبة ولفظه من طريق داود بن عامر بن سعد عن أبيه أنه كان قاعدا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال يا عبد الله بن عمر الا تسمع ما يقول أبو هريرة فذكر الحديث والثاني في جامع الترمذي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر الحديث قال أبو سلمة فذكرت ذلك لابن عمر فأرسل إلى عائشة قوله ان أبا هريرة يقول من تبع كذا في جميع الطرق لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن راشد عن أبي النعمان شيخ البخاري فيه لكن أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن مهدي بن الحارث عن موسى بن إسماعيل وعن أبي أمية عن أبي النعمان وعن التستري عن شيبان ثلاثتهم عن جرير بن حازم عن نافع قال قيل لابن عمر أن أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تبع جنازة فله قيراط من الأجر فذكره ولم يبين لمن السياق وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ كذلك فالظاهر أن السياق له قوله من تبع جنازة فله قيراط زاد مسلم في روايته من الأجر والقيراط بكسر القاف قال الجوهري أصله قراط بالتشديد لأن جمعه قراريط فأبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء قال والقيراط نصف دانق وقال قبل ذلك الدانق سدس الدرهم فعلى هذا يكون(1/237)
القيراط جزءا من أثنى عشر جزءا من الدرهم وأما صاحب النهاية فقال القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد وفي الشام جزء من أربعة وعشرين جزءا ونقل بن الجوزي عن بن عقيل أنه كان يقول القيراط نصف سدس درهم أو نصف عشر دينار والإشارة بهذا المقدار إلى الأجر المتعلق بالميت في تجهيزه وغسله وجميع ما يتعلق به فللمصلي عليه قيراط من ذلك ولمن شهد الدفن قيراط وذكر القيراط تقريبا للفهم لما كان الإنسان يعرف القيراط ويعمل العمل في مقابلته وعد من جنس ما يعرف وضرب له المثل بما يعلم انتهى وليس الذي قال ببعيد وقد روى البزار من طريق عجلان عن أبي هريرة مرفوعا من أتى جنازة في أهلها فله قيراط فإن تبعها فله قيراط فإن صلى عليها فله قيراط فإن انتظرها حتى تدفن فله قيراط فهذا يدل على أن لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطا وأن اختلفت مقادير القراريط ولا سيما بالنسبة إلى مشقة ذلك العمل وسهولته وعلى هذا فيقال إنما خص قيراطي الصلاة والدفن بالذكر لكونهما المقصودين بخلاف باقي أحوال الميت فإنها وسائل ولكن هذا يخالف ظاهر سياق الحديث الذي في الصحيح المتقدم في كتاب الإيمان فإن فيه أن لمن تبعها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها قيراطين فقط ويجاب عن هذا بان القيراطين المذكورين لمن شهد والذي ذكره بن عقيل لمن باشر الأعمال التي يحتاج إليها الميت فافترقا وقد ورد لفظ القيراط في عدة أحاديث فمنها ما يحمل على القيراط المتعارف ومنها ما يحمل على الجزء في الجملة وأن لم تعرف النسبة فمن الأول حديث كعب بن مالك مرفوعا إنكم ستفتحون بلدا يذكر فيها القيراط وحديث أبي هريرة مرفوعا كنت أرعى غنما لأهل مكة بالقراريط قال بن ماجة عن بعض شيوخه يعني كل شاة بقيراط وقال غيره قراريط جبل بمكة ومن المحتمل حديث بن عمر في الذين أوتوا التوراة أعطوا قيراطا قيراطا وحديث الباب وحديث أبي هريرة من اقتنى كلبا نقص من عمله كل يوم قيراط وقد جاء تعيين(1/238)
مقدار القيراط في حديث الباب بأنه مثل أحد كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه وفي رواية عند أحمد والطبراني في الأوسط من حديث بن عمر قالوا يا رسول الله مثل قراريطنا هذه قال لا بل مثل أحد قال النووي وغيره لا يلزم من ذكر القيراط في الحديثين تساويهما لأن عادة الشارع تعظيم الحسنات وتخفيف مقابلها والله أعلم وقال بن العربي القاضي الذرة جزء من ألف وأربعة وعشرين جزءا من حبة والحبة ثلث القيراط فإذا كانت الذرة تخرج من النار فكيف بالقيراط قال وهذا قدر قيراط الحسنات فأما قيراط السيآت فلا وقال غيره القيراط في اقتناء الكلب جزء من أجزاء عمل المقتنى له في ذلك اليوم وذهب الأكثر إلى أن المراد بالقيراط في حديث الباب جزء من أجزاء معلومة عند الله وقد قربها النبي صلى الله عليه وسلم للفهم بتمثيله القيراط بأحد قال الطيبي قوله مثل أحد تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ القيراط والمراد منه أنه يرجع بنصيب كبير من الأجر وذلك لأن لفظ القيراط مبهم من وجهين فبين الموزون بقوله من الأجر وبين المقدار المراد منه بقوله مثل أحد وقال الزين بن المنير أراد تعظيم الثواب فمثله للعيان بأعظم الجبال خلقا وأكثرها إلى النفوس المؤمنه حبا لأنه الذي قال في حقه أنه جبل يحبنا ونحبه انتهى ولأنه أيضا قريب من المخاطبين يشترك أكثرهم في معرفته وخص القيراط بالذكر لأنه كان أقل ما تقع به الاجارة في ذلك الوقت أو جرى ذلك مجرى العادة من تقليل الأجر بتقليل العمل واستدل بقوله من تبع على أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي امامها لأن ذلك هو حقيقة الأتباع حسا قال بن دقيق العيد الذين رجحوا المشي امامها حملوا الأتباع هنا على الأتباع المعنوي أي المصاحبة وهو أعم من أن يكون امامها أو خلفها أو غير ذلك وهذا مجاز يحتاج إلى أن يكون الدليل الدال على استحباب التقدم راجحا انتهى وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب السرعة بالجنازة وذكرنا اختلاف العلماء في(1/239)
ذلك بما يغنى عن اعادته قوله أكثر علينا أبو هريرة قال بن التين لم يتهمه بن عمر بل خشي عليه السهو أو قال ذلك لكونه لم ينقل له عن أبي هريرة أنه رفعه فظن أنه قال برأيه فاستنكره والثاني جمود على سياق رواية البخاري وقد بينا أن في رواية مسلم أنه رفعه وكذا في رواية خباب عن أبي هريرة عند مسلم أيضا وقال الكرماني قوله أكثر علينا أي في ذكر الأجر أو في كثرة الحديث كأنه خشي لكثرة رواياته أن يشتبه عليه بعض الأمر انتهى ووقع في رواية أبي سلمة عند سعيد بن منصور فبلغ ذلك بن عمر فتعاظمه وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد أيضا ومسدد وأحمد بإسناد صحيح فقال بن عمر يا أبا هريرة انظر ما تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فصدقت يعني عائشة أبا هريرة لفظ يعني للبخاري كأنه شك فاستعملها وقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي النعمان شيخه فلم يقلها وفي رواية مسلم فبعث بن عمر إلى عائشة يسألها فصدقت أبا هريرة وفي رواية أبي سلمة عند الترمذي فذكر ذلك لابن عمر فأرسل إلى عائشة فسألها عن ذلك فقالت صدق وفي رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم فأرسل بن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت حتى رجع إليه الرسول فقال قالت عائشة صدق أبو هريرة ووقع في رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد بن منصور فقام أبو هريرة فأخذ بيده فانطلقا حتى أتيا عائشة فقال لها يا أم المؤمنين أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره فقالت اللهم نعم ويجمع بينهما بأن الرسول لما رجع إلى بن عمر يخبر عائشة بلغ ذلك أبا هريرة فمشى إلى بن عمر فاسمعه ذلك من عائشة مشافهه وزاد في رواية الوليد فقال أبو هريرة لم يشغلنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودي ولا صفق بالأسواق وإنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلة يطعمنيها أو كلمة يعلمنيها قال له بن عمر كنت الزمنا لرسول الله صلى الله عليه(1/240)
وسلم واعلمنا بحديثه قوله لقد فرطنا في قراريط كثيرة أي من عدم المواظبه على حضور الدفن بين ذلك مسلم في روايته من طريق بن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال كان بن عمر يصلي على الجنازة ثم ينصرف فلما بلغه حديث أبي هريرة قال فذكره وفي هذه القصة دلالة على تميز أبي هريرة في الحفظ وأن إنكار العلماء بعضهم على بعض قديم وفيه استغراب العالم ما لم يصل إلى علمه وعدم مبالاة الحافظ بانكار من لم يحفظ وفيه ما كان الصحابة عليه من التثبت في الحديث النبوي والتحرز فيه والتنقيب عليه وفيه دلالة على فضيلة بن عمر من حرصه على العلم وتاسفه على ما فاته من العمل الصالح قوله فرطت ضيعت من أمر الله كذا في جميع الطرق وفي بعض النسخ فرطت من أمر الله أي ضيعت وهو أشبه وهذه عادة المصنف إذا أراد تفسير كلمة غريبة من الحديث ووافقت كلمة من القرآن فسر الكلمة التي من القرآن وقد ورد في رواية سالم المذكورة بلفظ لقد ضيعنا قراريط كثيرة تكملة وقع لي حديث الباب من رواية عشرة من الصحابة غير أبي هريرة وعائشة من حديث ثوبان عند مسلم والبراء وعبد الله بن مغفل عند النسائي وأبي سعيد عند أحمد وابن مسعود عند أبي عوانة واسانيد هؤلاء الخمسة صحاح ومن حديث أبي بن كعب عند بن ماجة وابن عباس عند البيهقي في الشعب وأنس عند الطبراني في الأوسط وواثلة بن الأسقع عند بن عدي وحفصة عند حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال وفي كل من أسانيد هؤلاء الخمسة ضعف وسأشير إلى ما فيها من فائدة زائدة في الكلام على الحديث في الباب الذي يلي هذا(1/241)
قوله باب من أنتظر حتى تدفن قال الزين بن المنير لم يذكر المصنف جواب من أما استغناء بما ذكر في الخبر أو توقفا على اثبات الاستحقاق بمجرد الانتظار أن خلا عن أتباع قال وعدل عن لفظ الشهود كما هو في الخبر إلى لفظ الانتظار لينبه على أن المقصود من الشهود إنما هو معاضدة أهل الميت والتصدي لمعونتهم وذلك من المقاصد المعتبرة انتهى والذي يظهر لي أنه أختار لفظ الانتظار لكونه أعم من المشاهدة فهو أكثر فائدة وأشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الانتظار ليفسر اللفظ الوارد بالمشاهدة به ولفظ الانتظار وقع في رواية معمر عند مسلم وقد ساق البخاري سندها ولم يذكر لفظها ووقعت هذه الطريق في بعض الروايات التي لم تتصل لنا عن البخاري في هذا الباب أيضا(1/242)
قوله حدثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي قوله عن أبيه يعني أبا سعيد كيسان المقبري وهو ثابت في جميع الطرق وحكى الكرماني أنه سقط من بعض الطرق قلت والصواب إثباته وكذا أخرجه إسحاق بن راهويه والإسماعيلي وغيرهما من طريق بن أبي ذئب نعم سقط قوله عن أبيه من رواية بن عجلان عند أبي عوانة وعبد الرحمن بن إسحاق عند بن أبي شيبة وأبي معشر عند حميد بن زنجويه ثلاثتهم عن سعيد المقبري تنبيه لم يسق البخاري لفظ رواية أبي سعيد ولفظه عند الإسماعيلي أنه سأل أبا هريرة ما ينبغي في الجنازة فقال سأخبرك بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تبعها من أهلها حتى يصلى عليها فله قيراط مثل أحد ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيرطان قوله وحدثني عبد الرحمن هو معطوف على مقدر أي قال بن شهاب حدثني فلان بكذا وحدثني عبد الرحمن الأعرج بكذا قوله حتى يصلى زاد الكشميهني عليه واللام للأكثر مفتوحه وفي بعض الروايات بكسرها ورواية الفتح محمولة عليها فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة من الذي يحصل له كما تقدم تقريره وللبيهقي من طريق محمد بن علي الصائغ عن أحمد بن شبيب شيخ البخاري فليه بلفظ حتى يصلي عليها وكذا هو عند مسلم من طريق بن وهب عن يونس ولم يبين في هذه الرواية ابتداء الحضور وقد تقدم بيانه في رواية أبي سعيد المقبري حيث قال من أهلها وفي رواية خباب عند مسلم من خرج مع جنازة من بيتها ولأحمد في حديث أبي سعيد الخدري فمشى معها من أهلها ومقتضاه أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة وبذلك صرح المحب الطبري وغيره والذي يظهر في أن القيراط يحصل أيضا لمن صلى فقط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع مثلا وصلى ورواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ اصغرهما مثل أحد يدل على أن القراريط تتفاوت ووقع أيضا في رواية أبي صالح المذكورة عند مسلم من صلى على جنازة ولم يتبعها فله(1/243)
قيراط وفي رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند أحمد ومن صلى ولم يتبع فله قيراط فدل على أن الصلاة تحصل القيراط وأن لم يقع أتباع ويمكن أن يحمل الأتباع هنا على ما بعد الصلاة وهل يأتي نظير هذا في قيراط الدفن فيه بحث قال النووي في شرح البخاري عند الكلام على طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب الإيمان بلفظ من أتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين الحديث ومقتضى هذا أن القيراطين إنما يحصلان لمن كان معها في جميع الطريق حتى تدفن فإن صلى مثلا وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له الا قيراط واحد انتهى وليس في الحديث ما يقتضي ذلك الا من طريق المفهوم فإن ورد منطوق بحصول القيراط لشهود الدفن وحده كان مقدما ويجمع حينئذ بتفاوت القيراط والذين أبوا ذلك جعلوه من باب المطلق والمقيد نعم مقتضى جميع الأحاديث أن من اقتصر على التشييع فلم يصل ولم يشهد الدفن فلا قيراط له الا على الطريقة التي قدمناها عن بن عقيل لكن الحديث الذي اوردناه عن البراء في ذلك ضعيف وأما التقييد بالإيمان والاحتساب فلا بد منه لأن ترتب الثواب على العمل يستدعى سبق النية فيه فيخرج من فعل ذلك على سبيل المكافأة المجردة أو على سبيل المحاباة والله أعلم قوله ومن شهد كذا في جميع الطرق بحذف المفعول وفي رواية البيهقي التي أشرت إليها ومن شهدها قوله فله قيراطان ظاهره إنهما غير قيراط الصلاة وهو ظاهر سياق أكثر الروايات وبذلك جزم بعض المتقدمين وحكاه بن التين عن القاضي أبي الوليد لكن سياق رواية بن سيرين يأبى ذلك وهي صريحة في أن الحاصل من الصلاة ومن الدفن قيراطان فقط وكذلك رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم بلفظ من خرج مع جنازة من بيتها ثم تبعها حتى كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع كان له قيراط وكذلك رواية الشعبي عن أبي هريرة عند النسائي بمعناه ونحوه(1/244)
رواية نافع بن جبير قال النووي رواية بن سيرين صريحة في أن المجموع قيراطان ومعنى رواية الأعرج على هذا كان له قيراطان أي بالأول وهذا مثل حديث من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قال الليل كله أي بانضمام صلاة العشاء قوله حتى يدفن ظاهره أن حصول القيراط متوقف على فراغ الدفن وهو أصح الأوجه عند الشافعية وغيرهم وقيل يحصل بمجرد الوضع في اللحد وقيل عند انتهاء الدفن قبل إهالة التراب وقد وردت الأخبار بكل ذلك ويترجح الأول للزيادة فعند مسلم من طريق معمر في إحدى الروايتين عنه حتى يفرغ منها وفي الأخرى حتى توضع في اللحد وكذا عنده في رواية أبي حازم بلفظ حتى توضع في القبر وفي رواية بن سيرين والشعبي حتى يفرغ منها وفي رواية أبي مزاحم عند أحمد حتى يقضي قضاؤها وفي رواية أبي سلمة عند الترمذي حتى يقضي دفنها وفي رواية بن عياض عند أبي عوانة حتى يسوى عليها أي التراب وهي أصرح الروايات في ذلك ويحتمل حصول القيراط بكل من ذلك لكن يتفاوت القيراط كما تقدم قوله قيل وما القيراطان لم يعين في هذه الرواية القائل ولا المقول له وقد بين الثاني مسلم في رواية الأعرج هذه فقال قيل وما القيراطان يا رسول الله وعنده في حديث ثوبان سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيراط وبين القائل أبو عوانة من طريق أبي مزاحم عن أبي هريرة ولفظه قلت وما القيراط يا رسول الله ووقع عند مسلم أن أبا حازم أيضا سأل أبا هريرة عن ذلك قوله مثل الجبلين العظيمين سبق أن في رواية بن سيرين وغيره مثل أحد وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند بن أبي شيبة القيراط مثل جبل أحد وكذا في حديث ثوبان عند مسلم والبراء عند النسائي وأبي سعيد عند أحمد ووقع عند النسائي من طريق الشعبي فله قيراطان من الأجر كل واحد منهما أعظم من أحد وتقدم أن في رواية أبي صالح عند مسلم اصغرهما مثل أحد وفي رواية أبي بن كعب عند بن ماجة القيراط أعظم من أحد(1/245)
هذا كأنه أشار إلى الجبل عند ذكر الحديث وفي حديث واثلة عند بن عدي كتب له قيراطان من أجر اخفهما في ميزانه يوم القيامة اثقل من جبل أحد فافادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد وأن المراد به زنة الثواب المرتب على ذلك العمل وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم الترغيب في شهود الميت والقيام بأمره والحض على الاجتماع له والتنبيه على عظيم فضل الله وتكريمه للمسلم في تكثير الثواب لم يتولى أمره بعد موته وفيه تقدير الأعمال بنسبة الأوزان إما تقريبا للإفهام وأما على حقيقته والله أعلم
الجوهرة 20
حدثنا عبدان: أخبرنا عبد الله، عن يونس، عن الزُهري: أخبرني أبو سلمة ابن عبد الرحمن: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني).
... ... البخاري –كتاب الأحكام –باب 1:قول الله نعالى: { أطيعوا الله
... ... مسلم –كتاب الامارة- باب 8 : وجوب طاعة الامراء في غير المعصية وتحريمها في المعصية
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/246)
قوله باب قول الله تعالى {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم }في هذا إشارة من المصنف الى ترجيح القول الصائر الى ان الآية نزلت في طاعة الأمراء خلافا لمن قال نزلت في العلماء وقد رجح ذلك أيضا الطبري وتقدم في تفسيرها في سورة النساء بسط القول في ذلك وقال بن عيينة سألت زيد بن أسلم عنها ولم يكن بالمدينة أحد يفسر القرآن بعد محمد بن كعب مثله فقال اقرأ ما قبلها تعرف فقرأت {ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل }الآية فقال هذه في الولاة والنكتة في اعادة العامل في الرسول دون أولي الأمر مع ان المطاع في الحقيقة هو الله تعالى كون الذي يعرف به ما يقع به التكليف هما القرآن والسنة فكأن التقدير أطيعوا الله فيما نص عليكم في القرآن وأطيعوا الرسول فيما بين لكم من القرآن وما ينصه عليكم من السنة أو المعنى أطيعوا الله فيما يأمركم به من الوحي المتعبد بتلاوته وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من الوحي الذي ليس بقرآن ومن بديع الجواب قول بعض التابيعن لبعض الأمراء من بني أمية لما قال له أليس الله أمركم أن تطيعونا في قوله {وأولي الأمر منكم }فقال له أليس قد نزعت عنكم يعني الطاعة إذا خالفتم الحق بقوله {فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله} قال الطيبي أعاد الفعل في قوله وأطيعوا الرسول إشارة الى استقلال الرسول بالطاعة ولم يعده في أولى الأمر إشارة الى انه يوجد فيهم من لا تجب طاعته ثم بين ذلك بقوله {فان تنازعتم في شيء} كأنه قيل فان لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم وردوا ما تخالفتم فيه الى حكم الله ورسوله وذكر فيه حديثين أحدهما حديث أبي هريرة(1/247)
- قوله عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد قوله من أطاعني فقد أطاع الله هذه الجملة منتزعة من قوله تعالى{ من يطع الرسول فقد أطاع الله }أي لأني لا آمر الا بما أمر الله به فمن فعل ما آمره به فانما أطاع من أمرني أن آمره ويحتمل ان يكون المعنى لأن الله أمر بطاعتي فمن أطاعني فقد أطاع أمر الله له بطاعتي وفي المعصية كذلك والطاعة هي الإتيان بالمأمور به والانتهاء عن المنهي عنه والعصيان بخلافه قوله ومن أطاع أميري فقد أطاعني في رواية همام والأعرج وغيرهما عند مسلم ومن أطاع الأمير ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد فان كل من يأمر بحق وكان عادلا فهو أمير الشارع لأنه تولى بأمره وبشريعته ويؤيده توحيد الجواب في الأمرين وهو قوله فقد أطاعني أي عمل بما شرعته وكأن الحكمة في تخصيص أميره بالذكر انه المراد وقت الخطاب ولأنه سبب ورود الحديث واما الحكم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ووقع في رواية همام أيضا ومن يطع الأمير فقد أطاعني بصيغة المضارعة وكذا ومن يعص الأمير فقد عصاني وهو أدخل في إرادة تعيم من خوطب ومن جاء من بعد ذلك قال بن التين قيل كانت قريش ومن يليها من العرب لا يعرفون الامارة فكانوا يمتنعون على الأمراء فقال هذا القول يحثهم على طاعة من يأمرهم عليهم والانقياد لهم إذا بعثهم في السرايا وإذا ولاهم البلاد فلا يخرجوا عليهم لئلا تفترق الكلمة قلت هي عبارة الشافعي في الأم ذكره في سبب نزولها وعجبت لبعض شيوخنا الشراح من الشافعية كيف قنع بنسبة هذا الكلام الى بن التين معبرا عنه بصيغة قيل وابن التين انما أخذه من كلام الخطابي ووقع عند أحمد وأبي يعلى والطبراني من حديث بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال ألستم تعلمون أن من أطاعني فقد أطاع الله وان من طاعة الله طاعتي قالوا بلى نشهد قال فان من طاعتي أن تطيعوا أمراءكم وفي لفظ أئمتكم وفي الحديث وجوب طاعة ولاة الأمور وهي مقيدة بغير(1/248)
الأمر بالمعصية كما تقدم في أوائل الفتن والحكمة في الأمر بطاعتهم المحافظة على اتفاق الكلمة لما في الافتراق من الفساد
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
حدثنا يحيى بن يحيى. أخبرنا المغيرة بن عبدالرحمن الحزامي عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني. ومن يعص الأمير فقد عصاني).
-وحدثنيه زهير بن حرب. حدثنا ابن عيينة عن أبي الزناد، بهذا الإسناد، ولم يذكر (ومن يعص الأمير فقد عصاني).
- وحدثني حرملة بن يحيى. أخبرنا ابن وهب. أخبرني يونس عن ابن شهاب. أخبره قال: حدثنا أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال (من أطاعني فقد أطاع الله. ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصى أميري فقد عصاني).
-وحدثنا سعيد بن منصور. وقتيبة بن سعيد. كلاهما عن يعقوب. قال سعيد: حدثنا يعقوب بن عبدالرحمن عن أبي حازم، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة. قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك. ومنشطك ومكرهك. وأثرة عليك
*حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْر مِنْكُمْ} (4 النساء الاَية: ) فِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيَ السّهْمِيّ. بَعَثَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيّةٍ. أَخْبَرَنِيهِ يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.(1/249)
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الحِزَامِيّ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللّه. وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللّهَ. وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي. وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي".
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: "وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَهُ قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ. وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللّهَ. وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي. وَمَنْ عَصَىَ أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي".
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ أَنّ أَبَا يُونُسَ، مَوْلَىَ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِذَلِكَ. وَقَالَ: "مَنْ أَطَاعَ الأَمِيرَ" وَلَمْ يَقُلْ "أَمِيرِي". وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ هَمّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.(1/250)
وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاَهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ. قَالَ سَعِيدٌ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السّمّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكَ السّمْعُ وَالطّاعَةُ. فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ. وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ. وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ بَرّادٍ الأَشْعَرِيّ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرَ قَالَ: إنّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإنْ كَانَ عَبْداً مُجَدّعَ الأَطْرَافِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَدّتِي تُحَدّثُ أَنّهَا سَمِعَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ. وَهُوَ يَقُولُ: "وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللّهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا.
وحدّثناه ابْنُ بَشّارٍ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ "عَبْداً حَبَشِياً".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ بْنُ الْجَرّاحِ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: "عَبْداً حَبَشِياً مُجَدّعاً".
وحدّثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "حَبَشِياً مُجَدّعاً" وَزَادَ: أَنّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى، أَوْ بِعَرَفَاتٍ.(1/251)
وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَىَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدّتِهِ أُمّ الْحُصَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَجّةَ الْوَدَاعِ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلاً كَثِيراً. ثُمّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنْ أُمّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدّعٌ (حَسِبْتُهَا قَالَتْ) أَسْوَدُ، يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللّهِ. فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السّمْعُ وَالطّاعَةُ. فِيمَا أَحَبّ وَكَرِهَ. إلاّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ. فَإنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّىَ). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَلِيَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشاً وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً. فَأَوْقَدَ نَاراً. وَقَالَ: ادْخُلُوهَا. فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: إنّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ، لِلّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: "لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ" وَقَالَ لِلاَخَرِينَ قَوْلاً حَسَناً. وَقَالَ: "لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ. إنّمَا الطّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ".(1/252)
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. وَتَقَارَبُوا فِي اللّفْظِ. قَالُوا: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَلِيَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيّةً. وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا. فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ. فَقَالَ: اجْمَعُوا لِي حَطَباً. فَجَمَعُوا لَهُ. ثُمّ قَالَ: أَوْقِدُوا نَاراً. فَأَوْقَدُوا. ثُمّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَىَ. قَالَ: فَادْخُلُوهَا. قَالَ: فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَىَ بَعْضٍ. فَقَالُوا: إنّمَا فَرَرْنَا إلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ النّارِ. فَكَانُوا كَذَلِكَ. وَسَكَنَ غَضَبُهُ. وَطُفِئَتِ النّارُ. فَلَمّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا. إنّمَا الطّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ وَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ. فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ. وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ. وَعَلَىَ أَثَرَةٍ عَلَيْنَا. وَعَلَىَ أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ. وَعَلَىَ أَنْ نَقُولَ بِالْحَقّ أَيْنَمَا كُنّا. لاَ نَخَافُ فِي اللّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.(1/253)
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ) عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ الْهَادِ)، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ. حَدّثَنِي أَبِي قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ.
حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا عَمّي، عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ. حَدّثَنِي بُكَيْرٌ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَىَ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَقُلْنَا: حَدّثْنَا، أَصْلَحَكَ اللّهُ، بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللّهُ بِهِ، سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ. فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا. وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ. قَالَ: "إلاّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ".
أجمع العلماء على وجوبها في غير معصية وعلى تحريمها في المعصية، نقل الإجماع على هذا القاضي عياض وآخرون. قوله: (نزل قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} في عبد الله بن حذافة) أمير السرية. قال العلماء: المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم، وقيل هم العلماء، وقيل الأمراء والعلماء، وأما من قال الصحابة خاصة فقط فقد أخطأ.(1/254)
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني" وقال في المعصية مثله لأن الله تعالى أمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر هو صلى الله عليه وسلم بطاعة الأمير فتلازمت الطاعة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك" قال العلماء: معناه تجب طاعة ولاة الأمر فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية، فإن كانت لمعصية فلا سمع ولا طاعة كما صرح به في الأحاديث الباقية، فتحمل هذه الأحاديث المطلقة لوجوب طاعة ولاة الأمور على موافقة تلك الأحاديث المصرحة بأنه لا سمع ولا طاعة في المعصية، والأثرة بفتح الهمزة والثاء ويقال بضم الهمزة وإسكان الثاء وبكسر الهمزة وإسكان الثاء ثلاث لغات حكاهن في المشارق وغيره، وهي الاستئثار وإِلاختصاص بأمور الدنيا عليكم أي اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم، وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال وسببها اجتماع كلمة المسلمين فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم.
قوله: (إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مجدع الأطراف) يعني مقطوعها والمراد أخس العبيد، أي أسمع وأطيع للأمير وإن كان دنيء النسب حتى لو كان عبداً أسود مقطوع الأطراف فطاعته واجبة، وتتصور امارة العبد إذا ولاه بعض الأئمة أو إذا تغلب على البلاد بشوكته وأتباعه، ولا يجوز ابتداء عقد الولاية له مع إِلاختيار بل شرطها الحرية.(1/255)
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأمر عليهم رجلاً فأوقد ناراً وقال أدخلوها، إلى قوله: لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف" هذا موافق للأحاديث الباقية أنه لا طاعة في معصية إنما هي في المعروف وهذا الذي فعله هذا الأمير، قيل أراد امتحانهم، وقيل كان مازحاً، قيل إن هذا الرجل عبد الله بن حذافة السهمي وهذا ضعيف لأنه قال في الرواية التي بعدها إنه رجل من الأنصار فدل على أنه غيره. قوله صلى الله عليه وسلم: "لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة" هذا مما علمه صلى الله عليه وسلم بالوحي وهذا التقييد بيوم القيامة مبين للرواية المطلقة بأنهم لا يخرجون منها لودخلوها.(1/256)
قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" هكذا هو لمعظم الرواة، وفي معظم النسخ بواحاً بالواو، وفي بعضها براحاً والباء مفتوحة فيهما ومعناهما كفراً ظاهراً، والمراد بالكفر هنا المعاصي، ومعنى عندكم من الله فيه برهان أي تعلمونه من دين الله تعالى، ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل، وحكى عن المعتزلة أيضاً فغلط من قائله مخالف للإجماع، قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه. قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها، قال: وكذلك عند جمهورهم البدعة، قال: وقال بعض البصريين تنعقد له وتستدام له لأنه متأول، قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه، فإن تحققوا العجز لم يجب القيام، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه، قال: ولا تنعقد لفاسق ابتداء، فلو طرأ على الخليفة فسق قال بعضهم: يجب خلعه إلا أن تترتب عليه فتنة وحرب. وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل(1/257)
الحقوق ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك. قال القاضي: وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع، وقد ورد عليه بعضهم هذا بقيام الحسن وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث، وتأول هذا القائل قوله أن لا ننازع الأمر أهله في أئمة العدل، وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق بل لما غير من الشرع وظاهر من الكفر، قال القاضي: وقيل إن هذا الخلاف كان أولاً ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم والله أعلم. قوله: يعنا على السمع المراد بالمبايعة المعاهدة وهي مأخوذة من البيع لأن كل واحد من المتبايعين كان يمد يده إلى صاحبه، وكذا هذه البيعة تكون بأخذ الكف، وقيل سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم الله تعالى من عظيم الجزاء، قال الله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} الاَية. قوله: "وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم" معناه نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان، الكبار والصغار، لا نداهن فيه أحداً ولا نخافه هو، ولا نلتفت إلى الأئمة ففيه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأجمع العلماء على أنه فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه أو مال أو على غيره سقط الإنكار بيده ولسانه ووجبت كراهته بقلبه، هذا مذهبنا ومذهب الجماهير، وحكى القاضي هنا عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقاً في هذه الحالة وغيرها
الجوهرة 21
حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تكفل الله لمن جاهد في سبيله، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته، بأن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة).(1/258)
... ... البخاري-كتاب فرض الخمس-باب 8 : أحلت لكم تالغنائم
... ... مسلم –كناب الإمارة-26--:الجهاد من الايمان
وأحرجه البخاري في كتاب الجهاد - باب: 2 - أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله. ،ولفظه:
المجاهد في سبيل الله، والله أعلم بمن يجاهد في سبيله، كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه: أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالما مع أجر أوغنيمة:
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/259)
قوله مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله فيه إشارة إلى اعتبار الإخلاص وسيأتي بيانه في حديث أبي موسى بعد اثنى عشر بابا قوله كمثل الصائم القائم ولمسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا وصيام زاد النسائي من هذا الوجه الخاشع الراكع الساجد وفي الموطأ وابن حبان كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع ولأحمد والبزار من حديث النعمان بن بشير مرفوعا مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم نهاره القائم ليله وشبه حال الصائم القائم بحال المجاهد في سبيل الله في نيل الثواب في كل حركة وسكون لأن المراد من الصائم القائم من لا يفتر ساعة عن العبادة فأجره مستمر وكذلك المجاهد لاتضيع ساعة من ساعاته بغير ثواب لما تقدم من حديث أن المجاهد لتستن فرسه فيكتب له حسنات وأصرح منه قوله تعالى{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (التوبة : 120ا قوله وتوكل الله الخ تقدم معناه مفردا في كتاب الإيمان من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة وسياقه أتم ولفظه انتدب الله ولمسلم من هذا الوجه بلفظ تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وفيه التفات وأن فيه انتقالا من ضمير الحضور إلى ضمير الغيبة وقال بن مالك فيه حذف القول والاكتفاء بالمقول وهو سائغ شائع سواء كان حالا أو غير حال فمن الحال قوله تعالى{ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) }(غافر : 7 أي قائلين ربنا وهذا مثله أي(1/260)
قائلا لا يخرجه الخ وقد اختلفت الطرق عن أبي هريرة في سياقه فرواه مسلم من طريق الأعرج عنه بلفظ تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا جهاد في سبيله وتصديق كلمته وسيأتي كذلك من طريق أبي الزناد في كتاب الخمس وكذلك أخرجه مالك في الموطأ عن أبي الزناد في كتاب الخمس وأخرجه الدارمي من وجه آخر عن أبي الزناد بلفظ لا يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله وتصديق كلماته نعم أخرجه أحمد والنسائي من حديث بن عمر فوقع في روايته التصريح بأنه من الأحاديث الإلهية ولفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكى عن ربه قال أيما عبد من عبادي خرج مجاهدا في سبيلي ابتغاء مرضاتي ضمنت له إن رجعته أن أرجعه بما أصاب من أجر أو غنيمة الحديث رجاله ثقات وأخرجه الترمذي من حديث عبادة بلفظ يقول الله عز وجل المجاهد في سبيلي هو علي ضامن إن رجعته رجعته بأجر أو غنيمة الحديث وصححه الترمذي وقوله تضمن الله وتكفل الله وانتدب الله بمعنى واحد ومحصله تحقيق الوعد المذكور في قوله تعالى {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة }وذلك التحقيق على وجه الفضل منه سبحانه وتعالى وقد عبر صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه وتعالى بتفضله بالثواب بلفظ الضمان ونحوه مما جرت به عادة المخاطبين فيما تطمئن به نفوسهم وقوله لا يخرجه إلا الجهاد نص على اشتراط خلوص النية في الجهاد وقوله فهو على ضامن أي مضمون أو معناه أنه ذو ضمان قوله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أي بأن يدخله الجنة إن توفاه في رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان ان توفاه بالشرطية والفعل الماضي أخرجه الطبراني وهو أوضح قوله أن يدخله الجنة أي بغير حساب ولا عذاب أو المراد أن يدخله الجنة ساعة موته كما ورد أن أرواح الشهداء تسرح في الجنة وبهذا التقرير يندفع إيراد من قال ظاهر الحديث التسوية بين الشهيد والراجع سالما لأن حصول الأجر يستلزم دخول الجنة ومحصل الجواب أن المراد(1/261)
بدخول الجنة دخول خاص قوله أو يرجعه بفتح أوله وهو منصوب بالعطف على يتوفاه قوله مع أجر أو غنيمة أي مع أجر خالص إن لم يغنم شيئا أو مع غنيمة خالصة معها اجر وكأنه سكت عن الأجر الثاني الذي مع الغنيمة لنقصه بالنسبة إلى الأجر الذي بلا غنيمة والحامل على هذا التأويل أن ظاهر الحديث أنه إذا غنم لا يحصل له أجر وليس ذلك مرادا بل المراد أو غنيمة معها أجر انقص من أجر من لم يغنم لأن القواعد تقتضي أنه عند عدم الغنيمة أفضل منه وأتم أجرا عند وجودها فالحديث صريح في نفي الحرمان وليس صريحا في نفي الجمع وقال الكرماني معنى الحديث أن المجاهد إما يستشهد أو لا والثاني لا ينفك من أجر أو غنيمة مع إمكان اجتماعهما فهي قضية مانعة الخلو لا الجمع وقد قيل في الجواب عن هذا الاشكال إن أو بمعنى الواو وبه جزم بن عبد البر والقرطبي ورجحها التوربشتي والتقدير بأجر وغنيمة وقد وقع كذلك في رواية لمسلم من طريق الأعرج عن أبي هريرة رواه كذلك عن يحيى بن يحيى عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وقد رواه جعفر الفريابي وجماعة عن يحيى بن يحيى فقالوا أجر أو غنيمة بصيغة أو وقد رواه مالك في الموطأ بلفظ أو غنيمة ولم يختلف عليه إلا في رواية يحيى بن بكير عنه فوقع فيه بلفظ وغنيمة ورواية يحيى بن بكير عن مالك فيها مقال ووقع عند النسائي من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بالواو أيضا وكذا من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة وكذلك أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي أمامة بلفظ بما نال من أجر وغنيمة فإن كانت هذه الروايات محفوظة تعين القول بأن أو في هذا الحديث بمعنى الواو كما هو مذهب نحاة الكوفيين لكن فيه إشكال صعب لأنه يقتضي من حيث المعنى أن يكون الضمان وقع بمجموع الأمرين لكل من رجع وقد لا يتفق ذلك فإن كثيرا من الغزاة يرجع بغير غنيمة فما فر منه الذي ادعى أن أو بمعنى الواو وقع في نظيره لأنه يلزم على ظاهرها أن من رجع بغنيمة رجع بغير(1/262)
أجر كما يلزم على أنها بمعنى الواو أن كل غاز يجمع له بين الأجر والغنيمة معا وقد روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم وهذا يؤيد التأويل الأول وأن الذي يغنم يرجع بأجر لكنه انقص من أجر من لم يغنم فتكون الغنيمة في مقابلة جزء من أجر الغزو فإذا قوبل أجر الغانم بما حصل له من الدنيا وتمتعه به بأجر من لم يغنم مع اشتراكهما في التعب والمشقة كان أجر من غنم دون أجر من لم يغنم وهذا موافق لقول خباب في الحديث الصحيح الآتي فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا الحديث واستشكل بعضهم نقص ثواب المجاهد بأخذه الغنيمة وهو مخالف لما يدل عليه أكثر الأحاديث وقد اشتهر تمدح النبي صلى الله عليه وسلم بحل الغنيمة وجعلها من فضائل أمته فلو كانت تنقص الأجر ما وقع التمدح بها وأيضا فإن ذلك يستلزم أن يكون أجر أهل بدر أنقص من أجر أهل أحد مثلا مع أن أهل بدر أفضل بالاتفاق وسبق إلى هذا الإشكال بن عبد البر وحكاه عياض وذكر أن بعضهم أجاب عنه بأنه ضعف حديث عبد الله بن عمرو لأنه من رواية حميد بن هانئ وليس بمشهور وهذا مردود لأنه ثقة يحتج به عند مسلم وقد وثقه النسائي وابن يونس وغيرهما ولا يعرف فيه تجريح لأحد ومنهم من حمل نقص الأجر على غنيمة أخذت على غير وجهها وظهور فساد هذا الوجه يغني عن الإطناب في رده إذ لو كان الأمر كذلك لم يبق لهم ثلث الأجر ولا أقل منه ومنهم من حمل نقص الأجر على من قصد الغنيمة في ابتداء جهاده وحمل تمامه على من قصد الجهاد محضا وفيه نظر لأن صدر الحديث مصرح بأن المقسم راجع إلى من اخلص لقوله في أوله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي وقال عياض الوجه عندي إجراء الحديثين على ظاهرهما واستعمالهما على وجههما ولم يجب عن الإشكال المتعلق بأهل بدر وقال بن دقيق العيد لاتعارض بين(1/263)
الحديثين بل الحكم فيهما جار على القياس لأن الأجور تتفاوت بحسب زيادة المشقة فيما كان أجره بحسب مشقته إذ للمشقه دخول في الأجر وإنما المشكل العمل المتصل بأخذ الغنائم يعني فلو كانت تنقص الأجر لما كان السلف الصالح يثابرون عليها فيمكن أن يجاب بأن أخذها من جهة تقديم بعض المصالح الجزئية على بعض لأن أخذ الغنائم أول ما شرع كان عونا على الدين وقوة لضعفاء المسلمين وهي مصلحة عظمى يغتفر لها بعض النقص في الأجر من حيث هو وأما الجواب عمن استشكل ذلك بحال أهل بدر فالذي ينبغي أن يكون التقابل بين كمال الأجر ونقصانه لمن يغزو بنفسه إذا لم يغنم أو يغزو فيغنم فغايته أن حال أهل بدر مثلا عند عدم الغنيمة أفضل منه عند وجودها ولا ينفي ذلك أن يكون حالهم أفضل من حال غيرهم من جهة أخرى ولم يرد فيهم نص أنهم لو لم يغنموا كان أجرهم بحاله من غير زيادة ولا يلزم من كونه مغفورا لهم وأنهم أفضل المجاهدين أن لا يكون وراءهم مرتبة أخرى وأما الاعتراض بحل الغنائم فغير وارد إذ لا يلزم من الحل ثبوت وفاء الأجر لكل غاز والمباح في الأصل لا يستلزم الثواب بنفسه لكن ثبت أن أخذ الغنيمة واستيلاءها من الكفار يحصل الثواب ومع ذلك فمع صحة ثبوت الفضل في أخذ الغنيمة وصحة التمدح بأخذها لا يلزم من ذلك أن كل غاز يحصل له من أجر غزاته نظير من لم يغنم شيئا البتة قلت والذي مثل بأهل بدر أراد التهويل وإلا فالأمر على ما تقرر آخرا بأنه لا يلزم من كونهم مع أخذ الغنيمة أنقص أجرا مما لو لم يحصل لهم أجر الغنيمة أن يكونوا في حال أخذهم الغنيمة مفضولين بالنسبة إلى من بعدهم كمن شهد أحدا لكونهم لم يغنموا شيئا بل أجر البدري في الأصل أضعاف أجر من بعده مثال ذلك أن يكون لو فرض أن أجر البدري بغير غنيمة ستمائة وأجر الأحدى مثلا بغير غنيمة مائة فإذا نسبنا ذلك باعتبار حديث عبد الله بن عمرو كان للبدري لكونه أخذ الغنيمة مائتان وهي ثلث الستمائة فيكون أكثر أجرا من(1/264)
الأحدى وإنما امتاز أهل بدر بذلك لكونها أول غزوة شهدها النبي صلى الله عليه وسلم في قتال الكفار وكان مبدأ اشتهار الإسلام وقوة أهله فكان لمن شهدها مثل أجر من شهد المغازي التي بعدها جميعا فصارت لا يوازيها شيء في الفضل والله أعلم واختار بن عبد البر أن المراد بنقص أجر من غنم أن الذي لا يغنم يزداد أجره لحزنه على ما فاته من الغنيمة كما يؤجر من أصيب بما له فكان الأجر لما نقص عن المضاعفة بسبب الغنيمة عند ذلك كالنقص من أصل الأجر ولا يخفى مباينة هذا التأويل لسياق حديث عبد الله بن عمرو الذي تقدم ذكره وذكر بعض المتأخرين للتعبير بثلثي الأجر في حديث عبد الله بن عمرو حكمة لطيفة بالغة وذلك أن الله أعد للمجاهدين ثلاث كرامات دنيويتان وأخروية فالدنيويتان السلامة والغنيمة والاخروية دخول الجنة فإذا رجع سالما غانما فقد حصل له ثلثا ما أعد الله له وبقي له عند الله الثلث وإن رجع بغير غنيمة عوضه الله عن ذلك ثوابا في مقابلة ما فاته وكأن معنى الحديث أنه يقال للمجاهد إذا فات عليك شيء من أمر الدنيا عوضتك عنه ثوابا وأما الثواب المختص بالجهاد فهو حاصل للفريقين معا قال وغاية ما فيه عد ما يتعلق بالنعمتين الدنيويتين أجرا بطريق المجاز والله أعلم وفي الحديث أن الفضائل لاتدرك دائما بالقياس بل هي بفضل الله وفيه استعمال التمثيل في الأحكام وأن الأعمال الصالحة لا تستلزم الثواب لاعيانها وإنما تحصل بالنية الخالصة إجمالا وتفصيلا والله أعلم
+حدثنا حرمي بن حفص قال: حدثنا عبد الواحد قال: حدثنا عمارة قال: حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير قال: سمعت أبا هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(انتدب الله عز وجل لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي، أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل(1/265)
قوله حدثنا حرمى هو اسم بلفظ النسبة وهو بصري يكنى أبا علي قال حدثنا عبد الواحد هو بن زياد البصري العبدي ويقال له الثقفي وهو ثقة متقن قال بن القطان لم يعتل عليه بقادح وفي طبقته عبد الواحد بن زيد بصري أيضا لكنه ضعيف ولم يخرج عنه في الصحيحين شيء قوله حدثنا عمارة هو بن القعقاع بن شبرمة الضبي قوله انتدب الله هو بالنون أي سارع بثوابه وحسن جزائه وقيل بمعنى أجاب إلى المراد ففي الصحاح ندبت فلانا لكذا فانتدب أي أجاب إليه وقيل معناه تكفل بالمطلوب ويدل عليه رواية المؤلف في أواخر الجهاد لهذا الحديث من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ تكفل الله وله في أوائل الجهاد من طريق سعيد بن المسيب عنه بلفظ توكل الله ووقع في رواية الأصيلي هنا ايتدب بياء تحتانيه مهموزه ببدل النون من المأدبة وهو تصحيف وقد وجهوه بتكلف لكن أطباق الرواة على خلافه مع اتحاد المخرج كاف في تخطئته قوله لايخرجه الا إيمان بي كذا هو بالرفع على أنه فاعل يخرج والاستثناء مفرغ وفي رواية مسلم والإسماعيلي الا إيمانا بالنصب قال النووي هو مفعول له وتقديره لا يخرجه المخرج الا الإيمان والتصديق قوله وتصديق برسلي ذكره الكرماني بلفظ أو تصديق ثم استشكله وتكلف الجواب عنه والصواب أسهل من ذلك لأنه لم يثبت في شيء من الروايات بلفظ أو وقوله بي فيه عدول من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلم فهو التفات وقال بن مالك كان اللائق في الظاهر هنا إيمان به ولكنه على تقدير اسم فاعل من القول منصوب على الحال أي انتدب الله لمن خرج في سبيله قائلا لا يخرجه الا إيمان بي ولا يخرجه مقول القول لأن صاحب الحال على هذا التقدير هو الله وتعقبه شهاب الدين بن المرحل بان حذف الحال لا يجوز وأن التعبير باللائق هنا غير لائق فالأولى أنه من باب الالتفات وهو متجه و من طريق الأعرج بلفظ لا يخرجه الا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته تنبيه جاء هذا الحديث من طريق أبي زرعة هذه مشتملا على أمور ثلاثة(1/266)
وقد اختصر المؤلف من سياقه أكثر الأمر الثاني وساقه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق عبد الواحد بن زياد المذكور بتمامه وكذا هو عند مسلم في هذا الحديث من وجه آخر عن عمارة بن القعقاع وجاء الحديث مفرقا من رواية الأعرج وغيره عن أبي هريرة
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
فضل الجهاد والخروج في سبيل اللّه
*وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ (وَهُوَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ) عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَضَمّنَ اللّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلاّ جِهَاداً فِي سَبِيلي، وَإِيمَاناً بِي، وَتَصْدِيقاً بِرُسُلِي. فَهُوَ عَلَيّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنّةَ. أَوْ أَرْجِعَهُ إلَىَ مَسْكَنِهِ الّذِي خَرَجَ مِنْهُ. نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللّهِ، إلاّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ. وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَشُقّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللّهِ أَبَداً. وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ. وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً. وَيَشُقّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلّفُوا عَنّي. وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللّهِ فَأُقْتَلُ. ثُمّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ. ثُمّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ".
وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.(1/267)
وحدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحِزَامِيّ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَكَفّلَ اللّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ. لاَ يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلاّ جِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ. بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنّةَ. أَوْ يَرْجِعَهُ إلَىَ مَسْكَنِهِ الّذِي خَرَجَ مِنْهُ. مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ".
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ، وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إلاّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ، اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللّهِ. ثُمّ تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إذَا طُعِنَتْ تَفَجّرُ دَماً. اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ". وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ فِي يَدِهِ لَوْلاَ أَنْ أَشُقّ عَلَىَ الْمُؤْمِنِينَ مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللّهِ. وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ. وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً فَيَتّبِعُونِي. وَلاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَقْعُدُوا بَعْدِي".(1/268)
وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرِيرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيّةٍ" بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَبِهَذَا الإِسْنَادِ "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ. ثُمّ أُحْيَىَ" بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الوَهّابِ (يَعْنِي الثّقَفِيّ). ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. كُلّهُمْ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقّ عَلَىَ أُمّتِي لأَحْبَبْتُ أَنْ لاَ أَتَخَلّفَ خَلْفَ سَرِيّةٍ" نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَضَمّنَ اللّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ" إلَىَ قوله: "مَا تَخَلّفْتُ خِلاَفَ سَرِيّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللّهِ تَعَالَىَ".(1/269)
قوله صلى الله عليه وسلم: "تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاداً إلى قوله: أن أدخله الجنة" وفي الرواية الأخرى: "تكفل الله" ومعناهما أوجب الله تعالى له الجنة بفضله وكرمه سبحانه وتعالى، وهذا الضمان والكفالة موافق لقوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} الاَية. قوله سبحانه وتعالى: {لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي} هكذا هو في جميع النسخ جهاداً بالنصب وكذا قال بعده: {وإيماناً بي وتصديقاً} وهو منصوب على أنه مفعول له، وتقديره لا يخرجه المخرج ويحركه المحرك إلا للجهاد والإيمان والتصديق. قوله: {لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي وإيماناً بي وتصديقاً برسلي} معناه لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى. قوله في الرواية الأخرى: (وتصديق كلمته) أي كلمة الشهادتين وقيل تصديق كلام الله في الأخبار بما للمجاهد من عظيم ثوابه. قوله تعالى: {فهو علي ضامن} ذكروا في ضامن هنا وجهين: أحدهما: أنه بمعنى مضمون كماء دافق ومدفوق، والثاني: أنه بمعنى ذو ضمان. قوله تعالى: {أن أدخله الجنة} قال القاضي: يحتمل أن يدخل عند موته كما قال تعالى في الشهداء: {أحياء عند ربهم يرزقون} وفي الحديث: (أرواح الشهداء في الجنة) قال: ويحتمل أن يكون المراد دخوله الجنة عند دخول السابقين والمقربين بلا حساب ولا عذاب ولا مؤاخذة بذنب، وتكون الشهادة مكفرة لذنوبه كما صرح به في الحديث الصحيح. قوله: (أو أرجعه إلى مسكنه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة) قالوا معناه ما حصل له من الأجر بلا غنيمة إن لم يغنم، أو من الأجر والغنيمة معاً إن غنموا، وقيل: إن أو هنا بمعنى الواو أي من أجر وغنيمة، وكذا وقع بالواو وفي رواية أبي داود، وكذا وقع في مسلم في رواية يحيى بن يحيى التي بعد هذه بالواو، ومعنى الحديث أن الله تعالى ضمن أن الخارج للجهاد ينال خيراً بكل حال، فإما أن يستشهد فيدخل الجنة، وإما أن يرجع بأجر، وإما أن يرجع(1/270)
بأجر وغنيمة. قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم لونه لون دم وريحه مسك" أما الكلم بفتح الكاف وإسكان اللام فهو الجرح، ويكلم بإسكان الكاف أي يجرح، وفيه دليل على أن الشهيد لا يزول عنه الدم بغسل ولا غيره، والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته أن يكون معه شاهد فضيلته وبذله نفسه في طاعة الله تعالى، وفيه دليل على جواز اليمين وانعقادها بقوله: (والذي نفسي بيده) ونحو هذه الصيغة من الحلف بما دل على الذات ولا خلاف في هذا، قال أصحابنا: اليمين تكون بأسماء الله تعالى وصفاته أو ما دل على ذاته. قال القاضي: واليد هنا بمعنى القدرة والملك. قوله: (والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله) أي خلفها وبعدها، وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على المسلمين والرأفة بهم، وأنه كان يترك بعض ما يختاره للرفق بالمسلمين، وأنه إذا تعارضت المصالح بدأ بأهمها، وفيه مراعاة الرفق بالمسلمين والسعي في زوال المكروه والمشقة عنهم. قوله: (لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل) فيه فضيلة الغزو والشهادة، وفيه تمني الشهادة والخير وتمني ما لا يمكن في العادة من الخيرات، وفيه أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين. قوله صلى الله عليه وسلم: "والله أعلم بمن يكلم في سبيله" هذا تنبيه على الإخلاص في الغزو، وأن الثواب المذكور فيه إنما هو لمن أخلص فيه وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، قالوا: وهذا الفضل وإن كان ظاهره أنه في قتال الكفار فيدخل فيه من خرج في سبيل الله في قتال البغاة وقطاع الطريق، وفي إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "وجرحه يثعب" هو بفتح الياء والعين وإسكان المثلثة بينهما، ومعناه يجري متفجراً أي كثيراً وهو بمعنى الرواية الأخرى(1/271)
يتفجر دماً. قوله صلى الله عليه وسلم: "تكون يوم القيامة كهيئتها إذا طعنت" الضمير في كهيئتها يعود على الجراحة، وإذا طعنت بالألف بعد الذال كذا في جميع النسخ. قوله صلى الله عليه وسلم: "والعرف عرف المسك" هو بفتح العين المهملة وإسكان الراء وهو الريح.
---- باب فضل الشهادة في سبيل اللّه تعالى
*وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ. لَهَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ. يَسُرّهَا أَنّهَا تَرْجِعُ إلَى الدّنْيَا. وَلاَ أَنّ لَهَا الدّنْيَا وَمَا فِيهَا. إلاّ الشّهِيدُ. فَإنّهُ يَتَمَنّىَ أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ فِي الدّنْيَا. لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشّهَادَةِ".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدّثُ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الجَنّةَ. يُحِبّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الدّنْيَا، وَأَنّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ. غَيْرُ الشّهيدِ. فَإنّهُ يَتَمَنّىَ أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرّاتٍ. لِمَا يَرَىَ مِنَ الْكَرَامَةِ".(1/272)
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْوَاسِطِيّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم: مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ؟ قَالَ: "لاَ تَسْتَطِيعُوهُ" قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً. كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ: "لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ". وَقَالَ فِي الثّالِثَةِ: "مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ الصّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللّهِ. لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ. حَتّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللّهِ تَعَالَىَ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. كُلّهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.(1/273)
حدّثني حَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاّمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلاّمٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاّمٍ قَالَ: حَدّثَنِي النّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُبَالِي أَنْ لاَ أَعْمَلَ عَمَلاً بَعْدَ الإِسْلاَمِ. إِلاّ أَنْ أُسْقِيَ الْحَاجّ. وَقَالَ آخَرُ: مَا أُبَالِي أَنْ لاَ أَعْمَلَ عَمَلاً بَعْدَ الإِسْلاَمِ. إِلاّ أَنْ أَعْمُرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. وَقَالَ آخَرُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَفْضَلُ مِمّا قُلْتُمْ. فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ: لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ. وَلَكِنْ إِذَا صَلّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ} (9 التوبة الاَية: ) الاَيَةَ إلَىَ آخِرِهَا.
وحدّثنيهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ حَسّانَ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ. أَخْبَرَنِي زَيْدٌ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاّمٍ قَالَ: حَدّثَنِي النّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ. قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي تَوْبَةَ.(1/274)
قوله: (حدثنا أبو خالد الأحمر عن شعبة عن قتادة وحميد عن أنس) قال أبو علي الغساني: ظاهر هذا الإسناد أن شعبة يرويه عن قتادة وحميد جميعاً عن أنس، قال: وصوابه أن أبا خالد يرويه عن حميد عن أنس ويرويه أبو خالد أيضاً عن شعبة عن قتادة عن أنس، قال: وهكذا قاله عبد الغني بن سعيد، قال القاضي: فيكون حميد معطوفاً على شعبة لا على قتادة، قال: وقد ذكره ابن أبي شيبة في كتابه عن أبي خالد عن حميد وشعبة عن قتادة عن أنس فبينه، وإن كان فيه أيضاً إيهام فإن ظاهره أن حميداً يرويه عن قتادة وليس المراد كذلك بل المراد أن حميداً يرويه عن أنس كما سبق. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أنها ترجع إلى الدنيا ولا أن لها الدنيا وما فيها إلا الشهيد إلى آخره" هذا من صرائح الأدلة في عظيم فضل الشهادة والله المحمود المشكور، وأما سبب تسميته شهيداً فقال النضر بن شميل: لأنه حي فإن أرواحهم شهدت وحضرت دار الإسلام وأرواح غيرهم إنما تشهدها يوم القيامة. وقال ابن الأنباري: إن الله تعالى وملائكته عليهم الصلاة والسلام يشهدون له بالجنة، وقيل لأنه شهد عند خروج روحه ما أعده الله تعالى له من الثواب والكرامة، وقيل لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه، وقيل لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله، وقيل لأن عليه شاهداً بكونه شهيداً وهو الدم، وقيل لأنه ممن يشهد على الأمم يوم القيامة بإبلاغ الرسل الرسالة إليهم وعلى هذا القول يشاركهم غيرهم في هذا الوصف.(1/275)
قوله: (ما يعدل الجهاد في سبيل الله قال لا تستطيعوه) هكذا هو في معظم النسخ لا تستطيعوه، وفي بعضها لا تستطيعونه بالنون وهذا جار على اللغة المشهورة، والأول صحيح أيضاً وهي لغة فصيحة حذف النون من غير ناصب ولا جازم وقد سبق بيانها ونظائرها مرات. قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله إلى آخره" معنى القانت هنا المطيع، وفي هذا الحديث عظيم فضل الجهاد لأن الصلاة والصيام والقيام بآيات الله أفضل الأعمال، وقد جعل المجاهد مثل من لا يفتر عن ذلك في لحظة من اللحظات، ومعلوم أن هذا لا يتأتى لأحد ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لا تستطيعونه" والله أعلم.
الجوهرة 22
حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له). قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: (في كل كبد رطبة أجر)
ـــــــ البخاري- كتاب المساقاة –باب 9 :فضل سقي الماء
ـــــــ مسلم –كتاب السلام- باب 41 :فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
باب فضل سقي الماء أي لكل من احتاج إلى ذلك(1/276)
قوله عن سمي بالمهملة مصغرا زاد في المظالم مولى أبي بكر أي بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قوله عن أبي صالح زاد في المظالم السمان والإسناد منيون الا شيخ البخاري قوله بينا رجل لم أقف على اسمه قوله يمشي قال في المظالم بينما رجل بطريق وللدارقطني في الموطآت من طريق روح عن مالك يمشي بفلاة وله من طرق بن وهب عن مالك يمشي بطريق مكة قوله فاشتد عليه وقعت الفاء هنا موضع إذا كما وقعت إذا موضعها في قوله تعالى{ إذا هم يقنطون }وسقطت هذه الفاء من رواية مسلم وكذا من الرواية الآتية في المظالم للأكثر قوله فاشتد عليه العطش كذا للأكثر وكذا هو في الموطأ ووقع في رواية المستملي العطاش قال بن التين العطاش داء يصيب الغنم تشرب فلا تروي وهو غير مناسب هنا قال وقيل يصح على تقدير أن العطش يحدث منه هذا الداء كالزكام قلت وسياق الحديث يأباه وظاهره أن الرجل سقى الكلب حتى روي ولذلك جوزي بالمغفرة قوله يلهث بفتح الهاء اللهث بفتح الهاء هو ارتفاع النفس من الاعياء وقال بن التين لهث الكلب أخرج لسانه من العطش وكذلك الطائر ولهث الرجل إذا أعيا ويقال إذا بحث بيديه ورجليه قوله يأكل الثرى أي يكدم بفمه الأرض الندية وهي أما صفة وأما حال وليس بمفعول ثان لرأي قوله بلغ هذا مثل بالفتح أي بلغ مبلغا مثل الذي بلغ بي وضبطه الدمياطي بخطه بضم مثل ولا يخفى توجيهه وزاد بن حبان من وجه آخر عن أبي صالح فرحمه قوله فملأ خفه في رواية بن حبان فنزع أحد خفيه قوله ثم أمسكه أي أحد خفيه الذي فيه الماء وإنما أحتاج إلى ذلك لأنه كان يعالج بيديه ليصعد من البئر وهو يشعر بأن الصعود منها كان عسرا قوله ثم رقي بفتح الراء وكسر القاف كصعد وزنا ومعنى وذكره بن التين بفتح القاف بوزن مضى وأنكره وقال عياض في المشارق هي لغة طي يفتحون العين فيما كان من الأفعال معتل اللام والأول أفصح وأشهر قوله فسقى الكلب زاد عبد الله بن دينار عن أبي صالح حتى أرواه أي جعله ريانا(1/277)
قوله فشكر الله له أي أثنى عليه أو قبل عمله أو جازاه بفعله وعلى الأخير فالفاء في قوله فغفر له تفسيرية أو من عطف الخاص على العام وقال القرطبي معنى قوله فشكر الله له أي أظهر ما جازاه به عند ملائكته ووقع في رواية عبد الله بن دينار بدل فغفر له فأدخله الجنة وكذا في رواية بن حبان قوله قالوا سمي من هؤلاء السائلين سراقة بن مالك بن جعشم رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان قوله وأن لنا هو معطوف على شيء محذوف تقديره الأمر كما ذكرت وأن لنا في البهائم أي في سقي البهائم أو الإحسان إلى البهائم أجرا قوله في كل كبد رطبة أجر أي كل كبد حية والمراد رطوبة الحياة أو لأن الرطوبة لازمة للحياة فهو كناية ومعنى الظرفية هنا أن يقدر محذوف أي الأجر ثابت في ارواء كل كبد حية والكبد يذكر ويؤنث ويحتمل أن تكون في سببية كقولك في النفس الدية قال الداودي المعنى في كل كبد حي أجر وهو عام في جميع الحيوان وقال أبو عبد الملك هذا الحديث كان في بني إسرائيل وأما الإسلام فقد أمر بقتل الكلاب وأما قوله في كل كبد فمخصوص ببعض البهائم مما لا ضرر فيه لأن المأمور بقتله كالخنزير لا يجوز أن يقوي ليزداد ضرره وكذا قال النووي أن عمومه مخصوص بالحيوان المحترم وهو ما لم يؤمر بقتله فيحصل الثواب بسقيه ويلتحق به إطعامه وغير ذلك من وجوه الإحسان إليه وقال بن التين لا يمتنع اجراؤه على عمومه يعني فيسقى ثم يقتل لأنا أمرنا بأن نحسن القتلة ونهينا عن المثلة واستدل به على طهارة سؤر الكلب ومما قيل في الرد على من استدل به أنه فعل بعض الناس ولا يدري هل هو كان ممن يقتدى به أم لا والجواب أنا لم نحتج بمجرد الفعل المذكور بل إذا فرعنا على أن شرع من قبلنا شرع لنا فأنا لا نأخذ بكل ما ورد عنهم بل إذا ساقه إمام شرعنا مساق المدح أن علم ولم يقيده صح الاستدلال به وفي الحديث جواز السفر منفردا وبغير زاد ومحل ذلك في شرعنا ما إذا لم يخف على نفسه الهلاك وفيه الحث على(1/278)
الإحسان إلى الناس لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقي الكلب فسقي المسلم أعظم أجرا واستدل به على جواز صدقة التطوع للمشركين وينبغي أن يكون محله ما إذا لم يوجد هناك مسلم فالمسلم أحق وكذا إذا دار الأمر بين البهيمة والآدمي المحترم واستويا في الحاجة فالآدمي أحق والله أعلم :
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
قوله صلى الله عليه وسلم: "في كل كبد رطبة أجر" معناه في الإحسان إلى كل حيوان حي بسقيه ونحوه أجر، وسمي الحي ذا كبد رطبة لأن الميت يجف جسمه وكبده، ففي هذا الحديث الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم وهو ما لا يؤمر بقتله، فأما المأمور بقتله فيمتثل أمر الشرع في قتله، والمأمور بقتله كالكا فر الحربي والمرتد والكلب العقور والفواسق الخمس المذكورات في الحديث وما في معناهن ، وأما المحترم فيحصل الثواب بسقيه والإحسان إليه أيضاً بإطعامه وغيره، سواء كان مملوكاً أو مباحاً ، وسواء كان مملوكاً له أو لغيره والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش" أما الثرى فالتراب الندي، ويقال لهث بفتح الهاء وكسرها يلهث بفتحها لا غير لهثاً بإسكانها والاسم اللهث بفتحها واللهاث بضم اللام ، ورجل لهثان وامرأة لهثى كعطشان وعطشى وهو الذي أخرج لسانه من شدة العطش والحر. قوله : (حتى رقي فسقى الكلب) يقال رقي بكسر القاف على اللغة الفصيحة المشهورة وحكي فتحها وهي لغة طي في كل ما أشبه هذا.
والفواسق الخمس هي:
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيروية الأزدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم الحداة والغراب والفارة والعقرب والكلب العقور .
الجوهرة 23(1/279)
-حدثنا الحميدي: حدثنا سفيان: حدثنا الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار
... ... ... البخاري –كتاب التفسير-باب :وما يهلكنا إلا الدهر
... ... ... مسلم –كتاب الالفاظ من الادب
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
قوله يؤذيني بن آدم كذا أورده مختصرا وقد أخرجه الطبري عن أبي كريب عن بن عيينة بهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار هو الذي يميتنا ويحيينا فقال الله في كتابه { وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (الجاثية : 24قال فيسبون الدهر قال الله تبارك وتعالى يؤذيني بن آدم فذكره قال القرطبي معناه يخاطبني من القول بما يتأذى من يجوز في حقه التأذي والله منزه عن أن يصل إليه الأذى وإنما هذا من التوسع في الكلام والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله قوله وإنا الدهر قال الخطابي معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا بؤسا للدهر وتبا للدهر وقال النووي قوله أنا الدهر بالرفع في ضبط الأكثرين والمحققين ويقال بالنصب على الظرف أي أنا باق أبدا والموافق لقوله إن الله هو الدهر الرفع وهو مجاز وذلك أن العرب كانوا يسبون الدهر عند الحوادث فقال لا تسبوه فإن فاعلها هو الله فكأنه قال لا تسبوا الفاعل فإنكم إذا سببتموه سببتموني أو الدهر هنا بمعنى الداهر فقد حكى الراغب أن الدهر في(1/280)
قوله إن الله هو الدهر غير الدهر في قوله يسب الدهر قال والدهر الأول الزمان والثاني المدبر المصرف لما يحدث ثم استضعف هذا القول لعدم الدليل عليه ثم قال لو كان كذلك لعد الدهر من أسماء الله تعالى انتهى وكذا قال محمد بن داود محتجا لما ذهب إليه من أنه بفتح الراء فكان يقول لو كان بضمها لكان الدهر من أسماء الله تعالى وتعقب بأن ذلك ليس بلازم ولا سيما مع روايته فإن الله هو الدهر قال بن الجوزي يصوب ضم الراء من أوجه أحدها أن المضبوط عند المحدثين بالضم ثانيها لو كان بالنصب يصير التقدير فأنا الدهر أقلبه فلا تكون علة النهي عن سبه مذكورة لأنه تعالى يقلب الخير والشر فلا يستلزم ذلك منع الذم ثالثها الرواية التي فيها فإن الله هو الدهر انتهى وهذه الأخيرة لا تعين الرفع لأن للمخالف أن يقول التقدير فإن الله هو الدهر يقلب فترجح للرواية الأخرى وكذا ذكر علة النهي لا يعين الرفع لأنها تعرف من السياق أي لا ذنب له فلا تسبوه ,
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
باب النهي عن سب الدهر
*وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ وَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ. قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: يَسُبّ ابْنُ آدَمَ الدّهْرَ. فإني أَنَا الدّهْرُ. بِيَدِيَ اللّيْلُ وَالنّهَارُ".(1/281)
وحدّثناه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَاللّفْظُ لاِبْنِ أَبِي عُمَرَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا) سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ، عنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ. يَسُبّ الدّهْرَ. وَأَنَا الدّهْرُ. أُقَلّبُ اللّيْلَ وَالنّهَارَ".
وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ. يَقُولُ: يَا خَيْبَةَ الدّهْرِ فَلاَ يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدّهْرِ فَإِنّي أَنَا الدّهْرُ. أُقَلّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ. فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا".
حدّثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَقُولَنّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدّهْرِ فَإِنّ اللّهَ هُوَ الدّهْرُ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَسُبّوا الدّهْرَ. فَإِنّ اللّهَ هُوَ الدّهْرُ".(1/282)
قوله سبحانه وتعالى: "يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار" وفي رواية: (قال الله تعالى عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار). وفي رواية: "يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما" وفي رواية: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر". أما قوله عز وجل: يؤذيني ابن آدم فمعناه يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم. وأما قوله عز وجل: وأنا الدهر فإنه برفع الراء هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الشافعي وأبو عبيد وجماهير المتقدمين والمتأخرين. وقال أبو بكر ومحمد بن داود الأصبهاني الظاهري : إنما هو الدهر بالنصب على الظرف أي أنا مدة الدهر أقلب ليله ونهاره.وحكى ابن عبد البر هذه الرواية عن بعض أهل العلم. وقال النحاس: يجوز النصب أي فإن الله باق مقيم أبداً لا يزول . قال القاضي : قال بعضهم هو منصوب على التخصيص قال والظرف أصح وأصوب. أما رواية الرفع وهي الصواب فموافقة لقوله: فإن الله هو الدهر. قال العلماء:وهو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها. وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى ، ومعنى فإن الله هو الدهر أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات والله أعلم .
الجوهرة 24
حدثنا عبدان: أخبرنا عبد الله، عن يونس، عن الزُهري: حدثني أبو سلمة: أن أبا هريرة قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثَّل الشيطان بي).(1/283)
قال أبو عبد الله: قال ابن سيرين: إذا رآه في صورته
-البخاري –كتاب التعبير-باب10 :من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
-مسلم –كتاب الرؤيا-باب 1:قول النبي صلى الله عليه وسلم من رآني في المنامفقد رآني+
. شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
قوله عبد الله هو بن المبارك ويونس هو بن يزيد قوله أن أبا هريرة قال في رواية الإسماعيلي من طريق الزبيدي عن الزهري أخبرني أبو سلمة سمعت أبا هريرة قوله من رآني في المنام فسيراني في اليقظة زاد مسلم من هذا الوجه أو فكأنما رآني في اليقظة هكذا بالشك وقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة فقد رأني في اليقظة بدل قوله فسيراني ومثله في حديث بن مسعود عند بن ماجة وصححه الترمذي وأبو عوانة ووقع عند بن ماجة من حديث أبي جحيفة فكأنما رآني في اليقظة فهذه ثلاث ألفاظ فسيراني في اليقظة فكأنما رآني في اليقظة فقد رآني في اليقظة وحمل أحاديث الباب كالثالثة إلا قوله في اليقظة قوله قال أبو عبد الله قال بن سيرين إذا رآه في صورته سقط هذا التعليق للنسفي ولأبي ذر وثبت عند غيرهما وقد رويناه موصولا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب وهو من شيوخ البخاري عن حماد بن زيد عن أيوب قال كان محمد يعني بن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال صف لي الذي رأيته فان وصف له صفة لا يعرفها قال لم تره وسنده صحيح ووجدت له ما يؤيده فأخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب حدثني أبي قال قلت لابن عباس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قال صفه لي قال ذكرت الحسن بن علي فشبهته به قال قد رأيته وسنده جيد ويعارضه ما أخرجه بن أبي عاصم من وجه آخر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فقد رآني فاني أرى في كل صورة وفي سنده صالح مولى التوأمة وهو ضعيف لاختلاطه وهو من رواية من سمع منه بعد الاختلاط ويمكن الجمع بينهما(1/284)
بما قاله القاضي أبو بكر بن العربي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال فان الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض ويكون إدراك الذات الكريمة حقيقة وإدراك الصفات إدراك المثل قال وشذ بعض القدرية فقال الرؤيا لا حقيقة لها أصلا وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع بعيني الرأس حقيقة وقال بعض المتكلمين هي مدركة بعينين في القلب قال وقوله فسيراني معناه فسيرى تفسير ما رأى لأنه حق وغيب ألقي فيه وقيل معناه فسيراني في القيامة ولا فائدة في هذا التخصيص وأما قوله فكأنما رآني فهو تشبيه ومعناه أنه لو رآه في اليقظة لطابق ما رآه في المنام فيكون الأول حقا وحقيقة والثاني حقا وتمثيلا قال وهذا كله إذا رآه على صورته المعروفة فان رآه على خلاف صفته فهي أمثال فان رآه مقبلا عليه مثلا فهو خير للرائي وفيه وعلى العكس فبالعكس وقال النووي قال عياض يحتمل أن يكون المراد بقوله فقد رآني أو فقد رأى الحق أن من رآه على صورته في حياته كانت رؤياه حقا ومن رآه على غير صورته كانت رؤياه تأويل وتعقبه فقال هذا ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها انتهى ولم يظهر لي من كلام القاضي ما ينافي ذلك بل ظاهر قوله أنه يراه حقيقة في الحالتين لكن في الأولى تكون الرؤيا مما لا يحتاج الى تعبير والثانية مما يحتاج الى التعبير قال القرطبي اختلف في معنى الحديث فقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء قال وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لا يراه أحد الا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين وان يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال(1/285)
الأوقات على حقيقته في غير قبره وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل وقالت طائفة معناه أن من رآه رآه على صورته التي كان عليها ويلزم منه أن من رآه على غير صفته أن تكون رؤياه من الاضغاث ومن المعلوم أنه يرى في النوم على حالة تخالف حالته في الدنيا من الأحوال اللائقة به وتقع تلك الرؤيا حقا كما لو رؤى ملأ دارا بجسمه مثلا فإنه يدل على امتلاء تلك الدار بالخير ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب اليه لعارض عموم قوله فان الشيطان لا يتمثل بي فالأولى أن تنزه رؤياه وكذا رؤيا شيء منه أو مما ينسب اليه عن ذلك فهو ابلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في يقظته قال والصحيح في تأويل هذا الحديث ان مقصوده ان رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها ولو رؤي على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قبل الله وقال وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب وغيره ويؤيده قول فقد رأى الحق أي رأى الذي قصد إعلام الرائي به فان كانت على ظاهرها والا سعى في تأويلها ولا يهمل أمرها لأنها إما بشرى بخير أو انذار من شر إما ليخيف الرائي وإما لنزجر عنه وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه وقال بن بطال قوله فسيراني في اليقظة يريد تصديق تلك الرؤياه في اليقظة وصحتها وخروجها على الحق وليس المراد أنه يراه في الآخرة لأنه سيراه يوم القيامة في اليقظة فتراه جميع أمته من رآه في النوم ومن لم يره منهم وقال بن التين والمراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون بهذا مبشرا لكل من آمن به ولم يره أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته قاله القزاز وقال المازري ان كان المحفوظ فكأنما رآني في اليقظة فمعناه ظاهر وإن كان المحفوظ فسيراني في اليقظة احتمل أن يكون أراد أهل عصره ممن يهاجر اليه فإنه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أنه يراه بعد ذلك في اليقظة(1/286)
وأوحي الله بذلك اليه صلى الله عليه وسلم وقال القاضي وقيل معناه سيرى تأويل تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وقيل معنى الرؤيا في اليقظة أنه سيراه في الآخرة وتعقب بأنه في الآخرة يراه جميع أمته من رآه في المنام ومن لم يره يعني فلا يبقى لخصوص رؤيته في المنام مزية وأجاب القاضي عياض باحتمال أن تكون رؤياه له في النوم على الصفة التي عرف بها ووصف عليها موجبة لتكرمته في الآخرة وأن يراه رؤية خاصة من القرب منه والشفاعة له بعلو الدرجة ونحو ذلك من الخصوصيات قال ولا يبعد أن يعاقب الله بعض المذنبين في القيامة بمنع رؤية نبيه صلى الله عليه وسلم مدة وحمله بن أبي جمرة على محمل آخر فذكر عن بن عباس أو غيره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فبقي بعد أن استيقظ متفكرا في هذا الحديث فدخل على بعض أمهات المؤمنين ولعلها خالته ميمونة فأخرجت له المرآة التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فنظر فيها فرأى صورة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير صورة نفسه ونقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا متخوفين فأرشدهم إلى الطريق تفريجها فجاء الأمر كذلك قلت وهذا مشكل جدا ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعا جما رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف وقد اشتد إنكار القرطبي على من قال من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة كما تقدم قريبا وقد تفطن بن أبي جمرة لهذا فأحال بما قال على كرامات الأولياء فان يكن كذلك تعين العدول عن العموم في كل راء ثم ذكر أنه عام في أهل التوفيق وأما غيرهم فعلى الاحتمال فان خرق العادة قد يقع للزنديق بطريق الإملاء والإغواء كما يقع للصديق بطريق الكرامة والاكرام وانما تحصل التفرقة بينهما باتباع الكتاب والسنة انتهى(1/287)
والحاصل من الأجوبة ستة أحدها أنه على التشبيه والتمثيل ودل عليه قوله في الرواية الأخرى فكأنما رأني في اليقظة ثانيها أن معناها سيرى في اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير ثالثها أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه رابعها أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكنه ذلك وهذا من أبعد المحامل خامسها أنه يراه يوم القيامة بمزيد الخصوصية لا مطلق من يراه حينئذ ممن لم يره في المنام سادسها أنه يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبه وفيه ما تقدم من الاشكال وقال القرطبي قد تقرر أن الذي يرى في المنام أمثلة للمرئيات لا أنفسها غير أن تلك الامثلة تارة تقع مطابقة وتارة يقع معناها فمن الأول رؤياه صلى الله عليه وسلم عائشة وفيه فإذا هي أنت فأخبر أنه رأى في اليقظة ما رآه في نومه بعينه ومن الثاني رؤيا البقر التي تنحر والمقصود بالثاني التنبيه على معاني تلك الأمور ومن فوائد رؤيته صلى الله عليه وسلم تسكين شوق الرائي لكونه صادقا في محبته ليعمل على مشاهدته وإلى ذلك الإشارة بقوله فسيراني في اليقظة أي من رآني رؤية معظم لحرمتي ومشتاق الى مشاهدتي وصل الى رؤية محبوبه وظفر بكل مطلوبه قال ويجوز ان يكون مقصود ذلك الرؤيا معنى صورته وهو دينه وشريعته فيعبر بحسب ما يراه الرائي من زيادة ونقصان أو إساءه و إحسان قلت وهذا جواب سابع والذي قبله لم يظهر لي فإن ظهر فهو ثامن قوله ولا يتمثل الشيطان بي في رواية أنس في الحديث الذي بعده فان الشيطان لا يتمثل بي ومضى في كتاب العلم من حديث أبي هريرة مثله لكن قال لا يتمثل في صورتي وفي حديث جابر عند مسلم وابن ماجة أنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل بي وفي حديث بن مسعود عند الترمذي وابن ماجة ان الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي وفي حديث أبي قتادة الذي يليه وان الشيطان لا يتراءي بالراء بوزن يتعاطى ومعناه لا يستطيع أن يصير مرئيا بصورتي وفي رواية غيري أبي ذر يتزايا بزاي وبعد الألف تحتانية وفي حديث(1/288)
أبي سعيد في آخر الباب فان الشيطان لا يتكونني أما قوله لا يتمثل بي فمعناه لا يتشبه بي وأما قوله في صورتي فمعناه لا يصير كائنا في مثل صورتي وأما قوله لا يتراءى بي فرجح بعض الشراح روابة الزاي عليها أي لا يظهر في زيي وليست الرواية الأخرى ببعيدة من هذا المعنى وأما قوله لا يتكونني أي لا يتكون كوني فحذف المضاف ووصل المضاف اليه في الفعل والمعنى لا بتكون في صورتي فالجميع راجع الى معنى واحد وقوله لا يستطيع يشير الى أن الله تعالى وأن أمكنه من التصور في أي صورة أراد فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذهب الى هذا جماعة فقالوا في الحديث إن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليها ومنهم من ضيق الغرض في ذلك حتى قال لا بد أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة والصواب التعميم في جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقية في وقت ما سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو آخر عمره وقد يكون لما خالف ذلك تعبير يتعلق بالرائي قال المازري اختلف المحققون في تأويل هذا الحديث فذهب القاضي أبو بكر بن الطيب الى أن المراد بقوله من رآني في المنام فقد رآني أن رؤياه صحيحة لا تكون أضغاثا ولا من تشبيهات الشيطان قال ويعضده قوله في بعض طرقه فقد رأى الحق قال وفي قوله فأن الشيطان لا يتمثل بي إشارة الى أن رؤياه لا تكون أضغاثا ثم قال المازري وقال آخرون بل الحديث محمول على ظاهره والمراد أن من رآه فقد أدركه ولا مانع يمنع من ذلك ولا عقل يحيله حتى يحتاج الى صرف الكلام عن ظاهره وأما كونه قد يرى على غير صفته أو يرى في مكانين مختلفين معا فإن ذلك غلط في صفته وتخيل لها على غير ما هي عليه وقد يظن بعض الخيالات مرئيات لكون ما يتخيل مرتبطا بما يرى في العادة فتكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية والادراك لا يشترط فيه تحذيق البصر(1/289)
ولا قرب المسافة ولا كون المرئي ظاهرا على الأرض أو مدفونا وانما يشترط كونه موجودا ولم يقم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم بل جاء في الخبر الصحيح ما يدل على بقائه وتكون ثمره اختلاف الصفات اختلاف الدلالات كما قال بعض علماء التعبير إن من رآه شيخا فهو عام سلم أو شابا فهو عام حرب ويؤخذ من ذلك ما يتعلق بأقواله كما لو رآه أحد يأمره بقتل من لا يحل قتله فان ذلك يحمل على الصفة المتخيلة لا المرئية وقال القاضي عياض يحتمل أن يكون معنى الحديث إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفة مضادة لحاله فإن رؤى على غيرها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة فان من الرؤيا ما يخرج على وجهه ومنها ما يحتاج الى تأويل وقال النووي هذا الذي قاله القاضي ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها كما ذكره المازري وهذا الذي رده الشيخ تقدم عن محمد بن سيرين إمام المعبرين إعتباره والذي قاله القاضي توسط حسن ويمكن الجمع بينه وبين ما قال المازري بأن تكون رؤياه على الحالين حقيقة لكن إذا كان على صورته كأن يرى في المنام على ظاهره لا يحتاج الى تعبير وإذا كان على غير صورته كان النقص من جهة الرائي لتخيله الصفة على غير ما هي عليه ويحتاج ما يراه في ذلك المنام الى التعبير وعلى ذلك جرى علماء التعبير فقالوا إذا قال الجاهل رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسأل عن صفته فان وافق الصفة المروية وإلا فلا يقبل منه وأشاروا الى ما إذا رواه على هيئة تخالف هيئته مع أن الصورة كما هي فقال أبو سعد أحمد بن محمد بن نصر من رأى نبيا على حاله وهيئته فذلك دليل على صلاح الرائي وكمال جاهه وظفره بمن عاداه ومن رآه متغير الحال عابسا مثلا فذاك دال على سوء حال الرائي ونحا الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة الى ما أختاره النووي فقال بعد ان حكى الخلاف ومنهم من قال إن الشيطان لا يتصور على صورته أصلا فمن رآه في صورة حسنة فذاك(1/290)
حسن في دين الرائي وان كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص فذاك خلل في الرائي من جهة الدين قال وهذا هو الحق وقد جرب ذلك فوجد على هذا الأسلوب وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه حتى يتبين للرائي هل عنده خلل أو لا لأنه صلى الله عليه وسلم نوراني مثل المرآة الصقيلة ما كان في الناظر إليها من حسن أو غيره تصور فيها وهي في ذاتها على أحسن حال لا نقص فيها ولا شين وكذلك يقال في كلامه صلى الله عليه وسلم في النوم أنه يعرض على سنته فما وافقها فهو حق وما خالفها فالخلل في سمع الرائي فرؤيا الذات الكريمة حق والخلل انما هو في سمع الرائي أو بصره قال وهذا خير ما سمعته في ذلك ثم حكى القاضي عياض عن بعضهم قال خص الله نبيه بعموم رؤياه كلها ومنع الشيطان أن يتصور في صورته لئلا يتذرع بالكذب على لسانه في النوم ولما خرق الله العادة للأنبياء للدلالة على صحة حالهم في اليقظة واستحال تصور الشيطان على صورته في اليقظة ولا على صفة مضادة لحاله إذ لو كان ذلك لدخل اللبس بين الحق والباطل ولم يوثق بما جاء من جهة النبوة حمى الله حماها لذلك من الشيطان وتصوره وإلقائه وكيده وكذلك حمى رؤياهم أنفسهم ورؤيا غير النبي للنبي عن تمثيل بذلك لتصح رؤياه في الوجهين ويكون طريقا على علم صحيح لا ريب فيه ولم يختلف العلماء في جواز رؤية الله تعالى في المنام وساق الكلام على ذلك قلت ويظهر لي في التوفيق بين جميع ما ذكروه أن من رآه على صفة أو أكثر مما يختص به فقد رآه ولو كانت سائر الصفات مخالفة وعلى ذلك فتتفاوت رؤيا من رآه فمن رآه على هيئته الكاملة فرؤياه الحق الذي لا يحتاج الى تعبير وعليها يتنزل قوله فقد رأى الحق ومهما نقص من صفاته فيدخل التأويل بحسب ذلك ويصح إطلاق أن كل من رآه في أي حالة كانت من ذلك فقد رآه حقيقة تنبيه جوز أهل التعبير رؤية الباري عز وجل في المنام مطلقا ولم يجروا فيها الخلاف في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وأجاب بعضهم عن ذلك(1/291)
بأمور قابلة للتأويل في جميع وجوهها فتارة يعبر بالسلطان وتارة بالوالد وتارة بالسيد وتارة بالرئيس في أي فن كان فلما كان الوقوف على حقيقة ذاته ممتنعا وجميع من يعبر به يجوز عليهم الصدق والكذب كانت رؤياه تحتاج الى تعبير دائما بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رؤى على صفته المتفق عليها وهو لا يجوز عليه الكذب كانت في هذه الحالة حقا محضا لا يحتاج الى تعبير وقال الغزالي ليس معنى قوله رآني أنه رأى جسمي وبدني وانما المراد أنه رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأذى بها المعنى الذي في نفسي اليه وكذلك قوله فسيراني في اليقظة ليس المراد أنه يرى جسمي وبدني قال والآلة تارة تكون حقيقية وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه بل هم مثال له على التحقيق قال ومثل ذلك من يرى الله سبحانه وتعالى في المنام فان ذاته منزهة عن الشكل والصورة ولكن تنتهي تعريفاته الى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره ويكون ذلك المثال حقا في كونه واسطة في التعريف فيقول الرائي رأيت الله تعالى في المنام لا يعني أني رأيت ذات الله تعالى كما يقول في حق غيره وقال أبو القاسم القشيري ما حاصله أن رؤياه على غير صفته لا تستلزم إلا أن يكون هو فإنه لو رأى الله على وصف يتعالى عنه وهو يعتقد أنه منزه عن ذلك لا يقذح في رؤيته بل يكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل كما قال الواسطي من رأى ربه على صورة شيخ كان إشارة الى وقار الرائي وغير ذلك وقال الطيبي المعنى من رآني في المنام بأي صفة كانت فليستبشر ويعلم أنه رأى الرؤيا الحق التي هي من الله وهي مبشرة لا الباطل الذي هو الحلم المنسوب للشيطان فإن الشيطان لا يتمثل بي وكذا قوله فقد رأى الحق أي رؤية الحق لا الباطل وكذا قوله فقد رآني فان الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الغاية في الكمال أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها شيء وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة ما(1/292)
ملخصه أنه يأخذ من قوله فان الشيطان لا يتمثل بي أن من تمثلت صورته صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصورت له في عالم سره أنه يكلمه أن ذلك يكون حقا بل ذلك أصدق من مراي غيرهم لما من الله به عليهم من تنوير قلوبهم انتهى وهذا المقام الذي أشار اليه هو الإلهام وهو من جملة أصناف الوحي الى الأنبياء ولكن لم أر في شيء من الأحاديث وصفه بما وصفت به الرؤيا أنه جزء من النبوة وقد قيل في الفرق بينهما إن المنام يرجع الى قواعد مقررة وله تأويلات مختلفة ويقع لكل أحد بخلاف الإلهام فإنه لا يقع إلا للخواص ولا يرجع الى قاعدة يميز بها بينه وبين لمة الشيطان وتعقب بأن أهل المعرفة بذلك ذكروا أن الخاطر الذي يكون من الحق يستقر ولا يضطرب والذي يكون من الشيطان يضطرب ولا يستقر فهذا إن ثبت كان فارقا واضحا ومع ذلك فقد صرح الأئمة بأن الاحكام الشرعية لا تثبت بذلك قال أبو المظفر بن السمعاني في القواطع بعد أن حكى عن أبي زيد الدبوسي من أئمة الحنفية أن الإلهام ما حرك القلب لعلم يدعو الى العمل به من غير استدلال والذي عليه الجمهور أنه لا يجوز العمل به إلا عند فقد الحجج كلها في باب المباح وعن بعض المبتدعة أنه حجة واحتج بقوله نعالى فألهمها فجورها وتقواها وبقوله وأوحى ربك الى النحل أي ألهمها حتى عرفت مصالحها فيؤخذ منه مثل ذلك للآدمي بطريق الأولى وذكر فيه ظواهر أخرى ومنه الحديث قوله صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن وقوله لوابصة ما حاك في صدرك فدعه وإن أفتوك فجعل شهادة قلبه حجة مقدمة على الفتوى وقوله قد كان في الأمم محدثون فثبت بهذا أن الإلهام حق وأنه وحي باطل وانما حرمه العاصي لاستيلاء وحي الشيطان عليه قال وحجة أهل السنة الآيات الدالة على اعتبار الحجة والحث على التفكير في الآيات والاعتبار والنظر في الأدلة وذم الأماني والهواجس والظنون وهي كثيرة مشهورة وبأن الخاطر قد يكون من الله وقد يكون من الشيطان وقد(1/293)
يكون من النفس وكل شيء أحتمل أن يكون حقا لما يوصف بأنه حق قال والجواب عن قوله فألهمها فجورها وتقواها أن معناه عرفها طريق العلم وهو الحجج وأما الوحي إلى النحل فنظيره في الآدمي فيما يتعلق بالصنائع وما فيه صلاح المعاش وأما الفراسة فنسلمها لكن لا تجعل شهادة القلب حجة لأنا لا نتحقق كونها من الله أو من غيره انتهى ملخصا وقال بن السمعاني وإنكار الإلهام مردود ويجوز أن يفعل الله بعبده ما يكرمه به ولكن التمييز بين الحق والباطل في ذلك ان كل ما استقام على الشريعة المحمدية ولم يكن في الكتاب والسنة ما يرده فهو مقبول وإلا فمردود يقع من حديث النفس ووسوسة الشيطان ثم قال ونحن لا ننكر أن الله يكرم عبده بزيادة نور منه يزداد به نظره ويقوي به رأيه وانما ننكر ان يرجع إلى قلبه بقول لا يعرف أصله ولا نزعم أنه حجة شرعية وانما هو نور يختص الله به من يشاء من عباده فان وافق الشرع كان الشرع هو الحجة انتهى ويؤخذ من هذا ما تقدم التنبيه عليه أن النائم لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بشيء هل يجب عليه امتثاله ولا بد أو لا بد أن يعرضه على الشرع الظاهر فالثاني هو المعتمد تنبيه وقع في المعجم الأوسط للطبراني من حديث أبي سعيد مثل أول حديث في الباب بلفظه لكن زاد فيه ولا بالكعبة وقال لا تحفظ هذه اللفظة إلا في هذا الحديث .
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
قول النّبِيّ عليه الصلاة والسلام "من رآني في المنام فقد رآني"
*حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ، سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ). حَدّثَنَا أَيّوبُ وَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنّ الشّيْطَانَ لاَ يَتَمَثّلُ بِي".(1/294)
وحدّثني أَبُو الطّاهِرِ وَ حَرْمَلَةُ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ. أَوْ لَكَأَنّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ. لاَ يَتَمَثّلُ الشّيْطَانُ بِي".
وَقَالَ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَىَ الْحَقّ".
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا ابْنُ أَخِي الزّهْرِيّ. حَدّثَنَا عَمّي. فَذَكَرَ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعاً بِإِسْنَادَيْهِمَا. سَوَاءً مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ.
وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ رَآنِي فِي النّوْمِ فَقَدْ رَآنِي. إِنّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلشّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثّلَ فِي صُورَتِي". وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ بْنُ إِسْحَقَ حَدّثَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّه سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَآنِي فِي النّوْمِ فَقَدْ رَآنِي. فَإِنّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلشّيْطَانِ أَنْ يَتَشَبّهَ بِي".
قوله صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي" وفي رواية: "من رآني في المنام فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي" وفي رواية: "لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي".(1/295)
وفي رواية: "من رآني فقد رأى الحق". وفي رواية: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة" اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: فقد رآني، فقال ابن الباقلاني معناه أن رؤياه صحيحة ليست بأضغاث ولا من تشبيهات الشيطان ، ويؤيد قوله رواية فقد رأى الحق أي الرؤية الصحيحة، قال: وقد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة كمن رآه أبيض اللحية، وقد يراه شخصان في زمن واحد أحدهما في المشرق والاَخر في المغرب ويراه كل منهما في مكانه. وحكى المازري هذا عن ابن الباقلاني ثم قال: وقال آخرون بل الحديث على ظاهره ، والمراد أن من رآه فقد أدركه ولا مانع يمنع من ذلك، والعقل لا يحيله حتى يضطر إلى صرفه عن ظاهره. فأما قوله بأنه قد يرى على خلاف صفته أو في مكانين معاً فإن ذلك غلط في صفاته وتخيل لها على خلاف ما هي عليه ، وقد يظن الظان بعض الخيالات مرئياً لكون ما يتخيل مرتبطاً بما يرى في العادة فيكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية، والإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة ولا كون المرئي مدفوناً في الأرض ولا ظاهراً عليها، وإنما يشترط كونه موجوداً، ولم يقم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم بل جاء في الأحاديث ما يقتضي بقاءه، قال: ولو رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصفات المتخيلة لا المرئية هذا كلام المازري. قال القاضي: ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: "فقد رآني أو فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي المراد به إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته، فإن رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة ، وهذا الذي قاله القاضي ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها لما ذكره المازري. قال القاضي: قال بعض العلماء خص الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بأن رؤية الناس إياه صحيحة وكلها صدق، ومنع الشيطان أن يتصور في(1/296)
خلقته لئلا يكذب على لسانه في النوم كما خرق الله تعالى العادة للأنبياء عليهم السلام بالمعجزة، وكما استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة ، ولو وقع لاشتبه الحق بالباطل ولم يوثق بما جاء به مخافة من هذا التصور فحماها الله تعالى من الشيطان ونزغه ووسوسته وإلقائه وكيده ، قال: وكذا حمى رؤيتهم نفسهم. قال القاضي: واتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها وإن رآه الإنسان على صفة لا تليق بحاله من صفات الأجسام لأن ذلك المرئي غير ذات الله تعالى، إذ لا يجوز عليه سبحانه وتعالى التجسم ولا اختلاف الأحوال بخلاف رؤية النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن الباقلاني: رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلب وهي دلالات للرائي على أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة" قال العلماء: إن كان الواقع في نفس الأمر فكأنما رآني فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: فقد رآني أو فقد رأى الحق كما سبق تفسيره. وإن كان سيراني في اليقظة ففيه أقوال : أحدها المراد به أهل عصره، ومعناه أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله تعالى للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عياناً . والثاني معناه أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الاَخرة لأنه يراه في الاَخرة جميع أمته من رآه في الدنيا ومن لم يره. والثالث يراه في الاَخرة رؤية خاصته في القرب منه وحصول شفاعته ونحو ذلك والله أعلم..
الجوهرة 25(1/297)
حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: حدثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن أنه حدثه: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقحَّمون فيها).
... ... ... ... ... البخاري –كتاب الرقاق- باب 36- الانتهاء عن المعاصي
... ... ... ... ... ... مسلم –كتاب الفضائل –باب 6:شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/298)
-قوله استوقد بمعنى أوقد وهو أبلغ والاضاءة فرط الانارة قول فلما اضاءت ما حوله اختصرها المؤلف هناك ونسبتها انا لتخريج أحمد ومسلم من طريق همام وهي في رواية شعيب كما ترى وكأنه تبرك بلفظ الآية ووقع في رواية مسلم ما حولها والضمير للنار والأول الذي أوقد النار وحول الشيء جانبه الذي يمكن أن ينتقل اليه وسمى بذلك إشارة الى الدوران ومنه قيل للعام حول قوله الفراش جزم المازري بأنها الجنادب وتعقبه عياض فقال الجندب هو الصرار قلت والحق ان الفراش اسم لنوع من الطير مستقل له أجنحة أكبر من جثته وأنواعه مختلفة في الكبر والصغر وكذا أجنحته وعطف الدواب على الفراش يشعر بأنها غير الجنادب والجراد وأغرب بن قتيبة فقال الفراش ما تهافت في النار من البعوض ومقتضاه أن بعض البعوض هو الذي يقع في النار ويسمى حينئذ الفراش وقال الخليل الفراش كالبعوض وإنما شبهه به لكونه يلقى نفسه في النار لا أنه يشارك البعوض في القرص قوله وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها القول فيه كالقول في الذي قبله اختصره هناك فنسبته لتخريج أبي نعيم وهو في رواية شعيب كما ترى ويدخل فيما يقع في النار البعوض والبرغش ووقع في كلام بعض الشراح البق والمراد به البعوض قوله فجعل في رواية الكشميهني وجعل ومن هذه الكلمة الى آخر الحديث لم يذكره المصنف هناك قوله فجعل الرجل يزعهن بفتح التحتانية والزاي وضم العين المهملة أي يدفعهن وفي رواية ينزعهن بزيادة نون وعند مسلم من طريق همام عن أبي هريرة وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها قوله فيقتحمن فيها أي يدخلن وأصله القحم وهو الاقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت ويطلق على رمى الشيء بغته واقتحم الدار هجم عليها قوله فأنا آخذ قال النووي روى باسم الفاعل ويروي بصيغة المضارعة من المتكلم قلت هذا في رواية مسلم والأول هو الذي وقع في البخاري وقال الطيبي الفاء فيه فصيحة كأنه لما قال مثلي ومثل الناس الخ اتى بما هو(1/299)
أهم وهو قوله فأنا آخذ بحجزكم ومن هذه الدقيقة التفت من الغيبة في قوله مثل الناس الى الخطاب في قوله بحجزكم كما أن من أخذ في حديث من له بشأنه عناية وهو مشتغل في شيء يورطه في الهلاك يجد لشدة حرصه على نجاته أنه حاضر عنده وفيه إشارة الى ان الإنسان الى النذير أحوج منه الى البشير لان جبلته مائلة الى الحظ العاجل دون الحظ الأجل وفي الحديث ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة والحرص على نجاة الأمة كما قال تعالى {حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } قوله بحجزكم بضم المهملة وفتح الجيم بعدها زاي جمع حجزة وهي معقد الإزار ومن السراويل موضع التكة ويجوز ضم الجيم في الجمع قوله عن النار وضع المسبب موضع السبب لان المراد أنه يمنعهم من الوقوع في المعاصي التي تكون سببا لولوج النار قوله وأنتم في رواية الكشميهني وهم وعليها شرح الكرماني فقال كان القياس ان يقول وأنتم ولكنه قال وهم وفيه التفات وفيه إشارة الى أن من أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجزته لا اقتحام له فيها قال وفيه أيضا احتراز عن مواجهتهم بذلك قلت والرواية بلفظ وأنتم ثابتة تدفع هذا ووقع في رواية مسلم وأنتم تفلتون بفتح أوله والفاء واللام الثقيلة وأصله تتفلتون وبضم أوله وسكون الفا ء وفتح اللام ضبطوه بالوجهين وكلاهما صحيح تقول تفلت مني وأفلت مني لمن كان بيدك فعالج الهرب منك حتى هرب وقد تقدم بيان هذا التمثيل وحاصله أنه شبه تهافت أصحاب الشهوات في المعاصي التي تكون سببا في الوقوع في النار بتهافت الفراش بالوقوع في النار اتباعا لشهواتها وشبه ذبه العصاة عن المعاصي بما حذرهم به وانذرهم بذب صاحب النار الفراش عنها وقال عياض شبه تساقط أهل المعاصي في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا قوله تقحمون فيها في رواية همام عند مسلم فيغلبوني النون مثقلة لأن أصله فيغلبونني والفاء سببية والتقدير أنا آخذ بحجزكم لأخلصكم من النار فجعلتم الغلبة مسببة عن(1/300)
الأخذ قوله تقحمون بفتح المثناة والقاف والمهملة المشددة والأصل تقتحمون فحذفت إحدى التاءين قال الطيبي تحقيق التشبيه الواقع في هذا الحديث يتوقف على معرفة معنى قوله {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ْ}وذلك أن حدود الله محارمه ونواهيه كما في الحديث الصحيح ألا ان حمى الله محارمه ورأس المحارم حب الدنيا وزينتها واستيفاء لذتها وشهواتها فشبة صلى الله عليه وسلم إظهار تلك الحدود ببياناته الشافية الكافية من الكتاب والسنة باستنقاذ الرجال من النار وشبه فشو ذلك في مشارق الأرض ومغاربها باضاءة تلك النار ما حول المستوقد وشبه الناس وعدم مبالاتهم بذلك البيان والكشف وتعديهم حدود الله وحرصهم على استيفاء تلك اللذات والشهوات ومنعه إياهم عن ذلك بأخذ حجزهم بالفراش التي تقتحمن في النار وتغلبن المستوقد على دفعهن عن الاقتحام كما أن المستوقد كان غرضه من فعله انتفاع الخلق به من الاستضاءة والاستدفاء وغير ذلك والفراش لجهلها جعلته سببا لهلالكها فكذلك كان القصد بتلك البيانات اهتداء الأمة واجتنابها ما هو سبب هلاكهم وهم مع ذلك لجهلهم جعلوها مقتضية لترديهم وفي قوله آخذ بحجزكم استعارة مثل حالة منعه الأمة عن الهلاك بحالة رجل أخذ بحجزة صاحبه الذي يكاد يهوي في مهواة مهلكة .
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى(1/301)
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَاراً. فَلَمّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدّوَابّ الّتِي فِي النّارِ يَقَعْنَ فِيهَا. وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحّمْنَ فِيهَا. قَالَ: فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ. أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النّارِ. هَلُمّ عَنِ النّارِ. هَلُمّ عَنِ النّارِ. فَتَغْلِبُونِي تَقَحّمُونَ فِيهَا(1/302)
قوله صلى الله عليه وسلم: "فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها" وفي رواية: "الدواب والفراش" وفي رواية: "أنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحمون فيها" وفي رواية: (وأنتم تفلتون من يدي) أما الفراش فقال الخليل: هو الذي يطير كالبعوض، وقال غيره: ما تراه كصغار البق يتهافت في النار. وأما الجنادب فجمع جندب وفيها ثلاث لغات: جندب بضم الدال وفتحها والجيم مضمومة فيهما والثالثة حكاه القاضي بكسر الجيم وفتح الدال والجنادب هذا الصرار الذي يشبه الجراد. وقال أبو حاتم: الجندب على خلقة الجراد له أربعة أجنحة كالجرادة وأصغر منها يطير ويصر بالليل صراً شديداً وقيل غيره. وأما التقحم فهو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت، والحجز جمع حجزة وهي معقد الإزار والسراويل. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وأنا آخذ بحجزكم" فروي بوجهين: أحدهما إسم فاعل بكسر الخاء وتنوين الذال، والثاني فعل مضارع بضم الذال بلا تنوين والأول أشهر وهما صحيحان. وأما تفلتون فروي بوجهين: أحدهما فتح التاء والفاء المشددة، والثاني ضم التاء وإسكان الفاء وكسر اللام المخففة وكلاهما صحيح، يقال أفلت مني وتفلت إذا نازعك الغلبة والهرب ثم غلب وهرب، ومقصود الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبه تساقط الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم وشهواتهم في نار الاَخرة وحرصهم على الوقوع في ذلك مع منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع منهم بتساقط الفراش في نار الدنيا لهواه وضعف تمييزه وكلاهما حريص على هلاك نفسه ساع في ذلك لجهله.
الجوهرة 26
محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، لأذودن رجالا عن حوضي، كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض).
... ... ... البخاري- كتاب المساقاة- باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه(1/303)
... ... ... مسلم –كتاب الفضائل –باب :إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
لأذودن بمعجمة ثم مهملة أي لأطردن ومناسبته للترجمة من ذكره صلى الله عليه وسلم أن صاحب الحوض يطرد إبل غيره عن حوضه ولم ينكر ذلك فيدل على الجواز وقد خفي على المهلب أيضا فقال إن المناسبة من جهة إضافة الحوض إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان أحق به وتعقبه بن المنير بأن أحكام التكاليف لا تنزل على وقائع الآخرة وإنما استدل بقوله كما تذاد الغريبة من الإبل فما جاز لصاحب الحوض طرد إبل غيره عن حوضه إلا وهو أحق بحوضه ثالثها حديث بن عباس في قصة هاجر وزمزم أورده مختصرا جدا وسيأتي مطولا في أحاديث الأنبياء ومناسبته للترجمة من جهة قولها للذين نزلوا عليها ولا حق لكم في الماء قالوا نعم وقرر النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك قال الخطابي فيه أن من أنبط ماء في فلاة من الأرض ملكه ولا يشاركه فيه غيره إلا برضاه إلا أنه لا يمنع فضله إذا استغنى عنه وإنما شرطت هاجر عليهم أن لا يتملكوه رابعها حديث أبي هريرة وقد تقدم من وجه آخر قبل أربعة أبواب وفيه ورجل له فضل ماء بالطريق فمنعه من بن السبيل وقال في هذه الطريق ورجل منع فضل مائة فيقول الله اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك ومناسبته للترجمة من جهة أن المعاقبة وقعت على منعه الفضل فدل على أنه أحق بالأصل ويؤخذ أيضا من قوله ما لم تعمل يداك فإن مفهومه أنه لو عالجه لكان أحق به من غيره وحكى بن التين عن أبي عبد الملك أنه قال هذا يخفى معناه ولعله يريد أن البئر ليست من حفره وإنما هو في منعه غاصب ظالم وهذا لا يرد فيما حازه وعمله قال ويحتمل أن يكون هو حفرها ومنعها من صاحب الشفة أي العطشان ويكون معنى ما لم تعمل يداك أي لم تنبع الماء ولا أخرجته قال وهذا أي الأخير ليس من الباب في شيء والله أعلم(1/304)
ـــــــــــــــــــــ - باب: في الحوض.
وقول الله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر} /الكوثر: 1/.
-وقال عبد الله بن زيد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصبروا حتى تلقوني على الحوض).
- حدثني يحيى بن حماد: حدثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن شقيق، عن عبد الله،
عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا فرطكم على الحوض).
-وحدثني عمرو بن علي: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شعبة، عن المغيرة قال: سمعت أبا وائل، عن عبد الله رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا فرطكم على الحوض، وليرفعنَّ رجال منكم ثم ليختلجنَّ دوني، فأقول: يا رب أصحابي؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).
- حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن عبيد الله: حدثني نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح).
- حدثني عمرو بن محمد: حدثنا هشيم: أخبرنا أبو بشر وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: الكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد: إن أناساً يزعمون أنه نهر في الجنة؟ فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه.
- حدثنا سعيد بن أبي مريم: حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمرو:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً).
- حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني ابن وهب، عن يونس: قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء).
- حدثنا أبو الوليد: حدثنا همَّام، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وحدثنا هدبة بن خالد: حدثنا همَّام: حدثنا قتادة: حدثنا أنس بن مالك،(1/305)
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما أنا أسير في الجنة، إذا أنا بنهر، حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر، الذي أعطاك ربك، فإذا طينه، أو طيبه، مسك أذفر). شك هدبة.
- حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا وهيب: حدثنا عبد العزيز، عن أنس،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليردن علي ناس من أصحابي الحوض، حتى عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصيحابي؟ فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك).
- حدثنا سعيد بن أبي مريم: حدثنا محمد بن مطَّرف: حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردنَّ علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم).
قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم، فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري، لسمعته وهو يزيد فيها: (فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي).
-وقال ابن عباس: {سحقاً} /الملك: 11/: بعداً، يقال: {سحيق} /الحج: 31/: بعيد، سحقه وأسحقه أبعده.
- وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي: حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيَّب، عن أبي هريرة: أنه كان يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي، فيجلون عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي؟ فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى
-وقال شعيب: عن الزُهري: كان أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فيجلون). وقال عقيل: (فيحلَّؤون).
وقال الزبيدي، عن الزُهري، عن محمد بن علي، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثنا محمد بن فليح: حدثنا أبي قال: حدثني هلال، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة،(1/306)
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينا أنا نائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وينهم، فقال: هلم، قلت أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم).
- حدثني إبراهيم بن المنذر: حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله، عن خبيب، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي).
- حدثنا عبدان: أخبرني أبي، عن شعبة، عن عبد الملك قال: سمعت جندباً قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا فرطكم على الحوض).
- حدثنا عمرو بن خالد: حدثنا الليث، عن يزيد، عن أبي الخير، عن عقبة رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف على المنبر، فقال: (إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها).
- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا حرمي بن عمارة: حدثنا شعبة، عن معبد بن خالد: أنه سمع حارثة بن وهب يقول:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحوض فقال: (كما بين المدينة وصنعاء).
وزاد ابن أبي عدي، عن شعبة، عن معبد بن خالد، عن حارثة: سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (حوضه ما بين صنعاء والمدينة).
فقال له المستورد: ألم تسمعه؟ قال: الأواني؟ قال: لا، قال المستورد: (ترى فيه الآنية مثل الكواكب).
- حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن نافع بن عمر قال: حدثني ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:(1/307)
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم). فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن عن ديننا.
{أعقابكم تنكصون} /المؤمنون: 66/: ترجعون على العقب.
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
+ ما جاء في حوض النبي صلى الله عليه وسلم ( صحيح مسلم +شرح المنهاج للنووي)
باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته
-*حدّثني أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا زَائِدَةُ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَباً يَقُولُ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَىَ الْحَوْضِ".
- حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلاً يَقُولُ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَىَ الْحَوْضِ، مَنْ وَرَدَ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَداً. وَلَيَرِدَنّ عَلَيّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ".
قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَ النّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيّاشٍ وَأَنَا أُحَدّثْهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ. فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلاً يَقُولُ؟ قَالَ فَقُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَىَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فَيَقُولُ: "إِنّهُمْ مِنّي. فَيُقَالُ: إِنّكَ لاَ تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقاً سُحْقاً لِمَنْ بَدّلَ بَعْدِي".(1/308)
-وحدّثنا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضّبّيّ. حَدّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ. وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ. وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ. وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ. وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السّمَاءِ. فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلاَ يَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَداً".
قَالَ: وَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّي عَلَىَ الْحَوْضِ حَتّىَ أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيّ مِنْكُمْ. وَسَيُؤْخَذُ أُنَاسٌ دُونِي. فَأَقُولُ: يَا رَبّ مِنّي وَمِنْ أُمّتِي. فَيُقَالُ: أَمَا شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ وَاللّهِ مَا بَرِحُوا بَعْدَكَ يَرْجِعُونَ عَلَىَ أَعْقَابِهِمْ".
قَالَ: فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: اللّهُمّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَىَ أَعْقَابِنَا، أَوْ أَنْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا.
-وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ: "إِنّي عَلَىَ الْحَوْضِ. أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيّ مِنْكُمْ. فَوَاللّهِ لَيُقتطعَنّ دُونِي رِجَالٌ. فَلأَقُولَنّ: أَيْ رَبّ مِنّي وَمِنْ أُمّتِي. فَيَقُولُ: إِنّكَ لاَ تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ. مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَىَ أَعْقَابِهِمْ".(1/309)
-وحدّثني يُونسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصّدَفِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) أَنّ بُكَيْراً حَدّثَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبّاسٍ الْهَاشِمِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَافِعٍ، مَوْلَىَ أُمّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ النّاسَ يَذْكُرُونَ الْحَوْضَ. وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَما كَانَ يَوْماً مِنْ ذَلِكَ. وَالْجَارِيَةُ تَمْشُطُنِي. فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَيّهَا النّاسُ" فَقُلْتُ لِلْجَارِيَةِ: اسْتَأْخِرِي عَنّي. قَالَتْ: إِنّمَا دَعَا الرّجَالَ وَلَمْ يَدْعُ النّسَاءَ. فَقُلْتُ: إِنّي مِنَ النّاسِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّي لَكُمْ فَرَطٌ عَلَىَ الْحَوْضِ. فَإِيّايَ لاَ يَأْتِيَنّ أَحَدُكُمْ فَيُذَبّ عَنّي كَمَا يُذَبّ الْبَعِيرُ الضّالّ. فَأَقُولُ: فِيمَ هَذَا؟ فَيُقَالُ: إِنّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقاً".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْماً فَصَلّىَ علَىَ أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَىَ الْمَيّتِ. ثُمّ انْصَرَفَ إِلَىَ الْمِنْبَرِ. فَقَالَ: "إِنّي فَرَطٌ لَكُمْ. وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ. وَإِنّي، وَاللّهِ لأَنْظُرُ إِلَىَ حَوْضِيَ الاَنَ. وَإِنّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ، أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ. وَإِنّي، وَاللّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي. وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَنَافَسُوا فِيهَا".(1/310)
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا وَهْبٌ (يَعْنِي ابْنَ جَرِيرٍ). حَدّثَنَا أَبِي. قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيّوبَ يُحَدّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. قَالَ: صَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ قَتْلَىَ أُحُدٍ. ثُمّ صَعِدَ الْمِنْبَرِ كَالْمُوَدّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ. فَقَالَ: "إِنّي فَرَطُكُمْ عَلَىَ الْحَوْضِ. وَإِنّ عَرْضَهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَىَ الْجُحْفَةِ. إِنّي لَسْتُ أَخْشَىَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي. وَلَكِنّي أَخْشَىَ عَلَيْكُمُ الدّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا، وَتَقْتَتِلُوا، فَتَهْلِكُوا، كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ".
قَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَتْ آخِرَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ.
-حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَىَ الْحَوْضِ. وَلأُنَازِعَنّ أَقْوَاماً ثُمّ لأُغْلَبَنّ عَلَيْهِمْ، فَأَقُولُ: يَا رَبّ أَصْحَابِي. أَصْحَابِي. فَيُقَالُ: إِنّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ".
-وحدّثناه عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "أَصْحَابِي. أَصْحَابِي".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بَزِيعٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَارِثَةَ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ حَوْضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ.(1/311)
فقالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ قَالَ "الأَوَانِي"؟ قَالَ: لاَ. فَقَالَ الْمُسْتَوْرِدُ "تُرَىَ فِيهِ الاَنِيَةُ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ".
-وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ. حَدّثَنَا حَرَمِيّ بْنُ عُمَارَةَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ أَنّهُ سَمِعَ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. وَذَكَرَ الْحَوْضَ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْمُسْتَوْرِدِ وَقَوْلَهُ.
-حدّثنا أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ وَ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ) حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَمَامَكُمْ حَوْضاً. مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْهِ كَمَا بَيْنَ جَرْبَا وَأَذْرُحَ".
-حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثنّى وَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا يَحْيَىَ (وَهُوَ الْقَطّانُ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ أَمامَكمْ حَوْضاً كَمَا بَيْنَ جَرْبَا وَأَذْرُحَ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُثَنّى "حَوْضِي".
-وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: قَالَ عُبَيْدُ اللّهِ: فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: قَرْيَتَيْنِ بِالشّأمِ. بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلاَثِ لَيَالٍ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بِشْرٍ: ثَلاَثَةِ أَيّامٍ.(1/312)
وحدّثني سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ . حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللّهِ.
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ أَمَامَكُمْ حَوْضاً كَمَا بَيْنَ جَرْبَا وَأَذْرُحَ. فِيهِ أَبَارِيقُ كُنُجُومِ السّمَاءِ. مَنْ وَرَدَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ، لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً".
-وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكّيّ وَاللّفْظُ لاِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصّمَدِ الْعَمّيّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ؟ قَالَ: "وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لاَنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا. أَلاَ فِي اللّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ. آنِيَةُ الْجَنّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ. يَشْخُبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنّةِ. مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ. عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، مَا بَيْنَ عَمّانَ إِلَىَ أَيْلَةَ. مَاؤُهُ أَشَدّ بَيَاضاً مِنَ اللّبَنِ، وَأَحْلَىَ مِنَ الْعَسَلِ".(1/313)
-حدّثنا أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ (وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ). قَالُوا: حَدّثَنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ). حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيّ، عَنْ ثَوْبَانَ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النّاسَ لأَهْلِ الْيَمَنِ. أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتّىَ يَرْفَضّ عَلَيْهِمْ". فَسُئِلَ عَنْ عَرْضِهِ فَقَالَ: "مِنْ مُقَامِي إِلَىَ عَمّانَ". وَسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ فَقَالَ: "أَشَدّ بَيَاضاً مِنَ اللّبَنِ، وَأَحْلَىَ مِنَ الْعَسَلِ. يَغِتّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدّانِهِ مِنَ الْجَنّةِ. أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالاَخَرُ مِنْ وَرِقٍ".
وحدّثنيهِ زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ. بِإِسْنَادِ هِشَامٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ "أَنَا، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عِنْدَ عُقْرِ الْحَوْضِ".
- حدّثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَلاّمٍ الْجُمَحِيّ. حَدّثَنَا الرّبَيعُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنْ مُحَمّدِ بْن زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لأَذُودَنّ عَنْ حَوْضِي رِجَالاً كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الإِبِلِ".
.
-وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدّثهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَدْرُ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ. وَإِنّ فِيهِ مِنَ الأَبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السّمَاءِ".(1/314)
وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا عَفّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصّفّارُ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ صُهَيْبٍ يُحَدّثُ. قَالَ: حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيَرِدَنّ عَلَيّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمّنْ صَاحَبَنِي. حَتّىَ إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيّ، اخْتُلِجُوا دُونِي. فَأَقُولُ: أَيْ رَبّ أُصَيْحَابِي. أُصَيْحَابِي. فَيُقَالَ لِي: إِنّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ".
-وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ. حوَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْب. حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ. جَمِيعاً عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِهَذَا الْمَعْنَىَ. وَزَادَ: "آنِيَتُهُ عَدَدُ النّجُومِ".
-وحدّثنا عَاصِمُ بْنُ النّضْرِ التّيْمِيّ وَ هُرَيْمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ (واللّفْظُ لِعَاصِمٍ). حَدّثَنَا مُعْتَمِرٌ. سَمِعْتُ أَبِي. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ".
وحدّثنا هَرُونُ بْن عَبْد اللّهِ. حَدّثَنَا عَبْدُ الصّمَدِ. حَدّثَنَا هِشَامٌ. ح وَحَدّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطّيَالِسِيّ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. كِلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنّهُمَا شَكّا فَقَالاَ: أَوْ مِثْلَ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَعَمّانَ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ "مَا بَيْنَ لاَبَتَيْ حَوْضِي".(1/315)
-وحدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الرّزّي. قَالاَ: حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: قَالَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "تُرَىَ فِيهِ أَبَارِيقُ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ كَعَدَدِ نُجُومِ السّمَاءِ".
وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَىَ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مِثْلَهُ. وَزَادَ "أَوْ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السّمَاءِ".
حدّثني الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ السّكُونِيّ. حَدّثَنِي أَبِي (رَحِمَهُ اللّهُ). حَدّثَنِي زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلاَ إِنّي فَرَطٌ لَكُمْ عَلَىَ الْحَوْضِ. وَإِنّ بُعْدَ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ. كَأَنّ الأَبَارِيقَ فِيهِ النّجُومُ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ. قَالَ: كَتَبْتُ إِلَىَ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلاَمِي نَافِعٍ: أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ فَكَتَبَ إِلَيّ: إِنّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ".(1/316)
** قال القاضي عياض رحمه الله: أحاديث الحوض صحيحة والإيمان به فرض والتصديق به من الإيمان، وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة لا يتأول ولا يختلف فيه، قال القاضي: وحديثه متواتر النقل رواه خلائق من الصحابة، فذكره مسلم من رواية ابن عمرو بن العاص وعائشة وأم سلمة وعقبة بن عامر وابن مسعود وحذيفة وحارثة بن وهب والمستورد وأبي ذر وثوبان وأنس وجابر بن سمرة. ورواه غير مسلم من رواية أبي بكر الصديق وزيد بن أرقم وأبي أمامة وعبد الله بن زيد وأبي برزة وسويد بن حبلة وعبد الله بن الصنابحي والبراء بن عازب وأسماء بنت أبي بكر وخولة بنت قيس وغيرهم. قلت: ورواه البخاري ومسلم أيضاً من رواية أبي هريرة. ورواه غيرهما من رواية عمر بن الخطاب وعائذ بن عمر وآخرين، وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور بأسانيده وطرقه المتكاثرات. قال القاضي: وفي بعض هذا ما يقتضي كون الحديث متواتراً. قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا فرطكم على الحوض" قال أهل اللغة: الفرط بفتح الفاء والراء والفارط هو الذي يتقدم الوارد ليصلح لهم والحياض والدلاء ونحوها من أمور الاستقاء، فمعنى فرطكم على الحوض سابقكم إليه كالمهيء له.(1/317)
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن شرب لم يظمأ أبداً" أي شرب منه والظمأ مهموز مقصور كما ورد به القرآن العزيز وهو العطش، يقال: ظمئ يظمأ ظمأ فهو ظمآن وهم ظماء بالمد كعطش يعطش عطشاً فهو عطشان وهم عطاش. قال القاضي: ظاهر هذا الحديث أن الشرب منه يكون بعد الحساب والنجاة من النار فهذا هو الذي لا يظمأ بعده. قال: وقيل لا يشرب منه إلا من قدر له السلامة من النار، قال: ويحتمل أن من شرب منه من هذه الأمة وقدر عليه دخول النار لا يعذب فيها بالظمأ بل يكون عذابه بغير ذلك، لأن ظاهر هذا الحديث أن جميع الأمة يشرب منه إلا من ارتد وصار كافراً. قال: وقد قيل إن جميع الأمم من المؤمنين يأخذون كتبهم بأيمانهم ثم يعذب الله تعالى من شاء من عصاتهم. وقيل: إنما يأخذه بيمينه الناجون خاصة. قال القاضي: وهذا مثله قوله صلى الله عليه وسلم من ورد شرب هذا صريح في أن الواردين كلهم يشربون، وإنما يمنع منه الذين يذادون ويمنعون الورود لارتدادهم، وقد سبق في كتاب الوضوء بيان هذا الذود والمذودين.
قوله صلى الله عليه وسلم: "سحقاً سحقاً" أي بعداً لهم بعداً ونصبه على المصدر وكرر للتوكيد. قوله: (حدثنا هارون بن سعيد حدثنا ابن وهب أخبرني أبو أسامة عن أبي حازم عن سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال العلماء: هذا العطف على سهل فالقائل وعن النعمان هو أبو حازم فرواه عن سهل ثم رواه عن النعمان عن أبي سعيد.(1/318)
قوله صلى الله عليه وسلم: "حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء" قال العلماء: معناه طوله كعرضه، كما قال في حديث أبي ذر المذكور في الكتاب عرضه مثل طوله. قوله صلى الله عليه وسلم: "ماؤه أبيض من الورق" هكذا هو في جميع النسخ الورق بكسر الراء وهو الفضة، والنحويون يقولون أن فعل التعجب الذي يقال فيه هو أفعل من كذا إنما يكون فيما كان ماضيه على ثلاثة أحرف فإن زاد لم يتعجب من فاعله وإنما يتعجب من مصدره، فلا يقال: ما أبيض زيداً ولا زيد أبيض من عمرو، وإنما يقال: ما أشد بياضه، وهو أشد بياضاً من كذا. وقد جاء في الشعر أشياء من هذا الذي أنكروه فعدوه شاذاً لا يقاس عليه، وهذا الحديث يدل على صحته وهي لغة وإن كانت قليلة الاستعمال. ومنها قول عمر رضي الله عنه: ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. قوله صلى الله عليه وسلم: "كيزانه كنجوم السماء" وفي رواية: "فيه أباريق كنجوم السماء" وفي رواية: "والذي نفس محمد بيده لاَنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها" وفي رواية: "وأن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء" وفي رواية: "آنيته عدد النجوم" وفي رواية: "ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء" وفي رواية: "كأن الأباريق فيه النجوم المختار" الصواب أن هذا العدد للاَنية على ظاهره وأنها أكثر عدداً من نجوم السماء، ولا مانع عقلي ولا شرعي يمنع من ذلك، بل ورد الشرع به مؤكداً كما قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لاَنيته أكثر من عدد نجوم السماء" وقال القاضي عياض: هذا إشارة إلى كثرة العدد وغايته الكثيرة من باب قوله صلى الله عليه وسلم لا يضع العصا عن عاتقه وهو باب من المبالغة معروف في الشرع واللغة ولا يعد كذباً إذا كان المخبر عنه في حيز الكثرة والعظم ومبلغ الغاية في بابه، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك، قال ومثله كلمته ألف مرة ولقيته مائة كرة فهذا جائز إذا كان كثيراً وإلا فلا، هذا كلام القاضي والصواب الأول.(1/319)
قوله صلى الله عليه وسلم في الحوض: "وإن عرضه ما بين أيلة إلى الجحفة". وفي رواية: "بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح" قال الراوي: هما قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال. وفي رواية: "عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة" وفي رواية: "من مقامي إلى عمان" وفي رواية: "قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن" وفي رواية: "ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة". أما أيلة فبفتح الهمزة وإسكان المثناة تحت وفتح اللام وهي مدينة معروفة في عراف الشام على ساحل البحر متوسطة بين مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودمشق ومصر، بينها وبين المدينة نحو خمس عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق نحو ثنتي عشرة مرحلة، وبينها وبين مصر نحو ثمان مراحل. قال الحازمي: قيل هي آخر الحجاز وأول الشام. وأما الجحفة فسبق بيانها في كتاب الحج وهي بنحو سبع مراحل من المدينة بينها وبين مكة. وأما جربا فبجيم مفتوحة ثم راء ساكنة ثم باء موحدة ثم ألف مقصورة هذا هو الصواب المشهور أنها مقصورة، وكذا قيدها الحازمي في كتابه المؤتلف في الأماكن، وكذا ذكرها القاضي وصاحب المطالع والجمهور. وقال القاضي وصاحب المطالع: ووقع عند بعض رواة البخاري ممدوداً قالا وهو خطأ. وقال صاحب التحرير: هي بالمد وقد تقصر. قال الحازمي: كان أهل جربا يهوداً كتب لهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان لما قدم عليه لحية بن رؤبة صاحب أيلة بقوم منهم ومن أهل أذرح يطلبون الأمان وأما أذرح فبهمزة مفتوحة ثم ذال معجمة ساكنة ثم راء مضمومة ثم حاء مهملة هذا هو الصواب المشهور الذي قاله الجمهور. قال القاضي وصاحب المطالع: ورواه بعضهم بالجيم قالا وهو تصحيف لا شك فيه وهو كما قالا وهي مدينة في طرف الشام في قبلة الشويك بينها وبينه نحو نصف يوم وهي في طرف الشراط بفتح الشين المعجمة في طرفها الشمالي، وتبوك في قبلة اذرح بينهما نحو أربع مراحل، وبين تبوك ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم نحو أربع(1/320)
عشرة مرحلة. وأما عمان فبفتح العين وتشديد الميم وهي بلدة بالبلقاء من الشام، قال الحازمي: قال ابن الأعرابي يجوز أن يكون فعلان من عم يعم فلا تنصرف معرفة وتنصرف نكرة، قال: ويجوز أن يكون فعالاً من عمن فتنصرف معرفة ونكرة إذا عنى بها البلد هذا كلامه، والمعروف في روايات الحديث وغيرها ترك صرفها. قال القاضي عياض: وهذا الاختلاف في قدر عرض الحوض ليس موجباً للاضطراب فإنه لم يأت في حديث واحد بل في أحاديث مختلفة الرواة عن جماعة من الصحابة سمعوها في مواطن مختلفة ضربها النبي صلى الله عليه وسلم في كل واحد منها مثلاً لبعد أقطار الحوض وسعته وقرب ذلك من الأفهام لبعد ما بين البلاد المذكورة لا على التقدير الموضوع للتحديد بل للإعلام بعظم هذه المسافة فبهذا تجمع الروايات هذا كلام القاضي. قلت: وليس في القليل من هذه منع الكثير والكثير ثابت على ظاهر الحديث ولا معارضة والله أعلم. قولها: (كفي رأسي) هو بالكاف أي اجمعيه وضمي شعره بعضه إلى بعض. قولها: "إني من الناس" دليل لدخول النساء في خطاب الناس. وهذا متفق عليه وإنما اختلفوا في دخولهن في خطاب الذكور ومذهبنا أنهن لا يدخلن فيه وفيه إثبات القول بالعموم. قوله: "صلى على أهل أحد صلاته على الميت" أي دعا لهم بدعاء صلاة الميت،. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإني والله لأنظر إلى حوضي الاَن" هذا تصريح بأن الحوض حوض حقيقي على ظاهره كما سبق وأنه مخلوق موجود اليوم، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم الشيء وتوكيدّه. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض إني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها" هكذا هو في جميع النسخ مفاتيح في اللفظين بالياء، قال القاضي: وروي مفاتح بحذفها فمن أثبتها فهو جمع مفتاح ومن حذفها فجمع مفتح وهما لغتان فيه. وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن معناه الإخبار(1/321)
بأن أمته تملك خزائن الأرض وقد وقع ذلك وأنها لا ترتد جملة وقد عصمها الله تعالى من ذلك وأنها تتنافس في الدنيا وقد وقع كل ذلك. قوله: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات فكانت آخر ما رأيته على المنبر" معناه خرج إلى قتلى أحد ودعا لهم دعاء مودع ثم دخل المدينة فصعد المنبر فخطب الأحياء خطبة مودع كما قال النواس بن سمعان قلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع وفيه معنى المعجزة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لاَنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها ألا في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة" أما قوله صلى الله عليه وسلم ألا في الليلة المظلمة فهو بتخفيف ألا وهي التي للاستفتاح وخص الليلة المظلمة المصحية لأن النجوم ترى فيها أكثر، والمراد بالمظلمة التي لا قمر فيها مع أن النجوم طالعة فإن وجود القمر يستر كثيراً من النجوم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "آنية الجنة" فضبطه بعضهم برفع آنية وبعضهم بنصبها وهما صحيحان، فمن رفع فخبر مبتدأ محذوف أي هي آنية الجنة، ومن نصب فبإضمار أعنى أو نحوه، وأما آخر ما عليه فمنصوب وأما يشخب فبالشين والخاء المعجمتين والياء مفتوحة والخاء مضمومة ومفتوحة والشخب السيلان وأصله ما خرج من تحت يد الحالب عند كل غمرة وعصرة لضرع الشاة. وأما الميزابان فبالهمز ويجوز قلب الهمزة ياء. قوله: (عن معدان اليعمري) بفتح ميم اليعمري وضمها منسوب إلى يعمر.(1/322)
قوله صلى الله عليه وسلم: "إني لبعقر حوضي" هو بضم العين وإسكان القاف وهو موقف الإبل من الحوض إذا وردته وقيل مؤخره. قوله صلى الله عليه وسلم: "أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم" معناه أطرد الناس عنه غير أهل اليمن ليرفض على أهل اليمن، وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه مجازاة لهم بحسن صنيعهم وتقدمهم في الإسلام والأنصار من اليمن فيدفع غيرهم حتى يشربوا كما دفعوا في الدنيا عن النبي صلى الله عليه وسلم أعداءه والمكروهات، ومعنى يرفض عليهم أي يسيل عليهم ومنه حديث البراق: "استصعب حتى ارفض عرقاً" أي سال عرقه، قال أهل اللغة: والغريب وأصله من الدمع يقال ارفض الدمع إذا سال متفرقاً، قال القاضي: وعصاه المذكورة في هذا الحديث هي المكنى عنها بالهراوة في وصفه صلى الله عليه وسلم في كتب الأوائل بصاحب الهراوة. قال أهل اللغة: الهراوة بكسر الهاء العصا، قال: ولم يأت لمعناها في صفته صلى الله عليه وسلم تفسير إلا ما يظهر لي في هذا الحديث، هذا كلام القاضي، وهذا الذي قاله في تفسير الهراوة بهذه العصا بعيد أو باطل لأن المراد بوصفه بالهراوة تعريفه بصفة يراها الناس معه يستدلون بها على صدقه وأنه المبشر به المذكور في الكتب السالفة فلا يصح تفسيره بعصا تكون في الاَخرة، والصواب في تفسير صاحب الهراوة ما قاله الأئمة المحققون أنه صلى الله عليه وسلم كان يمسك القضيب بيده كثيراً، وقيل لأنه كان يمشي والعصا بين يديه وتغرز له فيصلى إليها وهذا مشهور في الصحيح والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "يغت فيه ميزابان يمدانه" أما يغت فبفتح الياء وبغين معجمة مضمومة ومكسورة ثم مثناة فوق مشددة وهكذا قال ثابت والخطابي والهروي وصاحب التحرير والجمهور، وكذا هو في معظم نسخ بلادنا ونقله القاضي عن الأكثرين، قال الهروي: ومعناه يدفقان فيه الماء دفقاً متتابعاً شديداً، قالوا: وأصله من اتباع الشيء الشيء، وقيل يصبان فيه(1/323)
دائماً صباً شديداً، ووقع في بعض النسخ يعب بضم العين المهملة وبباء موحدة، وحكاها القاضي عن رواية العذري قال: وكذا ذكره الحربي وفسره بمعنى ما سبق أي لا ينقطع جريانهما، قال: والعب الشرب بسرعة في نفس واحد، قال القاضي: ووقع في رواية ابن ماهان يثعب بمثلثة وعين مهملة أي يتفجر. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "يمدانه" فبفتح الياء وضم الميم أي يزيدانه ويكثرانه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لأذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الإبل" معناه كما يذود الساقي الناقة الغريبة عن إبله إذا أرادت الشرب مع إبله.
قوله في حديث أنس من رواية حرملة: (قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء) وقع في بعض النسخ كما بالكاف وفي بعضها لما باللام وكعدد بالكاف، وفي بعضها لعدد نجوم السماء باللام وكلاهما صحيح.
قوله صلى الله عليه وسلم: (ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني فلأقولن رب أصيحابي أصيحابي فليقالن لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) أما اختلجوا فمعناه اقتطعوا، وأما أصيحابي فوقع في الروايات مصغراً مكرراً، وفي بعض النسخ أصحابي أصحابي مكبراً مكرراً. قال القاضي: هذا دليل لصحة تأويل من تأول أنهم أهل الردة ولهذا قال فيهم سحقاً سحقاً، ولا يقول ذلك في مذنبي الأمة بل يشفع لهم ويهتم لأمرهم، قال: وقيل هؤلاء صنفان أحدهما عصاة مرتدون عن الاستقامة لا عن الإسلام وهؤلاء مبدلون للأعمال الصالحة بالسيئة. والثاني مرتدون إلى الكفر حقيقة ناكصون على أعقابهم واسم التبديل يشمل الصنفين.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين لابتي حوضي" أي ناحيتيه والله أعلم
الجوهرة 27
حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزُهري: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:(1/324)
قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (من لا يرحم لا يرحم).
... البخاري –كتاب الادب –باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته
... مسلم- كتاب الفضائل –باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان ...
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
قوله أن أبا هريرة قال كذا في رواية شعيب ووقع عند مسلم من رواية سفيان بن عيينة ومعمر فرقهما كلاهما عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قوله وعنده الأقرع بن حابس الجملة حالية = والاقرع بن حابس أخي بني مجاشع الأقرع لقب واسمه فيما نقل بن دريد فراس بن حابس بن عقال بكسر المهملة وتخفيف القاف بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن عبد الله بن دارم التميمي الدارمي وكانت وفاة الأقرع بن حابس في خلافة عثمان وهو من المؤلفة وممن حسن إسلامه = وقوله ان لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا زاد الإسماعيلي في روايته ما قبلت إنسانا قط قوله من لا يرحم لا يرحم هو بالرفع فيهما على الخبر وقال عياض هو للأكثر وقال أبو البقاء من موصولة ويجوز أن تكون شرطية فيقرأ بالجزم فيهما قال السهيلي جعله على الخبر أشبه بسياق الكلام لأنه سيق للرد على من قال أن لي عشرة من الولد الخ أي الذي يفعل هذا الفعل لا يرحم ولو كانت شرطية لكان في الكلام بعض انقطاع لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف قلت وهو أولى من جهة أخرى لأنه يصير من نوع ضرب المثل ورجح بعضهم كونها موصولة لكون الشرط إذا أعقبه نفي بنفي غالبا بلم وهذا لا يقتضي ترجيحا إذا كان المقام لائقا بكونها شرطية وأجاز بعض شراح المشارق الرفع في الجزءين والجزم فيهما والرفع في الأولى والجزم في الثاني وبالعكس فيحصل أربعة أوجه وأستبعد الثالث ووجه بأنه يكون الثاني بمعنى النهي أي لا ترحموا من لا يرحم الناس وأما الرابع(1/325)
فظاهر وتقديره من لا يكن من أهل الرحمة فإنه لا يرحم ومثله قول الشاعر فقلت له أحمل فوق طوقك انها مطوقة من يأتها لا يضيرها وفي جواب النبي صلى الله عليه وسلم للاقرع إشارة إلى أن تقبيل الولد وغيره من الأهل المحارم وغيرهم من الأجانب إنما يكون للشفقة والرحمة لا للذة والشهوة وكذا الضم والشم والمعانقة .
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: أَتُقَبّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالُوا: لَكِنّا، وَاللّهِ مَا نُقَبّلُ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَ أَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللّهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرّحْمَةَ".
وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ "مِنْ قَلْبِكَ الرّحْمَةَ".
وحدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنْ سُفْيَانَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدّثَنَا سَفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُقَبّلُ الْحَسَنَ. فَقَالَ: إِنّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبّلْتُ وَاحِداً مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ".(1/326)
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاَهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ). كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لاَ يَرْحَمِ النّاسَ لاَ يَرْحَمْهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ".
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: (ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: أرحم بالعيال هذا هو المشهور والموجود في النسخ والروايات. قال القاضي: وفي بعض الروايات بالعباد، ففيه بيان كريم خلقه صلى الله عليه وسلم ورحمته للعيال والضعفاء، وفيه فضيلة رحمة العيال والأطفال وتقبيلهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إنه من لا يرحم لا يرحم" وفي رواية: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله) قال العلماء: هذا عام يتناول رحمة الأطفال وغيرهم. ,
الجوهرة 28
حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا جرير، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك). قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك).
وقال ابن شبرمة ويحيى بن أيوب: حدثنا أبو زرعة: مثله
البخاري –كتاب الادب –باب / من أحق الناس بخسن الصحبة ...
... ... مسلم –كتاب البر والصلة والآداب باب :بر الوالدين وأنهما أحق به
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/327)
-قوله باب من أحق الناس بحسن الصحبة الصحبة والصحابة مصدران بمعنى وهو المصاحبة أيضا
-قوله حدثنا جرير هو بن عبد الحميد قوله عمارة بن القعقاع بن شبرمة بضم المعجمة والراء بينهما موحدة كذا للأكثر ووقع عند النسفي وكذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي عن عمارة بن القعقاع وابن شبرمة بزيادة واو والصواب حذفها فإن رواية بن شبرمة قد علقها المصنف عقب رواية عمارة وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق زهير بن حرب عن جرير عن عمارة حسب قوله جاء رجل يحتمل أنه معاوية بن حيدة بفتح المهملة وسكون التحتانية وهو جد بهز بن حكيم فقد أخرج المصنف في الأدب المفرد من حديثه قال قلت يا رسول الله من أبر قال أمك الحديث وأخرجه أبو داود والترمذي قوله فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي في رواية محمد بن فضيل عن عمارة عند مسلم بحسن الصحبة وعنده في رواية شريك عن عمارة وابن شبرمة جميعا عن أبي زرعة قال مثل رواية جرير وزاد فقال نعم وأبيك لتنبأن وقد أخرجه بن ماجة من هذا الوجه مطولا وزاد فيه حديث أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح وأخرجه أحمد من طريق شريك فقال في أوله يا رسول الله نبئني بأحق الناس مني صحبة ووجدته في النسخة بلفظ فقال نعم والله بدل وأبيك فلعلها تصحفت وقوله وأبيك لم يقصد به القسم وإنما هي كلمة تجري لإرادة تثبيت الكلام ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل النهي عن الحلف بالآباء قوله قال أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال أبوك كذا للجميع بالرفع ووقع عند مسلم من هذا الوجه وعند المصنف في الأدب المفرد من وجه آخر بالنصب وفي آخره ثم أباك والأول ظاهر ويخرج الثاني على إضمار فعل ووقع صريحا عند المصنف في الأدب المفرد كما سأنبه عليه وهكذا وقع تكرار الأم ثلاثا وذكر الأب في الرابعة وصرح بذلك في الرواية يحيى بن أيوب ولفظه ثم عاد الرابعة فقال بر أباك وكذا وقع في رواية بهز بن حكيم وزاد في آخره ثم الأقرب فالأقرب(1/328)
وله شاهد من حديث خداش أبي سلامة رفعه أوصى امرأ بأمه أوصى امرأ بأمه أوصى امرأ بأمه أوصى امرأ بأبيه أوصي امرأ بمولاه الذي يليه وإن كان عليه فيه أذى يؤذيه أخرجه بن ماجة والحاكم قال بن بطال مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر قال وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها ثم تشارك الأب في التربية وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين }فسوى بينهما في الوصاية وخص الأم بالأمور الثلاثة قال القرطبي المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة وقال عياض وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب وقيل يكون برهما سواء ونقله بعضهم عن مالك والصواب الأول قلت إلى الثاني ذهب بعض الشافعية لكن نقل الحارث المحاسبي الإجماع على تفضيل الأم في البر وفيه نظر والمنقول عن مالك ليس صريحا في ذلك فقد ذكره بن بطال قال سئل مالك طلبني أبي فمنعتني أمي قال أطع أباك ولا تعص أمك قال بن بطال هذا يدل على أنه يرى برهما سواء كذا قال وليست الدلالة على ذلك بواضحة قال وسئل الليث يعني عن المسألة بعينها فقال أطع أمك فإن لها ثلثي البر وهذا يشير إلى الطريق التي لم يتكرر ذكر الأم في الأمرتين وقد وقع كذلك في رواية محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عند مسلم في الباب ووقع كذلك في حديث المقدام بن معدي كرب فيما أخرجه المصنف في الأدب المفرد وأحمد وابن ماجة وصححه الحاكم ولفظه إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بآبائكم ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب وكذا وقع في حديث بهز بن حكيم كما تقدم وكذا في آخر رواية محمد بن فضيل المذكورة عند مسلم بلفظ ثم أدناك فأدناك وفي حديث أبي رمثة بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/329)
فسمعته يقول أمك وأباك ثم أختك وأخاك ثم أدناك أدناك أخرجه الحاكم هكذا وأصله عند أصحاب السنن الثلاثة وأحمد وابن حبان والمراد بالدنو القرب إلى البار قال عياض تردد بعض العلماء في الجد والأخ والأكثر على تقديم الجد قلت وبه جزم الشافعية قالوا يقدم الجد ثم الأخ ثم يقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بواحد ثم تقدم القرابة من ذوي الرحم ويقدم منهم المحارم على من ليس بمحرم ثم سائر العصبات ثم المصاهرة ثم الولاء ثم الجار وسيأتي الكلام على حكمة بعد وأشار بن بطال إلى أن الترتيب حيث لا يمكن إيصال البر دفعة واحدة وهو واضح وجاء ما يدل على تقديم الأم في البر مطلقا وهو ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث عائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقا على المرأة قال زوجها قلت فعلى الرجل قال أمه ويؤيد تقديم الأم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وأن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال أنت أحق به ما لم تنكحي كذا أخرجه الحاكم وأبو داود فتوصلت لاختصاصها به باختصاصه بها في الأمور الثلاثة قوله وقال بن شبرمة ويحيى بن أيوب حدثنا أبو زرعة مثله أما بن شبرمة فهو عبد الله الفقيه المشهور الكوفي وهو بن عم عمارة بن القعقاع المذكور قبل وطريقه هذه وصلها المؤلف في الأدب المفرد قال حدثنا سليمان بن حرب حدثنا وهيب بن خالد عن بن شبرمة سمعت أبا زرعة فذكر بلفظ قيل يا رسول الله من أبر والباقي مثل رواية جرير سواء لكن على سياق مسلم وأما يحيى بن أيوب فهو حفيد أبي زرعة بن عمرو بن جرير شيخه في هذا الحديث ولهذا يقال له الجريري وطريقه هذه وصلها المؤلف أيضا في الأدب المفرد وأحمد كلاهما من طريق عبد الله هو بن المبارك أنبأنا يحيى بن أيوب حدثنا أبو زرعة فذكره بلفظ أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تأمرني فقال بر أمك ثم عاد(1/330)
الحديث وكذا هو في كتاب البر والصلة لابن المبارك ونقل المحاسبي الإجماع على أن الأم مقدمة في البر على الأب .
++---------باب: البر والصلة.
وقول الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسناً} /العنكبوت:
حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة قال: الوليد بن عيزار أخبرني قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: أخبرنا صاحب هذه الدار، وأومأ بيده إلى دار عبد الله، قال:
سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها). قال: ثم أي؟ قال: (ثم بر الوالدين). قال: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله). قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني.
------- باب: من أحق الناس بحسن الصحبة.
------ باب: لا يجاهد إلا بإذن الأبوين.
5627 - حدثنا مسدَّد: حدثنا يحيى، عن سفيان وشعبة قالا: حدثنا حبيب (ح). قال: وحدثنا محمد بن كثير: أخبرنا سفيان، عن حبيب، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو قال:
قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أجاهد؟ قال: (لك أبوان). قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد).
------ باب: لا يسب الرجل والديه.
- حدثنا أحمد بن يونس: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن حُمَيد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه). قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: (يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه).
----- باب: إجابة دعاء من بر والديه.
- حدثنا سعيد بن أبي مريم: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، فمالوا إلى غار في الجبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة، فادعوا الله بها لعله يفرجها.(1/331)
فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار، كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي، وإنه نأى بي الشجر يوماً، فما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء. ففرج الله لهم فرجة حتى يرون منها السماء.
وقال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت إليها نفسها، فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فسعيت حتى جمعت مائة دينار فلقيتها بها، فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه. فقمت عنها، اللهم فإن كنت تعلم أني قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها. ففرج فرجة.
وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بفرق أرز، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي، فعرضت عليه حقه فتركه ورغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً وراعيها، فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني وأعطني حقي، فقلت: اذهب إلى تلك البقر وراعيها، فقال: اتق الله ولا تهزأ بي، فقلت: إني لا أهزأ بك، فخذ تلك البقر وراعيها، فأخذه فانطلق بها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج ما بقي. ففرج الله عنهم).
------- باب: عقوق الوالدين من الكبائر.
- حدثنا سعد بن حفص: حدثنا شيبان، عن منصور، عن المسيَّب، عن ورَّاد، عن المغيرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات، ووأد البنات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).
- حدثني إسحق: حدثنا خالد الواسطي، عن الجريري، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله عنه قال:(1/332)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر). قلنا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وكان متكئاً فجلس فقال - ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور). فما زال يقولها، حتى قلت: لا يسكت.
- حدثني محمد بن الوليد: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شُعبة قال: حدثني عبيد الله بن أبي بكر قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، أو سئل عن الكبائر، فقال: (الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور، أو قال: شهادة الزور). قال شُعبة: وأكثر ظني أنه قال: (شهادة الزور).
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
كتاب البر والصلة والاداب
-- ----------- باب برّ الوالدين، وأنهما أحق به
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفٍ الثّقَفِيّ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ أَحَقّ النّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: "أُمّكَ" قَالَ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمّ أُمّكَ" قَالَ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمّ أُمّكَ" قَالَ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمّ أَبُوكَ".
-وَفِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ: مَنْ أَحَقّ بِحُسْنِ صِحَابَتِي؟ وَلَمْ يَذْكُرِ النّاسَ.
-حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ أَحَقّ بِحُسْنِ الصّحْبَةِ؟ قَالَ "أُمّكَ. ثُمّ أُمّكَ. ثُمّ أُمّكَ. ثُمّ أَبُوكَ. ثُمّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ".(1/333)
-حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عُمَارَةَ وَ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَزَادَ: فَقَالَ: "نَعَمْ: وَأَبِيكَ لَتُنَبّأَنّ".
+فِي حَدِيثِ وُهَيْبٍ: مَنْ أَبْرّ؟ وَفِي حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ طَلْحَةَ: أَيّ النّاسِ أَحَقّ مِنّي بِحُسْنِ الصّحْبَةِ؟ ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ.
-حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (يعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطّانَ) عَنْ سُفْيَانَ وَ شُعْبَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَبِيبٌ عَنْ أَبِي الْعَبّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ. فَقَالَ: "أَحَيّ وَالِدَاكَ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ".
+حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنّ نَاعِماً، مَوْلَى أُمّ سَلَمَةَ حَدّثَهُ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَىَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَىَ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللّهِ. قَالَ "فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيّ؟" قَالَ: نَعَمْ. بَلْ كِلاَهُمَا. قَالَ "فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللّهِ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ "فَارْجِعْ إِلَىَ وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا".(1/334)
قوله: (من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك إلى آخره) الصحابة هنا بفتح الصاد بمعنى الصحبة، وفيه الحث على بر الأقارب وأن الأم أحقهم بذلك ثم بعدها الأب ثم الأقرب فالأقرب. قال العلماء: وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته وتمريضه وغير ذلك. ونقل الحارث المحاسبي إجماع العلماء على أن الأم تفضل في البر على الأب. وحكى القاضي عياض خلافاً في ذلك فقال الجمهور بتفضيلها، وقال بعضهم: يكون برهما سواء، قال: ونسب بعضهم هذا إلى مالك والصواب الأول لصريح هذه الأحاديث في المعنى المذكور والله أعلم. قال القاضي: وأجمعوا على أن الأم والأب آكد حرمة في البر ممن سواهما، قال: وتردد بعضهم بين الأجداد والأخوة لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم أدناك أدناك" قال أصحابنا: يستحب أن تقدم في البر الأم ثم الأب ثم الأولاد ثم الأجداد والجدات ثم الأخوة والأخوات، ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات والأخوال والخالات، ويقدم الأقرب فالأقرب، ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بأحدهما، ثم بذي الرحم غير المحرم كابن العم وبنته وأولاد الأخوال والخالات وغيرهم ثم بالمصاهرة ثم بالمولى من أعلى وأسفل ثم الجار، ويقدم القريب البعيد الدار على الجار، وكذا لو كان القريب في بلد آخر قدم على الجار الأجنبي وألحقوا الزوج والزوجة بالمحارم والله أعلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "نعم وأبيك لتنبأن" قد سبق الجواب مرات عن مثل هذا وأنه لا تراد به حقيقة القسم بل هي كلمة تجري على اللسان دعامة للكلام وقيل غير ذلك.(1/335)
قوله: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: أحي والدك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد) وفي رواية: (أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) هذا كله دليل لعظم فضيلة برهما وأنه آكد من الجهاد. وفيه حجة لما قاله العلماء أنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما إذا كانا مسلمين أو بإذن المسلم منهما، فلو كانا مشركين لم يشترط إذنهما عند الشافعي ومن وافقه، وشرطه الثوري، هذا كله إذا لم يحضر الصف ويتعين القتال وإلا فحينئذ يجوز بغير إذن. وأجمع العلماء على الأمر ببر الوالدين وأن عقوقهما حرام من الكبائر، وسبق بيانه مبسوطاً في كتاب الإيمان
----------------باب تقديم برّ الوالدين على التطوع بالصلاة، وغيرها
*حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ: كَانَ جُرَيْجٌ يَتَعَبّدُ فِي صَوْمَعَةٍ. فَجَاءَتْ أُمّهُ.
قَالَ حُمَيْدٌ: فَوَصَفَ لَنَا أَبُو رَافِعٍ صِفَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِصِفَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أُمّهُ حِينَ دَعَتْهُ. كَيْفَ جَعَلَتْ كَفّهَا فَوْقَ حَاجِبِهَا. ثُمّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا إِلَيْهِ تَدْعُوهُ. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، أَنَا أُمّكَ. كَلّمْنِي. فَصَادَفَتْهُ يُصَلّي. فَقَالَ: اللّهُمّ. أُمّي وَصَلاَتِي. فَاخْتَارَ صَلاَتَهُ. فَرَجَعَتْ ثُمّ عَادَتْ فِي الثّانِيَةِ. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمّكَ. فَكَلّمْنِي. قَالَ: اللّهُمّ أُمّي وَصَلاَتِي. فَاخْتَارَ صَلاَتَهُ. فَقَالَتِ: اللّهُمّ إِنّ هَذَا جُرَيْجٌ. وَهُوَ ابْنِي. وَإِنّي كَلّمْتُهُ فَأَبَىَ أَنْ يُكَلّمَنِي. اللّهُمّ فَلاَ تُمِتْهُ حَتّىَ تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ.
قَالَ: وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ.(1/336)
قَالَ: وَكَانَ رَاعِي ضَأْنٍ يَأْوِي إِلَىَ دَيْرِهِ. قَالَ: فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْقَرْيَةِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا الرّاعِي. فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ غُلاَماً. فَقِيلَ لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: مِنْ صَاحِبِ هَذَا الدّيْرِ. قَالَ فَجَاؤوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ. فَنَادَوْهُ فَصَادَفُوهُ يُصَلّي. فَلَمْ يُكَلّمْهُمْ. قَالَ: فَأَخَذُوا يَهْدِمُونَ دَيْرَهُ. فَلَمّا رَأَىَ ذَلِكَ نَزَلَ إِلَيْهِمْ. فَقَالُوا لَهُ: سَلْ هَذِهِ. قَالَ: فَتَبَسّمَ ثُمّ مَسَحَ رَأْسَ الصّبِيّ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: أَبِي رَاعِي الضّأْنِ. فَلَمّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ قَالَوا: نَبْنِي مَا هَدَمْنَا مِنْ دَيْرِكَ بِالذّهَبِ وَالْفِضّةِ. قَالَ: لاَ. وَلَكِنْ أَعِيدُوهُ تُرَاباً كَمَا كَانَ. ثُمّ عَلاَهُ.(1/337)
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَزِيَدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمْ يَتَكَلّمْ فِي الْمَهْدِ إِلاّ ثَلاَثَةٌ: عِيسَىَ ابْنُ مَرْيَمَ. وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ. وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِداً. فَاتّخَذَ صَوْمَعَةً. فَكَانَ فِيهَا. فَأَتَتْهُ أُمّهُ وَهُوَ يُصَلّي. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبّ أُمّي وَصَلاَتِي. فَأَقْبَلَ عَلَىَ صَلاَتِهِ. فَانْصَرَفَتْ. فَلَمّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلّي. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبّ أُمّي وَصَلاَتِي. فَأَقْبَلَ عَلَىَ صَلاَتِهِ. فَانْصَرَفَتْ. فَلَمّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلّي. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: أَيْ رَبّ أُمّي وَصَلاَتِي. فَأَقْبَلَ عَلَىَ صَلاَتِهِ فقَالَتْ: اللّهُمّ لاَ تُمِتْهُ حَتّىَ يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهُ المُومِسَاتِ. فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجاً وَعِبَادَتَهُ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيّ يُتَمَثّلُ بِحُسْنِهَا. فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنّهُ لَكُمْ. قَالَ: فَتَعَرّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْها. فَأَتَتْ رَاعِياً كَانَ يَأْوِي إِلَىَ صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا. فَوَقَعَ عَلَيْهَا. فَحَمَلَتْ. فَلَمّا وَلَدَتْ. قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ. فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ. فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيّ. فَوَلَدَتْ مِنْكَ. فَقَالَ: أَيْنَ الصّبِيّ؟ فَجَاؤوا بِهِ فَقَالَ: دَعُونِي حَتّىَ أُصَلّيَ. فَصَلّىَ. فَلَمّا انْصَرَفَ أَتَىَ الصّبِيّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ. وَقَالَ: يَا غُلاَمُ مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلاَنٌ الرّاعِي.(1/338)
قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَىَ جُرَيْجٍ يُقَبّلُونَهُ وَيَتَمَسّحُونَ بِهِ. وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: لاَ. أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ. فَفَعَلُوا.
فيه قصة جُريج رضي الله عنه وأنه آثر الصلاة على إجابتها فدعت عليه فاستجاب الله لها. قال العلماء: هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها لأنه كان في صلاة نفل والاستمرار فيها تطوع لا واجب، وإجابة الأم وبرها واجب وعقوقها حرام، وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها ثم يعود لصلاته فلعله خشي أنها تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها وحظوظها وتضعف عزمه فيما نواه وعاهد عليه. قولها: (فلا تمته حتى تريه المومسات) هي بضم الميم الأولى وكسر الثانية أي الزواني البغايا المتجاهرات بذلك والواحدة مومسة وتجمع على مياميس أيضاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره" الدير كنيسة منقطعة عن العمارة تنقطع فيها رهبان النصارى لتعبدهم، وهو بمعنى الصومعة المذكورة في الرواية الأخرى وهي نحو المنارة ينقطعون فيها عن الوصول إليهم والدخول عليهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فجاؤوا بفؤوسهم" هو مهموز ممدود جمع فأس بالهمزة وهي هذه المعروفة كرأس ورؤوس، والمساحي جمع مسحاة وهي كالمجرفة إلا أنها من حديث ذكره الجوهري. قوله صلى الله عليه وسلم: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة" فذكرهم وليس فيهم الصبي الذي كان مع المرأة في حديث الساحر والراهب، وقصة أصحاب الأخدود المذكور في آخر صحيح مسلم وجوابه أن ذلك الصبي لم يكن في المهد بل كان أكبر من صاحب المهد وإن كان صغيراً. قوله: (بغي يتمثل بحسنها) أي يضرب به المثل لإنفرادها به. قوله: (يا غلام من أبوك قال فلان الراعي) قد يقال إن الزاني لا يلحقه الولد، وجوابه من وجهين: أحدهما لعله كان في شرعهم يلحقه. والثاني المراد من ماء من أنت وسماه أباً مجازاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "مر(1/339)
رجل على دابة فارهة وشارة حسنة" الفارهة بالفاء النشيطة الحادة القوية وقد فرهت بضم الراء فراهة وفراهية، والشارة الهيئة واللباس. قوله: "فجعل يمصها" بفتح الميم على اللغة المشهورة وحكي ضمها. قوله صلى الله عليه وسلم: "فهناك تراجعا الحديث فقالت حلقي" معنى تراجعا الحديث أقبلت على الرضيع تحدثه وكانت أولاً لا تراه أهلاً للكلام فلما تكرر منه الكلام علمت أنه أهل له فسألته وراجعته، وسبق بيان حلقي في كتاب الحج. قوله في الجارية التي نسبوها إلى السرقة ولم تسرق: (اللهم اجعلني مثلها) أي اللهم اجعلني سالماً من المعاصي كما هي سالمة، وليس المراد مثلها في النسبة إلى باطل تكون منه برياً. وفي حديث جريج هذا فوائد كثيرة: منها عظم بر الوالدين وتأكد حق الأم وأن دعاءها مجاب وأنه إذا تعارضت الأمور بدئ بأهمها وأن الله تعالى يجعل لأوليائه مخارج عند ابتلائهم بالشدائد غالباً، قال الله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) وقد يجري عليهم الشدائد بعض الأوقات زيادة في أحوالهم وتهذيباً لهم فيكون لطفاً. ومنها استحباب الوضوء للصلاة عند الدعاء بالمهمات. ومنها أن الوضوء كان معروفاً في شرع من قبلنا فقد ثبت في هذا الحديث في كتاب البخاري فتوضأ وصلى. وقد حكى القاضي عن بعضهم أنه زعم اختصاصه بهذه الأمة. ومنها إثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل السنة خلافاً للمعتزلة، وفيه أن كرامات الأولياء قد تقع باختيارهم وطلبهم وهذا هو الصحيح عند أصحابنا المتكلمين، ومنهم من قال لا تقع باختيارهم وطلبهم. وفيه أن الكرامات قد تكون بخوارق العادات على جميع أنواعها ومنعه بعضهم وادعى أنها تختص بمثل إجابة دعاء ونحوه وهذا غلط من قائله وإنكار للحس بل الصواب جريانها بقلب الأعيان وإحضار الشيء من العدم ونحوه
-------------- باب رغم من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر، فلم يدخل الجنة(1/340)
*حدّثنا شيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "رَغِمَ أَنْفُ، ثُمّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمّ رَغِمَ أَنْفُ" قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ "مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنّةَ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمّ رَغِمَ أَنْفُهُ. ثُمّ رَغِمَ أَنْفُهُ" قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ "مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنّةَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا خالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ. حَدّثَنِي سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "رَغِمَ أَنْفُهُ" ثَلاَثاً. ثُمّ ذَكَرَ مِثْلَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة" قال أهل اللغة: معناه ذل، وقيل كره وخزي وهو بفتح الغين وكسرها وهو الرغم بضم الراء وفتحها وكسرها وأصله لصق أنفه بالرغام وهو تراب مختلط برمل، وقيل الرغم كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه، وفيه الحث على بر الوالدين وعظم ثوابه ومعناه أن برهما عند كبرهما وضعفهما بالخدمة أو النفقة أو غير ذلك سبب لدخول الجنة فمن قصر في ذلك فاته دخول الجنة وأرغم الله أنفه
----------------- باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما(1/341)
*-1حدّثني أَبُو الطّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيّوبَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكّةَ. فَسَلّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ. وَحَمَلَهُ عَلَىَ حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ. وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَىَ رَأْسِهِ. فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللّهُ إِنّهُمُ الأَعْرَابُ وَإِنّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: إِنّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ. وَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ أَبَرّ الْبِرّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدّ أَبِيهِ".
-2حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال: "أَبَرّ الْبِرّ أَنْ يَصِلَ الرّجُلُ وِدّ أَبِيهِ".(1/342)
-3حدّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي وَ اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. جَمِيعاً عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَىَ مَكّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوّحُ عَلَيْهِ، إِذَا مَلّ رُكُوبَ الرّاحِلَةِ. وَعِمَامَةٌ يَشُدّ بِهَا رَأْسَهُ. فَبَيْنَا هُوَ يَوْماً عَلَىَ ذَلِكَ الْحِمَارِ. إِذْ مَرّ بِهِ أَعْرَابِيّ. فَقَالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ؟ قَالَ: بَلَىَ. فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ وَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا. وَالْعِمَامَةَ، قَالَ: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: غَفَرَ اللّهُ لَكَأَعْطَيْتَ هَذَا الأَعْرَابِيّ حِمَاراً كُنْتَ تَرَوّحُ عَلَيْهِ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدّ بِهَا رَأْسَكَ فَقَالَ: إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ مِنْ أَبَرّ الْبِرّ صِلَةَ الْرّجُلِ أَهْلَ وُدّ أَبِيهِ، بَعْدَ أَنْ يُوَلّيَ" وَإِنّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقاً لِعُمَرَ.
قوله: (إن أبا هذا كان وداً لعمر) قال القاضي: رويناه بضم الواو وكسرها أي صديقاً من أهل مودته وهي محبته. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه" وفي رواية: "إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن تولى" الود هنا مضموم الواو، وفي هذا فضل صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم وإكرامهم، وهو متضمن لبر الأب وإكرامه لكونه بسببه، وتلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشايخ والزوج والزوجة، وقد سبقت الأحاديث في إكرامه صلى الله عليه وسلم خلائل خديجة رضي الله عنها. قوله: (كان له حمار يتروح عليه إذا مل ركوب الراحلة) معناه كان يستصحب حماراً ليستريح عليه إذا ضجر من ركوب البعير والله أعلم .
الجوهرة 29(1/343)
حدثنا خالد بن مخلد: حدثنا سليمان قال: حدثني معاوية بن أبي مزرد، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذاك). قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}.
حدثنا إبراهيم بن حمزة: حدثنا حاتم، عن معاوية قال: حدثني عمي أبو الحباب سعيد بن يسار، عن أبي هريرة بهذا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم}).
حدثنا بشر بن محمد: أخبرنا عبد الله: أخبرنا معاوية بن أبي المزرد بهذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم}).
---- البخاري –كتاب التفسير-باب :وتقطعوا أرحامكم
---- مسلم –كتاب البر والصلة والاداب باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/344)
خلق الله الخلق فلما فرغ منه أي قضاه وأتمه قوله قامت الرحم يحتمل أن يكون على الحقيقة والأعراض يجوز أن تتجسد وتتكلم بإذن الله ويجوز أن يكون على حذف أي قام ملك فتكلم على لسانها ويحتمل أن يكون ذلك على طريق ضرب المثل والاستعارة والمراد تعظيم شأنها وفضل واصلها وإثم قاطعها قوله فأخذت كذا للأكثر بحذف مفعول أخذت وفي رواية بن السكن فأخذت بحقو الرحمن وفي رواية الطبري بحقوى الرحمن بالتثنية قال القابسي أبي أبو زيد المروزي أن يقرأ لنا هذا الحرف لإشكاله ومشى بعض الشراح على الحذف فقال أخذت بقائمة من قوائم العرش وقال عياض الجقو معقد الإزار وهو الموضع الذي يستجار به ويحتزم به على عادة العرب لأنه من أحق ما يحامي عنه ويدفع كما قالوا نمنعه مما نمنع منه أزرنا فاستعير ذلك مجازا للرحم في استعاذتها بالله من القطيعة انتهى وقد يطلق الحقو على الإزار نفسه كما في حديث أم عطية فأعطاها حقوه فقال أشعرنها إياه يعني إزاره وهو المراد هنا وهو الذي جرت العادة بالتمسك به عند الالحاح في الاستجارة والطلب والمعنى على هذا صحيح مع اعتقاد تنزيه الله عن الجارحة قال الطيبي هذا القول مبنى على الاستعارة التمثيلية كأنه شبة حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذب عنها بحال مستجير يأخذ بحقو المستجار به ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم للمشبه به من القيام فيكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة ثم رشحت الاستعارة بالقول والأخذ وبلفظ الحقو فهو استعارة أخرى والتثنية فيه للتأكيد لأن الأخذ باليدين آكد في الاستجارة من الأخذ بيد واحدة قوله فقال له مه هو اسم فعل معناه الزجر أي اكفف وقال بن مالك هي هنا ما الاستفهامية حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت والشائع أن لا يفعل ذلك إلا وهي مجرورة لكن قد سمع مثل ذلك فجاء عن أبي ذؤيب الهذلي قال قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج فقلت مه فقالوا قبض رسول الله صلى(1/345)
الله عليه وسلم قوله في الإسناد حدثنا سليمان هو بن بلال قوله هذا مقام العائذ بك من القطيعة هذه الإشارة إلى المقام أي قيامي في هذا مقام العائذ بك وسيأتي مزيد بيان لما يتعلق بقطيعة الرحم في أوائل كتاب الأدب إن شاء الله تعالى ووقع في رواية الطبري هذا مقام عائذ من القطيعة والعائذ المستعيذ وهو المعتصم بالشيء المستجير به قوله قال أبو هريرة أقرءوا إن شئتم {فهل عسيتم} هذا ظاهره أن الاستشهاد موقوف وسيأتي بيان من رفعه وكذا في رواية الطبري من طريق سعيد بن أبي مريم عن سليمان بن بلال ومحمد بن جعفر بن أبي كثير قوله حدثنا حاتم هو بن إسماعيل الكوفي نزيل المدينة ومعاوية هو بن أبي مزرد المذكور في الذي قبله وبعده قوله بهذا يعني الحديث الذي قبله وقد أخرجه الإسماعيلي من طريقين عن حاتم بن إسماعيل بلفظ فلما فرغ منه قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ ولم يذكر الزيادة وزاد بعد قوله قالت بلى يا رب قال فذلك لك قوله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرءوا إن شئتم حاصله أن الذي وقعه سليمان بن بلال على أبي هريرة رفعه حاتم بن إسماعيل وكذا وقع في رواية الإسماعيلي المذكورة قوله أخبرنا عبد الله هو بن المبارك قوله بهذا أي بهذا الإسناد والمتن ووافق حاتما على رفع هذا الكلام الأخير وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق حبان بن موسى عن عبد الله بن المبارك تنبيه اختلف في تأويل قوله{ إن توليتم} فالأكثر على أنها من الولاية والمعنى إن وليتم الحكم وقيل بمعنى الإعراض والمعنى لعلكم إن أعرضتم عن قبول الحق أن يقع منكم ما ذكر والأول أشهر ويشهد له ما أخرج الطبري في تهذيبه من حديث عبد الله بن مغفل قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض قال هم هذا الحي من قريش أخذ الله عليهم أن ولوا الناس أن لا يفسدوا في الأرض ولا يقطعوا والله أعلم.(1/346)
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
---- باب صلة الرحم، وتحريم قطيعتها
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الثّقَفِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ عُبّادٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ مُعَاوِيَةَ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي مُزَرّدٍ، مَوْلَىَ بَنِي هَاشِمٍ). حَدّثَنِي عَمّي، أَبُو الْحُبَابِ، سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ. حَتّىَ إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ. أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَىَ. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ".
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمّهُمْ وَأَعْمَىَ أَبْصَارَهُمْ. أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلىَ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}" (محمد الاَيات: ).
-حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ). قَالاَ حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الرّحِمُ مُعَلّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللّهُ. وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللّهُ".(1/347)
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِي، عَنْ مُحَمّدُ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ قَاطِعٌ".
قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ:قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ.
حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضّبَعِيّ. حَدّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزّهْرِيّ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ".
حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التّجِيبِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَرّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَحَبّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".(1/348)
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَلاَءَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ يُحَدّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ لِي قَرَابَةً. أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي. وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيّ. وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيّ. فَقَالَ "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنّمَا تُسِفّهُمُ الْمَلّ. وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ، مَا دُمْتَ عَلَىَ ذَلِكَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة؟ قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك".(1/349)
وفي الرواية الأخرى: "الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله" قال القاضي عياض: الرحم التي توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني ليست بحسم وإنما هي قرابة ونسب تجمعه رحم والدة ويتصل بعضه ببعض فسمي ذلك الإتصال رحماً، والمعنى لا يتأتى منه القيام ولا الكلام، فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك، والمراد تعظيم شأنها وفضيلة واصليها وعظيم إثم قاطعيها بعقوقهم، لهذا سمى العقوق قطعاً والعق الشق كأنه قطع ذلك السبب المتصل، قال: ويجوز أن يكون المراد قام ملك من الملائكة وتعلق بالعرش وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله تعالى، هذا كلام القاضي، والعائذ المستعيذ وهو المعتصم بالشيء الملتجئ إليه المستجير به، قال العلماء: وحقيقة الصلة العطف والرحمة، فصلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه بهم ورحمته إياهم وعطفه بإحسانه ونعمه أوصلتهم بأهل ملكوته الأعلى وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته. قال القاضي عياض: ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة، قال: والأحاديث في الباب تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، لو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لا يسمى واصلاً، قال: واختلفوا في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل: هو كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكراً والاَخر أنثى حرمت مناكحتهما، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال، واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح ونحوه وجواز ذلك في بنات الأعمام والأخوال، وقيل هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي المحرم وغيره، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم أدناك أدناك". هذا كلام القاضي،(1/350)
وهذا القول الثاني هو الصواب، ومما يدل عليه الحديث السابق في أهل مصر فإن لهم ذمة ورحماً وحديث: إن أبر البر أن يصل أهل ود أبيه مع أنه لا محرمية والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة قاطع" هذا الحديث يتأول تأويلين سبقا في نظائره في كتاب الإيمان: أحدهما حمله على من يستحل القطيعة بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهذا كافر يخلد في النار ولا يدخل الجنة أبداً. والثاني معناه ولا يدخلها في أول الأمر مع السابقين بل يعاقب بتأخره القدر الذي يريده الله تعالى.(1/351)
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" ينسأ مهموز أي يؤخر والأثر الأجل لأنه تابع للحياة في أثرها، وبسط الرزق وتوسيعه وكثرته وقيل البركة فيه. وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور وهو أن الاَجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الاَخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك. والثاني أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت فيه} النسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قدره ولا زيادة بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث. والثالث أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت حكاه القاضي وهو ضعيف أو باطل والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم للذي يصل قرابته ويقطعونه: "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله تعالى ظهير عليهم ما دمت على ذلك" المل بفتح الميم الرماد الحار، وتسفهم بضم التاء وكسر السين وتشديد الفاء والظهير المعين والدافع لأذاهم، وقوله أحلم عنهم بضم اللام ويجهلون أي يسيئون والجهل هنا القبيح من القول ومعناه كأنما تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه، وقيل معناه إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل، وقيل ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم والله(1/352)
أعلم ر..
الجوهرة 30
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا).
- البخاري-كتاب الادب –باب {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا}
-- مسلم –كتاب البر والصلة والآداب-باب:تحريم الظن والتجسس....
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/353)
- قوله بشر بن محمد هو المروزي وعبد الله هو بن المبارك قوله إياكم والظن قال الخطابي وغيره ليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالبا بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به وكذا ما يقع في القلب بغير دليل وذلك أن أوائل الظنون إنما هي خواطرلا يمكن دفعها وما لا يقدر عليه لا يكلف به ويؤيده حديث تجاوز الله للأمة عما حدثت به أنفسها وقال القرطبي المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم رجلا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها ولذلك عطف عليه قوله ولا تجسسوا وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع فنهى عن ذلك وهذا الحديث يوافق قوله تعالى{ اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاْ} فدل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن فإن قال الظان أبحث لأتحقق قيل له ولا تجسسوا فإن قال تحققت من غير تجسس قيل له ولا يغتب بعضكم بعضا وقال عياض استدل بالحديث قوم على منع العمل في الأحكام بالاجتهاد والرأي وحمله المحققون على ظن مجرد عن الدليل ليس مبنيا على أصل ولا تحقيق نظر وقال النووي ليس المراد في الحديث بالظن ما يتعلق بالاجتهاد الذي يتعلق بالأحكام أصلا بل الاستدلال به لذلك ضعيف أو باطل وتعقب بأن ضعفه ظاهر وأما بطلانه فلا فإن اللفظ صالح لذلك ولا سيما إن حمل على ما ذكره القاضي عياض وقد قربه القرطبي في المفهم وقال الظن الشرعي الذي هو تغليب أحد الجانبين أو هو بمعنى اليقين ليس مرادا من الحديث ولا من الآية فلا يلتفت لمن استدل بذلك على إنكار الظن الشرعي وقال بن عبد البر احتج به بعض الشافعية على من قال بسد الذريعة في البيع فأبطل بيع العينة ووجه الاستدلال النهي عن الظن بالمسلم شرا فإذا باع شيئا حمل على ظاهره الذي وقع العقد به ولم يبطل بمجرد توهم أن سلك به مسلك الحيلة ولا يخفى ما فيه(1/354)
وأما وصف الظن بكونه أكذب الحديث مع أن تعمد الكذب الذي لا يستند إلى ظن أصلا أشد من الأمر الذي يستند إلى الظن فللإشارة إلى أن الظن المنهي عنه هو الذي لا يستند إلى شيء يجوز الاعتماد عليه فيعتمد عليه ويجعل أصلا ويجزم به فيكون الجازم به كاذبا وإنما صار أشد من الكاذب لأن الكذب في أصله مستقبح مستغنى عن ذمه بخلاف هذا فإن صاحبه بزعمه مستند إلى شيء فوصف بكونه أشد الكذب مبالغة في ذمه والتنفير منه وإشارة إلى أن الاغترار به أكثر من الكذب المحض لخفائه غالبا ووضوح الكذب المحض قوله فإن الظن أكذب الحديث قد استشكلت تسمية الظن حديثا وأجيب بأن المراد عدم مطابقة الواقع سواء كان قولا أو فعلا ويحتمل أن يكون المراد ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازا قوله ولا تحسسوا ولا تجسسوا إحدى الكلمتين بالجيم والأخرى بالحاء المهملة وفي كل منهما حذف إحدى التاءين تخفيفا وكذا في بقية المناهي التي في حديث الباب والأصل تتحسسوا قال الخطابي معناه لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها قال الله تعالى ،حاكيا عن يعقوب عليه السلام{اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه }وأصل هذه الكلمة التي بالمهملة من الحاسة إحدى الحواس الخمس وبالجيم من الجس بمعنى اختبار الشيء باليد وهي إحدى الحواس فتكون التي بالحاء أعم وقال إبراهيم الحربي هما بمعنى واحد وقال بن الأنباري ذكر الثاني للتأكيد كقولهم بعد وسخطا وقيل بالجيم البحث عن عوراتهم وبالحاء استماع حديث القوم وهذا رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أحد صغار التابعين وقيل بالجيم البحث عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر وبالحاء البحث عما يدرك بحاسة العين والأذن ورجح هذا القرطبي وقيل بالجيم تتبع الشخص لأجل غيره وبالحاء تتبعه لنفسه وهذا اختيار ثعلب ويستثنى من النهي عن التجسس ما لو تعين طريقا إلى انقاذ نفس من الهلاك مثلا كأن يخبر ثقة بأن فلانا خلا بشخص ليقتله ظلما أو بامرأة ليزني بها فيشرع في هذه(1/355)
الصورة التجسس والبحث عن ذلك حذرا من فوات استدراكه نقله النووي عن الأحكام السلطانية للماوردي واستجاده وأن كلامه ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات ولو غلب على الظن استمرار أهلها بها إلا هذه الصورة قوله ولا تحاسدوا الحسد تمني الشخص زوال النعمة عن مستحق لها أعم من أن يسعى في ذلك أو لا فإن سعى كان باغيا وإن لم يسع في ذلك ولا أظهر ولا تسبب في تأكيد أسباب الكراهة التي نهى المسلم عنها في حق المسلم نظر فإن كان المانع له من ذلك العجز بحيث لو تمكن لفعل فهذا مأزور وإن كان المانع له من ذلك التقوى فقد يعذر لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية رفعه ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد قيل فما المخرج منها يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ وعن الحسن البصري قال ما من آدمي إلا وفيه الحسد فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء قوله ولا تدابروا قال الخطابي لا تتهاجروا فيهجر أحدكم أخاه مأخوذ من تولية الرجل الآخر دبره إذا أعرض عنه حين يراه وقال بن عبد البر قيل للأعراض مدابرة لأن من أبغض ومن اعرض ومن أعرض ولي دبره والمحب بالعكس وقيل معناه لا يستأثر أحدكم على الآخر وقيل للمستأثر مستدبر لأنه يولي دبره حين يستأثر بشيء دون الآخر وقال المازري معنى التدابر المعاداة يقول دابرته أي عاديته وحكى عياض أن معناه لا تجادلوا ولكن تعاونوا والأول أولى وقد فسره مالك في الموطأ بأخص منه فقال إذ ساق حديث الباب عن الزهري بهذا السند ولا أحسب التدابر إلا الإعراض عن السلام يدبر عنه بوجهه وكأنه أخذه من بقية الحديث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام فإنه يفهم أن صدور السلام منهما أو من أحدهما يرفع ذلك الإعراض وسيأتي مزيد لهذا في باب(1/356)
الهجرة ويؤيده ما أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في زيادات كتاب البر والصلة لابن المبارك بسند صحيح عن أنس قال التدابر التصارم قوله ولا تباغضوا أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأن البغض لا يكتسب ابتداء وقيل المراد النهي عن الأهواء المضلة المقتضية للتباعض قلت بل هو لأعم من الأهواء لأن تعاطي الأهواء ضرب من ذلك وحقيقة التباغض أن يقع بين اثنين وقد يطلق إذا كان من أحدهما والمذموم منه ما كان في غير الله تعالى فإنه واجب فيه ويثاب فاعله لتعظيم حق الله ولو كانا أو أحدهما عند الله من أهل السلامة كمن يؤديه اجتهاده إلى اعتقاد ينافي الآخر فيبغضه على ذلك وهو معذور عند الله قوله وكونوا عباد الله إخوانا بلفظ المنادى المضاف زاد مسلم في آخره من رواية أبي صالح عن أبي هريرة كما أمركم الله ومثله عنده من طريق قتادة عن أنس وهذه الجملة تشبه التعليل لما تقدم كأنه قال إذا تركتم هذه المنهيات كنتم إخوانا ومفهومه إذا لم تتركوها تصيروا أعداء ومعنى كونوا إخوانا اكتسبوا ما تصيرون به إخوانا مما سبق ذكره وغير ذلك من الأمور المقتضية لذلك اثباتا ونفيا وقوله عباد الله أي يا عباد الله بحذف حرف النداء وفيه إشارة إلى أنكم عبيد الله فحقكم أن تتواخوا بذلك قال القرطبي المعنى كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة ولعل قوله في الرواية الزائدة كما أمركم الله أي بهذه الأوامر المقدم ذكرها فإنها جامعة لمعاني الإخوة ونسبتها إلى الله لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله وقد أخرج أحمد بسند حسن عن أبي أمامة مرفوعا لا أقول إلا ما أقول ويحتمل أن يكون المراد بقوله كما أمركم الله الإشارة إلى قوله تعالى{ إنما المؤمنون إخوة} فإنه خبر عن الحالة التي شرعت للمؤمنين فهو بمعنى الأمر قال بن عبد البر تضمن الحديث تحريم بغض المسلم والإعراض عنه وقطيعته بعد صحبته بغير ذنب شرعي والحسد له على ما أنعم به عليه(1/357)
وأن يعامله معاملة الأخ النسيب وأن لا ينقب عن معايبه ولا فرق في ذلك بين الحاضر والغائب وقد يشترك الميت مع الحي في كثير من ذلك تنبيه وقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن همام في هذا الحديث من الزيادة ولا تنافسوا وكذا وقعت في حديث أبي هريرة من رواية الأعرج وبين الاختلاف فيها في الباب الذي بعده ووقع عند مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة في آخره كما أمركم الله وقد نبهت عليها ولمسلم أيضا من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فيه ولا يبع بعضكم على بيع بعض وأفرد هذه الزيادة في البيوع من وجه آخر ومثله من رواية أبي سعيد مولى عامر بن كريز عن أبي هريرة وزاد بعد قوله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وما له وعرضه التقوى ههنا ويشير إلى صدره وزاد في رواية أخرى من هذه الطريق أن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وقد افردها أيضا من وجه آخر عن أبي هريرة وزاد البخاري من رواية جعفر بن ربيعة عن الأعرج فيه زيادة سأذكرها في الباب الذي بعده وهذه الطريق من رواية مولى عامر أجمع ما وقفت عليه من طرق هذا الحديث عن أبي هريرة وكأنه كان يحدث به أحيانا مختصرا وطورا بتمامه وقد فرقه بعض الرواة أحاديث وممن وقع عنده بعضه مفرقا بن ماجة في كتاب الزهد من كتابه وهو حديث عظيم اشتمل على جمل من الفوائد والآداب المحتاج إليها الحديث الثاني حديث أنس قوله لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا هكذا اقتصر الحفاظ من أصحاب الزهري عنه على هذه الثلاثة وزاد عبد الرحمن بن إسحاق عنه فيه ولا تنافسوا ذكر ذلك بن عبد البر في التمهيد والخطيب في المدرج قال وهكذا قال سعيد بن أبي مريم عن مالك عن بن شهاب وقد قال الخطيب وابن عبد البر خالف سعيد جميع الرواة عن مالك في الموطأ وغيره فإنهم لم يذكروا هذه الكلمة في حديث أنس(1/358)
وإنما هي عندهم في حديث مالك عن أبي الزناد أي الحديث الذي يلي هذا فأدرجها بن أبي مريم إسناد حديث أنس وكذا قال حمزة الكناني لا أعلم أحدا قالها عن مالك في حديث أنس غير سعيد وسيأتي الكلام على حكم التهاجر والتنبيه على زيادة وقعت في آخر حديث أنس هذا بعد ثلاثة أبواب إن شاء الله تعالى
قوله باب {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا }كذا للجميع إلا أن لفظ باب سقط من رواية أبي ذر وأورد فيه حديث أبي هريرة من رواية مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عنه فقط وزعم بن بطال وتبعه بن التين أن البخاري أورد فيه حديث أنس أي المذكور في الباب الذي قبله ثم حكى بن بطال عن المهلب أن مطابقته للترجمة من جهة أن البغض والحسد ينشآن عن سوء الظن قال بن التين وذلك أنهما يتأولان أفعال من يبغضانه ويحسدانه على أسوأ التأويل أه والذي وقفت عليه في النسخ التي وقعت لنا كلها أن حديث أنس في الباب الذي قبله ولا اشكال فيه قوله فيه ولا تناجشوا كذا في جميع النسخ التي وقفت عليها من البخاري بالجيم والشين المعجمة من النجش وهو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها ليقع غيره فيها وقد تقدم بيانه وحكمه في كتاب البيوع والذي في جميع الروايات عن مالك بلفظ ولا تنافسوا بالفاء والسين المهملة وكذا أخرجه الدارقطني في الموطآت من طريق بن وهب ومعن وابن القاسم وإسحاق بن عيسى بن الطباع وروح بن عبادة ويحيى بن يحيى التميمي والقعنبي ويحيى بن بكير ومحمد بن الحسن ومحمد بن جعفر الوركاني وأبي مصعب وأبي حذافة كلهم عن مالك وكذا ذكره بن عبد البر من رواية يحيى بن يحيى الليثي وغيره عن مالك وكذا أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى التميمي وكذلك أخرجه مسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ولكنه أخرج من طريق الأعمش عن أبي صالح بلفظ ولا تناجشوا كما وقع عند البخاري ومن طريق أبي سعيد مولى عامر بن كريز كذلك فاختلف فيها على أبي(1/359)
هريرة ثم على أبي صالح عنه فلا يمتنع أن يختلف فيها على مالك إلا أني ما وجدت ما يعضد رواية عبد الله بن يوسف هذه ويبعد أن يجتمع الجميع على شيء وينفرد واحد بخلافه ويكون محفوظا ولم أر الحديث في نسختي من مستخرج الإسماعيلي أصلا فلا أدري سقط عليه أو سقط من النسخة وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من رواية الوركاني عن مالك ووقع فيه عنده ولا تنافسوا كالجماعة ولكنه قال في آخره أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك ولم ينبه على هذه اللفظة فما أدري هل وقع في نسخته على وفاق الجماعة أو على ما عندنا ولم يعتن ببيان ذلك ولم أر من نبه على هذا الموضع حتى أن الحميدي ساقه من البخاري وحده من رواية جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة وهذه الطريق قد مضت في أوائل النكاح وليس فيها هذه اللفظة المختلف فيها ولكن فيها بعد قوله إخوانا ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك قال وأخرجه البخاري أيضا من حديث مالك فساقه بهذا السند والمتن بتمامه دون اللفظة التي أتكلم عليها وقال هكذا أخرجه البخاري في الأدب وأغفله أبو مسعود ولكنه ذكر أنه أخرجه من رواية شعيب عن أبي الزناد ولم أجد ذلك فيه إلا من رواية شعيب عن الزهري عن أنس قال الحميدي وأخرجه البخاري من رواية همام عن أبي هريرة نحوه ومن رواية طاوس عن أبي هريرة مثل رواية الأعرج سواء قلت ورواية طاوس تأتي في الفرائض قال الحميدي وقد أخرجه مسلم أيضا من رواية مالك عن أبي الزناد فساقه وفيه ولا تنافسوا قال فهو متفق عليه من رواية مالك لا من أفراد البخاري وكأنه استدرك ذلك على نفسه والغرض من ذلك أن الحميدي مع تتبعه واعتنائه لم ينبه على ما وقع في هذه اللفظة من الاختلاف وكذا أغفل بن عبد البر التنبيه عليها وهي على شرطه في التمهيد وكذلك الدارقطني ولو تفطن لها لساقها في غرائب مالك كعادته في أنظارها ولكنه لم يتعرض لها فلعلها من تغيير بعض الرواة بعد البخاري والله أعلم(1/360)
قوله باب ما يجوز من الظن كذا للنسفي ولأبي ذر عن الكشميهني وكذا في بن بطال وفي رواية القابسي والجرجاني ما يكره وللباقين ما يكون والأول أليق بسياق الحديث
+باب: الهجرة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث).
قوله باب الهجرة بكسر الهاء وسكون الجيم أي ترك الشخص مكالمة الآخر إذا تلاقيا وهي في الأصل الترك فعلا كان أو قولا وليس المراد بها مفارقة الوطن فإن تلك تقدم حكمها قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال قد وصله في الباب عن أبي أيوب وأراد هنا أن يبين أن عمومه مخصوص بمن هجر أخاه بغير موجب لذلك قال النووي قال العلماء تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص وتباح في الثلاث بالمفهوم وإنما عفى عنه في ذلك لأن الآدمي مجبول على الغضب فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض وقال أبو العباس القرطبي المعتبر ثلاث ليال حتى لو بدأ بالهجرة في أثناء النهار الغي البعض وتعتبر ليلة ذلك اليوم وينقضي العفو بانقضاء الليلة الثالثة قلت وفي الجزم باعتبار الليالي دون الأيام جمود وقد مضى في باب ما نهي عن التحاسد في رواية شعيب في حديث أبي أيوب بلفظ ثلاثة أيام فالمعتمد أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها فحيث أطلقت الليالي أريد بأيامها وحيث أطلقت الأيام أريد بلياليها ويكون الاعتبار مضى ثلاثة أيام بلياليها ملفقة إذا ابتدئت مثلا من الظهر يوم السبت كان آخرها الظهر يوم الثلاثاء ويحتمل أن يلغى الكسر ويكون أول العدد من ابتداء اليوم أو الليلة والأول أحوط ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث الحديث الأول وفيه عن ثلاثة من الصحابة شيء مرفوع وباقيه عنهم وعن رابع موقوف
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله(1/361)
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا دَاوُدُ (يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَىَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَىَ بَيْعِ بَعْضٍ. وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ. لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ. التّقْوَىَ هَهُنَا". وَيُشِيرُ إِلَىَ صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ: "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشّرّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِم. كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَىَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ. دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أُسَامَةَ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ) أَنّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ، مَوْلَىَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ دَاوُدَ. وَزَادَ. وَنَقَصَ. وَمِمّا زَادَ فِيهِ "إِنّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمُ وَلاَ إِلَىَ صُوَرِكُمْ. وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَىَ قُلُوبِكُمْ" وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَىَ صَدْرِهِ.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ ابْنِ الأَصَمّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَىَ صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ. وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَىَ قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".(1/362)
قوله: (عامر بن كريز) بضم الكاف. قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره" أما كون المسلم أخا المسلم فسبق شرحه قريباً، وأما لا يخذله فقال العلماء: الخذل ترك الإعانة والنصر ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي، ولا يحقره هو بالقاف والحاء المهملة أي لا يحتقره فلا ينكر عليه ولا يستصغره ويستقله، قال القاضي: ورواه بعضهم لا يخفره بضم الياء والخاء المعجمة والفاء أي لا يغدر بعهده ولا ينقض أمانه، قال: والصواب المعروف هو الأول وهو الموجود في غير كتاب مسلم بغير خلاف وروي لا يحتقره وهذا يرد الرواية الثانية. قوله صلى الله عليه وسلم: "التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات" وفي رواية: "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم" معنى الرواية الأولى أن الأعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته، ومعنى نظر الله هنا مجازاته ومحاسبته أي إنما يكون ذلك على ما في القلب دون الصور الظاهرة، ونظر الله رؤيته محيط بكل شيء، ومقصود الحديث أن الإعتبار في هذا كله بالقلب وهو من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن في الجسد مضغة" الحديث، قال المازري: واحتج بعض الناس بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس، وقد سبقت المسألة مبسوطة في حديث: (ألا إن في الجسد مضغة). قوله: (جعفر بن برقان) هو بضم الموحدة وإسكان الراء
+
باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر
*حدّثني يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابِ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا. وَكُونُوا. عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً. وَلاَ يَحِلّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ".(1/363)
حدّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزّبَيْدِيّ عَنِ الزّهْرِيّ. أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ح وَحَدّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ "وَلاَ تَقَاطَعُوا".
.
أما رِوَايَةُ يَزِيدَ عَنْهُ فَكَرِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنِ الزّهْرِيّ. يَذْكُرُ الْخِصَالَ الأَرْبَعَةَ جَمِيعاً. وَأَمّا حَدِيثُ عَبْدِ الرّزّاقِ "وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَدَابَرُوا".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَس أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَقَاطَعُوا. وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً".
حَدّثَنِيهِ عَلِيّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ "كَمَا أَمَرَكُمُ اللّهُ".(1/364)
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً" التدابر المعاداة وقيل المقاطعة لأن كل واحد يولي صاحبه دبره، والحسد تمني زوال النعمة وهو حرام، ومعنى كونوا عباد الله إخواناً أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال. قال بعض العلماء: وفي النهي عن التباغض إشارة إلى النهي عن الأهواء المضلة الموجبة للتباغض. قوله: (حدثنيه علي بن نصر الجهضمي حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا علي بن نصر، وكذا نقله الجياني والقاضي عياض وغيرهما عن الحفاظ وعن عامة النسخ، وفي بعضها نصر بن علي بالعكس قالوا وهو غلط قالوا والصواب علي بن نصر وهو أبو الحسن علي بن نصر بن علي بن نصر الجهضمي توفي بالبصرة هو وأبوه نصر بن علي سنة خمسين ومائتين، مات الأب في شهر ربيع الاَخر ومات الابن في شعبان تلك السنة. قال القاضي: قد اتفق الحفاظ على ما ذكرناه وأن الصواب علي بن نصر دون عكسه، مع أن مسلماً روى عنهما إلا أن لا يكون لنصر بن علي سماع من وهب بن جرير وليس هذا مذهب مسلم فإنه يكتفي بالمعاصرة وإمكان اللقاء، قال: ففي نفيهم لرواية النسخ التي فيها نصر بن علي نظر هذا كلام القاضي، والذي قاله الحفاظ هو الصواب وهم أعرف بما انتقدوه، ولا يلزم من سماع الابن من وهب سماع الأب منه، ولا يقال يمكن الجمع، فكتاب مسلم وقع على وجه واحد فالذي نقله الأكثرون هو المعتمد لا سيما وقد صوبه الحفاظ
باب تحريم الهجر فوق ثلاث، بلا عذر شرعي(1/365)
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَن ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللّيْثِيّ، عَنْ أَبِي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَحِلّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ. يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا. وَخَيْرُهُمَا الّذِي يَبْدَأُ بِالسّلاَمِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ ح وَحَدّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ ح وَحَدّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزّبَيْدِيّ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. كُلّهُمْ عَنْ الزّهْرِيّ. بِإِسْنَادِ مَالِكٍ، وَمِثْلِ حَدِيثِهِ. إِلاّ قَوْلَهُ "فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا" فَإِنّهُمْ جَمِيعاً قَالُوا فِي حَدِيثِهِمْ، غَيْرَ مَالِكٍ "فَيَصُدّ هَذَا وَيَصُدّ هَذَا".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ (وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ) عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَحِلّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ) عَنِ العَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ ثَلاَثٍ".(1/366)
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال" قال العلماء: في هذا الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال وإباحتها في الثلاث الأول بنص الحديث والثاني بمفهومه، قالوا: وإنما عفى عنها في الثلاث لأن الاَدمي مجبول على الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك، فعفي عن الهجرة في الثلاثة ليذهب ذلك العارض، وقيل إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجرة في الثلاثة وهذا على مذهب من يقول لا يحتج بالمفهوم ودليل الخطاب. قوله صلى الله عليه وسلم: "يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا" وفي رواية: "فيصد هذا ويصد هذا" هو بضم الصاد ومعنى يصد يعرض أي يوليه عرضه بضم العين وهو جانبه والصد بضم الصاد وهو أيضاً الجانب والناحية. قوله صلى الله عليه وسلم: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" أي هو أفضلهما وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الإثم فيها ويزيله. وقال أحمد وابن القاسم والمالكي: إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجرته، قال أصحابنا: ولو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل يزول إثم الهجرة؟ وفيه وجهان: أحدهما لا يزول لأنه لم يكلمه وأصحهما يزول لزوال الوحشة والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم" قد يحتج به من يقول الكفار غير مخاطبين بفروع الشرع والأصح أنهم مخاطبون بها وإنما قيد بالمسلم لأنه الذي يقبل خطاب الشرع وينتفع به
باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش، ونحوها
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَن رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِيّاكُمْ وَالظّنّ. فَإِنّ الظّنّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَلاَ تَحَسّسُوا، وَلاَ تَجَسّسُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً".(1/367)
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ) عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَهاجِرُوا وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَحَسّسُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَىَ بَيْعِ بَعْضٍ. وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَجَسّسُوا، وَلاَ تَحَسّسُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا. وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً".
حدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ وَ عَلِيّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيّ.قَالاَ: حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعَمشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ "لاَ تَقَاطَعُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا إِخْوَاناً. كَمَا أَمَرَكُمُ اللّهُ".
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا حَبّانُ حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا. وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً".(1/368)
قوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" المراد النهي عن ظن السوء، قال الخطابي: هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس فإن ذلك لا يملك، ومراد الخطابي أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر فإن هذا لا يكلف به كما سبق في حديث تجاوز الله تعالى عما تحدثت به الأمة ما لم تتكلم أو تعمد، وسبق تأويله على الخواطر التي لا تستقر. ونقل القاضي عن سفيان أنه قال: الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به فإن لم يتكلم لم يأثم. قال: وقال بعضهم يحتمل أن المراد الحكم في الشرع بظن مجرد من غير بناء على أصل ولا نظر واستدلال وهذا ضعيف أو باطل والصواب الأول. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تحسسوا ولا تجسسوا" الأول بالحاء والثاني بالجيم، قال بعض العلماء: التحسس بالحاء الاستماع لحديث القوم، وبالجيم البحث عن العورات، وقيل بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشر والجاسوس صاحب سر الشر والناموس صاحب سر الخير، وقيل بالجيم أن تطلبه لغيرك وبالحاء أن تطلبه لنفسك قاله ثعلب وقيل هما بمعنى وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تنافسوا ولا تحاسدوا" قد قدمنا أن الحسد تمني زوال النعمة، وأما المنافسة والتنافس فمعناهما الرغبة في الشيء وفي الإنفراد به ونافسته منافسة إذا رغبت فيما رغب فيه، وقيل معنى الحديث التباري في الرغبة في الدنيا وأسبابها وحظوظها. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تهجروا" كذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها تهاجروا وهما بمعنى، والمراد النهي عن الهجرة ومقاطعة الكلام، وقيل يجوز أن يكون لا تهجروا أي تتكلموا بالهجر بضم الهاء وهو الكلام القبيح، وأما النهي عن البيع على بيع أخيه والنجش فسبق بيانهما في كتاب البيوع، وقال القاضي: يحتمل أن المراد بالتناجش هنا ذم بعضهم بعضاً، والصحيح أنه التناجش المذكور في البيع(1/369)
وهو أن يزيد في السلعة ولا رغبة له في شرائها بل ليغر غيره في شرائها
باب النهي عن الشحناء والتهاجر
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ سُهَيْل، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنّةِ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ. فَيُغْفَرُ لِكُلّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللّهِ شَيْئاً. إِلاّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ. فَيُقَالُ: أَنْظُرُوا هَذَيْنِ حَتّىَ يَصْطَلِحَا. أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتّىَ يَصْطَلِحَا. أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتّىَ يَصْطَلِحَا".
حَدّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدّرَاوَرْدِيّ. كِلاَهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، بإِسْنَادِ مَالِكٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ الدّرَاوَرْدِيّ "إِلاّ الْمُتَهَاجِرَيْنِ" مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدَةَ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ "إِلاّ الْمُهْتَجِرَيْنِ".
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَم، عَنْ أَبِي صَالِحٍ. سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَرّةً قَالَ: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ. فَيَغْفِرُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكّلّ امْرِيءٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللّهِ شَيْئاً. إِلاّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ. فَيُقَالُ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتّىَ يَصْطَلِحَا. ارْكُوا هَذَيْنِ حَتّىَ يَصْطَلِحَا".(1/370)
حدّثنا أَبُو الطّاهِرِ وَ عَمْرُو بْنُ سَوّادٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ مُسْلِم بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تُعْرَضُ أَعْمَالُ النّاسِ فِي كُلّ جُمُعَةٍ مَرّتَيْنِ. يَوْمَ الإِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ. فَيُغْفَرُ لِكُلّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ. إِلاّ عَبْداً بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ. فَيُقَالُ: اتْرُكُوا، أَوِ ارْكُوا، هَذَيْنِ حَتّىَ يَفِيئَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس" الحديث، قال القاضي: قال الباجيمعنى فتحها كثرة الصفح والغفران ورفع المنازل وإعطاء الثواب الجزيل، قال القاضي: ويحتمل أن يكون على ظاهره وأن فتح أبوابها علامة لذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: "أركوا هذين حتى يصطلحا" هو بالراء الساكنة وضم الكاف والهمزة في أوله همزة وصل أي أخروا يقال ركاه يركوه ركوا إذا أخره، قال صاحب التحرير: ويجوز أن يرويه بقطع الهمزة المفتوحة من قولهم: أركيت الأمر إذا أخرته، وذكر غيره أنه روي بقطعها ووصلها، والشحناء العداوة كأنه شحن بغضاً له لملائه، وأنظروا هذين بقطع الهمزة أخروهما حتى يفيئا أي يرجعا إلى الصلح والمودة *
الجوهرة 31
-حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيَّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
-----البخاري –كتاب الادب-باب :الحذر من الغضب
----- مسلم –كتاب البر والصلة والآداب –باب :فضل من يملك نفسه عند الغضب
+ حدثني يحيى بن يوسف: أخبرنا أبو بكر، هو ابن عياش، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه:(1/371)
أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: (لا تغضب). فردد مراراً، قال: (لا تغضب).
-----البخاري –كتاب الادب-باب :الحذر من الغضب
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
قوله ليس الشديد بالصرعة بضم الصاد المهملة وفتح الراء الذي يصرع الناس كثيرا بقوته والهاء للمبالغة في الصفة والصرعة بسكون الراء بالعكس وهو من يصرعه غيره كثيرا وكل ما جاء بهذا الوزن بالضم وبالسكون فهو كذلك كهمزة ولمزة وحفظة وخدعة وضحكة ووقع بيان ذلك في حديث بن مسعود عند مسلم وأوله ما تعدون الصرعة فيكم قالوا الذي لا يصرعه الرجال قال بن التين ضبطناه بفتح الراء وقرأه بعضهم بسكونها وليس بشيء لأنه عكس المطلوب قال وضبط أيضا في بعض الكتب بفتح الصاد وليس بشيء قوله إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب في رواية أحمد من حديث رجل لم يسمه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الصرعة كل الصرعة كررها ثلاثا الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه فيصرع غضبه الحديث الثاني حديث سليمان بن صرد تقدم شرحه في باب السباب واللعن الحديث الثالث(1/372)
- قوله حدثني يحيى بن يوسف هو الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم لم أر له في البخاري رواية إلا عن أبي بكر بن عياش وأبو حصين بفتح أوله قوله عن أبي صالح عن أبي هريرة خالفه الأعمش فقال عن أبي صالح عن أبي سعيد أخرجه مسدد في مسنده عن عبد الواحد بن زياد عن الأعمش وهو على شرط البخاري أيضا لولا عنعنة الأعمش قوله ان رجلا هو جارية بالجيم بن قدامة أخرجه أحمد وابن والطبراني من حديثه مبهما ومفسرا ويحتمل أن يفسر بغيره ففي الطبراني من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قلت يا رسول الله قل لي قولا أنتفع به وأقلل قال لا تغضب ولك الجنة وفيه عن أبي الدرداء قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال لا تغضب وفي حديث بن عمر عند أبي يعلى قلت يا رسول الله قل لي قولا وأقلل لعلي أعقله قوله أوصني في حديث أبي الدرداء دلني على عمل يدخلني الجنة وفي حديث بن عمر عند أحمد ما يباعدني من غضب الله زاد أبو كريب عن أبي بكر بن عياش عند الترمذي ولا تكثر علي لعلي أعيه وعند الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش نحوه قوله فردد مرارا أي ردد السؤال يلتمس أنفع من ذلك أو أبلغ أو أعم فلم يزده على ذلك قوله قال لا تغضب في رواية أبي كريب كل ذلك يقول لا تغضب وفي رواية عثمان بن أبي شيبة قال لا تغضب ثلاث مرات وفيها بيان عدد المرار وقد تقدم حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه وأنه كان لا يراجع بعد ثلاث وزاد أحمد وابن حبان في رواية عن رجل لم يسم قال تفكرت فيما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله قال الخطابي معنى قوله لا تغضب اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه لأنه أمر طبيعي لا يزول من الجبلة وقال غيره ما كان من قبيل الطبع الحيواني لا يمكن دفعه فلا يدخل في النهي لأنه من تكليف المحال وما كان من قبيل ما يكتسب بالرياضة فهو المراد وقيل معناه لا تغضب لأن أعظم ما(1/373)
ينشأ عنه الغضب الكبر لكونه يقع عند مخالفة أمر يريده فيحمله الكبر على الغضب فالذي يتواضع حتى يذهب عنه عزة النفس يسلم من شر الغضب وقيل معناه لا تفعل ما يأمرك به الغضب وقال بن بطال في الحديث الأول أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوة وقال غيره لعل السائل كان غضوبا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر كل أحد بما هو أولى به فلهذا اقتصر في وصيته له على ترك الغضب وقال بن التين جمع صلى الله عليه وسلم في قوله لا تغضب خير الدنيا والآخرة لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنه الرفق وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من الدين وقال البيضاوي لعله لما رأى أن جميع المفاسد التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته ومن غضبه وكانت شهوة السائل مكسورة فلما سأل عما يحترز به عن القبائح نهاه عن الغضب الذي هو أعظم ضررا من غيره وأنه إذا ملك نفسه عند حصوله كان قد قهر أقوى أعدائه انتهى ويحتمل أن يكون من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى لأن أعدى عدو الشخص شيطانه ونفسه والغضب إنما ينشأ عنهما فمن جاهدهما حتى يغلبهما مع ما في ذلك من شدة المعالجة كان لقهر نفسه عن الشهوة أيضا أقوى وقال بن حبان بعد أن أخرجه أراد لا تعمل بعد الغضب شيئا مما نهيت عنه لا أنه نهاه عن شيء جبل عليه ولا حيلة له في دفعه وقال بعض العلماء خلق الله الغضب من النار وجعله غريزة في الإنسان فمهما قصد أو نوزع في غرض ما اشتعلت نار الغضب وثارت حتى يحمر الوجه والعينان من الدم لأن البشرة تحكى لون ما وراءها وهذا إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه وإن كان ممن فوقه تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب فيصفر اللون حزنا وإن كان على النظير تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويترتب على الغضب تغير الظاهر والباطن كتغير اللون والرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن غير ترتيب(1/374)
واستحالة الخلقة حتى لو رأى الغضبان نفسه في حال غضبه لكان غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته هذا كله في الظاهر وأما الباطن فقبحه أشد من الظاهر لأنه يولد الحقد في القلب والحسد وإضمار السوء على اختلاف أنواعه بل أولى شيء يقبح منه باطنه وتغير ظاهره ثمرة تغير باطنه وهذا كله أثره في الجسد وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش الذي يستحي منه العاقل ويندم قائله عند سكون الغضب ويظهر أثر الغضب أيضا في الفعل بالضرب أو القتل وإن فات ذلك بهرب المغضوب عليه رجع إلى نفسه فيمزق ثوب نفسه ويلطم خده وربما سقط صريعا وربما أغمى عليه وربما كسر الآنية وضرب من ليس له في ذلك جريمة ومن تأمل هذه المفاسد عرف مقدار ما اشتملت عليه هذه الكلمة اللطيفة من قوله صلى الله عليه وسلم لا تغضب من الحكمة واستجلاب المصلحة في درء المفسدة مما يتعذر احصاؤه والوقوف على نهايته وهذا كله في الغضب الدنيوي لا الغضب الديني كما تقدم تقريره في الباب الذي قبله ويعين على ترك الغضب استحضار ما جاء في كظم الغيظ من الفضل وما جاء في عاقبة ثمرة الغضب من الوعيد وأن يستعيذ من الشيطان كما تقدم في حديث سليمان بن صرد وأن يتوضأ كما تقدمت الإشارة إليه في حديث عطية والله أعلم وقال الطوفي أقوى الأشياء في دفع الغضب استحضار التوحيد الحقيقي وهو أن لا فاعل إلا الله وكل فاعل غيره فهو آلة له فمن توجه إليه بمكروه من جهة غيره فاستحضر أن الله لو شاء لم يمكن ذلك الغير منه اندفع غضبه لأنه لو غضب والحالة هذه كان غضبه على ربه جل وعلا وهو خلاف العبودية قلت وبهذا يظهر السر في أمره صلى الله عليه وسلم الذي غضب بأن يستعيذ من الشيطان لأنه إذا توجه إلى الله في تلك الحالة بالاستعاذة به من الشيطان أمكنه استحضار ما ذكر وإذا استمر الشيطان متلبسا متمكنا من الوسوسة لم يمكنه من استحضار شيء من ذلك والله أعلم *(1/375)
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، وبأي شيء يذهب الغضب
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ عَبْدُ الأَعْلَىَ بْنُ حَمّادٍ. قَالاَ، كِلاَهُمَا: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ الشّدِيدُ بِالصّرَعَةِ. إِنّمَا الشّدِيدُ الّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".
+*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَاللّفْظُ لِقُتَيْبَةَ). قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَعُدّونَ الرّقُوبَ فِيكُمْ؟" قَالَ قُلْنَا: الّذِي لاَ يُولَدُ لَهُ. قَالَ: "لَيْسَ ذَاكَ بِالرّقُوبِ. وَلَكِنّهُ الرّجُلُ الّذِي لَمْ يُقَدّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئاً" قَالَ: "فَمَا تَعُدّونَ الصّرَعَةَ فِيكُمْ؟" قَالَ: قُلْنَا: الّذِي لاَ يَصْرَعُهُ الرّجَالُ. قَالَ "لَيْسَ بِذَلِكَ. وَلَكِنّهُ الّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".
.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ عَبْدُ الأَعْلَىَ بْنُ حَمّادٍ. قَالاَ، كِلاَهُمَا: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ الشّدِيدُ بِالصّرَعَةِ. إِنّمَا الشّدِيدُ الّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".(1/376)
حدّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزّبَيْدِيّ، عَنِ الزّهْرِيّ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَيْسَ الشّدِيدُ بِالصّرْعَةِ" قَالُوا: فَالشّدِيدُ أَيّمَ هُوَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "الّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَلاَءِ: حَدّثَنَا) أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: اسْتَبّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا تَحْمَرّ عَيْنَاهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّي لأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الّذِي يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ" فَقَالَ الرّجُلُ: وَهَلْ تَرَىَ بِي مِنْ جُنُونٍ؟.
قَالَ ابْنُ الْعَلاَءِ: فَقَالَ: وَهَلْ تَرَىَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الرّجُلَ.(1/377)
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِيّ بْنَ ثابِتٍ يَقُولُ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ: اسْتَبّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَغْضَبُ وَيَحْمَرّ وَجْهُهُ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ" فَقَامَ إِلَىَ الرّجُلِ رَجُلٌ مِمّنْ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم آنِفاً؟ قَالَ: "إِنّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ" فَقَالَ لَهُ الرّجُلُ: أَمَجْنُوناً تَرَانِي؟.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.(1/378)
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الرقوب فيكم؟ قال قلنا: الذي لا يولد له، قال: ليس ذلك بالرقوب ولكنه الرجل الذي لم يقدم من ولده شيئاً، قال: فما تعدون الصرعة فيكم؟ قلنا: الذي لا يصرعه الرجال، قال: ليس بذلك ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب" أما الرقوب فبفتح الراء وتخفيف القاف، والصرعة بضم الصاد وفتح الراء وأصله في كلام العرب الذي يصرع الناس كثيراً، وأصل الرقوب في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد، ومعنى الحديث أنكم تعتقدون أن الرقوب المحزون هو المصاب بموت أولاده وليس هو كذلك شرعاً بل هو من لم يمت أحد من أولاده في حياته فيحتسبه يكتب له ثواب مصيبته به وثواب صبره عليه ويكون له فرطاً وسلفاً، وكذلك تعتقدون أن الصرعة الممدوح القوي الفاضل هو القوي الذي لا يصرعه الرجال بل يصرعهم وليس هو كذلك شرعاً بل هو من يملك نفسه عند الغضب، فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قل من يقدر على التخلق بخلقه ومشاركته في فضيلته بخلاف الأول، وفي الحديث فضل موت الأولاد والصبر عليهم، ويتضمن الدلالة لمذهب من يقول بتفضيل التزوج وهو مذهب أبي حنيفة وبعض أصحابنا وسبقت المسألة في النكاح، وفيه كظم الغيظ وإمساك النفس عند الغضب عن الانتصار والمخاصمة والمنازعة.(1/379)
قوله صلى الله عليه وسلم في الذي اشتد غضبه: "إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فيه أن الغضب في غير الله تعالى من نزغ الشيطان، وأنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأنه سبب لزوال الغضب. وأما قول هذا الرجل الذي اشتد غضبه هل ترى بي من جنون فهو كلام من لم يفقه في دين الله تعالى ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة، وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان، ولهذا يخرج به الإنسان عن اعتدال حاله ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم وينوي الحقد والبغض وغير ذلك من القبائح المترتبة على الغضب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال له أوصني: لا تغضب فردد مراراً قال لا تغضب فلم يزده في الوصية على لا تغضب مع تكراره الطلب، وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما ينشأ منه، ويحتمل أن هذا القائل هل ترى بي من جنون كان من المنافقين أو من جفاة الأعراب والله أعلم
- باب خلق الإنسان خلقاً لا يتمالك
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ حَمّادِ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمّا صَوّرَ اللّهُ آدَمَ فِي الْجَنّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ. فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ. يَنْظُرُ مَا هُوَ. فَلَمّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنّهُ خُلِقَ خَلْقاً لاَ يَتَمَالَكُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ.(1/380)
قوله صلى الله عليه وسلم: "يطيف به" قال أهل اللغة: طاف بالشيء يطوف طوفاً وطوافاً وأطاف يطيف إذا استدار حواليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلما رآه أجوف" علم أنه خلق خلقاً لا يتمالك. الأجوف صاحب الجوف وقيل هو الذي داخله خال، ومعنى لا يتمالك لا يملك نفسه ويحبسها عن الشهوات، وقيل لا يملك دفع الوسواس عنه، وقيل لا يملك نفسه عند الغضب والمراد جنس بني آدم *
الجوهرة 32
إسحق: حدثنا عبد الصمد: حدثنا عبد الرحمن، هو ابن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل: إن الله قد أحب فلاناً فأحِبَّه، فيُحِبُّه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلاناً فأحِبُّوه، فيُحِبُّه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض *
... البخاري-كتاب التوحيد –باب : كلام الرب مع جبريل
... مسلم –كتاب البر والصلة والآداب-باب: إذا أحب الله عبدا حببه لعباده
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/381)
قوله حدثنا إسحاق هو بن منصور وتردد أبو علي الجياني بينه وبين إسحاق بن راهويه وانما جزمت به لقوله حدثنا عبد الصمد فان إسحاق لا يقول الا أخبرنا وعبد الصمد هو بن عبد الوارث وقد جزم أبو نعيم في المستخرج بان إسحاق المذكور فيه هو بن منصور وتكلمت على سنده هناك وهو في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان قوله ان الله قد أحب فلانا كذا هنا بصيغة الفعل الماضي وفي رواية نافع عن أبي هريرة الماضية في الأدب ان الله يحب فلانا بصيغة المضارعة وفي الأول إشارة الى سبق المحبة على النداء وفي الثاني إشارة الى استمرار ذلك وقد تقدمت مباحثه في كتاب الأدب قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في تعبيره عن كثرة الإحسان بالحب تأنيس العباد وإدخال المسرة عليهم لأن العبد إذا سمع عن مولاه انه يحبه حصل على أعلى السرور عنده وتحقق بكل خير ثم قال وهذا انما يتأتى لمن في طبعه فتوة ومروءة وحسن انابة كما قال تعالى {وما يتذكر الا من ينيبْ} وأما من في نفسه رعونة وله شهوة غالبة فلا يرده الا الزجر بالتعنيف والضرب قال وفي تقديم الأمر بذلك لجبريل قبل غيره من الملائكة إظهار لرفيع منزلته عند الله تعالى على غيره منهم قال ويؤخذ من هذا الحديث الحث على توفية أعمال البر على اختلاف أنواعها فرضها وسنتها ويؤخذ منه أيضا كثرة التحذير عن المعاصي والبدع لأنها مظنة السخط وبالله التوفيق(1/382)
+ قوله أبو عاصم هو النبيل وهو من كبار شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة مثل هذا فقد علقه في بدء الخلق لأبي عاصم وقد نبهت عليه ثم قوله عن نافع هو مولى بن عمر قال البزار بعد أن أخرجه عن عمرو بن علي الفلاس شيخ البخاري فيه لم يروه عن نافع إلا موسى بن عقبة ولا عن موسى إلا بن جريج قلت وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثوبان عند أحمد والطبراني في الأوسط وأبو أمامة عند أحمد ورواه عن أبي هريرة أبو صالح عند المصنف في التوحيد وأخرجه مسلم والبزار قوله إذا أحب الله العبد وقع في بعض طرقه بيان سبب هذه المحبة والمراد بها ففي حديث ثوبان ان العبد ليلتمس مرضاة الله تعالى فلا يزال كذلك حتى يقول يا جبريل ان عبدي فلانا يلتمس أن يرضيني ألا وان رحمتي غلبت عليه الحديث أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط ويشهد له حديث أبي هريرة الآتي في الرقاق ففيه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه الحديث قوله ان الله يحب فلانا فأحبه بفتح الموحدة المشددة ويجوز الضم ووقع في حديث ثوبان فيقول جبريل رحمة الله على فلان وتقوله حملة العرش قوله فينادي جبريل في أهل السماء الخ في حديث ثوبان أهل السماوات السبع قوله ثم يوضع له القبول في أهل الأرض زاد الطبراني في حديث ثوبان ثم يهبط إلى الأرض ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا }وثبتت هذه الزيادة في آخر هذا الحديث عند الترمذي وابن أبي حاتم من طريق سهيل عن أبيه وقد أخرج مسلم إسنادها ولم يسق اللفط وزاد مسلم فيه وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فساقه على منوال الحب وقال في آخره ثم يوضع له البغضاء في الأرض ونحوه في حديث أبي أمامة عند أحمد وفي حديث ثوبان عند الطبراني وان العبد يعمل بسخط الله فيقول الله يا جبريل إن فلانا يستسخطني فذكر الحديث على منوال الحب أيضا وفيه فيقول جبريل سخطة الله على فلان وفي آخره مثل ما في الحب حتى يقوله أهل(1/383)
السماوات السبع ثم يهبط إلى الأرض وقوله يوضع له القبول هو من قوله تعالى فتقبلها ربها بقول حسن أي رضيها قال المطرزي القبول مصدر لم أسمع غيره بالفتح وقد جاء مفسرا في رواية القعنبي فيوضع له المحبة والقبول والرضا بالشيء وميل النفس إليه وقال بن القطاع قبل الله منك قبولا والشيء والهدية أخذت والخبر صدق وفي التهذيب عليه قبول إذا كانت العين تقبله والقبول من الريح الصبا لأنها تستقبل الدبور والقبول أن يقبل العفو والعافية وغير ذلك وهو اسم للمصدر أميت الفعل منه وقال أبو عمرو بن العلاء القبول بفتح القاف لم أسمع غيره يقال فلان عليه قبول إذا قبلته النفس وتقبلت الشيء قبولا ونحو لابن الأعرابي وزاد قبلته قبولا بالفتح والضم وكذا قبلت هديته عن اللحياني قال بن بطال في هذه الزيادة رد على ما يقوله القدرية ان الشر من فعل العبد وليس من خلق الله انتهى والمراد بالقبول في حديث الباب قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه والرضا عنه ويؤخذ منه أن محبة قلوب الناس علامة محبة الله ويؤيده ما تقدم في الجنائز أنتم شهداء الله في الأرض والمراد بمحبة الله إرادة الخير للعبد وحصول الثواب له وبمحبة الملائكة استغفارهم له وإرادتهم خير الدارين له وميل قلوبهم إليه لكونه مطيعا لله محبا له ومحبة العباد له اعتقادهم فيه الخير وارادتهم دفع الشر عنه ما أمكن وقد تطلق محبة الله تعالى للشيء على إرادة إيجاده وعلى إرادة تكميله والمحبة التي في هذا الباب من القبيل الثاني وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة من المعلومات التي لا تحد وإنما يعرفها من قامت به وجدانا لا يمكن التعبير عنه والحب على ثلاثة أقسام إلهي وروحاني وطبيعي وحديث الباب يشتمل على هذه الأقسام الثلاثة فحب الله العبد حب إلهي وحب جبريل والملائكة له حب روحاني وحب العباد له حب طبيعي(1/384)
++ حدثني محمد بن عثمان بن كرامة: حدثنا خالد بن مخلد: حدثنا سليمان بن بلال: حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته). البخاري-كتاب الرقائق -باب باب: التواضع(1/385)
شرح قوله محمد بن عثمان بن كرامة بفتح الكاف والراء الخفيفة هو من صغار شيوخ البخاري وقد شاركه في كثير من شيوخه منهم خالد بن مخلد شيخه في هذا الحديث فقد أخرج عنه البخاري كثيرا بغير واسطة منها في باب الاستعاذة من الجبن في كتاب الدعوات وهو أقربها الى هذا قوله عن عطاء هو بن يسار ووقع كذلك في بعض النسج وقيل هو بن أبي رباح والأول أصح نبه على ذلك الخطيب وساق الذهبي في ترجمة خالد من الميزان بعد أن ذكر قول أحمد فيه له مناكير وقول أبي حاتم لا يحتج به وأخرج بن عدي عشرة أحاديث من حديثه استنكرها هذا الحديث من طريق محمد بن مخلد عن محمد بن عثمان بن كرامة شيخ البخاري فيه وقال هذا حديث غريب جدا لولا هيبة الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد فإن هذا المتن لم يرو الا بهذا الإسناد ولا خرجه من عدا البخاري ولا أظنه في مسند أحمد قلت ليس هو في مسند أحمد جزما وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن الا بهذا الإسناد مردود ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد فيه مقال أيضا وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدم وأخر وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها... ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا منها عن عائشة أخرجه أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد من طريق عبد الواحد بن ميمون عن عروة عنها وذكر بن حبان وابن عدي أنه تفرد به وقد قال البخاري انه منكر الحديث لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد عن عروة وقال لم يروه عن عروة الا يعقوب وعبد الواحد ومنها عن أبي امامة أخرجه الطبراني والبيهقي في الزهد بسند ضعيف ومنها عن علي عند الإسماعيلي في مسند علي وعن بن عباس أخرجه الطبراني وسندهما ضعيف وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي سنده ضعف أيضا وعن حذيفة أخرجه الطبراني مختصرا وسنده حسن غريب وعن معاذ بن جبل أخرجه بن ماجة وأبو نعيم في الحلية مختصرا وسنده ضعيف أيضا وعن وهب بن منبه مقطوعا(1/386)
أخرجه أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية وفيه تعقب على بن حبان حيث قال بعد إخراج حديث أبي هريرة لا يعرف لهذا الحديث الا طريقان يعني غير حديث الباب وهما هشام الكناني عن أنس وعبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة وكلاهما لا يصح وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة قوله ان الله تعالى قال الكرماني هذا من الأحاديث القدسية وقد تقدم القول فيها قبل ستة أبواب قلت وقد وقع في بعض طرقه ان النبي صلى الله عليه وسلم حدث به عن جبريل عن الله عز وجل وذلك في حديث أنس قوله من عادى لي وليا المراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته وقد استشكل وجود أحد يعاديه لأن المعاداة انما تقع من الجانبين ومن شأن الولي الحلم والصفح عمن يجهل عليه وأجيب بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاملة الدنيوية مثلا بل قد تقع عن بغض ينشأ عن التعصب كالرافضي في بغضه لأبي بكر والمبتدع في بغضه للسني فتقع المعاداة من الجانبين أما من جانب الولي فلله تعالى وفي الله وأما من جانب الآخر فلما تقدم وكذا الفاسق المتجاهر ببغضه الولي في الله وببغضه الاخر لانكاره عليه وملازمته لنهيهه عن شهواته وقد تطلق المعاداة ويراد بها الوقوع من أحد الجانبين بالفعل ومن الاخر بالقوة قال الكرماني قوله لي هو في الأصل صفة لقوله وليا لكنه لما تقدم صار حالا وقال بن هبيرة في الإفصاح قوله عادى لي وليا أي اتخذه عدوا ولا أرى المعنى الا انه عاداه من أجل ولايته وهو وان تضمن التحذير من ايذاء قلوب أولياء الله ليس على الإطلاق بل يستثنى منه ما إذا كانت الحال تقتضي نزاعا بين وليين في مخاصمة أو محاكمة ترجع الى استخراج حق أو كشف غامض فإنه جرى بين أبي بكر وعمر مشاجرة وبين العباس وعلي الى غير ذلك من الوقائع انتهى ملخصا موضحا وتعقبه الفاكهاني بأن معاداة الولي لكونه وليا لا يفهم الا ان كان على طريق الحسد الذي هو تمنى زوال ولايته وهو بعيد جدا في حق(1/387)
الولي فتأمله قلت والذي قدمته أولى أن يعتمد قال أبن هبيرة :ويستفاد من هذا الحديث تقديم الاعذار على الإنذار وهو واضح قوله فقد آذنته بالمد وفتح المعجمة بعدها نون أي اعلمته والايذان الاعلام ومنه أخذ الأذان قوله بالحرب في رواية الكشميهني بحرب ووقع في حديث عائشة من عادى لي وليا وفي رواية لأحمد من آذى لي وليا وفي أخرى له من آذى وفي حديث ميمونة مثله فقد استحل محاربتي وفي رواية وهب بن منبه موقوفا قال الله من أهان ولي المؤمن فقد استقبلني بالمحاربة وفي حديث معاذ فقد بارز الله بالمحاربة وفي حديث أبي امامة وأنس فقد بارزني وقد استشكل وقوع المحاربة وهي مفاعلة من الجانبين مع أن المخلوق في أسر الخالق والجواب أنه من المخاطبة بما يفهم فإن الحرب تنشأ عن العداوة والعداوة تنشأ عن المخالفة وغاية الحرب الهلاك والله لا يغلبه غالب فكأن المعنى فقد تعرض لاهلاكي إياه فأطلق الحرب وأراد لازمه أي اعمل به ما يعمله العدو المحارب قال الفاكهاني في هذا تهديد شديد لان من حاربه الله أهلكه وهو من المجاز البليغ لان من كره من أحب الله خالف الله ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة فمن والى أولياء الله أكرمه الله وقال الطوفي لما كان ولي الله من تولى الله بالطاعة والتقوى تولاه الله بالحفظ والنصرة وقد أجرى الله العادة بأن عدو العدو صديق وصديق العدو عدو فعدو ولي الله عدو الله فمن عاداه كان كمن حاربه ومن حاربه فكأنما حارب الله قوله وما تقرب الي عبدي بشيء أحب الي مما افترضت عليه يجوز في أحب الرفع والنصب ويدخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية وظاهره الاختصاص بما ابتدأ الله فرضيته وفي دخول ما أوجبه المكلف على نفسه نظر للتقييد بقوله افترضت عليه الا ان أخذ من جهة المعنى الأعم ويستفاد منه أن أداء الفرائض أحب الأعمال الى الله قال الطوفي الأمر بالفرائض جازم ويقع بتركها(1/388)
المعاقبة بخلاف النفل في الامرين وان اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل فلهذا كانت احب الى الله تعالى وأشد تقريبا وأيضا فالفرض كالاصل والأس والنفل كالفرع والبناء وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأمر واحترام الآمر وتعظيمه بالانقياد اليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل والذي يؤدي الفرض قد يفعله خوفا من العقوبة ومؤدى النفل لا يفعله الا إيثار للخدمة فيجازى بالمحبة التي هي غاية مطلوب من يتقرب بخدمته قوله وما زال في رواية الكشميهني وما يزال بصيغة المضارعة قوله يتقرب الي التقرب طلب القرب قال أبو القاسم القشيري قرب العبد من ربه يقع أولا بايمانه ثم بإحسانه وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه وفي الآخرة من رضوانه وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه ولا يتم قرب العبد من الحق الا ببعده من الخلق قال وقرب الرب بالعلم والقدرة عام للناس وباللطف والنصرة خاص بالخواص وبالتأنيس خاص بالأولياء ووقع في حديث أبي امامة يتحبب الي بدل يتقرب وكذا في حديث ميمونة قوله بالنوافل حتى أحببته في رواية الكشميهني أحبه ظاهره أن محبة الله تعالى للعبد تقع بملازمة العبد التقرب بالنوافل وقد استشكل بما تقدم أولا ان الفرائض احب العبادات المتقرب بها الى الله فكيف لا تنتج المحبة والجواب ان المراد من النوافل ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها ويؤيده أن في رواية أبي أمامة بن آدم انك لن تدرك ما عندي الا بأداء ما افترضت عليك وقال الفاكهاني معنى الحديث أنه إذا أدى الفرائض ودام على اتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرها أفضى به ذلك الى محبة الله تعالى وقال بن هبيرة يؤخذ من قوله ما تقرب الخ أن النافلة لا تقدم على الفريضة لأن النافلة انما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفريضة فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة ومن أدى الفرض ثم زاد عليه النفل(1/389)
وأدام ذلك تحققت منه إرادة التقرب انتهى وأيضا فقد جرت العادة أن التقرب يكون غالبا بغير ما وجب على المتقرب كالهدية والتحفة بخلاف من يؤدي ما عليه من خراج أو يقضي ما عليه من دين وأيضا فإن من جملة ما شرعت له النوافل جبر الفرائض كما صح في الحديث الذي أخرجه مسلم انظروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به فريضته الحديث بمعناه فتبين أن المراد من التقرب النوافل أن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها كما قال بعض الأكابر من شغله الفرض عن النفل فهو معذور ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور قوله فكنت سمعه الذي يسمع زاد الكشميهني به قوله وبصره الذي يبصر به في حديث عائشة في رواية عبد الواحد عينه التي يبصر بها وفي رواية يعقوب بن مجاهد عينيه التي يبصر بهما بالتثنية وكذا قال في الإذن واليد والرجل وزاد عبد الواحد في روايته وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به ونحوه في حديث أبي امامة وفي حديث ميمونة وقلبه الذي يعقل به وفي حديث أنس ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا وقد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره الخ والجواب من أوجه أحدهما أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى كنت سمعه وبصره في ايثاره أمري فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح ثانيها أن المعنى كليته مشغوله بي فلا يصغي بسمعه الا الى ما يرضيني ولا يرى ببصره الا ما أمرته به ثالثها المعنى أجعل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره الخ رابعها كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه خامسها قال الفاكهاني وسبقه الى معناه بن هبيرة هو فيما يظهر لي أنه على حذف مضاف والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع الا ما يحل استماعه وحافظ بصره كذلك الخ سادسها قال الفاكهاني يحتمل معنى آخر أدق من الذي قبله وهو أن يكون معنى سمعه مسموعة لان المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل فلان املي بمعنى مأمولي والمعنى انه لا يسمع الا ذكري ولا(1/390)
يلتذ الا بتلاوة كتابي ولا يأنس الا بمناجاتي ولا ينظر الا في عجائب ملكوتي ولا يمد يده الا فيما فيه رضاي ورجله كذلك وبمعناه قال بن هبيرة أيضا وقال الطوفي اتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده واعانته حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الالات التي يستعين بها ولهذا وقع في رواية فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي قال والاتحادية زعموا أنه على حقيقته وأن الحق عين العبد واحتجوا بمجيء جبريل في صورة دحية قالوا فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر قالوا فالله اقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو بعضه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وقال الخطابي هذه أمثال والمعنى توفيق الله لبعده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الاصغاء الى اللهو بسمعه ومن النظر الى ما نهى الله عنه ببصره ومن البطش فيما لا يحل له بيده ومن السعي الى الباطل برجله والى هذا نحا الداودي ومثله الكلاباذي وعبر بقوله أحفظه فلا يتصرف الا في محابي لأنه إذا أحبه كره له ان يتصرف فيما يكرهه منه سابعها قال الخطابي أيضا وقد يكون عبر بذلك عن سرعة إجابة الدعاء والنجح في الطلب وذلك أن مساعي الإنسان كلها انما تكون بهذه الجوارح المذكورة وقال بعضهم وهو منتزع مما تقدم لا يتحرك له جارحة الا في الله ولله فهي كلها تعمل بالحق للحق وأسند البيهقي في الزهد عن أبي عثمان الجيزي أحد أئمة الطريق قال معناه كنت أسرع الى قضاء حوائجه من سمعه في الاسماع وعينه في النظر ويده في اللمس ورجله في المشي وحمله بعض متأخري الصوفية على ما يذكرونه من مقام الفناء والمحو وأنه الغاية التي لا شيء وراءها وهو أن يكون قائما بإقامة الله له محبا بمحبته له ناظرا بنظره له من غير ان تبقى معه بقية تناط باسم أو تقف على رسم أو تتعلق بأمر أو توصف بوصف ومعنى(1/391)
هذا الكلام أنه يشهد إقامة الله له حتى قام ومحبته له حتى أحبه ونظره الى عبده حتى أقبل ناظرا اليه بقلبه وحمله بعض أهل الزيغ على ما يدعونه من أن العبد إذا لازم العبادة الظاهرة والباطنة حتى يصفى من الكدورات أنه يصير في معنى الحق تعالى الله عن ذلك وأنه يفنى عن نفسه جملة حتى يشهد أن الله هو الذاكر لنفسه الموحد لنفسه المحب لنفسه وأن هذه الأسباب والرسوم تصير عدما صرفا في شهوده وان لم تعدم في الخارج وعلى الأوجه كلها فلا متمسك فيه للاتحادية ولا القائلين بالوحدة المطلقة لقوله في بقية الحديث ولئن سألني ، ولئن استعاذني فإنه كالصريح في الرد عليه قوله وان سألني زاد في رواية عبد الواحد عبدي قوله اعطيته أي ما سأل قوله ولئن استعاذني ضبطناه بوجهين الأشهر بالنون بعد الذال المعجمة والثاني بالموحدة والمعنى اعذته مما يخاف وفي حديث أبي امامة وإذا استنصر بي نصرته وفي حديث أنس نصحني فنصحت له ويستفاد منه أن المراد بالنوافل جميع ما يندب من الأقوال والافعال وقد وقع في حديث أبي امامة المذكور وأحب عبادة عبدي الى النصحية وقد استكشل بأن جماعة من العباد والصلحاء دعوا وبالغوا ولم يجابوا والجواب ان الإجابة تتنوع فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور وتارة يقع ولكن يتأخر لحكمة فيه وتارة قد تقع الإجابة ولكن بغير عين المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة وفي الواقع مصلحة ناجزة أو اصلح منها وفي الحديث عظم قدر الصلاة فإنه ينشأ عنها محبة الله للعبد الذي يتقرب بها وذلك لأنها محل المناجاة والقربة ولا واسطة فيها بين العبد وربه ولا شيء أقر لعين العبد منها ولهذا جاء في حديث أنس المرفوع وجعلت قرة عيني في الصلاة أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه يود أن لا يفارقه ولا يخرج منه لأن فيه نعيمه وبه تطيب حياته وانما يحصل ذلك للعابد بالمصابرة على النصب فإن السالك غرض الافات والفتور وفي حديث حذيفة من(1/392)
الزيادة ويكون من أوليائي واصفيائي ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة وقد تمسك بهذا الحديث بعض الجهلة من أهل التجلي والرياضة فقالوا القلب إذا كان محفوظا مع الله كانت خواطره معصومة من الخطأ وتعقب ذلك أهل التحقيق من أهل الطريق فقالوا لا يلتفت الى شيء من ذلك الا إذا وافق الكتاب والسنة والعصمة انما هي للأنبياء ومن عاداهم فقد يخطأ فقد كان عمر رضي الله عنه رأس الملهمين ومع ذلك فكان ربما رأى الرأي فيخبره بعض الصحابة بخلافه فيرجع اليه ويترك رأيه فمن ظن أنه يكتفى بما يقع في خاطره عما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام فقد ارتكب أعظم الخطأ وأما من بالغ منهم فقال حدثني قلبي عن ربي فإنه أشد خطأ فإنه لا يأمن أن يكون قلبه انما حدثه عن الشيطان والله المستعان قال الطوفي هذا الحديث أصل في السلوك الى الله والوصول الى معرفته ومحبته وطريقه إذ المفترضات الباطنة هي الإيمان والظاهرة وهي الإسلام والمركب منهما وهو الإحسان فيهما كما تضمنه حديث جبريل والإحسان يتضمن مقامات السالكين من الزهد والإخلاص والمراقبة وغيرها وفي الحديث أيضا أن من اتى بما وجب عليه وتقرب بالنوافل لم يرد دعاؤه لوجود هذ الوعد الصادق المؤكد بالقسم وقد تقدم الجواب عما يتخلف من ذلك وفيه أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات حتى يكون محبوبا لله لا ينقطع عن الطلب من الله لما فيه من الخضوع له وإظهار العبودية وقد تقدم تقرير هذا واضحا في أوائل كتاب الدعوات قوله وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن وفي حديث عائشة ترددي عن موته ووقع في الحلية في ترجمة وهب بن منبه اني لأجد في كتب الأنبياء ان الله تعالى يقول ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن الخ قال الخطابي : التردد في حق الله غير جائز والبداء عليه في الأمور غير سائغ ولكن له تأويلان أحدهما أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه وفاقه تنزل به فيدعو الله(1/393)
فيشفيه منها ويدفع عنه مكروهها فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمرا ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه ولا بد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله لأن الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء لنفسه والثاني أن يكون معناه ما رددت رسلي في شيء انا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن كما روى في قصة موسى وما كان من لطمة عين ملك الموت وتردده اليه مرة بعد أخرى قال وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد ولطفه به وشفقته عليه وقال الكلاباذي ما حاصله انه عبر عن صفة الفعل بصفة الذات أي عن الترديد بالتردد وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعف ونصب الى أن تنتقل محبته في الحياة الى محبته للموت فيقبض على ذلك قال وقد يحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق اليه والمحبة للقائه ما يشتاق معه الى الموت فضلا عن إزالة الكراهة عنه فأخبر أنه يكره الموت ويسوءه ويكره الله مساءته فيزيل عنه كراهية الموت لما يورده عليه من الأحوال فيأتيه الموت وهو له مؤثر واليه مشتاق قال وقد ورد تفعل بمعنى فعل مثل تفكر وفكر وتدبر ودبر وتهدد وهدد والله اعلم وعن بعضهم يحتمل أن يكون تركيب الولي يحتمل أن يعيش خمسين سنة وعمره الذي كتب له سبعون فإذا بلغها فمرض دعا الله بالعافية فيحييه عشرين أخرى مثلا فعبر عن قدر التركيب وعما انتهى اليه بحسب الاجل المكتوب بالتردد وعبر بن الجوزي عن الثاني بأن التردد للملائكة الذين يقبضون الروح وأضاف الحق ذلك لنفسه لأن ترددهم عن أمره قال وهذا التردد ينشأ عن إظهار الكراهة فإن قيل إذا أمر الملك بالقبض كيف يقع منه التردد فالجواب أنه يتردد فيما لم يحد له فيه الوقت كأن يقال لا تقبض روحه الا إذا رضي ثم ذكر جوابا ثالثا وهو احتمال أن يكون معنى التردد اللطف به كأن الملك يؤخر القبض فإنه إذا نظر الى قدر المؤمن وعظم المنفعة به لأهل الدنيا احترمه فلم يبسط يده اليه فإذا ذكر أمر ربه لم يجد بدا من(1/394)
امتثاله وجوابا رابعا وهو أن يكون هذا خطابا لنا بما نعقل والرب منزه عن حقيقته بل هو من جنس قوله ومن أتاني يمشي أتيته هرولة فكما أن أحدنا يريد أن يضرب ولده تأديبا فتمنعه المحبة وتبعثه الشفقة فيتردد بينهما ولو كان غير الوالد كالمعلم لم يتردد بل كان يبادر الى ضربة لتأديبه فأريد تفهيمنا تحقيق المحبة للولي بذكر التردد وجوز الكرماني احتمالا آخر وهو أن المراد أنه يقبض روح المؤمن بالتأني والتدريج بخلاف سائر الأمور فإنها تحصل بمجرد قول كن سريعا دفعه قوله يكره الموت وأنا أكره مساءته في حديث عائشة أنه يكره الموت وأنا أكره مسائته زاد بن مخلد عن بن كرامة في آخره ولا بد له منه ووقعت هذه الزيادة أيضا في حديث وهب وأسند البيهقي في الزهد عن الجنيد سيد الطائفة قال الكراهة هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته وكربه وليس المعنى أني أكره له الموت لأن الموت يورده الى رحمة الله ومغفرته انتهى وعبر بعضهم عن هذا بأن الموت حتم مقضي وهو مفارقة الروح للجسد ولا تحصل غالبا الا بألم عظيم جدا كما جاء عن عمرو بن العاص أنه سئل وهو يموت فقال كأني اتنفس من خرم ابرة وكأن غصن شوك يجر به من قامتي الى هامتي وعن كعب أن عمر سأله عن الموت فوصفه بنحو هذا فلما كان الموت بهذا الوصف والله يكره أذى المؤمن اطلق على ذلك الكراهة ويحتمل أن تكون المساءة بالنسبة الى طول الحياة لأنها تؤدي الى ارذل العمر وتنكس الخلق والرد الى أسفل سافلين وجوز الكرماني ان يكون المراد أكره مكرهه الموت فلا أسرع بقبض روحه فأكون كالمتردد قال الشيخ أبو الفضل بن عطاء في هذا الحديث عظم قدر الولي لكونه خرج عن تدبيره الى تدبير ربه وعن انتصاره لنفسه الى انتصار الله له وعن حوله وقوته بصدق توكله قال ويؤخذ منه أن لا يحكم لإنسان آذى وليا ثم لم يعاجل بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده بأنه سلم من انتقام الله فقد تكون مصيبته في غير ذلك ما هو أشد عليه كالمصيبة في الدين(1/395)
مثلا قال ويدخل في قوله افترضت عليه الفرائض الظاهرة فعلا كالصلاة والزكاة وغيرهما من العبادات وتركا كالزنا والقتل وغيرهما من المحرمات والباطنة كالعلم بالله والحب له والتوكل عليه والخوف منه وغير ذلك وهي تنقسم أيضا إلى أفعال وتروك قال وفيه دلالة على جواز اطلاع الولي على المغيبات باطلاع الله تعالى له ولا يمنع من ذلك ظاهر قوله تعالى{ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول }فإنه لا يمنع دخول بعض اتباعه معه بالتبعية لصدق قولنا ما دخل على الملك اليوم الا الوزير ومن المعلوم أنه دخل معه بعض خدمه قلت الوصف المستثنى للرسول هنا ان كان فيما يتعلق بخصوص كونه رسولا فلا مشاركة لأحد من اتباعه فيه الا منه والا فيحتمل ما قال والعلم عند الله تعالى تنبيه أشكل وجه دخول هذا الحديث في باب التواضع حتى قال الداودي ليس هذا الحديث من التواضع في شيء وقال بعضهم المناسب ادخاله في الباب الذي قبله وهو مجاهدة المرء نفسه في طاعة الله تعالى وبذلك ترجم البيهقي في الزهد فقال فصل في الاجتهاد في الطاعة وملازمة العبودية والجواب عن البخاري من أوجه أحدها أن التقرب الى الله بالنوافل لا يكون الا بغاية التواضع لله والتوكل عليه ذكره الكرماني ثانيها ذكره أيضا فقال قيل الترجمة مستفادة مما قال كنت سمعه ومن التردد قلت ويخرج منه جواب ثالث ويظهر لي رابع وهو انها تستفاد من لازم قوله من عادى لي وليا لأنه يقتضي الزجر عن معاداة الأولياء المستلزم لموالاتهم وموالاة جميع الأولياء لا تتأتى الا بغاية التواضع إذ منهم الأشعث الاغبر الذي لا يؤبه له وقد ورد في الحث على التواضع عدة أحاديث صحيحة لكن ليس شيء منها على شرطه فاستغنى عنها بحديثي الباب منها حديث عياض بن حمار رفعه ان الله تعالى أوحى الى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما ومنها حديث أبي هريرة رفعه وما تواضع أحد لله تعالى الا رفعه أخرجه(1/396)
مسلم أيضا والترمذي ومنها حديث أبي سعيد رفعه من تواضع لله رفعه الله حتى يجعله في أعلى عليين الحديث أخرجه بن ماجة وصححه بن حبان
-+- +-أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف قال حدثنا محمد بن عثمان العجلي قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان بن بلال قال حدثني شريك بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله جل وعلا يقول من عادى لي وليا فقد آذاني وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فإن سألني عبدي أعطيته وإن استعاذني أعذته وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته قال أبو حاتم رضى الله تعالى عنه لا يعرف لهذا الحديث إلا طريقان اثنان هشام الكناني عن أنس وعبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة وكلا الطريقين لا يصح وإنما الصحيح ما ذكرناه صحيح ابن حبان
-+-+-أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي إملاء ثنا أبو العباس محمد بن إسحاق ثنا محمد بن عثمان بن كرامة ثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قال من عاد لي وليا فقد بارزني بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني عبدي أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن عثمان بن كرامة- سنن البيهقي(1/397)
-+-+-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حماد وأبو المنذر قالا حدثنا عبد الواحد مولى عروة عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل:
-من أذل لي وليا فقد استحل محاربتي وما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء الفرائض وما يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه إن سألني أعطيته وإن دعاني أجبته وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن وفاته لأنه يكره الموت وأكره مساءته. قال أبي وقال أبو المنذر قال حدثني عروة قال حدثتني عائشة وقال أبو المنذر آذى لي- مسند أحمد
-+-+حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن بكر أنبأنا ميمون حدثنا محمد بن عباد عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-إن العبد ليلتمس مرضاة الله ولا يزال بذلك فيقول الله عز وجل لجبريل: إن فلاناً عبدي يلتمس أن يرضيني ألا وإن رحمتي عليه فيقول جبريل رحمة الله على فلان ويقولها حملة العرش ويقولها من حولهم حتى يقولها أهل السموات السبع ثم تهبط له إلى الأرض. مسند أحمد
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
باب إِذَا أَحَب اللّه عبداً، حببه إلى عباده(1/398)
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ، إِذَا أَحَبّ عَبْداً، دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنّي أُحِبّ فُلاَناً فَأَحِبّهُ. قَالَ: فَيُحِبّهُ جِبْرِيلُ. ثُمّ يُنَادِي فِي السّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنّ اللّه يُحِبّ فُلاَناً فَأَحِبّوهُ. فَيُحِبّهُ أَهْلُ السّمَاءِ. قَالَ: ثُمّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْداً دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنّي أُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضْهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ. ثُمّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السّمَاءِ: إِنّ اللّهَ يُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضُوهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ. ثُمّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ). وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ). ح وَحَدّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ الْمُسَيّبِ. ح وَحَدّثَنِي هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي مَالِكٌ (وَهُوَ ابْنُ أَنَسٍ). كُلّهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ حَدِيثَ الْعلاَءِ بْنِ الْمُسَيّبِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْبُغْضِ.(1/399)
حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا يَزِيْدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، الْمَاجِشُونُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ. قَالَ: كُنّا بِعَرَفَةَ. فَمَرّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَلَىَ الْمَوْسِمِ. فَقَامَ النّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. فَقُلْتُ لأَبِي: يَا أَبَتِ إِنّي أَرَىَ اللّه يُحِبّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الْحُبّ فِي قُلُوبِ النّاسِ. فَقَالَ: بِأَبِيكَ أَنْتَ سَمِعْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدّثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ.
وذكر في البغض نحوه. قال العلماء: محبة الله تعالى لعبده هي إرادته الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته وبغضه إرادة عقابه أو شقاوته ونحوه، وحب جبريل والملائكة يحتمل وجهين: أحدهما: استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم. والثاني: أن محبتهم على ظاهرها المعروف من المخلوقين وهو ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه وسبب حبهم إياه كونه مطيعاً لله تعالى محبوباً له ، ومعنى يوضع له القبول في الأرض أي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه فتميل إليه القلوب وترضى عنه، وقد جاء في رواية فتوضع له المحبة. قوله: (وهو على الموسم) أي أمير الحجيج
الجوهرة 33
حدثنا عياش بن الوليد: أخبرنا عبد الأعلى: حدثنا معمر، عن الزُهري، عن سعيد، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشُّحُّ، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج). قالوا: يا رسول الله، أيُّما هو؟ قال: (القتل القتل).
... البخاري-كتاب الفتن- باب ظهور الفتن
... مسلم- كتابالعلم-باب –رفع العلم وقبضه...
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/400)
قوله حدثنا عياش بتحتانية ثقيلة ومعجمة وشيخه عبد الأعلى هو بن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري وسعيد هو بن المسيب ونسبه أبو بكر بن أبي شيبة في روايته له عن عبد الأعلى المذكور أخرجه بن ماجة وكذا عند الإسماعيلي من رواية عبد الأعلى وعبد الواحد وعبد المجيد بن أبي رواد كلهم عن معمر وهو عند مسلم عن أبي بكر لكن لم يسق لفظه قوله يتقارب الزمان كذا للأكثر وفي رواية السرخسي الزمن وهي لغة فيه قوله وينقص العلم كذا للأكثر وفي رواية المستملي والسرخسي العمل ومثله في رواية شعيب عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عند مسلم وعنده من رواية يونس عن الزهري في هذه الطريق ويقبض العلم ووقع مثله في رواية الأعرج عن أبي هريرة كما سيأتي في أواخر كتاب الفتن وهي تؤيد رواية من رواه بلفظ وينقص العمل ويؤيده أيضا الحديث الذي بعده بلفظ ينزل الجهل ويرفع العلم قوله ويكثر الهرج قالوا يا رسول الله أيما هو بفتح الهمزة وتشديد الياء الأخيرة بعدها ميم خفيفة وأصله أي شيء هو ووقعت للأكثر بغير ألف بعد الميم وضبطه بعضهم بتخفيف الياء كما قالوا أيش في موضع أي شيء وفي رواية الإسماعيلي وما هو وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة قالوا يا رسول الله وما الهرج وهذه رواية أكثر أصحاب الزهري وفي رواية عنبسة بن خالد عن يونس عند أبي داود قيل يا رسول الله أيش هو قال القتل القتل وفي رواية للطبراني عن بن مسعود القتل والكذب قوله قال القتل القتل صريح في أن تفسير الهرج مرفوع ولا يعارض ذلك مجيئه في غير هذه الرواية موقوفا ولا كونه بلسان الحبشة وقد تقدم في كتاب العلم من طريق سالم بن عبد الله بن عمر سمعت أبا هريرة فذكر نحو حديث الباب دون قوله يتقارب الزمان ودون قوله ويلقى الشح وزاد فيه ويظهر الجهل وقال في آخره قيل يا رسول وما الهرج فقال هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل فيجمع بأنه جمع بين الإشارة والنطق فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض كما(1/401)
وقع لهم في الأمور المذكورة وجاء تفسير أيام الهرج فيما أخرجه أحمد والطبراني بسند حسن من حديث خالد بن الوليد ان رجلا قال له يا أبا سليمان اتق الله فان الفتن ظهرت فقال اما وابن الخطاب حي فلا انما تكون بعده فينظر الرجل فيفكر هل يجد مكانا لم ينزل به مثل ما نزل بمكانه الذي هو به من الفتنة والشر فلا يجد فتلك الأيام التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة أيام الهرج قوله وقال يونس يعني بن يزيد وشعيب يعني بن أبي حمزة والليث وابن أخي الزهري عن الزهري عن حميد يعني بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة يعني ان هؤلاء الأربعة خالفوا معمرا في قوله عن الزهري عن سعيد فجعلوا شيخ الزهري حميدا لا سعيدا وصنيع البخاري يقتضي ان الطريقين صحيحان فإنه وصل طريق معمر هنا ووصل طريق شعيب في كتاب الأدب وكأنه رأى ان ذلك لا يقدح لأن الزهري صاحب حديث فيكون الحديث عنده عن شيخين ولا يلزم من ذلك اطراده في كل من اختلف عليه في شيخه الا ان يكون مثل الزهري في كثرة الحديث والشيوخ ولولا ذلك لكانت رواية يونس ومن تابعه أرجح وليست رواية معمر مدفوعة عن الصحة لما ذكرته فاما رواية يونس فوصلها مسلم كما ذكرت من طريق بن وهب عنه ولفظه ويقبض العلم وقدم وتظهر الفتن على ويلقى الشح وقال قالوا وما الهرج قال القتل ولم يكرر لفظ القتل ومثله له من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج فذكره مقتصرا عليه وأخرجه أبو داود من رواية عنبسة بن خالد عن يونس بن يزيد بلفظ وينقص العلم وأما رواية شعيب فوصلها المصنف في كتاب الأدب عن أبي اليمان عنه وقال في روايته يتقارب الزمان وينقص العمل وفي رواية الكشميهمني العلم والباقي مثل لفظ معمر وقال في روايتي يونس وشعيب عن الزهري حدثني حميد بن عبد الرحمن وأما رواية الليث فوصلها الطبراني في الأوسط من رواية عبد الله بن صالح عنه به مثل رواية بن وهب واما رواية(1/402)
بن أخي الزهري فوصلها الطبراني أيضا في الأوسط من طريق صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن بن أخي الزهري واسمه محمد بن عبد الله بن مسلم وقال في روايته سمعت أبا هريرة ولفظه مثل لفظ بن وهب الا انه قال قلنا وما الهرج يا رسول الله وأخرجه مسلم من رواية عبد الرحمن بن يعقوب وهمام بن منبه وأبي يونس مولى أبي هريرة ثلاثتهم عن أبي هريرة قال بمثل حديث حميد بن عبد الرحمن غير انهم لم يذكروا ويلقى الشح قلت وساق أحمد لفظ همام وأوله يقبض العلم ويقترب الزمن وقد جاء عن أبي هريرة من طريق أخرى زيادة في الأمور المذكورة فأخرج الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن جبير عنه رفعه لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ويخون الأمين ويؤتمن الخائن وتهلك الوعول وتظهر التحوت قالوا يا رسول الله وما التحوت والوعول قال الوعول وجوه الناس وأشرافهم والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس ليس يعلم بهم وله من طريق أبي علقمة سمعت أبا هريرة يقول ان من أشراط الساعة نحوه وزاد كذلك أنبأنا عبد الله بن مسعود سمعته من حبي قال نعم قلنا وما التحوت قال فسول الرجال وأهل البيوت الغامضة قلنا وما الوعول قال أهل البيوت الصالحة قال بن بطال ليس في هذا الحديث ما يحتاج الى تفسير غير قوله يتقارب الزمان ومعناه والله أعلم تقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهله وقد جاء في الحديث لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا يعني لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف من الله يلجأ إليهم عند الشدائد ويستشفي بأرائهم ويتبرك بدعائهم ويؤخذ بتقويمهم وآثارهم وقال الطحاوي قد يكون معناه في ترك طلب العلم خاصة والرضى بالجهل وذلك لأن الناس لا يتساوون في العلم لأن درج العلم تتفوات قال تعالى { وفوق كل ذي علم عليم } وانما يتساوون إذا كانوا جهالا وكأنه يريد غلبة الجهل وكثرته بحيث(1/403)
يفقد العلم بفقد العلماء قال بن بطال وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عيانا فقد نقص العلم وظهر الجهل والقي الشح في القلوب وعمت الفتن وكثر القتل قلت الذي يظهر ان الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله والمراد من الحديث استحكام ذلك حتى لا يبقى مما يقابله الا النادر واليه الإشارة بالتعبير بقبض العلم فلا يبقى الا الجهل الصرف ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم لأنهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك ويؤيد ذلك ما أخرجه بن ماجة بسند قوي عن حذيفة قال يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة ويسري على الكتاب في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية الحديث وسأذكر مزيدا لذلك في أواخر كتاب الفتن وعند الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال ولينزعن القرآن من بين أظهركم يسري عليه ليلا فيذهب من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء وسنده صحيح لكنه ...,والواقع ان الصفات المذكورة وجدت مباديها من عهد الصحابة ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض والذي يعقبه قيام الساعة استحكام ذلك كما قررته وقد مضى من الوقت الذي قال فيه بن بطال ما قال نحو ثلاثمائة وخمسين سنة والصفات المذكورة في ازدياد في جميع البلاد لكن يقل بعضها في بعض ويكثر بعضها في بعض وكلما مضت طبقة ظهر النقص الكثير في التي تليها والى ذلك الإشارة بقوله في حديث الباب الذي بعده لا يأتي زمان الا والذي بعده شر منه ثم نقل بن بطال عن الخطابي في معنى تقارب الزمان المذكور في الحديث الآخر يعني الذي أخرجه الترمذي من حديث أنس وأحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كاحتراق السعفة قال الخطابي هو من استلذاذ العيش يريد والله أعلم انه يقع عند خروج المهدي ووقوع الأمنة في الأرض وغلبة العدل فيها فيستلذ العيش(1/404)
عند ذلك وتستقصر مدته وما زال الناس يستقصرون مدة أيام الرخاء وان طالت ويستطيلون مدة المكروه وان قصرت وتعقبه الكرماني بأنه لا يناسب أخواته من ظهور الفتن وكثرة الهرج وغيرهما وأقول انما احتاج الخطابي الى تأويله بما ذكر لأنه لم يقع النقص في زمانه والا فالذي تضمنه الحديث قد وجد في زماننا هذا فانا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا وان لم يكن هناك عيش مستلذ والحق ان المراد نزع البركة من كل شيء حتى من الزمان وذلك من علامات قرب الساعة وقال بعضهم معنى تقارب الزمان استواء الليل والنهار قلت وهذا مما قالوه في قوله إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب كما تقدم بيانه فيما مضى ونقل بن التين عن الداودي ان معنى حديث الباب ان ساعات النهار تقصر قرب قيام الساعة ويقرب النهار من الليل انتهى وتخصيصه ذلك بالنهار لا معنى له بل المراد نزع البركة من الزمان ليله ونهاره كما تقدم قال النووي تبعا لعياض وغيره المراد بقصره عدم البركة فيه وان اليوم مثلا يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة قالوا وهذا أظهر وأكثر فائدة وأوفق لبقية الأحاديث وقد قيل في تفسير قوله يتقارب الزمان قصر الأعمار بالنسبة الى كل طبقة فالطبقة الأخيرة أقصر أعمارا من الطبقة التي قبلها وقيل تقارب أحوالهم في الشر والفساد والجهل وهذا اختيار الطحاوي واحتج بان الناس لا يتساوون في العلم والفهم فالذي جنح اليه لا يناسب ما ذكر معه الا ان نقول ان الواو لا ترتب فيكون ظهور الفتن أولا ينشأ عنها الهرج ثم يخرج المهدي فيحصل الأمن قال بن أبي جمرة يحتمل ان يكون المراد بتقارب الزمان قصره على ما وقع في حديث لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر وعلى هذا فالقصر يحتمل ان يكون حسيا ويحتمل ان يكون معنويا اما الحسي فلم يظهر بعد ولعله من الأمور التي تكون قرب قيام الساعة واما المعنوي فله مدة منذ ظهر يعرف ذلك أهل العلم(1/405)
الديني ومن له فطنة من أهل السبب الدنيوي فانهم يجدون أنفسهم لا يقدر أحدهم ان يبلغ من العمل قدر ما كانوا يعملونه قبل ذلك ويشكون ذلك ولا يدرون العلة فيه ولعل ذلك بسبب ما وقع من ضعف الإيمان لظهور الأمور المخالفة للشرع من عدة أوجه وأشد ذلك الأقوات ففيها من الحرام المحض ومن الشبه ما لا يخفى حتى ان كثيرا من الناس لا يتوقف في شيء ومهما قدر على تحصيل شيء هجم عليه ولا يبالي والواقع ان البركة في الزمان وفي الرزق وفي النبت انما يكون من طريق قوة الإيمان واتباع الأمر واجتناب النهي والشاهد لذلك قوله تعالى ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض انتهى ملخصا وقال البيضاوي يحتمل ان يكون المراد بتقارب الزمان تسارع الدول الى الانقضاء والقرون الى الانقراض فيتقارب زمانهم وتتدانى ايامهم واما قول بن بطال ان بقية الحديث لا تحتاج الى تفسير فليس كما قال فقد اختلف أيضا فيه المراد بقوله ينقص العلم فقيل المراد نقص علم كل عالم بأن يطرأ عليه النسيان مثلا وقيل نقص العلم بموت أهله فكلما مات عالم في بلد ولم يخلفه غيره نقص العلم من تلك البلد واما نقص العمل فيحتمل ان يكون بالنسبة لكل فرد فرد فان العامل إذا دهمته الخطوب ألهته عن أورداه وعبادته ويحتمل ان يراد به ظهور الخيانة في الأمانات والصناعات قال بن أبي جمرة نقص العمل الحسي ينشأ عن نقص الدين ضرورة واما المعنوي فبحسب ما يدخل من الخلل بسبب سوء المطعم وقلة المساعد على العمل والنفس ميالة الى الراحة وتحن الى جنسها ولكثرة شياطين الانس الذين هم أضر من شياطين الجن واما قبض العلم فسيأتي بسط القول فيه في كتاب الاعتصام ان شاء الله تعالى وأما قوله ويلقى الشح فالمراد القاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم حتى يبخل العالم بعلمه فيترك التعليم والفتوى ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير وليس المراد وجود أصل(1/406)
الشح لأنه لم يزل موجودا والمحفوظ في الروايات يلقى بضم أوله من الرباعي وقال الحميدي لم تضبط الرواة هذا الحرف ويحتمل ان يكون بفتح اللام وتشديد القاف أي يتلقى ويتعلم ويتواصى به كما في قوله ولا يلقاها الا الصابرون قال والرواية بسكون اللام مخففا تفسد المعنى لأن الالقاء بمعنى الترك ولو ترك لم يكن موجودا وكان مدحا والحديث ينبىء بالذم قلت وليس المراد بالالقاء هنا أن الناس يلقونه وانما أنه يلقى إليهم أي يوقع في قلوبهم ومنه اني ألقي الي كتاب كريم قال الحميدي ولو قيل بالفاء مع التخفيف لم يستقم لأنه لم يزل موجودا قلت لو ثبتت الرواية بالفاء لكان مستقيما والمعنى أنه يوجد كثيرا مستفيضا عند كل أحد كما تقدمت الإشارة اليه وقال القرطبي في التذكرة يجوز أن يكون يلقي بتخفيف اللام والفاء أي يترك لأجل كثرة المال وافاضته حتى يهم ذا المال من يقبل صدقته فلا يجد ولا يجوز أن يكون بمعنى يوجد لأنه ما زال موجودا كذا جزم به وقد تقدم ما يرد عليه وأما قوله وتظهر الفتن فالمراد كثرتها واشتهارها وعدم التكاتم بها والله المستعان قال بن أبي جمرة يحتمل ان يكون القاء الشح عاما في الأشخاص والمحذور من ذلك ما يترتب عليه مفسدة والشحيح شرعا هو من يمنع ما وجب عليه وامساك ذلك ممحق للمال مذهب لبركته ويؤيده ما نقص مال من صدقة فان أهل المعرفة فهموا منه ان المال الذي يخرج منه الحق الشرعي لا يلحقه آفة ولا عاهة بل يحصل له النماء ومن ثم سميت الزكاة لأن المال ينمو بها ويحصل فيه البركة انتهى ملخصا قال واما ظهور الفتن فالمراد بها ما يؤثر في أمر الدين وأما كثرة القتل فالمراد بها ما لا يكون على وجه الحق كاقامة الحد والقصاص .
+++
--2 حدثنا محمد بن بشار. ثتا محمد بن جعفر. حدثنا عوف عن الحسن. حدثنا أسيد بن النتبشمس، قال: حدثنا أبو موسى. حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن بين يدي الساعة لهرجا)) قال، قلت: يا رسول الله! مالهرج؟ قال:(1/407)
((القتل)) فقال بعض المسلمن: يا رسول الله! إنا نقتل الآن في العام الواحد، من المشركين كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ليس بقتل المشركين ولكن يقتل بعضكم بعضا، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته)) فقال بعض القوم: يا رسول الله! ومعنا عقولنا، ذلك اليوم؟ فقال رسول الله ((لا. تنزع عقول أكثر ذلك الزمان. ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم)).
--3 حدثناه أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنبأ الحسن بن علي بن زياد حدثني أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد المؤذن ثنا أحمد بن زيد بن هارون القزاز بمكة قالا ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثني محمد بن مهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال وقف عمر بن الخطاب بالجابية فقال رحم الله رجلا سمع مقالتي فوعاها إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف فينا كمقامي فيكم ثم قال احفظوني في أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثلاثا ثم يكثر الهرج ويظهر الكذب ويشهد الرجل ولا يستشهد ويحلف ولا يستحلف من أحب منكم بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد ألا لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن
--4 حدثنا المكي بن إبراهيم قال: أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم، قال: سمعت أبا هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقبض العلم، ويظهر الجهل والفتن، ويكثر الهرج). قيل: يا رسول الله، وما الهرج؟ فقال: هكذا بيده فحرفها، كأنه يريد القتل
--5 حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب قال: أخبرنا أبو زناد، عن عبد الرحمنالأعرج، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم
(لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل، حتى يكثر فيكم المال فيفيض).(1/408)
-- 6حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير. حدثنا وكيع وأبي. قالا: حدثنا الأعمش. ح وحدثني أبو سعيد الأشج (واللفظ له). حدثنا وكيع. حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال:
كنت جالسا مع عبدالله وأبي موسى. فقالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن بين يدي الساعة أياما. يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج. والهرج القتل".
--7 حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا يعقوب (يعني ابن عبدالرحمن) عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج" قالوا: وما الهرج؟ يا رسول الله! قال "القتل. القتل".
وقال ربيعة: لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه.
--8حدثنا عمران بن ميسرة قال: حدثنا عبد الوراث، عن أبي التياح، عن أنس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا).
-- 9حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: لأحدثنكم حديثا لا يحدثكم أحد بعدي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد).
--10حدثنا سعيد بن تليد: حدثني ابن وهب: حدثني عبد الرحمن بن شريح وغيره، عن أبي الأسود، عن عروة قال: حجَّ علينا عبد الله بن عمرو، فسمعته يقول:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعاً، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهَّال، يُسْتَفْتَون فيفتون برأيهم، فيُضِلُّون ويَضِلُّون).(1/409)
فحدثتُ به عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن عبد الله بن عمرو حجَّ بعد، فقالت: يا ابن أختي، انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدَّثتني عنه، فجئته فسألته، فحدَّثني به كنحو ما حدَّثني، فأتيت عائشة فأخبرتها، فعجبت فقالت: والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو.
-----قوله حدثنا سعيد بن تليد بمثناة ثم لام وزن عظيم وهو سعيد بن عيسى بن تليد نسب الى جده يكنى أبا عيسى بن عني بمهملة ثم نون مصغر وهو من المصريين الثقات الفقهاء وكان يكتب للحاكم قوله عبد الرحمن بن شريح هو أبو شريح الإسكندراني بمعجمة أوله ومهملة آخره وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه قوله وغيره هو بن لهيعة ابهمه البخاري لضعفه وجعل الاعتماد على رواية عبد الرحمن لكن ذكر الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر في الجزء الذي جمعه في الكلام على حديث معاذ بن جبل في القياس ان عبد الله بن وهب حدث بهذا الحديث عن أبي شريح وابن لهيعة جميعا لكنه قدم لفظ بن لهيعة وهو مثل اللفظ الذي هنا ثم عطف عليه رواية أبي شريح فقال بذلك قلت وكذلك أخرجه بن عبد البر في باب العلم من رواية سحنون عن بن وهب عن أبي لهيعة فساقه ثم قال بن وهب وأخبرني عبد الرحمن بن شريح عن أبي الأسود عن عروة عن عبد الله بن عمرو بذلك قال بن طاهر ما كنا ندري هل أراد بقوله بذلك اللفظ والمعنى أو المعنى فقط حتى وجدنا مسلما أخرجه عن حرملة بن يحيى عن بن وهب عن عبد الرحمن بن شريح وحده فساقه بلفظ مغاير للفظ الذي أخرجه البخاري قال فعرف ان اللفظ الذي حذفه البخاري هو لفظ عبد الرحمن بن شريح الذي أبرزه هنا والذي أورده هو لفظ الغير الذي ابهمه انتهى وسأذكر تفاوتهما وليس بينهما في المعنى كبير أمر وكنت اظن ان مسلما حذف ذكر بن لهيعة عمدا لضعفه واقتصر على عبد الرحمن بن شريح حتى وجدت الإسماعيلي أخرجه من طريق حرملة بغير ذكر بن لهيعة فعرفت ان بن وهب هو الذي كان يجمعهما تارة ويفرد بن شريح تارة وعند بن وهب فيه(1/410)
شيخان آخران بسند آخر أخرجه بن عبد البر في بيان العلم من طريق سحنون حدثنا بن وهب حدثنا مالك وسعيد بن عبد الرحمن كلاهما عن هشام بن عروة باللفظ المشهور وقد ذكرت في باب العلم ان هذا الحديث مشهور عن هشام بن عروة عن أبيه رواه عن هشام أكثر من سبعين نفسا وأقول هنا ان أبا القاسم عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله بن مندة ذكر في كتاب التذكرة ان الذين رووه عن الحافظ هشام أكثر من ذلك وسرد أسماءهم فزادوا على أربعمائة نفس وسبعين نفسا منهم من الكبار شعبة ومالك وسفيان الثوري والأوزاعي وابن جريج ومسعر وأبو حنيفة وسعيد بن أبي عروبة والحمادان ومعمر بل أكبر منهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وموسى بن عقبة والأعمش ومحمد بن عجلان وأيوب وبكير بن عبد الله بن الأشج وصفوان بن سليم وأبو معشر ويحيى بن أبي كثير وعمارة بن غزية وهؤلاء العشرة كلهم من صغار التابعين وهم من أقرانه ووافق هشاما على روايته عن عروة أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن النوفلي المعروف بيتيم عروة وهو الذي رواه عنه بن لهيعة وأبو شريح ورواه عن عروة أيضا ولداه يحيى وعثمان وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهو من أقرانه والزهري ووافق عروة على روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص عمر بن الحكم بن ثوبان أخرجه مسلم من طريقه ولم يسق لفظه لكن قال بمثل حديث هشام بن عروة وكأنه ساقه من رواية جرير بن عبد الحميد عن هشام وسأذكر ما في رواية بعض من ذكر من فائدة زائدة قوله عن أبي الأسود في رواية مسلم بسنده الى بن شريح ان أبا الأسود حدثه قوله عن عروة زاد حرملة في روايته بن الزبير قوله حج علينا أي مر علينا حاجا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم قالت لي عائشة يا بن أختي بلغني ان عبد الله بن عمرو مارا بنا الى الحج فالقه فأسائله فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا قال فلقيته فسألته عن أشياء يذكرها عن النبي صلى الله عليه(1/411)
وسلم فكان فيما ذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قوله ان الله لا ينزع العلم بعد ان أعطاكموه في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني أعطاهموه بالهاء ضمير الغيبة بدل الكاف ووقع في رواية حرملة لا ينتزع العلم من الناس انتزاعا وفي رواية هشام الماضية في كتاب العلم من طريق مالك عنه ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد وفي رواية سفيان بن عيينة عن هشام من قلوب العباد أخرجه الحميدي في مسنده عنه وفي رواية جرير عن هشام عند مسلم مثله لكن قال من الناس وهو الوارد في أكثر الروايات وفي رواية محمد بن عجلان عن هشام عند الطبراني ان الله لا ينزع العلم انتزاعا ينتزعه منهم بعد أن اعطاهم ولم يذكر على من يعود الضمير وفي رواية معمر عن هشام عند الطبراني ان الله لا ينزع العلم من صدور الناس بعد ان يعطيهم إياه وأظن عبد الله بن عمرو انما حدث بهذا جوابا عن سؤال من سأله عن الحديث الذي رواه أبو امامة قال لما كان في حجة الوداع قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل آدم فقال يا أيها الناس خذوا من العلم قبل ان يقبض وقبل ان يرفع من الأرض الحديث وفي آخره الاان ذهاب العلم ذهاب حملته ثلاث مرات أخرجه أحمد والطبراني والدارمي فبين عبد الله بن عمرو ان الذي ورد في قبض العلم ورفع العلم انما هو على الكيفية التي ذكرها وكذلك أخرج قاسم بن اصبغ ومن طريقه بن عبد البر ان عمر سمع أبا هريرة يحدث بحديث يقبض العلم فقال ان قبض العلم ليس شيئا ينزع من صدور الرجال ولكنه فناء العلماء وهو عند أحمد والبزار من هذا الوجه قوله ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم كذا فيه والتقدير ينتزعه بقبض العلماء مع علمهم ففيه بعض قلب ووقع في رواية حرملة ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم وفي رواية هشام ولكن يقبض العلم بقبض العلماء وفي رواية معمر ولكن ذهابهم قبض العلم ومعانيها متقاربة قوله فيبقى ناس جهال هو بفتح أول يبقى وفي رواية حرملة(1/412)
ويبقى في الناس رؤسا جهالا وهو بضم أول يبقى وتقدم في كتاب العلم ضبط رؤسا هل هو بصيغة جمع رأس وهي رواية الأكثر أو رئيس وفي رواية هشام حتى إذا لم يبق عالم هذه رواية أبي ذر من طريق مالك ولغيره ولم يبق عالما اتخذ الناس رؤسا جهالا وفي رواية جرير عند مسلم حتى إذا لم يترك عالما وكذا في رواية صفوان بن سليم عند الطبراني وهي تؤيد الرواية الثانية وفي رواية محمد بن عجلان حتى إذا لم يبق عالم وكذا في رواية شعبة عن هشام وفي رواية محمد بن هشام بن عروة عن أبيه عند الطبراني فيصير للناس رؤوس جهال وفي رواية معمر عن الزهري عن عروة عنده بعد ان يعطيهم إياه ولكن يذهب العلماء كلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم حتى يبق من لا يعلم قوله يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون بفتح أوله ويضلون بضمه وفي رواية حرملة يفتونهم بغير علم فيضلون ويضلون وفي رواية محمد بن عجلان يستفتونهم فيفتونهم والباقي مثله وفي رواية هشام بن عروة فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا وهي رواية الأكثر وخالف الجميع قيس بن الربيع وهو صدوق ضعف من قبل حفظه فرواه عن هشام بلفظ لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم فافتوا بالرأي فضلوا وأضلوا أخرجه البزار وقال تفرد به قيس قال والمحفوظ بهذا اللفظ ما رواه غيره عن هشام فأرسله قلت والمرسل المذكور أخرجه الحميدي في النوادر والبيهقي في المدخل من طريقه عن بن عيينة قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه فذكره كرواية قيس سواء قوله فحدثت به عائشة زاد حرملة في روايته فلما حدثت عائشة بذلك أعظمت ذلك وأنكرته وقالت أحدثك انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا قوله ثم ان عبد الله بن عمرو حج بعد فقالت يا بن أختي انطلق الى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه في رواية حرملة انه حج من السنة المقبلة ولفظه قال عروة حتى إذا كان قابل قالت له ان بن عمرو قد قدم فالقه ثم فاتحه حتى تسأله عن الحديث الذي(1/413)
ذكره لك في العلم قوله فجئته فسألته في رواية حرملة فلقيته قوله فحدثني به في رواية حرملة فذكره لي قوله كنحو ما حدثني في رواية حرملة بنحو ما حدثني به في مرته الأولى ووقع في رواية سفيان بن عيينة الموصولة قال عروة ثم لبثت سنة ثم لقيت عبد الله بن عمرو في الطواف فسألته فأخبرني به فأفاد ان لقاءه إياه في المرة الثانية كان بمكة وكأن عروة كان حج في تلك السنة من المدينة وحج عبد الله من مصر فبلغ عائشة ويكون قولها قد قدم أي من مصر طالبا لمكة لا أنه قدم المدينة إذ لو دخلها للقيه عروة بها ويحتمل ان تكون عائشة حجت تلك السنة وحج معها عروة فقدم عبد الله بعد فلقيه عروة بأمر عائشة قوله فعجبت فقالت والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو في رواية حرملة فلما أخبرتها بذلك قالت ما أحسبه الا صدق أراه لم يزد فيه شيئا ولم ينقص قلت ورواية الأصل تحتمل ان عائشة كان عندها علم من الحديث وظنت انه زاد فيه أو نقص فلما حدث به ثانيا كما حدث به أولا تذكرت انه على وفق ما كانت سمعت ولكن رواية حرملة التي ذكر فيها انها أنكرت ذلك واعظمته ظاهرة في انه لم يكن عندها من الحديث علم ويؤيده ذلك انها لم تسدل على انه حفظه الا لكونه حدث به بعد سنة كما حدث به أولا لم يزد ولم ينقص قال عياض لم تتهم عائشة عبد الله ولكن لعلها نسبت اليه انه مما قرأه من الكتب القديمة لأنه كان قد طالع كثيرا منها ومن ثم قالت أحدثك انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا انتهى وعلى هذا فرواية معمر له عن الزهري عن عروة عن عبد الله بن عمرو هي المعتمدة وهي في مصنف عبد الرزاق وعند أحمد والنسائي والطبراني من طريقه ولكن الترمذي لما أخرجه من رواية عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة قال روى الزهري هذا الحديث عن عروة عن عبد الله بن عمرو وعن عروة عن عائشة وهذه الرواية التي أشار إليها رواية يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة أخرجه أبو عوانة في صحيحه والبزار من طريق(1/414)
شبيب بن سعيد عن يونس وشبيب في حفظه شيء وقد شذ بذلك ولما أخرجه عبد الرزاق من رواية الزهري أردفه برواية معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عبد الله بن عمرو قال اشهد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يرفع الله العلم بقبضه ولكن يقبض العلماء الحديث وقال بن عبد البر في بيان العلم رواه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن هشام بن عروة بمعنى حديث مالك قلت ورواية يحيى أخرجها الطيالسي عن هشام الدستوائي عنه ووجدت عن الزهري فيه سندا آخر أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق العلاء بن سليمان الرقي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر مثل رواية هشم سواء لكن زاد بعد قوله وأضلوا عن سواء السبيل والعلاء بن سليمان ضعفه بن عدي وأورده من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ رواية حرملة التي مضت وسنده ضعيف ومن حديث أبي سعيد الخدري بلفظ يقبض الله العلماء ويقبض العلم معهم فتنشأ احداث ينزوا بعضهم على بعضم نزو العير على العير ويكون الشيخ فيهم مستضعفا وسنده ضعيف وأخرج الدارمي من حديث أبي الدرداء قوله رفع العلم ذهاب العلماء وعن حذيفة قبض العلم قبض العلماء وعند أحمد عن بن مسعود قال هل تدرون ما ذهاب العلم ذهاب العلماء وأفاد حديث أبي امامة الذي أشرت اليه أولا وقت تحديث النبي صلى الله عليه وسلم في بهذا الحديث وفي حديث أبي امامة من الفائدة الزائدة ان بقاء الكتب بعد رفع العلم بموت العلماء لا يغني من ليس بعالم شيئا فان في بقيته فسأله أعرابي فقال يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها ابناءنا ونساءنا وخدمنا فرفع اليه رأسه وهو مغضب فقال وهذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يتعلقوا منها بحرف فيما جاءهم به انبياؤهم ولهذه الزيادة شواهد من حديث عوف بن مالك وابن عمرو وصفوان بن عسال وغيرهم وهي عند الترمذي والطبراني والدارمي والبزار بألفاظ مختلفة وفي جميعها هذا المعنى وقد فسر عمر قبض(1/415)
العلم بما وقع تفسيره به في حديث عبد الله بن عمرو وذلك فيما أخرجه أحمد من طريق يزيد بن الأصم عن أبي هريرة فذكر الحديث وفيه ويرفع العلم فسمعه عمر فقال اما انه ليس ينزع من صدور العلماء ولكن بذهاب العلماء وهذا يحتمل ان يكون عند عمر مرفوعا فيكون شاهدا قويا لحديث عبد الله بن عمرو واستدل بهذا الحديث على جواز خلو الزمان عن مجتهد وهو قول الجمهور خلافا لأكثر الحنابلة وبعض من غيرهم لأنه صريح في رفع العلم بقبض العلماء وفي ترئيس أهل الجهل ومن لازمه الحكم بالجهل وإذا انتفى العلم ومن يحكم به استلزم انتفاء الاجتهاد والمجتهد وعورض هذا بحديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وفي لفظ حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله ومضى في العلم كالأول بغير شك وفي رواية مسلم ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله ولم يشك وهو المعتمد وأجيب أولا بأنه ظاهر في عدم الخلو لا في نفي الجواز وثانيا بأن الدليل للأول أظهر للتصريح بقبض العلم تارة وبرفعه أخرى بخلاف الثاني وعلى تقدير التعارض فيبقى ان الأصل عدم المانع قالوا الاجتهاد فرض كفاية فيستلزم انتفاؤه الاتفاق على الباطل وأجيب بان بقاء فرض الكفاية مشروط ببقاء العلماء فاما إذا قام الدليل على انقراض العلماء فلا لان بفقدهم تنتفي القدرة والتمكن من الاجتهاد وإذا انتفى ان يكون مقدورا لم يقع التكليف به هكذا اقتصر عليه جماعة وقد تقدم في باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان في أواخر كتاب الفتن ما يشير الى ان محل وجود ذلك عند فقد المسلمين بهبوب الريح التي تهب بعد نزول عيسى عليه السلام فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من الإيمان الا قبضته ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة وهو بمعناه عند مسلم كما بينته هناك فلا يرد اتفاق المسلمين على ترك فرض الكفاية والعمل بالجهل لعدم وجودهم وهو المعبر عنه بقوله حتى يأتي أمر الله وأما الرواية بلفظ حتى تقوم الساعة فهي محمولة على(1/416)
اشرافها بوجود آخر أشراطها وقد تقدم هذا بأدلته في الباب المذكور ويؤيده ما أخرجه أحمد وصححه الحاكم عن حذيفة رفعه يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب الى غير ذلك من الأحاديث وجوز الطبري ان يضمر في كل من الحديثين المحل الذي يكون فيه تلك الطائفة فالموصوفون بشرار الناس الذين يبقون بعد ان تقبض الريح من تقبضه يكونون مثلا ببعض البلاد كالمشرق الذي هو أصل الفتن والموصوفون بانهم على الحق يكونون مثلا ببعض البلاد كبيت المقدس لقوله في حديث معاذ انهم بالشام وفي لفظ ببيت المقدس وما قاله وان كان محتملا يرده قوله في حديث أنس في صحيح مسلم لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله الى غير ذلك من الأحاديث التي تقدم ذكرها في معنى ذلك والله أعلم ويمكن ان تنزل هذه الأحاديث على الترتيب في الواقع فيكون أولا رفع العلم بقبض العلماء المجتهدين الاجتهاد المطلق ثم المقيد ثانيا فإذا لم يبق مجتهد استووا في التقليد لكن ربما كان بعض المقلدين أقرب الى بلوغ درجة الاجتهاد المقيد من بعض ولا سيما أن فرعنا على جواز تجزيء الاجتهاد ولكن لغلبة الجهل يقدم أهل الجهل أمثالهم واليه الإشارة بقوله اتخذ الناس رؤسا جهالا وهذا لا ينفي ترئيس بعض من لم يتصف بالجهل التام كما لا يمتنع ترئيس من ينسب الى الجهل في الجملة في زمن أهل الاجتهاد وقد أخرج بن عبد البر في كتاب العلم من طريق عبد الله بن وهب سمعت خلاد بن سلمان الحضرمي يقول حدثنا دراج أبو السمح يقول يأتي على الناس زمان يسمن الرجل راحلته حتى يسير عليها في الأمصار يلتمس من يفتيه بسنة قد عمل بها فلا يجد الا من يفتيه بالظن فيحمل على ان المراد الأغلب الأكثر في الحالين وقد وجد هذا مشاهدا ثم يجوز ان يقبض أهل تلك الصفة ولا يبقى الا المقلد الصرف وحينئذ يتصور خلو الزمان عن مجتهد حتى في بعض الأبواب بل في بعض المسائل ولكن يبقى من له نسبة الى العلم في الجملة ثم يزداد حينئذ غلبة الجهل وترئيس(1/417)
أهله ثم يجوز ان يقبض أولئك حتى لا يبقى منهم أحد وذلك جدير بأن يكون عند خروج الدجال أو بعد موت عيسى عليه السلام وحينئذ يتصور خلو الزمان عمن ينسب الى العلم أصلا ثم تهب الريح فتقبض كل مؤمن وهناك يتحقق خلو الأرض عن مسلم فضلا عن عالم فضلا عن مجتهد ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة والعلم عند الله تعالى وقد تقدم في أوائل كتاب الفتن كثير من المباحث والنقول المتعلقة بقبض العلم والله المستعان وفي الحديث الزجر عن ترئيس الجاهل لما يترتب عليه من المفسدة وقد يتمسك به من لا يجيز تولية الجاهل بالحكم ولو كان عاقلا لكن إذا دار الأمر بن العالم الفاسق والجاهل العفيف فالجاهل العفيف أولى لأن ورعه يمنعه عن الحكم بغير علم فيحمله على البحث والسؤال وفي الحديث أيضا حض أهل العلم وطلبته على أخذ بعضهم عن بعض وفيه شهادة بعضهم لبعض بالحفظ والفضل وفيه حض العالم طالبه على الأخذ عن غيره ليستفيد ما ليس عنده وفيه التثبت فيما يحدث به المحدث إذا قامت قرينة الذهول ومراعاة الفاضل من جهة قول عائشة اذهب اليه ففاتحه حتى تسأله عن الحديث ولم تقل له سله عنه ابتداء خشية من استيحاشه وقال بن بطال التوفيق بين الآية والحديث في ذم العمل بالرأي وبين ما فعله السلف من استنباط الأحكام ان نص الآية ذم القول بغير علم فخص به من تكلم برأي مجرد عن استناد الى أصل ومعنى الحديث ذم من أفتى مع الجهل ولذلك وصفهم بالضلال والاضلال والا فقد مدح من استنبط من الأصل لقوله لعلمه الذين يستنبطونه منهم فالرأي إذا كان مستندا الى أصل من الكتاب أو السنة أو الإجماع فهو المحمود وإذا كان لا يستند الى شيء منها فهو المذموم قال وحديث سهل بن حنيف وعمر بن الخطاب وان كان يدل على ذم الرأي لكنه مخصوص بما إذا كان معارضا للنص فكأنه قال اتهموا الرأي إذا خالف السنة كما وقع لنا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحلل فاحببنا الاستمرار الى الإحرام وأردنا(1/418)
القتال لنكمل نسكنا ونقهر عدونا وخفي عنا حينئذ ما ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم مما حمدت عقباه وعمر هو الذي كتب الى شريح انظر ما تبين لك من كتاب الله فلا تسأل عنه أحدا فان لم يتبين لك من كتاب الله فاتبع فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم يتبين لك من السنة فاجتهد فيه رأيك هذه رواية سيار عن الشعبي وفي رواية الشيباني عن الشعبي عن شريح ان عمر كتب اليه نحوه وقال في آخره اقض بما في كتاب الله فان لم يكن فبما في سنة رسول الله فان لم يكن فبما قضى به الصالحون فان لم يكن فان شئت فتقدم وان شئت فتأخر ولا أرى التأخر الا خيرا لك فهذا عمر أمر بالاجتهاد فدل على ان الرأي الذي ذمه ما خالف الكتاب أو السنة وأخرج بن أبي شيبة بسند صحيح عن بن مسعود نحو حديث عمر من رواية الشيباني وقال في آخره فان جاءه ما ليس في ذلك فليجتهد رأيه فان الحلال بين والحرام بين فدع ما يريبك الى ما لا يريبك
+شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
باب رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن، في آخر الزمان
--1*حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدّثَنَا أَبُو التّيّاحِ. حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ أَشْرَاطِ السّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزّنَى".(1/419)
--2حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَحَدّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: أَلاَ أُحَدّثُكُمْ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. لاَ يُحَدّثُكُمْ أَحَدٌ، بَعْدِي، سَمِعَهُ مِنْهُ: " إِنّ مِنْ أَشْرَاطِ السّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُو الزّنَى، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَذْهَبَ الرّجَالُ، وَتَبْقَىَ النّسَاءُ، حَتّىَ يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيّمٌ واحد
--3حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ وَ أَبِي. قَالاَ: حَدّثَنَا الأَعْمَشُ ح وَحَدّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا وَكِيعٌ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ عَبْدِ اللّهِ وَ أَبِي مُوسَىَ. فَقَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ بَيْنَ يَدَيِ السّاعَةِ أَيّاماً. يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ. وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ".
--4 حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَتَقَارَبُ الزّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَىَ الشّحّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ" قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ".(1/420)
--5حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَ أَبُو كُرَيْبٍ و عَمْرٌو النّاقِدُ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْن سُلَيْمَانَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي هَرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، كُلّهُمْ قَالَ: عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ الزّهْرِيّ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. غَيْرَ أَنّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا "وَيُلْقَى الشّحّ"
.
--6حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ. سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ اللّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ النّاسِ. وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ. حَتّىَ إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِماً، اتّخَذَ النّاسُ رُؤُساً جُهّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ. فَضَلّوا وَأَضَلّوا".(1/421)
--7حدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التّجِيبِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ أَنّ أَبَا الأَسْوَدِ حَدّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ. قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي بَلَغَنِي أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو مَارّ بِنَا إِلَىَ الْحَجّ. فَالْقَهُ فَسَائِلْهُ. فَإِنّهُ قَدْ حَمَلَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عِلْماً كَثِيراً. قَالَ: فَلَقِيتُهُ فَسَاءَلْتُهُ عَنْ أَشْيَاءَ يَذْكُرُهَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ عُرْوَةُ: فَكَانَ فِيمَا ذَكَرَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ اللّهَ لاَ يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النّاسِ انتِزَاعاً. وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ فَيَرْفَعُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ. وَيُبْقِي فِي النّاسِ رُؤُساً جُهّالاً. يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ. فَيَضِلّونَ وَيُضِلّونَ".
قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمّا حَدّثْتُ عَائِشَةَ بِذَلِكَ، أَعْظَمَتْ ذَلِكَ وَأَنْكَرَتْهُ. قَالَتْ: أَحَدّثَكَ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هَذَا؟
.(1/422)
---قوله: (حدثنا شيبان بن فروخ الخ) هذا الإسناد والذي بعده كلهم بصريون. قوله صلى الله عليه وسلم: "من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل وتشرب الخمر ويظهر الزنا" هكذا هو في كثير من النسخ يثبت الجهل من الثبوت، وفي بعضها يبث بضم الياء وبعدها موحدة مفتوحة ثم مثلثة مشددة أي ينشر ويشيع، ومعنى تشرب الخمر شرباً فاشياً ويظهر الزنا أي يفشو وينتشر كما صرح به في الرواية الثانية، وأشراط الساعة علاماتها واحدها شرط بفتح الشين والراء، ويقل الرجال بسبب القتل وتكثر النساء فلهذا يكثر الجهل والفساد ويظهر الزنا والخمر ويتقارب الزمان أي يقرب من القيامة، ويلقى الشح هو بإسكان اللام وتخفيف القاف أي يوضع في القلوب، ورواه بعضهم يلقى بفتح اللام وتشديد القاف أي يعطى، والشح هو البخل بأداء الحقوق والحرص على ما ليس له، وقد سبق الخلاف فيه مبسوطاً في باب تحريم الظلم، وفي رواية وينقص العلم هذا يكون قبل قبضه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه ولكن معناه أنه يموت حملته ويتخذ الناس جهالاً يحكمون بجهالاتهم فيضلون ويضلون. وقوله صلى الله عليه وسلم: "اتخذ الناس رؤوساً" جهالاً ضبطناه في البخاري رؤوساً بضم الهمزة وبالتنوين جمع رأس، وضبطوه في مسلم هنا بوجهين: أحدهما: هذا والثاني: رؤساء بالمد جمع رئيس وكلاهما صحيح والأول أشهر، وفيه التحذير من اتخاذ الجهال رؤساء
، وفي هذا الحديث الحث على حفظ العلم وأخذه عن أهله واعتراف العالم للعالم بالفضيلة .
الجوهرة 34
حدثنا عمر بن حفص: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش: سمعت أبا صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(1/423)
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).
... ... البخاري –كتاب التوحيد –باب قوله تعالى {ويحذركم الله نفسه}
... ... مسلم –كتاب الذكر والدعاء ...
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/424)
يقول الله تعالى انا عند ظن عبي بي أي قادر على ان اعمل به ما ظن أني عامل به وقال الكرماني وفي السياق إشارة الى ترجيح جانب الرجاء على الخوف وكأنه اخذه من جهة التسوية فان العاقل إذا سمع ذلك لا يعدل الى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب الخوف لأنه لا يختاره لنفسه بل يعدل الى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء وهو كما قال أهل التحقيق مقيد بالمحتضر ويؤيد ذلك حديث لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله وهو عند مسلم من حديث جابر وأما قبل ذلك ففي الأول أقوال ثالثها الاعتدال وقال بن أبي جمرة المراد بالظن هنا العلم وهو كقوله { وظنوا ان لا ملجا من الله الا اليه } وقال القرطبي في المفهم قيل معنى ظن عبدي بي ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده قال ويؤيده قوله في الحديث الآخر ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة قال ولذلك ينبغي للمرء ان يجتهد في القيام بما عليه موقنا بان الله يقبله ويغفر له لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد فان اعتقد أو ظن ان الله لا يقبلها وانها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر ومن مات على ذلك وكل الى ما ظن كما في بعض طرق الحديث المذكور فليظن بي عبدي ما شاء قال واما ظن المغفرة مع الاصرار فذلك محض الجهل والغرة وهو يجر الى مذهب المرجئة قوله وأنا معه إذا ذكرني أي بعلمي وهو كقوله{ انني معكما أسمع وأرى } والمعية المذكورة أخص من المعية التي في قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ(1/425)
عَلِيمٌ ) (المجادلة : 7 ) وقال بن أبي جمرة معناه فانا معه حسب ما قصد من ذكره لي قال ثم يحتمل ان يكون الذكر باللسان فقط أو بالقلب فقط أو بهما أو بامتثال الأمر واجتناب النهي قال والذي يدل عليه الاخبار ان الذكر على نوعين أحدهما مقطوع لصاحبه بما تضمنه هذا الخبر والثاني على خطر قال والأول يستفاد من قوله تعالى {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره }والثاني من الحديث الذي فيه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله الا بعدا لكن ان كان في حال المعصية يذكر الله بخوف ووجل مما هو فيه يرجى له قوله فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي أي ان ذكرني بالتنزيه والتقديس سرا ذكرته بالثواب والرحمة سرا وقال بن أبي جمرة يحتمل ان يكون مثل قوله تعالى {اذكروني أذكركم} ومعناه اذكروني بالتعظيم أذكركم بالانعام وقال تعالى{ ولذكر الله أكبر }أي أكبر العبادات فمن ذكره وهو خائف آمنه أو مستوحش آنسه قال تعالى { ألا بذكر الله تطمئن القلوب }قوله وان ذكرني في ملأ بفتح الميم واللام مهموز أي جماعة ذكرته في ملأ خير منهم بعض أهل العلم يستفاد منه ان الذكر الخفي أفضل من الذكر الجهري والتقدير ان ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أطلع عليه أحدا وان ذكرني جهرا ذكرته بثواب أطلع عليه الملأ الأعلى وقال بن بطال هذا نص في ان الملائكة أفضل من بني آدم وهو مذهب جمهور أهل العلم وعلى ذلك شواهد من القرآن مثل الا ان تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين والخالد أفضل من الفاني فالملائكة أفضل من بني آدم وتعقب بأن المعروف عن جمهور أهل السنة ان صالحي بني آدم أفضل من سائر الأجناس والذين ذهبوا الى تفضيل الملائكة الفلاسفة ثم المعتزلة وقليل من أهل السنة من أهل التصوف وبعض أهل الظاهر فمنهم من فاضل بين الجنسين فقالوا حقيقة الملك أفضل من حقيقة الإنسان لأنها نورانية وخيرة ولطيفة مع سعة العلم والقوة وصفاء الجوهر وهذا لا يستلزم تفضيل كل فرد على كل فرد لجواز(1/426)
أن يكون في بعض الأناسي ما في ذلك وزيادة ومنهم من خص الخلاف بصالحي البشر والملائكة ومنهم من خصه بالأنبياء ثم منهم من فضل الملائكة على غير الأنبياء ومنهم من فضلهم على النبياء أيضا الا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن أدلة تفضيل النبي على الملك أن الله أمر الملائة بالسجود لآدم على سبيل التكريم له حتى قال إبليس أرأيتك هذا الذي كرمت علي ومنها قوله تعالى لما خلقت بيدي لما فيه من الإشارة الى العناية به ولم يثبت ذلك للملائكة ومنها قوله تعالى {ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} ومنها قوله تعالى { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض} فدخل في عمومه الملائكة والمسخر له أفضل من المسخر ولأن طاعة الملائكة بأصل الخلقة وطاعة البشر غالبا مع المجاهدة للنفس لما طبعت عليه من الشهوة والحرص والهوى والغضب فكانت عبادتهم أشق وأيضا فطاعة الملائكة بالأمر الوارد عليهم وطاعة البشر بالنص تارة وبالاجتهاد تارة والاستنباط تارة فكانت أشق ولأن الملائكة سلمت من وسوسة الشياطين والقاء الشبه والإغواء الجائزة على البشر ولأن الملائكة تشاهد حقائق الملكوت والبشر لا يعرفون ذلك الا بالاعلام فلا يسلم منهم من إدخال الشبهة من جهة تدبير الكواكب وحركة الأفلاك الا الثابت على دينه ولا يتم ذلك الا بمشقة شديدة ومجاهدات كثيرة واما أدلة الآخرين فقد قيل ان حديث الباب أقوى ما استدل به لذلك للتصريح بقوله فيه في ملأ خير منهم والمراد بهم الملائكة حتى قال بعض الغلاة في ذلك وكم من ذاكر لله في ملأ فيهم محمد صلى الله عليه وسلم ذكرهم الله في ملأ خير منهم وأجاب بعض أهل السنة بأن الخبر المذكور ليس نصا ولا صريحا في المراد بل يطرقه احتمال ان يكون المراد بالملأ الذين هم خير من الملأ الذاكر الأنبياء والشهداء فانهم أحياء عند ربهم فلم ينحصر ذلك في الملائكة وأجاب آخر وهو أقوى من الأول بأن الخيرية انما حصلت بالذاكر(1/427)
والملأ معا فالجانب الذي فيه رب العزة خيرا من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع وهذا الجواب ظهر لي وظننت انه مبتكر ثم رأيته في كلام القاضي كمال الدين بن الزملكاني في الجزء الذي جمعه في الرفيق الأعلى فقال ان الله قابل ذكر العبد في نفسه بذكره له في نفسه قوابل ذكر الاعبد في الملأ بذكره في الملأ فانما صار الذكر في الملأ الثاني خيرا من الذكر الأول لأن الله هو الذاكر فيهم والملأ الذين يذكرون والله فيهم أفضل من الملأ الذين يذكرون وليس الله فيهم ومن أدلة المعتزلة تقديم الملائة في الذكر في قوله تعالى{ من كان عدوا لله وملائكته ورسله}وقوله تعالى { شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران : 18 ) وقوله تعالى { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} وتعقب بأن مجرد التقديم في الذكر لا يستلزم التفضيل لأنه لم ينحصر فيه بل له أسباب أخرى كالتقديم بالزمان في مثل قوله {ومنك ومن نوح وإبراهيم } فقدم نوحا على إبراهيم لتقدم زمان نوح مع أن إبراهيم أفضل ومنها قوله تعالى { لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون} وبالغ الزمخشري فادعى ان دلالتها لهذا المطلوب قطعية بالنسبة لعلم المعاني فقال في قوله تعالى{ ولا الملائكة المقربون} أي ولا من هو أعلى قدرا من المسيح وهم الملائكة الكروبيون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل واسرافيل قال ولا يقتضي علم المعاني غير هذا من حيث أن الكلام انما سيق للرد على النصارى لغلوهم في المسيح فقيل لهم لن يترفع المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع درجة منه انتهى ملخصا وأجيب بأن الترقي لا يستلزم التفضيل المتنازع فيه وانما هو بحسب المقام وذلك ان كلا من الملائكة والمسيح عبد من دون الله فرد عليهم بأن المسيح الذي(1/428)
تشاهدونه لم يتكبر عن عبادة الله وكذلك من غاب عنكم من الملائكة لا يتكبر والنفوس لما غاب عنها أهيب ممن تشاهده ولأن الصفات التي عبدوا المسيح لأجلها من الزهد في الدنيا والاطلاع على المغيبات واحياء الموتى بإذن الله موجودة في الملائكة فان كانت توجب عبادته فهي موجبة لعبادتهم بطريق الأولى وهم مع ذلك لا يستنكفون عن عبادة اله تعالى ولا يلزم من هذا الترقي ثبوت الأفضلية المتنازع فيها وقال البيضاوي احتج بهذا العطف من زعم ان الملائكة أفضل من الأنبياء وقال هي مساقة للرد على النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية وذلك يقتضي ان يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه وجوابه أن الآية سيقت للرد على عبدة المسيح والملائكة فاريد بالعطف المبالغة باعتبار الكثرة دون التفضيل كقول القائل أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرءوس وعلى تقدير إرادة التفضيل فغايته تفضيل المقربين ممن حول العرش بل من هو أعلى رتبة منهم على المسيح وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقا وقال الطيبي لا تتم لهم الدلالة الا ان سلم أن الآية سيقت للرد على النصارى فقط فيصح لن يترفع المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع منه والذي يدعي ذلك يحتاج الى اثبات ان النصارى تعتقد تفضيل الملائكة على المسيح وهم لا يعتقدون ذلك بل يعتقدون فيه الإلهية فلا يتم استدلال من استدل به قال وسياقه الآية من أسلوب التتميم والمبالغة لا للترقي وذلك انه قدم قوله { ِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) } (النساء : 171 ) فقرر الوحدانية والمالكية والقدرة التامة ثم اتبعه بعدم الاستنكاف قالتعالى{ لن َ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ(1/429)
وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً)} (النساء : 172 ) فالتقدير لا يستحق من اتصف بذلك ان يستكبر عليه الذي تتخذونه أيها النصارى الها لاعتقادكم فيه الكمال ولا الملائكة الذين اتخذها غيركم الهة لاعتقادهم فيهم الكمال قلت وقد ذكر ذلك البغوي ملخصا ولفظه لم يقل ذلك رفعا لمقامهم على مقام عيسى بل ردا على الذين يدعون ان الملائكة آلهة فرد عليهم كما رد على النصارى الذين يدعون التثليث ومنها قوله تعالى {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم اني ملك} فنفى ان يكون ملكا فدل على انهم أفضل وتعقب بأنه انما نفى ذلك لكونهم طلبوا منه الخزائن وعلم الغيب وان يكون بصفة الملك من ترك الأكل والشرك والجماع وهو من نمط انكارهم ان يرسل الله بشرا مثلهم فنفى عنه أنه ملك ولا يستلزم ذلك التفضيل ومنها انه سبحانه لما وصف جبريل ومحمدا قال في جبريل{ انه لقول رسول كريم }وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم {وما صاحبكم بمجنون} بون الوصفين دون بعيد وتعقب بأن ذلك انما سيق للرد على من زعم ان الذي يأتيه شيطان فكان وصف جبريل بذلك تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في غير هذا المضع بمثل ما وصف به جبريل هنا وأعظم منه وقد أفرط الزمخشري في سوء الأدب هنا وقال كلاما يستلزم تنقيص المقام المحمدي وبالغ الأئمة في الرد عليه في ذلك وهو من زلاته الشنيعة قوله وان تقرب الي شبرا في رواية المستملي والسرخسي بشبر بزيادة موحدة في أوله وسيأتي شرحه في اواخر كتاب التوحيد في باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه.
+1 حدثني محمد بن عبد الرحيم: حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع الهروي: حدثنا شعبة، عن قتادة: عن أنس رضي الله عنه،(1/430)
عن النبي صلى الله عليه وسلم، يرويه عن ربه، قال: (إذا تقرَّب العبد إليَّ شبراً تقرَّبت إليه ذراعاً، وإذا تقرَّب إليَّ ذراعاً تقرَّبت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة).
+2 حدثنا مسدد، عن يحيى، عن التيمي، عن أنس بن مالك، عن أبي هريرة قال،
ربما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تقرَّب العبد منِّي شبراً تقرَّبت منه ذراعاً، وإذا تقرَّب مني ذراعاً تقرَّبت منه باعاً، أو بوعاً).
وقال معتمر: سمعت أبي: سمعت أنساً، عن النبي صلى الله عليه وسلم، يرويه عن ربه عز وجل(1/431)
++قوله حدثني محمد بن عبد الرحيم هو أبو يحيى البغدادي الملقب صاعقة وأبو زيد من شيوخ البخاري قد حدث عنه بلا واسطة في باب إذا رأى المحرمون صيدا في أواخر كتاب الحج وكذا في غزوة الحديبية قوله عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه رواية قتادة وخالفه سليمان التيمي كما في الحديث الثاني فقال عن أنس عن أبي هريرة فالأول مرسل صحابي قوله يرويه عن ربه عز وجل في رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن جعفر ومن طريق حجاج بن محمد كلاهما عن شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال ربكم وفي رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة ومن طريقه أخرجه أبو نعيم يقول الله قال الإسماعيلي قوله قال ربكم وقوله يرويه عن ربكم سواء أي في المعنى قوله اذا تقرب العبد الي شبرا في رواية الإسماعيلي مني وفي رواية الطيالسي ان تقرب مني عبدي والأصل هنا الإتيان بمن لكن يفيد استعمال الى بمعنى الانتهاء فهو أبلغ قوله تقربت اليه ذراعا وإذا تقرب الي في رواية الكشميهني مني وكذا للإسماعيلي والطيالسي قوله ذراعا تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة لم يقع وإذا أتاني الخ في رواية الطيالسي قال بن بطال وصف سبحانه نفسه بأنه يتقرب الى عبده ووصف العبد بالتقرب اليه ووصفه بالإتيان والهرولة كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز فحملها على الحقيقة يقتضي قطع المسافات وتداني الأجسام وذلك في حقه تعالى محال فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته في كلام العرب فيكون وصف العبد بالتقرب اليه شبرا وذراعا واتيانه ومشيه معناه التقرب اليه بطاعته واداء مفترضاته ونوافله ويكون تقربه سبحانه من عبده واتيانه والمشي عبارة عن إثابته على طاعته وتقربه من رحمته ويكون قوله أتيته هرولة أي أتاه ثوابي مسرعا ونقل عن الطبري انه انما مثل القليل من الطاعة بالشبر منه والضعف من الكرامة والثواب بالذراع فجعل ذلك دليلا على مبلغ كرامته لمن أدمن على طاعته ان(1/432)
ثواب عمله له على عمله الضعف وان الكرامة مجاوزة حده الى ما يثيبه الله تعالى وقال بن التين القرب هنا نظير ما تقدم في قوله تعالى {فكان قاب قوسين أو أدنى }فان المراد به قرب الرتبة وتوفير الكرامة والهرولة كناية عن سرعة الرحمة اليه ورضى الله عن العبد وتضعيف الأجر قال والهرولة ضرب من المشي السريع وهي دون العدو وقال صاحب المشارق المراد بما جاء في هذا الحديث سرعة قبول توبة الله للعبد أو تيسير طاعته وتقويته عليها وتمام هدايته وتوفيقه والله أعلم بمراده وقال الراغب قرب العبد من الله التخصيص بكثير من الصفات التي يصح ان يوصف الله بها وان لم تكن على الحد الذي يوصف به الله تعالى نحو الحكمة والعلم والحلم والرحمة وغيرها وذلك يحصل بإزالة القاذورات المعنوية من الجهل والطيش والغضب وغيرها بقدر طاقة البشر وهو قرب روحاني لا بدني وهو المراد بقوله إذا تقرب العبد مني شبرا تقربت منا ذراعا الحديث الثاني(1/433)
++ قوله يحيى هو بن سعيد القطان و التيمي هو سليمان بن طرخان قوله ربما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا تقرب العبد مني كذا للجميع ليس فيه الرواية عن الله تعالى وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن يحيى القطان وأخرجه من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن يحيى فقال فيه عن أبي هريرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل وقال مسلم حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى هو بن سعيد وابن أبي عدي كلاهما عن سليمان فذكره بلفظ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل قوله واذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا أو بوعا كذا فيه بالشك وكذا في رواية مسلم والإسماعيلي وقد تقدم في باب قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه بغير شك من رواية أبي صالح عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي فذكر الحديث وفيه وان تقرب الي شبرا تقربت اليه ذراعا وان تقرب الي ذراعا تقربت اليه باعا ووقع ذكر الهرولة في حديث أبي ذر الذي أوله رفعه يقول الله تعالى من عمل حسنة فجزاؤه عشر أمثالها وفيه ومن تقرب اليه شبرا الحديث وفي آخره ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن أتاني بقراب الأرض خطيئة لم يشرك بي شيئا جعلتها له مغفرة أخرجه مسلم قال الخطابي الباع معروف وهو قدر مد اليدين واما البوع بفتح الموحدة فهو مصدر باع يبوع بوعا قال ويحتمل ان يكون بضم الباء جمع باع مثل دار ودور وأغرب النووي فقال الباع والبوع والبوع بالضم والفتح كله بمعنى فان أراد ما قال الخطابي والا لم يصرح أحد بأن البوع بالضم والباع بمعنى واحد وقال الباجي الباع طول ذراعي الإنسان وعضديه وعرض صدره وذلك قدر أربعة أذرع وهو من الدواب قدر خطوها في المشي وهو ما بين قوائمها وزاد مسلم في روايته المذكورة وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة وفي رواية بن أبي عدي عن سليمان التيمي عند الإسماعيلي وإذا تقرب مني بوعا أتيته(1/434)
هرولة قوله وقال معتمر هو بن سليمان التيمي المذكور وأراد بهذا التعليق بيان التصريح بالرواية فيه عن الله عز وجل وقد وصله مسلم وغيره من رواية المعتمر كما سأنبه عليه قوله عن أبي هريرة عن ربه عز وجل كذا سقط من رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني لفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبتت للمستملي والباقين وقال عياض عن الأصيلي لم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الفربري وقد ألحقها عبدوس قلت وثبتت عند مسلم عن محمد بن عبد الأعلى عن المعتمر ولم يسق لفظه لكنه أحال به على رواية محمد بن بشار وأخرجه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن محمد بن عبد الأعلى فقال في سياقه عن أبيه حدثني أنس أن أبا هريرة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدثه عن ربه تعالى ووصلها الإسماعيلي أيضا من رواية عبيد الله بن معاذ حدثنا المعتمر قال حدث أبي عن أنس ان أبا هريرة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه حدثه عن ربه تبارك وتعالى ووصله أبو نعيم من طريق إسحاق بن إبراهيم الشهيد حدثنا المعتمر عن أبيه عن أنس عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل ووقع عند بن حبان في صحيحه من طريق الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا معتمر بن سليمان حدثني أبي أخبرني أنس بن مالك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل إذا تقرب العبد مني شبرا فذكره وقال فيه باعا ولم يشك وفي آخره أتيته هرولة وزاد وان هرول سعيت اليه والله أسرع بالمغفرة قال البرقاني بعد أن أخرجه في مستخرجه من طريق الحسن بن سفيان لم أجد هذه الزيادة في حديث غيره يعني محمد بن المتوكل انتهى وهو صدوق عارف بالحديث عنده غرائب وأفراد وهو من شيوخ أبي داود في السنن والقول في معناه كما تقدم قال الخطابي في مثل مضاعفة الثواب يقبل من أقبل نحو آخر قدر شبر فاستقبله بقدر ذراع قال ويحتمل ان يكون معناه التوفيق له(1/435)
بالعمل الذي يقربه منه وقال الكرماني لما قامت البراهين على استحالة هذه الأشياء في حق الله تعالى وجب أن يكون المعنى من تقرب الي بطاعة قليلة جازيته بثواب كثير وكلما زاد في الطاعة أزيد في الثواب وان كانت كيفية اتيانه بالطاعة بطريق التأني يكون كيفية اتياني بالثواب بطريق الإسراع والحاصل ان الثواب راجح على العمل بطريق الكيف والكم ولفظ القرب والهرولة مجاز على سبيل المشاكلة أو الاستعارة أو إرادة لوازمها الحديث الثالث حديث محمد بن زياد وهو الجمحي سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم قال لكل عمل كفارة والصوم لي وانا أجزي به في رواية محمد بن جعفر وهو غندر عن شعبة يرويه عن ربه عز وجل لكل عمل كفارة الا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به أخرجه أحمد عنه وأورده الإسماعيلي من طريق غندر وأورده من طريق علي بن أبي الجعد ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة بلفظ لكل عمل كفارة ...الحديث الرابع حديث أبي العالية وهو رفيع بفاء مصغر الرياحي بكسر الراء بعدها تحتانية ثم حاء مهملة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه وأورده من طريق شعبة ومن طريق سعيد وهو بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة عنه وساقه على لفظ سعيد وقد تقدم في ترجمة يونس عليه السلام من أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن حفص بن عمر بالسند المذكور هنا ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما ينبغي لعبد فذكره وأخرجه في تفسير سورة الأنعام من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة كذلك وصرح فيه بالتحديث عن بن عباس ولفظه عن أبي العالية حدثني بن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم يعني بن عباس قال أبو داود بعد ان أخرجه عن حفص بن عمر عن شعبة لم يسمع قتادة من أبي العالية الا ثلاثة أحاديث وفي موضع آخر أربعة أحاديث هذا أحدها قلت قد أخرجه مسلم من طريق محمد بن جعفر غندر عن شعبة عن قتادة سمعت أبا العالية وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد(1/436)
الرحمن بن مهدي عن شعبة ولم ار في شيء من الطرق عن شعبة فيه عن ربه ولا عن الله عز وجل وكذا تقدم في آخر تفسير النساء من حديث بن مسعود ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما ليس فيه عن ربه وحكى بن التين عن الداودي قال أكثر الروايات ليس فيها فيما يروي عن ربه فان كان هذا محفوظا فهو ممن سوى النبي صلى الله عليه وسلم وساق الكلام على ذلك كما مضى في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو وارد سواء كان في الرواية عن ربه أو لم يكن بخلاف ما يوهمه كلامه الحديث الخامس.
حديث أبي ذر
حدثنا علي بن محمد. حدثنا وكيع عن الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر؛ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يقول الله تبارك وتعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، وأزيد. ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها، أو أغفر. ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا. ومن تقرب مني ذراعا تقربت باعا. ومن أتاني يمشي أتيته هرولة. ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة، ثم لايشرك بي شيئا، لقيته بمثلها مغفرة)).
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
باب الحث على ذكر الله تعالى
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لِقُتَيْبَةَ). قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: أَنَا عِنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي. وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي. إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي. وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ. وَإِنْ تَقَرّبَ مِنّي شِبْراً، تَقَرّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً. وَإِنْ تَقَرّبَ إِلَيّ ذِرَاعاً، تَقَرّبْتُ مِنْهُ بَاعاً. وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".(1/437)
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "وَإِنْ تَقَرّبَ إِلَيّ ذِرَاعاً، تَقَرّبْتُ مِنْهُ بَاعاً".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: قَالَ: رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ قَالَ: إِذَا تَلَقّانِي عَبْدِي بِشِبْرٍ، تَلَقّيْتُهُ بِذِرَاعٍ. وَإِذَا تَلَقّانِي بِذِرَاعٍ، تَلَقّيْتُهُ بِبَاعٍ. وَإِذَا تَلَقّانِي بِبَاعٍ، جِئْتُهُ أَتَيْتُهُ بِأَسْرَعَ".(1/438)
قوله عز وجل: {أنا عند ظن عبدي بي} قال القاضي: قيل معناه بالغفران له إذا استغفر، والقبول إذا تاب، والإجابة إذا دعا، والكفاية إذا طلب الكفاية، وقيل: المراد به الرجاء وتأميل العفو وهذا أصح. قوله تعالى: "وأنا معه حين يذكرني" أي معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية. وأما قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} فمعناه بالعلم والإحاطة. قوله تعالى: "إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" قال المازري: النفس تطلق في اللغة على معان: منها الدم ومنها نفس الحيوان وهما مستحيلان في حق الله تعالى، ومنها الذات والله تعالى له ذات حقيقة وهو المراد بقوله تعالى في نفسي، ومنها الغيب وهو أحد الأقوال في قوله تعالى: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} أي ما في غيبي، فيجوز أن يكون أيضا مراد الحديث أي إذا ذكرني خاليا أثابه الله وجازاه عما عمل بما لا يطلع عليه أحد. قوله تعالى: "وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأهم خير منهم" هذا مما استدلت به المعتزلة ومن وافقهم على تفضيل الملائكة على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين واحتجوا أيضا بقوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً} فالتقييد بالكثير احتراز من الملائكة، ومذهب أصحابنا وغيرهم أن الأنبياء أفضل من الملائكة لقوله تعالى في بني إسرائيل: {وفضلناهم على العالمين} والملائكة من العالمين، ويتأول هذا الحديث على أن الذاكرين غالبا يكونون طائفة لا نبي فيهم، فإذا ذكره الله تعالى في خلائق من الملائكة كانوا خيرا من تلك الطائفة. قوله تعالى: "وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" هذا الحديث من أحاديث الصفات ويستحيل إرادة ظاهره، وقد سبق الكلام في أحاديث الصفات مرات ومعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة، وإن زاد زدت، فإن(1/439)
أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود، والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه. قوله تعالى في رواية محمد بن جعفر: "وإذا تلقاني بباع جئته أتيته" هكذا هو في أكثر النسخ جئته أتيته، وفي بعضها جئته بأسرع فقط، وفي بعضها أتيته، وهاتان ظاهرتان والأول صحيح أيضا والجمع بينهما للتوكيد وهو حسن لا سيما عند اختلاف اللفظ والله أعلم.
الجوهرة 35
حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان قال: حفظناه من أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة رواية، قال: (لله تسعة وتسعون اسماً، مائة إلا واحداً، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر).
... البخاري –كناب الدعوات-با ب:لله مائة اسم غير واحد
مسلم –كتاب الذكر-باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
- قوله حفظناه من أبي الزناد في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدثنا أبو الزناد وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه قوله رواية في رواية الحميدي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمسلم عن عمرو بن محمد الناقد عن سفيان بهذا السند عن النبي صلى الله عليه وسلم وللمصنف في التوحيد من رواية شعيب عن أبي الزناد بسنده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ووقع عند الدارقطني في غرائب مالك من رواية عبد الملك بن يحيى بن بكير عن أبيه عن بن وهب عن مالك بالسند المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل لي تسعة وتسعون اسما قلت وهذا الحديث رواه عن الأعرج أيضا موسى بن عقبة عند بن ماجة من رواية زهير بن محمد عنه وسرد الأسماء ورواه عن أبي الزناد أيضا شعيب بن أبي حمزة كما مضى في الشروط وهو ( حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:(1/440)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة). ) ويأتي في التوحيد (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة)).وأخرجه الترمذي من رواية الوليد بن مسلم عن شعيب وسرد الأسماء ومحمد بن عجلان عند أبي عوانة ومالك عند بن خزيمة والنسائي والدارقطني في غرائب مالك وقال صحيح عن مالك وليس في الموطأ قدر ما عند أبي نعيم في طرق الأسماء الحسنى وعبد الرحمن بن أبي الزناد عند الدارقطني وأبو عوانه ومحمد بن إسحاق عند أحمد وابن ماجة وموسى بن عقبة عند أبي نعيم من رواية حفص بن ميسرة عنه ورواه عن أبي هريرة أيضا همام بن منبه عند مسلم وأحمد ومحمد بن سيرين عند مسلم والترمذي والطبراني في الدعاء وجعفر الفريابي في الذكر وأبو رافع عند الترمذي وأبو سلمة بن عبد الرحمن عند أحمد وابن ماجة وعطاء بن يسار وسعيد المقبري وسعيد بن المسيب وعبد الله بن شقيق ومحمد بن جبير بن مطعم والحسن البصري أخرجها أبو نعيم بأسانيد عنهم كلها ضعيفة وعراك بن مالك عند البزار لكن شك فيه ورويناها في جزء المعالي وفي امالي الجرفي من طريقه بغير شك ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي هريرة سلمان الفارسي وابن عباس وابن عمر وعلي وكلها عند أبي نعيم أيضا بأسانيد ضعيفة وحديث علي في طبقات الصوفية لأبي عبد الرحمن السلمي وحديث بن عباس وابن عمر معا في الجزء الثالث عشر من امالي أبي القاسم بن بشران وفي فوائد أبي عمر بن حيويه انتقاء الدارقطني هذا جميع ما وقفت عليه من طرقه وقد اطلق بن عطية في تفسيره انه تواتر عن أبي هريرة فقال في سرد الأسماء نظر فان بعضها ليس في القرآن ولا في الحديث الصحيح ولم يتواتر الحديث من أصله وان خرج في الصحيح ولكنه تواتر عن أبي هريرة كذا قال ولم يتواتر عن أبي هريرة أيضا بل غاية امره ان يكون مشهورا ولم يقع في شيء من طرقه سرد الأسماء الا في رواية الوليد(1/441)
بن مسلم عند الترمذي وفي رواية زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عند بن ماجة وهذان الطريقان يرجعان الى رواية الأعرج وفيهما اختلاف شديد في سرد الأسماء والزيادة والنقص على ما سأشير اليه ووقع سرد الأسماء أيضا في طريق ثالثة أخرجها الحاكم في المستدرك وجعفر الفريابي في الذكر من طريق عبد العزيز بن الحصين عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة واختلف العلماء في سرد الأسماء هل هو مرفوع أو مدرج في الخبر من بعض الرواة فمشى كثير منهم على الأول واستدلوا به على جواز تسمية الله تعالى بما لم يرد في القرآن بصيغة الاسم لان كثيرا من هذه الأسماء كذلك وذهب اخرون الى ان التعيين مدرج لخلو أكثر الروايات عنه ونقله عبد العزيز النخشبي عن كثير من العلماء قال الحاكم بعد تخريج الحديث من طريق صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بسياق الأسماء الحسنى والعلة فيه عندهما تفرد الوليد بن مسلم قال ولا أعلم خلافا عند أهل الحديث أن الوليد أوثق وأحفظ وأجل وأعلم من بشر بن شعيب وعلي بن عياش وغيرهما من أصحاب شعيب يشير الى ان بشرا وعليا وأبا اليمان رووه عن شعيب بدون سياق الأسماء فرواية أبي اليمان عند المصنف ورواية علي عند النسائي ورواية بشر عند البيهقي وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط بل الاختلاف فيه والاضطراب وتدليسه واحتمال الادراج قال البيهقي يحتمل أن يكون التعيين وقع من بعض الرواة في الطريقين معا ولهذا وقع الاختلاف الشديد بينهما ولهذا الاحتمال ترك الشيخان تخريج التعيين وقال الترمذي بعد ان أخرجه من طريق الوليد هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان ولا نعرفه الا من حديث صفوان وهو ثقة وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة ولانعلم في شيء من الروايات ذكر الأسماء الا في هذه الطريق وقد روى بإسناد اخر عن أبي هريرة فيه ذكر الأسماء وليس له إسناد صحيح انتهى ولم ينفرد به صفوان فقد أخرجه البيهقي من(1/442)
طريق موسى بن أيوب النصيبي وهو ثقة عن الوليد أيضا وقد اختلف في سنده على الوليد فأخرجه عثمان الدرامي في النقض على المريسي عن هشام بن عمار عن الوليد فقال عن خليد بن دعلج عن قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فذكره بدون التعيين قال الوليد وحدثنا سعيد بن عبد العزيز مثل ذلك وقال كلها في القرآن هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وسرد الأسماء وأخرجه أبو الشيخ بن حبان من رواية أبي عامر القرشي عن الوليد بن مسلم بسند اخر فقال حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة قال زهير فبلغنا ان غير واحد من أهل العلم قال ان أولها ان تفتتح بلا اله الا الله وسرد الأسماء وهذه الطريق أخرجها ا بن ماجة وابن أبي عاصم والحاكم من طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد لكن سرد الأسماء اولا فقال بعد قوله من حفظها دخل الجنة الله الواحد الصمد الخ ثم قال بعد ان انتهى العد قال زهير فبلغنا عن غير واحد من أهل العلم ان أولها يفتتح بلا اله الا الله له الأسماء الحسنى قلت والوليد بن مسلم أوثق من عبد الملك بن محمد الصنعاني ورواية الوليد تشعر بأن التعيين مدرج وقد تكرر في رواية الوليد عن زهير ثلاثة أسماء وهي الأحد الصمد الهادي ووقع بدلها في رواية عبد الملك المقسط القادر الوالي وعند الوليد أيضا الوالي الرشيد وعند عبد الملك الوالي الراشد وعند الوليد العادل المنير وعند عبد الملك الفاطر القاهر واتفقا في البقية واما رواية الوليد عن شعيب وهي أقرب الطرق الى الصحة وعليها عول غالب من شرح الأسماء الحسنى فسياقها عند الترمذي هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق الباريء المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي(1/443)
الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبديء المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالى البر التواب المنتقم العفو الرءوف مالك الملك ذو الجلال والاكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور وقد أخرجه الطبراني عن أبي زرعة الدمشقي عن صفوان بن صالح فخالف في عدة أسماء فقال القائم الدائم بدل القابض الباسط و الشديد بدل الرشيد والاعلى المحيط مالك يوم الدين بدل الودود المجيد الحكيم ووقع عند بن حبان عن الحسن بن سفيان عن صفوان الرافع بدل المانع ووقع في صحيح ا بن خزيمة في رواية صفوان أيضا مخالفة في بعض الأسماء قال الحاكم بدل الحكيم والقريب بدل الرقيب و المولى بدل الوالي والأحد بدل المغني ووقع في رواية البيهقي وابن منده من طريق موسى بن أيوب عن الوليد المغيث بالمعجمة والمثلثة بدل المقيت بالقاف والمثناة ووقع بين رواية زهير وصفوان المخالفة في ثلاثة وعشرين اسما فليس في رواية زهير الفتاح القهار الحكم العدل الحسيب الجليل المحصي المقتدر المقدم المؤخر البر المنتقم المغني النافع الصبور البديع الغفار الحفيظ الكبير الواسع الأحد مالك الملك ذو الجلال والاكرام وذكر بدلها الرب الفرد الكافي القاهر المبين بالموحدة الصادق الجميل البادي بالدال القديم البار بتشديد الراء الوفي البرهان الشديد الواقي بالقاف القدير الحافظ العادل المعطي العالم الأحد الابد الوتر ذو القوة ووقع في رواية عبد العزيز بن الحصين اختلاف اخر فسقط فيها ما في رواية صفوان من القهار الى تمام خمسة عشر اسما على الولاء وسقط منها أيضا القوي الحليم الماجد القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل(1/444)
المقسط الجامع الضار النافع الوالي الرب فوقع فيها مما في رواية موسى بن عقبة المذكورة انفا ثمانية عشر اسما على الولاء وفيها ايضا الحنان المنان الجليل الكفيل المحيط القادر الرفيع الشاكر الاكرم الفاطر الخلاق الفاتح المثيب بالمثلثة ثم الموحدة العلام المولى النصير ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الإله المدبر بتشديد الموحدة قال الحاكم انما أخرجت رواية عبد العزيز بن الحصين شاهدا لرواية الوليد عن شعبة لان الأسماء التي زادها على الوليد كلها في القرآن كذا قال وليس كذلك وانما تؤخذ من القرآن بضرب من التكلف لا ان جميعها ورد فيه بصورة الأسماء وقد قال الغزالي في شرح الأسماء له لا اعرف أحدا من العلماء عني بطلب أسماء وجمعها سوى رجل من حفاظ المغرب يقال له علي بن حزم فإنه قال صح عندي قريب من ثمانين اسما يشتمل عليها كتاب الله والصحاح من الاخبار فلتطلب البقية من الاخبار الصحيحة قال الغزالي وأظنه لم يبلغه الحديث يعني الذي أخرجه الترمذي أو بلغه فاستضعف إسناده قلت الثاني هو مراد فإنه ذكر نحو ذلك في المحلى ثم قال والأحاديث الواردة في سرد الأسماء ضعيفة لا يصح شيء منها أصلا وجميع ما تتبعته من القرآن ثمانية وستون اسما فإنه اقتصر على ما ورد فيه بصورة الاسم لا ما يؤخذ من الاشتقاق كالباقي من قوله تعالى ويبقى وجه ربك ولا ما ورد مضافا كالبديع من قوله تعالى بديع السماوات والأرض وسأبين الأسماء التي اقتصر عليها قريبا وقد استضعف الحديث أيضا جماعة فقال الداودي لم يثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم عين الأسماء المذكورة وقال بن العربي يحتمل ان تكون الأسماء تكملة الحديث المرفوع ويحتمل ان تكون من جمع بعض الرواة وهو الأظهر عندي وقال أبو الحسن القابسي أسماء الله وصفاته لا تعلم الا بالتوقيف من الكتاب أو السنة أو الإجماع ولا يدخل فيها القياس ولم يقع في الكتاب ذكر عدد معين وثبت في السنة انها تسعة وتسعون فأخرج بعض الناس من(1/445)
الكتاب تسعة وتسعين اسما والله اعلم بما أخرج من ذلك لان بعضها ليست أسماء يعني صريحه ونقل الفخر الرازي عن أبي زيد البلخي انه طعن في حديث الباب فقال اما الرواية التي لم يسرد فيها الأسماء وهي التي اتفقوا على انها أقوى من الرواية التي سردت فيها الأسماء فضعيفة من جهة ان الشارع ذكر هذاالعدد الخاص ويقول ان من احصاه دخل الجنة ثم لا يسأله السامعون عن تفصيلها وقد علمت شدة رغبة الخلق في تحصيل هذا المقصود فيمتنع ان لا يطالبوه بذلك ولو طالبوه لبينها لهم ولو بينها لما اغفلوه ولنقل ذلك عنهم واما الرواية التي سردت فيها الأسماء فيدل على ضعفها عدم تناسبها في السياق ولا في التوقيف ولا في الاشتقاق لأنه ان كان المراد الأسماء فقط فغالبها صفات وان كان المراد الصفات فالصفات غير متناهية وأجاب الفخر الرازي عن الأول بجواز ان يكون المراد من عدم تفسيرها ان يستمروا على المواظبة بالدعاء بجميع ما ورد من الأسماء رجاء ان يقعوا على تلك الأسماء المخصوصة كما ابهمت ساعة الجمعة وليلة القدر والصلاة الوسطى وعن الثاني بأن سردها انما وقع بحسب التتبع والاستقراء على الراجح فلم يحصل الاعتناء بالتناسب وبأن المراد من احصى هذه الأسماء دخل الجنة بحسب ما وقع الاختلاف في تفسير المراد بالإحصاء فلم يكن القصد حصر الأسماء انتهى وإذا تقرر رجحان ان سرد الأسماء ليس مرفوعا فقد اعتنى جماعة بتتبعها من القرآن من غير تقييد بعدد فروينا في كتاب المائتين لأبي عثمان الصابوني بسنده الى محمد بن يحيى الذهلي انه استخرج الأسماء من القرآن وكذا اخرج أبو نعيم عن الطبراني عن أحمد بن عمرو الخلال عن بن أبي عمرو حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين سألت أبا جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء الحسنى فقال هي في القرآن وروينا في فوائد تمام من طريق أبي الطاهر بن السرح عن حبان بن نافع عن سفيان بن عيينة الحديث يعني حديث ان لله تسعة وتسعين اسما قال فوعدنا(1/446)
سفيان ان يخرجها لنا من القرآن فأبطأ فأتينا أبا زيد فأخرجها لنا فعرضناها على سفيان فنظر فيها أربع مرات وقال نعم هي هذه وهذا سياق ما ذكره جعفر وأبو زيد قالا ففي الفاتحة خمسة الله رب الرحمن الرحيم مالك وفي البقرة محيط قدير عليم حكيم علي عظيم تواب بصير ولي واسع كاف رءوف بديع شاكر واحد سميع قابض باسط حي قيوم غني حميد غفور حليم وزاد جعفر اله قريب مجيب عزيز نصير قوي شديد سريع خبير قالا وفي آل عمران وهاب قائم زاد جعفر الصادق باعث منعم متفضل وفي النساء رقيب حسيب شهيد مقيت وكيل زاد جعفر علي كبير وزاد سفيان عفو وفي الانعام فاطر قاهر زاد جعفر مميت غفور برهان وزاد سفيان لطيف خبير قادر وفي الأعراف محيي مميت وفي الانفال نعم المولى ونعم النصير وفي هود حفيظ مجيد ودود فعال لما يريد زاد سفيان قريب مجيب وفي الرعد كبير متعال وفي إبراهيم منان زاد جعفر صادق وارث وفي الحجر خلاق وفي مريم صادق وارث زاد جعفر فرد وفي طه عند جعفر وحده غفار وفي المؤمنين كريم وفي النور حق مبين زاد سفيان نور وفي الفرقان هاد وفي سبأ فتاح وفي الزمر عالم عند جعفر وحده وفي المؤمن غافر قابل ذو الطول زاد سفيان شديد وزاد جعفر رفيع وفي الذاريات رزاق ذو القوة المتين بالتاء وفي الطور بر وفي اقتربت مقتدر زاد جعفر مليك وفي الرحمن ذو الجلال والاكرام زاد جعفر رب المشرقين ورب المغربين باقي معين وفي الحديد أول اخر ظاهر باطن وفي الحشر قدوس سلام مؤمن مهيمن عزيز جبار متكبر خالق باريء مصور زاد جعفر ملك وفي البروج مبديء معيد وفي الفجر وتر عند جعفر وحده وفي الإخلاص أحد صمد هذا آخر ما رويناه عن جعفر وأبي زيد وتقرير سفيان من تتبع الأسماء من القرآن وفيها اختلاف شديد وتكرار وعدة أسماء لم ترد بلفظ الاسم وهي صادق منعم متفضل منان مبديء معيد باعث قابض باسط برهان معين مميت باقي ووقفت في كتاب المقصد الأسني لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الزاهد انه تتبع(1/447)
الأسماء من القرآن فتأمله فوجدته كرر أسماء وذكر مما لم أره فيه بصيغة الاسم الصادق والكاشف والعلام وذكر من المضاف الفالق من قوله فالق الحب والنوى وكان يلزمه ان يذكر القابل من قوله قابل التوب وقد تتبعت ما بقي من الأسماء مما ورد في القرآن بصيغة الاسم مما لم يذكر في رواية الترمذيي وهي " ا لرب الإله المحيط القدير الكافي الشاكر الشديد القائم الحاكم الفاطر الغافر القاهر المولى النصير الغالب الخالق الرفيع المليك الكفيل الخلاق الاكرم الأعلى المبين بالموحدة الحفي بالحاء المهملة والفاء القريب الأحد الحافظ فهذه سبعة وعشرون اسما إذا انضمت الأسماء التي وقعت في رواية الترمذي مما وقعت في القرآن بصيغة الاسم تكمل بها التسعة والتسعون وكلها في القرآن لكن بعضها بإضافة كالشديد من شديد العقاب والرفيع من رفيع الدرجات والقائم من قوله قائم على كل نفس بما كسبت والفاطر من فاطر السماوات القاهر من وهو القاهر فوق عباده والمولى والنصير من نعم المولى ونعم النصير والعالم من عالم الغيب والخالق من قوله خالق كل شيء والغافر من غافر الذنب والغالب من والله غالب على امره والرفيع من رفيع الدرجات والحافظ من قوله فالله خير حافظا ومن قوله وانا له لحافظون وقد وقع نحو ذلك من الأسماء التي في رواية الترمذي وهي المحي من قوله لمحيي الموتى والمالك من قوله مالك الملك والنور من قوله نور السماوات والأرض والبديع من قوله بديع السماوات والارض والجامع من قوله جامع الناس والحكم من قوله افغير الله ابتغى حكما والوارث من قوله ونحن الوارثون والأسماء التي تقابل هذه مما وقع في رواية الترمذي مما لم تقع في القرآن بصيغة الاسم وهي سبعة وعشرون اسما القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل العدل الجليل الباعث المحصي المبديء المعيد المميت الواجد الماجد المقدم المؤخر الوالي ذو الجلال والاكرام المقسط المغني المانع الضار النافع الباقي الرشيد الصبور(1/448)
فإذا اقتصر من رواية الترمذي على ما عدا هذه الأسماء وأبدلت بالسبعة والعشرين التي ذكرتها خرج من ذلك تسعة وتسعون اسما وكلها في القرآن واردة بصيغة الاسم ومواضعها كلها ظاهرة من القرآن الا قوله الحفي فإنه في سورة مريم في قول إبراهيم سأستغفر لك ربي انه كان بي حفيا وقل من نبه على ذلك ولا يبقى بعد ذلك الا النظر في الأسماء المشتقة من صفة واحدة مثل القدير والمقتدر والقادر والغفور والغفار والغافر والعلي والاعلى والمتعال والملك والمليك والمالك والكريم والاكرم والقاهر والقهار والخالق والخلاق والشاكر والشكور والعالم والعليم فاما ان يقال لا يمنع ذلك من عدها فان فيها التغاير في الجملة فإن بعضها يزيد بخصوصية على الاخر ليست فيه وقد وقع الاتفاق على ان الرحمن الرحيم اسمان مع كونهما مشتقين من صفة واحدة ولو منع من عد ذلك للزم ان لا يعد ما يشترك الاسمان فيه مثلا من حيث المعنى مثل الخالق الباريء المصور لكنها عدت لأنها ولو اشتركت في معنى الايجاد والاختراع فهي مغايره من جهة أخرى وهي ان الخالق يفيد القدرة على الايجاد والباريء يفيد الموجد لجوهر المخلوق المصور يفيد خالق الصورة في تلك الذات المخلوقة وإذا كان ذلك لا يمنع المغايرة لم يمتنع عدها أسماء مع ورودها والعلم عند الله تعالى وهذا سردها لتحفظ ولو كان في ذلك اعادة لكنه يغتفر لهذا القصد هوالله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق الباريء المصور الغفار القهار التواب الوهاب الخلاق الرزاق الفتاح العليم الحليم العظيم الواسع الحكيم الحي القيوم السميع البصير اللطيف الخبير العلي الكبير المحيط القدير المولى النصير الكريم الرقيب القريب المجيب الوكيل الحسيب الحفيظ المقيت الودود المجيد الوارث الشهيد الولي الحميد الحق المبين القوي المتين الغني المالك الشديد القادر المتقدر القاهر الكافي الشاكر المستعان الفاطر البديع الغافر(1/449)
الأول الاخر الظاهر الباطن الكفيل الغالب الحكم العالم الرفيع الحافظ المنتقم القائم المحيي الجامع المليك المتعالى النور الهادي الغفور الشكور العفو الرءوف الاكرم الأعلى البر الحفي الرب الإله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد قوله لله تسعة وتسعون في رواية الحميدي ان لله تسعة وتسعين وكذا في رواية شعيب قوله اسما كذا في معظم الروايت بالنصب على التمييز وحكى السهيلي انه روى بالجر وخرجه على لغة من يجعل الاعراب في النون ويلزم الجمع الياء فيقول كم سنينك برفع النون وعددت سنينك بالنصب وكم مر من سنينك بكسر النون ومنه قول الشاعر وقد جاوزت حد الأربعين بكسر النون فعلامة النصب في الرواية فتح النون وحذف التنوين لاجل الإضافة وقوله مائة بالرفع والنصب على البدل في الروايتين قوله الا واحدة قال بن بطال كذا وقع هنا ولا يجوز في العربية قال ووقع في رواية شعيب في الاعتصام الا واحدا بالتذكير وهو الصواب كذا قال وليست الرواية المذكورة في الاعتصام بل في التوحيد وليست الرواية التي هنا خطأ بل وجهوها وقد وقع في رواية الحميدي هنا مائة غير واحد بالتذكير أيضا وخرج التأنيث على إرادة التسمية وقال السهيلي بل انث الاسم لأنه كلمة واحتج بقول سيبويه الكلمة اسم أو فعل أو حرف فسمي الاسم كلمة وقال بن مالك انث باعتبار معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة وقال جماعة من العلماء الحكمة في قوله مائة غير واحد بعد قوله تسعة وتسعون ان يتقرر ذلك في نفس السامع جمعا بين جهتي الإجمال والتفصيل أو دفعا للتصحيف الخطي والسمعي واستدل به على صحة استثناء القليل من الكثير وهو متفق عليه وأبعد من استدل به على جواز الاستثناء مطلقا حتى يدخل استثناء الكثير حتى لا يبقى الا القليل وأغرب الداودي فيما حكاه عنه بن التين فنقل الاتفاق على الجواز وان من أقر ثم استثنى عمل باستنثائه حتى لو قال له علي الف الا تسعمائة وتسعة وتسعين انه(1/450)
لا يلزمه الا واحد وتعقبه بن التين فقال ذهب الى هذا في الإقرار جماعة وأما نقل الاتفاق فمردود فالخلاف ثابت حتى في مذهب مالك وقد قال أبو الحسن اللخمي منهم لو قال أنت طالق ثلاثا الاثنتين وقع عليه ثلاث ونقل عبد الوهاب وغيره عن عبد الملك وغيره انه لا يصح استثناء الكثير من القليل ومن لطيف ادلتهم ان من قال صمت الشهر الا تسعا وعشرين يوما يستهجن لأنه لم يصم الا يوما واليوم لا يسمى شهرا وكذا من قال لقيت القوم جميعا الا بعضهم ويكون ما لقي الا واحدا قلت والمسألة مشهورة فلا يحتاج الى الاطالة فيها وقد اختلف في هذا العدد هل المراد به حصر الأسماء الحسنى في هذه العدة أو انها أكثر من ذلك ولكن اختصت هذه بأن من أحصاها دخل الجنة فذهب الجمهور الى الثاني ونقل النووي اتفاق العلماء عليه فقال ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى وليس معناه انه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين وانما مقصود الحديث ان هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة فالمراد الاخبار عن دخول الجنة باحصائها لا الاخبار بحصر الأسماء ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بن مسعود الذي أخرجه أحمد وصححه بن حبان أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو انزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك وعند مالك عن كعب الأحبار في دعاء وأسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم اعلم وأورد الطبري عن قتادة نحوه ومن حديث عائشة انها دعت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك وسيأتي في الكلام على الاسم الأعظم وقال الخطابي في هذا الحديث اثبات هذه الأسماء المخصوصة بهذا العدد وليس فيه منع ما عداها من الزيادة وانما التخصيص لكونها أكثر الأسماء وأبينها معاني وخبر المبتدأ في الحديث هو قوله من أحصاها لا قوله لله وهو كقولك لزيد الف درهم أعدها للصدقة أو لعمرو مائة ثوب من زاره البسه إياها وقال القرطبي في المفهم نحو ذلك ونقل بن بطال عن القاضي أبي(1/451)
بكر بن الطيب قال أليس في الحديث دليل على انه ليس لله من الأسماء الا هذه العدة وانما معنى الحديث ان من أحصاها دخل الجنة ويدل على عدم الحصر ان أكثرها صفات وصفات الله لا تتناهى وقيل ان المراد الدعاء بهذه الأسماء لان الحديث مبني على قوله ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها فذكر النبي صلى الله عليه وسلم انها تسعة وتسعون فيدعى بها ولا يدعى بغيرها حكاه بن بطال عن المهلب وفيه نظر لأنه ثبت في أخبار صحيحة الدعاء بكثير من الأسماء التي لم ترد في القرآن كما في حديث بن عباس في قيام الليل أنت المقدم وأنت المؤخر وغير ذلك وقال الفخر الرازي لما كانت الأسماء من الصفات وهي اما ثبوتية حقيقية كالحي أو اضافية كالعظيم واما سلبية كالقدوس واما من حقيقية واضافية كالقدير أو من سلبيه اضافية كالأول والاخر واما من حقيقية واضافية سلبية كالملك والسلوب غير متناهية لأنه عالم بلا نهاية قادر على مالا نهاية له فلا يمتنع ان يكون له من ذلك اسم فيلزم ان لا نهاية لأسمائه وحكى القاضي أبو بكر بن العربي عن بعضهم ان لله الف اسم قال بن العربي وهذا قليل فيها ونقل الفخر الرازي عن بعضهم ان لله أربعة آلاف اسم استأثر بعلم الف منها واعلم الملائكة بالبقية والأنبياء بألفين منها وسائر الناس بألف وهذه دعوى تحتاج الى دليل واستدل بعضهم لهذا القول بأنه ثبت في نفس حديث الباب انه وتر يحب الوتر والرواية التي سردت فيها الأسماء لم يعد فيها الوتر فدل على ان له اسما آخر غير التسعة والتسعين وتعقبه من ذهب الى الحصر في التسعة والتسعين كابن حزم بأن الخبر الوارد لم يثبت رفعه وانما هو مدرج كما تقدمت الإشارة اليه واستدل أيضا على عدم الحصر بأنه مفهوم عدد وهو ضعيف وابن حزم ممن ذهب الى الحصر في العدد المذكور وهو لا يقول بالمفهوم أصلا ولكنه احتج بالتأكيد في قوله صلى الله عليه وسلم مائة الا واحدا قال لأنه لو جاز ان يكون له اسم زائد على العدد المذكور لزم(1/452)
ان يكون له مائة اسم فيبطل قوله مائة الا واحدا وهذا الذي قاله ليس بحجة على ما تقدم لان الحصر المذكور عندهم باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها فمن ادعى على ان الوعد وقع لمن احصى زائدا على ذلك أخطأ ولا يلزم من ذلك ان لا يكون هناك اسم زائد واحتج بقوله تعالى{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه} وقد قال أهل التفسير من الإلحاد في أسمائه تسميته بما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة وقد ذكر منها في اخر سورة الحشر عدة وختم ذلك بأن قال له الأسماء الحسنى قال وما يتخيل من الزيادة في العدة المذكور لعله مكرر معنى وان تغاير لفظا كالغافر والغفار والغفور مثلا فيكون المعدود من ذلك واحدا فقط فإذا اعتبر ذلك وجمعت الأسماء الواردة نصا في القرآن وفي الصحيح من الحديث لم تزد على العدد المذكور وقال غيره المراد بالأسماء الحسنى في قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ما جاء في الحديث ان لله تسعة وتسعين اسما فان ثبت الخبرالوارد في تعيينها وجب المصير اليه ولا فليتتبع من الكتاب العزيز والسنة الصحيحة فان التعريف في الأسماء للعهد فلا بد من المعهود فإنه أمر بالدعاء بها ونهى عن الدعاء بغيرها فلا بد من وجود المأمور به قلت والحوالة على الكتاب العزيز أقرب وقد حصل بحمد الله تتبعها كما قدمته وبقي ان يعمد الى ما تكرر لفظا ومعنى من القرآن فيقتصر عليه ويتتبع من الأحاديث الصحيحة تكملة العدة المذكورة فهو نمط اخر من التتبع عسى الله ان يعين عليه بحوله وقوته آمين فصل واما الحكمة في القصر على العدد المخصوص فذكر الفخر الرازي عن الأكثر انه تعبد لا يعقل معناه كما قيل في عدد الصلوات وغيرها ونقل عن أبي خلف محمد بن عبد الملك الطبري السلمي قال انما خص هذا العدد إشارة الى ان الأسماء لا تؤخذ قياسا وقيل الحكمة فيه ان معاني الأسماء ولو كانت كثيرة جدا موجودة في التسعة والتسعين المذكورة وقيل الحكمة فيه ان(1/453)
العدد زوج وفرد والفرد أفضل من الزوج ومنتهى الافراد من غير تكرار تسعة وتسعون لان مائة وواحدا يتكرر فيه الواحد وانما كان الفرد أفضل من الزوج لان الوتر أفضل من الشفع لان الوتر من صفة الخالق والشفع من صفة المخلوق والشفع يحتاج للوتر من غير عكس وقيل الكمال في العدد حاصل في المائة لان الاعداد ثلاثة اجناس احاد وعشرات ومئات والالف مبتدأ لاحاد اخر فأسماء الله مائة استأثر الله منها بواحد وهو الاسم الأعظم فلم يطلع عليه أحدا فكأنه قيل مائة لكن واحد منها عند الله وقال غيره ليس الاسم الذي يكمل المائة مخفيا بل هو الجلالة وممن جزم بذلك السهيلي فقال الأسماء الحسنى مائة على عدد درجات الجنة والذي يكمل المائة الله ويؤيده قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها فالتسعة والتسعون لله فهي زائدة عليه وبه تكمل المائة واستدل بهذا الحديث على ان الاسم هو المسمى حكاه أبو القاسم القشيري في شرح أسماء الله الحسنى فقال في هذا الحديث دليل على ان الاسم هو المسمى إذ لو كان غيره كانت الأسماء غيره لقوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ثم قال والمخلص من ذلك ان المراد بالاسم هنا التسمية وقال الفخر الرازي المشهور من قول أصحابنا ان الاسم نفس المسمى وغير التسمية وعند المعتزلة الاسم نفس التسمية وغير المسمى واختار الغزالي ان الثلاثة أمور متباينة وهو الحق عندي لان الأصم ان كان عبارة عن اللفظ الدال على الشيء بالوضع وكان المسمى عبارة عن نفس ذلك الشيء المسمى فالعلم الضروري حاصل بان الاسم غير المسمى وهذا مما لا يمكن وقوع النزاع فيه وقال أبو العباس القرطبي في المفهم الاسم في العرف العام هو الكلمة الدالة على شيء مفرد وبهذا الاعتبار لا فرق بين الاسم والفعل والحرف إذ كل واحد منها يصدق عليه ذلك وانما التفرقة بينها باصطلاح النحاة وليس ذلك من غرض المبحث هنا وإذا تقرر هذا عرف غلط من قال ان الاسم هو المسمى حقيقة كما زعم بعض(1/454)
الجهلة فألزم ان من قال نار احترق فلم يقدر على التخلص من ذلك وأما النحاة فمرادهم بان الاسم هو المسمى أنه من حيث أنه لا يدل الا عليه ولا يقصد الا هو فإن كان ذلك الاسم من أسماء الدالة على ذات المسمى دل عليها من غير مزيد أمر اخر وان كان من الأسماء الدالة على معنى زائد دل على ان تلك الذات منسوبة الى ذلك الزائد خاصة دون غيره وبيان ذلك انك إذا قلت زيد مثلا فهو يدل على ذات متشخصه في الوجود من غير زيادة ولا نقصان فان قلت العالم دل على ان تلك الذات منسوبة للعلم ومن هذا صح عقلا ان تتكثر الأسماء المختلفة على ذات واحدة ولا توجب تعددا فيها ولا تكثيرا قال وقد خفي هذا على بعضهم ففر منه هربا من لزوم تعدد في ذات الله تعالى فقال ان المراد بالاسم التسمية ورأى ان هذا يخلصه من التكثر وهذا فرار من غير مفر الى مفر وذلك ان التسمية انما هي وضع الاسم وذكر الاسم فهي نسبة الاسم الى مسماه فإذا قلنا لفلان تسميتان اقتضى ان له اسمين ننسبهما اليه فبقي الالزام على حاله من ارتكاب التعسف ثم قال القرطبي وقد يقال الاسم هو المسمى على إرادة ان هذه الكلمة التي هي الاسم تطلق ويراد بها المسمى كما قيل ذلك في قوله تعالى {سبح اسم ربك الأعلى} أي سبح ربك فأريد بالاسم المسمى وقال غيره التحقيق في ذلك انك إذا سميت شيئا باسم فالنظر في ثلاثة أشياء ذلك الاسم وهو اللفظ ومعناه قبل التسمية ومعناه بعدها وهو الذات التي اطلق عليها اللفظ والذات واللفظ متغايران قطعا والنحاة انما يطلقونه على اللفظ لأنهم انما يتكلمون في الألفاظ وهو غير مسمى قطعا والذات هي المسمى قطعا وليست هي الاسم قطعا والخلاف في الأمر الثالث وهو معنى اللفظ قبل التلقيب فالمتكلمون يطلقون الاسم عليه ثم يختلفون في انه الثالث أو لا فالخلاف حينئذ انما هو في الاسم المعنوي هل هو المسمى اولا لا في الاسم اللفظي والنحوي لا يطلق الاسم على غير اللفظ لأنه محط صناعته والمتكلم لا(1/455)
ينازعه في ذلك ولا يمنع إطلاق اسم المدلول على الدال وانما يزيد عليه شيئا اخر دعاه الى تحقيقه ذكر الأسماء والصفات واطلاقها على الله تعالى قال ومثال ذلك انك إذا قلت جعفر لقبه انف الناقة فالنحوي يريد باللقب لفظ انف الناقة والمتكلم يريد معناه وهو ما يفهم منه من مدح أو ذم ولا يمنع ذلك قول النحوي اللقب لفظ يشعر بضعه أو رفعة لان اللفظ يشعر بذلك لدلالته على المعنى والمعنى في الحقيقة هو المقتضي للضمة والرفعة وذات جعفر هي الملقبة عند الفريقين وبهذا يظهر ان الخلاف في ان الاسم هو المسمى أو غير المسمى خاص بأسماء الاعلام المشتقة ثم قال القرطبي فأسماء الله وان تعددت فلا تعدد في ذاته ولا تركيب لا محسوسا كالجسميات ولا عقليا كالمحدودات وانما تعددت الأسماء بحسب الاعتبارات الزائدة على الذات ثم هي من جهة دلالتها على أربعة اضرب الأول ما يدل على الذات مجردة كالجلالة فإنه يدل عليه دلالة مطلقة غير مقيدة وبه يعرف جميع أسمائه فيقال الرحمن مثلا من أسماء الله ولا يقال الله من أسماء الرحمن ولهذا كان الأصح انه اسم علم غير مشتق وليس بصفة الثاني ما يدل على الصفات الثابتة للذات كالعليم والقدير والسميع والبصير الثالث ما يدل على إضافة أمر ما اليه كالخالق والرازق الرابع ما يدل على سلب شيء عنه كالعلي والقدوس وهذه الأقسام الأربعة منحصرة في النفي والاثبات واختلف في الأسماء الحسنى هل هي توقيفية بمعنى انه لا يجوز لاحد ان يشتق من الأفعال الثابتة لله أسماء الا إذا ورد نص اما في الكتاب أو السنة فقال الفخر المشهور عن أصحابنا انها توقيفية وقالت المعتزلة والكرامية إذا دل العقل على ان معنى اللفظ ثابت في حق الله جاز إطلاقه على الله وقال القاضي أبو بكر والغزالي الأسماء توقيفية دون الصفات قال وهذا هو المختار واحتج الغزالي بالاتفاق على انه لا يجوز لنا ان نسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم لم يسمه به أبوه ولا سمى به نفسه(1/456)
وكذا كل كبير من الخلق قال فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولى واتفقوا على انه لا يجوز ان يطلق عليه اسم ولا صفة توهم نقصا ولو ورد ذلك نصا فلا يقال ماهد ولا زارع ولا فالق ولا نحو ذلك وان ثبت في قوله {فنعم الماهدون} - { أم نحن الزارعون} -{فالق الحب والنوى }ونحوها ولا يقال له ماكر ولا بناء وان ورد ومكر الله والسماء بنيناها وقال أبو القاسم القشيري الأسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة والإجماع فكل اسم ورد فيها وجب إطلاقه في وصفه وما لم يرد لا يجوز ولو صح معناه وقال أبو إسحاق الزجاج لا يجوز لاحد ان يدعو الله بما لم يصف به نفسه والضابط ان كل ما اذن الشرع ان يدعى به سواء كان مشتقا أو غير مشتق فهو من أسمائه وكل ما جاز ان ينسب اليه سواء كان مما يدخله التأويل اولا فهو من صفاته ويطلق عليه اسما أيضا قال الحليمي الأسماء الحسنى تنقسم الى العقائد الخمس الأولى اثبات الباري ردا على المعطلين وهي الحي والباقي والوارث وما في معناها والثانية توحيده ردا على المشركين وهي الكافي والعلي والقادر ونحوها والثالثة تنزيهه ردا على المشبهة وهي القدوس والمجيد والمحيط وغيرها والرابعة اعتقاد ان كل موجود من اختراعه ردا على القول بالعلة والمعلول وهي الخالق والباريء والمصور والقوي وما يلحق بها والخامسة انه مدبر لما اخترع ومصرفه على ما شاء وهو القيوم والعليم والحكيم وشبهها وقال أبو العباس بن معد من الأسماء ما يدل على الذات عينا وهو الله وعلى الذات مع سلب كالقدوس والسلام ومع إضافة كالعلي العظيم ومع سلب واضافة كالملك والعزيز ومنها ما يرجع الى صفة كالعليم والقدير ومع إضافة كالحليم والخبير أو الى القدرة مع إضافة كالقهار والى الإرادة مع فعل واضافة كالرحمن الرحيم وما يرجع الى صفة فعل كالخالق والباريء ومع دلالة على الفعل كالكريم واللطيف قال فالاسماء كلها لا تخرج عن هذه العشرة وليس فيها شيء مترادف إذ(1/457)
لكل اسم خصوصية ما وان اتفق بعضها مع بعض في أصل المعنى انتهى كلامه ثم وقفت عليه منتزعا من كلام الفخر الرازي في شرح الأسماء الحسنى وقال الفخر أيضا الألفاظ الدالة على الصفات ثلاثة ثابتة في حق الله قطعا وممتنعة قطعا وثابتة لكن مقرونة بكيفية فالقسم الأول منه ما يجوز ذكره مفردا ومضافا وهو كثير جدا كالقادر والقاهر ومنه ما يجوز مفردا ولا يجوز مضافا الا بشرط كالخالق فيجوز خالق ويجوز خالق كل شيء مثلا ولا يجوز خالق القردة ومنه عكسه يجوز مضافا ولا يجوز مفردا كالمنشيء يجوز منشىء الخلق ولا يجوز منشيء فقط والقسم الثاني ان ورد السمع بشيء منه .(1/458)
+ قوله تسعة وتسعين فعدل في الترجمة من البدل الى المبدل وهو فصيح ويستفاد منه زيادة توضيح ولأن ذكر العقد أعلى من ذكر الكسور وأول العقود العشرات وثانيها المائة فلما قاربت العدة أعطيت حكمها وجبر الكسر بقوله مائة ثم أريد التحقق في العدد فاستثنى ولو لم يستثن لكان استعمالا غريبا سائغا قوله قال بن عباس ذو الجلال العظمة في رواية الكشميهني العظيم وعلى الأول ففيه تفسير الجلال بالعظمة وعلى الثاني هو تفسير ذو الجلال قوله البر اللطيف هو تفسير بن عباس أيضا وقد تقدم الكلام عليه وبيان من وصله عنه في تفسير سورة الطور قوله اسما قيل معناه تسمية وحينئذ لا مفهوم لهذا العدد بل له أسماء كثيرة غير هذه قوله أحصيناه حفظناه تقدم الكلام عليه وعلى معنى الإحصاء وبيان الاختلاف فيه في كتاب الدعوات قال الأصيلي الإحصاء للاسماء العمل بها لا عدها وحفظها لأن ذلك قد يقع للكافر المنافق كما في حديث الخوارج يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم وقال بن بطال الإحصاء يقع بالقول ويقع بالعمل فالذي بالعمل أن لله أسماء يختص بها كالأحد والمتعال والقدير ونحوها فيجب الإقرار بها والخضوع عندها وله أسماء يستحب الاقتداء بها في معانيه كالرحيم والكريم والعفو ونحوها فيستحب للعبد ان يتحلى بمعانيها ليؤدي حق العمل بها فبهذا يحصل الإحصاء العملي وأما الإحصاء القولي فيحصل بجمعها وحفظها والسؤال بها ولو شارك المؤمن غيره في العد والحفظ فان المؤمن يمتاز عنه بالإيمان والعمل بها وقال بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية ذكر نعيم بن حماد ان الجهمية قالوا ان أسماء الله مخلوقة لأن الاسم غير المسمى وادعوا أن الله كان ولا وجود لهذه الأسماء ثم خلقها ثم تسمى بها قال فقلنا لهم ان الله قال سبح اسم ربك الأعلى وقال ذلكم الله ربكم فاعبدوه فأخبر انه المعبود ودل كلامه على اسمه بما دل به على نفسه فمن زعم ان اسم الله مخلوق فقد زعم ان الله أمر نبيه ان يسبح مخلوقا(1/459)
ونقل عن إسحاق بن راهويه عن الجهمية ان جهما قال لو قلت ان لله تسعة وتسعين اسما لعبدت تسعة وتسعين الها قال فقلنا لهم ان الله أمر عباده ان يدعوه بأسمائه فقال ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها والأسماء جمع أقله ثلاثة ولا فرق في الزيادة على الواحد بين الثلاثة وبين التسعة والتسعين
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
باب في أسماء اللّه تعالى، وفضل من أحصاها
*-حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعاً عَنْ سُفْيَانَ (وَاللّفْظُ لِعَمْرٍو). حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "للّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْماً. مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنّةَ، وَإِنّ اللّهَ وِتْرٌ. يُحِبّ الْوِتْرَ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ "مَنْ أَحْصَاهَا".
*-حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "إِنّ للّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً. مِائَةً إِلاّ وَاحِداً. مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنّةَ".
وزادَ هَمّامٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "إِنّهُ وِتْرٌ. يُحِبّ الْوِتْرَ".(1/460)
--قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة أنه وتر يجب الوتر" وفي رواية: "من حفظها دخل الجنة" قال الإمام أبو القاسم القشيري: فيه دليل على أن الاسم هو المسمى إذ لو كان غيره لكانت الأسماء لغيره لقوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى} قال الخطابي وغيره: وفيه دليل على أن أشهر أسمائه سبحانه وتعالى الله لإضافة هذه الأسماء إليه، وقد روي أن الله هو اسمه الأعظم، قال أبو القاسم الطبري: وإليه ينسب كل اسم له فيقال الرؤوف والكريم من أسماء الله تعالى ولا يقال من أسماء الرؤوف أو الكريم الله. واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الاَخر: "أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك" وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أنه قال: لله تعالى ألف اسم، قال ابن العربي : وهذا قليل فيها والله أعلم. وأما تعيين هذه الأسماء فقد جاء في الترمذي وغيره في بعض أسمائه خلاف ، وقيل إنها مخفية التعيين كالاسم الأعظم وليلة القدر ونظائرها. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحصاها دخل الجنة" فاختلفوا في المراد بإحصائها فقال البخاري وغيره من المحققين : معناه حفظها وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى من حفظها، وقيل أحصاها عدها في الدعاء بها، وقيل أطاقها أي أحسن المراعاة لها والمحافظة على ما تقتضيه وصدق بمعانيها، وقيل معناه العمل بها والطاعة بكل اسمها والإيمان بها لا يقتضي عملاً، وقال بعضهم: المراد حفظ القرآن وتلاوته كله لأنه مستوف لها وهو ضعيف والصحيح الأو ل. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وتر يحب الوتر" الوتر(1/461)
الفرد ومعناه في حق الله تعالى الواحد الذي لا شريك له ولا نظير، ومعنى يحب الوتر تفضيل الوتر في الأعمال وكثير من الطاعات ، فجعل الصلاة خمسا، والطهارة ثلاثا، والطواف سبعا، والسعي سبعا، ورمي الجمار سبعا، وأيام التشريق ثلاثا، والاستنجاء ثلاثا، وكذا الأكفان، وفي الزكاة خمسة أوسق وخمس أواق من الورق ونصاب الإبل وغير ذلك، وجعل كثيرا من عظيم مخلوقاته وترا منها السموات والأرضون والبحار وأيام الأسبوع وغير ذلك، وقيل: إن معناه منصرف إلى صفة من يعبد الله بالوحدانية والتفرد مخلصا له والله أعلم.
+++
- 1- حدثنا هشام بن عمار. حدثنا عبد الملك بن محمد الصنعاني. حدثنا أبو المندر زهيير ابن محمد التميمي. حدثنا موسى بن عقبة. حدثني عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ((إن لله تسعة وتسعين اسما. مائة إلا واحدا. إنه وتر يحب الوتر. من حفظها دخل الجنة. وهي: الله، الواحد، الصمد، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الخالق، البارء، المصور، الملك، الحق، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الرحمن، الرحيم، اللطيف، الخبير، السميع، البصير، العليم، العظيم، البار، المتعال، الجليل، الجميل، الحي، القيوم، القادر، القاهر، العلي، الحكيم، القريب، المجيب، الغني، الوهاب، الودود، الشكور، الماجد، الواجد، الوالي، الراشد، العفو، الغفور، الحلم، الكريم، التواب، الرب، المجيد، الولي، الشهيد، المبين، البرهان، الرءوف، الرحيم، المبدئ، المعيد، الباعث، الوارث، القوي، الشديد، الضار، النافع، الباقي، الواقي، الخافض، الرافع، القابض، الباسط، المعز، المذل، المقسط، الرزاق، ذو القوة، المتين، القأئم، الدائم، الحافظ، الوكيل، الفاطر، السامع، المعطي، المحي، المميت، المانع، الجامع، الهادي، الكافي، الأبد، العالم، الصادق، النور، المنير، التام، القديم، الوتر، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يكن له كفوا أحد)).(1/462)
قال زهير: فبلغنا من غير واحد من أهل العلم؛ أن أولها يفتح بقول: لا إله إلا الله وحده لاشريك له. له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى .---------------------------- ... ابن ماجه ...
-2- حدثنا يوسف بن حماد البصري أخبرنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
- "إن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنة
-3- حدثنا إبراهيم بن يعقوب أخبرنا صفوان بن صالح أخبرنا الوليد بن مسلم أخبرنا شعيب ابن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- "إن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحدة من أحصاها دخل الجنة. هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور ---------------------------- الترمذي(1/463)
-1-أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى بعسكر مكرم قال حدثنا يوسف بن حماد المعني قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا هشام عن محمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة
-2-أخبرنا الحسن بن سفيان ومحمد بن الحسن بن قتيبة ومحمد بن أحمد بن عبيد بن فياض بدمشق واللفظ للحسن قالوا حدثنا صفوان بن صالح الثقفي قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا شعيب بن أبي حمزة قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا إنه وتر يحب الوتر من أحصاها دخل الجنة :
هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارىء المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب الواسع الحكيم الودود المجيد المجيب الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدىء المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن المتعال البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط المانع الغني المغني الجامع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور ... -- ابن حبان ... ... ... ...
.(1/464)
- حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن عبد الله العنبري ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم العبدي ثنا موسى بن أيوب النصبي وحدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أنبأنا محمد بن أحمد بن الوليد الكرابيسي ثنا صفوان بن صالح الدمشقي قالا حدثنا الوليد بن مسلم ثنا شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق الباريء المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المغيث وقال صفوان في حديثه المقيت وإليه ذهب أبو بكر محمد بن إسحاق في مختصر الصحيح الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدي المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والاكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور(1/465)
هذا حديث قد خرجاه في الصحيحين بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسامي فيه والعلة فيه عندهما أن الوليد بن مسلم تفرد بسياقته بطوله وذكر الأسامي فيه ولم يذكرها غيره وليس هذا بعلة فإني لا أعلم اختلافا بين أئمة الحديث أن الوليد بن مسلم أوثق وأحفظ وأعلم وأجل من أبي اليمان وبشر بن شعيب وعلي بن عياش وأقرانهم من أصحاب شعيب ثم نظرنا فوجدنا الحديث قد رواه عبد العزيز بن الحصين عن أيوب السختياني وهشام بن حسان جميعا عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بطوله
-2- حدثناه أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان ثنا الأمير أبو الهيثم خالد بن أحمد الذهلي بهمدان ثنا أبو أسد عبد الله بن محمد البلخي ثنا خالد بن مخلد القطواني حدثناه محمد بن صالح بن هانئ وأبو بكر بن عبد الله قالا ثنا الحسن بن سفيان ثنا أحمد بن سفيان النسائي ثنا خالد بن مخلد ثنا عبد العزيز بن حصين بن الترجمان ثنا أيوب السختياني وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة الله الرحمن الرحيم الآله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق الباريء المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير الحنان المنان البديع الودود الغفور الشكور المجيد المبديء المعيد النور الأول الآخر الظاهر الباطن الغفار الوهاب القادر الأحد الصمد الكافي الباقي الوكيل المجيد المغيث الدائم المتعال ذو الجلال والاكرام المولى النصير الحق المبين الباعث المجيب المحيي المميت الجميل الصادق الحفيظ الكبير القريب الرقيب الفتاح التواب القديم الوتر الفاطر الرزاق العلام العلي العظيم الغني المليك المقتدر الأكرم الرؤوف المدبر المالك القدير الهادي الشاكر الرفيع الشهيد الواحد ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الخلاق الكفيل الجليل الكريم(1/466)
هذا حديث محفوظ من حديث أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مختصرا دون ذكر الأسامي الزائدة فيها كلها في القرآن وعبد العزيز بن الحصين بن الترجمان ثقة وإن لم يخرجاه وإنما جعلته شاهدا للحديث الأول
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الحاكم
الجوهرة 36
حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلمُّوا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم، وهو أعلم منهم، ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون : لا والله ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً، قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم ، إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم). رواه شُعبة، عن الأعمش، ولم يرفعه.
ورواه سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- البخاري – كتاب الدعوات – باب :فضل ذكر الله عز وجل ...
- مسلم – كتاب الذكر والدعاء... باب :فضل مجالس الذكر
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/467)
قوله بعد سياق المتن رواه شعبة عن الأعمش يعني بسنده المذكور قوله ولم يرفعه هكذا وصله أحمد قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال بنحوه ولم يرفعه وهكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية بشر بن خالد عن محمد بن جعفر موقوفا قوله ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصله مسلم وأحمد من طريقه وسأذكر ما في روايته من فائدة قوله إن لله ملائكة زاد الإسماعيلي عثمان بن أبي شيبة وابن حبان من طريق إسحاق بن راهويه كلاهما عن جرير فضلا وكذا لابن حبان من طريق فضيل بن عياض وكذا لمسلم من رواية سهيل قال عياض في المشارق ما نصه في روايتنا عن أكثرهم بسكون الضاد المعجمة وهو الصواب ورواه العذري والهوزني فضل بالضم وبعضهم بضم الضاد ومعناه زيادة على كتاب الناس هكذا جاء مفسرا في البخاري قال وكان هذا الحرف في كتاب بن عيسى فضلاء بضم أوله وفتح الضاد المد وهو وهم هنا وان كانت هذه صفتهم عليهم السلام وقال في الإكمال الرواية فيه عند جمهور شيوخنا في مسلم والبخاري بفتح الفاء وسكون الضاد فذكر نحو ما تقدم وزاد هكذا جاء مفسرا في البخاري في رواية أبي معاوية الضرير وقال بن الأثير في النهاية فضلا أي زيادة عن الملائكة المرتبين مع الخلائق ويروى بسكون الضاد وبضمها قال بعضهم والسكون أكثر واصوب وقال النووي ضبطوا فضلا على أوجه ارجحها بضم الفاء والضاد والثاني بضم الفاء وسكون الضاد ورجحه بعضهم وادعى انها أكثر واصوب والثالث بفتح الفاء وسكون الضاد قال القاضي عياض هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم والرابع بضم الفاء والضاد كالأول لكن برفع اللام يعني على انه خبر ان والخامس فضلاء بالمد جمع فاضل قال العلماء ومعناه على جميع الروايات انهم زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق لا وظيفة لهم الا حلق الذكر وقال الطيبي فضلا بضم الفاء وسكون الضاد جمع فاضل كمنزل ونازل انتهى ونسبة عياض هذه اللفظة للبخاري(1/468)
وهم فإنها ليست في صحيح البخاري هنا في جميع الروايات الا ان تكون خارج الصحيح ولم يخرج البخاري الحديث المذكور عن أبي معاوية أصلا وانما أخرجه من طريقه الترمذي وزاد بن أبي الدنيا والطبراني في رواية جرير فضلا عن كتاب الناس ومثله لابن حبان من رواية فضيل بن عياض وزاد سياحين في الأرض وكذا هو في رواية أبي معاوية عند الترمذي والإسماعيلي عن كتاب الابدي ولمسلم من رواية سهيل عن أبيه سيارة فضلا قوله يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر في رواية سهيل يتبعون مجاس الذكر وفي حديث جابر بن أبي يعلى ان لله سرايا من الملائكة تقف وتحل بمجالس الذكر في الأرض قوله فإذا وجدوا قوما في رواية فضيل بن عياض فإذا رأوا قوما وفي رواية سهيل فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قوله تنادوا في رواية الإسماعيلي يتنادون قوله هلموا الى حاجتكم في رواية أبي معاوية بغيتكم وقوله هلموا على لغة أهل نجد واما أهل الحجاز فيقولون الواحد والاثنين والجمع هلم بلفظ الافراد وقد تقدم تقرير ذلك في التفسير واختلف في أصل هذه الكلمة فقيل هل لك في الأكل أم أي اقصد وقيل أصله لم بضم اللام وتشديد الميم وها للتنبيه حذفت ألفها تخفيفا قوله فيحفونهم بأجنحتهم أي يدنون بأجنحتهم حول الذاكرين والباء للتعدية وقيل للاستعانة قوله الى السماء الدنيا في رواية الكشميهني الى سماء الدنيا وفي رواية سهيل قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملؤا ما بينهم وبين سماء الدنيا قوله قال فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم في رواية الكشميهني بهم كذا للإسماعيلي وهي جملة معترضة وردت لرفع التوهم زاد في رواية سهيل من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض وفي رواية الترمذي فيقول الله أي شيء تركتم عبادي يصنعون قوله ما يقول عبادي قال تقول يسبحونك كذا لأبي ذر بالافراد فيهما ولغيره قالوا يقولون ولابن أبي الدنيا قال يقولون وزاد سهيل في روايته فإذا تفرقوا أي أهل المجلس عرجوا أي(1/469)
الملائكة وصعدوا الى السماء قوله يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك زاد إسحاق وعثمان عن جرير ويمجدونك وكذا لابن أبي الدنيا وفي رواية أبي معاوية فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك وفي رواية الإسماعيلي قالوا ربنا مررنا بهم وهم يذكرونك الخ وفي رواية سهيل جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك وفي حديث أنس عند البزار ويعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لاخرتهم ودنياهم ويؤخذ من مجموع هذه الطرق المراد بمجالس الذكر وانها التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما والتلاوة حسب وان كانت قراءة الحديث ومدارسة العلم والمناظرة فيه من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى قوله قال فيقول هل رأوني قال فيقولون لا والله ما رأوك كذا ثبت لفظ الجلالة في جميع نسخ البخاري وكذا في بقية المواضع وسقط لغيره قوله كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا زاد أبو ذر في روايته وتحميدا وكذا لابن أبي الدنيا وزاد في رواية الإسماعيلي وأشد لك ذكرا وفي رواية بن أبي الدنيا وأكثر لك تسبيحا قوله قال يقول في رواية أبي ذر فيقول قوله فما يسألوني في رواية أبي معاوية فأي شيء يطلبون قوله يسألونك الجنة في رواية سهيل يسألونك جنتك قوله كانوا أشد عليها حرصا زاد أبو معاوية في روايته عليها وفي رواية بن أبي الدنيا كانوا أشد حرصا وأشد طلبة واعظم لها رغبة قوله قال فمم يتعوذون قال يقولون من النار في رواية أبي معاوية فمن أي شيء يتعوذون فيقولون من النار وفي رواية سهيل قالوا ويستجيرونك وقال ومم يستجيرونني قالوا من نارك قوله كانوا أشد منها فرارا(1/470)
وأشد لها مخافة في رواية أبي معاوية كانوا أشد منها هربا وأشد منها تعوذا وخوفا وزاد سهيل في روايته قالوا ويستغفرونك قال فيقول قد غفرت لهم واعطيتهم ما سألوا وفي حديث أنس فيقول غشوهم رحمتي قوله يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم انما جاء لحاجة في رواية أبي معاوية فيقولون ان فيهم فلانا الخطاء لم يردهم انما جاء لحاجة وفي رواية سهيل قال يقولون رب فيهم فلان عبد خطاء انما مر فجلس معهم وزاد في روايته قال وله قد غفرت قوله هم الجلساء في رواية أبي معاوية وكذا في رواية سهيل هم القوم وفي اللام اشعار بالكمال أي هم القوم كل القوم قوله لا يشقى جليسهم كذا لأبي ذر ولغيره لا يشقى بهم جليسهم وللترمذي لا يشقى لهم جليس وهذه الجملة مستأنفة لبيان المقتضى لكونهم أهل الكمال وقد اخرج جعفر في الذكر من طريق أبي الأشهب عن الحسن البصري قال بينا قوم يذكرون الله إذ اتاهم رجل فقعد إليهم قال فنزلت الرحمة ثم ارتفعت فقالوا ربنا فيهم عبدك فلان قال غشوهم رحمتي هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وفي هذه العبارة مبالغة في نفي الشقاء عن جليس الذاكرين فلو قيل لسعد بهم جليسهم لكان ذلك في غاية الفضل لكن التصريح بنفي الشقاء ابلغ في حصول المقصود تنبيه اختصر أبو زيد المروزي في روايته عن الفربري متن هذا الحديث فساق منه الى قوله هلموا الى حاجتكم ثم قال فذكر الحديث وفي الحديث فضل مجالس الذكر والذاكرين وفضل الاجتماع علي ذلك وان جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم اكراما لهم ولو لم يشاركهم في أصل الذكر وفيه محبة الملائكة بني ادم واعتناؤهم بهم وفيه ان السؤال قد يصدر من السائل وهو اعلم بالمسئول عنه من المسئول لإظهار العناية بالمسؤول عنه والتنوية بقدره والاعلان بشرف منزلته وقيل ان في خصوص سؤال الله الملائكة عن أهل الذكر الإشارة الى قولهم { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } فكأنه قيل(1/471)
لهم انظروا الى ما حصل منهم من التسبيح والتقديس مع ما سلط عليهم من الشهوات ووساوس الشيطان وكيف عالجوا ذلك وضاهوكم في التسبيح والتقديس وقيل انه يؤخذ من هذا الحديث ان الذكر الحاصل من بني ادم أعلى وأشرف من الذكر الحاصل من الملائكة لحصول ذكر الادميين مع كثرة الشواغل ووجود الصوارف وصدوره في عالم الغيب بخلاف الملائكة في ذلك كله وفيه بيان كذب من ادعى من الزنادقه انه يرى الله تعالى جهرا في دار الدنيا وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي امامة رفعه واعلموا انكم لم تروا ربكم حتى تموتوا وفيه جواز القسم في الأمر المحقق تأكيدا له وتنويها به وفيه ان الذي اشتملت عليه الجنة من أنواع الخيرات والنار من أنواع المكروهات فوق ما وصفتا به وان الرغبة والطلب من الله والمبالغة في ذلك من أسباب الحصول.
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
... باب فضل مجالس الذكر(1/472)
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ للّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ مَلاَئِكَةً سَيّارَةً، فُضُلاً. يَبتَغُونَ مَجَالِسَ الذّكْرِ. فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِساً فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ. وَحَفّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِأَجْنِحَتِهِمْ. حَتّىَ يَمْلأُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السّمَاءِ الدّنْيَا . فَإِذَا تَفَرّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَىَ السّمَاءِ. قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ، يُسَبّحُونَكَ وَيُكَبّرُونَكَ وَيُهَلّلُونَكَ وَيُمَجّدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ. قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنّتَكَ. قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنّتِي؟ قَالُوا: لاَ. أَيْ رَبّ قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنّتِي؟. قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ. قَالَ: وَمِمّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ. يَا رَبّ قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟. قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ. قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمّا اسْتَجَارُوا. قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبّ فِيهِمْ فُلاَنٌ. عَبْدٌ خَطّاءٌ. إِنّمَا مَرّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ. قَالَ: فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ. هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَىَ بِهِمْ جَلِيسُهُمْ".(1/473)
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلاً يبتغون مجالس الذكر" أما السيارة فمعناه سياحون في الأرض، وأما فضلاً فضبطوه على أوجه: أحدها وهو أرجحها وأشهرها في بلادنا فضلاً بضم الفاء والضاد. والثانية بضم الفاء وإسكان الضاد ورجحها بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب. والثالثة بفتح الفاء وإسكان الضاد، قال القاضي: هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم. والرابعة فضل بضم الفاء والضاد ورفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف. والخامسة فضلاء بالمد جمع فاضل قال العلماء: معناه على جميع الروايات أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: يبتغون فضبطوه على وجهين : أحدهما بالعين المهملة من التتبع وهو البحث عن الشيء والتفتي والثاني يبتغون بالغين المعجمة من إِلابتغاء وهو الطلب وكلاهما صحيح. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا" هكذا هو في كثير من نسخ بلادنا حف بالفاء ، وفي بعضها حض بالضاد المعجمة أي حث على الحضور الاستماع، وحكى القاضي عن بعض رواتهم وحط بالطاء المهملة واختاره القاضي قال : ومعناه أشار بعضهم إلى بعض بالنزول، ويؤيد هذه الرواية قوله بعده في البخاري: هلموا إلى حاجتكم. ويؤيد الرواية الأولى وهي حف قوله في البخاري: يحفونهم بأجنحتهم ويحدقون بهم ويستديرون حولهم ويحوف بعضهم بعضا. قوله: "ويستجيرونك من نارك" أي يطلبون الأمان منها. قوله: "عبد خطاء" أي كثير الخطايا، وفي هذا الحديث فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم وفضل مجالسة الصالحين وبركتهم والله أعلم . قال القاضي عياض رحمه الله: وذكر الله تعالى ضربان ذكر بالقلب وذكر باللسان ، وذكر القلب نوعان: أحدهما وهو أرفع الأذكار وأجلها الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله(1/474)
وجبروته وملكوته وآياته في سمواته وأرضه ومنه الحديث: "خير الذكر الخفي" والمراد به هذا. والثاني ذكره بالقلب عند الأمر والنهي فيمتثل ما أمر به ويترك ما نهى عنه ويقف عما أشكل عليه. وأما ذكر اللسان مجردا فهو أضعف الأذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث. قال: وذكر ابن جرير الطبري وغيره اختلاف السلف في ذكر القلب واللسان أيهما أفضل، قال القاضي: والخلاف عندي إنما يتصور في مجرد ذكر القلب تسبيحا وتهليلاً وشبههما وعليه يدل كلامهم، لا أنهم مختلفون في الذكر الخفي الذي ذكرناه وإلا فذلك لا يقاربه ذكر اللسان فكيف يفاضله؟ وإنما الخلاف في ذكر القلب بالتسبيح المجرد ونحوه، والمراد بذكر اللسان مع حضور القلب فإن كان لاهيا فلا، واحتج من رجح ذكر القلب بأن عمل السر أفضل، ومن رجح ذكر اللسان قال لأن العمل فيه أكثر، فإن زاد باستعمال اللسان اقتضى زيادة أجر، قال القاضي: واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب فقيل تكتبه ويجعل الله تعالى لهم علامة يعرفونه بها، وقيل لا يكتبونه لأنه لا يطلع عليه غير الله، قلت: الصحيح أنهم يكتبونه وأن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من القلب وحده والله أعلم.
روايات أخرى للحديث
1-حدثنا أبو كريب أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(1/475)
- "إن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلا عن كتاب الناس فإذا وجدوا أقواما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى بغيتكم فيجيئون فيحفون بهم إلى السماء الدنيا فيقول الله: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟ فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك. قال فيقول هل رأوني؟ قال فيقولون لا. قال فيقول كيف لو رأوني؟ قال فيقولون لو رأوك لكانوا أشد تحميدا وأشد تمجيدا وأشد لك ذكرا، قال فيقول وأي شيء يطلبون؟ قال فيقولون يطلبون الجنة، قال فيقول فهل رأوها؟ قال فيقولون لا. قال فيقول فكيف لو رأوها ؟ قال فيقولون لو رأوها لكانوا أشد لها طلبا وأشد عليها حرصا، قال فيقول فمن أي شيء يتعوذون؟ قالوا يتعوذون من النار، قال فيقول وهل رأوها فيقولون لا. فيقول فكيف لو رأوها؟ فيقولون لو رأوها لكانوا أشد منها هربا وأشد منها خوفا وأشد منها تعوذا. قال فيقول فإني أشهدكم أني قد غفرت لهم. فيقولون إن فيهم فلانا الخطاء لم يردهم إنما جاءهم لحاجة. فيقول هم القوم لا يشقى لهم جليسٌ". هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد روي عن أبي هريرة من غير هذا الوجه . الترمذي(1/476)
2-أخبرني أبو عون محمد بن أحمد بن ماهان الخزاز بمكة علي الصفار ثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال وحدثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ أبو مسلم ثنا أبو عمرو الضرير قالا ثنا حماد بن سلمة أن سهيل بن أبي صالح أخبرهم عن أبيه عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لله ملائكة سيارة وفضلاء يلتمسون مجالس الذكر في الأرض فإذا أتوا على مجلس ذكر حف بعضهم بعضا بأجنحتهم إلى السماء فيقول تبارك وتعالى من أين جئتم وهو أعلم فيقولون ربنا جئنا من عند عبادك يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويهللونك ويسألونك ويستجيرونك فيقول ما يسألونني وهو أعلم فيقولون ربنا يسألونك الجنة فيقول وهل رأوها فيقولون لا يا رب فيقول كيف لو رأوها فيقول ومم يستجيرونني وهو اعلم فيقولون من النار فيقول هل رأوها فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوها ثم يقول اشهدوا أني قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوني وأجرتهم مما استجاروني فيقولون ربنا إن فيهم عبدا خطاء جلس إليهم وليس معهم فيقول وهو أيضا قد غفرت له هم القوم لا يشقى بهم جليسهم هذا حديث صحيح تفرد بإخراجه مسلم بن الحجاج مختصرا من حديث وهيب بن خالد عن سهيل الحاكم(1/477)
3-أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لله ملائكة فضلا عن كتاب الناس يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم فيحفون بهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم فيقول ما يقول عبادي فيقولون يكبرونك ويمجدونك ويسبحونك ويحمدونك فيقول هل رأوني فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوني فيقولون لو رأوك لكانوا لك أشد عبادة وأكثر تسبيحا وتحميدا وتمجيدا فيقول وما يسألوني قال فيقولون يسألونك الجنة فيقول فهل رأوها فيقولون يسألونك الجنة فيقول فهل رأوها فيقولون لا والله يا رب فيقول فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها كانوا عليها أشد حرصا وأشد طلبا وأعظم فيها رغبة فيقول ومم يتعوذون فيقولون من النار فيقول وهل رأوها فيقولون لا والله يا رب فيقول فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها لكانوا منها أشد فرارا وأشد هربا وأشد خوفا فيقول الله لملائكته أشهدكم أني قد غفرت لهم قال فقال ملك من الملائكة إن فيهم فلانا ليس منهم إنما جاء لحاجة قال فهم الجلساء لا يشقي جليسهم ابن حبان
4-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد هو شك يعني الأعمش قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/478)
-إن لله مملائكة سياحين في الأرض فضلا عن كتاب الناس فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى بغيتكم فيجيؤون فيخفون بهم إلى السماء الدنيا فيقول الله أي شيء تركتم عبادي يصنعون فيقولون تركناهم يحمدونك يمجدونك ويذكرونك فيقول هل رأوني فيقولون لا فيقول فكيف فيقولون لو رأوك لكانوا أشد تحميدا وتمجيدا وذكرا فيقول فأي شيء يطلبون فيقولون يطلبون الجنة فيقول وهل رأوها قال فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا قال فيقول ومن أي شيء يتعوذون فيقولون من النار فيقول وهل رأوها فيقولون لا قال فيقول فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها كانو أشد منها هربا وأشد منها خوفا قال فيقول أني أشهدكم أني قد غفرت لهم قال فيقولون فإن فيهم فلانا الخطاء لم يردهم إنما جاء لحاجة فيقول هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.
- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي هريرة أحمد
الجوهرة 37
1-حدثنا إسماعيل: حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يمرَّ الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه).
البخاري –كتاب الفتن –باب :لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور
* 2-حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَقُومُ السّاعَةُ حَتّىَ يَمُرّ الرّجُلُ بِقَبْرِ الرّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ" .(1/479)
-- حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أبانَ بْنِ صَالِحٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ يَزِيدَ الرّفَاعِيّ (وَاللّفْظُ لابنِ أَبَانَ). قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَذْهَبُ الدّنْيَا حَتّىَ يَمُرّ الرّجُلُ عَلَىَ الْقَبْرِ فَيَتَمَرّغُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ. وَلَيْسَ بِهِ الدّينُ إِلاّ الْبَلاَءُ".
مسلم – كتاب الفتن وأشراط الساعة –باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبرالرجل...
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/480)
قوله حدثنا إسماعيل هو بن أويس قوله عن أبي الزناد وافق مالكا شعيب بن أبي حمزة عنه كما سيأتي بعد بابين في اثناء حديث قوله حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه أي كنت ميتا قال بن بطال تغبط أهل القبور وتمنى الموت عند ظهور الفتن انما هو خوف ذهاب الدين بغلبة الباطل وأهله وظهور المعاصي والمنكر انتهى وليس هذا عاما في حق كل أحد وانما هو خاص بأهل الخير واما غيرهم فقد يكون لما يقع لأحدهم من المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه وان لم يكن في ذلك شيء يتعلق بدينه ويؤيده ما أخرجه في رواية أبي حازم عن أبي هريرة عند مسلم لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول يا ليتني مكان صاحب هذا القبر وليس به الدين الا البلاء وذكر الرجل فيه للغالب والا فالمرأة يتصور فيها ذلك والسبب في ذلك ما ذكر في رواية أبي حازم انه يقع البلاء والشدة حتى يكون الموت الذي هو أعظم المصائب أهون على المرء فيتمنى أهون المصيبتين في اعتقاده وبهذا جزم القرطبي وذكره عياض احتمالا وأغرب بعض شراح المصابيح فقال المراد بالدين هنا العبادة والمعنى أنه يتمرغ على القبر ويتمنى الموت في حالة ليس المتمرغ فيها من عادته وانما الحامل عليه البلاء وتعقبه الطيبي بان حمل الدين على حقيقته أولى أي ليس التمني والتمرغ لأمر اصابه من جهة الدين بل من جهة الدنيا وقال بن عبد البر ظن بعضهم ان هذا الحديث معارض للنهي عن تمني الموت وليس كذلك وانما في هذا ان هذا القدر سيكون لشدة تنزل بالناس من فساد الحال في الدين أو ضعفه أو خوف ذهابه لا لضرر ينزل في الجسم كذا قال وكأنه يريد ان النهي عن تمني الموت هو حيث يتعلق بضرر الجسم واما إذا كان لضرر يتعلق بالدين فلا وقد ذكره عياض احتمالا أيضا وقال غيره ليس بين هذا الخبر وحديث النهي عن تمني الموت معارضة لأن النهي صريح وهذا انما فيه أخبار عن شدة ستحصل ينشأ عنها هذا التمني وليس فيه تعرض لحكمه وانما سيق(1/481)
للأخبار عما سيقع قلت ويمكن أخذ الحكم من الإشارة في قوله وليس به الدين انما هو البلاء فإنه سيق مساق الذم والانكار وفيه إيماء الى انه لو فعل ذلك بسبب الدين لكان محمودا ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدين عن جماعة من السلف قال النووي لا كراهة في ذلك بل فعله خلائق من السلف منهم عمر بن الخطاب وعيسى الغفاري وعمر بن عبد العزيز وغيرهم ثم قال القرطبي كأن في الحديث إشارة الى ان الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف أمر الدين ويقل الاعتناء بأمره ولا يبقى لأحد اعتناء الا بأمر دنياه ومعاشه نفسه وما يتعلق به ومن ثم عظم قدر العبادة أيام الفتنة كما أخرج مسلم من حديث معقل بن يسار رفعه العبادة في الهرج كهجرة الي ويؤخذ من قوله حتى يمر الرجل بقبر الرجل ان التمني المذكور انما يحصل عند رؤية القبر وليس ذلك مرادا بل فيه إشارة الى قوة هذا التمني لأن الذي يتمنى الموت بسبب الشدة التي تحصل عنده قد يذهب ذلك التمني أو يخف عند مشاهدة القبر والمقبور فيتذكر هول المقام فيضعف تمنيه فإذا تمادى على ذلك دل على تأكد أمر تلك الشدة عنده حيث لم يصرفه ما شاهده من وحشة القبر وتذكر ما فيه من الأهوال عن استمراره على تمني الموت وقد أخرج الحاكم من طريق أبي سلمة قال عدت أبا هريرة فقلت اللهم اشف أبا هريرة فقال اللهم لا ترجعها ان استطعت يا أبا سلمة فمت والذي نفسي بيده ليأتين على العلماء زمان الموت أحب الى أحدهم من الذهب الأحمر وليأتين أحدهم قبر أخيه فيقول ليتني مكانه وفي كتاب الفتن من رواية عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال يوشك ان تمر الجنازة في السوق على الجماعة فيراها الرجل فيهز رأسه فيقول يا ليتني مكان هذا قلت يا أبا ذر ان ذلك لمن أمر عظيم قال اجل.
شرح (من فيض القدير \ الامام محمد عبد الرؤوف المناوي)(1/482)
(لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل) ذكر الرجل وصف طردي فلا مفهوم له فالمرأة مثله لكن لما كان الغالب أن الرجال هم المبتلون بالشدائد والنساء محجبات لا يصلين نار الفتنة خصهم.
كتب القتل والقتال علينا * وعلى الغانيات جر الذيول
(فيقول يا ليتني مكانه) أي ميتاً حتى أنجو من الكرب ولا أرى من المحن والفتن وتبديل وتغيير رسوم الشريعة ما أرى فيكون أعظم المصائب الأماني وهذا إن لم يكن وقع فهو واقع لا محالة وقد قال ابن مسعود: سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه وعليه قوله:
وهذا العيش ما لا خير فيه * ألا موت يباع فأشتريه
قال الحافظ العراقي: ولا يلزم كونه في كل بلد ولا كل زمن ولا في جميع الناس بل يصدق على اتفاقه للبعض في بعض الأقطار في بعض الأزمان وفي تعليق تمنيه بالمرور وإشعار بشدة ما نزل بالناس من فساد الحال حالتئذ إذ المرء قد يتمنى الموت من غير استحضار لهيئته فإذا شاهد الموتى ورأى القبور نشز بطبعه ونفر بشجيته من تمنيه فلقوة الشدة لم يصرفه عنه ما شاهده من وحشة القبور ولا يناقض هذا النهي عن تمني الموت لأن مقتضى هذا الحديث الإخبار عما يكون وليس فيه تعرض لحكم شرعي.
... ... ... روايات أخرى للحديث
-1-أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا بشر بن بكر حدثني الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة عن عبد الرحمن قال عدت أبا هريرة فسندته إلى صدري ثم قلت اللهم اشف أبا هريرة فقال اللهم لا ترجعها ثم قال إن استطعت يا أبا سلمة أن تموت فمت فقلت يا أبا هريرة إنا لنحب الحياة فقال والذي نفس أبي هريرة بيده ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر ليأتين أحدكم قبر أخيه فيقول ليتني مكانه . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه الحاكم(1/483)
-2-حدثنا واصل بن عبد الأعلى. حدثنا محمد بن فضيل عن إسماعيل الأسلمي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((والذي نفسي بيده! لا تذهب الدنيا حتى يمر على القبر، فيتمرغ عليه ويقول: ياليتني كنت مكان صاحب هذا القبر. وليس به الدين. إلا البلاء)). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ابن ماجه
الجوهرة 38
حدثنا آدم: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن ينجي أحداً منكم عمله). قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة، سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشئ من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا).
... ... تابخاري –كتاب الرقاق – باب :القصد والمداومة على العمل
... ... مسلم – كتاب صفة القيامة والجتة والتار–باب :لن يدحل أحد الجنة بعمله...
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/484)
قوله لن ينجي أحدا منكم عمله في رواية أبي داود الطيالسي عن بن أبي ذئب ما منكم من أحد ينجيه عمله وأخرجه أبو نعيم من طريقه وتقدم في كفارة المرض من طريق أبي عبيد عن أبي هريرة بلفظ لم يدخل أحدا عمله الجنة وأخرجه مسلم أيضا وهو كلفظ عائشة في الحديث الرابع هنا ولمسلم من طريق بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ليس أحد منكم ينجيه عمله ومن طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه لن ينجو أحد منكم بعمله وله من حديث جابر لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ومعنى قوله ينجي أي يخلص والنجاة من الشيء التخلص منه قال بن بطال في الجمع بين هذا الحديث وقوله تعالى { وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملونْ} ما محصله أن تحمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال وان يحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى { سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} فصرح بأن دخول الجنة أيضا بالاعمال وأجاب بأنه لفظ مجمل بينه الحديث والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون وليس المـ راد بذلك أصل الدخول ثم قال ويجوز أن يكون الحديث مفسرا للاية والتقدير ادخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم لأن اقتسام منازل الجنة برحمته وكذا أصل دخول الجنة هو برحمته حيث ألهم العاملين ما نالوا به ذلك ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله وقد تفضل عليهم ابتداء بايجادهم ثم برزقهم ثم بتعليمهم وقال عياض طريق الجمع أن الحديث فسر ما أجمل في الآية فذكر نحوا من كلام بن بطال الأخير وان من رحمة الله توفيقه للعمل وهدايته للطاعة وكل ذلك لم يستحقه العامل بعمله وانما هو بفضل الله وبرحمته وقال بن الجوزي يتحصل عن ذلك أربعة أجوبة الأول أن التوفيق للعمل من رحمة الله ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الإيمان ولا الطاعة التي(1/485)
يحصل بها النجاة الثاني أن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله الثالث جاء في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة الله واقتسام الدرجات بالأعمال الرابع أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير والثواب لا ينفد فالإنعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل لا بمقابلة الأعمال وقال الكرماني الباء في قوله{ بما كنتم تعملون} ليست للسببية بل للالصاق أو المصاحبة أي أورثتموها ملابسة أو مصاحبة أو للمقابلة نحو أعطيت الشاة بالدرهم وبهذا الأخير جزم الشيخ جمال الدين بن هشام في المغني فسبق اليه فقال ترد الباء للمقابلة وهي الداخلة على الاعواض كاشتريته بألف ومنه ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وانما لم تقدر هنا للسببية كما قالت المعتزلة وكما قال الجميع في لن يدخل أحدكم الجنة بعمله لأن المعطي بعوض قد يعطي مجانا بخلاف المسبب فلا يوجد بدون السبب قال وعلى ذلك ينتفي التعارض بين الآية والحديث قلت سبقه الى ذلك بن القيم فقال في كتاب مفتاح دار السعادة الباء المقتضية للدخول غير الباء الماضية فالأولى السببية الدالة على أن الأعمال سبب الدخول المقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها والثانية بالمعاوضة نحو اشتريت منه بكذا فأخبر أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد وأنه لولا رحمة الله لعبده لما أدخله الجنة لأن العمل بمجرده ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة ولا أن يكون عوضا لها لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه الله لا يقاوم نعمة الله بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة فتبقى سائر نعمه مقتضية لشكرها وهو لم يوفها حق شكرها فلو عذبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم وإذا رحمه في هذه الحالة كانت رحمته خيرا من عمله كما في حديث أبي بن كعب الذي أخرجه أبو داود وابن ماجة في ذكر القدر ففيه ( لو أن الله عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم ) الحديث قال(1/486)
وهذا فصل الخطاب مع الجبرية الذين أنكروا ان تكون الأعمال سببا في دخول الجنة من كل وجه والقدرية الذين زعموا أن الجنة عوض العمل وأنها ثمنه وان دخولها بمحض الأعمال والحديث يبطل دعوى الطائفتين والله اعلم قلت وجوز الكرماني أيضا ان يكون المراد ان الدخول ليس بالعمل والادخال المستفاد من الإرث بالعمل وهذا ان مشى في الجواب عن قوله تعالى{اورثتموها بما كنتم تعملون} لم يمش في قوله تعالى {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جواب آخر وهو أن يحمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولا وإذا كان كذلك فأمر القبول الى الله تعالى وانما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه وعلى هذا فمعنى قوله ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون أي تعملونه من العمل المقبول ولا يضر بعد هذا أن تكون الباء للمصاحبة أو للالصاق أو المقابلة ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية ثم رأيت النووي جزم بأن ظاهر الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال والجمع بينها وبين الحديث أن التوفيق للاعمال والهداية للاخلاص فيها وقبولها انما هو برحمة الله وفضله فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل وهو مراد الحديث ويصح أنه دخل بسبب العمل وهو من رحمة الله تعالى ورد الكرماني الأخير بأنه خلاف صريح الحديث وقال المازري ذهب أهل السنة الى أن اثابة الله تعالى من اطاعه بفضل منه وكذلك انتقامه ممن عصاه بعدل منه ولا يثبت واحد منهما الا بالسمع وله سبحانه وتعالى ان يعذب الطائع وينعم العاصي ولكنه أخبر أنه لا يفعل ذلك وخبره صدق لا خلف فيه وهذا الحديث يقوى مقالتهم ويرد على المعتزلة حيث اثبتوا بعقولهم اعواض الأعمال ولهم في ذلك خبط كثير وتفصيل طويل قوله قالوا ولا أنت يا رسول الله وقع في رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم فقال رجل ولم اقف على تعيين القائل قال الكرماني إذا كان كل الناس لا يدخلون الجنة الا برحمة الله فوجه(1/487)
تخصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر أنه إذا كان مقطوعا له بأنه يدخل الجنة ثم لا يدخلها الا برحمة الله فغيره يكون في ذلك بطريق الأولى قلت وسبق الى تقرير هذا المعنى الرافعي في أماليه فقال لما كان أجر النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعة أعظم وعمله في العبادة أقوم قيل له ولا أنت أي لا ينجيك عملك مع عظم قدره فقال لا الا برحمة الله وقد ورد جواب هذا السؤال بعينه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم من حديث جابر بلفظ لا يدخل أحدا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا انا الا برحمة من الله تعالى قوله الا ان يتغمدني الله في رواية سهيل الا ان يتداركني قوله برحمة في رواية أبي عبيد بفضل ورحمة وفي رواية الكشميهني من طريقه بفضل رحمته وفي رواية الأعمش برحمة وفضل وفي رواية بشر بن سعيد منه برحمة وفي رواية بن عون بمغفرة ورحمة وقال بن عون بيده هكذا وأشار على رأسه وكأنه أراد تفسير معنى يتغمدني قال أبو عبيد المراد بالتغمد الستر وما أظنه الا مأخوذا من غمد السيف لانك إذا اغمدت السيف فقد ألبسته الغمد وسترته به قال الرافعي في الحديث أن العامل لا ينبغي أن يتكل على عمله في طلب النجاة ونيل الدرجات لأنه انما عمل بتوفيق الله وانما ترك المعصية بعصمة الله فكل ذلك بفضله ورحمته قوله سددوا في رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم ولكن سددوا ومعناه اقصدوا السداد أي الصواب ومعنى هذا الاستدراك أنه قد يفهم من النفي المذكور نفي فائدة العمل فكأنه قيل بل له فائدة وهو أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تدخل العامل الجنة فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب أي اتباع السنة من الإخلاص وغيره ليقبل عملكم فينزل عليكم الرحمة قوله وقاربوا أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك الى الملال فتتركوا العمل فتفرطوا وقد أخرج البزار من طريق محمد بن سوقة عن بن المنكدر عن جابر ولكن صوب إرساله وله شاهد في الزهد(1/488)
لابن المبارك من حديث عبد الله بن عمرو موقوف ان هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغضوا الى أنفسكم عبادة الله فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى والمنبت بنون ثم موحدة ثم مثناة ثقيلة أي الذي عطب مركوبه من شدة السير مأخوذ من البت وهو القطع أي صار منقطعا لم يصل الى مقصوده وفقد مركوبه الذي كان يوصله لو رفق به وقوله أوغلوا بكسر المعجمة من الوغول وهو الدخول في الشيء قوله واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة في رواية الطيالسي عن بن أبي ذئب وخطا من الدلجة والمراد بالغدو السير من أول النهار وبالرواح السير من أول النصف الثاني من النهار والدلجة بضم المهملة وسكون اللام ويجوز فتحها وبعد اللام جيم سير الليل يقال سار دلجة من الليل أي ساعة فلذلك قال شيئا من الدلجة لعسر سير جميع الليل فكأن فيه إشارة الى صيام جميع النهار وقيام بعض الليل والى أعم من ذلك من سائر أوجه العبادة وفيه إشارة الى الحث على الرفق في العبادة وهو الموافق للترجمة وعبر بما يدل على السير لان العابد كالسائر الى محل اقامته وهو الجنة وشيئا منصوب بفعل محذوف أي افعلوا وقد تقدم بأبسط من هذا في كتاب الإيمان في باب الدين يسر قوله والقصد القصد بالنصب على الإغراء أي الزموا الطريق الوسط المعتدل ومنه قوله في حديث جابر بن سمرة عند مسلم كانت خطبته قصدا أي لا طويلة ولا قصيرة واللفظ الثاني للتأكيد ووقفت على سبب لهذا الحديث فأخرج بن ماجة من حديث جابر قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يصلي على صخرة فأتى ناحية فمكث ثم انصرف فوجده على حاله فقام فجمع يديه ثم قال أيها الناس عليكم القصد عليكم القصد .
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
... ... ... ... باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة اللّهِ تعالى(1/489)
*1 حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "لَنْ يُنْجِيَ أَحَداً مِنْكُمُ عَمَلُهُ" قَالَ رَجُلٌ: وَلاَ إِيّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَلاَ إِيّايَ. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِيَ اللّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ. وَلَكِنْ سَدّدُوا".
2 وحدّثنيهِ يُونُس بْن عَبْدِ الأَعْلَى الصّدَفِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَشَجّ بِهَذا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ". وَلَمْ يَذْكُرْ: "وَلَكِنْ سَدّدُوا".
3 حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ) عَنْ أَيّوبَ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يُدْخِلُهُ عَمَلُهُ الْجَنّةَ" فَقِيلَ: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِي رَبّي بِرَحْمَةٍ".
4 حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّىَ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُنْجِيهِ عَمَلُهُ" قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِيَ اللّهُ مِنْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ".
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ بِيَدِهِ هَكَذَا. وَأَشَارَ عَلَىَ رَأْسِهِ: "وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِي اللّهُ مِنْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ".(1/490)
5 حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ أَحَدٌ يُنْجِيهِ عَمَلُهُ" قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ:"وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَدَارَكَنِيَ اللّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ".
6 وحدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَبّادٍ يَحْيَىَ بْنُ عَبّادٍ، حَدّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. حَدّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، مَوَلْىَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يُدْخِلَ أَحَداً مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنّةَ" قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِيَ اللّهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ".
7 حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَارِبُوا وَسَدّدُوا. وَاعْلَمُوا أَنّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ وَلاَ أَنْتَ؟ قَالَ: "وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِيَ اللّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ".
8 حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلهِ وَزَادَ "وَأَبْشِرُوا".(1/491)
9 حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي الزّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يُدْخِلُ أَحَداً مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنّةَ. وَلاَ يُجِيرُهُ مِنَ النّارِ، وَلاَ أَنَا. إِلاّ بِرَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ"
.
10 وحدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ. أَخْبَرَنَا مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يُحَدّثُ عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا كَانَتْ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَدّدُوا وَقَارِبُوا. وَأَبْشِرُوا. فَإِنّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنّةَ أَحَداً عَمَلُهُ". قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِيَ اللّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ. وَاعْلَمُوا أَنّ أَحَبّ الْعَمَلِ إِلَىَ اللّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلّ".(1/492)
قوله صلى الله عليه وسلم: "لن ينجي أحدا منكم عمله، قال رجل: ولا إياك يا رسول الله؟ قال: ولا إياي إلا أن يتغمدني الله منه برحمة ولكن سددوا" وفي رواية: "برحمة منه وفضل" وفي رواية: ("بمغفرة ورحمة") وفي رواية: ("إلا أن يتداركني الله منه برحمة") اعلم أن مذهب أهل السنة إنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب ولا إيجاب ولا تحريم ولا غيرهما من أنواع التكليف ، ولا تثبت هذه كلها ولا غيرها إلا بالشرع، ومذهب أهل السنة أيضاً أن الله تعالى لا يجب عليه شيء تعالى الله بل العالم ملكه والدنيا والاَخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلاً منه ، وإذا أكرمهم ونعمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه، ولو نعم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك ولكنه أخبر وخبره صدق أنه لا يفعل هذا بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب المنافقين و يخلدهم في النار عدلاَ منه. وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل ويوجبون ثواب الأعمال ويوجبون الأصلح ويمنعون خلاف هذا في خبط طويل لهم تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة لنصوص الشرع. وفي ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته . وأما قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} و{تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} ونحوهما من الاَيات الدالة على أن الأعمال يدخل بها الجنة فلا يعارض هذه الأحاديث ، بل معنى الاَيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال ثم التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها وقبولها برحمة الله وفضله فيصح أنهم لم يدخل بمجرد العمل وهو مراد الأحاديث، ويصح أنه دخل بالأعمال أي بسببها وهي من الرحمة والله أعلم. ومعنى يتعمدني برحمته يلبسنيها ويغمدني بها، ومنه أغمدت السيف وغمدته إذا جعلته في غمده وسترته به، ومعنى "سددوا وقاربوا" اطلبوا السداد واعملوا به وإن عجزتم عنه فقاربوه أي اقربوا منه ، والسداد(1/493)
الصواب وهو بين الإفراط والتفريط فلا تغلوا ولا تقصروا ..
----- الحديث في كتب أخرى -----
1-حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، وإسماعيل بن موسى؛ قالا: حدثنا شريك بن عبد الله عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((قاربوا وسددوا. فإنه ليس أحد منكم بمنجيه عمله)). قلوا: ولا أنت؟ يا رسول الله! قال ((ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ابن ماجه ... ...
2-حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزُهري قال: أخبرني أبو عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف: أن أبا هريرة قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يُدخِل أحداً عملُه الجنة). قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (لا، ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني الله بفضل ورحمة، فسدِّدوا وقاربوا، ولا يتمنينَّ أحدكم الموت: إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب). ... ... ... ... ... ... ... ... ... البخاري
3-حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا حماد (يعني ابن زيد) عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة؛
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما من أحد يدخله عمله الجنة" فقيل: ولا أنت؟ يا رسول الله! قال "ولا أنا. إلا أن يتغمدني ربي برحمة". ... ... ... ... ... ... ... ... ... مسلم
4-أخبرنا أبو خليفة حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا ليث بن سعد عن بكير بن عبد الله الأشج عن بسر بن سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما منكم من أحد ينجيه عمله فقال له رجل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ولكن سددوا ... ... ... ... ... ... ... ... ابن حبان(1/494)
5-أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن الأصبهاني أنبأ عبد الله بن أحمد بن جعفر بن فارس ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا بن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم أحدا ينجيه عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة سددوا وقاربوا أو قربوا وروحوا وأغدوا وخطا من الدلجة والقصد القصد تبلغوا رواه البخاري في الصحيح عن آدم عن بن أبي ذئب ... ... ... ... ... ... ... ... سنن البيهقي
6-حدثنا إبراهيم حدثنا عبد العزيز عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم \ وعن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سددوا وقاربوا ولن ينجي أحدا منكم عمله قلنا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة ... ... ... ... ... ... ... ... ... سنن أبي يعلى
حدثنا جدي نا حبان أنا عبد الله عن يحيى بن عبيدالله قال سمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يلج أحد بعمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته أو تسعني منه عافية ابن المبارك
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا ابن أبي عدي عن عون عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
-ليس أحد منكم ينجيه عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني ربي بمغفرة ورحمة ولا أنا إلا أن يتغمدني ربي منه بمغفرة ورحمة مرتين أو ثلاثا. ... ... ... ... ... ... ... ... ... مسند أحمد
الجوهرة 39
حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره).
------ البخاري –كتاب الرقاق –باب : حجبت النار بالشهوات
------ مسلم – كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها –باب :(1/495)
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله
قوله حدثنا إسماعيل هو بن أبي أويس قوله حدثني مالك هذا الحديث ليس في الموطأ وقد ضاق على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه عن الهيثم بن خلف عن البخاري وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن إسماعيل وأخرجه الدارقطني في الغرائب من رواية إسماعيل ومن طريق سعيد بن داود وإسحاق بن محمد الفروي أيضا عن مالك وأخرجه أيضا من رواية عبد الله بن وهب عن مالك به لكن وقفه قوله عن أبي الزناد في رواية سعيد بن داود أخبرنا أبو الزناد قوله عن الأعرج عن أبي هريرة في رواية سعيد بن داود ان عبد الرحمن بن هرمز أخبره انه سمع أبا هريرة يقول قوله حجبت كذا للجميع في الموضعين الا الفروي فقال حفت في الموضعين وكذا هو عند مسلم من رواية ورقاء بن عمر عن أبي الزناد وكذا أخرجه مسلم والترمذي من حديث أنس وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم الشهوات وان مالت إليها النفوس والحض على الطاعات وان كرهتها النفوس وشق عليها وقد ورد إيضاح ذلك من وجه آخر عن أبي هريرة فأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل الى الجنة فقال انظر إليها قال فرجع اليه فقال وعزتك لا يسمع بها أحد الا دخلها فأمر بها فحفت بالمكاره فقال ارجع إليها فرجع فقال وعزتك لقد خفت ان لا يدخلها أحد قال اذهب الى النار فانظر إليها فرجع فقال وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها فأمر بها فحفت بالشهوات فقال ارجع إليها فرجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد فهذا يفسر رواية الأعرج فان المراد بالمكاره هنا ما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلا وتركا كالاتيان بالعبادات على وجهها والمحافظة عليها واجتناب المنهيات قولا وفعلا وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه ومن جملتها الصبر على المصيبة والتسليم لامر الله فيها والمراد بالشهوات(1/496)
ما يستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع من تعاطية اما بالأصالة واما لكون فعله يستلزم ترك شيء من المأمورات ويلتحق بذلك الشبهات والاكثار مما ابيح خشية ان يوقع في المحرم فكأنه قال لا يوصل الى الجنة الا بارتكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات ولا الى النار الا بتعاطي الشهوات وهما محجوبتان فمن هتك الحجاب اقتحم ويحتمل أن يكن هذا الخبر وان كان بلفظ الخبر فالمراد به النهي قوله حفت بالمهملة الفاء من الحافظ وهو ما يحيط بالشيء حتى لا يتوصل اليه الا بتخطيه فالجنة لا يتوصل إليها الا بقطع مفاوز المكاره والنار لا ينجي منها الا بترك الشهوات وقال بن العربي معنى الحديث ان الشهوات جعلت على حافتي النار وهي جوانبها وتوهم بعضهم أنها ضرب بها المثل فجعلها في جوانبها من خارج ولو كان ذلك ما كان مثلا صحيحا وانما هي من داخل وهذه صورتها المكاره الشهوات فمن اطلع الحجاب فقد واقع ما وراءه وكل من تصورها من خارج فقد ضل عن معنى الحديث ثم قال فإن قيل فقد جاء في البخاري حجبت النار بالشهوات فالجواب ان المعنى واحد لان الأعمى عن التقوى الذي قد أخذت الشهوات سمعه وبصره يراها ولا يرى النار التي هي فيها وذلك لاستيلاء الجهالى والغفلة على قلبه فهو كالطائر يرى الحبة في داخل الفخ وهي محجوبة به ولا يرى الفخ لغلبة شهوة الحبة على قلبه وتعلق باله بها قلت بالغ كعادته في تضليل من حمل الحديث على ظاهره وليس ما قاله غيره ببعيد وان الشهوات على جانب النار من خارج فمن واقعها وخرق الحجاب دخل النار كما أن الذي قاله القاضي محتمل والله اعلم .
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها(1/497)
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ وَ حُمَيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "حُفّتِ الْجَنّةُ بِالْمَكَارِهِ. وَحُفّتِ النّارُ بِالشّهَوَاتِ".
وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنِي وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" هكذا رواه مسلم حفت ، ووقع في البخاري حفت، ووقع فيه أيضا حجبت وكلاهما صحيح. قال العلماء: هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن، ومعناه لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره والنار بالشهوات وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات، فأما المكاره فيدخل فيها إِلاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة والإحسان إلى المسيء والصبر عن الشهوات ونحو ذلك. وأما الشهوات التي النار محفوفة بها فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة واستعمال الملاهي ونحو ذلك. وأما الشهوات المباحة فلا تدخل في هذه لكن يكره الإكثار منها مخافة أن يجر إلى المحرمة أو يقسي القلب أو يشغل عن الطاعات أو يحوج إلى إِلاعتناء بتحصيل الدنيا للصرف فيها ونحو ذلك.
الجوهرة 40
1-حدثني إبراهيم بن حمزة: حدثني ابن أبي حازم، عن يزيد، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة التيمي، عن أبي هريرة:
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق .
------ البخاري –كتاب الرقاق –باب :حفظ اللسان(1/498)
------ مسلم –كتاب الزهد والرقاق –باب : حفظ اللسان
حدثني عبد الله بن منير: سمع أبا النضر: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله، يعني ابن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً، يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم
---- البخاري –كتاب الرقاق –باب :حفظ اللسان
شرح فتخ الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاتي رحمه الله(1/499)
قوله بن أبي حازم هو عبد العزيز بن دينار ووقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن حمزة شيخ البخاري فيه ان عبد العزيز بن أبي حازم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي حدثاه عن يزيد فيحتمل أن يكون إبراهيم لما حدث به البخاري اقتصر على بن أبي حازم ويحتمل ان يكون حدث عنهما فحذف البخاري ذكر عبد العزيز الدراوردي وعلى الأول لا اشكال وعلى الثاني يتوقف الجواز على أن اللفظ للاثنين سواء وان المذكور ليس هو لفظ المحذوف أو أن المعنى عليهما متحد تفريعا على جواز الرواية بالمعنى ويؤيد الاحتمال الأول أن البخاري اخرج بهذا الإسناد بعينه الى محمد بن إبراهيم حديثا جمع فيه بين بن أبي حازم والدراوردي وهو في باب فضل الصلاة في أوائل كتاب الصلاة قوله عن يزيد هو بن عبد الله المعروف بابن الهاد ووقع منسوبا في رواية إسماعيل المذكورة ومحمد بن إبراهيم هو التيمي ورجال هذا الإسناد كلهم مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وعيسى بن طلحة هو بن عبيد الله التيمي وثبت كذلك في رواية أبي ذر وطلحة هو أحد العشرة قوله ان العبد ليتكلم كذا للأكثر ولأبي ذر يتكلم بحذف اللام قوله بالكلمة أي الكلام المشتمل على ما يفهم الخير أو الشر سواء طال أم قصر كما يقال كلمة الشهادة وكما يقال للقصيدة كلمة فلان قوله ما يتبين فيها أي لا يتطلب معناها أي لا يثبتها بفكره ولا يتأملها حتى يتثبت فيها فلا يقولها الا ان ظهرت المصلحة في القول وقال بعض الشراح المعنى أنه لا يبينها بعبارة واضحة وهذا يلزم منه أن يكون بيّن وتبيّن بمعنى واحد ووقع في رواية الدراوردي عن يزيد بن الهاد عند مسلم ما يتبين ما فيها وهذه أوضح وما الأولى نافية وما الثانية موصولة أو موصوفة ووقع في رواية الكشميهني ما يتقي بها ومعناها يؤول لما تقدم قوله يزل بها بفتح أوله وكسر الزاي بعدها لام أي يسقط قوله أبعد ما بين المشرق كذا في جميع النسخ التي وقعت لنا في البخاري(1/500)
وكذا في رواية إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن حمزة شيخ البخاري فيه عند أبي نعيم وأخرجه مسلم والإسماعيلي من رواية بكر بن مضر عن يزيد بن الهاد بلفظ أبعد ما بين المشرق والمغرب وكذا وقع عند بن بطال وشرحه الكرماني على ما وقع عند البخاري فقال قوله ما بين المشرق لفظ بين يقتضي دخوله على المتعدد والمشرق متعدد معنى إذ مشرق الصيف غير مشرق الشتاء وبينهما بعد كبير ويحتمل أن يكون اكتفى بأحد المتقابلين عن الآخر مثل {سرابيل تقيكم الحر} قال وقد ثبت في بعضها بلفظ بين المشرق والمغرب قال بن عبد البر الكلمة التي يهوى صاحبها بسببها في النار هي التي يقولها عند السلطان الجائر وزاد بن بطال بالبغي أو بالسعي على المسلم فتكون سببا لهلاكه وان لم يرد القائل ذلك لكنها ربما أدت الى ذلك فيكتب على القائل اثمها والكلمة التي ترفع بها الدرجات ويكتب بها الرضوان هي التي يدفع بها عن المسلم مظلمة أو يفرج بها عنه كربة أو ينصر بها مظلوما وقال غيره في الأولى هي الكلمة عند ذي السلطان يرضيه بها فيما يسخط الله قال بن التين هذا هو الغالب وربما كانت عند غير ذي السلطان ممن يتأتى منه ذلك ونقل عن بن وهب أن المراد بها التلفظ بالسوء والفحش ما لم يرد بذلك الجحد لأمر الله في الدين وقال القاضي عياض يحتمل أن تكون تلك الكلمة من الخنى والرفث وان تكون في التعريض بالمسلم بكبيرة أو بمجون أو استخفاف بحق النبوة والشريعة وان لم يعتقد ذلك وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام هي الكلمة التي لا يعرف القائل حسنها من قبحها قال فيحرم على الإنسان أن يتكلم بما لا يعرف حسنه من قبحه قلت وهذا الذي يجرى على قاعدة مقدمة الواجب وقال النووي في هذا الحديث حث على حفظ اللسان فينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق فان ظهرت فيه مصلحة تكلم والا أمسك. قلت وهو صريح الحديث الثاني والثالث تنبيه وقع في رواية أبي ذر تأخير طريق عيسى بن طلحة عن الطريق الأخرى(2/1)
ولغيره بالعكس وسقط طريق عيسى بن طلحة عند النسفي أصلا والله أعلم
-قوله في الطريق الثانية سمع أبا النضر هو هاشم بن القاسم والتقدير أنه سمع ويحذف لفظ أنه في الكتابة غالبا قوله عن أبي صالح هو ذكوان وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق قوله لا يلقي لها بالا بالقاف في جميع الروايات أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن انها تؤثر شيئا وهو من نحو قوله تعالى {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم }وقد وقع في حديث بلال بن الحارث المزني الذي أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم بلفظ ان أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن ان تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه الى يوم القيامة وقال في السخط مثل ذلك قوله يرفع الله بها درجات كذا في رواية المستملي والسرخسي وللنسفي والأكثر يرفع الله له بها درجات وفي رواية الكشميهني يرفعه الله بها درجات قوله يهوي بفتح أوله وسكون الهاء وكسر الواو قال عياض المعنى ينزل فيها ساقطا وقد جاء بلفظ ينزل بها في النار لأن دركات النار الى أسفل فهو نزول سقوط وقيل أهوى من قريب وهوى من بعيد وأخرج الترمذي هذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم التيمي بلفظ لا يرى بها بأسا يهوى بها في النار سبعين خريفا
شرح الامام يحي بن شرف الدين النووي لصحيح مسلم رحمهما الله تعالى
... ... ... باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار(وفي نسخة: باب حفظ اللسان
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا بَكْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ) عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلّمُ بِالْكَلِمَةِ، يَنْزِلُ بِهَا فِي النّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ".(2/2)
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكّيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدّرَاوَرْدِيّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: "إِنّ الرجل لَيَتَكَلّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار" معناه لا يتدبرها ويفكر في قبحها ولا يخاف ما يترتب عليها، وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة، وكالكلمة تقذف، أو معناه كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم ونحو ذلك، وهذا كله حث على حفظ اللسان كما قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فليقل خيراً أو ليصمت" وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نطقه فإن ظهرت مصلحته تكلم وإلا أمسك.
... ... ... تم والحمد لله رب العالمين
... ... ... ... ... ... أسأل الله العليم الحكيم أن يجعله خالصا لوجهه الكريم،
... ... ... ... ... ... وأن ينفع به من قرأه وعمل بما جاء فيه ابتغاء رضوان
الله واتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم
... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... أبو يوسف محمد زايد
... ... ... ... ... ... ... يوم 3 رمضان المبارك عام 1426
... ... ... ... ... ... ... ... الموافق ليوم 07-09-2005(2/3)