الدكتور محمد علي الزركان
الجهود اللغوية في المصطلح العلمّي الحديث
دراسة
منشورات اتحاد الكتاب العرب
1998
تصميم الغلاف للفنان: اسماعيل نصرة
الإهداء
إلىشقيقي الذي كان يلهمني روح التجرد العقلي
منذ أعد رسالة الدكتوراه
" الجانب العقلي عند الماتورية"...
المرحوم محمد صالح الزركان - طيب الله ثراه
(
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
يبدو أن حركة وضع المصطلحات العلمية التي تجمدت في عصور الانحطاط بسبب توقف النشاط العلمي وانحسار العربية وانغلاقها قد عادت إلى النشاط من جديد حالما بدأت اللغة العربية تتجدد في مطلع القرن التاسع عشر.
وكان ذلك القرن يمثل مرحلة انتقالية مورس خلالها وضع المصطلحات العلمية الحديثة (تعريبا أو ترجمة) من خلال اللغتين المسيطرتين في الأقطار العربية وهما الفرنسية والانكليزية واللتين رافقتا ودعمتا الحضور الأجنبي الاستعماري.
فلقد بدأ العرب وفي مصر خاصة بالعناية بالعلوم التطبيقية ووضع مصطلحاتها بداية حسنة سليمة قامت على ترجمة المؤلفات والمنجزات العلمية إلى اللغة العربية كما درسوها في مدارسهم العليا بلغتهم العربية أول الأمر، ثم توقفوا عن ذلك قبيل انتهاء القرن التاسع عشر فأصيبت العربية بنكسة ما تزال تعاني منها حتى اليوم إذ مازالت معظم العلوم التطبيقية في الجامعات والمعاهد العليا العربية _ غير السورية - تدرس بإحدى اللغتين الانكليزية أو الفرنسية.
وبعد الحرب العالمية الأولى صار لوضع المصطلح العلمي مؤسساته الرسمية فالمجمعان في دمشق (1919) وفي القاهرة (1932) هما اللذان عنيا بالمصطلحات العلمية الحديثة، وكانت عنايتهما لغوية لفظية، ولكنهما فتحا الطريق أمام المؤسسات والهيئات المتخصصة الأخرى في وضع المصطلحات العلمية وتوليدها.(1/1)
وأول ما فعله مجمع دمشق كان تعريب المصطلحات العسكرية للجيش العربي زمن الملك فيصل بن الحسين، وكان هم بعض أعضائه من الأطباء أن يجعلوا لغة الطب عربية صحيحة وقد فعلوا.
أما مجمع القاهرة فقد كانت اتجاهاته معجمية شمولية في الإطار نفسه، وعلى الطريقة نفسها جرى مجمعا بغداد وعمان من بعد.
وبعد الحرب العالمية الثانية تأثر وضع المصطلح العلمي كل التأثر بأجواء الاستقلال والحرية التي شملت المنطقة، وبالنمو الواسع للتعليم، إذ دخلت مصطلحات جديدة ما كانت بالحسبان، فولجت هذا الميدان جماعات أخرى ومؤسسات غير المجامع، إذ دخله أساتذة الجامعات بالإضافة إلى أساتذة الجامعة السورية (جامعة دمشق حاليا) الذين سبقوا في هذا المضمار، ثم دخلته مؤسسات البحث العلمي والمعاهد العليا بأنواعها.
ولقد كثر عدد نقلة العلوم الحديثة وعدد المؤلفين في تلك العلوم، فاختلفت بهذا المصطلحات العلمية اختلافاً كبيراً، وصار هذا الاختلاف داء من أدواء لغتنا العربية، وهو ينمو ويستشرى كلما اتسعت دائرة الثقافة والعلوم في بلاد العرب.
كما كثر المتصدون لوضع المصطلحات العلمية، سواء كان ذلك من خلال تآليفهم التي كانوا يضعونها بين أيدي طلابهم في المدارس المتخصصة العالية، أم من خلال تصنيف المعاجم العلمية المتخصصة. واستمرت أعمالهم في تزايد مستمر حتى العصر الحاضر، فإن العقد السابع من هذا القرن شهد من المعاجم الاصطلاحية المتخصصة مالم يشهده عقد في تاريخ العربية على مداه الطويل.(1/2)
وطبيعي أن تتجه جهود هؤلاء العلماء والباحثين إلى مواكبة ما تتطلبه تلك النهضة العلمية من المصطلحات الجديدة. وقد شهدت لهم مؤلفاتهم الكثيرة بأنهم بذلوا جهدهم ولم يقصروا في السعي إلى وضع المصطلحات العلمية العربية لما استجد من مفاهيم علمية، ولكن بعض المعوقات قد شتت تلك الجهود وأضعفت قيمتها العلمية. وسيتناول هذا البحث الجهود التي بذلت في وضع المصطلحات وتصنيف المعاجم العلمية في عصر النهضة الحديثة، أي منذ بدايات القرن التاسع عشر حتى نهايات القرن العشرين. ولقد اقتصر البحث على مصطلحات العلوم التطبيقية دون مصطلحات العلوم الإنسانية وألفاظ الحضارة التي ليست موضوع هذا البحث، إلا ما ورد منها عرضاً ضمن سياق معين من قبل أحد الباحثين.
وقد تتابعت الموضوعات حسب التسلسل الزمني قدر الامكان وجاءت طريقة العرض متخذة صفة الوصف والتفسير إن أمكن من غير أن يكون هناك موقف سابق يسعى إلى نصرة أحد على أحد، أو ينتصر لهذا المؤلف أو لتلك الهيئة أو المؤسسة دون غيرهما. فالمبدأ الأساس هو عرض الجهود اللغوية في المصطلح العلمي الحديث ضمن موضوعية لغوية بعيدة عن الهوى والتسرع في إصدار الأحكام ما أمكن ذلك.
هذا وقد أفادت الدراسة من مصادر ومراجع كثيرة ومتنوعة سواء ما ألف منها في القرن الماضي أم في القرن الحالي. وسواء كانت مؤلفات علمية تدريسية أم معاجم اصطلاحية متخصصة. فكانت دراستي التي كان موضوعها(الجوانب اللغوية عند أحمد فارس الشدياق) قد فتحت لي آفاق الاهتمام بالمصطلحات العلمية والجهود اللغوية المبذولة من أجلها. وذلك لأن الشدياق اهتم بوضع المصطلحات العلمية والحضارية اهتماماً كبيراً، فقد عاش في عصر النهضة في مصر والشام ثم انتقل إلى أوربة واطلع على ما عند القوم من مخترعات ومبتكرات جديدة، فأحاط بما لم يحط به غيره في قضايا المصطلح العلمي في ذلك الوقت.(1/3)
كما أفادت الدراسة من مجموع المحاضرات التي ألقاها المرحوم مصطفى الشهابي على طلاب معهد الدراسات العربية بالقاهرة، والتي جمعها في كتاب (المصطلحات العلمية في اللغة العربية في القديم والحديث).
وقد حفزتني كلمته في مقدمة الطبعة الأولى من كتابه هذا حين قال : " فأرجو أن تنبه هذه المحاضرات الموجزة طلاب المعهد على الاهتمام بقضية المصطلحات، لأنها أهم قضية تعترض سبيلنا عندما نحاول جعل لغتنا الضادية المضرية صالحة للتعليم العالي وللتعبير عن حاجات الحياة العصرية " ويعد كتابه هذا من أهم الكتب التي ألفت في هذا الموضوع خلال النصف الأول من القرن الحالي. ولا أظن أحداً قد تناول المصطلحات العلمية بالدراسة والتأليف بعد الشهابي إلا ما كان من بعض المقالات المتفرقة في أعداد مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة وبعض أعداد مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق وفي مجلة (اللسان العربي) التي يصدرها مكتب تنسيق التعريب بالرباط والتي أفادت منها هذه الدراسة إفادة ملحوظة.
أما المعاجم المتخصصة في المصطلحات العلمية سواء كانت جهودا فردية أم جهودا جماعية فقد أغنت الرسالة بمعالجاتها المصطلحات العلمية التي أنجزتها فضلاً عن منهجيتها في التأليف المعجمي المصطلحي المتخصص إذ كان لكل منهجيته الخاصة به ولكل أسلوبه في التأليف المعجمي الاصطلاحي.
ولقد كان من وراء هذه المنهجية هدف علمي كان الحافز على إنشاء الدراسة وهو كشف الجهود اللغوية على مستويات مختلفة في وضع المصطلح العلمي الحديث . فقد توخينا منه دعم العربية الفصحى وتمكينها من حمل العلوم والتقنية في العصر الحديث. وتجدر الإشارة إلى أننا أفدنا من هذه المراجع بحسب ما سمح به منهج البحث وحدوده من غير تزيّد أو اسراف في الحواشي اظهاراً لسعة الاطلاع.(1/4)
وهذا البحث مرجو منه أن يحقق غاية أساسية هي الوصول إلى منهجية متفق عليها لوضع المصطلحات العلمية باللغة العربية تتصف بالتحديد والوضوح، كما يهدف إلى تحقيق غايتين اثنتين:
الأولى : أن يدفع عن اللغة العربية تهمة التقصير والعجز، ويرد إلى نفوس المتحدثين بها شيئاً من الثقة بالنفس أريد لهم أن يفتقدوه منذ زمن عبر خطط مدبرة.
الثانية : المشاركة في الجهد المبذول لجعل اللغة العلمية في بعض جوانبها العامة متاحة للجميع، وليست وقفاً على فئة قليلة من الناس تقرأ وتتحدث بغير اللسان العربي.
المنهج والخطة :
لقد ارتئي أن يقسم البحث من حيث الزمن إلى مرحلتين رئيسيتين كانت نهاية الحرب العالمية الأولى فاصلاً بينهما، وذلك لأن تلك الحرب كانت فاصلا تاريخيا هاماً في المشرق العربي بين عهدين هما : عهد الدولة العثمانية الذي انتهى بنهاية الحرب العالمية الأولى، وعهد الاستقلال الذي بدأ بعد نهاية تلك الحرب، حتى إنه ليمكن القول إنها كانت فاصلاً متميزاً بين القرنين التاسع عشر والعشرين ولا شك أن هذا التقسيم تقريبي لاحتمي، إذ لايمكن الفصل بين مرحلة تاريخية وأخرى فصلاً دقيقاً قاطعاً، وذلك بسبب تداخلهما وتلاحمهما من جهة واختلافهما من جهة أخرى. حتى أن المرحلة التاريخية الواحدة يصعب أن يدل عليها ويستوعبها عنوان واحد ينطبق على كل ما تحتويه من أحداث، إذ لابد من وجود فروق جزئية قلت أم كثرت. فلا يعقل أن تستمر مرحلة تاريخية تقارب القرن من الزمن على وتيرة واحدة دون تحول أو تبدل أو تطور، وخاصة بعد قيام الحرب العالمية الثانية التي قلبت المفاهيم العلمية رأساً على عقب. فقد تقدمت المخترعات العلمية بأنواعها تقدماً لم يسبق له مثيل، مما حمل العلماء واللغويين على وضع أوتوليد مصطلحات جديدة لم يكن لها وجود من ذي قبل، أو أنهم أعادوا النظر في المصطلحات القديمة التي تخطاها الزمن.(1/5)
ولقد اقتضت طبيعة البحث هذا التقسيم التاريخي التقريبي، نظراً لأن العمل العلمي كان متصلاً اتصالاً وثيقاً بين المرحلتين وخاصة في أعمال العلماء والباحثين الذين عاشوا نهاية الأولى وبداية الثانية.
وصار المشرق العربي في المرحلة التاريخية الثانية يشكل وحدة متكاملة في الجهود اللغوية في وضع المصطلحات العلمية الحديثة. فظهر تعاون بين الأفراد من جهة والمؤسسات العلمية من جهة أخرى في كل من مصر والشام والعراق.
فالمرحلة الأولى ابتدأت بأوائل القرن التاسع عشر وانتهت بنهاية الحرب العالمية الأولى، وهي التي يمكن أن يطلق عليها (عصر النهضة) وقد خصص لها الباب الأول من الرسالة كما سيأتي، أما المرحلة الثانية فقد ابتدأت بنهاية الحرب العالمية الأولى وما تزال مستمرة حتى اليوم، ويمكن أن يطلق عليها (العصر الحديث)، وقد خصصت لها الأبواب الثلاثة الباقية من الرسالة، كما سنرى.
وأما من حيث المنهجية فقد انقسم هذا البحث إلى أربعة أبواب وخاتمة.
فالباب الأول : خصص لبحث وضع المصطلح العلمي في المشرق العربي في عصر النهضة منذ بدايات القرن التاسع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وهذا الباب - كما قلنا - مخصص لاستيعاب المرحلة التاريخية الأولى وقد انقسم إلى ثلاثة فصول. تناول الفصل الأول المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في مصر، والطريقة التي اتبعت في نقلها، مبيناً جهود الأساتذة الأجانب والمصريين في نقل هذه العلوم ووضع مصطلحاتها في مدرسة الطب المصرية. وتناول جهود المترجمين من غير الأطباء والأساتذة، وجهود المحررين والمصححين في وضع وتوليد المصطلحات العلمية كما أشار إلى صعوبة ترجمة هذه المصطلحات ومحاولة التغلب عليها.
وأما الفصل الثاني فقد تناول المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في الشام مشيراً إلى جهود أساتذة الكلية السورية الانجيلية، وإلى جهود الكتاب والمترجمين من غير أساتذة الكلية في وضع المصطلحات العلمية.(1/6)
وأما الفصل الثالث فقد تناول المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة بين الشام ومصر والعراق، مشيراً إلى جهود الدكتور يعقوب صروف ومجلة (المقتطف) في وضع المصطلحات العلمية وتوليدها. وأشار أخيراً إلى وضع المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في العراق الذي كان نشاطه محدوداً في هذا الشأن.
وأما الباب الثاني : فقد خصص لجهود مجامع اللغة العربية الأربعة ومنهجيتها في وضع المصطلحات العلمية، فأفرد لكل مجمع منها فصلاً خاصاً به.
فكان الفصل الأول للبحث في جهود مجمع اللغة العربية بدمشق (المجمع العلمي العربي سابقا) مذ بدأ بوضع المصطلحات الإدارية وغيرها في مراحله الأولى. كما بحث في أعمال مجلة المجمع ودورها في وضع وتوليد المصطلحات العلمية الجديدة.
أما الفصل الثاني فقد تناول جهود مجمع اللغة العربية بالقاهرة في وضع المصطلحات العلمية وتوحيدها، وقد بدأ بلمحة موجزة عن تاريخ المحاولات الأولى لا نشاء هيئات لغوية علمية تشبه المجامع، وعن إنشاء المجمع الحالي والأدوار التي مر بها كما تناول البحث منهجية المجمع في قبول المصطلحات، وكيفية صوغها، كما استعرض بعض قرارات المجمع في أقيسة اللغة وأوضاعها، وقراراته في الترجمة والتعريب كما تناول التوصيات الخاصة بوضع المصطلحات العلمية والأمثلة عليها.
والفصل الثالث تناول جهود المجمع العلمي العراقي ومساهمته في وضع المصطلحات العلمية، فتكلم عن المحاولات الأولى لانشاء المجمع، والقواعد التي سار عليها المجمع القديم في وضع المصطلحات وتوليدها. ثم وقف عند أعمال المجمع الجديد ومنهجيته في وضع المصطلحات العلمية واقرارها. وأشار في النهاية إلى عدد من مجموعات المصطلحات العلمية في العلوم المختلفة التي وضعها المجمع وأقرها.(1/7)
أما الفصل الرابع فكان لأعمال مجمع اللغة العربية الأردني وأهدافه ووسائله لتحقيقها، ومنهجيته في وضع المصطلحات العلمية، وجهوده في تعريب كثير من مصطلحات العلوم المختلفة التي تدرس في الجامعات الأردنية، والمنهج الذي كان يتبعه في عملية التعريب. وإفادة المجمع من الحاسوب في تدوين مصطلحاته التي عربها وأقرها.
والباب الثالث : تناول الجهود الأخرى غير المجمعية في وضع المصطلحات وتأليف المعاجم العلمية المتخصصة، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حتى نهايات هذا القرن. وقد انقسم إلى تمهيد وثلاثة فصول.
أما الفصل الأول : فكان لإبراز جهود الجامعة السورية (جامعة دمشق) في وضع المصطلحات العلمية وتوليدها، وتأليف المعاجم المتخصصة. وقد تناول جهود أساتذة الجامعة في تأليف الكتب العلمية ووضعهم المصطلحات لهذه التآليف ومنهجيتهم في وضع هذه المصطلحات. كما أشار إلى بعض المشكلات التي يتعرض لها المصطلح، والجهود المبذولة للقضاء عليها. وتحدث عن مجلة (المعهد الطبي العربي) ودورها في وضع المصطلحات العلمية وتحقيقها ومناقشتها. وتناول جهود أساتذة الجامعة في تصنيف المعاجم العلمية مثل ترجمة معجم (كليرفيل) الكثير اللغات وتأليف (معجم العلوم الطبية).(1/8)
وأما الفصل الثاني فكان لاستعراض جهود هيئات ومنظمات أخرى في وضع المصطلحات وتصنيف المعاجم العلمية المتخصصة، فبدأ بجهود وزارة الدفاع السورية التي وضعت (المعجم العسكري) و (المعجم الكهربائي الالكتروني). كما تناول جهود لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية في وضع (المعجم العسكري الموحد) ثم أشار إلى جهود القوات المسلحة المصرية في وضع معجم المصطلحات الفنية). وإلى جهود اتحاد الأطباء العرب، ووزراء الصحة العرب، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في وضع (المعجم الطبي الموحد) وإلى جهود اتحاد المهندسين العرب في وضع (المعجم الشامل للمصطلحات الفنية للهندسة والتكنولوجيا والعلوم...) إلخ ثم أنهى الفصل بخاتمة وتعليق وتقويم.
والفصل الثالث تناول جهود الأفراد في وضع المصطلحات وتأليف المعاجم العلمية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حتى أواخر هذا القرن، فاستعرض جهود خمسة عشر معجمياً كانت أعمالهم ذات أثر فعال في مسيرة وضع المصطلحات العلمية وتصنيف المعاجم العلمية المتخصصة أمثال الدكتور أمين المعلوف والأب أنستاس مارى الكرملي ومحمد شرف ومصطفى الشهابي.... وغيرهم. وأنهي الفصل بإجراء موازنة أو مقارنة بين ثلاثة معاجم طبية حديثة كان القصد منها ايضاح التحول من التعريب أوالاقتراض اللغوي إلى الألفاظ والمفردات العربية الدالة على المفاهيم العلمية. واختتم بملاحظات حول جهود هؤلاء الأفراد وتقويمها.
وأما الباب الرابع : فكان بعنوان (سبل توحيد المصطلح العلمي العربي) وسيبحث هذا الباب في الجهود التي قامت بها هيئات ومؤسسات ومنظمات عربية من أجل التنسيق بين المصطلحات العلمية والعمل على توحيدها في الأقطار العربية، وعلم المصطلحات وضرورة تدريسه في المعاهد العليا والجامعات العربية. وقد انقسم هذا الباب إلى تمهيد وأربعة فصول.(1/9)
فالفصل الأول : كان لبحث جهود اتحاد المجامع اللغوية العربية، فمهد بلمحة موجزة عن نشأة الاتحاد، ثم عرض لتوصيات لجنة المصطلحات العلمية المنبثقة عن مؤتمره الأول، كما استعرض الندوات التي عقدها الاتحاد.
أما الفصل الثاني : فقد تناول جهود مكتب تنسيق التعريب بالرباط فمهد بلمحة موجزة عن تأسيس المكتب والغاية من انشائه، ثم بين منهجيته في توحيد المصطلحات العلمية ووضع مشاريعه المعجمية. كما بين مفهوم التنسيق والمنهج الذي رسمه المكتب لنفسه في ذلك. وأشار إلى كيفية وضع مشروعات المعاجم المصطلحية العلمية، والوسائل المتبعة في انجاز هذه المعاجم. كما تناول الفصل قضية المكتب وبنوك المصطلحات العلمية، ودعوته إلى انشاء بنك المصطلحات المركزي وتطرق إلى مؤتمرات التعريب والنتائج المتمخضة عنها وتوصياتها وإلى ندوة توحيد منهجيات وضع المصطلح العلمي، وإلى الدور الذي قامت به مجلة (اللسان العربي) في نشر المصطلحات ومشروعات المعاجم المتخصصة، ثم استعرض الفصل بعض المعاجم التي نشرها المكتب بمؤازرة هيئات عربية أخرى، ثم اثبات نماذج من التباين في تسمية المصطلحات في بعض المعاجم العلمية الموحدة التي شاركت المنظمة العربية للتربية والثقافة في اصدارها.
وتناول الفصل الثالث : جهود بعض الهيئات والمنظمات في توحيد مصطلحاتها، فتكلم عن مشروع (راب) لترجمة مصطلحات الاتصالات السلكية واللاسلكية. كما تكلم عن جهود المنظمة العربية للمواصفات والمقاييس وعن أعمال المعهد القومي للمواصفات والملكية الصناعية بتونس وتكلم أخيراً عن البنك الآلي السعودي (باسم).(1/10)
وتناول الفصل الرابع : علم المصطلحات : تعريفه، نشوؤه، ونموه وتدريسه في الجامعات. كما تناول تجربة معهد بورقيبة في تدريس علم المصطلحات وأشار إلى اهتمام المعهد القومي للمواصفات والمقاييس بتونس بهذا العلم، والدعوة إلى تدريس علم المصطلحات في الجامعات العربية. وأخيراً اختتمت الرسالة بأهم النتائج التي توصل إليها البحث.
ومهما يكن من أمر فإن هذا العرض السريع لما انطوى عليه هذا البحث لايتعدى أن يكون - فيما أرى - ملخصاً عرض فيه موضوع الدراسة وخطتها من خلال الأبواب والفصول عرضاً سريعاً. وهو قاصر حتماً عن التعريف المفصل لمحتوى هذا البحث. فلا بد لمن يريد الوقوف على التفاصيل من أن يتأمل كل فصل من فصوله ويقف عند سائر جزئياته وقفة متأنية غير مستعجلة لعله يجد ما يفيد منه في التعرف على الجهود المبذولة من قبل الأفراد والجماعات في ايجاد المصطلحات العلمية العربية وتوليدها، منذ بدايات القرن الماضي وحتى نهايات هذا القرن.فلقد هدف هذا البحث إلى إبراز قدرة اللغة العربية على أن تكون لغة العلوم والفنون تتدفق فيها الحياة كما كانت أيام عزها وازدهارها، فاللغة التي لا تتمكن مفرداتها من الوفاء بمصطلحات العلوم الحديثة مقضي عليها بالجمود والتخلف والموت، وليست لغتنا كذلك.
وأستميح القارئ الكريم العذر فأقول : إذا كنت أصبت فذلك المنشود والمأمول، وإلا فحسبي أنني ما كنت لحظة ضنينا في تلمس الصواب وابتغاء سواء السبيل. متمثلاً بما صنع الدكتور حسني سبح حين قال:
" ولست أدعي أنني جئت فيما عرضت له بالقول الفصل، وأكبر ظني أنني لو أتيح لي معاودة النظر فيما كتبت لزدت أشياء وغيرت أشياء، إلا أنني أرجو أن أكون بما صنعت قد قدمت خدمة ولو ضئيلة، وأن أكون قد ذللت بعض المصاعب، وفتحت الباب أمام الباحثين الآخرين، لأن الحاجة إلى متابعة العمل وتضافر الجهود ستظل قائمة مادام العلم في تطور ونمو".(1/11)
ولم يكن لي ذلك كله لولا رعاية أستاذي الفاضل الدكتور شاكر الفحام الذي تفضل بالإشراف على هذه الرسالة - على الرغم من ضيق وقته - وأحاطها بعلمه وكرمه وصبره، ولم يدخر وسعاً في تعديلها وتصحيحها، فلقد وجدت في آرائه الرصينة خير مرشد فيما سلكت، حتى استوت على صورتها الحاضرة. فإن اعتراها بعض النقص فعلي وزره، وإن لاقت القبول والرضا فمن بعض فضله، فجزاه الله عني الجزاء الأوفى. وحسبي شفيعاً صدق مابذلت، راجياً من الله تعالى السداد والرشاد في الفكر والقول والعمل.
كما أتوجه بالشكر إلى الأساتذة الكرام أعضاء لجنة الحكم لما تجشموه من عناء في قراءة البحث واصلاح ما انآد منه، وإني على ثقة بأن ملاحظاتهم وآراءهم القيمة ستغني البحث وستكون موضع اهتمام وتقدير إن شاء الله.
محمد علي الزركان.
((
/ الباب الأوّل /
وضع المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة
في المشرق العربي في عصر النهضة
التمهيد
بدء نقل العلوم الحديثة في عصر النهضة والحاجة
إلى المصطلح العلمي الجديد :
لقد خبا نجم المدينة العربية، وضعفت اللغة في عصور الركود التي عانت منها الأمة العربية، حين هاجمتها جحافل الفرنجة (الصليبيين) العتاة من الغرب، وتوالت عليها غارات المغول والتتر المدمرة من الشرق، ثم كان سقوط غرناطة وخروج العرب من الأندلس واستيلاء العثمانيين على البلاد العربية " وبينما كانت البلاد الأوربية تسير إلى الأمام سيرا حثيثاً في نهضتها العلمية الحديثة، كانت الدولة العثمانية تغط في نومها العميق، حتى سميت (بالرجل المريض). وكان عهد الأتراك العثمانيين من أقسى العهود التي مرت على اللغة العربية وآدابها. فقد اتخذت هذه الدولة اللغة التركية دون غيرها لغة رسمية لها، حتى في البلاد العربية، وكانت هذه اللغة لغة التدريس في مدارسها، واللغة العربية نفسها كانت تدرس فيها بالتركية.(1/12)
ومع هذا يجب أن نذكر أنه عندما تنبه رجال الدولة العثمانية في القرن الماضي خاصة إلى ضرورة مجاراة الغرب في التعليم، وفتحوا بعض المدارس لتعليم العلوم الحديثة فيها، اضطر العلماء في هذه الدولة إلى اقتباس المصطلحات العلمية العربية وإلى ادماجها في لغتهم، لأن اللغة التركية لاتسد الحاجة إلى الألفاظ العلمية.(1/13)
والعربية هي النبع الذي تستقي منه التركية كلماتها العلمية، أي إن العربية بالنسبة إلى التركية كاللاتينية واليونانية بالنسبة إلى لغات أوربة الكبيرة الآن. فعلماء الترك اقتبسوا من كتبنا القديمة بعض مصطلحاتها العلمية، كما اقتبسوا مصطلحات الكتب العربية التي ألفت أيام محمد علي واسماعيل في مصر، ولكنهم لم يوجدوا مصطلحاً عربياً جديداً " (1) " ويبدو أن حركة ترجمة المصطلح العلمي أو تعريبه التي تجمدت في عصور الانحطاط بسبب توقف الاجتهاد اللغوي، وانحسار العربية وانغلاقها في قوالب محنطة، قد عادت إلى النشاط من جديد حالما بدأت اللغة العربية تتجدد في مطلع القرن التاسع عشر على يد علماء النهضة في مصر، ومنذ أن أخفقت حركة التتريك التي استهدفت القضاء على التعامل باللغة العربية داخل الدولة العثمانية (2) " " ولقد شهد القرن التاسع عشر تقدماً في العلوم وتوسعاً في المخترعات لم تشهد لهما البشرية مثيلاً في القرون الماضية، فقد تمكن الإنسان الأوربي من اكتشاف قوة البخار واستعمالها، فسير بها القاطرات الحديدية والسفن، واكتشف الكهرباء، واستنبط طرقاً وأدوات وأجهزة لقياس الحرارة وسرعة الضوء، وتحليل المواد الكيمياوية، والتصوير الفوتوغرافي، وتحليل الطيف الشمسي، وأثبت دوران الأرض بالتجربة، واكتشف كريات الدم ووظائفها، واستعمل المضادات في العمليات الجراحية، وتقدم العلماء بنظريات عديدة كان لها صدى واسع في أوساط المثقفين والمفكرين. وتعرف العرب على هذه المنجزات العلمية من خلال اتصالهم بأوربة، فوقفوا منها موقف المشدوه في بداية الأمر، ثم مالبثوا أن استوعبوها بعد تأسيس المدارس العصرية في مدنهم على يد محمد علي في مصر أولاً، ثم على أيدي الارساليات التبشيرية في بلاد الشام.
__________
(1) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية / 41-42 / 1965
(2) الصيادي ، محمد المنجي / التعريب ودوره في تدعيم الوجود العربي / 31/ 1982(1/14)
وكانت حملة نابليون على مصر بداية اطلاع العرب على منجزات أوربة العلمية ومخترعاتها الحديثة. فقد اصطحب نابليون عدداً من العلماء في مختلف الميادين والاختصاصات. وأذهلت تجاربهم العلمية مؤرخ العصر الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، الذي وصف العديد منها في كتابه المشهور (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) ولم يخف دهشته وإعجابه بها "(1)
إذن كان مطلع القرن التاسع عشر يمثل مرحلة انتقالية في تقدم العلوم والفنون مورست خلالها ترجمة المصطلحات العلمية وتعريبها من اللغتين اللتين كانتا سائدتين في الأقطار العربية، نعني الفرنسية والانكليزية اللتين رافقتا الحضور الأجنبي.
" ثم إنه لم يمر على اللغة العربية عصر أثر في ألفاظها وتراكيبها تأثير النهضة الأخيرة في أواسط القرن التاسع عشر، لأنها جاءتها مفاجئة، دفعة واحدة، فانهالت فيها العلوم انهيال السيل، وفيها الطب والطبيعيات والرياضيات وفروعها، ولم تترك للناس فرصة للبحث عما تحتاج إليه تلك العلوم من الألفاظ الاصطلاحية، مما وضعه العرب أو اقتبسوه في نهضتهم الماضية، ولا لوضع مصطلحات جديدة. والسبب في ذلك أن الذين اشتغلوا في ميادين العلوم الحديثة عند أول دخولها مصر والشام في أواسط القرن الماضي لم يكونوا على معرفة واسعة بعلوم اللغة، فلما ترجموا تلك العلوم إلى اللغة العربية لم يهتدوا إلى مصطلحاتها القديمة، أو اهتدوا إلى بعضها، ووضعوا لبعضها الآخر ألفاظاً لا تنطبق على المراد بها تمام الانطباق، لكنها صقلت بتوالي الأعوام، وصارت تدل على المراد كما أصاب أمثالها في أثناء النهضة العباسية وغيرها.
__________
(1) المحافظة ، علي / الاتجاهات الفكرية عند العرب / 203 / 1980
... وانظر : الجبرتي، عبد الرحمن، عجائب الآثار في التراجم والأخبار/ ج3ص36 /1958(1/15)
ولما انقضت تلك المرحلة وتكاثرت المدارس ونشأ الكتاب وعلماء اللغة، عادوا إلى النظر فيما دخل اللغة من المصطلحات العلمية أو الإدارية الجديدة، ولكنهم قلما استطاعوا تبديل شيء منه لتأصله وشيوعه في الكتب والجرائد والأندية وغيرها" (1)
" وبعد : فمن الواضح أن مانرمي إليه في هذه الكلمات الموجزة عن اتساع العلوم الحديثة، هو أن التعبير عن هذه العلوم قد حمل علماء الغرب على ايجاد آلاف مؤلفة من المصطلحات الجديدة ضموها إلى لغاهم أواللغة العلمية، على حين أن لغتنا خلو منها أو من معظمها "(2)
وسنستعرض في هذا الباب ما كان من جهود لغوية في وضع المصطلحات العلمية في المشرق العربي في عصر النهضة الأولى الذي يمكن تحديده ببدايات القرن التاسع عشر ونهاية الحرب العالمية الأولى تقريباً. وحسب طبيعة البحث فقد قسمناه إلى ثلاثة فصول هي :
الفصل الأول ... : المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في مصر
الفصل الثاني ... : المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في الشام
الفصل الثالث ... : المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة بين مصر والشام والعراق.
(((
(الفصل الأول)
المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في مصر
... تمهيد
1. ماهي العلوم الحديثة التي ترجمت إلى العربية.
2. الطريقة المتبعة في نقل هذه العلوم إلى اللغة العربية في مدرسة الطب.
3. جهود الأساتذة الأجانب بمدرسة الطب في وضع المصطلحات.
4. جهود الأساتذة المصريين في وضع المصطلحات.
5. جهود المترجمين من غير الأطباء والأساتذة في وضع المصطلحات.
6. جهود المحررين والمصححين في وضع المصطلحات.
7. صعوبة ترجمة المصطلحات العلمية ومحاولة التغلب عليها.
8. خاتمة وتعليق.
تمهيد :
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ اللغة العربية باعتبار أنها كائن حي / 53 .
(2) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية في اللغة العربية / 30- 32 / .(1/16)
" انفتحت مصر على الحضارة الغربية، في عهد محمد علي حرصا منه على تقدمها وجعلها دولة عصرية ذات جيش نظامي قوي، فأوفد البعثات العلمية إلى العواصم الأوربية، واستقدم الأساتذة والخبراء والمدربين، وأنشأ المدارس والمعاهد المختلفة.
فأرسل أول بعثة علمية إلى ايطاليا عام 1813 ثم اتجهت أنظاره إلى فرنسا وبريطانيا(1). واستعان بعلماء من الفرنسيين خاصة، ففتح بضع مدارس للعلوم العسكرية ومدرسة طبية ومدرسة للهندسة ومدرسة زراعية ومدرسة للصناعات والفنون ومدرسة للألسن والترجمة، وأوجد أول جريدة عربية هي " الوقائع المصرية " وبلغ مجموع ما أوفده محمد علي إلى المعاهد الأوربية عامة والفرنسية خاصة أكثر من ثلاثمئة طالب يدرسون فيها علوم عصره المختلفة. فعاد منهم إلى مصر أساتيذ كان لهم دور بارز في حياة مصر العلمية.
وكانت اللغة العربية لغة الحكومة الرسمية ولغة التدريس في جميع مدارس الحكومة على مختلف درجاتها وأنواعها، خلافاً لما كانت عليه الحال في مدارس البلاد العربية الأخرى التابعة للدولة العثمانية إذ كان التدريس فيها باللغة التركية، وهي اللغة الرسمية في تلك البلاد " (2)
1) ماهي العلوم الحديثة التي ترجمت إلى العربية ؟
__________
(1) الرافعي ، عبد الرحمن / تاريخ الحركة القومية في مصر / 3/ 452 . وعلي المحافظة في الاتجاهات الفكرية عند العرب / 205
(2) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية / 43.(1/17)
" هي العلوم التي نقلت عن اللغات الافرنجية في هذه النهضة من كتب الطب والطبيعيات كالتاريخ الطبيعي والكيمياء، والرياضيات كالحساب والهندسة والجبر والميكانيكا والفلك، والعلوم الحربية.... وأكثرها نقل للتعليم في المدارس الكبرى بمصر والشام. ومصر أسبق في هذه المنقبة في زمن محمد علي، وأكثر المشتغلين في ذلك من أبناء البعثة الأولى وتلاميذ مدرسة الطب في النصف الأول من القرن التاسع عشر واشترك معهم بعض المترجمين السوريين وغيرهم، وأكثر منقولاتهم عن الفرنسية والايطالية.
ثم شاركت في هذه المهمة الكلية الأمريكية في بيروت، وهي أسبق مدارس سورية إلى ذلك، وكل منقولاتها عن اللغة الانكليزية. والغالب أن يتصرفوا في النقل بين توسيع وتلخيص واقتباس من كتب مختلفة، وهو التأليف. ويندر فيهم من نقل نقلاً خالصاً " (1)
" إذن بدأ التعريب علمياً في مصر والشام، فجهود رجال محمد علي كانت علمية تقنية، فإذا كان الطب قد درس في مدرستي أبي زعبل وقصر العيني باللغة العربية، فقد درس كذلك في الجامعة الأمريكية منذ انشاء كلية الطب فيها ولمدة تزيد على خمسة عشر عاماً باللغة العربية كذلك " (2)
2) الطريقة المتبعة في نقل هذه العلوم إلى اللغة العربية
في مدرسة الطب
" بدأ نقل هذه العلوم في عهد محمد علي. على أن هذه المنقولات لم تنقل في وقت واحد بل تدرج المصريون في نقلها حسب الحاجة "
"وبذلت الجهود أولاً في نقل الطب وما يتفرع عنه من العلوم الطبيعية ونحوها، فاستقدم الأطباء الافرنج للقيام بتدريسه في مصر، ولما كان الطلاب المصريون لايعرفون اللغات الافرنجية، جيء لهم بالمترجمين يتوسطون بينهم وبين أساتذتهم في ترجمة تلقينا ثم تدوينا ثم طبعاً.
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية / 4/ 164 .
(2) مصطفى ، شاكر / التعريب ودوره في تدعيم الوطن العربي / 216 . ويلاحظ أن كلمة (تدعيم ) على وزن ( تفعيل ) لم ترد في معاجم اللغة العربية .(1/18)
" على أن هذه العلوم كان يقوم بترجمتها أو تأليفها غالباً أساتذة هذه العلوم أو معلموها. كل معلم يترجم أو يؤلف في العلم الذي يعلمه في المدرسة. وكان عملهم في زمن محمد علي أكثره ترجمة، ثم صار زمن اسماعيل أكثره تأليفاً، وهو في الأغلب مأخوذ عن كتب افرنجية تلخيصاً أوجمعاً ".
" وكان النقلة في أول الأمر من غير أرباب الفنون التي ينقلونها، أو ممن ليسوا متمكنين من اللغة العربية ومصطلحاتها العلمية، فكان نقلهم غير دقيق، وفيه بعض الأخطاء، فاحتاجوا إلى من يقرأ الترجمات والأصل بين يدي مؤلفيها، ومن يقابلون ذلك وينقحونه ".
" وكان المؤلفون في أول الأمر من أساتذة المدرسة الطبية، نعني كلوت بك ورفاقه الفرنسيين، تعرض مؤلفاتهم أولاً على (أرباب المشورة الطبية) فإذا أقرت نفع كتاب، أمرت بنقله إلى العربية. فيعهدون بذلك إلى من يتولاه من المترجمين. فإذا عهدوا بتنقيح عباراته إلى مصحح عالم باللغة العربية يقف على طبعه. وقد يعينون للتنقيح أو التصحيح اثنين، أحدهما يعرف اللغة المنقول عنها والآخر عالم باللغة العربية. فلا يخرج الكتاب العلمي إلى المطبعة إلا بعد أن يقتلوه تحقيقاً وتنقيحاً، على ما يبلغ إليه إمكانهم ".
وقد قسم جرجي زيدان المشتغلين في إخراج الكتب العلمية لمدرسة الطب المصرية إلى ست طبقات (أنواع) هي :
1- المؤلفون الافرنج من أساتذة المدراس أوغيرهم.
2- المترجمون من غير الأطباء.
3- المترجمون والمؤلفون من الأطباء والصيادلة.
4- المترجمون من تلامذة مدرسة الطب أو غيرها، وأكثرهم من المتخرجين في المدارس المصرية.
5- المحررون أو الناظرون في صحة الترجمة وتطبيقها على الأصل مع ضبط المصطلحات العربية على المصطلحات الافرنجية. وهم من علماء اللغة الملمين بالعلوم الحديثة.
6- المصححون وهم من علماء الأزهر (1)
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية جـ 4 ص 166 - 167 وعيسى أحمد / معجم الأطباء/349 ط2 بيروت 1982.(1/19)
ويستدل من هذا التقسيم على الدقة المتناهية والحرص الشديد على أن يكون الكتاب المترجم أو المؤلف صحيحاً في ترجمته أو تأليفه وأن تكون مصطلحاته العلمية دقيقة وافية معبرة.
3) جهود الأساتذة الأجانب بمدرسة الطب
في وضع المصطلحات
" استدعى محمد علي في عام 1825 م الطبيب الفرنسي انطوان بارتلمي كلوت Antoine Barthelmy Clot ، ليكون طبيباً ورئيساً لجراحي الجيش المصري آنذاك، وما زال محمد علي يحرضه على انشاء مدرسة للطب حتى وافقه على ذلك، وأنشئت المدرسة في عام 1242 هـ / 1827 م إلى جانب مستشفى الجيش في أبي زعبل ليسهل على الطلاب الدراسة العلمية العملية.
وقد اعترضت (كلوت) صعوبات كثيرة في أول الأمر، أهمها صعوبة اللغة التي يدرس بها، وكانت هذه أخطر الصعوبات، غير أنه بذل جهداً ليتغلب عليها.
وكان أو كتاب طبي ترجم في هذه المدرسة إلى اللغة العربية هو كتاب (القول الصريح في علم التشريح) وهو من تأليف (بايل Bayle)، وبه زيادات للطبيب (كلوت)،وقد ترجمه يوحنا عنحورى عن الايطالية، وطبع في مطبعة المدرسة في أبي زعبل عام 1248 هـ / 1832 م " (1).
" واضطر كلوت بعد ذلك أن يؤلف الكتب اللازمة للتدريس في هذه المدرسة على أن يتولى التراجمة نقلها إلى العربية. فألف نحو عشرة كتب في موضوعات مختلفة نقلت إلى العربية وطبعت بين سنتي 1834 و 1844 م. وقد ترجمها المترجمون من غير الأطباء، وكان غالبهم من الجالية السورية. وأشهر هذه الكتب :
1- (الدرر الغوال في معالجة أمراض الأطفال) ترجمة محمد الشافعي، طبع بمصر عام 1832 م.
2- (مبلغ البراح في علم الجراح) ترجمة يوحنا عنحوري طبع بمصر عام 1835 م
3- (ما يجب اتخاذه لمنع الجرب والداء الافرنجي) ترجمة العنحورى وطبع بمصر 1835 م.
4- (نبذة في أصول الفلسفة الطبيعية) ترجمة ابراهيم النبراوي، طبع مصر عام 1836 م.
__________
(1) الشيال ، جمال الدين / تاريخ الترجمة والحركة الثقافة في عصر محمد علي / 18 -20(1/20)
5- (نبذة في التطعيم ضد الجدري) ترجمة حسن غانم الرشيدي، طبع بمصر عام 1836م.
6-(العجالة الطبية فيما لابد منه لحكماء الجهادية) ترجمة السكاكيني، طبع بمصر 1840 م.
7- (رسالة في مرضى الحمى) لم يذكر المترجم، طبعت بمصر عام 1843 م
8- (تربية الأطفال) ترجمة مصطفى رسمي الجركسي، طبع بمصر عام 1844م.
9- (كنوز الصحة ويواقيت المنحة) ترجمة محمد الشافعي ومصطفى رسمي الجركي طبع بمصر 1845م.
10- (نبذة في التشريح المرضي) ترجمة محمد النبراوي، وطبعت بمصر(1) عام 1253 هـ .
... وبهذه الكتب والرسائل بدأت بوادر المصطلحت العلمية الحديثة تأخذ طريقها إلى اللغة العربية في العصر الحديث، سواء أكان ذلك ترجمة أم تعريباً، فكانت النواة الأولى للمصطلحات العلمية الحديثة.
" وإذا كان هؤلاء المترجمون لايتقنون اللغة العربية، فقد عينت في مدرسة الطب طائفة من المحررين والمصححين الأزهريين، وقد استطاع هؤلاء بما لهم من معرفة بكتب الطب العربية القديمة أن يمدوا المترجمين بالمصطلحات الطبية الصحيحة، كما كان لهم فضل كبير في تقويم أسلوب الترجمة العربي وتصحيحه، والبعد به عما يشوبه من لكنة وعجمة وركاكة.
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية جـ 4/ 168 ، وعيسى ، أحمد / معجم الأطباء / 349 ط2 بيروت 1982 .(1/21)
أما المصطلحات الطبية الجديدة فقد اجتهدت الهيئتان معاً في ترجمتها أو وضع مصطلحات جديدة تؤدي معناها. ومن هؤلاء الرجال مجتمعين تكونت " أكاديمية " تكفل أمانة الترجمة وصحتها. وأصبح للطب في خمس سنين معجم مفردات " Vocabulaire " تزيد كلماته على ستة آلاف كلمة " (1). " ومن أمهر أساتذة هذه المدرسة الدكتور " برون. Dr.Perron " الذي جاء لتعليم الطبيعيات ونحوها فيها. ويمتاز عن سائر الأساتذة الأجانب بمعرفة اللغة العربية، فإنه يعرفها معرفة جيدة، ولذلك كثيراً ما كانوا يستعينون به في تحرير الترجمات عن الفرنسية، لمعرفته اللغتين المنقول عنها والمنقول إليها، فضلاً عن لغات أخرى. وقد خلف هذا الطبيب كتابين هما :
1- " الأزهار البديعة في علم الطبيعة " طبع 1254 هـ. قال مؤلفه في مقدمته : بشأن اختيار المصطلح العلمي المناسب : " ثم إني لفهمي بعض الألفاظ العربية تجنبت من الألفاظ الفرنساوية ما يعسر ترجمته إلى العربية... "
2- " الجواهر السنية في الأعمال الكيمياوية " طبع 1260 هـ في ثلاث مجلدات بـ 1500 صفحة، وألحق بالجزء الأخير ذيل في 119 صفحة لشرح الآلات العلمية الواردة في هذا الكتاب. وهي بمثابة مصطلحات مرتبة على حروف المعجم. ففي هذا الملحق أسماء كثير من الآلات مازالت تستعمل حتى الآن في كتب الكيمياء الحديثة : مثل الأنبوبة والأنبيق والبودقة والجفنة وجهاز تعيين الوزن النوعي للهواء والغازات ودورق ولف والمخبار والمرشح... إلخ.(2)
__________
(1) الشيال ، جمال الدين / تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي / 18- 20 وعبد الكريم ، أحمد عزة / تاريخ التعليم في عصر محمد علي جـ 1 / 258
(2) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية / 4/ 169 . والشيال / 66- 67.(1/22)
ولقد نهج الدكتور (برون) نهج شيخ رفاعة الطهطاوي في طريقته بالترجمة، وذلك بالحاق ذيل بالمصطلحات العلمية في كتابه " الجواهر السنية..... " ويكاد بعمله هذا يكون الوحيد من بين أساتذة المدرسة الطبية من الأجانب. ورتب هذا الذيل الشيخ محمد بن عمر التونسي محرر الكتاب ومصححه حسب حروف المعجم، والذي قدم له بقوله :
" وبعد : فلما من الله سبحانه وتعالى باتمام كتاب الكيمياء للماهر في جميع الفنون ناظر مدرسة الطب البشري الشهير برون، وكانت فيه أعمال جمة، تحتاج إلى آلات معرفتها مهمة. وكان لم يذكر في الكتاب منها إلا القليل، فقصد أن يجمع جميع الأشكال ويجعلها كالذيل ليكون بها الاتمام، ولأجل أن تكون كلها مجموعة في ورقات قليلة، لتسهل مراجعتها في المهمات الجليلة. فجمعها في هذه الورقات ووضحها أتم توضيح... وأمرني أن أرتبها على حروف المعجم، لتكون في المراجعة أسهل وأقوم. فامتثلت أمره لما فيه من الفوائد... " (1).
وهذا نموذج من ملحق المصطلحات التي ذيل بها برون كتاب " الجواهر السنية... " ورتبه على حروف المعجم :
حرف الألف :
(أنبوبة) يطلق لفظ أنبوبة على قضيب من زجاج مجوف طوله أكبر من عرضه بكثير وتختلف الأنانيب المستعملة في معامل الكيمياء. فمنها ما يكون من حديد، ومنها ما يكون من البلاتين، أو من الصيني، وأكثر مايستعمل منها الزجاج.
(الأنبيق) آلة لتقطير السوائل والجواهر العطرية المحتوية على أجسام صلبة...
(الايديومتر) آلة معدة لتحليل بعض الغازات أو امتحانها، ولا متحان الهواء، ولهذه الآلة ثلاثة أنواع رئيسة.
حرف الباء :
(بودقة) : اسم لاناء كان يسمى في أصل اللغة (بوطة) بالطاء، و(بوطقة) بالطاء والقاف، فصحفه العوام وقالوا بودقة : وهي اناء مخروطي، قعره أضيق من فوهته، وقد يكون اسطواني الشكل، والغالب أن يكون مثلث الزوايا.
__________
(1) برون / الجواهر السنية .... / جـ 3 مقدمة الذيل .(1/23)
- ثم يتكلم عن (البوري) و (التنور) و (الجارف) و (الجفنة) و (جهاز التجفيف) و (جهاز التحليل) و (جهاز التحويل) و (جهاز تعيين الوزن النوعي للهواء والغازات) و (_ جهار تكوين الماء من عناصره الأصلية) و (جهاز تنار) و (الحامل) و (حمام الرمل) و (حمام ماريه) و (الحواية) و (الحوض الكيمياوي) و (دورق زجاج) و (دورق طويل العنق) و (دورق ولف) و (سداد) و (سكين) و (الطست) و (الطلاء) و (القابلة) و (قرص الفخار) و (القمع) (1)... إلخ.
وهاهي ذى بعض أسماء المصطلحات الكيمياوية، العربية منها والمعربة، نوردها من فهرس كتاب " الجواهر السنية..... " للتوضيح والبيان :
__________
(1) المصدر ذاته جـ 3 ص1-2-6- 9- 16- 22- 34- 46 .(1/24)
العناصر - الأكاسيد - الحوامض - الأملاح - التبلور - الضوء - الحرارة - الأجسام غير المعدنية - الايدروجين - الاكسجين - البلور - الكربون - الفحم - الايدروجين المكربن - الفوسفور - الايدروجين المفصفر - الكبريت - السيلينيوم - اليود - البروم - الكلور - الغثور ويقال له الفلور - الآزوت - السيانوجين - ثاني آزوتيت الكربون السيليسيوم وهو الصوانيوم - الزيركونيوم - التوريوم - الهواء الكروى - أول أوكسيد الايدروجين، وهو الماء - بي أوكسيد الايدروجين - أوكسيد الكربون... إلخ الكلسيوم - الأسترونسيوم - الباريوم - الليتيوم - الصوديوم - البوتاسيوم - المغنيسيوم - الألومينيوم - الايتريوم الزرنيخ - المنغنيز - الخارصين - الحديد - البلومباجين - الفولاذ - الفونت - القصدير الكادميوم - الكوبالت - النيكل - الجلوسينيوم - المولبدين - الفناديوم - الكروم التونجستين - التنتال - الأنتيمون - القرمز - الكبريت المذهب - كلورو الأنتيمون - التللور الأوران - السيريوم - التيتان - البيزموت - الرصاص - النحاس - الأوسميوم - الزيبق - كلورور الزيبق - سيانور الزيبق - الحوامض في الزيبق - ملاغم الزيبق - الروديوم - الفضة الذهب (1)... إلخ.
__________
(1) بيرون perron / الجواهر السنية في الأعمال الكيمياوية / تر : الهراوي والتونسي / ص2 وما بعدها(1/25)
لاحظنا من خلال ما أوردناه من هذه المصطلحات الكيمياوية المترجمة منها والمعربة، أنها جميعها قد كتبت بحروف عربية فقط دون مقابلاتها من الحروف اللاتينية أوالفرنسية التي أخذت عنها. وهكذا كان شأن جميع الكتب العلمية المؤلفة في القرن التاسع عشر، من طبية وكيمياوية وزراعية وغير ذلك، فإن جميع مصطلحاتها العلمية قد كتبت بالرسم العربي وحده، الأمر الذي يوقع الباحث المعاصر في مشكلة المطابقة بين الأصل والفرع، كما يبعده عن أصل المصطلح العلمي وهذا - بلا شك تقصير كان يجب استدراكه وخصوصاً إذا كانت الحروف الأجنبية من لاتينة أو فرنسية موجودة في مطبعة بولاق منذ زمن بعيد، وفي زمن طباعة هذه الكتب. وهذا الأمر لم يقتصر على ما طبع في مصر في القرن الماضي، بل تعداه كذلك - كما سنرى - إلى ما طبع في مطبعة الكلية السورية الانجيلية في بيروت (1)
كما يلاحظ السجع المتبع في أسماء الكتب العلمية، على سنة الأقدمين وليس دائما، وهو على الرغم من طرافته لكنه يدل على التكلف، الأمر الذي يضيع معه اسم الكتاب الأصلي المترجم عنه، فيوقع الباحث في الحيرة، فيظنه تأليفاً. في حين أنه مترجم فمن يقرأ عنوان كتاب " الجواهر السنية... " فهل يظن أنه مترجم عن الفرنسية ؟
4) جهود الأساتذة المصريين في وضع المصطلحات :
__________
(1) وذلك لأن مطبعة بولاق تأسست على أنقاض مطبعة نابليون التي كانت مزودة بالحروف العربية والفرنسية واليونانية . انظر : زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة / جـ 4 ص 47 ، والشيال ، جمال الدين / تاريخ الترجمة في عهد الحملة الفرنسية / 33- 34 .(1/26)
بعد أن استعرضنا نماذج من جهود أساتذة مدرسة قصر العيني الطبية الأجانب في تأليف الكتب العلمية ووضع مصطلحاتها، فإننا سنحاول أن نعرض جهود بعض الأساتذة المصريين الذين قطعوا شوطاً في التقدم العلمي، والذي كانت لهم آثار واضحة في تعريب الطب في العصر الحديث، هؤلاء الذين تجاوزوا مرحلة التلقي والتقليد إلى مرحلة الإحياء والتجديد، وذلك بعد أن عاد عدد كبير منهم من بعثاتهم العلمية إلى أوربة مزودين باختصاصات طبية متنوعة فأخذوا زمام المبادرة إلى الترجمة والتأليف معتمدين على أنفسهم وذلك بعد أن انفتحت مصر على الحضارة الغربية في نطاق سعي محمد علي لتحديثها.
" فمن هؤلاء المصريين الذين نقلوا العلوم الطبية إلى اللغة العربية أو ألفوا بها كتباً الطبيب ابراهيم النبراوي (1862)م الذي كان مشهوراً بعلم الجراحة الذي تولى تعليمه في مدرسة الطب، ثم أصبح رئيساً لأطباء تلك المدرسة الطبية. وقد ترك كتباً مطبوعة هي :
1- كتاب الأربطة الجراحية الذي ترجمه عن الفرنسية وطبع عام 1254 هـ
2- نبذة في الفلسفة الطبيعية تأليف (كلوت بك) وقد تولى ترجمتها إلى العربية.
3- نبذة في أصول الطبيعة والتشريح العام تأليف (كلوت بك) وترجمها إلى العربية.
ومن هؤلاء المصريين كذلك الطبيب أحمد حسن الرشيدي (-1865 م) الذي جاهد في خدمة هذه النهضة العلمية الطبية في الترجمة والتأليف فكان من أعظم أركانها. وقد ألف في أكثر فنون الطب والطبيعيات والأقراباذين وتمتاز مؤلفاته بأنها قلما كانت تحتاج إلى تصحيح أو تحرير وقد ترك عدداً من المؤلفات هي :
1- ضياء النيرين في مداواة العينين (ترجمة لكتاب الطبيب الجراح الانكليزي لورنس مع زيادات علمية) طبع 1840 م.
2- بهجة الرؤسا في أمراض النسا (تأليف) طبع عام 1844 م.
3- نزهة الأقبال في مداواة الأطفال (تأليف) طبع عام 1845 م.(1/27)
4- طالع السعادة والاقبال (في علم الولادة) وأمراض النساء والأطفال (جزءان ترجمه عن الفرنسية على هيبة وصححه الرشيدي، طبع عام 1845 م.
5- الروضة البهية في مداواة الأمراض الجلدية (مجلدان) طبع عام 1847م
6- رسالة في التطعيم ضد الجدري (لكلوت بك) وترجمة الرشيدي إلى العربية.
7- عمدة المحتاج لعلمي الأدوية والعلاج (أربعة أجزاء) وهو موسوعة طبية ويعد أهم ما ألف في ذلك الوقت، طبع عام 1867م وسنورد هنا نموذجاً منه(1).
وهذه منهجية الرشيدي في تأليف كتابه الموسوعي، قال في المقدمة: " وقد قسمنا الأدوية كلها سواء كانت معدنية أونباتية أو حيوانية إلى 12 رتبة، ونقدم في كل رتبة جواهرها المعدنية ثم النباتية ثم الحيوانية. فإذا كان الجوهر معدنياً سواء كان عنصراً أصلياً أو ملحاً معدنياً أذكر اسمه المتعارف بالعربية والافرنجية، واسمه الطبيعي الكيمياوي، وكونه طبيعياً أي يوجد في الكون بالطبيعة أو يحضر بالصناعة، ثم صفاته الطبيعية المتعلقة باللون والطعم والريح والشكل والثقل الخاص وغير ذلك، ثم صفاته الكيمياوية من فعل الماء عليه والهواء الجوى والحرارة وبعض جواهر كشافة، ومتحدات كيمياوية لتتضح بذلك صفاته، ثم اذكر تحضيره الأقرباذيني الكيمياوي وتنوعاته ثم نتائجه الصحية والسمية وأعراض التسمم به، وعلاج تلك الأعراض، ثم نتائجه الدوائية وتأثيره في الأمراض التي تستعمل فيها، والجواهر التي لا تتوافق معه... "
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة جـ 4 / 172- 176 . وعيسى ، أحمد / معجم الأطباء ص 132 .(1/28)
" واذا كان الجوهر نباتياً أو جزءاً نباتياً أذكر اسمه العربي والافرنجي واللطيني النباتي الذي هو مشهور للنبات في علم النباتات، ومحل وجود ذلك النبات، والشرح النباتي له، وفصيلته وجنسه النباتي، ثم أعين الجزء المستعمل من النبات في الطب من كونه جذراً أو ساقاً أو أوراقاً أو أزهاراً أو ثماراً أو صموغاً أو راتينجاً أو صمغاً راتينجياً أو غير ذلك ". وقال في علم المادة الطبية أي شرح المفردات الدوائية : " المادة الطبية تسمى بالافرنجية متيير ميدكال، وتسمى باليونانية فرحا قولوجيا، أي شرح الأدوية (1)... "
وهاهي ذي بعض المصطلحات العربية والمعربة التي وردت في كتاب " عمدة المحتاج.." : البوطاس الكاوي، الصود (قلي)، ساليقرينا (نبات)، أنا بازس (نبات)، الفضة، أوكسيد الفضة، آزوتات الفضة، آزوتات الفضة المبلور، آزوتات الفضة المذاب، كلورور الفضة، كلورور الانتيمون، الحمض الزرنيخوز (رهج أوسم الفار والزرنيخ) ويسمى بالافرنجية أسيد ارسنيوز.
الأوكسيد الأحمر للزئبق، أكاسيد النحاس، أملاح النحاس، أنواع كبريتات النحاس، فوق كبريتات النحاس، كبريتات النحاس النوشادرى، كبريتور النحاس، أنواع خلات النحاس، تحت خلات النحاس، خلات النحاس المتعادل،خلات النحاس النوشادرى...
الرتبة الثانية في الجواهر المحمرة والمنفعلة (ايبسبستيك " روبفينت ") :
كبريتات أول أكسيد الحديد (أي الزاج الأصفر)، كبريتات بيروكسيد الحديد، الخارصين وأكسيده وأملاحه، أكسيد الخارصين، أكسيد التوتياء، أكسيد الاقليميا، كبريتات الخارصين، كلورور الخارصين (2).
__________
(1) الرشيدي ، أحمد / عمدة المحتاج في علمي الأدوية والعلاج / ج 1 / 5-7 /
(2) المصدر السابق نفسه / فهرس الجزء الأول/ 3-7(1/29)
" ومن هؤلاء الأطباء المؤلفين محمد علي البقلي (1228 - 1293 هـ / 1813- 1876م) وهو من تلاميذ البعثة الطبية الأولى، وكان أستاذاً للجراحة في مدرسة الطب. وقد أصدر مجلة (اليعسوب) وهي أول مجلة باللغة العربية كانت تعني بالشؤون الطبية، أصدرها بمصر عام 1865، وله مؤلفات طبية أهمها :
1- روضة النجاح الكبرى في العمليات الجراحية الصغرى، طبع 1843 م بمصر.
2- غرر النجاح في أعمال الجراح، جزءان، طبع 1846 م بمصر.
3- غاية الفلاح في فن الجراح، جزءان طبع 1864 م بمصر.
ومنهم الطبيب محمد الشافعي (1877) وهو من تلاميذ البعثة الطبية الأولى كذلك وممن أعان كلوت بك في أوائل سني المدرسة الطبية في الترجمة والتأليف، وكان مدرس الأمراض الباطنة في مدرسة الطب، ثم صار رئيساً لها، وله مؤلفات طبية أهمها :
1- أحسن الأغراض في التشخيص ومعالجة الأمراض، اربع مجلدات، طبع عام 1843 م بمصر.
2- الدرر الغوال في معالجة أمراض الأطفال، ترجمه لكلوت بك، طبع عام 1844 بمصر.
3- كنوز الصحة ويواقيت المنحة، ترجمة لكلوت بك، طبع ثلاث مرات 1844- 1854 - 1884 بمصر.
4- السراج الوهاج في التشخيص والعلاج، أربع مجلدات، طبع عام 1864 م بمصر وهو كالموسوعة في الطب.
ومن هؤلاء أيضاً الطبيب محمد الشباسي (- 1894) معلم التشريح والتحضير في مدرسة الطب وهو من تلاميذ البعثة الطبية الأولى كذلك، وقد ترجم هذين الكتابين باشارة من كلوت بك :
1- التنقيح الوحيد في التشريح الخاص الجديد، طبع عام 1845 م بمصر
2- التنوير في قواعد التحضير، طبع عام (1261 هـ / 1848 م) بمصر.
ومنهم الطبيب عيسوي النحراوي معلم التشريح العام في مدرسة الطب، وهو من تلاميذ البعثة الطبية الأولى، وقد ترجم كتاب التشريح العام، تأليف كلار الفرنسي.
ومنهم حسن غانم الرشيدي (-1860م) وكان من تلاميذ البعثة الطبية الأولى، وهو أستاذ فن الأقراباذين في المدرسة الطبية وقد ألف :(1/30)
1-كتاب الدر الثمين في الأقراباذين ،الذي طبع عام 1849 بمصر.
وترجم عن الفرنسية بالتعاون مع محمد التونسي الذي صحح كتاب " فيجرى "
2- الدر اللامع في النبات وما فيه من المنافع، طبع عام 1841 بمصر " (1)
" ويلي هذه الطبقة طبقة أخرى عاصرتهم، لكنها لم تكن من تلك البعثة التي أرسلها محمد علي إلى فرنسا ومن هؤلاء : محمد عبد الفتاح، وقد عرف بما نقله من الكتب العلمية إلى اللغة العربية في أيام محمد علي وله كتاب " نزهة المحافل في معرفة المفاصل " وأصل هذا الكتاب للمعلم (ريجو) نقله محمد عبد الفتاح إلى العربية، وصححه مصطفى كساب وطبع 1257 هـ وكتاب " البهجة السنية في أعمار الحيوانات الأهلية " طبع 1260 هـ و " مشكاة اللائذين في علم الأقرباذين " طبع 1260 هو " قانون الصحة البيطرية " طبع 1262. ومنهم علي هيبة الذي اشتغل في النقل والترجمة إلى العربية عندما كانت مدرسة الطب في أبي زعيل وقد ترجم كتاب " اسعاف المرضى في علم منافع الأعضا " في الفسيولوجيا. وبعد تمام ترجمته قابل معظمه حنين (2)عنحورى مع الشيخ الدسوقي المصحح على الأصل الايطالي، وقد طبع 1252 هـ. وكتاب " طالع السعادة في فن الولادة " وقد ترجمه علي هيبة وصححه أحمد الرشيدي.
أما المؤلفون والمترجمون من الأطباء والصيادلة الذين كانوا في المرحلة الثانية من هذه النهضة أي في عهد اسماعيل ومن بعده، فقد كانت أعمالهم تأليفاً في غالبها، وقلت الترجمات، وكان أكثرهم قد تعلم في مدرسة قصر العيني التي تعلم الطب بالعربية. ومن الأساتذة المصريين الذين تعلموا في مصر ثم أكملوا تعليمهم في أوربة ونقلوا كثيراً من الكتب العلمية إلى العربية أو ألفوا فيها :
__________
(1) يراجع : زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية - ج 4/ 174-176 وعيسى ، أحمد / معجم الأطباء / 457- 460
(2) أورد جرجي زيدان الاسمين معاً وهماً لواحد فهو يوحنا ويقال له حنين . تاريخ آداب اللغة العربية ج ـ 4/170 .(1/31)
أحمد ندى : أشتهر بالصيدلة، وتلقى هذا العلم في مدرسة قصر العيني، ثم سافر إلى باريس للتخصص فيه ثم عاد إلى مصر أستاذاً للتاريخ الطبيعي أو المواليد الثلاثة، ثم عين مترجماً للدكتور (غاستنيل) الكيمياوي. وله مؤلفات عديدة أهمها : كتاب " الآيات البينات في علم النبات " طبع 1283 هـ وكتاب " حسن البراعة في فن الزراعة " ترجمه عن الفرنسية وهو تأليف (فيجري) طبع 1283هـ في مجلدين وحسن الصناعة في فن الزراعة ترجمه عن الفرنسية وهو تأليف (فيجري) طبع 1283هـ في مجلدين وحسن الصناعة في فن الزراعة طبع 1291 هـ في مجلدين و " الحجج البينات في علم الحيوانات " نقله عن الفرنسية وطبع 1284 هـ وكتاب " نخبة الأذكياء في علم الكيمياء " من تأليف الدكتور (غاستنيل) طبع 1286 في جزءين في الكيمياء المعدينة، وترجم الجزء الثالث في الكيمياء النباتية، والرابع في الكيمياء الحيوانية. و " الأقوال المرضية في علم الطبقات الأرضية " الجيولوجيا طبع 1288 هـ و " الأزهار البديعة في علم الطبيعة " وهو من تأليف الدكتور غاستنيل وترجمة ندى طبع 1291 هـ في جزءين، الأول في الطبيعة، والآخر في الظواهر الجوية " (1).
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية / 4 / 176- 178(1/32)
وسنورد فيما يلي شيئاً من كتابه " الآيات البينات في علم النبات " إذ يقول في مقدمة كتابه هذا في تعريف علم النبات : " علم النبات عبارة عن العلم الباحث عن الأوصاف العامة لجميع أنواع النبات، والخاصة بكل نوع لتمييزه عما عداه، وعن وظائف أعضائه وترتيب أنواعه ترتيباً قانونياً، به تتيسر دراسته... وعلم التشريح النباتي وغايته معرفة المنسوجات الأصلية التي يتركب منها النبات. وعلم الاصطلاحات النباتية وغايته معرفة جميع الكلمات الاصطلاحية أي المتفق عليها عند النباتيين في بيان الأعضاء المختلفة لأنواع النبات. وعلم المترادفات النباتية أي الأسماء المختلفة المتواردة على معنى واحد في أزمنة مختلفة أو في بلاد مختلفة (1)
تسميات نباتية مأخوذة من فهرس كتاب " الآيات البينات... " : " المنسوج الخلوي - المنسوج الليفي - المنسوج الوعائي - أعضاء التغذية النباتية - الجذر - النباتات ذات الفلقتين - ذات الفلقة الواحدة - الأوراق البسيطة - الأوراق المركبة - أعضاء التوالد - أعضاء التناسل - الغلافات الزهرية - الكأس - التويج - حالة الغلافات الزهرية قبل ابتسام الأزهار - الأعضاء الملحقة بالأزهار - أعضاء الإثمار - الغلاف الثمري الامتصاص - سير العصارة الليمفاوية - التبخير والتحلب - التنفس في النبات - التلقيح - تكاثر النبات بالصناعة أي الغرس، والتكاثر بالعقل والتطعيم، الترتيب الصناعي للنبات - ترتيب المعلم لينو - جوسيو - ترتيب الفصائل - النباتات اللافلقية - الأشنية - الفطرية الحزازية - السرخسية - النخلية - الهليونية - الزنبقية - اللحلاحية - السوسانية الجهانية - السحلبية - المخروطية أو الصنوبرية - البلوطية - الصفصافية - الفلفلية - المازريونية - الراوندية... إلخ " (2).
__________
(1) ندى ، أحمد / الآيات البينات في علم النبات / 4-5
(2) ندى ، أحمد / الآيات البينات في علم النبات / 2-6(1/33)
نلاحظ مما مر من هذه المصطلحات أنها عربية في غالبها، وأن المترجم منها أو المعرب قليل. وهذا يعود بلا شك إلى ثقافة الدكتور ندى العربية، وإلى المرحلة التي عاش فيها، وهي مرحلة التأليف لا الترجمة، بخلاف المرحلة التي سبقتها.
كما أننا نلاحظ أن بعض المصطلحات قد تغير استعمالها وتبدل من صيغة إلى أخرى، فكلمة " منسوج " لم تعد تستعمل بهذه الصيغة، بل صارت كلمة " نسيج" بديلاً عنها، وهكذا نرى تطور المصطلح في الزمان والمكان.
وهاهو ذا المؤلف يصف لنا بعض النبات بقوله : " الخشخاش المعتاد : المستعمل في فن الطب الثمر المعروف برؤوس الخشخاش وهذا النوع يشتمل على الخشخاش الأبيض والخشخاش الأسود، الذي جذره سنوى أبيض مغزلي، وساقه مستقيمة بسيطة من أسفل ملساء، وأوراقه نصف محيطة بالساق ملساء طحلبية مجزأة مسننة والأزهار متوحدة على أطراف الفروع مدلاة قبل ابتسامها...
التحليل الكيمياوي للأفيون : وأشغال المتأخرين من الكيمياويين خصوصاً أشغال المعلمين روبيكيه وبليتييه، قد أوضحت طبيعة الأصول المركبة للأفيون، والأهم منها ما نذكره هنا : مورفين، زكوتين، ميكونين، فارسيين، كوديين، بارا مورفين أي تيبايين، حمض أسمر خلاصي، أصل مخدر طيار. وكل من المورفين والزكوتين والكوديين هي الجواهر التي تستحق انتباه الأطباء لها. والكوديين قلوي نباتي يتبلور على هيئة بلورات منشورية معينة... " (1)
" ومن هؤلاء الأساتذة حسين عوف الكحال الذي تعلم الطب في مدرسة قصر العيني ثم سافر إلى أوربة للتخصص في أمراض العين، فلما عاد عين مدرساً لهذا العلم في مدرسة الطب، وقد ألف كتاباً في الرمد في سبعة أجزاء، قيل أنه لم يطبع.
__________
(1) المصدر السابق نفسه / 338(1/34)
ومن هؤلاء كذلك محمد حافظ، ومحمد عبد السميع، وسالم سالم الذي درس في مدرسة قصر العيني ثم أكمل تحصيله في ألمانيا، ولما عاد أصبح مدرساً للجراحة، وله مؤلفات أهمها : " وسائل الابتهاج إلى الطب الباطني والعلاج " طبع 1298 هـ في أربع مجلدات و " الينابيع الشفائية والمياه المعدنية " طبع 1300 هـ.
ومنهم مصطفى زيد الذي كان أستاذاً لأمراض النساء في المدرسة الطبية وله كتاب "صياغة المنحة في قانون الصحة " وجليلة تمرهان التي ألفت كتاب " محكم الدلالة في أعمال القبالة " طبع 1286.
ومنهم على رياض الصيدلي الذي ألف عدة كتب منها : " النفحة الرياضية في الأعمال الأقرباذينية " طبع 1289 هـ ومحمد الدربي الذي ألف كتبا كثيرة في علم الجراحة وغيره منها : " بلوغ المرام في جراحة الأقسام " طبع في أربع مجلدات ضخمة و " تذكار الطبيب " وهو يشتمل على عدد كبير من الوصفات الطبية التي كان يصفها مشاهير أطباء قصر العيني ومحمد بدر وله كتاب " الفرائد الدرية في علم الشفاء والمادة الطبية " طبع 1307 هـ وغيره.
وأحمد حمدي الجراح الذي ترك عدداً من المؤلفات الطبية منها : " تحفة الحبيب في العمليات الجراحية والأربطة والتعصيب " طبع 1296 هـ وكتاب " الراحة في أعمال الجراحة " مزين بالأشكال طبع 1297 هـ.
وحسن محمود الذي ألف كتباً ورسائل طبية كثيرة منها : " الخلاصة الطبية في الأمراض الباطنية " طبع 1297 ه. و " ينبوع شفاء الأبدان في حمامات حلوان " و " البواسير ومعالجتها " طبع 1295 هـ (1) .
وقد لخص الدكتور حسني سبح المنهج الذي سلكه مدرسو المدرسة الطبية في مصر في اختيار المصطلح الطبي العلمي فقال:
- أحيوا من مصطلح الطب العربي الإسلامي ما رأوه وافياً بالغرض
- واجتهدوا في وضع مقابل بالعربية لما جد من مصطلحات في عصرهم.
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية / جـ 4 / 178- 183(1/35)
- أما مالم يهتدوا فيه إلى لفظ عربي مناسب فلجؤوا فيه إلى التعريب (1)
بعد أن استعرضنا جهود أساتذة المدرسة الطبية (قصر العيني) في تأليف الكتب الطبية التي ذيلوها بقوائم المصطلحات العلمية التي استعملوها في تآليفهم. ولا بد لنا هنا من الإشارة إلى أن هذه الجهود لم تكن مقتصرة على أساتذة المدرسة الطبية بل هناك أساتذة آخرون ساهموا في هذه الجهود على قلتها مثل أساتذة (المهند سخانة) أي مدرسة المهندسين في علوم الرياضيات والميكانيك والفلك التي ذيلوها بقوائم المصلطحات العلمية كذلك.
وسنستعرض الآن جهود بعض أساتذة مدرسة المهندسين الذين ألفوا في علوم الرياضيات والميكانيك والفلك وأشهر مؤلفاتهم التي ساروا في تأليفها على نهج زملائهم من أساتذة مدرسة طب قصر العيني. فمن هؤلاء :
محمد بيومي (1268 هـ / 1858 م)وقد اشتغل بترجمة الكتب الهندسية التي كانت تدرس في مدرسة الهندسة التي كان مدرساً فيها، وهذه الكتب هي :
1- ثمرة الاكتساب في علم الحساب - مترجم عن الفرنسية، وطبع سنة 1256هـ
2- كتاب الجبر والمقابلة طبع سنة 1256 هـ
3- الهندسة الوصفية (مجلدان) طبع سنة 1263 هـ
4- جامع الثمرات في حساب المثلثات طبع سنة 1264 هـ
ومنهم : ابراهيم رمضان ( - ) الذي كان كذلك مدرساً في مدرسة الهندسة وله من المؤلفات الرياضية :
1- القانون الرياضي في تخطيط الأراضي طبع سنة 1260 هـ
2- اللآلي البهية في الهندسة الوصفية طبع سنة 1261 هـ
3- المنحة اللدنية في الهندسة الوصفية طبع سنة 1269 هـ
ومنهم أحمد فايد (1300 هـ / 1882 م) وهو من أساتذة مدرسة الهندسة في أواسط القرن الماضي، وكان يعلم الفيزياء الكيمياء، وله مؤلفات أهمها :
1- الأقوال المرضية في علم بنية الكرة الأرضية - مترجم، طبع سنة 1257هـ
2- تحرك السوائل طبع سنة 1264 هـ
__________
(1) سبح ، حسني / تعريب علوم الطب / مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق مج 6 جـ 4 / 65(1/36)
3- الدرة السنية في الحسابات الهندسية طبع سنة 1269 هـ
ومنهم اسماعيل الفلكي (1319 هـ / 1901 م) تولى إدارة المرصد الفلكي في مصر وأهم مؤلفاته :
1- الآيات الباهرة في النجوم الزاهرة (في الفلك)، طبع ذيلا لمجلة (روضة المدارس) بلاتا.
2- تقاويم فلكية. كان ينشرها كل عام بالعربية والفرنسية.
ومنهم صابر صبري مدرس الهندسة الوصفية في مدرسة الهندسة وله :
1- البراعة المشرقية في علم الهندسة الوصفية طبع سنة 1300 هـ
2- بلوغ الآمال في المنحنيات الكثيرة الاستعمال طبع سنة 1300 هـ
وهناك غيرهم مثل عامر سعد وأحمد دقلة ومحمد الشيمي ومحمود الفلكي وشفيق يكن (1).. إلخ.
ولما احتل الانكليز مصر 1882 كانت لغة التعليم هي اللغة العربية في كل المدارس العالية كالطب والهندسة وغيرهما. ولكن التعليم باللغة العربية قد توقف في هذه المدارس بعد الاحتلال الانكليزي بسنوات قليلة. ففي 1898 م جعل التعليم باللغة الانكليزية.(2)وبذلك أقصيت اللغة العربية عن ميدانها العلمي بعد أن استمر التعليم العالي بها قرابة سبعين عاماً.
لقد استعرضنا هذه المؤلفات العلمية لندل على :
1- غنى الكتب والمؤلفات الطبية العربية المترجمة والمؤلفة في القرن التاسع عشر بالمصطلحات العلمية العربية، ومثلها المؤلفات الهندسية.
2- حرص المؤلفين على إبراز المصطلح العلمي باللغة العربية وبيان قدرتها على ذلك وهذا حسب اجتهادهم وقدرتهم العلمية واللغوية في ذلك القرن.
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية جـ 4 / 188 - 193 ومبارك ، علي / الخطط التوفيقية جـ 11 / 68 والشيال ، جمال الدين / تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي / 110-115 / وتاجر جاك حركة الترجمة في مصر 64و102و105.
(2) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية / جـ 4/ 32(1/37)
ولذلك فقد حرصوا على تذييل كتبهم بفهارس أو معاجم مفردات صغيرة ملحقة في آخر كل كتاب تحتوى على المصطلحات العلمية الأعجمية مع ذكر المقابل أو المرادف العربي لها. وإذا تعذر ايجاد اللفظ العربي فإنهم كانوا يلجؤون إلى استقراض اللفظ الأعجمي وتعريبه.
5) جهود المترجمين من غير الأطباء والأساتذة
في وضع المصطلحات
وهنا لابد من التنويه بالذين كان لهم فضل في نقل الكتب العلمية وترجمتها إلى العربية في تلك الأيام، وهم من غير الأطباء، وكان أغلبهم من بلاد الشام مثل حنين (1) عنحوري وهو من أقدم المترجمين عن الايطالية التي كان يجيدها.
" وأول كتاب طبي طبع بالعربية من ترجمات هذه النهضة كان من تأليف الدكتور كلوت وترجمة العنحورى، ونعني به كتاب (القول الصريح...) المتقدم ذكره، طبع في أبي زعبل عام 1248 هـ / 1832 م. وقد ترجم كتاباً آخر اسمه (منتهى الأغراض في علم شفاء الأمراض) تأليف بروسيه و سانسون. كان بالفرنسية، فنقلوه له إلى الايطالية، ثم نقله العنحورى إلى العربية وصححه الهراوى وطبع عام 1250 هـ في مجلدين " (2)
وهذا نموذج من المصطلحات العلمية الطبية الواردة في كتاب " منتهى الأغراض... " قال في المقدمة : " ينبغي أن يعلم أن اصطلاح كتب الطب الآن في ترتيب الأمراض خلاف اصطلاح الكتب القديمة. فإن اصطلاح القديمة ترتيب الأمراض على حسب الأعضاء، فيذكرون أولاً أمراض الرأس، ثم الحواس ثم الأحشاء ثم الأطراف. وأما اصطلاح الجديدة فهو ترتيب الأمراض على حسب الأنسجة التي تركب منها الجسم، ولعلهم أخذوا ذلك من كثرة التشريح واستقراء أحوال الأنسجة الموجودة في الجسم، فعرفوا بالاستقراء أن الأنسجة التي تركب منها ستة عشر نسيجاً هي :
__________
(1) سبق الكلام في تعدد التسمية
(2) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية جـ 4 / 170 . والشيال ، جمال الدين / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 83(1/38)
النسيج الخلوي، والعصبي، والوعائي الدموي، واللينفاوي، والجلدي، والمخاطي، والمصلي والزلالي، والغددي، والعضلي، والليفي، والغضروفي، والليفي الغضروفي ، والعظمي، والبشري، والشعري. فمن اجتماع اثنين منها أو ثلاثة أو أربعة يتكون مجموع مستقل يسمى باسم النسيج الغالب فيه (1)... "
وقد اخترت عدداً من المصطلحات العربية أوالمعربة التي أوردها المصحح محمد الهراوي هي : " الباب الثاني في تهيجات المجموع الخلوي في التشريح والفيسولوجيا المرضيين لهذا المجموع، الصفات التشريحية للفلفموني - أي السلع الحمية - وأنواعه : في الأسكليروما في الاستسقاء اللحمي، في ليبوسا..
الباب الثالث في تهيجات المجموع العصبي : أي التهاب المخ، التهاب المخيخ، التهاب النخاع الشوكي، الالتهاب العصبي. والكلام على التهيجات العصبية لأعصاب أعضاء الحركة في الاعتقال، في التشنجات، في الخوريا (أي الرقص) في الكتاليبسيا وهو الجمود المشهور بالتخشب، في الصرع في التيتنوس (أي التشنج الدائم)، في ايبيركوسيا (أي إفراط السمع)، في أيبربيسموس (أي الانعاظ)....
الباب الرابع في أنواع تهيج المجموع الوعائي الدموي : في التهاب الشرايين، والتهاب الأورطى والتهاب الوريدي والتهاب الجسم الدرقي...
الباب السادس في تهيجات المجموع الجلدي : في الايريتيما والحمرة بنوعيها البسيطة والفلفمونية.
__________
(1) الهراوي ، محمد / منتهى الأغراض في علم الأمراض / المقدمة / 5 .(1/39)
الباب السابع في تهيجات المجموع المخاطي : كالالتهاب الملتحمي، والغشاء المخاطي والزكام والالتهاب السمعي والبلعومي والاثنا عشري والمعوى والقولون الحنجرى والقصبي والرحمي، والاستحاضة وإفراط الطمث، وديسمونوريا (أي عسر الطمث)... والربو واختلاج البلعوم، والبيروزيس (أي الحديد المحمي) والبوليموس (أي إفراط الجوع) والمغص العصبي ويسمى بايلاوس، والبرونكوريا (أي السيلان الشعبي) واللئوكورى(1).... إلخ
لاحظنا من خلال استعراض هذه النماذج من المصطلحات الطبية التي كانت من بواكير عصر النهضة أن الغالب منها عربي الأرومة إلا قليلاً من بعض المفردات، فقد أبقاها المترجم على لفظها الأعجمي على طريقة الاقتراض (التعريب)، لأنه - فيما يبدو - قد أعجزته الحيلة في ذلك الوقت فلم يجد لها مرادفاً عربياً في كتب التراث الطبية واللغوية، فأبقى اللفظ الأعجمي على حاله مثل : الفلفموني والأسكليروما وليبوما والكتاليبسيا.. إلخ، وهي قليلة إذا ما قيست إلى الألفاظ العربية لهذه المصطلحات ونعود بعد هذا إلى استعراض أسماء بعض المترجمين فنقول :
" والمترجم الثاني كان يوسف فرعون، فإنه من أقدم المشتغلين في نقل كتب الطب من الفرنسية إلى العربية، وكان كثيراً ما يشترك مع الدكتور (برون) في النقل أو الضبط، وله بضع عشرة ترجمة في الطب البيطري والعقاقير، ترجمها من الفرنسية، أهمها :
" رسالة في علم البيطارية " طبع 1249 هـ و " التحفة الفاخرة في هيئة الأعضاء الظاهرة " طبع 1251 ه.و " والتوضيح لألفاظ التشريح " طبع 1249 ه. و " منتهى البراح في علم الجراح " طبع 1256 ه.و " نزهة الأنام في التشريح العام " طبع 1255 هـ وغير ذلك من الكتب الطبية.
__________
(1) المصدر السابق نفسه / الفهرس العام .(1/40)
وهناك عدد من المترجمين مثل يعقوب الذي كان معاصراً للعنحورى وكان من مترجمي مدرسة الطب فقد ترجم عدداً من كتب الأقرباذين. ومثله أوغسطين - سكاكيني الذي كان من جملة مترجمي مدرسة الطب إذ نقل كتاب " العجالة الطبية فيما لابد منه لحكماء الجهادية " وكان من تأليف الدكتور كلوت. وكذلك جرجي فيدال ومحمد لاز وغيرهم " (1).
6) جهود المحررين والمصححين
في وضع المصطلحات الطبية.
" سبق أن قلنا إنه لما بدأت حركة نقل العلوم الحديثة إلى العربية في عهد محمد علي، كان أكثر النقلة لا عناية لهم باللغة العربية. وأكثر علماء اللغة لا معرفة لهم باللغات الأجنبية. فاحتيج إلى المحرر الذي يحرر لهم الكتب المنقولة ويهيؤها للطبع، وهوغير المصحح الذي يتولى تصحيح الكتاب في أثناء الطبع، لأن المحررين يشترط فيهم معرفة العلم الذي يعهد إليهم تحريره، وفهم مصطلحاته العلمية وغير ذلك، فضلاً عن معرفة اللغة. أما المصححون فيكفي فيهم معرفة قواعد اللغة وشواردها بضبط العبارات حسب القواعد. ولما كانت الكتب التي أريد نقلها يومئذ علمية فنية بها مصطلحات خاصة كانت الحاجة ماسة إلى محررين يفهمون مصطلحاتها ويعرفون مظانها.
فكانوا إذا فرغ المترجم من نقل كتاب في الطب أوغيره، دفعوه إلى المحرر فيقرؤه. والغالب أن يفعل ذلك مع المترجم أوالمؤلف إذا كان موجوداً. وكثيراً ما كان يتولى ذلك أحمد حسن الرشيدي، أو الدكتور برّون لأنه كان يعرف العربية فضلاً عن اللغات الأخرى. وقد يفعل ذلك رفاعة الطهطاوي أو بعض تلاميذ مدرسة الألسن " (2).
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية / 4/ 170- 171
(2) المرجع السابق 4/184(1/41)
" على أن المحررين كانت الحاجة ماسة إليهم في أوائل هذه النهضة، ثم أخذوا يستغنون عنهم بالتدريج بعد أن استقرت المصطلحات العلمية كما وضعها المحررون الأولون. وهم أصحاب الفضل الأول على هذه النهضة من حيث وضع المصطلحات، وأمام هذه الطائفة السيد محمد عمر التونسي صاحب معجم المصطلحات العلمية وهو (الشذوذ الذهبية في الألفاظ الطبية) كما سيأتي"(1)
والواقع أن هؤلاء الذين قاموا بمراجعة الكتب المترجمة في ذلك العصر، كانوا يقومون بالعملين معاً، بل كان لهم جهد مشكور في إحياء المصطلحات العلمية العربية القديمة ومحاولة التوفيق بينها بين المصطلحات الأوربية الحديثة بعد مراجعة كتب العرب في الطب والهندسة والرياضيات.
وقد أفاد بعض هؤلاء المحررين الكثير بسبب مساهمتهم بهذه الحركة العلمية، ففهموا بعض ما جاء في الكتب العلمية المترجمة وكسبوا لأنفسهم معارف جديدة واسعة وأضافوا إلى ثروتهم اللغوية ثروة جديدة لكثرة ما نحتوا واشتقوا واقتبسوا من ألفاظ ومصطلحات جديدة، ولهذا كانوا يحاولون دائماً - فيما يكتبون من مقدمات - أن يعلنوا عن هذه المعرفة الجديدة التي كسبوها.(2)
" وكان النقلة والمصححون والمؤلفون في مصر رواد ابتكار المصطلحات العلمية الحديثة، وكانوا يرجعون في تحري المصطلحات العربية إلى الكتب العلمية العربية القديمة يستخرجون منها الصالح، واستطاعوا أن ينتفعوا بجملة منها في مختلف العلوم.
ولعل من هذه المصطلحات ما أخذ العلماء في عصرنا الحاضر في تعديله حتى يلائم تقدم العلوم أو ذوق العصر. ولكنهم اقتبسوا الكثير من مصطلحات رواد النهضة الحديثة ". (3)
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية / 4/ 185 .
(2) الشيال ، جمال الدين / تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي / 174
(3) زيدان ، جرجي / اللغة العربية كائن حي / 54(1/42)
" وقد حاول الكثيرون منهم التوفيق بين المصطلحات العلمية الحديثة والمصطلحات العلمية القديمة، ودونوا في كتبهم مجموعة كبيرة منها تصلح لأن تتخذها المجامع اللغوية ومؤسسات التعريب أساساً لجهودها في هذا الميدان" (1) وفيما يلي مثال اخترناه مما كتبه التونسي في مقدمة كتاب " الجواهر السنية في الأعمال الكيمياوية " للدكتور برون Perron وقد شحن التونسي هذه المقدمة بمعظم المصطلحات الكيمياوية التي وردت في متن الكتاب، فقال :
" يامن تتصاعد إليه الأرواح وتتسامى، وتذوب الأجسام من هيبة جلاله وعلى باب عفوه تترامى، تنزهت ذاتك العلية عن التركيب والتحليل، لا إله إلا أنت خلقت لنا ما في الأرض من المعادن والنباتات والحيوانات، وألهمتنا معرفة العناصر والبسائط والمركبات.... ونشهد أن سيدنا ومولانا محمداً الذي مثلت قلبه الشريف بزجاجة فيها مصباح، وجذبت بمغناطيس أنواره الأرواح.... اللهم فصل عليه وعلى آلة وأصحابه الذين كانوا كشواظ من نار ونحاس على الكافرين مارشحت أنابيق الغمام فنزلت دموعها قطرات، وسار تيار المياه على الوهاد فأصبحت الأرض مخضرة بأصناف النبات، ولمعت قطع البرد على البسيطة كالبلورات المنشورية والمربعات، وتولدت الحوامض والأكاسيد والأملاح من المعادن والنبات والحيوان، وسلم تسليماً كثيراً (2).... "
__________
(1) الشيال / المرجع السابق / 183 .
(2) برون / الجوهر السنية / تر: التونسي / المقدمة(1/43)
وقد كان تقليد ذلك العصر أن يترك للشيخ المحرر أو المصحح كتابة مقدمة الكتاب وخاتمته، واختيار عنوان عربي جديد له، واعتاد هؤلاء - متأثرين بالكتب القديمة التي قرؤوها - أن يلتزموا السجع في اختيار العنوان وعند كتابة المقدمة والخاتمة، ولكنهم بعدوا بالعنوان المسجوع عن العنوان الأصلي للكتاب بعداً كبيراً، فمن يحاول ارجاع هذه الكتب إلى أصولها لمعرفة أسمائها الأجنبية يعز عليه ذلك، بل ويستحيل، إذا كيف يمكن تحقيق الأسماء الأصلية لكتب هذه عناوينها : " نزهة الأنام في التشريح العام " أو " منتهى الأغراض في علم الأمراض " أو " رضاب الغانيات في حساب المثلثات " أو " منتهى البراح في علم الجراح "(1).... إلخ
والشيء الوحيد الذي يغفله هؤلاء المحررون أو المصححون - على الرغم من أهميته - هو أسماء المؤلفين، فقلما كانوا يشيرون إلى هذه الأسماء، ولم يحدث هذا إلا في الكتب القليلة التي وضعها بعض المدرسين، أو في الكتب التي ترجمت في مدرسة الألسن وألفها رجال مشهورون مثل فولتير أو روبيرتسون وغيرهما. وكانت هذه الأسماء تكتب بحروف عربية. ولم يحدث أبداً أن كتبت بحروف لاتينية، مع وجود هذه الحروف في مطبعة بولاق منذ انشائها (2).
الشيخ محمد بن عمر التونسي : (1789 - 1857 م)
ومعجم (الشذور الذهبية في المصطلحات الطبية)
إن كثرة الكتب الطبية التي ترجمت كانت تتطلب إيجاد معجم طبي للمصطلحات أو ترجمته. وقد بدأت المدرسة الطبية بترجمة قاموس صغير في هذا الموضوع من تأليف (نيستن Nysten) ولكنه لم يف بالغرض، فأحضر الدكتور كلوت من فرنسا (معجم المعاجم الطبية Dictionnaire des dictionnaires de médecine ) وهو من تأليف (فابر Fabre ) وهو في ثمانية أجزاء. ويشتمل على جميع الاصطلاحات العلمية والفنية في الطب والنبات والحيوان والعلوم الأخرى المتصلة بالعلوم الطبية.
__________
(1) الشيال / المرجع السابق / 172
(2) المرجع السابق نفسه / 173(1/44)
وتعاونت مدرسة الطب بكل هيئاتها على ترجمة هذا المعجم إلى اللغة العربية (1)وكلف الشيخ محمد بن عمر التونسي بتحريره وترتيبه والاشراف عليه، لأنه كان من أشهر الذين لهم فضل في ترجمة الكتب العلمية وتحريرها وتصحيحها، وأعلمهم بمصطلحات العلوم الطبية والمواليد (2) وامتاز عن سائر أقرانه المصححين بمعرفة المصطلحات العلمية باللغة العربية، فكانوا يرجعون إليه في تحقيقها ويسمونه : مصحح كتب الطب ومحررها. قال في مقدمة كتابه الشذور الذهبية :
" لما كثرت ترجمات الكتب الطبية رأيت أن أؤلف قاموساً جامعاً للمصطلحات، وكان كلوت بك قد أتى بكتاب فرنسي في المصطلحات الطبية والعلمية، وأوعز إلى مهرة المعلمين بترجمته، فترجم كل منهم الجزء الذي أعطيه، واجتهد في توقيع لفظه على المعنى حتى شكرت مساعيه، فأوعز إلي الدكتور (برون) ناظر المدرسة أن آخذ من الكتاب كل لفظ يدل على مرض أو عرض، أو نبات أو معدن أو حيوان، أوغير ذلك من الاصطلاحات، وأن أستخرج ما في (القانون) من التعاريف، وما في (تذكرة داود) من كل معنى لطيف، وزدت على ذلك ما في فقه اللغة ومختصر الصحاح (3).
__________
(1) الشيال / المرجع السابق نفسه / 192- 193 .
(2) والمواليد الثلاثة هي : النبات والحيوان والمعدن . انظر : الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية / 155 .
(3) كتاب ( القانون في الطب ) لابن سينا . وكتاب ( تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب ) في الطب لداود الأنطاكي . وكتاب ( فقه اللغة ) للثعالبي . وكتاب ( مختصر الصحاح ) أو ( مختار الصحاح ) للرازي.(1/45)
ورتبته على حروف المعجم، وراجعته مراجعة دقيقة، ولم آل جهداً في تصحيح كلماته وتهذيب عباراته، ولما انتهيت من هذا كله، قابله معي وكيل مدرسة الطب محمد شافعي أفندي، وسميته في النهاية " الشذور الذهبية في المصطلحات الطبية " ولم أقصره على الألفاظ العربية، بل ضمنته أسماء لاطينية، وأخرى فرنساوية، وأخرى فارسية، سواء استعملتها العرب، أو كانت محدثة ودخلت الألفاظ الطبية لأدنى سبب... "(1)
فهذا المعجم يكاد يكون أول معجم للمصطلحات الطبية في العصر الحديث، فجاء كتاباً في نحو 600 صحفة متوسطة الحجم، وهو من الذخائر النفيسة، وقد حمل إلى باريز، وفي دار الكتب المصرية نسخة منقولة عنه بالفوتوغراف. (2)
"وقد جاء الدكتور أحمد عيسى ليبدأ بدراسة هذا العمل الضخم، ويعمل على تقديم الترجمة الانكليزية لألفاظه إلى جانب الفرنسية، وأمضى أربع سنوات (1910- 1914) في تحقيق جزء يسير بحدود مئة صفحة، طبع في القاهرة على نفقة دار الكتب المصرية في مطبعة (المقتطف) عام 1914. ثم توقف الأمر عند هذا الحد ".(3)
وهذا نموذج آخر مما ترجم التونسي من الكتب الزراعية للمؤلف الفرنسي أنطون فيجرى وسماه (الدر اللامع في النبات، وما فيه من الخواص والمنافع) والذي قال في مقدمته : " لقد قسم المتقدمون علم النبات إلى أربعة أقسام : الأول في التشريح - الثاني في وظائف أعضاء النبات - الثالث في تقسيم النبات بحسب أعضاء التناسل إلى رتب - الرابع في شرح الفصائل الطبية.
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية جـ 4 / 186 . والشيال ، جمال الدين / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 192 نقلاً عن مقدمة كتاب ( الشذور الذهبية ) من ج - هـ
(2) زيدان ، جرجي / المرجع السابق نفسه / 187 .
(3) القاسمي ، علي وعبد الرحيم حسني / بيبلوغرافيا المعاجم المتخصصة / مجلة ( اللسان العربي ) مج 21/ 181 .(1/46)
وها هي ذي بعض المصطلحات العلمية النباتية وغيرها التي وردت في هذا الكتاب : البستيل (عضو التأنيث) وهو مركب من ثلاثة أجزاء :
1- المبيض
2- الأستيل (وهو أنبوبة شعرية بين المبيض والاستجما) وهو في النبات بمنزلة المهبل في الحيوان.
3- والاستجما (وهو الجزء العلوي للبستيل، وهو كالفوهة المهبلية في الحيوان)، الأستام (وهو بمنزلة عضو التذكير في الحيوان، وهو مكون من ثلاثة أجزاء :
1- الأنتيرا (وهي بمنزلة الحشفة في الحيوان)
2- الخيط الحامل للأنتيرا، وهو بمنزلة العسيب.
3- الطلع المنحصر في الحشفة، أي الغبار الذي يحصل به التلقيح، وهو بمنزلة المني عند الحيوان.
ثم ذكر الغلافات الزهرية كالكأس والتويج، والنيتارى (أي الأعضاء الرحيقية في الزهرة) والتحلب، واللينفا، والجواهر البرانكيماوية، والافرازات النباتية كالعصارة الخاصة والروائح والسائلات والصمغ والرتينج وغير ذلك. كما ذكر بعض الأحماض والغازات مثل : حمض الكربونيك والأوكسجين، والكربون، وحمض السوانيك، والآزوت، والايدروجين...
ثم ذكر بعض أنواع الأزهار والتزهر مثل الغاسول وشب الليل وست الحسن والعليق... إلخ. ومن النباتات الفطرية : بالبوليتس والفاريقون الحافري البلوطي. ثم ذكر السرخس الذكر والسرخس الدرقي كما ذكر أنه يستخرج من الصفصاف الأبيض مادة الصفصافين... ألخ " (1).
وهذا نص من الكتاب يعطينا صورة عن الكتابة العلمية في القرن الماضي، وهو في وصف النباتات الأشنية البحرية (التي هي على شكل خيوط شعرية أو صفائح رقيقة):
__________
(1) التونسي ، محمد بن عمر / الدر اللامع في النبات وما فيه من الخواص والمنافع/5و105 .(1/47)
" أوصافه الجنسية : هذا الجنس نباته غشائي أو خيطي، بزوره مجتمعة في حويصلات متصلة بالمسام الظاهرة، وتحت هذا الجنس أنواع، والمستعمل منها في الطب نوع واحد وهو الأشنة الطاردة للدود. أوصافها النوعية : هذه الأشنة تنبت وتعيش على صخور البحر الأبيض المتوسط خصوصاً في جزيرة كورس، وتوجد مختلطة بأنواع أخر من جنسها، لكن تستعمل وأن كانت مختلطة لعدم الضرر، ولا يرمى من أجزائها شيء. التحليل : مركبة من مادة هلامية رايحية ومن ملح الطعام ومن كبريتات كربونات وفوسفات جيرية، ومغنيسيا وحمض رمليك وحديد وايدرو يودات البوتاس أو الصودا....
الخواص الطبية : تزيد في الحركة المعوية الدافعة، وبهذه الزيادة وخواص أخر تطرد الديدان الخراطينية وغيرها. تعطى مسحوقة من درهم إلى درهمين، ومنقوعة من درهمين إلى أربعة، وتعمل هلاماً فيعطى منه قدر ملعقة ". (1)
الشيخ رفاعة الطهطاوي ومدرسة الألسن: (1801- 1873)
لقد أحس رفاعة هذه الحاجة قبل غيره وهو في فرنسا يتخصص في الترجمة... فلما عاد إلى وطنه وبدأ يراجع بعض الكتب التي ترجمها في باريز ويعدها للطبع، أحس بنقص المعاجم التي تجمع بين مفردات اللغتين العربية والفرنسية ومصطلحاتهما مرة ثانية، وعبر عن شعوره هذا في أول كتاب طبع له وهو كتاب " المعادن النافعة " الذي طبع في بولاق بعد عودته من فرنسا 1248 هـ / 1832 م، فقد قال في مقدمته : (2)
__________
(1) التونسي ، محمد بن عمر / الدر اللامع .. / 106
(2) الشيال / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 188 .(1/48)
" وقد فسرت مفرداته على حسب ما ظهر لي بالفحص، وماتعاصى منها حفظت لفظه، ورسمته كما يمكن كتابته به، وربما أدخلت بعض تفسيرات لطيفة..... والعذر إذا زل قدم ترجمتي في بعض التفاسير، لأن اللغة الفرنساوية لم يفض ختامها إلى الآن بقاموس شاف مترجم.... ويحتاج أيضاً إلى أن يكون معي مساعد فرنساوي، بل أن هذا الشغل هو شغل عشرة أنفار حتى يكون مستوفياً ومستوعباً للألفاظ الاصطلاحية " (1)
ولم تتحقق فكرة رفاعة إلا في كتابه الثاني " قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر " عندما طبعه 1249 هـ، فوضع في أوله معجماً صغيراً شرح فيه المصطلحات والألفاظ الغربية، ثم دعا غيره من المترجمين أن ينهجوا نهجه، فيلحق كل منهم بكل كتاب يترجمه معجماً شبيهاً بمعجمه، حتى إذا مضى بعض الوقت كان لمصر من جهودهم معجم علمي كبير مشتمل على سائر غريب الألفاظ المستحدثة التي ليس لها مرادف أو مقابل في لغة العرب أو الترك (2)، قال رفاعه :
"ولما كانت هذه الألفاظ في الأغلب أعجمية فلم ترتب إلى الآن في كتب اللغة العربية وكان يتوقف فهم هذا الكتاب عليها، عربناها بأسهل ما يمكن التلفظ به على وجه التقريب حتى إنه يمكن أن تصير على مر الأيام دخيلة في لغتنا كغيرها من الألفاظ المعربة عن الفارسية واليونانية (3).
وقد كانت طريقة رفاعة في هذا المعجم أن يكتب اللفظ بحروف عربية، مراعياً طريقة نطقه باللغة الفرنسية ثم ينص على كيفية نطق هذا اللفظ بالطريقة القديمة، ثم يشرح معنى اللفظ بجلمة أو أكثر. وفيما يلي أمثلة من هذا المعجم المصطلحي.(4)
__________
(1) الطهطاوي / المعادن النافعة / 3 والشيال / تاريخ الترجمة .
(2) الشيال / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 189
(3) الطهطاوي ، رفاعة / قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر / 2 .
(4) الشيال / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 189 .(1/49)
1) بزيزيله : بسكون الموحدة وكسر الراء بعدها مثناة تحتية، فزاى مكسورة، فلام فتاء تأنيث. ويقال أيضاً (برزبلة) و (برزبل) بفتح الراء : اسم لسلطنة كبيرة في القطر الشرقي من أمريكة الجنوبية محكومة بعيلة من البرتوغال، وحاكمها يلقب امبراطور يعني سلطاناً أو قيصراً، وأهلها المتأصلون بها غير الفرنج أكثرهم قبائل أرباب شرور وجبر وتوحش عظيم، حتى أن منهم من يأكل لحم الآدميين، خصوصاً لحم العدو الذي يقبضون عليه في الحرب. (1)
2) اسقيمو : بكسر الهمزة وسكون السين بعدها قاف مكسورة فياء ساكنة فميم مضمومة بعدها واو وربما زيد فيها شين معجمة ثقيلة (اسقيموش)، قبائل بشمال أمريكا همل مثل أهل (لابونيا) والسويد، ولهم توحش عظيم.
3) أوبرا : أوبرة : بضم الهمزة وكسر الباء الفارسية التي تقرأ بين الفاء والباء، فراء مفتوحة، هي أعلى سبكتا كلات فرنسا - راجع سبكتاكل - وتطلق على نوع مخصوص من الأشعار إلخ.
4) الأنستتوت: بفتح الهمزة وسكون النون وكسر السين، أي مشورة العلوم وأكابرهم.
5) الاكتريسته : بكسر الهمزة، وسكون الكاف وكسر التاء والراء، وكسر السين وفتح التاء، المسماة الرسيس : بفتح الراء المشددة وكسر السين التي هي خاصة الكهرباء عند حكها.
6) شمبر دوبير : بفتح الشين وسكون الميم : يعني ديوان (البير) بفتح الموحدة. أي أهل المشورة الأولى (2)
__________
(1) الطهطاوي / قلائد المفاخر ... /2 ، والشيال / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي .
(2) الطهطاوي / قلائد المفاخر / 2،4، 8 .(1/50)
7) ديوان رسل العمالات : وهذه هي ترجمة رفاعة الطهطاوي للاصطلاح الفرنسي : Chambre des députés ولهذا الاصطلاح في مصر منذ عهد محمد علي حتى اليوم تاريخ طويل، فقد سمي التسمية، ثم أطلق عليه (مجلس شورى القوانين) ثم (الجمعية العمومية) ثم (الجمعية التشريعية)... إلخ إلى أن سمي أخيراً بـ (مجلس النواب) كما سمي (الشامبردوبير) بمجلس الشيوخ(1).
8) الجرنالات : جمع (جرنال) وهو يجمع في اللغة الفرنساوية على (جورنو) وهي ورقات تطبع كل يوم، وتذكر ما وصل إليهم علمه في ذلك اليوم، وتنشر في المدينة، وتباع لسائر الناس، وسائر أكابر باريس، يرتبونها كل يوم، وكذلك سائر القهاوي. وهذه الجرنالات مأذون فيها لسائر أهل فرانسا أن تقول ما يخطر لها، وأن تستحسن وتستقبح ما تراه حسناً أو قبيحاً، وأن تقول رأيها في تدبير الدولة، فلها حرية تامة مالم تضر في ذلك، فإنه يحكم عليها وتطلب قدام القاضي.
... والجورنو : عصب، فكل جماعة لها في مذهبها من يقويه ويحاميه ويؤيده. ولا يوجد في الدنيا أكذب من الجرنالات أبداً خصوصاً عند الفرنسيس.
9- التلغراف : يعني إشارة الأخبار (2)..... إلخ
__________
(1) الشيال / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 214.
(2) الطهطاوي / قلائد المفاخر / 2-4-8(1/51)
" فلما أنشئت مدرسة الألسن، وبدأ تلاميذها وخريجوها يترجمون، أخذهم أستاذهم الطهطاوي بطريقته، فظهرت معظم كتبهم وفي آخرها ملاحق مرتبة ترتيباً معجمياً لشرح الأعلام والألفاظ الاصطلاحية الواردة في تلك الكتب. وقد امتد أثر رفاعة وتلاميذه في هذا الميدان إلى المدارس الأخرى. ففي مدرسة الهندسة اتبع بعض أساتذتها الطريقة السابقة، فألحق أحمد فايد مثلاً بكتابة " الأقوال المرضية في علم بنية الكرة الأرضية " نبذة في 38 صفحة تشتمل على بيان ألفاظ هذا الفن الاصطلاحية. وهذا خليفة محمود قد ألحق بكتابه " اتحاف الملوك الألبا بتقدم الجمعيات في بلاد أوربا" جدولاً لشرح الكلمات الغريبة في 47 صفحة..... " (1)
" ولم يتبع طريقة الطهطاوي هذه في مدرسة الطب إلا الدكتور (برون) في كتابه " الجواهر السنية... " فقد ألحقه بذيل في 119 صفحة لشرح الآلات والمصطلحات الواردة في كتاب، كما سبق.
غير أننا نأخذ على هذه المعاجم أو القوائم الاصطلاحية كلها أنها أهملت ذكر الألفاظ والمصطلحات بالحروف اللاتينية إلى جانب الحروف العربية، مع وجود هذه الحروف في مطبعة بولاق منذ انشائها. ولو أن المترجمين فعلوا ذلك لأعفوا أنفسهم من الإطالة في ذكر طريقة النطق بالأسلوب القديم كما رأينا".(2)
" والمعروف عن الطهطاوي أنه كان يترجم في كل علم وفن، ولهذا نلاحظ أنه أخذ تلاميذه في مدرسة الألسن بنفس الطريقة، فكان المترجم ينتهي من ترجمة كتاب في التاريخ أو الجغرافيا فيعهد إليه بترجمة كتاب آخر في الكيمياء أو النبات أو الهندسة.؟
غير أننا نلاحظ أن الحركة كانت تتجه في أواخر العهد نحو التخصص، فالذين عينوا في مدرسة الطب من خريجي البعثات تخصصوا في ترجمة العلوم الطبية دون غيرها والذين عينوا في مدرسة المهندسين تخصصوا في ترجمة العلوم الرياضية.
__________
(1) الشيال / تاريخ الترجمة في عصر علي / 190 -
(2) الشيال / المرجع السابق نفسه / 190-191.(1/52)
وكان القائمون على حركة الترجمة في ذلك العصر، يعهدون ببعض الكتب بعد ترجمتها وتصحيحها إلى لجنة أخرى من مترجم ومصحح آخرين لمراجعتها على الأصل.
وكانت بعض الكتب تراجعها لجنتان أوثلاث، الواحدة بعد الأخرى.... كذلك يلاحظ أن المبدأ العام لم يتجه في هذه الحركة نحو التخصص في الترجمة، فقد رأينا طبيباً يترجم في الجغرافية ومبعوثاً للتخصص في صناعة الحرير يترجم كتاباً في التاريخ " (1). وهذا مما يضعف الترجمة ويهزلها، لكن هذه المرحلة لم تدم طويلاً فقد اتجهت الترجمة بعد ذلك - كما رأينا - نحو التخصص ليكون ذلك أدعى إلى صحة المترجم والثقة به.
وقد نقل الطهطاوي هو وتلاميذه إلى العربية والتركية أكثر من ألفي مؤلف. واشتهر من بينهم البقلي والرشيدي والنبراوي ورشدى والشباسي وشافعي، ثم الدرى وندى وعثمان غالب، وترجموا في عصر محمد علي وما بعده أكثر من مئتي مؤلف من أهم الكتب الطبية والطبيعية وأشهرها، ولم يعرب مثل هذا العدد من قبل.
وكان أسلوبهم في التعريب يختلف باختلاف الشخص ومبلغ احاطته بأصول العربية. وكان ما عرب في أول هذا العصر مقبولاً في جملته، غير أن طرق الوضع لم تكن قويمة، ولا تتفق في شيء مع قوام العربية. فإذا اطلعت على معجم صغير وضعه رشدى بالفرنسية وطبعه في باريز، تجده يعرب (amygdalitis) بلوزيت بدلاً من أن يقول العازور مثلاً، و (artertis) بشريانيت و(arthritis) بمفصليت و (gibbosity و basse) بأتب بدلاً من الحدب و (cream) بكريمة و ( peritonitis) ببريتونيت و ( physiolog) بـ فسيلوجيا أوالسلامة...
__________
(1) الشيال / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 209(1/53)
وإذا اتصفت كتب الجراحة التي عربها الدرى تجد أمثال هذا المسخ والتشويه وأشباهه كثيرة فضلاً عن رداءة الانشاء. وقد انتشر في هذا العهد قاموس إلياس بقطروبرسفال الابن. وبقطر هذا كان رجلاً لايعي من العلم بالعربية قليلاً ولا كثيراً، إذ كان مترجماً للحملة الفرنسية في شمال افريقية.. (1)
7) صعوبة ترجمة المصطلحات العلمية
ومحاولة التغلب عليها:
" إن المشكلة عند المترجمين في عصر محمد علي كانت في محاولاتهم نقل الألفاظ والمصطلحات العلمية الأوربية إلى اللغة العربية " (2) " فمن الطبيعي القول بأن الموضوعات العلمية شيء ومصطلحاتها شيء آخر. ولكن معرفة المصطلحات العربية كثيراً ما تكون أشق من معرفة الموضوعات العلمية نفسها. فالذي يتقن لغة أجنبية كبيرة يستطيع بطريقة ما فهم موضوع علمي، ولكنه لايستطيع نقله إلى لساننا مالم يجد له مصطلحات عربية يركن إليها " (3)
" ولو أن اللغة العربية كانت تكتب بحروف لاتينية، أو أن اللغات الأوربية كانت تكتب بحروف عربية لسهل العمل على المترجمين قليلاً. فإن رسم اللفظ - الذي تصعب ترجمته من لغة إلى لغة أخرى تشبهها في رسم الحروف - يسهل على القارئ قراءته قراءة صحيحة، وقد يعينه على فهم معناه إذا كانت اللغتان متشابهتين أو متقاربتين أو منحدرتين من أصل واحد ".
__________
(1) شرف ، محمد / معجم العلوم الطبية والطبيعية / المقدمة ص 14-15
(2) الشيال / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 211 .
(3) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية / 54 .(1/54)
" أدرك المترجمون هذه الصعوبة الناتجة عن اختلاف اللغة العربية عن اللغات الأوربية في أصول الكلمات واشتقاقها وفي رسم الحروف، وكانوا يستطيعون التغلب عليها لو أنهم رسموا الألفاظ الجديدة بالحروف العربية، وأثبتوها كما هي بحروفها اللاتينية إلى جانب الرسم العربي كما نفعل نحن الآن في كثير من الأحيان، ولكنهم لم يفعلوا، ولسنا ندرى السر في أحجامهم عن استعمال هذه الطريقة مع أن مطبعة بولاق منذ أنشئت بل ومعظم المطابع الأخرى كانت فيها مجموعات للحروف اللاتينية بأشكال وأحجام مختلفة ".
" أهمل المترجمون إذن الحروف اللاتينية تماماً، ثم حاولوا مستعينين بما وصلت إليه أيديهم من معاجم، وبجهود المحررين والمصححين من الأزهريين البحث في كتب الطب والكيمياء والنبات العربية القديمة عن ألفاظ ومصطلحات تقابل ما يعثرون عليه من ألفاظ ومصطلحات في المؤلفات الأوربية، واستطاعوا بهذه الطريقة أن يحيوا ألفاظاً علمية عربية كثيرة. غير أن العالم الأوربي في أوائل القرن التاسع عشر كان قد أوجد علوماً جديدة وأحدث اختراعات، وعرف نظماً وأوضاعاً سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة لم يكن للعرب القدامى بها عهد " (1) "
__________
(1) الشيال / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 211- 212(1/55)
" ثم إن وضع المصطلحات العلمية أو تحقيقها من أشق الأمور وأدعاها إلى الجلد والصبر والأناة، والتخصص الواسع بعلم واحد، حتى بفرع من علم واحد. ورب كلمة أعجمية تحتاج أحياناً في وضع مقابل عربي لها إلى الدرس والبحث ساعات من الزمن، أو أياماً تمر في التفتيش عن معناها الأصلي في اليونانية أو اللاتينية، وعن واضعها وماذا أراد من وضعها. أما الكلمة العربية التي ستوضع أمام الأعجمية، فليس من السهل إيجادها أو اختيارها، فهناك تراث علمي قديم لنا يجب مراجعته بغية العثور على لفظ عربي سائغ، له معنى اللفظ الأعجمي، أو له معنى مقارب لمعناه... (1)
وبرنامج الترجمة في عصر محمد علي كان يرمي إلى نقل كتب كثيرة للتعريف بمستجدات الحضارة الأوربية. فكيف أذن استطاع المترجمون التغلب على هذه الصعوبة ". (2)
محاولة التغلب على هذه الصعوبة :
" لقد حاول المترجمون وبذلوا الجهد وبدؤوا يصطنعون طرقا تمهد لهم السبيل.
واللغة كما نعرف كائن حي ينمو ويتطور، فإذا كنا قد انتهينا إلى صياغة ألفاظ ومصطلحات علمية كثيرة تقابل الألفاظ والمصطلحات الأوربية الحديثة، فالفضل يعود لجهود هؤلاء الرواد، ولنتبع الآن الطرق التي اصطنعوها لأنفسهم: لقد حاولوا أولاً : ايجاد ألفاظ ومصطلحات عربية تقابل الألفاظ والمصطلحات الأوربية، بل إننا لنلاحظ أن هؤلاء المترجمين لم يكونوا جامدين ولا متزمتين، ولم يقيدوا أنفسهم بالألفاظ العربية دائماً. فكانوا إذا وجدوا أن اللفظ العربي قد أهمله المتكلمون بالعربية أنفسهم وبدؤوا يستعملون اللفظ الأوربي، أو لفظاً قريبا منه، فضلوا اللفظ الجديد على اللفظ القديم.
__________
(1) الشهابي / المصطلحات العلمية .... / 175
(2) الشيال / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 212 -(1/56)
وأما خطوتهم الثانية : فكانوا إذا عجزوا عن العثور على لفظ عربي يؤدي المعنى المطلوب، أويقابل اللفظ الأوربي، نقلوا اللفظ أوالمصطلح الجديد كما هو ورسموه بحروف عربية. وهذا ما يسمى (التعريب).
وإذا كانت الحروف العربية في مطابع ذلك العصر خالية من الشكل تماماً، فقد لجؤوا إلى الطريقة القديمة فبينوا بالكلمات طريقة نطق هذه الألفاظ، ثم أشفعوا هذا كله بتفسير للمصطلح الجديد، أو تعريف له في جملة واحدة أو أكثر. يقول الطهطاوي في مقدمة كتاب " المعادن النافعة ":
" وقد فسرت مفرداته على حسب ما ظهر لي بالفحص التام، وما تعاصى منها حفظت لفظه، ورسمته كما يمكن كتابته به، وربما أدخلت بعض تفسيرات لطيفة... " وقد سبق هذا القول قبل قليل.
ويمكن القول : إن رفاعة هو مبتدع هذه الطريقة وصاحبها، فقد اتبعها في معظم كتبه التي ترجمها، وعنه أيضاً أخذها تلاميذه في مدرسة الألسن. فهذا خليفة محمود يقول في مقدمة كتابه " اتحاف الملوك الألبا بتقدم الجمعيات في بلاد أوربا " : إن اللغة العربية بمعزل عن اللغات الافرنجية، فلزم لي معاناة أين ومكابدة مشاق بين حين إلى حين، لأجل أن آتي بمقابل ألفاظ يصعب وجود مقابل لها في العربية، يكون مطابقاً لمعناها، ومؤدياً لجميع مفادها وفحواها، حتى أنه ربما ورد علي بعض ألفاظ لم أجد لها مقابلاً بالكلية، وبلفظها الأصلي ذكرتها، وبجملة اعتراضية فسرتها(1) ... "
وأخيراً لابد من إبداء الملاحظات التالية حول تلك المؤلفات الطبية بمدرسة قصر العيني بوجه عام.
1- كان التدقيق اللغوي وضبط النصوص واضحين تماماً سواء كان ذلك في الكتب المترجمة أم المؤلفة.
2- أسلوب النصوص الطبية العلمية يتميز بالرصانة والوضوح.
3- يبدو أن مستواها العلمي كان عالياً بشهادة أهل العلم في ذلك.
__________
(1) الشيال / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 212- 213(1/57)
4- كانت المصطلحات الطبية الواردة في تلك الكتب رائدة في وضع المصطلح العلمي الحديث، ومتفقة إلى حد بعيد مع المصطلحات التي وضعتها الجامعة السورية لأنها متأثرة بها.
5- ولهذه الكتب فضل السبق بالظهور باللغة العربية بمفاهيم علمية حديثة، تسجل مفخرة لمدرسة قصر العيني (1)
8) خاتمة وتعليق :
" والذي يهم ذكره بعد هذه العجالة عن تلك النهضة العلمية في مصر وفي القرن التاسع عشر هو أن النقلة والمؤلفين والمصححين فيها كانوا رواد نقل العلوم الحديثة إلى لساننا، وأنهم كانوا يرجعون في تحري المصطلحات العربية إلى كتبنا العلمية القديمة ويستخرجون منها ما يرون استعماله من ألفاظ صحيحة. وقد استطاعوا الانتفاع بجملة صالحة منها في مختلف العلوم التي عالجوها بالترجمة أو بالتأليف. والكتب التي ألفوها هي حسنة بوجه عام وصالحة لأيامهم، ويستطيع مؤلفو أيامنا هذه أن يقتبسوا منها كثيراً من المصطلحات المفيدة. ولكن من الطبيعي القول إن هذه المصطلحات ليست كلها صالحة أو مقبولة في هذا العصر، فقد عدل اليوم الكثير منها، ووضعت أسماء عربية لكثير من الأسماء التي عربوها. ومع هذا مما لا مشاحة فيه أن مصطلحاتهم المقتبسة والموضوعة كانت نواة جيدة لجميع من ألفوا بعدهم كتبا علمية بلغتنا العربية.
ومن الأمور الطريفة تتبع ما وضعوه وما حققوه من مصطلحات في مختلف العلوم الحديثة، وكذلك تتبع مالم يجدوا له ألفاظاً عربية فعربوه. وعمل كهذا لايضطلع به إلا الاختصاصيون، على أن يقتصر كل منهم على تتبع ألفاظ العلم الذي اختص به (2) "
__________
(1) انظر شحادة ، كمال / الطب والمدارس الطبية من نهاية القرون الوسطى حتى العصر الحديث / رسالة جامعية مخطوطة وقد أقر الاستاذان مصطفى الشهابي والدكتور حسني سبح في بحوثهما عن الجامعة السورية ماجاء في الفقرة الرابعة في مواضع كثيرة .
(2) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية في اللغة العربية / 45 و 25(1/58)
" ويمتاز أسلوب الكتب المترجمة في القرن الماضي بأنه أسلوب علمي بحت، كما رأينا وقد لوحظ أن المترجمين قد ساروا باللغة العربية خطوة إلى الأمام في نقل المصطلحات والتعريفات العلمية التي كانوا يترجمونها ".(1)
" ومن الوجهة اللغوية فإن الأزهريين الذين كلفوا بتحرير الكتب العلمية وتصحيحها وبما أتيح لهم من الاطلاع على المؤلفات العربية القديمة، قد أمدوا المترجمين بما يعينهم في اختيار الألفاظ العربية التي تقابل المصطلحات الطبية الأجنبية. أما المصطلحات التي لم يجدوا لها مرادفاً عربياً فقد وضعوا لها مصطلحات جديدة مشتقة من الألفاظ الأجنبية. ومن هؤلاء الرجال مجتمعين تكونت (أكاديمية) تكفل أمانة ترجمة المصطلحات العلمية وصحتها، وأصبح للطب في مدى خمس سنين معجم مفردات (Vocabulaire) تزيد كلماته على ستة آلاف كلمة " (2) ".
ومهما يكن من أمر هذه المصطلحات العلمية المدرجة في الكتب المؤلفة في القرن الماضي، فإن العلوم في عصرنا الحاضر قد اتسعت كثيراً، والمصطلحات التي لم ترد في تلك المعاجم أو هي تلك الكتب في آلاف مؤلفة، فضلاً عن أن عدداً كبيراً من تلك المصطلحات في مختلف العلوم يحتاج اليوم إلى تعديل أو تبديل ". (3).
(((
(الفصل الثاني)
المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في الشام
تمهيد...
1. جهود أساتذة الكلية السورية الانجيلية في وضع المصطلحات العلمية.
2. جهود الكتاب والمترجمين من غير أساتذة الكلية في وضع المصطلحات العلمية.
تمهيد
__________
(1) الشيال ، جمال الدين / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 214-215
(2) عبد الكريم ، أحمد عزة / تاريخ التعليم في عصر محمد علي / جـ 1 / 258 . والشيال ، جمال الدين / تاريخ الترجمة في عصر محمد علي / 18 .
(3) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية في اللغة العربية / 45 و 25(1/59)
" تعزى طلائع النهضة الحديثة في الشام إلى مدارس الارساليات الدينية التي أنشئت في بيروت ولبنان في القرن التاسع عشر، وإلى المدارس التي أنشأتها الجمعية الخيرية الاسلامية في دمشق وفي أنحاء الولاية أيام الوالي الشهير مدحت باشا، ثم إلى المدارس الأهلية التي فتحت أبوابها في أواخر ذلك القرن ". (1)
" ومع أن مدارس الارساليات جعلت التعليم أول انشائها باللغة العربية لتجذب الطلاب وعواطف الأهلين كما فعلت المدرسة الانجيلية (الكلية الامريكية) في عبية سنوات قليلة، ثم انتقلت إلى بيروت وصار اسمها الكلية الأمريكية ثم الجامعة الأمريكية فيما بعد... "(2)
فقد بدأت الكلية السورية التدريس بالعربية 1866 م وتوقفت عنه 1882 م، وعلى أثر ذلك وقع خلاف بين تلاميذ الطب ومشرفي الكلية الذين قرروا التوقف عن التدريس باللغة العربية واستبدالها باللغة الانكليزية. وقد استقال الدكتور فانديك الاستاذ في الكلية من التدريس انتصاراً للتلاميذ 1882 م. (3)
" ونجد هذه المدرسة (الانجيلية) قدمت للتعليم العربي العالي خدمة جليلة في التأليف ووضع المصطلحات في علوم عدة، كما نجد المدارس الروسية في القدس جعلت العربية لغة التعليم " (4)
__________
(1) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية / 47 . ويبدو أن هذه المدارس الأهلية قد أسستها الدولة .
(2) الأفغاني سعيد / حاضر اللغة العربية في الشام / 25.
(3) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية جـ 4 / 197 .
(4) الأفغاني سعيد / حاضر اللغة العربية في الشام / 25 .(1/60)
" والذي يهمنا التكلم عليه في هذه النهضة إنما هو نقل العلوم الحديثة إلى العربية وتدريسها بهذه اللغة في التعليم الثانوي والتعليم العالي. فالكلية الأمريكية في بيروت كانت أكبر أداة خدمت لساننا مدة من الزمن في هذه الناحية الهامة، لأنها عندما ما أنشئت جعل التعليم فيها باللغة العربية (1) " " ولأنها اشتغلت وحدها في نقل العلوم العصرية الطبيعية والطبية والرياضية ولم يكن لها عمل في النصف الأول من القرن التاسع عشر، أو العصر الأول من النهضة الحديثة، وإنما كان العمل لمصر وحدها.
وأكثر الأساتذة عملاً في ذلك الدكتور كرينلوس فانديك، ثم الدكتور يوحنا ورتبات، والدكتور بوست. وقد اشتغل أولهم بنقل معظم فروع العلم الحديث في الطب والطبيعيات والرياضيات والفلك وغيرها " (2).
وقد كان الأطباء الثلاثة يتقنون الانكليزية والعربية، ويعرفون المعاني الأصيلة للألفاظ العلمية الانكليزية، ولذلك هان عليهم ترجمة كثير من هذه الألفاظ ترجمة حسنة. وجاء عملهم في الجملة لحقاً لعمل العلماء المصريين، ومتمماً له، على قدر الحاجة إلى العلوم ومصطلحاتها في تلك الأيام.(3)
أي إن هذه النهضة في الشام تلت نهضة مصر وأفادت منها، فقد كان أساتيذ الكلية المذكورة يتحرون المصطلحات العلمية العربية في الكتب المصرية التي صنفت في النصف الأول من ذلك القرن، كما كانوا يتحرونها في الكتب العربية القديمة. (4)
كما سنتناول في هذا الفصل جهود الكتاب والمترجمين من غير أساتذة الكلية المذكورة في وضع المصطلحات العلمية مثل : أحمد فارس الشدياق وداود أبو شعر وبشارة زلزل والمعلم بطرس البستاني والشيخ ابراهيم اليازجي.
__________
(1) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية / 47 .
(2) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية / 4/196 .
(3) زيدان ، جرجي / المرجع السابق / 4/195.
(4) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية / 48 .(1/61)
1) جهود أساتذة الكلية السورية الانجيلية في وضع المصطلحات العلمية:
- كرنيلوس فانديك (1818- 1885 م).
وأشهر الثلاثة من أساتذة الكلية الأمريكية الدكتور كرنيلوس فانديك الهولندي الأصل الأمريكي المنشأ تفقه في أمريكا في علوم عصره فتعلم الطب والصيدلة والرياضيات واللغات القديمة. فاختاره مجمع المبعوثين الأمريكيين 1840 مبعوثاً طبيباً للديار السورية، فجاء إلى بيروت ودرس العربية وأتقنها على صديقه المعلم بطرس البستاني وعلي الشيخ ناصيف اليازجي، والشيخ يوسف الأسير، وأصبح نطقه فيها وكأنه من أبنائها وألف بالعربية عدة كتب مدرسية في علوم مختلفة. وأنشأ مدرسة عبية في لبنان قبل أن تنتقل إلى بيروت وتصبح الكلية الأمريكية. وبعد إنشاء تلك الكلية درس فيها الكيمياء والجويات وعلم الأمراض. وهذه مؤلفاته وكلها مطبوعة في مطبعة الأمريكيين في بيروت نذكرها حسب موضوعاتها :
1- في الطب :
1- أصول الكيمياء في 412 صفحة طبع في بيروت 1869
2- الباتالوجيا الداخلية الخاصة (في مبادئ الطب البشري)، طبع في بيروت 1878.
3- التشخيص الطبيعي للفحص الطبي - 128 صفحة طبع في بيروت 1874.
4- رسالة في الحصبة والجدرى للرازي، حققها فانديك وأتبعها بملحق يصف فيه أعراض المرض وعلاجه في عصره.
2- في الرياضيات :
1- الروضة الزهرية في الأصول الجبرية، طبع في بيروت 1853
2- الأصول الهندسية، طبع في بيروت 1857.
3- النسب أو الأنساب والمثلثات المستوية والكروية ومساحة السطوح والأجسام والأراضي وسلك الأبحر، طبع في بيروت 1873.
3- في الجغرافيا والفلك :
1- المرآة الوضية في الكرة الأرضية (طبع عدة طبعات) وطبع أول مرة في بيروت 1852.
2- أصول علم الهيئة طبع في بيروت 1874.
3- محاسن القبة الزرقاء طبع في بيروت بلاتا.
4- كتب (النقش في الحجر):(1/62)
في تسعة مجلدات صغيرة يبحث كل واحد منها في علم من العلوم الحديثة كالفلسفة الطبيعية والكيمياء والجغرافيا الطبيعية والنبات والفلك والجيولوجيا... إلخ(1)
وسنورد فيما يلي نصوصاً مختارة من بعض تآليفه العلمية باللغة العربية لنرى كيف وظف بعض المصطلحات العلمية القديمة أو الحديثة، المترجمة منها أوالمعربة. قال يصف الألومينوم:
" هو موجود في الطبيعة مركباً مع سليكا وبوتاسا وكلس ومغنيسيا على هيئة طين الخزف والتربة المعروفة بالدلفان أو الصلصال أو الطفال. واستخلاصه من هذه المواد الغريبة عسر جداً، وكذلك لم يكثر استعمال الألومينوم لزيادة ثمنه.
وهو معدن أبيض فضي اللون، ويشبه الفضة أيضاً في الصلابة ولكنه خفيف الوزن، أخف من الزجاج، والفته للأكسجين قليلة، فلا يصدأ إذا عرض للهواء،ويصلح لاصطناع أمتعة كما تصلح الفضة، وإذا حمي في الهواء يتولد أكسيد الألومنيوم أو ألومينا. وأكسيد الألومنيوم أو ألومينا موجود في الطبيعة ممزوجاً بمواد ملونة في حجر الياقوت الأحمر والصفير الأزرق. وأما السنباذج فألومينا صرف تقريباً. وعلماء الكيمياء يبحثون على الدوام عن طريقة لاستخلاص الألومنيوم من مركباته سهلة قليلة الكلفة، وإذا فازوا بغرضهم يصير هذا المعدن النافع رخيصاً (2) .
نلاحظ كثرة المصطلحات العلمية الكيميائية التي وظفها المؤلف في هذا النص القصير الذي استعمل فيه التعريب كثيراً. كما نلاحظ أن نبوءة الدكتور فانديك قد تحققت فعلاً في هذا القرن إذ أصبح الألومينوم كثيراً ورخيصاً إذا ما قيس إلى غيره من المعادن التي لا تصدأ". وهذا نص آخر من كتاب " أصول الكيمياء " قال فيه تحت عنوان :
__________
(1) زيدان ، جرجي / تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر / جـ 2/ 53-55- دار مكتبة الحياة بيروت ط 3.
وزيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية / جـ 4 / 196-198
(2) فانديك ، كرنيلوس / النقش في الحجر ( علم الكيمياء ) /2-115 -116 .(1/63)
مركبات الأكسجين والكلور :
يتولد من تركيب الأكسجين والكلور خمس مواد هي :
1- حامض هيبوكلوروس (كل 2 أ)
2- وحامض كلوروس (كل 2 أ 3).
3- وحامض هيبوكلوريك، أو أكسيد الكلور الأعلى (كل أ 2).
4- وحامض كلوريك (كل هـ أ 3) .
5- وحامض كلوريك أعلى (كل هـ أ 4)
وقد ذكر بعضهم أكسيد الكلور (كل أ) ولا يعلم عنه إلا القليل...
نلاحظ مما سبق أنه رمز لمادة الكلور بالحرفين (كل) العربيين بدلاً من (CL) اللاتينيين، كما رمز بالألف مع الهمزة (أ) لمادة الأكسجين بدلاً من الحرف اللاتيني (O). وكذلك رمز بحرف الهاء (هـ) للهيدروجين بدلاً من الحرف (H) اللاتيني. وسنراه يشرح المركب الأول وهو (حامض هيبوكلوروس)، ويركب معادلة كيمياوية بالرموز العربية بدلاً من اللاتينية فيقول :
سيمته : (كل 2 أ) عدده 87 ثقل بخاره النوعي 2.997.
استحضاره وصفاته : ينفذ مجرى من غاز الكلور الجاف على أكسيد الزيبق الأحمر موضوعاً في أنبوبة مغموسة في ماء وثلج. أما الغاز فمصفر اللون، وإذا تحول إلى سيال بالبرد كما تقدم فهو أحمر ذو رائحة مثل رائحة الكلور بالماء، يذوب منه نحو 200 مرة من جرمه، وهذا تعليل الحل والتركيب:
2(زي أ) + (زي 2 أكل 2)أ] : اكسكلوريد الزيبق + كل 12 هو ذو قوة عظيمة على التأكسد والتبيض، وبخاره يتفرقع إذا أحمي قليلاً، ويستحضر مذوبه بوضع مذوب أكسيد الزيبق في قنينه كلور وهزها (1). وكتب عن غاز النتروجين قائلاً :
نتروجين (ن) أو آزوت :
سميته (ن) وزنه الجوهري 143 وزن جوهره المادي 28.
هذا العنصر كشفه الدكتور (روثر فورد) في سنة 1772، وسمي نتروجيناً لكونه جزءاً من النيتر، أي نترات البوتاسا. وسماه (لافواسيير) آزوتا من عدم صلاحيته للحيوة (كذا).
__________
(1) كرنيلوس ، فانديك / النقش في الحجر " أصول الكيمياء " / 120- 121(1/64)
النيتروجين كثير الوجود في الطبيعة فإنه 4/5 الهواء الكروى، وهو جزء من أجزاء النشادر ومن الفحم النفطي وملح البارود والناترون ومن المواد الحيوانية، ومن بعض المواد النباتية، لاسيما من نبات الطائفة الصليبية والفطرية.(1)
ثم تكلم فانديك عن استحضاره وصفاته بهذا الأسلوب العلمي البسيط الجميل، وبلغة عربية واضحة استطاع بها أن ينقل علوم العصر إلى طلابه وقرائه بكل سهولة ويسر. كما أنه استعان بمصطلحات علمية معربة لأنه لم يجد لها بديلاً عربياً، وذلك فضلاً عن المصطلحات العربية الأصلية.
وقد أورد الدكتور فانديك رموز العناصر الكيميائية وأوزانها بالحروف العربية.
قال في كتاب " النقش في الحجر " - علم الكيمياء - : وهاك جدول العناصر المذكورة آنفاً مع سيماتها (2) : أي الأحرف المقتطعة من أسمائها للدلالة عليها بالاختصار مع أوزانها التركيبية :
اسم العنصر ... السيمة ... الوزن التركيبي ... اسم العنصر ... السيمة ... الوزن التركيبي
أكسجين ... أ ... مغنيسيوم ... م
هيدروجين ... هـ ... صوديوم ... ص
نيتروجين ... ن ... بوتاسيوم ... ب
كربون ... كر ... نحاس ... ع
كلور ... كلـ ... زنك ... زن
كبريت ... كـ ... قصدير ... ق
فصفور ... ف ... رصاص ... رص
سليكون ... س ... زيبق ... زى
حديد ... ح ... فضة ... فض
ألوميميوم ... ألـ ... ذهب ... ذ
كلسيوم ... كلس
ونجده يحل معادلة كيمياوية بواسطة الرموز السابقة على الشكل التالي :
ب ن أ 2 + هـ 2 كـ أ 4= هـ ن أ 3 + ب هـ كـ أ 3 أى :
ملح البارود + حامض كبريتيك = حامض نيتريك + كبريتات بوتاسيوم (3)
وكان الدكتور فانديك يستعمل في أوزانه الدرهم والأوقية والقمحة والقيراط لأعماله الكيمياوية، كما كان يستعمل في مقياس الحرارة ميزان (فيرنهايت).
- الدكتور جورج بوست : (1838- 1909 م).
__________
(1) المصدر السابق نفسه / 164 .
(2) السيمة : العلامة . قال تعالى : تعرفهم بسيماهم ( البقرة 273 ) . الكليات للكفوى قسم / 3/ ص 47
(3) فانديك ، كرنيلوس / النقش في الحجر ( في علم الكيمياء ) / جـ 2 / 135(1/65)
" والعالم الثاني في الكلية الأمريكية هو الدكتور جورج بوست، كان يدرس فيها الجراحة والمواد الطبية والنبات، فألف فيها كلها. فمن مؤلفاته باللغة العربية:
1- كتاب (المصباح الوضاح في صناعة الجراح) 700 صفحة، طبع في بيروت 1873 م.
2- كتاب (مبادئ التشريح والهيجين والفسيولوجيا)، طبع في بيروت 1871 م
3- كتاب (الأقراباذين أو المواد الطبية) صدر خلال الأعوام 1874 - 1875 - 1876 على شكل ملاحق للمجلة الطبية الشهرية (الطبيب) ثم جمعه في كتاب.
4- أصدر مجلة (الأخبار الطبية) في بيروت عام 1874 م، وظهر منها في ذلك العام أربعة أعداد، كل عدد بـ 16 صفحة. ثم أصدر العدد الخامس منها باسم (الطبيب) واستمرت في الصدور ثلاث سنوات ثم توقفت عام 1876. ثم استأنفت صدورها عام 1881 واستمرت حتى نهاية عام 1885 بتحرير الشيخ ابراهيم اليازجي والدكتور بشارة زلزل والدكتور خليل سعادة.
وكانت أعداد هذه المجلة حافلة بالمقالات الطبية والمصطلحات العلمية التي كانت شائعة في ذلك القرن. وألف بوست في مجال العلوم الأساسية الكتب التالية:
1- كتاب (نظام الحلقات في سلسلة ذوات الفقرات) في جزءين، الأول في الحيوانات الثديية، طبع في بيروت عام 1869. والثاني في الطيور، طبع في بيروت 1882 م.
2- كتاب (مبادئ علم النبات) ويتضمن شرح بنية النبات ووظائفها ووصف الفصائل الطبيعية فيها. طبع في بيروت عام 1897 م.
3- كتاب (نبات سورية وفلسطين والقطر المصري ) وهو من أهم مؤلفاته طبع في بيروت عام 1884.
4- كتاب (الجغرافيا النباتية في سورية وفلسطين) طبع في لندن عام 1889م(1)
" وقد ترجم الدكتور بوست عدداً كبيراً من المصطلحات العلمية وخاصة في علم النبات، مثالها :
جنس : Genre ... نوع : Espéce ... ... فرد : Individu
__________
(1) زيدان ، جرجي / تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر / جـ 2 ص 410 . وزيدان ، جرجي/ تاريخ آداب اللغة العربية/ ج4ص199.(1/66)
العرق : race ... التباين : Variété ... فصيلة : famille
الصف : classe ... الرتبة : ordre ... ... السبط : tribu
الرتبة، القسم Inbranchement " (1)
" وفي أسماء الفصائل النباتية عرب بوست بعض الفصائل فقال :
الفصيلة الأمرنتية : amarantacées - الفصيلة الثيملية thyméléacées الفصيلة الأكويفولية : Equifoliacées - الفصيلة الأوناجرية Onagracées لكنه ترجم الفصيلة nymphéacées إلى فصيلة زئبق الماء.
ومصطفى الشهابي يرى الأصلح أن يقال على التتابع : الفصيلة القطيفية والمازريونية، والكنباثية، والأخدرية، والنيلوفرية " (2)
ويصف الدكتور حسني سبح كتاب (المصباح الوضاح...) لجورج بوست ويشيد بقيمته العلمية ودقته اللغوية وسبقه في استعمال المصطلحات الطبية العربية قائلاً :
" لقد اطلعت على كتاب (المصباح الوضاح في صناعة الجراح) من تأليف وترجمة الدكتور بوست أستاذ الجراحة في المدرسة الكلية الأميركية في بيروت، فوجدت لغته صحيحة لاغبار عليها، وقد سبقنا في استعمال الكثير من المصطلحات الطبية : كآكلة الفم والآمة والأدرة والارتشاح والتأمور والاستسقاء وأسر البول والإطراق والملتحمة والرغامي وبرحاء والتلقيح وتليين الدماغ والحمرة والجهر والحسر وحمى الدق والخشم والدشيذ والسبات والسعفة والسلاق والشترة والعقبولة والعمش والفجح والفدع والفرقعة والفقم والفلج والقاثانير والقدم العرجاء والقفداء والفدعاء والوكعاء والرحاء، والقيلة المائية والكعنة والليفين والنسيج الخلوى والوترة والوكع وغيرها " (3)
- يوحنا ورتبات (1827- 1908)م
__________
(1) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية في اللغة العربية / 97- 98
(2) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية في اللغة العربية / 132 .
(3) سبح، حسني / نقد معجم المصطلحات الطبية الكثير اللغات / مجلة المجمع العلمي مج 34 جـ 1 ص 90 حاشية رقم 2.(1/67)
" والعالم الثالث هو الدكتور يوحنا ورتبات. فلما فتح الفرع الطبي في المدرسة الكلية عام 1867 م جعل فيه أستاذاً للتشريح والفسيولوجيا. فدرس هذين العلمين ست عشرة سنة متوالية، وألف فيهما كتابين جليلين بالعربية من أوسع ما وضع في هذين العلمين وأدقه في ذلك العهد. ثم انتدب لتدريس الطب الباطني بعد استعفاء الدكتور فانديك فدرسه أربع سنوات " (1)
" وله من الكتب العلمية الحافلة بالمصطلحات العلمية العربية :
1- كتاب (التوضيح في أصول التشريح) فيه مئات من الرسوم التوضيحية طبع ببيروت 1871.
2- كتاب (أصول الفسيولوجيا) أي (علم وظائف الأعضاء) مزين بالرسوم طبع ببيروت 1887.
3- كتاب (كفاية العوام في حفظ الصحة وتدبير الأسقام) وهو مجموعة قواعد عامة لحفظ الصحة وتدبير المرض عند غياب الطبيب. طبع في بيروت 1881.
4- كتاب (التشريح الصغير) يبحث في مبادئ علم التشريح، ومعه أطلس كبير فيه صور أعضاء الجسم.
5- وله أكثر من ثلاثين رسالة أكثرها باللغة الانكليزية، بعضها في المواضيع الطبية كالجذام والطاعون والكوليرا والحمى التيفية والتريخينا ونحوها، وبعضها في غير ذلك وقد ذكر أنه ألف بالاشتراك مع الدكتور (بورتر) معجماً انكليزياً عربياً وبالعكس (2).
وهاهو ذا يوحنا ورتبات يصف الحنجرة في كتابه (التوضيح في أصول التشريح) الذي وضعه على نسق الكتب الأوربية في عصره فيقول :
__________
(1) مجلة المقتطف مج 3 جـ 6 ص 422 / 1905 . ومج 34 جـ 1 ص 1 / 1909
(2) زيدان ، جرجي/ تاريخ آداب اللغة العربية مج 4/ 198 ، وتراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر جـ 2/ 317- 318(1/68)
" الحنجرة عضو الصوت، وهي موضوعة في الجزء العلوي من القصبة... تأليفها من غضاريف لها أربطة تربطها بعضها ببعض، وعضلات تحركها، وغشاء مخاطي يبطنها، وأوعية وأعصاب، وغضاريف تسعة مفردة مزدوجة وهي : الدرقي والحلقي ولسان المزمار والطهرجاريان والقرينان الحنجريان والاسفينان " وقال في وصف العظم اللامي : " يسمى هذا العظم باللامى لأن فيه بعض مشابهة لللام اليونانية، ويقال له اللساني أيضاً لأنه حامل اللسان، ولأن العضلات اللسانية مرتبطة به " (1)
إن ما كتبه ورتبات في وصف الحنجرة في القرن الماضي يشبه إلى حد بعيد ما كتبه ابن سينا في كتابه (القانون) في تشريح الحنجرة إذ قال :
" الحنجرة عضو غضروفي مؤلف من غضاريف ثلاثة. أحدها الغضروف الذي يناله الحس ويسمى الدرقي والترسي. إذ كان مقعر الباطن محدب الظهر يشبه الدرقة وبعض الترس. والثاني غضروفي موضوع خلفه يلي العنق مربوط به يعرف بأنه الذي لا اسم له، وثالث مكبوب عليهما يتصل بالذي لا أسم له، ويلاقي الدرقي من غير اتصال، وبينه وبين الذي لا اسم له مفصل مضاعف بنقرتين فيهما زائدتان من الذي لا اسم له مربوطتان بهما بروابط، ويسمى المكتبي والطرجهاري... " (2)
فلو أجرينا موازنة بين النصين الطبيين السابقين لوجدنا أن الجديد متأثر بالقديم ومقتف أثره في استعمال كثير من العبارات والمصطلحات الطبية، وهذا يدل على نبش كتب التراث الطبي القديم من قبل أطباء عصر النهضة في مصر والشام، وذلك للافادة منه وضع المصطلحات الطبية الحديثة في كتبهم والقائها على تلامذتهم في الكليات الطبية.
- أسعد الشدودي (1826- 1906) م
__________
(1) صروف ، يعقوب / أساليب العرب في التعريب / المقتطف مج 33 جـ ص 567 / 1908 .
(2) صروف ، يعقوب / أساليب العرب في التعريب / المقتطف مج 33 جـ 7ص 567 .(1/69)
" تلقى العلم في مدرسة عبية الأمريكية. فلما أنشئت المدرسة الكلية الأمريكية في بيروت تولى تدريس الرياضيات فيها سنة 1867، ثم تولى تدريس العلوم الطبيعية فألف فيها كتاب (العروس البديعة في علم الطبيعة) الذي أتقن فيه باب البصريات والميكانيك، لأنها تحتاج إلى معرفة بالرياضيات. وقد طبع هذا الكتاب في بيروت عام 1873 م " (1)
ولاشك في أن أسعد الشدودي لايصل إلى المرتبة العلمية العالية التي وصل إليها ذلك الثلاثي العظيم (فانديك و بوست وورتبات) من الشهرة وكثرة التأليف العلمي والمساهمة في وضع المصطلح العلمي العربي في كتبهم، لكننا ألحقناه بهم لأنه ساهم بالتدريس في الكلية السورية الانجيلية.
هذا وإن التعليم بالعربية في الكلية الأمريكية لم يدم طويلاً فقد حلت اللغة الانكليزية محل اللغة العربية بعد مضي عشرين عاماً تقريباً على تأسيس الكلية في بيروت عام 1866 واستمر حتى عام 1882م كما سبق(2).
2) جهود الكتاب والمترجمين من غير أساتذة الكلية السورية في وضع المصطلحات العلمية.
بعد أن استعرضنا في الصفحات السابقة جهود أساتذة الكلية السورية الانجيلية في وضع المصطلح العلمي العربي في بلاد الشام. بقي علينا الآن ان نستعرض في الصفحات التالية جهود رجال آخرين ساهموا في وضع المصطلح العلمي مساهمة فعالة، لكنهم لم يكونوا أساتذة في تلك الكلية، بل كانوا داعين إلى التعريب ووضع المصطلح العربي من خلال مؤلفاتهم ومقالاتهم مثل أحمد فارس الشدياق وداود أبو شعر وبشارة زلزل والمعلم بطرس البستاني والشيخ ابراهيم اليازجي وغيرهم.
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية جـ 4 / 200
(2) المرجع السابق(1/70)
وربما كان اهتمام بعضهم بوضع مصطلحات الحضارة وأسماء مخترعاتها اكثر من اهتمامهم بوضع المصطلحات العملية مثل اليازجي، وذلك يعود - كما يبدو - إلى أنهم ماكانوا يعانون مهنة تدريس العلوم الحديثة ومتطلباتها. وسوف نجد أن الشدياق قد وضع مصطلحات جديدة في علم الحيوان لم يسبقه إليها أحد، ومازال بعضها - مستعملاً حتى يومنا هذا.
أما يعقوب صروف فقد تناول مشكلة المصطلحين العلمي والحضاري على صفحات مجلة (المقتطف) سنين عديدة داعياً إلى فكرة (التعريب) أو (الاقتراض اللغوي) أكثر من الترجمة والاشتقاق. وقد ثارت مناقشات ومجادلات حول هذا الرأي بين عدد من الكتاب والباحثين، سنعرض لبعضها بعد قليل.
وقد بدأت الدعوة الملحة إلى توحيد المصطلح العلمي على أيدي بعض هؤلاء العلماء الرواد، تصحبها الدعوة إلى تأسيس المجامع العلمية اللغوية لتقوم بهذه المهمة وإزالة الالتباس والتعددية فيها، وخاصة أن الخلافات في وضع المصطلح بدأت تأخذ طريقها إلى المشرق العربي عندما غزت العلوم الحديثة معاهدنا في مطلع القرن التاسع عشر.
- أحمد فارس الشدياق (1804- 1887).
وكان لأحمد فارس الشدياق فضل في ترجمة طائفة من الألفاظ الأجنبية وتعريبها، ووضع كثير من ألفاظ الحضارة التي أخذت سبيلها إلى الاستعمال، وما يزال بعضها مستعملاً حتى اليوم، ولا يمكن في هذا البحث حصر المصطلحات التي قدمها الشدياق، ولكن الذي يهمنا توضيحه هنا هو بيان العلل والأسباب التي دفعت الشدياق إلى التفكير في مسألة الترجمة ووضع المصطلحات. ذلك أنه حضر إلى مصر في عهد محمد علي، وقد كان هذا العهد نشيطاً في الترجمة والتعريب وخاصة في الميدان العلمي كالطب والهندسة والأمور العسكرية، كما مر معنا قبل قليل ثم عمل الشدياق في مجلة " الوقائع المصرية " محرراً. وكل هذا خليق بأن يلفت نظر الشدياق إلى قضية المصطلحات الجديدة تعريباً وترجمة.(1/71)
ومن ذلك أنه اشتغل بالترجمة، وخاصة ترجمة المقالات التي كانت تنشرها الجرائد والمجلات الانكليزية والفرنسية لينشرها في جريدته " الجوانب ". وكانت هذه المقالات وما تنشره منها " الجوانب " يخص مسائل الحضارة والمدينة ومما يحتاج إلى وضع مصطلحات جديدة.
وهو يعمد إلى حق المحدثين في الوضع والتوليد اللغوي، وتسويغ النحت عند الضرورة، ويرى أن التوليد وسيلة لتنمية الثروة اللغوية أفضل من التعريب، وهو يدعو المترجمين إلى ذلك وعلى رأسهم رفاعة الطهطاوي. قال في " كنز الرغائب 1/ 205 "
" ولو أن العرب الأولين شاهدوا البواخر وسكك الحديد وأسلاك التلغراف والغاز والبوسطة ونحو ذلك، مما اخترعه الافرنج لوضعوا له أسماء خاصة، فهم على هذا غير ملومين، وإنما اللوم علينا، حالة كوننا قد ورثنا لغتهم وشاهدنا هذه الأمور بأعيننا ولم نتنبه لوضع أسماء لها على النسق الذي ألفته العرب وهو الاختصار والايجاز. أفيظن أحد أن لفظة المشير والسفير والوالي والمتصرف والمدير ومجلس الشورى إلخ لاينبغي أن تعد من الألفاظ العربية لأنها لم تكن معروفة بهذا المعنى من ذي قبل ؟
وإنه لاشك في أن مفردات العربية غير تامة بالنظر إلى ما استحدث بعد العرب من الفنون والصنائع، مما لم يكن ببال الأولين، وهوغير شين على العربية، إذ لايحتمل أن واضع اللغة يضع أسماء لمسميات غير موجودة. وإنما الشين علينا الآن في أن نستعير هذه الأسماء من اللغات الأجنبية مع قدرتنا على صوغها من لغتنا.
ونجد الشدياق يطرح بعض وسائل النمو اللغوي التي يراها مناسبة لتدارك هذا النقض في العربية، فيستعين على تحقيق فكرته في وضع المصطلحات بالاشتقاق والنحت قال في " كنز الرغائب 1/202 " عن الاشتقاق :(1/72)
" هو الوسيلة الصحيحة في صوغ اسمي المكان والآلة، وصوغهما في العربية مطرد في كل فعل ثلاثي. فما الحاجة إلى أن نقول (فبريقة) أو (كارخانة) ولا نقول معمل أو مصنع، أو نقول (بيمارستان) ولا نقول مستشفى، أو نقول (ديوان) ولا نقول مأمر، أو نقول (اسطرلاب) ولا نقول منظر".
ويضيق الشدياق ذرعاً بالمستعربين فيقول فيهم : " إن العرب المستعربين بخسوا اللغة حقها، فإنهم عدلوا إلى اللغات الأعجمية من دون سبب موجب، فإن من يستعير ثوباً من آخر، وهو مستغن عنه، يحكم عليه بالزيغ والبطر، فلو نشأ في القرن الأول من الإسلام جمعية أدبية كما ترى الآن في ممالك أوربة مما يرعف عندهم بلفظ (أكاديمي) لما دخلت ألفاظ العجم في لغتنا " (1)
ومن ألطف ما يذكر في موضوع التعريب أبيات للشدياق ذكر فيها ما كان يكلفه التعريب من تعب ومشقة إذ قال :
إذا كان رب البيت أدرى بما به ... فإني أدرى بالذي أنا كاتب
ومن فاته التعريب لم يدر ما العنا ... ولم يصل نار الحرب إلا المحارب
أرى ألف معنى ماله من مجانس ... لدينا وألفا ماله ما يناسب
وألفا من الألفاظ دون مرادف ... وفصلاً مكان الوصل، والوصل واجب
فياليت قومي يعلمون بأنني ... على نكد التعريب جد ذاهب(2)
__________
(1) الزركان ، محمد علي / الجوانب اللغوية عند أحمد فارس الشدياق / 342 - 345 .
(2) الشدياق ، أحمد فارس / كنز الرغائب 3/23- 24.(1/73)
ثم قال الشدياق : " وهناك وجه آخر في العربية لصوغ ألفاظ تسد مسد الألفاظ العجمية التي اضطرونا إليها وهو (باب النحت)، الذي وصفه السيوطي بقوله : أن تكون الكلمة منحوتة من كلمتين، كما ينحت النجار خشبتين ويجعلهما واحدة، كشقحب فإنه منحوت من شق وحطب...." فالشدياق يتحمس للنحت ويدعو إليه بشدة فيقول : " وياليت أهل زماننا يتخذون منه أسماء ناصة على ما حدث من الأشياء، مما لم يره أسلافهم، إذن لأغناهم عن التعريب، وكفاهم اختلاف التسمية، ولم يكونوا جاؤوا أمراً فرياً، فإن أسلافنا هم الذين نهجوا لنا هذا المنهاج (1)....."
وهو يشجع النحت ويحض عليه المشتغلين باللغة متخذا من اللغات اليونانية والافرنجية نموذجاً لما يدعو إليه فهو وسيلة من وسائل تكثير اللغة مثل (الجغرافيا) و (الفلسفة) و (الجيولوجيا) إلخ. فكلها ألفاظ يونانية منحوتة أو مركبة ، ولولا هذا التركيب لما كان للغة اليونانية فضل على غيرها بشيء.(2)
ومهما يكن من أمر فإن حماسة الشدياق لتنمية اللغة العربية بالوضع أو بالتوليد اللغوي بطريقيه : الاشتقاق أو النحت، ودعوته إلى إقرار الألفاظ المولدة، إنما كان لشعور قوي بحاجة اللغة العربية الماسة إلى الاستجابة للمقتضيات العلمية والحضارية للعصر الحديث. وعلى هذا أعطى نفسه حرية توليد كثير من الألفاظ عن طريق الاشتقاق أوالنحت أو نقل الدلالة، وإن أعوزته الحيلة فإنه يلجأ إلى التعريب، لأن هذا الدخيل يغض عنه إذا لم يوجد في أصل اللغة ما يرادفه أو لم يمكن صوغ مثله. وهكذا فقد سلك الشدياق طرقاً عدة في ايراد المصطلحات العلمية والحضارية هي :
1- بعض الألفاظ العربية التي كان العرب قد استعملوها في جاهليتهم واسلامهم سواء كانت عربية أم مولدة.
2- الترجمة الحرفية التي سلك فيها أسلوبي : الاشتقاق للمفردات، أوالنحت للتراكيب.
__________
(1) الشدياق ، أحمد فارس / كنز الرغائب 5/3 -4.
(2) الشدياق ، أحمد فارس / كنز الرغائب 1/204 .(1/74)
3- التعريب وقد عمد الشدقاق إلى ترجمة اللفظ المعرب ليفهمه القارئ.
وكان الشدياق ينحو في صنيعه هذا إلى البساطة في اللفظ والاختصار ووضوح الدلالة.(1)
وترجم الشدياق عن الانكليزية كتاباً سماه " شرح طبائع الحيوان " ويبدو أنه مدرسي، فقد واجهته فيه مشكلة من أهم المشكلات التي تعترض من يؤلف في العلوم الحديثة، أويترجمها إلى العربية، فالكتاب يحوي أسماء لحيوانات غير معروفة عند العرب مما اضطره إلى اللجوء إلى أساليب متعددة هي :
" ترجمة الاسم إلى العربية " أو وضع الاسم بناء على طبع الحيوان نفسه، أوتعريب الأسم فمما ترجمه كلمة (primate) التي تعني نوع الحيوانات العليا أي القرود إلى كلمة (المقدم). ومما وضع أسماءها انطلاقاً من طبائعها (الكسلان) للحيوان المعروف باللغات الأجنبية باسم (Bradypus) وهو من أبطأ الحيوانات حركة، وهو الذي ترجم إلى الانكليزية بكلمة ( Sloth) أما الاسماء التي عرب لفظها، فمنها الحيوان الاسترالي المعروف باسم (Kongourou) فقد سماه (كنغر)، وغير ذلك من المسميات العديدة التي مايزال بعضها مستعملاً حتى الآن.
وكتابه هذا مقسم إلى قسمين :
أولهما : في ذوات الأربع والطير خاصة.
وثانيهما : في الأسماك والهوام والحشرات ومن هذه الأسماء التي ترجمها أو عربها أو وضع لها :
1- البريمات : أي الحيوانات التي لها نابان وأربع أسنان قاطعة، ولها في صدرها ثديان.
2- البرتا: أي البهيم، وهي الحيوانات التي ليس لها في فكيها أسنان قاطعة، وذلك كالفيل والكسلان وآكل النمل وغيره.
__________
(1) الزركان ، محمد علي / الجوانب اللغوية 344 -354 . والمطوى ، محمد الهادي / أحمد فارس الشدياق ( حياته وآثاره وآراؤه في النهضة العربية الحديثة جـ 1ص
257-261 . والقاسمي ، ظافر / مصطلحات شدياقية / مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق مج 40/ 2/ 432- 1965(1/75)
3- الفيرى : أي الوحش، وهو نوع من الحيوانات الذي له أسنان قاطعة، وهذا النوع يشمل الحيوانات المخيفة كالأسد والنمر.
4- الكلير : وهو الحيوان الذي ليس له إلاّسنان قاطعتان ولا أنياب له، وذلك كالأرنب والفأر والسنجاب.
5- البيلكوا : أي الحيوان الأهلي، وهو ماكان له ظلف وليس له أسنان قاطعة في الفك الأعلى كالجمل والغزال والبقر.
6- البللويا : أي الحيوانات التي ليس لها أسنان قاطعة في كلا الفكين كالفرس والخنزير.
7- السيتيا : أي الحيوانات التي لها أسنان مختلفة باختلاف أصنافها.
8- الأريول : طائر ظريف الشكل والمنظر.
9- الكوكو : طائر هو الطيطوى
10- الدنكة : طائر.
11- الطاطويت : طائر من جنس الكركي.
12- أورا أوتان : القرد الكبير.
13- القرد المقمقم : وفي الأفرنجية (بكمي) : وجهه قريب المشابهة إلى وجه الإنسان.
14- الميمون الكبير : ويقال له (بابيو) : هذا الحيوان له منظر الكلب وله ذنب كالخنزير.
15- المكوكوكو الأسود : هذا النوع أكبر جثة من السعدان، وهو نوع من السعادين الغالب على لونه السواد.
16- الأرماديل : حيوان جلده ذو طبقات، غير ذي أذى ولا مضرة " (1)
- داود أبو شعر (1272- 1316 هـ) / (1856 - 1891م)
وألف الطبيب داود أبو شعر كتاباً في الطب وحفظ الصحة سماه :
" تحفة الاخوان في حفظ صحة الأبدان " طبعه في دمشق عام 1300 هـ / 1883 م قال في مقدمته بشأن بعض المصطلحات الطبية التي وردت في كتابه معربة شارحا معانيها : " بما أنني اضطررت لوضع بعض كلمات أجنبية في هذا الكتاب حال كوني رغبت جهدي في اجتنابها فلم يمكن لعدم وجود مايقوم مقامها في العربية من الاصطلاحات الطبية، فالرجاء من أهل اللغة غض الطرف، وبما أنها ربما تخفى على البعض أجبرت لتفسيرها هنا وهي :
__________
(1) الشدياق ، أحمد فارس / شرح طبائع الحيوان جـ 1 من ص 5 إلى 289 ، بالانتقاء .(1/76)
" (الانيميا) : هي فقر الدم وقلته، و (الايذيما) : هي التنفخ والورم، (الاكسجين) : أي مولد الحمض، وهوعنصر بسيط موجود في الهواء وغيره، (النتروجين) : هو عنصر غازي موجود في الهواء، (الملاريا) :هي المادة المرضية المسببة للحميات الطفيلية، و (الريوماتيزم) : هو الحدار أي داء المفاصل وهو يصيب العضلات أيضاً، (الماليخوليا) : هي السوداء وهي ضرب من الجنون، (الكيلوس) : هو الكتلة المتكونة من الطعام والمعدّة للهضم في المعدة ". (1)
- بشارة زلزل (1323 هـ / 1905 م).
" كتب في الطب والرياضيات بعد أن تعلم في الكلية السورية الأمريكية، واشترك في إنشاء مجلة (الطبيب) في بيروت مع الشيخ ابراهيم اليازجي، وقد اشتغل كثيراً في التاريخ الطبيعي (2) " وأشهر مؤلفاته :
1- كتاب (تنوير الأذهان في علم حياة الحيوان) طبع في بيروت 1880 م.
2- كتاب (النفحة العطرية في حالتنا العلمية) طبع 1881 م.
3- كتاب (تكملة الحديث في الطب القديم والحديث) طبع في الاسكندرية 1901م.
4- كتاب (تلخيص شرح ابن القف على فصول أبقراط).
5- كتاب (تفاوت الأمم في المدينة والعمران) طبع في ستة أجزاء، طبع 1880م. (3) وله مقالات كثيرة في مجلة (المقتطف).
- المعلم بطرس البستاني (1819- 1883)
ومن أشهر علماء اللغة في بلاد الشام في القرن التاسع عشر المعلم بطرس البستاني صاحب معجمي (محيط المحيط) و (قطر المحيط)، صاحب (دائرة المعارف) التي أصدر منها في حياته ست مجلدات ثم توفي، وأصدر ذووه بعده خمس مجلدات أخرى تباعاً.
__________
(1) أبو الشعر ، داود / كتاب تحفة الاخوان في حفظ صحة الأبدان / المقدمة .
(2) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية جـ 4/200
(3) عيسى ، أحمد / 1982 م ، معجم الأطباء ط / 2 ، دار الرائد العربي م 152.(1/77)
وقد اشتمل المعجمان والدائرة على عدد كبير من الألفاظ العلمية التي شاعت في القرن الماضي، والتي اقتبسها هو وذووه ممن سبقهم، وحققوا كثيراً منها. قال في مقدمة (محيط المحيط):
" لما كان هذا المؤلف يحتوي على ما في محيط الفيروز أبادي الذي هو أشهر قاموس للعربية في مفردات اللغة، وعلى زيادات كثيرة عثرنا عليها في كتب القوم، وعلى ما لابد منه لكل مطالع من اصطلاحات العلوم والفنون، سميناه محيط المحيط (1)"
ولما وضع البستاني معجمه هذا اعتمده على القاموس المحيط، ولكنه أراد أن يتقدم خطوة إلى الأمام، فأضاف إليه كثيراً من المصطلحات العلمية التي نشأت مع تطور اللغة، فقال في نهاية حرف الراء من معجمه : " وقد أضفت إلى أصول الأركان - أي مواد القاموس المحيط - فروعاً كثيرة وتفاصيل شتى، وألحقت بذلك اصطلاحات العلوم والفنون، وكثيراً من المسائل والقواعد والشوارد مما لا يتعلق بمتن اللغة، وذلك لكي يكون هذا الكتاب شاملاً يجد فيه كل طالب مطلوبه من هذا القبيل (2) " وهذه بعض الأمثلة على ذلك مأخوذة من(دائرة المعارف):
- امتداد étendue
- امفيبيا (3) Amphibia اسم لحيوانات تعيش تارة في الماء وأخرى في الهواء.
- الجوهر (4) extent
- امتصاص absorption أنيسون (5) Anis جنس من النبات.
- ابراهيم اليازجي : (1847- 1906).
__________
(1) البستاني ، المعلم بطرس / محيط المحيط / المقدمة 1 .
(2) المصدر السابق نفسه / آخر حرف الراء/ 848 .
(3) البستاني ، المعلم بطرس / دائرة المعارف / مج 366.4 ، 367 ، 398 ، 574
(4) البستاني ، المعلم بطرس / دائرة المعارف / مج 366.4 ، 367 ، 398 ، 574
(5) البستاني ، المعلم بطرس / دائرة المعارف / مج 366.4 ، 367 ، 398 ، 574(1/78)
وفي عام 1900 كتب ابراهيم اليازجي في مجلة (الضياء) سلسلة مقالات طالب فيها بتعريب المصطلحات العلمية فقال : " إذا نظرنا إلى حال الأمة العربية في هذا العهد، وما انتشر فيها من التمدن الغربي وجدنا أنها قد أفضت إلى حال، انتقلت فيها عن أفقها دفعة واحدة، وهجمت على تمدن فجائي وقد نبت في غير أرضها...
فوجدت بين أيديها من أنواع الملبس والمفرش والماعون وأدوات الترف والزينة ومصطلحات العلم والتجارة والصناعة والسياسة وفنون الأحاديث والتصورات وغير ذلك ما هو مباين لما عندها، وأصبح الكاتب فيها مضطراً إلى وضع المئات بل الآلاف من الأسماء التي لا يجد لها رديفاً في لسانه. ولا في وسعه نقل تلك الألفاظ بصورتها إلى لغته، لشدة التباين بين طبيعة هذه اللغة ولغات أولئك الأقوام، لأن الألفاظ فيها محصورة الأوضاع، محدودة الصيغ، لا تقبل الزيادة عليها إلا منها، ولا يمكن أن تدس اللفظة الأجنبية بينها إلا بعد أن تجانسها وتؤاخيها.
فإذا لم نبادر إلى سن طريق يمكن بها وضع ألفاظ لهذه المستحدثات، أو سبك ألفاظ في قالب عربي لا تتشوه به هيئة اللغة، لم نلبث أن نرى الأقلام قد تقيدت عن الكتابة في هذه الأمور بتة، أو أصبح أكثر اللغة أعجمياً ". (1) ومن آثار اليازجي أنه انتقى ألفاظاً اصطلاحية لما حدث في هذه النهضة من المعاني العلمية بنقل العلوم الحديثة إلى اللغة العربية. ويبدو أنه هو الذي وضع ألفاظاً أصبحت مشهورة ومستعملة حتى الآن. وها هي بعض الأمثلة من اختياراته مع أصولها الفرنسية :
الأربة ... Cravate ... الحاكي ... Phonographe ... الشنبنزي ... Chimpanzé
الاستعهاد ... AsSurance ... الحساء ... Soupe ... الشحنة ... Police
الأسرب ... Plompagine ... الحسر ... Myopie ... الشعار ... Armoires
الأنبوبيات ... Pacilles ... الدراجة ... Bicyclette ... الشعرية ... Brosse
البائنة ... Dot ... الذريرات ... Microscopes ... الضلع ... Fuseau
__________
(1) اليازجي ، ابراهيم / التعريب / مجلة الضياء / مج 2 ، جـ 15 ، 450 ، ابريل 1900(1/79)
البيئة ... Milieu ... الراجيات ... Bactéries ... الطارئة ... Colonie
التألق ... Phosphorescence ... الرثية ... Rhumatisme ... الطلاء ... Vernis
التبليد ... Acclimatation ... الرعاد ... Tropille ... الكفاف ... Cadre
الجناح ... Balcan ... السفع ... Taches du soleil ... اللهاة ... Valve
الشارى ... Paratonnerre ... اللولب ... Vis
المأساة (1) ... Tragédie
(((
(الفصل الثالث)
المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة بين
الشام ومصر والعراق.
تمهيد :
1- جهود الدكتور يعقوب صروف (1852- 1927 م)
2- مجلة (المقتطف)ودورها في وضع المصطلحات العلمية ومناقشتها.
3- خاتمة بوضع المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في العراق.
تمهيد :
هذا الفصل مشترك بين الفصلين السابقين وتتمة لهما فالدكتور يعقوب صروف الذي قدم الكثير من المصطلحات العلمية والحضارية وشارك في وضعها منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على صفحات مجلة المقتطف بين الشام ومصر. فقد كان من خريجي الكلية السورية الانجيلية في بيروت ومن الذين تتلمذوا على أيدي أساتذتها الكبار وفي مقدمتهم الدكتور فانديك الذي أشار عليه - كما قيل - بتأسيس مجلة المقتطف في بيروت سنة 1876 م والتي استمرت في الصدور هناك نحو عشر سنين، ثم انتقلت بعد ذلك إلى القاهرة لتتابع نشاطها الثقافي العلمي على مستوى المشرق العربي عامة.
قلنا أن الدكتور صروف كان يتخذ من مجلة المقتطف منبراً لنشر آرائه ومبادئه في وضع المصطلح العلمي العربي، كما كانت منبراً لغيره من العلماء والباحثين من مصر والشام.
لذلك جعلنا هذا الفصل بمثابة همزة وصل ونقطة التقاء بين هذين القطرين والأقطار العربية الأخرى.
__________
(1) اليازجي ، ابراهيم / التعريب / مجلة الضياء / مج 2 ، جـ 23، 710 ، أغسطس 1900.(1/80)
ثم ختمناه بنبذه صغيرة عن الجهود القليلة في وضع المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في العراق، ولم نفرد لها فصلاً خاصاً بسبب قلة الجهود في نقل العلوم الحديثة ووضع المصطلحات العلمية إلا ما كان من بعض أفراد قلائل، إذا كان يعتمد على ما يقدمه المصريون والسوريون في هذا المجال.
1) جهود الدكتور يعقوب صروف (1852- 1927).
" ومن الذين ساهموا في وضع أو تحقيق المصطلحات العلمية ونشرها على نطاق واسع في مجلة (المقتطف) منذ انشائها في بيروت 1876 م ثم انتقالها إلى القاهرة 1886، الدكتور يعقوب صروف الذي كان من أبرع الكتاب العرب في تبسيط العلوم الحديثة، ومن أعرفهم بألفاظها العلمية. وقد وضع كثيراً من المصطلحات في حياة المقتطف الطويلة، فسرت على الألسنة واستعملها الكتاب فقد كانت (المقتطف) معرضاً يعرض فيه العلماء نتاج بحوثهم في مختلف العلوم وفي المصطلحات العلمية " (1)ولقد أغنى يعقوب صروف اللغة العربية المعاصرة بألفاظ ومصطلحات كثيرة، وذلك بمقالاته في المقتطف : كالغواصة والدبابة والرشاشه والنواة والكهرب... إلخ. فكان إذا ذكر لفظة غربية أول مرة شرحها شرحاً وافياً على أصول العلم الحديث، وكان لا يفرغ اللفظة إلا في قالب عربي أو يكاد، بحيث يسهل حفظها واستعمالها. فكلمة (فصفور) مثلاً ذكرها منذ السنة الأولى في المقتطف وحافظ عليها بهذه الصورة (2). أما الآخرون فذكروها على مناح متعددة منها : فسفور، فوسفور وفوصفور، وفصفر، وفسفر... إلخ . لكن لفظة (فصفور) بصورتها هذه قد غلبت على سائر الصور، فكتب لها البقاء على مايبدو. (3)
__________
(1) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية / 57-58 وزيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية 4/62 .
(2) وهذا ما جرى عليه استاذه ( فانديك ) الذي التزم هذه الصورة الكتابية في مؤلفاته .
(3) كشلي ، حكمت / المعجم العربي في لبنان / 301- 302.(1/81)
مع أن المعلم بطرس البستاني ذكرها في معجمه " محيط المحيط " في مادة: ف س ف ر : أي الفسفور ". (1)
وهناك ألفاظ اصطلاحية عربها يعقوب في فروع العلم المختلفة في المقتطف كما أنه أحيا ألفاظاً عربية قديمة كانت مهملة أو مدفونة فجلاها. وهذه الألفاظ لايخلو منها مجلد من المقتطف.
ومما يلاحظ أن يعقوب صروف كان من المخضرمين بين القرنين التاسع عشر والعشرين، فقد أدرك الربع الأخير من القرن الماضي والربع الأول من القرن الحالي، وهو مكب على الكتابة العلمية ونشر المصطلحات فلا يمكننا والحالة هذه الفصل بين أعماله الكتابية فصلاً دقيقاً فيما كتبه قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها. ولكننا نلاحظ من خلال عرض ما كتب في المصطلح العلمي خلال فترة تقارب نصف القرن التطور الواضح بين ما كتبه في المقتطف في أواخر القرن الماضي وما كتبه في أوائل القرن الحالي.
وهذا بلا شك أمر طبيعي، إذ لا يعقل أن يقف باحث مثل يعقوب صروف لايتطور خلال مدة نصف قرن في هذا الزمن المتسارع بمخترعاته العلمية الجديدة، والتي تحتاج إلى مصطلحات تتناسب والعصر.
منهجه في وضع المصطلح العلمي :
وقد اعتمد في وضع المصطلح أربع قواعد، وهو بطبيعته يميل إلى التعريب أكثر من الترجمة والاشتقاق.
__________
(1) البستاني ، المعلم بطرس / محيط المحيط / مج 2، 1605(1/82)
قال في القاعدة الأولى : " ومن هذا القبيل أي من قبيل الكلمات الأعجمية التي نفضل استعمالها أحياناً على استعمال الكلمات العربية أو المعربة قديماً، كلمة (داء المفاصل) فإننا قد نستعمل كلمة (روماتزم) بدلاً منها، وكلمة (توتياء) فإننا قد نستعمل كلمة (زنك) بدلاً منها. وكلمة (نشادر) فإننا قد نستعمل كلمة (آمونيا) بدلاً منها، مراعين في ذلك كله مقامات الكلام من التخصيص والتعميم، وما نتوقعه من فهم السامع أوالقارئ. مثال ذلك أنك تجد في الأخبار العلمية في الجزء الثاني من (المقتطف) كلمة روماتزم بدل داء المفاصل، لأن المفهوم من داء المفاصل أنه يقع في مفاصل اليدين أو الرجلين، وقلما يخطر على بال غير الأطباء أنه يصيب الظهر، وقد صارت مألوفة عند الجمهور.
وقال في القاعدة الثانية : الكلمة التي لا نعرف لها مرادفاً في العربية، ولكننا نرجح أو نظن أن لها فيها مرادفاً، نفتش عن مرادفاتها فيما عندنا من المظان ونسأل عنه ونبحث حتى إذا ظفرنا به، ووجدنا أنه يؤدي المعنى المراد تماماً استعملناه دون غيره. من ذلك كلمة mercemaries فإن معناها الجنود المستأجرة من بلاد أخرى، على ما كانت جارية العادة به في الأزمنة القديمة، فلما أردنا تعريب هذه الكلمة قلنا لابد من أن يكون العرب استعملوا كلمة تدل على هذا المعنى. فوجدنا في بعض المظان كلمة (مسترزقة) مستعملة للجنود المستأجرين. ومعناها الاشتقاقي يدل على معناها الاستعاري فاعتمدناها (1)
القاعدة الثالثة : تتعلق في كيفية كتابة الأعلام الأعجمية وكيفية لفظها، والتي لها أصل عربي والتي ليس لها أصل عربي. فما كان له أصل عربي رده إلى أصله إذا أمن اللبس - كما يقول - وإذا لم يكن له أصل حاول أن ينطقه كما ينطق به أهله.... إلخ ولم أر حاجة إلى ادراج هذه القاعدة مع أخواتها لأنه يبدو لي أنه لا علاقة لها بالبحث.
__________
(1) صروف ، يعقوب / أسلوبنا في التعريب / المقتطف مج 33 ج7 ، 559 / 1908(1/83)
وقال في القاعدة الرابعة: في تعريب الكلمات الجديدة التي لا مرادف لها في العربية : إذا رأينا أن الكتاب عربوها قبلنا، وشاعت الألفاظ التي وضعوها لها، فالغالب أننا نجاريهم ولا نحاول وضع ألفاظ أخرى لها. ولذلك تابعنا أساتذة المدرسة الكلية السورية في تعريب الأكسجين والهدروجين والنتروجين والفصفور وهلم جرا. وجاريناهم في مثل مغنط فعلاً من المعنطيس، وكهرب فعلاً من الكهرباء، وترفن فعلاً يراد به كسر جانب من عظم الجمجمة بعملية جراحية، وجارينا جمهور الناس في استعمال التلغراف والوابور والسيمافور والفرقاطة... وإذا لم نر أن الكتاب سبقونا إلى تعريبها، عنينا باستعمال الكلمة التي نقدر لها طول البقاء (1)
واحتج الدكتور صروف لمذهبه في وضع المصطلح، فأورد على ذلك مثالاً كلمة (تلفون) التي بدأت تشيع بين الناس، كما شاعت كلمات غيرها مثل (تلغراف) و (ميكرفون)، وقال إنه يؤيد استعمالها باللفظ الذي وضعه لها مخترعها.
ولكن بعض الباحثين اعترض عليه داعياً إلى استعمال كلمات عربية تنوب عن الأعجمية ولابد من تأسيس مجمع لغوي يتولى هذا الشأن.(2)
ثم يتابع صروف كلامه عن أسماء بعض مستحدثات الحضارة مثل (البيسكل) و(التريسكل) وأنه أطلق كلمة (دراجة) العربية على الآلتين فالدراجة كلمة عربية تؤدي المعنى المراد بسهولة. والافرنج أنفسهم الذين وضعوا كلمة (بيسكل) لذات العجلتين و (التريسكل) لذات العجلات الثلاثة، يعدلون عن الكلمتين أحياناً كثيرة ويبدلونها بكلمة (سيكل) أي عجلة، ولذلك فالسعاة في مصر يسمونها (عجلة) أحكم منا ومنهم...
ويؤكد صروف منهجه في وضع المصطلح العلمي بقوله :
__________
(1) صروف ، يعقوب / أسلوبنا في التعريب / المقتطف مج 33 ، 562 / 1908
(2) الخضري ، محمود / تعريب الأسماء الأعجمية / المقتطف مج 33 جـ 3 / 225 /1908 .(1/84)
" وغني عن البيان أننا التزمنا أن نجاري العلماء في وضع المصطلحات العلمية التي تفقد دلالتها بتعريبها كالحامض الكبريتوس والكبرينيك والمناكريتيك والهيبوكبريتوس والهيبوكبريتيك، لأن لكل من هذه الملحقات والزوائد معنى خاصاً يدل على تركيب المادة السماة به، كما يعلم دراسو الكيمياء. فمن يسمى الحامض الكبريتيك بالحامض الكبريتي كمن يسمي الفرس حماراً، لأن لكل منهما رأساً وذنباً.
وأن نجاريهم أيضاً في الأسماء العلمية كلها سواء كانت حيوانية أو نباتية أو تشريحية.. جارين بذلك كله مجرى المسعودي وابن سينا وابن البيطار ونحوهم من الأعلام الذين كتبوا في العلوم الطبيعية على أنواعها. والذين خالفونا في ذلك كله خطؤهم أكثر من صوابهم. مثال ذلك أن الأطباء كلهم يسمون الشريان الكبير الخارج من القلب باسم (الأرطي)، وقد سماه ابن سينا كذلك وقال أن أرسطا طاليس يسميه بهذا الاسم، إلا أنك ترى الشيخ ابراهيم اليازجي لم يعجبه هذا الاسم، فقال يجب أن يترجم بالأبهر... ولكن الأبهر حسب كتب اللغة هو اسم وريد لاشريان كما قال اليازجي (1).
رده على مخالفي منهجه :
وهنا نجد صروف يرد على الذين خالفوا منهجه وعابوا عليه كثرة استعمال المعرب دون المترجم الذي وضعوه ونادوا به، فقال :
__________
(1) صروف ، يعقوب / أسلوبنا في التعريب / المقتطف ، مج 33 جـ 7 ، 563 /1908(1/85)
" بقي أن البعض لامونا لأننا لم نستعمل بعض الأسماء التي وضعها غيرنا لبعض المسميات الجديدة، كالمجهر للمكرسكوب، والمنطاد للبلون.. إلخ. وكان جوابنا عن ذلك أن لفظة (ميكرو) اليونانية دخلت في كلمات كثيرة مثل مكروب ومكروبولوجي ومكرومتر ومكروفون، وقد شاعت بعض الكلمات الداخلة في تركيبها في كل اللغات الحية، مثل كلمة (مكروسكوب) والآلة المسماة بها كثيرة الشيوع أيضاً، يستعملها الأطباء وباعة المنسوجات وكل علماء الطبيعة. والذين يستعملونها لايخطر على بالهم إلا اسمها العلمي. وقد شاع هذا الاسم عندنا واستعملناه مراراً كثيرة نحن وغيرنا قبلما وضعت كلمة (مجهر). ثم لما وضعت كلمة مجهر رأينا أنها لا تدل على المعنى المراد، بل قد تدل على ضده، لأن الشائع من مشتقات جهر، أجهر صفة مشبهة، وجاهر فعلاً، وكلمة أجهر أكثر شيوعاً يستعملها الخاصة والعامة. وأما كلمة جاهر فقلما يستعملها غير الخاصة. ومعنى الأجهر : الضعيف البصر الذي لا يرى في الشمس.
فإذا سمع الجمهور كلمة (مجهر) فالمرجع أنهم يعلقونها بضعف البصر لا بقوته على تكبير المرئيات، أو على رؤية الشيء الصغير الذي لا يرى بالعين لصغره، ولو عرب المكروسكوب بكلمة (مُظهر) أو (مظهر) أو (مُكبّر) لكانت أدل على معناه ".
ثم يناقش صروف استعمال كلمة (منطاد) بدل (بلون) فيقول :
" وكلمة منطاد وضعت بعد أن شاعت كلمة (بلون) أيضاً، والشائع من مادتها إنما هو كلمة (طود). وإذا ذكرت كلمة طود، انصرف الذهن إلى أن المراد جبل عظيم راسخ. نعم إنك تجد في كتب اللغة أن معنى (انطاد) ذهب في الهواء صعداً، ولكن هذا الفعل لا يخطر بالبال، ولم نره في كتاب غير القواميس. ولما رأينا كلمة منطاد أول مرة ظننا دالها راء، ومن المرجع عندنا أن أصل الدال في طود وانطاد راء، أخطأ النساخ أوالقراء في كتابتها أو قراءاتها . فإن الطور الجبل في العربية وغيرها، وما يزال علماً لجبال معروفة مثل طور سينا وطور طابور...(1/86)
ومع كل هذا فلو وضعت هاتان اللفظتان للمكروسكوب والبلون قبل شيوع كلمتيهما عندنا أو لو كانت الدلالة من لفظيهما على المعنى المراد واضحة تمام الوضوح لما استصعبنا استعمالهما إلى أن يقضي الناموس الطبيعي ببقاء الأصلح" (1)
ثم يناقش صروف كلمة (بنك)وهل تقابلها كلمة (مصرف) فيقول :
" إن كلمة (بنك) صقلتها الألسنة منذ أكثر من خمسين سنة..... والبنوك منتشرة في مصر والشام والعراق، وكل الذين يتعاملون مع هذه البنوك يستعملون كلمة (بنك) كتابة وتكلماً ولا يستعملون سواها. ولا نرى علة من العلل تنافي استعمال هذه الكلمة فإنها خفيفة لطيفة جارية على الأوزان العربية في مفردها ومثناها وجمعها. وإذا أردنا أن ننفي من العربية كل كلمة معربة فقدنا كلمات كثيرة لايسهل الاستغناء عنها، وبعضها معرب من قبل الهجرة.
أما كلمة (مصرف) فسكان مصر 14 مليونا، تسعة أعشارهم فلاحون أو مشتغلون بالفلاحة وعندهم أكثر من خمسة ملايين فدان، ولكل فدان منها ترعة يروي منها، وترعة أخرى ينصرف إليها الماء الزائد عن ريه أو المتحلب منها. واسم هذه الترعة مصرف جمعها مصارف....
ولو لم تشع كلمة (بنك)، وطلب منا أن نضع له كلمة عربية تدل على معناه، لوضعنا له كلمة (مأمن) أي مكان وضع الأمانات، أو كلمة (مودع) أي مكان وضع الودائع.
أما وقد شاعت كلمة (بنك) فيستحيل أن نقنع أصحاب البنوك لكي يحرقوا رخصها الرسمية وسنداتها وسجلاتها ويبدلوها كلها بغيرها لوضع كلمة (مصرف) أو أي كلمة أخرى.
ولا ندري ما فائدة عبدة اللغة من الوقوف في سبيل اتساعها ومجاراتها للغات الذين سبقونا في كل شيء، فإن هذا الوقوف مناقض على خط مستقيم لسير العربية في كل عصورها السالفة "(2).
__________
(1) صروف ، يعقوب / أسلوبنا في التعريب / المقتطف ، مج 33 ، جـ 7 ، 564- 565 1908 .
(2) صروف يعقوب / اللغة العربية والتعريب والتزمت فيه / المقتطف ، مج 74 ، جـ 5 ، 1/ 1929(1/87)
ويبدو لي أن حجة الدكتور صروف في صلاحية كلمة (بنك) وعدم صلاحية (مصرف) في التعبير عن الشيء ذاته لهي حجة ضعيفة غير مقنعة، فإن ما رآه الدكتور صروف لم يلق القبول، وجرى الاستعمال بالكلمات التي عارضها ولم يقبل بها. وقال الدكتور صروف حول مصطلح (مكروب):
" هذا ومما يحسن ذكره هنا أننا أطلقنا كلمة (مكروب) على كل الأحياء المكروسكوبية قبل أن أطلقها عليها علماء أوربا وأمريكا. فكنا نعرب المقالة من مقالاتهم وفيها كلمة (باشلس) فنضع بدلاً منها كلمة (مكروب)، وفيها كلمة (بكتيريا) فنترجمها بكلمة (مكروب) لكي لا نشوش أذهان القراء بذكر ألفاظ غريبة، إنما يراد بها تخصصيص هذه الأنواع.
ثم جعل الكتاب الأوربيون يجرون هذا المجرى أيضاً، فشاعت كلمة (مكروب) في كتاباتهم كما شاعت عندنا، ولا ندعي أنهم فعلوا ذلك اقتداء بنا، كلاً وإنما الحاجة إلى الاقتصار على كلمة واحدة دعتهم إلى ذلك كما دعتنا "(1)
وقد كتب الدكتور يعقوب صروف إلى مجلة المجمع العلمي العربي مؤاخذاً بعض زملائه من أعضاء المجمع الذين يميلون إلى ترجمة المصطلح العلمي دون تعريبه فقال : "..... إلا أنني غير راض عن اهتمام بعض الأعضاء بالترجمة حيث لا موجب لها، أي ترجمة بعض الأسماء الافرنجية التي لا مرادف لها عندنا. بالله ما فائدة اللغة من ترك كلمة افرنجية شاعت بيننا والتفتيش عن كلمة حوشية قديمة يحتمل أن لا يؤدي معناها معنى اللفظة الأفرنجية ولو بعد المط.
__________
(1) صروف ، يعقوب / أسلوبنا في التعريب / المقتطف ، مج 33 جـ 7 ، 565 / 1908(1/88)
ثم هل في الامكان أن نترجم أو نجد مرادفات لكل الكلمات الجديدة. عددت بالأمس الكلمات الطبية في قاموس طبي أتاني حديثاً فوجدتها نحو 42 ألف كلمة، ونحو أربعة أخماسها جديد لا مرادف له في العربية، فهل في طاقة صديقنا الاستاذ عيسى اسكندر المعلوف أو غيره أن يجد مايترجم به عشرها في عشر سنوات. لقد حاولت الترجمة منذ خمسين سنة إلى الآن ووجدت أخيراً أن لا بد لي من أن أعرب دفتيريا وتيفوئيد وتيفوس وبلهارسيا، كما أكتب كلمة سل وصداع ويرقان.
والأحسن أن ندع الترجمة والتعريب في كل علم إلى الذين يعلمونه ويعملون به. واللغة لاتقوم بما فيها من الأسماء بل بما فيها من الحروف والتصاريف، فاللغة التركية بقيت تركية مع أن نصف الأسماء والأفعال فيها عربي " (1)
وقد رد الأستاذ أنيس سلوم عضو المجمع العلمي العربي على كلمة الدكتور صروف، وأنكر عليه الاسراف في التعريب لأنه يضر باللغة العربية وكيانها فقال :
" ولامشاحة في أنه ليس في اللغة العربية مرادفات للألفاظ الأعجمية الدالة على الأشياء الحديثة كالمكتشفات الطبيعية والمخترعات العلمية والمصنوعات الغربية، لأنها لم تخطر على بال أحد من واضعي لغتنا، إذ لم يتنبؤوا بما سيحدث بعدهم من المسميات حتى يضعوا لها أسماء قبل وجودها فإن اتبعنا رأى الدكتور صروف واستعملنا كل كلمة جديدة لامرادف لها عندنا بلفظها الموضوع لها في لسان واضعيها أصبحت لغتنا خليطاً من العربية واللغات الغربية، فتشوشت محاسنها البديعة وانحطت منزلتها الرفيعة. وإذا دام النقل بهذه الطريقة ازدادت فيها الكلمات الأعجمية بازدياد المكتشفات العلمية والمصطلحات الفنية والتجارية والصناعية والسياسية وغيرها على توالي الأيام والسنين حتى تغلبت عليها.... " ثم قال في شروط التعريب :
__________
(1) صروف ، يعقوب / آراء الأعضاء / مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ، مج 2 جـ 8 ص 250 .(1/89)
" وليس الأحسن أن يترك التعريب في كل علم إلى الذين يعلمونه ويعملون به، لأن كثيراً منهم لا يعرفون أصول اللغة ولا اشتقاقها ولا أساليب الفصاحة فيها لتلقيهم العلوم باللغات الأجنبية وعدم عنايتهم بلغتهم، فكيف يمكنهم أن يحسنوا الترجمة ويضعوا الألفاظ المناسبة للمعاني التي ينقلونها.. والذي نراه أن أرباب العلوم العصرية لايستغنون في الترجمة عن معاونة علماء اللغة ليكونوا على بينة من صحة الألفاظ التي يستعملونها، كما أن علماء اللغة لايستغنون في وضع الألفاظ الجديدة في علم من العلوم عن معاونة أربابه ليكونوا على بينة من تحقيق المعاني التي يضعون لها تلك الألفاظ....".
" كفى بذلك برهاناً على أن أرباب العلوم لايستطيعون وحدهم الترجمة الصحيحة بدون معاونة علماء اللغة إلا إذا كانوا هم أنفسهم عالمين بأوضاع اللغة واشتقاقاتها وطرق المجاز فيها، وهذا نارد " (1).
وهنا يخاطب صروف أهل الاختصاص ويدعوهم إلى وضع مصطلحات علومهم وفنونهم وكتابتها بأنفسهم لأنهم أعلم بها من غيرهم قائلاً :
__________
(1) سلوم أنيس / التعريب / مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق مج 2 جـ 9/ 83(1/90)
"..... وأساليب التعريب - وضع المصطلح - لا يعرفها ولا يقوم بها إلا أصحاب كل فن في فنهم، فالجراح الذي قرن العلم بالعمل والتعلم بالتعليم يعلم ما تحتاج إليه صناعته من المصطلحات. وقس على ذلك الفكلي والفسيولوجي والبيولوجي والجيولوجي والنباتي والرياضي.. إلخ أما أن تقيم نحوياً أو منطقياً أو مؤرخاً أو منشئاً، لوضع مصطلحات في علم الفلك وعلم الهندسة وعلم النبات وعلم الحيوان والعلوم الطبية والطبيعية والرياضية، مثل تخويلك قاضياً تطبيب الأبدان وطبيبا تصوير الألوان. ثم أنه لا بد من الاستعانة بعلماء اللغة الذين يحفظون متونها، ويسهل عليهم استحضار ألفاظها، ولكن يستحيل الاستغناء بهم عن العلماء الاختصاصين أوالذين لهم إلمام واسع بمختلف العلوم والفنون، وقد قرنوا العلم بالعمل زماناً طويلاً "(1)
ثم نجد الكاتب يدعو إلى نمو اللغة واكثارها بالمعرب فيقول :
" واللغة جسم حي نام، وشأن من يحاول منعها من النمو، شأن الصينين الذين ربطوا أقدام بناتهم لكي لا تنمو وتبلغ حدها الطبيعي، ولكن إذا كان النمو مشوها فلا بد من تقييده وتهذيبه... ولو استطاع أحد أن يحصي كم دخل العربية من العبرانية والسريانية والقبطية والرومية من الألفاظ والتراكيب حتى قبل انصرام القرن الثالث لوجد أن العربية كانت حينئذ لغة حية نامية كالانكليزية والفرنسوية والألمانية الآن.
وإن الذين يريدون الرجوع بها إلى الصدر الأول واقفال أبوابها دون الجديد يعملون على موتها وتضييق سبل المنشئين والمعرّبين وناشري لواء العلوم والفنون " (2)
__________
(1) صروف ، يعقوب / أساليب العرب في التعريب / المقتطف ، مج 37 ، جـ 7 ، 568 / 1908 والمقتطف مج 74 ج1، 1/1929.
(2) صروف / يعقوب / أسلوبنا في التعريب / المقتطف ، مج 33 ، ج7ـ 569 / 1908(1/91)
" وخلاصة المقال أننا نبذل جهدنا في اجتناب الكلمات والأساليب التي ليست عربية، فنفتش عن مرادفاتها أو نترجمها بما يؤدي معناها، إلا إذا وجدنا أنها قد شاعت وصارت مفهومة، أو أنها ستشيع حتماً وتتغلب على غيرها، أو أنها أعلام لا تترجم. ولا نجهل أننا قصرنا مراراً فاستعملنا ألفاظاً واستعارات غير عربية، ولها ألفاظ واستعارات عربية، ولكننا لم نفعل ذلك عن قصد إلا حيث وجدنا غير العربي اصلح من العربي " (1).
ولكن قول صروف هذا يحتاج إلى مراجعة ونظر وذلك لأنه يفتح باب اللغة على مصراعيه ليدخل منه كل غث وسمين، الأمر الذي يقلل من شأن هذه اللغة وضعفها.
ولقد وضع يعقوب صروف في (المقتطف) مصطلحات علمية كثيرة، مثل مقدار لكلمة quantum ، والكهرب لكلمة électron ، بعضها شاع كثيراً ، وبعضها الآخر قليل الاستعمال، كما اعترف هو بذلك.(2)
وقد ترجم بعض المصطلحات رداً على أحد الذين سألوه عن مرادفاتها في العربية مثل : 1- cleavage 2- blastula 3- glastrula 4- commensalism 5- symbiosis 6- scale - insecte
وكان جواب يعقوب صروف كما يلي :
__________
(1) صروف ، يعقوب / أسلوبنا في التعريب / المقتطف ، ، مج 33 ، جـ 7 ، 564 / 1908 .
(2) صروف ، يعقوب / اللغة العربية والمصطلحات العلمية / المقتطف ، مج 74 ، جـ 1 ص 8/1929 .(1/92)
" الكلمة الأولى تترجم بكلمة (انشقاق). والأخيرة بكلمة الحشرات القشرية. والثانية مصغر بالاستيوس اليونانية التي معناها (جرثومة). ونحن نفضل تعريبها، أي يحسن بنا أن نستعير الكلمة اليونانية كما استعارها الافرنج، ولا عار علينا، لأن أسلافنا من علماء الطب استعاروا كلمة جرثومة من اللاتينية. والثالثة من غستر اليونانية أي (المعدة) ويراد بها هنا الجنين حينما يكون مؤلفاً من طبقتين خلويتين كالكأس ويحسن تعريبها كما هي. والرابعة معناها الحرفي (المواكلة) أي الأكل معاً، أو على مائدة واحدة. هذا هو المعنى الوضعي، ولها في علمي النبات والحيوان معنى مجازي يراد به أن يعيش حيان في تربة واحدة، أوعلى غذاء واحد، وليس أحدهما فضولياً أو حلمياً على الآخر. والخامسة مثلها تقريباً. ولما وضع (دى بارى) هذه الكلمة أراد بها التعبير عن حيين من نوعين مختلفين يعيشان في بيئة واحدة، أو معيشة حيين مختلفين في بيئة واحدة، ولا تستعمل هذه الكلمات إلا علمياً، فتعريبها أولى من ترجمتها "(1)
وهناك ألفاظ عربها يعقوب صورف في فروع العلم المختلفة، وهذه متوفرة في أعداد مجلة المقتطف، كما أنه أحيا ألفاظاً كانت مهملة أو مدفونة، فجلاها لنا، وهذه الألفاظ كثيرة لايخلو منها مجلد، مثل :
1- علم النفس psyChologie ...
2- علم الوجدان بالانكليزية conscousens
3- المثال الأعلى idéal
4- السكيت (بعوض البرداء) واسمه العلمي anopheles ...
5- تنازع البقاء struggle for life
6- مذهب النشوء والارتقاء Transformismes
7- مذهب التطور evolutioisme
8- الدارونية Darwinisme
9- التعضية assin milation
10- علم الأحياء biologie
11- علم الأحداث الجوية météoreologie
12- الكحول(2) alcool
__________
(1) صروف ، يعقوب / ترجمة المصطلحات العلمية / المقتطف ، مج 70 ، جـ 1 ، ص 106 / 1927
(2) صروف ، يعقوب / منع الأمراض ومرض الموز / المقتطف مج 66 ، جـ 1 ص52- 104 / 1925 .(1/93)
ولقد دافع يعقوب صروف عن لفظة (الكحول) هذه مرات عديدة، وتمسك بهذه الصورة دون غيرها من جميع الصور التي أدرجها العصريون في مصطلحاتهم.
فقد قال أحدهم بتسمية هذه بـ (الغول)وقال آخرون (الكؤول) وغيرهم قالوا (الالكول) وجماعة (الكحل). أما صروف فقد تمسك بلفظة (الكحول) ثم قال : " ليس من السهل إلغاء كلمة كثر استعمالها، ووضع كلمة بدلاً منها... ومن الأقوال المأثورة : الخطأ المشهور خير من الصواب المهجور. ثم أن لكلمة (الكحول) مزية على غيرها، إنها شائعة في كل اللغات الأوربية التي يقرأ أبناؤنا كتبها العلمية والصناعية. ومصلحتنا تقضي علينا أن نسير في الطريق الأقرب والأسهل لاقتباس العلوم والصنائع من الأوربيين، وإلا بقينا منحطين عنهم، وقضي علينا، ومن ذلك اقتباسنا كلماتهم كما فعلوا هم لما كانوا دون العرب في الفلك والكيمياء، فاقتبسوا منهم كثيراً من الكلمات اليونانية " (1)
ونلاحظ مما سبق من كلام يعقوب صروف أنه يميل إلى الأخذ بمبدأ التعريب أكثر من الأخذ بمبدأ الترجمة، على الرغم من أنه يدعو إليها ولكن بشروط... وكأننا كذلك أمام نزاعات شديدة حول اختيار المصطلح العلمي المناسب، والاختلاف فيه بين باحث وآخر. وهذه مشكلة عانى منها المصطلح العلمي في بدء النهضة ومازال يعاني منها حتى يومنا هذا. ولذلك سنرى الدعوات تتعالى من هنا ومن هناك إلى توحيد المصطلح العلمي العربي بين أبناء اللغة العربية، وسنرى كذلك الندوات والمؤتمرات التي عقدت والتي ستعقد من قبل المجالس اللغوية والعلمية والمنظمات المهتمة بهذا الشأن، والتي تمخض عنها تأسيس المجامع اللغوية والعلمية والمنظمات المناسبة أولاً والتي كان تأسيسها في أوقات مختلفة، وللتنسيق فيما بينها لتوحيد المصطلحات ثانياً، فكان اتحاد المجالس اللغوية ومكتب تنسيق التعريب فيما بعد.
__________
(1) صروف ، ، يعقوب / باب المراسلة والمناظرة / المقتطف مج 66 / جـ 2 / 209- 1925 .(1/94)
ويتابع صروف منهجه في الدعوة إلى توحيد المصطلح العلمي والأخذ بمبدأ التعريب ما أمكن ويحث العلماء والباحثين عليه فيقول :
"... هذا ولما كانت اللغة حية تنمو من الداخل ومن الخارج ولا مجامع لغوية تمنع نموها، ونحن الآن أمام واقع في هذه النهضة الحديثة التي نشأت منذ أيام محمد علي.
وهذا الأمر لا يتعرض لقواعد اللغة من حيث وضع العوامل والمعمولات، ولا لتصاريف الأفعال والأسماء ولا لحروف والعطف والاستفهام ونحوها من حروف المعاني ولا لقواعد الإعراب والبناء، أي أنه لا يتعرض لجوهر اللغة(1) " وغاية ما فيه ادخال كلمات جديدة لمعان جديدة، والاتفاق على ترجمة بعض المصطلحات العلمية الجديدة، أي السير بالعربية كما سير بها في القرن الثاني والثالث والرابع والخامس بعد الهجرة. بل كما سير بها قبل الهجرة من اتصال العرب بمصر والشام... فإن العربية تناولت من هؤلاء كلمات كثيرة، حسبت بعدئذ من صميم العربية.
ولعلنا أشد الكتاب شعوراً بهذا الأمر الذي نشير إليه، أي الاتفاق على ترجمة المصطلحات الجديدة أو تعريبها، فإننا من حين شرعنا في انشاء (المقتطف) رأينا أن لابد لنا من الترجمة والتعريب، فنظرنا أولاً في المصطلحات العلمية التي جرى عليها الأقدمون كابن الهيثم في الحساب والجبر، وابن سينا في الطب والطبيعة، وابن البيطار في العقاقير الطبية، والبتاني في علم الفلك، و التي جرى عليها أساتذتنا في الجامعة الأمريكية ومدرسة قصر العيني الطبية.
__________
(1) صروف ،يعقوب / اللغة العربية والمصطلحات العلمية / المقتطف مج 74 / 1/ 6-7 1929(1/95)
نعم رأينا أنه لا بد لنا من استعمال كثيرمن المصطلحات العلمية، وهذه أما أن نجدها فيما لدينا من الكتب القديمة، كما ذكرنا قبل قليل، أو فيما طبع من الكتب المترجمة في مدرسة قصر العيني وجامعة بيروت الأمريكية، وأما أن نضطر إلى ترجمتها أوتعريبها، فجارينا الذين سبقونا فيما ترجموه أوعربوه، وحذونا حذوهم في ترجمة ما جد بعدهم أو تعريبه. فجارينا الدكتور فانديك في كل ما ترجمه وعربه في الطب والجبر والهندسة والأنساب والمثلثات و المساحة وسلك الأبحر والفلك والكيمياء. والدكتور ورتبات في الفسيولوجيا والتشريح. والدكتور بوست في النبات والحيوان والجراحة. ورأينا أنهم هم تابعوا أساتذة قصر العيني في كثير مما ترجموه أو عربوه.
ثم حذونا حذو هؤلاء الأعلام في ترجمة ماجد وتعريبه. لكن الكتب العلمية المترجمة حديثاً في القطر المصري لايجري مترجموها مجرانا فيما يترجمه واضعوها.
فنحن مثلاً نترجم كلمة (Atom) بكلمة (جوهر) أو جوهر فرد، لأن العرب ترجموها كذلك وقالوا : إن الجوهر هو الجزء الذي لا يتجزأ. وأما المترجمون في مصر فيترجمونها بكلمة (ذرة). ونحن ترجمنا الكلمة (quantum) بكلمة (مقدار) والجمع ( quanta) مقادير. وتلامذة المدرسة المصرية ترجموها بكلمة (كم)، أما نحن ففضلنا كلمة (مقدار) - لأنه يسهل جمعها - على كلمة (كم) التي لا تجمع.(1)
وبعض الكلمات التي ترجمناها شاع كثيراً ومن ذلك كلمة : غواصة ودبابة ورشاشة ونواة، ولكن بعضها قليل الاستعمال مثل (كهرب) لكلمة (électron).(2)
__________
(1) صروف ، يعقوب / اللغة العربية والمصطلحات العلمية / المقتطف مج 74 جـ 1ص 6-7 1929.
(2) صروف ، يعقوب / اللغة العربية والمصطلحات العلمية / مج 74 جـ 1 ص8(1/96)
" ونرى الآن أن الاتفاق على ترجمة الأسماء العلمية الجديدة في مصر والشام والعراق وتونس والجزائر والمغرب الأقصى يكاد يكون ضرباً من المحال، ولا تجن منه فائدة كبيرة. وخير منه تعريب هذه الأسماء على ماهي، لأنها :
أولاً : عديدة جداً تزيد على خمسمئة ألف اسم في الحيوان والنبات والجماد.
فترجمتها كلها تقتضي السنين الطوال. ولو توخاه جماعة من العلماء، وقبل أن يتفقوا على ترجمة ألف اسم من هذه الأسماء، يكون العلماء قد اكتشفوا أكثر من ألف اسم جديد، فيزيد بعدنا عن الغاية المطلوبة، فمحاولة ترجمتها ضرب من المحال.
أما التعريب فلا يكلف إلا كتابتها بحروف عربية.
ثانياً : لأن الذين سبقونا مثل ابن سينا وابن البيطار جروا على هذه الخطة في كل الأسماء العلمية التي دخلت فيما كتبوه، فإن كل اسم ليس له مرادف في العربية عربوه بلفظه اليوناني أو الفارسي.
ثالثاً : مايقال عن الأسماء المجردة يقال عن مشتقاتها. أما في المشتقات فتتبع القواعد العربية في المثنى والجمع والنسبة ووزن الفعل أن أمكن.
والتعريب إنما يكون متى كان اللفظ ليس له مرادف في العربية، أما ماله مراداف فتجب ترجمته بمرادفه، ولو كان المرادف غير عربي الأصل.
ثم أن الكلمات العلمية قد لا تكون واحدة في الانكليزية والفرنسوية والإيطالية، مثال ذلك كلمة (Nitrogen) الانكليزية، فإنها في الفرنسوية (Azote). وأكثر الذين ترجموا عن الانكليزية عربوها بكلمة (نتروجين)، والذين ترجموا عن الفرنسوية عربوها بكلمة (آزوت). ولكن هؤلاء إذا ذكروا حوامض هذا العنصر وأملاحه قالوا (حامض نتريك )و(نترات الصودا) فإذا اختلف اسم المادة الواحدة في لغتين مختلفتين من لغات أوربة، فالأولى اتباع أكثر اللغات استعمالاً، لأن الفوز سيكون لها أخيراً ". (1)
__________
(1) صروف ، يعقوب / اللغة العربية والمصطلحات العلمية / المقتطف مج 74 جـ 1 ص 8 / 1929.(1/97)
وهنا يبدو لنا الدكتور يعقوب صورف من خلال ما كتبه قبل ستين عاماً، وكأنه يعاني المشكلة نفسها والتي يعاني منها الباحث العربي الآن، ألا وهي التذبذب بين الترجمة والتعريب للمصطلح العلمي الحديث من جهة، وحول الدعوة إلى ضرورة توحيد المصطلح العلمي العربي بين الباحثين العرب من جهة آخرى. فما أشبه اليوم بالأمس ؟ فضلاً عن أنه قد جدّت في السنين الأخيرة عشرات الآلاف من المصطلحات العلمية الجديدة التي لم يكن لها ذكر في عهد صروف وزملائه. فما عساه يقول لو كان حياً في عصرنا هذا ؟
2) مجلة (المقتطف) ودورها في وضع المصطلحات العلمية ومناقشاتها (1876 - 1952)
تأسست في بيروت 1876 م بتشجيع من الدكتور فانديك استاذ صروف وقيل أنه اختار اسمها بنفسه ثم انتقلت إلى مصر 1886 م واحتجبت عن الصدور 1952 (1) م.
إذن كانت مجلة (المقتطف) معرضاً يعرض فيه علماؤنا وأدباؤنا نتاج بحوثهم في مختلف العلوم وفي المصطلحات العلمية. وقد تتبعت الألفاظ العلمية في عدة مجلدات قديمة من هذه المجلة، فاستوى لدي منها شيء كثير يدل على ما كان لها من شأن في هذا الموضوع (2)
__________
(1) زيدان ، جرجي / تاريخ آداب اللغة العربية جـ 4 / 62 . والزركلي / الأعلام جـ 9 / 266 الذي أشار إلى أنها انتقلت إلى مصر 1885 ، والعمر ، عبد الله ،/ المقتطف رائدة العلم العربي الحديث / مجلة تاريخ العرب والعالم / العددان 93 ، 94 / 14 السنة الثانية 1986 .
(2) الشهابي ، مصطفى / المصطلحات العلمية في اللغة العربية / 58 .(1/98)
ومن الذين كتبوا في (المتقطف) بحوثاً ومناقشات في المصطلحات العلمية الطبية الدكتور أمين المعلوف والدكتور محمد عبد الحميد (1) . وسأورد هنا شيئاً من هذه البحوث والمناقشات التي دارت حولها، لأعطي فكرة عن مدى أهمية المصطلحات العلمية.
لقد كتب الدكتور محمد عبد الحميد في المقتطف بعنوان (اللغة العربية والطب) تحدث فيه عن المصطلحات العلمية الحديثة في زمنه فقال :
" يقرأ الطبيب الكتب والمجلات الطبية الافرنجية، فيصادف اصطلاحات لايجد لها مثيلاً في اللغة العربية، ويمر اللغوي بكلمات في لغتنا لايكاد يفقه لها المعنى الحقيقي لعدم معرفته الأصول الطبية، وبذلك تضيع فائدة هذه الكلمات، وتوصم اللغة بالعجز.
وقد عثرت أثناء مطالعاتي على كلمات كثيرة يجوز أن يصطلح عليها، فتؤدي المعاني التي ننشدها، ورأيت أن أنشر هذه الكلمات، واشرح الأحوال الطبية التي أريد اطلاق الكلمات عليها، حتى إذا صادفت من أهل اللغة قبولاً عم استعمالها وبعثت كلمات مندثرة نحن في أشد الحاجة إليها. ومن هذه الكلمات ما يأتي :
(الحُصر) : يقال حُصر ذو البطن ، على المجهول إذا احتبس فهو محصور، والحصر : احتباس ذي البطن واعتقاله. وتقابل هذه الكلمة في الانكليزية Retention of urine ، وهو ما سمي بالاحتباس البولي، الذي هو تجمع البول في المثانة البولية لاعاقة في مجرى البول (2)
__________
(1) وللدكتور محمد عبد الحميد عدد من المؤلفات الطبية منها : " الاسعاف الأولي " والعلاج بعد العمليات " و " تعليل النوع " و " العلاج الجراحي " و " التشريح الجراحي " و " الحمل خارج الرحم " وغيرها . انظر : جرجي زيدان / تاريخ آداب اللغة / جـ 4 / 201 .
(2) لكن كلمة ( الحقب ) وهي تعسر خروج البول كما في القاموس ، أولى من كلمة (الحصر ) في ظني ، وذلك لأن الأخيرة عامة في هذا المعنى والأولى خاصة ، فقد استعملها الفقهاء والأصوليون كذلك أما الحصر فهو احتباس البطن من الدبر لامن القبل1هـ .(1/99)
وهناك كلمة أخرى وهي (أسر) يأسَر أسْراً، أو أسِر أسْرا ، بالبناء للمجهول والأسر هو الاحتباس البولي " (1)
و (الازرئمام) آزرأم بوله أي انقطع، يقابل ذلك ما يدعى بالانكليزية في الاصطلاح الطبي Suppression of urine . وهي تطلق على حالة مرضية تتعطل فيها الكليتان عن افراز البول لمرض فيهما كالالتهاب الكلوى.
وتختلف هذه الحالة عن الأولى بأنه في الحالة الأولى تفرز الكليتان البول وينزل بواسطة الحالبين إلى المثانة حيث يتجمع فيها، وينقطع نزوله لاعاقة في مجرى البول. أما في الثانية فلا يوجد بول في المثانة لانقطاع إفرازه. وقد عرب بعضهم كلمة suppression باحتباس بولي وهي خطأ " (2)
ثم أورد كلمات لمصطلحات طبية كثيرة مثل : الرّثية، والأبهر، والهدام، والسمادير، والشّغية، والكباد، والطّحل، والمثن، والبخق، والقولنج، والخشم، والارتكاض، والسّبل، والشّتر، والبرطمة، والهيام ... إلخ.
ولكن ما كتبه الدكتور محمد عبد الحميد لم يسلم من النقد، فانبرى له الدكتور أمين المعلوف موضحاً مصححاً ، فجرت بينهما مجادلات ومناقشات كثيرة، وكان مما قاله المعلوف :
" قرأت ما كتبه زميلي الفاضل الدكتور محمد عبد الحميد عن (اللغة العربية والطب) وما ذكر من اللغة العربية التي أشار باستعمالها... وقد أصاب في كثير من الألفاظ التي ذكرها مثل : (السمادير) أي مايتراءى للعين من أشباه الذباب وقد ذكرها أساتذة مدرسة بيروت الأميركية في كتبهم. و (الهدام) أي دوار البحر، وقد ذكرها بادجر في معجمه. و (ارتكاض الجنين) أي تحركه، وهي مذكورة في الانجيل. على أنه بقي ألفاظ ذكرها لاتخلو من مواضع للنظر، أستأذنه في إبداء رأيي فيها.
(
__________
(1) عبد الحميد ، محمد / اللغة العربية والطب / المقتطف مج 36 جـ 4 / 375 / 1910
(2) عبد الحميد ، محمد اللغة العربية والطب / المقتطف مج 36 جـ 4 / 375 / 1910(1/100)
الحصر) : أي احتباس البول : سبق إلى استعمالها بنفس المعنى الذي يريده، فقد ذكرها الدكتور عيسى حمدي في كتاب (تشخيص الأمراض الباطنية)، ولا أرى وجها للاعتراض على تسمية هذه العلة باحتباس البول أيضاً، كما قال أطباء العرب من زمن ابن سينا إلى أيامنا وهي بمعنى retention تماماً.
(الأسر) : Suppression ، ذكرها الدكتور فانديك في كتاب (الباثالوجيا) وبادجر في معجمه، وهي أفضل من لفظة مهجورة كالازرئمام. ولا أنكر أن الأسر والحصر مترادفان في كتب اللغة، لكن أطباءنا خصوا كل واحدة منهما بمعنى وشاع استعمالها كذلك، ولا يخفى أن للسابق حقوقاً لا تنكر.
وما المانع من قولنا (انقطاع البول) عوضاً عن (الازرئمام) (1) " ؟ !
وتابع المعلوف كلامه في الرد على زميله محمد عبد الحميد في استعماله كلمات (الشّغية) و (الرّثية) و (البخق) الذي أطلقه على (الغلوكوما) وليست هي الداء الوحيد الذي يذهب البصر والعين منفتحة، فضلاً عن البخق في بعض كتب اللغة : العور أو أقبحه، و (القولنج) ولا أدرى لماذا نفضل كلمة يونانية الأصل على التسمية العربية الشائعة وهي (الانسداد المعوى)، وهي تؤدي المعنى تماما. ولو سلمنا باستعمال القولنج (وهو مرض مبهم كان يريد به أطباء العرب واليونان مايصيب البطن أوالقولون من الأوجاع)، فماذا نسمي انسداد القناة الدمعية، وانسداد القناة الصفراوية ؟ ولا أفضل من ترجمة Obstruction بالانسداد، Rentention بالاحتباس، و Suppression بالانقطاع.(2)
و (الخَشَم) أطلقها على التهاب الأنف، على أن وصفها في كتب اللغة أقرب إلى وصف العلة المسماة ( Ozoena) ، وترجمها الدكتور خير الدين كذلك في معجمه. وقد وردت بهذا المعنى في كثير من المؤلفات الحديثة.
__________
(1) المعلوف ، أمين / رد على مقال ( اللغة العربية والطب ) / المقتطف مج 36 جـ 6 / 583- 1910
(2) المعلوف ، أمين / رد على مقال ( اللغة العربية والطب ) المقتطف مج 36 جـ 6 / 583 -1910(1/101)
ولا يخفى أن اللغات ترتقي بارتقاء العلوم، وقد أخذ أطباء العرب كثيراً من الألفاظ اليونانية والفارسية وعربوها فأحسنوا التعريب أحياناً، وأساؤوا أخرى كما نفعل في أيامنا. ومعرباتهم معروفة ومشهورة، وهي أكثر من أن تحصى، ولم يأنف من استعمالها الشيخ ابن سينا ولا ابن البيطار ولا غيرهما من كبار الكتاب والمؤلفين.
ولا بد من ملاحظة أمور كثيرة في استعمال الألفاظ الطبية وتعريبها ، منها: معرفة أصل اللفظة فنقول : تريخينا مثلاً لا تريكينا أوتريشين، نقلاً عن الانكليزية أو الفرنسوية، وهذا الخطأ في التعريب كثير في الكتب الحديثة، فقد رأيت في بعضها : أنورى وبوليورى وأوليجورى، عوضاً عن : أنوريا وبولوريا وآليغوريا. مع أن المؤلف نفسه قال: اسفكسيا وأنيميا، ولم يقل اسفكسي وأنيمي. ومثلها بوق أستاش، فيجب أن يقال : بوق أستاخيوس أوأستاكيوس.
ومنها الوحدة والمطابقة في التسمية، والسير على نظام علمي، كما ذكرت في الكلام عن (ذات الرئة) فإنها كلمة عربية قديمة استعملها أطباء العراق والشام، لكن أطباء مصر يفضلون تسمية هذا الدواء بـ (الالتهاب الرئوي)، وهي أصلح من تسميته بذات الرئة. ومثلها Tensillitis باللغة الانكليزية، فلها مترادفات كثيرة عند الانكليز لكنهم يفضلون هذه اللفظة على غيرها. وكانوا يسمون حصر البول أو أسره inschuria فلما وجدوا أنها لاتفي بالمعنى المقصود أهملوها وقالوا : supperssion and Retention ليفرقوا بين انقطاع البول واحتباسه " (1)
__________
(1) المعلوف ، أمين / رد على مقالة ( اللغة العربية والطب ) / المقطتف مج 36 جـ 6 585 - 586 1910(1/102)
ونلاحظ هنا أن الدكتور أمين المعلوف يدعو إلى الجديد المأنوس من الألفاظ عوضاً عن المهجور المبهم فيقول : " ومن العبث رجوعنا إلى ألفاظ مهجورة لاتؤدي المعنى المطلوب، وربما أضلتنا كثيراً، ولا أظن أن أطباء العرب كانوا يجهلون الكباد والطحل والقلاب والمثن والمعد والقود وغيرها من الألفاظ التي لا يجوز استعمالها علمياً لأنها مبهمة لاتدل على حالة مرضية خاصة. وقد ذكر منها المرحوم أحمد فارس الشدياق ما يزيد على اثنتي عشرة صفحة في كتاب (الساق على الساق فيما هو الفارياق) وفسرها، فبعضها مبهم غامض والبعض الآخر واضح المعنى. ولم يخف على أصحاب النهضة العلمية في مصر والشام في القرن الماضي شيء من هذه الألفاظ، كالدكتور فانديك وغيره، فذكروها في مؤلفاتهم كالجهر والقمر والعشا والحسر والكمنة والغَرب والخَوض والخَشم والخفش والأطام والأسر والحصر والشّفيف والغثيث والسّبل والسّلاق والشّتر والحفر والفحجَ والكشع وكثير غيرها. فأخذوا ما كان صالحاً منها، وأهملوا الألفاظ التي لا صفة لها إلا وجودها في كتب اللغة.
على أنه ينكر على بعض أطبائنا تعريب كلمات لها ألفاظ معروفة ومشهورة، كما تجد في بعض المؤلفات الحديثة مثل (الرشتيزم) أي (الكساح) و (الكوما) أي (السبات) و (المكونيوم) أي (العقي) و (الكولوستروم) أي (اللباء) وهو أول اللبن (1) ..."
__________
(1) المرجع السابق نفسه ص 586(1/103)
ثم يجيب الدكتور محمد عبد الحميد على ملاحظات المعلوف محاولاً توضيح وجهة نظره قائلاً : " إن الذي حدا بي لذكر هذه الكلمات ونشرها هو وجود عدد عظيم منها في اللغة العربية وجوداً لا فائدة منه، لأنك إذا بحثت عن معانيها في أهم المعاجم العربية وجدت تطويلاً مملا، وتخبطاً غريباً، واختلافاً عظيماً، ياليتك بعد ذلك تقف على معنى الكلمة حتى تستطيع استعمالها. أريد بذلك أن الكلمات مبهمة ابهاماً شديداً يتعذر على الإنسان استعمالها بهذه الحالة، وليس الأمر قاصراً على الإبهام، بل كثيراً ما توجد أغلاط فنية مع هذا الابهام.راجع ما كتب تحت مادة (أبهر) مثلاً في المعاجم، ومثلها مادة (الوتين) وغيرهما كثير...
فلماذا نحترم القديم إلى هذه الدرجة ونغلو في احترامه مع احتوائه على الخطأ ؟ اللغة لا بد أن تتقدم بتقدم العلوم والآراء، فإن كانوا في الزمن السالف قد استعملوا كلمة (كباد) بمعنى وجع الكبد، فما ذلك إلا لأنهم لم يعلموا الأمراض التي تعترى الكبد بالتفصيل، كما نعلم نحن الآن. وماذا يضرنا - وقد تعددت أمراض الكبد، وعرفنا أنواعها، وتولدها وأسبابها - أن نخصص كلمة (كباد) لمرض منها، على شرط أن يكون هناك علاقة بين المعنى الذي استعملت له سابقاً، وبين المعنى الذي نريد أن نصطلح عليه الآن، كذا الطحل والمثن(1)....."
__________
(1) عبد الحميد ، محمد / يرد على أمين المعلوف / المقتطف مج 37 جـ 2 / 789 / 791 1910(1/104)
وما يضر اللغة لو نهضنا واصطلحنا على كلمة (أبهر) لما يسمى في الطب (الأورطي) وعلى كلمة (الوتين) لما يسمى الشريان الرئوي مرتكزين على هذا الاصطلاح بعلاقة ولو بعيدة، حتى إذا تداولتها الألسن وشاع استعمالها. ثم قام لغوي مثل بطرس البستاني وطبع معجماً كمحيط المحيط، وذكر هذه الكلمات بالمعاني التي اصطلح عليها، يكون هذا المعجم أشبه بالمعاجم الافرنجية من حيث أنها توصل إلى معاني الكلمات بطريقة غير مبهمة.... فالى متى يبقى جمودنا ونسميه محافظة على اللغة ؟ إلى متى نتمسك بالقديم وإن كان خطأ؟(1) . لم لا نقول مع المعلم بطرس البستاني :
قل لمن لا يرى الأواخر شيئاً ... ويرى للأوائل التقديما
إن ذاك القديم كان حديثاً ... وسيبقى هذا الحديث قديماً (2)
وأنا - مع احترامي لرأيه - فإني أخالفه فيه، ذلك لأنني أظن أن النهضة العلمية في مصر والشام قد استعملت شيئاً من التوسع والتجوز على نحو ما أريد، وإلا ما كنا نراهم يطلقون كلمة (الفالج) على ابهامها في كتب اللغة - على الشلل المسمى عندنا ( Hemiplegia) فقد ورد في (لسان العرب) : والفالج ريح يأخذ الإنسان فيذهب بشقه، وقد فلج فالجاً فهو مفلوج. قال ابن دريد : لأنه ذهب نصفه... ويرد على قول المعلوف : " إن النهضة قد أهملت الألفاظ التي لا صفة لها إلا وجودها في كتب اللغة " بقوله : " وأنا أرى أن الألفاظ التي أهملت لاصفة لها أيضاً في كتب اللغة إذا لم تصطلح عليها النهضة الحالية لتؤدي أغراضاً مخصوصة لأن وجودها في كتب اللغة على نحو ما هي عليه بدون أن يصطلح عليها عيب كبير، وخطأ فاحش يشين المعاجم اللغوية العربية ويحط من قدرها وكمالها، بينما أن الطب في حاجة كبيرة إلى هذه الكلمات"(3)
__________
(1) عبد الحميد ، محمد / المرجع السابق نفسه / 789 / 790 1910
(2) هذان البيتان لعبد الله بن سلامة المؤذن / تاج العروس جـ 1 / 93 طبع الكويت .
(3) المقتطف / مج 73 جـ / ص 791(1/105)
أما الدكتور أمين المعلوف فقد رد على زميله قائلاً : أن الخلاف بينهما ليس على لفظة أو لفظتين بل على المبدأ كله، وأنه يصعب كثيراً اتفاق اثنين على مبدأ في رأى واحد (1)
ولا مجال هنا لنقل كل هذه المناقشات والمجادلات حول المصطلح العلمي وصلاحيته في تأدية المعنى. فاكتفينا بما سبق دليلاً على ما كان من مناقشات حامية حول وضع المصطلحات العلمية الجديدة وأهميتها، وأن أمر المصطلح وتعيينه وتثبيته ما كان سهلاً وأن الأمور ما كانت تسير بشكل عفوي أواعتباطي. بل كان هناك حرص دقيق من جانب العلماء واللغويين على ايجاد المصطلح العلمي العربي المناسب والأكثر ارتباطاً بالمعنى الجديد.
3) خاتمة بوضع المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في العراق :
أما الجهود اللغوية المبذولة في وضع المصطلح العلمي أو ترجمته في العراق، فلم يكن لها من وجود بالقدر الذي كانت عليه في مصر والشام، إن لم نقل أنها تكاد تكون نادرة بل معدومة. وهذا ما يوضحه أستاذنا الدكتور مصطفى جواد في محاضراته التي ألقاها على طلبة معهد الدراسات العربية العالية بالقاهرة إذ يقول :
"... وإذا كان الاصطلاح العلمي والاصطلاح الفني معتمدين على المعرفة بلغات الحضارة الجديدة كالانكليزية والفرنسية والألمانية واتقان اللغة العربية الفصيحة لم يكن من العراقيين في أول النهضة اللغوية الحديثة من اختص بالمصطلحات المذكورة ولا من ألم بها، لأن العناية كانت مصروفة إلى اللغة التركية لغة المسيطرين على العراق مستعملة في مخاطباتهم ورسمياتهم ومصطلحاتهم التي هي مزيج من التركية والعربية على النحو الذي يتخذونه ويفهمونه (2)... "
__________
(1) المقتطف / المرجع السابق نفسه / 793 - 794
(2) جواد ، مصطفى / المباحث اللغوية في العراق / معهد الدراسات العربية العالية / 54(1/106)
" هذا وأول من تكلم على المصطلحات العلمية بالعراق أيام النهضة اللغوية الحديثة أحد الرهبان وهوالأب أنستاس ماري الكرملي، فقد أصدر ببغداد في رجب سنة 1329 هـ (تموز سنة 1911 م) مجلة عربية سماها (لغة العرب) عالج فيها.اللغة والأدب والمصطلحات والتاريخ العراقي، قال في أول جزء منها:
(ثم اننا لا ندع ديواناً من دواوين هذه المجلة إلاونورد فيه شيئاً من المصطلحات الحديثة، والأوضاع العربية الطريفة، مما يوسع لغتنا الشريفة، ويحدونا على مجاراة الأقوام المتقدمة في الحضارة المنيفة بما يستحدث فيها من الموضوعات العصرية، والمدلولات العقلية والأدوات الفنية أو الصناعية، والأفكار العلمية التي لا مقابل لها ولا مرادف في لساننا في هذا العهد لانقطاع نظام العقد بكثرة ما انتاب هذه الربوع من النوائب والرزايا، وانقطاع ديارنا عن معالم الحضارة ومعاهدها الغربية التي مازالت في سير حثيث سديد وتقدم وتجدد وتوسع وتولد ، ونحن لا نزال في ريث وئيد ووقوف وجمود وخمود وركود(1)
وقد جعل الأب أنستاس لكل مجموعة سنوية من مجلته المذكورة معجماً فرنسياً للمترجمات ألحقه بالفهرست، فما ورد في المجلد الأول :
تنحس (قطاعة) : Abstinence - قائد المجنبة: Ajudan major فوضوية : Anarchie حكومة الوجهاء والأعيان (أرستقراطية : Aristocratia حكومة الشعب أو الجمهور (ديمقراطية) Democratic - ميلاط : Ciment ... " (2)
وقد ذكر الكرملي في المجلد الأول من مجلته / 75 / مصطلحاً عربياً مع ما يقابلها في الفرنسية.
" وسار على أثر الأب المذكور من كتاب مجلته المعلم الباحث رزوق عيسى، فمن كلامه على الألفاظ الدخيلة قوله :
__________
(1) جواد ،مصطفى / المرجع السابق نفسه / 54 نقلاً عن مجلة لغة العرب مج1 (ص 3).
(2) المرجع السابق نفسه / 54 نقلاً عن فهرست الجزء الأول لمجلة ( لغة العرب ).(1/107)
" أما سبب تهافت أقوامنا على ادخال تلك الألفاظ الغربية في لغتنا العربية،فهو افتقار هذه اللغة إليها، ولا سيما في الأمور المستحدثة أو المستنبطة في هذه العصور الأخيرة، وقسم من هذه الألفاظ أدمج في كلامنا العامي لعدم وقوفنا التام على ألفاظ لغتنا الشريفة، وكثير منها فشا قسراً بين أظهرنا، وعلى أنه يوجد في العربية ألفاظ تكفينا مؤونة الاستعارة من غيرها من اللغات الأجنبية، وإنما استعملها كبار حملة الأقلام على الرغم منها لشيوعها الفاحش بين العوام، ألفاظ التقطوها من أفواه غرباء اللسان، وحافظوا عليها محافظتهم على انسان عينهم... من ذلك مثلاً كلمة (شمندفير) الفرنسية للسكة الحديد " .
" وبدأ الأب أنستاس بإصدار المجموعة السنوية الثانية من مجلته في رجب سنة 1320 هـ (حزيران 1912 م) وسار فيها على طريقته السابقة وذكر فيها قرابة 145 مصطلحاً.." وهي على الأكثر ليست مصطلحات علمية بقدر ما هي حضارية.
" وشرع الكرملي في طبع المجموعة السنوية الثالثة من مجلته في رجب سنة 1313 هـ وفي هذا المجلد زاد عدد المصطلحات مقابلة باللغة الفرنسية، إن صح أن نسميها مصطلحات، وأخذ الأب في نشر المجموعة السنوية الرابعة من مجلته، ولم يتهيأ له اتمامها بسبب اعلان الحرب العظمى الأولى.... ففي سنة 1914 وقفت مجلة لغة العرب.
وبعد استيلاء الانكليز على العراق أصدر الكرملي مجلة (دار السلام) وكان ذلك سنة 1335 هـ 1917 م وقد كتب عليها : (وضيعة نصف شهرية تبحث في الأدب والعلم).
استمرت مجلة (دار السلام) على الصدور أكثر من ثلاث سنوات. ثم استأنف الكرملي اصدار مجلته (لغة العرب) على عهد الحكم الفيصلي بالعراق، فخرج الجزء الأول من المجموعة السنوية الرابعة في تموز سنة 1926. وقد تكلم في هذه المجموعة على كثير من المسائل اللغوية. قال في مقالة عنوانها (أوضاع خالدة) :(1/108)
"والناطقون بالضاد من أرباب العلم والقلم هم اليوم على ثلاثة أقسام: قسم يريد اتخاذ الألفاظ الأعجمية الجديدة وأساليب سبكها وادخالها في لغتنا... وقسم لايريد شيئاً من ثروة الأعاجم ولو كان زهيداً.. وقسم ثالث يقول بأن خير الأمور أوساطها، فعلينا أن نأخذ من لغة الأجانب مالايمكن أن نحققه في لغتنا ولا نجد فيها ما يؤدي معناه ، أوأن مقابله في اللغة الضادية هواليوم مجهول. فيتخذ للعرب من كلام الأغراب ريثما نعرف ما يعرض عنه في لغتنا ....."(1)
الكرملي ينقد المعاجم ويتهمها بالتقصير :
وانتقد الكرملي في مجلته (دار السلام) المعاجم القديمة والحديثة، واتهمها بعدم وفائها بالقصد، وتقصيرها في أداء المعنى العلمي للكلمة التي توردها فقال :
__________
(1) جواد ، مصطفى / المباحث اللغوية في العراق / 55 - 75 /(1/109)
"... اتضح لك مما تقدم بسطه أن معاجمنا اللغوية لا تحوى جميع ألفاظ هذا اللسان الشريف كما صرح به اللغويون أنفسهم في مقدمات دواوينهم، وقصورهم أبين وأظهر في الألفاظ العلمية، أذ قليلاً ما يدققون النظر فيها لاسيما إلى معجم يفي بهذا الغرض وأن لا يتبع في ما يتعلق بعلم المواليد وعلم المعادن والطبيعيات - فنحن إذن في حاجة ماسة فيه - تعريف الكلمة العلمية على الطريقة القديمة التي أصبحت عاجزة عن تصوير الشيء المعرف تصويراً صادقاً ينطبق على المدلول عليه. ولهذا نأمل أن يقوم بعض المبرزين في اللغة ويؤلف لنا معجماً يسد هذه الثلمة " وقال بعد ذلك : " إن كنا نرى بعض العجز في المعاجم العربية فالعجز أعظم في الدواوين الافرنجية العربية، والعربية الافرنجية، فإنك إذا نقبت فيها عن كلمة افرنجية لتعرف ما يقابلها عند العرب ذكر لك المؤلف عدة ألفاظ ربما كانت متقاربة بل ربما كانت متضاربة، فتصبح في حيرة من اختيار الكلمة المطلوبة، ولهذا فكثيراً ما تكون المعاجم لطالب اللغة الأعجمية سدا منيعاً في وجهه، مما يثبط عزمه ويفل غربه، ولا علاج لهذا الداء الفاشي في مثل تلك الأسفار إلا تضافر علماء متخصصين ليجلوا غوامض تلك الشبهات ويحلّوا معقد تلك المعضلات ". (1)
__________
(1) جواد ، مصطفى / المباحث اللغوية في العراق / 72 نقلاً عن مجلة ( دار السلام ) ج2/162.(1/110)
لا حظنا من خلال ما استعرضناه من كلام الكرملي أنه كان يقع في هفوات لغوية كثيرة في الصيغ والأوزان والاشتقاق والجموع ما كان يفطن لها، إلى جانب أخطائه الأسلوبية مما حمل أستاذنا الدكتور مصطفى جواد على تصحيح هذه الأخطاء وتعديلها في حواشي كتابه (المباحث اللغوية...) حتى أنه لا تكاد تخلو صفحة من صفحاته وردت فيها أقوال للكرملي إلا وفيها أكثر من تصحيح أوتعديل. وهذه ظاهرة تلفت نظر القارئ إلى أن لغة الكرملي وأسلوبه فيهما ضعف وركاكة، على الرغم من أنه كان عضواً في ثلاثة مجامع علمية لغوية عربية. وهو صاحب المقالات المطولة والردود اللغوية التي انتشرت في دوريات العراق والبلاد العربية الأخرى. وربما كان سبب هذه الهفوات أو السقطات يرجع إلى أن لغة الكرملي كانت متأثره باستعمالات وأساليب اللغة التركية العثمانية التي كانت سائدة في عصره.
فلو رجعنا إلى الصفحتين 54 و55 مثلاً من كتاب (المباحث اللغوية...) لوجدنا فيهما ست حواشٍ تشير إلى تصحيحات أوردها جواد على الكرملي، ومثلها كثير.
(((
الباب الثاني
جهود مجامع اللغة العربية، ومنهجيتها في وضع المصطلحات وتأليف المعاجم العلمية المتخصصة.
التمهيد:(1/111)
إنه ليصعب الفصل بين نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين من حيث العمل في المصطلحات العلمية، وذلك لتداخل المرحلتين تداخلاً كبيراً وتلاحمها تلاحماً وثيقاً بحيث يصعب وضع حد فاصل بينهما، فالعمل فيهما يكاد يكون متصلاً حتى بوجود الباحثين من العلماء الذين عاصروا المرحلتين معاً، من استمرار أعمارهم الزمنية وأعمالهم العلمية، إلا أن تطورا قد حصل أمام هذا السيل من المصطلحات العالمية الأولى. حتى أن العالم أو الباحث يجد نفسه قد أعاد النظر فيما اقترحه أو وضعه من مصطلح خلال هذه المرحلة، فغير وبدل نتيجة هذا التطور. وخير مثال على ذلك أعمال الدكتور يعقوب صروف الذي تناولنا الكلام على جهوده المصطلحية في الفصل السابق، فقد بدأ في بداية الربع الأخير من القرن الماضي وانتهى بنهاية الثلث الأول من القرن الحالي، ومثله الدكتور أمين المعلوف، والدكتور محمد عبد الحميد، والأب أنسطاس ماري الكرملي وغيرهم ممن أتينا على ذكرهم في الباب السابق.
وكان المشرق العربي يشكل وحدة متكاملة تقريباً في الجهود اللغوية لوضع المصطلح العلمي الحديث. إذ وجدنا تعاونا بين الأشخاص والمؤسسات وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واستقلال هذه الأقطار تماماً عن الدولة العثمانية فكانت مجلة (المقتطف) من جهة ومجلة المجمع العلمي العربي بدمشق من جهة ثانية ميداناً يتبارى فيه العلماء واللغويون في اظهار نشاطاتهم المصطلحية.
وسنتناول في هذا الباب، جهود المجامع اللغوية العلمية العربية في سورية ومصر والعراق والأردن، وكيف دعت الحاجة إلى تأسيسها لخدمة اللغة العربية والمحافظة عليها وجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون، ملائمة لحاجات الحياة في العصر الحاضر، ولا بأس هنا من إلقاء نظرة سريعة على المحاولات الأولى التي بذلت في سبيل تأسيس مايشبه المجامع في مصر والشام.(1/112)
من المعلوم أن محاولات تأسيس جمعيات لغوية علمية تعود بداياتها إلى منتصف القرن التاسع عشر، إلا أنها جميعاً لم يكتب لها النجاح والبقاء لأسباب عديدة.
ويبدو أن مصر كانت أسبق من الشام في هذا المضمار في عصر النهضة الحديثة، فقد تأسس (مجلس المعارف المصري) في الاسكندرية عام 1859 ثم نقل إلى القاهرة عام 1880، ثم توقف عن النشاط بعد ذلك. ثم أنشئت جمعية باسم (المجمع اللغوي) عام 1892 للوضع والتعريب برئاسة السيد توفيق البكري، ويكاد يكون هذا المجتمع هو الأول من نوعه في هذا الجانب ألا وهو وضع المصطلح العلمي وتعريبه، وهو موضوع بحثنا هذا. ولكن هذا المجمع عطل بعد سنوات قليلة، ثم أعيد نشاطه بعد ذلك، لكنه لم يستمر طويلاً فطوى أمره مرة أخرى.
أما في بلاد الشام فقد تأسست في بيروت جمعية للمرسلين الأميركان باسم (الجمعية السورية) واستمرت من عام 1847 إلى عام 1852، وبلغ عدد أعضائها نحو خمسين عضواً، كان من بينهم اليازجي والبستاني ونوفل ومشارقة وغيرهم، ولكن عهد هذه الجمعية اللغوية العلمية لم يطل كذلك. ثم أنشئت بعدها (الجمعية المشرقية) بمسعى من اليسوعيين عام 1850 ثم توقفت، ثم أنشأ الأميركان مرة أخرى جمعية باسم (المجمع العلمي الشرقي) عام 1882 وترأسه الدكتوران فانديك وورتبات. ولكن كل هذه الجمعيات والمؤسسات اللغوية قد طوى أمرها بعد قليل من انشائها لأسباب عديدة (1).
__________
(1) في هذه المعلومات تراجع مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق مج (جـ4 ص 104-105).(1/113)
ثم بدأت المجامع اللغوية العلمية الرسمية تأخذ طريقها في الإنشاء والتأسيس بعد نهاية الحرب العالمية الأولى بعد هذا الانقطاع، فتم إنشاء المجمع العلمي العربي بدمشق عام 1919 في زمن الحكم الفيصلي العربي في الشام، ثم توالى إنشاء المجامع اللغوية بعد ذلك فكان المجمع اللغوي بالقاهرة عام 1932، والمجمع العلمي العراقي عام 1947، وأخيراً مجمع اللغة العربية الأردني عام 1976. وما تزال هذه المجامع قائمة بعملها اللغوي من معاجم ومصطلحات علمية مع تفاوت فيما بينها كما سنرى في الصفحات التالية، وقد قسمنا هذا الباب إلى أربعة فصول جعلنا لكل مجمع من المجامع العلمية اللغوية الأربعة فصلاً خاصاً به.
(((
(الفصل الأول)
المجمع العلمي العربي بدمشق
(مجمع اللغة العربية)
التمهيد:
1. أول أعمال المجمع
2. تشريح الدراجة للتنوخي
3. نقد وتعليق
4. مجلة المجمع العلمي العربي ودورها في وضع المصطلح العلمي
5. فهارس المصطلحات الواردة في مجلة المجمع ونقدها.
التمهيد:
كانت المحاولة الأولى لخدمة العربية والارتفاع بمستواها إنشاء الشعبة الأولى للترجمة والتأليف التي أسست على أثر تأليف الحكومة العربية في آواخر خريف سنة 1918، ثم صارت هذه الشعبة ديوان المعارف سنة 1919 موكولاً إليها النظر في أمور المعارف والتأليف وتأسيس دار آثار والعناية بالمكاتب ولا سيما دار الكتب الظاهرية، ثم انقلب هذا الديوان بأعضائه الثمانية ورئيسه إلى مجمع علمي في 8حزيران سنة 1919. وأخذ على نفسه النظر في اصلاح اللغة ووضع ألفاظ للمستحدثات العصرية وتنقيح الكتب وإحياء المهم مما خلفه الأسلاف منها والتنشيط على التأليف والتعريب(1).
__________
(1) كرد علي، محمد/ أعمال المجمع العلمي العربي/ مجلة المجمع مج2 جـ12 ص354.(1/114)
وجاء في منشور المجمع للمجلات والمجامع حول تأسيس المجمع العلمي بدمشق: "تألف مجمعنا العلمي العربي في أوائل سنة 1919م من ثمانية أعضاء، وقد وكل إليه النظر في اللغة العربية وأوضاعها العصرية ونشر آدابها وإحياء مخطوطاتها، وتعريب ما ينقصها من كتب العلوم والصناعات والفنون عن اللغات الأوربية. وتأليف ما تحتاج إليه من الكتب المختلفة المواضيع على نمط جديد. وعني أيضاً بجمع الآثار القديمة من تماثيل وأدوات ونقود وكتابات وما شاكل ذلك ولا سيما ما كان منها عربياً. كما عني بجمع المخطوطات القديمة الشرقية والمطبوعات العربية والافرنجية على اختلاف موضوعاتها(1)...
" وقد ألف المجمع من أعضائه لجنتين: لجنة لغوية أدبية تبحث في لغة العرب وآدابها وطرق ترقيتها. ولجنة علمية فنية تبحث في توسيع دائرة العلوم والفنون في بلادنا السورية. وألف لجنة من الاخصائيين في معرفة الآثار(2)..."
ثم ألحق المجمع بالجامعة السورية بتاريخ 15 حزيران 1923 ثم فصل هو ودار الآثار عن الجامعة بقرار من المفوض السامي الفرنسي رقم 283 وتاريخ 15 آذار 1926. ثم صدر نظامه الداخلي رقم 571 تاريخ 12آب 1943 الذي حدد شخصية المجمع المعنوية واستقلاله المالي مع ارتباطه بوزارة المعارف. ثم صدر مرسوم تشريعي رقم 90 في 30 حزيران 1947 يعرف مهمته ويحدد صلاحياته وحقوقه وواجباته..
__________
(1) كرد علي /منشور المجمع للمجلات والمجامع/ مجلة المجمع مج1جـ1 ص6.
(2) م.ك /نشاة المجمع العلمي العربي/ مجلة المجمع مج1 جـ1 ص4-5.(1/115)
وهكذا مر المجمع بأدوار وتسميات متعددة كما رأينا، إلى أن جاء عهد الوحدة بين سورية ومصر وتأسيس الجمهورية العربية المتحدة، فصدر مرسوم رقم 1144 لسنة 1960 بانشاء مجمع اللغة العربية بالجمهورية العربية المتحدة، ومنذ ذلك التاريخ أصبح اسم المجمع (مجمع اللغة العربية بدمشق)(1).
1) أول أعمال المجمع:
لما تأسست الحكومة العربية، وتألفت دواوينها ومصالحها المختلفة، أحس رؤساء الدواوين وكتابها بشديد الحاجة إلى كلمات وأساليب ادارية عربية جديدة تخلف تلك الأخرى القديمة الأعجمية في مادتها وأسلوبها، وأحبوا أن ينتزعوا عن لغتهم التي اشتهرت باسم لغة الدواوين عجمتها وركاكتها، ثم يحلوها من الكلم والأساليب بما يكون في العروبة أعرق والفصاحة أعلق.
وقد استرعى اهتمامهم هذا إنشاء المجمع العلمي العربي، فأخذوا يرسلون إليه جرائد (قوائم) تتضمن ما يدور في معاملاتهم، وعلى أسلات أقلامهم من الكلمات والأساليب ويرغبون إلى المجمع في النظر فيها واستبدال غيرها بها.(2)
فوافى المجمع رغبتهم في هذا الاقتراح النافع، ونظر في كلمات وتعابير كثيرة وردت إليه من دوائر المعارف والشرطة والأوقاف والمجلس البلدي والصحة والمصرف الزراعي، فأبقى بعضها على حاله لصحته وعروبته وبدل بعضها كل التبديل، وعدل الآخر تعديلاً قليلاً أو كثيراً حتى اجتمع لديه من ذلك ما يحسن نشره في هذه المجلة وعرضه على رؤساء الدواوين ورجال الصحافة فيرون رأيهم فيه.
__________
(1) انظر الفتيح، أحمد /تاريخ المجمع العلمي العربي بدمشق/ 1دمشق 1956. والخطيب، عدنان/ المجمع العلمي في خمسين عاماً دمشق 1969. والحمزاوي، محمد رشاد/ مجمع اللغة العربية بدمشق تونس 1988.
(2) م.ك /اصلاح لغة الدواوين/ مجلة المجتمع مج1 جـ1 ص43.(1/116)
ولا يخفى أن مجرد وضع (المجمع) لهذه الكلمات لا يفيد الفائدة المرغوبة ما لم يتناولها الموما إليهم فيستعملوها في كتاباتهم ويزيلوا خشونتها أو غرابتها بواسطة التداول والتخاطب والتراسل بينهم وإذا استعمل أحدهم أحد هذه الأوضاع الجديدة، حسن أولاً أن يتبعه بأصله القديم، فيزيد بذلك وضوحاً وشيوعاً بين الناس.. ونحن على يقين من أن ما اخترناه للكتاب الأفاضل من هذه الأوضاع والتعابير الجديدة لم يكن خير ما يقال وأفضل ما يعول عليه، إذ قد يخطر لبعضهم كلمة أو تعبير خير مما وضعنا واخترنا. فله أن يستعمل ما ارتآه هو كما أن لغيره أن يستعمل ما ارتأيناه نحن فتحيا الكلمتان معاً أوإحداهما التي تكون أفصح وأصلح.(1).
ومضى المجمع على خطته التي وصفها، ينجز في كل جلسة عدداً غير قليل مما تحتاج إليه مصالح الحكومة من أوضاع وتراكيب. وقد طبع من أجل ذلك على نفقة ديوان المعارف سنة 1919 (رسالة لغوية في الرتب والألقاب وما يقابلها من العربي الفصيح مبنية على الرتب والألقاب في مصر) لأحمد تيمور. وقد أشار المجمع إلى ما كان يكلفه وضع المصطلحات من مراجعات في الكتب القديمة ثم مداولاتها فيها بقوله معددا أعماله في دوره الأول:
__________
(1) م.ك /اصلاح لغة الدواوين/ مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق مج1 جـ1 ص43.(1/117)
"ومنها -أي أعماله- البحث في عشرات من الألفاظ المتداولة في أكثر دوائر الحكومة وتقدير الفصيح منها اعتماداً على أمهات الكتب القديمة مما استغرق النظر فيها جلسات عديدة للمراجعة والمفاوضة والتحقيق"(1) ثم شمر المختصون في المجمع عن سواعدهم للنظر في عربية المصطلحات الضرورية لأجهزة الحكومة المختلفة في التعليم والجيش وبقية المصالح ، وسنرى أن أكثر المصطلحات المستعملة كانت تركية اللغة أو التركيب، وقد وضح المجمع نهج عمله في تصنيف المصطلحات وما يراه من خطة في تيسير تداولها، كما رأينا(2) ويقول في ذلك:
"وها نحن أولاء ننشر طائفة من تلك الكلمات التي عرضت علينا مقتصرين منها على ما فيه تبديل أو تعديل. أما ما أبقيناه على وضعه القديم فقد ضربنا صفحا عن نشره لعدم الحاجة إليه.
وبعض هذه الكلمات التي جددناها مقتبس من أوضاع الدول العربية القديمة كديوان الخراج وديوان العمائر مثلاً. وقد قسمنا هذه الكلمات إلى ثلاثة أقسام وخاتمة(3)
القسم ... الاول ... القسم ... الثاني ... القسم ... الثالث
كلمات عربت أو حولت عن أصلها ... كلمات عدلت بعض التعديل ... كلمات مختلفة
وضع قديم ... وضع جديد ... وضع قديم ... وضع جديد ... وضع قديم ... وضع جديد
1-النافعة ... ديوان العمائر ... -دائرة الداخلية ... دائرة الملكية ... -ماصة ... مكتب
2-الطابو ... ديوان التمليك ... -دائرة العدلية ... دار العدل ... -قاصة ... خزانة
3-الويركو ... ديوان الخراج ... -دائرة المالية ... قلم المال ... -قولتق ... متكأ
4-البوليس ... الشحنة أو الشرطة ... -دائرة الديوان ... شعبة الديون ... -باس باس ... ممسحة
5-معاون بوليس ... رفيق الشحني ... العمومية ... العامة ... -سونكر ... وقيعة
6-سرقو ميسير ... مفوض أول ... سفنجة
__________
(1) بعض أعمال المجمع / مجلة المجمع العلمي مج1 جـ 1 ص29. والأفغاني، سعيد حاضر اللغة العربية في الشام/ 61.
(2) الأفغاني، سعيد /حاضر اللغة العربية في الشام/ 70.
(3) م. ك /اصلاح لغة الدواوين/ مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق مج1 جـ1 ص44.(1/118)
7-سيفيل قوميسيري ... مفوض تحرى ... -دائرة انحصار الدخان ... شعبة حصر الدخان ... -دوسيه ... اضبارة أو ملف
8-سيفيل بوليس ... فارس شحني ... -القائمقام ... القيم
9-الهيئة الفنية لانشاءات الأوقاف ... لجنة العمائر في الأوقاف ... -دائرة التنظيم ... لجنة اصلاح الطرق ... -روزمانة ... تقويم
58-استانبه
10-دائرة الهندسة ... لجنة التخطيط ... -دائرة المواصلات ... لجنة النقل
11-المأمور الصحي ... الملقح أو المطعم ... -مأمور الاجراء ... المنفذ ... -زبل ... منبه
12-الدورية ... العسس ... -مأمور سجل ... مسجل ... -صوبا ... مدفأة(1)
13-نوبتجي ... آذن أو بواب ... العقارات ... العقارات
14-أوده جي ... فراش ... -مدير التحريرات ... مدير الرسائل
15-ذمت وايلشيلك ... الدين والعلاقة ... -كاتب المخابرات ... كاتب الرسائل
16-ايلشيلك جدولي ... جدول العلاقة ... -مأمور الأمانات ... حافظ الأمانات
17-قاصة دفتري ... دفتر الخزانة ... -مأمور السجن ... السجان
18-شيفرة جدولي ... جدول القلم السري ... -أمين الصندوق ... الخازن
19-نومرو ... رقم أو عدد ... -رئيس قسم العدلية ... رئيس القسم
20-دركنار ... حاشية ... في دائرة الشرطة ... العدلي
21-أيستاتستيق ... احصاء ... -مأمور إطفائية ... اطفائي
22-خراجراه ... نفقات السفر أو ترحيله ... -مقيد ... مدون
23-رابور ... تقرير ... -محضر خيال ... محضر فارس
24-بول ... طابع ... -محضر ماش ... محضر راجل
25-قوجان ... دفتر القسائم ... - دفتر مفردات القروض ... دفتر تفاريق القروض
- قوائم المزاد ... جرائد المزاد
- مفتاح الشفره الخارجي ... المفتاح الرقمي الخارجي
- أوراق مورودة ... الرسائل الواردة
- أوراق مرسولة ... الرسائل الصادرة
__________
(1) صلاح لغة الدواوين /مجلة المجمع العلمي العربي -مج1 جـ1 ص44-46. وينظر ما أقره المجمع في جلسته المنعقدة في 25 /1/1922- مجلة المجمع العلمي العربي مج2 جـ3 ص80-83 بعنوان (الوضع والتعريب) في المسميات التي طلبتها منه دائرة الشرطة.(1/119)
بهذه الكلمات ابتدأ المجمع العلمي العربي يعرب بعض أسماء دواوين الدولة العربية الجديدة ودوائرها وألقاب موظيفها الذين ورثوا وظائفهم وأسماءها القديمة عن الدولة العثمانية. وعلى الرغم من أن هذه الأسماء والمسميات ليست موضوع بحثنا، لأنها ليست من المصطلحات العلمية في شيء، ولا حتى من مصطلحات الحضارة الحديثة، فإننا أوردناها لنأخذ فكرة عن أعمال المجمع التعريبية في سنيه الأولى، ولندرك أنه لم يتناول في ذلك الوقت مصطلحاً علمياً واحداً بالوضع والترجمة.
فلدى قراءتنا واستعراضنا تلك الأسماء الجديدة التي وضعها المجمع عندنا طلب إليه ذلك من قبل دواوين الدولة ومؤسساتها، من التي عربت أو حولت عن أصلها، والتي عدّلت بعض التعديل، ونلاحظ أن كثيراً من هذه التسميات الجديدة التي اختارها المجمع ليست أفضل من التسميات القديمة ولا أكثر دلالة منها على المدلول. بل يمكن القول إن كثيراً من هذه التسميات التي يظن أنها أصح من سابقاتها، قد ماتت واندثرت ولم يعد لها وجود في دواوين الدولة ومؤسساتها، لأن الناس ما ألفوا استعمالها بل استثقلوه.
فكلمة (النافعة) وهي عربية الأصل قد استبدلت بجملة (ديوان العمائر) التي لم تستعمل وبقيت حبيسة في مكانها، علماً بأن كلمة النافعة بقيت مستعملة لفترة طويلة إلى أن استبدلت بجملة (الأشغال العامة) و(المواصلات). كما استبدلت كلمة (الدورية) التي ما زالت مستعملة حتى اليوم بكلمة (العسس) التي بقيت في مكانها كذلك دون استعمال، وذلك لأن مدلول الدورية هو غير مدلول العسس.(1/120)
واستبدلت جملة (الهيئة الفنية لإنشاءات الأوقاف) بجملة (لجنة العمائر في الأوقاف) ولا ندري أي هاتين الجملتين أكثر دلالة على نوع العمل الذي تقوم به هذه الدائرة. لا شك أن الأولى أقرب إلى التعبير عن نوع العمل المسند إليها من الثانية والدليل أنها ما تزال تستعمل حتى اليوم. ومثل ذلك كثير لسنا في مجال حصره ورصده، كما أنه ليس من مهمة البحث أن يناقش صلاحية هذه الأسماء أو تلك، أو أن يؤرخ للمجمع العلمي العربي، بل ما يهم البحث هو ما قدمه المجمع العلمي في مجال المصطلحات العلمية من جهود واضحة سواء أكان ذلك عن طريق مجلته أم عن طريق المصطلحات العلمية من جهود واضحة سواء أكان ذلك عن طريق مجلته أم عن طريق مؤتمراته وندواته، أم عن طريق مشاريعه المعجمية المصطلحية العلمية المتخصصة.
2) تشريح الدراجة للأستاذ عز الدين التنوخي:
وبعد خمسة عشر عاماً من اطلاق المجمع العلمي العربي تلك المسميات الجديدة على دواوين الدولة وموظفيها، يطالعنا أستاذنا أبو قيس عز الدين التنوخي سنة 1935 بمقالة (تشريح الدراجة) التي تكاد تكون أول محاولة لعضو من أعضاء المجمع لطرق باب المصطلح العلمي والفني، على الرغم من تأخرها كثيراً عن تشريح القطار والسيارة اللذين سبقا الدراجة بزمن ليس بالقليل. علماً أن رياح التغيير والتقدم العلمي كانت عاصفة شديدة لاترحم من يقف أمامها، وتمطر الناس كل يوم بوابل من المصطلحات العلمية والفنية الجديدة، فضلاً عن مصطلحات الحضارة الوافدة التي بدأت تغزو حياة الناس وعقولهم غزواً كبيراً.
قال التنوخي: "وها نحن أولاء ننشر على سبيل الاقتراح تشريح الدراجة ليبدى القراء آراءهم فيها.. الخ:
1-البدن: Le cadre
2-الدولاب الموجه: La roue directrice
3-الدولاب المحرك: La roue motrice
4-الفراش الكبير: Legrand pignon
5- الفراش الصغير ( فراش الحركة) - lepetit pignon
6-السلسلة: La chaine(1/121)
7-الركاب (أو المدوس أو الدواسة أو الزند) La pedaie
8-الموجه: (أو المقوم أو المدور أو المقبض) La poignée
9-السرج: La selle
10-الملقط: La foucghe
11-الأسياخ: (أو الأصابع أو الأشعة) Les rayone
12-الاطار: La jante 13-المطاط البراني L´enveloppe
14-السدادة: (أو الصمام) La valve 15-المكبح: Le frein.. الخ
وهناك أيضاً أدوات فرعية كالمصباح والمولد (الدينامو) و(رف الدولاب) و(كيس العدة) وأشباهها مما يسهل تسميته على المعلم والمتعلم"(1)
3) نقد وتعليق:
يبدو أن الأستاذ التنوخي قد ترجم أجزاء الدراجة عن الفرنسية ترجمة حرفية فعندما ترجم جملة (Le roue direction) بالدولاب الموجه و(La roue motrice) بالدولاب المحرك قد باعد ما بينه وبين الاستعمال اليومي لهذه الأشياء من قبل الناس الذين يسمون الأول: (الدولاب الأمامي) أو (القدامي) والثاني: (الدولاب الخلفي) أو (الورائي) وهما تسميتان عربيتان فصيحتان لا غبار عليهما، ويسهل استعمالهما، ويدلان على الشيء المترجم دلالة صحيحة.
وعندما ترجم جملة (Le grand pignon) بالفراش الكبير و(le petit pignon) بالفراش الصغير قد باعد كذلك في تسميته هذه عن الاستعمال اليومي الصحيح المقبول من قبل الناس. فلو ترجم الأول بالسنين الكبير، والثاني بالسنين الصغير لكان ذلك أولى وأقرب في دلالة اللفظ على المدلول. وقد سبق العثمانيون إلى ذلك فسموه بلغتهم التركية (ديجلي) أي مسنن.
ثم نجد الأستاذ التنوخي يطلق عدة ترجمات للمعنى الواحد، وذلك عندما ترجم كلمة (Le pédale ) بـ(الركاب) ثم قال: أو (المدوس) أو (الدواسة) أو (الزند) فهذه أربع ترجمات لمعنى واحد دلتنا على أن المترجم غير مستقر على معنى، فأورد هذه الأربعة ليختار منها الشخص ما يحلو له. وهذا بلا شك يوجد مشكلة تعدد المصطلح الواحد الذي يوقع في الالتباس.
__________
(1) التنوخي: عز الدين /تشريح الدراجة/ مجلة المجمع العلمي العربي، مج13 جـ12 ص363-1935.(1/122)
وأظن أن الناس الذين استعملوا الدراجة عندما أطلقوا على هذه الأداة (الدواسة) أصابوا كبد الحقيقة في تسميتهم هذه، وذلك لأنها تدل على اسم الآلة على وزن فعالة، أما كلمة (الزند) فلا أراها مناسبة هنا. ويقول الأستاذ الأفغاني: "ويظهر أن الأستاذ التنوخي عندما عهد إليه بأمانة سر المجمع العلمي العربي بدأت الحياة تسرى في جهازه حين نزل بعدته إلى حياة الناس وشرع يلبي حاجاته، فوضع للدراجة bicyclette، وللنساخة (الآلة الكاتبة) جميع ما تحتاجان من مصطلحات: إذ صور أجزاءهما ثم وضع اسماً سهلاً أليفاً لكل جزء يوحي بعمله، ونشر ذلك على الناس دفعة واحدة، وروج مصطلحاته المدرسون في المدارس ومعلموا الضرب على النساخة ثم حال دون استمرار النشاط الغاء المجمع العلمي ثانية، ثم أعاده الفرنسيون بشكل آخر. وليت السنوات العشرين (1937-1957) التي عاشها المجمع بعد ذلك انجلت عن بعض ماقدمه الأستاذ التنوخي في أشهره القلائل.(1).
4) مجلة المجمع العلمي العربي ودورها في وضع المصطلح العلمي:
وللمجمع مجلة معروفة، كانت تصدر في كل شهر، ثم أصبحت تصدر كل ثلاثة أشهر. وينشر فيها أعضاء المجمع وغيرهم بحوثاً لغوية وأدبية في جميع أغراض المجمع ومنها مواضيع اللغة والمصطلحات العلمية(2).
وقد بينت افتتاحية الجزء الأول من المجلة الذي صدر في شهر كانون الثاني 1921م خطة المجلة وهدفها والغرض من إصدارها بقولها:
__________
(1) الأفغاني، سعيد/ حاضر اللغة العربية في الشام/ 101-102.
(2) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية ص63.(1/123)
"جرت عادة المجامع العلمية في البلاد المتمدنة أن يكون لها مجلات خاصة بها. تصدر في أوقات معينة، ينشر فيها ما يكتبه أعضاؤها ومراسلوها في مواضيع العلوم والفنون المختلفة وما يلقى في المجمع من المحاضرات على الجمهور من وقت إلى آخر وما يتجدد في عالم العلم من الآراء والأفكار وضروب الاكتشاف والاختراع وخلاصة الأعمال التي قام بها المجمع، أو هو في صدد القيام بها، وغير ذلك من الأخبار والشؤون التي تلتحم بخطته، ولا تخرج عن حدود وظيفته.. أما الأبواب أو الأقسام التي يتركب منها كيان هذه المجلة فهي أربعة:
الأول: في المقالات والمحاضرات ذات الموضوعات العلمية والفنية.
الثاني: في المراسلات التي ترد إلى إدارة المجلة من المراسلين والعلماء ولا تقبل ما لم تكن من موضوعات المجلة.
الثالث: في الأخبار والشؤون العلمية عامة.
الرابع: في أعمال المجمع ومساعيه الداخلية الخاصة به(1).
وينقد المجمع في مجلته الكتب التي تصدر وتهدى إليه. وينبه إلى أغلاطها اللغوية، وكثيراً ما تسأله الأدارات الحكومية عن أسماء عربية تقابل أسماء افرنجية، فيحيل الطلب إلى أعضائه للبحث ولتهيئة الجواب.
ثم إن المجمع لا يقر الألفاظ العلمية التي يضعها أو يحققها أعضاؤه أو غير أعضائه مما ينشر في مجلته. وهذه الألفاظ على وجاهة الكثير منها، لا تعبر إلا عن رأي أصحابها، لأن المجمع لا يجيز لفسه اقرارها والتشبث بها، بل يرى أن ذلك إنما هو من حق مجمع لغوي يشترك فيه ممثلون للبلاد العربية كمجمع مصر للغة العربية مثلاً، إذا أريد أن يكون مجمعاً للأمة العربية(2)+(3)
__________
(1) كرد علي، محمد/فاتحة المقال/ مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق / مج1 جـ1. ص1/1921.
(3) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية ص64-63.(1/124)
ومن الذين نشروا فيها مصطلحات وضعوها وألفاظاً حققوها: الدكتور أمين المعلوف في البنات وأسماء النجوم، والدكتور جميل الخاني في علم الطبيعة والدكتور داود الشلبي في الجواهر والدكتور مرشد خاطر والدكتور حسنى سبح في الطب والدكتور صلاح الدين الكواكبي في الكيمياء، والأب أنسطاس ماري الكرملي في موضوعات مختلفة، ومصطفى الشهابي في علوم الزراعة والمواليد الثلاثة ومصطلحاتها، وقد زاد ما نشره في المجلة حتى آخر سنة 1964 على خمسين دراسة(1).
وإذا كان يوجد هناك مصطلحات علمية وردت في بعض المقالات التي نشرت في مجلة المجمع، فإنما يعود الفضل فيها إلى بعض الباحثين من أساتذة المعهد الطبي العربي، سواء كانوا من أعضائه أم من غير أعضائه، والذين كانوا يتخذون من مجلته منبراً لنشر أبحاثهم والتعريف بمصطلحاتها العلمية، وذلك فضلاً عما ألفوه من كتب لتلاميذهم في المعهد، وعما كانوا ينشرونه كذلك في مجلة المعهد الطبي العربي من بحوث طبية متخصصة يذيلونها بترجمة للمصطلحات العلمية لهذه البحوث، أمثال الأساتذة مرشد خاطر وأحمد حمدي الخياط وجميل الخاني ومحمد صلاح الدين الكواكبي وحسني سبح وغيرهم.
يقول الأستاذ خليل مردم رئيس المجمع العلمي العربي في هذا الشأن: "ومع ذلك فقد بذل بعض أعضاء مجمعنا بحكم طبيعة عملهم في مختلف فروع الجامعة جهوداً مشكورة، فوضعوا مصطلحات حديثة كثيرة أودعوها مؤلفاتهم في الطب والصيدلة والعلوم والفلسفة والزراعة والفنون والتشريح والاقتصاد والاجتماع يصلح أكثرها أن يكون نواة لمعجم المستقبل"(2).
__________
(1) خليفة، عبد الكريم/ التعريب ودوره في تدعيم الوجود العربي/ 132.
(2) نشاط المجامع/ مجلة المجمع العلمي العربي مج32 جـ1 ص75-1957.(1/125)
فمجمع اللغة العربية بدمشق، على الرغم من قلة جهوده المصطلحية، فقد خدم أعضاؤه التعريب بمفهومه العام بشكل فردي في مؤلفاتهم الجامعية، لا لأنهم انطلقوا من مقررات مجمعية، بل لشعورهم الوطني والقومي بضرورة تطبيق التعريب في التعليم العالي ليكون عملياً لا نظرياً، وقد كان بالفعل كذلك.
وقال الأستاذ خليل مردم رئيس المجمع: "وقد حاول مجمعنا معالجة مشكلة وضع المصطلحات العلمية وتوحيدها، ولم يأل جهداً في الاتصال ببعض العلماء خارج سورية للتعاون معهم في البحث عن المصطلحات والاتفاق على شكلها، واستقر رأيه على ضرورة وضع معجم لغوي جامع، حديث في ترتيبه وسعة مادته واستجابته لمطالب العصر، وقامت في ذلك مناقشات طويلة حول هذا الموضوع وصعوبة تحقيقه، وأنه لا يكون وافياً بنجاحه مالم تتعاون في وضعه الأقطار العربية، لاختلاف الكلمات المولدة باختلاف الأقطار، وما لم يحشد العرب جميع إمكانياتهم لتوحيد المصطلحات وإلا وقعت البلاد في البلبلة"(1)
5) فهارس المصطلحات الواردة في مجلة المجمع:
لقد وضع الأستاذ عمر رضا كحالة عام 1956 الجزء الأول من فهرس مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق في السنوات العشر الأولى تناول فيه البحوث وأسماء الأشخاص وأسماء الأماكن الخ، وقد قسمه إلى ثمانية أقسام، خصص القسم الثالث منها للألفاظ التي وضعها المجمع أو عربها، ووافق عليها في جلساته، وهي الألفاظ الادارية التي مر ذكرها في بحثنا هذا وناقشناها في حينه.
__________
(1) نشاط المجامع اللغوية/ مجلة المجمع العلمي العربي مج32 جـ1 ص75-1957.(1/126)
ثم أصدر المجمع العلمي عام 1972 كتاباً وضعه الأستاذ عمر رضا كحالة يتضمن الألفاظ المعربة والموضوعة الواردة في السنوات العشر الرابعة من مجلة المجمع العلمي العربي بـ 276 صفحة احتوت على ما يقرب من 5000 خمسة آلاف مصطلح علمي تقريباً مرتبة حسب حروف المعجم، كانت مبثوثة بين ثنايا الأبحاث والمناقشات التي احتوت عليها المجلة خلال المدة المحصورة بين سنتي 1956و1965 من سني المجلة وقال في مقدمته الموجزة:
"هذا معجم صغير للألفاظ المعربة والموضوعة، التي وردت في السنوات العشر الرابعة من مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق. وقد جمعت هذه الألفاظ ورتبتها على حروف المعجم، وأثبت في ذيلها رقمي المجلد والصفحة من المجلة ليرجع إليها الباحث.
وذكرت عند عدم جزم الباحث باللفظة المعربة أو الموضوعة، الألفاظ الأخرى المقترحة للكلمة الأجنبية.
واتماماً للفائدة ألحقت بهذا المعجم، فهرساً للألفاظ الأجنبية الواردة في السنوات العشر الرابعة من المجلة وذكرت بجانبها أرقام الصفحات الواردة في المعجم المذكور.(1).
ولكن الأستاذ الدكتور حسني سبح راجع هذه المصطلحات التي جمعها الأستاذ كحالة فوجد فيها بعض أخطاء علمية ومطبعية تقارب الـ 270 فصححها، ثم صنف هذه المصطلحات إلى أربعة أصناف وعزا كل صنف منها إلى الجهة التي وضعته أو اقترحته، لأن أكثر المصطلحات لم يكن موضع اتفاق لتعدد المعربين واختلاف الواضعين فقال:
__________
(1) كحالة، عمر/ الألفاظ المعربة والموضوعة الواردة في السنوات العشر الرابعة/ ص ج المقدمة.(1/127)
"اطلعت على هذا الجزء من فهرس الألفاظ المعربة والموضوعية التي نشرت في مجلة مجمعنا خلال السنوات العشر الرابعة (1956-1965) فحمدت للأستاذ عمر كحالة عمله، ولكن وجدت الكثير من الأخطار المطبعية التي تحجب فائدته وتشوه وجهه فحرصت لذلك على تتبعها ماوسعني الجهد، وسقتها في هذه الصفحات حرصاً مني على الدقة التي لا بد منها في مثل هذا العمل(1).
"إن أكثر الألفاظ في هذا الفهرس تدور في نطاق الألفاظ الزراعية والفلسفية والطبية. فالألفاظ الزراعية هي من وضع المرحوم الأستاذ مصطفى الشهابي، والألفاظ الفلسفية وضعها الزميل الدكتور جميل صليبا، وكلا هذين النوعين لم يكن له ألفاظ أخرى تنازعه أو تعارضه إلا فيما ندر.
وأما الألفاظ الطبية، فإن أكثرها لم يكن موضع اتفاق لتعدد المعربين واختلاف الواضعين. ولذلك يجد الباحث صيغاً عربية متعددة للفظ الأجنبي الواحد، مما يورثه شيئاً من الارتباك حين يحاول أن يفيد من هذا الفهرس، وذلك لأن الألفاظ الطبية فيه قد تعاقب عليها اقتراحات صدرت عن فئات أربع: مجمع اللغة العربية في القاهرة، واللجنة الطبية التي تولت تعريب معجم (كليرفيل) الكثير اللغات (وهي لجنة مؤلفة من الأساتذة: مرشد خاطر، وأحمد حمدي الخياط، ومحمد صلاح الدين الكواكبي)، والدكتور محمد صلاح الدين الكواكبي وحده، ثم كاتب هذه السطور الدكتور حسني سبح.
ولهذا رأيت استتماما للعمل وتبياناً لواضعي هذه المصطلحات، أن أتبع جدول التصويبات بقوائم هجائية تشتمل على ما اقترحته كل فئة من الفئات الأربع المذكورة من ألفاظ معربة أو موضوعة...(2)
__________
(1) المرجع السابق نفسه /تصويبات وملاحظات للدكتور حسني سبح /279.
(2) كحالة، عمر /المرجع السابق نفسه/ تصويبات وملاحظات الدكتور حسني سبح/ 229.(1/128)
ثم تقصى الأستاذ الدكتور حسني سبح بصبر العالم وأناة الباحث صفحات هذا المعجم صفحة صفحة محققاً ومصححاً، حتى ولو لم يكن المجمع العلمي العربي مسؤولاً عن هذه المصطلحات- بادئاً بالصفحة الثانية والعمود الأول والسطر الأول بكلمة (escretion) التي صوابها (excretion) ومعناها إبراز والتي وردت بالمجلد 40/469 من مجلة المجمع العلمي ومنتهياً بالصفحة 277 وبالعمود الثاني والسطر الثالث بكلمة (ينبع) التي صوابها (ينيع).
وهذا التوزيع أو التصنيف الذي قام الأستاذ حسني سبح وقسمه إلى أربع فئات من المعربين أو الواضعين لا يقل صعوبة وأهمية عن أعداد هذا المعجم نفسه، إن لم يكن أصعب منه وأهم، لأنه يعزو كل مصطلح ورد فيه إلى الجهة التي أعدته، وهذا أمر يحتاج إلى خبرة ودراية في المصطلحات الطبية، وما ذلك بمستغرب عنه فقد رأيناه كيف أجهد جسمه وعقله وقلمه في نقد معجم (كليرفيل) السابق ذكره على مدى اثنين وعشرين عاماً دون كلال، ولا ملال، حتى بلغت صفحات هذا النقد الألف.
فكل مصطلح عربي من هذه المصطلحات الواردة في هذا الفهرس يقابله مصطلح أجنبي يرادفه فمثلاً الجملة التي ترجمها مجمع اللغة العربية بالقاهرة لكلمة (centripéte) الفرنسية هي (جاذبة إلى المركز) كانت من وضعه هو لا من وضع غيره. ومثلها كلمة (جبذان) التي ترجمتها لجنة معجم كليرفيل لكلمة (centripéte) الفرنسية كذلك، أما الكواكبي فقد تفرد بترجمة هذه الجملة الفرنسية Maladie des montagnes الدالة على مرض معين إلى كلمة (جُبال) العربية. أما الدكتور حسني سبح فقد تفرد بترجمة (Sanie gangréneuse) الفرنسية إلى (جايئة غنفرينية) وهكذا بقية الكلمات التي خصت كل فئة من الفئات الأربع(1)
__________
(1) وهي: 1-مجمع اللغة العربية بالقاهرة 2-معجم كليرفيل -3- الدكتور الكواكبي 4-الدكتور حسني سبح.(1/129)
"فالجهود الفردية التي بذلها أساتذة المعهد الطبي العربي خلال العقود الأولى من تأسيسه رفعت من كفايتهم اللغوية ليصبحوا أعضاء عاملين في المجمع العلمي العربي.. وكان انضمامهم تحت لواء المجمع وتفاعلهم مع لجانه اللغوية المتخصصة دفع بمهمة صياغة المصطلح العلمي إلى الأمام أشواطاً كبيرة لم يكن للمصطلح أن يبلغها لو كان أعضاء المجمع من اللغويين فقط، أو من العلماء فقط"(1).
وكنت أتوقع أن أجد في كتب (مجمع اللغة العربية بدمشق) للدكتور محمد رشاد الحمزاوي ما يفيد بحثنا ويغنيه فيما يخص جهود المجمع في وضع المصطلحات العلمية، لكنني -مع الأسف- لم أجد من ذلك شيئاً، إلا ما كان من بعض المصطلحات التي نقلها المؤلف من كتاب (الألفاظ المعربة والموضوعة) الواردة في بعض أعداد مجلة المجمع للأستاذ عمر كحالة والتي أراد الحمزاوي أن يتخذ من بعضها أمثلة على القواعد التي اعتمدها أعضاء المجمع وغيرهم في وضع المصطلحات في مؤلفاتهم العلمية، هذه القواعد التي تعني المجاز أو الاشتقاق أو النحت أو التعريب، ثم أن الحمزاوي يقر بأن هذه المصطلحات لم تكن من وضع المجمع ولا هو مسؤول عنها، بل كانت من وضع أعضائه مثل الشيخ عبد القادر المغربي والأمير مصطفى الشهابي والدكتور جميل صليبا والأب أنستاس ماري الكرملي وغيرهم.(2)
لكن مثل هذه الأمور لا أراها تنقص من قيمة المجمع اللغوية أو تحط من قدره "فقد كان هذا المجمع العظيم وما يزال يمثل يقظة الشعور القومي اللغوي في بلاد الشام والعالم العربي. وكان انشاؤه بمثابة الدعم الفكري اللغوي الذي عمل على وقف ذلك الغزو الأعجمي وحماية العربية منه".(3).
(((
(
__________
(1) فيصل، شكري /منعطف جديد في الحركة اللغوية العربية/ مجلة المعرفة بدمشق، العدد 202 السنة 10/1978.
(2) انظر: الحمزاوي/ محمد رشاد/ مجمع اللغة العربية بدمشق/ 50-64.
(3) الصيادي، محمد المنجي/ التعريب وتنسيقه في الوطن العربي/ 223.(1/130)
الفصل الثاني )
مجمع اللغة العربية في القاهرة
1. التمهيد: لمحة عن تاريخ إنشاء المجامع العلمية اللغوية في مصر
2. مجمع اللغة العربية.
3. منهجية المجمع في قبول المصطلحات العلمية
4. صوغ المصطلح العلمي
5. من قرارات المجمع في أقيسة اللغة و أوضاعها
6. من قرارات المجمع في الترجمة.
7. من قرارات المجمع في التعريب.
8. من قرارات المجمع في وضع المصطلحات العلمية
9. تعليق وتعقيب على تلك القرارات
10. التوصيات الخاصة بوضع المصطلحات العلمية
11. المجمع وتوحيد المصطلحات العلمية العربية
12. جهود المجمع في نشر مجموعات المصطلحات العلمية والفنية.
1) التمهيد:
لمحة عن تاريخ إنشاء المجامع العلمية اللغوية في مصر:
كان السيد عبد الله النديم أول من دعا -بطريق النشر- إلى فكرة إنشاء المجمع اللغوي، فاقترح ذلك في صحيفة (التنكيت والتبكيت) التي كان يصدرها في الاسكندرية عام 1298هـ/1881م، فأخذت الفكرة في الاختمار من ذلك العهد. وفي حدود سنة 1306هـ/1888م تناقلت الأفواه خبر سعي جماعة من العلماء في تأليف مجمع لغوي برئاسة عبد الله فكري.(1/131)
ثم سعى السيد توفيق البكري في تأليف مجمع سنة 1309هـ، فتم له تأليفه برئاسته. ويرى توفيق حبيب أن ذلك كان على أثر دعوة ويلككس إلى الكتابة باللغة العامية.. وكان عمر هذا المجمع قصيراً، فإنه عقد سبع جلسات فقط.. والألفاظ التي وضعها هذا المجمع وأقرها عشرون لفظة: عشر منها من وضع رئيسه السيد توفيق البكري وهي: مرحى لكلمة برافو bravo، وبرحى لكلمة في fi، ومدرة لكلمة أفوكاتو avocat والمسرة لكلمة تلفون téléphone وعم صباحاً لكلمة بونجور bonjour وعم مساء لكلمة بونسوار bonsoir، والبهو لكلمة صالون salon، والقفاز لكلمة جوانتي gant ، والنمرة لكلمة نومرو numero، والوشاح لكلمة كردون cordon، وعشر من وضع السيد محمد المويلحي وهي: الطنف لكلمة بلكون balcon والحراقة لسفينة التوربيد fort torpille والجديلة (الجديدة) لكلمة مودة mode، وبطاقات الزيارة لكلمة كارت فيزيت carte visit، والمرب لكلمة كلوب club، والحذاقة لشهادة الدراسة كالبكلوريا، والعاطف والمعطف للبالطو أو البارديسو pardessue، والشرطي والجلواز والتؤتور لرجل البوليس والمشجب للشماعة portemanteau. وحُصِب الطريق بالحصاء لجملة (وضع المكدام في الطريق).
وقد انتقد السيد عبد الله النديم هذه الكلمات في مجلته (الأستاذ) فاختار بخ لبرافو والنادي للكلوب النهاري والسامر للكلوب الليلي، والنمط والطراز للمودة، ولم يذكر للتوربيد مرادفا، ووافق على سائرها.
وانتقدها أيضاً صاحب (الهلال) فاستحسن من العشر الأوائل ثماني وخالف في اثنتين: فاختار المحامي للأفاكاتو، والرقم للنومرو. واستحسن من الثانية ستاً وخالف في أربع النادي للكلوب، والزي للمودة، والشرفة للبلكون، ولم يذكر للتوربيد مرادفاً. كما انتقدها ابراهيم اليازجي في مجلة (البيان)..(1/132)
ثم أنشئ في القاهرة نادي دار العلوم برئاسة محمد حفني ناصف سنة 1325هـ/1907م وخص بعض جلساته للبحث فيما يتبع في وضع الألفاظ، فكانت نتيجة مباحثه أن قرر ما يأتي: "يبحث في اللغة العربية عن أسماء للمسميات الحديثة بأي طريق من الطرق الجائزة لغة، فإذا لم يتيسر ذلك بعد البحث الشديد يستعار اللفظ الأعجمي بعد صقله ووضعه على مناهج اللغة العربية، ويستعمل في اللغة الفصحى بعد أن يعتمده المجمع اللغوي الذي سيؤلف لهذا الغرض". ثم طرأ فتور على أعمال النادي(1).. وكان مما عربه المجمع سنة 1910: الاستئمار: استمارة- دوسيه: ملف- سينما توغراف: خياله- فونوغراف: الحاكي- بوفيه: مقصف- تلغراف: برق- دبلوم: شهادة علمية- عفارم: مرحى- بنطلون: سرواله- ناموسية: كله(2).. ثم بادر لطفي السيد عندما تولى إدارة (دار الكتب) عام 1917 إلى إنشاء مجمع لغوي يضم عدداً من الشيوخ والعلماء المصريين إلى جانب عدد من شيوخ العربية في العراق والشام، إلى جانب علماء يلمون باللغات السامية، وقد سمي هذا المجمع (مجمع دار الكتب) وكان شيخ الأزهر رئيساً له، فدام أكثر من سنتين قبل أن يتشتت شمله عام 1919.(3).
وقبيل إنشاء المجمع اللغوي بالقاهرة، كتب رئيس تحرير مجلة (المقتطف) مقالاً بعنوان "المجمع اللغوي المصري وتأسيسه" قال فيه:
__________
(1) الخطيب، محب الدين/ مجلة المقتطف مج82 جـ3 ص293-295.
(2) رضا، الشيخ أحمد/ مقدمة معجم متن اللغة ص122-132.
(3) مدكور، ابراهيم /مجمع القاهرة/ مجلة الفيصل العدد-1 السنة 1 ص18 حزيران 1977.(1/133)
"... وأول عمل يباشره هذا المجمع هو إقرار النهج الذي ينهجه في نقل المصطلحات المستحدثة في فروع المعرفة وأبواب العمران على اختلافها. وليس لنا أن نتكهن بذلك قبل اقراره. ولكننا نرى أن القواعد العامة التي وضعها منشئ هذه المجلة المرحوم الدكتور صروف في مقالته" أسلوبنا في الترجمة والتعريب" المنشورة في مقتطف مايو 1927، وهي قريبة من المذكرة التي رفعها المجمع اللغوي الذي أنشئ في أثناء الحرب الكبرى، وظل يوالي اجتماعاته في دار الكتب المصرية إلى سنة 1919 وأقرها ذلك المجمع بعد مناقشة دامت مدة سنة، والقواعد التي يشير إليها الأستاذ أنيس المقدسي أستاذ الأدب العربي في جامعة بيروت الأميركية في مقالة المنشور في صفحة 270 وما يليها من هذا الجزء. والمبادئ التي سار عليها الدكتور محمد شرف في وضع معجمه العلمي، الانكليزي العربي، هي الأصول التي ينتظر أن يتخذها المجمع أساساً للنهج الذي يقره(1)..."
ولكن الكاتب أراد أن يكون المجمع اللغوي مجمعاً مصرياً بحتاً، دون أن يشارك في أعماله أعضاء وعلماء من البلاد العربية الأخرى، كما هو حال المجمع اليوم فقال:
__________
(1) المجمع اللغوي المصري وتأسيسه/ المقتطف (التحرير) مج74 جـ3 ص297/298/1929.(1/134)
"ولما كان إنشاء المجمع من أعمال الحكومة المصرية، فإننا لا نرى سبيلاً إلى اشتراك علماء سورية والعراق والمغرب في أعماله اشتراكاً فعلياً لأسباب كثيرة، أهمها: تعذر حضورهم كل جلسات المجمع وتحملهم تبعة قراراته لأن "المجمع -كما قلنا- ينتظر أن يكون مصلحة دائمة من مصالح الحكومة المصرية، فلا بد أن تكون اجتماعاته متوالية، وقد لا يخلو اجتماع منها من قرار لغوي خطير. وإذا قيل لا بد من الاشتراك في وضع المصطلحات المستحدثة حتى تعم كل الأقطار العربية، قلنا أن ذلك متعذر، وأفضل منه أن يترك المجمع المصري يضع المصطلحات كما يرى وضعها، فإذا كانت صالحة للبقاء. وإذا كان الكتاب الذين تنجبهم الأمة المصرية والنازلين بين ظهرانيها أعلاماً بين الكتاب، وصحفها زعيمة بين الصحف العربية، سارت مصطلحات المجمع المصري في مشارف الأرض ومغاربها، وقبسها أهل الشام وفلسطين والعراق والحجاز واليمن والمغرب الأقصى والمهاجر الأميركية وسواها، وكذلك كان تنازع البقاء من قبل وما يزال..
ولما كان المجمع مصرياً فالمرجح بل المؤكد أن تستعمل كل المصطلحات التي يقرها في المدارس والصحف المصرية ونشرات الحكومة، فتكون هذه المنشآت سبيل المجمع لنشر مقرراته بين أبناء الضاد.
وهذا الاستقلال بانشاء المجمع اللغوي المصري لا يعني عدم تعاون أعضائه مع علماء البلدان العربية وأساتيذ المعاهد العلمية على اختيار أصح الألفاظ وأقرب الأوضاع إلى أساليب العرب، وخصوصاً علماء البلدان التي شاعت فيها قديماً اللغات السامية المختلفة، وهي تمت بصلة القربى إلى العربية فتصح استعارة بعض الألفاظ أو الأصول اللغوية منها لتعريب بعض الأوضاع العلمية الحديثة، كما استعيرت الأصول اليونانية واللاتينية في تكوين اللغة العلمية الشائعة في أكثر لغات الفرنجة"(1).
2) مجمع اللغة العربية:
__________
(1) المجمع اللغوي المصري وتأسيسه/ المقتطف (التحرير) مج74 جـ3 ص297/298. 1929(1/135)
"وفي سنة 1932م صدر مرسوم بإنشاء مجمع اللغة العربية الملكي الذي جاء في المادة الثانية من مرسوم إنشائه أن أغراضه هي:
آ-أن يحافظ على سلامة اللغة العربية، وأن يجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون في تقدمها، ملائمة على العموم لحاجات الحياة في العصر الحاضر، وذلك بأن يحدد في معاجم، أو تفاسير خاصة، أو بغير ذلك من الطرق، ما ينبغي استعماله أو تجنبه من الألفاظ والتراكيب.
ب-أن يقوم بوضع معجم تاريخي للغة العربية، وأن ينشر أبحاثاً دقيقة في تاريخ بعض الكلمات، وتغير مدلولها.
ج-أن ينظم دراسة علمية للهجات العربية الحديثة بمصر وغيرها من البلاد العربية.
د-أن يبحث كل ماله شأن في تقدم اللغة العربية، مما يعهد إليه فيه، بقرار من وزير المعارف.
وقضى المرسوم المشار إليه في مادته الثالثة أن:
يصدر المجمع مجلة، تنشر فيما تنشر، أبحاثه التاريخية، قوائم الألفاظ والتراكيب التي يرى استعمالها أو تجنبها، وتتقبل مناقشات الجمهور واقتراحاته"(1).
ثم صار اسمه (مجمع فؤاد الأول للغة العربية) بموجب المرسوم الملكي الصادر سنة 1940.
وأخيراً أصبح اسمه (مجمع اللغة العربية) بموجب القانون رقم 434 لسنة 1955 بعد الثورة المصرية. وكانت قد صدرت هذه المراسيم والقرارات وغيرها في زيادة عدد أعضائه وتوزيعهم توزيعاً جديداً دون التعرض إلى أغراضه وأهدافه، إلا ما كان في القرار الجمهوري رقم 1144 لسنة 1960 أثناء الوحدة بين مصر وسورية، والقاضي بتوحيد المجمعين في دمشق والقاهرة باسم (مجمع اللغة العربية) فقد جاءت المادة الثانية التي تبين أغراضه ووسائله أكثر اختصاراً وتركيزاً مما سبقها، مضيفة صيغة جديدة للفقرة(ب) التي نصت على: توحيد المصطلحات في اللغة العربية.(2)
__________
(1) مجلة مجمع اللغة العربية الملكي/ ج1 ص6.
(2) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- الملحقات/ 128.(1/136)
إلا أن هذا المجمع قد سار في سنيه الأولى على النهج نفسه الذي سلكته المجامع السابقة من الاهتمام بتعريب ألفاظ الحضارة دون التعرض للمصطلحات العلمية. وقد بلغ ما أخرجه نحو 246 كلمة عربية الأصل والاشتقاق عاش منها الكثير حتى يومنا هذا، واندثر بعضها الآخر لعدم تقبلها وها هي بعض نماذج منها فيما يخص البيوت وما فيها:
"الصرح: gratteciel- الطبقة: étage -الشقة: appartement- البهو: salon- الردهة: sale - الثوى chambre d´hشte -المثوى: pension- السرداب: son- seul -أنابيب المياه: tuyaux -المدفأة: poéle - الموقد: foyer- الدهليز: vestibule- المصعد: ascenseur- الطابق:grandes briques، وهو الآجر الكبير"(1).
ولاحظنا مما تقدم أن المجامع اللغوية العلمية كافة قد انصرفت إلى الاهتمام بتعريب ألفاظ الحضارة وتفسيرها دون الالتفات إلى المصطلحات العلمية على الرغم من أهميتها وضرورتها لتواجه سيل المخترعات العلمية الجارف، سواء كان ذلك في دمشق أم في القاهرة، حتى أن اهتمام مجمع دمشق بالمصطلحات العلمية كان ضئيلاً جداً إذا ما قيس بما صنعه مجمع القاهرة فيما بعد.
وقد فسر الدكتور ابراهيم بيومي مذكور رئيس مجمع القاهرة ذلك بقوله: "لا تخضع ألفاظ الحضارة لمثل ما تخضع له المصطلحات العلمية من قيود في الوضع والاستعمال، لأنها ملك العامة الذين يعبرون في طلاقة وينفرون من التحكم فيما جرت به ألسنتهم.
ولقد تواردت على العربية قديماً وحديثاً حضارات مختلفة حملت إليها ما حملت من أسماء ومسميات، فاحتفظت ببعضها ولفظت بعضها الآخر، أو أحلت محله أسماء عربية، وإذا رجعنا إلى أخريات القرن الماضي وأوائل هذا القرن، وجدنا أن التركية كانت متفشية في لغة الدواوين وشؤون الحياة العامة..
__________
(1) مجلة مجمع اللغة العربية الملكي /ج1 ص28 ورضا، الشيخ أحمد/ معجم متن اللغة/ ص100-102.(1/137)
وقد هال هذا الغزو الكتاب والمصلحين وشغلوا به منذ منتصف القرن الماضي بدرجة كبيرة، وربما زادت على اشتغالهم بمصطلحات العلوم. ولا أدل على ذلك من أن الجمعيات اللغوية الأهلية التي قامت بمصر في أخريات القرن الماضي وأوائل هذا القرن وقفت جهدها كله على ألفاظ الحضارة وشؤون الحياة العامة. وجاراها في هذا مجمع اللغة العربية فعني بها عناية خاصة، خاصة في سنيه الأولى، وتوفر منها لدى بعض أعضائه قوائم ومدخرات قديمة ملئت بها الأعداد الأولى من المجلة والمحاضر.
لم يكن للمجمع بد من أن يعرض لألفاظ الحياة العامة لأنها جزء من متن اللغة كثير الورود والاستعمال، ولأنه كان عليه أن يتخير من بينها ما ينبغي أن يدخل المعجمات الحديثة، وقد عرض لها في جد في دوراته الثلاث الأولى، ولم تخل مقترحات بعض أعضائه من نقد وملاحظة، ثم انصرف عنها إلى المصطلحات العلمية والفنية ولم يعد إليها إلا بعد نحو عشر سنين بدفعة قوية من أحد أعضائه ورئيسه فيما بعد.
فقد اقترح لطفي السيد تكوين هيئة لجمعها من واقع الحياة في ميادين الزراعة والصناعة والتجارة، وتمهيداً لوضع معجم خاص فيما يكمن الإفادة منه في المعجمات اللغوية. وتكونت هذه الهيئة فعلاً وسجلت طائفة من ألفاظ الحياة العامة التي ربما كان لها أثر في "معجم النهضة" لاسماعيل مظهر، وكان المجمع يلحقها أولاً بلجنة المعاجم، ثم استقلت بها لجنة ألفاظ الحضارة.
والواقع أن هذا المنهج ترجح بين طرفين متقابلين: طرف يلجأ إلى بطون الكتب اللغوية يستخرج منها ألفاظاً مهملة بل غريبة أحياناً لتؤدي بها مسميات الحضارة الحديثة.. ولم يسلم هذا المنحى من النقد. وطرف آخر يرى أن الأولى بالمجمع أن يسجل فيجمع ألفاظ الحضارة من مظانها ثم يهذبها ويقر منها ما يرتضيه.وما لا سبيل إلى اقراره يدعه للزمن والاستعمال كي يصلح من شأنه ويقوم عوجه(1)..."
__________
(1) مدكور، ابراهيم/ مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً /ص58-59.(1/138)
3) منهجية المجمع في قبول المصطلحات العلمية:
والنهج الذي يسير عليه المجمع في قبول المصطلحات أو رفضها هو أن تنظر كل لجنة مع خبرائها في الألفاظ العلمية التي تأتيها من الجامعات المصرية، أو الإدارات الحكومية، أو من الخبراء أنفسهم، أو من الجماعات والأفراد، وأن تضع ما تراه من الألفاظ العربية مقابل الألفاظ الانكليزية أو الفرنسية، وأن تعرفها بالعربية تعريفاً علمياً، أو تشرحها، وأن يبعث بها المجمع إلى أعضائه، وإلى العلماء الاختصاصيين ليبدوا ملاحظاتهم عليها، وأن تنظر اللجنة فيما يردها من ملاحظات، وأن تعرض الألفاظ بعد ذلك على مجلس المجمع الأسبوعي، فيتناقش أعضاؤه فيها، حتى إذا استقر رأي المجلس على جملة منها، عرضتها إدارة المجمع على المؤتمر في اجتماعه السنوي. وبعد ذلك تنشر المصطلحات التي أقرها المؤتمر في مجلة المجمع، ويترك مجال سنة أو أكثر لتبدي جمهرة العلماء في البلاد العربية رأيها فيها. ومتى مرت المدة الكافية تصبح المصطلحات في حكم المقبولة نهائياً.(1)
"وحين بدأت النهضة العلمية العربية الحديثة، أخذنا نكون لها لغتها، فأحيينا شيئاً من المصطلح القديم، ووضعنا ألفاظاً جديدة بالاشتقاق أو النحت أو التركيب، ولم يتردد بعض الباحثين في أن يعرب، بل ربما أسرف في التعريب، ونطقت الكلمات المعربة بطرائق مختلفة، وترتب على هذا كله بلبلة كانت موضع الشكوى في أخريات القرن الماضي وأوائل هذا القرن، ولعلها من أهم الأسباب التي دفعت إلى إنشاء المجامع اللغوية والعلمية.(2)
__________
(1) الشهابي، مصطفى /المصطلحات العلمية في اللغة العربية/ 69-70.
(2) مدكور، ابراهيم/ مجموعة المصطلحات العلمية والفنية/ مج14 (المقدمة).(1/139)
وحجة القائلين بالتعريب والذين أسرفوا به هي أن اللغات الهند وأوربية وبخاصة الحديثة منها متضافرة فيما بينها، يأخذ بعضها عن بعضها ووراءها اليونانية واللاتينية تشدان أزرها، وتربطان بينها، وتمدانها ببعض ما يعوزها. وللغات الأوربية طريقة سهلة في الأشتقاق ويكفي أن يضاف إلى أصل الكلمة مقطع في أولها أو في آخرها لكي تؤدي معنى جديداً.
ولعل هذا هو الذي دفع بعض أصحاب العربية أن يقولوا بالتعريب المطلق وأن يأخذوا الشيء أو المعنى بلفظه الأجنبي الدال عليه، زعماً منهم أن العربية لا تستطيع أن تواجه هذا السيل الجارف من المخترعات والمستحدثات، وأعتقد أن تجربة المجمع المعاصر استطاعت أن تدفع هذه الشبهة دفعاً تاماً، وأن تثبت أن العربية كفيلة بأن تواجه حاجات العصر ومقتضياته وليست أقل من غيرها تأهباً لهذه المهمة(1).
"ولا شك في أننا قطعنا في الخمسين سنة الأخيرة شوطاً يعتد به في تكوين لغة العلم والحضارة، وأدرك مجمع القاهرة منذ البداية ما لهذه اللغة من شأن في النهوض والتقدم، فعني بها عناية خاصة، ووقف عليها قسطاً غير قليل من جهوده، وحاول أن ينشر ولو على نطاق محدود ما انتهى إليه من قرارات في المصطلح العلمي والحضاري، ويسعده دائماً أن يأخذ بها الباحثون واللغويون ويعولون عليها، فتسد بها حاجة، ويستكمل بها نقص.
وليس شيء أدل على هذه الحاجة من ذلك النشاط الملحوظ في التأليف المعجمي، فقد وضعت في السنوات الأخيرة (1960-1970) طائفة من المعجمات العلمية التي يعالج بها مصطلحات علم بعينه كالطب ومنها ما يعرض للمصطلحات العلمية بوجه عام، ويتسم بطابع موسوعي واضح. وقد أفاد معظمها من جهود المجمع السابق، ولم يفت أصحابها أن يعلنوا ذلك ويسجلوه..
__________
(1) مدكور، ابراهيم/ مجموعة المصطلحات العلمية والفنية/ مج 13 (المقدمة).(1/140)
ونعتقد أن مالدى المجمع من ذخيرة في المصطلحات العلمية جدير بأن يرتب ويبوب، وأن ينشر في معجمات متخصصة إلى جانب مجموعة المصطلحات الدورية التي تصدر كل عام. وقد بدأ يعد العدة لذلك، ويامل أن يوفق له"(1)
وفي وسعنا أن نقرر أننا بدأنا نكون لغة علمية حديثة نعوّل فيها على ما بناه الآباء والأجداد، ونضيف إليها كل ما تدعو إليه الحاجة لأداء مستحدثات العلم والحضارة"(2)
4) صوغ المصطلح العلمي:
لم يخرج المجمع في صوغه عن وسائل الوضع اللغوي المألوفة فقال بالاشتقاق، والمجاز والنقل، والنحت والتعريب. ولكنه يسر من أمرها، وفسح مجال تطبيقها وأقر فيها أصولاً ما أجدر المؤلفين والمترجمين أن يفيدوا منها..
فأجاز مثلاً الاشتقاق من أسماء الأعيان والجواهر، وترخص في أمر تلك القاعدة المشهورة من أنه "لا يشتق من الجامد" ولم يخرج في هذه الرخصة عن ألف العرب واستعمالهم، فيقال مكهرب وممغنط من الكهرباء والمغنطيس، كما قال العرب مذهّب ومفضّض. وفي هذا ما يمكن علماء الكيمياء والفيزياء وغيرهم من ايجاد الأفعال والصفات التي تدعو إليها الحاجة.
وقال بقياسه المصدر الصناعي، فيكفي لتكوينه أن يضاف إلى الكلمة ياء نسب وياء تأنيث، وقد كان مقصوراً من قبل على السماع، فيقال المثالية والكانطية، كما قيل قديماً الجبرية والقدرية، ولهذا المصدر أهميته في الدلالة على المعاني العلمية الدقيقة، وخاصة أسماء المذاهب والنظريات مما هو مختوم بـ (ism) في اللغات الأوربية.
__________
(1) مدكور، ابراهيم/ مجموعة المصطلحات العلمية والفنية/ مج14 (المقدمة).
(2) مدكور، ابراهيم/ مجموعة المصطلحات العلمية والفنية/ مج15(المقدمة).(1/141)
وحاول أن يقيس أوزاناً فيما لم يقل بالقياس فيه، لأداء دلالات خاصة، فصاغ قياساً اسم الآلة من الثلاثي على وزن مفعل ومفعال ومِفْعَلة، ووزن فِعالة للدلالة على الحرفة كزراعة وصناعة، ووزن فُعال للدلالة على المرض كزكام وصداع، وفُعال أو فَعيل للدلالة على الصوت.
وأجاز النسب إلى جمع التكسير كأحيائي، وكان مقرراً من قبل ألا ينسب إلا إلى مفرد، وزيادة الأف والنون قبل ياء النسبة للشبيه بالشيء المنسوب إليه كسمسماني وقد وردت في العربية كثيراً، ودخول "أل" على "لا" النافية كاللاهوائي واللامائي. وفي هذا ما يساعد على الضبط والدقة، ويمكن الباحثين من التفرقة بين المعاني المختلفة. وحاول أن يضع مقابلات لبعض الصيغ الأجنبية الكثيرة الورود مثل: "يُفْعَل" لصيغة able. مثل Fondable يُذاب وmangealbe يؤكل وpotable يُشرب. ولكن هذه اللاحقة لم يستقر للمجمع فيها قرار من حيث الاستعمال فترجمت بطرق وصيغ مختلفة(1).
ورسمت للتعريب ضوابط تنظمه وتعين على الإفادة منه، فيعرب خاصة ما يدل على أسماء الأعيان وأعلام الجنس كأكسجين، وهيدروجين، وأنزيم، وأيون، والكترون، في الكيمياء، وما ينسب إلى علم من اسم شخص أو اسم مكان، أما ما وراء ذلك من تلك الكلمات التي أخذت من اللغة العادية لأداء معان علمية فينبغي ترجمته.
ويحتفظ بالتعريب بالأصل ما أمكن، ويؤخذ بأقرب نطق إلى العربية دون تحيز إلى أصل فرنسي أو انكليزي، ويوحد هذا النطق قدر الطاقة، ولا بأس من أن يشكل المصطلح المعرب ضبطاً لنطقه(2).
ولا حاجة بنا إلى أن نشير إلى أن للمجمع تجربة طويلة في جمع المصطلحات واقرارها، ولم تخل تجربته من دروس يمكن أن تعد نواة لخطة منهجية في صوغها.
__________
(1) الشهابي، مصطفى / المصطلحات العلمية في اللغة العربية/ 77 والحمزاوي، محمد رشاد/ أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة/ 463-465.
(2) مدكور، ابراهيم/ مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- ماضيه وحاضره/ 55-56.(1/142)
فهو يرى أن يؤدي المعنى الواحد بلفظ واحد، وأن يكون هذا اللفظ صالحاً للاشتقاق والنسبة إليه، ويكره ترجمة المصطلح الأجنبي بجملة، أو بلفظين شبه مترادفين. ويشترط في المصطلح العربي أن يكون واضحاً دقيقاً نصاً في معناه، لأن لغة العلم تتنافى مع الغموض والإبهام، كما تتنافى مع المجاز والاستعارة والسجع والجناس. ويدعو إلى تجنب الابتذال والغرابة، وأن كان لا يرفض تخير بعض الألفاظ النادرة أو العامية السليمة. ويسلم بأن يختص كل علم بمصطلحاته، وأن يستعمل اللفظ الواحد أحياناً في معان مختلفة باختلاف العلوم، ولكنه يتشدد في أن توحد المصطلحات المشتركة التي لا تتغير دلالتها من علم إلى علم. ويلتزم أن يقرن المصطلح العربي بمقابلة الأجنبي. ولا بأس بالإشارة إلى الأصل اليوناني أو اللاتيني. وإذا كان في الماضي قد اكتفى بعرض قوائم من المصطلحات ومقابها الانكليزي أو الفرنسي فإنه يشترط اليوم أن يعرف المصطلح ليفهم على وجهه وتتبين مدى دقته. ويبدو من هذه التجربة الطويلة أن العربية ليست أقل استجابة لمقتضيات العلم من أية لغة أخرى. وكم من مصطلح عربي ألصق بمعناه وأدق في دلالته من مصطلح أجنبي.(1)
5) من قرارات المجمع في أقيسة اللغة وأوضاعها:
وهذه لمحة في أهم القرارات التي اتخذها مجمع اللغة العربية في مصر تسهيلاً لعمل نقلة العلوم العصرية إلى لغتنا العربية، وفائدتها واضحة لكل ذي عينين ولم يقرها المجمع إلا بعد دراسة عميقة لموضوع القياسي والسماعي وما في هذا الموضوع من آراء لأئمة اللغة العربية.
__________
(1) مدكور، ابراهيم/ مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- ماضية وحاضرة/ 56.(1/143)
والذي يسر للمجمع وضع هذه القرارات وجود أعضاء فيه يعدون من أكبر علماء العربية وآلاتها في العصر الحاضر. ويدل هذا العمل على أن تآزر اللغويين والاختصاصيين بالعلوم والآداب هو شيء ضروري في كل مجمع حريص على دقة المصطلحات العلمية، وعلى سلامتها من الشوائب اللغوية. وليس كل ناقل علم من العلوم العصرية بقادر على وضع مصطلحاتها العربية أو تحقيقها، أو تمييز بعضها من بعض. والعلماء الذين يتحلون بمعرفة دقائق العلوم الحديثة، وأسرار اللغة الأعجمية التي ينقلون منها، وأسرار اللغة العربية التي ينقلون إليها، هم قليلون جداً في بلادنا العربية.(1)
نشر المجمع معظم هذه القرارات في الأجزاء الأولى من مجلته. وقد فتح بها الكثير من أبواب القياس، وأثبت أن أعضاءه يعدون من الأحرار المجتهدين، لا من المحافظين الجامدين، وأنهم يعملون على تقدم لغتنا العربية مع المحافظة على سلامتها(2).
فقرار المولد هو:
"المولد هواللفظ الذي استعمله المولدون على غير استعمال العرب، وهو قسمان:
1-قسم جروا فيه على أقيسة كلام العرب من مجاز أو اشتقاق، أو نحوهما، كاصطلاحات العلوم والصناعات وغير ذلك. وحكمه أنه عربي سائغ.
2-وقسم خرجوا فيه عن أقيسة العرب، اما باستعمال لفظ أعجمي لم تعربه العرب.. واما بتحريف في اللفظ أو في الدلالة لا يمكن معه التخريج على وجه صحيح. وأما بوضع اللفظ ارتجالاً. والمجمع لا يجيز النوعين الأخيرين في فصيح الكلام"(3)
__________
(1) الشهابي/ مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية/ 80.
(2) الشهابي/ المرجع السابق نفسه/ 71.
(3) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- مجموعة القرارات العلمية/6-8(1/144)
ويتضح من الفقرة الأولى أن المجمع سهل على المؤلفين استعمال كثير من الألفاظ العلمية السائغة، من التي لم ترد في الأمهات من معجماتنا، ولكنها وردت في كتب علمية مشهورة، وهي كثيرة، ويتضح أيضاً أنه أجاز للعلماء وضع مصطلحات علمية جديدة، ضمن الشروط الملمح إليها في الفقرة المذكورة.
أما الفقرة الثانية فهي تتعلق بالألفاظ المحرفة أو المرتجلة التي تخرج عن أقيسة كلام العرب. فهذه لا يجيز المجمع استعمالها في فصيح الكلام. وقد أصاب(1).
وقرار الاشتقاق من أسماء الأعيان هو:
"اشتق العرب كثيراً من أسماء الأعيان. والمجمع يجيز هذا الاشتقاق -للضرورة- في لغة العلوم. ويراعى عند الاشتقاق من أسماء الأعيان القواعد التي سار عليها العرب(2).
وهذا القرار من أهم قرارات المجمع. والخلاصة أن باب الاشتقاق واسع، وأن فيه مجالاً لتنمية اللغة، ولا سيما بالمصطلحات العلمية..والاشتقاق من الأعيان في العلوم العصرية هواليوم ضرورة بادية أمام أعيننا. فنحن في حاجة إلى أن نقول مثلاً كهرب من الكهرباء ومغنط من المغنطيس، وبستنة من البستان(3)...
وقد تولى الشيخ أحمد الاسكندري بيان الغرض من هذا الاشتقاق والاحتجاج له في بحث نشره في الجزء الأول من مجلة المجمع (من ص232-268) وفي كلمة ألقاها في الجلسة الأولى من الدورة الثانية للمجمع. كما قدم الأستاذ علي الجارم بحثاً يقترح فيه وضع قواعد لاشتقاق الأفعال من الجامد(4).
__________
(1) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية/ 72.
(2) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- مجموعة القرارات العلمية/ 6-8
(3) الشهابي، مصطفى /المرجع السابق نفسه/ 73-16.
(4) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- مجموعة القرارات العلمية/ 6-8(1/145)
وكان مجمع اللغة العربية بالقاهرة قد تناول موضوع النحت بضع مرات في تواريخ مختلفة، ورأينا أنه اتخذ قراراً بجواز النحت عندما تلجئ إليه الضرورة العلمية... وقد نشر هذا القرار في الجزء السابع من مجلة المجمع ص158.
ومن البيّن أن القرار جاء مقتضباً، ولذلك عادت لجنة الأصول إلى بحث موضوع النحت فاتخذت فيه القرار الآتي الذي وافق عليه المؤتمر في الدورة الحادية والثلاثين (1964-1965)م:
"النحت ظاهرة لغوية احتاجت إليها اللغة قديماً وحديثاً. ولم يلتزم فيه الأخذ من كل الكلمات ولا موافقة الحركات والسكنات، وقد وردت من هذا النوع كثرة تجيز قياسيته، ومن ثم يجوز أن ينحت من كلمتين أو أكثر اسم أو فعل عند الحاجة، على أن يراعى ما أمكن استخدام الأصلي من الحروف دون الزوائد. فإن كان المنحوت اسماً اشترط أن يكون على وزن عربي، والوصف منه باضافة ياء النسب، وإن كان فعلاً كان على وزن فعلل أوتفعلل إلا إذا اقتضت غير ذلك الضرورة، وذلك جرياً على ما ورد من الكلمات المنحوتة.(1)
وقرار الأخذ بالقياس في اللغة:
"يؤخذ بمبدأ القياس في اللغة، على نحو ما أقره سلفاً من قواعد ويجوز الاجتهاد فيها متى توفرت شروطه "صدر في الجلسة 14 من الدورة 15 (المؤتمر) (كما أشار إلى ذلك الدكتور أحمد أمين في محاضرته: "مدرسة القياس في اللغة")(2).
وقرار المصدر الصناعي:
"إذا أريد صنع مصدر من كلمة، يزاد عليها ياء النسب والتاء" صدر ونوقش في الجلسة 32 والدورة 1 وتولى الشيخ أحمد الاسكندري بيان الغرض منه والاحتجاج له في بحث نشر في الجزء الأول من المجلة (من ص211-215) وفي كلمة ألقاها في الجلسة 1والدورة1)(3).
__________
(1) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية. 204، 75، 73.
(2) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- القرارات العلمية/ 11، 21، 22.
(3) - مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- القرارات العلمية/ 11، 21، 22(1/146)
وجعل المجمع صنع المصادر الصناعية قياساً بأن يزاد على الكلمة ياء النسب والتاء. فقد قالت العرب مثلاً: جاهلية ولصوصية وجبرية وطفولية وعروبية وربوبية وفروسية. وقد قال العلماء الأول: كيفية وكمية ومائية وخصوصية الخ. ونحن في هذا الزمن نحتاج في العلوم إلى ايجاد مصادر صناعية، فنقول مثلاً: قلوية وحمضية وسمية وعطرية وهكذا.(1)
وقرار مصدر (فعالة) للحرفة:
"يصاغ للدلالة على الحرفة أو شبهها من أي باب من أبواب الثلاثي مصدر على وزن (فِعالة) بالكسر" صدر في الجلسة 25 والدورة1 ونوقش فيها. وتولى الشيخ الاسكندري بيان الغرض والاحتجاج له(2)...
قال الشهابي: في وسعنا إذا أن نصوغ مثل مصدر (غراسة) من غرس وأن نجعلها أمام كلمة (Aboriculture)، وأن لم ترد الغراسة في المعجمات في مادة غرس..(3)
وقرار مصدر (فَعَلان) للتقلب والاضطراب:
"يقاس المصدر على وزن (فَعَلان) لفَعَل اللازم مفتوح العين، إذا دل على تقلب واضطراب".(4) إننا نحتاج أحياناً في بعض العلوم إلى هذا المصدر مثل: نوسان Oscillation ونبضان Pulsation وموجانOndulation(5) الخ.
وقرار مصدر (فُعال) للمرض:
"يقاس من (فَعَل) اللازم المفتوح العين مصدر على وزن (فُعال) للدلالة على المرض "قد بين الشيخ أحمد الاسكندري في الشرح أن من أكثر الصيغ وروداً صيغة فُعال، فهي قياسية عند سيبويه والأخفش وابن مالك ومن تابعهم(6).
__________
(1) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية. 204، 75، 73.
(2) - مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- القرارات العلمية/ 11، 21، 22
(3) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية. 204، 75، 73.
(4) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً/ مجموعة القرارات العلمية/ 23،24،25،27.
(5) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية/ 74.
(6) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً/ مجموعة القرارات العلمية/ 23،24،25،27.(1/147)
ويعرف الأطباء الذين لهم عناية بوضع الألفاظ العلمية فائدة هذا القرار. فقد قال القدماء: زُكام وزحار وكُساح وجُذام، الخ. ونحن في حاجة إلى الكثير من مثل ذلك، وإلى الاشتقاق على هذا الوزن حتى من أسماء الأعيان مثل: وُراك Coxalgie من وَرك، وعُصاب névralgie من عَصَب وهكذا(1).
وقرار مصدر (فَعَل) و(فُعال) للداء:
"بما أن الضرورة العلمية في وضع المصطلحات تقتضي استعمال صيغة (فَعَل) للداء يجاز اشتقاق (فُعال) و(فَعَل) للدلالة على الداء، سواء أورد له فعل أم لم يرد".
قدم الأستاذ مصطفى الشهابي اقتراحاً في هذا الموضوع إلى مؤتمر المجمع في الجلسة 3 والدورة 24 فأحيل إلى لجنة الأصول، فدرسته وقدمت تقريرها فيه إلى مؤتمر المجمع(2).
وقرار أخذ (تفعال) للتكثير والمبالغة مما ورد له فعل وما لم يرد:
"تصح صياغة التّفعال للمبالغة والتكثير مما ورد فيه فعل، طوعاً لما أقره المجمع في دورته العاشرة من قياسية صوغ مصدر من الفعل على وزن (التفّعال) للدلالة على الكثرة والمبالغة، وكذلك تصح صياغته مما لم يرد فيه فعل، طوعاً لما أقره المجمع في دورته الأولى في جواز الاشتقاق من أسماء الأعيان للضرورة في لغة العلوم"(3).
__________
(1) الشهابي، مصطفى/ مصطلحات العلمية في اللغة العربية/ 74.
(2) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً/ مجموعة القرارات العلمية/ 23،24،25،27.
(3) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً/ مجموعة القرارات العلمية/ 23،24،25،27.(1/148)
وما أوردناه هنا من هذه القرارات كان على سبيل المثال لا الحصر. فقد بلغت في جملتها أربعين قراراً، ولولاها لما أمكن التوسع في صوغ المصطلحات العلمية والفنية واكثارها.. مما جعل اللغة العربية تتجدد وتواكب الركب العلمي والحضاري كأية لغة حية أخرى. وللإطلاع على مزيد من هذه القرارات المهمة فإنه يمكن الرجوع إلى جلسات المجمع في دورات انعقاده ومؤتمراته ثم في قراراته النهائية التي حوتها مجلته كذلك(1).
6) من قرارات المجمع في الترجمة.
تتعلق هذه القرارات في النهج الذي ينبغي لواضعي المصطلحات العلمية أن يسيروا عليه عند وضع مصطلحاتهم.
فمن قرارات المجمع في الترجمة تفضيل الكلمة على الكلمتين:
"تفضل الكلمة الواحدة على كلمتين فأكثر، عند وضع اصطلاح جديد، إذا أمكن ذلك، وإذا لم يمكن ذلك تفضل الترجمة الحرفية "صدر في الجلسة 33 من الدورة الأولى(2).
وقرار ترجمة صيغ الكشف والقياس والرسم:
"تلتزم صيغة واحدة تجري عليها كلمات الجنس الواحد، فما يراد به الكشف وضعنا له صيغة (مفعال) Scope، وما يراد به القياس وضعنا له صيغة (مِفْعَل) métre، وما يراد به الرسم وضعنا له صيغة (مِفْعَلة) graph" صدر في الدورة 5 والجلسة 25(3).
__________
(1) الخطيب، أحمد شفيق/ معجم المصطلحات العلمية والفنية/ المقدمة.
(2) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً /القرارات العلمية/ 69،70، 71، 73.
(3) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً /القرارات العلمية/ 69،70، 71، 73.(1/149)
يقول الشهابي في صدد هذا القرار: وعلى هذا وجب أن نقول مثلاً مجهار mioroscope لا مِجْهَر ولا مِجْهَرة، وأن نقول مِكْثَف densimétre لا مكثاف ولا مِكْثَفة، وأن نقول مبرقة للآلة télégraphe لا مِبْرق ولا مِبْراق وهكذا. وأعتقد أن هذا القرار يقيد المجمع ولجانه وسائر واضعي المصطلحات بقيد ثقيل. ومع هذا قرأت أخيراً مقالاً لأحد أعضاء المجمع يقول فيه أن المجمع عدل عن قائمة المصطلحات التي كان وضعها على أساس هذه القواعد الثلاث"(1).
ويقول الدكتور وجيه السمان في هذه الصيغ:
"اتخذ المجمع هذه القرارات قبل عام 1950 ثم عاد بعد ذلك فعدل عن اتباع هذه القواعد، والحقيقة أنها تقيد واضعي المصطلحات بقيد ثقيل، ويقف الإنسان أمامها أحياناً حائراً ويكاد يعجز عن اتباعها. فمثلاً بم نترجم wattmétre؟ فإذا اتبعنا القاعدة وجب أن نقول: المِوَط، ولا تستقيم الترجمة إلا إذا ظلت هذه الكلمة مشكلة على الدوام، وإلا فإنها ستقرأ المُوط. وA´mperemétre هل نترجمها بالمئبر!، وبم نسمي عداد الطاقة الكهربائية Watt heure mètre؟ أو الجهاز الذي يقيس في آن واحد الأنبرية والفولتية ويسميه الانكليز A´romètre وكيف تسمى البحوث التي تدرس فيها الظواهر والمواضيع المنتهية بـ Mètre و scopeو graghe تسمية تنسجم مع أسماء هذه الأجهزة؟ الحق أن التقصير في هذا الباب ما يزال كبيراً وأن الفوضى ضاربة فيه أطنابها، وهنا يبدو الاختلاف بيننا وبين الأقطار العربية..(2)"
وقرار ترجمة الصدر (an) or(a) بـ (لا):
__________
(1) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية /76- وينظر السمان وجيه/ التعريب في العلوم الطبيعية، مجلة الآداب سنة 23 عدد 2 ص36.
(2) السمان، وجيه/ التعريب في العلوم الطبيعية/ مجلة الآداب البيروتية/ سنة 23، عدد2، ص36.(1/150)
"في ترجمة الصدر a or an الذي يدل على معنى النفي، هل يترجم بكلمة (عدم) أو (لا)-تقرر وضع كلمة (لا) النافية مركبة مع الكلمة المطلوبة فيقال مثلاً:
اللاجفن، مقابل لـ ablepharia واللامقلة، مقابلاً لـ anophthalmus صدر في الدورة 8 والجلسة 2 (المجلس).
ولكن المجمع رأى بعدئذ أنه لا يمكن اتخاذ ذلك قاعدة، فقد انتهى الرأي إلى "الموافقة على ألا يتخذ قرار باستعمال (لا) دائماً أو عدم استعمالها، إنما نقول إنه يجوز لنا استعمال (لا) مركبة مع الاسم المفرد، إذا وافق هذا الاستعمال الذوق، ولم ينفر منه السمع "الدورة 8 الجلسة 2(1).
ولقد أصاب المجمع في هذا الاستدراك، فللذوق والسمع مكانه في هذا الموضوع(2).
وقرار ترجمة الصدر (Hyper) بكلمة (فرط) والصدر (Hypo) بـ(هَبْط):
"تقرر أن يترجم الصدر Hyper بكلمة (فرط) فيقال مثلاً (فرط الحاسية) مقابلاً لـ Hypersensitiveness، والصدر (Hypo) بكلمة (هبط)(3).
ولكن الدكتور محمد رشاد الحمزاوي بين مواطن الاضطراب والخلل في كيفية استعمال تلك السوابق فقال: "أن القرار الداعي إلى اعتماد أربع سوابق: (Hypo , Hyper, an, a) في فترة ثلاثين سنة، يفيد أن المجمع قد تهاون بالموضوع وبالمشاكل الناجمة عن السوابق، ولقد لاحظنا أن السوابق الأربع المقررة لم تكن حلولاً مثالية لمجابهة المشاكل الموضوعة، لأنّها لا تستقر على حال. فلقد كان من المفروض أن تزودنا السابقة (a) المترجمة بـ(لا) بكلمات عربية مثل: لا قدمي: Apodal - لا مشيجي: Apogamie- لا جرثومي: Aposporie.
__________
(1) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً/ القرارت العلمية/ 69، 70، 71،73.
(2) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية/ 77.
(3) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً/ القرارت العلمية/ 69، 70، 71،73.(1/151)
إلا أننا نعجب من وجود مصطلحات وضعها المجمع متكونة من نصفين: عربي ولاتيني، مما يخرق القواعد المقررة، ومن ذلك مصطلح: (لا أستجمية) تعبيراً عن Astigmatisme و(لا مكروني) لـAmicron، حيث أن (لا) تفقد معنى النفي لتصبح سابقة ثابتة.ولقد طرأ على قرار المجمع في هذا الصدد اضطراب آخر من ذلك أن (a) كثيراً ما تترجم بـ(عدم) التي خصت مبدئياً للتعبير عن (an) (in) اللتين كثيراً ما ترجمتا بما يدعى بالذوق العربي، إلا أن هذا الذوق الذي يعتبر مشكلة في حد ذاتها، يشهد في الحقيقة على الصعوبات التي يواجهها المجمع في هذا الميدان، فنجد مثلاً: (عديم الأوراق الطويلة) للتعبير عن: afoliate أما (وهني) فهو مصطلح غير دقيق لأنه يعبر عن: (Adynamique) و(psychoaesthenique).
ويمكن أن نبدي نفس الملاحظات في شأن السابقة (an) في الأمثلة التالية: لا وقاية: anaphylaxie -لا تكسيني: Anatoxine- لا محوري: Anaxial وذلك شأن (جفور) الذي يعبر عن: Anaphrodisie ومنعكس أو مقلوب للتعبير عن: Anatrope.
أما السابقة (Hyper) فيعبر عنها بـ(فرط) مثلما تشهد بذلك الألفاظ التالية: فرط الوظيفة: Hyperfonction -فرط العرق: Hyperidrose- فرط التوتر: Hypertension.
إلا أن ذلك لم يسلم من الاضطراب، لأن المجمع قد قرر أن يعبر عنها بصيغة (تَفْعال) مثل (تنشاط) تعبيراً عن (Hyperactivitè) و(تحماض) تعبيراً عن: (Hyperaciditè) وإن كان المجمع قد استعاض عن كل سبق بالترجمة المخصصة مثلما تشهد بذلك الألفاظ التالية: تضخم: (Hypertrophie) -الطرح (طول البصر): (Hyperme tropie) ونجد أحياناً ألفاظاً هجينة مثل: فرط الأنسولونية، تعبيراً عن (Hyperinsulinisme)...(1/152)
وبقرار من المجمع اتفق على التعبير عن السابقة (Hypo) بـ(هبط)، ولقد لاحظنا في هذا الصدد أن مصطلحات المجمع قد استعاضت عنها بـ (نقص) مثلما تشهد بذلك: نقص الاحساس (Hypoasthenie) -نقص الوظيفة Hypofonction... والملاحظ أن المجمع كان يعبر أحياناً عن السابقة (Hypo) بـ(أقل) في (أقل أزموزية) مقابلاً لـ (Hypotonique) ولقد عبر عنها مترجمون آخرون بـ (تحت). وذلك من شأنه أن يفتح الباب واسعاً للتشويش والمترادفات...(1).
وقرار ترجمة الكلمات المنتهية بالكاسعة (Scope):
"الكلمات الأجنبية المنتهية بالكاسعة (Scope) ينظر في معناها فإن استطعنا أن نشتق منه اسم آلة على وزن (مِفْعال) فعلنا وتضاف ياء النسب إلى المشتقات منه، وإن لم يمكن اشتقاق اسم آلة من المعنى، أو حالت دون ذلك صعوبات أخرى، وضع لاسم الآلة لفظ (مكشاف) مضافاً إلى عمل الآلة، وتكون المشتقات بالنسب إلى المضاف إليه أولاً، ثم المضاف(2)" صدر في الجلسة 15 من الدورة5.
وقرار ترجمة الكلمات المنتهية بالكاسعة (Able):
"تترجم الكلمات المنتهية بـ(able):
"تترجم الكلمات المنتهية بـ(able) بالفعل المضارع المبني للمجهول، ويترجم الاسم منها بالمصدر الصناعي،فيقال: (يذاب) و(يؤكل) و(لايذاب) و(لايؤكل)، ويقال (المذوبية) و(المأكولية)(3) وقد مثل لهما قبل قليل.
وقرار ترجمة الكاسعة (oid) بكلمة (شبه):
تترجم الكاسعة (oid) بكلمة (شبه) فيقال (شبه غرائي) و(شبه مخاطي) و(شبه ظهاري) مقابلاً بها: (colloid) و(mucoid) و(epithelioid)" صدر في الجلسة 2 من الدورة 8 (المجلس).
__________
(1) الحمزاوي، محمد رشاد/ أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة/ 447-450/ ط1 بيروت1988.
(2) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- القرارات العلمية/ 74-75-77-78-79.
(3) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- القرارات العلمية/ 74-75-77-78-79.(1/153)
وفي دورة لاحقة عاد مجلس المجمع إلى الكاسعة (oid) فوافق مجلسه على أن: "كل كلمة أجنبية فيها الكاسعة (oid) التي تدل على التشبيه والتنظير تترجم في الاصطلاحات العلمية بالنسب مع الألف والنون، مثل: غرواني، وسمسماني، فيما يشبه الغراء والسمسم "الدورة 10 والجلسة 6 (المجلس). وأن "تستعمل صيغة النسب مع الألف والنون في كل الاصطلاحات الطبية التي تنتهي الكلمة الافرنجية منها بحروف: oid أو From أوlike، مالم يتناف هذا الاستعمال مع الذوق العربي(1).
ولكن الشهابي تنبه لهذه القرارات فناقشها قائلاً: "قلت إن كلمة (colloide) الفرنسية معناها شبه الغرا (وبالمد والكسر أي شبه الغراء). وذكرت أنني رأيت في مجلة المجمع كلمة منحوتة من هذين اللفظين وهي (شبغراء) فالنسبة إليها شبغرائي وشبغرائي، وإلى (شبغرا) شبغروي (colloidal).
فالمجمع بقراره بالنسب مع الألف والنون أزال كلمة (شبه) وجعل أداة النسبة السريانية الأصل تحل محلها وتفيد معنى النسبة جميعاً. ونحن اذن أمام ثلاث كلمات عربية تقابل الكلمة الفرنسية الأخيرة وهي: شبه غرائي، وشبغرائي، وغرواني، وهي التي أقرها المجمع بقراره هذا. ولكن من الضروري أن يثبت في الأذهان أن النسبة السريانية بالألف والنون قد حلت محل (شبه) و أفادت معنى النسبة أيضاً، وفي ذلك ما فيه من صعوبة.. ولعل الاستغناء عن هذه القاعدة أصلح، فقد ألفت آذان الطلاب في المدارس قول الأساتذة: هذا جسم شبه غروي أو شبه بلوري أو شبه مخاطي.. ومع هذا فأنا لا أستثقل كثيراً قولهم (شبغروي وشبلوري وشبمخاطي) وأرى أنها أدل على المعنى من غراوني وبلوراني لأن أداة النسبة هذه لا تتضمن معنى التشبيه والتنظير خلافاً لكلمة (شبه) أو (شب) في الكلمات المنحوتة.
__________
(1) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- القرارات العلمية/ 74-75-77-78-79.(1/154)
ومهما يكن من أمر فالمجمع قد احتاط بقوله: يجب أن لا يتنافى هذا الاستعمال مع الذوق العربي في الاصطلاحات الطبية"(1)
ويتابع الحمزاوي ملاحظاته عن اللواحق (الكواسع) وقرارات المجمع فيها فيقول: "فهل يعني هذا أننا سنواجه المشاكل نفسها فيما يتعلق باللواحق؟ الملاحظة أننا وجدنا من القضايا والمشاكل في شأنها، مالا يختلف كثيراً عما جاء منها في مستوى السوابق. ولقد بدا لنا أن المجمع قد اعتنى خاصة باللواحق أكثر من اعتنائه بالسوابق، لأنه أقر رسمياً تسعاً منها، فما هو سبب هذه العناية؟ يعود ذلك إلى حاجة المجمع إلى التعبير عن أسماء الآلة والمواد الكيميائية التي لها مشاكل مميزة سنستعرضها فيما يلي لا سيما في مستوى اللواحق التي ستفيدنا في هذا الشأن.
فاللاحقة (الكاسعة) Able يعبر عنها حسب قرار المجمع بالفعل المبني للمجهول، فلقد ترجمت كلمتا (fondable) و(mangeable) بـ يذاب ويؤكل، إلا أن الأمثلة الواردة في مصطلحات المجمع لا تؤيد دائماً ذلك، لأننا لاحظنا أن أغلب المصطلحات المنتهية بـ (able) قد ترجمت بطرق وبصيغ مختلفة، فلقد ترجمت كلمة (dètèctable) بـ ما يكشف، يستكشف، بستبان، ويترجم اللاحقة أحياناً بـ قابل لـ، أو غير قابل لـ. وهي عبارة طويلة للتعبير عن لاحقة أوربية، فمن ذلك: دين غير قابل للحجر: (insaisissable).
ولقد كانت هذه اللاحقة موضوع ترجمات متضاربة، مما يشهد بنسبية قرار المجمع في شأنها. ويتنوع ذلك التضارب بحسب المترجمين، ولذلك دعا مصطفى الشهابي إلى اعتماد صيغة المضارع المبني للمجهول للأفعال المتعدية والمضارع المعلوم للأفعال اللازمة. فيقوم الأول مقام اسم الفاعل أو المفعول كما يشهد بذلك المثالان التاليان: يعمل: faisable- يحب: aimable -يدوم: durable- يتبدل أو يبدل: variable.
__________
(1) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية/78-79.(1/155)
لكن المصطلحات الأوربية المنحوتة لا تخضع دائماً إلى صيغة أو صيغتين عربيتين فيمكن التعبير عنها بأفعال مجردة أو مزيدة مثلما رأينا سابقاً. كما يمكن أن يعبر عنها باسم الفاعل المشتق من مختلف الصيغ. فلقد استعمل المجمع: ماء شارب للتعبير عن (eau potable) مما ينافي قراره، فلقد ورد مثلاً: جائز: aceeptable وvalable- مشرف: honorable -ولقد استعمل كذلك اسم المفعول: مسؤول: responsable وتستعمل صيغة (فعول) لا سيما في الكيمياء، وقد استعملها كثيراً الكيميائي السوري الكواكبي: خلول: dialysable -خثور: coagulable- خمور fermentable...
إن هذه الصيغ لا تعتمد على اطراد واضح يستحق أن نقره للتعبير عن (able) التي ترجمت حسب الأذواق المختلفة. فلا يمكن أن ندلي في شأنها برأي واضح إلا بعد دراسة احصائية في الميادين المطبقة فيها، والملاحظ أن أفعل التفضيل وارد كذلك للتعبير عن able مثل: أحب: (agrèable) وإن كان استعماله قليلاً لا يستحق التعقيد"(1).
7) من قرارات المجمع في التعريب:
لم يلهج الناس في النصف الأخير من القرن الماضي بمسألة لغوية مثلما لهجوا بالتعريب، فأجازه قوم وحرمه آخرون، مع أن عرب الجاهلية أدخلوا في لغتهم شيئاً من الكلمات الأعجمية..
__________
(1) الحمزاوي، محمد رشاد/ أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة/ ص463-465 والملاحظ أن ما نسبه إلى الشهابي والكواكبي يفتقر إلى الدليل إذ لم أعثر عليه فيما أشار إليه من المراجع.(1/156)
ويظهر أن المجمع عالج في البداية مشكلة التعريب في شيء من الحيطة تحت تأثير الظروف التي كانت محيطة بها في الغالب. عرض لها في دور انعقاده الأول، وأصدر فيها قراراً لا يخلو من غموض ونصه: "يجيز المجمع أن يستعمل بعض الألفاظ الأعجمية -عند الضرورة- على طريقة العرب في تعريبهم(1) فما حد الضرورة؟ ومن هم العرب المشار إليهم؟ وما طريقتهم؟ كل تلك نقط لم توضح في شرح هذا القرار والاستشهاد له، ويبدو من جو مناقشته أن المجمعيين الأول كانوا أميل إلى المنع وعدم التوسع في هذه الرخصة، وعبثاً أريد فيما بعد بسط الأمر وتوضيحه. وكأنما آثر المجمع أن يحل هذه المشكلة حلاً عملياً، فأقر معربات كثيرة وحديثة في العلوم والفنون، وقبل ما اشتق منها من أفعال وأوصاف. وأصبح من المسلم به مثلاً أن الأولى باسم الجنس في العلوم والفنون أن يعرب لا أن يترجم، مثل أكسجين، الكترون، بارومتر، ترمومتر. وأصبح التعريب لا ينظر إليه في توجس وخيفة، كما كان الشأن من ذي قبل، على أن تمكن الباحثين والمترجمين من العربية يمدهم بزاد لغوي لم يكونوا يجدونه بالأمس.
ولا حاجة بنا أن نشير إلى أن هذه القرارات اللغوية لم تصدر لأول وهلة، بل عانى المجمع فيها ما عانى، وطال فيها الأخذ والرد. فدرست في اللجان، ونوقشت في المجلس والمؤتمر، واستشهد لها واعترض عليها، ومن بينها ما أعيد النظر فيه وعدل. ومن حسن الحظ أن من بين اللغويين القدامى من استمسك بالقياس والاجتهاد أمثال أبي علي الفارسي وابن جني، وفيهما نصرة للمجددين من المعاصرين، ولهما جملة مشهورة كثيراً ما استشهد بها: "ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب(2)..
وقال الأستاذ الشهابي موضحاً رأيه في قرار المجمع الآنف الذكر:
__________
(1) مدكور، ابراهيم/ مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً، ماضيه وحاضره/ 44-45
(2) مدكور، ابراهيم/ مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً، ماضيه وحاضره/ 44-45.(1/157)
"وهذا القرار يجيز للعلماء تعريب المصطلحات العلمية، إذا لم يكن من المستطاع ايجاد ألفاظ عربية بطريق الحقيقة أو بطريق المجاز. وقيد (الضرورة) يشير إلى ذلك. وفي الجزء السادس من مجلة المجمع محاورة طريفة بين أعضاء المجمع المتشددين في موضوع التعريب، وأعضائه المتسامحين فيه.. وسنرى أن هنالك ألفاظاً علمية أعجمية نستطيع أن نجد أو أن نضع لها ألفاظاً عربية سائغة وأن هنالك ألفاظاً أعجمية أخرى لا يمكن بل لا يجوز إلا تعريبها. وفي الحالين أرى أن قيد (الضرورة) الذي وضعه المجمع للتعريب هو ضرورة. أقول هذا لأني عارف بسخافات بعض أساتيذ العلوم الحديثة، الذين عربوا ألفاظاً علمية أعجمية، كان في استطاعتهم أن يجدوا لها ألفاظاً عربية مقبولة بقليل من الجهد، ومن المعرفة بأصول تلك الألفاظ الأعجمية وبمعانيها(1).
ثم يتابع الشهابي بيان وجهة نظره في حاشية بأسفل الصفحة نفسها فيقول:
"لا أرى مسوغاً للخوف من كثرة المصطلحات العلمية التي تضطر إلى تعريبها وإلى ادماجها في لساننا. فالألفاظ، كثرت أو قلت، ليست من مقومات اللغة، واللغات تتميز بعضها من بعض بتراكيب جملها وبحروف معانيها، أي بما اختصت به من قواعد الصرف والنحو وأساليب الاشتقاق والقياس. ففي الألمانية والانكليزية والفرنسية آلاف مؤلفة من الألفاظ العلمية المشتركة، ومع هذا نرى كلا من اللغات الثلاث مستقلة عن الأخرى.. وعلى الرغم من هذه الحقائق فأنا من القائلين بعدم اللجوء إلى التعريب إلا عند الضرورة. وحدود الضرورة عندي ليست واسعة"(2).
__________
(1) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية/ 71-72.
(2) الشهابي/ المرجع السابق نفسه/ 71(1/158)
ولكن المجمع توسع مؤخراً في قبول المعرب الحديث أكثر مما كان عليه من قبل، نظراً للمستجدات الحديثة فلم يعد يتقيد بقراراته السابقة في شروط التعريب، يقول رئيس المجمع في هذا الصدد: "ولا بأس من التعريب إن دعت إليه حاجة، وهناك ألفاظ شبه دولية ترجع إلى أصول يونانية أو لاتينية، وقبلتها اللغات العالمية الكبرى، ولا ضير في أن تغذى بها العربية وينسى متنها..
وأوضح ما يكون التعريب في ميادين جديدة استحدثها الكشف والبحث في الطبيعة والكيمياء وهو من صنع المختصين، وكلما كانوا متمكنين من لغتهم كانوا أقدر على الوضع وأقل ميلاً إلى التعريب. ومهمة المجمع أن يقر ما عربوه ما دام أدل على المعنى ولا بديل له وعززه الاستعمال"(1).
ويقول أحد المعجميين المحدثين: "لقد أدى مجمع اللغة العربية في القاهرة خدمة كبيرة للغة العربية حين حطم الأسطورة القائلة بأن ادخال المعرب من الألفاظ في متن اللغة يحط من قدرها. ففي المعاجم المتخصصة والعامة التي أصدرها المجمع المذكور دليل واضح على الدور المهم الذي يؤدي التعريب في لغة العلم الحديث"(2).
ومن مقرارت المجمع في التعريب تفضيل العربي على المعرّب:
"يفضل اللفظ العربي على المعرب القديم، إلا إذا اشتهر المعرّب" صدر في الدورة 1 والجلسة 33.
وقرار النطق بالمعرب كما عربته العرب:
"ينطلق بالاسم المعرّب على الصورة التي نطقت بها العرب" صدر في الدورة 1 والجلسة 33.
وقرار تعريب أسماء العناصر الكيمياوية:
__________
(1) مدكور، ابراهيم/ مجموعة المصطلحات العلمية والفنية/ مج21 (المقدمة).
(2) الخطيب، أحمد شفيق/ معجم المصطلحات العلمية والفنية والهندسية/ 748.(1/159)
"عند تعريب أسماء العناصر الكيمياوية التي تنتهي بالمقطع (ium) يعرب هذا المقطع بـ (يوم) ما لم يكن لاسم العنصر تعريب أو ترجمة شائعة، فيعرب منتهياً بالمقطع (يوم) إلى جانب تعريبه الشائع"(1) صدر في الدورة 25 والجلسة 12.
ويبدو أن الذي اقترح هذا القرار هو الأستاذ مصطفى الشهابي، فقال في الاحتجاج له: "يسمى علماء الكيمياء في الغرب معظم العناصر الكيمياوية، ولا سيما التي كشف النقاب عنها حديثاً بأسماء ينهونها بالكاسعة (ium) فيقولون مثلاً: osmium, Scandium, Thallium, Actinium, Radium الخ. وفي إحدى الجلسات بمجلس مجمع اللغة العربية بالقاهرة لاحظت أن لجنة الكيمياء تنهي أسماء العناصر الكيمياوية المعربة تارة بالواو والميم مثل بوتاسيوم وصوديوم وراديوم وأكتينيوم، وهو الصحيح، وتارة بالميم مع ضم الحرف الذي يأتي قبل الميم مثل قولهم:
ثاليم وأسميم وسكنديم، وذلك مرغوب عنه، فالتعريب الصحيح هو: ثاليوم واسكنديوم وأسميوم وهكذا.
وعندما ذكرت لمجلس المجمع ملاحظتي على صحة التعريب اتخذ القرار السابق(2)" وهناك قرار في تعريب أصناف المواليد وقرار آخر في رسم الألفاظ المعربة، وقرارات عديدة في كيفية كتابة الأعلام الأجنبية بحروف عربية مع ذكر القواعد الثلاث والعشرين الناظمة لتحويل الحروف اليونانية واللاتينية إلى حروف عربية، بالإضافة إلى قواعد كتابة الأعلام الجغرافية وتصحيحها من قبل المتخصصين(3).
8) من قرارات المجمع في وضع المصطلحات العلمية:
__________
(1) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً/ مجموعة القرارات العلمية/ 84، 85،89.
(2) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية/ 164-165.
(3) مجموعة القرارات العلمية/ 95-118.(1/160)
إن وضع المصطلحات العلمية في أشق الأمور وأدعاها إلى الصبر والجلد والأناة كما سبق أن قلناه والمعروف أن مجمع اللغة العربية بالقاهرة وضع آلافاً كثيرة من المصطلحات العربية في فروع العلم المختلفة، وذلك حسب القرارات التي أقرتها مجالسه ومؤتمراته. فهذا المجمع قد تفرد منذ سنين بمعالجة شؤون اللغة العربية ومصطلحاتها، ثم أن مقره في عاصمة أكبر قطر عربي، حيث يوجد أكبر عدد من العلماء باللغة العربية وبالمصطلحات العلمية، وحيث تكثر المراجع التي يستعان بها، ساعده على ذلك.
ومجمل القول أن مجمع اللغة العربية بالقاهرة وكلية الطب في الجامعة السورية هما أنشط الجماعات عملاً في وضع المصطلحات العلمية الدقيقة في عصرنا الحاضر(1).
فمن قرارات المجمع استخراج المصطلحات من الكتب العربية القديمة:
"ينظر المجمع في اختيار مختصين بشؤون العلوم العربية لإخراج المصطلحات العلمية القديمة من الكتب العربية، وعرض كل فرع على اللجنة المختصة، وإذا لم تكن لجنة مختصة تشكل لجنة جديدة".
صدر في الدورة 12 والجلسة الثانية (لجنة عامة للمجلس).
ومن قرارات المجمع وضع معاجم للمصطلحات المستخرجة من الكتب العربية القديمة:
"تدرس كتب العرب القديمة المتصلة بالمصطلحات العلمية، ويعمل لكل كتاب منها معجم بالمصطلحات التي وردت فيه، بحيث تكون هذه المعاجم في متناول الأيدي عند التعريب" صدر في الدورة 21 والجلسة2.
وقرار تفضيل المصطلح العربي القديم على الجديد:
"تفضل الاصطلاحات العربية القديمة على الجديدة، إلا إذا شاعت "صدر في الدورة1 والجلسة33.
وقرار الاقتصار على اسم واحد لكل معنى:
"الاصطلاحات العلمية والفنية والصناعية يجب أن يقتصر فيها على اسم واحد خاص لكل معنى". صدر في الدورة2 والجلسة11(2).
__________
(1) الشهابي /المرجع السابق نفسه/175-180-143-83.
(2) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- القرارات العلمية/ 137و148.(1/161)
وقد علق الشهابي على هذا القرار بقوله: "... فواضع المصطلحات يكون مضطراً أحياناً إلى اثبات مصطلحين أو أكثر، أمام الكلمة الأعجمية الواحدة، لأنه لا يملك حق تفضيل مصطلح عربي على آخر، ولا سيما عندما يكون كلاهما سائغاً في نظره".(1)
وقرار شرح المصطلحات قبل عرضها على المجمع:
"لا تعرض على المجمع مصطلحات علمية، إلا أن تكون مشروحة بقلم الخبير المختص، فإن ذلك مما يساعد على النظر في صحة وضع هذه المصطلحات، مع تجنب بعض أسباب البطء في العمل، وعلى زيادة الاطمئنان إلى أن اللفظ الاصطلاحي وقع موقعه "صدر في الدورة 5 والجلسة12(2).
وقرار تعريف المصطلحات قبل دخولها في المعجم:
"في شأن المصطلحات التي يقرها المجمع، لا تعتبر صالحة للدخول في المعجم قبل أن توضع لها التعاريف وتعرض على المجمع، حتى يطمأن إلى دلالة المصطلح على موضوعه" صدر في الدورة 8 والجلسة14 (المجلس).
وقرار الاكتفاء بالشرح الشفوي في نظر المصطلحات:
"ناقش المؤتمر في اقتراح ألا تعرض المصطلحات العلمية على المجلس أو المؤتمر إلا بعد أن تعرفها اللجان المختصة، حتى يتسنى لغير الفنيين من الأعضاء، فهم معانيها واختيار أصلح الألفاظ لهذه المعاني، وانتهى المؤتمر إلى الموافقة على المضي في نظر المصطلحات، اكتفاء بالشرح الشفوي الذي يتولاه مقرر اللجنة المختصة "صدر في الدورة 12 والجلستين 6-7 (المؤتمر).
وقرار طريقة النظر في المصطلحات وتسجيلها ونشرها:
__________
(1) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية/ 76.
(2) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- القرارات العلمية/ 137و148.(1/162)
"تعزز اللجان ما تضعه من مصطلحات، فما كان منها شائعاً عرفته تعريفاً معجمياً موجزاً وعرضته على مجلس المجمع ومؤتمره، وما كان منها غير شائع حفظته في جزازات ونشرته بين الهيئات العلمية، وفي مجلة المجمع، وتلقت ملاحظات هذه الهيئات وأهل الاختصاص، فتولت تمحيصها وانتهت إلى قرار فيها، على أن تكون المصطلحات الشائعة التي يقرها المجمع بتعريفاتها مادة تدخل في المعجم. وأما المصطلحات غير الشائعة فتظل في المجمع حتى يتسنى اخراجها في معجمات علمية. وكلما وجد المجلس والمؤتمر لديهما وقت فراغ كان لهما أن ينظرا في هذه المصطلحات غير الشائعة "صدر في الدورة 13 والجلسة7 (المؤتمر).
وقرار تعريف المصطلحات قبل عرضها على المجلس والمؤتمر:
"لا يعرض على مجلس المجمع ولا على المؤتمر من الكلمات إلا ما تم تعريفه، فإذا ما أقر المجمع ترجمة كلمة وتعريفها سجلت في جزازات وأعدت للمعجم "صدر في الدورة 13 والجلسة 4(المؤتمر).
وقرار تعريف المصطلحات بعد نشرها مبدئياً بلا تعريف:
"المصطلحات التي أقرها المجلس والمؤتمر بدون تعاريف، والتي لم تنشر بعد، تعاد إلى اللجان المختصة لتعريفها وعرضها على المؤتمر، ولا مانع من نشرها بدون تعريف نشراً مبدئياً، لتلقي ملاحظات المختصين، مع الإشارة إلى ذلك(1) (المؤتمر).
لاحظنا من خلال استعراضنا لهذه القرارات المعجمية أنها كانت تنظم بشكل عام منهجية المجمع في قبول المصطلحات العلمية وإقرارها، وأن هذه المصطلحات لا تأخذ طريقها إلى الإقرار والاستعمال إلا بعد أن تمر بأدوار متعددة واختيارات دقيقة. وسوف نلاحظ في القرار التالي وما يليه الخطوات اللازمة في كيفية اعداد هذه المصطلحات. كما نلاحظ أن المجمع كان يكرر قراراته على تقارب مضمونها زيادة في التأكيد.
قرار طريقة أعداد المصطلحات وعرضها وتسجيلها:
__________
(1) مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً- مجموعة القرارات العلمية 149-153.(1/163)
"فيما يتعلق بالمصطلحات الجديدة يتبع ما يأتي:
1-يطلب من الخبير أن يقدم للجنة المصطلح مشروحاً شرحاً كتابياً مقبولاً.
2-على (السكرتير) الموظف لكل لجنة أن يدون ما يدور حول المصطلح من المناقشات والشرح والتوضيح، ويلخص ذلك ويعرضه على كاتب سر اللجنة.
3-يعرض على المجلس المصطلحات التي أقرتها اللجان مصحوبة بهذه الملخصات يزيدها الخبير في الجلسة عند الحاجة شرحاً وتوضيحاً، وعلى (سكرتيرية) المجلس أن تسجل هذا الشرح مع ما يدور في المجلس من مناقشات. وهذا لا يمنع بالأولى أن تعرض على المجلس المصطلحات المستكملة للتعاريف الفنية.
4-إذا أقر المجلس هذه المصطلحات نشرت في الأوساط العلمية بمختلف البلاد العربية، مع ملخص لما دار حولها من شرح وبيان.
5-تعاد المصطلحات التي أقرها المجلس إلى اللجان المختصة وما أبدي عليها من ملاحظات لتعريفها وصياغتها صياغة نهائية كي تعرض على المؤتمر.
6-تعد لكل مصطلح جزازة خاصة يثبت فيها ما دار حوله من مناقشات من أول اقتراحه إلى أن يتم اقراره من المؤتمر، وتنظيم هذه الجزازات تنظيماً فنياً". صدر في الدورة 14 والجلستين 6.4 (المؤتمر) وعرض الموضوع في الدورات 12و13و14 في جلسات شتى من المجلس والمؤتمر.
"وفي الجلسة 12 من الدورة 12(المجلس) تقرر ألا يقتصر عمل المجمع على المصطلحات، وأن يجتهد المجمع في النظر في المصطلحات عن طريق الاستعانة بالمختصين بشكل ينظم فيما بعد".
وفي الجلسة 2 من الدورة 12 (لجنة عامة للمجلس) تقرر أن يكون تنظيم النظر في المصطلحات على الوجه الآتي:
(1) ترسل المصطلحاات جميعها إلى البلاد العربية والهيئات العلمية قبل عرضها على الملجس.
(2) توضع علامات على المصطلحات التي ترى اللجنة الاستئناس فيها برأي المجلس.
(3) توضع علامات للكلمات الاصطلاحية التي يستعملها الناس عامة ويرى المجلس ادخالها في معجمه.(1/164)
وفي الجلسة 3 من الدورة 12 (اللجنة العامة للمجلس) عرض قرار المؤتمر، ورئي أن ينظر المجلس في المصطلحات عقب فراغ اللجان منها دون تقيد بعرضها على الهيئات العلمية أولاً، فقرر الأعضاء أن يسير المجلس حسب منهاجه القديم في نظر المصطلحات(1) ولكن هذا الرأي لم يؤخذ به فكانت القرارات التالية التي اتخذها المجمع في دورات شتى تحاول مشاركة الهيئات الأخرى سواء كانت في مصر أم في البلاد العربية، والاستعانة بالمختصين وأخذ آرائهم"(2).
قرار طلب قوائم المصطلحات من الجامعات والمعاهد والهيئات:
"يطلب إلى الجامعات وإلى المعاهد والهيئات العلمية والفنية، وضع قوائم بالمصطلحات المستعملة بها في جميع العلوم والفنون والآداب، وأن تحدد معانيها تحديداً دقيقاً، وأن تردها إلى اللغة العربية إذا استطاعت، وأن تذكر مقابلها من اللغات الافرنجية التي أخذت منها هذه المصطلحات وأن ترسل تلك إلى المجمع" صدر في الدورة 7 والجلسة 2(المؤتمر)(3).
وقرار إضافة مصطلحات البلاد العربية:
"تضاف كل لفظة سرت في البلاد العربية إلى جانب ما وضعته اللجنة المجمعية "دورة 21 جلسة 2 (المؤتمر).
هذا وقد كثرت المطالبات بتوحيد المصطلحات العلمية في البلاد العربية بدءاً من الدورة الأولى للمجمع من قبل الأعضاء الأساتذة الشبيبي ونلّينو والشهابي.. وغيرهم.
وقرار عرض كلمات المجمع على الجمهور:
"تعرض الكلمات والمصطلحات التي يقرها المجمع سنة على الجمهور بعد إقرارها، ويتقبل المجمع في خلال تلك السنة الانتقادات التي يعترض بها العلماء "صدر في الدورة 2والجلسة 30.
وقرار عرض المصطلحات على الوزارات والهيئات في البلاد العربية:
__________
(1) مجموعة القرارات العلمية /154، وحاشية 163.
(2) مجموعة القرارات العلمية /154، وحاشية 163
(3) المرجع السابق نفسه /157.(1/165)
"يكون من وسائل النشر التي يتخذها المجمع إرسال المصطلحات قبل عرضها على المجمع إلى وزارات المعارف والهيئات العلمية في مصر والبلاد العربية وغيرها، والانتظار بها مدة كافية، لتبدي هذه الوزارات والهيئات رأيها، وتوافي المجمع به". صدر في الدورة 7 والجلسة 2(المؤتمر).
وقرار عرض المصطلحات على الأعضاء والهيئات قبل نظرها:
"كلما فرغت اللجان الفنية من النظر في المصطلحات العلمية فرئيس المجمع يرسل هذه المصطلحات إلى الجهات العلمية العربية وإلى حضرات أعضاء المؤتمر في الخارج. ويطلب إلى الجميع إبداء ملاحظاتهم في مدة معقولة، ومتى وردت هذه الملاحظات فمراقبة المجمع تحرر بها قوائم متضمنة للأصل الذي أقرته اللجان ولما ورد على هذا الأصل من مقترحات الجهات العلمية الخارجية وحضرات أعضاء المؤتمر، وتعرض هذه القوائم على مجلس المجمع للنظر فيها استعداداً لعرضها على المؤتمر مع ما يراه من الملاحظات".
وقرار نشر مصطلحات كل علم مستقلة قبل نشرها في المجلة:
"ينشر المجمع المصطلحات التي وضعتها اللجان وأقرها المجلس، بحيث تنشر مصطلحات كل علم في نشرة خاصة وتوزع مجاناً على الأفراد والهيئات المختصة بهذه المصطلحات، ويتبع هذه فيما يقر من المصطلحات بعد ذلك. وما أقره المؤتمر من هذه المصطلحات يعاد نشره بعد ذلك في مجلة المجمع" صدر في الدورة 14 والجلسة 3 (المجلس)(1).
وقرار استعمال مصطلحات المجمع في التدريس:
"يقدم المجمع رجاء إلى وزارة المعارف أن يراعي مدرسوها ألفاظ المجمع ومصطلحاته في التدريس(2)..."صدر في الدورة 5 والجلسة 9.
9) تعليق وتعقيب على تلك القرارات:
__________
(1) مجموعة القرارات العلمية /157و166
(2) مجموعة القرارات العلمية/ 166 يقول د.شاكر الفحام: القرارات السبع السابقة لا يعمل بها الآن، فقد مضى أمرها وانقضى.(1/166)
ها نحن أولاء قد استعرضنا غالبية القرارات العلمية التي اتخذها المجمع في دوراته المختلفة، وقد قسمت تقسيماً لا يعني الفصل القاطع بين كل قسم وآخر، لأنها في حقيقة الأمر متشابكة متلاقية في كثير من نواحيها. ولكن روعي فيها ما يغلب على طبيعة كل مجموعة منها وتقارب أغراضها...
وقد جاءت هذه القرارات ثمرة حركة دائبة في دورات متفرقة، وجرى عليها من التمحيص وإعادة النظر، وما عدل في بعضها وأضاف جديداً إلى بعضها الآخر، على هدي من التجربة، أو وجهات النظر المختلفة.. وسيجد المتتبع لها أن المجمع لم يبتدع فيها قواعد جديدة، ولم يخرج بها عن طبيعة اللغة العربية ونظامها الموروث بل كانت وجهته الاجتهاد في تفسير ظواهر اللغة، والمواءمة بين طبيعة اللغة ومقتضيات الحياة الجديدة...
وإن المجمع حاول التغلب على العقبات التي كانت تعترض سبيل العاملين على ايجاد أسماء عربية للمسميات الحديثة. ومن بين تلك العقبات الخلاف بين العلماء في القياسي والسماعي من المشتقات والمصادر. لذلك رأى المجمع ضرورة البت في هذه الناحية، وإجازة القياس فيها، قبل الشروع في وضع مصطلحات العلوم وأسماء الآلات والأدوات الحديثة وأسماء الحرف والصناعات التي لم تعرفها العرب من قبل، أو عرفتها ولم يضع علماؤها لها أسماء، فكان من ذلك القرارات الخاصة بقياسية بعض الصيغ ومثل هذا يقال في قياسية الاشتقاق -في لغة العلم- من أسماء الأعيان، ففيها سد للحاجة الشديدة إلى إيجاد أفعال وصفات من غير المصادر: كأسماء الأعيان والجواهر المحسوسة في علوم الطبيعة والكيمياء والطب، وفي الصناعات المختلفة.
وقد نبه المجمع في احتجاجه لهذا القرار إلى أنه لم تقم عقبة في سبيل وضع اصطلاحات العلوم الكيميائية والطبيعية والطبية والحيوية أصعب من منع الاشتقاق من الأعيان، وأنه -بقراره هذا- قد صان العربية عن العجز والاستخذاء أمام المعاني العلمية الحديثة.(1/167)
والجانب الآخر والمهم من هذه الأقسام يجمع طائفة من التوجهات الخاصة باختيار المصطلحات أو وضعها وتعريفها، وتهيئتها للاستعمال العام، وهذه التوجهات تدور كلها حول الربط بين قديم اللغة وجديدها، والإفادة مما ضمته الكتب العربية القديمة من مصطلحات علمية وفنية وحضارية.. وعرض الألفاظ والمصطلحات المختارة على الهيئات العلمية وجمهرة الناس لترى فيها رأيها وتنقذها، وإشاعة الألفاظ التي يتم تمحيصها والموافقة عليها في دوائر التعليم، ومن طريق الصحافة والإذاعة وغيرهما من وسائل الإعلام، وكثير من قرارات هذا القسم ينحو نحو التوجيه للجان المجمع وخبرائه فيما يقومون به من جمع المصطلحات واختيارها وتعريفها وعرضها واعدادها لأن تاخذ أمكنتها في مختلف المعاجم. ولقد اقتصر على اثبات نصوص القرارات، دون شرح وتمثيل، فلو شرح كل قرار ومثل له لبلغ الحجم أضعافاً. فما من قرار إلا ودار حوله من البحوث والمناقشات ما يستغرق الكثير من الصفحات.(1)
10) التوصيات الخاصة بوضع المصطلحات العلمية:
لقد أقر مجلس المجمع ومؤتمره في دورته الخامسة والأربعين عام 1979 التوصيات الخاصة بوضع المصطلحات العلمية، والتي نشرت في المجلد الحادي والعشرين من مجموعة المصطلحات العلمية والفنية وهي:
آ-المبادئ الأساسية لاختيار المصطلح:
1-الالتزام بما أقره مجلس المجمع ومؤتمره من نهج أو أسلوب لوضع المصطلحات العلمية وتعاريفها.
2-الوفاء بأغراض التعليم العالي ومطالب التأليف والترجمة والثقافة العلمية العالية باللغة العربية.
3-الحفاظ على التراث العربي وخاصة ما استقر منه من مصطلحات علمية عربية صالحة للاستعمال الحديث.
4-مسايرة النهج العلمي العالمي في اختيار المصطلحات العلمية، ومراعاة التقريب بين المصطلحات العربية والعالمية لتسهيل المقابلة بينهما للمشتغلين بالعلم وللدارسين.
ب-التوصيات:
__________
(1) ينظر: مجموعة القرارات العلمية، الصفحات: ن س ع ف ص ق ر.(1/168)
1-الأخذ ما أمكن بوضع مصطلح عربي لمقابلة الانكليزي أو الفرنسي مع الاسترشاد بالأصل اللاتيني أو الاغريقي إن وجد، ومراعاة أن يتفق المصطلح العربي مع المدلول العلمي الأجنبي، دون تقيد بالدلالة اللفظية مثل:
"غرفة كاتمة" وليس "غرفة ميتة" في مقابل: dead room
"انفعال" وليس "ضغطاً" في مقابل: strain
"مكونات فحمية" وليس "مقاييس فحمية" في مقابل: coal measures
"نيم الريح" وليس "علامات الريح" في مقابل: wind marks
"مهبط النهر" وليس "تحت النهر" في مقابل: down stream
"المد" في مقابل: high tida و"الجزر" في مقابل: low tide
"صخور مغتربة" في مقابل: Nappes
"منكشف الصخر" في مقابل: out crop
"طية متكئة" في مقابل: overfold
"مهوى الصدع" في مقابل: hade of fault
2-إيثار الألفاظ غير الشائعة لأداء مصطلحات علمية ذات دلالة محددة دقيقة، مثال ذلك:
"كم" بدلاً من "كمية" في مقابل: Quantum
"امتزاز" بدلاً من "امتصاص سطحي" في مقابل: adsroption
"استطارة "بدلاً من "تبعثر" في مقابل scattering
"أيض" بدلاً من "تحول غذائي" في مقابل: metabolism
"مبدى" بدلاً من "عتبة" في مقابل: threshold
"تطوّح" في مقابل: straggling
"بوغ" بدلاً من "جرثومة" في مقابل: spore
"الصخر السرئي" بدلاً من "بيض السمك" في مقابل: oolitic rock
"التجوية "بدلاً من "التأثر بالعوامل الجوية" في مقابل: weathering
على أن تتجنب الألفاظ الغربية والمبتذلة والثقيلة على النطق أو السمع ... والتي لا يسهل الاشتقاق منها مثل:
"الرياضيات" بدلاً من "ماتيماتيقا" في مقابل: mathematics
"ترمومتر" بدلاً من "محرار" في مقابل: thermometer
"الكحول" بدلاً من "الغول" في مقابل: A´lcohol
3-التعريب عند الحاجة، وبخاصة عندما ينصب المصطلح الأجنبي على اسم علم، أو كان من أصل يوناني أو لاتيني شاع استعماله دولياً، ويحتفظ بصورته الأجنبية مع الملاءمة بينها وبين الصيغ العربية، مثال ذلك:(1/169)
فيزيقا:physics جيولوجيا:geology
بيولوجيا:biology فسيولوجيا:physiology
ديناميكا: dynamics استكاتيكا: statics
سيكلوترونcy- clotron نيوترون:neutron
أنزيم: enz- yme ببسين: pepsin
ميكا: mica كاميرة:camera
4-اعتبار المصطلح المعرب من اللغة العربية واخضاعه لقواعدها، وإجازة الاشتقاق والنحت منه، واستخدام أدوات البدء والالحاق، على أن يقاس كل ذلك على اللسان العربي. مثال ذلك لفظ "أيون" مقابل "ion" الذي اشتق من الفعل "أين" فيقال: "أينت الغاز فتأين" وينسب إليه فيقال: "جهد أيوني" و"كثافة أيونية" و"غاز مؤين" وينحت منه "كاتيون" أي"أيون" كاتودي" و"آينون" أي "أيون أنودي" و"محلول لا أيوني" و"أكسيد": oxide الذي اشتق منه أكسدة ومؤكسد ومؤكسَد. و"بسترة اللبن" pasteurization واشتق منه "لبن مبستر" و"لبن لا مبستر".
5- الأخذ بما درج المختصون على استعماله من مصطلحات ودلالات علمية خاصة بهم أو قاصرة عليهم، معربة كانت أو مترجمة مثال ذلك:
متزامن: synchronus متفلور: fluorescent
هدرته: hydration ترانزستور: transistor
تلجنن:lignification كربنة: carbonation
تصخر: petrification تسلكت cilicification
اللهم الا أن يتبين خطأ الاستعمال الشائع، فيستبدل به استعمال صحيح مثل "حاسب الكتروني" لا"عقل الكتروني": computer (الحاسوب)
6-افراد المصطلح الواحد بلفظ واحد ما أمكن: وهذا يساعد على تسهيل الاشتقاق والنسبة والإضافة والتثنية والجمع، مثال ذلك لفظ "ترمومتر" بدلاً من "مقياس درجة الحرارة" فيقال: "قراءات ترمومترية" بدلاً من "قراءات مقياس درجة الحرارة" و"ترمومترات بلاتينية "بدلاً من "مقياس درجات الحرارة البلاتينية" هذا بالإضافة إلى ما في هذا التعبير الأخير من اللبس.
وكذلك "زوم" للعدسة ذات البعد البؤري المتغير: zoom
و"بريشة" بدلاً من كسارة صخرية ملتحمة: breccia
و"دوللي" بدلاً من "حامل الكاميرة المتحرك": dolly(1/170)
7-توحيد المصطلحات المشتركة "عربية كانت أو معربة" ذات المعنى الواحد بين فروع العلم المختلفة. فإن كان المصطلح أصيلاً في أحد فروع العلم الأساسية التزمت به الفروع الأخرى مثل: "فوتون" و"الكترون" وهما مصطلحان نشآ أصلاً في الفيزيقا واستخدمتها بقية العلوم. أما إذا كان مشتركاً بين علوم مختلفة، فينبغي أن يتم عليه اتفاق واجماع من المختصين في هذه العلوم، مثال ذلك أسماء العناصر.
8- عند وجود ألفاظ مترادفة أو متقاربة في مدلولها، ينبغي تحديد الدلالة العلمية الدقيقة لكل واحد منها، وانتقاء اللفظ العلمي الذي يقابلها، مثال ذلك:
مقاومة: resistance معاوقة:impedance
ممانعة: reluctance مقاصرة: inertance
ويحسن عند انتقاء مصطلحات من هذا النوع أن تجمع كل الألفاظ ذات المعاني القريبة أو المتشابهة الدلالة وتعالج كلها مجموعة واحدة.
9-ضرورة تعريف المصطلح، ولا شك في أن المصطلحات يفسر بعضها بعضاً، وحين يرد مصطلح في تعريف مصطلح آخر فلا محل لتعريفه هنا، وإنما يرجع إلى تعريفه في موضعه.
10-يكتب اسم العالم الأجنبي بالصورة التي ينطلق بها في لغته، مع الإشارة إلى جنسيته وتخصصه، ويضاف إليه الاسم مكتوباً بالحروف اللاتينية.
11-البدء بالمصطلحات الأشهر والأكثر تداولاً ثم تأتي مرحلة تالية المصطلحات الأقل شهرة وتداولاً، ذلك ييسر اخراجها في معاجم موجزة أو وسيطة أو كبيرة.
12-عند طباعة المعاجم تكتب المصطلحات الأجنبية بحروف صغيرة مالم تكن أعلاماً، ويكتب المصلطح العربي المقابل غير معرف بالألف واللام ليتيسر الكشف عنه في المعجم.(1)
11) المجمع وتوحيد المصطلحات العلمية العربية:
__________
(1) مجموعة القرارات العلمية والفنية التي أقرها مجمع اللغة العربية عام 1979/مج21.(1/171)
"من حق العالم أن يضع مصطلحه، ولكن لا قيمة لهذا المصطلح إلا إذا أقر من أهل العلم والمتخصصين، وبذا يصبح جزءاً من اللغة العلمية الشائعة. ولم يكن علماء العرب في نهضتهم الحديثة وثيقي الصلة فيما بينهم، إذ يصطلح كل كما يرى ويعبر كما يحلو له. وفوق هذا تباينت هذه النهضة في تاريخ بدئها ومؤثراتها من بلد إلى آخر.. وقد أدى ذلك إلى بلبلة المصطلح واضطراب الاستعمال في الحديث والكتابة، وأريد بالمجامع اللغوية أن تتدارك هذا النقص، وتعاون في توحيد المصطلحات العربية. وفي سبيل هذا التوحيد حرص مجمع القاهرة دائماً على أن يساهم فيه علماء العرب جميعاً كي تجيء مصطلحات وليدة اجماع وثمرة تعاون مشترك.
ومن مبادئه الثابتة أن لا يصبح المصطلح نهائياً إلا إذا أقره المؤتمر السنوي رمز هذا التعاون، ومتى أقر نشر في المجلة أو في مجموعات خاصة وبلغ للهيئات العلمية في شأن بعض المصطلحات، ويجيب دون أن يفرض رأياً أو يلزم بقرار..
ولا شك في أن لقرارات المجلس وزنها، وفي نشرها ما يمكن من الإفادة منها، وللمصطلحات فيها نصيب واضح، وقد بقي قدر كبير منها محبوساً زمناً، ومنذ انتظم نشرها أقبل الناس عليها وكثر استعمالها، وتلك وسيلة هامة لتوحيد المصطلح العربي، وتعاونها اليوم وسائل أخرى، في مقدمتها الاتحادات والمؤتمرات العلمية العربية التي تنعقد من حين لآخر، كالمؤتمر الطبي، ومؤتمر الصيدلة، والمؤتمر الجغرافي، والمؤتمر العلمي، ويحرص المجمع على أن يشترك في هذه المؤتمرات ويتابع نشاطها.
ودرج المؤتمر العلمي على أن يشتمل جدول أعماله على مجموعة قيمة من المصطلحات العلمية، ولا يتردد في أن يحيلها على المجمع.(1/172)
وللنشر والتأليف العلمي شأن في تداول المصطلحات واستعمالها، يضعها في إطارها ويبرز قيمتها، وقد نشط في السنين الأخيرة نشاطاً ملحوظاً. وأصبحت العربية تشتمل على مؤلفات علمية لم تكن معروفة من قبل، وربما ألحق المؤلف بكتابه ثبتا بما ورد فيه من مصطلحات ومقابلها الأجنبي. ولا نزاع في أن الدراسة الجامعية ستدفع هذا التأليف قدماً، وتوفر كتبا علمية قيمة.
وليست مشكلة توحيد المصطلح العلمي بمقصورة على العربية، فقد صادفتها لغات أخرى، وعالجتها على النحو الذي نسلكه. وإذا كانت مصطلحات بعض العلوم قد ثبتت فيها واستقرت، فهناك علوم أخرى، وخاصة الحديثة نسبياً، ما تزال مصطلحاتها قلقة ومتعارضة.. ولقد أحست الجامعة العربية بواجبها نحو توحيد المصطلح العلمي والفني، فعقدت له اللجان ونظمت المؤتمرات. وفي وسعها أن تقود حركة ثقافية عربية شاملة ربما كانت أعمق وأنجع مما تعالجه منظمة اليونسكو في النطاق الدولي(1) لهذا أنشأت مكتب تنسيق التعريب الذي سيأتي الكلام عليه.
12) جهود المجمع في نشر مجموعات المصطلحات العلمية والفنية:
__________
(1) مدكور، ابراهيم/ مجمع اللغة العربية في ثلاثين عاماً، ماضية وحاضرة/ 57-58(1/173)
"لقد تولت مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة فور صدورها القيام بنشر بعض المصطلحات العلمية والحضارية بدء من الجزء الأول(1) وحتى الجزء السابع، وذلك بالإضافة إلى ما كانت تنشره من موضوعات لغوية أخرى. وكانت هذه المصطلحات تتصل بعلوم مختلفة وأكثرها المصطلحات الرياضية والقانونية والاقتصادية، وعلم الأمراض وعلم الرمد البكتيريات وعلم الكيمياء وعلم الحرارة وعلم الكهرباء واللاسلكي وعلم الأحياء، وفي الآداب والفنون والحضارة"(2).
"ولم يقف المجمع عند هذا النشر الضمني في مجلته، بل حرص على أن يقف مجلدات مستقلة على ما أقره من مصطلحات، فنشر عام 1942 (مجموعة المصطلحات العلمية والفنية) التي أقرها في الدورات الست الأولى وتشتمل على نحو 3600 مصطلح ولعلها لا تخلو اليوم من أخذ ورد، فقد كانت الباكورة الأولى، والعلم في تقدم مستمر.
ثم توقف النشر زمناً لأسباب شتى وعاد أخيراً في شيء من الاطراد والتتابع، فنشر المجمع عام 1957 (المجلد الأول من مجموعة المصطلحات العلمية والفنية) التي أقرها، تاركاً جانباً المجموعة القديمة. ويحتوي هذا المجلد على نحو 9600 مصطلح في شتى العلوم والفنون والذي أعيد طبعه عام 1971.(3).
ثم تتابع نشر هذه المجموعات حتى بلغ عام 1988 ثمانية وعشرين مجلداً احتوت نحو ستين ألف مصطلح (60000) أو يزيد.
__________
(1) وقد صدر العدد الأول من المجلة في جمادى الآخرة عام 1354هـ الموافق لسبتمبر (أيلول) 1934م وطبعت بالمطبعة الأميرية بالقاهرة. وقد خصص القسم الأول منها لمواضع دائمة مثل القرارات والمصطلحات العلمية.
(2) الشهابي، مصطفى /المصطلحات العلمية في اللغة العربية/ 81
(3) مدكور، ابراهيم/ مجموعة المصطلحات العلمية والفنية/ مج2 (المقدمة).(1/174)
"ويحرص المجمع على أن يعرف مصطلحاته وكان قديماً يكتفي بسردها، وأصبح التعريف جزءاً متمماً للمصطلح يوضحه ويعين على نشره واستعماله، وفيه مجال فسيح لتعليق العلميين وملاحظات اللغويين، وقد يتطور البحث فيزيد الفكرة دقة ووضوحاً"(1)
"وربما تحولت هذه المجموعات إلى معاجم متخصصة. وقد حصل أن أتيح للمجمع فرصة اخراج معجمات متخصصة في العلوم الطبيعية والرياضية كالجيولوجيا والهيدرولوجيا والفيزيقا والفيزيقا النووية، والكيمياء والصيدلة"(2).
وعلى الرغم من الجهود المشكورة التي بذلها المجمع على مدى ستين عاماً في وضع المصطلحات العلمية والفنية بالطرق المختلفة، فإنها تبقى ناقصة لا تفي بالقصد إلا قليلاً نظراً لتقدم الركب العلمي السريع.
ولقد قيل أخيراً: "أن المجمع يكاد يقف على المصطلحات كل وقته، وليته يخفف من نظرها بعض الشيء. وأغلب الظن أنه لم يدفعه إليها إلا حاجة ماسة وضرورة ملجئة. فقد أعانت مصطلحاته حركات التعريب التي تضطلع بها بلاد عربية شقيقة"(3).
ومن الواضح أن المجمع قد نجح في مهمته بوضع آلاف المصطلحات العربية في العلوم والفنون، ولكن الانتفاع بها في مصر كان ضعيفاً، وخاصة في الجامعات والمعاهد العليا التي بقيت بعيدة عن الاستفادة من هذه المصطلحات إذ أن معظمها يعتمد اللغة الانكليزية لغة التدريس.
ويقول أحد الباحثين في هذا المعنى: "ولعل ما جعل أعمال هذا المجمع نظرية أكثر مما هي عملية أن المصطلحات التي أقرها أو وضعها لم تستخدم في التدريس الجامعي الذي ما زال يؤدى في مصر بالانكليزية في الكليات العلمية"(4).
__________
(1) مدكور/ المرجع السابق/ مج 21 (المقدمة) ومج 25 (المقدمة)
(2) مدكور/ المرجع السابق/ مج 21 (المقدمة) ومج 25 (المقدمة)
(3) مدكور، ابراهيم/ مجموعة المصطلحات العلمية والفنية/ مج5 (المقدمة).
(4) الخوري، شحادة/ تعريب التعليم العالي وصلته بالترجمة والمصطلح /مجلة (اللسان العربي) مج21/146.(1/175)
أهم منشورات المجمع من معاجم المصطلحات العلمية:
1-معجم الجيولوجيا، ط1965. وأعيد طبعه مرة ثانية عام 1982
2-المعجم الجغرافي، ط1974
3-معجم الكيمياء والصيدلة، ط1983
4-معجم الفيزيقا، ط1984
5-معجم الهيدرولوجيا
6-معجم الفيزيقا النووية.
(((
(الفصل الثالث)
المجمع العلمي العراقي
1-لمحة عن المحاولات الأولى لانشاء المجمع
2-قواعد المجمع القديم في وضع المصطلح العلمي
3-المجمع العلمي العراقي الجديد وأعماله:
4-منهجية المجمع في وضع المصطلحات وإقرارها
5-جهود المجمع في وضع المصطلحات العلمية.
1) لمحة عن المحاولات الأولى لانشاء المجمع:
في سنة 1925 حاول المعهد العلمي ببغداد وهو النادي الأدبي المؤسس بالعراق سنة 1921 أن يؤسس مجمعاً لغوياً فدعا جماعة من رجال العلم والأدب إلى اجتماع عقدوه في داره في 23 كانون الثاني سنة 1925، فعرض عليهم فكرة إنشاء المجمع اللغوي فقرروا باجماع ما يأتي:
"نحن المجتمعين في بناية المعهد العلمي في 23 كانون الثاني 1925 الموقعين أدناه بعد المداولة في موضوع تأسيس مجمع لغوي يقوم بتعريب الكلمات وإيجاد الاصطلاحات العلمية وترجمة الكتب التي يحتاج إليها العالم العربي قررنا أن تأسيس مجمع علمي لتحقيق هذه الأمنية من الضروريات الحيوية للغة العربية ونهضة البلاد فقررنا باجماع الآراء تأليف لجنة من السادة جميل الزهاوي ومعروف الرصافي..
بتهيئة الوسائل والمناهج ومراجعة الحكومة بهذا الخصوص...".
"وفي سنة 1926 أنشأت وزارة المعارف العراقية مجمعاً لغوياً ووضعت له اعتماداً مالياً في ميزانية سنة 1926م، وكان ذلك بعناية وزير المعارف وهمة مدير المعارف العام الأستاذ ساطع الحصري، وصدق المشروع مجلس الوزراء وأقره مجلس الأمة في اجتماعه الأول المعتاد.
"ووضع المجمع الجديد باستشارة وزارة المعارف منهجاً لعمله دعاه (تعليمات لجنة الاصطلاحات العلمية في وزارة المعارف) يلخص فيما يأتي:(1/176)
1-تنظر اللجنة في الاصطلاحات العلمية والأدبية وكل ما يجد ويحدث من الكلمات في اللغة، وخاصة في الاصطلاحات التي تستعمل في المدارس والكتب المدرسية، وبالجملة تسعى إلى كل ما يؤدي إلى اصلاح اللغة وتوسيعها وانهاضها إلى مستوى لغات العلم والأدب في العصر الحاضر، وتنظر في الكتب المدرسية وغيرها مما يعرض عليها وتبدي رأيها فيها من وجهة اللغة والاصطلاحات العلمية.
2-تجتمع اللجنة مرة كل أسبوع.
3-تستشير اللجنة في المسائل المهمة والمصطلحات الجديدة التي تضعها المجامع العلمية في مصر وسورية ليحيطوا بها علماً، ويبدوا فيها رأياً، وبعد تلقي آرائهم تعيد نظرها فيها، ثم تقرر قرارها النهائي.
4-إذا خلا كرسي في اللجنة فاللجنة هي التي تنتخب له العضو الجديد(1)..."
2) قواعد المجمع القديم في وضع المصطلح العلمي:
"واختط هذا المجمع خطة علمية جعلها أساساً لعمله في وضع الكلمات أو المصطلحات العلمية هذا نصها:
تعد اللجنة المواد الآتية قواعد ودساتير تتبعها فيما تضعه وتقرره من المصطلحات العلمية والكلمات اللغوية.
آ-إن الاشتقاق قياسي في اللغة قياساً مطلقاً في أسماء المعاني التي هي عرضة لطروء التغير على معانيها، ومقيداً بمسيس الحاجة في الجوامد.
ب-إن وضع الكلمات الحديثة في اللغة يجري إما على طريقة الاشتقاق، وأما على طريقة التعريب، ولا مانع من الجمع بينهما كما في (مسرة) و(تلفون) ويرجع إلى النحت عند الحاجة.
ج-لا يذهب إلى الاشتقاق في وضع كلمة حديثة إلا إذا لم يعثر في اللغة على ما يؤدي معناها بخلاف التعريب، فإنه يجوز تعريب كلمة أعجمية مع وجود اسم لها في العربية كما هو الشأن في أكثر المعربات الموجودة في اللغة.
د-يشترط في الكلمات التي تختار من كتب اللغة ليعبر بها عما حدث وتجدد أن تكون مأنوسة غير نافرة، وإلا وجب تركها والذهاب إلى طريقة الاشتقاق أو التعريب.
__________
(1) جواد، مصطفى/المباحث اللغوية في العراق/ 80-82.(1/177)
هـ-يرجح الشائع المشهور من المولد والد خيل على الوحشي المهجور من الكلمات التي في معاجم اللغة.
و-لا يشترط في المعرب رده إلى وزن من أوزان الكلمات العربية ولكن يستحسن ذلك أن أمكن كما يستحسن تغييره بما يجعله قريباً من اللهجة العربية..
ز-اللغة إنما تقرر باستعمال العامة أكثر من وضع الخاصة، لكن هذا فيما عدا المصطلحات العلمية فالأمر فيها بالعكس.(1).
وقال الأستاذ ساطع الحصري: وقد تألفت لجنة رسمية في مدينة السلام سنة 1926 لتقرير المصطلحات العلمية، إلا أنها ألغيت لأسباب مؤسفة بعد مدة وجيزة قبل أن تنجز عملاً ذا بال، مع هذا كانت قد وضعت خطة علمية لعملها واعتبرت المواد السابقة التي نقلناها قواعد ودساتير فيما تضعه وتقرره.. وقال: ولقد قبلنا هذه القواعد من حيث الأساس وأخذنا نسير عليها في اختيار الاصطلاحات التي نضطر إلى استعمالها في هذه المجلة(2). مع هذا رأينا من الضروري أن نضيف إليها القواعد والمبادئ الآتية:
__________
(1) جواد، مصطفى/ المباحث اللغوية في العراق/ 83-84. نقلاً عن رفائيل بطي في (لغة العرب) مج4 ص385 -359 وساطع الحصري في مجلة (التربية والتعليم)ج5 ص295-1928.
(2) جواد، مصطفى/ المباحث اللغوية... /87. نقلاً عن (مجلة التربية والتعليم) ج5 ص295-325 مقال (حول الاصطلاحات العلمية) لساطع الحصري.(1/178)
آ-أن بعض المصطلحات تبقى بطبيعتها محددة الاستعمال فلا يستعملها عادة إلا طبقة خاصة من الاختصاصيين. أما بعض المصطلحات الأخرى فتكون مرشحة للانتشار وذلك لأنها ستستعمل حتماً من قبل جميع أفراد الطبقة المنورة، وقد تدخل في لغة الشعر والأدب وتنتشر بين جميع الناس، فيجب علينا أن نلاحظ هذه النقطة الجوهرية عندما نحاول الترجيح بين الاشتقاق والتعريب. ففي القسم الأول(1) يمكننا أن نستعمل الكلمات الأجنبية كما أنه يجوز لنا أن نبقيها على هيئتها الأصلية. أما القسم الثاني (2) فمن الواجب أن نختار الكلمات العربية ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. وأما إذا اضطررنا إلى استعمال كلمة أجنبية فيجب أن نعربها تعريباً تاماً (وذلك بأن نفرغها في قالب عربي يسهل به لفظها على الناطقين بالضاد ولا حاجة إلى البيان بأن الاصطلاحات العائدة إلى البكتريولوجي مثلاً تعتبر من القسم الأول. أما الاصطلاحات العائدة لعلم النفس فهي من القسم الثاني.
__________
(1) يقصد المصطلحات المحدودة التي تستعملها طبقة خاصة من الاختصاصيين.
(2) يقصد المصطلحات التي يستعملها جميع أفراد الطبقة المنورة فتنشر بين جميع الناس.(1/179)
ب-إن من المصطلحات ما يكون جامداً من حيث المعنى فلا يحتاج إلى مشتقات في حين أن منها ما يكون متصرفاً من حيث المعنى فيحتاج إلى عدد قليل أو كبير من المشتقات، فيجب علينا أن نلاحظ هذه النقطة أيضاً فلا نختار مقابل المصطلحات التي هي من الصنف الثاني إلا ما يقبل التصريف، فعندما نبحث عن اصطلاح من الاصطلاحات يجب أن نلاحظ مشتقاته المستعملة في اللغات الأجنبية لكيما نضع ما يقابل جميعها صفقة واحدة. مثال ذلك أنا عندما نفكر في الكلمة التي سنصطلح عليها مقابل objectif يجب أن نلاحظ في الوقت نفسه أن علينا أن نشتق منها ما يقابل كلمات مثل: objectivisme -objectivation- objectivit وعندما نحاول أن نوجد كلمة مقابل idéal يجب أن نفكر في الوقت نفسه بمشتقاتها الضرورية مثل: idéalistو idealism ولذلك لا نعتقد بكفاية تعبير (المثل الأعلى) الذي صار يستعمل في هذا المعنى، لأن هذا التعبير عاجز عن توليد مشتقات تقابل تلك المعاني(1).
(ج) ان بعض المصطلحات ذات علائق شديدة بمصطلحات أخرى لدلالتها على معان متقاربة أو متعاكسة، فيجب علينا أن نلاحظ جميع هذه المصطلحات مرة واحدة لكي نحصل على تناسب بينها من جهة ولكي لا تخصص كلمة مقابل احدى المصطلحات في حين أنها قد تكون أليق وألزم للدلالة على غيرها من جهة أخرى، مثال ذلك أنا عندما نبحث عن اصطلاح يقابل automatique الذي يدل على نوع من أنواع الحركات والأفعال يجب علينا أن نلاحظ بقية الأنواع، ونفكر فيما يقابل كلا من كلمات:
__________
(1) المرجع السابق ذاته /87/88. نقلاً عن مقال (حول الاصطلاحات العلمية) لساطع الحصري المنشور في مجلة (التربية والتعليم) مج5/295-305/ 1928.(1/180)
justinctif , réfléxe, spontané, involontaire فقد رأينا بعض الكتاب ترجموا كلمة reflexe (لا ارادية) لأنهم لم يلاحظوا أن مدلول هذه الكلمة ما هو الا نوع من أنواع الأفعال اللاارادية وأن كلمة involontaire التي تطابق (اللاارادي) كل المطابقة.(1).
(د) لم يتيسر للغة من لغات العالم أن تصل إلى درجة الكمال المطلق من وجهة المصطلحات في جميع العلوم لأن غاية الكمال في اللغة هي أن يخصص لكل معنى كلمة معينة أو تعبير معين، وأن لا يلتبس في الذهن معنيان من كلمة واحدة في حين أنه لا يزال في كل اللغات كثير من الكمات التي تدل على معان مختلفة حتى على معان متباعدة، فإذا كانت المصطلحات قد وصلت إلى درجة الكمال في بعض العلوم مثل الطبيعيات والرياضيات فإنها بعيدة عن هذه الدرجة في العلوم الأخرى مثل النفسيات والاجتماعيات، فعندما نحاول وضع اصطلاح مقابل كلمة واحدة لا ينبغي أن نوجد كلمة تدل على جميع المعاني المفهومة من الكلمة الأصلية على اختلاف أنواعها بل بعكس ذلك يجب علينا أن نوجد اصطلاحاً خاصاً مقابل كل معنى من تلك المعاني المختلفة على حدة. مثال ذلك أن كلمة sujet الافرنسية تدل على سبعة معان مختلفة (راجع قاموس الفلسفة الذي نشر تحت رعاية جمعية الفلسفة الافرنسية) يقابلها ست كلمات في الالمانية وفي الانكليزية كلمتان. وإذا حاولنا نحن أن نوجد كلمة واحدة مقابل جميع هذه المعاني المختلفة نكون قد كلفنا أنفسنا مشقة عظيمة بدون جدوى وذلك في سبيل تقليد احدى اللغات بجميع نواقصها تقليداً أعمى.
... إن مقارنة الاصطلاحات التي تستعملها الأمم المختلفة تدلنا على ما يجب عمله في مثل هذه الأحوال دلالة ثمينة فلذلك يجب علينا أن نلاحظ المصطلحات المستعملة في الافرنسية والألمانية والانكليزية قبل أن نقرر المصطلحات الملائمة للغتنا(2)
(
__________
(1) جواد مصطفى /المباحث اللغوية في العراق/ 88 نقلاً عن مجلة التربية والتعليم.
(2) المرجع السابق نفسه 89.(1/181)
هـ)- إن الاصطلاحات من الأمور الوضعية والاعتبارية، فالكلمات عليها في المعاني العلمية لا تدل على تلك المعاني من حيث اللغة دلالة تامة إلا في بعض الأحوال الاستثنائية، فلذلك ليس من الضروري أن نترجم الكلمة المصطلح عليها ترجمة حرفية بل من الأوفق أن نتحرى الكلمة التي يمكنها أن تدل علىالمعنى المطلوب على أحسن الصور وأوضحها. ولما كان يتعسر علينا في معظم الأحوال أن نوجد كلمة عربية تدل على المطلوب دلالة تامة فيتحتم علينا في مثل هذه الأحوال أن نبحث عن أقرب الكلمات من المعنى المطلوب، وأن نخصصها بها وأن كان معناها اللغوي الأصيل أعم أو أخص من هذا المعنى. هذا ولا حاجة إلى البيان أن الكلمات لا يمكن أن تخصص بمعان جديدة إذا كانت كثيرة الاستعمال في معانيها القديمة فيجب أن نختار الكلمات التي نود تخصيصها بمعان جديدة علمية من التي لا تستعمل كثيراً أو نصوغها بصيغة لم تدرج عليها إلا قليلاً.
... مثال ذلك أن كلمة behaviour الانكليزية تستعمل في علم النفس بمعنى اصطلاحي لا ينطبق على معناها اللغوي انطباقاً تاماً، فلا يجوز لنا أن نترجم هذا الاصطلاح بكلمة (سلوك) لأن هذه الكلمة لا تدل على المعنى المقصود من جهة ولا يمكن أن تخصص بهذا المعنى لكثرة استعمالها في معنى آخر من جهة أخرى، فمن الأوفق أن نختار كلمة أقل شيوعاً من كلمة (السلوك) فنقول مثلاً (انتهاج) ولا حاجة إلى الايضاح بأنه لا يتعسر تخصيص هذه الكلمة بالمعنى المطلوب لعدم استعمالها في هيئتها هذه استعمالاً دارجاً.
((1/182)
و) وإن قصر اللفظ وسهولته من أهم الأوصاف التي يجب أن تتصف بها المصطلحات سيما إذا كانت مما ستتداول على الألسن تداولاً كبيراً. فإذا نظرنا إلى المصطلحات الافرنجية رأينا معظمها قصيرة وسهلة التلفظ، كما أننا نرى بعضها آخذة في التطور نحو صيغ أقصر من ذي قبل. فقد صار الناس يقولون (سينما) مقام (سينما طوغراف) و(راديو) مقام (راد يوفون) و(مترو) عوضاً عن (متروبوليتان) كما أن علماء الفلك صاروا يقولون pamecعوضاً عن تعبير parallaxe- secombeأي اختلاف المنظر ثانية واحدة. فلا يجوز لنا والحالة هذه أن نعتمد كثيراً على التراكيب الاضافية الطويلة التي تتألف عادة من اسمين وحرف تعريف بل يتحتم علينا أن نهتم بأمر القصر والسهولة اهتماماً كبيراً وأن نقدم على (النحت والاختزال) بمقياس واسع. ونحن نعتقد أن التوسع في النحت أصبح من أهم حاجات اللغة العربية، ونظن أيضاً أنه لا سبيل بدون ذلك إلى اغنائها بما تحتاج إليه من المصطلحات العلمية المتنوعة الجديدة. إننا لا نقصد من النحت تركيب الكلمات العربية من بعض الجذور الأعجمية كما يقترحه بعض الكتاب، بل نقصد النحت الأصولي الذي أدخل في اللغة العربية عدداً غير قليل من الكلمات والتعبيرات المختزلة مثل (شقحطب) و(بسملة) و(ملاشاة) و(حبرمة) تلك الكلمات والتعبيرات المختصرة التي تفتقر العلوم الحديثة إلى أمثالها افتقاراً شديدً(1).
3) المجمع العلمي العراقي الجديد وأعماله:
__________
(1) جواد، مصطفى/ المباحث اللغوية في العراق/ 90-91 نقلاً عن مجلة التربية والتعليم حول الاصطلاحات العلمية للاستاذ ساطع الحصري /ج5 ص295-305، 1928.(1/183)
وفي سنة 1945 ارتأت وزارة المعارف العراقية تأسيس لجنة لمؤازرة المؤلفين والمترجمين والناشرين، دعتها (لجنة التأليف والنشر) واستمرت في عملها حتى سنة 1947 حين صدرت الإرادة الملكية بتأسيس المجمع العلمي العراقي بتاريخ 26 تشرين الثاني 1947.(1)
وقد نصت الفقرة (آ) من المادة الثانية من نظام المجمع على ما يلي: "العناية بسلامة اللغة العربية والعمل على جعلها وافية لمطاليب العلوم والفنون وشؤون الحياة الحاضرة (2).
ويمكن ايجاز أعماله على الوجه التالي:
-كان ينظم موسماً كل عام لالقاء المحاضرات.
-أصدر مجلته ابتداء من سنة 1950.
-جعل وكده- منذ نشأته- نشر آثار السلف نشراً علمياً دقيقاً.(3)
-أولى المجمع المصطلحات العلمية والفنية عناية خاصة، وقصر منذ عدة سنين معظم جلساته على دراسة ما يرد عليه منها من دواوين الدولة ومن المؤسسات العلمية في الخارج، وفي جملتها الادارة الثقافية بجامعة الدول العربية. وقد نشر قسماً مما فرغ منه في أجزاء مجلته، وفي كراسة خاصة، وطبعت ووزعت.. كما نشر في أجزاء مجلته القواعد التي يسير عليها في اختيار المصطلحات والطريقة التي يتبعها في وضع المصطلح(4).
__________
(1) الجبوري، عبد الله/ المجمع العلمي العراقي -نشأته، أعماله/ 31و40.
(2) القاضي، منير/ (رئيس المجمع العلمي العراقي) مجلة المجمع العلمي العربي مج32 جـ1، ص79.
(3) الجبوري، عبد الله/ المجمع العلمي العراقي -نشأته، أعماله/ 31و40.
(4) القاضي، منير/ (رئيس المجمع العلمي العراقي) مجلة المجمع العلمي العربي مج32 جـ1، ص79.(1/184)
من أعمال المجمع الأصلية بذله الرعاية للمصطلحات والعناية بها، وتوجيه مجهوده ونشاطه إلى توسيع أفقها وتثبيتها ونشرها بالنقل والتعريب والاشتقاق، فحاجة الناس إلى المصطلحات اليوم شديدة وطلابها كثر. ومن حق المجمع على المتخصصين والباحثين وأصحاب العلم باللغات مطالبته بوجود مساعدته في هذا الباب وشد أزره، وذلك بتقديم ما عندهم من علم ورأى وتوجيه ونقد، ليؤدي الرسالة العلمية على أكمل وجه وأحسن حال، وهو لهذا وذاك كتب إلى الوزارات والدوائر المختصة يستعينها على تسهيل هذه المهمة بأن ترسل إليه ما تجمع عندها من مصطلحات وما نقلته من كلمات ليدرسها ويرى رأياً فيها. وألف في الوقت نفسه لجاناً من أعضائه ومن غيرهم لوضع مصطلحات لما يرد في الكتب التي يقرر ترجمتها، ومنها اللجنة التي ألفها بموجب قراره المتخذ في جلسته الثالثة عشرة المعقودة في 17/6/1948 لدراسة المصطلحات الواردة في كتاب (مقدمة للكيمياء العضوية) الذي عرضت ترجمته على المجمع لنشرها باسمه أن أمكنه ذلك، وقد عقدت لجنة مصطلحات الكيمياء العضوية عدة اجتماعات درس في خلالها أكثر من 360 مصطلحاً، أقر منها زهاء مئتي مصطلح.. الخ ثم تتالى على المجمع عدد كبير من قوائم المصطلحات من قبل الجماعات والأفراد ليرى رأياً فيها. فقد أرسل إليه الدكتور داود الجلبي أحد أعضائه بمعجم في (مصطلحات أمراض الجلد) فأحاله المجمع إلى لجنة لابداء الرأي فيه، واتخاذه أساساً لمعجم طبي في المستقبل.(1) وفعلاً كان الدكتور الجلبي أحد دعاة المعجم الطبي الموحد.
4) منهجية المجمع في وضع المصطلحات واقرارها:
__________
(1) مجلة المجمع العلمي العراقي مج2/214-232 ومج3 /91-119.وجواد ، مصطفى / المباحث اللغوية في العراق/ 118-122.(1/185)
هي أن يدرس المعروض عليه في لغة الاختصاص أولاً كأن يستعرض حده وتعريفه عند المتخصصين أو في الكتب الخاصة ويتعرف أصله ونشأته ثم يسمع رأي المتخصصين فيما اختاروه من كلمات عربية مناسبة له ثم يستعرض ما ورد في الكتب العربية قديمها وحديثها لغوية كانت أو اختصاصية، من كلمات موافقة مما قد يفي بالمراد، فإذا وقف على كلمة صالحة مناسبة له مؤدية المعنى الاصطلاحي ورأى فيها السلامة والرشاقة، أعني أنها عربية سليمة يألفها الذوق عقد رأيه وبت في الأمر. على أن من عادة المجمع أن لا يرى رأياً في مصطلح ولا يبت فيه إلا بعد الوقوف على آراء علماء البلاد العربية الأخرى فيه، فلعل لهم اجتهاداً فيه أقرب من اجتهاده إلى الصواب وأقوم أو أصح وأحكم، ثم هو حريص كل الحرص على أن لا ينفرد برأي ولا يقر قراراً قد يخرجه عن الوحدة والاجماع واتفاق العلماء من أبناء هذه الأمة، فإنه إنما يدرس المصطلحات من الوجهة العلمية واللغوية والفنية ولتكون سبباً من أسباب جمع الشمل بتوحيد المصطلحات في جميع البلاد العربية، وهو لذلك يعتمد إلى محاضر مجمع فؤاد الأول للغة العربية ومجلته وإلى مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، وإلى الكتب والمجلات التي تعني بالمصطلحات للوقوف على رأيها في كل مصطلح قبل اتخاذ قرار ما ليكلا يتعدد القرار فلا تبقى فائدة من وضع المصطلح. وللزيادة في الاحتياط والأخذ بالتأني قرر أن لا يثبت مصطلحاً إلا بعد مرور ستة أشهر على تاريخ نشره ليتسنى له دراسة الآراء التي تبدى في شأنه وفي ضوئها يقرر المجمع ما يراه صالحاً للاستعمال، فقرارات المجمع إذن هي في الزمن الحاضر قرارات استرجاح (ترجيح) ولن يكون القرر نهائياً إلا بعد مضي المدة التي حددها للوقوف على ما يرد عليه في أثنائها من آراء.(1/186)
وللمجمع خطة في استنباط المصطلحات ووضعها تجمع بين رأي المتقدمين ورأي الباحثين المحدثين وحاجة العربية الملحة إلى المصطلحات، وضرورة تلبية هذه الحاجة واستجابة ندائها لتعود كما كانت لغة للعلم. وهو لذلك يرجو من المؤسسات العلمية اتخاذ خطوات علمية ايجابية في التعاون والتشاور لرفع المستوى العلمي لكي تتمكن في المستقبل من جعل العربية لغة رسمية للتعليم العالي، ولن يتم ذلك إلا بالتعاون بين البلاد العربية كلها في هذا العمل القومي، فلذلك وجه المجمع بدعوة المجمعين الكريمين مجمع فؤاد الأول بمصر والمجمع العلمي العربي بدمشق في هذا المعنى"(1).
"ومنذ أن اتخذت حكومة العراق قرار تعريب التعليم الجامعي ابتداء من العالم الدراسي 1977/1978، وصدور قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية برقم 64 لعام 1977 وبموجبه ألزمت الوزارات وكل المؤسسات في الدولة بالمحافظة على سلامة اللغة العربية، ضاعف المجمع العلمي نشاطه في وضع المصطلحات العلمية، فبعد أن كان عدد لجانه وخبرائها محدوداً، واجتماعات بعضها غير منتظمة، صار فيه عدد كبير من اللجان العاملة في المصطلحات، ومنها: لجان الهندسة والرياضيات والفيزياء والكيمياء والطب، وعلوم الحياة، والزراعة، وعلم النفس، والاقتصاد ولكل لجنة مختص مسؤول من بين أعضاء المجمع، وعدد من أعضائه المختصين وخبراء من خارج المجمع، ويشاركهم خبير لغوي أو أكثر من المجمع أو من خارجه. وتعقد هذه اللجان جلسات أسبوعية منتظمة، وهي تستهدي بآراء وتوجيهات لجنتي الأصول والعربية في المجمع من حيث القواعد ومنهجية العمل"(2).
__________
(1) مجلة المجمع العلمي العراقي/ مج 2 ص214-232 ومج3 ص91-119. وجواد، مصطفى/ المباحث اللغوية في العراق/ 118-122.
(2) الملائكة، جميل /ندوة التعاون العربي في مجال المصطلحات علماً وتطبيقاً/ تونس 7-10 تموز 1986 (ورقة عمل).(1/187)
"وصارت كل لجنة تقدم ما ترتأيه من المسميات القريبة إلى أعضاء المجمع لدراستها، ثم مناقشتها في جلسات عامة. ثم قرر المجمع تيسيرا للعمل تأليف لجنة تنسيق خاصة تضم عدداً من أعضاء المجمع المعنيين بالمصطلحات العلمية، من المختصين بالعلوم أو باللغة العربية تقوم بدراسة ما تقدمه اللجان من مصطلحات وتناقشها مع مقرر اللجنة الخاصة بها، وبعد اتمام ذلك توزع المصطلحات على أعضاء المجمع لابداء ملاحظاتهم، ثم تعرض على مجلس المجمع في جلسات عامة لمناقشتها، واثبات صيغتها النهائية، فإذا تم ذلك تنشر في مجلة المجمع ، وتطبع من كل مجموعة فصل توزع على المعنيين للاطلاع عليها وابداء ملاحظاتهم"(1).
"وكان ملجس المجمع في السابق ينظر في جميع أعمال لجانه، فكانت المصطلحات بوجه خاص تستنفد وقتاً طويلاً بسبب عرضها على المجلس بكامل عدده، وكثرة المناقشات الجانبية والخلاف على الرأي. وقد ارتئي بعد أن زيد عدد اللجان وكثرت المصطلحات أن يختار المجمع هيئة منسقة من المختصين في فروع المعرفة الرئيسية من بين أعضائه يشاركهم نخبة من أهل اللغة منهم. وبعد أن توزع مصطلحات اللجان على جميع أعضاء المجمع وورود الملاحظات التي يقدمها بعضهم عليها تدرس هذه الهيئة مصطلحات كل لجنة والتعليقات عليها بحضور مقرر تلك اللجنة. وتجتمع الهيئة باستمرار وكلما دعت الحاجة إلى ذلك. ولا ينقل إلى مجلس المجمع إلا القضايا التي يستحكم عليها الخلاف. وهي محدودة عادة، ولا تعد المصطلحات مقرة إلا بعد إقرارها من الهيئة والمجلس وقد أمكن بهذه الطريقة مضاعفة إنجاز المصطلحات"(2).
__________
(1) أحمد العلي، وصالح/ مصطلحات علمية/ جـ1 المقدمة/ منشورات المجمع العلمي العراقي 1982.
(2) الملائكة، جميل/ ندوة التعاون العربي في مجال المصطلحات علماً وتطبيقاً/ تونس 7-10 تموز 196 (ورقة عمل).(1/188)
"والطريقة التي سارت عليها هذه اللجان هي أنها تعتمد على معجم مصطلحات أجنبي مختص (انكليزي في الأغلب) وتشير في المقدمة التي تضعها لمجموعة المصطلحات العربية إلى أنها اعتمدت ذلك المعجم والتعاريف الواردة فيه، ولا يخفى أن الأفضل وضع تعريف المصطلح، ولكن متطلبات الاسراع في الانجاز تستدعي تأجيل ذلك إلى مرحلة تالية. فمنذ صدور قرار التعريب بادر عدد كبير من أساتذة الجامعات والمعاهد العراقية إلى تأليف الكتب العلمية أو ترجمتها، والعملية مستمرة. وقد ألزمت تعليمات وزارة التعليم العالي أن يضع مؤلف كل كتاب أو مترجمه في آخره قائمتين بالمصطلحات المهمة التي استعملها، بمدخلين عربي /انكليزي وانكليزي/ عربي، وأن يستهدي بالمعجمات المهمة ومجاميع المصطلحات التي أصدرتها المجامع والهيئات المختصة والأفراد ذوو الاختصاص. وللمؤلف أو المترجم أن يجتهد في حال عدم عثوره على المصطلح الذي يحتاج إليه، على أن يشير إلى ذلك بازاء كل مصطلح من هذا القبيل والمجمع هو المرجع النهائي في جميع الأحوال.
أما القواعد والمنهجية التي تتبعها اللجان فهي القواعد العامة التي منها:
أولاً: تفضيل المصطلح العربي على المعرب، وعدم اللجوء إلى تعريب المصطلح إلا إذا تعذر وجود مصطلح عربي. مع توكيد أن المصطلح يوضع لأدنى علاقة أو ملابسة، فليس المفروض في المصطلح العلمي أن يستوعب كل معناه وإلا لم يكن مصطلحاً.
ثانياً: أن يستفاد من الخزين الكبير من الألفاظ العربية القديمة المماتة في تراثنا اللغوي لوضع المصطلحات، علماً بأنه يفضل ألا يكون المصطلح من الألفاظ المتداولة ذات المعاني الشائعة المعروفة لئلا يلتبس معناه اللغوي بدلالته الاصطلاحية.
ثالثاً: تجنب الغريب النافر من الألفاظ(1/189)
رابعاً:ادراج مصطلح واحد فقط في مقابل كل مصطلح أجنبي ذي مفهوم واحد، لأن المقصود الاصطلاح والتواضع على هذا اللفظ المختار وتجنب الغموض واللبس. صحيح أن الترادف موجود في كل اللغات، ولكن ذكر المترادفات أمر يعود للمعجم اللغوي وليس لمعجم المصطلحات. فالألفاظ (التفريض) و(التحزيز) و(التثليم) و(والتغليل) و(التسنين) و(التضريس) مثلاً، كلها قد نجدها في مقابل indention في المعجم اللغوي وتؤدي معناه، ولكن الاصطلاح العلمي يقتضي اختيار واحدة منها فقط وادراجها في معجم المصطلحات..."
خامساً: تجنب استعمال اللفظ العربي الواحد لأكثر من دلالة اصطلاحية واحدة. فلا نستعمل (التبريد) مثلاً ليقابل cooling مرة وليقابل refrigeration مرة أخرى.
سادساً: تجنب النحت لأنه ليس من طبيعة العربية، ولا يوحي بدلالته للسامع، ويصعب وضع قواعد ثابتة له، ولذا كانت مسموعاته في العربية نادرة.
هذا وثمة قواعد وفوائد صرفية كثيرة تستهدي اللجان فيها بآراء خبرائها اللغويين، وبرأي لجنتي الأصول والعربية في المجمع(1)..."
وكان الاستاذ منير القاضي رئيس المجمع العلمي العراقي السابق قد كتب مذكرة إلى مكتب تنسيق التعريب في الرباط بتاريخ 12/12/1963 حول خطة المجمع في ايجاد المصطلحات العلمية قال فيها: "ومن أعماله الأصلية بذله الرعاية للمصطلحات والعناية بها، وتوجيه جهوده ونشاطه إلى توسيع أفقها وتثبيتها ونشرها بالنقل والتعريب والاشتقاق.
__________
(1) الملائكة، جميل/ ندوة التعاون العربي في مجال المصطلحات علماً وتطبيقاً (ورقة عمل).(1/190)
"وطريقته في دراستها واقرارها أو وضعها: هي أن يدرس المصطلح المعروض عليه في لغة الاختصاص، ويراجع تعريفه عند المتخصصين فيما اختاروه من كلمات عربية مناسبة له، ثم يستعرض ما ورد في الكتب العربية قديمها وحديثها لغوية كانت أو اختصاصية من كلمات موافقة له. فإذا وقع على كلمة صالحة مؤدية للمعنى الاصطلاحي وآنس فيها الرشاقة والسلاسة، عقد رأيه وبت الأمر. على أن من عادة المجمع ألا يتخذ قراراً نهائياً في مصطلح ما إلا بعد الوقوف على آراء البلاد العربية الأخرى فيه، فلعل لها اجتهاداً فيه أصوب من اجتهاده وأقوم أو لعل لها كلمة أصح وأحكم. ثم هو حريص كل الحرص على أن لا ينفرد برأي، ولا يقر قراراً يخرجه عن الاجماع والوحدة لتكون هذه المصطلحات سبباً من أسباب جمع الشمل والتوحيد.
وهو لذلك يعمد إلى محاضر المجمع اللغوي بالقاهرة ومجلته، وإلى مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، وإلى الكتب والمجلات التي تعنى بالمصطلحات للوقوف على رأيها في كل مصطلح قبل اتخاذه قراراً ما، لكي لا تتعدد القرارات فتنتفي الفائدة من وضعها.
وللزيادة في الاحتياط والأخذ بالتأني والتأني قرر أن لا يثبت مصطلحاً إلا بعد مرور ستة أشهر على نشره ليتسنى له دراسة الآراء التي تبدى في شأنه، وعلى ضوئها يقرر ما يراه صالحاً للاستعمال"(1)
5) جهود المجمع في وضع المصطلحات العلمية:
لقد أولى المجمع العلمي العراقي منذ نشأته المصطلحات العلمية جانباً كبيراً من عنايته وكان قد وضع في الخمسينيات مجموعات صغيرة في موضوعات مختلفة من المصطلحات هي:
1-مصطلحات في هندسة السكك الحديد والري والأشغال والطيران-15 صفحة، طبع 1955
2-مصطلحات في صناعة النفط (الاستكشاف والحفر والانتاج والتصفية -6 صفحات طبع 158
3-مصطلحات في القانون الدستوري -3صفحات طبع 1958
4-مصطلحات في الالكترون -3صفحات طبع 1959
__________
(1) المجمع العلمي العراقي/ مجلة اللسان العربي بالرباط، العدد الأول/ 99/1964.(1/191)
5-مصطلحات في علوم الفضاء -8 صفحات طبع 1959
6- مصطلحات في علم التربة -16 صفحة طبع 1960
7-مصطلحات في علم التربية البدنية -40صفحة طبع 1961
8-مصطلحات السكك الحديد (النقل والشحن..) 20صفحة طبع 1962
9-مصطلحات في آلات وأجهزة مكاين الاحتراق الداخلي -12 صفحة طبع 1962
ثم ارتأى المجلس أن تجمع هذه المجموعات الصغيرة في كتاب واحد باسم (المصطلحات العلمية) وطبعة في مطبعته في 130صفحة سنة 1962. وجاء في مقدمته:
"يعمل المجمع العلمي العراقي على وضع مصطلحات علمية في اللغة العربية، وقد اتجه بمجهوده نحو مصطلحات الفنون الصناعية المتداولة في دوائر الدولة وأجهزتها، كمجموعات مصطلحات السكك الحديد والملاحة والطيران والأشغال، وتلك التي تتداول في الانتاج، كمجموعات مصطلحات صناعة النفط ومجموعة مصطلحات آلات مكاين الاحتراق الداخلي وأجهزتها، ومجموعات أخرى.(1)
وعمل المجمع أيضاً على وضع مصطلحات عربية في الموضوعات العلمية الجديدة كمجموعة مصطلحات علوم الفضاء التي أصدرها عام 1959 متوخياً بذلك الاسهام في العمل على أن تواكب اللغة العربية العلوم في حقبتنا الحاضرة. والتي جاء في مقدمتها: "عملت هيئة المجمع طوال السنة 1958/1959 في وضع مجموعة من المصطلحات في علوم الفضاء تناولت مختلف حقولها واختصاصاتها وتتألف هذه المجموعة وهي خامس مجموعة من المصطلحات العلمية ينجزها المجمع وينشرها من 165 مصطلحاً صنفت في خمس موضوعات هي: 1- الفضاءات والأجواء 2- الصواريخ والقذائف والتوابع 3-العلوم الفضائية 4-الملاحة الفضائية 5-الأدوات والأجهزة والمواد.
__________
(1) كتاب (المصطلحات العلمية) المقدمة والفهرس.(1/192)
وقد اقتبس المجمع هذه المصطلحات من مجموعة مقررة أصدرتها جامعة الجو باللغة الانكليزية.. وقد وجد المجمع أن مواد علوم الفضاء قد كثر تداولها بين العلماء.. كما وجد أن هيئة علمية عربية لما تضطلح بعد بمهمة وضع مصطلحات عربية في هذه العلوم. وأن المبادرة إلى وضع مصطلحات عربية فيها يسهل نقل موضوعاتها إلى اللغة العربية نقلاً مستوفياً الصحة والتخصيص"(1)
ثم وجد المجمع أن تلك المصطلحات التي وضعها في الخمسينيات من هذا القرن والتي جمعها باسم (المصطلحات العلمية) لم تعد كافية بالقصد نظراً للتقدم العلمي السريع، لذا رأى لزاماً عليه أن يصدر مجموعات جديدة من المصطلحات العلمية ليستطيع مواكبة العصر. فأصدر الجزء الأول من مجموعته (مصطلحات علمية) والتي طبعها في مطبعته بـ240 صفحة عام 1982 وكانت كل صفحة تحتوي 23 مصطلحاً باللغة الانكليزية مع ما يقابلها باللغة العربية. وقد اشتمل على الموضوعات العلمية التالية:
1-مصطلحات الفيزياء من صفحة 1-62
2-مصطلحات علم الأحياء من صفحة 63-89
3-مصطلحات الهندسة المدنية من صفحة 91-122
4-مصطلحات علم الري والبزل من صفحة 123-160
5-مصطلحات علم الغابات من صفحة 161-207
6-مصطلحات علم النفس والأمراض العقلية من صفحة 209-240
__________
(1) كتاب (المصطلحات العلمية) المقدمة. ومقدمة مصطلحات علوم الفضاء(1/193)
"وقد قدم له رئيس المجمع بمقدمة جاء فيها: "أدرك المجمع العلمي العراقي أهمية تعريب المصطلحات في تيسير التعليم وصيانة العربية وتمكينها من أداء دورها فأولاه عناية خاصة، ووجه معظم لجانه العلمية إلى العمل من أجل تحقيقه، واتخذ قرارات تهدف إلى تنظيم العمل للوصول إلى أفضل النتائج، فأعدت كل لجنة من لجانه المختصة مجموعة من المصطلحات العلمية الداخلة ضمن اختصاصها، وعملت على اختيار المقابل العربي لكل مصطلح، مسترشدة في ذلك بالمعاجم المتعددة، والقواعد المثبتة والانجازات السابقة بالاضافة إلى دراساتها الخاصة"(1).
وجاء في توطئة الفيزياء ما يلي: "لقد ثبتّت اللجنة عدداً من هذه المصطلحات في علمي الفيزياء والرياضيات تجاوز أربعة آلاف مصطلح خلال الدورة الأولى للمجمع. وقد استرشدت اللجنة بالمصادر الآتية:
1-معجم (ماكروهل) للفيزياء والرياضيات.
2-معجم مصطلحات الرياضيات في التعليم العالي الصادر عن مكتب تنسيق التعريب بالرباط
3-الكتب المترجمة أو المؤلفة باللغة العربية والمزودة بملحقات المصطلحات العلمية(2).
أما ما جاء في مقدمة مصطلحات علم الأحياء فإننا سنجده مكرراً في مصطلحات علم الحيوان الذي سيأتي في الجزء الثاني من هذه المجموعة.
ثم أصدر المجمع الجزء الثاني من مجموعة (مصطلحات علمية) عام 1984 يحتوي 322 صفحة، في كل صفحة 25مصطلحاً باللغة الانكليزية مع ما يقابلها بالعربية موزعة على الموضوعات التالية:
1-مصطلحات في الفيزياء النووية من 1 إلى 64
2-مصطلحات في الكيمياء التحليلية من 67 إلى 114
3-مصطلحات في الهندسة المدنية من 152 إلى 214
5-مصطلحات في المراعي من 215 إلى 300
6-مصطلحات في التربية من 301 إلى 322
وقد قدم له رئيس المجمع العلمي العراقي بمقدمة جاء فيها:
__________
(1) أحمد العلي، مصطلحات علمية جـ1 المقدمة/ منشورات المجمع العلمي العراقي 1982
(2) مصطلحات علمية/ الفيزياء ص3 منشورات المجمع العلمي العراقي 1982(1/194)
"أدرك المجمع العراقي أهمية تثبيت المصطلحات العربية في العلوم، وجعل لها الأولوية في عمله وأعانه على تحقيق ذلك العدد الكبير من أعضائه المختصين بالعلوم وكذلك المختصين العراقيين المتمكنين من مادة اختصاصهم، والمؤمنين بتعريب العلوم، وبدور تعريب المصطلحات العلمية في إنماء الثقافة العربية المعبرة عن ذاتنا والتي هي أساس قوامنا الثقافي.
كوّن المجمع عدداً من اللجان التي يختص أعضاء كل منها بفرع من العلوم الحديثة، وأشركت اللجان في عملها خبراء من الأساتذة العراقيين في ميادين اختصاصاتهم، واعتمدوا أحدث المعاجم الغربية المختصة، واطلعوا على كثير من ثمار الجهود التي بذلت في وضع المصطلحات في العلوم التي يدرسونها، وحرصوا على الافادة من التراث اللغوي العربي. وكانت كل لجنة تعرض حصيلة جهدها على أعضاء المجمع ليقول كل عضو كلمته فيما يراه الأصوب والأقرب إلى الكمال، وكانت ثمار كل ذلك هذا المقدار الكبير من المصطلحات، نضعه بين أيدي القارئ العربي ليفيد منه الباحث والمتتبع والمثقف، وهو حصيلة عمل جماعي أسهم فيه العدد الأكبر من أعضاء المجمع(1)..."
وسنورد فيما يلي نموذجين من مقدمات المصطلحات العلمية التي احتواها الكتاب، لنتبين منهما الخطة التي سار عليها المجمع العراقي في تصنيف المصطلحات وتثبيتها:
مصطلحات في الكيمياء التحليلية:
"خصصت لجنة الكيمياء في المجمع العلمي العراقي قسماً كبيراً من أعمالها لدراسة المصطلحات الكيميائية، ورأت تقسيم هذه المصطلحات بحسب الموضوعات الكيميائية الرئيسية، كالكيمياء العضوية والكيمياء غير العضوية، والكيمياء الفيزيائية. والقصد من هذا التقسيم تسهيل البحث وجمع أكبر عدد ممكن من المصطلحات في كل فرع من فروع الكيمياء، ثم توحيد هذه المصطلحات في معجم عام.
__________
(1) أحمد العلي، صالح/ مصطلحات علمية جـ2 /المقدمة، ص:ج، د/ منشورات المجمع العلمي العراقي.(1/195)
وتتجه نية اللجنة إلى وضع معجمين عامين: أحدهما يشمل مصطلحات الكيمياء العضوية، وثانيهما يشمل مصطلحات الكيمياء غير العضوية. وتستعين اللجنة بالدراسات التي قدمتها المجامع اللغوية العربية، ومركز تنسيق التعريب بالرباط، والدراسات التي قدمها ويقدمها الأساتذة في الجامعات والمعاهد العراقية والعربية.."(1).
مصطلحات علم الحيوان:
"عملت لجنة الطب وعلوم الحياة على اختيار كلمة عربية واحدة مقابل الكلمة الأجنبية إلا إذا تعددت المدلولات واستفادت في عملها مما ورد في الكتب العربية القديمة، ومن الكلمات المستعملة في الوقت الحاضر، ومما أنجزته المجامع في البلاد العربية ولكن فائدة ذلك كانت محدودة، لأن ما أنجزته بعض اللجان المختصة، ونشره عدد من الباحثين، وحرصت اللجنة على أن تدرس الكلمات ذات المعاني المتقاربة أو المتضادة في الوقت نفسه، ليتم الوصول إلى مجموعة من المصطلحات في الدراسة الواحدة بغض النظر عن التسلسل الألفبائي.
ولا بد من الإشارة إلى الصعوبة الموجودة في (التصنيف) classication حيث تتداخل في اللغة العربية مصطلحات التصنيف مع التسميات، بينما تفترق عن بعضها بصفة عامة في اللغة الانكليزية.
وراعت اللجنة أن يتحقق الانسجام مع (مصطلحات علم الأحياء) التي سبق نشرها في كتاب (مصطلحات علمية) الذي طبع عام 1982/ص65-89، مع ما سبق اقراره في المجمع العلمي العراقي ومع المعجم الطبي الموحد(2)...".
(((
(الفصل الرابع)
مجمع اللغة العربية الأردني
التمهيد:
1. أعمال المجمع
2. أهداف المجمع ووسائله لتحقيقها
3. منهجية المجمع في وضع المصطلح العلمي
4. جهود المجمع في تعريب المصطلحات
5. عملية تعريب المصطلحات
6. وحدة الحاسوب
7. خاتمة عن جهود المجامع اللغوية بوجه عام.
التمهيد:
__________
(1) كتاب (مصطلحات علمية) جـ2/67.
(2) كتاب (مصطلحات علمية) جـ2/117(1/196)
نشرت مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق خبراً في المجلد الرابع الصادر عام 1924 تحت عنوان (مجمع علمي في شرق الأردن) جاء فيه:
"جاءتنا نشرة مآلها أن سمو الأمير عبد الله أصدر أمره بتأسيس مجمع علمي في عمان عاصمة شر ق الأردن العربي، وانتخب رئيساً له سماحة رصيفنا الشيخ سعيد الكرمي وكيل الشؤون الشرعية. وأما أعضاؤه فهم العلماء رضا توفيق والشيخ مصطفى الغلاييني، ورصيفنا رشيد بقدونس، ومحمد الشريقي.. وحددت مهمام المجمع بإحياء اللغة العربية، ونشر المدارس والمؤلفات، والقاء المحاضرات وإنشاء دار الكتب، وإصدار مجلة شهرية"(1).
ويبدو أن الحياة لم تكتب لهذا المجمع، فلم يظهر للوجود أصلاً، فقد صدق عليه ما ذكره الشهابي عن المجامع العلمية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الأولى في بيروت وبغداد وعمان حين قال: "لم تطل أيام المجامع التي كانت أنشئت في بيروت وبغداد وعمان بعد الحرب الكبرى الأولى، ويعزى قصر عمرها اما لحبس الحكومات المال عنها، واما لأنه كان يعوزها غير المال"(2).
__________
(1) مجمع علمي في شرق الأردن/ مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق مج4، جـ1/46(1924)
(2) الشهابي، مصطفى/ المصطلحات العلمية في اللغة العربية /62.(1/197)
وفي سنة 1961 تأسست في وزارة التربية والتعليم الأردنية (اللجنة الأردنية للتعريب والترجمة والنشر) تنفيذاً للقرار الذي اتخذه مؤتمر التعريب الأول المنعقد في الرباط في شهر نيسان عام 1961. فقد كان من جملة قراراته إنشاء شعبة وطنية للتعريب في كل بلد عربي، ترتبط بالمكتب الدائم لتنسيق التعريب في الرباط. واستمرت هذه اللجنة منذ إنشائها تبذل الجهد من أجل المساهمة مع المؤسسات العربية الأخرى لخدمة اللغة العربية، لكي تصبح كما كانت لغة العلم والحضارة، واستمرت هذه اللجنة بأعمالها حتى صدر قانون مجمع اللغة العربية الأردني رقم 40 لسنة 1976. وبموجب هذا القانون باشر المجمع مهامه ابتداء من 1/10/1976.(1).
1)أعمال المجمع
ويمكن إيجاز أهم الأعمال التي أولاها هذا المجمع الحديث عنايته بـ:
1-تعريب المصطلحات الأجنبية المستعملة في مختلف الوزارات والدوائر والمؤسسات في الأردن ووضع المقابلات العربية لها.
2-معالجة أسباب الضعف في اللغة العربية بالتعاون مع أجهزة وزارة التربية والتعليم ووزارة الاعلام في الإذاعة والتلفزة والصحف.
3-المشاركة في حملة تعريب التعليم العلمي الجامعي، فتبنى المجمع مشروعاً محدداً ضمن امكاناته المادية المحددة، يقضي بترجمة الكتب العلمية التي تدرس في السنة الأولى من الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك في مجالات الفيزياء، والرياضيات والكيمياء، والأحياء، والجيولوجيا.. وقد أنهى المرحلة الأولى ترجمة ونشرا، وبدأ بالمرحلة الثانية".(2).
__________
(1) خليفة، عبد الكريم/ التعريب ودوره في تدعيم الوجود العربي/ 134.
(2) خليفة، عبد الكريم/ التعريب ودوره في تدعيم الوجود العربي/ 134
... والأصح أن يقال: في دعم الوجود العربي. لأن دعم ثلاثية ولم تسمع على وزن (فعّل).(1/198)
"وقد شاء المجمع أن يقطع الطريق على المنادين بتعليم العلوم بلغة أجنبية، متذرعين بعدم وجود كتب لهذا الغرض باللغة العربية، وأن العربية ليست لغة علم وحضارة، فعمد إلى اختيار بعض كتب العلوم التي تدرس في السنة الأولى من الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك، وعهد بترجمتها إلى العربية إلى لجان من أعضاء الهيئة التدريسية.
وكان من أثر التشجيع الواسع الذي لقيته هذه الخطوة الجريئة، أن المجمع أخذ يفكر في أن يستمر في إغناء اللغة العربية بمثل هذه الترجمات العلمية النافعة للكتب التي تدرس في الجامعة من جهة، ولكتب المراجع العلمية من جهة أخرى، لتوفيرها للدارسين والمدرسين. وبهذا يكون المجمع قد وضع الأساس العلمي لإغناء اللغة العربية بالمصطلحات والأفكار العلمية والتقنية معاً..."
وأصدر المجمع كتابين من أعماله التعريبية، يتناول أولهما: تعريب رموز وحدات النظام الدولي ومصطلحاتها. ويتناول الثاني: مصطلحات التجارة والاقتصاد والمصارف.
ودفع إلى المطبعة بخمسة كتب في الكيمياء والبيولوجيا والجيولوجيا والرياضيات والفيزياء كما جاء في العدد الثاني من مجلته، وجميعها يدرسها الطلاب في الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك. وكل كتاب من الكتب الخمسة ملحق به معجم للمصطلحات العلمية الواردة فيه بأصلها الانكليزي ومقابلها العربي، لتيسير شيوع المصطلح العلمي بين دارسي العلوم في الجامعات العربية.
4-وقد صدر العدد الأول من مجلته في كانون الثاني عام 1978. وقد انضم هذا المجمع الناشئ منذ سنته الأولى إلى اتحاد المجامع العربية"(1).
__________
(1) ضيف، شوقي/ مجمع اللغة العربية في خمسين عاماً/ 16.(1/199)
ولكن العدد الأول من مجلة المجمع لا يوضح الأهداف التي من أجلها صدرت المجلة، كما أنه لا يوضح خطتها في موعد صدورها، فلا يعلم القارئ أهي فصلية أم نصف سنوية؟ هل كل ما ينشر فيها معبر عن رأي المجمع؟ فمن خلال تصفح أعدادها وجدت كثيراً مما نشر بعيداً عن أهداف المجمع اللغوية.
ولقد حرص المجمع الأردني على أن يجعل من نفسه نافذة مفتوحة على النهضة الثقافية في الأردن، وعلى الأوساط المثقفة والمؤسسات التعليمية المختلفة وعلى الجماهير عامة.. وتحقيقاً لهذه المشاركة الواسعة كان أهم قرارات المجمع خلال السنة التي مرت على إنشائه ثلاثة قرارات كبيرة هي:
1-حصر المفردات المستعملة في المرحلة الابتدائية، ضمن مشروع توحيد هذه المفردات في العالم العربي. وقد أنجز هذا العمل بالتعاون مع الجامعة الأردنية وكلية التربية فيها.
2-مشروع ترجمة الكتب العلمية الجامعية ضمن حملة مركزة لأجل تعريب التعليم العلمي الجامعي.
3-تعريب المصطلحات العلمية والفنية والأجنبية المستعملة في مختلف الدوائر والمرافق الحيوية في الأردن. وقد عمم المجمع نداء في هذا الصدد، وكانت الأصداء واسعة ومشجعة جداً. وسعى المجمع بعد الفراغ من تعريب هذه المصطلحات إلى الاستئناس بآراء المجامع الزميلة، ورأي مكتب تنسيق التعريب في الرباط من أجل توحيدها في العالم العربي منعاً للازدواج والتعدد في المصطلحات.
2)أهداف المجمع ووسائله لتحقيقها:
أهداف المجمع الأردني هي الأهداف عينها التي قامت لأجلها المجامع العربية الأخرى، ووسائله لتحقيقها هي الوسائل عينها لتلك المجامع. وقد أوجزها قانون المجمع رقم 40 لسنة 1976فيما يلي:
المادة4 -يعمل المجمع على تحقيق الأهداف التالية:
آ-الحفاظ على سلامة اللغة العربية وجعلها تواكب متطلبات الآداب والعلوم والفنون الحديثة.(1/200)
ب-توحيد مصطلحات العلوم والآداب والفنون، ووضع المعاجم والمشاركة في ذلك مع وزارة التربية والتعليم والمؤسسات العلمية واللغوية والثقافية داخل الأردن وخارجه.
ج-احياء التراث العربي والاسلامي في العلوم والآداب والفنون.
المادة 5-تحقيقاً للغايات المقصودة من هذا القانون يقوم المجمع بما يلي:
آ-الدراسات والبحوث المتعلقة باللغة العربية.
ب-تشجيع التأليف والترجمة والنشر.. وإنشاء مكتبة للمجمع.
ج-ترجمة الروائع العالمية، ونشر الكتب المترجمة إلى العربية ومنها.
د-عقد المؤتمرات اللغوية في الأردن وخارجه، وإقامة المواسم والندوات الثقافية.
هـ-نشر المصطلحات الجديدة التي يتم توحيدها في اللغة العربية، بمختلف الوسائل وتعميمها على أجهزة الدولة.
و-اصدار مجلة دورية تعرف باسم (مجلة مجمع اللغة العربية الأردني)(1).
"وأما فيما يتعلق بالمصطلحات الأجنبية التي ما تزال مستعملة في الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية والخاصة، فقد كتب المجمع إلى جميع هذه الجهات وطلب إليها تزويده بما لديها من مصطلحات تحتاج إلى مقابلات عربية.
وكانت الاستجابة لهذه النداء عاجلة وواسعة فسرعان ما تلقي المجمع إجابات من وزارة النقل، ووزارة التجارة والصناعة، والقوات المسلحة، والأمن العام، ودائرة الأرصاد الجوية، والبنك المركزي، ودائرة الرموز والمواصفات والمقاييس، ثم من وزارة التربية والتعليم لمصطلحات التعليم الصناعي والتجاري والزراعي للمرحلة الثانوية.
__________
(1) -مجلة (اللسان العربي) بالرباط مج16/ جـ1/227-228. ونشرة مجمع اللغة العربي الأردني في عامه الأول/14-15.(1/201)
وألف المجمع لكل موضوع لجنة، دعمها بخبراء مختصين من مختلف الداوئر والمؤسسات التي قدمت الملصطلحات. وعملت هذه اللجان بجد ومثابرة حتى فرغت من ألوف المصطلحات التي بين أيديها. ثم عرضت هذه المصطلحات أولاً فأولاً على اللجنة العامة للمصطلحات والتعريب والترجمة، فأعادت النظر فيها مستعينة بالخبراء أنفسهم، حتى فرغت منها هي أيضاً. وهذه المصطلحات الآن معروضة بشكل نهائي على مجلس المجمع لمراجعتها واقرارها، تمهيداً لتحويلها إلى اتحاد المجامع لدراستها وتوحيدها في الوطن العربي برمته.(1).
والغرض من جميع هذه الخطوات هو توحيد المصطلح العلمي العربي، بدلاً من أن يكون لكل بلد عربي مصطلحاته، وفي هذا تشتت وبعثرة للغة العلمية العربية"(2).
وقد خط هذا المجمع لنفسه درباً جديداً في سبيل الغاية المشتركة وهي خدمة اللغة العربية صياغة واغناء. ذلك أنه قرن الموضوعات الثلاثة: الترجمة ووضع المصطلح والتعريب في مشروع واحد، فتبنىّ ترجمة جملة من المؤلفات العلمية المهمة التي تصلح للتدريس في كلية العلوم، وهي في موضوعات: الرياضيات، والكيمياء، والجيولوجيا، والبيولوجيا، والفيزياء، الحديثة. وبالفعل تمت ترجمة هذه الكتب وتم صدورها تباعاً، وذيل كل منها بقائمة المصطلحات التي استخدمها الأساتذة المترجمون، ولكن يبدو أن الهدف النهائي لهذا المشروع وهو اعتماد هذه الكتب المترجمة في التدريس لم يتحقق.(3)
3) منهجية المجمع في وضع المصطلح العلمي:
لقد اتخذ المجمع لنفسه منهجاً في التعريب يظهر في ممارساته العملية، وإن لم يكن هذا المنهج مكتوباً، ويمكن استنتاج هذه المنهجية من المنطلقات التالية:
1- أن يكون المقابل العربي معبراً تعبيراً دقيقاً عن المصطلح الأجنبي.
__________
(1) ولا أظنها إلا روجعت وأقرت.
(2) مجلة (اللسان العربي) مج16، جـ1،/229-230.
(3) الخوري، شحادة /تعريب التعليم العالي وصلته بالترجمة والمصطلح/ مجلة اللسان العربي مج 21/147.(1/202)
2- أن يكون المقابل العربي معبراً عن الوظيفة التي يدل عليها المصطلح الأجنبي إذا كان النقل الدقيق لألفاظه يخرج به في العربية عن وظيفته.
3- أن يكون المقابل العربي للمصطلح الأجنبي عربياً تراثياً كلما كان ذلك ممكناً.
4- أن يكون المقابل العربي للمصطلح الأجنبي هو المصطلح الأجنبي مع تحوير يجعل له جرساً عربياً، إذا أعيانا وضع المقابل العربي بطريقة من الطرق السابقة.
5- أن يكون المقابل العربي للمصطلح الأجنبي هو نفسه إذا كان من الشيوع والذيوع بحيث أصبح علماً(1)
4) جهود المجمع في تعريب المصطلحات:
لقد أصدر المجمع على مدى عشر سنوات تقريباً عدداً من مجموعات المصطلحات العلمية التي سنوردها فيما يلي:
1- مصطلحات الأرصاد الجوية ، ط1 ... ... ... ... 1981
2- مصطلحات زراعية. ... ... ... ... ... ... 1981 ...
3- تعريب رموز وحدات النظام الدولي ومصطلحاتها، ط2 ... ... 1981
4-مصطلحات التجارة والاقتصاد والمصارف ، ط2 ... ... ... 1982
5- مشروع المجمع للرموز العلمية العربية. ... ... ... ... 1985
6- معجم المصطلحات الرياضيات الابتدائية ، د.سعيدان، بتكليف المجمع. ... 1987
7- مصطلحات الدهانات والورنيشات(2). ... ... ... ... 1989
كما أصدر المجمع عدداً من مجموعات المصطلحات العسكرية للجيش العربي الأردني هي:
8- مصطلحات سلاح الصيانة. ... ... ... ... ... 1984
9- مصطلحات سلاح التموين والنقل. ... ... ... ... 1984
10- مصطلحات سلاح المشاة. ... ... ... ... ... 1984
11- مصطلحات سلاح الجو. ... ... ... ... ... 1984
12- مصطلحات سلاح المدفعية. ... ... ... ... ... 1986
13- مصطلحات سلاح الهندسة.(3) ... ... ... ... 1987
__________
(1) مجلة مجمع اللغة العربية الأردني / مج5 جـ15 و 16 ، ص / 100/ 1982
(2) التقريران السنويان الثاني عشر والثالث عشر حول منجزات المجمع لعامي 1988 و 1989.
(3) التقريران السنويان الثاني عشر والثالث عشر حول منجزات المجمع العلمي لعامي 1988 و 1989.(1/203)
"وعلى ذكر المصطلحات العسكرية فإن المجمع يعد علمه هذا مكملاً للمعجم العسكري الموحد الذي وضعته الجامعة العربية، إذ أنه سيقتصر على إضافة مالم يرد في المعجم العسكري الموحد من مصطلحات عسكرية، وعلى مايرى المجمع تصحيحه فيه من مصطلحات، ليصبح المعجم العسكري الموحد كاملاً إلى أفضل حد ممكن"(1).
"ولقد ألف المجمع لجنة لوضع مشروع لمنهجية كتابة المختصرات العلمية بحروف عربية، وقد عقدت هذه اللجنة عدة اجتماعات ناقشت من خلاها خطة عملها، وقد مت نماذج منها إلى مجلس المجمع لمناقشتها وإبداء مايراه حولها من تعديلات وقد أقرها مجلس المجمع بعد إجراء بعض التعديلات عليها"(2).
5) عملية تعريب المصطلحات:
" وعكف المجمع على دراسة المصطلحات التي تلقاها من وزارة التربية والتعليم بغية إيجاد المقابلات العربية، وهذه المصطلحات هي تكملة مصطلحات التعلم المهني والصناعي التي تلقاها المجمع من الوزارة، والتي كان مجلس المجمع قد أقرها بعد مناقشتها وهي: تخصص الخراطة والنجارة وميكانيك السيارات واللحام، كما فرغت لجنة المصطلحات في المجمع من مناقشة مصطلحات التعليم الصناعي تخصص راديو وتلفاز ومن مصطلحات التكييف والتبريد وإقرارها، كما شرعت بدراسة مصطلحات سلاح اللاسلكي (الملحق الثاني)، وأعادت النظر في مصطلحات التجارة والاقتصاد التي أصدرها المجمع من قبل، وأوصت بتأليف لجنة مؤقتة تكون مهمتها إضافة ماجد من مصطلحات في هذا المجال واستكمالها وتقديمها إلى المجمع لدراستها وإقراراها حسب الأصول، ثم إصدارها في طبعة جديدة.
__________
(1) التقرير السنوي الرابع حول منجزات المجمع لعام 1980/ 6.
(2) التقرير السنوي الثاني عشر حول منجزات المجمع لعام 1988/ 14(1/204)
ولدىالمجمع مصطلحات أخرى ماتزال تنتظر دورها في الدراسة منها: المصطلحات التجارية لمرحلة التعليم الثانوي، ومصطلحات الألوان ومسمياتها"(1).
وبما أن هذه المصطلحات التي يصدرها المجمع بعد إقرارها ليست نهائية ولم تأخذ صفة الإلزام بعد، بل هي مشروعات معاجم مصطلحات قابلة للمناقشة والأخذ والرد حتى يستقر أمرها، لذلك نرى أن "المجمع يحرص كل الحرص على تزويد المجامع اللغوية العربية ووزارات التعليم العالمي، ووزارات التربية والتعليم، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والجامعات العربية والمؤسسات العلمية العربية بما يصدر عنه في مجال تعريب المصطلحات من أجل تعميم الفائدة وتوحيد المصطلح العلمي على مستوى الوطن العربي"(2)، وذلك كيما يتلقى المجمع ماتبديه هذه المؤسسات العلمية المتخصصة من آراء واقتراحات حول مصطلحاته التي أقرها والتي ينتظر رأي الآخرين فيها.
مناقشة:
وسنورد فيمايلي بعض الانتقادات الواردة على مصطلحات الأرصاد الجوية التي أصدرها المجمع عام 1981، والتي كانت مجلة المجمع وغيرها ميداناً لهذه المناقشات والمقترحات والتصحيحات حول مانشره المجمع من مصطلحات.
فقد كتب الأستاذ أحمد شفيق الخطيب مقترحاً على واضعي مصطلحات الأرصاد الجوية أن يعيدوا النظر في بعضها لأنها خرجت عن القواعد المتفق عليها في وضع المصطلح العلمي العربي، وضرب على ذلك أمثلة كثيرة منها:
مصطلح (Advection) فقد وضع له المجمع مرادفات: زحف، انتقال، حركة أفقية.
واقترح الخطيب له لفظة مفردة هي: (تأفق).
ومثل مصطلح (Asman psychrometer) فقد وضع له المعجم مرادف:
__________
(1) التقريران السنويان: الثاني عشر ص 20-21 والثالث عشر ص 16-17 حول منجزات المجمع لعامي 1988و1989
(2) التقريران السنويان: الثاني عشر ص 20-21 والثالث عشر ص 16-17 حول منجزات المجمع لعامي 1988و1989(1/205)
مقياس اسمن للرطوبة، واقترح الخطيب لفظة عربية واحدة هي (مرطاب)(1).... وهكذا"....
كما شارك الأستاذ وجيه السمان بهذه المناقشة واقترح عدداً من المرادفات العربية لمصطلحات أجنبية بدلاً من تلك التي أقرها المجمع الأردني مثل مصطلح (Albedo) الذي أقترضه المجمع بلفظه، فاقترح الأستاذ السمان المرادف العربي (بياض) استناداً إلى المعجم الفلكي لأمين المعلوف.
كما ناقش الأستاذ عبد الرزاق الجزار مصطلحات التجارة والاقتصاد والمصارف التي أصدرها المجمع الأردني، ويمكن الرجوع إلى ذلك كله في مجلة المجمع(2).
هذا وأن مجمع اللغة العربية الأردني لم يكتف بما أصدره من مصطلحات علمية على شكل مجموعات -كما بينا قبلاً- بل أراد أن يرصد المصطلحات العلمية الواردة في الكتب العلمية المترجمة، فقد كلف المجمع عدداً من أعضائه ومن أساتذة الجامعات الأردنية ترجمة ثمانية عشر كتاباً علمياً عن اللغة الإنكليزية، وذلك ضمن حملة تعريب التعليم الجامعي مابين عامي 1981 و 1987م وتناولت العلوم التالية: البيولوجيا والجبر المجرد حساب التفاضل والتكامل ومبادئ التحليل الرياضي والجيولوجيا والكيمياء العامة والتحليلية والعضوية وغير العضوية والفيزياء الكلاسيكية والحديثة والتكوين الجنيني(3)..... الخ
__________
(1) الخطيب، أحمد شفيق/ مجلة مجمع اللغة العربية الأردني ، مج4-جـ11 ،12ص 173 وما بعدها.
(2) السمان والجزار / مجلة مجمع اللغة العربية الأردني، مج3 جـ7و8 ص 190 وما بعدها 1980
(3) التقريران السنويان الثاني عشر والثالث عشر حول منجزات المجمع الأردني لعامي 1988 و 1989.(1/206)
"ويدرس المجمع مشروع معجم المصطلحات العلمية وهو معجم يجمع بين المصطلحات الواردة في الكتب العلمية السابقة والتي ظهرت في منشورات المجمع، تمهيداً لنشرها في كتاب يكون عوناً للمترجمين"(1)، وذلك لأن كل كتاب من تلك الكتب المترجمة كان يختتم بمسرد للمصطلحات العلمية والتي وردت فيه باللغة الإنكليزية مع مايقابلها باللغة العربية، ليسهل الرجوع إليها عند الحاجة.
وسنورد فيما يلي لمحة موجزة عن عدد من تلك الكتب العلمية الجامعية التي قام المجمع بالعمل على ترجمتها ونشرها:
1- البيولوجيا:
تأليف ريتشارد أ. جولد سبي.
وقام بترجمته الدكتور عدنان علاوي وآخرون.
وهو مؤلف من جزءين، طبعا عام 1980، ويقع الجزء الأول في 684 ص ومذيل بملحق بالمصطلحات العلمية الواردة فيه، قد سار فيه المؤلفون على البدء بمداخل المصطلحات العربية.
2- مقدمة للتكوين الجنيني:
تأليف: ستيفن ب. أوبنهايمر.
وقام بترجمته الدكتور رمسيس لطفي، وطبع على نفقة مؤسسة عبد الحميد شومان وإشراف مجمع اللغة العربية الأردني عام 1983.
وهو مؤلف من 550ص، ومذيل بمعجم للمصطلحات العلمية الواردة فيه مكون من 35 ص. وقد سار على البدء بمداخل المصطلحات العربية مثل: أبهر (أورطى): Aorta : الجذع الرئيسي للجهاز الشرياني.
وعاء صادر: Ductus deferens : القناة المنوية....
3- الكيمياء الحيوية للخلية وعلم وظائفها:
تأليف: ن.أ. ادواردز و ك.أ. هسال
وقام بترجمته وإخراجه الدكتور الياس بيضون، ونشره المجمع عام 1986 وهو مؤلف من 728ص، ومذيل بملحق بالمصطلحات العلمية الواردة فيه.
4- الفيزياء الكلاسيكية والحديثة:
تأليف: كينيث و.فورد، ثلاث مجلدات 1981-1987
قام بترجمة المجلد الأول الدكتور همام غصيب وآخرون.
وقام بترجمة المجلدين الثاني والثالث الدكتور عمر الشيخ وآخرون.
__________
(1) التقرير السنوي السادس حول منجزات مجمع اللغة العربية الأردني لعام 1982 ص11.(1/207)
وكل مجلد من هذا الكتاب مذيل بمعجم صغير للمصطلحات الواردة فيه.
5- حساب التفاضل والتكامل والهندسة التحليلية:
تأليف ايرل و. سووكوفسكي
وترجمة الدكتور أحمد سعيدان وآخرون، وهو جزءان.
وقد ختم كل جزء بمسرد للمصطلحات العلمية الورادة فيه.
6) وحدة الحاسوب:
" تمكن المجمع من تزويد وحدة الحاسوب بالأجهزة والنظم الفنية اللازمة وتقوم هذه الوحدة بتوفير خدمة فنية متخصصة لمجلس المجمع ولجانه المختلفة، وتبدأ مهمتها من المرحلة الأولى لاختيار المصطلحات على أيدي اللجان الفنية ثم لجنة المصطلحات ثم مجلس الأمة، حيث يتم تخزين جميع هذه المصطلحات في مراحل إعدادها المختلفة حتى يقرها مجلس المجمع، ثم تدفع إلى المطبعة من أجل طباعتها وإخراجها في كراسات خاصة"(1).
الانجازات :
لقد استفاد المجمع من نظام الحاسوب الذي بدأ العمل به عام 1989 "فقد تمكنت هذه الوحدة من تخزين جميع المصطلحات التي أقرها المجمع على النحو التالي:
آ- وضعت هذه الوحدة نظاماً لتخزين المصطلحات في الحاسوب يتلاءم من المواصفات العالمية الخاصة، بالعمل المصطلحي، وقد عرض النظام على مجلس المجمع فأقره.
ب- تمكنت هذه الوحدة من تخزين جميع المصطلحات التي أقرها المجمع منذ تأسيسه عام 1976 وقد بلغت نحو عشرين ألف (20000) مصطلح موزعة على الوجه التالي:
1- مصطلحات التكييف والتبريد والأدوات الخاصة.
2- مصطلحات الراديو والتلفاز .
3- مصطلحات الدهانات والورنيشات.
4- مصطلحات الأرصاد الجوية.
5- مصطلحات ميكانيك السيارات واللحام.
6- مصطلحات التجارة والاقتصاد والمصارف.
7- مصطلحات النجارة.
8- مصطلحات سلاح المشاة.
9- مصطلحات سلاح التموين والنقل.
10- مصطلحات سلاح الهندسة.
11- مصطلحات سلاح اللاسلكي.
12- مصطلحات سلاح الدروع.
13- مصطلحات سلاح المدفعية.
14- مصطلحات سلاح الجو.
15- مصطلحات زراعية.
__________
(1) التقرير السنوي الثاني عشر حول منجزات مجمع اللغة الأردني ، عام 1988/ 22.(1/208)
ج- شرعت هذه الوحدة بتخزين المصطلحات التي أقرتها مؤتمرات التعريب بثلاث لغات: العربية والانكليزية والفرنسية، وذلك من أجل تسهيل الافادة منها في مجال تعريب التعليم العلمي الجامعي، وإيجاد المقابلات العربية للمصطلحات الأجنبية، وتوفيرها للباحثين والمهتمين بمجال نقل العلوم والتقنية الحديثة إلى اللغة العربية. ومجموع ماتم تخزينه منها حتى الآن اثنا عشر ألف (12000) مصطلح موزعة على الموضوعات التالية:
1- معجم الكيمياء.
2- معجم الجيولوجيا.
3- معجم الفيزياء.
4- معجم علم الحيوان(1).
ويبدو أن هذه الوحدة ماتزال بحاجة إلى عدد من المبرمجين والمحررين اللغويين والعلميين لتستطيع أن تعطي العطاء الأمثل.
7) خاتمة عن جهود المجامع اللغوية بوجه عام:
لقد تبين للمجامع اللغوية والعلمية في وقت مبكر من تاريخها أن الحاجة داعية لوضع مصطلحات للعلوم تحقق ماتتطلبه الدراسات الحديثة في النواحي العلمية المختلفة، وما تتطلبه حاجة الدارسين والباحثين العرب كذلك، وقد كانت اجتماعات تلك المجامع ومؤتمراتها ومجلاتها وبحوثها العلمية توجه اهتماماً خاصاً لذلك الموضوع، وصدر عنها العديد من المعاجم التي احتوت عشرات الآلاف من المصطلحات العلمية الجديدة، كما أوصت بنشر عدد من المعاجم الاصطلاحية التي وضعها أفراد أو هيئات أخرى، وأن المنتج لتلك الجهود لا يملك إلا أن يعجب بما أنتج على الرغم من شح الامكانات المادية وضعفها، وعلى الرغم ما اعترض تلك الجهود من معوقات أخرى كثيرة.
والذي يبدو من تلك الجهود أن منهجية المجامع اللغوية والعلمية في وضع المصطلحات كانت، بوجه عام، مبنية على القواعد، نفسها في منهجية علماء العربية القدماء، فقد فتحت تلك القواعد للمجامع ولغيرها من المؤسسات والعلماء والباحثين أبواباً واسعة لوضع قرارات هامة فيما يختص بوضع المصطلح العلمي.
__________
(1) التقرير السنوي الثالث عشر حول منجزات مجمع اللغة الأردني، عام 1989/ 20-21(1/209)
وهكذا فإن المجامع اللغوية العلمية جميعاً في الوطن العربي قد أجمعت في منهجياتها في وضع المصطلح العلمي على ضرورة إحياء القديم قبل التعجيل بابتكار الجديد، وعلى ضرورة اللجوء إلى اللغة العربية في مصادرها المختلفة قبل اللجوء إلى تعريب المصطلح الأجنبي،ولا يقدح في هذا الإجماع العام مايلاحظ أحياناً بين تلك المجامع من اختلاف في وضع بعض الألفاظ الاصطلاحية وتخيرها.
والذي يلاحظه الباحث هو أن تلك المجامع اللغوية والعلمية على الرغم من الأعمال الكبيرة التي قامت بها في مجال المصطلحات العلمية، فإنها لم تستطع أن تقوم بدور فاعل في إشاعة المصطلح وتوحيده على نطاق الأقطار العربية.
هذا وأن الجهد العظيم الذي قامت وتقوم به المجامع اللغوية والعلمية والمؤسسات الأخرى في وضع المصطلحات وتعريبها سيؤول إلى الضياع إذا ظلت هذه المصطلحات حبيسة الأوراق والمجلدات دون أن تتداولها الألسن والأقلام، بل حتى لو نقلت تلك الجهود إلى معاجم منظمة فإن الحال ستظل كما هي، مالم توجد وسائل لترويج تلك المصطلحات وشيوعها.
ولعل أهم عوامل شيوع المصطلح العلمي ورواجه أن يكون قد روعي في وضعه مواصفات المصطلح الجيد، من حيث الدقة والوضوح والسهولة والواقعية، وأن تكون المصطلحات المتعددة المتضاربة قد وحدت، أو حصرت أفضل اختياراتها.
وسنورد هنا رأي إحدى المنظمات العلمية حول مجامع اللغة العربية:
"إن هذه المجامع بوجه عام تهتم بالأمور اللغوية البحت، ويبدو أنها بعيدة عن الواقع الراهن والمستقبلي والثقافي، وكذلك العلمي إلى حد ما. لذا فإن وضع المصطلحات من قبل هذه المجامع غالباً مايأتي متأخراً، في حين أن مستخدمي المصطلحات يحتاجون إليها بسرعة لا تسمح بالانتظار الطويل، وذلك بسبب تسارع التقدم العلمي، ومن ثم زيادة المفاهيم والمصطلحات المتأتية عنها.
كما أن المجامع تتسم بطابع الإقليمية وكذلك المصطلحات الصادرة عنها. وخصوصاً مجمع اللغة العربية بالقاهرة.(1/210)
وإن التنسيق فيما بين هذه المجامع ضعيف، على الرغم من وجود (اتحاد المجامع اللغوية) وكذلك نجد أن مايصدر عنها ويقر بطرق علمية سليمة ضعيف إلى حد ما.
ومع أنها حاولت وتحاول بصدق تحقيق نشر المصطلحات وتوحيدها بالوسائل المختلفة كالترجمة والتعريب والاجتهاد أحياناً، فإنها لم تستطع عملياً إغناء اللغة بالمصطلحات الملائمة".(1).
(((
الفهرس
المقدمة ...
/ الباب الأوّل / وضع المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة
في المشرق العربي في عصر النهضة ...
التمهيد ...
(الفصل الأول): المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في مصر ...
تمهيد : ...
1) ماهي العلوم الحديثة التي ترجمت إلى العربية ؟ ...
2) الطريقة المتبعة في نقل هذه العلوم إلى اللغة العربية في مدرسة الطب ...
3) جهود الأساتذة الأجانب بمدرسة الطب في وضع المصطلحات ...
4) جهود الأساتذة المصريين في وضع المصطلحات : ...
5) جهود المترجمين من غير الأطباء والأساتذة في وضع المصطلحات ...
6) جهود المحررين والمصححين في وضع المصطلحات الطبية. ...
7) صعوبة ترجمة المصطلحات العلمية ومحاولة التغلب عليها: ...
8) خاتمة وتعليق : ...
(الفصل الثاني) :المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في الشام ...
تمهيد ...
1) جهود أساتذة الكلية السورية الانجيلية في وضع المصطلحات العلمية: ...
2) جهود الكتاب والمترجمين من غير أساتذة الكلية السورية في وضع المصطلحات العلمية. ...
(الفصل الثالث): المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة بين
الشام ومصر والعراق. ...
تمهيد : ...
1) جهود الدكتور يعقوب صروف (1852- 1927). ...
2) مجلة (المقتطف) ودورها في وضع المصطلحات العلمية
ومناقشها (1876 - 1952) ...
3) خاتمة بوضع المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في العراق : ...
/الباب الثاني/جهود مجامع اللغة العربية، ومنهجيتها في
وضع المصطلحات وتأليف المعاجم العلمية المتخصصة. ...
التمهيد: ...
(
__________
(1) مرئيات مديرية المواصفات والمقاييس الأردنية / مجلة (اللسان العربي) مج 27، ص74.(1/211)
الفصل الأول): المجمع العلمي العربي بدمشق (مجمع اللغة العربية) ...
التمهيد: ...
1) أول أعمال المجمع: ...
2) تشريح الدراجة للأستاذ عز الدين التنوخي: ...
3) نقد وتعليق: ...
4) مجلة المجمع العلمي العربي ودورها في
وضع المصطلح العلمي: ...
5) فهارس المصطلحات الواردة في مجلة المجمع: ...
(الفصل الثاني ): مجمع اللغة العربية في القاهرة ...
1) التمهيد: ...
2) مجمع اللغة العربية: ...
3) منهجية المجمع في قبول المصطلحات العلمية: ...
4) صوغ المصطلح العلمي: ...
5) من قرارات المجمع في أقيسة اللغة وأوضاعها: ...
6) من قرارات المجمع في الترجمة. ...
7) من قرارات المجمع في التعريب: ...
8) من قرارات المجمع في وضع المصطلحات العلمية: ...
9) تعليق وتعقيب على تلك القرارات: ...
10) التوصيات الخاصة بوضع المصطلحات العلمية: ...
11) المجمع وتوحيد المصطلحات العلمية العربية: ...
12) جهود المجمع في نشر مجموعات المصطلحات العلمية والفنية: ...
(الفصل الثالث): المجمع العلمي العراقي ...
1) لمحة عن المحاولات الأولى لانشاء المجمع: ...
2) قواعد المجمع القديم في وضع المصطلح العلمي: ...
3) المجمع العلمي العراقي الجديد وأعماله: ...
4) منهجية المجمع في وضع المصطلحات واقرارها: ...
5) جهود المجمع في وضع المصطلحات العلمية: ...
(الفصل الرابع): مجمع اللغة العربية الأردني ...
التمهيد: ...
1)أعمال المجمع ...
2)أهداف المجمع ووسائله لتحقيقها: ...
3) منهجية المجمع في وضع المصطلح العلمي: ...
4) جهود المجمع في تعريب المصطلحات: ...
5) عملية تعريب المصطلحات: ...
7) خاتمة عن جهود المجامع اللغويين بوجه عام: ...(1/212)